You are on page 1of 17

‫حريّة الضمير في الدستور التونسي الجديد‬

‫بين دواعي االنفتاح على القيم اإلنسانيّة‬


‫وسلطة المرجع الثقافي‬

‫محمد يوسف إدريس‬


‫ّ‬
‫باحث تونسي‬
‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫امللخص‪:‬‬

‫هل كان المشرّ ع التونسي واعياً بأهمية اإلقرار بضرورة التنصيص على حرية الضمير في دستور‬
‫الجمهورية الثانية؟ وهل يع ّد اإلقرار بـحق ّ‬
‫كل تونسي في «حرية الضمير» إقراراً بالتعددية الدينية ‪...‬؟ وهل‬
‫كان التفكير في «حرية الضمير» من أوكد اهتمامات المشرّ ع التونسي؟ وما هي أهم المرجعيات التي ع ّول‬
‫عليها المشرّ ع التونسي؟ وما دالالت االستناد إلى تلك المرجعيات؟‬

‫هذه األسئلة وغيرها تُع ّد المدار الرئيس الذي ننطلق منه في بسط أهم اإلشكاليات الموصولة بـ»حرية‬
‫الضمير في الدستور التونسي الجديد»‪.‬‬

‫ونسعى إلى معالجة هذه اإلشكاليات في مبحثين‪ :‬نخصص األول للنظر في ح ّد حرية الضمير ومستوياتها‬
‫سن الفصل السادس من الدستور‪ ،‬وما‬ ‫ومجاالتها‪ ،‬أمّا الثاني ففيه نقف على مرجعيات المشرّ ع التونسي في ّ‬
‫انطوى عليه من مآزق تمثّلت باألساس في احتواء الدستور التونسي على تناقضات عديدة‪ .‬وهو ما يدفع إلى‬
‫التساؤل عن أسباب ذلك التناقض ودالالته فيما يتصل بحرية الضمير‪.‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪2‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫مقدّمة‬
‫ّ‬
‫تتوطد في الفكر العربي المعاصر‪ ،‬فال‬ ‫ما انفكت أواصر االعتقاد ّ‬
‫بأن الحداثة هي الوجه اآلخر للعلمانية‬
‫رقي للعرب والمسلمين إال باالنخراط في التجربة العلمانية التي تؤ ّدي إلى بناء الدولة المدنية‪ ،1‬وما يترتب‬
‫ّ‬
‫عليها من إقرار بجملة من الحريات التي تحتفي بالفرد‪ ،2‬وقد انتهى هذا األمر بالمسلمين إلى الوقوف على‬
‫حافة َعال َمين متباعدَين هما التحديث واالتباع (األصالة)‪ ،‬إنّهما عالمان يختصمان في الوجدان والعقل العربي‬
‫وتمزقاً آثارهما واضحة‪ ،‬ال تخفى على أحد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المعاصر‪ ،‬ولم تزد السنون المسلمين إال حيرة‬

‫ونحسب ّ‬
‫أن مختلف التجارب التي عرفتها البالد العربية منذ نشأة الدولة الوطنية لم تخرج عن هذا األفق‪،‬‬
‫بما في ذلك التجارب السياسية لدول الربيع العربي‪ .‬فقد مضت خمس سنوات على «ثورة الياسمين» «ثورة‬
‫الحرية والكرامة» التي حملت للتونسيين وللشعوب العربية من الخليج إلى المحيط حلماً عظيماً باالنتماء إلى‬
‫األمم المتقدمة التي تتمتع بالديمقراطية وبالقوانين التي تحمي األفراد من سطوة السلطة السياسية وبطشها‪،‬‬
‫على ّ‬
‫أن هذا الحلم الجميل لم يتجاوز حيز القوة إلى حيز الفعل‪.‬‬

‫وال غرابة في ذلك‪ ،‬فالتناقضات السياسية بين مختلف الحساسيات‪ ،‬وتضارب الرؤى حول ثوابت‬
‫المشروع الحداثي وأسسه‪ ،‬ما انفكت تتضاعف في ّ‬
‫ظل مستجدات الواقع السياسي والحراك االجتماعي‪.3‬‬
‫وهو ما عبّر عنه انقسام الشارع التونسي في شأن جملة من القضايا السياسية أهمها اختالف األطياف‬
‫السياسية في صياغة مواد الدستور التونسي ومحتوياته‪.‬‬

‫ولعل مسألة التنصيص على حرية الضمير ‪ la liberté de conscience‬ومدنية الدولة من أكثر‬
‫اإلشكاليات التي دار في شأنها الحوار بين مختلف الفرقاء السياسيين في تونس زمن صياغة أبواب الدستور‬
‫وفصوله‪.‬‬

‫وقد بلغ التنازع بين الفرقاء إلى ح ّد تبادل االتهامات التي قامت على ثنائيات (الحداثة‪ /‬الرجعية‪ ،‬الدولة‬
‫ّ‬
‫وكل يزين بضاعته ويذ ّم ما عند اآلخر‪ ،‬فالتقدميون‬ ‫المدنية‪ /‬الدولة التيوقراطية‪ ،‬العلمانية‪ /‬الحاكمية‪)... ،‬‬

‫‪1‬ـ راجع عبد اللطيف (كمال)‪ :‬التفكير في العلمانية إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء (المغرب) بيروت‬
‫(لبنان)‪ ،2002 ،‬ص ‪ 53‬وما بعدها‬
‫‪2‬ـ انظر في عالقة الحداثة بالعلمانية في الفكر العربي الحديث والمعاصر‪ ،‬كتاب أركون (محمّد)‪ :‬العَلمَنة والدّين (اإلسالم‪ ،‬المسيحية‪ ،‬الغرب)‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫دار السّ اقي‪ ،‬لندن‪1996 ،‬‬
‫‪3‬ـ راجع في أهم تجليات هذه اإلشكاليات الشرفي (عبد المجيد)‪ :‬الثورة والحداثة واإلسالم (حوار مع كلثوم السعفي حمدة)‪ ،‬دار الجنوب للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬تونس‪ .2011 ،‬ص ص ‪72 -71‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪3‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫رأوا في عدم إدراج حرية الضمير ومدنية الدولة التفافاً على مبادئ ‪ 18‬أكتوبر ‪ ،20054‬وفي المقابل اعتبر‬
‫أن االعتراف بحرية الضمير ينطوي على تهديد واضح ألسس الدولة ومقوماتها‬ ‫اإلسالميون ‪ -‬وغيرهم‪ّ 5 -‬‬
‫(اإلسالم‪.)... ،‬‬

‫ونحسب ّ‬
‫أن هذه الصراعات قد عبّرت بعمق عن واقع يتجاوز البالد التونسية ليطول الواقع العربي‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فالسؤال عن حرية المعتقد ومختلف أشكال حرية الضمير ساد حلقات النّقاش في المجتمعات‬
‫العربيّة اإلسالميّة‪ .‬إذ استقطبت المسألة اهتمام رجال القانون والناشطين في مجال الحريات والمجتمع المدني‬
‫ورجال الفكر والثقافة والدين ‪.6...‬‬

‫وفي هذا السياق نو ّد اإلشارة إلى ّ‬


‫أن الجدل الواسع حول «حرية الضمير» قد تعلق بماهية «حرية‬
‫الضمير» ومستوياتها من جهة‪ ،‬وعمّا إذا كانت من الحريات األساسية من جهة أخرى‪.‬‬

‫فالمدافعون عن حريّة الضمير ما فتئوا يع ّدونها من أه ّم تجليّات الحريات الفردية األساسية التي ينبغي ْ‬
‫أن‬
‫اإلنساني‬
‫ّ‬ ‫يتمتّع بها اإلنسان‪ ،‬ومن آكد حقوقه اإلنسانيّة‪ .‬وتتأتّى أهميّة حريّة الضمير في تص ّورهم من بعدها‬
‫اإلنساني على نحو ما يعبّر عنه الخطاب الفلسفي‬
‫ّ‬ ‫المطلق‪ ،‬إذ يمثّل الضمير الحرّ شرطاً ضروريّاً للوجود‬
‫المعاصر ونظريّات القانون وحقوق اإلنسان‪ .‬فبحريّة الضمير يستطيع المرء ْ‬
‫أن ينحت مصيره بنفسه دون‬
‫حداثي يكفل حريّة اإلنسان ويحترم اختياراته الفكريّة‪ ،‬تحقيقاً‬
‫ّ‬ ‫ديمقراطي‬
‫ّ‬ ‫وصاية من أحد في رحاب مجتمع‬
‫لمبادئ إنسانيّة كونيّة مثل الحريّة والمساواة والعدالة‪ 7‬وعدم التمييز بين النّاس على أساس ال ّدين والعرق‬
‫والجنس واللّغة واللّون‪.‬‬

‫اإلنساني ما يزال التنصيص عليها‬


‫ّ‬ ‫وبسبب من طابعها المذكور القائم على الحريّة المطلقة للوجدان‬
‫في منظومة قوانين البلدان العربيّة اإلسالميّة يُجا َبه بكثير من المراء والرّ فض‪ .‬لذلك ّ‬
‫فإن تمكين الفرد من‬
‫التمتّع بها تمام التمتّع في المجتمعات العربيّة المسلمة يبقى أمراً خالفيّاً يُواجه في أغلب األحوال بالمنع‬

‫‪4‬ـ بسطت هيئة الثامن عشر من أكتوبر للحقوق والحريات المعارضة لنظام زين العابدين بن علي منذ تأسيسها (‪ )2005‬للنقاش ثالث قضايا رئيسة‬
‫مدارها على "العالقة بين الدولة والدين" و"حرية الضمير والمعتقد" و"حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"‪ ،‬ففيما يتعلق بحرية الضمير أقرّ وا بأنّ‬
‫"حرية المعتقد والضمير يجب أن تكون مكفولة لكل مواطنة ومواطن‪ ،‬وهي اختيار شخصي‪ ،‬ال إكراه فيه‪ ،‬وتشمل الحق في اعتناق دين أو معتقد أو‬
‫عدم اعتناقه والحق في إظهار ذلك الدين أو المعتقد وإقامة شعائره ونشره بالتعليم أو بالدعوة إليه‪ .‬وال تخضع حريّة الضمير والمعتقد إال للقيود التي‬
‫نصوا على ضرورة "االلتزام بالبنود الواردة في المواثيق الدولية والمتصلة بحرية الضمير والمعتقد التي تعتبر جزءاً من حرّ ية‬
‫يفرضها القانون"‪ .‬وقد ّ‬
‫الرأي التي تتوقّف عليها سائر الحريات األخرى وركناً من أركان النظام الديمقراطي الحديث وشرطاً من شروط المواطنة‪.‬‬
‫‪5‬ـ تعددت وجوه االعتراض على إدراج "حرية الضمير" ضمن الفصل السادس‪ ،‬فقامت في القيروان وصفاقس وتونس وقفات احتجاجية ومظاهرات‬
‫رافضة لالعتراف بحرية الضمير‪ .‬وأعلن نوّاب أحزاب عديدة (تيّار المحبّة‪ ،‬حركة وفاء) رفضهم التصويت على هذا الفصل‪.‬‬
‫‪6‬ـ كثرت في وسائل اإلعالم (المرئي والسمعي والمكتوب) اللقاءات والبرامج الحوارية المتصلة بالمسألة‪ ،‬ومن أكثر الوجوه ظهوراً في وسائل اإلعالم‬
‫خالل تلك الفترة رجل القانون العميد عياض بن عاشور الذي يُع ّد أبرز المدافعين عن حرية الضمير‪ ،‬الذي كتب في ‪19/01/2014‬‬
‫حرية الضمير‪ ..‬هل أصبح التونسي حراً في أن يعتقد ما يشاء؟ راجع ‪http://www.hakaekonline.com/?p=55170‬‬
‫‪7. Ben Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme, PUF, collection «Proche‬‬
‫‪Orient» dirigée par Gilles kepel, PUF, Paris, 2011.‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪4‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫وتكفير المتبنّين لهذا الفكر الحرّ ‪ .‬ويُعزى هذا الرفض إلى ارتباط قضيّة حريّة الضمير أش ّد االرتباط بال ّدين‬
‫والمق ّدسات‪.8‬‬

‫ونحن إذا ما تأمّلنا محتوى دستور الجمهوريّة الثانية في تونس المختوم في ‪ 26‬جانفي ‪ 2014‬ألفيناه في‬
‫هذا المجال الدستور األكثر جرأة وحداثة في البالد العربيّة المسلمة‪ ،‬ألسباب عديدة منها ما اتصل بـ»المبادئ‬
‫العامة»‪ ،‬وأهمّها إدراج مسألة حريّة الضمير باعتبارها حرية مكفولة دستورياً‪ ،‬وذلك في الفصل السادس‬
‫من الباب األ ّول‪.‬‬

‫وقد بدا لنا تخصيص المشرّ ع الفقرة األولى من هذا الفصل لـ»حرية الضمير» مسألة مهمّة يحسن بنا‬
‫النظر في دالالتها وأبعادها بالوقوف على أسباب هذا االحتفاء بـ»حريّة الضمير»‪ ،‬وتبيّن المرجعيّات التي‬
‫استند إليها المشرّ ع‪ ،‬وذلك في قراءة تحليليّة نقديّة للفقرة األولى من الفصل السادس التي أعطى من خاللها‬
‫الدستور التونسي حريّة الضمير مشروعية قانونيّة‪.‬‬

‫فما هو التعريف الواضح لها؟ وهل كان المشرّ ع التونسي واعياً بأهمية اإلقرار بضرورة التنصيص‬
‫على حرية الضمير في دستور الجمهورية الثانية؟ وهل يع ّد اإلقرار بـحق ّ‬
‫كل تونسي في «حرية الضمير»‬
‫إقراراً بالتعددية الدينية ‪...‬؟‪ 9‬وهل كان التفكير في «حرية الضمير» من أوكد اهتمامات المشرّ ع التونسي؟‬
‫وما هي أهم المرجعيات التي ع ّول عليها المشرّ ع التونسي؟ وما دالالت االستناد إلى تلك المرجعيات؟‬

‫هذه األسئلة وغيرها تُع ّد المدار الرئيس الذي ننطلق منه في بسط أهم اإلشكاليات الموصولة بـ»حرية‬
‫الضمير في الدستور التونسي الجديد»‪.‬‬

‫ونسعى إلى معالجة هذه اإلشكاليات في مبحثين‪ :‬نخصص األول للنظر في ح ّد حرية الضمير ومستوياتها‬
‫سن الفصل السادس من الدستور‪ ،‬وما‬ ‫ومجاالتها‪ ،‬أمّا الثاني ففيه نقف على مرجعيات المشرّ ع التونسي في ّ‬
‫انطوى عليه من مآزق تمثّلت باألساس في احتواء الدستور التونسي على تناقضات عديدة‪ .‬وهو ما يدفع إلى‬
‫التساؤل عن أسباب ذلك التناقض ودالالته فيما يتصل بحرية الضمير‪.‬‬

‫‪8‬ـ انظر تصريح محمّد صالح الحدري رئيس حزب العدل والتنمية “أساس التفكير في دولة دينها اإلسالم احترام اإلسالم ‪.‬فكيف يتم بيع الخمر ويشرع‬
‫للتبني والميسر في هذه الدولة؟ فقبل تحرير الدستور ال بد من إيضاح هذه المفاهيم‪ ]....[ .‬وحزبنا اإلسالمي يريد صياغة دستور أساسه الشريعة‬
‫اإلسالمية مصدراً أساسياً للتشريع”‪ ،‬ورد ضمن كتاب حوار وطني حول الدستور وترسيخ الديمقراطية‪ ،‬منشورات مركز دراسة اإلسالم والديمقراطية‬
‫في تونس‪ ،‬تونس‪ ،‬ص ‪6‬‬
‫‪9. Baubérot (Jean) (1941-…): L’intégrisme républicain contre la laïcité, La Tour d’Aigues, Éditions de l’Aube,‬‬
‫‪Paris, 2006, p 52. & Vers un nouveau pacte laïque? Seuil, Paris, 1990.‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪5‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫‪ - 1‬يف حرية الضمري‬

‫عرّ ف الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان (ديسمبر ‪ )1948‬حرية الضمير بالقول‬
‫لـ«كل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين‪ ،‬ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫عقيدته‪ ،‬وحرية اإلعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم‬
‫نص في الفصل‬‫مع الجماعة»‪ .10‬أمّا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ديسمبر ‪ )1966‬فقد ّ‬
‫أن «لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين‪ .‬ويشمل ذلك حريته في أن يدين‬‫الثامن عشر على ّ‬
‫بدين ما‪ ،‬وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره‪ ،‬وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة‬
‫الشعائر والممارسة والتعليم‪ ،‬بمفرده أو مع جماعة‪ ،‬وأمام المأل أو على حدة»‪.11‬‬

‫فإن حريّة الضمير هي من الحريات األساسيّة التي تعتبر من مكاسب القيم الكونيّة‬ ‫من هذا المنظور‪ّ ،‬‬
‫الحداثيّة التي تروم تطوير منظومة حقوق اإلنسان وش ّد عودها بإيالء الفرد القيمة الرئيسة‪ ،12‬وبما ّ‬
‫أن‬
‫الخاصة‪ ،‬فهي تعني تحديداً ما يمتلكه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والحق في الملكيّة‬ ‫تعريفها مرتبط بالقيم الفرديّة والحريّة الشخصيّة‬
‫تشكل طبيعة العالقة التي‬‫حق في اختيار القيم السلوكيّة واألخالقيّة والفكريّة والمذهبيّة التي ّ‬
‫الفرد من ّ‬
‫تصله بالحياة واآلخرين على ح ّد السواء‪ .‬ومن هنا ّ‬
‫فإن االختيار الفرديّ للقيم النابع من اإلرادة الذاتيّة‪ ،‬ومن‬
‫القناعة الوجدانيّة الداخليّة هو الذي يمنح الفرد القدرة على تجسيم القيم التي يطمئن إليها ضميره على صعيد‬
‫الممارسة العمليّة في استقالل تام عن قيم المجتمع وخياراته‪.‬‬

‫إنساني مح ّد ٌد رئيس لعالقة الفرد بالكون‪،‬‬


‫ّ‬ ‫وغني عن البيان ّ‬
‫أن ال ّدين في أيّ تجربة بشريّة وفي أيّ مجتمع‬ ‫ّ‬
‫وشكل من أشكال السلوك في الحياة‪ .13‬ولمّا كان ذلك كذلك‪ ،‬فكثيراً ما تُوصل حريّة الضمير بالحريّة الدينيّة‬
‫حتّى كأنّنا نتح ّدث عن شيء واحد رغم الفروق بين هذين المفهومين‪ .‬ولئن كنّا نقرّ ّ‬
‫بأن حريّة الضمير حيّزها‬
‫الجمعي النابع من‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبأن مجال الحريّة في الدين منبعه اإللزام‬ ‫االختيار الفرديّ القائم على ملء اإلرادة الذاتيّة‪،‬‬
‫ق ّوة متعالية مفارقة قاهرة فإنّنا نقف على خيوط رقيقة تقرّ ب الشقة بينهما‪ .‬لهذا تقع حريّة الضمير في منطقة‬
‫وسطى بين حريّة التفكير وحريّة ال ّدين‪ .‬فبها ينصت الواحد منّا إلى وازعه الوجداني في مستويات االختيار‬
‫والسلوك والقناعات بما في ذلك القناعات الدينيّة دون قهر وإكراه‪.14‬على حين ّ‬
‫أن حريّة الدين تمنح اإلنسان‬

‫‪10‬ـ انظر بدر الدين (سوسن)‪ :‬المواثيق والمعاهدات الدولية‪ ،‬منشورات أفالك‪ ،‬ط ‪ ،1‬استانبول تركيا‪ ،2015 ،‬ص ‪71‬‬
‫‪11‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪102‬‬
‫‪12‬ـ انظر عبد السالم (رفيق)‪ :‬تفكيك العلمانية في الدين والديمقراطية‪ ،‬دار المجتهد للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،1‬تونس‪ ،2011 ،‬الفصل األوّل‪ :‬الجذور‬
‫الفكرية والتاريخية للعلمانية من الباب األوّل في العلمانية‪.‬‬
‫‪13‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ 112‬وما بعدها‬
‫‪14. Ben Achour (Yadh): Droits du croyant et droits de l’homme, Un point de vue islamique islamo -christiana,‬‬
‫‪Roma, N039, 2008‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪6‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫حريّة مقيّدة بحدود الشريعة أمراً ونهياً وفق ما يرتئيه القائمون مقام هللا والمتكلّمون باسمه من مصالح دنيويّة‬
‫تمس حياة المجموعة‪.15‬‬
‫تمس حياة الفرد مثلما ّ‬
‫وأخرويّة ّ‬

‫ً‬
‫مجاال من حريّة ال ّدين وأشمل منها‪ ،‬ألنّها تعني الحريّة المطلقة للفرد في‬ ‫يبدو ّ‬
‫أن حريّة الضمير أوسع‬
‫إعمال عقله وفق ما يرتضيه‪ ،‬ووفق ما يمليه عليه ضميره الحرّ ‪.16‬‬

‫ّ‬
‫المستقل الذي يجترحه الفرد دون ْ‬
‫أن يواجه‬ ‫وتأسيساً على ذلك فحريّة الضمير ّ‬
‫تدل على السلوك الحرّ‬
‫يمس ذلك الفعل الحرّ من ّ‬
‫حقه في‬ ‫أن ّ‬‫من اآلخرين أيّ شكل من أشكال التمييز والعقاب واإلقصاء‪ ،‬ودون ْ‬
‫المواطنة‪ .‬وبأوجز عبارة تعني حريّة الضمير الفصل التّام بين اإليمان الذي مجاله الدين والمواطنة التي‬
‫مجالها المجتمع والمدنيّة والقانون الوضعي‪.‬‬

‫إن حريّة الضمير بهذا المعنى تجعل الفرد حرّ اً في اعتناق أيّ دين أو في تغيير دينه أو في عدم االنتساب‬
‫ّ‬
‫أن يكون عرضة للتكفير والعنف وعقاب القوانين‪ .‬فحريّة الضمير صنو للحريّة الفرديّة‬ ‫إلى أيّ ديانة‪ ،‬دون ْ‬
‫الموصولة بالقناعات ال ّداخليّة لإلنسان‪.‬‬

‫ّ‬
‫التحكم فيها من طرف اآلخرين‪،‬‬ ‫ولمّا كان الضمير شأناً شخصيّاً ّ‬
‫فإن صاحبه يمتلك حريّة ذاتيّة يصعب‬
‫ألن الضمير يأتمر بأوامر صاحبه‪ ،‬ويخضع إلى مقتضيات عقله وتفكيره‪ .‬ومن هنا تصعب السيطرة على‬‫ّ‬
‫القناعات واألفكار والتص ّورات التي يدين بها الفرد ويعمل على تكريسها سلوكاً وقرارات على صعيد‬
‫حقاً دستوريّاً يفرضه ّ‬
‫حق المواطنة هي الكفيلة بحماية ما‬ ‫الممارسة العمليّة‪ .‬لذلك فحريّة الضمير باعتبارها ّ‬
‫تخص حياته ومصيره في الكون ورؤيته للحياة االجتماعيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أن يتبنّاه أيّ فرد من رؤى وأفكار وقناعات‬ ‫يمكن ْ‬
‫كل أشكال الوصاية واإلكراه‪ .‬فال وصاية‬ ‫كل القيم الفرديّة التي يؤمن بها ويقتنع بها اقتناعاً ذاتيّاً بعيداً عن ّ‬
‫أي ّ‬
‫ْ‬
‫عند أصحاب الضمير الحرّ على العقل والوجدان طالما كان الضمير شأناً فرديّاً محضاً يتمتّع بقدر ال يُستهان‬
‫الذاتي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫به من االستقالل‬

‫أن يتملّكه الخوف من ر ّد‬‫الطبيعي في الحياة دون ْ‬


‫ّ‬ ‫بهذه الطريقة تضمن حريّة الضمير للفرد ممارسة ّ‬
‫حقه‬
‫أن يعتدي هو بطبيعة الحال على حريّة الغير متسبّباً لهم في أضرار ماديّة أو معنويّة‪.‬‬
‫فعل اآلخرين‪ ،‬ودون ْ‬

‫أن صاحب الضمير الحرّ في الدولة الديمقراطيّة يتمتّع ‪ -‬باعتباره‬


‫ومن المفيد في هذا المقام اإلشارة إلى ّ‬
‫الحق في التعليم والصحّ ة والعمل واالنتخاب والمشاركة‬ ‫ّ‬ ‫مواطناً ‪ّ -‬‬
‫بكل الحقوق التي تُمنح لغيره‪ ،‬من ذلك‬
‫في الحياة السياسيّة والثقافيّة واالنخراط في المجتمع المدني (الجمعيات‪ .)... ،‬فما يحمله هذا المواطن من‬

‫‪15. Arkoun (Mohamed): ABC de L’Islam pour sortir des clôtures dogmatiques, Grancher, Paris, 2007.‬‬
‫‪16. Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme,(op cit), Chapitre III « De‬‬
‫‪l'esprit de justice à l'état de droit ».‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪7‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫أن يحرمه من حقوقه المدنيّة ومن التمتّع‬ ‫تص ّورات حول الوجود والمصير والحياة والمجتمع ال ينبغي ْ‬
‫بمواطنته كاملة‪ ،‬فال يُعاقب أو يُقصى أو يُسلّط عليه العنف بمختلف أشكاله من أجل قناعاته الفكريّة النابعة‬
‫االجتماعي وقوانين الدولة التي يعيش‬
‫ّ‬ ‫من ضميره الحرّ وحريّته الشخصيّة التي ال ته ّدد األمن العام والسلم‬
‫في كنفها‪ ،‬ويحترم ما جاء في دستورها‪.‬‬

‫أن المقارن بين بعض فصول الدستور التونسي يلحظ وجود جملة من النصوص التي تقلّص من‬ ‫على ّ‬
‫حيز حرية الضمير وتح ّد منها‪ ،‬وتضع بعض األفراد المتمتعين بهذا الحق في موضع المواطن من درجة‬
‫ثانية‪ ،‬ففي الفصل الرابع والسبعين من الباب الرابع‪ ،‬السلطة التنفيذية‪ ،‬نقرأ‪« :‬الترشح لمنصب رئيس‬
‫الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الوالدة‪ ،‬دينه اإلسالم»‪.‬‬

‫فليس من ّ‬
‫حق التونسي اليهودي أو التونسي الملحد ‪ - ....‬بمقتضى النص القانوني ‪ -‬الترشح للرئاسة‪،‬‬
‫أن ذلك يق ّوض األسس التي قام عليها الفصل السادس‪ .‬أضف إلى ذلك وجود نصوص أخرى (الفصل‬ ‫ونق ّدر ّ‬
‫خصت التونسي المسلم أو المؤمن ‪ -‬دون الملحد ‪ -‬بالتمتّع بالمناصب الموصولة‬ ‫الثامن والخمسين‪ّ ).... ،‬‬
‫بالسلط الثالث (ن ّواب الشعب‪ ،‬رئاسة الحكومة‪.17).... ،‬‬

‫أس المواطنة فيها االنتماء إلى تونس‪ ،‬بطريقة تجعل من المساواة بين‬
‫فهل نحن إزاء دولة مدنية ّ‬
‫التونسيين في الحقوق والواجبات المعيار الوحيد‪ ،‬أم نحن إزاء دولة تميّز بين مواطنيها بناء على انتماءاتهم‬
‫الدينيّة؟‪.‬‬

‫‪ - 2‬حر ّية الضمري يف الدستور التونيس الجديد‪ :‬بحث يف املرجع ّيات والدالالت‬

‫شهدت منظومة حقوق اإلنسان في الوقت الرّ اهن تط ّوراً كبيراً‪ .‬فلم تعد مقتصرة على الحقوق والحرّ يات‬
‫ّ‬
‫الحق في الحياة والتعليم والصحّ ة والعمل‬ ‫األساسيّة المنتشرة في األدبيّات القانونيّة والسياسيّة التقليديّة مثل‬
‫وحريّة التفكير والتّعبير‪ ،‬بل اتّسع مجالها ليطول حريّات هي من ثمار الحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة من قبيل حريّة‬
‫السلمي وحريّة الصحافة وحريّة المعتقد وحريّة الضمير ‪....‬‬
‫ّ‬ ‫التظاهر‬

‫ولم تكن البلدان العربيّة بمعزل عن هذه التط ّورات الهائلة الطارئة على منظومة حقوق اإلنسان في العالم‬
‫وعلى مضامين دساتير الدول الديمقراطيّة التقدميّة‪ .‬إذ هبّت عليها بشكل أو بآخر رياح هذا التغيير الذي‬
‫عرفته منظومة حقوق اإلنسان في الديار الغربيّة على وجه الخصوص‪.‬‬

‫‪17‬ـ انظر مطلع نصوص القسم المعتمد للنوّاب ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية التي تبدأ بـ‪" :‬أقسم باهلل العظيم ‪ ”….‬راجع الفصل الثامن‬
‫والخمسين والفصل السادس والسبعين والفصل التاسع والثمانين من دستور الجمهورية التونسيّة‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،‬تونس ‪2014‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪8‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫ً‬
‫تفاعال مع‬ ‫ويُعتبر دستور الجمهوريّة التونسيّة (‪ )2014‬في مستوى المحتوى من أكثر الدساتير العربيّة‬
‫تط ّورات منظومة حقوق اإلنسان في العالم وتأثّراً بها‪.‬‬

‫التونسي هذه اإلفادة من مكاسب حقوق اإلنسان في‬‫ّ‬ ‫وقد ترجمت الصياغة النهائيّة لفصول الدستور‬
‫تتصل بالحريّة وحقوق‬
‫أن بعض الفصول تحتوي على نزعة تقدميّة ّ‬ ‫الثقافات الكونيّة‪ .‬وعلى هذا األساس نرى ّ‬
‫اإلنسان نق ّدر أنّها حقيقة بال ّدراسة والتحليل‪ ،‬مثل الفصل السادس من الباب األ ّول «األحكام العامة» الذي‬
‫أسيسي وصياغته وبعد الموافقة النهائيّة عليه مجادالت عديدة في‬
‫ّ‬ ‫أثار أثناء مناقشته في المجلس الوطني التّ‬
‫األوساط السياسيّة والدينيّة واالجتماعية في تونس وخارجها‪.‬‬

‫في الفقرة األولى من هذا الفصل نقرأ‪« :‬الدولة راعية للدين‪ ،‬كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة‬
‫الشعائر الدينية»‪ ،18‬ففي هذه الفقرة ت ّم التنصيص بطريقة صريحة ال لبس فيها على عبارة «حريّة الضمير»‬
‫ً‬
‫مستقال بذاته‬ ‫ً‬
‫فصال‬ ‫التونسي‬
‫ّ‬ ‫تونسي‪ْ ،‬‬
‫وإن لم يفرد المشرّ ع‬ ‫ّ‬ ‫تتكفل الدولة بضمانها ّ‬
‫لكل مواطن‬ ‫باعتبارها حريّة ّ‬
‫الحق الدستوري‪ ،‬إذ أدرجه المشرّ ع في جملة من الحريّات تسهر الدولة على رعايتها وتأمينها‬ ‫ّ‬ ‫يتعلّق بهذا‬
‫السادس الذي نعتمده منطلقاً لقراءة مسألة حريّة الضمير‬
‫فإن الجزء األول من الفصل ّ‬ ‫لألفراد المنتسبين إليها‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫والمؤسسات تمتلك‬
‫ّ‬ ‫والسلط‬
‫ّ‬ ‫أن الدولة لِ َك ْونها جملة من األجهزة‬
‫نص على ّ‬
‫في دستور تونس الجديد ّ‬
‫وحدها في رعاية ال ّدين الذي هو اإلسالم‪ ،‬بالنظر إلى ّ‬
‫أن الفصل األ ّول من الباب األول‪ :‬المبادئ العامة من‬
‫بأن «تونس دولة ح ّرة‪ ،‬مستقلّة‪ ،‬ذات سيادة‪ ،‬اإلسالم دينها‪ ،‬والعربية لغتها‪ ،‬والجمهورية‬ ‫الدستور أقرّ ّ‬
‫نظامها»‪.19‬‬

‫فالدولة‪ ،‬إذن راعية لل ّدين الرّ ّ‬


‫سمي للدولة ممّا يجعلنا نتساءل عن مدى التزامها برعاية بقيّة الديانات‪،‬‬
‫وإن كنّا ال نعدم في الفصل السادس من الباب األول إشارات واضحة إلى ّ‬
‫أن الدولة كافلة لحريّة المعتقد‬ ‫ْ‬
‫ألن عبارة المق ّدسات في صيغة الجمع ّ‬
‫تدل على‬ ‫وممارسة الشعائر الدينيّة وحماية للمق ّدسات بصفة عامّة‪ّ ،‬‬
‫التّعميم والشمول وخالية من التخصيص والتحديد‪ ،‬إذ ال تقتصر طبعاً على المق ّدسات اإلسالميّة‪.20‬‬

‫ولعله من المفيد في تقديرنا اإلشارة إلى ّ‬


‫أن المسودة األولى من الدستور (أوت ‪ )2012‬والمسودة الثانية‬
‫الحق في «حرية الضمير»‪ .‬وقد الحظ رجال القانون‬‫ّ‬ ‫(ديسمبر ‪ )2012‬من الدستور الجديد لم تحتو على‬
‫وجود إشارات واضحة إلى اعتبار تونس دولة دينيّة تيوقراطيّة‪ ،‬ففي الفصل األ ّول من المس ّودة األولى‬
‫نص الفصل الرابع‬ ‫أن «اإلسالم مصدر أساسي من مصادر التشريع الدستوريّ »‪ .‬وفي المقابل ّ‬ ‫تنصيص على ّ‬
‫من المسودة األولى لمشروع الدستور ومن المسودة الثانية على ْ‬
‫أن «تضمن الدولة حريّة المعتقد وممارسة‬

‫‪18‬ـ المصدر نفسه‪.‬‬


‫‪19‬ـ المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪20‬ـ إنّ عدم تحديد المفاهيم (المقدّس) قد أدّى إلى انقسام المواقف في شأن العديد من األفكار (اتهام المفكّر محمّد الطالبي بالكفر والزندقة)‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪9‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫الشعائر الدينيّة وتجرّ م ّ‬


‫كل اعتداء على المق ّدسات الدينيّة» كذلك الشأن بالنّسبة إلى اإللحاح في توطئة مسودة‬
‫مشروع الدستور (‪ )2102‬على اعتماد ثوابت الشريعة اإلسالميّة‪.21‬‬

‫اإلسالمي بعد التصويت باألغلبيّة‬


‫ّ‬ ‫التأسيسي ذوي االتجاه‬
‫ّ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫ومن المعلوم ّ‬
‫أن بعض أعضاء المجلس‬
‫بنصه الكامل في موضع‬
‫في الفاتح من جوان ‪ 2013‬على الفصل السادس من مشروع الدستور الذي ذكرناه ّ‬
‫سابق تق ّدموا إلى رئاسة المجلس بالئحة ترمي إلى تعديل محتوى هذا الفصل‪ ،‬وذلك بإضافة عبارات من‬
‫جنس «تجريم االعتداء على الذات اإللهيّة والقرآن الكريم والرّ سول المكرَّ م» بالمطالبة بحذف عبارة «حريّة‬
‫الضمير» من الفصل‪.‬‬

‫ولئن كانت بعض الكتل السياسيّة والحقوقيّة مثل حزب «التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحرّ يات»‬
‫وحزب «المؤتمر من أجل الجمهوريّة» و»الحزب الجمهوريّ » وحزب «حركة وفاء» تتفهّم ّ‬
‫حق التفهّم‬
‫رغبة األحزاب ذات المرجعيّة الدينيّة في الحصول في الدستور الجديد على أقصى الضمانات القانونيّة‬
‫ألداء واجباتها الدينيّة وممارسة شعائرها العقائديّة دون مراقبة ومضايقة وخوف في كنف الحريّة‪ ،‬فإنّها في‬
‫المقابل ال توافق هذه األحزاب اإلسالميّة (النهضة‪ ،‬حزب العدالة والتنمية‪ )... ،‬على تقييد حريّة اآلخرين‬
‫مجتمعي عليهم بالق ّوة واإلكراه‪ .‬لذلك لم تجد الالئحة المذكورة آذاناً صاغية‪ .‬وتمّت‬
‫ّ‬ ‫وكبتها وفرض نمط عيش‬
‫السادس من مشروع الدستور دون إدخال التغييرات التي تق ّدم بها بعض‬
‫المصادقة النهائيّة على الفصل ّ‬
‫نص الفصل المذكور‪.‬‬
‫الن ّواب المنادين بحذف عبارة «حريّة الضمير» من ّ‬

‫ً‬
‫شكال من أشكال االنتصار للحريّة‬ ‫قطعت تونس خطوة مهمّة نحو إقرار حريّة الضمير باعتبارها‬
‫والديمقراطيّة وقيم المواطنة باالنخراط الواعي في منظومة حقوق اإلنسان الكونيّة‪.‬‬

‫شكل إدراج عبارة «حريّة الضمير» في دستور تونس الجديد أ ّم المعارك بين دعاة التق ّدم‬ ‫وهكذا ّ‬
‫ّ‬
‫المثقفة ذات المرجعيّة العلمانيّة التي تؤمن بضرورة‬ ‫والديمقراطيّة والحريّة وحقوق اإلنسان‪ ،‬وهم من النخب‬
‫الفصل بين ال ّدين والدولة (رجال قانون وحقوق‪ ،‬محامون وقضاة‪ ،‬جامعيون‪ ،‬نقابيون‪ ،‬نشطاء في المجتمع‬
‫أس الدستور‪ ،‬وهم‬
‫المدني‪ ،‬سياسيون‪ )... ،‬وبين المحافظين المنادين بتطبيق الشريعة اإلسالميّة واعتبارها ّ‬
‫ّ‬
‫اإلسالمي األعلى‪ ،‬مفتي الجمهوريّة‪ ،‬وزير الشؤون الدينيّة نور الدين الخادمي‬
‫ّ‬ ‫رجال الدين (رئيس المجلس‬
‫في حكومة حمّادي الجبالي‪.)... ،‬‬

‫حقاً‬
‫وعلى هذا النّحو كان رفض الالئحة وإقرار حريّة الضمير في الدستور التونسي الجديد بصفة نهائيّة ّ‬
‫دستوريّاً يتمتّع به ّ‬
‫كل مواطن تونسي‪ ،‬تكفله له الدولة بسلطة القانون انتصاراً لقيم الحريّة والحداثة والمدنيّة‬

‫‪21‬ـ قام الدستور الجديد على تداخل بين النزعة اإلسالمية والنزعة المدنية‪ ،‬وهو ما يعبّر بعمق عن تعدد االنتماءات السياسية لألحزاب المشكلّة للمجلس‬
‫التأسيسي‪ ،‬وقد تجلّى هذا التداخل في المصطلحات والمفاهيم‪ ،‬وال غرابة في ذلك‪ ،‬فمن المعلوم أنّ الدستور التونسي قد قام على توافقات سياسية‪ ،‬وذلك‬
‫في تقدير السبب في اجتماع المتناقضات في نصوص الدستور‪.‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪10‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫ولحظة قطيعة عن ّ‬
‫كل أشكال القمع واالستبداد وأحاديّة الرّ أي وإكراه‬ ‫َ‬ ‫ومكاسب الثقافة الكونيّة المعاصرة‬
‫أن يخرج‬‫المدني للمشروع الذي يريد ْ‬‫ّ‬ ‫النّاس على ّ‬
‫الطاعة العمياء للدولة باسم ال ّدين‪ .‬فقد تص ّدى المجتمع‬
‫السياسي‬
‫ّ‬ ‫سياسي زمن حكم زين العابدين بن علي إلى ضرب جديد من االستبداد والتغ ّول‬ ‫ّ‬ ‫تونس من استبداد‬
‫تحت مظلّة ال ّدين ومبادئ الشريعة اإلسالميّة ّ‬
‫ألن الفكر التقليديّ القائم على النقل والتوارث ال يمكن ْ‬
‫أن ينتج‬
‫يوفر مناخاً ديمقراطيّاً يساعد على تكريس قيم الحريّة واالبتكار‬
‫أن ّ‬
‫االجتهاد واإلبداع والحداثة‪ ،‬وليس بوسعه ْ‬
‫السياسي اإلسالمويّ ّ‬
‫يفكر في قضايا الرّ اهن بمرآة الماضي التي لم تعد صالحة‬ ‫ّ‬ ‫العلمي نظراً إلى ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫والتق ّدم‬
‫لرؤية مستجّ دات الحياة المعاصرة في المجتمعات العربيّة المسلمة‪.22‬‬

‫حق حريّة الضمير في دستور تونس‬ ‫ّ‬


‫الحافة بإثارة ّ‬ ‫هكذا حاولنا البحث في المالبسات والخلفيّات واألبعاد‬
‫ننزل الرّ وافد المؤثّرة في‬
‫أن ّ‬‫الجديد وما رافقها من جدال وتجاذبات سياسيّة ودينيّة وفكريّة حتّى نستطيع ْ‬
‫المبني على االنفتاح على مكاسب الثقافة‬
‫ّ‬ ‫السياسي‬
‫ّ‬ ‫إدراج مسألة حريّة الضمير ّ‬
‫حق منزلتها‪ .‬ففي هذا الج ّو‬
‫الكونيّة المعاصرة تمّت المصادقة على حريّة الضمير في الدستور الجديد‪ ،‬ممّا يدفعنا إلى الوقوف في هذا‬
‫الحيّز من البحث على هذه المرجعيّات والروافد التي استلهم منها المشرّ ع التونسي ّ‬
‫حق حريّة الضمير‪.23‬‬

‫إن المرجعيّات الرئيسة التي أثّرت بشكل واضح في اقتراح حريّة الضمير في الدستور التونسي ماثلة‬ ‫ّ‬
‫في اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وفي العهد الدولي المتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة‪ .‬فالناظر في‬
‫أن يالحظ مدى إفادة المشرّ ع التونسي‬‫عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان ال يضنيه ْ‬‫َ‬ ‫الفصل الثامنَ‬
‫أن ديباجة الفصل السادس من‬‫من هذا الفصل في دسترة حريّة الضمير في دستور الجمهوريّة الثانية‪ .‬ذلك ّ‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫ركز تركيزاً واضحاً على‬
‫دستور تونس مستل َهمة من روح الفصل الثامن عشر ‪-‬المذكور أعاله ـ الذي ّ‬
‫ّ‬
‫الحق في‬ ‫الشخصي الذي يمتلكه أيّ إنسان في العالم في تبني المعتقد والدين أو في إمكانيّة تغييرهما‪ ،‬مثلما له‬
‫ّ‬
‫الحق في تقرير مصيره وانتهاج‬‫ّ‬ ‫عدم االعتقاد أو اإليمان بأيّ ديانة أو مذهب‪ .‬لذلك تكفل له حريّة الضمير‬
‫سلوك في الحياة ينبع من قناعاته الذاتيّة‪.‬‬

‫اإلنساني على‬
‫ّ‬ ‫إن حريّة الضمير في الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان تقيم الكيان‬ ‫ّ‬
‫أسس تالئم خصاله البشريّة المتفرّ دة بوصفه الكائن الوحيد العاقل والناطق والمفكرّ الذي يتمثّل الكون تمثّ ً‬
‫ال‬
‫لغويّاً ورمزيّاً‪ ،‬وهذه الخصال تدفع به نحو اإلبداع وتقرير مصيره في الوجود بنفسه دون الخضوع للوصاية‬
‫وسياسة القطيع والتبعيّة واالرتهان لمشيئة اآلخر أو قوى غيبيّة مفارقة‪.‬‬

‫‪22‬ـ راجع أركون (محمّد)‪ :‬من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ‪ ...‬أين هو الفكر اإلسالمي المعاصر‪ ،‬ترجمة وتعليق هاشم صالح‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫ببيروت لبنان‪2006 ،‬‬
‫‪23. Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), ABC, N06, Genève, 2015‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪11‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫قيق ٌة‬ ‫ً‬


‫أصوال جديدة لإلنسان قائمة على قيم ثابتة َح َ‬ ‫على هذا النّحو يبني اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‬
‫تؤسس إيمان الفرد‬ ‫أن حريّة الضمير ّ‬ ‫بإنسانيّته وخصاله المتفرّ دة مقارنة بباقي الكائنات الحيّة في الكون‪ .‬ذلك ّ‬
‫أن يكون اإليمان قائماً على الخوف واإلكراه والتّرهيب والوعد والوعيد‪.‬‬ ‫على قناعات شخصيّة داخليّة دون ْ‬
‫المؤسس عليها مبدأ حريّة الضمير في الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق‬
‫َّ‬ ‫فهذه االعتبارات‬
‫التونسي على االستفادة من هذا الفصل لبلورة الفصل السادس من الدستور‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان هي التي حملت المشرّ ع‬
‫التونسي من حقوق وحريّات‬
‫ّ‬ ‫وإدراج حريّة الضمير في الحريّات األساسيّة ضمن ما يتمتّع به المواطن‬
‫مدنيّة‪.‬‬

‫ينص عليها الفصل الثامن عشر من‬


‫فالحريّات الثالث (حريّة المعتقد‪ ،‬حريّة الدين‪ ،‬حريّة الضمير) التي ّ‬
‫ّ‬
‫ولكن الفرق بين‬ ‫التونسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان نجدها بحذافيرها في الفصل السادس من الدستور‬
‫التونسي‪ ،24‬وفي تمتيع الشخص‬
‫ّ‬ ‫النصين يتجلّى في إسناد رعاية الحريّات وكفالتها إلى الدولة في التشريع‬
‫ّ‬
‫بمفرده في الفصل الثامن عشر من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان بهذه الحرّ يات الثالث دون ْ‬
‫أن تكون‬
‫الدولة وصيّة على المواطن مثلما هو الحال في الفصل السادس من دستور تونس الجديد‪.‬‬

‫الدولي المتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة‬


‫ّ‬ ‫وإذا ما صرفنا نظرنا تلقاء الفصل الثامن عشر من العهد‬
‫الحق في حريّة ال ّتفكير والضمير‬
‫ّ‬ ‫لكل إنسان‬ ‫ألفينا إلحاحاً كبيراً على مسألة حريّة الضمير‪ .‬فقد جاء فيه ّ‬
‫«أن ّ‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫وال ّدين»‪ .‬فهذا الفصل يمنح أيّ إنسان في العالم بصرف النظر عن جنسه ولونه وعرقه ولغته وثقافته‬
‫في التمتّع بحريّات ثالث أساسيّة كونيّة عُ ّدت فيها حريّة الضمير الحريّة الثانية بعد حريّة التفكير‪ ،‬وقد‬
‫النص المذكور أولويّة على حريّة ال ّدين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أعطاها‬

‫العالمي كان له عميق األثر في صياغة الفصل السادس من‬


‫ّ‬ ‫الحقوقي‬
‫ّ‬ ‫النص‬
‫ّ‬ ‫وبطبيعة الحال ّ‬
‫فإن مثل هذا‬
‫تونسي‪ .‬ذلك‬
‫ّ‬ ‫حقاً دستوريّاً تكفله الدولة ّ‬
‫لكل مواطن‬ ‫التونسي الجديد وفي إثبات حريّة الضمير فيه ّ‬
‫ّ‬ ‫الدستور‬
‫الدولي الذي يحمي الحقوق المدنيّة والسياسيّة يعتبر في الفصل الثالث منه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أن الفصل الثامن عشر من العهد‬
‫التمييز بين النّاس على أساس ال ّدين والمعتقد إهانة لكرامة اإلنسان وإنكاراً لمبادئ األمم المتّحدة وانتهاكاً‬
‫صارخاً لحقوق اإلنسان والحريّات األساسيّة‪ ،‬وعلى رأسها حريّة الضمير‪.‬‬

‫فعلى هذه السبيل وجّ هت المرجعيّات الحقوقيّة العالميّة توجيهاً كبيراً دسترة حريّة الضمير في تونس ما‬
‫المدني للدولة وحفاظاً على مكاسب الحداثة والعلمانيّة التي ميّزت تونس بدءاً من‬
‫ّ‬ ‫بعد الثورة تجسيماً للطابع‬
‫ً‬
‫وصوال إلى بناء الدولة الوطنيّة العصريّة على مبادئ وقيم كونيّة تؤمن بالحريّة واحترام اآلخر‬ ‫االستقالل‬
‫السلمي معه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتعايش‬

‫نص العنصر الثالث من الفصل الثامن عشر على أنّه ال يجوز إخضاع حرية اإلنسان في إظهار دينه أو معتقده‪ ،‬إال للقيود التي يفرضها القانون‬
‫‪24‬ـ ّ‬
‫والتي تكون ضرورية لحماية السالمة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب العامة أو حقوق اآلخرين وحرياتهم األساسي‪ ”..‬انظر بدر‬
‫الدين (سوسن)‪ :‬المواثيق والمعاهدات الدولية‪( ،‬سبق ذكره)‪ ،‬ص ‪102‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪12‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫إلى جانب المرجعيّات الرئيسة المذكورة التي كان لها عظيم الفضل على دسترة حريّة الضمير في‬
‫ّ‬
‫الحق‬ ‫تشريع تونس ما بعد الثورة‪ ،‬يجد ال ّدارس مشارب أخرى كونيّة أسهمت إلى ح ّد كبير في تنصيص هذا‬
‫العلماني شجّ عت‬
‫ّ‬ ‫في دستور تونس الجديد‪ .‬ولعلّنا ال نبالغ في شيء إذا قلنا ّ‬
‫إن بعض دساتير الدول ذات الطابع‬
‫التونسي‬
‫ّ‬ ‫التأسيسي‬
‫ّ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫كل التشجيع أنصار الحريّة والديمقراطيّة وحقوق اإلنسان من أعضاء المجلس‬ ‫ّ‬
‫نهائي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫على ال ّدفاع عن هذه الحريّة اإلنسانيّة حتّى تقع دسترتها بشكل‬

‫التونسي الجديد مستم ّدة من أبعاد الفصل األ ّول من دستور فرنسا‬
‫ّ‬ ‫السادس من الدستور‬
‫فروح الفصل ّ‬
‫ينص على الطابع‬
‫األساسي بين جميع أفراد الشعب‪ ،‬مثلما ّ‬
‫ّ‬ ‫ينص على مبدأ الجمهوريّة بوصفها الرّ ابط‬
‫الذي ّ‬
‫الديمقراطي الذي يؤمّن المساواة أمام القانون لجميع المواطنين دون تمييز بينهم بسبب األصل‬
‫ّ‬ ‫الالئكي‬
‫ّ‬
‫والعرق وال ّدين مع احترام جميع المعتقدات وضمان حريّة الضمير تبعاً لذلك‪.‬‬

‫التأسيسي في تونس مبدأ دسترة حريّة الضمير على ما ورد في الدساتير‬


‫ّ‬ ‫وال غرابة في اعتماد ن ّواب‬
‫العلمانيّة الغربيّة‪ .‬فقد أقرّ هؤالء الن ّواب ـ وجزء مهم منهم من رجال القانون ‪ -‬بإفادتهم من الدستور الفرنسي‬
‫تنص‬
‫ّ‬ ‫والدستور البرتغالي‪ ،‬فإذا ما ألقينا نظرة على دستور البرتغال ألفينا المادة الحادية واألربعين منه‬
‫على ضرورة االعتراف بحريّة الضمير‪ 25‬والدين والعبادة مع تقديم حريّة الضمير من حيث األهميّة على‬
‫التركي‪ ،‬ففي الفصل الرابع والعشرين‬
‫ّ‬ ‫الحرّ يتيْن األخرييْن المذكورتين‪ .‬وكذلك الشأن بالنسبة إلى الدستور‬
‫كل فرد في التمتّع بحريّة الضمير واالعتقاد‪ ،‬ناهيك ّ‬
‫أن‬ ‫حق ّ‬‫ركز المشرّ ع التركي تركيزاً واضحاً على ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫المحل الثاني‪ .‬وال يخفى ما في هذا‬ ‫ّ‬
‫األول وحريّة االعتقاد في‬ ‫ّ‬
‫المحل‬ ‫التركي جعل حريّة الضمير في‬
‫ّ‬ ‫المشرّ ع‬
‫التّرتيب من إشارة إلى قيمة حريّة الضمير وأهميّتها‪ ،‬فهي حريّة أساسيّة إنسانيّة تأتي قبل حريّة االعتقاد‪.26‬‬

‫العلماني مثّلت الخلفيّة النظريّة التي استند إليها المشرّ ع‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن هذه الدساتير الموسومة بالتقدميّة ذات الطابع‬
‫أن المشرّ ع في تونس لم يفد من هذه‬ ‫شك فيه ّ‬ ‫التونسي في صياغة حريّة الضمير في الدستور الجديد‪ .‬وممّا ال ّ‬
‫ّ‬
‫الكوني للقيم‬
‫ّ‬ ‫الدساتير الغربيّة فحسب‪ ،‬وإنّما أفاد أيضاً من إعالنات دولية أخرى اتّسمت نصوصها بالطابع‬
‫العالمي لحقوق اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫التي تتبنّاها شعوبها وترتضيها منهجاً في الحياة‪ .‬وفي مقدمة تلك النصوص اإلعالن‬
‫الدولي المتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والعهد‬

‫****‬

‫‪25. Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), (op cit).‬‬
‫نص الفصل الرابع والعشرون من الباب الثاني لحقوق الفرد وواجباته من الدستور التركي على أنّ "لكل فرد الحق في حرية الضمير والمعتقد‬ ‫‪26‬ـ ّ‬
‫الديني والقناعة‪ .‬وتجري أعمال العبادة‪ ،‬والخدمات الدينية‪ ،‬واالحتفاالت بحريّة [‪ ]...‬وال يجوز إجبار أحد على العبادة‪ ،‬أو المشاركة في االحتفاالت‬
‫الدينية والطقوس‪ ،‬أو على الكشف عن المعتقدات الدينية والقناعات‪ ،‬أو توجيه اللوم أو االتهام بسبب معتقداته الدينية وقناعاته"‪ .‬الدستور التركي‪ ،‬تعريب‬
‫سمية المحفوظي‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالقتصادية‪ ،‬واشنطن الواليات المتحدة األمريكية‪2015 ،‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪13‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫التمسك بهذه الحريّة اإلنسانيّة األساسيّة في تونس‬


‫ّ‬ ‫حاولنا إماطة اللّثام عن الخلفيّات واألبعاد الكامنة وراء‬
‫ما بعد الثورة‪ .‬فقادنا البحث في هذه القضيّة إلى الوقوف على وجود صراع بين منظومة فكريّة تقليديّة دينيّة‬
‫سة الفكر األحاديّ‬ ‫تع ّول على النقل وتحتمي بالماضي خوفاً من مواجهة الرّ اهن ومتطلبّاته وتداعياته مكرِّ ً‬
‫اإلقصائي االستبداديّ القائم على التوارث والعادة والتقليد ومنظوم ِة فكريّة حداثيّة حقوقيّة ذات نزعة علمانيّة‬
‫ّ‬
‫تؤمن بقيمة اإلنسان ومنزلته في الكون ودوره في الحياة وتفصل بين ال ّدين والدولة في مستوى القانون‬
‫حقا دستوريّا في تونس بصفة نهائيّة هو في نهاية‬ ‫سن مبدأ حريّة الضمير ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫والممارسة اإلنسانيّة‪ .‬فبيّنّا ّ‬
‫المدني في تونس إلى حياة‬
‫ّ‬ ‫اإلنساني وتعبيرٌ عن تطلّع المجتمع‬
‫ّ‬ ‫المطاف انتصارٌ للقيم الكونيّة وللعقل وللوجدان‬
‫واجتماعي‬
‫ّ‬ ‫ومعرفي وفكريّ‬
‫ّ‬ ‫علمي‬
‫ّ‬ ‫التونسي من تحديث‬
‫ّ‬ ‫ديمقراطيّة راقية متط ّورة تواكب ما عرفه الشعب‬
‫كانت مجلّة األحوال الشخصيّة إحدى ثماره‪.‬‬

‫نص الفصل السادس من حريّات أساسيّة‬


‫أن توطين الديمقراطيّة في تونس من خالل ما جاء في ّ‬ ‫ّ‬
‫ووضحنا ّ‬
‫كي تتح ّول إلى ثقافة وسلوك‬
‫يقتضي تعميم منظومة حقوق اإلنسان الكونيّة ونشرها بين جميع أفراد المجتمع ْ‬
‫المدني في رعاية هذه الحقوق والحريّات معادلة لسلطة الدستور الذي يبقى‬
‫ّ‬ ‫يومييْن‪ .‬فتكون سلطة المجتمع‬
‫المدني ّ‬
‫بكل أفراده ومك ّوناته ومنظماته إلى واقع ملموس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫حبراً على ورق ما لم يح ّوله المجتمع‬

‫وعملنا في غضون تحليل الفصل السادس من الدستور على استخالص المرجعيّات القانونيّة األصليّة‬
‫التونسي ما بعد الثورة‪ .‬فأ ّدى بنا‬
‫ّ‬ ‫والفرعيّة التي أثرت بشكل مباشر في دسترة حريّة الضمير في التشريع‬
‫التأسيسي من معاهدات وإعالنات دولية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوطني‬
‫ّ‬ ‫النظر إلى الوقوف على مدى إفادة المجلس‬

‫حق حريّة الضمير في دستور تونس الجديد وقفنا على‬ ‫ً‬


‫وفضال عن هذه المرجعيّات الكبرى المست َم ِّد منها ّ‬
‫مرجعيّات فرعيّة ساهمت إلى ح ّد بعيد في دسترة هذه الحريّة‪ ،‬أهمّها دساتير بعض الدول الغربيّة الديمقراطيّة‬
‫ذات المبادئ العلمانيّة مثل دساتير فرنسا والبرتغال وتركيا‪.‬‬

‫إن األساس الذي اعتمد عليه مؤلّفو الدستور التونسي غير واضح‪ ،‬فال هم استطاعوا ْ‬
‫أن يجعلوا من‬ ‫ّ‬
‫«دستور الجمهورية الثانية» ترجمان رغبة في االنفتاح على القيم الكونية‪ ،‬وال هم جعلوه وفيّاً ألسس الدولة‬
‫الدينية‪.‬‬

‫وفي هذا المقام نتساءل‪ :‬أنّى لنا االستناد إلى القيم الكونية‪ ،‬ونحن لم نشارك في صياغتها؟ كيف ننطلق‬
‫من قيم لم نؤسس لها؟‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪14‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫إن االنخراط في القيم الكونية ال يكون بإقرار مبادئ أو تدوين فصول في الدستور تعترف بقيم الحرية‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫يتجزأ من بنية الوعي الجمعي‪ ،‬وال‬ ‫الدينية والتعدد الثقافي‪ ،‬فال مجال العتمادها سنداً ما لم تصبح جزءاً ال‬
‫ً‬
‫فاعال في صياغة المنظومة الكونية‬ ‫يتسنّى لنا ذلك ما لم نحدد الهدف الذي نروم بلوغه‪ ،‬وما لم نكن طرفاً‬
‫‪27‬‬
‫لألخالق والقيم‪ ،‬ونحسب أنّه ال قيمة اليوم للبحث في علمانية اإلسالم ومظاهر الحرية في القرآن الكريم‬
‫ما لم ينهض هذا المبحث بوظائف عديدة منها التأسيس لمبدأ االختالف‪ ،‬باعتباره أصل الوجود وسرّ الخلق‬
‫والتكليف اإللهي‪ ،‬وطالما بقي البحث في مظاهر االنفتاح اإلسالمي عن اآلخر وإقراره مبادئ الحرية الدينية‬
‫كل قول يظل ‪ -‬في تقديرنا ‪ -‬محاولة احتواء الواقع المعيش بمختلف‬ ‫فإن ّ‬
‫والفكرية بمنأى عن هذا الهدف‪ّ ،‬‬
‫تعقيداته‪ ،‬دون االنغماس فيه أو تبيّن ما يفرضه ذلك الواقع من ضرورة االنفتاح على المغاير فكرياً وثقافياً‪،‬‬
‫ذلك أنّه ال قيمة أليّ نص قانوني يعترف بحرية الضمير أوغيرها‪ ،...‬ما لم يكن مبنيّاً على وعي عميق‬
‫بجدلية «اإلسالم وفكر حقوق اإلنسان»‪ ،‬أو الوعي بأنّنا نحيا في عالم متعدد األعراق والثقافات واألهواء‪،‬‬
‫وأن‬ ‫ّ‬
‫وحق االختالف ‪ Différence‬عماد الحياة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫وأن األصل في األشياء االعتراف بالتعدد‪ ،‬فالتن ّوع الثقافي‬
‫الكونية ال تتجلّى في المماثلة‪ ،‬وإنّما في المغايرة التي ال تؤ ّدي إلى محو الهويّة ‪ Identité‬بقدر ما ّ‬
‫توطد‬
‫أركانها‪.‬‬

‫وهي قيم نق ّدر أنّها أه ّم مميّزات خطاب «ما بعد الحداثة» ‪ Post- modernité‬الذي فتح الباب على‬
‫‪28‬‬
‫مصراعيه أمام اإلنسان باعتباره محور الحياة والوجود‪.‬‬

‫وال يتسنى لنا إدراك جوهر اإلنسان ما لم نتأمّل وضعه االجتماعي‪ ،‬وهو ما يدعو إلى ضرورة التمييز‬
‫بين الرؤية التقليدية للكائن اإلنسان‪ ،‬والرؤية اإلسالمية التي تنطوي على تأكيد واضح على حقوق الكائن‬
‫أن النصوص القانونية ال ّ‬
‫توفر المساواة والحرية التي ال ترتقي إلى مرتبة الحقيقة االجتماعية‬ ‫اإلنسان‪ .‬ذلك ّ‬
‫ً‬
‫أصال للوجود البشري‪.‬‬ ‫حقاً دستورياً بل باعتبارها‬
‫ما لم يرافقها وعي بضرورة وجودها‪ ،‬ال باعتبارها ّ‬

‫تحث على حرية االعتقاد‪ ،‬ومن أهم اآليات "لاَ إِكۡ رَ ا َه فِي ٱلدِّينِ قَد تَّ َبيَّنَ ٱلرُّ ۡش ُد مِنَ‬
‫‪27‬ـ عوّل القائلون بهذا الرأي على ما جاء في القرآن الكريم من آيات ّ‬
‫ٱلۡ غَيِّۚ » (البقرة ‪ )256/2‬و»مَنْ شَ ا َء َف ْليُؤْ مٍنْ َومَنْ شَ ا َء َف ْل َي ْكفُرْ » (الكهف ‪)18/29‬‬
‫‪28‬ـ راجع بوحديبه (عبد الوهّ اب)‪ :‬اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪2007 ،‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪15‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


‫محمد يوسف إدريس‬
‫ّ‬ ‫‪ƾȇƾŪơȆLjǻȂƬdzơǁȂƬLJƾdzơĿŚǸǔdzơƨËȇǂƷ‬‬

‫قامئة املصادر واملراجع املعتمدة يف البحث‬


‫ـ دستور الجمهورية التونسيّة‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،‬تونس ‪.2014‬‬
‫ـ أركون (محمّد)‪ :‬ال َعل َمنة وال ّدين (اإلسالم المسيحية الغرب)‪ ،‬ط ‪ ،3‬دار السّ اقي‪ ،‬لندن‪.1996 ،‬‬
‫ـ أركون (محمّد)‪ :‬من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ‪ ...‬أين هو الفكر اإلسالمي المعاصر؟ ترجمة وتعليق هاشم صالح‪ ،‬دار‬
‫الساقي‪ ،‬ط ‪ ،3‬ببيروت لبنان‪.2006 ،‬‬
‫ـ بدر الدين (سوسن)‪ :‬المواثيق والمعاهدات الدولية‪ ،‬منشورات أفالك‪ ،‬ط ‪ ،1‬استانبول‪2015 ،‬‬
‫ـ بوحديبه (عبد ّ‬
‫الوهاب)‪ :‬اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪2007 ،‬‬
‫ـ حوار وطني حول الدستور وترسيخ الديمقراطية‪ ،‬منشورات مركز دراسة اإلسالم والديمقراطية في تونس‪ ،‬تونس ‪.2012‬‬
‫ـ الدستور التركي‪ ،‬تعريب سمية المحفوظي‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالقتصادية‪ ،‬واشنطن الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫‪2015‬‬
‫ـ الشرفي (عبد المجيد)‪ :‬الثورة والحداثة واإلسالم‪ ،‬دار الجنوب للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،1‬تونس‪.2011 ،‬‬
‫ـ عبد السالم (رفيق)‪ :‬تفكيك العلمانية في الدين والديمقراطية‪ ،‬دار المجتهد للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،1‬تونس‪2011. ،‬‬
‫ـ عبد اللطيف (كمال)‪ :‬التفكير في العلمانية إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‬
‫(المغرب) بيروت (لبنان)‪2002 ،‬‬
‫ـ ابن عاشور (عياض)‪ :‬حرية الضمير‪ ...‬هل أصبح التونسي حراً في ْ‬
‫أن يعتقد ما يشاء‪ ،‬راجع الرابط اإللكتروني ‪http://‬‬
‫‪www.hakaekonline.com/?p=55170‬‬
‫ـ مصحف المدينة‪ ،‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف ّ‬
‫الشريف‪ ،‬المملكة العربيّة السّ عوديّة‪( ،‬د ت)‪( .‬رواية ابن أبي داود‬
‫سليمان أبي عمر حفص)‪.‬‬

‫‪- Arkoun (Mohamed): ABC de L’Islam pour sortir des clôtures dogmatiques, Grancher, Paris, 2007‬‬
‫‪- Baubérot (Jean): Vers un nouveau pacte laïque ?, Seuil, Paris, 1990.‬‬
‫‪Baubérot (Jean): L’intégrisme républicain contre la laïcité, La Tour d’Aigues, Éditions de l’Aube,‬‬
‫‪Paris, 2006.‬‬
‫‪- Ben Achour (Yadh): Droits du croyant et droits de l’homme, Un point de vue islamique, islamo‬‬
‫‪-christiana, Roma, N039, 2008‬‬
‫‪- Ben Achour (Yadh): La Deuxième Fâtiha: L’islam et la pensée des droits de l’homme, PUF,‬‬
‫‪collection «Proche Orient» dirigée par Gilles kepel, PUF, Paris, 2011,‬‬
‫‪- Idriss (Mohamed Youssef): constitution de la république tunisienne (2000-2014), ABC, N06, Genève,‬‬
‫‪2015‬‬

‫‪www.mominoun.com‬‬ ‫‪16‬‬ ‫قسم الدين وقضايا املجتمع الراهنة‬


MominounWithoutBorders

Mominoun

@ Mominoun_sm

‫ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ‬.‫ أﻛﺪال‬- ‫اﻟﺮﺑﺎط‬


10569 : ‫صب‬
+212 537 77 99 54 : ‫اﻟﻬﺎﺗﻒ‬
+212 537 77 88 27 : ‫اﻟﻔﺎﻛﺲ‬

info@mominoun.com
www.mominoun.com

All rights reserved © 2016 2016 © ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬

You might also like