You are on page 1of 5

‫الفصل الثاني‪ :‬استكشاف أفكار المدارس االقتصادية‪ :‬رحمة عبر التفكير االقتصادي‪.

‬‬

‫الفكر االقتصادي ىو الفكر االنساني في مجال الحیاة االقتصادیة‪ ،‬ویتولى دراسة القوانین التي‬
‫تحكم الظواىر االقتصادیة ویستنتج النظریات ویكتشف القوانین االقتصادیة التي تفسر وتحكم ىذه‬
‫الظواىر‪ ،‬وكذلك یضع السیاسات من أجل تطبیقيا وحل المشكمة االقتصادیة‪ ،‬فتطور الفكر االقتصادي‬
‫ىو دراسة التطور الذي شيده الفكر االنساني في المجال االقتصادی مدحت القریشي(‪ ،3122‬ص‪.)31 .‬‬

‫الفكر االقتصادي في العصور الوسطى‪:‬‬


‫‪ -‬الفكر االقتصادي عند االغريق‪:‬‬
‫كان الفكر االقتصادي في العصور القدیمة عبارة عن انطباعات تتعمق بالوقائع التي وجدت‬
‫بالمجتمع آنذاك‪ ،‬وىي انطباعات ایدیولوجیة ال شأن ليا بالتحمیل العممي‪ ،‬وعمیو یمكن القول انيا معمومات‬
‫خاصة بما كان یجري في الحیاة االقتصادیة لممجتمع في ذلك الزمان‪ ،‬فالفكر االقتصادي عند االغریق‬
‫نجده في ثنایا الفمسفة خاصة عند أفالطون وأرسطو ‪ ،‬فقد مثل االستدالل االقتصادي جزءا ال یتج أز من‬
‫فمسفتيم العامة لمدولة والمجتمع‪ ،‬فمجتمعيم كان منظم في صورة دولة المدینة وىو تنظیم فرضتو جغارفیة‬
‫المكان ونوع التنظیم القبمي الذي كان سائدا‪ ،‬ویجد أساسو في طریقة االنتاج التي كانت سائدة آنذاك‬
‫(دویدار‪، 1993 ،‬ص‪.)76.‬‬

‫الفكر االقتصادي عند أفالطون‪:‬‬


‫تناول أفالطون في القرن الرابع قبل المیالد بعض المشاكل االقتصادیة في كتابیو" الجميوریة‬
‫و"القوانین"‪ ،‬حیث یرى أن نشأة الدولة ترجع الى اعتبارات اقتصادیة فحاجات االنسان متعددة والبد من‬
‫اجتماع األفراد في جماعة سیاسیة حتى یكمنيم اشباع ىذه الحاجات‪ ،‬فقد قسم أفالطون المجتمع في‬
‫مدینتو المثالیة القائمة عمى تقسیم العمل واالختصاصات الطبقیة الى طبقة الحكام والتي تضم الفالسفة‬
‫والحكماء والنبالء والمحاربین‪ ،‬وال یحق ليذه الطبقة التممك والتوریث‪ ،‬أما الطبقة الثانیة فيي طبقة‬
‫المحكومین التي تتشكل من العمال الیدویین والزراعیین والصناع والحرفیین‪ ،‬ویحق ليم الممكیة الفردیة‬
‫عمى عكس الطبقة الحاكمة ألنيم یيدفون إلى تحقیق األرباح‪ ،‬أما الطبقة الثالثة وىي طبقة الرق فیعتبرىم‬
‫أفالطون بأنيم العنصر الدائم في الحضارة االنسانیة‪.‬‬
‫ومما سبق یمكن القول أن أفالطون ‪-‬من خالل دراستو لمظواىر االقتصادیة‪ -‬طرح بعض‬
‫األفكار كتمك التي تخص تقسیم العمل الذي اعتبره ضروري لمتقسیم الطبقي االجتماعي الموجود‪ ،‬وأكد‬
‫أیضا أن تقسیم العمل ىو األساس لمزیادة في كفاءة األفراد شرط أن یكون عمى أساس الميارات التي‬
‫یممكيا األفراد‪ ،‬كما اشار الى النقود فقد اعتبرىا وسیمة لتسيیل التبادل اقترح استخدام نوع من النقود لو‬
‫قیمة صوریة‪ ،‬وبيذا یكون أول من نادى بأن تكون لمنقود قیمة مستقمة عن قیمتيا الذاتیة (عبد الرحمان‪،‬‬
‫‪،1994‬ص ص‪.)43-42.‬‬

‫الفكر االقتصادي عند أرسطو‪:‬‬


‫رغم أنو كان تممیذه اال أن أرسطو خالف أفالطون‪ ،‬ورأى أنو یكمن التوفیق بین مصمحة الفرد‬
‫والمصمحة العامة‪ ،‬وبین أن الدافع الشخصي ىو من أقوى الدوافع لتحقیق المصمحة العامة‪ .‬وكان ألرسطو‬
‫أفكار اقتصادیة من خالل تفسیر بعض الظواىر االقتصادیة‪ ،‬حیث فرق بین القیمة االستعمالیة التي‬
‫تعتمد عمى قیمة منفعة الشيء بالنسبة لمشخص‪ ،‬والقیمة التبادلیة التي یتم فیيا تحدید معدل التبادل بین‬
‫السمع‪ .‬واعتبر األثمان القائمة عمى االحتكار غیر أخالقیة فيي أثمان غیر عادلة‪ ،‬كما وقد فرق بین الثراء‬
‫الطبیعي وغیر الطبیعي‪ ،‬حیث اعتبر استخدام العبید ثراء طبیعیا بینما اعتبر التجارة ثراء غیر طبیعي‪،‬‬
‫وقال إن النقود غیر منتجة في ذاتيا لذك اعتبر الفوائد ثراء غیر طبیعي‪ ،‬كما فرق أیضا بین األموال التي‬
‫تيمك باالستعمال واألموال التي ال تيمك باالستعمال‪ ،‬حیث رأى أن النقود تيمك عند استعماليا في شراء‬
‫السمع والخدمات‪ ،‬في حین أنيا ال تيمك باالستعمال إذا أخذت وتم احتساب سعر الفائدة عمیيا‪.‬‬

‫الفكر االقتصادي عند المسممين;‬


‫برزت في تاریخ الفكر االقتصادي اإلسالمي أسماء كثیرة كانت ليا أفكار اقتصادیة ‪ ،‬وسنخص‬
‫بالذكر مفكرین اثنین‪ ،‬األول ابن خمدون الذي من بین اسياميتو ما تعمق بظاىرة القیمة والثانی ىو‬
‫المقریزي الذي اىتم بالمسائل النقدیة‪.‬‬

‫عند ابن خمدون (‪2041-2331‬م)‪:‬‬

‫كان لعبد الرحمن ابن خمدون بعض االىتمام بالظواىر االقتصادیة إلى جانب دراساتو المتعمقة‬
‫بعمم االجتماع‪ ،‬فتناوليا في مقدمتو في الباب األول من الكتاب الخامس تحت عنوان; "في المعاش‬
‫ووجوبه من الكسب والصنائع وما يعرض في ذلك كمه من األحوال وفيه مسائل (بویمي سكینة ص‬
‫‪.)218‬‬
‫یرى ابن خمدون أن العمل ىو مصدر القیمة وأن المنفعة شرط القیمة‪ ،‬أي أنو لكي تكون لمسمعة أو‬
‫الخدمة قیمة یتعین أن تكون مطموبة اجتماعیا‪،‬وقد ذكر ابن خمدون أن تقسیم العمل لو أىمیة كبیرة‪،‬‬
‫خاصة وأن مجاالت الحیاة متعددة واإلنسان بذلك ال یستطیع قضاء حاجاتو بمعزل عن بني جنسو‪ ،‬ولكن‬
‫حمیش عبد‬
‫ىناك بعض الحرف التي تعتبر أميات الصنائع كالفالحة‪ ،‬والبناء‪ ،‬والتجارة‪ ،‬وصناعة الحیاكة( ِّ‬
‫الحق‪ ،‬ص ‪.):5-:4‬‬
‫ویمكن ایجاز أىم األفكار االقتصادیة التي جاء بيا ابن خمدون من خالل معالجتو بعض الظواىر‬
‫االقتصادیة كما یمي; ( مدحت القریشي‪ ،2011 ،‬ص‪.)76‬‬
‫‪ ‬درس الحاجات البشریة‪ ،‬معتب ار أن االنسان یحتاج الى أشیاء أساسیة وأخرى ثانویة‪ ،‬حیث تنشأ‬
‫الحاجات الكمالیة مع رقي وتطور المجتمع‪.‬‬
‫درس طبیعة االنتاجیة وتقسیم العمل‪ ،‬وأكد عمى ان انتاج السمع یحتاج الى تعاون أفراد المجتمع‬ ‫‪‬‬
‫وتقسیم العمل بینيم‪ ،‬كما میز بین عوامل االنتاج وىي العمل ورأس المال والموارد الطبیعیة‪،‬‬
‫واعتبر العمل أىميا‪.‬‬
‫‪ ‬درس النشاط االقتصادي واكتساب الدخل‪ ،‬وأقر بأن الدخل ال یتحقق إال نتیجة العمل‪ ،‬ومیز بین‬
‫أنواع النشاط االقتصادي المختمفة‪.‬‬
‫‪ ‬قام بتحمیل األسعار ووضح تأثیر العرض والطمب في تحدید مستوى األسعار وتقمباتيا‪ ،‬كما بحث‬
‫في أثر اختالف الثروة فیما بین الدول عمى طمب كل منيا عمى أنواع السمع المختمفة وعرضيا‪ ،‬وأثر كل‬
‫ذلك عمى ما یعرف الیوم بالمستوى العام لألسعار‪.‬‬
‫‪ ‬قام بتحمیل تطور المجتمع وتقدمو االقتصادي‪ ،‬ورأى أن زیادة السكان تؤدي الى تقسیم العمل وىو‬
‫ما یؤدي الى زیادة االنتاج ودخل أفراد المجتمع‪ ،‬ویدفعيم ذلك الى توجیو جزء من نشاطيم‬
‫االنتاجي النتاج السمع الكمالیة وبالتالي یزداد الطمب عمى ىذه السمع أیضا‪.‬‬

‫المقريزي (‪2001-2310‬م)‪:‬‬
‫رغم تأثر المقریزي باستاذه ابن خمدون‪ ،‬إال أنو أخذ مسمكا آخر في تفسیر الظواىر االقتصادیة‬
‫فإذا كان ابن خمدون ركز في تحمیمو االقتصادي عمى نظریة القیمة فإن المقریزي كان تحمیمو االقتصادي‬
‫عمى أساس نقدي من خالل اىتمامو بتحمیل أسباب الظاىرة التاریخیة‪ ،‬وبتحمیمو لبعض المشكالت كالنقود‬
‫والغالء وتوزیع المكاسب ومعامالت األسواق وأكد في كتابو"اغاثة األمة بكشف الغمة "بأن الغالء والرخاء‬
‫یتعاقبان منذ القدم‪.‬‬
‫وعند دراستو لممجاعة التي تعرف في الفكر الرأسمالي الحدیث باألزمة االقتصادیة‪ ،‬أرجعيا إلى أسباب‬
‫طبیعیة كالجفاف والقحط‪ ،‬وأخرى سیاسیة تتمثل في فساد اإلدارة أضف إلى ذلك الضرائب الكثیرة‪ ،‬وأسباب‬
‫اقتصادیة مثل ارتفاع تكمفة البذور وأجور العمال‪ ،‬ما أدى إلى ندرة السمع في السوق مع تواجد مرتفع‬
‫لمعمالت النقدیة مما جعل سعر السمع یقفز إلى مستویات عالیة (أسامة سعید‪ ،3126،‬ص‪.)45-44‬‬
‫األفرد‪ ،‬في حین أن شیوع‬
‫ا‬ ‫وأكد المقریزي أن تدخل الدولة في النشاط االقتصادي قد یضر بمصالح‬
‫المنافسة في األسواق یؤدي الى الرخاء ‪ ،‬وعمیو فقد حاول المقریزي تحمیل أسباب األزمات من خالل‬
‫فساد سیاسة الحكم وسوء االدارة (مدحت القریشي‪ ،2011،‬ص‪.)8‬‬
‫وذكر المقریزي تاریخ ظيور النقود في مصر‪ ،‬إذ كان الدینار الذىبي ىو العممة الوحیدة المتداولة‬
‫الدرىم الفضی ة الستعمميا في تمبیة النفقات الیومیة التي لم یتقبميا‬
‫إلى غایة القرن العاشر‪ ،‬حیث أدخمت ا‬
‫أفراد المجتمع إال في القرن الثالث عشر‪ ،‬ثم ظيرت الفموس (نقود من معادن رخیصة) لتسویة بعض‬
‫المعامالت ذات القیمة الصغیرة‪ .‬فالدینار والدرىم كمعادن نفیسة كانت تستخدم في المعامالت الكبیرة‪ ،‬أما‬
‫الفموس فاستخدمت في المعامالت الیومیة الصغیرة(أسامة سعید‪ 3126،‬ص‪ ،)45-44‬ونتیجة زیادة‬
‫تداوليا فقد أخذت شیئا فشیئا تحل محل نقود المعدنین‪.‬‬
‫وبالنسبة لممقریزي فأن سبب االرتفاع المستمر في تكالیف االنتاج و بالتالي ارتفاع األسعار‪ ،‬یرجع‬
‫أساسا الى زیادة كمیة النقود المتداولة‪ ،‬وىنا وضع المفكر األساس األول لمنظریة النقدیة والتي جاء بيا‬
‫فیشرفیما بعد‪ ،‬ولكن فكر المقریزي كان أعمق من الفكر االقتصادي الكالسیكي‪ ،‬حیث أشار إلى تأثیر‬
‫النقود عمى كل المتغییرات االقتصادیة وأكد عمى عدم حیادیة النقود‪ ،‬كما أكد أیضا عمى فعالیة تغیر كمیة‬
‫النقود عمى مستوى النشاط االقتصادي‪ ،‬ولحل مشكمة كمیة النقود طالب المقریزي بأن یتم صك النقود من‬
‫المعادن النفیسة حتى یمكن تحدید كمیتيا‪ ،‬وبین أن النقود الردیئة ستطرد النقود الجیدة من السوق في‬
‫حاالت األزمات والغالء وبيذا نجد في فكر المقریزي جوىر ما یسمى في ما بعد بقانون غریشام (دویدار‪،‬‬
‫‪ ،1993‬ص ‪.):9-:8‬‬

You might also like