Professional Documents
Culture Documents
حرية الضمير
حرية الضمير
امللخص:
هل كان المشرّ ع التونسي واعياً بأهمية اإلقرار بضرورة التنصيص على حرية الضمير في دستور
الجمهورية الثانية؟ وهل يع ّد اإلقرار بـحق ّ
كل تونسي في «حرية الضمير» إقراراً بالتعددية الدينية ...؟ وهل
كان التفكير في «حرية الضمير» من أوكد اهتمامات المشرّ ع التونسي؟ وما هي أهم المرجعيات التي ع ّول
عليها المشرّ ع التونسي؟ وما دالالت االستناد إلى تلك المرجعيات؟
هذه األسئلة وغيرها تُع ّد المدار الرئيس الذي ننطلق منه في بسط أهم اإلشكاليات الموصولة بـ»حرية
الضمير في الدستور التونسي الجديد».
ونسعى إلى معالجة هذه اإلشكاليات في مبحثين :نخصص األول للنظر في ح ّد حرية الضمير ومستوياتها
سن الفصل السادس من الدستور ،وما ومجاالتها ،أمّا الثاني ففيه نقف على مرجعيات المشرّ ع التونسي في ّ
انطوى عليه من مآزق تمثّلت باألساس في احتواء الدستور التونسي على تناقضات عديدة .وهو ما يدفع إلى
التساؤل عن أسباب ذلك التناقض ودالالته فيما يتصل بحرية الضمير.
مقدّمة
ّ
تتوطد في الفكر العربي المعاصر ،فال ما انفكت أواصر االعتقاد ّ
بأن الحداثة هي الوجه اآلخر للعلمانية
رقي للعرب والمسلمين إال باالنخراط في التجربة العلمانية التي تؤ ّدي إلى بناء الدولة المدنية ،1وما يترتب
ّ
عليها من إقرار بجملة من الحريات التي تحتفي بالفرد ،2وقد انتهى هذا األمر بالمسلمين إلى الوقوف على
حافة َعال َمين متباعدَين هما التحديث واالتباع (األصالة) ،إنّهما عالمان يختصمان في الوجدان والعقل العربي
وتمزقاً آثارهما واضحة ،ال تخفى على أحد.
ّ المعاصر ،ولم تزد السنون المسلمين إال حيرة
ونحسب ّ
أن مختلف التجارب التي عرفتها البالد العربية منذ نشأة الدولة الوطنية لم تخرج عن هذا األفق،
بما في ذلك التجارب السياسية لدول الربيع العربي .فقد مضت خمس سنوات على «ثورة الياسمين» «ثورة
الحرية والكرامة» التي حملت للتونسيين وللشعوب العربية من الخليج إلى المحيط حلماً عظيماً باالنتماء إلى
األمم المتقدمة التي تتمتع بالديمقراطية وبالقوانين التي تحمي األفراد من سطوة السلطة السياسية وبطشها،
على ّ
أن هذا الحلم الجميل لم يتجاوز حيز القوة إلى حيز الفعل.
وال غرابة في ذلك ،فالتناقضات السياسية بين مختلف الحساسيات ،وتضارب الرؤى حول ثوابت
المشروع الحداثي وأسسه ،ما انفكت تتضاعف في ّ
ظل مستجدات الواقع السياسي والحراك االجتماعي.3
وهو ما عبّر عنه انقسام الشارع التونسي في شأن جملة من القضايا السياسية أهمها اختالف األطياف
السياسية في صياغة مواد الدستور التونسي ومحتوياته.
ولعل مسألة التنصيص على حرية الضمير la liberté de conscienceومدنية الدولة من أكثر
اإلشكاليات التي دار في شأنها الحوار بين مختلف الفرقاء السياسيين في تونس زمن صياغة أبواب الدستور
وفصوله.
وقد بلغ التنازع بين الفرقاء إلى ح ّد تبادل االتهامات التي قامت على ثنائيات (الحداثة /الرجعية ،الدولة
ّ
وكل يزين بضاعته ويذ ّم ما عند اآلخر ،فالتقدميون المدنية /الدولة التيوقراطية ،العلمانية /الحاكمية)... ،
1ـ راجع عبد اللطيف (كمال) :التفكير في العلمانية إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء (المغرب) بيروت
(لبنان) ،2002 ،ص 53وما بعدها
2ـ انظر في عالقة الحداثة بالعلمانية في الفكر العربي الحديث والمعاصر ،كتاب أركون (محمّد) :العَلمَنة والدّين (اإلسالم ،المسيحية ،الغرب) ،ط ،3
دار السّ اقي ،لندن1996 ،
3ـ راجع في أهم تجليات هذه اإلشكاليات الشرفي (عبد المجيد) :الثورة والحداثة واإلسالم (حوار مع كلثوم السعفي حمدة) ،دار الجنوب للنشر والتوزيع،
ط ،1تونس .2011 ،ص ص 72 -71
رأوا في عدم إدراج حرية الضمير ومدنية الدولة التفافاً على مبادئ 18أكتوبر ،20054وفي المقابل اعتبر
أن االعتراف بحرية الضمير ينطوي على تهديد واضح ألسس الدولة ومقوماتها اإلسالميون -وغيرهمّ 5 -
(اإلسالم.)... ،
ونحسب ّ
أن هذه الصراعات قد عبّرت بعمق عن واقع يتجاوز البالد التونسية ليطول الواقع العربي
اإلسالمي ،فالسؤال عن حرية المعتقد ومختلف أشكال حرية الضمير ساد حلقات النّقاش في المجتمعات
العربيّة اإلسالميّة .إذ استقطبت المسألة اهتمام رجال القانون والناشطين في مجال الحريات والمجتمع المدني
ورجال الفكر والثقافة والدين .6...
فالمدافعون عن حريّة الضمير ما فتئوا يع ّدونها من أه ّم تجليّات الحريات الفردية األساسية التي ينبغي ْ
أن
اإلنساني
ّ يتمتّع بها اإلنسان ،ومن آكد حقوقه اإلنسانيّة .وتتأتّى أهميّة حريّة الضمير في تص ّورهم من بعدها
اإلنساني على نحو ما يعبّر عنه الخطاب الفلسفي
ّ المطلق ،إذ يمثّل الضمير الحرّ شرطاً ضروريّاً للوجود
المعاصر ونظريّات القانون وحقوق اإلنسان .فبحريّة الضمير يستطيع المرء ْ
أن ينحت مصيره بنفسه دون
حداثي يكفل حريّة اإلنسان ويحترم اختياراته الفكريّة ،تحقيقاً
ّ ديمقراطي
ّ وصاية من أحد في رحاب مجتمع
لمبادئ إنسانيّة كونيّة مثل الحريّة والمساواة والعدالة 7وعدم التمييز بين النّاس على أساس ال ّدين والعرق
والجنس واللّغة واللّون.
4ـ بسطت هيئة الثامن عشر من أكتوبر للحقوق والحريات المعارضة لنظام زين العابدين بن علي منذ تأسيسها ( )2005للنقاش ثالث قضايا رئيسة
مدارها على "العالقة بين الدولة والدين" و"حرية الضمير والمعتقد" و"حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين" ،ففيما يتعلق بحرية الضمير أقرّ وا بأنّ
"حرية المعتقد والضمير يجب أن تكون مكفولة لكل مواطنة ومواطن ،وهي اختيار شخصي ،ال إكراه فيه ،وتشمل الحق في اعتناق دين أو معتقد أو
عدم اعتناقه والحق في إظهار ذلك الدين أو المعتقد وإقامة شعائره ونشره بالتعليم أو بالدعوة إليه .وال تخضع حريّة الضمير والمعتقد إال للقيود التي
نصوا على ضرورة "االلتزام بالبنود الواردة في المواثيق الدولية والمتصلة بحرية الضمير والمعتقد التي تعتبر جزءاً من حرّ ية
يفرضها القانون" .وقد ّ
الرأي التي تتوقّف عليها سائر الحريات األخرى وركناً من أركان النظام الديمقراطي الحديث وشرطاً من شروط المواطنة.
5ـ تعددت وجوه االعتراض على إدراج "حرية الضمير" ضمن الفصل السادس ،فقامت في القيروان وصفاقس وتونس وقفات احتجاجية ومظاهرات
رافضة لالعتراف بحرية الضمير .وأعلن نوّاب أحزاب عديدة (تيّار المحبّة ،حركة وفاء) رفضهم التصويت على هذا الفصل.
6ـ كثرت في وسائل اإلعالم (المرئي والسمعي والمكتوب) اللقاءات والبرامج الحوارية المتصلة بالمسألة ،ومن أكثر الوجوه ظهوراً في وسائل اإلعالم
خالل تلك الفترة رجل القانون العميد عياض بن عاشور الذي يُع ّد أبرز المدافعين عن حرية الضمير ،الذي كتب في 19/01/2014
حرية الضمير ..هل أصبح التونسي حراً في أن يعتقد ما يشاء؟ راجع http://www.hakaekonline.com/?p=55170
7. Ben Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme, PUF, collection «Proche
Orient» dirigée par Gilles kepel, PUF, Paris, 2011.
وتكفير المتبنّين لهذا الفكر الحرّ .ويُعزى هذا الرفض إلى ارتباط قضيّة حريّة الضمير أش ّد االرتباط بال ّدين
والمق ّدسات.8
ونحن إذا ما تأمّلنا محتوى دستور الجمهوريّة الثانية في تونس المختوم في 26جانفي 2014ألفيناه في
هذا المجال الدستور األكثر جرأة وحداثة في البالد العربيّة المسلمة ،ألسباب عديدة منها ما اتصل بـ»المبادئ
العامة» ،وأهمّها إدراج مسألة حريّة الضمير باعتبارها حرية مكفولة دستورياً ،وذلك في الفصل السادس
من الباب األ ّول.
وقد بدا لنا تخصيص المشرّ ع الفقرة األولى من هذا الفصل لـ»حرية الضمير» مسألة مهمّة يحسن بنا
النظر في دالالتها وأبعادها بالوقوف على أسباب هذا االحتفاء بـ»حريّة الضمير» ،وتبيّن المرجعيّات التي
استند إليها المشرّ ع ،وذلك في قراءة تحليليّة نقديّة للفقرة األولى من الفصل السادس التي أعطى من خاللها
الدستور التونسي حريّة الضمير مشروعية قانونيّة.
فما هو التعريف الواضح لها؟ وهل كان المشرّ ع التونسي واعياً بأهمية اإلقرار بضرورة التنصيص
على حرية الضمير في دستور الجمهورية الثانية؟ وهل يع ّد اإلقرار بـحق ّ
كل تونسي في «حرية الضمير»
إقراراً بالتعددية الدينية ...؟ 9وهل كان التفكير في «حرية الضمير» من أوكد اهتمامات المشرّ ع التونسي؟
وما هي أهم المرجعيات التي ع ّول عليها المشرّ ع التونسي؟ وما دالالت االستناد إلى تلك المرجعيات؟
هذه األسئلة وغيرها تُع ّد المدار الرئيس الذي ننطلق منه في بسط أهم اإلشكاليات الموصولة بـ»حرية
الضمير في الدستور التونسي الجديد».
ونسعى إلى معالجة هذه اإلشكاليات في مبحثين :نخصص األول للنظر في ح ّد حرية الضمير ومستوياتها
سن الفصل السادس من الدستور ،وما ومجاالتها ،أمّا الثاني ففيه نقف على مرجعيات المشرّ ع التونسي في ّ
انطوى عليه من مآزق تمثّلت باألساس في احتواء الدستور التونسي على تناقضات عديدة .وهو ما يدفع إلى
التساؤل عن أسباب ذلك التناقض ودالالته فيما يتصل بحرية الضمير.
8ـ انظر تصريح محمّد صالح الحدري رئيس حزب العدل والتنمية “أساس التفكير في دولة دينها اإلسالم احترام اإلسالم .فكيف يتم بيع الخمر ويشرع
للتبني والميسر في هذه الدولة؟ فقبل تحرير الدستور ال بد من إيضاح هذه المفاهيم ]....[ .وحزبنا اإلسالمي يريد صياغة دستور أساسه الشريعة
اإلسالمية مصدراً أساسياً للتشريع” ،ورد ضمن كتاب حوار وطني حول الدستور وترسيخ الديمقراطية ،منشورات مركز دراسة اإلسالم والديمقراطية
في تونس ،تونس ،ص 6
9. Baubérot (Jean) (1941-…): L’intégrisme républicain contre la laïcité, La Tour d’Aigues, Éditions de l’Aube,
Paris, 2006, p 52. & Vers un nouveau pacte laïque? Seuil, Paris, 1990.
عرّ ف الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان (ديسمبر )1948حرية الضمير بالقول
لـ«كل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ،ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو ّ ّ
إن
عقيدته ،وحرية اإلعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم
نص في الفصلمع الجماعة» .10أمّا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ديسمبر )1966فقد ّ
أن «لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين .ويشمل ذلك حريته في أن يدينالثامن عشر على ّ
بدين ما ،وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره ،وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة
الشعائر والممارسة والتعليم ،بمفرده أو مع جماعة ،وأمام المأل أو على حدة».11
فإن حريّة الضمير هي من الحريات األساسيّة التي تعتبر من مكاسب القيم الكونيّة من هذا المنظورّ ،
الحداثيّة التي تروم تطوير منظومة حقوق اإلنسان وش ّد عودها بإيالء الفرد القيمة الرئيسة ،12وبما ّ
أن
الخاصة ،فهي تعني تحديداً ما يمتلكه
ّ ّ
والحق في الملكيّة تعريفها مرتبط بالقيم الفرديّة والحريّة الشخصيّة
تشكل طبيعة العالقة التيحق في اختيار القيم السلوكيّة واألخالقيّة والفكريّة والمذهبيّة التي ّ
الفرد من ّ
تصله بالحياة واآلخرين على ح ّد السواء .ومن هنا ّ
فإن االختيار الفرديّ للقيم النابع من اإلرادة الذاتيّة ،ومن
القناعة الوجدانيّة الداخليّة هو الذي يمنح الفرد القدرة على تجسيم القيم التي يطمئن إليها ضميره على صعيد
الممارسة العمليّة في استقالل تام عن قيم المجتمع وخياراته.
10ـ انظر بدر الدين (سوسن) :المواثيق والمعاهدات الدولية ،منشورات أفالك ،ط ،1استانبول تركيا ،2015 ،ص 71
11ـ المرجع نفسه ،ص 102
12ـ انظر عبد السالم (رفيق) :تفكيك العلمانية في الدين والديمقراطية ،دار المجتهد للنشر والتوزيع ،ط ،1تونس ،2011 ،الفصل األوّل :الجذور
الفكرية والتاريخية للعلمانية من الباب األوّل في العلمانية.
13ـ المرجع نفسه ،ص 112وما بعدها
14. Ben Achour (Yadh): Droits du croyant et droits de l’homme, Un point de vue islamique islamo -christiana,
Roma, N039, 2008
حريّة مقيّدة بحدود الشريعة أمراً ونهياً وفق ما يرتئيه القائمون مقام هللا والمتكلّمون باسمه من مصالح دنيويّة
تمس حياة المجموعة.15
تمس حياة الفرد مثلما ّ
وأخرويّة ّ
ً
مجاال من حريّة ال ّدين وأشمل منها ،ألنّها تعني الحريّة المطلقة للفرد في يبدو ّ
أن حريّة الضمير أوسع
إعمال عقله وفق ما يرتضيه ،ووفق ما يمليه عليه ضميره الحرّ .16
ّ
المستقل الذي يجترحه الفرد دون ْ
أن يواجه وتأسيساً على ذلك فحريّة الضمير ّ
تدل على السلوك الحرّ
يمس ذلك الفعل الحرّ من ّ
حقه في أن ّمن اآلخرين أيّ شكل من أشكال التمييز والعقاب واإلقصاء ،ودون ْ
المواطنة .وبأوجز عبارة تعني حريّة الضمير الفصل التّام بين اإليمان الذي مجاله الدين والمواطنة التي
مجالها المجتمع والمدنيّة والقانون الوضعي.
إن حريّة الضمير بهذا المعنى تجعل الفرد حرّ اً في اعتناق أيّ دين أو في تغيير دينه أو في عدم االنتساب
ّ
أن يكون عرضة للتكفير والعنف وعقاب القوانين .فحريّة الضمير صنو للحريّة الفرديّة إلى أيّ ديانة ،دون ْ
الموصولة بالقناعات ال ّداخليّة لإلنسان.
ّ
التحكم فيها من طرف اآلخرين، ولمّا كان الضمير شأناً شخصيّاً ّ
فإن صاحبه يمتلك حريّة ذاتيّة يصعب
ألن الضمير يأتمر بأوامر صاحبه ،ويخضع إلى مقتضيات عقله وتفكيره .ومن هنا تصعب السيطرة علىّ
القناعات واألفكار والتص ّورات التي يدين بها الفرد ويعمل على تكريسها سلوكاً وقرارات على صعيد
حقاً دستوريّاً يفرضه ّ
حق المواطنة هي الكفيلة بحماية ما الممارسة العمليّة .لذلك فحريّة الضمير باعتبارها ّ
تخص حياته ومصيره في الكون ورؤيته للحياة االجتماعيّة، ّ أن يتبنّاه أيّ فرد من رؤى وأفكار وقناعات يمكن ْ
كل أشكال الوصاية واإلكراه .فال وصاية كل القيم الفرديّة التي يؤمن بها ويقتنع بها اقتناعاً ذاتيّاً بعيداً عن ّ
أي ّ
ْ
عند أصحاب الضمير الحرّ على العقل والوجدان طالما كان الضمير شأناً فرديّاً محضاً يتمتّع بقدر ال يُستهان
الذاتي.
ّ به من االستقالل
15. Arkoun (Mohamed): ABC de L’Islam pour sortir des clôtures dogmatiques, Grancher, Paris, 2007.
16. Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme,(op cit), Chapitre III « De
l'esprit de justice à l'état de droit ».
أن يحرمه من حقوقه المدنيّة ومن التمتّع تص ّورات حول الوجود والمصير والحياة والمجتمع ال ينبغي ْ
بمواطنته كاملة ،فال يُعاقب أو يُقصى أو يُسلّط عليه العنف بمختلف أشكاله من أجل قناعاته الفكريّة النابعة
االجتماعي وقوانين الدولة التي يعيش
ّ من ضميره الحرّ وحريّته الشخصيّة التي ال ته ّدد األمن العام والسلم
في كنفها ،ويحترم ما جاء في دستورها.
أن المقارن بين بعض فصول الدستور التونسي يلحظ وجود جملة من النصوص التي تقلّص من على ّ
حيز حرية الضمير وتح ّد منها ،وتضع بعض األفراد المتمتعين بهذا الحق في موضع المواطن من درجة
ثانية ،ففي الفصل الرابع والسبعين من الباب الرابع ،السلطة التنفيذية ،نقرأ« :الترشح لمنصب رئيس
الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الوالدة ،دينه اإلسالم».
فليس من ّ
حق التونسي اليهودي أو التونسي الملحد - ....بمقتضى النص القانوني -الترشح للرئاسة،
أن ذلك يق ّوض األسس التي قام عليها الفصل السادس .أضف إلى ذلك وجود نصوص أخرى (الفصل ونق ّدر ّ
خصت التونسي المسلم أو المؤمن -دون الملحد -بالتمتّع بالمناصب الموصولة الثامن والخمسينّ ).... ،
بالسلط الثالث (ن ّواب الشعب ،رئاسة الحكومة.17).... ،
أس المواطنة فيها االنتماء إلى تونس ،بطريقة تجعل من المساواة بين
فهل نحن إزاء دولة مدنية ّ
التونسيين في الحقوق والواجبات المعيار الوحيد ،أم نحن إزاء دولة تميّز بين مواطنيها بناء على انتماءاتهم
الدينيّة؟.
- 2حر ّية الضمري يف الدستور التونيس الجديد :بحث يف املرجع ّيات والدالالت
شهدت منظومة حقوق اإلنسان في الوقت الرّ اهن تط ّوراً كبيراً .فلم تعد مقتصرة على الحقوق والحرّ يات
ّ
الحق في الحياة والتعليم والصحّ ة والعمل األساسيّة المنتشرة في األدبيّات القانونيّة والسياسيّة التقليديّة مثل
وحريّة التفكير والتّعبير ،بل اتّسع مجالها ليطول حريّات هي من ثمار الحداثة ،وما بعد الحداثة من قبيل حريّة
السلمي وحريّة الصحافة وحريّة المعتقد وحريّة الضمير ....
ّ التظاهر
ولم تكن البلدان العربيّة بمعزل عن هذه التط ّورات الهائلة الطارئة على منظومة حقوق اإلنسان في العالم
وعلى مضامين دساتير الدول الديمقراطيّة التقدميّة .إذ هبّت عليها بشكل أو بآخر رياح هذا التغيير الذي
عرفته منظومة حقوق اإلنسان في الديار الغربيّة على وجه الخصوص.
17ـ انظر مطلع نصوص القسم المعتمد للنوّاب ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية التي تبدأ بـ" :أقسم باهلل العظيم ”….راجع الفصل الثامن
والخمسين والفصل السادس والسبعين والفصل التاسع والثمانين من دستور الجمهورية التونسيّة ،المطبعة الرسمية ،تونس 2014
ً
تفاعال مع ويُعتبر دستور الجمهوريّة التونسيّة ( )2014في مستوى المحتوى من أكثر الدساتير العربيّة
تط ّورات منظومة حقوق اإلنسان في العالم وتأثّراً بها.
التونسي هذه اإلفادة من مكاسب حقوق اإلنسان فيّ وقد ترجمت الصياغة النهائيّة لفصول الدستور
تتصل بالحريّة وحقوق
أن بعض الفصول تحتوي على نزعة تقدميّة ّ الثقافات الكونيّة .وعلى هذا األساس نرى ّ
اإلنسان نق ّدر أنّها حقيقة بال ّدراسة والتحليل ،مثل الفصل السادس من الباب األ ّول «األحكام العامة» الذي
أسيسي وصياغته وبعد الموافقة النهائيّة عليه مجادالت عديدة في
ّ أثار أثناء مناقشته في المجلس الوطني التّ
األوساط السياسيّة والدينيّة واالجتماعية في تونس وخارجها.
في الفقرة األولى من هذا الفصل نقرأ« :الدولة راعية للدين ،كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة
الشعائر الدينية» ،18ففي هذه الفقرة ت ّم التنصيص بطريقة صريحة ال لبس فيها على عبارة «حريّة الضمير»
ً
مستقال بذاته ً
فصال التونسي
ّ تونسيْ ،
وإن لم يفرد المشرّ ع ّ تتكفل الدولة بضمانها ّ
لكل مواطن باعتبارها حريّة ّ
الحق الدستوري ،إذ أدرجه المشرّ ع في جملة من الحريّات تسهر الدولة على رعايتها وتأمينها ّ يتعلّق بهذا
السادس الذي نعتمده منطلقاً لقراءة مسألة حريّة الضمير
فإن الجزء األول من الفصل ّ لألفراد المنتسبين إليهاّ .
ّ
الحق والمؤسسات تمتلك
ّ والسلط
ّ أن الدولة لِ َك ْونها جملة من األجهزة
نص على ّ
في دستور تونس الجديد ّ
وحدها في رعاية ال ّدين الذي هو اإلسالم ،بالنظر إلى ّ
أن الفصل األ ّول من الباب األول :المبادئ العامة من
بأن «تونس دولة ح ّرة ،مستقلّة ،ذات سيادة ،اإلسالم دينها ،والعربية لغتها ،والجمهورية الدستور أقرّ ّ
نظامها».19
ولئن كانت بعض الكتل السياسيّة والحقوقيّة مثل حزب «التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحرّ يات»
وحزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة» و»الحزب الجمهوريّ » وحزب «حركة وفاء» تتفهّم ّ
حق التفهّم
رغبة األحزاب ذات المرجعيّة الدينيّة في الحصول في الدستور الجديد على أقصى الضمانات القانونيّة
ألداء واجباتها الدينيّة وممارسة شعائرها العقائديّة دون مراقبة ومضايقة وخوف في كنف الحريّة ،فإنّها في
المقابل ال توافق هذه األحزاب اإلسالميّة (النهضة ،حزب العدالة والتنمية )... ،على تقييد حريّة اآلخرين
مجتمعي عليهم بالق ّوة واإلكراه .لذلك لم تجد الالئحة المذكورة آذاناً صاغية .وتمّت
ّ وكبتها وفرض نمط عيش
السادس من مشروع الدستور دون إدخال التغييرات التي تق ّدم بها بعض
المصادقة النهائيّة على الفصل ّ
نص الفصل المذكور.
الن ّواب المنادين بحذف عبارة «حريّة الضمير» من ّ
ً
شكال من أشكال االنتصار للحريّة قطعت تونس خطوة مهمّة نحو إقرار حريّة الضمير باعتبارها
والديمقراطيّة وقيم المواطنة باالنخراط الواعي في منظومة حقوق اإلنسان الكونيّة.
شكل إدراج عبارة «حريّة الضمير» في دستور تونس الجديد أ ّم المعارك بين دعاة التق ّدم وهكذا ّ
ّ
المثقفة ذات المرجعيّة العلمانيّة التي تؤمن بضرورة والديمقراطيّة والحريّة وحقوق اإلنسان ،وهم من النخب
الفصل بين ال ّدين والدولة (رجال قانون وحقوق ،محامون وقضاة ،جامعيون ،نقابيون ،نشطاء في المجتمع
أس الدستور ،وهم
المدني ،سياسيون )... ،وبين المحافظين المنادين بتطبيق الشريعة اإلسالميّة واعتبارها ّ
ّ
اإلسالمي األعلى ،مفتي الجمهوريّة ،وزير الشؤون الدينيّة نور الدين الخادمي
ّ رجال الدين (رئيس المجلس
في حكومة حمّادي الجبالي.)... ،
حقاً
وعلى هذا النّحو كان رفض الالئحة وإقرار حريّة الضمير في الدستور التونسي الجديد بصفة نهائيّة ّ
دستوريّاً يتمتّع به ّ
كل مواطن تونسي ،تكفله له الدولة بسلطة القانون انتصاراً لقيم الحريّة والحداثة والمدنيّة
21ـ قام الدستور الجديد على تداخل بين النزعة اإلسالمية والنزعة المدنية ،وهو ما يعبّر بعمق عن تعدد االنتماءات السياسية لألحزاب المشكلّة للمجلس
التأسيسي ،وقد تجلّى هذا التداخل في المصطلحات والمفاهيم ،وال غرابة في ذلك ،فمن المعلوم أنّ الدستور التونسي قد قام على توافقات سياسية ،وذلك
في تقدير السبب في اجتماع المتناقضات في نصوص الدستور.
ولحظة قطيعة عن ّ
كل أشكال القمع واالستبداد وأحاديّة الرّ أي وإكراه َ ومكاسب الثقافة الكونيّة المعاصرة
أن يخرجالمدني للمشروع الذي يريد ّْ النّاس على ّ
الطاعة العمياء للدولة باسم ال ّدين .فقد تص ّدى المجتمع
السياسي
ّ سياسي زمن حكم زين العابدين بن علي إلى ضرب جديد من االستبداد والتغ ّول ّ تونس من استبداد
تحت مظلّة ال ّدين ومبادئ الشريعة اإلسالميّة ّ
ألن الفكر التقليديّ القائم على النقل والتوارث ال يمكن ْ
أن ينتج
يوفر مناخاً ديمقراطيّاً يساعد على تكريس قيم الحريّة واالبتكار
أن ّ
االجتهاد واإلبداع والحداثة ،وليس بوسعه ْ
السياسي اإلسالمويّ ّ
يفكر في قضايا الرّ اهن بمرآة الماضي التي لم تعد صالحة ّ العلمي نظراً إلى ّ
أن ّ والتق ّدم
لرؤية مستجّ دات الحياة المعاصرة في المجتمعات العربيّة المسلمة.22
إن المرجعيّات الرئيسة التي أثّرت بشكل واضح في اقتراح حريّة الضمير في الدستور التونسي ماثلة ّ
في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ،وفي العهد الدولي المتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة .فالناظر في
أن يالحظ مدى إفادة المشرّ ع التونسيعشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ال يضنيه َْ الفصل الثامنَ
أن ديباجة الفصل السادس منمن هذا الفصل في دسترة حريّة الضمير في دستور الجمهوريّة الثانية .ذلك ّ
ّ
الحق ركز تركيزاً واضحاً على
دستور تونس مستل َهمة من روح الفصل الثامن عشر -المذكور أعاله ـ الذي ّ
ّ
الحق في الشخصي الذي يمتلكه أيّ إنسان في العالم في تبني المعتقد والدين أو في إمكانيّة تغييرهما ،مثلما له
ّ
الحق في تقرير مصيره وانتهاجّ عدم االعتقاد أو اإليمان بأيّ ديانة أو مذهب .لذلك تكفل له حريّة الضمير
سلوك في الحياة ينبع من قناعاته الذاتيّة.
اإلنساني على
ّ إن حريّة الضمير في الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان تقيم الكيان ّ
أسس تالئم خصاله البشريّة المتفرّ دة بوصفه الكائن الوحيد العاقل والناطق والمفكرّ الذي يتمثّل الكون تمثّ ً
ال
لغويّاً ورمزيّاً ،وهذه الخصال تدفع به نحو اإلبداع وتقرير مصيره في الوجود بنفسه دون الخضوع للوصاية
وسياسة القطيع والتبعيّة واالرتهان لمشيئة اآلخر أو قوى غيبيّة مفارقة.
22ـ راجع أركون (محمّد) :من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ...أين هو الفكر اإلسالمي المعاصر ،ترجمة وتعليق هاشم صالح ،دار الساقي ،ط ،3
ببيروت لبنان2006 ،
23. Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), ABC, N06, Genève, 2015
فعلى هذه السبيل وجّ هت المرجعيّات الحقوقيّة العالميّة توجيهاً كبيراً دسترة حريّة الضمير في تونس ما
المدني للدولة وحفاظاً على مكاسب الحداثة والعلمانيّة التي ميّزت تونس بدءاً من
ّ بعد الثورة تجسيماً للطابع
ً
وصوال إلى بناء الدولة الوطنيّة العصريّة على مبادئ وقيم كونيّة تؤمن بالحريّة واحترام اآلخر االستقالل
السلمي معه.
ّ والتعايش
نص العنصر الثالث من الفصل الثامن عشر على أنّه ال يجوز إخضاع حرية اإلنسان في إظهار دينه أو معتقده ،إال للقيود التي يفرضها القانون
24ـ ّ
والتي تكون ضرورية لحماية السالمة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب العامة أو حقوق اآلخرين وحرياتهم األساسي ”..انظر بدر
الدين (سوسن) :المواثيق والمعاهدات الدولية( ،سبق ذكره) ،ص 102
إلى جانب المرجعيّات الرئيسة المذكورة التي كان لها عظيم الفضل على دسترة حريّة الضمير في
ّ
الحق تشريع تونس ما بعد الثورة ،يجد ال ّدارس مشارب أخرى كونيّة أسهمت إلى ح ّد كبير في تنصيص هذا
العلماني شجّ عت
ّ في دستور تونس الجديد .ولعلّنا ال نبالغ في شيء إذا قلنا ّ
إن بعض دساتير الدول ذات الطابع
التونسي
ّ التأسيسي
ّ الوطني
ّ كل التشجيع أنصار الحريّة والديمقراطيّة وحقوق اإلنسان من أعضاء المجلس ّ
نهائي.
ّ على ال ّدفاع عن هذه الحريّة اإلنسانيّة حتّى تقع دسترتها بشكل
التونسي الجديد مستم ّدة من أبعاد الفصل األ ّول من دستور فرنسا
ّ السادس من الدستور
فروح الفصل ّ
ينص على الطابع
األساسي بين جميع أفراد الشعب ،مثلما ّ
ّ ينص على مبدأ الجمهوريّة بوصفها الرّ ابط
الذي ّ
الديمقراطي الذي يؤمّن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز بينهم بسبب األصل
ّ الالئكي
ّ
والعرق وال ّدين مع احترام جميع المعتقدات وضمان حريّة الضمير تبعاً لذلك.
****
25. Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), (op cit).
نص الفصل الرابع والعشرون من الباب الثاني لحقوق الفرد وواجباته من الدستور التركي على أنّ "لكل فرد الحق في حرية الضمير والمعتقد 26ـ ّ
الديني والقناعة .وتجري أعمال العبادة ،والخدمات الدينية ،واالحتفاالت بحريّة [ ]...وال يجوز إجبار أحد على العبادة ،أو المشاركة في االحتفاالت
الدينية والطقوس ،أو على الكشف عن المعتقدات الدينية والقناعات ،أو توجيه اللوم أو االتهام بسبب معتقداته الدينية وقناعاته" .الدستور التركي ،تعريب
سمية المحفوظي ،مركز الدراسات السياسية واالقتصادية ،واشنطن الواليات المتحدة األمريكية2015 ،
وعملنا في غضون تحليل الفصل السادس من الدستور على استخالص المرجعيّات القانونيّة األصليّة
التونسي ما بعد الثورة .فأ ّدى بنا
ّ والفرعيّة التي أثرت بشكل مباشر في دسترة حريّة الضمير في التشريع
التأسيسي من معاهدات وإعالنات دولية.
ّ الوطني
ّ النظر إلى الوقوف على مدى إفادة المجلس
إن األساس الذي اعتمد عليه مؤلّفو الدستور التونسي غير واضح ،فال هم استطاعوا ْ
أن يجعلوا من ّ
«دستور الجمهورية الثانية» ترجمان رغبة في االنفتاح على القيم الكونية ،وال هم جعلوه وفيّاً ألسس الدولة
الدينية.
وفي هذا المقام نتساءل :أنّى لنا االستناد إلى القيم الكونية ،ونحن لم نشارك في صياغتها؟ كيف ننطلق
من قيم لم نؤسس لها؟
إن االنخراط في القيم الكونية ال يكون بإقرار مبادئ أو تدوين فصول في الدستور تعترف بقيم الحرية ّ
ّ
يتجزأ من بنية الوعي الجمعي ،وال الدينية والتعدد الثقافي ،فال مجال العتمادها سنداً ما لم تصبح جزءاً ال
ً
فاعال في صياغة المنظومة الكونية يتسنّى لنا ذلك ما لم نحدد الهدف الذي نروم بلوغه ،وما لم نكن طرفاً
27
لألخالق والقيم ،ونحسب أنّه ال قيمة اليوم للبحث في علمانية اإلسالم ومظاهر الحرية في القرآن الكريم
ما لم ينهض هذا المبحث بوظائف عديدة منها التأسيس لمبدأ االختالف ،باعتباره أصل الوجود وسرّ الخلق
والتكليف اإللهي ،وطالما بقي البحث في مظاهر االنفتاح اإلسالمي عن اآلخر وإقراره مبادئ الحرية الدينية
كل قول يظل -في تقديرنا -محاولة احتواء الواقع المعيش بمختلف فإن ّ
والفكرية بمنأى عن هذا الهدفّ ،
تعقيداته ،دون االنغماس فيه أو تبيّن ما يفرضه ذلك الواقع من ضرورة االنفتاح على المغاير فكرياً وثقافياً،
ذلك أنّه ال قيمة أليّ نص قانوني يعترف بحرية الضمير أوغيرها ،...ما لم يكن مبنيّاً على وعي عميق
بجدلية «اإلسالم وفكر حقوق اإلنسان» ،أو الوعي بأنّنا نحيا في عالم متعدد األعراق والثقافات واألهواء،
وأن ّ
وحق االختالف Différenceعماد الحياةّ ، ّ
وأن األصل في األشياء االعتراف بالتعدد ،فالتن ّوع الثقافي
الكونية ال تتجلّى في المماثلة ،وإنّما في المغايرة التي ال تؤ ّدي إلى محو الهويّة Identitéبقدر ما ّ
توطد
أركانها.
وهي قيم نق ّدر أنّها أه ّم مميّزات خطاب «ما بعد الحداثة» Post- modernitéالذي فتح الباب على
28
مصراعيه أمام اإلنسان باعتباره محور الحياة والوجود.
وال يتسنى لنا إدراك جوهر اإلنسان ما لم نتأمّل وضعه االجتماعي ،وهو ما يدعو إلى ضرورة التمييز
بين الرؤية التقليدية للكائن اإلنسان ،والرؤية اإلسالمية التي تنطوي على تأكيد واضح على حقوق الكائن
أن النصوص القانونية ال ّ
توفر المساواة والحرية التي ال ترتقي إلى مرتبة الحقيقة االجتماعية اإلنسان .ذلك ّ
ً
أصال للوجود البشري. حقاً دستورياً بل باعتبارها
ما لم يرافقها وعي بضرورة وجودها ،ال باعتبارها ّ
تحث على حرية االعتقاد ،ومن أهم اآليات "لاَ إِكۡ رَ ا َه فِي ٱلدِّينِ قَد تَّ َبيَّنَ ٱلرُّ ۡش ُد مِنَ
27ـ عوّل القائلون بهذا الرأي على ما جاء في القرآن الكريم من آيات ّ
ٱلۡ غَيِّۚ » (البقرة )256/2و»مَنْ شَ ا َء َف ْليُؤْ مٍنْ َومَنْ شَ ا َء َف ْل َي ْكفُرْ » (الكهف )18/29
28ـ راجع بوحديبه (عبد الوهّ اب) :اإلنسان في اإلسالم ،ط ،1دار الجنوب للنشر ،تونس2007 ،
- Arkoun (Mohamed): ABC de L’Islam pour sortir des clôtures dogmatiques, Grancher, Paris, 2007
- Baubérot (Jean): Vers un nouveau pacte laïque ?, Seuil, Paris, 1990.
Baubérot (Jean): L’intégrisme républicain contre la laïcité, La Tour d’Aigues, Éditions de l’Aube,
Paris, 2006.
- Ben Achour (Yadh): Droits du croyant et droits de l’homme, Un point de vue islamique, islamo
-christiana, Roma, N039, 2008
- Ben Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme, PUF,
collection «Proche Orient» dirigée par Gilles kepel, PUF, Paris, 2011,
- Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), ABC, N06, Genève,
2015
Mominoun
@ Mominoun_sm
info@mominoun.com
www.mominoun.com