You are on page 1of 6

‫المطلب الثاني‪ :‬العرفية في توثيق التصرفات العقارية‪.

‬‬
‫أمام تعدد الجهات المخول لها قانونا توثيق التصرفات العقارية ‪ ،‬قد يحتار المتعاقدان في‬
‫اختيار الجهة التي فيها من الضمانات ما يكفل حماية حقوقهم العينية العقارية ‪ ،‬من خالل عقد‬
‫سليم من حيث الشكل والمضمون يعبر بشكل واضح و دقيق عن إرادة المتعاقدين‪ ،‬ويضمن‬
‫إثباتها أمام القضاء و ييسر عمله في البت في النزاعات التي قد تثور بشأنها مستقبال‪.‬‬
‫وبما أن المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض من بين المخول لهم هذه الصالحية‪،‬‬
‫سنحاول من خالل هذا المطلب التحدث توثيق المعامالت العقارية في محررات ثابتة التاريخ‬
‫وذلك في (الفقرة األولى) بغية تقصي األوضاع القانونية الخاصة بالمحرر الثابت التاريخ‪ ،‬و‬
‫ذلك من خالل البحث في دور الشروط الواردة في المادة ‪ 4‬من م‪.‬ح‪.‬ع باعتبارها الشريعة‬
‫العامة لتوثيق التصرفات العقارية في الرفع من القوة الثبوتية للمحرر الصادر عن المحامي‬
‫المقبول للترافع أمام محكمة النقض‪ ،‬وهو ما يحتم علينا التحدث في األخير عن حجية تاريخ‬
‫المحرر العرفي وذلك من خالل (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬توثيق التصرفات العقارية في محررات ثابتة التاريخ‬
‫إن المبدأ العام حسب المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية أن يتم االختيار في توثيق‬
‫التصرفات العقارية بين المحررات الرسمية والمحررات الثابتة التاريخ‪ ،‬وبالنظر لكون أن‬
‫المشرع المغربي استعمل مصطلح "محرر ثابت التاريخ" ليس فقط في مدونة الحقوق العينية‪،‬‬
‫بل أقره من قبل في مجموعة من النصوص القانونية العقارية‪ ،‬وعليه‪ ،‬وما ألهمية تحديد‬
‫المقصود بالمحرر الثابت التاريخ من أهمية فإنه سنعرض لشروط صحته (أوال)‪ ،‬ثم للطبيعة‬
‫القانونية لهذا المحرر (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬شروط صحة المحرر الثابت التاريخ‬
‫بغض النظر عن مسألة ثبوت التاريخ كصفة تلحق المحررات العرفية بصفة عامة وذلك وفق‬
‫الكيفيات المنصوص عليها في الفصل ‪ 425‬ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ،‬فإنه بالنسبة للطبيعة الخاصة التي تميز‬
‫المحرر الثابت التاريخ عمد القانون المغربي على تنظيم هذا النوع من خالل ضرورة أن‬
‫تتوافر فيه مجموعة من الشروط والشكليات الالزمة لتحريره‪ ،1‬ومن خالل مقتضيات المادة ‪4‬‬
‫من م‪.‬ح‪.‬ع يتضح بأن المشرع حصر الجهة المؤهلة لتوثيق التصرفات العقارية في الموثقين‬
‫العصريين و العدول فيما يخص المحررات الرسمية‪ ،‬باإلضافة إلى المحامي المقبول للترافع‬
‫أمام محكمة النقض فيما يخص المحررات الثابتة التاريخ‪ ،‬وذلك كله ما لن ينص قانون خاص‬
‫على خالف ذلك‪.2‬‬
‫وحتى تكون الوثيقة المحررة من طرف المحامي المقبول أمام محكمة النقض وثيقة قانونية‬
‫يجب أن تستجمع مجموعة من الشروط وهي كالتالي‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون هذه المحررات ثابتة التاريخ‪ ،‬بحيث ال يكون معها تاريخ هذا العقد‬
‫ثابتا في عالقة الغير إال عند تحقق إجراءات معينة حسب ما هو وارد في الفصل ‪425‬‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع‪.3‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬نصت المادة الرابعة من م‪.‬س‪.‬ع في فقرتها األولى على أنه يجب أن تحرر‬
‫المحررات الثابتة التاريخ من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض‪ ،‬وأن االختصاص‬
‫الذي عهدت به مدونة الحقوق العينية للمحامين بتوثيق المحررات الثابتة التاريخ لم يصاحب‬
‫بتحديد التزامات ومسؤوليات المحامي تجاه هذه المحررات خصوصا وأن القانون المنظم لمهنة‬
‫المحاماة أقتصر على تحديد واجبات المحامي في حدود األمور المتعلقة بالدفاع عن زبنائه دون‬
‫األمور المتعلقة بتحرير العقود‪.‬‬
‫واذا كان المحامي غير ملزم بالتحقق من هوية وصفة وأهلية األطراف على غرار‬
‫المحررات التي تحرر من طرف العدول والموثقين العصريين الذين يتحملون مسؤولية التحقق‬
‫من صفة وأهلية األطراف فإن المحافظة العقاري عندما تعرض عليه المحررات الثابتة التاريخ‬
‫يكون ملزم بالتحقق من بيانات األطراف‪ ،‬وهذا أمر غير محمود حيث كان من األجدر أن‬

‫‪ - 1‬فيوز بجدادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.339‬‬


‫‪ -2‬وفي هذا السياق حبذا لو استعمل المشرع كلمة ما "لم" عوض "ما لن" الواردة في المادة أعاله‪ ،‬ألن هذه الكلمة األخيرة تفيد المستقبل‪.‬‬
‫‪ -3‬فيوز بجدادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.340‬‬
‫يحمل المشرع للمحامي مسؤولية التحقق من أهلية وصفة األطراف من أجل التخفيض من‬
‫المسؤولية الملقاة على عاتق المحافظ العقاري‪.4‬‬
‫و من ثم فإذا تلقى المحافظ وثيقة عرفية مستوفية للشكليات القانونية له الحق في أن يقارن‬
‫البيانات الموجودة في البطاقة الوطنية تلك الموجودة في المحرر المصادق عليه‪ ،‬وله أن‬
‫يستعين بأي وثيقة إدارية تثبت بوضوح بلوغ المتقاعدين من الرشد القانوني‪.5‬‬
‫كما أنه يجب اإلشارة في العقد إلى محله وتحديده تحديدا كافيا ينفي عنه الجهالة كما سيسهل‬
‫على قارئ الوثيقة العرفية معرفة العقار دون التباس مع غيره‪ ،‬فغياب الدقة و الوضوح في هذا‬
‫البيان يجعل العقد ضعيفا ومعيب‪ ،‬وهو ما من شأنه أن يخلق نزاعا قد تضيع معه األموال‬
‫والحقوق و من ثم إذا كان العقار محفظا فيكفي اإلشارة إلى كل البيانات الموجودة في الرسم‬
‫العقاري لكونه المنطلق الوحيد لتحديد هوية العقار من الناحية المادية والقانونية‪.‬‬
‫وبخصوص حجية المحررات التي تتم من طرف المحامين فقد ذهب أحد الفقه‪ 6‬إلى القول بأن‬
‫هذه المحررات تكتسب حجية المحررات الرسمية حيث ال يجوز الطعن فيها إال بالزور وذلك‬
‫لكونها صادرة في حدود االختصاص القانوني ووفق الشكل المحدد قانونا بينما يذهب رأي‬
‫آخر‪ 7‬إلى أن هذه المحررات ال تتوفر على شروط الورقة الرسمية المحددة في الفصل ‪418‬‬
‫من ق‪.‬ل‪.‬ع ومن ثم ليست لها نفس حجية الورقة الرسمية‪ ،‬والرأي فيما نعتقد أن المحررات‬
‫الصادرة عن المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض‪،‬هي محررات عرفية ال تكتسي‬
‫حجية المحررات الرسمية و العلة في ذلك أنها ال تتوفر على الشروط المتطلبة في المحررات‬
‫الرسمية‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬لقد اشترطت المادة الرابعة من م‪.‬ح‪.‬ع في المحررات التي تتم من طرف‬
‫محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض أن تكون موقعة من طرف هذا األخير (المحامي)‬

‫‪ - 4‬بوبكري عبد القادر‪ ،‬ضوابط توثيق التصرفات العقارية في المحررات الثابتة التاريخ‪ ،‬مقال منشور في مجلة المحاكم المغربية المغربية ‪،‬العدد‬
‫المزدوج‪ ،136.135 ،‬ص‪.74‬‬
‫‪ - 5‬محمد كبوري‪ ،‬توثيق المعامالت العقارية الواردة على العقار المحفظ‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬وحدة التكوين‬
‫والبحث في قانون العقود والعقار‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد األول‪ -‬بوجدة ‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2003-2004‬ص‪.5‬‬
‫‪ - 6‬عبد السالم بلهاشمي التسولي‪ ،‬المحامي وتحرير العقود‪ ،‬سلسلة القانون في خدمة المجتمع المطبعة والوراقة الوطنية‪ ،‬مراكش ‪ ،2006‬ص‪.22‬‬
‫‪ - 7‬عبد المجيد بوكبير‪ ،‬حجية الوثيقة المحددة من طرف في إطار القوانين ‪ 18.00‬و ‪ 44.00‬و ‪ ،51.00‬ندوة التوثيق العدلي‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫وكذلك من طرف األطراف المتعاقدة وذلك باإلضافة إلى إجراء آخر يتمثل في ضرورة أن‬
‫تصحح إمضاءات األطراف لدي السلطات المختصة وبالمقابل يصحح إمضاء المحامي من قبل‬
‫رئيس كتابة الضبط‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن المشرع لم يشترط شكال للتوقيع في المحررات العرفية فإنه لم يسمح‬
‫بالطابع أو الخاتم بأن يحل محل التوقيع‪ ،‬واعتبر وجودهما كعدمه‪ ،‬ونفس القول ينطبق على‬
‫التوقيع بالبصمة لما يحمله هذا األخير من خطورة لكونه يوضع خارج أي رقابة‪.8‬‬
‫وإذا كان توقيع األطراف على المحرر العرفي يقتضي علم األطراف بمضمونه‪ ،‬فيشترط فيهم‬
‫أال يكونوا أميين‪ ،‬وحماية لهؤالء نص الفصل ‪ 427‬من ق‪.‬ل‪.‬ع بأن المحررات المتضمنة‬
‫لاللتزامات األشخاص أميين ال تكون لها قيمة إال إذا تلقاها موثقون أو موظفون عموميون‬
‫مأذون لهم بذلك‪ ، 9‬وفي هذا الصدد تجب اإلشارة إلى أن األمي تارة يقصد به الشخص الذي‬
‫ال يعرف الكتابة أو القراءة وتارة يقصد به الشخص الذي ال يحسن التوقيع‪ ،‬وكذلك فإن‬
‫المحررات التي يكون أحد أطرافها أميا يجب أن تحرر من طرف العدول أو الموثقين‬
‫العصرين‪ ،‬وهو ما يترتب عليه استبعاد المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض من‬
‫زمرة الموثقين الذين يتلقون التصرفات المجراة من قبل األشخاص األميين‪ ،‬التي تكون من‬
‫اختصاص العدول والموثقين العصرين‪.‬‬
‫ويضاف إلى إجراء توقيع المحامي واألطراف المتقاعدة‪ ،‬إجراء أخر والذي يعد في غاية‬
‫األهمية والمتمثل في ضرورة المصادقة على إمضاء المحامي من طرف رئيس كتابة ضبط‬
‫المحكمة االبتدائية التي يمارس المحامي مهامه بدائرتها‪ ،‬وكذلك ضرورة تصحيح إمضاءات‬
‫األطراف من لدن السلطات المحلية المختصة‪ ،‬طبقا للمادة الرابعة من م‪.‬ق‪.‬ع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الطبيعة القانونية للمحرر الثابت التاريخ‬

‫‪ - 8‬عمر اوتيل‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.53-52‬‬


‫‪ - 9‬بوبكري عبد القادر‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪.77-78‬‬
‫بالنظر إلى أن القانون المغربي لم يعرف المحرر الثابت التاريخ‪ ،‬اختالف الفقهاء في تحديد‬
‫المقصود به‪ ،‬فذهب البعض‪ 10‬إلى تقسيم المحررات إلى رسمية وعرفية وثابتة التاريخ‪،‬‬
‫والبعض اآلخر اعتمد التقسيم الثنائي للمحررات‪ ،‬إلى محررات رسمية وأخرى عرفية‪.11‬‬
‫أما فيما يتعلق بثبوت التاريخ فهي صفة تلحق الطائفة األولى بصورة تلقائية‪ ،‬في حين أنها‬
‫تلحق الطائفة الثانية عند تحقق شكليات معينة‪ ،‬نص عليها الفصل ‪ 425‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود من بينها المصادقة على اإلمضاءات لدى السلطة اإلدارية المختصة‪.12‬‬
‫وإذا كان القانون المنظم لمهنة المحاماة لم يخول للمحامي صالحية إضفاء الرسمية على‬
‫عقود األطراف‪ ،‬فلو أن الوثيقة المحررة من طرف المحامي رسمية لما احتاجت إلى تصحيح‬
‫إمضاءات األطراف لدى السلطات المختصة بذلك والتعريف بإمضاء المحامي لدى رئيس‬
‫كتابة الضبط لدى المحكمة االبتدائية التي يمارس بدائرتها حتى يثبت تاريخ هذه الوثيقة‪ ،‬وهو‬
‫ما ال يتطلب في البيان المتعلق بتاريخ المحرر الرسمي الذي يتم تحت مسؤولية الموثق‪ ،‬فيلحقه‬
‫بالتالي وصف الرسمية دون حاجة لمصادقة أية جهة‪.13‬‬
‫وبخصوص طبيعة المحرر الثابت التاريخ‪ ،‬يالحظ أن الصيغة الواردة بالقوانين العقارية‬
‫اشترطت شکليات خاصة لتحرير المحررات الثابتة التاريخ وهو ما يؤكد غالبية األراء التي‬
‫تتجه إلى القول على أنه محرر عرفي من نوع خاص‪ ،‬يتم تحريره من قبل محام مقبول للترافع‬
‫أمام محكمة النقض‪ ،‬أو من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة‪ ،‬يخول قانونها تحریر‬
‫العقود وبعد اعتماده في الالئحة سنوية يحددها وزير العدل‪.14‬‬

‫‪ - 10‬فيوز بجدادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.348‬‬


‫‪ .11‬ادريس فجر‪ :‬فعالية نظام توثيق التصرفات العقارية بين التوحيد والتنوع‪ ،‬منشورات كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مركز‬
‫الدراسات القانونية المدنية والعقارية مراكش العدد ‪ – 23‬عدد خاص بموضوع توثيق التصرفات العقارية – الطبعة الثانية المطبعة الوراقة مراكش‬
‫ص ‪ 86‬وما بعدها‪ ،‬أوردته‪ ،‬فيوز بجدادي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.348‬‬
‫‪ - 12‬عبد الحق صافي‪ ،‬عقد البيع‪ ،‬دراسة في قانون االلتزامات والعقود وفي القوانين الخاصة‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ،1998‬ص ‪.222‬‬
‫‪ 13‬عبد المجيد بوكير‪،‬حجية المحررات الصادرة عن المحامي في إطار ‪ 18.00‬و‪ 51.00‬و‪ ، 44.00‬التوثيق المغربي ‪ :‬واقع و افاق ‪ ،‬أشغال الندوة‬
‫الوطنية المنظمة من طرف مسلك القانون الخاص ‪،‬بالكلية متعددة التخصصات بتازة‪ ،‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا يومي ‪ 24‬و ‪ 25‬أبريل ‪،2008‬‬
‫الطبعة األولى ‪ ،2010‬ص ‪ 71‬و‪.72‬‬
‫‪ - 14‬ومن بين اآلراء التي ذهبت إلى القول بأنه عقد عرفي من نوع خاص‪ :‬سفيان ادريوش‪ :‬األمن القانوني في المجال العقاري‪ ،‬مقال منشور ضمن‬
‫أشغال الندوة الوطنية المنظمة يومي ‪ 25‬و‪ 26‬نونبر ‪ 2016‬بعنوان‪ :‬العقار والتعمير واالستثمار‪ ،‬ص‪.205.‬‬
‫وهو الرأي الذي نراه من جانبنا أقرب للصواب‪ ،‬كون أن المحرر الذي يحرره المحامي يظل‬
‫محررعرفي له خصوصية ال ترقى به إلى مستوى المحرر الرسمي الذي يحرره الموثقون‬
‫والعدول‪.‬‬

You might also like