You are on page 1of 13

503 -583 ‫ ص‬،)0800(80 :‫ الع ــدد‬/ 80 ‫املجلد‬ ISSN : 2352- 9776 EISSN : 660X-2600 ‫مجلة مقاربات فلسفية‬

‫نظرية املعرفة عند أرسطو‬


Aristotle's theory of knowledge
*‫دحمان‬ ‫حاج بت‬
bendahmane.hadj@gmail.com ،)‫جامعة أحمد زبانة بغليزان (الجزائر‬

9492 /40/40 :‫تاريخ النشر‬ 9492/40/92 :‫تاريخ القبول‬ 9492/40/92 :‫تاريخ الاستالم‬

:‫ملخص‬
‫ وما لقب املعلم ألاول‬،‫يحتل الفيلسوف اليوناني أرسطو مكانة أساسية في تاريخ الفكر الفلسفي‬
‫ إن خاصية املوسوعية جعلت أرسطو يهتم‬.‫ وهذا نظرا ملوسوعيته‬،‫الذي أطلق عليه إال دليل على ذلك‬
‫ ومن املوضوعات ألاساسية‬.‫بجميع مناحي الفكر إلانسانية الاجتماعية والسياسية والطبيعية وألادبية‬
‫ إذ حاول أن يوفق بين ألاطروحات املتضاربة التي طرحها‬،‫ نجد نظرية املعرفة‬،‫في الفلسفة ألارسطية‬
‫ إذ أصبحت املعالجة‬.‫الفكر الفلسفي قبله حول ماهية املعرفة ومصدرها وإمكانيتها وحدودها‬
ً
‫ إذ تساءل عن ما أهمية املعرفة عموما واملعرفة الحسية‬،‫ألارسطية لنظرية املعرفة تختلف عن سابقتها‬
‫ما‬- ‫كيف يحدث إلاحساس وما عمل الحواس الخمس؟‬- ‫ما معنى إلاحساس؟‬- ‫على وجه الخصوص؟‬
‫ ما الفرق بين العقل العملي‬- ‫ وما معنى العقل وكيف يحدث إلادراك العقلي؟‬- ‫دور الحس املشترك؟‬
‫وما درجات املعرفة العقلية؟‬- ‫والعقل النظري؟‬
.‫ العقل العملي‬،‫ العقل النظر ي‬،‫ الحواس‬،‫ املعرفة‬،‫ الحس املشترك‬:‫كلمات مفتاحية‬
Abstract:
The Greek philosopher Aristotle occupies a fundamental place in the history of philosophical
thought, and the title of the first teacher who was called him is evidence of that, and this is due to
his encyclopedia. The characteristic of encyclopedia made Aristotle interested in all aspects of
human thought, social, political, natural, and literary. One of the main topics in Aristotelian
philosophy is the theory of knowledge, as he tried to reconcile the conflicting theses put forward
by philosophical thought before him about what knowledge is, its source, potential and limits. As
the Aristotelian treatment of epistemology became different from its predecessor, as he asked what
was the importance of knowledge in general and sensory knowledge in particular? What is the
meaning of feeling? How does the sensation occur and what do the five senses do? What is the
role of common sense? What is the meaning of the mind and how does mental perception occur?
What is the difference between a practical mind and a theoretical mind? What are the degrees of
mental knowledge?
Keywords: Common sense, knowledge, the senses, the theoretical mind, the practical mind

‫*املؤلف املرسل‬

305
‫حاج بن دحمان‬

‫‪ .1‬مقدمة‪ :‬إن من جسد بحق مقولة "إنزال الفلسفة من السماء إلى ألارض" في تاريخ الفلسفة هو‬
‫الفيلسوف اليوناني أرسطوطاليس‪ ‬امللقب باملعلم ألاول‪ ،‬إذ أننا نجده يعالج قضايا فلسفية وعلمية لم‬
‫يشهدها الفكر البشري من قبله‪ .‬وما اختالفه الفكري مع أستاذه أفالطون ونقده "لنظرية املثل" إال خير‬
‫دليل على هذا التوجه الواقعي لفلسفته‪ .‬ومن بين املوضوعات العديدة التي تطرق إليها أرسطو‪ ،‬نجد‬
‫نظرية املعرفة‪ Théorie de la connaissance‬وهي "البحث في طبيعة املعرفة وحدودها وقيمتها وأصلها‬
‫ووسائلها‪ ،‬وفي املشكالت الفلسفية التي تنش عن العالقة بين الذات املدركة أو العارفة واملوضو‬
‫املدرك أو املعروف"‪ ،1‬كما يتميز هذا الفر املعرفي عن "السيكولوجية املحضة والتي تقتصر على‬
‫التفرقة بين العمليات الذهنية ووصفها دون الفحص عن صحتها أو زيفها‪ ،‬وتتميز أيضا عن املنطق‬
‫الذي يقتصر على أن يصوغ قواعد تطبيق املبادئ‪ ،‬دون أن يبحث عن أصلها‪ ،‬ودون أن يناقش قيمتها‪،‬‬
‫وقد ذا هذا املصطلح في القرن التاسع عشر"‪ .2‬وأقدم صور هذه النظرية بحث الفالسفة عن درة‬
‫التشابه بين التصور الذهني والش يء الخارجي ملعرفة حقيقة املطابقة بينهما‪ .‬وأحدث صورها تلك التي‬
‫تبحث في طبيعة الذات املدركة ملعرفة ألاثر الذي تتركه هذه الذات في تصور الش يء الخارجي‪" ،‬ولكن‬
‫هذه الصور الحديثة ترجع كالصورة القديمة إلى البحث في قيمة العلم‪ ،‬أي في قيمة التصور‬
‫والتصديق‪ ،‬لذلك قال "ري"‪" :‬إن نظرية املعرفة هي البحث في قيمة"‪.3‬‬
‫وإذا أردنا وضع ظهور مبحث "نظرية املعرفة" في سياقه التاريخي‪ ،‬فإننا نجد السبب ألاول لظهوره هو‬
‫بروز موجات الارتياب والشك على يد السوفسطائيين ومن أتى بعدهم‪ .‬لقد اتجهت عناية فالسفة‬
‫اليونان ألاوائل‪ ،‬أو ما يعرف في تاريخ الفلسفة "بعصر ما قبل سقراط" إلى البحث في الوجود الخارجي‪،‬‬
‫بهدف الكشف عن الحقيقة فيه‪ ،‬ولم تتجه عنايتهم إلى البحث في صدق وسائل املعرفة وحدود‬
‫إمكانياتها‪" ،‬فقد وضعوا ثقتهم في قدرة العقل إلانساني على املعرفة‪ ،‬وأقاموا نظامهم الفلسفي دون أن‬
‫يفكروا في مشكلة املعرفة"‪ ،4‬إلى أن جاء السوفسطائيين وحولوا وجهة البحث الفلسفي إلى النظر إلى‬
‫مباحث املعرفة وحدودها‪ ،‬ف ثاروا بذلك مشاكل هامة وأعملوا الهدم حتى في أبسط مسلمات العقل‪،‬‬
‫ً‬
‫حتى استحال قيام العلم‪ ،‬فقد قالوا بنسبية املعرفة‪ ،‬وأن إلانسان مقياس ألاشياء جميعا‪ ،‬فامتنع‬
‫لديهم كل قول أو معرفة‪ ،‬وقد استند السوفسطائيون إلى خدا الحواس وعدم الثقة في إلادراك‬
‫الحس ي‪ ،‬وتالعبوا باأللفاظ مستخدمين طرق التورية والجناس اللفظي حتى أشاعوا الغموض‬
‫والاضطراب في أفكار الناس وأقوالهم‪ ،‬ألامر الذي دفع كل من سقراط وأفالطون وأرسطو للرد عليهم كل‬
‫بطريقته الخاصة لتثبيت دعائم املعرفة وتمحيص أدواتها‪ .‬فسقراط دافع عن موضوعية العلم‬
‫بطريقته الجدلية التي كانت تستهدف وضع التعريفات لكي يقوم العلم وتصح املعرفة‪ ،‬وقد كان جوهر‬
‫فلسفته عبارته املشهورة "أعرف نفسك بنفسك"‪ ،‬فهو الذي حول النظر إلى املعرفة‪ ،‬بل جعلها فضيلة‬
‫‪306‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫ً‬
‫والجهل رذيلة‪ .‬وقد قال بالعقل مصدرا للمعرفة‪ ،‬من خالل معاييره الثابتة‪ ،‬والتي تشترك فيها العقول‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬ورد شك السوفسطائيين إلى اعتمادهم على الحس الذي يختلف باختالف ألاشخاص‪ ،‬وهذا‬
‫خالف العلم الذي هو معرفة الكليات الثابتة في ألاشياء‪ ،‬وهذه مصدرها العقل"‪ .5‬وقد واصل تلميذه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أفالطون منهج أستاذه سقراط معتبرا التعقل معيار الحقيقة الصادق ألامين‪ ،‬خالفا للمعرفة الحسية‬
‫ً‬
‫الخادعة‪ ،‬وقد ميز أفالطون بين نوعين من املعرفة هما أوال‪ :‬معرفة يقينية تنصب على املعقوالت العليا‬
‫ً‬
‫وهي املثل‪ ،‬واملعقوالت السفلى‪ ،‬وهي املتوسطات الرياضية‪ .‬وثانيا‪ :‬معرفة ظنية وهي تنصب على‬
‫املحسوسات الطبيعية‪ .‬والعليا عنده هي املعرفة اليقينية الحقة‪ ،‬وتختلف عن الظن وإلاحساس‪ ،‬في أن‬
‫العلم إنما يؤسس على العق ومبدأ العلية‪ ،‬أما إلاحساس فهو نسبي‪ .‬واملعرفة عند أفالطون تبدأ‬
‫باإلحساس ولكنها ال تلبث أن تتجاوزه إلى املثل‪ ،‬وفي نطاق إدراك املثل نجد معيار الصدق يتمثل في‬
‫املطابقة بين محتوى إدراكنا العقلي والحقيقة التي هي املثل‪ ،‬ذلك أن كل معرفة فإنما هي تذكر ملا سبق‬
‫أن عاينته النفس في العالم املعقول‪ ،‬وما املحسوس إال مناسبة الستحضار املعقول‪ .‬والتعقل عند‬
‫ً‬
‫أفالطون هو أسمى درجات املعرفة وأرقاها جميعا‪" ،‬فموضوعه التصورات الفلسفية املجردة أو املثل‬
‫العقلية‪ ،‬كالعدالة والجمال والخير‪ ،‬فهو يطلب العلم الكامل واملعاني الكاملة واملاهيات الثابتة والصور‬
‫املفارقة‪ ،‬والحقيقة العليا‪ ،‬حقيقة الحقائق‪ ،‬دون الاستعانة بالحواس والرجو إليها"‪.6‬‬
‫وفي هذا إلاطار جاء هذا املقال ملعالجة مبحث نظرية املعرفة في فلسفة الفيلسوف اليوناني أرسطو‬
‫الذي أكمل ما بدأه كل من سقراط وأفالطون في هذا املجال لنجيب عن ألاسئلة التالية‪ - :‬ما أهمية‬
‫ً‬
‫املعرفة عموما واملعرفة الحسية على وجه الخصوص؟ ‪ -‬ما معنى إلاحساس؟ ‪-‬كيف يحدث إلاحساس‬
‫وما عمل الحواس الخمس؟ ‪ -‬ما دور الحس املشترك؟ ‪ -‬وما معنى العقل وكيف يحدث إلادراك العقلي؟‬
‫‪ -‬ما الفرق بين العقل العملي والعقل النظري؟ ‪-‬وما درجات املعرفة العقلية؟‬

‫‪ .0‬نظرية املعرفة عند أرسطو‬


‫‪‬‬
‫‪ 0.0‬موقف أرسطو من نظرية املثل ألافالطونية‬
‫قال أفالطون بوجود عاملين هما العالم املحسوس ومعرفته ظنية‪ ،‬والعالم املعقول وهو عالم املثل‬
‫ومعرفته يقينية‪ .‬ورأى أن الفيلسوف الحق هو الذي يميز بين ألاشياء املشاركة ومثلها‪ ،‬ويجاوز‬
‫املحسوس املتغير إلى نموذجه الدائم‪ ،‬ويؤثر الحكمة على الظن‪ ،‬فيتعلق بالخير بالذات والجمال‬
‫بالذات‪ ،‬والذي ينتقل من العالم املحسوس إلى عالم املثل "تصبح رؤيته أدق ألنه أقرب إلى الحقيقة‪،‬‬
‫ومتجه صوب أشياء أكثر حقيقة"‪.7‬‬
‫والقضية ألاساسية في نظرية املثل هي التمييز بين عالم الحقيقة أو ما يسمى بعالم املثل‪ ،‬وعالم الظاهر‬
‫أو ما يسمى بعالم املحسوسات‪ .‬العالم ألاول يتسم بالثبات والسكون وهنا نلمس مدى ت ثر أفالطون‬

‫‪307‬‬
‫حاج بن دحمان‬

‫ببارمنيدس إلايلي‪ ،‬والعالم الثاني يتسم بالتغير والصيرورة‪ ،‬وهذا رأي هرقليطس الذي أكد أن العالم في‬
‫تغير مستمر وال يوجد ش يء باق على إلاطالق‪.‬‬
‫وفي محاولة التوفيق هذه بين مذهب هيرقليطس وبارمنيدس‪ ،‬نجد أن أفالطون قد قبل بمبدأ‬
‫هيرقليطس وجعله مبدأ العالم املحسوس‪ ،‬أما مبدأ بارمنيدس فقد جعله مبدأ للعالم املعقول‪ ،‬ولكنه‬
‫وجد صعوبات كثيرة بصدد تفسير العالم املعقول على ضوء مذهب بارمنيدس‪" ،‬ومن هذه الصعوبات‬
‫ً‬
‫أن أفالطون قد انتهى إلى إقرار فكرة التداخل بين املثل لكي يوجد نوعا من الاتصال والحركة والكثرة‬
‫التي توقم فيها الكثرة وضع مبدأ الالمعين أو الالمحدود"‪.8‬‬
‫يؤكد أفالطون أننا نتوصل إلى معرفة املثل ونستكشفها في النفس بالتفكير‪ ،‬فإذا أمكننا استخراج‬
‫معارف لم يلقنها لنا أحد فال بد وأن تكون النفس قد اكتسبتها في حياة سابقة على الحياة الراهنة‪.‬‬
‫ً‬
‫أما أرسطو فقد رأى أن القول بالتغير املستمر نفيا للصورة الثابتة‪ ،‬وهو ما يعد نفيا ملوضو العلم‪ ،‬إذ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن هذه الصورة هي املوضو الحقيقي للعلم‪ ،‬فإذا كانت متغيرة دائما تعذر أن تكون موضوعا ألي‬
‫إدراك‪ ،‬وقد أشار أرسطو إلى أن موقف هرقليطس قد دفع أفالطون إلى التسليم بوجود عالم آخر‬
‫ً‬
‫معقول يصون به العلم ويجد فيه موضوعا لدراسته‪ ،‬ولكن أرسطو يقول عن نفسه أنه سيحاول أن‬
‫يجد صورة العلم في عاملنا هذا ألن فلسفة أرسطو تفترض أن هذا العالم هو عالم الوجود الحقيقي‬
‫ومن املمكن عن طريق الاستقراء أن تجد في هذا العالم مجموعة من الحركات يحدد بعضها حاالت بدء‬
‫ويحدد بعضها آلاخر حاالت نهاية للحركة‪ ،‬ومن ثم ليس هناك أي أساس لقول بالتغير املستمر للصورة‬
‫الجوهرية‪" ،‬إذ أن املشاهد في الواقع أن الصورة تبقى كما هي‪ ،‬وأننا نستطيع التعرف على زيد أو عمرو‬
‫من الناس أو على حيوان ما أو على نبات ما في أوقات مختلفة وإال ملا أمكن التفاهم بين الناس"‪ .‬وعلى‬
‫ً‬
‫الرغم من أن أرسطو لم يقبل نظرية املثل فقد رأى أن املعرفة تكون دائما معرفة ألاشياء الثابتة‪ ،‬وهي‬
‫صور ألاشياء املحسوسة‪ ،‬وهذا تطوير ملوقف أفالطون‪ ،‬لم يقل أرسطو أن الحواس خادعة أو أن‬
‫العالم املحسوس موضو للظن‪-‬كما سنرى فيما بعد‪-‬لكنه رأى أن العالم املحسوس موضو معرفة‬
‫بمعنى أن موضو املعرفة هو الصورة املنبثة في املادة‪.‬‬
‫ً‬
‫ويشرح ذلك بقوله إن املعرفة تت لف من إدراك العالقات ألاساسية بين الصور‪ ،‬فلكي نعرف شيئا‬
‫يجب إدراجه تحت نو وجنس‪ ،‬ومن ثم تعرف ماهيته وهي صورته وعلته‪ ،‬ولكي نعرف علته يجب‬
‫البرهان على املاهية من مبادئ أولى ونعرف هذه املبادئ بنو من الحدس ونرى صدقها في ألامثلة‬
‫الحسية ومن العبث أن تطلب البرهان على كل ش يء‪ ،‬فاملبادئ ألاولى –كقوانين الفكر الثالث ألاساسية‪-‬‬
‫ال تقبل البرهان‪.‬‬
‫ولقد توسع أرسطو في مبحث "ما بعد الطبيعة" أو امليتافيزيقا في تحليل نظرية أفالطون في "املثل" وبيان‬
‫ما فيها من أخطاء والرد عليها‪ ،‬وقد رد على هذه النظرية بجملة ردود‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫‪308‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫أ‪-‬أن نظرية املثل ألافالطونية ال توضح لنا مشكلة كيف نش هذا العالم‪ ،‬مع أن هذه أهم مس لة في‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نظر الفلسفة‪ ،‬فإذا سلمنا ب ن هناك مثاال للبياض مثال‪ ،‬فكيف نش عنه ألاشياء البيضاء؟‬
‫ب‪-‬هب أن هذه ألاشياء وضحت بنظرية املثل‪ ،‬ف فالطون يرى أن املثل ثابتة على حال ال تتغير‪ ،‬وأنها‬
‫ساكنة غير متحركة‪ .‬وإذا كان كذلك فيجب أن تكون صورها‪ ،‬وهي ألاشياء‪ ،‬كمثالها ثابتة ساكنة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ولكننا نرى العالم متغيرا متحركا‪ ،‬فاألشياء ترتقي وتنحط وال تستقر على حال‪ِ ،‬فلم تتغير هذه الصورة‬
‫مع أن أصلها‪ ،‬وهو املثال‪ ،‬ليست متغيرة؟ وخط أفالطون "أنه توهم هذه املاهيات الثابتة مفارقة‬
‫ً‬
‫للمحسوسات‪ ،‬وأفالطون بفصله املثل‪ ،‬لم يش ‪ ،‬على ما يرى أرسطو‪ ،‬سوى أن يتخيل جوهرا يمكن أن‬
‫يكون موضو العلم الذي ابتدعه سقراط"‪.9‬‬
‫ج‪-‬يرى أفالطون أن املثل ال تدرك بالحس‪ ،‬والحق أنها تدرك بالحس‪ ،‬فهو في الحقيقة ي خذ ألاشياء التي‬
‫تدرك بالحس ويعممها ويسميها ثانية ال تحس‪ ،‬فال فرق في الحقيقة بين الحصان ومثال الحصان‬
‫مجردة‪ ،‬وقد‬‫وإلانسان ومثال إلانسان إال التخصيص والتعميم‪ ،‬وليست املثل إال ألاشياء املحسوسة ّ‬
‫شبه أرسطو ذلك باآللهة املجسمة في بعض املذاهب الدينية‪ ،‬فكما أن آلالهة عندهم ليست إال أناس ّي‬
‫مؤلهة‪ ،‬فكذلك املثل ليست إال ألاشياء الطبيعية أزلية مؤبدة‪ ،‬وإذا كان أفالطون يؤكد على أن ألاشياء‬
‫صورة من املثل‪ ،‬فإن العكس هو الصحيح عند أرسطو‪ ،‬أي املثل هي صورة من ألاشياء‪.‬‬
‫د‪-‬وقد فند أرسطو نظرية املثل بما سماه "إلانسان الثالث"‪ ،‬ذلك أن املثال يشرح القدر املشترك بين‬
‫ألاشياء‪" ،‬فكلما كان هناك قدر مشترك كان هناك مثال‪ ،‬فهناك قدر مشترك بين الناس كلهم‪ ،‬لذلك‬
‫كان لهم مثال هو مثال إلانسان‪ ،‬ولكن هناك قدر مشترك بين الفرد من الناس وبين مثال إلانسان‪،‬‬
‫فيجب أن يكون لذلك مثال يشرحه‪ ،‬وهذا ما سماه "إلانسان الثالث"‪ ،‬وهناك كذلك قدر مشترك بين‬
‫هذا إلانسان الثالث والفرد من الناس‪ ،‬فيجب أن يكون له كذلك مثال‪ ،‬وهكذا إلى ما ال نهاية"‪ ،10‬وفي‬
‫هذا التسلسل‪ ،‬وهو محال‪.‬‬
‫ً‬
‫ه‪-‬وأخيرا وهو أهم اعتراضات أرسطو أن املثل على رأي أفالطون ماهية ألاشياء‪ ،‬وماهية ألاشياء يجب‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أن تكون فيها ال خارجة عنها‪ ،‬ولكن أفالطون فصل املثل عن ألاشياء وجعلها عاملا مستقال‪ ،‬وجعل لكل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مثال وجودا مستقال‪.‬‬
‫إن أرسطو برفضه لنظرية املثل‪ ،‬فإنه ذلك يتشبث بدنيا الواقع والحس‪ ،‬وينظر إلى الطبيعة نظرة‬
‫ليحد من غلواء‬ ‫علمية مدققة يسير فيها بمنطق تدريجي متسلسل ال قفزة فيه وال طفرة‪ .‬إن أرسطو جاء ّ‬
‫النزعة املثالية عند أفالطون ويضع أصول املنهج املادي الذي ال نزال نستلهمه في البحث وغزو‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ 0.0‬تعريفه للعلم‪ :‬قدم أرسطو مصطلحا دقيقا ومحكما للداللة على العلم هو ‪ Episteme‬وهو يدل‬
‫ً‬
‫أيضا على املعرفة‪ ،‬واستطا تقديم تصور واضح للتمييز بين ما هو علم وبين الصور ألاخرى للنشاط‬

‫‪309‬‬
‫حاج بن دحمان‬

‫العقلي‪ ،‬فالعلم ال يعرف فقط أن ش يء هو كذا كما يكشف عن ذلك الخبرة‪ ،‬بل يعرف ملاذا هو‬
‫كذلك‪ ،‬أي يمتلك العلم بالتفسير العقلي وذلك بمعرفة العلل ألاولى واملبادئ ألاولى‪.‬‬
‫وقد استهل أرسطو كتاب "ما بعد الطبيعة" بالتمييز بين إلاحساس والتجربة والفن والعلم والفلسفة‪،‬‬
‫فبدأ بقوله إن الرغبة في املعرفة موجودة عند جميع الناس بالفطرة‪ ،‬وآية ذلك اللذة الحاصلة من‬
‫الحواس فهي بصرف النظر عن نفعها تجلب لذتها اللذة‪ ،‬والبصر أعظمها ألنه سبيل معظم املعارف‬
‫إلانسانية‪" .‬والفرق بين إلانسان والحيوان‪ ،‬أن الحيوان يقف عند حد التخيل والتذكر وال يكاد يوجد‬
‫عنده التجربة‪ ،‬أما إلانسان فيرتفع إلى مرتبة الفن والاستدالل وتقوم التجربة في إلانسان على أساس‬
‫الذاكرة‪ ،‬وينش عن التجربة الفن والعلم"‪.11‬‬
‫والفن الذي يقصده أرسطو هو التطبيق العلمي القائم على املعرفة النظرية‪ ،‬أو على مجرد التجربة‬
‫والخبرة‪ ،‬وهذا هو املقصود من اللفظة اليونانية‪ ،‬وهي التي استخدمت في الاصطالح الحديث بمعنى‬
‫ً‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬أي املهارة في الصناعة‪ .‬ويضرب مثال للتمييز بين التجربة والفن فيقول‪" :‬إن الحكم ب ن‬
‫ً ً‬
‫هذا الدواء يشفي كالياس وسقراط وغيرهما فردا فردا ثمرة التجربة‪ ،‬فإذا أضفنا إلى ذلك العلم بعلة‬
‫الداء وأنه املرارة أو الحمى فهذا هو الفن‪ .‬وللعلم عند أرسطو طريق آخر خالف التجربة هو إلاحساس‬
‫الذي يعد أساس املعرفة بالجزئي‪ ،‬ولكن إلاحساس ال يفيد علة الش يء‪.‬‬
‫وقد كان إلاحساس ثم التجربة سبيل إلانسان أول ألامر إلى الكشف‪ ،‬يقودهم في ذلك تحقيق املنفعة أو‬
‫اللذة‪ .‬ومن هنا نش ت الفنون لتحقيق هذين الفرضين‪ .‬أما العلم فإنه ال يحقق منفعة وال يشبع لذة‪،‬‬
‫ولكنه نش في البالد التي يسود فيها الفراغ‪ ،‬فكانت مصر بذلك مهد العلم الرياض ي إذ كان الكهنة في‬
‫فراغ ييسر لهم البحث العلمي‪ .‬أما الفلسفة فهي أعلى العلوم وأسماها ألنها تبحث عن العلل ألاولى‬
‫ومبادئ املوجودات‪.‬‬
‫لقد ميز أرسطو‪ ،‬وذلك في إطار تحديده الدقيق ملعنى العلم‪ ،‬بين العلم والالعلم أو بين العلم وبين الظن‬
‫‪ Doxa‬وبين الفن ‪ .Techne‬وإذا كان أفالطون قد ميز بين العلم والظن على أساس التمييز بين علم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫املعقول وعالم املحسوس‪ ،‬فإن التمييز ألارسطي بينهما كان مختلفا‪ ،‬ألنه جاء منطقيا ومعرفيا في املقام‬
‫ً‬
‫ألاول‪ ،‬حيث يقول أرسطو مؤكدا ذلك‪" :‬إن العلم والعلوم املختلفة مخالف للظن واملظنون‪ ،‬ب ن العلم‬
‫يكون على طريق الكلي وب شياء ضرورية‪ ،‬والضروري ال يمكن أن يكون على خالف ما هو عليه‪ .‬وقد‬
‫البين إذن‬‫توجد أشياء هي صادقة وموجودة غير أنها قد يمكن أن تكون على خالف ما هي عليه‪ .‬فمن ّ‬
‫أن في هذه ال يكون علم"‪ .12‬وهكذا فالعلم هو فقط ما به يتم إدراك املاهية الكلية ألي ش يء ألنها هي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الثابت الذي ال يتغير من الش يء‪ .‬أما ما عدا ذلك فهو ليس موضوعا لليقين ومن ثم فهو ليس علما‪.‬‬
‫ً‬
‫ويميز أرسطو أيضا بين العلم والفن‪ Techne‬والذي يعني في الاصطالح اليوناني القديم املهارة في الصنعة‬
‫ً‬
‫أو إتقان صنعة معينة ومن ثم فموضوعه ألاشياء التي تمكن أن تكون خالفا ملا هو عليه‪ ،‬ومن ثم‬
‫ً‬
‫فاإلنتاج الفني أو الفن عموما يختلف عن العلم حيث أن العلم هو "إدراك لألشياء الكلية وألاشياء‬
‫‪310‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫ً‬
‫واجبة الوجود"‪ ،13‬حسب تعبير أرسطو‪ ،‬بينما الفن يرتبط بإنتاج أشياء يمكن أن تكون خالفا ملا هي‬
‫ً‬
‫عليه‪ ،‬فضال عن أنها ممكن أن توجد ويمكن أال توجد‪.‬‬
‫إن العلم إنما يدين ألرسطو وال ألفالطون‪ ،‬فمنهج أرسطو في البحث واستخالص الحقائق وتحصيلها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منهج ّثر خصب وخالد‪ ،‬قادر على الخلق وإلانتاج والعطاء إذا أحسن استغالله‪ ،‬إال أورث جدال عقيما‪.‬‬

‫أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني‪ ،‬أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني ‪ ،‬أدخل هنا‬
‫محتوى العنوان الفرعي الثاني ‪ ،‬أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني‪ ،‬أدخل هنا محتوى العنوان‬
‫الفرعي الثاني‪ ،‬أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني‪ ،‬أدخل هنا محتوى العنوان الفرعي الثاني‪.‬‬

‫‪ .5‬تصنيفه للعلوم‪ :‬لم يكن الفضل ألرسطو في محاولة تحديد دقيق ملعنى العلم والتمييز بينه وبين‬
‫ً‬
‫الالعلم‪ ،‬بل كان له الفضل أيضا في أنه حاول ولول مرة التمييز بين مجاالت العلوم املختلفة وتحديد‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ولهذايعزى إلى أرسطو تقسيم العلوم إلى نظرية وعملية‪" .‬ولكن كثيرا‬ ‫موضوعاتها ومنهجية البحث فيها‪.‬‬
‫الشراح معتمدين على إشارات وردت في "الطوبيقا"‪ ،‬وفي "ألاخالق إلى نيقوماخوس" إنما يقسمونها‬ ‫ّ‬ ‫من‬
‫إلى ثالثة أقسام رئيسة هي‪ :‬العلوم النظرية والعلوم العملية والعلوم الفنية أو الشعرية" ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫‪-2‬العلوم النظرية‪ :‬وهي العلوم التي إنما تكون غايتها طلب املعرفة للمعرفة‪ ،‬وهي تتناول الوجود من‬
‫ثالث جهات‪:‬‬
‫أ‪-‬من حيث هو وجود بإطالق‪ ،‬وهو ما ال يحتاج موضوعه في وجوده املنطقي وال في وجوده الخارجي إلى‬
‫املادة‪ ،‬وذلك كاملحرك ألاول‪ ،‬وهذا هو علم ما بعد الطبيعة أو العلم ألاعلى أو العلم إلالهي أو الفلسفة‬
‫ألاولى‪.‬‬
‫ب‪-‬ومن حيث هو مقدار وعدد‪ ،‬وهو ما احتاج موضوعه في وجوده الخارجي‪-‬دون املنطقي‪-‬إلى املادة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كاملربع واملثلث النظريين مثال‪ .‬وهذا هو العلم الرياض ي‪ُ ،‬ويقال له أيضا العلم ألاوسط‪ .‬وقد اشتهر من‬
‫فروعه منذ القدم وال سيما منذ العصر إلاسكندراني‪ :‬الحساب والهندسة والفلك واملوسيقى‪.‬‬
‫ج‪-‬ومن حيث هو متحرك ومحسوس‪ ،‬وهو ما احتاج موضوعه في حدوده ووجوده إلى املادة‪ ،‬أو ما افتقر‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫وجوديه‪ :‬املنطقي والخارجي إلى املادة‪ ،‬كالجسم مثال‪ .‬وهذا هو العلم الطبيعي أو العلم‬ ‫موضوعه في كال‬
‫ألادنى أو العلم ألاسفل‪ .‬وهو يشمل علم الطبيعة وآلاثار العلوية والكون والفساد وعلمي النبات‬
‫ً‬
‫والحيوان وعلم النفس‪ .‬وقد يلحق به علم الطب أيضا‪ .‬اما علم الكيمياء فلم تكن لليونان عناية به‬
‫بحسب املوروث عن الفلسفة ألارسطوطاليسية‪ ،‬وكانت له نش ة أخرى مختلفة‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫حاج بن دحمان‬

‫ً‬
‫‪-9‬العلوم العملية‪ :‬وغايتها تدبير أفعال إلانسان بما هو إنسان‪ .‬وهي تشمل أوال ما يكون موضوعه أفعال‬
‫ً‬
‫إلانسان الفرد ثم ما يكون موضوعه أفعال إلانسان في املنزل وأخيرا ما يكون موضوعه أفعال إلانسان‬
‫ً‬
‫في الجماعة‪ .‬وتبعا لذلك تنقسم العلوم العملية ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪-‬ألاخالق وموضوعها أفعال إلانسان حيث هو فرد‪.‬‬
‫ب‪-‬تدبير املنزل وموضوعه أفعال إلانسان في ألاسرة‬
‫ج‪-‬السياسة وموضوعها أفعال إلانسان في داخل الجماعة‪.‬‬
‫‪-3‬العلوم الشعرية‪ :‬وغايتها تدبير أقوال إلانسان‪ ،‬وهي تتناول هذه ألاقوال من حيث إيقاعها في النفس‪،‬‬
‫ً‬
‫أو من حيث قوة ت ثيرها في الخيال‪ ،‬أو من حيث إقنا العقل بها‪ .‬وتبعا لذلك تنقسم العلوم الشعرية‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أ‪-‬الشعر‪ ،‬موضوعه أقوال إلانسان املنظومة‪.‬‬
‫ُ‬
‫ب‪-‬الخطابة‪ ،‬وموضوعه أقوال إلانسان التي تثير الخيال مرتبة بحيث تحقق اقتناعه‪.‬‬
‫ج‪-‬الجدل هو بداية املنطق عند أرسطو‪.‬‬
‫ً‬
‫وأشرف هذه العلوم جميعا إنما هي العلوم النظرية ألنها كمال العقل‪ ،‬والعقل أسمى قوى إلانسان‪.‬‬
‫تغير‪ .‬وهذا هو سبب‬ ‫وأشرف العلوم النظرية هو علم "ما بعد الطبيعة" لسمو موضوعه وبعده عن ال ّ‬
‫ً‬
‫تسميته بالعلم ألاعلى‪ .‬والفلسفة عند أرسطو تتناول هذه العلوم الثالث جميعا وتدخلها في إطارها‪.‬‬
‫ونعلم أن أرسطو لم يدرج املنطق ضمن تصنيفه للعلوم‪ ،‬ولعل السبب يكمن في عدم اعتباره املنطق‬
‫علم من العلوم‪ ،‬هو أن موضوعه أوسع من أي علم منها‪ ،‬ألنه يدرس التفكير الذي يستخدم فيها‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬بل يدرس أيضا التفكير الذي ال يدخل نطاق العلم‪ ،‬كالتفكير الشائع عند جمهور الناس والذي‬
‫يستخدم في البالغة‪ .‬كذلك يقدم املنطق القواعد التي تجنب إلانسان الخط وترشده إلى الصواب ومن‬
‫هنا فقد عد املنطق عند أرسطو مقدمة للعلوم تساعد على التفكير السليم‪.‬‬
‫‪ :0.5‬بحوثه في وسائل املعرفة‪ :‬لقد اتسعت فلسفة أرسطو لتشمل نظريات دقيقة وعميقة في املعرفة‪،‬‬
‫فبحث أرسطو في وسائل املعرفة املختلفة وخاصة إلاحساس والعقل وقيمة كل وسيلة من هذه‬
‫الوسائل في اكتشاف حقيقة الوجود والعالم الخارجي‪.‬‬
‫يبدأ أرسطو بتحديد معنى النفس وقواها قبل أن يتطرق إلى إلاجابة عن مصدر املعرفة عند إلانسان‬
‫وما دور كل من الحس والعقل في تحصيل املعرفة‪ .‬ولهذا نحن ملزمين بتقديم تعريف أرسطو للنفس‪.‬‬
‫ا‬
‫أول‪-‬املعرفة الحسية‪ :‬إن ما هو مؤكد أن فلسفة أرسطو‪ ،‬على خالف فلسفة أفالطون‪ ،‬هي فلسفة‬
‫تجريبية بامتياز‪" ،‬بحيث أن املعرفة ليس مصدرها ألاخرويات ‪ ،Eschatologie‬بل كل معرفة إنسانية‬
‫تبدأ من الحواس"‪.15‬‬

‫‪312‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫بعد أن ينتقد أرسطو في كتابه الهام في هذا املوضو وهو "في النفس" التعاريف السابقة للنفس ألنها‪،‬‬
‫حسب رأيه‪ ،‬لم تستطيع إدراك ماهية النفس‪ .‬ف رسطو يقدم تعريفان للنفس‪ .‬أما ألاول فهو كالتالي‪:‬‬
‫"النفس هي كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة"‪ ،16‬يقصد بهذا التعريف أن النفس أدنى‬
‫أنوا الكماالت‪ ،‬وهي صورة الجسم الجوهرية وفعله ألاول‪ ،‬ومن خالل هذا التعريف ينفي أرسطو‬
‫إمكانية حلول النفس في جسم صناعي‪ ،‬وقوله "آلي" معناه أن الجسم هو ذو آالت أو هو مؤلف من آالت‬
‫ّ‬
‫لها وظائفها املتباينة‪ ،‬وأنه من الكائنات العضوية التي تتركب من أعضاء وتتفاعل بآالت للغذاء والنمو‬
‫مهي ومستعد للحياة واستقبال النفس‪،‬‬ ‫والحس‪ .‬وأخي ًرا قوله "ذي حياة بالقوة" يراد به أن الجسم ّ‬
‫واستخدام وظائف آالته ألن ذلك متحقق بالفعل‪ ،‬هذه ألاعضاء هي ذات وظائف متباينة ولكنها‬
‫متكاملة‪.‬‬
‫ونحس وننتقل في املكان ونعقل"‪ ،17‬فالنفس‬ ‫ّ‬ ‫أما التعريف الثاني فهو كاآلتي‪" :‬إن النفس هي ما به نحيا‬
‫من خالل هذا التعريف الثاني هي التي تجعل صاحبها ذا حياة وحس وحركة ونزو وفكر‪.‬‬
‫والنفس عند أرسطو ذات قوى ثالث هي‪ :‬النامية والحاسة والناطقة أو العاقلة‪ .‬فالنفس النامية أو‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال القوة الغاذية ثم ّ‬
‫املنمية ثانيا‪ ،‬ثم املولدة‬ ‫النباتية لها هي ألاخرى ثالث من القوى أو الوظائف وهي‬
‫ً‬
‫ثالثا‪.‬‬
‫أما النفس الحاسة أو الحيوانية وظيفتها الاتصال بالعالم الخارجي ونقل صوره إلى الداخل‪ ،‬فهي تدرك‬
‫الصور خالية من مادتها‪ .‬وهذه النفس موجودة في جميع أنوا الحيوانات‪ ،‬ولها خمس حواس ظاهرة‪،‬‬
‫وتتدرج وظائفها بحيث تبدأ بحاسة اللمس‪ ،‬ثم يليه الذوق فالشم فاسمع فالبصر‪ .‬وكل حاسة منها‬
‫تنفعل بمحسوس معين ال تنفعل بسواه‪ .‬ولقد ذهب أرسطو في بحثه في إلاحساس إلى القول بنظرية‬
‫غريبة وطريفة إلى حد ما فهو يقول‪" :‬يجب أن نفهم أن الحاسة بوجه عام في كل إحساس هي القابل‬
‫للصور املحسوسة عارية عن الهيولى‪ ،‬كما يقبل الشمع طابع الخاتم بدون الحديد أو الذهب"‪ ،18‬إن‬
‫العضو الحاس يتلقى صور املحسوس في ألاشياء بعملية تجريد مؤداها أن العضو الحاس يجرد الصورة‬
‫الحسية من مادتها فينطبع بها‪ ،‬أي أن إلاحساس هو انتقال الصور الحسية إلى الوجود بالفعل في‬
‫ً‬
‫العضو الحاس كالعين مثال تتلون باللون واليد تسخن بالحرارة وألاذن تتحد بالصوت‪.‬‬
‫ً‬
‫وهناك أيضا حواس باطنة وهي الحس املشترك والتخيل‪.‬‬
‫أ‪-‬الحس املشترك‪ :‬هو ما يكون من طور فوق الحواس الخمسة الظاهرة وهو بمثابة حس داخلي أو‬
‫باطني للنفس أو هو طور أرقى من الحس الظاهر‪ ،‬وسط بين الحس الخارجي وما يتبعه من درجات‬
‫سامية في إلاحساس وإلادراك‪ ،‬ويمكن تلخيص دوره في التمييز بين املحسوسات‪ ،‬والوعي باإلدراك أو‬
‫إدراك إلادراك‪ ،‬وإدراك املحسوسات املشتركة‪ .‬والحس املشترك يقوم بالعمليات أو الوظائف التالية‪:‬‬
‫‪-‬الوظيفة ألاولى وهي إدراك املحسوسات املشتركة بين أكثر من حاسة مثل إدراك الحركة والسكون‬
‫والعدد والوحدة والشكل والحجم‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫حاج بن دحمان‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪-‬الوظيفة الثانية وهي إدراك إلادراك‪ ،‬أي الشعور‪ ،‬فبه يدرك إلانسان نفسه رائيا أو سامعا‪ .‬إذ أن‬
‫الحس ال ينعكس على ذاته الرتباطه بعضو مادي‪ ،‬وليس فعله من جنس موضوعه حتى يدركه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬الوظيفة الثالثة وهي التمييز في كل حس باعتباره جنسا‪ ،‬كالتمييز بين ألابيض وألاخضر‪ ،‬والحامض‬
‫ً‬
‫واملالح‪ ،‬وبين موضوعات الحواس املختلفة‪ ،‬كالتمييز بين ألابيض والحلو مثال‪.‬‬
‫ب‪-‬التخيل‪ :‬يقول أرسطو في ضبط معنى التخيل أنه‪" :‬ليس إال قوة أو حالة نحكم بها‪ ،‬ونستطيع أن‬
‫نكون على صواب أو خط وكذلك في إلاحساس والظن والعلم والتعقل"‪ ،19‬ويفهم من هذا أن التخيل‬
‫قوة مثل باقي القوى املوجودة في النفس‪ ،‬بمعنى هو ملكة أو جزء من أجزاء النفس عن طريقها يكون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحكم على ألاشياء ويحتمل أن يكون هذا الحكم صحيحا أو خاطئا مثلما هو الش ن في حاالت ألاحكام‬
‫الناتجة عن إلاحساس والظن والعلم أو التعقل‪ .‬وملا كان هناك نو من الارتباط الوظيفي بين الحس‬
‫والتخيل‪ ،‬لهذا فإن أرسطو يميز بين التخيل وإلاحساس لكي يحدد وظيفة كل منهما‪- :‬فبينما ال يوجد‬
‫إحساس بالفعل بدون املحسوس‪ ،‬نجد في حالة التخيل أنه قد توجد الصورة الخيالية في غيبة‬
‫إلاحساس أو املحسوس‪.‬‬
‫ً‬
‫‪-‬إلاحساس حاضر دائما في الكائن الحاس‪ ،‬سواء كان هذا الحضور بالقوة أو بالفعل‪ ،‬أما التخيل فليس‬
‫كذلك‪ ،‬فقد نستطيع أن نتخيل أوال نتخيل‪.‬‬
‫‪-‬وبينما يكون إلاحساس بصورة ما مطابقة بين الحس واملحسوس‪ ،‬نجد أن الصورة الخيالية قد تكون‬
‫ً‬
‫ت ليفا من عندنا‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن قوة التخيل تتفر عن إلاحساس ألنها تستخدم الصور السابق تكوينها باإلحساس‪،‬‬
‫كما أنها تعمل في بعث الصور في ألاحالم‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪-‬املعرفة العقلية‪ :‬بعد أن تعرفنا على قوى كل من النفس النامية والحاسة‪ ،‬جاء الدور على‬
‫التعرف على النفس الناطقة أو النفس إلانسانية‪ ،L’âme intellective‬وهي النفس التي يختص بها‬
‫إلانسان دون الحيوان‪ ،‬ألن إلانسان وحده يتميز بقوة العقل أو النطق‪ ،‬وهو القوة القادرة على إدراك‬
‫ماهيات ألاشياء والخواص العامة املشتركة بين املحسوسات التي ال تتغير بتغير الزمان واملكان‪ .‬والعقل‬
‫على حد تعبير أرسطو في كتابه "دعوة للفلسفة" هو "آخر ما ينش من ملكات النفس‪ .‬وإذا سلمنا بهذا‬
‫يتبين أن مكانة العقل بحسب طبيعتها هي هدفنا كبشر وأن استخدامها هو الغاية ألاخيرة التي من أجلها‬
‫نش نا"‪.20‬‬
‫‪-0‬املقارنة بين الحس والعقل‪ :‬لقد وضح أرسطو في كتاب "في النفس" معنى وطبيعة العقل‪ ،‬وهو "ما‬
‫به تفكر‬
‫النفس وتتعقل املعاني"‪،21‬وهو ذو مفارقة للجسم املادي وأحواله من خالل املقارنة بينه وبين الحس في‬
‫أدائهما لفعل املعرفة‪ .‬إن العقل قوة صرفة كالحس‪ ،‬وطبيعته أنه بالقوة‪ ،‬كاللوح لم يكتب فيه ش يء‬
‫بالفعل‪ ،‬والعقل مفارق‪ ،‬أي ليس له عضو بعينه‪ ،‬وهذه املفارقة تفسر لنا كيف أن انفعاله يختلف عن‬
‫‪314‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫انفعال الحس‪ ،‬إذ أن الحس ال يستطيع إلادراك بعد الت ثير العنيف‪ ،‬فالسمع ال يدرك الصوت بعد‬
‫أصوات قوية‪ ،‬وال يدرك البصر والشم بعد ألوان ساطعة وروائح شديدة‪ ،‬أما "العقل فبالعكس‪،‬‬
‫يستطيع بعد تعقل موضو شديد التجريد أو املعقولية أن يتعقل موضوعات أدنى معقولية"‪،22‬‬
‫والسبب في ذلك أن الحس التحاده بعضو فهو يت ثر بفعل الش يء فيه‪ .‬وعلى ذلك فإن قوة الحس ال‬
‫توجد مستقلة عن البدن على حين أن العقل مفارق له‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بينما العقل نفارق لكل عضو وغير منفعل انفعاال طبيعيا كالحس‪ ،‬ويلي هذه القوة املحضة قوة أقرب‪،‬‬
‫فإن العقل بعد أن يخرج إلى الفعل‪ ،‬يحفظ صورة املوضو الذي تعقله ليستطيع أن يستعيدها‪ ،‬فهو‬
‫باإلضافة إلى هذه الاستعانة بقوة أقرب إلى الفعل من القوة ألاولى السابقة على العلم ويسمى حينئذ‬
‫عقل بامللكة‪.‬‬
‫لقد عارض أرسطو كل من سبقوه في نظرتهم املادية للعقل‪ ،‬وأضعف ببراهينه السابقة تلك النظرة‬
‫الفيزيقية‪ .‬وقد استند أرسطو في ذلك على مبدأين‪" ،‬أولهما املبدأ التجريبي القائل ب ن املعرفة والفكر‬
‫ً‬
‫يعتمدان بالتحديد على الخبرة الحسية‪ ،‬وهذا يعني أن الفكر يجب أن يكون مشتمال على تلك الخبرة‪.‬‬
‫ً‬
‫وثانيهما أن التفكير خاصية من خصائص النفس‪ ،‬سواء أكان نوعا من الخيال أو كان بدون خيال‪ ،‬ومن‬
‫ثم فإن التفكير ممكن الوجود بدون جسم"‪.23‬‬
‫‪-0‬العقل وعملية املعرفة‪ :‬يميز أرسطو بين عقل هو هيولي أو هو بالقوة‪ ،‬وعقل هو بالفعل وهو الذي‬
‫ً‬
‫يمثل العلة الفاعلة للمعرفة العقلية‪ ،‬ويؤكد على أسبقية ألاول زمانيا‪ ،‬يقول أرسطو‪" :‬أما العلم بالقوة‬
‫ً‬
‫فهو متقدم بالزمان في الفرد‪ ،‬ولكنه ليس متقدما بالزمان على إلاطالق"‪ ،24‬وإن لم يكن هذا التقدم‬
‫ً‬
‫بذي قيمة نظرا ألنه ال معرفة تتم للعقل إال بوجود القوة الفاعلة التي من ش نها تحويل الاستعداد أو‬
‫الوجود بالقوة إلى وجود بالفعل‪ ،‬وبمعنى آخر أن كل ما قصده أرسطو هنا هو الت كيد على أن القدرة‬
‫على التفكير لدى إلانسان تسبق التفكير الفعلي‪ ،‬وبالطبع فال قيمة لهذه القدرة إال إذا تحولت إلى فعل‪.‬‬
‫والعقل عند أرسطو نوعان عقل نظري وعقل عملي‪ ،‬فهو من حيث يدرك املاهيات في أنفسها يسمى‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عقال نظريا‪ ،‬ومن حيث يحكم على الجزئيات ب نها خير فيقبل عليها‪ ،‬أو شر فينفر منها يسمى عقال عمليا‪،‬‬
‫ّ‬
‫والفرق بين العقل والحس من هذه الناحية أن الحس يدرك الالذ أو املؤلم في حقيقته املتشخصة‪،‬‬
‫والعقل العمل يدرك الخير والشر من حيث هما كذلك وهما معقوالن كالحق والباطل‪.‬‬
‫والعقل النظري هو درجات وهي‪:‬‬
‫‪ -2‬العقل الهيوالني أو القعل املنفعل‪ :‬إنما هو عقل بالقوة‪ ،‬أي مجرد استعداد للتعقل‪ ،‬إنه يشبه‬
‫صفحة بيضاء ‪ Tabula Rasa‬خالية من الكتابة‪ ،‬ولكنها قابلة ألن يكتب عليها كل ش يء‪ .‬وهذا‬
‫العقل الهيوالني قابل ألن تحصل فيه املعقوالت بالفعل بت ثير عامل خارجي‪.‬‬
‫‪ -9‬والعقل بامللكة والعقل الفعال‪ ،‬وهو عبارة عن العقل الهيوالني وقد حصلت فيه املعقوالت‬
‫ف صبح بالفعل‪ ،‬بمعنى ما بعد إن كان بالقوة‪ ،‬نتيجة الكتساب املعارف‪ ،‬أو قل هو في مرحلة‬
‫‪315‬‬
‫حاج بن دحمان‬

‫وسطى بين القوة والفعل‪ ،‬ألن صاحبه يستطيع استحضار معارفه متى شاء‪ ،‬ولكنها ليست‬
‫ً‬
‫حاضرة دائما أمامه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -3‬وأخيرا العقل الفعال‪ ،‬وهو العلة الفاعلة لإلدراك ومبدأ الكمال أو التحقيق للعقل الهيوالني‪،‬‬
‫أي هو الذي يخرج املعقوالت من املاديات‪-‬وهي موجودة بالقوة‪-‬ويطبع بها العقل الهيوالني‬
‫فيخرجه إلى الفعل‪ ،‬وإال لظل عقال هيوالنيا بالقوة وملا تحقق له الكمال‪ .‬فالعقل الفعال هو‬
‫بالفعل دائما كالشمس‪ ،‬هو نور بالفعل دائما‪ ،‬يحيل املرئيات التي هي بالقوة إلى مرئيات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بالفعل‪ .‬فلو كانت تارة ضياء وتارة ظالما‪ ،‬أي لو لم تكن نورا بالفعل دائما‪ ،‬ملا استطاعت ان‬
‫تكشف ألاشياء وتنقلها من مرئيات بالقوة الى مرئيات بالفعل‪.‬‬
‫أما العقل العملي فهو تلك القوة التي تتجه إلى ما يجب طلبه أو تجنبه من املحسوسات فتساعد على‬
‫التنبؤ باألحداث املستقبلية ملا هو مؤلم وما هو لذيذ وهكذا ألامر بالنسبة إلى السلوك العملي على وجه‬
‫العموم‪ ،‬فالعقل العملي "يتعلق باللذيذ واملؤلم‪ ،‬بالحسن والقبيح‪ ،‬ولذلك ففيه جانب شخص ي حيث‬
‫يختلف من شخص إلى آخر الشعور بما هو لذيذ وما هو مؤلم"‪.25‬‬

‫‪ .4‬خاتمة‪ :‬لقد ذهب أرسطو وهو الفيلسوف العقلي إلى أن الحس هو مصدر املعرفة‪ ،‬وإن العالم‬
‫الخارجي هو موضو معرفتنا‪ ،‬وأن الوسيلة التي تربطنا بهذا العالم هي الحواس‪ ،‬فعنده أن من فقد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حسا ما فقد علما ما‪ ،‬لكنه ذكر أن املحسوسات أشبه بمادة أولية‪ .‬إنها انطباعات متعددة متنوعة البد‬
‫لها من قوة توجدها وترتبها وتصنفها وتجمع ما بينها من صفات مشتركة‪ ،‬هذه القوة هي العقل‪ ،‬فالعقل‬
‫يعمل في الطبيعة والطبيعة تمد العقل بموضو عمله‪ ،‬فاملعرفة عند أرسطو هي فعل أو عملية يشترك‬
‫فيها الحس والعقل باتصالهما بالعالم املحسوس‪ ،‬أطراف ثالثة عند أرسطو ال غنى لواحد منها عن‬
‫آلاخر‪ .‬ف رسطو على عكس أستاذه أفالطون يؤكد ما للمعرفة الحسية الواقعية من قيمة وحقيقة‬
‫ويقين‪ ،‬وإن كان لم يختلف معه في كون يقينها في درجة أقل من يقينية املعرفة العقلية ودقتها‪.‬‬
‫لقد أبطل أرسطو ادعاء منكري املعرفة الحسية‪ ،‬هؤالء الذين رأوا أن كل ما يظهر للحواس فليس‬
‫ً‬
‫بحق‪ ،‬ولقد أقام أرسطو إبطاله لدعوى هؤالء املنكرين على أن الكذب والبطالن ليس خاصا بالحس‬
‫ً‬
‫والحواس‪ ،‬وإنما يقع للحواس عرضا‪ .‬كما أن إلادراك الحس ي عند أرسطو ال يعني الاستغناء بالحواس‬
‫وحدها عن العقل‪ ،‬بل إن الحواس تحتاج إلى ترجمة معلوماتها‪ ،‬وذلك في الحس املشترك‪ ،‬وهو من‬
‫الحواس الباطنة‪ .‬وكما أن الحواس عند أرسطو في حاجة إلى العقل‪ ،‬فكذلك العقل في حاجة إلى‬
‫الحواس في عملية املعرفة‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫نظرية المعرفة عند أرسطو‪.‬‬

‫‪ .3‬قائمة املراجع‪:‬‬

‫عبد املنعم احلفين‪ ،‬املعجم الشامل ملصطلحات الفلسفة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،0222 ،‬ص ‪.888‬‬ ‫‪.1‬‬
‫ابراهمي مدكور‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشؤون املطابع ا ألمريية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،1881 ،‬ص ‪.021‬‬ ‫‪.0‬‬
‫مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬دار الكتاب اللبناين‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،0‬ط‪ ،1891 ،1‬ص‪.998‬‬ ‫‪.1‬‬
‫محمود محدي زقزوق‪ ،‬هتيد للفلسفة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ ،1888 ،5‬ص ‪.111‬‬ ‫‪.9‬‬
‫محد حسن همدي خبيت‪ ،‬الفلسفة الغريقية ومدارسها من طاليس اىل أأبروقلوس‪ ،‬عامل الكتب احلديث للنرش والتوزيع‪ ،‬اربد‪ ،‬ا ألردن‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ط‪ ،0215 ،1‬ص ‪.019‬‬
‫محمد عبد الرمحن مرحبا‪ ،‬مع الفلسفة اليواننية‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،1882 ،0‬ص ‪.109‬‬ ‫‪.6‬‬

‫أأفالطون‪ ،‬امجلهورية‪ ،‬مومف للنرش‪ ،1882 ،‬الكتاب السابع‪ ،‬ص ‪.111‬‬ ‫‪.9‬‬
‫محمد فتحي عبد هللا‪ ،‬عالء عبد املتعال‪ ،‬دراسات يف الفلسفة اليواننية‪ ،‬دار احلضارة للطباعة والنرش‪ ،‬طنطا‪ ،‬مرص‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪.8‬‬
‫أأميل برهييه‪ ،‬اترخي الفلسفة‪ ،‬اترخي الفلسفة اليواننية‪ ،‬ترمجة‪ :‬جورج طرابييش‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،0‬‬ ‫‪.8‬‬
‫‪ ،1889‬ج‪ ،1‬ص ‪.098‬‬
‫أأمحد امني‪ ،‬زيك جنيب محمود‪ ،‬قصة الفلسفة اليواننية‪ ،‬مطبعة دار الكتب املرصية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ ،1815 ،0‬ص ‪.000‬‬ ‫‪.12‬‬

‫محمد فتحي عبد هللا‪ ،‬عالء عبد املتعال‪ ،‬دراسات يف الفلسفة اليواننية‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.169‬‬ ‫‪.11‬‬
‫مصطفى النشار‪ ،‬أأرسطو طاليس حياهتب وفلسفته‪ ،‬املرجع السابق‪.115 ،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬عمل ا ألخالق اىل نيقوماخوس‪ ،‬ترمجة‪ :‬أأمحد لطفي الس يد‪ ،‬مطبعة دار الكتاب املرصية القاهرة‪ ،1809 ،‬ج‪ ،0‬ك‪ ،9‬ب‪ ،5‬ف‪،1‬‬ ‫‪.11‬‬
‫ص ‪.100‬‬
‫محمد عبد الرمحن مرحبا‪ ،‬مع الفلسفة اليواننية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫‪.19‬‬
‫‪15 Jean Brun, Aristote et le Lycée, presse universitaires de France, Paris, deuxième édition, 1965, p88.‬‬ ‫‪.15‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬نقهل اىل العربية أأمحد فؤاد ا ألهواين‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ ،1898 ،1‬ك‪ ،0‬ص ‪.90‬‬ ‫‪.16‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪.19‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫‪.18‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫‪.18‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬دعوة للفلسفة‪ ،‬قدّ مه للعربية مع تعليقات ورشوح عبد الغفار ماكوي‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪.02‬‬
‫ص ‪.18‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫‪.01‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.128‬‬ ‫‪.00‬‬
‫مصطفى النشار‪ ،‬أأرسطو طاليس حياته وفلسفته‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪.01‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪.09‬‬
‫أأرسطو‪ ،‬يف النفس‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.118‬‬ ‫‪.90‬‬

‫‪317‬‬

You might also like