You are on page 1of 31

‫ﻻ إله إﻻ ﷲ‬

‫ﷴ رسول ﷲ‬

‫• ‪╮¸.‬مؤسسة البتار اﻹعﻼمية╭¸‪•.‬‬


‫۩ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ۩‬
‫تُقدّمــــــــ‪:‬‬
‫بــرنـــــامــــج‬
‫|| الطواغيت ومشـــايخ الســوء ||‬
‫‪ -‬الحلقــــة اﻷولى ‪-‬‬
‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَنْ‬ ‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬م َعذﱠبٌ من قب ِل ُ‬
‫عبﱠا ِد َ‬ ‫وعال ٌم ِ‬

‫‪1‬‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬
‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫الحمد مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء‪ ،‬ويعز من يشاء ويذل من يشاء‪،‬‬
‫بيده الخير إنه على كل شيء قدير‪ ،‬والصﻼة والسﻼم على النبي المبين الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها‬
‫كنهارها ﻻ يزيغ عنها بعده إﻻ هالك‪ ،‬وأشهد أن ﻻ إله إﻻ ﷲ وحده ﻻ شريك له وأشهد أن ﷴا عبده ورسوله‬
‫–صلى ﷲ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد؛‬

‫اجدًا َو َقائِ ًما يَحْ َذ ُر‬ ‫س ِ‬ ‫فقد مدح ﷲ عز وجل أهل العلم به وبدينه فقال سبحانه } أ َ ْم َم ْن ُه َو قَانِتٌ آنَا َء اللﱠ ْي ِل َ‬
‫ب{]الزمر‪،[9:‬‬ ‫ست َ ِوي الﱠ ِذينَ َي ْعلَ ُمونَ َوالﱠ ِذينَ ﻻ َي ْعلَ ُمونَ ِإنﱠ َما يَت َ َذك ُﱠر أُولُو اﻷ َ ْل َبا ِ‬ ‫اﻵخ َرةَ َو َي ْر ُجو َرحْ َمةَ َر ِبّ ِه قُ ْل َه ْل َي ْ‬ ‫ِ‬
‫سأَلُوا أ َ ْه َل‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫}‬ ‫تعالى‬ ‫فقال‬ ‫وينهونه‪،‬‬ ‫يأمرونه‬ ‫فيما‬ ‫ويطيعهم‬ ‫الذكر‬ ‫أهل‬ ‫يسأل‬ ‫بأن‬ ‫علم‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ﻻ‬ ‫من‬ ‫حانه‬ ‫سب‬ ‫ﷲ‬ ‫وأمر‬
‫سو َل َوأ ُ ْو ِلي‬ ‫ﱠ ُ‬ ‫الر‬ ‫وا‬ ‫ع‬‫ي‬ ‫ط‬
‫ﱠَ َ ِ ُ‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫وا‬ ‫ع‬
‫ِ ُ‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫ينَ‬‫ذ‬ ‫ﱠ‬ ‫ل‬
‫َ ﱡَ ِ‬‫ا‬ ‫ا‬‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫}‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫[‪،‬‬ ‫‪43‬‬ ‫{]النحل‪:‬‬ ‫ال ِ ّذ ْك ِر ِإن كُنت ُ ْم َﻻ ت َ ْعلَ ُمونَ‬
‫سنُ‬‫سو ِل ِإ ْن كُنت ُ ْم ت ُ ْؤ ِمنُونَ ِبا ﱠ ِ َوا ْل َي ْو ِم ْاﻵ ِخ ِر َذ ِلكَ َخي ٌْر َوأ َحْ َ‬ ‫ش ْي ٍء فَ ُردﱡوهُ ِإ َلى ﱠ ِ َو ﱠ‬
‫الر ُ‬ ‫از ْعت ُ ْم فِي َ‬ ‫ْاﻷ َ ْم ِر ِم ْن ُك ْم فَ ِإ ْن تَنَ َ‬
‫يﻼ {]النساء‪ ،[59:‬فأمر بطاعة العلماء واﻷمراء بشرط أن تكون طاعتهم تابعة لطاعة ﷲ وطاعة رسوله –‬ ‫تَأ ْ ِو ً‬
‫ﷺ‪ ،-‬وإن وقع خﻼف بين الناس أو خﻼف بين الناس وبين العلماء أو بين الرعية وبين اﻷمراء أو بين العلماء‬
‫واﻷمراء فيرد التنازع إلى ﷲ والى رسوله –ﷺ‪ -‬أي إلى كتاب ﷲ والى سنة رسوله –ﷺ‪ -‬فذلك خير للناس في‬
‫الدنيا واﻵخرة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ﱠ‬
‫والعلماء الذين ينفعهم علمهم هم الذين يورثهم علمهم خشية ﷲ تعالى كما قال سبحانه } إِنما يَخشَى ﱠ َ‬
‫ِم ْن ِعبا ِد ِه ا ْلعُلَما ُء{]فاطر‪ ،[28:‬والخشية هي الخوف المقرون بتعظيم ﷲ عز وجل‪ ،‬فاجتمع فيهم العلم با‬
‫والعلم بأوامره مع الخوف منه وتعظيمه سبحانه‪ ،‬ولذلك كان الﻼئق بهم أن يكونوا ألزم الناس لطاعة ﷲ وأبعدهم‬
‫عن معصيته‪ ،‬ومعرفتهم با تدعوهم إلى إخﻼص العمل له فهو سبحانه الذي عنده حسن الثواب وهو الذي ﻻ‬
‫يوثق وثاقه أحد وﻻ يعذب عذابه أحد‪.‬‬
‫لقد ذكر ﷲ تعالى علماء أهل الكتاب من قبلنا وذكر من استحق الذم منهم‪ ،‬ومدح الذين تمسكوا بكتبهم‬
‫قبل بعثة نبينا ﷴ –ﷺ‪ -‬وعملوا على إصﻼح الناس بتعليمهم دينهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر‪ ،‬قال‬
‫ض أ ُ َم ًما{]اﻷعراف‪ [168:‬أي فرقناهم ومزقناهم في اﻷرض بعدما‬ ‫ط ْعنَا ُه ْم فِي ْاﻷ َ ْر ِ‬ ‫}وقَ ﱠ‬
‫تعالى عن بني إسرائيل َ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ‬ ‫ٰ‬
‫}و ِمن ُه ْم ُدونَ ذ ِلكَ { أي دون الصﻼح‬ ‫ص ِل ُحونَ { القائمون بحقوق ﷲ وحقوق عباده‪َ ،‬‬ ‫}م ْن ُه ُم ٱل ﱠ‬
‫أن كانوا مجتمعين‪ّ ِ ،‬‬
‫إما مقتصدون يفعلون الواجبات دون المستحبات ويتركون المحرمات دون المكروهات وإما ظالمون ﻷنفسهم‪،‬‬
‫سيِّئَاتِ{ أي بالعسر واليسر }لَ َعلﱠ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ { عما هم عليه مقيمون‬ ‫ت َوال ﱠ‬ ‫}و َبلَ ْونَا ُهم{ على عادتنا وسنتنا } ِبا ْل َح َ‬
‫سنَا ِ‬ ‫َ‬
‫ف ِمن بَ ْع ِد ِه ْم‬ ‫من الضﻼل ويراجعون ما خلقوا له من الهدى‪ ،‬فلم يزالوا بين صالح وطالح ومقتصد حتى }ف َخلَ َ‬
‫ف{ زاد شرهم ورثوا بعدهم الكتاب وصار المرجع فيه إليهم وصاروا يتصرفون فيه بأهوائهم وتبذل لهم‬ ‫َخ ْل ٌ‬
‫ض ٰ َه َذا ْاﻷ َ ْدنَ ٰى{ أي يبيعون دينهم مقابل‬ ‫اﻷموال ليفتوا ويحكموا بغير الحق‪ ،‬وفشت فيهم الرشوة } َيأ ْ ُخذُونَ ع ََر َ‬
‫سيُ ْغفَ ُر لَنَا{ وهذا ادعاء خا ٍل من الحقيقة‬ ‫عرض من الدنيا مقرين بأنهم مذنبون وأنهم ظلمة ومع ذلك }ويَقُولُونَ َ‬
‫وقو ٌل على ﷲ بﻼ علم‪ ،‬يتجرؤون على الموبقات ويقولون سيغفر لنا‪ ،‬ولو كانوا طﻼب مغفرة لندموا على ما‬
‫فعلوا وعزموا على أن ﻻ يعودوا‪ ،‬ولكنهم إذا أتاهم عرض آخر ورشوة أخرى يأخذونها فاشتروا بآيات ﷲ ثمنا ً‬
‫قليﻼ واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير‪.‬‬
‫علَى ﱠ ِ‬ ‫ب أن ﱠﻻ يَقُولُوا َ‬ ‫َ‬ ‫ق ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫َ‬
‫علَي ِْهم ِ ّميثا ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫قال ﷲ تعالى في اﻹنكار عليهم وبيان جراءتهم } ألَ ْم يُ ْؤ َخذ َ‬
‫ِإ ﱠﻻ ا ْل َحقﱠ{]اﻷعراف‪ [169:‬فما بالهم يقولون عليه غير الحق اتباعا ً ﻷهوائهم وميﻼً مع مطامعهم‪ ،‬والحال أنهم قد‬

‫‪2‬‬
‫سوا َما فِي ِه{ فليس عليهم فيه إشكال فقد عرفوا الحق واضحا ً وأتوا أمرهم متعمدين وكانوا في أمرهم‬ ‫}د ََر ُ‬
‫مستبصرين وهذا أعظم للذنب وأشد للوم وأشنع للعقوبة‪ ،‬وهذا من نقص عقولهم وسفاهة رأيهم بإيثار الحياة الدنيا‬
‫ﱠار ْاﻵ ِخ َرةُ َخي ٌْر ِلّلﱠ ِذينَ يَتﱠقُونَ { أي يتقون ما حرم ﷲ عليهم‪ ،‬فاﻵخرة خير‬ ‫على اﻵخرة‪ ،‬ولهذا قال تعالى } َوالد ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫للمتقين من المآكل التي تصاب وتؤكل رشوة على الحكم بغير ما أنزل ﷲ وغير ذلك من أنواع المحرمات‪} ،‬أف َﻼ‬
‫ت َ ْع ِقلُونَ { أي أفﻼ يكون لكم عقول توازن بين ما ينبغي إيثاره وما ينبغي اﻹيثار عليه وما هو أولى بالسعي إليه‬
‫والتقديم له على غيره‪ ،‬فخاصية العقل النظر للعواقب‪ ،‬وأما من نظر إلى عاجل طفيف منقطع يفوت نعيما ً عظيما ً‬
‫ب{ أي يتمسكون‬ ‫سكُونَ ِبا ْل ِكتَا ِ‬‫باقيا ً فأنّى له العقل والرأي! وإنما العقﻼء حقيقة من وصفهم ﷲ بقوله } َوالﱠ ِذينَ يُ َم ِ ّ‬
‫به علما ً وعمﻼ ً فيعلمون ما فيه من اﻷحكام واﻷخبار التي ِعلمها أشرف العلوم ويعملون بما فيها من اﻷوامر التي‬
‫هي قرة العيون وسرور القلوب وأفراح اﻷرواح وصﻼح الدنيا واﻵخرة‪.‬‬
‫ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات إقامة الصﻼة ظاهرا ً وباطناً‪ ،‬ولهذا خصها ﷲ بالذكر‬
‫لفضلها وشرفها وكونها ميزان اﻹيمان وإقامتها داعية ﻹقامة غيرها من العبادات‪ ،‬ولما كان عملهم كله إصﻼحا ً‬
‫ص ِل ِحينَ {]اﻷعراف‪ [170:‬في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم مصلحين ﻷنفسهم‬ ‫قال تعالى } ِإنﱠا َﻻ نُ ِضي ُع أَجْ َر ا ْل ُم ْ‬
‫ولغيرهم‪.‬‬
‫ور ِه ْم‬ ‫اس َو َﻻ ت َ ْكت ُ ُمونَهُ فَنَبَذُو ُه َو َرا َء ُ‬
‫ظ ُه ِ‬ ‫وقال تعالى } َو ِإ ْذ أ َ َخ َذ ﱠ ُ ِميثَاقَ الﱠ ِذينَ أُوتُوا ا ْل ِكت َ َ‬
‫اب لَتُبَيِّنُنﱠهُ ِللنﱠ ِ‬
‫َ ً َ ً ۖ‬
‫شت َ ُرونَ { ]آل عمران‪ [187:‬فهذا هو الذي كلف ﷲ به العلماء أن ﻻ يكتموا‬ ‫س َما يَ ْ‬ ‫يﻼ ◌ َفبِئْ َ‬ ‫شت َ َر ْوا بِ ِه ث َمنا ق ِل‬ ‫َوا ْ‬
‫ق‬ ‫سوا ا ْل َح ﱠ‬ ‫الحق بل يظهرونه ويبينونه وﻻ يلبسونه بالباطل كما قال سبحانه مخاطبا علماء بني إسرائيل } َو َﻻ ت َ ْل ِب ُ‬
‫ق َوأَنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ {]البقرة‪ ،[42:‬وقد ﻻم ﷲ علماء أهل الكتاب وذمهم لما خالفوا أمره فكتموا‬ ‫اط ِل َوت َ ْكت ُ ُموا ا ْل َح ﱠ‬
‫ِبا ْل َب ِ‬
‫ب ِل َم‬ ‫شيئا ً من الحق الذي يحتاج الناس إلى معرفته ولبسوا بعض الحق بالباطل فقال سبحانه } َيا أ َ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ق َوأَنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ {]آل عمران‪.[71:‬‬ ‫اط ِل َوتَ ْكت ُ ُمونَ ا ْل َح ﱠ‬
‫ق ِبا ْل َب ِ‬‫سونَ ا ْل َح ﱠ‬ ‫ت َ ْل ِب ُ‬
‫وقد بين لنا نبينا –ﷺ‪ -‬أنه ما من مخالفة وقع فيها أهل الكتاب اليهود والنصارى إﻻ وستقع في هذه اﻷمة‬
‫الﷴية‪ ،‬ولهذا قال اﻹمام سفيان أبن عيينة ‪-‬رحمه ﷲ‪) -‬من فسد من عبادنا ففيه شبهٌ من النصارى‪ ،‬ومن فسد‬
‫من علمائنا ففيه شبهٌ من اليهود(‪ ،‬وكثيرا ً ما يخبر ﷲ سبحانه وتعالى أن أهل السعادة هم الذين عرفوا الحق‬
‫واتبعوه‪ ،‬وأن أهل الشقاوة هم الذين جهلوا الحق وضلوا عنه أو علموه وخالفوه واتبعوا غيره‪ ،‬ولذلك يدعوا‬
‫المسلم في كل ركعة من صلواته أن يهديه ﷲ الصراط المستقيم صراط الذين أنعم ﷲ عليهم من النبيين‬
‫والصديقين والشهداء والصالحين‪ ،‬ويسأل المسلم ربه أن يجنبه طرق المغضوب عليهم وهم الذين عرفوا الحق‬
‫ولم يعملوا به‪ ،‬والضالين الذين جهلوا الحق وضلوا عنه‪.‬‬
‫وأول تعامل لنبينا –ﷺ‪ -‬مع الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب كان مع ورقة بن نوفل الذي تنصر وكان‬
‫يكتب الكتاب العبراني وكان يعرف التوراة واﻹنجيل ولم يكن ممن دخل في التبديل وﻻ أخذ عمن بدلوا دينهم‬
‫وحرفوا كتبهم‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة ‪-‬رضي ﷲ عنها‪] -‬أن النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬جاءه الحق‬
‫وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال‪) :‬اقرأ(‪ ،‬قال‪) :‬ما أنا بقارئ(‪ ،‬قال‪ :‬فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد‬
‫ثم أرسلني فقال‪) :‬اقرأ(‪ ،‬قلت‪) :‬ما أنا بقارئ(‪ ،‬فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال‪:‬‬
‫س ِم َر ِبّكَ الﱠذِي َخلَقَ * َخلَقَ‬ ‫}اق َرأْ بِا ْ‬
‫)اقرأ(‪ ،‬فقلت‪) :‬ما أنا بقارئ(‪ ،‬فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال‪ْ :‬‬
‫ق * ْاق َرأْ َو َربﱡكَ ْاﻷ َ ْك َر ُم{]العلق‪ ،[3-1:‬فرجع بها رسول ﷲ ‪-‬ﷺ‪ -‬يرجف فؤاده فدخل على خديجة‬ ‫علَ ٍ‬ ‫سانَ ِم ْن َ‬ ‫اﻹن َ‬ ‫ِْ‬
‫بنت خويلد ‪-‬رضي ﷲ عنها‪ -‬فقال‪) :‬زملوني زملوني(‪ ،‬فزملوه حتى ذهب عنه الروع‪ ،‬فقال لخديجة وأخبرها‬
‫الخبر )لقد خشيت على نفسي(‪ ،‬فقالت خديجة‪) :‬كﻼ وﷲ ما يخزيك ﷲ أبدا‪ ،‬إنك لتصل الرحم وتحمل الكل‬
‫وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق(‪ ،‬فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن‬
‫أسد بن عبد العزى‪ ،‬ابن عم خديجة وكان امرءا ً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من‬
‫اﻹنجيل بالعبرانية ما شاء ﷲ أن يكتب وكان شيخا ً كبيرا ً قد عمي‪ ،‬فقالت له خديجة‪) :‬يا ابن عمي اسمع من‬
‫ابن أخيك(‪ ،‬فقال له ورقة‪) :‬يا ابن أخي ماذا ترى(‪ ،‬فأخبره رسول ﷲ –ﷺ‪ -‬خبر ما رأى فقال له ورقة‪) :‬هذا‬
‫الناموس الذي نزل على موسى عليه السﻼم( والناموس هو صاحب السر وهو جبريل ‪-‬عليه السﻼم‪ -‬قال‬
‫ورقة‪) :‬هذا الناموس الذي نزل ﷲ على موسى عليه السﻼم‪ ،‬يا ليتني فيها جذعه ليتني أكون حيا إذ يخرجك‬
‫ت رجل قط بمثل ما جئت به إﻻ عودي‪ ،‬وإن‬ ‫قومك(‪ ،‬فقال رسول ﷲ –ﷺ‪) :-‬أومخرجي هم؟(‪ ،‬قال‪) :‬نعم‪ ،‬لم يأ ِ‬
‫يدركني يومك أنصرك نصرا ً مؤزرا( ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي[ انتهى‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫قال أبن حجر ‪-‬رحمه ﷲ‪ -‬في "فتح الباري") وكان ورقة بن نوفل قد خرج هو وزيد بن عمرو بن‬
‫نفيل لما كرها عبادة اﻷوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين‪ ،‬فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر‬
‫وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل‪ ،‬ولهذا أخبر بشأن النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬والبشارة به إلى غير‬
‫ذلك مما أفسده أهل التبديل‪ ،‬ولما سمع ورقة من نبينا –ﷺ‪ -‬خبر بدأ الوحي تمنى ورقة أن يكون جذعاً‪،‬‬
‫والجذع هو الصغير من البهائم‪ ،‬كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى اﻹسﻼم شابا ً ليكون أمكن لنصره[‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ثم واجه النبي –ﷺ‪ -‬صنفا آخر من الذين أوتوا العلم وهو أمية بن أبي الصلت الذي كان ينكر شرك‬
‫المشركين ويتبرأ من ضﻼلهم ولكنه لم يُسلم‪ ،‬جاء في صحيح مسلم عن الشريد بن سويد الثقفي ‪-‬رضي ﷲ‬
‫عنه‪ -‬قال‪] :‬ردفت رسول ﷲ –ﷺ‪ -‬يوما ً فقال‪) :‬هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئا؟( قلت‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫)هيه(‪ ،‬فأنشدته بيتاً‪ ،‬فقال‪) :‬هيه(‪ ،‬ثم أنشدته بيتاً‪ ،‬فقال‪) :‬هيه(‪ ،‬حتى أنشدته مائة بيت‪ ،‬فقال النبي –ﷺ‪) -‬إن‬
‫كاد ليسلم(‪ ،‬وفي رواية )فلقد كاد يُسلم في شعره([‪ ،‬كان أمية بن أبي الصلت مثﻼً سيئا ً للعالم الذي عرف الحق‬
‫والهدى ولكنه لم يتبعه بل حاربه وكفر با ومات كافراً‪ ،‬أرداه حسده في جهنم والعياذ با ‪ ،‬قال ابن كثير ‪-‬‬
‫علَي ِْه ْم نَبَأ َ الﱠذِي آت َ ْينَا ُه‬
‫رحمه ﷲ‪ -‬عن عبد ﷲ بن عمر ‪-‬رضي ﷲ عنهما‪ -‬في قوله تعالى } َواتْ ُل َ‬
‫آ َياتِنَا{]اﻷعراف‪ [175:‬قال‪) :‬هو صاحبكم أمية بن أبي الصلت(‪.‬‬
‫وقد روي من غير وجه عنه وهو صحيح إليه وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه‪ ،‬فإنه كان قد‬
‫اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول ﷲ –ﷺ‪ -‬وبلغته‬
‫أعﻼمه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه وصار إلى مواﻻة المشركين‬
‫ومناصرتهم وامتداحهم‪ ،‬ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة قبحه ﷲ تعالى‪ ،‬وقد جاء في بعض اﻷحاديث‬
‫أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه‪ ،‬فإن له أشعارا ربانية وحكما ً وفصاحة ولكنه لم يشرح ﷲ صدره لﻺسﻼم‪.‬‬
‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬
‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫بــرنـــــامــــج‬
‫|| الطواغيت ومشـــايخ الســوء ||‬
‫‪ -‬الحلقــــة الثــانيـــة ‪-‬‬
‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَنْ‬ ‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬م َعذﱠبٌ من قب ِل ُ‬
‫عبﱠا ِد َ‬ ‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬

‫‪4‬‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫الحمد ‪ ،‬والصﻼة‪ ،‬والسﻼم على رسول ﷲ‪ ،‬وأشهد أن ﻻ إله إﻻ ﷲ وحده ﻻ شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمدًا عبده‪،‬‬
‫ورسوله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫أقول ‪-‬وبا التوفيق‪ :-‬أن من يقرأ السيرة النبوية على صاحبها ‪-‬الصﻼة والسﻼم‪-‬؛ ليَعجب من مواقف‬
‫اليهود‪ ،‬وأحبارهم‪ ،‬من نبينا ﷴ –ﷺ‪ ،-‬ودعوته الى اﻹسﻼم‪ ،‬فﻼ شك أنه‪ ،‬لم يكن خافيا ً عليهم ظهوره بمكة‪ ،‬فﻼ‬
‫انتظارا لمبعثه‪ ،‬حتى أختار ﷲ‬ ‫ً‬ ‫يتحركون نحوه‪ ،‬وﻻ يبادرون الى نصره‪ ،‬وهم الذين جاؤوا إلى المدينة؛ فسكنوها‬
‫اﻷنصار؛ لنصرة دينه وإيواء نبيه ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وأتباعه‪ ،‬لقد تجاهلوا مبعث النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬حتى إذا جائهم في المدينة‪ ،‬وأقام‬
‫دولة اﻹسﻼم فيها؛ حسدوه –ﷺ‪ ،-‬وبارزوه بالعداوة‪ ،‬وبدت البغضاء من أفواههم‪ ،‬وكادوه‪ ،‬وأدعوا كذباً‪ ،‬وزوراً؛‬
‫أنه ليس بالنبي الذي كانوا ينتظرونه‪ ،‬ليؤمنوا به‪.‬‬
‫روى ﷴ ابن إسحاق في السيرة‪ ،‬عن عاصم بن عمر‪ ،‬عن قتادة اﻷنصاري ‪-‬رحمهم ﷲ‪ -‬عن أشياخ منهم قال‪:‬‬
‫"قالوا‪ :‬فينا‪ ،‬وﷲ‪ ،‬وفيهم ‪-‬يعني‪ :‬في اﻷنصار‪،‬وفي اليهود‪ ،-‬الذين كانوا جيرانهم؛ نزلت هذه القصة يعني‬
‫علَى الﱠ ِذينَ َكفَ ُروا فَلَ ﱠما َجا َء ُهم ﱠما‬ ‫ق ِلّ َما َم َع ُه ْم َوكَانُوا ِمن قَ ْب ُل َي ْ‬
‫ست َ ْف ِت ُحونَ َ‬ ‫اب ِ ّم ْن ِعن ِد ﱠ ِ ُم َ‬
‫ص ِ ّد ٌ‬ ‫)ولَ ﱠما َجا َء ُه ْم ِكت َ ٌ‬
‫َ‬
‫‪1‬‬
‫ْ‬
‫على الكَافِ ِرينَ (‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۚ‬ ‫َ‬
‫ع ََرفوا َكف ُروا بِ ِه ◌ فل ْعنة ﱠ ِ َ‬ ‫ُ‬

‫قالوا‪ :‬كنا قد علوناهم دهرا ً في الجاهلية‪ ،‬ونحن أهل شرك‪ ،‬وهم أهل كتاب؛ فكانوا يقولون‪ :‬أن نبيًا من‬
‫اﻷنبياء‪ ،‬يبعث اﻵن؛ نتبعه‪ ،‬قد أظ ﱠل زمانه؛ نقتلكم معه‪ ،‬قتل عاد‪ ،‬وإرم‪ ،‬فل ﱠما بعث ﷲ رسوله ‪-‬ﷺ‪ -‬من قريش؛‬
‫واتبعناه‪ ،‬كفروا به‪ ،‬يقول ﷲ تعالى‪َ ) :‬فلَ ﱠما َجا َء ُهم ﱠما ع ََرفُوا َكفَ ُروا بِ ِه فَلَ ْعنَةُ ﱠ ِ َ‬
‫علَى ا ْلكَافِ ِرينَ (‪.‬‬

‫أخطب ‪-‬رضي ﷲ عنها‪ :-‬اتخاذ اليهود قرار المعادات‬ ‫َ‬ ‫ي بن‬ ‫صورت‪ ،‬أم المؤمنين‪ :‬صفية بنت ُحيَ ّ‬ ‫وقد ﱠ‬
‫ع ِ ّمي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َول ِد أبِي إِل ْي ِه ‪َ ،‬و ِإلى َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫للنبي –ﷺ‪ -‬ولﻺسﻼم‪ ،‬فقالت‪ ،‬كما روى ابن إسحاق‪ ،‬في السيرة عنها‪ُ " :‬كنتُ أ َح ﱠ‬
‫سل َمﱠ‬
‫عل ْي ِه َو َ‬ ‫َ‬ ‫صلى ﱠ ُ َ‬ ‫ﱠ‬ ‫سو ُل ﱠ ِ َ‬ ‫ط َم َع َولَ ٍد لَ ُه َما ‪ ،‬إِﻻ أَ َخذَانِي دُونَهُ ‪ ،‬قَا َل ‪ :‬فَلَ ﱠما قَ ِد َم َر ُ‬ ‫س ٍر ‪ ،‬لَ ْم أَ ْلقَ ُه َما قَ ﱡ‬‫أَبِي َيا ِ‬
‫سي ِْن ‪،‬‬ ‫ب ُمغَ ِلّ َ‬ ‫س ِر ْبنُ أ َ ْخ َط َ‬‫ع ِ ّمي أَبُو يَا ِ‬
‫ب ‪َ ،‬و َ‬ ‫ط َ‬‫ي ْبنُ أَ ْخ َ‬ ‫علَ ْي ِه أَبِي ُحيَ ﱡ‬
‫غدَا َ‬ ‫ف َ‬ ‫ا ْل َمدِينَةَ ‪َ ،‬ونَ َز َل فِنَا َء بَنِي ع َْم ِرو ب ِْن ع َْو ٍ‬
‫ان ا ْل ُه َو ْينَا ‪،‬‬ ‫شيَ ِ‬‫ساقِ َطي ِْن ‪ ،‬يَ ْم ِ‬‫سﻼنَي ِْن ‪َ ،‬‬ ‫ب الش ْﱠم ِس ‪َ ،‬قالَتْ ‪ :‬فَأَت َ َيا كَالﱠي ِْن ‪َ ،‬ك ْ‬ ‫غ ُرو ِ‬ ‫َقالَتْ ‪َ :‬فلَ ْم يَ ْر ِجعَا ‪َ ،‬حتﱠى كَانَ َم َع ُ‬
‫اح ٌد ِم ْن ُه َما َم َع َما بِ ِه َما ِمنَ ا ْل َه ِ ّم ‪َ ،‬قالَتْ ‪:‬‬ ‫ي َو ِ‬ ‫صنَ ُع ‪ ،‬فَ َو ﱠ ِ َما ا ْلتَفَتَ إِلَ ﱠ‬ ‫ششْتُ إِلَي ِْه َما ‪َ ،‬ك َما ُك ْنتُ أ َ ْ‬ ‫قَالَتْ ‪ :‬فَ َه َ‬
‫ب ‪ " :‬أ َ ُه َو ُه َو ؟ قَا َل ‪ :‬نَعَ ْم َو ﱠ ِ ‪ .‬قَا َل ‪ :‬أَت َ ْع ِرفُهُ َوتُثْبِتُهُ ؟‬ ‫ط َ‬ ‫ي ِ ب ِْن أَ ْخ َ‬
‫س ٍر َو ُه َو يَقُو ُل ﻷَبِي ُحيَ ّ‬ ‫ع ِ ّمي أَبَا يَا ِ‬ ‫فَ َ‬
‫س ِمعْتُ َ‬
‫عد ََواتُهُ َو ﱠ ِ َما بَقِيتُ أَبَدًا "اه‪.‬‬ ‫سكَ ِم ْنهُ ؟ قَا َل ‪َ :‬‬ ‫قَا َل ‪ :‬نَعَ ْم ‪ .‬قَا َل ‪ :‬فَ َما فِي نَ ْف ِ‬

‫وكان من فضل ﷲ‪ ،‬ورحمته أن هدى بعض‪ ،‬من أهل الكتاب‪ ،‬إلى اﻹسﻼم‪ ،‬فقد كانوا يعلمون بالبشارة‬
‫بنبينا ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ويعلمون اين سيخرج‪ ،‬ويعرفون صفته ‪-‬ﷺ‪-‬؛ فلم يبقى إﻻ أن يأتوه‪ ،‬فيروه‪ ،‬ويسمعوا منه‪،‬‬
‫فيؤمنوا به‪ ،‬وينصروه‪ ،‬ويشهدوا‪ ،‬شهادة الحق على صدق النبي ‪-‬ﷺ‪ ،-‬كما قال تعالى‪) :‬قُ ْل أَ َرأ َ ْيت ُ ْم إِ ْن كَانَ ِم ْن ِع ْن ِد‬
‫ظا ِل ِمينَ (‪.2‬‬ ‫علَى ِمثْ ِل ِه فَآ َمنَ َوا ْ‬
‫ست َ ْكبَ ْرت ُ ْم إِنﱠ ﱠ َ ﻻ يَ ْهدِي ا ْلقَ ْو َم ال ﱠ‬ ‫ﱠ ِ َو َكفَ ْرت ُ ْم بِ ِه َوش َِه َد شَا ِه ٌد ِم ْن بَنِي إِ ْ‬
‫س َرائِي َل َ‬

‫روى البخاري‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والنسائي‪ ،‬عن سعد بن أبي وقاص‪-‬رضي ﷲ عنه‪ -‬قال‪ :‬ما سمعت رسول ﷲ ‪-‬‬
‫ﷺ‪ -‬يقول ﻷحد‪ ،‬يمشي على وجه اﻷرض‪ ،‬أنه من أهل الجنة‪ ،‬إﻻ لعبد ﷲ بن سﻼم ‪-‬رضي ﷲ عنه‪، -‬وفيه نزلت‪:‬‬
‫علَى ِمثْ ِل ِه فَآ َمنَ َوا ْ‬
‫ست َ ْكبَ ْرت ُ ْم(‪.3‬‬ ‫)وش َِه َد شَا ِه ٌد ِم ْن بَنِي إِ ْ‬
‫س َرائِي َل َ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬
‫]البقرة‪[89:‬‬

‫‪2‬‬
‫]اﻷحقاف‪[10:‬‬
‫‪3‬‬
‫]اﻷحقاف‪[١٠:‬‬

‫‪5‬‬
‫وقد أخرج الترمذي‪ ،‬وصححه‪ ،‬عن عبد ﷲ بن سﻼم ‪-‬رضي ﷲ عنه‪ ،-‬أنه قال‪" :‬أول ما قدم رسول ﷲ‬
‫‪-‬ﷺ‪ -‬المدينة؛ أنجفل الناس إليه‪ ،‬فكنت ممن جاءه‪ ،‬فلما تأملت وجهه‪ ،‬واشتبهته؛ عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫كذاب‪ ،‬قال‪ :‬وكان أول ما سمعت من كﻼمه أن قال‪) :‬أيها الناس افشوا السﻼم‪ ،‬واطعموا الطعام‪ ،‬وصلوا بالليل‪،‬‬
‫والناس نيام‪ ،‬تدخلوا الجنة بسﻼم(‪.‬‬

‫لقد سلك عبدﷲ بن سﻼم‪ ،‬الذي كان من أحبار اليهود‪ ،‬وعلمائهم؛ سلك سبيل الصادقين‪ ،‬الذين يريدون‬
‫معرفة الحق‪ ،‬ليتبعوه؛ فسعى لمعرفة انطباق صفات النبي‪ ،‬الموعود‪ ،‬على صفات نبينا ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فلما تبين له‪،‬‬
‫أنه هو الذي بشرت به التوراة‪ ،‬واﻷنجيل‪ ،‬وأنه هو الذي أخذ ﷲ ميثاق النبيين أن يؤمنوا به‪ ،‬وينصروه‪ ،‬لما تبين‬
‫له ذلك؛ بادر الى اﻹيمان‪ ،‬وشهد أنه الحق‪ ،‬وأقام الحجة على علماء أهل الكتاب‪ ،‬وكشف كذبهم‪ ،‬وبهتانهم‪.‬‬

‫كما جاء في صحيح البخاري‪ ،‬عن أنس ‪-‬رضي ﷲ عنه‪ ،-‬أنه قال‪َ :‬بل َغ عبد ﷲ بن سﻼم َمقد َم رسول‬
‫ﷲ ‪-‬ﷺ‪ -‬المدينة‪ ،‬فأتاه فقال‪ ":‬إني سائلك‪ ،‬عن ثﻼث ﻻ يعلمهن إﻻ نبي"‪ .‬قال‪" :‬ما أول أشراط الساعة؟ وما‬
‫أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول‬
‫ﷲ ‪-‬ﷺ‪) -‬خبرني بهن آنفا ً جبريل(‪ ،‬قال‪ :‬فقال عبدﷲ ‪:‬ذاك عدو اليهود من المﻼئكة‪ ،‬فقال رسول ﷲ –صلى ﷲ‬
‫عليه وسلم‪) :-‬أما أول أشراط الساعة؛ فنار تحشر الناس من المشرق الى المغرب‪ ،‬وأما أول طعام يأكله أهل‬
‫الجنة‪ :‬فزيادة كبد حوت‪ ،‬وأما الشبه في الولد‪ :‬فأن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها مائه؛ كان الشبه له وإذا‬
‫سبق مائها؛ كان الشبه لها( قال‪ :‬أشهد أنك رسول ﷲ‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رسول ﷲ ان اليهود قوم بهت‪ ،‬إن علموا‬
‫بإسﻼمي‪ ،‬قبل أن تسألهم؛ بهتوني عندك‪ ،‬فجائت اليهود‪ ،‬ودخل عبد ﷲ البيت‪ ،‬فقال رسول ﷲ –ﷺ‪) -‬أي رجل‬
‫فيكم عبدﷲ بن سﻼم؟( قالوا‪ :‬أعلمنا‪ ،‬وابن أعلمنا‪ ،‬وأخيرنا وابن أخيرنا‪ ،‬فقال رسول ﷲ ‪-‬ﷺ‪) :-‬أفرأيتم ان‬
‫أسلم عبدﷲ؟( قالوا‪ :‬أعاذه ﷲ من ذلك‪ ،‬فخرج عبدﷲ إليهم؛ فقال‪ :‬أشهد أن ﻻ إله إﻻ ﷲ‪ ،‬وأشهد أن محمدًا‬
‫رسول ﷲ‪ ،‬فقالوا‪ :‬شرنا وابن شرنا ووقعوا فيه‪ ،‬فقال عبدﷲ بن سﻼم‪ :‬هذا الذي كنت أخافه يا رسول ﷲ"‪.‬‬

‫لقد أخبر ﷲ تعالى‪ ،‬أن أهل الكتاب يعرفون النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬حق المعرفة‪ ،‬بل كما يعرفون أبنائهم‪ ،‬وأن كثير‬
‫)و َم ْن أَ ْظلَ ُم ِم ﱠم ْن َكت َ َم َ‬
‫ش َها َدةً ِع ْن َدهُ ِمنَ ﱠ ِ َو َما‬ ‫منهم ليكتمون الحق‪ ،‬وهم يعلمونه‪ ،‬وهم الذين قال ﷲ تعالى فيهم‪َ :‬‬
‫‪4‬‬
‫صر‪ ،‬وﻻ ت َبيﱡن‪،‬‬ ‫ع ﱠما ت َ ْع َملُونَ ( ‪ ،‬ولما كانت عادة أكثر الناس‪ ،‬أن يتبعوا علمائهم‪ ،‬ورؤسائهم‪ ،‬دون ت َب ﱡ‬ ‫ﱠ ُ بِغَافِ ٍل َ‬
‫فكان جوابهم؛ تلبيس الحق‪ ،‬بالباطل‪ ،‬وكتمان الحق‪ ،‬الذي يعلمونه‪ ،‬وهو صفة نبينا ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ومبعثه‪ ،‬ونبوته‪.‬‬

‫)وت َ ْكت ُ ُموا ا ْل َحقﱠ( قال‪" :‬ﻻ تكتموا ما‬


‫روى ابن جرير‪ ،‬عن ابن عباس ‪-‬رضي ﷲ عنهما‪ -‬في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫عندكم‪ ،‬من المعرفة‪ ،‬برسولي‪ ،‬وما جاء به‪ ،‬وأنتم تجدونه عندكم‪ ،‬فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم"اه‪.‬‬

‫وأما تلبيس أهل الكتاب للحق‪ ،‬بالباطل‪ ،‬فكان بطرق كثيرة منها‪ :‬أنهم كانوا يخلطون‪ ،‬التوراة‪ ،‬واﻷنجيل‪،‬‬
‫التي أنزلها ﷲ بأشياء‪ ،‬اختلقوها‪ ،‬وكتبوها بأيديهم‪ ،‬افتراء على ﷲ‪ ،‬وعلى‪ ،‬رسله‪ ،‬ومنها‪ :‬أنهم أقروا بنبوة نبينا‬
‫ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬ولكنهم زعموا كاذبين؛ أنه لم يرسل إليهم‪ ،‬بل إلى غيرهم‪ ،‬ومن تلبيساتهم‪ ،‬أن منهم من سلك طريق‬
‫النفاق اﻷكبر‪ ،‬فآمن ظاهرا ً مع إبطان الكفر‪ ،‬والعداوة؛ ليكيد ‪،‬لﻺسﻼم‪ ،‬وأهله‪.‬‬
‫ق َوأَنت ُ ْم ت َ ْعلَ ُمونَ ( ‪" :‬‬
‫‪5‬‬
‫اط ِل َوتَ ْكت ُ ُمونَ ا ْل َح ﱠ‬
‫ق ِبا ْل َب ِ‬
‫سونَ ا ْل َح ﱠ‬ ‫قال مجاهد‪ ،‬عن قوله تعالى‪ ) :‬يَا أ َ ْه َل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب ِل َم ت َ ْلبِ ُ‬
‫طوا على‬ ‫تكتمون محمدًا‪ ،‬وأنتم تعلمون‪ ،‬وأنتم تجدونه عندكم في التوراة‪ ،‬واﻷنجيل‪ ،‬فتأويل اﻵية إذًا‪ :‬وﻻ ت َْخ ِل ُ‬
‫الناس‪ ،‬أيها اﻷحبار من أهل الكتاب‪ ،‬في أمر ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وما جاء به من عند ربه‪ ،‬وتزعموا أنه مبعوث إلى بعض‬
‫أجناس اﻷمم‪ ،‬دون بعض‪ ،‬أو تُنافقوا في أمره‪ ،‬وقد علمتم أنه مبعوث إلى جميعكم‪ ،‬وجميع اﻷمم غيركم؛ فتخلطوا‬
‫بذلك الصدق‪ ،‬بالكذب‪ ،‬وتكتموا به ما تجدونه في كتابكم‪ ،‬من نعته‪ ،‬وصفته‪ ،‬وأنه رسولي إلى الناس كافة‪ ،‬وأنتم‬
‫تعلمون أنه رسولي‪ ،‬وأن ما جاء به إليكم فمن عندي‪ ،‬وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت عليكم‪ ،‬في كتابكم‬
‫اﻹيمان به‪ ،‬وبما جاء به‪ ،‬والتصديق به"اه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫]البقرة‪[140:‬‬
‫‪5‬‬
‫]آل عمران‪[71:‬‬

‫‪6‬‬
‫ومن صور خلط أحبار اليهود للحق‪ ،‬بالباطل‪ :‬أنهم اتفقوا على مكيدة لﻺسﻼم؛ بأن يظهروا اﻹسﻼم أول‬
‫النهار‪ ،‬ثم في آخره يكفرون باﻹسﻼم؛ ليضلوا الجهال من الناس‪ ،‬ويحاول رد من آمن باﻹسﻼم عن دينه؛‬
‫بتفيهمهم أنهم رجعوا عن اﻹسﻼم؛ ﻷنهم اطلعوا على عيب فيه‪ ،‬وأنه ليس هو الدين الذي يرضاه ﷲ‪ ،‬ففضح ﷲ‬
‫علَى الﱠ ِذينَ آ َمنُوا َوجْ هَ النﱠ َه ِار َوا ْكفُ ُروا آ ِخ َرهُ‬ ‫آمنُوا ِبالﱠذِي أ ُ ِ‬
‫نز َل َ‬ ‫ب ِ‬‫طائِفَةٌ ِ ّم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫كيدهم‪ ،‬قال تعالى ) َو َقالَت ﱠ‬
‫‪6‬‬
‫سوا على الضعفاء من الناس‪ ،‬أمر دينهم‪ ،‬وهو أنهم ا ْشت ََو ُروا بينهم؛ أن‬ ‫لَعَلﱠ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ ( ‪ .‬هذه مكيدة أرادوها؛ ليَل ِب ُ‬
‫يظهروا اﻹيمان أول النهار‪ ،‬ويصلوا مع المسلمين صﻼة الصبح‪ ،‬فإذا جاء آخر النهار‪ ،‬ارتدوا الى دينهم؛ ليقول‬
‫صة‪ ،‬وعيب في دين المسلمين"؛ ولهذا قالوا )لَعَلﱠ ُه ْم‬ ‫عهم على نَقي َ‬ ‫أط َﻼ ُ‬‫الجهلة من الناس‪" :‬إنما ردهم إلى دينهم ِ ّ‬
‫يَ ْر ِجعُونَ (‪.‬‬

‫وهنا يحق لكل مسلم أن يتسائل‪ :‬لماذا لم يؤمن علماء أهل الكتاب بنبينا ﷴ –ﷺ‪-‬؟ لماذا لم يكونوا أول‬
‫مؤمن به‪،‬بدل من أن يكونوا أول كافر به؟ لماذا حاربوه‪ ،‬وصدوا الناس عنه‪ ،‬بدل من أن يناصروه‪ ،‬ويحاربوا‬
‫أعدائه؟ أﻻ يخافون عذاب ﷲ؟! أﻻ يطمعون في رحمة ﷲ‪ ،‬ومغفرته‪ ،‬وجنته! وما الذي صرفهم عن أن َي ْش ُروا‬
‫أنفسهم ابتغاء مرضاة ﷲ؟‬

‫الجواب الشافي عن كل تلك التسائﻼت السابقة‪ :‬في كتاب ﷲ ‪-‬عز وجل‪ ،-‬بينه ﷲ ‪،‬أحسن بيان‪ ،‬فضحهم‬
‫سبِي ُل‬ ‫ت َو ِلت َ ْستَبِينَ َ‬ ‫ص ُل اﻵ َيا ِ‬ ‫ﷲ‪ ،‬وكشف خبايا نفوسهم الخبيثة‪ ،‬وأعمالهم الضالة‪ ،‬كما قال تعالى‪َ ) :‬و َك َذلِكَ نُفَ ِ ّ‬
‫ْال ُمجْ ِر ِمينَ (‪.7‬‬
‫فأكبر أسباب ضﻼلهم‪:‬‬
‫‪ -‬أوﻻ ً‪ :‬ما انطوت عليه نفوسهم‪ ،‬من ال ِكبر الذي توعد ﷲ صاحبه؛ بأن يصرفه عن أن ينتفع ويهتدي بآيات‬
‫ق َو ِإن يَ َر ْوا ُك ﱠل آيَ ٍة ﱠﻻ يُ ْؤ ِمنُوا‬ ‫ض ِبغَي ِْر ا ْل َح ّ ِ‬ ‫ي الﱠ ِذينَ َيتَ َكبﱠ ُرونَ فِي ْاﻷ َ ْر ِ‬ ‫ف ع َْن آ َياتِ َ‬ ‫سأَص ِْر ُ‬‫ﷲ‪ ،‬قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫ٰ‬
‫يﻼ ◌ َذ ِلكَ ِبأَنﱠ ُه ْم َكذﱠبُوا‬ ‫ۚ‬
‫ي يَت ﱠ ِخذُوهُ َ‬
‫سبِ ً‬ ‫س ِبي َل ا ْلغَ ِّ‬
‫يﻼ َوإِن يَ َر ْوا َ‬ ‫سبِ ً‬ ‫ش ِد َﻻ يَت ﱠ ِخذُوهُ َ‬ ‫الر ْ‬
‫سبِي َل ﱡ‬ ‫بِ َها َوإِن يَ َر ْوا َ‬
‫غافِ ِلينَ ( ‪ ،‬وفي اﻵية التي قبلها‪ ،‬تكلم ﷲ عن اﻷلواح؛ التي آتاها موسى ‪-‬عليه‬ ‫‪8‬‬
‫ع ْن َها َ‬‫بِآيَاتِنَا َوكَانُوا َ‬
‫ش ْي ٍء فَ ُخ ْذ َها بِقُ ﱠو ٍة َوأْ ُم ْر‬ ‫يﻼ ِلّ ُك ِ ّل َ‬ ‫ظةً َوت َ ْف ِص ً‬ ‫ش ْي ٍء ﱠم ْو ِع َ‬ ‫السﻼم‪ ،-‬قال تعالى‪َ ) :‬و َكت َ ْبنَا لَهُ فِي ْاﻷ َ ْل َواحِ ِمن ُك ِ ّل َ‬
‫ۚ‬
‫س ِقينَ (‪ .9‬أخبر تعالى أن فيها من كل شيء‪ ،‬يحتاج إليه العباد‪،‬‬ ‫سأ ُ ِري ُك ْم د َ‬
‫َار ا ْل َفا ِ‬ ‫سنِ َها ◌ َ‬ ‫قَ ْو َمكَ يَأ ْ ُخذُوا بِأَحْ َ‬
‫موعظة ترغب النفوس‪ ،‬في أفعال الخير‪ ،‬وترهبهم من أفعال الشر‪ ،‬وتفصيﻼً لكل شيء من اﻷحكام‬
‫الشرعية‪ ،‬والعقائد‪ ،‬واﻷخﻼق‪ ،‬واﻵداب‪ ،‬ثم أخبر أنه تعالى سيحرم المتكبرين‪ ،‬من أن يهتدوا بها؛ بل‬
‫يجعلهم يتخبطون في الغواية‪ ،‬فيرفضون اﻹيمان بآيات ﷲ‪ ،‬ويسلكون سبيل الضﻼلة‪ ،‬ويجتنبون طريق‬
‫الرشد‪ ،‬والهداية؛ وذلك كله عقوبة لهم‪ ،‬على تكذيبهم بآيات ﷲ‪ ،‬وغفلتهم عنها‪ ،‬وتجاهلهم‪ ،‬واحتقارهم لها‪.‬‬
‫أن بني إسرائيل لم يكذبوا برسولنا ﷴ ‪-‬ﷺ‪ -‬فحسب؛ بل كان هذا شأنهم مع كل من ﻻ تهوى أنفسهم‪ ،‬من‬
‫رسل ﷲ الذين أبتعثهم من بعد موسى ‪-‬عليه السﻼم‪ ،-‬بل بلغ فيهم اﻹجرام‪ ،‬أن يجمعوا بين تكذيب بعض‬
‫سى ا ْبنَ َم ْريَ َم‬ ‫س ِل َوآت َ ْي َنا ِعي َ‬ ‫الر ُ‬ ‫اب َوقَفﱠ ْينَا ِمن بَ ْع ِد ِه ِب ﱡ‬ ‫سى ا ْل ِكتَ َ‬ ‫)ولَقَ ْد آت َ ْي َنا ُمو َ‬ ‫الرسل‪ ،‬وقتلهم‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۗ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ستَ ْكبَ ْرت ُ ْم ففَ ِريقًا َكذﱠ ْبت ُ ْم َوف ِريقًا‬ ‫س ُك ُم ا ْ‬ ‫سو ٌل ِب َما َﻻ تَه َْو ٰى أنفُ ُ‬ ‫َ‬
‫ُس ◌ أف ُكلﱠ َما َجا َء ُك ْم َر ُ‬ ‫ت َوأَيﱠ ْد َناهُ ِب ُروحِ ا ْلقُد ِ‬
‫ا ْلبَ ِيّ َنا ِ‬
‫ت َ ْقتُلُونَ ( ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -‬ثانيا ً‪ :‬حسدهم لرسول ﷲ ‪-‬ﷺ‪-‬؛ ﻷن ﷲ تعالى اجتباه‪ ،‬واصطفاه‪ ،‬لرسالته‪ ،‬ولم يجعل الرسول‪ ،‬من بني‬
‫علَى‬ ‫ست َ ْفتِ ُحونَ َ‬ ‫ق ِلّ َما َمعَ ُه ْم َوكَانُوا ِمن قَ ْب ُل يَ ْ‬ ‫اب ِ ّم ْن ِعن ِد ﱠ ِ ُم َ‬
‫ص ِ ّد ٌ‬ ‫)ولَ ﱠما َجا َء ُه ْم ِكت َ ٌ‬ ‫إسرائيل‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫س ُه ْم أنَ‬ ‫َ‬
‫شت َ َر ْوا بِ ِه أنفُ َ‬ ‫س َما ا ْ‬ ‫علَى ا ْلكَافِ ِرينَ * بِئْ َ‬ ‫ُ‬
‫الﱠ ِذينَ َكفَ ُروا فَلَ ﱠما َجا َء ُهم ﱠما ع ََرفوا َكفَ ُروا بِ ِه فلَ ْعنَة ﱠ ِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ض ٍ‬ ‫غ َ‬ ‫علَ ٰى َ‬ ‫ب َ‬ ‫ض ٍ‬ ‫علَ ٰى َمن يَشَا ُء ِم ْن ِعبَا ِد ِه ۖ◌ فَ َبا ُءوا ِبغَ َ‬ ‫نز َل ﱠ ُ بَ ْغيًا أَن يُنَ ِ ّز َل ﱠ ُ ِمن فَ ْ‬
‫ض ِل ِه َ‬ ‫يَ ْكفُ ُروا ِب َما أ َ َ‬

‫‪6‬‬
‫]آل عمران‪[72:‬‬
‫‪7‬‬
‫]اﻷنعام‪[55:‬‬
‫‪8‬‬
‫]اﻷعراف‪[146:‬‬
‫‪9‬‬
‫]اﻷعراف‪[144:‬‬
‫‪10‬‬
‫]البقرة‪[87:‬‬

‫‪7‬‬
‫اب ﱡم ِهينٌ (‪ ،11‬أي‪ :‬ولما جائهم كتاب‪ ،‬من عند ﷲ على يد أفضل ‪،‬الخلق‪ ،‬وخاتم اﻷنبياء‪،‬‬ ‫ع َذ ٌ‬ ‫ۚ◌ َو ِل ْلكَافِ ِرينَ َ‬
‫المشتمل على تصديق ما معهم من التوراة‪ ،‬وقد علموا به‪ ،‬وتيقنوه‪ ،‬حتى أنهم كانوا إذا وقع بينهم‪ ،‬وبين‬
‫المشركين في الجاهلية حروب؛ استنصروا بهذا النبي ‪،‬وتوعدوهم بخروجه‪ ،‬وأنهم يقاتلون المشركين‬
‫معه‪ ،‬فلما جاءهم هذا الكتاب‪ ،‬والنبي الذي عرفوا؛ كفروا به‪ ،‬بغياً‪ ،‬وحسدا ً أن ينزل ﷲ من فضله‪ ،‬على‬
‫من يشاء من عباده؛ فلعنهم ﷲ‪ ،‬وغضب عليهم غضباً‪ ،‬بعد غضب؛ لكثرة كفرهم‪ ،‬وتوالي شكهم‪،‬‬
‫اب ﱡم ِهينٌ ( أي‪ :‬مذل‪ ،‬مؤلم‪ ،‬موجع‪ ،‬وهو صلي الجحيم‪ ،‬وفوت النعيم‪ ،‬المقيم‪،‬‬ ‫ع َذ ٌ‬‫)و ِل ْلكَافِ ِرينَ َ‬ ‫وشركهم َ‬
‫وكان الحسد‪ ،‬من أهم أسباب صد أحبار أهل الكتاب‪ ،‬عن اﻹسﻼم‪ ،‬ومحاربتهم له‪ ،‬ومحاولتهم رد من‬
‫سدًا ِ ّم ْن ِعن ِد‬ ‫ارا َح َ‬ ‫ب لَ ْو يَ ُردﱡونَكُم ِ ّمن بَ ْع ِد ِإي َمانِ ُك ْم ُكفﱠ ً‬ ‫ير ِ ّم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ‬ ‫أسلم إلى الكفر‪ ،‬قال تعالى‪َ ) :‬و ﱠد َكثِ ٌ‬
‫س ِهم ِ ّمن بَ ْع ِد َما تَبَيﱠنَ لَ ُه ُم ا ْل َحقﱡ(‪.12‬‬ ‫أَنفُ ِ‬
‫‪ -‬ثالثا ً‪ :‬من أسباب ضﻼل أحبار أهل الكتاب‪ :‬عدم الخوف‪ ،‬والرهبة من ﷲ تعالى‪ ،‬ويدل على ذلك قوله‬
‫اي‬‫وف ِبعَ ْه ِد ُك ْم َو ِإيﱠ َ‬ ‫علَ ْي ُك ْم َوأَ ْوفُوا ِب َع ْهدِي أ ُ ِ‬ ‫ي الﱠتِي أ َ ْن َع ْمتُ َ‬ ‫اذك ُُروا نِ ْع َمتِ َ‬ ‫س َرائِي َل ْ‬
‫تعالى‪ ) :‬يَا بَنِي ِإ ْ‬
‫ون(‪. 13‬‬ ‫ار َهبُ ِ‬ ‫َف ْ‬
‫ش َع قُلُوبُ ُه ْم ِل ِذ ْك ِر ﱠ ِ َو َما‬ ‫‪ -‬رابعا ً‪ :‬قسوة قلوبهم‪ ،‬كما أخبر ﷲ عنهم في قوله‪) :‬أَلَ ْم َيأْ ِن ِللﱠ ِذينَ آ َمنُوا أَن ت َ ْخ َ‬
‫ۖ‬
‫ستْ قُلُوبُ ُه ْم ◌ َو َكثِ ٌ‬
‫ير ِ ّم ْن ُه ْم‬ ‫علَي ِْه ُم ْاﻷ َ َم ُد فَقَ َ‬ ‫طا َل َ‬ ‫اب ِمن قَ ْب ُل فَ َ‬ ‫ق َو َﻻ يَكُونُوا كَالﱠ ِذينَ أُوتُوا ا ْل ِكت َ َ‬ ‫نَ َز َل ِمنَ ا ْل َح ّ ِ‬
‫علَي ِْه ُم ْاﻷ َ َمدُ( أي‪ :‬وﻻ يكونوا كالذين أنزل ﷲ عليهم الكتاب‪ ،‬الموجب‬ ‫سقُونَ (‪ ،14‬وقوله تعالى‪ ) :‬فَ َطا َل َ‬ ‫َفا ِ‬
‫لخشوع القلب‪ ،‬واﻻنقياد التام‪ ،‬ثم لم يدوموا عليه‪ ،‬وﻻ ثبتوا‪ ،‬بل طال عليهم الزمان‪ ،‬وأستمرت بهم‬
‫سقُونَ (‪ ،‬فالقلوب تحتاج في كل‬ ‫ير ِ ّم ْن ُه ْم َفا ِ‬‫)و َك ِث ٌ‬‫الغفلة؛ فاضمحل إيمانهم‪ ،‬وزال إيقانهم؛ فقست قلوبهم َ‬
‫وقت إلى أن تُذكر‪ ،‬بما أنزله ﷲ‪ ،‬وﻻ ينبغي الغفلة عن ذلك؛ فأن ذلك سبباً‪ ،‬لقسوة القلب‪ ،‬وجمود العين‪.‬‬
‫‪ -‬خامسا ً‪ :‬نقضهم الميثاق‪ ،‬والعهد الذي أخذه ﷲ عليهم‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬فَبِ َما نَ ْق ِض ِهم ِ ّميثَاقَ ُه ْم لَعَنﱠا ُه ْم َو َجعَ ْل َنا‬
‫ۖ‬
‫سوا َحظا ِ ّم ﱠما ذُ ِك ُّروا بِ ِه(‪.15‬‬ ‫اض ِع ِه َونَ ُ‬ ‫سيَةً ◌ يُ َح ِ ّرفُونَ ا ْل َك ِل َم عَن ﱠم َو ِ‬ ‫قُلُوبَ ُه ْم قَا ِ‬

‫‪ -‬نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬


‫‪ -‬أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقــــة الثـــــالثـــــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫‪11‬‬
‫]البقرة‪[90-89:‬‬
‫‪12‬‬
‫]البقرة‪[109:‬‬
‫‪13‬‬
‫]البقرة‪[40:‬‬
‫‪14‬‬
‫]الحديد‪[16:‬‬
‫‪15‬‬
‫]المائدة‪[١٣:‬‬

‫‪8‬‬
‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوث ْنَ‬ ‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬م َعذﱠبٌ من قب ِل ُ‬
‫عبﱠا ِد َ‬ ‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫الحمد والصﻼة والسﻼم على رسوله ومصطفاه ﷴ وآله وصحبه ومن أهتدى بهداه‪ ،‬وأشه ُد أن ﻻ إله‬
‫إﻻ ﷲ‪ ،‬وأشه ُد أن ﷴ عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد؛‬

‫فقد تكلمنا في الحلقة الماضية عن الصفات واﻷفعال التي غضب ﷲ على علماء أهل الكتاب ﻷجلها‪،‬‬
‫قليﻼ‪،‬‬ ‫وهي باختصار ال ِكبر والحسد وعدم الرهبة والخشية من ﷲ‪ ،‬وقسوة قلوبهم واشترائُهم بآيات ﷲ ثمنًا ً‬
‫ونقضهم مواثيقهم مع ﷲ ‪-‬سبحانه وتعالى‪ ،-‬فكذبوا رسل ﷲ‪ ،‬وقتلوا بعضهم‪ ،‬وأبوا اﻹيمان بآخر الرسل وخاتم‬
‫اﻷنبياء ﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬وكتموا صفته ونعته‪ ،‬ولبسوا الحق بالباطل‪ ،‬ولم يكتفوا بعدم اﻹيمان به‪ ،‬بل وقفوا مع أعدائه‬
‫سبيﻼ من نبينا ﷴ‬ ‫ً‬ ‫ضده‪ ،‬وحاولوا صد من آمن به عن سبيل ﷲ‪ ،‬وشهدوا ﻷعدائه من كفار قريش أنهم أهدى‬
‫ت‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ت َوال ﱠ‬ ‫وصحابته اﻷخيار‪ ،‬كما قال تعالى‪ } :‬أَلَ ْم تَ َر إلى الﱠ ِذينَ أُوتُواْ نَ ِصيبًا ِ ّمنَ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب يُ ْؤ ِمنُونَ ِبا ْل ِج ْب ِ‬
‫يلعن ﷲُ فلن تج َد له‬ ‫ِ‬ ‫يﻼ * أولئك الذينَ لعنَ ُه ُم ﷲُ ومن‬ ‫َويَقُولُونَ ِللﱠ ِذينَ َكفَ ُرواْ َهؤُﻻء أ َ ْهدَى ِمنَ الﱠ ِذينَ آ َمنُواْ َ‬
‫س ِب ً‬
‫ض ِل ِه‬‫ع َلى َما آتَا ُه ُم ّ ُ ِمن فَ ْ‬ ‫اس َ‬ ‫س ُدونَ النﱠ َ‬ ‫يرا * أَ ْم يَحْ ُ‬
‫اس نَ ِق ً‬‫يب ِ ّمنَ ا ْل ُم ْل ِك فَ ِإذًا ﻻ ﱠ يُ ْؤت ُونَ النﱠ َ‬ ‫نصيرا * أ َ ْم لَ ُه ْم نَ ِص ٌ‬ ‫ً‬
‫ع ْنهُ َو َك َفى ِب َج َهنﱠ َم‬‫ص ﱠد َ‬ ‫َ‬
‫اب َوا ْل ِح ْك َمة َوآت َ ْينَا ُهم ﱡم ْلكًا ع َِظي ًما * فَ ِم ْن ُهم ﱠم ْن آ َمنَ ِب ِه َو ِم ْن ُهم ﱠمن َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫ِ‬
‫ِ َ َ‬ ‫ا‬‫ْر‬
‫ب‬ ‫إ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫آ‬ ‫آ‬‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫فَقَ ْد آ‬
‫يرا { ]النساء‪.[55-51:‬‬ ‫س ِع ً‬ ‫َ‬

‫وهذا من قبائح اليهود‪ ،‬وحسدهم للنبي ‪-‬ﷺ‪ -‬والمؤمنين أن أخﻼقهم الرذيلة‪ ،‬وطبعهم الخبيث حملهم على‬
‫ترك اﻹيمان با ورسوله‪ ،‬والتعوض عنه باﻹيمان بالجبت والطاغوت‪ ،‬وهو اﻹيمان بكل عبادة لغير ﷲ‪ ،‬أو حكم‬
‫بغير شرع ﷲ‪ ،‬فدخل في ذلك السحر وال ِك َهانة‪ ،‬وعبادة غير ﷲ‪ ،‬وطاعة الشيطان؛ كل هذا من الجبت‬
‫والطاغوت‪ ،‬وكذلك حملهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين با عبدة اﻷصنام على طريق‬
‫ضا لﻺيمان‪َ } ،‬هؤُﻻء أ َ ْهدَى‬
‫المؤمنين‪ ،‬قال تعالى‪َ } :‬و َيقُولُونَ ِللﱠ ِذينَ َكفَ ُروا {‪ ،‬أي ﻷجلهم تملقًا لهم ومداهنه وبغ ً‬
‫يﻼ { أي طريقاً‪ ،‬فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم‪ ،‬فكيف يفضلون دينًا قام على عبادة‬ ‫ِمنَ الﱠ ِذينَ آ َمنُواْ َ‬
‫سبِ ً‬
‫اﻷصنام واﻷوثان‪ ،‬وعلى تحريم الطيبات وإباحة الخبائث‪ ،‬وإحﻼل كثير من المحرمات‪ ،‬وإقامة الظلم بين الخلق‪،‬‬
‫وتسوية الخالق بالمخلوقين‪ ،‬والكفر با ورسله وكتبه؟! كيف يفضل أحبار أهل الكتاب دين الكفار على دين‬
‫اﻹسﻼم القائم على عبادة الرحمن‪ ،‬واﻹخﻼص في السر واﻹعﻼن‪ ،‬والكفر بما يعبد من دونه من اﻷنداد‬
‫واﻷوثان؟!‪ ،‬وقام دين اﻹسﻼم على صلة اﻷرحام‪ ،‬واﻹحسان إلى جميع الخلق حتى البهائم‪ ،‬وإقامة العدل والقسط‬
‫بين الناس‪ ،‬وتحريم كل خبيث وظلم‪ ،‬والصدق في جميع اﻷقوال واﻷعمال‪ ،‬فهل هذا الذي يفعله أهل الكتاب إﻻ‬
‫أعظم اﻹجرام‪.‬‬

‫إن صاحب هذا القول لمن أعظم الناس عنادًا وتمردًا ومحاربةً للحق‪ ،‬ولهذا طردهم ﷲ من رحمته‪ ،‬قال‬
‫تعالى عنهم‪ } :‬أ ُ ْولَئِكَ الﱠ ِذينَ لَعَنَ ُه ُم ّ ُ {‪ ،‬أي طردهم عن رحمته‪ ،‬وأحل عليهم نقمته‪َ } ،‬و َمن يَ ْلعَ ِن ّ ُ فَلَن ت َ ِج َد لَهُ‬
‫يرا {‪ ،‬أي لن ينصرهم أحد إذا استغاثوا من شدة ما يلقون من العذاب الذي ﻻ نهاية له‪ } ،‬أ َ ْم لَ ُه ْم نَ ِص ٌ‬
‫يب ِ ّمنَ‬ ‫نَ ِص ً‬
‫ا ْل ُم ْل ِك {‪ ،‬أي فيفضلون من شاؤوا على من شاؤوا بمجرد أهوائهم‪ ،‬فيجعلون أنفسهم شركاء في تدبير ملكه‪ ،‬فلو‬

‫‪9‬‬
‫كانوا كذلك؛ لشحوا وبخلوا أشد البخل‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪ } :‬فَ ِإذًا {‪ ،‬أي لو كان لهم نصيبًا من ملك ﷲ‪ } ،‬ﻻ ﱠ يُ ْؤت ُونَ‬
‫قليﻼ كالنقرة التي تكون على نواة التمرة‪ ،‬وهذا وصف لهم بشدة البخل على‬ ‫يرا {‪ ،‬أي شيئًا ولو كان ً‬ ‫اس نَ ِق ً‬
‫النﱠ َ‬
‫ض ِل ِه {‪ ،‬أي هل الحامل لهم على تلبيس الحق‬ ‫َ‬
‫علَى َما آتَا ُه ُم ّ ُ ِمن ف ْ‬ ‫س ُدونَ النﱠ َ‬
‫اس َ‬ ‫َ‬
‫تقدير وجود ُملك لهم‪ } ،‬أ ْم يَحْ ُ‬
‫بالباطل‪ ،‬والشهادة للكفر أنه الحق والهدى‪ ،‬والحسد للرسول وللمؤمنين على ما أتاهم ﷲ من فضله؟‪ ،‬وذلك ليس‬
‫اب َوا ْل ِح ْك َمةَ‬
‫ببدع وﻻ غريب على فضل ﷲ أن يصيب به من يشاء من عباده‪ } ،‬فَقَ ْد آت َ ْينَآ آ َل ِإب َْرا ِهي َم ا ْل ِكت َ َ‬
‫َوآت َ ْينَا ُهم ﱡم ْلكًا ع َِظي ًما {‪ ،‬وذلك ما أنعم ﷲ به على إبراهيم وذريته من النبوة والكتاب والملك الذي أعطاه من‬
‫مستمرا على عبادة المؤمنين‪ ،‬فكيف ينكرون إنعامه بالنبوة‬ ‫ً‬ ‫أعطاه من أنبياءه كداوود وسليمان‪ ،‬فإنعا ُمه لم يزل‬
‫َ‬
‫والنصر والملك لﷴ ‪-‬ﷺ‪ -‬أفضل الخلق وأجلهم وأعظمهم معرفة با وأخشاهم له؟!‪ } ،‬ف ِم ْن ُهم ﱠم ْن آ َمنَ بِ ِه{‪ ،‬أي‬
‫ع ْنهُ {‪ ،‬عنادًا وبغيًا وحسدًا‪ ،‬فحصل‬ ‫ص ﱠد َ‬ ‫بﷴ ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فنال بذلك السعادة الدنيوية والفﻼح اﻷخروي‪َ } ،‬و ِم ْن ُهم ﱠمن َ‬
‫سعﱠ ُر على من كفر با‬ ‫يرا {‪ ،‬ت ُ َ‬ ‫س ِع ً‬ ‫لهم من شقاء الدنيا ومصائبها ما هو بعض آثار معاصيهم‪َ } ،‬و َكفَى ِب َج َهنﱠ َم َ‬
‫وجحد نبوة أنبيائه من اليهود والنصارى وغيرهم من أصناف الكفره‪.‬‬

‫وقد ذكرت من قبل أن كل ضﻼل ومخالفة لشرع ﷲ وقع فيها أهل الكتاب‪ ،‬فسيقع مثلها في هذه اﻷمة‪،‬‬
‫كما أخبر نبينا ‪-‬ﷺ‪ ،-‬فيما رواه أبو سعيد ‪-‬رضي ﷲ عنه‪ -‬أن رسول ﷲ قال‪ ) ":‬لتتبعن سنن من كان قبلكم‬
‫حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ( قالوا‪ :‬يارسول ﷲ اليهود والنصارى؟ قال‪ ) :‬فمن ( "‬
‫ضا النهي عن التشبه باليهود والنصارى‪ ،‬ووجوب الحذر من‬ ‫خبر صادق ويفيد أي ً‬
‫أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫الوقوع في مثل ما وقعوا فيه من المخالفات‪ ،‬ومن أخطر تلك المخالفات انحراف العلماء عن جادة الحق‪ ،‬وطلبهم‬
‫الدنيا بعلمهم‪ ،‬وتقربهم للطواغيت الحاكمين بغير شرع ﷲ‪ ،‬والمبدلين لدين ﷲ‪ ،‬فيصبغون عليهم وعلى حكمهم‬
‫ش ْر ِعيﱠة‪ ،‬ويصدرون الفتاوى في وجوب طاعتهم وتحريم الخروج عليهم‪ ،‬ولو وقع طواغيتهم في كل نواقض‬ ‫ال ﱠ‬
‫اﻹسﻼم أو أكثرها‪ ،‬بل وحاربوه بكل وسيلة‪ ،‬وأعانوا الكفار على المسلمين‪ ،‬وقتلوا وسجنوا المجاهدين والعلماء‬
‫الكفر البواح والردة الصريحة عن دين ﷲ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الصادقين وظهر منهم‬

‫كثيرا‪ ،‬فيقتدي بهم الجاهل وصاحب الهوى‪ ،‬وتصير فتاوى عالم‬ ‫ً‬ ‫إن العلماء إذا انحرفوا أضلوا خلقًا‬
‫الضﻼل سيفًا بيد الطاغوت الحاكم يضرب به كل من دعا إلى دين ﷲ الحق‪ ،‬وطالب بتحكيم شريعته‪ ،‬واستنكر‬
‫ً‬
‫سؤاﻻ ها ًما‪ ،‬هل العلم وحده دون العمل به ينجي العالم من عذاب‬ ‫مواﻻة الحاكم ﻷعداء ﷲ‪ ،‬وهنا يجب أن نطرح‬
‫ﱡ‬
‫سل ًما للوصول‬ ‫ً‬
‫ﷲ‪ ،‬ويرفعه درجات عند ﷲ؟‪ ،‬كﻼ وﷲ‪ ،‬فالعلم بﻼ عمل؛ وباﻻ على صاحبه‪ ،‬فكيف إذا جعل علمه ُ‬
‫إلى الدنيا وزخرفها‪ ،‬وصار همه الحظوة لدى ذوي الجاه والسلطان؟!‪.‬‬
‫قال عبد ﷲ بن مبارك ‪-‬رحمه ﷲ‪ -‬ﻷحد علماء زمانه حين تولى إحدى الوﻻيات وخشي عليه من أن يضيع دينه‬
‫بسببها‪:‬‬
‫ين‬
‫سا ِك ِ‬ ‫ْ‬
‫ال َم َ‬ ‫َ‬
‫أ ْم َوا َل‬ ‫َ‬
‫صطا ُد‬‫يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َجا ِع َل ال ِعل ِم لهُ بَ ِازيا‬ ‫يَا‬
‫ِين‬
‫ِبال ّد ِ‬ ‫ت َ ْذ ِه ُ‬
‫ب‬ ‫ِب ِحي َل ٍة‬ ‫َولَذﱠاتِ َها‬ ‫ِلل ﱡد ْنيَا‬ ‫اِحْ ت َ ْلتَ‬
‫ِل ْل َم َجا ِنينَ‬ ‫د ََوا ًء‬ ‫ُك ْنتَ‬ ‫بعد َما‬ ‫ِب َها‬ ‫َمجْ نُونًا‬ ‫فَ ِص ْرتَ‬
‫س َﻼَ ِط ِ‬
‫ين‬ ‫ال ﱠ‬ ‫أَب َْوا ِ‬
‫ب‬ ‫ت َ ْر ِك‬ ‫فِي‬ ‫س ْر ِد َها‬
‫َ‬ ‫في‬ ‫ِر َوايَات ُكَ‬ ‫أ َ ْينَ‬
‫ين‬
‫ط ِ‬‫ال ِ ّ‬ ‫فِي‬ ‫ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫ار‬
‫ِح َم ُ‬ ‫َز ﱠل‬ ‫اط ٌل‬
‫َب ِ‬ ‫فَ َذا‬ ‫أ ُ ْك ِر ْهتُ‬ ‫قُ ْلتَ‬ ‫ْ‬
‫إن‬

‫أنه ﻻ ينجي المسلم إﻻ أن يطلب العلم لوجه ﷲ تعالى ﻻ ليحصل به أي نفع دنيوي سواء كان مد ًحا أم‬
‫ماﻻ أو رياسةً دينيةً أو دنيويةً‪ ،‬جاء في حديث أبي هريرة ‪-‬رضي ﷲ عنه‪ -‬الذي أخرجه مسلم في‬ ‫جا ًها أم ً‬
‫ي بِ ِه فَعَ ﱠرفَهُ نِعَ َمهُ‬ ‫ستُش ِْه َد‪ ،‬فَأُتِ َ‬‫علَ ْي ِه‪َ ،‬ر ُج ٌل ا ْ‬ ‫اس يُ ْقضَى يَ ْو َم ا ْل ِقيَا َم ِة َ‬ ‫صحيحه‪ ،‬أن النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬قال‪ ) :‬إِنﱠ أ َ ﱠو َل النﱠ ِ‬
‫ستُش ِْه ْدتُ ‪ ،‬قَا َل ‪َ :‬ك َذبْتَ ‪َ ،‬ولَ ِكنﱠكَ قَات َ ْلتَ ؛ ِﻷ َ ْن يُقَا َل َج ِري ٌء‪ ،‬فَقَ ْد‬ ‫فَعَ َرفَ َها قَالَ‪ :‬فَ َما ع َِم ْلتَ فِي َها؟ قَالَ‪ :‬قَات َ ْلتُ فِيكَ َحتﱠى ا ْ‬
‫ي بِ ِه فَعَ ﱠرفَهُ‬ ‫علﱠ َمهُ َوقَ َرأ َ ا ْلقُ ْرآنَ ‪ ،‬فَأُتِ َ‬
‫ي فِي النﱠ ِار‪َ ،‬و َر ُج ٌل تَعَلﱠ َم ا ْل ِع ْل َم َو َ‬ ‫علَى َوجْ ِه ِه َحتﱠى أ ُ ْل ِق َ‬ ‫ب َ‬‫س ِح َ‬ ‫قِي َل‪ ،‬ث ُ ﱠم أ ُ ِم َر بِ ِه فَ ُ‬
‫علﱠ ْمتُهُ َوقَ َرأْتُ فِيكَ ا ْلقُ ْرآنَ ‪َ ،‬قالَ‪َ :‬ك َذبْتَ ‪َ ،‬ولَ ِكنﱠكَ تَعَلﱠ ْمتَ‬ ‫نِعَ َمهُ فَعَ َرفَ َها قَالَ‪ :‬فَ َما ع َِم ْلتَ ِفي َها؟ قَالَ‪ :‬ت َ َعلﱠ ْمتُ ا ْل ِع ْل َم َو َ‬
‫ي فِي النﱠ ِار‪،‬‬ ‫علَى َوجْ ِه ِه َحتﱠى أ ُ ْل ِق َ‬ ‫ب َ‬ ‫ئ‪ ،‬فَقَ ْد قِي َل‪ ،‬ث ُ ﱠم أ ُ ِم َر بِ ِه فَ ُ‬
‫س ِح َ‬ ‫ا ْل ِع ْل َم؛ ِليُ َقا َل عَا ِل ٌم َوقَ َرأْتَ ا ْلقُ ْرآنَ ؛ ِليُقَا َل ُه َو َق ِار ٌ‬

‫‪10‬‬
‫ي بِ ِه فَعَ ﱠرفَهُ نِعَ َمهُ فَعَ َرفَ َها قَالَ‪ :‬فَ َما ع َِم ْلتَ فِي َها؟ قَالَ‪:‬‬ ‫اف ا ْل َما ِل ُك ِلّ ِه‪َ ،‬فأُتِ َ‬ ‫صنَ ِ‬ ‫طاهُ ِم ْن أ َ ْ‬ ‫علَ ْي ِه‪َ ،‬وأ َ ْ‬
‫ع َ‬ ‫س َع ﱠ ُ َ‬ ‫َو َر ُج ٌل َو ﱠ‬
‫ب أَ ْن يُ ْنفَقَ فِي َها إِ ﱠﻻ أ َ ْنفَ ْقتُ فِي َها لَكَ ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬ك َذبْتَ ‪َ ،‬ولَ ِكنﱠكَ فَعَ ْلتَ ؛ ِليُقَا َل ُه َو َج َوا ٌد‪ ،‬فَقَ ْد قِي َل‪ ،‬ث ﱠمُ‬ ‫س ِبي ٍل ت ُ ِح ﱡ‬‫َما تَ َر ْكتُ ِم ْن َ‬
‫ي فِي النﱠ ِار( نسأل ﷲ السﻼمة والعافية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ب عَـلَى َوجْ ِه ِه ث ُ ﱠم أ ْل ِق َ‬ ‫أ ُ ِم َر ِب ِه فَـ ُ‬
‫س ِح َ‬
‫قال بن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَ ْن‬
‫َ‬ ‫عبﱠا ِد‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب من ق ْب ِل‬ ‫ﱠ‬
‫ُمعَذ ٌ‬ ‫يع َملَ ْن‬ ‫لم‬ ‫بعلم ِه‬
‫ِ‬ ‫وعال ٌم‬

‫ُخلص في‬ ‫َ‬ ‫كثيرا ما يبدأ أهل العلم كتبهم بحديث‪ ) :‬إنما اﻷعمال بالنيات (‪ ،‬تنبيها لطالب العلم؛ لي‬ ‫ً‬ ‫ولذلك‬
‫طلبه للعلم وفي تعليمه للناس‪ ،‬وقد أخبر النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬أن‪ ) :‬القرآن حجة لك أو عليك(‪ ،‬رواه اﻹمام مسلم‪ ،‬فالقرآن‬
‫حجة لمن قرأه بتدبر وعلم ما فيه وعمل بما علم‪ ،‬وأما من أعرض عن كتاب ﷲ‪ ،‬أو علم ما فيه ولكنه لم يعمل‬
‫به؛ فالقرآن حجة عليه يوم القيامة‪ ،‬وقد أخبر ﷲ تعالى أن الرسخين في العلم يدعون ﷲ تعالى قائلين‪َ } :‬ربﱠنَا ﻻ‬
‫اب {]آل عمران‪ ،[8:‬أي ﻻ تمل قلوبنا عن الحق‬ ‫ت ُ ِز ْغ قُلُوبَ َنا بَ ْع َد إِ ْذ َه َد ْيتَنَا َو َه ْب لَنَا ِم ْن لَ ُد ْنكَ َرحْ َمةً إِنﱠكَ أَ ْنتَ ا ْل َو ﱠه ُ‬
‫جهﻼ أو عنادًا منا‪ ،‬بل اجعلنا مستقيمين على دينك هادين مهتدين فثبتنا على هدايتك وعافنا مما أبتليت به‬ ‫ً‬
‫الزائغين‪َ } ،‬و َه ْب لَ َنا ِم ْن لَ ُد ْنكَ َرحْ َمةً {‪ ،‬أي رحمة عظيمة توفقنا بها للثبات على اﻹسﻼم غير مفرطين وﻻ‬
‫اب {‪ ،‬أي واسع العطايا والهبات كثير اﻹحسان الذي ع ﱠم جودك جميع المخلوقات‪ ،‬والعالم‬ ‫مبدلين‪ } ،‬إِنﱠكَ أ َ ْنتَ ا ْل َو ﱠه ُ‬
‫أوﻻ‪ ،‬وعند المسلمين ثانيًا‪ ،‬فا تعالى قد أثنى على الذين يخشونه وﻻ يخشون أحد‬ ‫العامل بعلمه له مكانته عند ﷲ ً‬
‫غيره‪ ،‬فقال تعالى عن الذين يبلغون رساﻻت ﷲ من اﻷنبياء والرسل ‪-‬عليهم الصﻼة والسﻼم‪ -‬ثم من الدعاة إلى‬
‫ت ﱠ ِ َويَ ْخش َْونَهُ َوﻻ يَ ْخش َْونَ أ َ َحدًا إِﻻ ﱠ َ َو َكفَى بِا ﱠ ِ َح ِ‬
‫سيبًا‬ ‫ساﻻ ِ‬‫ﷲ في هذه اﻷمة‪ } :‬الﱠ ِذينَ يُبَ ِلّغُونَ ِر َ‬
‫{]اﻷحزاب‪.[39:‬‬

‫ت ﱠ ِ {‪ ،‬أي إلى خلقه ويأدونها بأمانتها‪،‬‬ ‫ساﻻ ِ‬ ‫قال ابن كثير ‪-‬رحمه ﷲ‪ -‬يمدح تعالى‪ } :‬الﱠ ِذينَ يُبَ ِلّغُونَ ِر َ‬
‫} َويَ ْخش َْونَهُ {‪ ،‬أي يخافونه وﻻ يخافون أحد سواه فﻼ تمنعهم سطوة أحد عن إبﻼغ رساﻻت ﷲ‪َ } ،‬و َكفَى بِا ﱠ ِ‬
‫ناصرا ومعينًا‪ ،‬وسيد الناس في هذا المقام‪ ،‬بل وفي كل مقام ﷴ رسول ﷲ ‪-‬ﷺ‪ -‬فإنه قام‬ ‫ً‬ ‫سيبًا {‪ ،‬أي وكفا با‬
‫َح ِ‬
‫بأداء الرسالة وإبﻼغها إلى أهل المشارق والمغارب إلى جميع أنواع بني آدم‪ ،‬وأظهر ﷲ كلمته ودينه وشرعه‬
‫على جميع اﻷديان والشرائع‪ ،‬فإنه وقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وأما هو ‪-‬صلوات ﷲ عليه‪ -‬فإنه بعث‬
‫سو ُل ﱠ ِ إِلَ ْي ُك ْم َج ِميعًا‬ ‫إلى جميع الخلق عربهم وعجمهم إنسهم وجنهم } قُ ْل يَا أَيﱡ َها النﱠ ُ‬
‫اس إِنِّي َر ُ‬
‫{]اﻷعراف‪ ،[158:‬ثم ورث مقام البﻼغ عنه أمته من بعده‪ ،‬فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه ‪-‬رضي ﷲ‬
‫عنهم‪ -‬بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله في ليله ونهاره وحضره وسفره وسره‬
‫وعﻼنيته ‪-‬فرضي ﷲ عنهم وأرضاهم‪ -‬ثم ورثة كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا‪ ،‬فبنورهم يقتدي‬
‫المهتدون‪ ،‬وعلى منهجهم يسلك الموفقون‪ ،‬فنسأل ﷲ الكريم المنان أن يجعلنا من َخلَفَ ِهم( انتهى كﻼمه بنحوه‬
‫رحمه ﷲ‪.‬‬

‫يجب على كل مسلم‬ ‫ُ‬ ‫يجب أن تكونَ في العلماء‪ ،‬فأولها ما‬ ‫ُ‬ ‫وإذا أردنا أن نتحدث عن الصفات التي‬
‫اﻻتصاف به‪ ،‬فكل صفة وصف ﷲ بها المؤمنين فاتصاف أهل العلم بها أولى وأحرى؛ ﻷن قيام الحجة عليهم‬
‫أكبر من قيامها على غيرهم بما عرفوا من الحق؛ وﻷنهم من حيث العلم يتميزون على غيرهم من المسلمين بما‬
‫يعلمونه من علوم شرعية تعلمها فرض كفاية مع استكمالهم للعلم الذي تحصيله فرض عين‪ ،‬ثم هم مرجع‬
‫المسلمين فيما يجد وينزل من حوادث؛ ﻷن عندهم من العلم بأدلة الشرع وعلوم اﻷلة ما يؤهلهم لﻼجتهاد‬
‫واستنباط اﻷحكام‪ ،‬والعلم علمان‪ :‬علم با ‪ ،‬وعلم بأمره‪ ،‬فأهل العلم به أكثر الناس معرفة بأسماء ﷲ وصفاته‬
‫وأفعاله‪ ،‬ويﻼحظون معاني وآثار أسماء ﷲ وصفاته في آياته القرآنية وآياته الكونية‪ ،‬ولذلك ذكر ﷲ تعالى‬
‫شهادتهم على وحدانيته وضمها إلى شهادته وشهادة مﻼئكته‪ ،‬قال تعالى‪ } :‬ش َِه َد ﱠ ُ أَنﱠهُ َﻻ ِإ ٰلَهَ ِإ ﱠﻻ ُه َو َوا ْل َم َﻼئِكَةُ‬
‫يز ا ْل َح ِكي ُم{ ]آل عمران‪ ،[18:‬والعلم الصحيح با تعالى وبدينه هو‬ ‫س ِط َﻻ ِإ ٰلَهَ ِإ ﱠﻻ ُه َو ا ْل َع ِز ُ‬
‫َوأُولُو ا ْل ِع ْل ِم َقائِ ًما ِبا ْل ِق ْ‬
‫الذي يوصل أهله إلى خشية ﷲ بالغيب قال تعالى‪ِ } :‬إنﱠما َي ْخشَى ﱠ َ ِم ْن ِعبا ِد ِه ا ْلعُلَما ُء{]فاطر‪.[28:‬‬

‫وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة‪ ،‬وإلى لقاء أخر إن شاء ﷲ‪ ،‬والسﻼم عليكم ورحمة ﷲ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقــــة الـــرابعــــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَنْ‬ ‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬م َعذﱠبٌ من قب ِل ُ‬
‫عبﱠا ِد َ‬ ‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫الحمد والصﻼة والسﻼم على خاتم رسل ﷲ وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه وأشهد أن ﻻ اله إﻻ ﷲ وحده‬
‫ﻻ شريك له‪ ،‬وأشهد أن ﷴ ا عبده ورسوله أما بعد‪:‬‬

‫فإن العلم الصحيح با تعالى بدينه هو الذي يوصل أهله إلى خشية ﷲ بالغيب قال تعالى‪) :‬إِنﱠ َما يَ ْخشَى‬
‫ﱠ َ ِم ْن ِعبَا ِد ِه ا ْلعُلَ َما ُء(]فاطر‪ ، [28:‬أي إنما يخشاه بالغيب العلماء الذين علموه بصفاته فعظموه ومن ازداد علما‬
‫با ازداد منه خوفا‪ ،‬وأحق الناس بخشية ﷲ هم العلماء الذين آمنوا با وزادتهم آيات ﷲ القرآنية والكونية إيمانا‬
‫علَ ٰى‬ ‫كما قال تعالى ‪ِ ) :‬إنﱠ َما ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ الﱠ ِذينَ ِإذَا ذُ ِك َر ﱠ ُ َو ِجلَتْ قُلُوبُ ُه ْم َو ِإ َذا ت ُ ِليَتْ َ‬
‫علَي ِْه ْم آيَاتُهُ َزا َدتْ ُه ْم ِإي َمانًا َو َ‬
‫ص َﻼةَ َو ِم ﱠما َر َز ْق َنا ُه ْم ُين ِفقُونَ )‪ (3‬أُو ٰلَ ِئكَ ُه ُم ا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ َحقا ۚ◌ لﱠ ُه ْم د ََرجَاتٌ‬ ‫َر ِبّ ِه ْم َيت َ َو ﱠكلُونَ )‪ (2‬الﱠ ِذينَ يُ ِقي ُمونَ ال ﱠ‬
‫ق ك َِري ٌم (]اﻷنفال‪ ، [4-2:‬وقال تعالى عن نظر العلماء إلى آياته الكونية ‪) :‬أَلَ ْم ت َ َر أَنﱠ‬ ‫ِعن َد َر ِبّ ِه ْم َو َم ْغ ِف َرة ٌ َو ِر ْز ٌ‬
‫ف أ َ ْل َوانُ َها‬ ‫ت ُم ْخت َ ِلفًا أ َ ْل َوانُ َها َو ِم ْن ا ْل ِجبَا ِل ُج َد ٌد ِب ٌ‬
‫يض َو ُح ْم ٌر ُم ْخت َ ِل ٌ‬ ‫اء َما ًء فَأ َ ْخ َرجْ نَا ِب ِه ث َ َم َرا ٍ‬ ‫ﱠ َ أ َ ْن َز َل ِم ْن ال ﱠ‬
‫س َم ِ‬
‫ف أَ ْل َوانُهُ َكذَ ِلكَ ِإنﱠ َما يَ ْخشَى ﱠ َ ِم ْن ِع َبا ِد ِه ا ْلعُلَ َما ُء ِإنﱠ‬ ‫ب َو ْاﻷ َ ْن َع ِام ُم ْختَ ِل ٌ‬ ‫(و ِم ْن النﱠ ِ‬
‫اس َوالد َﱠوا ِّ‬ ‫سودٌ)‪َ 27‬‬ ‫يب ُ‬ ‫غ َرا ِب ُ‬ ‫َو َ‬
‫ور (]فاطر‪ ،[28-27:‬ومن علمه با أقل كان أقل خشية له لجهله وسوء نظره فيما وراء هذه‬ ‫غف ُ ٌ‬ ‫يز َ‬ ‫ﱠ َ ع َِز ٌ‬
‫الحياة ﻷن مدار الخشية على معرفة ﷲ والعلم بأمره مع عمل صالح يصحبه خشوع ‪ ،‬قال عليه الصﻼة‬
‫والسﻼم ‪" :‬أنا أخشاكم وأتقاكم له"‪ 16‬وقال الربيع بن أنس‪" :‬من لم يخش ﷲ فليس بعالم" ‪ ،‬وقال مجاهد‪:‬‬
‫عز وجلﱠ" ‪.‬‬ ‫"إنما العالم من خشي ﷲ ﱠ‬

‫وأتقاكم له"‬ ‫‪ 16‬متفق عليه من حديث أنس رضي ﷲ عنه بلفظ ‪" :‬إني ﻷخشاكم‬

‫‪12‬‬
‫وتقديم لفظ الجﻼلة وتأخير العلماء يفيد أن الذين يخشون ﷲ من عباده هم العلماء دون غيرهم وأن خشية ﷲ‬
‫ور ( ها تعليل لخشية العلماء ربهم ﻷن صفة العزة تدل‬ ‫غف ُ ٌ‬ ‫يز َ‬‫تزداد كلما ازداد العبد علما با وبأمره )إِنﱠ ﱠ َ ع َِز ٌ‬
‫على كمال قدرة ﷲ على عقوبة العصاة وقهرهم والمغفرة تدل على إثابة أهل الطاعة والعفو عنهم‪ ،‬والمعاقِب‬
‫المثيب حقه أن يُخشى ﻷنه على كل شيء قدير ‪ ،‬فخشية ﷲ تدفع من استقرت في قلبه إلى تقوى ﷲ بفعل ما أمر‬
‫من الفروض والواجبات وترك ما حرم من الكبائر والسيئات وﻻ تكتمل التقوى إﻻ بالخوف من ﷲ ومن عقابه‬
‫ورجاء رحمته وثوابه‪ ،‬روى اﻹمام أحمد والبيهقي في كتاب "الزهد الكبير" عن طلق بن حبيب رحمه ﷲ أنه‬
‫قال ‪" :‬التقوى أن تعمل بطاعة ﷲ رجاء رحمته على نور من ﷲ وأن تترك معصية ﷲ على نور من ﷲ تخاف‬
‫سيَر" معلقا على قول طلق ‪" :‬أبدع وأوجز ‪ ،‬فﻼ تقوى إﻻ بعمل وﻻ عمل‬ ‫عقاب ﷲ ‪ ،‬قال الذهبي رحمه ﷲ في "ال ِ ّ‬
‫إﻻ بتر ٍو من العلم والتباع وﻻ ينفع ذلك إﻻ باﻹخﻼص ‪ ،‬ﻻ ليقال فﻼن تارك للمعاصي بنور الفقه إذ المعاصي‬
‫يفتقر اجتنابها إلى معرفتها فيكون الترك خوفا من ﷲ ﻻ ليمدح بتركها فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز "‪،‬‬
‫وأحق الناس بأن يتصف بصفات أهل اﻹيمان الذين يحبهم ﷲ ويحبونه هم العلماء قال تعالى‪) :‬يَا أَيﱡ َها الﱠ ِذينَ‬
‫علَى ا ْلكَافِ ِرينَ‬ ‫ف يَأْتِي ﱠ ُ ِبقَ ْو ٍم يُ ِحبﱡ ُه ْم َويُ ِحبﱡونَهُ أَ ِذلﱠ ٍة َ‬
‫علَى ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ أ َ ِع ﱠز ٍة َ‬ ‫آ َمنُوا َمن يَ ْرت َ ﱠد ِمن ُك ْم عَن دِينِ ِه فَ َ‬
‫س ْو َ‬
‫ۚ‬ ‫ٰ‬ ‫ۚ‬
‫سبِي ِل ﱠ ِ َو َﻻ يَ َخافُونَ لَ ْو َمةَ َﻻئِ ٍم ◌ َذ ِلكَ فَ ْ‬
‫ع ِلي ٌم(]المائدة‪[54:‬‬ ‫س ٌع َ‬ ‫ض ُل ﱠ ِ يُ ْؤتِي ِه َمن يَشَا ُء ◌ َو ﱠ ُ َوا ِ‬ ‫يُ َجا ِه ُدونَ فِي َ‬
‫‪ ،‬إذا ﻻ فصل بين العلم وبين الخشية من ﷲ والعمل بكتابه وسنة رسوله عليه الصﻼة والسﻼم‪ ،‬فمن عمل بما‬
‫يغضب ﷲ لم يشفع له علمه بل هو حجة عليه‪ ،‬فعلم العلماء ﻻ يأذن لهم في أن يفعلوا ما شاءوا من مخالفات ﻷمر‬
‫اف ِإ ْن‬ ‫ربهم سبحانه فليس ذلك حتى لﻸنبياء عليهم الصﻼة والسﻼم الذين قال ﷲ لخاتمهم ‪-‬ﷺ‪) -‬قُ ْل ِإنِّي أ َ َخ ُ‬
‫يم(]اﻷنعام‪ [15:‬وقال تعالى مخبرا عن ما أوحاه إلى أنبيائه ورسله عليهم الصﻼة‬ ‫اب يَ ْو ٍم ع َِظ ٍ‬ ‫ع َذ َ‬‫صيْتُ َربِّي َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫س ِرينَ )‪َ (65‬ب ِل ﱠ َ‬ ‫ع َملُكَ َولَتَكُونَنﱠ ِمنَ ا ْل َخا ِ‬ ‫ي ِإلَ ْيكَ َو ِإلَى الﱠ ِذينَ ِم ْن قَ ْب ِلكَ لَ ِئ ْن أَش َْر ْكتَ لَيَحْ َب َطنﱠ َ‬ ‫والسﻼم ) َولَقَ ْد أ ُ ِ‬
‫وح َ‬
‫فَا ْعبُ ْد َوك ُْن ِمنَ الشﱠا ِك ِرينَ (]الزمر‪ [66-65:‬وقد حذر ﷲ تعالى من خطر العلماء البائعين لدينهم مقابل ثمن قليل‬
‫وﻻ شك أن كل ثمن يأخذه إنسان مقابل دينه فهو قليل زهيد وإن رآه كثيرا فاغتر به قال تعالى ‪َ ) :‬يا أَيﱡ َها الﱠ ِذينَ‬
‫سبِي ِل ﱠ ِ (]التوبة‪، [34:‬‬ ‫صدﱡونَ ع َْن َ‬ ‫اط ِل َويَ ُ‬ ‫اس بِا ْلبَ ِ‬ ‫ان لَيَأ ْ ُكلُونَ أ َ ْم َوا َل النﱠ ِ‬ ‫يرا ِمنَ اﻷَحْ َب ِار َو ﱡ‬
‫الر ْهبَ ِ‬ ‫آ َمنُوا إِنﱠ َكثِ ً‬
‫وهذه اﻵية وإن تحدثت عن أهل الكتاب إﻻ أنها تحذر من مشابهتهم في إفسادهم لدين الناس ودنياهم قال ابن كثير‬
‫رحمه ﷲ عن هذه اﻵية ‪" :‬والمقصود التحذير من علماء السوء وعباد الضﻼل كما قال سفيان بن عيينة ‪) :‬من‬
‫فسد من علماءنا كان فيه شبه من اليهود ‪ ،‬ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى( وفي الحديث الصحيح‬
‫‪" :‬لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة قالوا ‪:‬اليهود والنصارى ؟ قال ‪ :‬فمن ؟" وفي رواية "فارس‬
‫‪17‬‬
‫والروم ؟ قال ‪ :‬ومن الناس إﻻ هؤﻻء !"‬

‫اط ِل( وذلك‬ ‫اس بِا ْلبَ ِ‬ ‫والحاصل التحذير من التشبه بهم في أحوالهم وأقوالهم ولهذا قال تعالى ) َل َيأ ْ ُكلُونَ أ َ ْم َوا َل النﱠ ِ‬
‫أنهم يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم في الناس يأكلون أموالهم بذلك كما كان ﻷحبار اليهود على أهل‬
‫الجاهلية شرف ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تجيء إليهم‪ ،‬فلما بعث ﷲ رسوله صلوات ﷲ وسﻼمه عليه‬
‫استمروا على ضﻼلهم وكفرهم وعنادهم طمعا منهم أن تبقى لهم تلك الرياسات فأطفأها ﷲ بنور النبوة وسلبهم‬
‫سبِي ِل ﱠ ِ( أي وهم مع‬ ‫صدﱡونَ ع َْن َ‬ ‫إياها وعوضهم بالذلة والمسكنة وباءوا بغضب من ﷲ‪ ،‬وقوله تعالى ‪َ ) :‬ويَ ُ‬
‫أكلهم الحرام يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبسون الحق بالباطل ويُظهرون لمن اتبعهم من الجهلة أنهم يدعون‬
‫إلى الخير وليسوا كما يزعمون بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة ﻻ ينصرون ‪ ،‬وقوله ‪َ ) :‬والﱠ ِذينَ يَ ْكنِ ُزونَ الذﱠ َه َ‬
‫ب‬
‫يم(‪ ،‬هؤﻻء هم القسم الثالث من رؤوس الناس فان الناس‬ ‫ب أ َ ِل ٍ‬ ‫َوا ْل ِفضﱠةَ َو َﻻ يُ ْن ِفقُونَ َها فِي َ‬
‫سبِي ِل ﱠ ِ فَبَ ِ‬
‫ش ّْر ُه ْم بِعَذَا ٍ‬
‫عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرباب اﻷموال‪ ،‬فإذا فسدت أحوال هؤﻻء فسدت أحوال الناس كما قال‬
‫بعضهم‪ :‬وهل أفسد الدين إﻻ الملوك وأحبار سوء ورهبانها" انتهى كﻼمه رحمه ﷲ ‪.‬‬

‫وها هنا تساؤل مهم ‪ :‬هل يُعذر الناس في اتباع علماء السوء الضالين المضلين وهم يرونهم يخالفون‬
‫نصوص الكتاب والسنة ويرون صحبتهم للطواغيت وأنهم ﻻ ينكرون عليهم مواﻻتهم للكفار وتبديلهم لشرع ﷲ‬
‫تبر ُر لطواغيت الحكم كفرهم‬
‫وتحكيمهم لقوانين البشر؟ بل قد صار هؤﻻء المنتسبون إلى العلم طواغيت ِ ّ‬
‫وإجرامهم ويعتذر مشايخ العمالة عن كل ناقض لﻺسﻼم يقع فيه طاغوتهم فصاروا شركاء في الكفر والطغيان‬
‫يسبغون على الطاغوت أوصاف التقوى واﻹيمان كذبا وزورا ويسبغ هو عليهم اﻷموال واﻷلقاب الطنانة‪ ،‬وصار‬
‫‪17‬‬
‫متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي ﷲ عنه‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫دجل مشايخ العمالة موضع إعجاب رؤوس الكفر حكام أمريكا وأوربا فيمدحونهم ويصفونهم باﻻعتدال‬
‫والوسطية‪.‬‬

‫لقد أخبرنا ﷲ تعالى أن رؤوس الكفر والضﻼلة وأتباعهم على كفرهم وشركهم كلهم في النار يتبرأ بعضهم‬
‫شدِي ُد‬ ‫اب أَنﱠ ا ْلقُ ﱠوةَ ِ ﱠ ِ َج ِميعًا َوأَنﱠ ﱠ َ َ‬ ‫من بعض كما قال تعالى ‪َ ) :‬ولَ ْو يَ َرى الﱠ ِذينَ َظلَ ُموا ِإ ْذ يَ َر ْونَ ا ْلعَذَ َ‬
‫اب)‪َ (166‬وقَا َل الﱠ ِذينَ‬ ‫سبَ ُ‬ ‫طعَتْ ِب ِه ُم اﻷ َ ْ‬‫اب َوتَقَ ﱠ‬ ‫ب )‪ِ (165‬إ ْذ تَبَ ﱠرأ َ الﱠ ِذينَ ات ﱡ ِبعُواْ ِمنَ الﱠ ِذينَ اتﱠبَعُواْ َو َرأ َ ُواْ ا ْل َعذَ َ‬ ‫ا ْل َع َذا ِ‬
‫علَي ِْه ْم َو َما ُهم ِب َخ ِار ِجينَ ِمنَ‬ ‫ت َ‬ ‫س َرا ٍ‬‫يه ُم ّ ُ أ َ ْع َمالَ ُه ْم َح َ‬‫اتﱠبَعُواْ لَ ْو أَنﱠ لَنَا ك ﱠَرةً فَنَتَبَ ﱠرأ َ ِم ْن ُه ْم َك َما تَبَ ﱠرؤُواْ ِمنﱠا َك َذ ِلكَ يُ ِر ِ‬
‫النﱠ ِار(]البقرة‪ [167-165:‬وبين تعالى أن الذين يتبعون اﻷحبار والرهبان في تحليل ما حرم ﷲ وتحريم ما أحل‬
‫ﷲ أنهم اتخذوهم أربابا من دون ﷲ وهو الشرك اﻷكبر والعياذ با قال تعالى )ات ﱠ َخذُوا أَحْ بَ َ‬
‫ار ُه ْم َو ُر ْهبَانَ ُه ْم‬
‫ع ﱠما‬ ‫س ْب َحانَهُ َ‬‫احدًا ﻻ ِإلَهَ ِإﻻ ُه َو ُ‬ ‫سي َح ا ْبنَ َم ْريَ َم َو َما أ ُ ِم ُروا ِإﻻ ِليَ ْعبُدُوا ِإلَ ًها َو ِ‬ ‫ُون ﱠ ِ َوا ْل َم ِ‬ ‫أ َ ْربَابًا ِم ْن د ِ‬
‫يُش ِْركُونَ (]التوبة‪ [31:‬وﻻ يختلف حكم من يتبعون مشايخ الضﻼل في تحليل ما حرم ﷲ أو تحريم ما أحل ﷲ‬
‫عن حكم أهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ﷲ؛ ﻷن الناس مأمورون في اﻷصل باتباع‬
‫ِيه ْم فَ َيقُو ُل َماذَا أَ َج ْبت ُ ُم‬
‫كﻼم ﷲ وكﻼم رسوله ‪-‬ﷺ‪ -‬وعن ذلك سيسألون كما قال تعالى ‪َ ) :‬ويَ ْو َم يُ َناد ِ‬
‫س ِلينَ (]القصص‪.[65:‬‬ ‫ا ْل ُم ْر َ‬

‫وأما العلماء فﻼ تجب طاعتهم إﻻ إذا أمروا بطاعة ﷲ وطاعة رسوله ‪-‬ﷺ‪ -‬ولذلك قال كثير من أهل العلم‪:‬‬
‫"أقوال العلماء يستدل لها وﻻ يستدل بها" أي أنها ليست حجة مستقلة بنفسها فﻼ تكون حجة إﻻ إذا استندت إلى‬
‫دليل من اﻷصلين الكتاب والسنة أو قياس صحيح عليهما أو إجماع يقيني ﻷمة اﻹسﻼم في عصر من العصور‬
‫على حكم شرعي‪ ،‬وأما العالم الذي باع دينه واشترى به ثمنا قليﻼ كعلماء الطواغيت وشيوخ القنوات الذين‬
‫ل ﱠمعتهم وشهرتهم قنوات الطواغيت فيجب الحذر منهم وقد رأينا تركهم للجهاد في سبيل ﷲ‪ ،‬بل حارب مشايخ‬
‫الضﻼل الجهاد والمجاهدين ووقفوا مع الحاكم الموالي للكفار ضد المجاهدين ووصفوا المجاهدين بالخوارج‪،‬‬
‫وحينما قامت دولة الخﻼفة حاربها مشايخ الطواغيت وأصدروا الفتاوى للحكام بالدخول في الحلف الصليبي‬
‫ومحاربة دولة اﻹسﻼم‪.‬‬
‫ولننتقل اﻵن إلى الكﻼم عن كيد أئمة الكفر لﻺسﻼم عن طريق استعمال كثير ممن ينتسبون إلى العلم‬
‫الشرعي وكذلك استعمالهم لل ِف َرق التي تسمي نفسها جماعات إسﻼمية فأقول وبا التوفيق والسداد‪:‬‬

‫لما سقطت الدولة العثمانية قررت الدول الصليبية أن تتقاسم بﻼد المسلمين وتحتلها احتﻼﻻ مباشرا فثارت‬
‫عليهم الشعوب لظهور اﻻحتﻼل ووضوح راية الكفر التي يرفعها ‪،‬ولكن المؤسف أن معظم تلك الثورات لم ترفع‬
‫راية اﻹسﻼم واضحة صريحة في مواجهة اﻻحتﻼل الصليبي‪ ،‬بل كانت رايات وشعارات تختلط فيها الحمية‬
‫لﻺسﻼم بالحمية للوطنيات والقوميات‪ ،‬ولذلك قبلت هذه الشعوب بشكل عام أن يحكمها عمﻼء للصليبين ﻻ ي ِقلﱡون‬
‫عنهم كفرا إﻻ أنهم يحملون أسماء إسﻼمية أو عربية ويدﱠعون اﻹسﻼم مع فعل ما يناقضه‪ ،‬ﻻ يحكمون بشرع ﷲ‬
‫مع نصهم في دساتيرهم على أن اﻹسﻼم هو المصدر اﻷول أو الرئيس للتشريع‪ ،‬أو أن دين الدولة اﻹسﻼم‪ ،‬بل‬
‫نصت بعض الدساتير على أن أي قانون يخالف اﻹسﻼم فهو ملغى وﻻ يعمل به‪ ،‬وذلك ذرا للرماد في عيون‬
‫الشعوب ﻷن الدساتير نفسها فيها مواد مخالفة لﻺسﻼم مع نصها أن القانون المخالف لﻺسﻼم ﻻ يصح العمل به‪.‬‬

‫وقد كان للكفار تدخل أساسي في تنصيب الحاكم واعتباره شرعيا فقد جعلوا الحكومات التي ورثتهم تابعة لهم‬
‫ظاهرا وباطنا ‪ ،‬أما ظاهرا فعن طريق جعلها أعضاء فيما سموه عصبة اﻷمم التي تغيﱠر اسمها بعد ذلك إلى هيئة‬
‫اﻷمم المتحدة وكذلك جعلوا الدول أعضاء فيما يسمى مجلس اﻷمن‪ ،‬ويتحكم في هيئة اﻷمم المتحدة ومجلس اﻷمن‬
‫أكبر دول الكفر في العالم أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا‪.‬‬

‫وأما من حيث الباطن فالحكومات التي خلفت اﻻحتﻼل الصليبي ليست عميلة لدول الكفر فحسب بل الوصف‬
‫الصحيح لحكامها أنهم موظفون‪ ،‬ﻻ استقﻼل لهم عن دول الكفر في شيء‪ ،‬تصدر إليهم اﻷوامر من أسيادهم‬
‫فيطبقونها بحذافيرها دون أن تؤخَذ آراء هؤﻻء العبيد في شيء إﻻ فيما يَخدم أسيادهم وحرب اﻹسﻼم‪ ،‬ومنع‬
‫عودة اﻹسﻼم إلى الحكم ومحاربة أي عودة صحيحة للشعوب إلى دين ﷲ ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫وأمر أئمة الكفر عبيدهم بأن يلعبوا أمام شعوبهم لعبة الديمقراطية وهي كذبة كبيرة على الشعوب ﻹفهامها أن‬
‫الحاكم العميل ﻷمريكا أو روسيا إنما جاء إلى الحكم برغبة وموافقة شعبه ولذلك صنعوا صناديق اﻻنتخابات‬
‫وقالوا للناس رشحوا من تريدون ليصير حاكما أو مساعدا للحاكم وﻹكمال الضحك على الشعوب يتم تزوير‬
‫اﻻنتخابات ونتائجها بل وإجبار الناس أحيانا على اختيار حاكم محدد سلفا بحيث يقف عسكر النظام بجوار‬
‫الصندوق مهددين من يكتب كلمة "ﻻ" بالعقاب اﻷليم وربما رشحوا حاكما واحدا وعملوا ما يسمى استفتا ًء للشعب‬
‫للموافقة عليه كما فعلوه كثيرا في عهد المجرم حافظ اﻷسد أو حسني الﻼمبارك أو بوتفليقة في الجزائر وأمثاله‪.‬‬

‫ونتيجة مهزلة الديمقراطية أن تقول دول الكفر إن هذا الحاكم وصل إلى الحكم باختيار شعبه وهو الذي‬
‫يقبلون به حاكما وﻻ يقبلون بغيره‪ ،‬وﻻ يقبلون أن يخرج أحد عليه وأنهم سوف يواجهون كل من يخرج عليه‬
‫بالقوة والحرب وكل وسيلة ممكنة‪ ،‬وهنا تأتي الحلقة الخطرة المهمة في هذه اللعبة اﻹجرامية وهي أن هؤﻻء‬
‫الحكام يحتاجون إلى من يُسبِغ على حكمهم الشرعية الدينية ليتم استعباد الشعوب باسم اﻹسﻼم المزيف فيأتي دور‬
‫مشايخ الضﻼلة والفرق التي تصف نفسها بأنها جماعات إسﻼمية لتُسبغ على هذا الحاكم الشرعية الدينية‪ ،‬وتفتي‬
‫بحرمة الخروج عليه وتبيح لهذا الطاغوت دماء وأموال من يخرجون عليه‪ ،‬ولو كانوا من أتقى الناس ولو كان‬
‫هدفهم إقامة حكم ﷲ في أرضه‪ ،‬وإنقاذ العباد من العبودية ﻷمم الكفر ليعبدوا ﷲ وحده تحت حكم شريعته‪.‬‬

‫وإذا تساءلت أخي المستمع عن أسباب وقوف مشايخ السوء مع الطاغوت وكذلك وقوف الفرق التي تصف‬
‫نفسها أنها جماعات إسﻼمية ‪ ،‬مع الحاكم الكافر الموالي للكفار من دون المؤمنين فارجع إلى ما ذكرته أوﻻ من‬
‫أسباب ضﻼل أحبار أهل الكتاب وانحرافاتهم وتضليلهم للناس وكل ذلك ذكره لنا ربنا مفصﻼ مبيﱠنا كما قال تعالى‬
‫س ِبي ُل ا ْل ُمجْ ِر ِمينَ (]اﻷنعام‪ [55:‬قال ابن كثير في تفسيره‪" :‬يقول تعالى‪ :‬وكما‬ ‫ست َ ِبينَ َ‬
‫ت َو ِلت َ ْ‬ ‫‪َ ) :‬و َك َذ ِلكَ نُفَ ِ ّ‬
‫ص ُل اﻵ َيا ِ‬
‫ت( أي‬ ‫بيﱠنّا ما تقدم بيانه من الحجج والدﻻئل على طريق الهداية والرشاد وذم المجادلة والعناد ) َو َك َذ ِلكَ نُفَ ِ ّ‬
‫ص ُل اﻵ َيا ِ‬
‫س ِبي ُل ا ْل ُمجْ ِر ِمينَ ( أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل‪،‬‬ ‫ست َ ِبينَ َ‬
‫التي يحتاج المخاطبون إلى بيانها ) َو ِلت َ ْ‬
‫وقُ ِرئ )وليستبين سبيل المجرمين( أي وليستبين يا ﷴ ‪-‬أو يا مخاطب‪ -‬سبيل المجرمين"‪ ،‬انتهى كﻼمه رحمه ﷲ‪.‬‬

‫فنفس العلل واﻷمراض القلبية والدوافع اﻹجرامية التي دفعت أحبار أهل الكتاب ورهبانهم إلى رفض دين ﷲ‬
‫ومحاربة أولياء ﷲ المجاهدين ال ُم َح ِ ّكمين لشرع ﷲ أقول‪ :‬تتكرر نفس العلل واﻷمراض القلبية واﻻنحرافات‬
‫العقدية والعملية في مشايخ السوء وفرق الضﻼل التي تصف نفسها أنها جماعات إسﻼمية نسأل ﷲ أن ﻻ يمكر‬
‫بنا وان يحيينا ويتوفانا على ما يرضيه عنا وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة وإلى لقاء آخر إن شاء ﷲ والسﻼم‬
‫عليكم‪.‬‬

‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬


‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقــــة الخـــامســـــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫‪15‬‬
‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوث ْنَ‬ ‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬م َعذﱠبٌ من قب ِل ُ‬
‫عبﱠا ِد َ‬ ‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫الحمد ولي المتقين والصﻼة والسﻼم على نبيه اﻷمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم‬
‫بإحسان إلى يوم الدين أما بعد‪:‬‬

‫فقد تحدثت في الحلقة الماضية عن أن نفس العلل واﻷسباب التي ضل بها أحبار ورهبان أهل الكتاب وأضلوا‬
‫أجدها عند مشايخ السوء في العصر الحاضر فمشايخ السوء وفرق الضﻼلة المنتشرة المنتسبة لﻺسﻼم ترى فيهم‬
‫ال ِكبر الذي يمنعهم من قبول الحق واحتقار الدعاة إلى دين ﷲ الحق‪ ،‬والتقليل من شأن الجهاد والمجاهدين‪،‬‬
‫فمشايخ الضﻼلة قد أعجبتهم أنفسهم وغرهم تعيين الطاغوت لهم في مناصب ابتدعها كمنصب المفتي العام‬
‫ومنصب هيئة كبار العلماء‪ ،‬ووصفهم الطاغوت بأصحاب السماحة والفضيلة وأعطاهم اﻷموال الطائلة‬
‫والعقارات الواسعة حتى صار أكثرهم أسرى لعطاياه وهباته وصار همه رضاه ولو كان فيه الكفر والضﻼل‪،‬‬
‫وترى مشايخ الضﻼلة والفرق المنتسبة إلى اﻹسﻼم كذبا وزورا كاﻹخوان والسرورية والجامية قد أعماهم الحسد‬
‫للمجاهدين على إقامة دولة اﻹسﻼم وإحياء الخﻼفة والحكم بسنة النبي ‪-‬ﷺ‪ -‬وخلفائه الراشدين يدل على ذلك‬
‫تحقيرهم للمجاهدين‪ ،‬وزعمهم أنهم لم يصنعوا شيئا حقيقيا لﻺسﻼم‪.‬‬

‫بل أولئك المجرمون يظهر منهم التشفي والفرح إذا أصابت المجاهدين مصيبة كما وقع ذلك من أسﻼفهم أهل‬
‫ۖ‬
‫س ْؤ ُه ْم ◌ َوإِن ت ُ ِص ْبكَ ُم ِصيبَةٌ يَقُولُوا قَ ْد أَ َخ ْذنَا أ َ ْم َرنَا ِمن قَ ْب ُل َويَت َ َولﱠوا ﱠو ُه ْم‬
‫سنَةٌ ت َ ُ‬
‫النفاق قال تعالى ‪) :‬إِن ت ُ ِص ْبكَ َح َ‬
‫فَ ِر ُحونَ )‪-((50‬التوبة‪ -‬فيقولون‪ :‬ألم نقل لكم إنكم ﻻ تقدرون على أمريكا وعدتها وعتادها؟! ومن اﻷمراض التي‬
‫بلي بها مشايخ السوء وفرق الضﻼل قسوة قلوبهم فتراهم حين يرون الطاغوت يسجن أهل العلم والجهاد يصبون‬
‫لومهم على المجاهدين وأنهم لم يستشيروا اﻷمة فيما يفعلونه‪ ،‬وأنهم تسببوا ﻷنفسهم في هذا البﻼء‪ ،‬بل يوغل‬
‫بعضهم في الكفر واﻹجرام أكثر من ذلك فيقول‪ :‬إن المجاهدين يستحقون ما يصيبهم على أيدي الطواغيت‪ ،‬وأنهم‬
‫أحدثوا فتنة في البﻼد‪ ،‬وأنهم لم يأتوا اﻹصﻼح من بابه‪ ،‬بل يشارك بعضهم الطاغوت في الحكم على المجاهدين‬
‫بالتعذيب والسجن والقتل‪.‬‬

‫ومن اﻵفات التي أصابت مشايخ السوء والضﻼل قلة أو عدم خوفهم ورهبتهم من ﷲ يدل على ذلك فتاواهم‬
‫المضلة التي تحرم الجهاد وتعتبر أهله مجرمين وفتاواهم بشرعية الحاكم ولو ظهر منه الكفر البواح بل صرح‬
‫بعض مشايخ آل سلول بوجوب السمع والطاعة لـ "بريمر" مندوب أمريكا الصليبية في العراق ونفس ذلك الشيخ‬
‫السلولي ينافح ويدافع عن آل سلول وحكمهم مع أنه كان أيام دخول جيش صدام حسين الكويت يقول‪" :‬إن آل‬
‫سعود كفار وإن دولتهم تحكم بالعلمانية ﻻ باﻹسﻼم"‪ ،‬فسبحان مقلب القلوب واﻷبصار اللهم إنا نعوذ بعزتك ﻻ إله‬
‫إﻻ أنت أن تضلنا أنت الحي الذي ﻻ يموت والجن واﻹنس يموتون‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وأما اشتراؤهم بآيات ﷲ ثمنا قليﻼ ‪-‬أعني علماء الضﻼل والفرق التي تصف نفسها بأنها إسﻼمية‪ -‬فالدليل‬
‫عليها الهبات الضخمة التي يأخذونها من الطواغيت حتى يتسا َم َع بها الناس والمناصب التي يتولونها حتى إن‬
‫بعض الوزارات تعطى لمن يسمون أنفسهم باﻹخوان المسلمين مقابل اتفاقيات مع الطواغيت كما حصل في‬
‫العراق بعد احتﻼل أمريكا والرافضة لها حيث استلم الحزب الﻼإسﻼمي المرتد منصب نائب رئيس الوزراء‪،‬‬
‫ودخل الحزب في اﻻنتخابات ليعطوا اﻻحتﻼل الشرعية الكاذبة وشهدوا كذبا وزورا بأن الطاغوت الحاكم العميل‬
‫ﻷمريكا وإيران قد اختاره الشعب‪ ،‬وكذلك استلم اﻹخوان المجرمون رئاسة الوزراء في دويلة اﻷردن وأعطاهم‬
‫الطاغوت بعض الوزارات ليرضوا عنه ويكونوا شركاء له في كفره وطغيانه‪ ،‬وأعطي المجال في جزيرة العرب‬
‫للسرورية لتفتح قنوات ي ﱠدعون أنها إسﻼمية مع أنها ﻻ تذيع من اﻷخبار و البرامج إﻻ ما يأذن به الطاغوت‪ ،‬كقناة‬
‫المجد التي تترحم على عسكر طاغوت آل سلول وتصفهم بأنهم شهداء وبنفس الوقت تتهم المجاهدين بأنهم‬
‫خوارج‪ ،‬ومن رضا الطاغوت عنها وبل وتآمره معها أن تتاح هذه القناة للسجناء من أهل التوحيد والجهاد في‬
‫سبيل ﷲ لمحاولة إضﻼلهم وحرفهم عن دينهم‪.‬‬

‫وأما موﻻة مشايخ الضﻼلة والفرق المنتسبة لﻺسﻼم زورا للكفار والمرتدين فقد ذكرتُ صورا منها فقد‬
‫صاروا شركاء للطواغيت للحكم في دول كثيرة يبررون لهم كفرهم وظلمهم وإجرامهم‪ ،‬ففي الدولة السلولية مثﻼ‬
‫تجد أن أكبر أعوان الحاكم المرتد المفتي المرتد‪ ،‬وزير ما يسمى بالشؤون اﻹسﻼمية وهيئة كبار العمﻼء وكثير‬
‫من مشايخ الجامعات في اﻷقسام التي يصفونها بأنها شرعية هم أعون للطاغوت يقدمون له الوﻻء ويحاربون من‬
‫يحاربه مقدمين له ما يريد من فتاوى إجرامية حتى صارت الكليات واﻷقسام والمعاهد التي ي ﱠدعون أنها شرعية‬
‫من أهم أوتاد حكم آل سعود المرتدين‪ ،‬فالعقيدة التي تدرس فيها هي عقيدة اﻹرجاء على أخبث ما يكون اﻹرجاء‪،‬‬
‫فهم يدرسون للطﻼب عقيدة السلف وأهل السنة وأن العمل من اﻹيمان ولكنهم يعلمونهم أن الطواغيت المدعين‬
‫لﻺسﻼم مهما ارتكبوا من نواقض لﻺسﻼم فهم حكام شرعيون لم يخرجوا من اﻹسﻼم‪ ،‬ويختلقون لهم أعذارا ً من‬
‫جنس تلبيس اليهود والنصارى ويدافعون عنهم الدفاع المستميت ويعلنون الحرب على كل من يخرج على‬
‫الطاغوت وﻻ يرى شرعيته‪ ،‬ويكتبون التقارير لوزارة الداخلية السلولية على كل مم يحمل عقيدة الوﻻء للمؤمنين‬
‫والبراء من الطواغيت هذا حال أغلبهم ولكل قاعدة شواذ‪.‬‬

‫وإذا أظهر أي شيخ عقيدة مخالفة لمشايخ السوء فمصيره السجون التي يشرف عليها اﻷمريكان يسام فيها‬
‫سوء العذاب ويحاولون فيها ثنيه عن دينه بالترغيب والترهيب‪ ،‬ويأتيه مشايخ الكفر والضﻼل تحت اسم لجان‬
‫المناصحة لمناقشته ومحاولة تلبيس دينه عليه ثم يرفعون عنه التقارير إلى أقسام المباحث السلولية لتعامله وفق‬
‫توجهه وثباته على دينه أو تراجعه عن عقيدته‪ ،‬وتلك اللجان تتكون من مشايخ السوء الرسميين ومن شيوخ‬
‫القنوات ومن مشايخ من الفرق الثﻼث المحاربة لﻺسﻼم والتوحيد‪ :‬اﻹخوان والسرورية والجامية‪.‬‬

‫ويجب هنا أن نتذكر أن من مخالفة كفار بني إسرائيل لشرع ﷲ والتي استحقوا بسببها لعنة ﷲ أنهم كانوا ﻻ‬
‫َاوو َد‬ ‫ان د ُ‬ ‫س ِ‬ ‫علَ ٰى ِل َ‬ ‫يتناهون عن منكر فعلوه ويوالون الكفار‪ ،‬قال تعالى )لُ ِعنَ الﱠ ِذينَ َكفَ ُروا ِمن بَنِي إِ ْ‬
‫س َرائِي َل َ‬
‫س َما كَانُوا‬ ‫ۚ‬
‫صوا ﱠوكَانُوا يَ ْعت َ ُدونَ )‪ (78‬كَانُوا َﻻ يَتَنَا َه ْونَ عَن ﱡمنك ٍَر فَ َعلُوهُ ◌ لَ ِبئْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫سى اب ِْن َم ْريَ َم ۚ◌ ٰ َذ ِلكَ بِ َما َ‬‫َو ِعي َ‬
‫ۚ‬
‫علَي ِْه ْم َوفِي‬ ‫س ِخ َط ﱠ ُ َ‬ ‫س ُه ْم أَن َ‬ ‫س َما قَ ﱠد َمتْ لَ ُه ْم أَنفُ ُ‬ ‫يَ ْفعَلُونَ )‪ (79‬ت َ َر ٰى َكثِ ً‬
‫يرا ِ ّم ْن ُه ْم يَت َ َولﱠ ْونَ الﱠ ِذينَ َكفَ ُروا ◌ لَ ِبئْ َ‬
‫ٰ‬
‫نز َل إِلَ ْي ِه َما ات ﱠ َخذُو ُه ْم أَ ْو ِليَا َء َولَ ِكنﱠ َكثِ ً‬
‫يرا ِ ّم ْن ُه ْم‬ ‫ي ِ َو َما أ ُ ِ‬‫ب ُه ْم َخا ِل ُدونَ )‪َ (80‬ولَ ْو كَانُوا يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ﱠ ِ َوالنﱠبِ ّ‬ ‫ا ْلعَذَا ِ‬
‫سقُونَ )‪-((81‬المائدة‪ -‬قال العوفي عن ابن عباس رضي ﷲ عنهما‪" :‬لعنوا في التوراة وفي اﻹنجيل وفي‬ ‫فَا ِ‬
‫الزبور وفي الفرقان" نقله ابن كثير في تفسيره‪.‬‬

‫وحين نتأمل حال مشايخ السوء في كل دولة ﻻ تحكم بشرع ﷲ فسنجدهم كحال اليهود والنصارى ﻻ ينهون‬
‫عن منكرات الحاكم ويوالونه رغم كفره با تعالى‪ ،‬وقد رأينا في هذا الزمان العجب العجاب فقد رأينا ثناء‬
‫اﻷمريكان على مشايخ آل سلول ووصفهم لهم باﻻعتدال! كيف ﻻ وقد سمعنا إمام الحرم المرتد عبد الرحمن‬
‫السديس وهو يستعطف الكفار ويصف رئيس أمريكا بوش بأنه صانع القرار في العالم ويناشده أن ﻻ يعاقب‬
‫المسلمين بفعلة المجاهدين الذين حطموا أمريكا وأحرقوا قوتها اﻻقتصادية بإسقاط بر َجي التجارة وتسويتهما‬

‫‪17‬‬
‫باﻷرض ﻷن المرتد السديس يتبرأ من ذلك الفعل وهو يبكي ويعتبره ﻻ يمثل توجه اﻹسﻼم المعتدل الذي يدين به‬
‫كما يدعي‪.‬‬

‫لقد وصف ﷲ عز وجل المنافقين بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ﻷنه نسوا ﷲ فنسيهم‪ ،‬فنسيهم‬
‫ض ۚ◌ َيأ ْ ُم ُرونَ‬
‫ض ُهم ِ ّمن َب ْع ٍ‬ ‫بسبب فسقهم وخروجهم بالكلية عن طاعة ﷲ فقال تعالى )ا ْل ُمنَافِقُونَ َوا ْل ُمنَافِ َقاتُ َب ْع ُ‬
‫ۗ‬ ‫ۚ‬
‫سقُونَ )‪-((67‬‬ ‫سوا ﱠ َ فَنَ ِ‬
‫س َي ُه ْم ◌ ِإنﱠ ا ْل ُمنَا ِف ِقينَ ُه ُم ا ْل َفا ِ‬ ‫وف َويَ ْق ِبضُونَ أَ ْي ِد َي ُه ْم ◌ نَ ُ‬
‫ِبا ْل ُمنك َِر َو َي ْن َه ْونَ ع َِن ا ْل َم ْع ُر ِ‬
‫التوبة‪ -‬ولم أذكر هذه اﻵية الكريمة ﻷقول إن إمام الحرم المذكور منافق‪ ،‬بل هو مرتد وتشبيهه باليهود‬
‫والنصارى هو الصحيح‪ ،‬بل هو كسحرة فرعون قبل إيمانهم يستعمل حاكم آل سلول هؤﻻء السحرة لتعبيد الناس‬
‫وإخضاعهم لحكمه الكافر وقد شابه هذا المجرم الكفار والمنافقين من أوجه كثيرة وأما مواﻻة هؤﻻء المشايخ‬
‫للكفار فلها صور كثيرة وعليها أدلة عديدة‪:‬‬

‫فمن ذلك حزنهم ومواساتهم للرافضة لما ضربت الدولة اﻹسﻼمية معابدهم وإعﻼنهم المعاداة للدولة‬
‫اﻹسﻼمية بسبب ضربها للرافضة وإغضابها لطواغيتهم آل سلول‪ ،‬وأذكر حين قام المجاهدون بغزوة "مانهاتن"‬
‫في أمريكا وأحرقوا ودمروا برجي التجارة وسببوا لليهود والنصارى الرعب يومها انطلق مشايخ السوء كإمام‬
‫الحرم المكي عبد الرحمن السديس وشيخ آل سلول صالح اللحيدان يتبرؤون من هذا الفعل الجهادي ووصموه‬
‫باﻹرهاب واﻹجرام وعللوا ذلك بأن هذا عدوان على المدنيين اﻵمنين الذين ﻻ ذنب لهم‪ ،‬وأن في هذا الهجوم‬
‫نقضا ً للعهد مع سيدتهم أمريكا‪ ،‬فأما وصفهم للمجاهدين باﻹرهابيين فهذه الصفة ليست ذما ً لهم في شرعنا المطهر‬
‫عد ﱠُو ﱠ ِ‬ ‫ط ْعتُم ِ ّمن قُ ﱠو ٍة َو ِمن ِ ّر َب ِ‬
‫اط ا ْل َخ ْي ِل ت ُ ْر ِهبُونَ بِ ِه َ‬ ‫بل قد أمر ﷲ المسلمين بذلك في قوله ) َوأ َ ِعدﱡوا لَ ُهم ﱠما ا ْ‬
‫ست َ َ‬
‫ف إِلَ ْي ُك ْم َوأَنت ُ ْم َﻻ‬ ‫ۚ‬
‫سبِي ِل ﱠ ِ يُ َو ﱠ‬ ‫َي ٍء فِي َ‬ ‫عد ﱠُو ُك ْم َوآ َخ ِرينَ ِمن دُونِ ِه ْم َﻻ ت َ ْعلَ ُمونَ ُه ُم ﱠ ُ يَ ْعلَ ُم ُه ْم ◌ َو َما تُن ِفقُوا ِمن ش ْ‬
‫َو َ‬
‫ت ُ ْظلَ ُمونَ )‪-((60‬اﻷنفال‪.-‬‬

‫ولذلك يفرح كل مؤمن حين يرى الرهبة والرعب يدخل قلوب المشركين با وأما من يصفونهم بالمدنيين‬
‫اﻵمنين فهم كفار غير معصومي الدم والمال لقوله ‪-‬ﷺ‪) -‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ﻻ إله إﻻ ﷲ ‪،‬‬
‫وأن ﷴا رسول ﷲ ‪ ،‬ويقيموا الصﻼة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك ‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم ‪ ،‬إﻻ‬
‫بحق اﻹسﻼم ‪ ،‬وحسابهم على ﷲ تعالى( أخرجه الشيخان‪ ،‬بل هؤﻻء الذين يصفهم مشايخ التضليل بالمدنيين‬
‫الذين ﻻ ذنب لهم هم مع كفرهم مشاركون في قتل المسلمين وقتالهم باختيارهم لحكومتهم ورئيسهم باﻻنتخابات‪،‬‬
‫ومشاركون بدفعهم الضرائب لحكومتهم بل وحتى معارك أمريكا ضد المجاهدين هي بموافقة شعبها عبر‬
‫اﻻستفتاءات‪.‬‬

‫وأم زعم مشايخ الطواغيت أن في هذا العمل الجهادي نقضا للعهد مع أمريكا فهذا من سلسلة أكاذيبهم‬
‫وتضليلهم ؛ﻷن المجاهدين ليس بينهم وبين أمريكا وسائر أعداء ﷲ عهود والذين عاهدوا أمريكا هم عبيدها آل‬
‫سلول وأمثالهم وقد عاهدوها على ما كل فيه حرب لﻺسﻼم والمسلمين وأن يمنعوا قيام دولة لﻺسﻼم ما استطاعوا‬
‫إلى ذلك سبيﻼ‪ ،‬وأن ينفقوا أموال النفط على إفساد المسلمين ومحاربتهم ومحاربة المجاهدين في سبيل ﷲ أينما‬
‫كانوا‪ ،‬فهذه صورة من تلبيس مشايخ الضﻼل للحق بالباطل وكتمان الحق الذي يعلمونه‪.‬‬

‫ولعل كل مسلم يفهم دين ﷲ يﻼحظ أن كل فرقة ذكرتها وهم ما يسمى اﻹخوان والسرورية والجامية قد‬
‫صاروا جميعا في خدمة الطواغيت سواء أمريكا وبريطانيا وفرنسا أئمة الكفر أو عبيدهم من طواغيت العرب‪،‬‬
‫وصاروا جيوشا خلفية تحمي حكم الطواغيت وتثبت العبودية والتبعية ﻷمريكا أو بريطانيا أو هيئة اﻷمم المتحدة‪،‬‬
‫وقد أعطت بريطانيا شهادة لﻺخوان المرتدين في أوائل عام ‪1436‬هـ بأنهم منذ ‪ 40‬سنة ينبذون العنف‬
‫واﻹرهاب ويقصدون بذلك نبذ جماعة اﻹخوان للجهاد وإلغائه من قاموسها بل وحربها للمجاهدين أينما كانوا‪،‬‬
‫ومعاونتها للطواغيت في محاربة المجاهدين ومحاربة تحكيم الشريعة وسعي اﻹخوان المجرمين للحكم‬
‫بالديمقراطية الكفرية‪ ،‬بل إن أي إصﻼح مزعوم يقومون به ﻻ يكون إﻻ تحت مظلة الدعوة إلى ديمقراطية الشرك‬
‫اﻷكبر والحفاظ على الهيمنة اﻷمريكية على رقاب المسلمين والحفاظ على الوﻻء ﻷمم الكفر المتحدة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ومما يجدر الوقوف عنده هذا اﻻرتباط الوثيق بين جماعة اﻹخوان المرتدين وبين الشيعة الروافض الكفار‬
‫فمنذ تأسيس الخميني مﻸ ﷲ قبره نارا للحكم الرافضي في إيران بدعم فرنسي ذهب اﻹخوان المرتدون إليه‬
‫مهنئين مستبشرين‪ ،‬وادعوا كذبا و بهتانا أن هذا هو أمل المسلمين في قيام دولة إسﻼمية تمثلهم وقد كشف ﷲ‬
‫كذب فرقة اﻹخوان ولم ترج هذه الكذبة الكبيرة على من أنار ﷲ بصيرته بل إن اﻹخوان المرتدين منذ تأسيس‬
‫فرقتهم على يد حسن البنا وهم يدعون إلى التقارب مع الرافضة المشركين ويدافعون عنهم ويلبسون على‬
‫المسلمين بأن الرافضة فرقة تنتمي لﻺسﻼم وأنهم إخوان للمسلمين والحقيقة أن الرافضة إخوان لفرقة اﻹخوان‬
‫المرتدين فقط دون سائر المسلمين‪.‬‬

‫والجدير بالذكر أن بريطانيا روجت للماسوني جمال الدين اﻷفغاني اﻹيراني الرافضي على أنه من دعاة‬
‫اﻹصﻼح ثم قام بالترويج له مشايخ الضﻼل رغم ثبوت انتسابه إلى المحافل الماسونية هو وتلميذه ﷴ عبده فانظر‬
‫إلى هذا التوافق بين بريطانيا ومشايخ الكفر والضﻼل‪ ،‬بل هو التنسيق وتبادل اﻷدوار بين بريطانيا ومن معها من‬
‫أئمة الكفر وبين كثير من أولئك المشايخ الذين يصفون أنفسهم بالعقﻼنيين‪ ،‬ويريدون اﻹصﻼح بزعمهم الكاذب‬
‫على الطريقة الغربية الكافرة بتطبيق الديمقراطية والدعوة إلى ثورات ﻻ تحمل راية الحكم باﻹسﻼم‪ ،‬وﻻ تنتهج‬
‫الجهاد في سبيل ﷲ‪ ،‬مع استبعادهم لعقيدة الوﻻء من المؤمنين والبراء من الكافرين‪.‬‬
‫وبهذا القدر أكتفي وإلى لقاء آخر بإذن ﷲ‪ ،‬والسﻼم عليكم ورحمة ﷲ‪.‬‬

‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬


‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقــــة الســــادســــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَ ْن‬
‫عبﱠا ِد َ‬
‫ب من قب ِل ُ‬‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬معَذﱠ ٌ‬
‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫‪19‬‬
‫ش َر‬
‫َويُبَ ِ ّ‬ ‫شدِيدًا ِم ْن لَ ُد ْنهُ‬
‫سا َ‬ ‫تاب َولَ ْم يَجْ عَ ْل لَهُ ِع َو ًجا )‪ (1‬قَيِّ ًما ِليُ ْنذ َِر بَأ ْ ً‬
‫ع ْب ِد ِه ا ْل ِك َ‬‫ﭽا ْل َح ْم ُد ِ ﱠ ِ الﱠذِي أَ ْن َز َل عَلى َ‬
‫ﱠ ُ َولَدًا‬ ‫سنًا )‪ (2‬ما ِكثِينَ فِي ِه أَبَدًا )‪َ (3‬ويُ ْنذ َِر الﱠ ِذينَ قالُوا ات ﱠ َخذَ‬ ‫ت أَنﱠ لَ ُه ْم أَجْ ًرا َح َ‬ ‫ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ الﱠ ِذينَ يَ ْع َملُونَ ال ﱠ‬
‫صا ِلحا ِ‬
‫ج ِم ْن أ َ ْفوا ِه ِه ْم ِإ ْن َيقُولُونَ ِإﻻ ﱠ َك ِذبًا )‪(5‬ﭼ ] الكهف‪٤ – ١ :‬‬
‫)‪ (4‬ما لَ ُه ْم ِب ِه ِم ْن ِع ْل ٍم َوﻻ ِﻵبا ِئ ِه ْم َكبُ َرتْ َك ِل َمةً ت َ ْخ ُر ُ‬
‫[‪،‬‬

‫منيرا‪ ،‬وأشهد‬
‫ً‬ ‫ونذيرا وداعيا إلى ﷲ بإذنه وسرا ًجا‬ ‫ً‬ ‫ومبشرا‬
‫ً‬ ‫والصﻼة والسﻼم على رسوله ﷴ المرسل شاهدًا‬
‫أن ﻻ إله إﻻ ﷲ وحده ﻻ شريك له وأشهد أن ﷴا ً عبده ورسوله أما بعد‪:‬‬
‫فإن الهداية إلى صراط ﷲ المستقيم؛ هي محض فضل ﷲ ورحمته بعبادة الذين أراد فﻼحهم في الدنيا‬
‫ق‬‫واﻵخرة‪ ،‬وقد جعل ﷲ لهداية عباده أسبابًا أمرنا باتخاذها وإتباعها‪ ،‬ومن أسباب الهداية أن نطلبها من ﷲ بصد ٍ‬
‫وتذل ٍل وافتقار‪ ،‬فقد وعد ﷲ من طلبها بأن يكرمه بها‪.‬‬
‫ففي الحديث القدسي الذي يرويه نبينا ‪ --‬عن ربه ‪ --‬يقول ﷲ تعالى‪ » :‬يا عبادي كلكم ضا ٌل إﻻ من‬
‫هديته فاستهدوني أهدكم « رواه مسلم في صحيحه ‪.2566‬‬
‫ست َ ِقي َم )‪ِ (6‬ص َرا َ‬
‫ط‬ ‫ص َرا َ‬
‫ط ا ْل ُم ْ‬ ‫وفي سورة الفاتحة التي يقرأها المسلم في كل ركعة من صلواته نقول‪ :‬ﭽ ا ْه ِدنَا ال ِ ّ‬
‫علَي ِْه ْم َو َﻻ الضﱠا ِلّينَ ) ‪ ( 7‬ﭼ ] الفاتحة‪،[ ٧ - ٦ :‬‬ ‫غي ِْر ا ْل َم ْغضُو ِ‬
‫ب َ‬ ‫الﱠ ِذينَ أَ ْن َع ْمتَ َ‬
‫علَي ِْه ْم َ‬

‫فيسأل المسلمون رب العالمين أن يهديهم صراطه المستقيم‪ ،‬بأن يثبتهم على دين اﻹسﻼم‪ ،‬وأن يهديهم لﻺيمان‬
‫الصحيح والعمل الصالح‪ ،‬وأن يجنبهم طرق الضﻼلة التي تتلخص في طريق اليهود وأشباههم الذين غضب ﷲ‬
‫ضا‬‫عليهم؛ ﻷنهم لم يعملوا بما عرفوا من الحق‪ ،‬والطريق الثاني من طرق الضﻼلة الذي يطلب المسلم من ﷲ أي ً‬
‫أن يجنبه إياه‪ ،‬هو طريق النصارى ومن شابههم الضالين الذين عبدوا ﷲ على جه ٍل فضلوا عن دين ﷲ‪ ،‬يدعو‬
‫المسلم أن يجنبه ﷲ طريق العدو اﻷكبر للمسلمين‪ ،‬وهم اليهود والنصارى‪ ،‬الذين يكيدون لﻺسﻼم وأهله المكائد‬
‫العظام‪ ،‬ويمكرون المكر الكبار بالليل والنهار؛ ليصدوا غير المسلمين عن اتباع دين اﻹسﻼم‪ ،‬وليحاربوا‬
‫المسلمين على كل اﻷصعدة وبكل وسيلة‪ ،‬ومنها وسائل اﻹعﻼم بأنواعها‪ ،‬من قنوات وإنترنت وجرائد ت ُ ْ‬
‫صد ُِرهَا‬
‫الحكومات العميلة للكفار‪ ،‬والتي شغلها الشاغل تشويه اﻹسﻼم‪ ،‬وشغل المسلمين بالملهيات‪ ،‬ودعوتهم للكفر‬
‫والفسوق والعصيان‪.‬‬

‫وحارب الكفار دين ﷲ‪ ،‬بأن منعوا تحكيم شريعة ﷲ في البﻼد‪ ،‬وسلطوا عبيدهم الطواغيت الصغار على‬
‫رقاب المسلمين؛ ليمنعوهم حقهم في التحرر من شياطين اﻹنس والجن‪ ،‬وطواغيت الحكم والتشريع‪ ،‬واستخدموا‬
‫في سبيل ذلك وسائل الترغيب والترهيب‪.‬‬

‫ومن أهم وسائل الحكومات التي تسمي نفسها إسﻼمية في تلبيس الحق بالباطل استخدام مشايخ يزينون الكفر‬
‫واﻹجرام‪ ،‬كمشايخ الحكام الرسميين الموظفين عندهم‪ ،‬وكمشايخ الجامية والمدخلية عبيد الطواغيت الذين‬
‫وزورا وافترا ًء على ﷲ أن‬
‫ً‬ ‫يمدحون ويزكون الحكام المرتدين‪ ،‬ويسعون لتعبيد المسلمين للطواغيت‪ ،‬مدعين كذبًا‬
‫من اﻹسﻼم والسلفية بذل الطاعة للطاغوت‪ ،‬مهما فعل من نواقض لﻺسﻼم‪ ،‬كالحكم بغير ما أنزل ﷲ وكإحﻼل‬
‫القوانين البشرية بمحل أحكام ﷲ وشرعه وكمواﻻة الكفار وإعانتهم على محاربة المسلمين‪.‬‬

‫أعذارا للطاغوت ما أنزل ﷲ بها من سلطان‪ ،‬حتى ﻻ يكفروه مستخدمين‬‫ً‬ ‫وبرروا للطاغوت كل كفر‪ ،‬واختلقوا‬
‫النصوص الشرعية في غير محلها‪ ،‬فيستدلون بأدلة البيعة والسمع والطاعة على وجوب طاعة الحاكم بأمر‬
‫أمريكا وبريطانيا وفرنسا‪ ،‬ويحرمون الخروج عليه مستدلين باﻷدلة التي تذم الخوارج وتحض على قتالهم‬
‫ضا الجماعات التي تدعي أنها إسﻼمية في توجيه المجتمعات واﻷفراد إلى نبذ‬ ‫وقتلهم‪ ،‬واستخدم أئمة الكفر أي ً‬
‫الجهاد والمجاهدين‪ ،‬وسلوك الطرق الكفرية لتغيير اﻷنظمة الحاكمة أو إصﻼحها بزعمهم‪ ،‬فوجهتهم أمريكا إلى‬
‫أن اﻹصﻼح المزعوم يجب أن ﻻ يخرج عن اﻹطار الذي تحدده هي وهيئة أممها المتحدة‪ ،‬وصارت هذه‬
‫ً‬
‫سبيﻼ‪.‬‬ ‫الجماعات الﻺسﻼمية كالحمير تدور في المسار المحدد من أئمة الكفر‪ ،‬بل هم أضل من الحمر‬

‫‪20‬‬
‫قالت لهم أمريكا إن إصﻼح الطواغيت يكون عن طريق الديمقراطية وصناديقها‪ ،‬واللهث خلف ما سموه‬
‫الشرعية الدولية‪ ،‬فرددت الجماعات التي تدعي اﻹسﻼم شعارات الديمقراطية كالببغاوات‪ ،‬وقالت لهم أمريكا أنها‬
‫مستعدة لتسليمهم حكم البﻼد التي فيها مسلمون‪ ،‬بشرط عدم تحكيم الشريعة‪ ،‬وبشرط محاربة ما سموه اﻹرهاب‪،‬‬
‫وقصدهم محاربة الجهاد والمجاهدين‪ ،‬فسارعوا ﻻمتثال أوامرها‪ ،‬كما فعلت حكومة عمر البشير في السودان‪،‬‬
‫وحماس في فلسطين‪ ،‬بل وجهت أمريكا وأوروبا جماعة اﻹخوان المرتدين لﻼرتماء في أحضان الرافضة وطلب‬
‫العون منهم‪ ،‬والحقيقة أن حكم مﻼلي إيران وآيات الشيطان صناعةٌ أمريكيةٌ وبريطانيةٌ وفرنسية‪ ،‬فقد كان آية‬
‫الشيطان الخميني يوجه الرافضة من فرنسا إلى الثورة على شاة إيران المرتد ‪ -‬لعنه ﷲ ‪ -‬وجاء الخميني إلى‬
‫إيران على متن طائرةٍ فرنسية‪ ،‬ومنذ عام ‪ 1415‬للهجرة‪ ،‬والرافضة في لبنان يحمون حدود اليهود ويمنعون أي‬
‫اعتداءٍ عليها من قبل الفلسطينيين‪ ،‬مع عمل بعض التمثيليات التي تظهرهم كمقاوم ٍة مزعوم ٍة لﻼحتﻼل اليهودي‪،‬‬
‫وتولت جماعة حماس المرتدة حكم غزة في عام ‪ 1425‬تقريبًا عن طريق شرك الديمقراطية‪ ،‬وحكمت قوانين‬
‫السلطة الفلسطينية نفسها‪ ،‬ولم تحكم باﻹسﻼم‪ ،‬بل قتلت من طالبوها بتحكيم الشريعة اﻹسﻼمية في اﻷراضي التي‬
‫تحكمها متقربة ً بدمائهم إلى أمريكا‪ ،‬وأخرجت بيانًا وصفتهم فيه باﻹرهابيين المتشددين‪ ،‬ومنذ تولت حكومة‬
‫حماس الحكم ارتمت في أحضان إيران‪ ،‬وصارت تأخذ منها الرواتب والمعونات‪ ،‬وفتحت لها في المقابل المجال‬
‫ﻹخراج المسلمين من اﻹسﻼم بتشييعهم‪.‬‬

‫ً‬
‫مركزا ثقافيا ينشر التشيع والرفض‪ ،‬وباع‬ ‫وفتحت حكومة السودان اﻹخوانية المجال لرافضة إيران ليفتحوا‬
‫حاكم السودان عمر البشير جنوب السودان للنصارى عبر لعبة الديمقراطية‪ :‬لئﻼ تصفه أمريكا باﻹرهاب‬
‫ولترضى عنه فهو عبدها الذي يطلب رضاها بعدم تحكيم الشريعة وبمحاربة الجهاد والمجاهدين‪.‬‬

‫بدﻻ من الحكام الذين‬ ‫وقد عرضت جماعة اﻹخوان المرتدين على أمريكا أن تتولى هي الحكم في عدة دول ً‬
‫كرهتهم الشعوب بسبب عسفهم وظلمهم‪ ،‬وتعهد اﻹخوان بطاعة أمريكا وهيئة اﻷمم المتحدة وبتحكيم الديمقراطية‬
‫ومحاربة الجهاد والمجاهدين والحفاظ على الحدود الدولية التي رسمها سايكس وبيكو فوعدتهم أمريكا بأن توليهم‬
‫الحكم بشرط أن يطيعوها في كل ما تطلبه منهم‪ ،‬وقادتهم من كفر إلى كفر‪ ،‬وصار حالهم يذكر بحال استدراج‬
‫اف ﱠ َ‬‫ان ا ْكفُ ْر فَلَ ﱠما َكفَ َر قَا َل ِإنِّي بَ ِري ٌء ِ ّمنكَ إِنِّي أ َ َخ ُ‬
‫س ِ‬‫ﻺن َ‬‫ان إِ ْذ قَا َل ِل ْ ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫الشيطان لﻺنسان إلى الكفر‪:‬ﭽ َك َمث َ ِل ال ﱠ‬
‫ش ْي َ‬
‫ب ا ْل َعالَ ِمينَ ﭼ ] الحشر‪. [١٦ :‬‬
‫َر ﱠ‬
‫استخدمت أمريكا اﻹخوان المرتدين في تثبيت عروش عبيدها الطواغيت‪ ،‬كما هو حاصل في اﻷردن حيث‬
‫تحالف إخوان الشياطين مع المرتدين حسين بن طﻼل وابنه‪.‬‬
‫وفي تونس أعادة الجماعات المرتدة الحكم إلى حزب بناء‪ ،‬وهو نفس حزب الطاغوت زين العابدين بن علي‬
‫الهارب فما الذي تغير‪ ،‬الذي حصل أن جماعة اﻹخوان المرتدين التي يقودها الطاغوت الغنوشي حالفت أمريكا‬
‫الصليبية لمحاربة المجاهدين مع إدخالها لشعب تونس في كفر الديمقراطية‪ ،‬ثم أعادت حزب الرئيس الهارب إلى‬
‫وعمﻼ‪ ،‬وشاركهم في ذلك الكفر حزب جبهة‬ ‫ً‬ ‫الحكم واعترفت به‪ ،‬ورفضت الحكم باﻹسﻼم صراحةً ً‬
‫قوﻻ‬
‫اﻹصﻼح السروري المدعي للسلفية‪ ،‬نسأل ﷲ أن يخزيهم ويمكن دولة الخﻼفة من رقابهم‪.‬‬
‫وأما في مصر فقد كان نظام الطاغوت مبارك يستعين باﻹخوان المجرمين في انتخابات واستفتاءات الرئاسية‪،‬‬
‫فيعطونه أصواتهم ليمنعوا سقوطه مقابل وعو ٍد تافه ٍة بإعطائهم مكاسب مزعومة‪ ،‬ثم استعملهم العسكر‬
‫تغيير شامل يقتلع النظام من جذوره‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المتحكمون في الحكم في منع تحول الثورة على حسني الﻼمبارك إلى‬
‫سورا يحول بين الثائرين الغاضبين وبين إحراق مبنى وزارة الداخلية‪ ،‬ثم‬ ‫ً‬ ‫فأرسل إخوان الشياطين شبابهم ليكونوا‬
‫دعوا الناس إلى شرك الديمقراطية‪ ،‬وزينوا لهم الكفر بدعواهم أن الطاغوت مرسي سيحكم بالشريعة إذا فاز‬
‫باﻻنتخابات‪ ،‬وسبحان ﷲ! كيف سيأتي كفر الديمقراطية بالحكم اﻹسﻼمي؟ وهل يأتي الضﻼل بالهدى؟!‬
‫وأين في شرعنا المطهر أنه يجوز التوصل إلى ما يحبه ﷲ ويرضاه بارتكاب أسباب غضب ﷲ من اﻹقرار‬
‫بدستور يجعل البشر آلهة‪ ،‬ويعطيهم حق أن يشرعوا للناس ما لم يأذن به ﷲ‪ ،‬ويجيز لهم الحكم بغير ما‬ ‫ٍ‬ ‫والرضى‬
‫ﭼ ]اﻷنعام‪.[٥٧ :‬‬ ‫أنزل ﷲ‪ ،‬سبحان ﷲ! هذا بهتان عظيم‪ :‬ﭽ إِ ِن ا ْل ُح ْك ُم إِ ﱠﻻ ِ ﱠ ِ ۖ◌‬
‫وليتوصل اﻹخوان المجرمون إلى الحكم‪ ،‬فقد ركضوا إلى سفارات أمريكا والدول اﻷوروبية ودول الخليج‪،‬‬
‫يؤكدون لهم ويتعهدون بالحفاظ على سلطة المجلس العسكري على مصر‪ ،‬وأن يبقوا مصر دولة ً علمانية‪ ،‬وأنهم‬
‫لن يخرجوا عن الديمقراطية‪ ،‬وعاهدوهم على محاربة المجاهدين في سيناء بالتعاون مع مجلس اﻷمن‬
‫والحكومات الطاغوتية‪ ،‬وأضافوا إلى تلك الخيانات ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬أنهم رضوا بحكم ناقص بحيث ﻻ‬

‫‪21‬‬
‫سلطان على وزارات الداخلية والخارجية والجيش والمجلس العسكري المعين من قبل اﻷمريكان‪ ،‬مما‬ ‫ٌ‬ ‫يكون لهم‬
‫كفرا وإجرا ًما من‬
‫سهل على مجرمي نظام الطاغوت حسني قلب الحكم ليتسلمه الطاغوت السيسي‪ ،‬وهو أشد ً‬
‫الﻼمبارك‪ ،‬فواجه اﻹخوان الكفر بالكفر‪ ،‬وسعوا ﻻسترضاء اليهود والنصارى وعبيدهم من طواغيت الخليج‪،‬‬
‫كفارا‪ ،‬ومد يده إلى رافضة إيران وأعلن الحرب على‬
‫ً‬ ‫فشهد الطاغوت مرسي لليهود والنصارى بأنهم ليسوا‬
‫حق للشعب‪ ،‬إلى غير ذلك من الكفريات‪ ،‬نعوذ با من الكفر والفسوق‬ ‫مجاهدي سيناء‪ ،‬وأكد أن السلطة التشريع ٌ‬
‫ع َم َل ا ْل ُم ْف ِ‬
‫س ِدينَ ﭼ ] يونس‪.[ ٨١ :‬‬ ‫والعصيان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ ِإنﱠ ﱠ َ َﻻ يُ ْ‬
‫ص ِل ُح َ‬

‫فﻼ يمكن أن يوصل اﻹفساد إلى إصﻼحٍ أبدًا‪ ،‬ومن ادعى أن غايته صحيحه‪ ،‬ثم لم يسلك الطرق الشرعية التي‬
‫ترضي ﷲ‪ ،‬فهو مفس ٌد في اﻷرض‪ ،‬وﻻ تنفعه دعواه أنه يريد اﻹصﻼح‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﭽ َوإِ َذا قِي َل لَ ُه ْم َﻻ ت ُ ْف ِ‬
‫سدُوا فِي‬
‫شعُ ُرونَ ۀ ﭼ ] البقرة‪.[ ١٢ - ١١ :‬‬ ‫س ُدونَ َو ٰلَ ِكن ﱠﻻ يَ ْ‬
‫ص ِل ُحونَ ﮜ أ َ َﻻ إِنﱠ ُه ْم ُه ُم ا ْل ُم ْف ِ‬ ‫ْاﻷ َ ْر ِ‬
‫ض قَالُوا إِنﱠ َما نَحْ نُ ُم ْ‬

‫منكرا أنكروه استجابة ً ﻷمر ﷲ وأمر رسوله ‪-‬‬


‫ً‬ ‫فالمسلمون يحكمون على ظواهر الناس وأعمالهم‪ ،‬فإذا رأوا‬
‫‪ -‬القائل‪ » :‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف‬
‫اﻹيمان« أخرجه مسلم في صحيحه‪.‬‬

‫سا كانوا يُؤخذون بالوحي في عهد رسول‬ ‫وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي ﷲ عنه ‪ » :‬إن أنا ً‬
‫ﷲ ‪ --‬وإن الوحي قد انقطع‪ ،‬وإنما نأخذكم اﻵن بما ظهر لنا من أعمالكم‪ ،‬فمن أظهر لنا ً‬
‫خيرا أمناه وقربناه‪،‬‬
‫وليس إلينا من سريرته شيء‪ ،‬ﷲ يحاسبه في سريرته‪ ،‬ومن أظهر لنا سو ًءا لم نأمنه ولم نصدقه‪ ،‬وإن قال إن‬
‫سريرته حسنه« أخرجه البخاري في صحيحه‪.‬‬

‫فما قاله عمر رضي ﷲ عنه هو سبيل المؤمنين‪ ،‬وﻻ تصلح حياة الناس بمخالفته‪ ،‬وبه يتبين سبيل فرق‬
‫الضﻼل اﻹخوان المجرمين والسرورية والجامية الذين يحكمون على المجاهدين القائمين بتحكيم شرع ﷲ بأنهم‬
‫ً‬
‫سبيﻼ‪ ،‬فشابهت‬ ‫مفسدون في اﻷرض‪ ،‬ويحكمون للطواغيت الحاكمين بغير شرع ﷲ بأنهم أهدى من المجاهدين‬
‫فرق السرورية واﻹخوان المرتدين الرافضة والباطنية في السفسطات المخالفة للعقل والدين‪ ،‬وفي التأويﻼت‬
‫ً‬
‫باطﻼ والباطل حقًا‪ ،‬فحكموا للطاغوت أردوغان بأنه من المصلحين‬ ‫الباطنية للمصالح الشرعية حتى قلبوا الحق‬
‫رغم حكمه بالعلماينة ومواﻻته ﻷنواع الكفار من صليبيين ويهود ورافضة‪ ،‬ورغم محاربته للدولة اﻹسﻼمية‬
‫الحاكمة بشرع ﷲ‪.‬‬

‫وحكمت فرق اﻹخوان والسرورية والجامية والمدخلية للطواغيت التابعين لﻸمم المتحدة بأنهم حكا ٌم شرعيون‬
‫ﻻ يجوز الخروج عليهم‪ ،‬وأفتى هؤﻻء المرتدون بالتعاون مع أمريكا وعمﻼئها في محاربة الدولة اﻹسﻼمية بكل‬
‫وسيلة حتى أفتى بعض طواغيت هذه الفرق بأن الذين قتلتهم الدولة اﻹسﻼمية من يهود ونصارى في بلجيكا أنهم‬
‫سبيﻼ من مجاهد الدولة اﻹسﻼمية‪ ،‬قال‬ ‫ً‬ ‫شهداء‪ ،‬وهي إحدى مشابهاتهم لليهود حيث شهدوا بأن الذين كفروا أهدى‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ﱠ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ت َويَقولونَ ِلل ِذينَ َكف ُروا َهؤُﻻ ِء‬ ‫ُ‬ ‫ﱠ‬
‫ت َوالطاغو ِ‬ ‫تعالى‪ :‬ﭽ أَلَ ْم ت َ َر ِإلَى الﱠ ِذينَ أُوتُوا نَ ِصيبًا ِمنَ ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب يُ ْؤ ِمنُونَ بِا ْل ِج ْب ِ‬
‫يﻼ ﭼ ] النساء‪.[ ٥١ :‬‬ ‫أَ ْهد َٰى ِمنَ الﱠ ِذينَ آ َمنُوا َ‬
‫سبِ ً‬

‫وأفتى قادة اﻹخوان المرتدين أتباعهم بوجوب إعانة الدول اﻷوروبية على كشف من يحمل الفكر الجهادي في‬
‫أوروبا‪ ،‬وساعدوا مخابرات أوروبا في التحقيق مع المجاهدين وترجموا لهم ما في أجهزتهم الجوالة‪ ،‬وسرنا نرى‬
‫ضﻼﻻ وإجرا ًما‪ ،‬وأئمة الكفر يطلبون منهم‬ ‫ً‬ ‫يوم‬
‫هذه الفرق الثﻼث‪ :‬اﻹخوان والسرورية والمدخلية‪ ،‬تزداد كل ٍ‬
‫المزيد من الكفر والتضليل‪ ،‬وﻻ يقنعون منهم بالقليل من الكفريات‪.‬‬
‫لقد بعث ﷲ نبيه ﷴ ‪ --‬داعيا إلى عبادة ﷲ وحده‪ ،‬وإلى الكفر بالطاغوت وبين أنه ﻻ يصح إسﻼم أح ٍد حتى‬
‫دين غير دين اﻹسﻼم فهو باطل‬ ‫يجمع بين اﻷمرين اﻹيمان با ربا وإل ًها مع اعتقاد بطﻼن عبادة غيره‪ ،‬وأن أي ٍ‬
‫‪.‬‬
‫َ‬
‫وصفة الكفر بالطاغوت قد أمرنا ﷲ ‪ -¸-‬بالتأسي فيها بخليله إبراهيم ‪ --‬فقال ﷲ تعالى ‪ :‬ﭽق ْد كَانَتْ لَ ُك ْم‬
‫سنَةٌ فِي ِإب َْرا ِهي َم َوالﱠ ِذينَ َمعَهُ ِإ ْذ قَالُوا ِلقَ ْو ِم ِه ْم ِإنﱠا بُ َرآ ُء ِم ْن ُك ْم َو ِم ﱠما ت َ ْعبُ ُدونَ ِم ْن د ِ‬
‫ُون ﱠ ِ َكفَ ْرنَا ِب ُك ْم َوبَدَا‬ ‫أُ ْ‬
‫س َوةٌ َح َ‬

‫‪22‬‬
‫ست َ ْغ ِف َرنﱠ لَكَ َو َما أ َ ْم ِلكُ لَكَ ِمنَ‬
‫َاوةُ َوا ْلبَ ْغضَا ُء أَبَدًا َحت ﱠ ٰى ت ُ ْؤ ِمنُوا بِا ﱠ ِ َوحْ َدهُ إِ ﱠﻻ قَ ْو َل إِب َْرا ِهي َم ِﻷ َبِي ِه َﻷ َ ْ‬ ‫بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ ُك ُم ا ْلعَد َ‬
‫ۖ‬
‫ير ﭼ ] الممتحنة‪.[ ٤ :‬‬ ‫علَ ْيكَ ت َ َو ﱠك ْلنَا َو ِإلَ ْيكَ أَنَ ْبنَا َو ِإلَ ْيكَ ا ْل َم ِص ُ‬
‫ﱠ ِ ِم ْن ش َْي ٍء ◌ َربﱠنَا َ‬
‫مسلم السعي إليها أن تكون كلمة ﷲ هي العليا‪ ،‬وأن يعبد ﷲ وﻻ يشرك‬ ‫ٍ‬ ‫والمصلحة الكبرى التي يجب على كل‬
‫به شيء‪ ،‬وأن يكون الحكم للهن والمفسدة الكبرى أن يشرك با وأن تعلوا كلمة الكفر‪ ،‬ولذلك شرع ﷲ تعالى‬
‫قتال الكفار حتى ﻻ تكون فتنة‪ ،‬ويكون الدين كله ‪.‬‬

‫مسلم مناصرتها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إسﻼم يحكم فيها بشرع ﷲ‪ ،‬وتجب الهجرة إليها‪ ،‬ويجب على كل‬ ‫ٍ‬ ‫وصارت الديار إما دار‬
‫مسلم يسكنها أن يهاجر منها إلى‬ ‫ٍ‬ ‫كفر تعلو فيها أحكام الكفر‪ ،‬ويظهر فيها الكفر البواح‪ ،‬يجب على أي‬ ‫وإما دار ٍ‬
‫امتثاﻻ ﻷمر ﷲ تعالى‪ :‬ﭽ وقَاتلُوا ا ْلمشْركينَ كَافﱠةً َكما ي َقاتلُونَ ُكم كَافﱠةً ◌ۚ‬ ‫ً‬ ‫دولة اﻹسﻼم‪ ،‬وأن يقاتل دول الكفر‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ُ ِ ِ‬ ‫َ ِ‬
‫َوا ْعلَ ُموا أَنﱠ ﱠ َ َم َع ا ْل ُمت ﱠ ِقينَ ﭼ ] التوبة‪،[ ٣٦ :‬‬
‫ۚ‬
‫وقوله تعالى ‪ :‬ﭽ يَا أَيﱡ َها الﱠ ِذينَ آ َمنُوا قَاتِلُوا الﱠ ِذينَ يَلُونَكُم ِ ّمنَ ا ْل ُكفﱠ ِار َو ْليَ ِجدُوا فِي ُك ْم ِغ ْل َظةً ◌ َوا ْعلَ ُموا أَنﱠ ﱠ َ‬
‫َم َع ا ْل ُمت ﱠ ِقينَ ﭼ ] التوبة‪.[ ١٢٣ :‬‬
‫والحمد الذي من على المسلمين بقيام دولة الخﻼفة تحكمهم بشريعة ﷲ‪ ،‬وتجاهد أعداء ﷲ نسأل ﷲ أن‬
‫يؤيدها بنصره‪ ،‬وأن يزيدها تمكنًا في اﻷرض أنه على كل شيءٍ قدير‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪.‬‬

‫وبهذا القدر أكتفي وإلى لقاء آخر بإذن ﷲ‪ ،‬والسﻼم عليكم ورحمة ﷲ‪.‬‬

‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬


‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقــــة الســــابعـــــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫َ‬
‫الوث ْن‬
‫عبﱠا ِد َ‬
‫ب من قب ِل ُ‬‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬معَذﱠ ٌ‬
‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬

‫‪23‬‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫علموا وما عملوا قالوا وما فعلوا‪ ،‬للدنيا يعملون وعن اﻵخرة يعدلون إلى المكاسب يتسابقون‪ ،‬وعما‬ ‫ِ‬
‫نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‪ ،‬أفتوا بما يرضي الطواغيت وأكلوا بعلومهم الدنيا‪ ،‬مثلهم كشجرة ال ِد ْفلى تعجب من‬
‫نظر إليها وتقتل من يأكلها‪ ،‬ما هم بأحرار كرام وﻻ هم بعبيد أتقياء‪ ،‬أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد وقلوبهم أنتن من‬
‫الحمأة والصديد‪ ،‬ضلوا وأضلوا عادوا أولياء الرحمن و والوا أولياء الشيطان‪ ،‬يحسبون أنفسهم أدﻻء على‬
‫الطريق وهم في الحقيقة قُطاعه‪.‬‬
‫الحمد الذي خلق السماوات واﻻرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون والصﻼة والسﻼم‬
‫على من أرسله ربه رحمة للعالمين واشهد أن ﻻ إله إﻻ ﷲ وأشهد أن ﷴا ً عبده ورسوله ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن ﷲ سبحانه قد جعل كتابه العظيم هدى للمتقين وحجة على المكذبين وكاشفا ً لشبهات المبطلين كما قال‬
‫يرا( ]الفرقان ‪[33 :‬‬ ‫س ً‬‫سنَ ت َ ْف ِ‬‫ق َوأَحْ َ‬ ‫تعالى ) َو َﻻ َيأْتُونَكَ ِب َمث َ ٍل ِإ ﱠﻻ ِجئْنَاكَ ِبا ْل َح ّ ِ‬
‫أي وﻻ يأتونك بمثل يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك إﻻ جئناك بالحق وأحسن تفسيرا َ أي انزلنا عليك‬
‫قرآنا ً جامعا ً للحق في معانيه والوضوح والبيان التام في ألفاظه فمعانيه كلها حق وصدق ﻻ يشوبها باطل وﻻشبهة‬
‫بوجه من الوجوه وألفاظه وحدوده لﻸشياء أوضح ألفاظا ً وأحسن تفسيرا ً ُمبين للمعاني بيانا ً كامﻼ ً وقد ينتقل أهل‬
‫الباطل والضﻼل من طرح الشبهات إلى تحدي الرسل بطلب آيات يدﱠعون أنﱠهم إذا َرأْ ْوها آمنوا بهم وبما أ ُرسلوا‬
‫س ٰى أ َ ْكبَ َر ِمن ٰ َذ ِلكَ‬
‫سأَلُوا ُمو َ‬
‫علَيْهم كتَابا منَ السم ۚ‬
‫اء ◌ فَقَ ْد َ‬ ‫ﱠَ ِ‬ ‫ب أَن تُنَ ِ ّز َل َ ِ ْ ِ ً ِ ّ‬ ‫سأَلُكَ أ َ ْه ُل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫به كما اخبر تعالى عنهم ) يَ ْ‬
‫ٰ‬ ‫ۚ‬ ‫صا ِعقَةُ بِ ُ‬
‫ظ ْل ِم ِه ْم ◌ ث ُ ﱠم ات ﱠ َخذُوا ا ْلعِجْ َل ِمن بَ ْع ِد َما َجا َءتْ ُه ُم ا ْلبَيِّ َناتُ فَعَفَ ْونَا عَن َذ ِلكَ‬ ‫فَقَالُوا أ َ ِرنَا ﱠ َ َج ْه َرة ً فَأ َ َخ َذتْ ُه ُم ال ﱠ‬
‫س ﱠجدًا َوقُ ْلنَا لَ ُه ْم َﻻ ت َ ْعدُوا‬ ‫س ْل َطانًا ﱡم ِبينًا * َو َرفَ ْعنَا فَ ْوقَ ُه ُم ال ﱡ‬ ‫ۚ‬
‫اب ُ‬ ‫ور بِ ِميثَاقِ ِه ْم َوقُ ْلنَا لَ ُه ُم ا ْد ُخلُوا ا ْلبَ َ‬
‫ط َ‬ ‫س ٰى ُ‬ ‫◌ َوآت َ ْينَا ُمو َ‬
‫ظا (] النساء ‪ [154-153 :‬هذا السؤال الصادر من اهل الكتاب للرسول ﷴ‬ ‫ت َوأَ َخ ْذ َنا ِم ْن ُهم ِ ّميثَاقًا َ‬
‫غ ِلي ً‬ ‫س ْب ِ‬‫فِي ال ﱠ‬
‫ﷺ على وجه العناد واﻻقتراح وجعلهم هذا السؤال يتوقف عليه تصديقهم أو تكذيبهم وهو أنﱠهم سألوه أن ينزل‬
‫عليهم القرآن جملة واحدة كما نزلت التوراة واﻻنجيل وهذا غاية الظلم منهم والجهل فإن الرسول بشر وعب ٌد‬
‫ليس في يده من اﻷمر شيء بل اﻷمر كله وهو الذي يرسل وينزل مايشاء على عباده كما قال تعالى عن‬
‫وﻻ(‬ ‫س ً‬ ‫س ْب َحانَ َربِّي َه ْل كُنتُ إِ ﱠﻻ بَش ًَرا ﱠر ُ‬ ‫الرسول لما ذكر اﻵيات التي فيها اقتراح المشركين على ﷴ ﷺ )قُ ْل ُ‬
‫]اﻹسراء ‪ [ 93 :‬و ادعى المكذبون للرسل أيضا ً أ ﱠن الكتاب الذي ينزله ﷲ ﻻ بد أ ﱠن ينزل جملة واحدة ﻻ مفرقا ً‬
‫وهذا اﻻدعاء محض افتراء على ﷲ فأين يوجد في نبوة أحد من اﻻنبياء أ ﱠن الرسول الذي يأتيكم بكتاب نزل مفرقا ً‬
‫فﻼ تؤمنوا به وﻻ تصدقوه؟‬

‫بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب اﻻحوال مما يدل على عظمته واعتناء ﷲ بمن انزل عليه كما قال‬
‫اح َدةً ۚ◌ َك ٰ َذ ِلكَ ِلنُث َ ِبّتَ بِ ِه فُؤَادَكَ ۖ◌ َو َرت ﱠ ْلنَاهُ ت َ ْرتِ ً‬
‫يﻼ * َو َﻻ‬ ‫علَ ْي ِه ا ْلقُ ْرآنُ ُج ْملَةً َو ِ‬
‫تعالى‪َ ) :‬وقَا َل الﱠ ِذينَ َكفَ ُروا لَ ْو َﻻ نُ ِ ّز َل َ‬
‫يرا ( ] الفرقان ‪. [ 33-32 :‬‬ ‫س ً‬ ‫ق َوأَحْ َ‬
‫سنَ ت َ ْف ِ‬ ‫يَأْتُو َنكَ بِ َمث َ ٍل إِ ﱠﻻ ِجئْنَاكَ بِا ْل َح ّ ِ‬

‫فلما ذكر اعتراضهم الفاسد أخبر أ ﱠنه ليس بغريب من أمرهم بل سبق لهم من المقدمات القبيحة ماهو‬
‫أعظم مما سلكوه مع الرسول الذي يزعمون أنﱠهم آمنوا به وهو موسى عليه السﻼم من سؤاله رؤية ﷲ عيانا ً‬
‫واتخاذهم العجل إله يعبدونه من بعد ما َرأ َ ْوا من اﻵيات بأبصارهم مالم َي َرهُ غيرهم وامتنع أهل الكتاب من قبول‬
‫أحكام كتابهم وهو التوراة حتى ُرفع الطور فوق رؤوسهم و ُهددوا أنﱠهم إ ْن لم يؤمنوا اُسقط عليهم فقبلوا ذلك على‬
‫سجدا ً‬ ‫وجه اﻹغماض واﻹيمان الشبيه باﻹيمان الضروري وامتنعوا من دخول أبواب القرية التي أ ُمروا بدخولها ُ‬
‫ُمستغفرين فخالفوا القول والفعل واعتدى من اعتدى منهم في السبت فعاقبهم ﷲ تلك العقوبة الشنيعة واخذ ﷲ‬
‫عزوجل عليهم الميثاق الغليظ فنبذوه وراء ظهورهم وكفروا بآيات ﷲ وقتلوا ُرسله بغير حق وادعى اليهود أنﱠهم‬
‫قتلوا المسيح عيسى وصلبوه والحال انهم ماقتلوه وماصلبوه بل ُ‬
‫شبه لهم َغ ْي ُر ْه فقتلوا غ ْي ُره وصلبوه وادعى اليهود‬
‫لف ﻻ تفقه مايقولوه نبينا ﷺ لهم وﻻ تفهمه وصدوا الناس عن سبيل ﷲ ودعوهم الى ماهم عليه من‬ ‫غ ْ‬ ‫أن قلوبهم ُ‬
‫ي وأخذوا السحت والربا مع نهي ﷲ لهم عنه والتشديد فيه فالذين فعلوا هذه اﻻفاعيل ليس غريبا ً‬ ‫الضﻼل والغَ ّ‬

‫‪24‬‬
‫عليهم ان يسألوا الرسول ﷴ ﷺ ان ينزل عليهم كتابا ً من السماء ثم اخبر تعالى عن عقوبات دنيوية أصاب بها‬
‫اولئك الذين تركوا الحق بعد ماعرفوه واتبعوا أهواءهم وهي أحكام شرعية شدد ﷲ عليهم فيها فإن أطاعوا‬
‫وأنابوا كان ذلك خيرا ً لهم وإ ْن لم ينصاعوا ﻷوامر ﷲ بل استمروا في اﻻستكبار عاقبهم ﷲ تعالى العقاب اﻷليم‬
‫يرا * َوأ َ ْخ ِذ ِه ُم ِ ّ‬
‫الر َبا‬ ‫س ِبي ِل ﱠ ِ َكثِ ً‬ ‫ت أ ُ ِحلﱠتْ لَ ُه ْم َو ِب َ‬
‫ص ِ ّد ِه ْم عَن َ‬ ‫علَي ِْه ْم َ‬
‫ط ِيّ َبا ٍ‬ ‫ظ ْل ٍم ِ ّمنَ الﱠ ِذينَ َهادُوا َح ﱠر ْم َنا َ‬ ‫قال تعالى )فَ ِب ُ‬
‫ٰ‬
‫س ُخونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم‬ ‫الرا ِ‬ ‫اط ِل ۚ◌ َوأَ ْعت َ ْدنَا ِل ْلكَا ِف ِرينَ ِم ْن ُه ْم َ‬
‫ع َذابًا أ َ ِلي ًما * لﱠ ِك ِن ﱠ‬ ‫اس ِبا ْل َب ِ‬‫ع ْنهُ َوأَ ْك ِل ِه ْم أ َ ْم َوا َل النﱠ ِ‬ ‫َوقَ ْد نُ ُهوا َ‬
‫الزكَاةَ َوا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ‬‫ص َﻼةَ ۚ◌ َوا ْل ُم ْؤت ُونَ ﱠ‬‫يمينَ ال ﱠ‬
‫ۚ‬
‫نز َل ِمن قَ ْب ِلكَ ◌ َوا ْل ُم ِق ِ‬ ‫نز َل ِإلَ ْيكَ َو َما أ ُ ِ‬
‫ِم ْن ُه ْم َوا ْل ُم ْؤ ِمنُونَ يُ ْؤ ِمنُونَ بِ َما أ ُ ِ‬
‫يه ْم أَجْ ًرا ع َِظي ًما( ]النساء ‪. [ 162-160 :‬‬ ‫سنُ ْؤ ِت ِ‬‫ِبا ﱠ ِ َوا ْل َي ْو ِم ْاﻵ ِخ ِر أُو ٰلَ ِئكَ َ‬

‫أن ذكر ﷲ تعالى معايب أهل الكتاب ذكر الممدوحين منهم فقال ‪ :‬لكن الراسخون في العلم أي الذين‬ ‫وبعد ْ‬
‫ثبت العلم في قلوبهم ورسخ اﻹيقان في أفئدتهم فأثمر لهم اﻻيمان التام العام بما اُنزل إليك وما اُنزل من قبلك‬
‫وأثمر لهم اﻻعمال الصالحة من إقامة الصﻼة وايتاء الزكاة اللذين هما أفضل اﻷعمال وقد اشتملت على‬
‫اﻻخﻼص للمعبود واﻻحسان الى العبيد وآمنوا باليوم اﻵخر فخافوا الوعيد ورجوا الوعد أولئك سنؤتيهم أجرا ً‬
‫عظيما ً ﻻنهم جمعوا بين العلم واﻻيمان والعمل الصالح واﻻيمان بالكتب والرسل السابقة والﻼحقة ومن صفات‬
‫الذين آمنوا برسل ﷲ من علماء أهل الكتاب الخشوع الذي عصمهم ﷲ به من أن يشتروا بآياته ثمنا ً قليﻼً‬
‫نز َل إِلَ ْي ُك ْم َو َما‬ ‫)وإِنﱠ ِم ْن أ َ ْه ِل ا ْل ِكتَا ِ‬
‫ب لَ َمن يُ ْؤ ِمنُ بِا ﱠ ِ َو َما أ ُ ِ‬ ‫ولذلك وعدهم ﷲ وعدا ً حسنا ً بالجزاء الكريم قال تعالى َ‬
‫ۗ‬ ‫َ ً َ ً ۗ‬
‫ب(‬ ‫سا ِ‬ ‫س ِري ُع ا ْل ِح َ‬ ‫يﻼ ◌ أُو ٰلَئِكَ لَ ُه ْم أَجْ ُر ُه ْم ِعن َد َر ِبّ ِه ْم ◌ إِنﱠ ﱠ َ َ‬ ‫ت ﱠ ِ ث َمنا ق ِل‬ ‫ش ِعينَ ِ ﱠ ِ َﻻ يَ ْ‬
‫شت َ ُرونَ ِبآيَا ِ‬ ‫أُ ِ‬
‫نز َل ِإلَي ِْه ْم َخا ِ‬
‫]آل عمران ‪. [199 :‬‬

‫فهوﻻء العلماء جمعوا بين اﻻيمان بنبيهم ونبينا عليهم السﻼم وصدقوا بالتوراة التي أنزلها ﷲ وصدقوا‬
‫بالقرآن العظيم فدخلوا في اﻻسﻼم الذي جاء به نبينا ﷴ ﷺ فدخلوا في اﻷسﻼم الذي جاء به نبينا ﷴ ﷺ وكان‬
‫دافعهم لقبول الحق هو خشوعهم المنافي للكبر وقسوة القلب الذين يمنعان صاحبهما من اتباع خاتم اﻷنبياء‬
‫ﷺ وننتقل اﻵن بعون ﷲ الى الكﻼم عن شيوخ السوء وخدمتهم لطاغوت فكما هو معلوم أن الدول الصليبية‬
‫تقاسمت الديار التي يسكنها المسلمون وهو الذي سموه اﻻستعمار و قد كذبوا لعنهم ﷲ فقد كان استخرابا ً ودمارا ً‬
‫للمسلمين ولتدينهم ّإﻻ ﱠ‬
‫أن ِم ْن مكر اليهود والنصارى أنﱠهم لم يحتلوا جزيرة العرب احتﻼﻻ ً مباشرا ً لحساسية ذلك‬
‫في نفوس المسلمين ومكانة الحرمين اﻹسﻼمية فاختارت بريطانيا عبد العزيز آل سعود ليكون أداتها في تحقيق‬
‫أهدافها الصليبية ولتحاول جعل جزيرة العرب نموذج مزيفا ً للحكم بااﻻسﻼم يضل به المسلمون عن حقيقة دينهم‬
‫وينخدعون به فيتبعون سرابه معلقين أمالهم به وكان ﻻبد من تاكيد لصحة منهج خادمهم عبدالعزيز وإصباغ‬
‫لشرعية كاذبة عليه بإحاطته بمشايخ يزكونه ويدافعون عنه ويبررون له كل منكر ويدفعون عنه كل تهمه‬
‫ويتأولون له كل ناقض لﻼسﻼم يقع فيه وأستغل عبدالعزيز تاريخ جده ﷴ بن سعود في نصرة دعوة اﻷمام ﷴ‬
‫بن عبدالوهاب ليدعي كاذبا َ أنﱠه على خطى جده في نصرة توحيد وتقرب عبدالعزيز الى المشايخ والعلماء‬
‫وأظهر لهم التزامه بتحكيم الشريعة وانه يريد فتح البﻼد ﻻخضاع اهلها ﻻحكام اﻻسﻼم فاحسنو به الظن واطاعوه‬
‫في طاعة ﷲ حسب ما يظهر لهم ولكن اﻷمر كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ومهما تكن عند إمر من خليقة *** وان خالها تخفى على الناس تعلم ‪.‬‬

‫فقد بدأ عبدالعزيز ينكشف على حقيقته وتصل الى أسماع المشايخ انباء اجتماعاته بالبريطانيين ثم‬
‫أن اجتماعه بهم من باب الهدن‬ ‫باﻷمريكان فكاشفه بعض المشايخ وسأله عن ذلك فأبدى لهم أنﱠه ﻻيوالي الكفار و ﱠ‬
‫الجائزة ولكن الشمس ﻻ ت ُغطى بغربال فصار بعض العلماء ينكرون عليه هذه اﻹجتماعات المريبة بالصليبين‬
‫وظهر لهم أدلة على مواﻻة عبد العزيز بن سعود للكفار وتبعية ﻷحكامهم والتزام بالحدود التي رسموها للدول‬
‫وهي حدود سيكس بيكو فعبدالعزيز أعلن الجهاد لم اراد اخضاع مناطق الجزيرة العربية لحكمه فلما وصل الى‬
‫الحدود التي رسمها الكفار توقف عندها ومن حكمة ﷲ البالغه ان ﷲ تعالى جعل الباطل زهوقا ً ) َوقُ ْل َجا َء ا ْل َح ﱡ‬
‫ق‬
‫اط َل كَانَ َز ُهوقًا( ] اﻹسراء‪ [81:‬أي من طبيعته اﻻضمحﻼل والتﻼشي‪ ،‬انكشفت حقيقة‬ ‫ۚ‬
‫اط ُل ◌ إِنﱠ ا ْل َب ِ‬
‫َو َز َهقَ ا ْلبَ ِ‬
‫عبدالعزيز عميل الصليبين فشعر بخطر هؤﻻء المشايخ على حكمه ومشروعه الذي هو في حقيقته مشروع‬
‫بريطانيا ثم امريكا ﻻحتﻼل جزيرة العرب والسيطرة على بﻼد الحرمين لتصير له زعامة دينية على المسلمين‬

‫‪25‬‬
‫وكذلك السيطرة على منابع النفط وغيره من الثروات التي تزخر بها بﻼد الحرمين ليستخدمها اﻻنجليز وبعدهم‬
‫اﻻمريكان في محاربة اﻻسﻼم والحيلولة بين المسلمين وبين عودتهم إلى تحكيم شريعة ربهم ل ّما علم عبد العزيز‬
‫وأسياده البريطانيون بخطورة أولئك المشايخ والعلماء الذين أدركوا حجم الخديعة في عبد العزيز و ادعاءاته أنﱠه‬
‫يحكم باﻻسﻼم ويجاهد أعداء اﻻسﻼم حينها بدا الكيد البريطاني السلولي بالقضاء على هؤﻻء العلماء والمشايخ‬
‫وكانت البداية بتشويه صورتهم وسمعتهم في نفوس المسلمين عن طريق مشايخ السوء ليتقبل الناس بعد ذلك‬
‫القضاء على من وصفوهم بالخروج على عبدالعزيز وشق صف الجماعة واﻹفساد في اﻷرض بزعمهم‪.‬‬

‫فأرسل مشايخ ابن سعود السلولي الرسائل تلو الرسائل إلى إخوان من اطاع ﷲ الذين يقودهم الشيخان‬
‫سلطان بن بجاد وفيصل الدويش لﻺنكار عليهم وإظهار أنﱠهم خوارج على اﻹمام المزعوم عبد العزيز و أنﱠهم ْ‬
‫إن‬
‫لم ينتهوا عن اﻹنكار عليه علنا ً ووصفه بمواﻻة اليهود والنصارى وأنّه منحرف عن تحكيم شرع ﷲ فأنهم‬
‫يستحقون أ ْن يردعهم عبد العزيز السلولي بما َيراهُ مناسبا ً وقد أرسل مجموعة من مشايخ آل سلول الى الشيخين‬
‫فيصل الدويش وسلطان ابن بجاد ومن لديهما من إخوان من اطاع ﷲ يحذرونهم فيها من الخروج على عبد‬
‫العزيز آل سلول وأنﱠه خي ُر من يصلح لﻺمامة في ذلك الزمان وأ ﱠن الخروج عليه سبيل الخوارج والمبتدعة‬
‫وحذروهم من إتهام مشايخ آل سلول بالمداهنة له والسكوت عن منكراته وبرءوه من مواﻻة اليهود والنصارى‬
‫وأرسل مشايخ آل سلول رسائل إلى رأس الكفر والردة عبد العزيز آل سلول يطلبون منه آ ْن يضرب من‬
‫يخرجون عليه ويقصدون بذلك مشايخ اخوان من أطاع ﷲ ﻹنهم انطلقوا لجهاد أهل الشرك دون أذن من عبد‬
‫العزيز والحقيقة أ ﱠن عبد العزيز آل سلول ﻻيوافق على هذا الجهاد طاعة لبريطانيا التي رسمت له حدود ﻻ‬
‫يتجاوزها وتلك المناطق التي يريد اخوان من اطاع ﷲ فتحها تخضع لسلطان بريطانيا ولما ثبت ﻻخوان من‬
‫اطاع ﷲ ان عبدالعزيز مرتد عن اﻷسﻼم عميل للكفار خلعوه ورفضوا طاعته في ترك الجهاد في سبيل ﷲ‪.‬‬

‫وقال سلطان ابن بجاد لمشايخ عبدالعزيز السلولي لما اتهموه بانه طالب اماره وانه خلع يده من طاعة‬
‫من زعموه الحاكم الشرعي قال لهم عبدالعزيز ‪" :‬علمكم اننا طﻼب اماره ﻻ و ﷲ الخﻼف بيننا وبين ابن سعود‬
‫ما هو على اﻻماره المسألة مسألة دين وعبد العزيز يعرف زين اننا ما نبغي اﻻماره وﻻ نحرص عليها ولكننا مع‬
‫عبد العزيز مثل الغالي والنار إذا جلسنا اخذتنا النار وإذا اقمنا لطمنا الغار وعبد العزيز يبغي يوم الخﻼص منا‬
‫ولكن أبشركم انا إذا هلكنا بأنكم ستتزاحمون مع النصارى بأسواق الرياض "‪ ،‬ولكن مشايخ السوء والضﻼل‬
‫أصروا على كذبهم وهو إتهامهم ﻹخوان من اطاع ﷲ باﻻفتئات على ولي امرهم عبد العزيز عميل اﻻنجليز بل‬
‫اتهموهم بانهم يجاهدون أ ُناس لم يثبت عليهم الشرك وانهم اخذوا منهم غنائم بغير حق ومن يتأمل كﻼم المشايخ‬
‫التابعين ﻵل سلول حين يتحدثون عن عبد العزيز عميل اﻻنجليز ويثنون عليه يصفونه بصفات الصحابة والخلفاء‬
‫الراشدين ويرتبون على ذلك أحكام السمع والطاعة له وحرمة الخروج عليه ويفتون بقتل من يخالف أمره ولو‬
‫كان في الجهاد الذي منع عبد العزيز منه طاعة ﻷسياده اﻻنجليز وبعد ان اعطاه مشايخ السوء شرعية كاذبة في‬
‫قتال اخوان من أطاع ﷲ قام عبدالعزيز آل سلول بقتالهم مستعينا ً بأولياه اﻻنجليز حتى قضى عليهم تقريبا ً في‬
‫الزلفي في منطقة القصيم وحتى يتضح أكثر حجم التلبيس الذي قام به مشايخ آل سلول‬ ‫موقعة اﻻسبله قرب مدينة ُ‬
‫وأنهم عرفوا الحق فكتموه وأضلوا الناس عنه أ ﱠن مفتي آل سلول ﷴ بن ابراهيم آل الشيخ قد أنكر عليهم اختراع‬
‫هيئات ولجان ﻻ تحكم بشريعة ﷲ حيث وضع ال سلول في كل مفصل من مفاصل دولتهم محاكم غير شرعية‬
‫سموها لجان وهيئات تزويرا ً للحق وتلبيسا ً على الخلق ووضعوا لها قوانين بشرية مأخوذة من القوانين الفرنسية‬
‫وقوانين اﻷمم المتحدة وتشريعاتها كالمحاكم التجارية والمحاكم العسكرية ومحاكم العمل والعمال وهئية فض‬
‫المنازعات التابعة لوزارة التجارة ونظام العمل والعمال والمجالس اﻹدارية والهيئات المختلفة اﻻخرى كالهيئة‬
‫الزراعية والهيئة الملكية ومكتب مكافحة المخدرات وهي لجان يبلغ عددها العشرات تتحايل بها الحكومة السلولية‬
‫على شرع ﷲ وتلزم الناس إلى التحاكم إلى تلك المحاكم الكفرية وتمنع ما وصفته من المحاكم الشرعية من النظر‬
‫في تلك القضايا بحجة ذلك انها ليست من اختصاصها ويضاف الى ذلك الكفر موﻻة آل سلول لليهود والنصارى‬
‫وتحاكمهم الى محكمة العدل الدولية التابعة لﻸمم المتحدة وتوقيعهم على معاهدات ومواثيق اﻷمم المتحدة الكفرية‬
‫نابذين لشرع ﷲ وراء ظهورهم‪.‬‬

‫نقول كل تلك النواقض وقع فيها آل سلول واكثر وأوضح لهم شيخهم ﷴ بن ابراهيم كثيرا ً من تلك‬
‫الكفريات واستنكرها عليهم وهنا سؤال استنكاري يفرض نفسه هل تبرء ﷴ بن ابراهيم آل الشيخ من آل سلول‬

‫‪26‬‬
‫وكفرهم ؟ هل كفر بهم لما ظهر له أنﱠهم طواغيت وهل ترك منصب مفتي ما يسمى المملكة العربية السعودية أو‬
‫تخلى عن منصب رئيس القضاة ؟ ‪ ...‬لﻸسف كل ذلك لم يحدث بل استمر في اعتبارها حكومة اسﻼمية شرعية‬
‫حتى مات‪ ،‬بل وكان ينكر على من يخرج على آل سلول ويفتي بأنّهم خوارج يُقتلون تقرب الى ﷲ بزعمه كما‬
‫فعل مع اخوان من أطاع ﷲ الذين كفروا بالطاغوت وكفروا بآل سعود المرتدين وتبرؤوا منهم ومن وﻻهم‬
‫أن ضﻼل اﻹرجاء قد تحكم فيه وفي‬ ‫لصليبين وﻻ اجد تفسيرا ً لهذه التناقضات التي وقع فيها مفتي آل سلول ّإﻻ ب ﱠ‬
‫وان ُحب الزعامة الدينية هو الذي حال بينه وبين أ ْن يعتزل آل سعود المرتدين وينبذ اليهم مناصبهم الكاذبة‬ ‫ﱠ‬ ‫فتواه‬
‫الخادعة وان الحلول الترقيعة التي حاولها وسعى اليها لم تفلح ولم تنجح لمخالفتها لشرع ﷲ أوﻻ ً فانكار المنكر‬
‫يجب ان يكون باالضوابظ الشرعية ﻻ بأقرار حاكم مرتد على حكمة ولو حذرهم مئات المرات من الكفريات التي‬
‫وقع فيها فالبراءة من الطواغيت والكفر بهم هو سبيل اﻷنبياء والمرسلين وهي ملة إبراهيم عليه السﻼم التي أ ُمر‬
‫ۖ‬
‫نبينا ﷴ ﷺ بتباعها كما قال تعالى )ث ُ ﱠم أ َ ْو َح ْينَا ِإلَ ْيكَ أ َ ِن ات ﱠ ِب ْع ِملﱠةَ ِإب َْرا ِهي َم َح ِنيفًا ◌ َو َما كَانَ ِمنَ ا ْل ُمش ِْر ِكينَ ( ]النحل‬
‫‪ [ 123:‬فكفر نبينا ﷴ ﷺ بكل طاغوت ﻻ كما فعل مشايخ السوء الذين كفروا ببعض الطواغيت وآمنوا ببعض‬
‫بحجج غير شرعية فضلوا وأضلو ربنا ﻻتزغ قلوبنا بعد أذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب‪.‬‬
‫وبهذا نصل إلى نهاية هذه الحلقة وإلى لقاء اخر إن شاء ﷲ والسﻼم عليكم‪.‬‬

‫نسأل ﷲ تعالى أن يوفقنا ﻻتباع الحق وأن يعيذنا من الهوى‬


‫أقول قولي هذا وأستغفر ﷲ لي ولكم ‪ ...‬والسﻼم عليكم ورحمه ﷲ‬

‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬الحلقـــــة الثـــــــامنــــــة ‪-‬‬


‫‪ -‬المبثوث عبر أثير إذاعــــة البيـــــــان ‪-‬‬
‫اﻷخيرة‬
‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬
‫قال ابن رسﻼن الشافعي‪:‬‬
‫الوثَنْ‬
‫عبﱠا ِد َ‬
‫ب من قب ِل ُ‬‫بعلم ِه لم يع َملَ ْن ‪ُ ......‬معَذﱠ ٌ‬
‫وعال ٌم ِ‬
‫علموا وما عملوا ‪ ......‬قالوا وما فعلوا‬ ‫ِ‬
‫للدنيا يعملون ‪ ......‬وعن اﻵخرة يعدلون‬
‫إلى المكاسب يتسابقون ‪ ......‬وعما نهاهم ﷲ عز وجل ﻻ ينتهون‬
‫أفتوا بما يرضي الطواغيت ‪ ......‬وأكلوا بعلومهم الدنيا‬
‫مثلهم كشجرة الدفلى ‪ ......‬تعجب من نظر إليها ‪ ......‬وتقتل من يأكلها‬
‫ما هم بأحرار كرام ‪ ......‬وﻻ هم بعبيد أتقياء‬
‫أفهامهم مقفلة بأقفال الحديد ‪ ......‬وقلوبهم أنتن من الحمأة والصديد‬
‫ضلوا وأضلوا ‪ ......‬عادوا أولياء الرحمن ‪ ......‬ووالوا أولياء الشيطان‬
‫يحسبون أنفسهم أدﻻء على الطريق ‪ ......‬وهم في الحقيقة قطاعه‬

‫‪27‬‬
‫نورا وهدى للناس‪ ،‬ووعد أولياه بأن يخرجهم من الظلمات إلى النور‪ ،‬والصﻼة‬
‫الحمد ﷲ الذي أنزل كتبه ً‬
‫منيرا‪ ،‬وأشهد أن ﻻ اله اﻻ ﷲ‬
‫ً‬ ‫ونذيرا‪ ،‬ودعيا إلى ﷲ بأذنه وسر ًجا‬
‫ً‬ ‫ومبشرا‬
‫ً‬ ‫والسﻼم على من أرسله ربه شاه ًدا‬
‫وحده ﻻ شريك له وأشهد أن ﷴ عبده ورسوله‪ ،‬أما بعد‪.‬‬

‫فان الحاجة ماسة ﻷن نتبين أولياء الرحمن من أولياء الشيطان‪ ،‬ﻷن ﷲ أمرنا بأن نوالي أولياءه ونحبهم‬
‫ونناصرهم‪ ،‬وأن نبغض أعداءه ونتبرأ منهم ونعاديهم‪ ،‬وأن نسعى في قتالهم ومحاربتهم كما قال تعالى‪ ) :‬الذين‬
‫آمنوا يقاتلون في سبيل ﷲ والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان‬
‫بيان‪ ،‬فمن اتصف‬ ‫ٍ‬ ‫كان ضعيفا ( وقد بين ﷲ ورسوله صفات أولياء الرحمن وصفات أولياء الشيطان‪ ،‬أحسن‬
‫بالصفات التي يحبها ﷲ؛ فهو المؤمن الذي نحبه ونواليه كما قال تعالى‪ ) :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ﷲ‬
‫وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصﻼة ومما رزقنهم‬
‫ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجت عند ربهم ومغفرة ورزق كريم (‪ ،‬ومن اتصف بصفات أعداء ﷲ؛‬
‫فهو عدو ولرسوله وللمؤمنين‪ ،‬ﻻ نقبل منه أن يعمل الكفر والفسوق والعصيان‪ ،‬ثم يدعي كمال اﻻيمان‪ ،‬وأنه‬
‫سا كانوا يُؤخذون‬ ‫من أولياء الرحمن‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي ﷲ عنه ‪ » -‬إن أنا ً‬
‫بالوحي في عهد رسول ﷲ ‪ --‬وإن الوحي قد انقطع‪ ،‬وإنما نأخذكم اﻵن بما ظهر لنا من أعمالكم‪ ،‬فمن أظهر‬
‫خيرا أمناه وقربناه‪ ،‬وليس إلينا من سريرته شيء‪ ،‬ﷲ يحاسبه في سريرته‪ ،‬ومن أظهر لنا سو ًءا لم نأمنه‬ ‫لنا ً‬
‫ولم نصدقه‪ ،‬وإن قال إن سريرته حسنه« أخرجه البخاري في صحيحه‪ ،‬وقد أخبرنا ﷲ تعالى أن المنافقين‬
‫يعرفون بلحن قولهم‪ ،‬وبين ﷲ ورسوله ‪ --‬صفات أهل النفاق‪ ،‬فمن عمل أعمالهم واتصف بصفاتهم فهو المنافق‬
‫وإن أظهر اﻹيمان‪ ،‬وعمل بأعمال اﻹسﻼم الظاهرة‪ ،‬بل هم أعدى أعداء المسلمين كما قال تعالى‪ ) :‬وإذا رأيتهم‬
‫تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم‬
‫قاتلهم ﷲ أنى يؤفكون (‪ ،‬وبين ﷲ تعالى وبين رسوله ‪ --‬صفات أهل الكفر واﻹشراك؛ لئﻼ نشابههم وﻻ‬
‫نواليهم ولنحذرهم ونعاديهم ونقاتلهم‪ ،‬وﻻ نغتر منهم بمعسول كﻼم أو تلطف ظاهر كما قال تعالى‪ ) :‬يرضونكم‬
‫بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون * اشتروا بآيات ﷲ ثمنا قليﻼ فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا‬
‫يعملون * ﻻ يرقبون في مؤمن ًإﻻ وﻻ ذمة وأولئك هم المعتدون ( وقد جمع ﷲ ‪ --‬الكفار والمنافقين في‬
‫وجوب جهادهم فقال تعالى‪ ) :‬يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير (‬
‫فجهاد الكفار بالحجة والبيان والسيف والسنان‪ ،‬وجهاد المنافقين بالحجة والبيان فحسب‪ ،‬ما داموا غير مظهرين‬
‫لنواقض اﻹسﻼم‪ ،‬ولم تثبت عليهم ببينة شرعية‪ ،‬وإﻻ فلو ثبت عليهم بالبينة الشرعية أنهم ارتكبوا ما ينقض‬
‫إسﻼمهم‪ ،‬فهناك يعاملون معاملة المرتدين‪ ،‬ويتخذ ولي أمر المسلمين بحقهم العقوبة الرادعة التي يراها مناسبةً‪،‬‬
‫من استتابتهم أو إقامة حد الردة عليهم دون استتابة‪ ،‬وقد كان من كذب المنافقين أنهم يعدون ما يفعلونه إصﻼ ًحا‪،‬‬
‫وﻻ تنفعهم نصيحة الناصحين‪ ،‬بل يتلقونها بالكبر والغرور والمخادعة كما أخبر تعالى عنهم‪ ) :‬وإذا قيل لهم ﻻ‬
‫تفسدوا في اﻻرض قالوا إنما نحن مصلحون * أﻻ إنهم هم المفسدون ولكن ﻻ يشعرون(‪ ،‬فيفسدون في اﻷرض‬
‫بمواﻻة الكفار وحثهم على قتال المسلمين واستئصالهم‪ ،‬وإعانتهم بما يستطيعون على حرب المسلمين‪،‬‬
‫وبمحاربتهم لتحكيم شرعية ﷲ‪ ،‬وبثهم الشبه حول اﻹسﻼم وشرائعه‪ ،‬وتوهين صفوف المسلمين‪ ،‬وتضخيم قوة‬
‫الكفار بالدعايات الكاذبة المضللة‪ ،‬وتقليلهم من شأن انتصارات المسلمين وأثارها على الكفار‪ ،‬وها نحن اليوم‬
‫نرى الفرق التي تسمي نفسها جماعات إسﻼمية‪ ،‬والمشايخ الرسميين للحكومات الكافرة المرتدة عن دين ﷲ‪ ،‬قد‬
‫تجاوزوا أوصاف المنافقين إلى الكفر البواح والردة الصراح؛ ﻷن قائدة الصليب والحكومات التابعة لها‪ ،‬لم تعد‬
‫تقنع منهم بممارسة دور المنافقين‪ ،‬بل يريدونها حرب أشد على اﻹسﻼم‪ ،‬وعلى دولة الخﻼفة التي تتمسك بهدي‬
‫رسول ﷲ ‪ --‬وخلفاءه الراشدين‪ ،‬وتعلنه منهج لها تبذل دونه الغالي والنفيس‪ ،‬طلبًا ﻹرضاء ﷲ‪ ،‬وها هو الدين‬
‫المزيف يتهاوى بفضل ﷲ ‪ --‬ثم بدعوة وجهاد الدولة اﻹسﻼمية وقادتها وجنودها‪ ،‬وها هي أقنعة المرتدين‬
‫تتساقط أمام أنوار دولة الخﻼفة الحاملة لكتاب ﷲ الهادي بيد‪ ،‬وللسيف الناصر باليد اﻷخرى‪ ،‬وكفى بربك هاديا‬
‫ونصيرا‪.‬‬
‫ً‬

‫ً‬
‫طويﻼ لئﻼ تقوم لﻺنسان دولة تعود بالناس إلى نهج النبوة الصافي‪ ،‬وقد‬ ‫لقد عمل شياطين اﻹنس والجن‬
‫كفار بدراسة تاريخ‬
‫ٌ‬ ‫عملت دول اليهود والصليبين على الكيد لﻺسﻼم لعدة قرون خلت‪ ،‬فأنشؤوا مراكز يقوم فيها‬
‫اﻹسﻼم السياسي والعلمي‪ ،‬ونشأة فرق الضﻼل التي حرفت المسلمين عن دينهم الصافي‪ ،‬وسموا أنفسهم‬

‫‪28‬‬
‫بالمستشرقين‪ ،‬فسعوا لبث ونشر الضﻼﻻت الفرق الضالة المضلة بكل درجات الضﻼل من الزندقة واﻻلحاد إلى‬
‫ضﻼل المعتزلة الذين يحكمون العقل في الشرع‪ ،‬فﻼ يقبلون منه إﻻ ما تقبله عقولهم الصدئة الضالة‪ ،‬وإلى‬
‫المرجئة الذين ميعوا الدين وأخرجوا العمل عن مسمى اﻹيمان‪ ،‬وقالوا ﻻ تضر مع اﻹيمان معصية‪ ،‬وقد درس‬
‫اليهود والنصارى جغرافيا العالم اﻹسﻼمي‪ ،‬وخططوا لتقسيميه وتقطيع أوصاله‪ ،‬ودعموا كل من يطعن في‬
‫اﻹسﻼم من العلمانيين المرتدين‪ ،‬وممن يدعون اﻹسﻼم من مشايخ الكفر والضﻼل‪ ،‬الذين درسوا في معاهد‬
‫وجامعات اليهود والنصارى في فرنسا وبريطانيا وغيرهما‪ ،‬كأمثال‪ :‬طه حسين‪ ،‬وعلي عبد الرزق‪ ،‬وقاسم أمين‪،‬‬
‫وغيرهم‪ ،‬وقدمت بريطانيا الماسونيَ ْي ِن‪ :‬جمال الدين اﻷفغاني‪ ،‬وتلميذه ﷴ عبده على أنهما من المصلحين‪ ،‬لقد‬
‫أحياء ﷲ بفضله ومنه الدولة اﻹسﻼمية من جديد؛ لتقضي على كل ذلك المكر اليهودي الصليبي‪ ،‬ولتهيل التراب‬
‫على الدين المزيف الذي صنعته دول الكفر وقدمته للمسلمين على أنه اﻹسﻼم الصحيح‪ ،‬ويا العجب كيف‬
‫يصدق بعض من ينتسبون إلى اﻹسﻼم أن أعداء ﷲ من اليهود والنصارى سيرضون عن اﻹسﻼم والمسلمين؟!‬
‫وقد حاربوا رسل ﷲ وأنبياءه على مدى قرون كما قال تعالى عنهم‪ ) :‬ولقد آتينا موسى الكتب وقفينا من بعده‬
‫بالرسل وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما ﻻ تهوى أنفسكم استكبرتم‬
‫ناس يدعون اﻹسﻼم‪ ،‬وحقيقتهم الردة‬ ‫دين مزيفٍ ‪ ،‬وأ ٌ‬‫ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (‪ ،‬إن الكفار ﻻ يرضون إﻻ عن ٍ‬
‫عن اﻹسﻼم‪ ،‬قال تعالى‪ ) :‬ولن ترضى عنك اليهود وﻻ النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى ﷲ هو الهدى‬
‫ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذى جاءك من العلم مالك من ﷲ من ولى وﻻ نصير(‪ ،‬ولذلك رضي اليهود‬
‫والنصارى عن آل سعود المرتدين‪ ،‬ورضوا عن أمثالهم من الحكام التابعين لهم الموالين للكفر وأهله؛ المحاربين‬
‫لﻺسﻼم الذي رضي ﷲ لعباده المؤمنين‪ ،‬وهؤﻻء الحكام المدعون كذبًا لﻺسﻼم‪ ،‬قاموا بعمل أشياء كثيرها‬
‫للتغطية على حربهم لﻺسﻼم الذي يرضاه ﷲ‪ ،‬فطبعوا المصاحف كما فعل آل سلول‪ ،‬وادعوا راعية المساجد‪ ،‬مع‬
‫ي من قبل أفراد المسلمين‪ ،‬ﻻ من قبل الحكومات العميلة‪ ،‬وسمحوا بحلقات تحفيظ القرآن الكريم‪،‬‬ ‫أن أكثرها بُ ِن َ‬
‫وادعوا دعمها بشرط أﻻ يدرس فيها المعتقد الصحيح‪ ،‬والتفسير وعلوم السنة والحث على الجهاد‪ ،‬فالمسموح به‬
‫عند آل سلول ونظام النصيريين وسائر أحكام الردة ‪،‬حفظ القرآن وتعليم التجويد فقط‪ ،‬وأما الجامعات فتدرس‬
‫اﻹرجاء‪ ،‬ووجوب طاعة الحاكم ولو ارتد‪ ،‬ويتأولون له كل ردة‪ ،‬ويختلقون له اﻷعذار التي ما أنزل ﷲ بها من‬
‫سلطان‪ ،‬ويحرمون الخروج عليه‪ ،‬ويضعون شروطا تعجيزية لقيام الجهاد في سبيل ﷲ‪ ،‬ويتخرج فيها الطﻼب‬
‫بعقائد منحرفة عن الصراط المستقيم‪ ،‬حتى ﻻ يكونوا مصلحين على هدى رسول ﷲ ‪ --‬بل ضمن حلقة ﻻ تعكر‬
‫على الحاكم المرتد حكمه‪ ،‬بل يسبغون عليه الشرعية الكاذبة‪ ،‬ﻻ فرق في ذلك بين من يدعي السلفية منهم‪ ،‬وبين‬
‫من يتبرأ منها‪ ،‬وتعاقدت الحكومات المرتدة مع الفرق الضالة المضلة‪ ،‬التي ادعت أنها جماعات إسﻼمية؛ لمنع‬
‫إحياء عقيدة الوﻻء والبراء‪ ،‬ومنع قيام الجهاد في سبيل ﷲ‪ ،‬فصار أولئك المجرمون يلبسون على الناس دينهم‪،‬‬
‫وأن اﻹصﻼح ممكن بالوسائل التي يسمح بها حكام الردة عبيد اليهود والنصارى‪ ،‬ففي جزيرة العرب مثﻼ تحالف‬
‫آل سلول مع السروريين المدعين للسلفية منذ عام ألف وأربع مئة وخمسة تقريبا‪ ،‬واتفقوا معهم على أﻻ تخرج‬
‫الدعوة والتعليم عن اﻹطار الذي يسمح به آل سلول‪ ،‬ومنذ ذلك الحين وهم يلقون أتباعهم أن الحاكم مسلم تجب‬
‫حجج كثيرة‬
‫ٍ‬ ‫طاعته وعدم الخروج عليه‪ ،‬ويمنعون شبابهم المبايعين لهم من الجهاد في أي منطقة من العالم‪ ،‬ب‬
‫ت متنوعةٍ‪ ،‬فمنعوا شبابهم من الجهاد في أفغانستان‪ ،‬ثم في البوسنة‪ ،‬واتهموا المجاهدين باﻹفتيات على‬ ‫وتلبيسا ٍ‬
‫اﻷمة اﻹسﻼمية؛ ﻷن المجاهدين ﻻ يشورونهم وﻻ يصدرون عن رأيهم‪ ،‬وبنفس الوقت أيد مشايخ السرورية جبهة‬
‫اﻻنقاذ في الجزائر في دخول اﻻنتخابات‪ ،‬ثم الفوز فيها‪ ،‬مع أنه دخول في الشرك اﻷكبر بالرضى بالديمقراطية‬
‫واتخاذها سبيﻼ للحكم‪ ،‬ودعا مشايخ السرورية وحرضوا على الجهاد المزعوم مع حاكم اليمن علي عبدﷲ‬
‫صالح‪ ،‬المنتمي إلى حزب البعث ‪،‬واعتبروه جهاد شرعيا إسﻼميا؛ ﻷنه يقاتل فيه حاكم حضرموت الملحد‬
‫الشيوعي‪ ،‬والحقيقة أنها كانت خدمة ﻷمريكا؛ ﻹخراج الحزب الموالي لروسيا من الحكم ‪ ،‬مقابل إشراك اﻻخوان‬
‫المرتدين في الحكم‪ ،‬ولم يبالوا بكونه حاكم مرتد عن اﻹسﻼم‪ ،‬يحكم بغير ما أنزل ﷲ‪ ،‬وقد بدل شريعة ﷲ كفرا‬
‫بواحا‪ ،‬وقد استخدم المرتد البعثي علي صالح اﻹخوان والسرورية حتى انتهى من حربه مع حاكم حضرموت‬
‫المرتد‪ ،‬ثم خلع اﻹخوان كما يخلع نعليه‪ ،‬ثم أعلن السروريون وباقي الجماعات الموالية للطاغوت كالجامية‬
‫واﻹخوان المجرمين حربهم على الجهاد وأهله‪ ،‬الذين عكروا صفو أمريكا وأمنها بضربتي البرجين الشهيرة‪،‬‬
‫ولبسوا على الناس بأن المجاهدين تسببوا بعملهم هذا بتعطيل الدعوة اﻹسﻼمية‪ ،‬والتضييق على المسلمين من قبل‬
‫الدول الصليبية التي يعيشون فيها‪ ،‬وخوفوا الناس من أمريكا وقوتها‪ ،‬وقللوا من شأن المجاهدين‪ ،‬وادعوا أنهم ﻻ‬
‫يستطيعون محاربة رأس الكفر أمريكا‪ ،‬ثم أعلن زعيم السرورية المرتد في مجلته التي سماها السنة ‪ -‬سماها‬

‫‪29‬‬
‫السنة كذبا وزورا ‪ -‬أنه سيتعاون مع دول الكفر العالمي في محاربة اﻻرهاب في العراق‪ ،‬أي محاربة الدولة‬
‫اﻹسﻼمية‪ ،‬التي أعلنت تحكيم اﻹسﻼم والكفر بالطواغيت‪ ،‬وقد تعاون السرورية واﻹخوان والجامية المدخلية مع‬
‫مرتدي آل سلول ومشايخهم الرسميين في تسليم العراق ﻷمريكا وإيران‪ ،‬وتعاونوا على محاولة وأد مشروع‬
‫الدولة اﻹسﻼمية‪ ،‬الذي يهدد كل مشاريعهم‪ ،‬ويفضح مؤامراتهم واستمتاع بعضهم ببعض‪ ،‬ولما قامت الثورة على‬
‫طاغوت الشام‪ ،‬انصب تفكير اﻹخوان المفلسين والسرورية على كيفية استثمارها واﻻستفادة من تضحيات الشعب‬
‫المسكين الذي لم يتلقى منهم أي توجيه أو تحريض على الجهاد في سبيل ﷲ وﻻ وجهوه نحو أن تكون الراية‬
‫والغاية إسﻼمية‪ ،‬بأن يحكم شرع ﷲ بدﻻ من حكم الطاغوت‪ ،‬ولما قام الجهاد في الشام لم يشاركوا فيه بأي‬
‫مشاركة سوى السعي ﻹفساد الجهاد والمجاهدين‪ ،‬وعملوا على محاولة سرقة ثمرة الجهاد ليصب في مصلحة‬
‫العلمانيين المرتدين‪ ،‬وأبدوا إعجابهم وتأييدهم ثم دعمهم لم يسمى الجيش الحر‪ ،‬ثم تسللوا بتعاون مع مخابرات آل‬
‫سلول إلى الفصائل المختلفة‪ ،‬واخترقوها بالدعم المادي‪ ،‬وطلبوا منهم صراحة أﻻ يرفعوا راية اﻹسﻼم‪ ،‬وأﻻ‬
‫يطالبوا بتحكيم شرع ﷲ‪ ،‬بحجة أن دول الكفر لن ترضى بذلك‪ ،‬فلما أرسلت الدولة اﻹسﻼمية جبهة النصرة؛‬
‫للجهاد في الشام‪ ،‬وقفوا منها موقف المرتاب‪ ،‬وتسألوا عن حقيقتها ومصدر دعمها‪ ،‬ثم دعوا الفصائل إلى ضربها‬
‫إن خرجت عن طريق الجيش الحر وأهدافه‪ ،‬فلما أعلنت الدولة اﻹسﻼمية تمددها إلى الشام‪ ،‬وإلغاء مسمى جبهة‬
‫النصرة‪ ،‬تﻼعب السرورية واﻹخوان المرتدون بجبهة الجوﻻني‪ ،‬وحرضوها على قتال الدولة اﻹسﻼمية‪،‬‬
‫ودعموها بالمال والمكر الكبار‪ ،‬حتى صارت غطاء للفصائل المرتدة‪ ،‬ومرتعا ﻷجهزة المخابرات‪ ،‬وتآمر‬
‫السرورية وإخوان الشياطين مع معظم الفصائل لقتال الدولة اﻹسﻼمية مجتمعين‪ ،‬في ساعة حددوها ﻹنهاء وجود‬
‫الدولة اﻹسﻼمية في الشام‪ ،‬وإجبارها على اﻻنسحاب إلى العراق‪ ،‬ولكن ومكروا ومكر ﷲ وﷲ خيرا الماكرين‪،‬‬
‫كان للدولة مقرات وأماكن متفرقة تركتها وانحازت منها؛ بسبب حرب المرتدين فيسر ﷲ أن تصير مدن‬
‫ومساحات شاسعة تحت حكم دولة اﻹسﻼم‪ ،‬يخضع الناس فيها لشرع ﷲ‪ ،‬ويطيعون ﻷمير المؤمنين وخليفة‬
‫المسلمين الشيخ أبى بكر البغدادي القرشي الحسيني‪ ،‬ويجاهدون معه أعداء ﷲ المتحزبين لحرب دولة الخﻼفة‪،‬‬
‫والمجاهدون واثقون من نصرﷲ القائل سبحانه‪ ) :‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون *‬
‫وإن جندنا لهم الغالبون (‪.‬‬

‫وأما اﻹخوان المرتدون‪ ،‬فبدل من الجهاد في سبيل ﷲ‪ ،‬أنشؤوا المجلس الوطني العميل والتابع لدول‬
‫الكفر‪ ،‬واستقطبوا لعضويته عمﻼء أمريكا وفرنسا وروسيا وبريطانيا وغالبهم من أخبث الناس كفرا وخلقا‪،‬‬
‫ودخل اﻹخوان المجرمون والسرورية السلولية في عضوية المجلس الوثني‪ ،‬ثم في عضوية ما سموه اﻹتﻼف‬
‫الوطني الذي تم برعاية أمريكية قطرية‪ ،‬وأنشؤوا لهذا اﻹتﻼف الكافر مجلسا إسﻼميا بزعمهم الكاذب؛ ليبرروا‬
‫نواقض اﻹسﻼم التي يرتكبونها‪ ،‬وليصبغ على كفرياتهم شرعية كاذبة خاطئة‪ ،‬تصدر الفتاوى التي يطلبها‬
‫اﻷمريكان وأذنابهم المرتدون‪ ،‬وصرف إخوان الشياطين والسرورية أموال التبرعات التي جمعوها على‬
‫المؤتمرات التي عقدوها مع السفير اﻷمريكي فورد وغيره من سفراء الكفر‪ ،‬وتآمروا على الجهاد والمجاهدين‪،‬‬
‫وكان أكبر همهم الذي أقض مضاجعهم كيف يتم القضاء على دولة اﻹسﻼم‪ ،‬أو منع تمددها وأرسلوا بعض‬
‫الخبثاء الذين يلبسون ثياب طﻼب العلم زورا وكذبا؛ ليؤلبوا الفصائل التائهة على الدولة اﻹسﻼمية‪ ،‬وليلبسوا‬
‫الحق بالباطل على من يهم باﻻلتحاق بالدولة اﻹسﻼمية ولكن اﻷمر كما قال تعالى‪ ) :‬إن ينصركم ﷲ فﻼ غالب‬
‫لكم * وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى ﷲ فليتوكل المؤمنون(‪ ،‬لو استعرضنا تاريخ اﻹخوان‬
‫المرتدين في قرن مضى سنجد أنهم أماتوا الوﻻء والبراء‪ ،‬ولم يرفعوا بتصحيح العقيدة رأسا‪ ،‬الغاية عندهم تبرر‬
‫الوسيلة‪ ،‬يتخذون شرك الديمقراطية اﻷكبر وسيلة إلى الحكم‪ ،‬فإذا حكموا؛ حكموا بالقوانين الكفرية ﻻ بشرع ﷲ‪،‬‬
‫كذبوا على اﻷمة اﻹسﻼمية‪ ،‬وتاجروا بدمائها‪ ،‬ولم يبذلوا أرواحهم في ساحات الجهاد‪ ،‬فزهقت أنفسهم في ساحات‬
‫الثورات السلمية‪ ،‬وانتهكت أعراضهم‪ ،‬فصرخوا سلمية سلمية‪ ،‬هان عليهم دينهم فهانت ورخصت أنفسهم‬
‫وأعراضهم‪ ،‬فبذلوها ولكن ليس في سبيل ﷲ‪ ،‬بل في سبيل ما سموه الشرعية‪ ،‬أي الشرعية التي ترضاها لهم‬
‫أمريكا‪ ،‬حكموا بالقوانين البشرية الكفرية في تركيا ومصر والسودان وفي غزة فلسطين‪ ،‬وكانوا جنود الشيطان‪،‬‬
‫وأولياء المحاربين لجنود ﷲ‪ ،‬ولذا ﻻ نعجب حينا توصي مؤسسات الكفر‪ ،‬ومنها مؤسسة رند اﻻمريكية التي‬
‫مقرها دويلة قطر باستخدام اﻹخوان المرتدين وأفراخهم السرورية ضد من رفعوا راية القرآن والسنة وجاهدوا‬
‫في ﷲ حق جهاده‪ ،‬منذ عام ألف وأربع مئة وخمسة وعشرين أوصت مؤسسة رند بمواصلة استخدام الجماعات‬
‫التي تصفها باﻻعتدال‪ ،‬وهي التي تنبذ الجهاد وترضى بالديمقراطية في محاربة أهل التوحيد والجهاد وتحكيم‬
‫اﻹسﻼم الذين أعلنوا الخﻼفة فيما بعد وحكموا الشريعة اﻹسﻼمية التي رضيها ﷲ لنا وحكموا الشريعة اﻹسﻼمية‬

‫‪30‬‬
‫ٌ‬
‫عزيز الذين‬ ‫لقوي‬
‫ﱞ‬ ‫التي رضيها لنا ربنا دينا رغم أنف الكافرين والمرتدين ‪ ) :‬ولينصرن ﷲ من ينصره إن ﷲ‬
‫إن مكناهم في اﻷرض أقاموا الصﻼة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر و عاقبة اﻻمور (‪.‬‬

‫وبهذا نصل بفضل ﷲ وبحمده إلى نهاية هذه السلسلة التي عنوانها " الطواغيت ومشايخ السوء" والصﻼة‬
‫والسﻼم على خاتم اﻷنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬والحمد رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــ۩ـــــــــــــــــــ‬

‫۩ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ۩‬
‫‪ ::‬ﻻ تنسونا من صالح دعائكم ‪::‬‬
‫نُشر في‪:‬‬
‫←الثﻼثاء ‪1439 / 10 / 05‬هـ→‬

‫‪31‬‬

You might also like