You are on page 1of 9

‫جامعة األزهر‬

‫كلية الدراسات اإلسالمية والعربية للبنين بالقاهرة‬

‫مشروع بحث‬

‫‪ :‬التاريخ اإلسالمي‬ ‫مادة‬

‫مقدم من الطالب ‪ :‬عرفان واحد‬

‫‪ :‬األولى‬ ‫المقيد بالفرقة‬

‫‪ :‬انتظام‬ ‫حالة الطالب‬

‫‪16107 :‬‬ ‫رقم الجلوس‬

‫‪ :‬إندونيسيا‬ ‫الجنسية‬

‫‪B9697594 :‬‬ ‫رقم الجواز‬


‫المقدمة‬

‫السالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

‫الحمد هلل الذي رفع قدر العلم والعلماء في األكوان وجعلهم مصابيح األنام إلى ما فيه رضا الرحمن‬
‫القرن‪ .‬فتخرج‬
‫والحمد هلل الذي اختار األزهر الشريف قبلة ورم از للعلم واإلتقان وجعله حفيظا ووعاء لمنهج آ‬
‫من ساحته األكابر والعلماء الربانيون‪.‬‬

‫ثم نصلى ونسلم على حبيب الواهب المنان سيدنا محمد سيد ولد عدنان وعلى أله وأصحابه أجمعين‪.‬‬

‫هذا البحث كتبته الستيفاء المشروع البحثي للفصل الدراسي الثاني بجامعة األزهر من كلية الدراسات‬
‫اإلسالمية والعربية‪ ،‬والبحث يتضمن فيه المباحث التالية‪:‬‬

‫الخليفة معاوية بن أبي سفيان ومنهجه في حكم الدولة اإلسالمية‬ ‫•‬


‫الخليفة عبد الملك بن مروان ودوره في تعريب الدواوين وصك العملة‬ ‫•‬
‫الخليفة عمر بن عبد العزيز وأهم إصالحاته‬ ‫•‬

‫التمهيد‬

‫الخليفة معاوية بن أبي سفيان من أصحاب الرسول وأحد كتّاب الوحي‪ .‬سادس الخلفاء في اإلسالم‬
‫ومؤسس الدولة األموية في الشام و ّأول خلفائها‪ .‬قيل أنه أسلم هو وأبوه وأمه وأخوه يزيد يوم فتح مكة‪ ،‬وقيل‬
‫أنه أسلم قبل الفتح وبقي يخفي إسالمه حتى عام الفتح‪.‬‬

‫الخليفة عبد الملك بن مروان هو الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس الثاني للدولة األموية‪.‬‬
‫بويع عبد الملك بن مروان بالخالفة في اليوم الذي توفي فيه والده في دمشق عام ‪ 65‬هـ‪ .‬بايع بنو أمية ابن‬
‫مختلفا مع العلماء‪ ،‬فقد بايع بعض العلماء ابن مروان في الشام‪ ،‬وكانوا‬
‫ً‬ ‫مروان بالخالفة‪ ،‬لكن الوضع كان‬

‫قلة ال يعدون ً‬
‫شيئا وكان هناك العلماء الذين بايعوا عبد هللا بن الزبير‪ ،‬أو الذين اعتزلوا حتى تجتمع األمة‬
‫على خليفة‪.‬‬

‫الخليفة عمر بن عبد العزيز هو ثامن الخلفاء األمويين‪ ،‬تميزت خالفة عمر بن عبد العزيز بعدد من‬
‫وعزل جميع الوالة‬
‫ُ‬ ‫العدل والمساواة‪ُّ ،‬‬
‫ورد المظالم التي كان أسالفه من بني أمية قد ارتكبوها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المميزات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫عده كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين‪ ،‬كما‬
‫الظالمين ومعاقبتُهم‪ ،‬كما أعاد العمل بالشورى‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫اهتم بالعلوم الشرعية‪ ،‬وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫العرض‬

‫معاوية بن أبي سفيان ومنهجه في حكم الدولة اإلسالمية‬ ‫أ‪.‬‬

‫‪ .1‬معاوية بن أبي سفيان (‪ 60 – 41‬هــ ‪ 680 – 661 /‬م)‬

‫هو معاوية بن أبي سفيان صخر بني حرب بن أمية بن عبد الشمس بن عبد مناف وأمه هند بنت عتبة‬
‫بن ربيعة بن عبد الشمس‪ ،1‬وكان مولده بالخيف من منى قبل الهجرة بخمس عشرة سنة‪ ،‬وهو يجتمع مع‬
‫النبي – صلى هللا عليه وسلم – في عبد مناف من جهة أمه وأبيه‪ ،‬وقد شاهد في طفولته أدوار ذلك النزاع‬
‫المحتدم بين جند الحق وأحالف الباطل‪ ،‬وأعمل فكره فيما يرى ويسمع‪ ،‬فهداه تفكيره إلى الدخول في اإلسالم‪.‬‬

‫كان معاوية بن أبي سفيان – رضي هللا عنه – أمينا إلى أبعد حدود األمانة األمر الذي حببه إلى أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي هللا عنه – ويسر له أن يظل أمي ار على الشام عشرين عاما قبل أن‬
‫يكون خليفة اكتسب فيها خبرة عملية في اإلدارة والحكم مكنته من أن يسير في طريق النجاح خطوات تليها‬
‫خطوات‪ ،‬هذا إلى جانب ما كان يتحلى به من سماحة وحزم فقد كان موهوبا في الناحيتين سجل ذلك ابن‬
‫طباطبا العلوي في كتابه الفخري‪.2‬‬

‫وقد نجحت سياسة معاوية داخل الدولة وخارجها‪ .‬فأما في الداخل فقد نظم البريد بطريقة لم تعرف من‬
‫قبله‪ ،‬وابتكر ديوان الخاتم لتسجيل توقيعات الخليفة وربطها بخيط وختمها بشمع تبقى لها هيبتها وجاللها‬
‫وتصبح في مأمن من عبث العابثين‪ .3‬وأما في الخارج فقد تصدى للرمان الذين أغاروا على حدود الدولة‬
‫اإلسالمية الشمالية الغريبة‪ ،‬وبنى أسطوال بلغت عدته ‪ 1700‬سفينة استولى على قبرص ودووس وغيرها‬
‫من جزر الروم بل استطاع أن يصل إلى أسوار القسطنطينية‪ ،‬وأدخل من أسلم من البربر في عداد جيشه‪.4‬‬

‫‪ .2‬منهج معاوية في حكم الدولة اإلسالمية‬

‫تطلع معاوية إلى العالم اإلسالمي الذي أضحت بيده مقاليد األمور‪ ،‬فوجد أن أحواله قد تغيرت عما‬
‫كانت عليه أيام أبي بكر وعمر تغيي ار يتطلب تطور أساليب الحكم فيه‪ .‬كما وجد معاوية نفسه في مجتمع‬
‫ذهب الناس فيه في تفكيرهم مذاهب شتى وسهل عليهم خوض غمار الفتن والحروب األهلية فكان من الالزم‬
‫أن يغاير منهجه في الحكم منهج الخلفاء الراشدين‪ ،‬وقد وجد معاوية فيما كان لدي العرب من شريعة إسالمية‬
‫وتقاليد عربية ما ابتكر منه ومما كان لدي الفرس والرومان نظاما كفيال بإدارة شئون الدولة على نحو لم‬

‫‪ 1‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية ج ‪ 8‬ص ‪ .117‬مكتبة المعارف بيروت وابن سعد الطبقات الكبرى ج ‪ 3‬ص ‪ .32‬وج ‪ 7‬ص ‪ .406‬دار صادر بيروت‪.‬‬
‫‪ 2‬الفخري في اآلداب السلطانية ص ‪.106/104‬‬
‫‪ 3‬د‪ /‬محمد الطيب النجار – الدولة األموية في الشرق ص ‪ .44‬دار االعتصام طبعة ثالثة ‪ 1977‬م‪.‬‬
‫‪ 4‬د‪ /‬إبراهيم العدوي‪ :‬األمويون والبيزنطيون ص ‪ 127/123‬الدار القومية للطباعة‪.‬‬
‫يألفه العرب من قبل وأطلقوا على حكمه لهذا لفظ الملك مستندين إلى ما ورد من أن الخالفة بعد رسول هللا‬
‫– صلى هللا عليه وسلم – ثالثون سنة ثم ملك بعد ذلك‪.5‬‬

‫جعل معاوية األساس في اختيار عماله ما كان يتمتع به الواحد منهم من حزم وحسن تصرف وأخبرهم‬
‫باإلدارة وسياسة الناس ليساعدوه في إدارة الدولة وتوطيد االستقرار فيها دون أن يكون لعشيرته دخل في ذلك‬
‫االختيار ليتفادى سهام النقد الذي تعرض لها عثمان بن عفان من قبل وكان هؤالء الرجال إما من أبناء بيته‬
‫أو من أشد الناس إخالصا له وتنفيذا لسياسته‪.‬‬

‫وهو أول من أحاط نفسه من الخلفاء بجند يسيرون بين يديه بالحراب والعمد ويقومون على رأسه‬
‫بالسيوف بعد أن عاصر من الحوادث الجسام ما أودى بحياة ثالثة من الخلفاء األربعة الراشدين قبله نتيجة‬
‫امت ازجهم الكامل بأفراد الشعب في الوقت الذي اندمج فيه في صفوف المسلمين رجال من عناصر قد غلبت‬
‫على أمرها وأشعل نيران الحقد في قلوبهم سلطانهم الضائع القادم‪ .‬وحفل عهده بالرخاء فكان عصره من‬
‫أزهى عصور الخالفة اإلسالمية‪.‬‬

‫الخليفة عبد الملك بن مروان ودوره في تعريب الدواوين وصك العملة‬ ‫ب‪.‬‬

‫‪ .1‬عبد الملك بن مروان (‪ 86 – 65‬هــ ‪ 705 – 684 /‬م)‬

‫هو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية‪ ،‬أبو الوليد أمير المؤمنين وأمه عائشة بنت‬
‫معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية ولد في المدينة سنة ‪ 26‬ه ـ في خالفة عثمان بن عفان – رضي‬
‫هللا عنه – ونشأ بها نشأة علمية وتتلمذ على كبار الصحابة من أهل المدينة فنشأ في بيت علم وفضل‪،‬‬
‫وكان عاقال حازما فصيحا بليغا عالما بأحكام الدين وكان يتمتع بثقافة عالية ويعد أحد فقهاء المدينة‪ ،6‬فقد‬
‫حفظ القرآن الكريم وق أر العلوم الدينية‪ ،‬كما كان أديبا عالما بقي الشعر وتمييز جيده من رديئة‪.7‬‬

‫قضى عبد الملك معظم حياته قبل أن يلي الخالفة في المدينة‪ ،‬ينهل من علم علمائها وفقهائها ويتأدب‬
‫بآدابهم‪ ،‬ولم يكن يغادرها إال للحج أو الغزو فقد اشترك في غزو إفريقية في عهد معاوية‪ ،‬وكثير ما كان‬
‫يشترك في غزو بالد الروم‪.8‬‬

‫ولي عبد الملك الخالفة في وقت تفتت فيه وحدة العالم اإلسالمي‪ ،‬فعبد هللا بن الزبير قد أعلن نفسه‬
‫خليفة في الحجاز‪ ،‬ودان له بالطاعة كثيرون‪ ،‬والشيعة ثائرون وقد جمع بأسمهم المختار بن أبي عبيد هللا‬

‫‪ 5‬اليعقوبي‪ :‬تاريخ اليعقوبي ج ‪ 2‬ص ‪.277/276‬‬


‫‪ 6‬كان يقال فقهاء المدينة أربعة‪ :‬سعيد بن المسيب‪ ،‬وعبد الملك بن مروان‪ ،‬وعروة بن الزبير‪ ،‬وقبيص بن ذؤيب‪ .‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ .9‬ص ‪.62‬‬
‫‪ 7‬ابن سعد‪ :‬كتاب الطبقات الكبرى‪ .‬ج ‪ .5‬ص ‪ ،223‬وابن قتيبه‪ :‬المعارف‪ .‬ص ‪ ،355‬واليعقوبي‪ :‬تاريخ‪ .‬ج ‪ .2‬ص‪ ،269‬والمسعودي‪ :‬مروج الذهب‬
‫ومعادن الجوهر‪ .‬ج ‪ .3‬ص ‪ ،99‬وابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ .8‬ص ‪ ،260‬والذهبي‪ :‬سير أعالم النبالء‪ .‬ج ‪ .4‬ص ‪.246‬‬
‫‪ 8‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ .9‬ص ‪.62‬‬
‫الثقفي جيشا كبي ار عبث بأمن العراق ووحدته وانتهز الخوارج فرصة ذلك االضطراب فعاثوا في أرض الدولة‬
‫فسادا‪ ،‬وعتوا عتوا كبيرا‪ ،‬ومع هذا استطاع عبد الملك أن يتغلب على هذه المشكالت السيايسة ويرسى قواعد‬
‫الدولة األموية من جديد على أسس قوية فاعتبر بحق المؤسس الثاني للدولة األموية‪.9‬‬

‫كان عبد الملك بن مروان يقود الجيوش بنفسه في أغلب أحواله‪ ،‬ومن أهم المعارك التي قادها‪ ،‬معركة‬
‫العراق صد مصعب بن الزبير الذي كان أمي ار فيه من قبل أخيه عبد هللا بن الزبير ولما ظفر بمصعب ضم‬
‫العراق إلى سلطانه ولم يبق أمامه غير عبد هللا بن الزبير في الحجاز‪.10‬‬

‫اعتبر هو بحق المؤسس الثاني للدولة األموية‪ .‬ومن أهم إنجازاته "تعريب الدواوين" و "صك العملة"‪.‬‬

‫‪ .2‬دوره في تعريب الدواوين وصك العملة‬


‫• تعريب الدواوين‬

‫وجه عبد الملك إلى الحجاز قائده الحجاج بن يوسف الثقفي سنة ‪ 72‬ه ـ لمقاتله عبد هللا بن الزبير‬
‫وحاصر الحجاج مكة وماها بالمجانيق‪ ،‬ولما اشتدت الحال بأهلها تخلوا عن ابن الزبير الذي استشار أمه‬
‫أسماء بنت أبي بكر فيما يفعل فأشارت عليه بمواصلة القتال حتى يموت كما مات أصحابه‪ ،‬فصمد ابن‬
‫الزبير في المعركة حتى قتل‪ ،‬وعين عبد الملك الحجاج واليا على الحجاز ثم نقله بعد ذلك أمي ار على العراق‬
‫للقضاء على الفتنة فيه‪ ،‬وبهذا استتب األمر له في كل األمصار اإلسالمية وسمي هذا العام سنة ‪ ۷۳‬هـ‬
‫عام الجماعة الثاني لدخول كل واليات الدولة في طاعة عبد الملك بن مروان‪.11‬‬

‫اتجه عبد الملك بعد إطفاء نيران الفتن إلى تحويل كل شيء ف جهاز الدولة إلى اللغة العربية وهو ما‬
‫عرف بتعريب الدواوين‪ 12‬ذلك أن عمر بن الخطاب قد ترك إدارة البالد المفتوحة كما كانت بلغات أهلها مع‬
‫تعديل بسيط ألن العرب لم يكونوا آنذاك مؤهلين إلدارة تلك البالد‪.13‬‬

‫فكان ديوان الشام بالرومية وديوان العراق وفارس بالفارسية وديوان مصر كان بالقبطية والذي كان‬
‫يحرر بتلك اللغات من الدواوين إنما هو ديوان الجباية ‪ ،‬أما ديوان الجند فقد كان يحرر بالعربية وحدها‪.‬‬
‫فلما استتب األمر لعبد الملك بن مروان‪ ،‬حرص في أن تكون العربية وحدها لغة تلك الدواوين اإلسالمية‪.‬‬
‫ونفذ ذلك في دواوين العراق والشام في أيامه‪ ،‬أما الديوان في مصر فقد تأخر نقله إلى أوائل عهد الوليد بن‬

‫‪ 9‬الطبري‪ :‬تاريخ الرسل والملوك‪ .‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،138‬وابن األثير‪ :‬الكامل في التاريخ‪ .‬ج ‪ .4‬ص ‪.296‬‬
‫‪ 10‬الطبري‪ :‬تاريخ الرسل والملوك‪ .‬ج ‪ 6‬ص‪ ،151‬وابن األثير‪ :‬الكامل في التاريخ‪ .‬ج ‪ .4‬ص ‪.333‬‬
‫‪ 11‬الطبري‪ :‬تاريخ الرسل والملوك‪ .‬ج ‪ 6‬ص ‪ ،357‬وابن األثير‪ :‬الكامل في التاريخ‪ .‬ج ‪ 4‬ص ‪.478‬‬
‫‪ 12‬الدواوين‪ :‬كلمة فارسية األصل يقصد بها الكتاب أو أماكن عملهم أو السجالت المعدة الحصاء األموال وضبط الموارد والعطاء د‪ /‬حسن إبراهيم حسن‬
‫أخيه‪ ،‬النظم اإلسالمية ص ‪.186‬‬
‫‪ 13‬البالذري‪ :‬فتوح البلدان‪ .‬ص ‪ ،549‬والماوردي‪ :‬األحكام السلطانية‪ .‬ص ‪ ،199‬وابن الطفطفا‪ :‬الفخري‪ .‬ص ‪.83‬‬
‫عبد الملك‪ .‬وبتعريب الدواوين‪ ،‬يكون عبد الملك قد أدى للدولة اإلسالمية خدمة عظمى‪ .‬فلقد أصبحت اللغة‬
‫العربية هي اللغة الرسمية في جميع أجهزة الدولة‪ ،‬وهذا األمر هو الذي ساعد على نشر اللغة العربية‬
‫وتعريب ألسنة أهل البالد المفتوحة‪ ،‬مما زاد فهمهم لإلسالم وإقدامهم على اعتناقه كما أتاح للعرب فرصة‬
‫العمل في دواوين الخراج وأظهروا في ذلك مقدرة وكفاءة‪ ،‬كما أن الموظفين الذين أرادوا االحتفاظ بوظائفهم‬
‫من أهل البالد أقبلوا على تعلم اللغة العربية ألنها أصبحت شرطا لبقائهم فيها‪.14‬‬

‫صك العملة‬ ‫•‬

‫وقد اتبع عبد الملك خطوة تعريب الدواوين بخطوة ال تقل عنها أهمية وهي إصدار عملة للدولة‬
‫اإلسالمية‪ .‬فلقد كانت العمالت األجنبية كالدراهم والدنانير الفارسية والبيزنطية هي التي تتداول في الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،15‬حتى جاء عبد الملك الذي رأى له حفاظا على كرامة الدولة وصونا لسيادتها ودعما الستقاللها‬
‫أن تكون لها عملتها الخاصة بها‪ .‬فأصدر أوامره بصك عملة إسالمية وحظر التعامل بغيرها من العمالت‬
‫األجنبية‪ .‬وأقام مصانع لصك النقود عرفت بدور الضرب‪ ،‬وأصبحت الدولة هي التي تشرف على ضرب‬
‫العملة ونقشها ووزنها‪ ،‬وكان الخليفة هو الذي يحدد وزن العملة ومعيارها الشرعي فتميز الخالص من‬
‫المغشوش‪ ،‬كما أنشأت دور الضرب النقود في عواصم األقاليم والمدن الكبرى‪.16‬‬

‫الخليفة عمر بن عبد العزيز وأهم إصالحاته‬ ‫ج‪.‬‬


‫‪ .1‬عمر بن عبد العزيز (‪ 101 – 99‬هــ ‪ 720 – 718 /‬م)‬

‫هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن أبي العاص بن أمية‪ ،‬وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن‬
‫الخطاب وقد ولد بالمدينة المنورة سنة ‪ 62‬هــ‪.‬‬

‫نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة‪ ،‬وبناء على رغبة أبيه الذي تولى إمارة مصر بعد مولد عمر بقليل‬
‫وظل واليا عليها حتى وفاته بها(سنة ‪ 85 – 65‬هــ) إال أنه أبقى ابنه عمر في المدينة لينشأ فيها حول أبناء‬
‫وأحفاد الفاروق عمر بن الخطاب ونهل من علم شيوخها ويتأدب بأدابهم‪ .‬وكانت المدينة في ذلك الوقت‬
‫مرك از للعلم والعلماء وكان الطالب يفدون من جهات متعددة لطلب العلم وقد تفقه عمر بن عبد العزيز في‬
‫الدين وبرز في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية والتاريخ حتى أصبح فقيها مجتهدا وتابعيا جليال وهو‬
‫حجة عند العلماء‪ ،‬فقد قال اإلمام أحمد بن حنبل ‪:‬‬

‫‪ 14‬د‪ /‬سيده كانت – الوليد بن عبد الملك ص ‪.285‬‬


‫‪ 15‬يروي أن عمر بن الخطاب ضرب دراهم على نقش الكسروية‪ ،‬وكذلك فعل معاوية بن أبي سفيان في خالفته ومصعب بن الزبير أثناء واليته على العراق‬
‫من قبل أخيه عبد هللا بن الزبير‪.‬‬
‫‪ 16‬المصدر السابق‪ .‬ص ‪ 574‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪" -‬فراری قول أحد من التابعين حجة إال قول عمر بن عبد العزيز‪- "17‬‬

‫وظل عمر في المدينة حتى وفاة أبيه سنة ‪ 85‬هـ‪ .‬فأخذه عمه عبد الملك بن مروان إلى دمشق وزوجه‬
‫ابنته فاطمة‪ ،‬ثم عينه واليا على إمارة صغيرة في الشام هي خناصرة من أعمال حلب وظل واليا عليها حتى‬
‫‪18‬‬
‫وتولى الوليد بن عبد الملك الخالفة بعد أبيه سنة ‪ 76‬ه ـ فعينه واليا‬ ‫توفى عمه عبد الملك سنة ‪ 86‬ه ـ‬
‫على المدينة سنة ‪ ۸۷‬بدال من هشام بن إسماعيل المخزومي‪ .‬وظل أمي ار على الحجاز حتى سنة (‪ 9۳‬ه)‪.‬‬

‫‪ .2‬أهم إصالحاته‪:‬‬
‫تنظيم بيت المال‬ ‫•‬

‫بدأ عمر بنفسه وأهل بيته‪ ،‬فأعاد األراضي التي وهبت له ولزوجته وأوالده من بيت مال المسلمين‪،‬‬
‫وطلب من بني أمية إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه حق‪ ،‬كما جلس ينظر في مظالم‬
‫الرعية فأعاد إلى الناس ما اغتصبه أفراد أسرته منهم‪ ،‬وطلب من موظفي الدولة والعمال مراعاة الحذر في‬
‫أموال الدولة وعدم استخدامها للحاجات الشخصية‪ .‬وعزل الوالة الظالمين والعمال القساة وعين بدال منهم‬
‫والة جندا وكان يراقب تصرفاتهم‪ ،‬وشملت رعايته أهل السجون فكان ينفق عليهم ويكسوهم ويتعهد مريضهم‪.19‬‬

‫الدعوة إلى اإلسالم بالحكمة والموعظة الحسنة ال االجبار‬ ‫•‬

‫أوقف الحروب مع غير المسلمين أو مع المسلمين الثائرين‪ ،‬ودعا غير المسلمين بالحكمة والموعظة‬
‫الحسنة لإلسالم وحاور المسلمين الثائرين ونجح في دعوته غير المسلمين إلى اإلسالم‪ ،‬كما نجح مع‬
‫المتمردين من المسلمين‪ .‬وكانت سيرته العطرة معوانا له على النجاح‪ ،20‬ونتيجة لذلك دخل ملوك السند في‬
‫اإلسالم وتبعتهم شعوبهم‪ ،‬دخله كثير من المصريين والسوريين والفرس الذين لم يكونوا قد دخلوا في اإلسالم‬
‫من قبل على الرغم من دخول اإلسالم في بالدهم‪ .‬فقد جذبتهم إلى اإلسالم سماحة عمر حتى كان عصره‬
‫يسمی عصر إسالم البالد المفتوحة‪.21‬‬

‫والخوارج أيضا بهرتهم سيرة عمر وأعماله فأوقفوا نشاطهم الثوري وتفاهموا معه بالحجة‪ ،‬ونتيجة لهذا لم‬
‫يحركوا ساكنا فيه إلفساد حرمة الدولة أو الرعية طول عهده‪ .‬ثم إن توقيره للشيعة ولين جانبه معهم أطمعهم‬
‫في كرم أخالقه وصفحه‪ .‬ولهذا شرع بنو العباس في دعوتهم س ار الرضا من آل محمد‪ ،‬ثم أوقف عمر أخذ‬
‫الجزية ممن دخل في اإلسالم من أهل الواليات و األمصار‪ .‬فسارعوا جماعات ووحدانا إلى الدخول في‬

‫‪ 17‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ 9‬ص ‪192‬‬


‫‪ 18‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ 9‬ص ‪ ، 193‬والذهبي‪ :‬سير أعالم النبالء‪ .‬ج ‪ 5‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 19‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ .‬ج ‪ 9‬ص ‪ ، 200‬وابن األثير‪ :‬الكامل في التاريخ ج ‪ 5‬ص ‪.64‬‬
‫‪ 20‬بروكلمان‪ :‬تاريخ األمم اإلسالمية ج ‪ 2‬ص ‪ 187‬ترجمة منير البعلبكي وزميله فارس‪.‬‬
‫‪ 21‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبرى ج ‪ 5‬ص ‪.386‬‬
‫اإلسالم‪ .‬فكتب إليه أحد عماله بأن هذا يضر ببيت المال فأجابه عمر "ارفع الجزية عمن أسلم فإن هللا بعث‬
‫‪22‬‬
‫محمدا كهاديا ولم يبعثه جابيا‪".‬‬

‫االهتمام بالمجال االقتصادي والمالي‬ ‫•‬

‫اهتم عمر بالمجال االقتصادي والمالي حيث وجد المكاييل والموازين في جميع أنحاء الدولة األموية‬
‫واستصلح األراضي للزراعة وساعد الناس بإقراض المزارعين وحفر اآلبار لهم فازداد دخل الدولة‪ ،‬كما ازداد‬
‫دخل الناس حتى لم يعثر على مستحق للزكاة في عهده نتيجة سياسته الحكيمة الحريصة على أموال‬
‫المسلمين‪ .‬فقد روي عن يحي بن سعيد قوله "بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقيا فاقتضيتها‬
‫وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد بها فقي ار ولم تجد من يأخذها مناقد أغني عمر بن عبد العزيز الناس‬
‫فاشتريت بها رقابا فأعتقتهم‪.23‬‬

‫االهتمام بالناحية العلمية‬ ‫•‬

‫واهتم عمر بالناحية العلمية فشجع الناس على حفظ القرآن الكريم‪ .‬واهتم أيضا بنشر العلم بين أبناء‬
‫األمة حتى يكونوا على وعي كامل وبصيرة واعية بأمور دينهم وما يقدمونه ألمنهم فكان يقول‪:‬‬

‫"تعلموا العلم فإنه زين للغلي وعون للفقير ال أقول إنه يطلب به ولكن يدعوه إلى القناعة ولم ير الخذا‬
‫في غني عن العلم فكان يقول ان استطعت فكن عالما من لم فتطع لكن متعلما فإن لم تستطع فاحبهم فان‬
‫لم تستطع فال تبغضهم‪."24‬‬

‫وحتى يتحقق له ما يريد جعل للعلماء منزلتهم التي تليق بهم وهيا لهم الظروف التي تساعدهم على‬
‫إنجاز مهمتهم فأتاح للعلماء التفرغ الكامل تحت كفالة الدولة حتى يتفرغوا إلنجاز المشروعات الفكرية احتيا ار‬
‫منهم لو بتكليف من الدولة ‪ ،‬فأجرى األرزاق على العلماء والفقهاء ورتب لهم‪ .‬الرواتب ليتفرغوا على نشر‬
‫العلم وكفو مؤونة االكتساب فكان يمنح من بيت المال مبلغا قدر مائة دينار لكل من انقطع إلى مسجد‬
‫جامع في أي بلد إسالمي لغرض التفقه ونشر العلم وتكريس القران الكريم وتالوته‪.‬‬

‫وبهذا يتبين لنا أن عمر كان شديد الحرص على أن ينتزع الجهل من النفوس وأن يسود العلم في كل‬
‫أرجاء األمة وكان دائم التنفير من الجهل خطب دات مرة فقال‪" :‬أيها الناس إنما يراد الطبيب للوجع الشديد‬
‫‪ ،‬اال فال وجع اشد من الجهل وال داء اخبث من الذنوب وال خوف أخوف من الموت‪."25‬‬

‫‪ 22‬الطبري‪ :‬تاريخ الرسل والملوك ج ‪ 6‬ص ‪.559‬‬


‫‪ 23‬ابن عبد الحكم‪ :‬سيرة عمر بن عبد العزيز ص ‪.126/99‬‬
‫‪ 24‬ابن عبد الحكمم‪ .‬فتوح مصر وأخيارها ص ‪ 146/113‬تحقيق محمد صبيح دار التعاون للطبع والنشر القاهرة (‪ 1974‬م)‬
‫‪ 25‬ابن الجوري‪ :‬سيرة عمر بن عبد العزيز ص ‪.382‬‬
‫الخاتمة‬

‫امتاز الحكم خالل فترة الدولة األموية بالسلطة المركزية وخاص ًة في عهد الحاكم الخامس عبد الملك‪،‬‬
‫إذ قام بجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية لإلدارة‪ ،‬كما قام بصك عملة عربية لتكون عملة رسمية‬
‫لإلمبراطورية‪ ،‬وتوسع حكم الدولة األموية ليصل غرباً إلسبانيا وصوالً للهند في الشرق‪ ،‬مما ساعد اللغة‬
‫العربية والدين اإلسالمي على االنتشار بنطاق واسع‪.‬‬

‫أختتم هذا البحث طالب العفو عن كل األخطاء والغفالت‪ ،‬كيفما كان الحال ما زلت في الفترة التطورية‬
‫في دراستي‪ ،‬ال أستغني عن اإلصالح واإلرشاد‪ .‬والتنساني من أن تذكرني في صالح دعائك في األماكن‬

‫واألوقات المستجابة ألن أحصل على الغاية وأكون ّ‬


‫موحد األمة ومنذر القوم ومن العلماء المثّقفين ال المثقفين‬
‫يمن‬
‫العارفين الدين‪ .‬كما أن دعائي لن يغيب عنه ذكر أساتذة جامعة األزهر الشريف عموما‪ ،‬عسى هللا أن ّ‬
‫عليهم الصحة والثبات والرحمة والهداية‪.‬‬

‫وما توفيقي إال باهلل‪ ،‬عليه توكلت وإليه أنيب‪.‬‬

‫آخر الكالم‪.‬‬

‫والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‬

You might also like