You are on page 1of 18

‫في ‪ 18‬ديسمبر ‪ ،2008‬وقع وزير التربية الوطنية ووزير الدولة المكلفة بالشؤون الحضرية توجيًه ا‬

‫إدارًي ا مشترًك ا "حول مشكلة التسرب الدراسي"‪ .‬كانت هذه المرة األولى التي تم فيها استخدام مصطلح‬
‫"التسرب الدراسي" في السجل اإلداري من قبل السلطات المسؤولة عن النظام التعليمي‪ .‬وبعد أكثر من‬
‫عشر سنوات الحًق ا‪ ،‬وفي سياق األزمة الصحية الناجمة عن فيروس كوفيد‪ُ ،19-‬يشار في وسائل‬
‫اإلعالم أو الهيئات السياسية إلى التسرب الدراسي للداللة على مخاطر انقطاع عمليات التعلم الناتجة‬
‫عن تأثيرات معالجة األزمة الصحية (اإلغالق‪ ،‬البروتوكوالت‪ ،‬الغياب‪ ،‬إغالق المدارس‪ ،‬إلخ)‪ .‬فكيف‬
‫يمكن تفسير أن هذا المصطلح قد شهد توسًع ا كبيًر ا في وقت قصير؟ كيف يمكن تحليل مختلف‬
‫االستخدامات التي يتم تنزيلها من خالله؟ وبعد أكثر من عشر سنوات من إدخاله في مجال السياسات‬
‫التربوية‪ ،‬ما هو التقييم الذي يمكن إجراؤه؟‬
‫‪1‬ـ التسرب الدراسي‪ :‬عن ماذا نتحدث؟‬
‫لإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬يجب التخلي عن النظر إلى التسرب الدراسي كظاهرة يمكن تحديدها بشكل‬
‫ثابت‪ .‬ان الحديث عن التسرب الدراسي ال يحمل نفس المعنى سواء كنا في فرنسا‪ ،‬أو في إنجلترا‪ ،‬أو‬
‫في إسبانيا (ليفريسن‪ .)2014 ،‬ولفهم األمور بشكل أفضل‪ ،‬يجب أن ننظر إلى التسرب الدراسي‬
‫كنتيجة لتصنيفات مؤسساتية تهدف إلى تنظيم وتوجيه الفهم العام‪ ،‬وبالتالي كمجموعة من البناءات‬
‫التي تقوم بها مختلف الجهات لتحديد جوهر المشكل‪.‬‬
‫ان القول بأن التسرب الدراسي هو بناء مؤسساتي ال يعني أنه غير حقيقي أو وهمي‪ .‬إنه واقع يشكل‬
‫مشكلة في سياق الفوارق االجتماعية‪ ،‬حيث يأتي الشبان الذين يعانون من التسرب الدراسي بشكل كبير‬
‫من الطبقات الشعبية (برنار‪ ،)2016 ،‬وهذا يعني ارتباط مصطلح التسرب الدراسي بنوعين من‬
‫الظواهر‪ ،‬والتي تعد مترابطة بشدة‪ ،‬إال أنها ال تتداخل تماًم ا‪ .‬ومن حيث مفهومها األصلي‪ ،‬يشير‬
‫التسرب الدراسي إلى خروج الفرد من النظام التعليمي قبل الوصول إلى مستوى تعليم يعتبر كحد أدنى‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن هذا التعريف يستند إلى حد ما الى معيار رسمي‪ ،‬وهو معيار نهاية الدراسات الثانوية‬
‫في معظم البلدان المتقدمة‪.‬‬
‫وفي السياق ذاته يأتي تصور أخر يركز بشكل أكبر على عمليات التعلم‪ ،‬حيث يشير الى أن التسرب‬
‫الدراسي راجع الى أشكال مختلفة من عدم االنخراط في الدراسة‪ ،‬من الغياب المعلن إلى التوقف عن‬
‫النشاط الدراسي في الصف‪ ،‬وهو ما ُي شار إليه بـ "االنسحاب الداخلي" (بونيري‪. )2003 ،‬‬
‫هذه التصورات ال تؤدي إلى إجابات متشابهة على المستوى الفعلي أو الواقعي‪ ،‬وخاصة من جانب‬
‫المعلمين‪ .‬من هذا المنظور‪ ،‬كان التسرب الدراسي في فرنسا لفترة طويلة "حدًث ا غير ملحوظ في معظم‬
‫المؤسسات التعليمية تقريًب ا‪ .‬وليس ألن التالميذ كانوا جميعهم ينصتون في الصف ويكتسبون جميع‬
‫المهارات المطلوبة من قبل المؤسسة التعليمية ويخرجون من المدرسة بشهادة نهاية الدراسة الثانوية‬
‫في جيبهم‪ ،‬بل على العكس من ذلك‪ .‬يجدر بنا أن نتذكر أنه في عام ‪ ،1980‬كان ‪ ٪40‬من الشبان‬
‫يغادرون النظام التعليمي دون شهادة أو بشهادة البريفيه فقط‪ .‬ولكن كان الخروج بدون شهادة‪ ،‬مثل‬
‫عدم النجاح في جميع مستويات التعليم‪ ،‬يعالج تحت تصنيفات أخرى تم إنشاؤها في عقود التوسع في‬
‫التعليم‪ :‬الفشل الدراسي‪ ،‬الخروج بدون تأهيل‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫‪- 2‬تسليط الضوء على قضية جديدة في سياق سياسات التعليم؟‬


‫هناك لحظة بالفعل حيث ظهر مصطلح التسرب الدراسي في فرنسا في اللغة اإلدارية والسياسية‪ .‬من‬
‫هذه الناحية‪ ،‬تشكل هذه اللحظة حالة دراسية لما يسمه خبراء علوم السياسة "تسليط الضوء على‬
‫األجندة"‪ .‬حيث يمكن العثور هنا على العناصر المختلفة التي تجعل من الممكن معالجة المشكلة من قبل‬
‫السلطات العامة‪ :‬وجود مهتمين بالقضية‪ ،‬وارتباط مشكلة وحلول في إطار سياق سياسي مالئم‪ ،‬ونافذة‬
‫فرص مفتوحة من خالل هذا السياق السياسي واألحداث الخارجية (كينجدون‪.)1993 ،‬‬
‫فعاًل ‪ ،‬التسرب الدراسي هو قضية تم تسليط الضوء عليها من قبل العديد من الجهات الفاعلة منذ أوائل‬
‫التسعينات‪ ،‬والتي قد تكون خارج أو ضمن النظام التعليمي وعلى اتصال بالشبان الذين يتسربون‪:‬‬
‫المسؤولين عن سياسات المدينة‪ ،‬والحركات التربوية‪ ،‬ومحترفو اإلدماج‪ ،‬بما في ذلك من هم داخل‬
‫النظام التعليمي (برنار‪ .)2014 ،‬ولدى هؤالء المهتمين بالقضية حًال لمكافحة التسرب الدراسي‪ .‬إنهم‬
‫يعتبرون أن التالميذ ينسحبون ألن الشكل المدرسي ال يناسبهم‪ .‬فهم غالًب ا ما يستنتجون مبررات‬
‫عملية على مستوى الممارسات‪ :‬حيث يتم تنظيم االحتجاج ضد التسرب الدراسي عادة من منطلق‬
‫رفض لشكل مدرسي معين‪ ،‬والدعوة الى مدرسة أكثر انفتاًح ا وانتباًها لمركزية المتعلم‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يجب التعامل مع هذا المصطلح وتسليط الضوء عليه بحذر‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬ليس السؤال حول‬
‫التسرب حقيقة جديدة تماًم ا‪ .‬ففي بداية األلفية الجديدة‪ ،‬كان الفاعل السياسي يتعامل معه ويتصدى له‪،‬‬
‫ولكن دون أن ُي عرفه بأنه "تسرب دراسي"‪ .‬فوفًق ا لتوصيات تقرير شوارتز في عام ‪ ،1981‬تم التعامل‬
‫مع الخروج المبكر من النظام التعليمي من باب وزاوية اإلدماج‪ .‬فعندما يغادر الشاب المدرسة بدون‬
‫شهادة‪ ،‬تتمحور الحلول المطلوبة في عالم الشغل‪ ،‬وليس في عالم المدرسة‪ .‬حيث تستهدف سياسات‬
‫اإلدماج‪ ،‬التي ُتنَّف ذ بشكل رئيسي من خالل الفاعلين المحلين على وجه التحديد‪ ،‬تحسين فرص توظيف‬
‫الشباب‪ .‬وفعلًي ا‪ ،‬خروج الشاب من المدرسة بدون شهادة يجعل إدماجه المهني أمًر ا صعًب ا للغاية‪ .‬وفي‬
‫عام ‪ ،2003‬كان ‪ ٪33‬من الشبان الذين خرجوا من النظام التعليمي بدون شهادة (خالل فترة تتراوح‬
‫بين عام وأربع سنوات) يواجهون البطالة‪ .‬أما على الصعيد المدرسي‪ ،‬فقد ضل تكريس الغموض بصدد‬
‫االنقطاعات الدراسية والتسرب المدرسي حًال للحفاظ على شكل مدرسي هرمي وانتقائي‪.‬‬
‫ان مناقشة قضايا االنقطاع المدرسي ال تعكس مشكلة جديدة‪ ،‬بل تهدف إلى تغيير النظرة تجاه هذه‬
‫المسألة‪ .‬وأشار دومينيك جالسمان في عام ‪ 2004‬إلى أن مصطلح "االنقطاع" أصبح االسم الجديد‬
‫الذي ُي ستخدم للداللة على الفشل المدرسي‪ ،‬على األقل في المدرسة الثانوية والجامعية‪ ،‬وأحيانًا حتى‬
‫في المدرسة االبتدائية‪ .‬ويوضح أن استخدام "االنقطاع" أو "عدم التحصيل الدراسي" يرتبط بشكل‬
‫مباشر بالتصورات التي تصدر عمن هم داخل أو خارج المدرسة‪ ،‬كوسيلة للتعبير عن صعوبات التالميذ‬
‫دون ربطها بأصولها وعواقبها االجتماعية (جالسمان‪ ،2004 ،‬ص ‪)17‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬يندرج إدراج قضية االنقطاع المدرسي في البعد المؤسساتي" (أبيل‪ )1999 ،‬عن‬
‫تصورات وتوجيهات يتمنى بعض الفاعلين االجتماعيين تحقيقها‪ .‬فمن جهة‪ ،‬اعتبار قضية الخروج‬
‫بدون مؤهل كمشكلة مدرسية‪ ،‬تقع ضمن مسؤولية فاعلي نظام التعليم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬النظر إلى‬
‫الفشل المدرسي ليس من زاوية مدرسية‪ ،‬بل من زاوية سوق العمل (بالنسبة لمستقبل الشبان)‪،‬‬
‫والتركيز على عوامل السياق التي تفتح نافذة الفرص‪.‬‬
‫أوًال‪ ،‬تسعى السياسات التربوية التي اتخذها االتحاد األوروبي‪ ،‬خاصة بعد قمة لشبونة في عام‬
‫‪ ،2000‬إلى جعل مكافحة االنقطاع المدرسي في المقدمة‪ .‬وعلى الرغم من أنها تكون تشجيعية في‬
‫إطار األسلوب المفتوح للتنسيق‪ ،‬إال أنها ساهمت في توجيه السياسات الوطنية من خالل تحديد أهداف‬
‫رقمية‪ .‬بالنسبة لالنقطاع المدرسي‪ ،‬يهدف إلى النزول دون ‪ ٪10‬من الشبان بدون دبلوم في الفئة‬
‫العمرية ‪ 24-18‬عاًم ا‪ .‬ثانًي ا‪ ،‬في سياق آخر يتعلق بسياسات المدينة في فرنسا‪ ،‬وعلى وجه الخصوص‬
‫معالجة العنف الحضري‪ .‬فخالل االضطرابات عام ‪ ،2005‬اعتبرت انقطاعات الدراسة المبكرة كمحفز‬
‫للعنف الحضري‪ .‬وهنا تم اعتبار مكافحة االنقطاع المدرسي حًال تربوًي ا ألزمة الضواحي‪.‬‬
‫‪3‬ـ معالجة االنقطاع المدرسي فرصة ال تكون دائمًا متاحة بشكل واسع‬
‫تدخل مكافحة االنقطاع المدرسي في المرحلة األولى ضمن إطار التجارب االجتماعية التي قام بها‬
‫مارتان هيرش‪ ،‬المفوض العام في عامي ‪ ،2010-2009‬حيث شهدت هذه المرحلة العديد من‬
‫المبادرات المحلية‪ ،‬تهدف تطوير أو تعزيز الشراكات بين مختلف المؤسسات المسؤولة عن الشباب‪،‬‬
‫مثل وزارة التربية الوطنية‪ ،‬والتعليم الزراعي‪ ،‬والهيئات المحلية‪ ،‬والمهام المحلية‪ ،‬إلخ‪ .‬كما كانت‬
‫المهام العامة لإلدماج (‪ )MGI‬في وزارة التربية الوطنية تلعب دوًر ا فّع ااًل في هذا التحشيد‪ ،‬بحكم‬
‫مشاركتها الفعلية في مكافحة التسرب المدرسي‪ ،‬حتى وإن كانت رؤيتها ضمن الهيكل اإلداري ضعيفة‬
‫في تلك الفترة‪ ،‬بحكم أن معالجة التسرب المدرسي جزئيًا تكون في إطار المركزي‪ .‬أي في حدود إدارات‬
‫التعليم الفرعية‪ ،‬واعتماًد ا على أولويات يحددها المدراء المحليين‪.‬‬
‫تتضمن المرحلة الثانية إعادة تركيز مكافحة التسرب المدرسي‪ ،‬فيما يتعلق بمسألة اكتشاف الشبان في‬
‫حالة التسرب‪ ،‬حيث يتم استعادتهم بواسطة وزارة التربية الوطنية‪( ،‬برنار وميشو‪ .)2012 ،‬في‬
‫الوقت نفسه‪ ،‬يتم توحيد التنظيم المحلي لمكافحة التسرب المدرسي من خالل إنشاء منصات متابعة‬
‫ودعم للشبان المتسربين (‪ ،)PSAD‬التي تنتشر على مستوى األراضي الوطنية‪ .‬تجمع هذه المنصات‬
‫بين ممثلي الوزارات المسؤولة عن التعليم (التربية الوطنية والزراعة)‪ ،‬والهيئات المحلية‪ ،‬وغيرها‬
‫من اإلدارات أو الهيئات التي تعمل في مجال معالجة التسرب المدرسي‪ .‬يجدر بالذكر أنه منذ تلك‬
‫الفترة‪ ،‬لم تخضع هذه الهياكل لتقييم خارجي‪ ،‬على عكس التجارب االجتماعية التي كان يجب أن تخضع‬
‫لبروتوكوالت تقييم صارمة‪ .‬بعد اتجاه أولي نحو الشراكة‪ ،‬يبدو أن تقسيم العمل يعود إلى مكانه خالل‬
‫هذه المرحلة‪ ،‬حيث تتولى وزارة التربية الوطنية دوًر ا في سياسة التدخل مع الشباب الذين يتسربون‬
‫من التعليم‪ ،‬من خالل اكتشاف الشباب الذين يتسربون وهو يسمى بمكافحة التسرب المدرسي (‬
‫‪ ،)MLDS‬بينما تعنى االجراءات المحلية بسياسة اإلدماج‪.‬‬
‫تنطلق المرحلة الثالثة اعتباًر ا من عام ‪ .2013‬ففي الوقت الذي ركزت فيه المرحلة السابقة على‬
‫اكتشاف الشباب الذين يتسربون‪ ،‬برزت عدد من التقارير تبرز ضعف مشاركة الفرق البيداغوجية‬
‫والمؤسسات‪ ،‬على الرغم من وجود تجارب محلية متعددة (تقرير أرمان وبيسون‪-‬فايفر‪2013 ،‬؛‬
‫تقرير وايكسلر‪ .)2014 ،‬تم تطوير العديد من األدوات والهياكل لجعل مكافحة التسرب المدرسي جزًء ا‬
‫أساسًي ا من المؤسسات‪ :‬أسبوع الثبات الدراسي‪ ،‬وفرق مكافحة التسرب المدرسي ‪ ))GPDS‬في كل‬
‫مؤسسة ثانوية‪ ،‬والعمل على تعزيز العالقة بين المدرسة واألسرة (مثل حقيبة اآلباء في المدرسة‬
‫الثانوية)‪ ،‬وتكاثر فرص العودة إلى المدرسة (المدارس الصغيرة‪ ،‬ومدارس فرص جديدة‪ ،‬وما إلى ذلك)‬
‫كما يتم إطالق جهد تحفيز من خالل خطة ‪" N. Vallaud-Belkacem‬الجميع متحمسون ضد التسرب‬
‫المدرسي"‪.‬‬
‫أما المرحلة الخامسة واألخيرة جاءت ابتداًء من عام ‪ .2017‬تم اعتماد ما يسمى التوجيهات الكبيرة‬
‫للسياسة التي تتبعها الوزارة‪ ،‬والتي تظهر كل عام في توجيهات العودة إلى المدرسة‪ .‬ويالحظ أن جميع‬
‫التوجيهات للعودة إلى المدرسة من عام ‪ 2009‬إلى ‪ 2017‬خصصت مكانًا كبيرًا لمكافحة التسرب‬
‫المدرسي‪ .‬لكن اختفي المصطلح نفسه للعامين التاليين‪ ،‬لتظهر مرة أخرى من خالل نص متواضع من‬
‫ستة أسطر في التوجيه الخاص بعام ‪ ،2020‬خالل أزمة صحية عامة‪.‬‬
‫حيث تم فرض التزام التمدرس حتى سن ‪ 18‬عاًم ا‪ ،‬ولكن على أال يمارس هذا االلتزام على الشبان‬
‫القاصرين الذين يعملون‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ستكون الهيئات المحلية‪ ،‬وليس المؤسسة التعليمية‪ ،‬هي‬
‫التي تكون مسؤولة عن التحقق من أن الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين ‪ 16‬و‪ 18‬عاًم ا يكونون في‬
‫المدرسة أو في التكوين أو في العمل‪ .‬وهذا يعني أن نافذة الفرص لمكافحة التسرب قد أغلقت‪.‬‬
‫‪ - 4‬ما هو الرصيد؟‬
‫فيما يتعلق بالتسرب في أي مغادرة المدرسة بشكل مبكر‪ ،‬يمكن إجراء تقييم أولي بناًء على األرقام‬
‫المقدمة من قبل المؤشر األوروبي لمعدل التسرب المدرسي المبكر‪.‬‬
‫ُيظهر الرسم البياني انخفاًض ا في معدل الطالب الذين يتسربون مبكًر ا‪ ،‬وخاصًة بين عامي ‪ 2010‬و‬
‫‪ ،2014‬حيث ينخفض المعدل من ‪ ٪11.3‬إلى ‪ ،٪8.8‬وهو في قلب تلك النافذة الزمنية التي تحدثنا‬
‫عنها سابًق ا‪ .‬لذا‪ ،‬ليس من المستحيل أن يكون لهذه السياسة تأثير إيجابي فيما يتعلق بالوصول إلى‬
‫الشهادة وإتمام التعليم والتأهيل‪ .‬ويجب أن نفرح بهذا في حالة تراجع صعوبات إدماج الشباب غير‬
‫المتحصلين على شهادة التعليم الثانوي بشكل متزامن مع تقليل معدل التسرب‪ .‬يتراوح معدل البطالة‬
‫لديهم في عام ‪ 2019‬إلى ‪ ،٪47‬أي بزيادة ‪ 14‬نقطة مقارنة بعام ‪ .2003‬ومع ذلك‪ ،‬يجب الحذر من‬
‫معنى انخفاض التسرب‪ .‬فإن الوصول إلى الشهادة ال يعتمد بالطبع فقط على السياسات المتبعة‪ ،‬ولكن‬
‫على العديد من العوامل األخرى‪ ،‬خاصة على مستوى الشبان أنفسهم (تحفيزات أكثر أو أقل لمتابعة‬
‫الدراسات اعتماًد ا على الظروف االقتصادية‪ ،‬وعرض التكوين‪ ،‬وما إلى ذلك)‪.‬‬
‫وعالوة على ذلك‪ ،‬كما هو الحال مع أي سياسة‪ ،‬يجب التساؤل حول تنفيذها الفّع ال‪ .‬ومن هذه الناحية‪،‬‬
‫يجب أن نالحظ أن لدينا قليل من الدراسات المتاحة‪ .‬وفي هذا السياق نأخذ مثااًل تحدثت عنه الدراسات‪،‬‬
‫وهو تجربة نظام ‪ GPDS‬الذي خضع لتحقيق من قبل ‪ CEREQ Maillard‬وآخرون‪ .2016 ،‬تشير‬
‫دراستهم إلى أن هذا النظام المعتمد على مستوى وطني في إطار خطة "الجميع متحمسون ضد التسرب‬
‫المدرسي" قد تم تنفيذه بطرق متنوعة للغاية من مؤسسة إلى أخرى‪ .‬وعلى وجه الخصوص‪ ،‬فإن دور‬
‫المعلمين يختلف كثيًر ا في ‪ GPDS‬حيث يشاركون فيه بنسبة ‪ ،٪36‬ويكونون حتى في حدود في ‪٪18‬‬
‫في بعض الحاالت‪ ،‬بينما يكونون غائبين تماًم ا عن إدارة معالجة التسرب المدرسي بنسبة ‪ .٪46‬هذه‬
‫النتيجة‪ ،‬والتي هي بالطبع جزء من الصورة‪ ،‬تكشف لنا أن جهود مكافحة التسرب المدرسي في النظام‬
‫التعليمي ضعيفة‪ .‬فالفروق التربوية لم تكن ُت عتبر التسرب المدرسي ظاهرة‪.‬‬
‫من هذه الوجهة‪ ،‬هناك تحول تقريبي قد حدث في نظام التعليم الفرنسي نحو االتفاق العالمي بمعنى‬
‫فيردير (‪ ،)2000‬أي نحو مدرسة تهدف إلى دمج الجميع‪ ،‬بغض النظر عن أصلهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن‬
‫االتفاق األكاديمي ظل مهيمًن ا‪ ،‬ومستنًد ا إلى تصنيف واختيار األفراد‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يمكن أن تظل إدارة‬
‫التسرب المدرسي إال في الحافة الخارجية للنظام التعليمي‪ ،‬سواء بالنسبة للمحترفين المعنيين أو‬
‫بالنسبة للمكان المخصص لألنظمة المكرسة لذلك‪.‬‬

‫‪ .5‬أية سياسات للتعليم؟" استحداث مبادئ إشارة جديدة"‪.‬‬


‫يبحث يف دوتيرت عن التحوالت في سياسات التعليم والمبادئ الجديدة التي تحددها‪ .‬حيث يشير إلى أن‬
‫السياسات التعليمية تجذب اهتمام البحث التربوي بسبب تنوع التساؤالت التي تثيرها‪ .‬ويشير إلى أن‬
‫هذه السياسات تعكس اختيارات الحكومة في تنظيم التعليم وتحديد األهداف وطرق التشغيل‪ ،‬وتفترض‬
‫وجود نظام تعليم منسق ومنظم تحت رقابة هيئات تتبع للحكومة‪ .‬كما يشير إلى أن النظام التعليمي‬
‫والسياسات التعليمية في فرنسا هي في المقام األول قومية‪ ،‬مشيرا إلى قوة وزارة التربية في توجيه‬
‫هذه السياسات‪ .‬ويالحظ أن هذا ليس الحال في كل مكان‪ ،‬حيث يكون تنظيم التعليم قومًي ا إلى حد أدنى‬
‫في العديد من البلدان‪ ،‬مثل سويسرا أو الواليات المتحدة‪ .‬كما ينبغي استحضار زيادة عدد األماكن‬
‫والهيئات التي تحددت سياسات التعليم في السنوات الخمس والعشرين الماضية‪ .‬كما أن المؤثرات‬
‫الدولية تعكس حركة قوية نحو الالمركزية السياسية مما أدى إلى زيادة مراكز اتخاذ القرار‪ ،‬خاصة‬
‫على مستوى اإلقليم والمدن‪.‬‬
‫يركز يف دوتيرت على هذه التطورات بحكم كونها مصدر للتنوع في سياسات التعليم‪ ،‬حيث تعكس‬
‫تأثير الالعبين الدوليين والحركة المتسارعة نحو الالمركزية على صعيدين‪ ،‬األول هو التأثير الدولي‬
‫والثاني هو التحول نحو الالمركزية السياسية‪ .‬وقد تحدث أغنيس فان زانتين عن التحول الذي عرفته‬
‫المبادئ المعتمدة في تصف تطور أهداف التعليم الوطني في فرنسا خالل القرن العشرين (‪ .)2014‬فقد‬
‫بنيت المدرسة الجمهورية على مبدأ المساواة في الفرص‪ ،‬كالمساواة في الوصول إلى المدرسة‪.‬‬
‫وبمعنى أخر كانت التقدمات الكبيرة في سياسات التعليم منذ قانون غيزوا لعام ‪ 1833‬وقوانين فيري‬
‫لعام ‪ 1882-1881‬حتى إصالحات جان زاي لعام ‪ 1936‬تهدف إلى تسهيل التحصيل العلمي ألكبر‬
‫عدد ممكن‪ ،‬دون االهتمام بضمان نفس الفرص االجتماعية للجميع‪ .‬حيث ال يظهر هدف االرتقاء‬
‫االجتماعي حاضرا في النصوص الرئيسية التي تنظم وتصحح سياسات التعليم في فرنسا‪.‬‬
‫لكن بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬تم إضافة هدف المدرسة الفردية رسمًي ا أي المساواة في الفرص‪،‬‬
‫وبالتالي إعادة تنظيم التعليم الفرنسي المقسم إلى مسارين يحددهما الوضع االجتماعي‪ :‬الطريق‬
‫االبتدائي مخصص ألطفال الشعب والطريق الثانوي مخصص ألوالد الطبقات الميسورة‪ .‬في اتجاه‬
‫توحيد التعليم لتحقيق المساواة في الفرص‪ ،‬وهو هدف يتجه نحو التحقق نفي اإلصالحات الكبيرة في‬
‫نهاية الخمسينيات وفي ستينيات القرن الماضي‪ .‬والواقع أنه لم يتم تحقيق هدف المدرسة الفردية حتى‬
‫نهاية التعليم اإللزامي‪ ،‬حيث استمرت مسارات خاصة لتالميذ الدين يواجهون صعوبات‪ ،‬وغالبًا ما‬
‫يكونون من الطبقات األقل حًظ ا‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬قانون هابي لعام ‪ ،1975‬الذي يدعي بإنشاء‬
‫المدرسة الفردية‪ ،‬يحتفظ بعتبة لالختيار المبكر في نهاية الصف الخامس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يمكن إنكار‬
‫الفشل النسبي لتحقيق التمدرس الديمقراطي‪ ،‬حيث يؤكد البعض أنه تم تحقيقه جزئًي ا جًد ا (بروست‪،‬‬
‫‪ .)1986‬وقد تم التفكير في طرق أخرى غير تلك تم اعتمادها حتى ذلك الحين‪ ،‬وذلك من خالل إنشاء‬
‫مناطق التربية األولوية في عام ‪ ،1982‬بداية سياسة التعويض التربوي‪ ،‬مستوحاة جزئًي ا من تجربة‬
‫التفوق اإليجابي األمريكية‪ .‬هذا التطور في السياسة التعليمية الوطنية يشير إلى تغيير من تعزيز‬
‫المساواة الى تعزيز العدالة في توزيع الوسائل المخصصة للمؤسسات التعليمية بنفس الطريقة‪ ،‬ان‬
‫إقامة التعليم األولوية يقتضي التعريف من جديد لهدف بناء المدرسة الفردية‪ :‬الفردية ال تعني التماثل‪،‬‬
‫وانما تعني المدرسة الفردية إقامة استراتيجيات مستهدفة للمساعدة والدعم‪.‬‬

‫‪-6‬التعليم في خدمة االقتصاد العالمي‪:‬‬


‫لقد دارت الكثير من النقاشات والشكوك حول سياسات التعليم التي تهدف تحقيق التمدرس‪ .‬وذلك‬
‫يتجاهل األسباب العميقة لإلصالحات الرئيسية التي تم تنفيذها‪ .‬فإذا كان خطة ال نجفين‪-‬والون في عام‬
‫‪ 1946‬تستند قبل كل شيء إلى دوافع اجتماعية سياسية‪ ،‬فإن اإلصالحات التي اعتمدتها جزئيًا تتحرك‬
‫بدافعين رئيسيين‪ :‬االهتمام بالتماسك الوطني (جعل أكبر عدد ممكن يشارك في عالم يتغير بسرعة‪،‬‬
‫ونشر قيم األمة بشكل أفضل) ومتطلب اقتصادي (توفير القوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها‬
‫االقتصاد)‪.‬‬
‫والواقع أنه يجب التأكيد على هذا االهتمام الثاني نظًر ا ألن االقتصاد يظهر حًق ا كمحرك رئيسي‬
‫للتطورات في سياسات التعليم في النصف الثاني من القرن العشرين‪ ،‬على األقل بالنسبة لفرنسا خالل‬
‫الفترة من ‪ 1950‬إلى ‪ .1975‬ويمكن توضيح ذلك أوًال بوجود ظروف ازدهار اقتصادي هائل وزيادة‬
‫في التنافس العالمي تلزم بتعزيز االبتكار التقني‪ ،‬خاصة عندما تعاني البلدان األوروبية وخاصة فرنسا‬
‫من تأخر كبير في مجال التعليم التقني والعلمي‪ ،‬ومن هنا يأتي ضرورة تمديد فترة الدراسة وإعادة‬
‫النظر في المناهج‪ .‬يشرح ذلك ثانًي ا بتأثير نماذج إيديولوجية ذات أسس اقتصادية رئيسية‪ ،‬مثل نموذج‬
‫رأس المال البشري الذي يعتبر الوسائل المستخدمة في تطوير التعليم كاستثمار حقيقي قابلة للقياس‬
‫والتحكم‪ .‬لذلك لم يعد التعليم ُي نظر إليه كسلعة استهالكية ولكن كاستثمار في خدمة المجتمع بأسره‪.‬‬
‫عامل تفسير آخر يساعد في فهم كيفية استحواذ االقتصاد على توجيهات سياسات التعليم ابتداًء من‬
‫منتصف الخمسينيات‪ :‬انتشار تأثيره من خالل مجموعة من الهيئات حيث يتقاطع االقتصاديون‬
‫والسياسيون‪ ،‬وخاصة الهيئات الدولية الكبيرة مثل اليونسكو وخاصة منظمة التعاون االقتصادي‬
‫والتنمية (‪ )OECE‬التي أصبحت منظمة التعاون والتنمية االقتصادية في عام ‪ ،)1961‬المسؤولة بشكل‬
‫خاص عن إشراف خطة مارشال‪ .‬في فرنسا‪ ،‬وهناك هيئة أخرى تمتلك تأثيًر ا خاًص ا‪ ،‬هي الهيئة العامة‬
‫للتخطيط‪ ،‬المكلفة ببرمجة وتنظيم سياسة الدولة على المدى المتوسط والطويل‪ ،‬والتي يخدم أهدافها‬
‫بوضوح نظرية رأس المال البشري فيما يتعلق بالتنبؤ على نطاق واسع بالعالقة بين االستثمار وعائد‬
‫االستثمار‪ .‬فيما بعد‪ ،‬استمر تأثير االقتصاد على التعليم ولكن بشكل رئيسي فيما يتعلق بالبلدان النامية‪.‬‬
‫ان برامج التنمية التي أثارتها الهيئات الدولية تفرض أجهزة مماثلة من بلد إلى آخر ال تأخذ دائما في‬
‫اعتبارها التفردات المحلية‪ .‬ولكن انتشار المفاهيم واألدوات يحدث في كثير من األحيان أيًض ا عن‬
‫طريق التقليد‪ .‬ومن هنا يجب فهم التحفيز القوي إللغاء التزام الدولة المركزية‪ ،‬واللجوء إلى‬
‫الالمركزية والتمكين المحلي للتعليم وأحياًن ا نقل التحكم إلى وكاالت خاصة‪.‬‬
‫وفي الوقت الحالي‪ ،‬ترتبط سياسات التعليم الفرنسية بالتحوالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية داخل‬
‫االتحاد األوروبي‪ .‬حيث أصبح مجلس أوروبا والمفوضية األوروبية اآلن العبين ال يمكن تجاهلهم في‬
‫ميدان التعليم حيث يقدمون توجيهات كبيرة بشأن تنسيق وتقييم األنظمة التعليمية تدريجيًا‪ ،‬يتم تنفيذ‬
‫تنسيق للسياسات التعليمية األوروبية‪ ،‬ناتج عن تسوية على مستوى الدولة والمستوى المحلي لكل من‬
‫الدول األعضاء‪.‬‬
‫منذ عام ‪ ،1993‬بدأ تقديم تقرير النمو والتنافسية والتوظيف انطالقة هذا التوجه الجديد لسياسات‬
‫التعليم في أوروبا‪ .‬حيث يبرز التقرير أهمية االستثمار في الذكاء طوال الحياة لتحسين جودة العمل‬
‫وتنافسية الدول وتعزيز التماسك االجتماعي في الوقت نفسه‪ .‬وفي عام ‪ ،1995‬يتقدم الكتاب األبيض‬
‫حول التعليم والتكوين بفكرة أن الدخول في مجتمع المعلومات والعولمة يشكل تحدًي ا جديًدا يمكن أن‬
‫يعزز من التهميش ويعرض التماسك االجتماعي للخطر‪ .‬ويشدد هذا التقرير بشدة على ضرورة مكافحة‬
‫التهميش االجتماعي‪ ،‬وتحويل العالقة بالمعرفة‪ ،‬وابتكار أشكال جديدة للتصديق على المهارات‪،‬‬
‫وتقريب الفاصل بين المدرسة والشركة‪ .‬كما أن مؤتمر لشبونة في مارس ‪ ،2000‬يكرس فكرة التعليم‬
‫والتكوين على مدار الحياة‪ :‬يجب أن تتكيف أنظمة التعليم والتكوين األوروبية مع احتياجات مجتمع‬
‫المعرفة‪ ،‬وضرورة زيادة مستوى التوظيف وتحسين جودة التكوين‪.‬‬
‫يدعم مؤشر التعليم الذي أنشأته منظمة التعاون والتنمية االقتصادية (‪ )OCDE‬في سنوات الثمانينات‬
‫حركة تداول سياسات التعليم الدولية التي تم التأكيد عليها سابًقا‪ .‬ومخاوفها الناشئة عن النقص في‬
‫التمدرس والمدارس والمخاطر التي تشكلها جودة التعليم المتواضعة في العالم‪ ،‬على األقل من حيث‬
‫الكفاءة‪.‬والهدف هنا هو سياسي واقتصادي‪ ،‬حيث يتعلق األمر بإنتاج بيانات إحصائية ومقارنة تستخدم‬
‫لتغذية برامج تطوير التعليم وتوجيه توجيه أفضل للموارد المخصصة‪.‬‬
‫تنشر منظمة التعاون والتنمية االقتصادية (‪ )OCDE‬ابتداًء من عام ‪ 1992‬تقريًر ا سنوًي ا يقارن نتائج‬
‫الدول األعضاء المختلفة‪ ،‬تحت عنوان "نظرات على التعليم"‪ .‬منذ عام ‪ ،2000‬تمركز االهتمام حول‬
‫استطالع ‪( PISA‬برنامج التتبع الدولي لتقييم إنجازات التالميذ)‪ :‬يتم إجراءه كل ثالث سنوات‪ ،‬وشمل‬
‫‪ 79‬دولة في عام ‪ ،2018‬ولكنه يرافقها استطالعات أخرى تقارن نتائج النظم التعليمية الوطنية‬
‫الرئيسية (مثل ‪ TIMS‬للرياضيات والعلوم أو ‪ TALIS‬للممارسات التعليمية)‪ .‬األثر الرئيسي هو تحفيز‬
‫المواجهة الدولية لالختيارات السياسية والنتائج في مجال التعليم‪ ،‬على الرغم من أن الصعوبة والعقبة‬
‫تكمن في عدم قابلية قياس كل النتائج وأن المقارنات تظل عشوائية‪ ،‬على الرغم من الجهود المبذولة‬
‫لتحسين المؤشرات والتحذير من تفسيراتها ‪ Felouzis‬و‪.Charmillo t 2012‬‬
‫‪ - 3‬الالمركزية وإعادة ضبط السياسات الوطنية‬
‫تشارك فرنسا في عملية الالمركزية الدولية للسياسات التعليمية ولكن بتفاصيل تذكر بتنوع الدوافع‬
‫والتاريخ والحركات الوطنية‪ .‬تتوافق الشخصيات الرئيسية لالمركزية مع أشكال توزيع السلطة بين‬
‫المستويات‪ ،‬من المستوى الوطني إلى المؤسسة‪ ،‬مروًر ا بالمستويات الوسيطة‪ ،‬والتي تتفاوت أهميتها‬
‫الجغرافية واإلدارية من بلد إلى آخر‪ .‬يمكن تمييز ثالثة أشكال شائعة لتوزيع السلطة‪ :‬التفويض‪،‬‬
‫واالحتكار‪ ،‬والتفويض‪.‬‬
‫النموذج الذي اعتمدته فرنسا بشكل أفضل هو نموذج االحتكار‪ ،‬حيث يتم تقاسم السلطة وتنظيم الحكم‬
‫المحلي بواسطة تشريع وطني‪ ،‬ولكنه يتزامن بالطبع مع عملية هامة من التفويض‪ ،‬التي تقتصر على‬
‫إعادة توزيع إداري من المركز إلى المناطق (األكاديميات‪ ،‬األقاليم)‪ :‬وبالتالي‪ ،‬حصل المرشحون على‬
‫اختصاصات إضافية فيما يتعلق بإدارة وتخصيص الموظفين (تفويض الحركة) أو تحديد األهداف‬
‫األولوية في مجال التعليم (مكافحة التسرب المدرسي‪ ،‬الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية)‪ .‬إلخ‬
‫في فرنسا‪ ،‬لم تؤدي الالمركزية إلى انقطاع بين المستوى المركزي والمستوى المحلي‪ ،‬على عكس‬
‫دول أوروبية أخرى ذات تقاليد مركزية متساوية‪ ،‬على سبيل المثال النرويج أو السويد ‪Hutmacher،‬‬
‫‪ .)2001‬يمكن التحدث في هذه األمثلة األخيرة عن "التفويض" الحقيقي‪ ،‬وهو شكل من أشكال)‪.‬‬
‫ان التفويض في النمط الليبرالي يتيح للسلطات المحلية االستقاللية‪ ،‬بينما يكتفي الوسط بدور التنسيق‬
‫وناقل المعلومات‪ .‬على عكس ذلك‪ ،‬أظهرت التفويض التربوي في فرنسا تفوق الدور القراري للدولة‬
‫مع إعطاء حصة مهمة للسلطات المحلية‪ .‬في الوقت الحالي‪ ،‬تكمن الهمة الرئيسية للدول في سياسات‬
‫التعليم في بناء إجراء فّع ال ومالئم‪ ،‬والجواب هو متسق في كل مكان‪ ،‬بغض النظر عن التقاليد ودرجة‬
‫التطور االقتصادي واالجتماعي‪ :‬وهو من خالل منح المؤسسات التعليمية درجة كافية من االستقالل‬
‫يعتقدون أنهم سيستطيعون تحسين استثماراتهم بشكل أفضل‪.‬‬
‫تتميز فرنسا بوجود إطار وطني‪ ،‬حيث تستند قوانين التوجيه إلى مبادئ كبيرة تجمع عليها اآلراء‪ ،‬مما‬
‫يجعل االختالفات تظهر أكثر في االختيارات التنظيمية والوظيفية‪ .‬ان القرارات التي ُتتخذ تظهر كـ‬
‫"متفرقة"‪ ،‬حيث ال تهدف إلى إعادة تنظيم الهياكل بل إلى مراجعة البرامج التعليمية بلمسات صغيرة‪،‬‬
‫وتشجيع المعلمين على تنفيذ استراتيجيات تعليمية ُت عتبر أكثر قدرة على التكيف مع تنوع الطالب‪ .‬منذ‬
‫الثمانينيات وبشكل متواصل‪ ،‬قام الساسة بتكليف الفاعلين والمؤسسات بالمسؤولية الكبيرة إلجراء‬
‫التعديالت الالزمة‪ ،‬وخاصة لألطراف المحلية‪ ،‬حيث تأتي إدارات المؤسسات في المقدمة للتعليم الثانوي‬
‫والدوائر للتعليم االبتدائي‪.‬‬
‫القرارات التي اُت خذت في فترة رئاسة نيكوال ساركوزي بين ‪ 2007‬و‪ ،2010‬والتي تمتد لفترة وزارة‬
‫التربية الوطنية إليمانويل ماكرون‪ ،‬أعادت فتح األسئلة حول استقالل المؤسسات‪ ،‬الذي تم تأكيده منذ‬
‫إنشاء نظام المؤسسة المحلية للتعليم العام (‪ )EPLE‬في عام ‪ ،1983‬ولكنه لفترة طويلة ظل غير ذا‬
‫مغزى‪.‬‬
‫ان حركة التخلي عن السلطة المركزية وتفويض صالحيات واسعة أحياًن ا إلى السلطات المحلية تظهر‬
‫في معظم الدول ذات التقليد المركزي‪ ،‬وتعزى إلى أسباب إيديولوجية وميزانية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يعني‬
‫التفويض بالضرورة االستقالل المحلي‪ ،‬وُس ميت التفويض في فرنسا بشكل سريع بأنه "جزئي" أو‬
‫"نسبي" ‪ ...‬يعتبر التفويض في النظام التعليمي خدعة بسبب تقريب المسؤوليات للسلطات المحلية أو‬
‫لرؤساء المناطق‪ ،‬وليس للمؤسسات التعليمية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبدو أن الموقف الجديد للمؤسسات قد سمح‪،‬‬
‫على األقل في التعليم الثانوي‪ ،‬بتوسيع مجاالت حريتها‪ ،‬سواء من الناحية القانونية أو الوضعية‪ ،‬نتيجة‬
‫لعدم وضوح توزيع المسؤوليات بين الدولة المركزية والخدمات األكاديمية والسلطات المحلية‪ .‬لم تكن‬
‫التفويض التربوي مبادرة لحركة استقالل المؤسسات التعليمية‪ ،‬ولكنها فتحت المجال لتأكيد اختالفات‬
‫االختيارات من مكان إلى آخر‪.‬‬
‫ان التنميط اإلقليمي يميز اآلن كل اإلجراءات التي تهدف إلى تقليل الفوارق ومكافحة انسحاب التالميذ‪،‬‬
‫كما يظهر تطوير سياسات وبرامج غالًب ا ما تكون مبنية حول المؤسسات أو منها (المناطق ذات‬
‫األولوية التربوية‪ ،‬لجان التربية الصحية والمواطنة‪ ،‬االتفاقيات التربوية المحلية‪ ،‬مشاريع التربية في‬
‫المناطق)‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يرتبط استقالل المؤسسات ارتباًط ا وثيًق ا بتوسيع قاعدة المعنيين به‪ :‬العالم‬
‫الجمعوي‪ ،‬الخدمات البلدية‪ ،‬وأحياًن ا الشركات‪.‬‬
‫يصاحب مشروع المؤسسة منذ عام ‪ 2013‬عقًد ا ثالثي األطراف (خدمات التربية الوطنية‪ ،‬السلطة‬
‫المحلية‪ ،‬المؤسسة)‪ ،‬مصمًم ا ليكون األداة الرئيسية لالستقالل المنظم‪ .‬ما يحدث في مؤسسة ما يرتبط‬
‫ارتباًط ا وثيًقا ببيئتها التعليمية واإلدارية‪ .‬إذا كانت مجالس اإلدارة وخاصة مديري المؤسسات ملزمة‬
‫باتخاذ اختيارات أكثر تحديًد ا‪ ،‬فإن اإلدارة المفوضة (الخدمات األكاديمية) اكتسبت شرعية جديدة من‬
‫خالل أداء مهام التوسط‪ ،‬وبناء إطار لتفسير التوجيهات الوطنية‪ ،‬والمساهمة في تنسيق العمل المحلي‪،‬‬
‫مما يؤدي في بعض األحيان إلى تشجيع ظهور مبادرات على مستوى المؤسسات‪ ،‬مثل تلك التي أدت‬
‫إليها مرسوم عام ‪ 2005‬بشأن التجارب في المؤسسات‪.‬‬
‫ان فتح المؤسسة على بيئتها االجتماعية والثقافية واالقتصادية يرتبط باستقاللها‪ :‬إذ توضح بوضوح‬
‫أن كل فعل تربوي يتجاوز عالم التعليم‪ ،‬مرتبط بقطاعات أخرى من العمل العام‪ ،‬خاصة الصحة والشباب‬
‫والمدينة واألمان والتوظيف‪ .‬ولكن هذه التعددية تلزم بالتعامل مع أنظمة مرجعية وطرق فعل أحياًن ا‬
‫بعيدة كل البعد عن ثقافة العاملين‪ .‬ويترتب على أخذ االستقالل على محمل الجد مسؤولية سياسية‬
‫وإدارية تتجلى في التحكم والتقييم‪ .‬يتحدث السوسيولوجي األمريكي توماس بوبكيويتز (‪ )2000‬عن‬
‫"التهجين" لوصف تعدد السياسات وبشكل أوسع نطاًق ا للعمل التربوي‪ .‬تلعب الدولة دورها كمنظم‬
‫بشكل كامل‪ ،‬مما يلزمها تطوير العديد من أشكال التقييم لقياس فعالية اإلجراءات المتخذة بناًء على‬
‫النتائج الفعلية من حيث أداء الطالب‪.‬‬
‫فيما يتعلق بالتحول نحو سوق التعليم‪:‬‬
‫التركيز على إنتاج مجموعات من المؤشرات أو التقييمات ال يمكن أن يلبي مخاوف الموظفين في مجال‬
‫التعليم‪ :‬بدون هيئة رقابية ونظام دعم مستقلين ومضمونين من قبل الدولة‪ ،‬يؤدي االستقالل إلى‬
‫منافسات ضارة واضطراب في بعض المؤسسات وتدهور مهنية للمعلمين‪ ،‬كما يظهر واضًح ا في‬
‫سياسات اختيار المؤسسة وشيك التعليم الُم نَّف ذة في بعض البلدان (الواليات المتحدة‪ ،‬كندا‪ ،‬نيوزيلندا‪،‬‬
‫السويد‪ ،‬إلخ) (‪ .)Mons، 2007‬نتيجة أخرى لمثل هذه السياسات هي الزيادة الهائلة في العرض‬
‫التجاري للتعليم‪ ،‬سواء كان ذلك‪ ،‬كما في البلدان الغنية (اليابان‪ ،‬كوريا الجنوبية‪ ،‬إلخ)‪ ،‬كإضافة إلى‬
‫العرض العام أو‪ ،‬كما في البلدان الفقيرة (أمريكا الالتينية‪ ،‬إفريقيا)‪ ،‬كبديل لهذا العرض‪ .‬تطوير سوق‬
‫التعليم‪ ،‬الذي يكون حاضًر ا في جميع أنحاء التعليم العالي وينتشر بشكل متزايد في التعليم اإللزامي‪،‬‬
‫يعد وسيلة واضحة إلعادة إحياء الفوارق في التعليم‪.‬‬

‫مــقـدمة‬
‫تظهر وفرة الكتب حول االختالفات االجتماعية وعدالة النظام التعليمي أن تحقيق ديمقراطية المدرسة‬
‫يظل قضية حاسمة للمجتمعات الديمقراطية‪ .‬باإلضافة إلى هذه الوظائف "الكالسيكية"‪ ،‬يتوقع من‬
‫المدرسة أن تسهم في تقليل االختالفات االجتماعية واإلقليمية والعرقية والجنسية‪ .‬من خالل التركيز‬
‫فقط على االختالفات االجتماعية‪ ،‬سيحاول هذا النص في البداية أن يلقي الضوء على هذا المفهوم من‬
‫ديمقراطية المدرسة الذي يشمل عدة معاٍن ‪ .‬ستخصص القسم الثاني لتطور ديمقراطية المدرسة على‬
‫مدى القرن العشرين وفي الفترة الحديثة‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬ستقدم القسم األخير تفسيرات لتذبذب االختالفات في‬
‫مسارات التعليم‪.‬‬
‫فهم متعدد لدمقرطة المدرسة‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أنطوان بروست (‪ ،)1986‬المؤرخ الشهير في مجال التربية‪ ،‬هو أحد أوائل الكَّت اب الذين قدموا تصنيًف ا‬
‫ألشكال الديموقراطية من خالل التفرقة بين "ديموقراطية كمية" وديموقراطية نوعية"‪ .‬تغطي‬
‫الديموقراطية الكمية معنى الشائع‪ :‬يتحقق نظام تعليمي ديمقراطي عندما يكون أكثر إمكانية الوصول‬
‫إليه لجميع الطبقات االجتماعية‪ .‬وفًقا لهذا المفهوم‪ ،‬فإن الديموقراطية ال ُتَخ َت َلف‪ .‬كما ُيظهر مثال على‬
‫ذلك متوسط سن االنتهاء من الدراسة للسكان الفرنسيين الذي زاد في قرن واحد من ‪ 11‬ونصف عاًم ا‬
‫إلى ‪ 19‬ونصف عاًم ا (شوفيل‪ .)1988 ،‬اآلن‪ ،‬يتم تسجيل أكثر من ‪ ٪95‬من األطفال في المدرسة‬
‫حتى سن ‪ 16‬عاًم ا‪ ،‬وأكثر من ‪ ٪80‬من فئة عمرية تحصل على شهادة البكالوريا‪ .‬إطالة عامة لمدة‬
‫الدراسة التي يصفها البعض بـ "توسيع الكتلة" في المدرسة (أو وفًق ا لتعبير أنطوان بروست دي)‪.‬‬
‫تحول التغديس الديموغرافي (المعروف أيضًا بـ "ديموغرافية التعليم") قد استفاد منه جميع الفئات‬
‫االجتماعية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬يكشف الجدول ‪ 13.1‬أن ‪ %35.6‬من أطفال العمال الذين دخلوا الصف‬
‫السادس في عام ‪ 1995‬أصبحوا بحلول ثماني سنوات الحقة حملة لقب البكالوريا‪ .‬بينما أصبحت نسبة‬
‫الذين دخلوا في عام ‪ 2007‬من هذه الفئة أكثر من ضعفين (‪ )%65.1‬في الحصول على البكالوريا‪.‬‬
‫كما عرفت جميع الفئات األخرى نمًو ا قوًي ا أيًض ا‪ ،‬مع تقليل الفجوات بينها‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يجب أن نأخذ بعين االعتبار لقياس درجة الديموقراطية على مدى عقود عدة تطورات هيكل‬
‫الوظائف والنظام التعليمي‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬تطورت الوظائف بشكل كبير خالل القرن العشرين‪:‬‬
‫انهيار فئة الفالحين وارتفاع الوظائف في القطاع الخدمي (خاصة الكفاءات العليا) منذ الخمسينات‪.‬‬
‫ستنعكس هذه التغييرات الهيكلية في الوظائف على هيكل األصول االجتماعية للطالب‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬يجب أيًض ا مراعاة التغييرات التي طرأت على تنظيم النظام التعليمي (الوصول إلى مستويات‬
‫التعليم المختلفة‪ ،‬إنشاء أنواع جديدة من المؤسسات التعليمية‪ ،‬فروع جديدة‪ ،‬وما إلى ذلك) وانتقائية‬
‫التكوينات (تكرار السنة‪ ،‬تقييم الطالب)‪ .‬لذا‪ ،‬يتطلب فحص درجة الديموقراطية مراقبة تطور تمثيل‬
‫الفئات االجتماعية في مختلف مستويات التعليم‪ .‬يفترض وجود تقليل في االختالفات االجتماعية في‬
‫مسارات التعليم خالل فترة زمنية‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬يجب أن يتم التأكد من تقارب المسارات المدرسية‬
‫المتوسطة بين أطفال األطباء والعمال للحديث عن التمييز الجودي‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يجب أن تقل‬
‫الفوارق االجتماعية على مستويات التعليم المختلفة وفي مختلف مجاالت التكوين‪ .‬إذا كان الجدول‬
‫السابق يشهد على تقليل الفوارق في الحصول على شهادة البكالوريا‪ ،‬هل يمكن أن نؤكد أن هذا صحيح‬
‫لجميع المجاالت (العامة‪ ،‬التكنولوجية‪ ،‬المهنية) وجميع سالسل البكالوريا؟‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يمكن قياس الفوارق االجتماعية بثالث طرق مختلفة‪ :‬عن طريق الفرق (‪ )1‬أو نسبة‬
‫النسب (‪ )2‬لفئات مختلفة من الناس‪ ،‬أو عن طريق تصنيف فرص الفرق النسبية (‪ )3‬لمجموعة مقابل‬
‫مجموعة أخرى (مؤشر نسبة الفرص)‪ .‬اختيار المؤشرات ليس أمًر ا محايًد ا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬عندما يتحول‬
‫االختيار إلى نسبة فرص الفرق النسبية‪ ،‬سيتم التركيز على المنافسة االجتماعية التي تحدث في‬
‫المدرسة من أجل الوصول إلى أكثر التخصصات انتقائية‪ .‬أكثر من مستوى التعليم‪ ،‬سيركز التمييز في‬
‫هذه الحالة على الفرص النسبية للوصول إلى التخصصات (النهائية أو الوسيطة) االقتصادية األكثر‬
‫ربًح ا واجتماعًي ا رفيعة المستوى‪.‬‬
‫وبافتراض أن الفوارق االجتماعية في الوصول إلى مستوى التعليم تتقلص‪ ،‬فإن هذا ال يعني بالضرورة‬
‫تمييًز ا لكل قطاع‪ ،‬لكل دورة ولكل تخصص تعليمي‪ .‬يقترح بيير ميرل (‪ )2000‬تصنيًفا يجمع بين‬
‫معدالت تسجيل الشبان بشكل عام ومعدالت تسجيلهم حسب أصلهم االجتماعي‪ .‬ويميز بين ثالثة أنواع‬
‫من التمييز‪" :‬التمييز المساوي"‪ ،‬و"التمييز الفصلي"‪ ،‬و"التمييز الموحد"‪ .‬يتناسب "التمييز‬
‫المساوي" مع المالحظة المتزامنة للزيادة العامة في معدالت التسجيل حسب العمر وانخفاض الفوارق‬
‫في معدالت الوصول حسب األصل االجتماعي‪ .‬يتناسب النوع الثاني من التمييز مع حالة يزداد فيها‬
‫تمييز الفوارق االجتماعية في الوصول مع زيادة معدالت التسجيل‪ .‬يتحدث بيير ميرل في هذه الحالة‬
‫عن "التمييز الفصلي" الذي قد يكون مالحًظ ا منذ أن الفئات الشعبية‪ ،‬بينما تكون ممثلة بشكل أكبر في‬
‫سالسل البكالوريا االنتقائية‪ ،‬قد ترى في الوقت نفسه تشير جميع األبحاث إلى أن تمديد الدراسة بشكل‬
‫عام خالل القرن العشرين سمح للطبقات االجتماعية "المحرومة" بالوصول إلى مستويات تعليمية‬
‫كانوا مستبعدين منها حتى ذلك الحين‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يمكن أن يكون هذا التمديد مجرد تحول بسيط نحو‬
‫األعلى لمستويات التكوين‪ .‬يظل اختالف مصير التعليم بين الشبان من خلفيات اجتماعية مختلفة بنفس‬
‫الشدة من جيل إلى جيل‪ .‬من خالل فحص أعلى شهادة حصل عليها الشبان‪ ،‬يقدر كلود ثيلوت ولويس‬
‫أندريه فاليه (‪ )2000‬أن اختالفات مصير التعليم بين األجيال المولودة بين ‪ 1908‬و‪ 1912‬وتلك‬
‫المولودة بين ‪ 1968‬و‪ 1972‬يمكن شرحها بنسبة ‪ ٪12‬بتطور الهيكل االجتماعي‪ ،‬و‪ ٪74‬بتمديد‬
‫الدراسة بشكل عام‪ ،‬و‪ ٪14‬بديمقراطية "نوعية"‪ .‬لقد استفادت هذه األخيرة بشكل رئيسي من األطفال‬
‫الفالحين‪ .‬وكان ذلك أساًس ا في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد تقلياًل في التفاوتات‪ .‬على‬
‫المدى الطويل (جيل مولود قبل عام ‪ 1939‬وجيل مولود بين ‪ 1964‬و‪ ،)1973‬ماري دورو‪ -‬بيال‬
‫وآني كيفر (‪ )2000‬يالحظان توسًع ا اجتماعًي ا ال ُيشكك فيه وكبيًر ا في دخول الصف السادس‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬بين الطالب الذين دخلوا الصف السادس‪ ،‬يظل الوصول إلى الصف الثاني العام والحصول على‬
‫البكالوريا محدًد ا بفارق اجتماعي ثابت بشكل عام بين أطفال الطبقات الرفيعة وأطفال العمال‪ .‬يختتمون‬
‫بأن هناك نقاًل على المدى الطويل لالختالفات االجتماعية في المسارات الدراسية من الدورة األولى إلى‬
‫الدورة الثانية‪ .‬وال يحدث تقليل في االختالفات في الوصول إلى الصف الثاني إال اعتباًر ا من السنوات‬
‫‪ 1990-1985‬بسبب قلة التحديد في مرحلة المدرسة الثانوية‪ُ .‬ي فسر هذا التحسين عبر النظام ‪-‬‬
‫وصول جميع الطالب إلى الصف السادس في البداية‪ ،‬وصول غالبية كبيرة إلى الصف الثاني في وقت‬
‫الحق ‪-‬بشكل خاص بوجود "تأثير سقف"‪ .‬عندما يصل مجموعة إلى مستوى تعليم يقترب من ‪،٪100‬‬
‫ستقل التفاوتات ميكانيكيا مع المجموعات "المتأخرة"‪ ،‬كما يمكن مالحظته في الجدول ‪ .13.1‬بمعنى‬
‫آخر‪ ،‬يؤدي التعميم إلى ديمقراطيته‪ .‬وفي الدراسات المذكورة سابًق ا‪ ،‬يركز البحث عادة على أعلى‬
‫مستوى من التعليم المحقق أو على الوصول إلى مستوى تعليم معين (الصف السادس‪ ،‬الصف الثاني‪،‬‬
‫التعليم العالي)‪ .‬وغالًب ا ما تكون هذه األبحاث مقيدة بالبيانات المتاحة‪ ،‬وال تسمح هذه األبحاث بمعرفة‬
‫التفاوتات االجتماعية في مستويات التعليم الفردية أو داخل كل تخصص تعليمي‪ .‬وفًق ا لماثيو إيشو (‬
‫‪ ،)2016‬لم يقلل تنويع البكالوريا منذ الستينيات مع إنشاء مسارات وسالسل جديدة متسلسلة لهذا‬
‫الشهادة من االختالفات االجتماعية في نهاية الثانوية‪ .‬ولم تقم اإلصالحات األخيرة في البكالوريا العامة‬
‫بإزالة الفوارق االجتماعية‪ ،‬حيث ظلت تخصصات العلوم األولى غير متساوية التمثيل‪ :‬يختار التالميذ‬
‫ذوو الوضع االجتماعي الميسور بشكل أكبر الرياضيات والفيزياء والكيمياء من الطالب من الطبقة‬
‫االجتماعية المحرومة‪.‬‬
‫التفسيرات‪:‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬يتفق األبحاث المختلفة على أن يتم التوصل إلى انخفاض بطيء في الفوارق االجتماعية‬
‫أمام المدرسة لألجيال المولودة في بداية القرن العشرين‪ .‬يتسارع هذا االنخفاض للجيل المولود في‬
‫منتصف القرن‪ ،‬ثم يتوقف للجيل ‪ 1960‬وأخيًر ا يحدث انخفاض جديد في الفوارق لألجيال األصغر سنًا‪.‬‬
‫تنجم هذه الديمقراطية "الكمية" تزامنًي ا مع تطور العرض المدرسي والطلب االجتماعي اللذين يعتمدان‬
‫على بعضهما في سياق اقتصادي واجتماعي أكثر أو أقل إيجابية (دورو‪-‬بيال‪ .)2002 ،‬وبالتالي‪ ،‬ربما‬
‫سمحت فترة الثالثين سنة بتطوير التعليم الثانوي في سياق نقص المجتمع الفرنسي في القوى العاملة‬
‫المؤهلة‪ ،‬وحفزت الطلب االجتماعي‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تحديد دراستها المجانية في عام ‪،1930‬‬
‫وتمديد فترة التعليم اإللزامي إلى ‪ 14‬عاًم ا‪ ،‬وتدريج تقديم اإلعانات العائلية في الثالثينات والتي تعتمد‬
‫على الحضور المدرسي تفسر بال شك إلى حد كبير تمديد عمر نهاية الدراسة في بداية الحرب العالمية‬
‫الثانية‪ .‬ساهم تغيير العرض المدرسي بشكل كبير في هذه الديمقراطية "الكمية"‪ ،‬خاصة من خالل فتح‬
‫النظام التعليمي‪ .‬وهكذا‪ ،‬زاد إنشاء الكليات الحديثة والتقنية الجديدة في بداية األربعينات من نسبة‬
‫األطفال من العمال الذين يصلون إلى الصف السادس‪ .‬وكان تمديد التعليم اإللزامي حتى سن ‪ 16‬عاًم ا‬
‫(إصالح بيرثوان عام ‪ ،)1959‬وتوحيد الكليات مع إنشاء كليات التعليم الثانوي في عام ‪ ،1963‬ثم‬
‫إنشاء الكلية الفردية في عام ‪( 1975‬إصالح هابي) يتوقع انخفاًض ا في الفوارق االجتماعية للوصول‬
‫إلى التعليم الثانوي العالي‪ .‬ولكن تأخرت تلك الديمقراطية بفعل تفرق التدريس‪ ،‬ووجود سالالت التوجيه‬
‫والخيارات‪ .‬لم يكن إال مع إلغاء سلم التوجيه في الصف الخامس والتنمية التزامنية للحياة الدراسية‬
‫الكاملة في الكلية‪ ،‬بدأت الفوارق االجتماعية في الوصول إلى الصف الثاني في االنخفاض بشكل كبير‬
‫(دورو‪-‬بيال وكيفر‪ .)2000 ،‬في النهاية‪ ،‬تحققت حركة التمكين العام للوصول إلى الباكالوريا تقريًب ا‬
‫حصرًي ا من خالل فتح اجتماعي لألقسام التقنية والمهنية‪ .‬إن إنشاء الباكالوريا المهنية هو حالة رائعة‪.‬‬
‫سمحت إنشاءها للطبقات الشعبية بالوصول بشكل أكثر تكراًر ا إلى هذا المستوى من التعليم‪ ،‬ولكن في‬
‫الوقت نفسه خفضت‪ ،‬وفًق ا لبيير ميرل (‪ ،)2017‬تمثيلهم في التخصصات‪.‬‬
‫وفي المستوى العام‪ُ ،‬يظهر اثنان من تأثيرات تكوين الفوارق‪ :‬الفروق في األداء الدراسي وفروق‬
‫توجيه الطالب‪ ،‬وهي مشكلة ملحوظة خاصة في فرنسا (ديتيرك‪ ،‬ميشو وتروجير‪ .)2018 ،‬يذكر أن‬
‫استطالعات ‪ ،PISA‬التي تقيم مهارات الطالب البالغين من العمر ‪ 15‬عاًم ا‪ ،‬تكشف عن تفاقم الفوارق‬
‫االجتماعية في النتائج في فرنسا على مدى عشر سنوات‪ ،‬بينما تتناقص في العديد من البلدان األخرى‬
‫(ألمانيا‪ ،‬الواليات المتحدة‪ ،‬إيطاليا‪ ،‬النرويج‪ ،‬سويسرا‪ ،‬إلخ)‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬يؤدي التوجيه من‬
‫الصف الثالث إلى الصف الثاني‪ ،‬ثم من الثاني العام إلى التخصصات في الصف األول‪ ،‬وأخيًر ا من‬
‫الباكالوريا إلى السنة األولى في التعليم العالي إلى اتخاذ اختيارات توجيهية وتوزيع اجتماعيًا غير‬
‫متساوية‪ .‬وأخيًر ا‪ ،‬تنجح األسر ذات المستويات التعليمية العالية بشكل أكبر في تعويض صعوبات‬
‫أبنائهم في المدرسة وتعزيز ميزتهم مقارنًة باآلباء ذوي المستويات التعليمية المنخفضة من خالل‬
‫توجيههم نحو التدريبات األكثر شهرة واألكثر ربحية‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬يساهم توجيه هذين اآلليتين‪،‬‬
‫التعويض والتعزيز‪ ،‬في تعميق الفجوة بين الفئات االجتماعية‪ ،‬على طول طيف األداء الدراسي"‬
‫(هيربو‪ ،2019 ،‬ص ‪.)560‬‬
‫الــــخــتــام‬
‫إذا كان من الممكن اعتبار التمكين "الكمي" ناتًج ا عن سياسات التوسع في التعليم وغيرها‪ ،‬فإن‬
‫الفوارق االجتماعية ما زالت قائمة (ديورو‪-‬بيال‪ .)2002 ،‬على المستوى األكثر جودة‪ ،‬تظل التمييز‬
‫االجتماعي لألقسام والتخصصات التعليمية "بروليتارية" في القطاع ذي الربحية االقتصادية‬
‫المنخفضة‪ ،‬و"بورجوازية" في القطاع ذي الربحية االقتصادية العالية ‪-‬قائمة‪ .‬ربما يكون من‬
‫ًال‬
‫الضروري رؤية ذلك نتيجة لنظام تعليم يعتمد بشكل أكبر على تصور مقسم وهرمي للتدريبات بد من‬
‫تصور عالمي لمسارات الطالب‪.‬‬
‫سياسات الشهادات وتأثيراتها‬
‫المقدمة‬
‫بعد توسيع الكلية ثم الثانوية‪ ،‬كانت سياسات التعليم التي بدأ تنفيذها في الثمانينات تسعى إلى تعميم‬
‫حيازة الشهادة‪ .‬غالًب ا ما يتم التعرف عليها من خالل هدف قيادة ‪ %80‬من فئة العمر إلى مستوى‬
‫الباكالوريا‪ ،‬الذي أعلن عنه رئيس الوزراء لوران فابيوس في التلفزيون في ‪ 22‬مايو ‪ ،1985‬ولم تؤد‬
‫فقط إلى انتشار واسع للباكالوريا ولكن أيًض ا جعلت حيازة شهادة أمًر ا معيارًي ا تعليمًي ا واجتماعًي ا‪.‬‬
‫اُّت خذت هذه السياسات لتمكين الشباب الذين يغادرون النظام التعليمي من مواجهة تحديات االقتصاد‬
‫والبطالة بشكل أفضل‪ ،‬واتخذت شكل أهداف كمية تميل إلى إعطاء األولوية للشهادة على محتوى‬
‫التعليم والمعرفة‪ .‬أمام مثل هذا التغيير في المنهج‪ ،‬من المهم فهم ما يبرره ويسمح له بالسيطرة‪ ،‬مع‬
‫التساؤل عن آثاره المتسلسلة‪ ،‬سواء داخل النظام التعليمي أو في سوق العمل‪.‬‬
‫سياسات زيادة مستوى التعليم وتوحيد الشهادة‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫إذا كانت الشهادة تحتل اليوم مكانة بارزة في مهام النظام التعليمي وكذلك في سوق العمل‪ ،‬فإن هذا‬
‫التسلط حديث‪ .‬حتى الستينيات‪ ،‬لم تحمل غالبية القوى العاملة أي شهادة‪ .‬أما الباكالوريا‪ ،‬فكانت تخص‬
‫‪ %1‬من فئة العمر في عام ‪ 1900‬وفقط ‪ %20‬في عام ‪ ،1970‬على الرغم من إنشاء بكالوريا‬
‫التقني في عام ‪ ،1965‬الذي انضم إلى بكالوريا عامة (ديفريسن وكروب‪ .)2016 ،‬كانت السياسات‬
‫التعليمية التي تم تنفيذها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي‪ ،‬شهدت السنوات انفجاًر ا في التعليم‬
‫الثانوي‪ ،‬حيث أوليت أهمية أكبر لرفع المستوى التعليمي بشكل عام أكثر من نشر الشهادات‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫من خالل دعم تطوير التعليم المهني كأداة للتعليم في المرحلة الثانوية‪ ،‬ساهمت في توسيع الشهادة‬
‫الرئيسية المستعدة لها‪ :‬شهادة الكفاءة المهنية (‪ .)CAP‬رأى حملة هذه الشهادة‪ ،‬الذين كانوا يتجهون‬
‫بعد السنة الخامسة في الكلية ويتلقون تدريًب ا لمدة ثالث سنوات في مجال مهني‪ ،‬زيادة كبيرة في‬
‫أعدادهم‪ ،‬بينما كان عدد حملة شهادة البكالوريا يزيد ببطء‪ .‬في التعداد الذي أجرته ‪ INSEE‬في عام‬
‫‪ ،1982‬ظهرت شهادة الكفاءة المهنية كأول شهادة تحملها الفرنسيون‪.‬‬
‫خالل الفترة الزمنية الطويلة الممتدة من ‪ 1945‬إلى ‪ ،1975‬شهد نشاط مكثف في إنشاء الشهادات‬
‫داخل الوزارات لمواكبة تطورات االقتصاد‪ ،‬والتي كانت مميزة بالتسارع في التثليث وانتشار‬
‫التكنولوجيات الجديدة مثل تلك المرتبطة باألتمتة وتكنولوجيا المعلومات‪ .‬ظهرت وظائف جديدة‪،‬‬
‫وتحولت بعضها‪ ،‬واختفت بعضها اآلخر‪ .‬كان على التعليم أن يتنبأ بهذه التطورات وليس فقط أن‬
‫يتبعها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬في هذه الفترة من النمو االقتصادي القوي‪ ،‬لم يكن من الضروري أن يكون لديك‬
‫شهادة للعثور على وظيفة أو حتى بناء مسار مهني‪ .‬إذا كانت حيازة الشهادة توفر آفاًقا مهنية جميلة‪،‬‬
‫فإن عدم وجودها ال ُيعتبر عيًب ا‪ .‬كان خريجو النظام التعليمي بدون شهادة أمًر ا شائًع ا‪ ،‬ولم ُيعتبر التخلي‬
‫عن الدراسة في منتصف الطريق مشكلة مدرسية أو اجتماعية‪.‬‬
‫كما أن تأسس مركز الدراسات والبحوث حول المؤهالت (‪ )Céreq‬في عام ‪ 1971‬لدراسة ظروف‬
‫إدماج الشبان عند خروجهم من النظام التعليمي‪ُ .‬يظهر أن الشبان الباحثين عن عمل الذين اتبعوا‬
‫مساًر ا تعليمًي ا كامًال يحصلون على نفس الوظائف ونفس الرواتب‪ ،‬سواء حصلوا على الشهادة النهائية‬
‫أم ال‪ .‬يقبل أصحاب العمل أيًض ا على تكييف الوافدين الجدد للوظائف التي يقدمونها‪ ،‬دون اللجوء إلى‬
‫عقود مؤقتة‪ .‬ورغم أن الفترة الطويلة الممتدة من النمو االقتصادي ال ُت مثل فترة ساحرة‪ ،‬حيث كانت‬
‫مصحوبة أيًض ا بتفاوت اجتماعي وجنسي كبير‪ ،‬وإضرابات متكررة وطويلة‪ ،‬وقمع نشط‪ ،‬إال أنها‬
‫مرتبطة بإمكانية الوصول إلى العمل واستقراره‪ ،‬وكذلك بتحقيق ارتفاع كبير في التنقل االجتماعي‪.‬‬
‫تتغير الوضعية في نهاية السبعينات‪ ،‬عندما يأتي ركود اقتصادي هام يعلن نهاية الفترة المشرقة للعقود‬
‫ما بعد الحرب‪ .‬حيث تنتشر البطالة وال ُيسلم أحد منها‪ .‬وفي الستينيات والسبعينيات‪ ،‬شهد التعليم‬
‫الثانوي انفجاًر ا أولًي ا‪ ،‬حيث أوليت أهمية أكبر لرفع المستوى التعليمي بشكل عام أكثر من نشر‬
‫الشهادات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬بدعم تطوير التعليم المهني كأداة للتعليم في المرحلة الثانوية‪ ،‬تسبب ذلك في‬
‫توسيع الشهادة الرئيسية التي كانت مستعدة لها‪ :‬شهادة الكفاءة المهنية (‪ .)CAP‬زاد عدد حاملي هذه‬
‫الشهادة‪ ،‬الذين كانوا ُيوجهون بعد السنة الخامسة في الكلية وُيدَّر بون لمدة ثالث سنوات على حرفة‪،‬‬
‫بشكل كبير‪ ،‬بينما كان عدد حملة البكالوريا يزداد بشكل هادئ‪ .‬في تعداد السكان الذي أجرته ‪INSEE‬‬
‫في عام ‪ ،1982‬يظهر ‪ CAP‬كأول شهادة مملوكة في فرنسا‪.‬‬
‫خالل فترة الثالثين سنة المشرقة (‪ ،)1975-1945‬تمت نشاطات كثيفة في إنشاء الشهادات داخل‬
‫الوزارات لمواجهة تطورات االقتصاد‪ ،‬والتي انعكست في ترتيبها السريع وانتشار التكنولوجيا الجديدة‬
‫مثل تلك المرتبطة باألتمتة وتكنولوجيا المعلومات‪ .‬ظهرت وظائف جديدة‪ ،‬وتحولت بعضها‪ ،‬واختفت‬
‫البعض اآلخر‪ُ .‬ي طلب من التعليم أن يتنبأ بمثل هذه التطورات وليس فقط متابعتها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬في هذه‬
‫الفترة من النمو االقتصادي الكبير‪ ،‬لم يكن من الضروري أن يكون لديك شهادة للعثور على وظيفة أو‬
‫حتى بناء مسيرة مهنية‪ .‬إذا كان حيازة الشهادة تقدم فرًص ا مهنية جيدة‪ ،‬فإن عدم وجودها ال يعتبر‬
‫عيًب ا‪ .‬كانت الخريجين بدون شهادة من النظام التعليمي شيًئ ا شائًع ا‪ ،‬ولم ُيعتبر التخلي عن الدراسة في‬
‫منتصف الطريق مشكلة مدرسية أو اجتماعية‪.‬‬
‫في عام ‪ ،1351‬لم يكن الدبلوم المهني مثل ‪ CAP‬أو ‪ BEP‬كافيا لحماية األفراد من البطالة‪ .‬ونظًر ا‬
‫لتزايد عدد عقود العمل المحددة المدة‪ ،‬تتسع نطاق الهشاشة‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬مع اختفاء العديد من‬
‫وظائف العمال والموظفين‪ ،‬حيث يمكن أداء العمل بواسطة اآلالت أو نقله ببساطة إلى بلدان ذات‬
‫تكاليف عمالة أقل‪ ،‬إلى جانب متطلبات جديدة في مجال المعرفة والمهارات الموجهة لجميع العاملين‪،‬‬
‫يحث القادة السياسيون على التفكير في إجراء إصالح كبير في النظام التعليمي‪ .‬تم وضع هذا المشروع‬
‫االصالحي في منتصف الثمانينات‪ ،‬ويتوقع رفع مستوى التعليم وتعميم الوصول إلى البكالوريا‪ ،‬التي‬
‫كانت تشمل حينها فقط ‪ ٪30‬من فئة العمر‪ .‬ويهدف إلى ضمان وصول كل طالب إلى على األقل شهادة‪.‬‬
‫إنه مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي وتعليمي في الوقت نفسه‪ .‬يهدف إلى تقليل البطالة بين‬
‫الشباب‪ ،‬والحد من الهشاشة‪ ،‬وتسهيل التنقل المهني‪ ،‬مع تعزيز تكييف العمال المستقبليين مع تطورات‬
‫العمل‪ .‬نظًر ا ألن البيانات المتاحة تظهر أن حمل الشهادة شرط ضروري للحصول على وظيفة‪ ،‬يسعى‬
‫السلطات العامة إلى تزويد أكبر عدد ممكن من األفراد بها‪ .‬يجب القول إن الشهادة لديها فوائد عدة‪:‬‬
‫إنها ملكية فردية‪ ،‬ثابتة بما أنها تنتمي إلى صاحبها طوال فترة حياته‪ ،‬وال يمكن ألي شخص سحبها‬
‫عنه‪ ،‬ووطنية عندما يتم منحها باسم الدولة‪ .‬من خالل هذه الصفات‪ ،‬تمثل الشهادة حماية فّع الة في‬
‫سوق العمل‪ ،‬على الرغم من أن قيمتها تظل موضوًع ا للتفاوض بين الشخص الذي يحملها والشخص‬
‫الذي يوظفه‪.‬‬
‫ولكن هذا اإلصالح أيًض ا رًد ا على االنتقادات الموجهة إلى المدرسة‪ ،‬مثل تلك التي أعرب عنها بورديو‬
‫وباسيرن بشأن دورها في التكرار االجتماعي‪ .‬يبدأ الحكومة االشتراكية ببرنامج لتوسيع نطاق‬
‫الديمقراطية الذي يؤثر على حد سواء على البكالوريا والتعليم العالي والوصول إلى الشهادة‪ .‬على‬
‫مرأى أول‪ ،‬يظهر هذا البرنامج معادًي ا للطبقات االجتماعية العليا وخصوًص ا قاباًل للكفاءة بقدر ما يفكر‬
‫بالنسب المئوية‪ .‬في قانون التوجيه التربوي لعام ‪ ،1989‬الذي يأخذ هذه النوايا‪ ،‬يكون الرسالة‬
‫واضحة‪" :‬تحدد األمة كهدف لها أن تقود‪ ،‬خالل عشر سنوات‪ ،‬جميع فئة عمرية إلى الحد األدنى من‬
‫مستوى شهادة الكفاءة المهنية أو شهادة الدراسات المهنية و‪ ٪80‬على األقل إلى مستوى البكالوريا‪.‬‬
‫لتحقيق هذه الغايات‪ ،‬هناك حاجة إلى بعض التدابير‪ ،‬مثل إنشاء بكالوريا مهنية في عام ‪ 1985‬للتعليم‬
‫المهني‪ ،‬الذي كان يفتقر إلى بكالوريا حتى ذلك الحين‪ .‬بوجود كل منها خالل فترة قصيرة‪ ،‬تم تحقيق‬
‫العديد من أهداف هذا البرنامج الطموح‪ :‬أصبحت شهادة البكالوريا شائعة‪ ،‬وانتشرت استمرار‬
‫الدراسات في التعليم العالي بشكل واسع‪ ،‬وانتشرت حمل الشهادات‪ .‬لم يكن مستوى التعليم في فرنسا‬
‫وعدد الخريجين الذين يخرجون كل عام من النظام التعليمي أعلى مما هو عليه اليوم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هل‬
‫يمكن تفسير هذه النتائج بمصطلحات إيجابية فقط؟‬
‫‪ .2‬من وعود الشهادة إلى إلزام االعتماد على المهارات‪:‬‬
‫علًم ا أن كل حلقة من حلقات توسيع الديمقراطية في المدرسة ترافقها شكاوى من "انخفاض المستوى‬
‫ومخاوف من تضخم عدد الخريجين"‪ ،‬لنعود هنا على مجموعة من االنتقادات (الكثيرة) الموجهة إلى‬
‫التسليم بشهادة البكالوريا والشهادة منذ الثمانينيات‪ .‬يتعلق األمر بالعودة إلى الجوانب المتناقضة‬
‫لإلجراءات المتخذة وتأثيراتها‪ ،‬وتفكيك بعض األفكار المسبقة‪ .‬لقد كان توسيع الوصول إلى البكالوريا‬
‫والتعليم العالي مفيًد ا لجماهير جديدة‪ ،‬مما يتيح لفئات متزايدة من الطالب من الطبقات الشعبية أن‬
‫تتطلع إلى ما وراء شهادة ختم الكلية أو التعليم المهني القصير (قبل إنشاء البكالوريا المهنية) ومغادرة‬
‫النظام التعليمي في وقت أكثر تأخًر ا‪ .‬على الرغم من أنه استغرق ما يقرب من ثالثة عقود لتحقيق هدف‬
‫‪ ٪80‬على مستوى البكالوريا‪ ،‬تم تحقيق كتلة من الخريجين وبالتالي الطالب في التعليم العالي‪ .‬من‬
‫‪ 1،368،000‬في عام ‪ ،1985‬زاد عدد الطالب إلى أكثر من مليونين عشر سنة الحقة‪ ،‬ليصل اليوم‬
‫إلى ‪ .2،700،000‬تظهر مثل هذه الزيادات فتح مجال اإلمكانيات التي استفادت منها األجيال المولودة‬
‫بعد عام ‪ .1970‬ومع ذلك‪ ،‬تظل هذه الزيادات مدرجة في نموذج التوسيع "التفريقي" الذي تروج له‬
‫سياسات الدولة في فرنسا‪ .‬وبناًء على أصلهم االجتماعي‪ ،‬يتوزع الطالب والطالب بشكل مختلف في‬
‫التخصصات ومستويات التعليم وال يحصلون على نفس الشهادات‪.‬‬
‫رغم أنها اندفعت نحو ديمقراطية التعليم‪ ،‬إال أن ديمقراطية الشهادات لم تظهر بشكل متجانس أو عادل‪.‬‬
‫كمثال على ذلك‪ ،‬يمكننا أن نأخذ شهادة البكالوريا هي مثيرة لالهتمام‪ ،‬حيث يشير إلى أن بكالوريا‬
‫المهنية ُت شكل بشكل رئيسي للشباب من الطبقات االجتماعية الفقيرة‪ ،‬حيث يشجع وزارة التربية على‬
‫متابعة الدراسات في قسم التقنيين العليا‪ ،‬لتقليل مخاطر فشلهم‪ .‬وراء عنوان واحد تكمن العديد من‬
‫الفروق التي يجب فهمها وفك شيفرتها‪ .‬ونظًر ا إلى أن هذا المعرف بعيد عن أن يكون مشترًك ا‪ ،‬يظهر‬
‫توسيع العرض من حيث الشهادات على حد سواء كضمان لتكاثر فرص الوصول إلى التصديق‬
‫وكوسيلة لتكثيف التفاوت‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬يوجد في دعوة إلى امتالك شهادة عامة امتالك شاملة ضغوًط ا متنوعة على الطالب‬
‫واألسر‪ ،‬حيث يسلط الضوء على صعوبات التعلم ويدفع إلى التساؤل المبكر حول "المسارات الجيدة"‬
‫التباعها وحول األوراق المختومة التي قد تكون األكثر فاعلية في سوق العمل‪ .‬تحمل هذه المسؤولية‬
‫الثنائية وجهين‪ :‬إنها تندرج ضمن حركة التقدير للفرد كفاعل في مسيرته‪ ،‬ولكن ُيطلب من هذا الفرد‬
‫كفاعل أن يقوم بعمليات اختيار رشيدة وأن يتجه ويتدرب طوال حياته لضمان قابليته للتوظيف‪ .‬في‬
‫حين أن تمديد فترة الدراسة وانتشار الشهادات يمثالن فرًص ا غير مسبوقة‪ ،‬تدعو هذه الثنائية بين‬
‫االختيار الشخصي والتكليف الجماعي إلى النظر فيها أيًض ا كالتزامات وسلسلة من التحديات لتحملها‪.‬‬
‫يمكن أيًض ا أن تزيد الُب عد األدائي لعمليات التعلم‪ ،‬مع زيادة فعالية االختبارات كونها ُتعرف بالكفاءات‬
‫التي ُتنتجها‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬منذ قانون التحديث االجتماعي في ‪ 17‬يناير ‪ُ ،2002‬أعلنت جميع‬
‫الشهادات بأنها ذات طابع مهني‪ ،‬باستثناء شهادة البكالوريا العامة والشهادة الوطنية للتعليم األساسي‪.‬‬
‫فما هو المكان الذي يتبقى للمعرفة في هذا السياق؟ هل يجب أن ُتستخدم فقط في خدمة الكفاءات؟ هل‬
‫الطالب والطالب هم بشكل رئيسي عمال محتملين؟‬
‫تؤدي هذه الروابط مع العمل إلى طرح سؤال حول قيمة الشهادات‪ :‬هل تتضاءل قيمتها مع تفشيها؟‬
‫على عكس ما يفترض به االعتقاد الُم تأصل‪ ،‬فإن تقليل قيمتها ليس ناتًج ا ميكانيكًي ا عن تضاعف‬
‫حملتها‪ .‬لكي يحدث مثل هذا التقليل‪ ،‬هناك بعض الظروف الضرورية‪ ،‬مثل عدم توازن بين تدفق‬
‫الخريجين وعرض الوظائف المتاحة‪ ،‬ووجود عالقات اجتماعية تخدم مصلحة القائمين بالتوظيف‪ .‬حتى‬
‫وإن كان عدد الطالب قد تضاعف بين عامي ‪ 1960‬و‪ ،1970‬إال أن طرق اندماجهم ومساراتهم‬
‫المهنية لم تتأثر‪ ،‬كانت قوية بما يكفي لتلبية الطلب المتزايد على الخبراء والكوادر على جميع‬
‫المستويات‪ .‬منذ تلك الفترة‪ ،‬تغيرت الحالة االقتصادية وتعرضت لتقلبات ال تنتهي‪ ،‬مما يتسم بحلقات‬
‫من الركود ال ُت ساعد على االعتراف بالشهادات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن هذه الشهادات ليست جميعها في وضع‬
‫متساو‪.‬‬
‫هذه النقاط تدعو إلى التساؤل حول إحدى مقدمات سياسة التصديق‪ :‬تطابق الشهادة والوظيفة‪ .‬لقد‬
‫أظهرت األبحاث العلمية لفترة طويلة طابعها الخيالي‪ ،‬وال تزال التحقيقات التي يجريها مركز الدراسات‬
‫واألبحاث حول المؤهالت تؤكد هذه النتيجة باستمرار‪ .‬يعود ذلك إلى استقالل النظام التعليمي والنظام‬
‫اإلنتاجي‪ ،‬اللذين يمثالن مجالين من األنشطة االجتماعية ذات منطق وجداول زمنية متباينة‪ .‬وباإلضافة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬يطلب قليل من المهن شهادة محددة لممارستها‪ ،‬حيث اختارت فرنسا تمويج سوق العمل‬
‫بشكل معين بعد إلغاء الطوائف المهنية في عام ‪ .1791‬وبالتالي‪ ،‬باستثناء الشهادات المخصصة‬
‫للمهن المنظمة (في مجال الصحة والقانون على سبيل المثال)‪ ،‬ال يمكن ألي شهادة ضمان الوصول إلى‬
‫وظيفة معينة وراتب محدد مسبًق ا‪ .‬أما بالنسبة لمفهوم "احتياجات الشركات"‪ ،‬فقد أظهرت حدوده تحت‬
‫ضغط من حاالت الركود وسياسات الشركات‪ ،‬التي ال تعتمد بشكل أكثر عقالنية مما يفترضه النظرية‬
‫االقتصادية الكالسيكية‪ .‬العالقات بين الشهادات والوظائف موجودة‪ ،‬ولكن بشكل أقل انتظاًم ا مما يوحي‬
‫به الدعوات إلى تحقيق تحول متزايد نحو تحسين المهنية داخل النظام التعليمي‪ .‬إنها تظهر تقلبات‬
‫وتتغير بحسب الوضع االقتصادي والسياق اإلقليمي ومستوى ونوع الشهادة‪ ...‬وحسب األفراد (النوع‪،‬‬
‫العمر‪ ،‬اللقب‪ ،‬وما إلى ذلك)‪ .‬على الرغم من صعوبة التنبؤ بها‪ ،‬فإنها تقدم آفاًقا أكثر انفتاًح ا مما يبدو‪،‬‬
‫حيث تمنح األفراد إمكانية الوصول إلى وظائف لم يعدها تدريبهم خصيًص ا لها‪ ،‬وتغيير المجال المهني‬
‫خالل اكتشافهم لعالم العمل‪ ،‬وبمعنى آخر‪ ،‬التقديم للوظائف التي ال يفترض أن يتوقعها اآلخرون‪ .‬عالوة‬
‫على ذلك‪ ،‬وإذا كان يشمل نحو نصف المبتدئين تجربة البطالة‪ ،‬فإن هذا الوضع مؤقت بالنسبة‬
‫لمعظمهم‪ .‬وكذلك يحدث مع التوظيف غير الثابت‪ :‬على الرغم من كثرته في وقت التوظيف‪ ،‬فإن‬
‫الوظيفة الثابتة ظلت القاعدة‪ .‬ففي عام ‪ ،2017‬سجلت وزارة العمل ‪ ٪88‬من الموظفين بعقود دائمة‬
‫(باستثناء العمل المؤقت)‪ .‬وعلى الرغم من أن قياس إضعاف الشهادات يمكن أن يكون على سوق‬
‫العمل‪ ،‬فإنه يمكن أن ينبع جزئًي ا من المؤسسة التي تمنحها‪ ،‬عندما تقوم بتغيير تعريفها‪ ،‬ومحتواها‪،‬‬
‫وربما مدة إعدادها‪ .‬من خالل تقليل مدة تدريب البكالوريا المهنية من ‪ 4‬إلى ‪ 3‬سنوات والتأكيد على‬
‫هدفها لمتابعة الدراسات‪ ،‬قد أظهرت إصالح المسار المهني في عام ‪ 2009‬تشويش صورة الشهادة‪،‬‬
‫سواء في المؤسسة التعليمية أو في سوق الشغل‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬أدت تحويل البكالوريا إلى المرجع‬
‫األدنى للخروج من النظام التعليم مثل الشهادات المتعلقة بوظائف أو أنشطة مهنية‪ ،‬والتي ال تزال بعيدة‬
‫عن االختفاء على الرغم من ذلك‪ .‬يعود انهيار عدد الخريجين من الدبلوم المهني (‪ )CAP‬والتخلص‬
‫المستمر من الشهادة المهنية المتقدمة (‪ )BEP‬إلى هذه السيطرة المطلقة لشهادة البكالوريا في النظام‬
‫المدرسي‪ ،‬على الرغم من أن محتوى العمل وتنظيم نظام العمل ليس لهما الكثير من العالقة بهذا‬
‫المنطق التعليمي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لم تظل الشركات غير مهتمة بالرسائل التي ترسلها السياسات التعليمية‪:‬‬
‫فقد تم تدريجيًا تشبيه غياب الشهادة بعالمة على قلة التكيف المدرسي واالجتماعي‪ .‬إذا كان الخريجون‬
‫بدون شهادة ُي عتبرون بالنسبة للمؤسسة التعليمية "المتخلفين" ويمثلون فئة معرضة للمخاطر ومشكلة‬
‫اجتماعية‪ ،‬فإنهم يظهرون في أعين أرباب العمل على أنهم مسارين محتملين‪ .‬تظهر األبحاث التي قام‬
‫بها مركز الدراسات واألبحاث حول المؤهالت خالل الثالثين عاًم ا الماضية تصاعد صعوباتهم في‬
‫الوصول إلى الوظائف الثابتة‪ ،‬حيث يمثل البطالة وعدم االستقرار والوظائف الصغيرة والوظائف‬
‫المعونة (بمعنى أنها مدعومة من الحكومة) سماٍت بارزة في سنوات بداية مسار اإلدماج الخاص بهم‪.‬‬
‫مع إنتاج السياسات العامة لمعايير جديدة‪ ،‬أنتجت أيًض ا أشكااًل جديدة من تصنيف األفراد ومحركات‬
‫جديدة لالستبعاد‪ .‬الشهادة ليست مجرد إشارة على الكفاءة ولكنها أيًض ا شهادة لالمتثال‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬إذا‬
‫كانت نسب الوصول إلى شهادة البكالوريا لألجيال األخيرة كبيرة اآلن‪ ،‬فإن تحقيق هدف توجيه ‪٪100‬‬
‫من فئة عمرية إلى شهادة لم يتحقق بعد‪ .‬في حالة كانت حاالت الركود االقتصادي قاسية بشكل خاص‬
‫على غير الحاصلين على الشهادات‪ ،‬تبرز بشكل واضح مسألة مستقبلهم‪.‬‬
‫الــــخــتــام‬

‫إذا استمرت الشهادة في لعب دور فعال في حماية سوق العمل‪ ،‬حتى وإن كان هذا الدور غير متساٍو‬
‫ويعتمد بشكل كبير على التقلبات االقتصادية‪ ،‬فإن ذلك يرجع إلى الضمانات التي يقدمها له الدولة‪.‬‬
‫عندما تتالشى هذه الضمانات‪ ،‬تتالشى أيًض ا الحماية‪ .‬عندما يصر المسؤولون الحكوميون على منح‬
‫الشهادات بشكل واسع من أجل وضع تاريخ تحديد معين مثل االنعزال الذي يفرضه وباء‪ ،‬فإنهم‬
‫يتحملون مخاطر تضعيف اإلشارة التي يرسلها الورق وفقد معناه‪ ،‬مع التأكيد على بعدها اإللزامي‪.‬‬

‫التحليالت النظرية حول التعليم العالي‬

‫المقدمة‬
‫كيف يعمل التعليم العالي وما هي أهدافه؟ إذا كان نقل المعرفة وإنتاجها يحظى بالتوافق داخل المجتمع‬
‫العلمي‪ ،‬فإن األمور تختلف تماًم ا فيما يتعلق باألدوار األخرى التي يجب عليه أداؤها‪ .‬هل يجب عليه‪،‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬نشر المعرفة المفيدة للمجال االقتصادي لدى الطالب‪ ،‬أم ينبغي عليه القيام بذلك فقط‬
‫لنقل المعرفة العلمية؟ قد قامت تيارات فكر مختلفة بتفسير مغزى الدراسات من خالل تسليط الضوء‬
‫على وظيفة التكرار (للقيم المشتركة أو للعالقات االجتماعية المتصادمة) في التعليم العالي‪ .‬في هذا‬
‫السياق‪ ،‬يعمل كنظام حيث ال يلعب الفاعلون دوًر ا كبيًر ا‪ .‬ومن أجل كسر هذا الديترمينيسم‪ ،‬نشأت علم‬
‫اجتماع الفاعل‪ .‬تدخل بذلك الوظيفة الداخلية للمؤسسات ومكانة كل فاعل يشارك في وظيفته في صميم‬
‫التحليالت‪ .‬على مدى خمسين عاًم ا‪ ،‬بنت عدة نظريات كبيرة في حقل علم اجتماع‬
‫حول الدور الذي يلعبه الفرد في المجتمع‪ .‬وتحتل عملية التنشئة‪ ،‬من خالل التعلم‪ ،‬مكانة مركزية في‬
‫نقل القيم والقوانين واألدوار االجتماعية‪ .‬وفًق ا لـ بارسونز وبالط (‪ ،)1973‬يساعد تبني قيم مشتركة‪،‬‬
‫وااللتزام بأيديولوجية الجدارة الفردية‪ ،‬واإليمان بمبدأ المساواة في الفرص في احتواء إحباط‬
‫الخاسرين‪ ،‬حيث يعتقدون أنهم مسؤولون عن حالتهم‪ .‬في الجامعة‪ ،‬تعتبر االستقالل في أداء المهام‬
‫(االستقالل)‪ ،‬واالهتمام باألداء (اإلنجاز)‪ ،‬والعالمية في معايير الحكم (العالمية)‪ ،‬وتحديد نقاط النظر‬
‫(التخصص) معايير تنقلها مؤسسة التعليم العالي‪ .‬باإلضافة إلى دورها في التنشئة‪ ،‬يجب على التعليم‬
‫العالي أيًض ا أداء وظيفة اختيار‪ .‬ولكي ُتقبل هذه األخيرة‪ ،‬يجب أن تقوم على أيديولوجية المساواة في‬
‫الفرص‪ .‬إنه من خالل الجدارة التي تحكم القوانين المفترضة عادلة للمنافسة بين الطالب يظهر أن‬
‫االختيار هو مشروع‪.‬‬
‫في سياق نظري على سبيل المثال‪ ،‬في الواليات المتحدة‪ ،‬تحولت كليات المجتمع طالب األقليات وذوي‬
‫األوضاع المحفوفة بالصعوبات بعيًد ا عن الجامعات مع منحهم األمل الزائف في الوصول إلى الجامعات‪.‬‬
‫الحتواء الفاقدين للتحفيز‪ ،‬يتم تنفيذ آليات تبريد التوقعات أو تخفيضها (‪ cooling out‬أو ‪cooling‬‬
‫‪ )down‬في الجامعات األمريكية خالل جلسات التوجيه‪ .‬في فرنسا‪ُ ،‬يفترض أن لديها هذا النوع من‬
‫التدابير لديها هدًف ا‪ ،‬وهو التخلص التدريجي من الطالب عن طريق تقليص عرض الدراسات والفرص‬
‫المهنية المتناغمة (‪ .)Michaut، 2012‬بشكل عام‪ ،‬تكون الجامعة فّع الة إلى حد كبير في تعليم‬
‫المهارات المهنية والمهارات التقنية التي قد تعزز إنتاجية العمل‪.‬‬
‫ان نظرية كولنز ال تخلو من الشبه مع نظرية "الفلتر" (أو التصفية من خالل التعليم) الُم قدمة من‬
‫اقتصاديين التعليم (أرو‪ )1973 ،‬الذين يستنتجون دوًر ا بارًز ا للتصديق والشهادات‪ .‬تعارض هذه‬
‫النظرية نظرية رأس المال البشري‪ ،‬حيث تعتبر أن التكوينات العليا‪ ،‬وال سيما التعليم الجامعي‪ ،‬تظهر‬
‫طابًع ا عاًم ا جًد ا لتعزيز قدرات األفراد على شغل وظيفة معينة‪ .‬وعلى العكس من ذلك‪ ،‬يقوم النظام‬
‫التعليمي‪ ،‬من خالل االمتحانات واالختبارات والمسابقات المتعددة‪ ،‬بتحديد تدريجي لألفراد ذوي القدرات‬
‫الفكرية المتقدمة وصفات اإلرادة والمثابرة‪ .‬وبهذه الطريقة‪ ،‬تعمل المدرسة وفي وقت الحق التعليم‬
‫العالي كمصفاة تسمح بمرور فقط لألكثر "موهوبين"‪ ،‬والشهادة هي جواز سفر للحصول على أفضل‬
‫الوظائف‪ .‬ولشرح الفوارق االجتماعية في المسارات‪ ،‬يجب مراقبة استراتيجيات التعليم التي يتبعها‬
‫الفئات االجتماعية‪ :‬استراتيجيات إلغاء التحصيل الدراسي (تظهر أساًس ا في بعض الطبقات الشعبية)‪،‬‬
‫استراتيجيات التكامل المدرسي (تتميز‪ ،‬على عكس السابقة‪ ،‬بالتحقق من التصورات المطابقة للمؤسسة‬
‫وأحكامها وتظهر بشكل أساسي في فئات الطبقة المتوسطة المختلفة)‪ ،‬واستراتيجيات التعليم الزائد (تتم‬

You might also like