You are on page 1of 123

‫جامعة آل البيت‬

‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‬


‫قسم التاريخ‬

‫بالد الشام يف العرص البيزنطي (القرن الرابع إىل منتصف القرن السابع ميالدي)‬
‫‪(The Levant Region During the Byzantine Era (4 th Century - The‬‬
‫) ‪Middle of the 7 th Century‬‬

‫إعداد الطالبة‬
‫كلوديا خالد عبيد جديع‬

‫الرقم الجامعي‬
‫(‪)7006060661‬‬

‫إرشاف الدكتور‬
‫موىس بني خالد‬

‫ُقدمت هذه الرسالة استكامالً ملتطلبات الحصول عىل درجة املاجستري يف التاريخ‬
‫عامدة الدراسات العليا‬
‫الفصل الدرايس االول‬
‫‪0672‬م‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫منوذج التفويض‬
‫أنا الطالبة كلوديا خالد عبيد جديع‪.‬أفوض جامعة آل البيت بتزويد نسخ من رسالتي للمكتبات أو‬
‫املؤسسات أو الهيئات أو األشخاص عند طلبهم حسب التعليامت النافذة يف الجامعة‪.‬‬

‫التاريخ‪:‬‬
‫التوقيع‪:‬‬

‫ب‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫‪.‬منوذج اقرار والتزام‬ ‫‪.............‬‬

‫الرقم الجامعي‪7006060661 :‬‬ ‫انا الطالبة كلوديا خالد عبيد جديع‬

‫كلية‪ :‬االداب والعلوم االنسانية‬ ‫تخصص‪ :‬تاريخ‬


‫أُعل ُن بأين قد التزمت بقوانني جامعة آل البيت وانظمتها وتعليامتها وقراراتها السارية املفعول املتعلقة بإعداد رسائل‬
‫املاجستري والدكتوراه عندما قمت شخصياً بإعداد رسالتي بعنوان‪:‬‬

‫"بالد الشام يف العرص البيزنطي (القرن الرابع إىل منتصف القرن السابع ميالدي)"‬

‫وذلك مبا ينسجم مع األمانة العلمية املتعارف عليها يف كتابة الرسائل واألطاريح العلمية‪ .‬كام أنني أُعلن بأن رسالتي‬
‫هذه غري منقولة أو مستلة من رسائل أو أطاريح أو كتب أو أبحاث أو أي منشورات علمية تم نرشها أو تخزينها‬
‫يف أي وسيلة اعالمية‪ ،‬وتأسيساً عىل ما تقدم فأنني اتحمل املسؤولية بأنواعها كافة فيام لو تبني غري ذلك مبا فيه حق‬
‫مجلس العمداء يف جامعة آل البيت بإلغاء قرار منحي الدرجة العلمية التي حصلت عليها وسحب شهادة التخ ّرج‬
‫مني بعد صدورها دون أن يكون يل الحق يف التظلم أو األعرتاض أو الطعن بأي صورة كانت يف القرار الصادر عن‬
‫مجلس العمداء بهذا الصدد‪.‬‬

‫التاريخ‪....................:‬‬
‫التوقيع‪...................:‬‬

‫ج‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قرار لجنة املناقشة‬

‫بالد الشام يف العرص البيزنطي (القرن الرابع إىل منتصف القرن السابع ميالدي)‬
‫نوقشت هذه الرسالة‪:‬‬
‫" وأُجيزت بتاريخ ‪0672 /76./02‬م‬

‫التوقيع‬ ‫لجنة املناقشة‬


‫د‪ .‬موىس بني خالد (مرشفاً ورئيساً)‬
‫أستاذ تاريخ املغرب واالندلس‬
‫‪.........................................................‬‬ ‫قسم التاريخ‪ -‬جامعة آل البيت‬
‫‪......@aabu.edu.jo‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عليان الجالودي (عضواً)‬


‫استاذ التاريخ االسالمي ‪ /‬العرص السلجوقي‬
‫‪.........................................................‬‬ ‫قسم التاريخ – جامعة ال البيت‬

‫د‪ .‬محمد العيىس (عضواً)‬


‫‪.........................................................‬‬ ‫استاذ تاريخ األيويب – مملويك‬
‫قسم التاريخ – جامعة ال البيت‬

‫د‪ .‬محمد النصارات (عضوا ً خارجياً)‬


‫‪.........................................................‬‬ ‫أستاذ تاريخ العرب قبل اإلسالم‬
‫قسم التاريخ – جامعة الحسني بن طالل‬

‫د‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫اإلهداء‬
‫اىل س ّيد الخلق ونبي أمة إقرأ رسولنا الكريم محمد (صىل هللا عليه وسلم) ‪….‬‬

‫اىل أرواح شهداء األمة األسالمية وشهداء العراق أخويت بكر و كرار رحمهم هللا ‪....‬‬
‫واىل كل من يحمل شعلة يف طريق العلم ‪….‬‬

‫والدي الكرميني ‪….‬‬


‫ّ‬ ‫واىل من ربياين صغريا وأرشداين كبريا‬
‫وأهدي مثرة جهدي اىل زوجي رفيق دريب وسندي وأبنايئ ‪ ….‬هذا الجهد املتواضع الذي بتوفيق من هللا‬
‫ودعمهم أنجزته …‪.‬‬

‫ه‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الشكر والتقدير‬
‫يقتيض واجب الوفاء والعرفان بالجميل ان اتقدم بجزيل شكري وفائق تقديري واحرتامي اىل استاذي االول‬
‫ل‬
‫الدكتور موىس بني خالد‪ ،‬ملا اواله وبذله من جهود وما قدمه من توجيهات‪ ،‬فلم اشعر لحظة انه بخل ع ّ‬
‫بجهد او ضجر من اسئلتي الكثرية… بل الحق اقول اين رأيت يف كل مرة ابتسامة صرب كرمية ترتسم عىل‬
‫محياه واسمع منه اجوبة تتدفق من فيه كانحدار املياه من اعايل الجبال و أستقبال كاألخ الكبري‪ ،‬إذ أنه‬
‫استنزف وقته العائل يف متابعة رسالتي و إرشادي و نصحي ‪.‬‬
‫ل ملا ابدوه من توجيهات قيمة عززت من الكيان العلمي‬
‫كام تأمرين اخالقي ان ال انىس من كان لهم فضل ع ّ‬
‫للرسالة من اساتذيت االفاضل الذين درسوين يف السنة التحضريية‪.‬‬
‫ويطيب يل يف هذا املقام ان اقدم شكري واحرتامي اىل االساتذة اعضاء لجنة املناقشة‪ ،‬كام واسجل شكري‬
‫وتقديري اىل قسم التاريخ يف جامعة ال البيت‪ ،‬ملا بذلوه من جهد ووقت يف خدمة واخرياً اكرر شكري‬
‫وتقديري لكل من قدم يل املساعدة‪.‬‬
‫وفق هللا الجميع ملا يحبه ويرضاه‪.‬‬

‫و‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قامئة املحتويات‬

‫منوذج التفويض ‪ .........................................................................................................................‬ب‬


‫اإلهداء ‪ ......................................................................................................................................‬ه‬
‫الشكر والتقدير ‪ ...........................................................................................................................‬و‬
‫قامئة املحتويات ‪ ...........................................................................................................................‬ز‬
‫قامئة املالحق ‪ ..............................................................................................................................‬ح‬
‫قامئة املخترصات ‪.........................................................................................................................‬ط‬
‫امللخص باللغة العربية ‪ .................................................................................................................‬ي‬
‫املقدمة ‪7......................................................................................................................................‬‬
‫متهيد‪ :‬التطور التاريخي للحضارة البيزنطية ‪0......................................................................................‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬االمرباطورية البيزنطية "الخلفية التاريخية" ‪76..............................................................‬‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬بالد الشام يف العهد البيزنطي منذ القرن الرابع إىل منتصف القرن السابع امليالدي ‪27..........‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬النظم الحضارية لبالد الشام يف العرص البيزنطي ‪10.......................................................‬‬
‫الخامتة ‪71.....................................................................................................................................‬‬
‫قامئة املالحق ‪72.............................................................................................................................‬‬
‫قامئة املصادر واملراجع الحديثة ‪767..................................................................................................‬‬

‫ز‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قامئة املالحق‬
‫صفحة‬ ‫رقم عنوان‬
‫خارطة دولة البيزنطية يف القرن السادس ميالدي ‪702‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪701‬‬ ‫الطرق التجارية يف الدولة البيزنطية‬ ‫‪0‬‬

‫ح‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قامئة املخترصات‬

‫املدلول‬ ‫الرمز‬

‫مؤلف مجهول‬ ‫م‪ .‬م‬


‫دون تاريخ طبع‬ ‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫دون مكان‬ ‫د‪،‬م‬
‫دون طبعة‬ ‫د‪،‬ط‬
‫الصفحة (باللغة اإلنكليزية)‬ ‫‪p.‬‬

‫املصدر السابق (باللغة اإلنكليزية)‬ ‫‪Op. Cit.‬‬

‫املصدر نفسه (باللغة اإلنكليزية)‬ ‫‪Ibid‬‬

‫الجزء (باللغة اإلنكليزية)‬ ‫‪Vol.‬‬

‫ط‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫بالد الشام يف العرص البيزنطي (القرن الرابع إىل منتصف القرن السابع ميالدي)‬

‫إعداد الطالبة‬
‫كلوديا خالد عبيد جديع‬
‫املرشف الدكتور‬
‫موىس بني خالد‬

‫امللخص باللغة العربية‬


‫الحضارة البيزنطية من الحضارات التي ادت دورا مهام يف تاريخ بالد الشام ‪ ،‬وهي إمتداد للحضارة الرومانية‬
‫حيث اتسمت الحضارة البيزنطية بالسامت الرشقية مام جعلها مزيج من الرومانية و العربية فهي تعد من‬
‫اهم الحضارات التي نشأة يف بالد الشام و التي التزال الشواهد التاريخية تعرفنا بها‪ ،‬ونتيجة للظروف‬
‫الجغرافية والسياسية واالقتصادية انتقل الرومان بحضارتهم و أنظمتهم و علومهم اىل املرشق بهدف التوسع‬
‫اىل أن انهارت الحضارة الرومانية و أستمرت الحضارة البيزنطية بالتوسع يف املرشق العريب حيث ضمت يالد‬
‫الشام التي كانت تعترب الحاجز األول بني البيزنطينيني و القبائل العربية اىل أن جاء االسالم و بدأت الفتوحات‬
‫االسالمية‪.‬‬

‫تناولت الدراسة موضوع بالد الشام يف ضوء املصادر العربية من القرن الرابع اىل منتصف القرن السابع‬
‫ميالدي حيث تناول الفصل األول الحديث عن تاريخ نشأة االمرباطورية البيزنطية وتاريخ بالد الشام يف فرتة‬
‫الدراسة و تطرقنا لتسمية االمرباطور ية البيزنطية و أهم مصادر التاريخ البيزنطي يف املصنفات العربية‪.‬‬
‫وبينت الدراسة خالل الفصل الثاين اوضاع بالد الشام يف العهد البيزنطي منذ القرن الرابع إىل منتصف القرن‬
‫السابع امليالدي من حيث األهمية اإلسرتاتيجية لبالد الشام يف العرص البيزنطي‪ ،‬وأوضاع بالد الشام خالل‬
‫العهد البيزنطي " الدالالت الجغرافية والتاريخية " و أبرز التقسيامت اإلدارية لبالد الشام يف العهد البيزنطي‬
‫و فصلنا العالقات البيزنطية مع املاملك العربية و أثر تلك الجوانب عىل السياسة الرشقية لإلمرباطورية‬
‫البيزنطية‪.‬‬
‫كام تحدثنا يف الفصل الثالث عن النظم الحضارية لبالد الشام يف العرص البيزنطي و تطور النظم السياسية‬
‫واإلدارية يف الدولة البيزنطية يف جنوب بالد الشام‪ ،‬و أبرز معامل النظم والحضارة يف بالد الشام البيزنطية‪،‬‬
‫من العلوم و الفنون املعامرية و الطوائف الدينية و ابرز االعامل التجارية و الزراعية‪.‬‬
‫وقد ابرزت الدراسة دورالبيزنطينيني يف نقل العديد من مظاهر الحضارة الرومانية اىل املرشق و تأثر العرب‬
‫بهذه الحضارة‪ ،‬و كيف استطاعت الدولة البيزنطينية تطبيق فكرها و سياستها من خالل توطيد عالقتها‬
‫بالقبائل و كسب والئهم‪ ،‬و بينت الدراسة ان معظم الكتابات التاريخية تقترص عىل فرتات قريبة من العهد‬
‫االسالمي و تتناول مواضيع محددة كادت ان تقترص عىل جوانب سياسية‪ ،‬مام يدعو الباحثني اىل االستعانة‬
‫بدراسات االثرية و االجنبية لدراسة املجتمع و املظاهر الحضارية يف الفرتات التي سبقت قيام العصور‬
‫االسالمية‪.‬‬

‫ي‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫يطلق اسم العرص البيزنطي يف بالد الشام عىل الفرتة التي متتد من القرن الرابع امليالدي و حتى بداية القرن‬
‫السابع امليالدي اي من فرتة حكم اإلمرباطور قسطنطني األول وحتى عهد االمرباطور هرقل‪ ،‬و نستطيع ان‬
‫نسمي هذه الحقبة بالعرص الروماين املتأخر او العرص البيزنطي االول‪،‬ويسمى هذا العرص بالعرص البيزنطي‬
‫بسبب احداث مهمة غريت بنية اإلمرباطورية الرومانية يف عهد اإلمرباطور قسطنطني االول الذي نقل‬
‫العاصمة االمرباطورية من روما باتجاه الرشق اىل موقع مدينة اغريقية عىل ضفة البوسفور تدعى بيزنطة‪،‬‬
‫و بذلك ولد عرص جديد يف حياة االمرباطورية الرومانية كان له ميزات و احداث جسام ميزته عن التاريخ‬
‫الروماين قبل القرن الرابع امليالدي‪.‬‬
‫فرنى عالمتني فارقتني يف التاريخ الروماين انجبتا يف نهاية املطاف االمرباطورية البيزنطية‪ ،‬االوىل كانت نقل‬
‫العاصمة باتجاه الرشق والذي كان له عدة اسباب‪:‬‬
‫فمن الناحية اإلسرتاتيجية كان سبب انتقال العاصمة هو الحاجة اىل مدينة قوية يف الرشق تكون‬
‫عاصمة جديدة لالمرباطورية و تستطيع الوقوف بوجه الخطر الفاريس املتنامي يف الرشق يف التقاليد و‬
‫االدبيات املسيحية نالحظ ان املصادر الكنسية تضفي صبغة دينية عىل انتقال العاصمة اىل الرشق و التي‬
‫تعترب االمرباطور قسطنطني كقديس و حامي للكنيسة عمل عىل انتقال العاصمة نحو الرشق لالبتعاد عن‬
‫روما الوثنية و ملراعاة مشاعر املسيحيني الذين كان عددهم كبري يف مقاطعات االمرباطورية الرشقية مقارنة‬
‫مع املقاطعات الغربية‪.‬‬
‫العالمة الفارقة االخرى يف هذا العرص كانت انتصار الديانة املسيحية و انتشارها بشكل رسمي يف انحاء‬
‫االمرباطورية و بذلك اصبحت الكنيسة جزء ال يتجزأ من تركيبة االمرباطورية و انطلقت عالقة جديدة بني‬
‫االمرباطورية والكنيسة اثرت يف مجريات التاريخ البيزنطي منذ البداية و حتى اخر لحظات عمر‬
‫االمرباطورية‪ ،‬و بالتحليل نرى ان العرص الجديد حمل ثالثة عنارص اساسية يف البنية الجديدة لإلمرباطورية‬
‫وهي ‪:‬‬
‫هيكلية نظام وقانون اداري روماين‪ ،‬و ثقافة اغريقية‪ ،‬وديانة مسيحية هذه العنارص اعلنت االنطالقة‬
‫للتاريخ البيزنطي و الذي شمل الواليات الرشقية لالمرباطورية الرومانية سابقا و من ضمن هذه الواليات و‬
‫اكرثها اهمية اسرتاتيجة ستكون بالد الشام التي كانت ميدان تفاعل كبري بني الحضارة الهلينستية و الحضارة‬
‫الرشقية متخضت يف نهاية املطاف عن والدة حضارة محلية او بالد الشام تحت حكم امرباطوري خالل اخر‬
‫حقبة من العصور الكالسيكية يف بالد الشام و هي الحقبة البيزنطية‪.‬‬
‫ومن هنا جاءت أهمية املوضوع فأهمية تربز من خالل بيان أثر انتقال الرومان و تشكل حضارة جديدة عرفت‬
‫بالحضارة البيزنطية ذات االسس الرومانية و السامت الرشقية‪ ،‬فدراسة هذه الفرتة من خالل املؤرخني العرب‪،‬‬
‫تعد من الدراسا ت الشاقة و املرهقة‪ ،‬بالنظر فيام سبق نجد ان دراسة التاريخ البيزنطي ذو قيمة علمية جدا‬
‫مهمة و لكن الدراسات التي سبقت تناولت املصادر التاريخية بشكل عام و موسع شمل جميع املصادر دون‬
‫تحديد او تخصيص لذا كانت رغبتي للبحث حول بالد الشام يف الفرتة البيزنطية يف ضوء املصادر العربية و‬
‫االسالمية و تتبع الخرب من خالل املصادر االصول التي تحدثت عن الفرتة البيزنطية بشقيها العربية و االسالمية‪،‬‬
‫و بناء تصور عن الوجود البيزنطي يف بالد الشام حسب نظرة املورخ العريب و االسالمي بشكل خاص و التعريف‬
‫بالعرص البيزنطي من وجهة نظر عربية و اسالمية عىل اعتبار ان الدولة البيزنطية جاءت اىل بالد الشام بنظام‬
‫حاكم لشعوب عربية عىل األغلب ‪ ،‬و العمل عىل تحليل ومقارنة االخبار و تدقيقها‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫تحاول الدراسة تحقيق بعض األهداف‪ ،‬وهي عرض تاريخ بالد الشام يف املصادر العربية و االسالمية ابراز‬
‫دور بالد الشام يف الرصاع الساساين و البيزنطي و توضيح اثار الرصاع عىل واليات بالد الشام خاصة بيت‬
‫املقدس وتتبع استقرار القبائل العربية يف بالد الشام و الدور اللذي لعبته يف ظل الوجود البيزنطي و التعرف‬
‫عىل الجوانب االدارية و السياسية و االقتصادية و الحضارية يف بالد الشام بصفتها والية بيزنطية‪ ،‬متابعة‬
‫محاوالت العرب املسلمني لفتح بالد الشام منذ غزوة دومة الجندل و حتى الريموك‪ ،‬عرض مقدمات الفتح‬
‫االسالمي و اهميته يف اسرتتيجيات الفتح قبل معركة الريموك‪.‬‬
‫صعوبات الدراسة تربز من خالل بحث الظاهرة التاريخية و تتبعها يف املصادر االولية و االصول العربية و‬
‫االسالمية من خالل قراءة و عرض و تحليل و مقارنة و نقد املادة التاريخية التي تحتوي عىل الخرب و التوصل‬
‫اىل فهم طريقة التأريخ العريب و االسالمي للتاريخ البيزنطي و خصوصية املوضوعية و املنهجية ‪.‬‬
‫و تقوم هذه الدراسة عىل بيان فكرة انه هل للمصادر و االصول االتاريخية العربية و االسالمية سامت و‬
‫خصائص يف طريقة تأريخ أو عرض املادة التاريخية للفرتة البيزنطية و ما اهميتها ‪ ،‬ومباذا تختلف عن املصادر‬
‫األخرى التي أرخت للتاريخ البيزنطي مثل املصادر " الالتينية ‪ -‬البيزنطية ‪ -‬الرسيانية " وغريها ‪.‬‬
‫واعتمدت املنهج التاريخي الوصفي القائم عىل تتبع الروايات التاريخية املبثوثة يف ثنايا املصادر ذات الصلة‬
‫وتنظيمها ومقارنتها وتحليلها والخروج بنتائج مناسبة للحقيقة عىل قدر ما قدمته املصادر األولية من‬
‫معطيات تاريخيه‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫متهيد‪ :‬التطور التاريخي للحضارة البيزنطية‬
‫مل تكن الدولة البيزنطية إال امتداداً لإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬كام أن التاريخ البيزنطي ليس إال مرحلة جديدة‬
‫من التاريخ الروماين‪ ،‬ولقد اعترب اإلمرباطور نفسه حاكامً رومانياً وخليفة القيارصة الرومان ووريثهم يف‬
‫ملكهم‪ ،‬وحرصت الدولة البيزنطية عىل صلتها بروما القدمية‪ ،‬وازداد تعلقها بالرتاث الروماين‪ ،‬وعىل الرغم‬
‫من ذلك فقد أخذت بيزنطة تبتعد(‪ )7‬رويدا رويدا‪ ،‬ومتتع الرومان بعدة خصائص ومميزات؛ إذ غلبت عليهم‬
‫الحضارة واللغة اليونانية ‪ ،‬وازداد تأثري الكنيسة اليونانية يف الحياة البيزنطية‪ ،‬وأصبح هذا القسم من العامل‬
‫الروماين (وهو القسم الرشقي) يونانياً رشقياً يف لغته وثقافته وكنيسته‪.‬‬
‫األرس امللكية البيزنطية‪:‬‬
‫أرسة قسطنطني الكبري (‪ 012 – 060‬م )‪:‬‬
‫كان عهد قسطنطني عهداً مميزاً يف تاريخ اإلمرباطورية؛ ففي عهده ظهرت عدة تطورات دينية وسياسية يف‬
‫تاريخ الدولة البيزنطية منها اعرتاف قسطنطني رسمياً باملسيحية‪ ،‬وجعلها إحدى الديانات املرصح باعتناقها‬
‫يف اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬كام نقل عاصمة اإلمرباطورية من روما القدمية إىل مدينة بناها عىل شاطئ‬
‫البسفور يف الرشق سامها القسطنطينية‪ ،‬ومن أجل ذلك اعتربه املؤرخون محقق االنتقال من العامل القديم‬
‫اىل عامل العصور الوسطى ‪.‬‬
‫اختار قسطنطني لبناء عاصمته موقع مدينة بيزنطة القدمية ذات املوقع الحصني واملناعة الطبيعية والصالحية‬
‫إلقامة الحصون والقالع وبناء السفن واألساطيل ‪ ،‬فقد كانت بيزنطة قامئة عىل راس ناتئ يف البحر نحو عرشة‬
‫كيلو مرتات يف ساحل البسفور األورويب وهذا الرأس هي املعروفة بالقرن الذهبي‪ ،‬وهو النتوء الذي يتخذ شكل‬
‫مثلث يواجه رأسه قارة أسيا ويطل جانباه عىل القرن الذهبي وبحر مرمرة‪ ،‬بينام يقوم سور قوي بحامية جانبه‬
‫الثالث حيث ال تتحكم يف ذلك السور مرتفعات مجاورة ‪.‬اقيمت القسطنطينية عند مدخل البسفور‪ ،‬فأصبحت‬
‫تتحكم عىل االنتقال من أوروبا إىل آسيا‪ ،‬ومن البحر األسود إىل البحر املتوسط‪ ،‬واتخذت موقعاً اسرتاتيجياً‬
‫بالجانب الرشقي من االمرباطورية ‪ .‬وكانت مدينة بيزنطة القدمية التي أقيمت عىل موقعها املدينة الجديدة قد‬
‫أصابها الذبول وتوالت عليها الكوارث الطبيعية والبرشية فذوت مكانتها يف النهاية واضمحلت ثم تعرضت‬
‫للتدمري عىل يد اإلمرباطور سبتميوس سفروس؛ فجاء ذلك فصل ختام يف عظمة تلك املدينة القدمية‪ ،‬ومل تعد يف‬
‫أوائل القرن الرابع سوى قرية صغرية اتخذها الصيادون قاعدة لهم‪.‬‬
‫أما عن موقف قسطنطني من املسيحية؛ فقد ترتبت عليه نتائج بالغة األهمية بالنسبة ألوروبا والعامل الغريب‬
‫بصفة عامة‪ ،‬وبالنسبة لإلمرباطورية يف الرشق بصفة خاصة‪ ،‬وكان قسطنطني قد تجول يف صدر حياته يف إقليم‬
‫اإلمرباطورية يف الرشق‪ ،‬وزار مرص واألقاليم األسيوية بصحبة دقلديانوس‪ ،‬ووقف دون شك عىل أحوال املسيحيني‬
‫ومدى انتشار عقيدتهم يف تلك الجهات‪ ،‬كام كان تعصب جالرييوس – أحد األباطرة األربعة عىل عهد دقلديانوس‬
‫– ضد املسيحيني واضطهاده لهم قد ترك يف نفس قسطنطني أثراً سيئا ‪ ،‬وأن جالرييوس ما لبث ان نازع‬
‫قسطنطيون – والد قسطنطني – السلطة واظهر شعورا غري ودي نحو قسطنطني(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬حسنين‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة‪7991 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ، 9‬وسيشار إليه الحقا ً‬
‫‪ :‬حسنين ‪ ،‬دراسات‪ ،‬سليمان ‪ ،‬أحمد عبد الكريم‪ ،‬المسلمون والبيزنطيون في شرق البحر المتوسط‪ ،‬د ن‬
‫‪ ،‬القاهرة ‪7991‬م ‪ ،‬ص‪ ،71‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬سليمان‪ ،‬المسلمون والبيزنطيون‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الجزري ‪(،‬ت ‪036‬ه‪7133/‬م)‪،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬دار‬
‫)م‪.‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 171‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫استمر اضطهاد املسيحيني عىل أيدي األباطرة الرومان بعد دقلديانوس‪ ،‬حتى إذا كان عام (‪) 000‬نجح‬
‫قسطنطني يف تويل الحكم وأصبح أول إمرباطور مسيحي لإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬وكان أول عمل قام به هذا‬
‫اإلمرباطور(‪ )7‬هو االعرتاف الرسمي باملسيحية‪ ،‬وبذلك بدأت عهدا وتاريخا جديدا يختلف كل االختالف عن‬
‫سريتها الساب قة ‪ ،‬فمنذ ذلك الوقت بدا املسيحيون يعملون يف حرية واطمئنان ‪ ،‬وكان لذلك نتائجه السيئة‬
‫أيضا ‪ ،‬ففي عرص الخوف والرتقب السابق مل يجرؤ املسيحيون عىل إظهار خالفهم وانقسامهم يف الرأي؛ ألنهم‬
‫يف ذلك الوقت كانوا اشد الحاجة إىل متاسكهم وتساندهم ‪ ،‬ورمبا أودى أي انقسام بينهم بالحركة كلها ‪ ،‬ومل‬
‫يكن معنى ذلك انه مل توجد بني املسيحيني خالفات يف الرأي قبل قسطنطني ‪ ،‬بل وجدت هذه الخالفات(‪. )0‬‬
‫بدأ قسطنطني سياسته الجديدة بأن حرم اضطهاد املسيحيني يف الشطر الغريب من اإلمرباطورية‪ ،‬فأعطى‬
‫مسيحي ذلك الجزء قدراً من األمان‪ ،‬ويف نفس الوقت ترك لنفسه فسحة من الوقت يقرر فيها الخطوة‬
‫التالية ‪ ،‬إذا تأكد بصفة قاطعة من قدرة إله املسيحيني عىل منحه النرص عىل أعدائه وخصمه ماكسنتيوس‪،‬‬
‫فقد تعلق قسطنطني برؤيات اقتنع أنه بفضلها سوف ينترص عىل خصمه يف ظل شعار املسيح‪ ،‬وتحت‬
‫لوائه(‪.)0‬‬
‫وكان قسطنطني يؤمن أيضاً بإله الشمس القهار‪ ،‬لهذا حبا املسيحيني بكثري من التسامح يف الوقت الذي‬
‫احتفظ فيه لنفسه مبنصبه الكاهن األعظم‪ ،‬وهو املنصب اإلمرباطوري يف الديانة الرومانية الوثنية‪ ،‬كام أن‬
‫العملة التي سكها حملت عىل وجه منها عىل الصليب‪ ،‬وعىل الوجه األخر شعار عبادة الشمس عىل أن‬
‫قسطنطني ما لبث أن أصدر رصيحة إىل عامله وكبار رجال دولته بوقف اضطهاد املسيحيني ورفع الغنب‬
‫عنهم‪ ،‬وأرسل إىل عامله بإفريقيا يأمره بإعادة كل أمالك الكنيسة املسيحية التي جرى مصادرتها من قبل‪،‬‬
‫وإعفاء رجال الدين املسيحي من كافة أعباء السخرة(‪.)2‬‬
‫يبدو أن هدف قسطنطني مبيله نحو املسيحية ظل غري واضح األسباب إىل نهاية حياته‪ ،‬فلعله كان مسيحيا‬
‫حقا ومل يعلن عقيدته منذ البداية لظروف بالده ‪ ،‬وعظم االرستقراطية الوثنية يف اإلدارة والجيش وقلة‬
‫املسيحيني الذين مل يتجاوز عددهم حينئذ خمس سكان(‪ )1‬اإلمرباطورية‪ ،‬ولهذا قدم قسطنطني ما قدمه من‬
‫أجل املسيحية متظاهراً بأنه رائد التسامح الديني يف عرص كان يطفح بالتعصب واالضطهاد والهمجية ‪ ،‬ولعله‬
‫مل يكن مسيحياً أيضاً نظراً الحتفاظه بلقب الكاهن االعظم إلله الشمس وسامحة للوثنية مبامرسة شعائرها‬
‫جنباً إىل جنب مع املسيحية‪ ،‬فضالً عن أنه أىت يف حياته من االفعال ما يتنا ى مع كونه مسيحياً ومن ذلك‬
‫قتله لزوجته وولده ‪ ،‬وعدم تعميده إال وهو عىل فراش املوت(‪.)0‬‬

‫(‪)1‬العبادي ‪ ،‬مصطفى‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬النظام اإلمبراطوري‪،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،) 7997(،‬ص‬
‫‪ ، 141‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬العبادي‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪.،‬‬
‫(‪ )2‬العبادي‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 149‬‬

‫(‪ )3‬حسنين ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬

‫(‪ )4‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬

‫يحيى بن جابر بن داود ‪( ،‬ت ‪119‬ه‪991/‬م )‪،‬فتوح البلدان ‪ ،‬ط ‪،‬بيروت (‪ ،) 1551‬ص‬ ‫(‪ )5‬البالذري‪،‬‬

‫‪ ، 131‬حسنين ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪ ، 11‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬البالذري‪ ،‬فتوح البلدان ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫حسنين ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬

‫‪4‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫خلف قسطنطني يف الحكم أبناؤه الثالثة؛ فتنازعوا فيام بينهم وانترشت الفنت يف البيت الحاكم يف الوقت‬
‫الذي تنامت األخطار الخارجية وهددت الدولة البيزنطية‪ ،‬وأخذت القبائل الجرمانية تضغط ضغطا شديداً‬
‫يف جبهتي الراين(‪ )7‬والدانوب وتزايد الخطر الفاريس يف القطاع االسيوي والرشقي وأصبحت االمرباطورية يف‬
‫وضع خطري ‪ ،‬ووسط هذه الفوىض متكن جوليان وهو يف بيت قسطنطني من الوصول إىل العرش‪ ،‬بعد أن‬
‫نجح يف القضاء عىل غزو جرماين(‪ )0‬كان يهدد الدولة فنودي به إمرباطوراً سنة ‪ 007‬م‪ ،‬وظل يف الحكم قرابة‬
‫‪.‬‬
‫عامني حتى سنة ‪000‬م‬
‫توىل العرش بعد جوليان االمرباطور جوفيان (‪ ) 002 – 000‬فاضطر اىل عقد صلح مهني مع فارس‪ ،‬تنازل‬
‫مبقتضاه لفارس عن أقاليم عديدة عىل الضفة الرشقية لنهر دجلة ‪ ،‬كام تنازل أيضاً عن نصيبني(‪ )0‬وسنجار ‪،‬‬
‫وتخىل عن مزاعمه يف امتالك ارمينيا ‪ ،‬هذا يف الوقت الذي تزايد فيه خطر الجرمان جهة الشامل والغرب؛‬
‫فكان عىل بيزنطة ان تحارب باستمرار(‪ ، )2‬منذ ذلك الحني‪ ،‬يف جبهتني ‪ :‬يف الجبهة الرشقية ضد دولة فارس‬
‫ويف جبهة الشامل والغرب ضد الربابرة‪ ،‬وظل هذا النضال مستمراً طوال زمن اإلمرباطورية البيزنطية(‪.)1‬‬
‫أرسة ثيودسيوس ( ‪ 211 – 017‬م ) ‪:‬‬
‫انتهت بوفاة أرسة قسطنطني‪ ،‬وبدأت أرسة ثيودوسيوس‪ ،‬وكان أول أباطرة األرسة الجديدة ثيودسيوس الكبري‬
‫( ‪ ،) 071 – 017‬الذي اتبع خطة جديدة بالتعامل مع القوط ‪ ،‬فقد أردك انه من املستحيل هزمية القوط‬
‫بقوة السالح وحده‪ ،‬فعرض عىل القوط النزول يف أرايض اإلمرباطورية واالستقرار بها‪ ،‬وعقد معهم اتفاقا‬
‫اعرتف فيه لهم باستقاللهم الذايت وإعفاءهم من دفع الرضائب‪ ،‬ورتب لهم عطاء مجزيا مقابل تأديتهم‬
‫الخدمة العسكرية‪.‬‬
‫نجح ثيودسيوس يف عقد معاهدة جديدة مع فارس ضمنت له األمن والسكينة من هذه الجهة لفرتة غري‬
‫قصرية‪ ،‬كام اشتد ثيودسيوس يف معاملة الهراقطة والوثنيني‪ ،‬وأنزل بهم رضباته وعقابه‪ ،‬كام حرص عىل أن‬
‫يسود الوفاق والسالم يف الكنيسة؛ فدعا إىل عقد مجمع ديني يف القسطنطينية سنة ‪ 027‬م وهو املجمع‬
‫املسكوين الثاين فاتخذت العقيدة املسيحية زمن هذا اإلمرباطور صورتها النهائية ‪ ،‬والتي تتمثل يف مذهب‬
‫نيقية‪ ،‬فأصبحت الديانة الرسمية للدولة‪ ،‬ومل يعد للديانات األخرى ما نستند إليه يف وجودها(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬و نهر في أوروبا يمر عبر سويسرا‪ ،‬فرنسا‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬ليختنشتاين وهولندا‪ .‬يعتبر الراين أحد أهم وأطول األنهار‬
‫في القارة األوروبية‪ ،‬اسم النهر مشتق من الكلمة السيلتية ‪ Renos‬والتي تعني ‪،‬الجاري‪ ،‬الطبراني ‪ ،‬سليمان‬
‫‪ ،‬المعجم الكبير ‪ ،‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،.‬حرف الباء‪ ،‬ص ‪091‬‬
‫(‪ )2‬الشعوب والقبائل التي تتحدث باللغات الجرمانية والتي تنحدر من نفس األصل العرقي‪.‬استوطنوا المناطق‬
‫المحاذية لإلمبراطورية الرومانية وكانوا مصدر إزعاج دائم لها ثم الحقا أصبحوا أحد األسباب الرئيسية‬
‫لسقوطها‪ .‬من أشهر القبائل الجرمانية قبائل القوط ‪ ،‬سعيد عبد الفتاح عاشور‪ .‬تاريخ أوروبا في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬دار النهضة ‪ ،‬د‪.‬م‪) 7910 (،‬م‪.‬ص ‪ ،34‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬عاشور‪ ،‬تاريخ أوروبا ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حسنين‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )4‬حسنين‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )5‬كمال‪ ،‬عمر ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬االسكندرية‪ )1663 (،‬م‪ ،‬ص ‪ ، 39‬وسيشار إليه الحقاً‪:‬‬
‫عمر ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬حسنين ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬

‫‪5‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫حكم ثيودسيوس(‪ )7‬الكبري بداية مرحلة جديدة يف تاريخ اإلمرباطورية ذلك أنه عىل الرغم من حرص‬
‫ثيودوسيوس عىل وحدة اإلمرباطورية‪ ،‬إال انه اضطر يف سنة ‪ 071‬م ‪ ،‬وهو عىل فراش املوت‪ ،‬إىل تقسيم‬
‫اإلمرباطورية إىل قسمني منفصلني؛ فجعل ابنه األكرب اركاديوس إمرباطوراً يف القسم الرشقي‪ ،‬وإدراكاً منه‬
‫بأهمية الرشق‪ ،‬بينام خص ابنه اآلخر هونوريوس بالقسم الغريب‪ ،‬وتعني منذ ذلك الحني الحد الفاصل بني‬
‫الرشق البيزنطي والغرب الروماين وظلت اإلمرباطورية منذ ذلك الوقت عىل هذا التقسيم ‪ ،‬وجرت االحداث‬
‫يف الغرب والرشق يف طريقني واتجاهني مختلفني‪ ،‬ومل يكن بني الحكومتني الرشقية والغربية يف كثري من‬
‫األحيان من عوامل الود ما يجمع بينهام‪ ،‬وظل اركاديوس يحكم يف القسطنطينية حتى سنة ‪ 262‬م‪ ،‬ثم تاله‬
‫ثيودسيوس الثاين ( ‪ ،)0() 216 – 262‬الذي مل يهتم بشؤون الحكم ‪ ،‬وكان ضعيفا سئ الحظ ‪ ،‬وقع تحت تأثري‬
‫جامعة هيمنوا عىل مصائر االمرباطورية وتحكموا فيها ‪ ،‬ومل يعد لإلمرباطور من األمر يشء؛ فانرصف إىل‬
‫حياة العزلة والتقوى والورع وتحصيل العلم وغري ذلك من االمور التي افرغ فيها حامسته وشعوره باليأس‬
‫ولعل شغفه بالعلم كان له دخل يف إنشاء جامعة القسطنطينية أوالً‪ ،‬وفيام صدر من قوانني ثانياً‪ ،‬عرفت‬
‫بقوانني ثيودسيوس سنة ‪ 202‬م وهي التي عالجت شؤون الحكم وبعض النواحي العامة كالشؤون الحربية‬
‫والدينية والدواوين وغريها(‪.)0‬‬
‫وقد شهدت اإلمرباطورية اضطرابات قبل عهد قسطنطني الكبري مام أدى إىل ضعف القسم الغريب من‬
‫اإلمرباطورية وبالتايل سقوطها سنة ( ‪210‬م )‪ ،‬وبعد أحداث مهمة دامت حوايل عرشين عاماً متكن قسطنطني‬
‫من االنفراد بحكم االمرباطورية عام (‪002‬م) بعد انتصاره عىل خصمه ليسينيوس(‪ )2‬وقام بإصالحات كثرية ال‬
‫يسعنا املجال لذكرها‪ ،‬ويف أثناء تجهيزه لحملة حرب عام ‪001‬م ضد الفرس الساسانيني الذين بدأوا يشنون‬
‫هجامتهم عىل أرمينية(‪ )1‬التي عدها الرومان جزءا من دولتهم وقع قسطنطني رصيع املرض وفارق الحياة‪،‬‬
‫وقد خلفه عىل العرش االمرباطوري ابنائه الثالثة‪ ،‬وهم‪ :‬قسطنطني الثاين وقسطنطينيوس و قسطانز‪ ،‬واألخوة‬
‫الثالثة ليسوا عىل وفاق فكانوا عىل خالف لكن ذلك الخالف أنتهى مبوت قسطنطينيوس وقسطانز عام‬
‫‪016‬م؛ فأنفرد قسطنطني الثاين بالحكم‪ ،‬بعدما هزم منافسه ماجتيتيوس عام ‪017‬م‪ ،‬واستمر بالحكم حتى‬
‫وفاته عام ‪007‬م وتوىل من بعده سلسلة من األباطرة حكموا اإلمرباطورية فرتات متفاوتة حتى عام ‪172‬م‬
‫وهو العام الذي تويف فيه اإلمرباطور اناسطاسيوس واعتلت فيه عرش اإلمرباطورية أرسة جستنيان(‪ ،)0‬وتعد‬
‫مدة حكم اإلمرباطور جوليان املأساة عىل املسيحية بكافة فرقها؛ وذلك ملحاولته إعادة مجد الوثنية‬
‫ومكافحته للمسيحية(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬ثيودوسيوس االمبراطور ثيوذوسيوس الكبير ثيودوسيوس األول ( ‪ 391 ، 341‬م )آخر إمبراطور‬
‫لإلمبراطورية الرومانية الموحدة حيث انقسمت اإلمبراطورية الرومانية إلى شطرين بعد وفاتة‪ .‬عاشور‪.‬‬
‫تاريخ أوروبا ‪ ،‬ص ‪.734‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬الطبري‪ ،‬تاريخ الرسل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حسنين ‪ ،‬دراسات ‪ ، ،‬ص ‪. 37‬‬
‫(‪ )4‬هسي ‪ ،‬ج ‪ ،‬م ‪ .‬العالم البيزنطي ‪ ،‬ترجمة وتعليق د‪.‬رأفت عبد الحميد ‪ ،‬مصر ‪ ،) 7991 ( ،‬ص ‪ ،19‬وسيشار‬
‫إليه الحقا ً ‪ :‬هسى‪ ،‬العالم البيزنطي‪ ،‬وعمران ‪ ،‬محمود سعيد‪ ،‬حضارة اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫(‪ ،) 1660‬ص‪ ، 16‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬عمران‪ ،‬حضارة اإلمبراطورية البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أرمينية ‪ :‬بلد يقع شرق آسيا الصغرى ‪،‬تركيا‪،‬استولى عليها الخزر ثم الفرس ثم الروم‪ ،‬انظر الحموي‪ ،‬البلدان‪،‬‬
‫ج‪ ، 7‬ص ‪. 706‬‬
‫(‪ )1‬الحديثي ‪ ،‬قحطان عبد الستار ‪ ،‬والحيدري ‪ ،‬صالح عبد الهادي ‪ ،‬دراستان في التاريخ الساسائي والبيزنطي ‪،‬‬
‫منشورات جامعة البصرة ‪ ،) 7990 (،‬ص ‪ ، 170‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الحديثي‪ ،‬دراستان ‪.‬‬
‫(‪ )1‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 116‬‬

‫‪1‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وتويف جوليان عام (‪000‬م) وبعده تربع عىل العرش جوفيان (‪002-000‬م) وفالنــر (‪012_002‬م ) وحاولوا‬
‫إعادة املسيحية إىل سابق عهدها‪ ،‬ويف القرن الخامس امليالدي ظهرت مذاهب جديدة أدت إىل حدوث‬
‫انقسامات ورصاعات داخل اإلمرباطورية منها املذهب النسطوري(‪ )7‬واملذهب امليتوفيزي وكان لكل مذهب‬
‫‪.‬‬
‫منهام أنصاره من األباطرة‬
‫ويف عام (‪101‬م) وعىل أثر وفاة جسنت أصبح جستنيان إمرباطوراً عىل العرش‪ ،‬وكان بسيطاً يتعاون مع الناس‬
‫ويتودد إليهم؛ لذلك وأطلقوا عليه‪ ( :‬اإلمرباطور الساهر) وكانت تعاونه يف ذلك اإلمرباطورة ثيودوراز‪.‬‬
‫توىل الحكم يف القسطنطينية اإلمرباطور جستنيان األول (‪ )101 – 102‬الذي يعترب أخر األباطرة العظام يف‬
‫اإلمرباطورية الرومانية يف عرصها املتأخر ‪ ،‬فقد كان واسع الطموح ‪ ،‬ذا مواهب فذة مكنته من اإلصالح ‪،‬‬
‫وكان يف اإلصالح هو إعادة الوحدة لإلمرباطورية عن طريق تحقيق الوحدة الدينية ‪ ،‬وإعادة تنظيم اإلدارة‬
‫وتقوية الجيش لتامني الحدود ‪ ،‬ثم العمل عىل ازدهار الحياة االقتصادية وتنشيط الصناعة والتجارة من‬
‫جديد ‪ ،‬وقد متكن من تحقيق كثري مام سعى إليه من اإلصالح باستثناء الوحدة الدينية ‪ ،‬ومن العسري حقا‬
‫أن نتوقع له النجاح يف تطبيق سياسته الدينية لسببني ‪ :‬األول يرجع إىل عمق االنقسامات الدينية رغم‬
‫جهوده الكبرية يف تعميم عقيدة خلقيدون يف جميع أنحاء اإلمرباطورية ‪ ،‬والثاين هو وجود االنقسام املذهبي‬
‫داخل أرسة اإلمرباطور ذاته ‪ ،‬ذلك أن زوجته اإلمرباطورة تيودور ‪ ،‬التي ابتدأت حياتها راقصة ‪ ،‬وأصبحت‬
‫‪.‬‬
‫فيام بعد زوجة جستنيان وإمرباطورة الدولة ومن امهر النساء يف التاريخ‬
‫أدخل جوستنيان عىل اإلدارة بعض اإلصالحات األساسية ومنها أنه أعاد توحيد السلطتني املدنية والعسكرية‬
‫‪.‬‬
‫يف شخص الوالية‪ ،‬بينام أبقي عىل تقسيم بالد الشام إىل عدة واليات‬
‫كان جستنيان يتمتع بعالقات مع العرب يف بالد الشام الذين يرجع ( أي العرب) وجودهم يف بالد الشام إىل‬
‫أوائل األلف األول قبل امليالد‪ ،‬وازداد هذا التواجد منذ القرن الثالث امليالدي حتى ظهور اإلسالم ‪ .‬فكانت‬
‫قبيلة غسان يف منطقة دمشق وحوران وقبيلة قضاعة(‪ )0‬يف جهة البلقاء وجنويب رشق األردن وقبيلة تنوخ‬
‫يف منطقة قنرسين وحلب(‪ )0‬اعترب الرومان بالد الشام مقاطعة عربية رومانية بعد أن تم استيالئهم عليها‬
‫عام(‪00‬ق‪.‬م)ومنذ ذلك الوقت وحتى القرنني الرابع والخامس امليالديني أخذت العالقات بني العرب والرومان‬
‫تأخذ طابع التعاون وخاصة يف املجاالت العسكرية‪ ،‬وقد ساهم العرب يف حروب الرومان ضد الفرس الفرثيني‬
‫واليهود ولكن رسعان ما ساءت العالقة بينهام من خالل قتل رجل الجباية الروماين من غسان ودارت معركة‬
‫بني الغساسنة وعساكر الروم فــي موضع يف ( وادي الكسوة )‬

‫(‪ )1‬هو المعتقد الديني المسيحي الرافض لمجمع أفسس المعقود سنة ( ‪) 437‬م‪ .‬يعرف داعمو كيرلس األول‬
‫النسطورية بأنها العقيدة القائلة بأن يسوع المسيح مكون من جوهرين يعبر عنهما بالطبيعتين وهما ‪ :‬جوهر‬
‫إلهي وهو الكلمة‪ ،‬وجوهر إنساني أو بشري وهو يسوع ‪ ،‬فبحسب النسطورية ال يوجد اتحاد بين الطبيعتين‬
‫البشرية واإللهية في شخص يسوع المسيح‪ ،‬بل هناك مجرد صلة بين إنسان واأللوهة‪ ،‬وبالتالي ال يجوز‬
‫إطالق اسم والدة اإلله على مريم العذراء بحسب النسطورية‪ ،‬لم تلد إلها بل إنسانا ً فقط حلت عليه كلمة هللا‬
‫أثناء العماد وفارقته عند الصليب‪ ،‬فيكون هذا المذهب بذلك مخالفا ً للمسيحية التقليدية القائلة بوجود أقنوم‬
‫الكلمة المتجسد الواحد ذو الطبيعتين اإللهية والبشرية‪The Church of the East: A Concise ،‬‬
‫‪36،37 pp. ، Wilhelm ، Baum ،History‬‬
‫(‪)2‬قضاعة قبيلة عربية قديمة أختلف النسابة في نسبها فنسبوهم لحمير ومنهم من نسبوهم إلى معد‪ .‬الزبيري ‪،‬‬
‫مصعب ‪ ،‬نسب قريش – دار العلم للماليين ‪ ،‬بيروت ‪7999 ( ،‬م ) ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫(‪ )3‬جواد ‪ ،‬علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬ج‪ ،3‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ ،7910 ،‬ص ‪ ،191‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬جواد‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وقد عرف الروم قوة بني غسان؛ فصالحوهم وتحقق االنتصار يف عهد األمري الغساين عمر بن جفنة الذي‬
‫أصبح أول ملك عريب ألول دولة عربية يف بالد الشام معرتف بها من قبل الروم(‪ ،)7‬واستمرت العالقة الوطيدة‬
‫بينهام و منح الزعامة الحارث بن جبلة عىل الغساسنة من قبل جستنيان ويف سنة (‪107‬م) شارك الحارث يف‬
‫الحرب ضد الفرس إىل جانب الروم بقيادة القائد البيزنطي املشهور بلزاريوس ‪ )0(.‬أما عالقة جستنيان مع‬
‫الفرس فقد توترت بسبب أن امللك الفاريس قباذ (‪107-222‬م) أراد أن يضمن العرش ألبنه كرسى انورشوان؛‬
‫فلجأ إىل اإلمرباطور جسنت ليك يتبنى إبنه لكن جسنت رفض طلبه واعتربها امللك الفاريس إهانة له‪ ،‬وبقيت‬
‫العالقة متشنجة بينهام فوضع جستنيان قواته تحت قيادة بلزاريوس الذي اتجه اىل داراز عام (‪106‬م) ونجح‬
‫يف وقف تقدم الفرس ثم ما لبث أن تويف قباذ وتوىل العرش إبنــــه كرسى انورشوان ( ‪117-107‬م)؛ فعرض‬
‫كرسى الصلح عىل اإلمرباطور جستنيان وكان الطرفان راغبني بذلك‪ )0(.‬ويف عام (‪101‬م) حاول جستنيان إعادة‬
‫فرض الهيمنة اإلمرباطورية عىل أجزاء اإلمرباطورية لكنه مل ينجح يف بعض املناطق ولكنه صادف نجاحا‬
‫ملحوظاً يف البالد األخرى‪ )2(.‬وبعد هيجان الشعب عىل جستنيان وقيام ثورة عارمة هــي ثورة نيقا(‪) Nika( )1‬‬
‫عام (‪100‬م)‪ ،‬وقد ساعدت زوجته عىل إخامد هذه الثورة وبعدها قام بعدة إصالحات‪ ،‬والذي يهمنا من‬
‫ذلك هي اإلصالحات املالية مبصادرة بعض املمتلكات؛ لعدم ثبوت ملكيتها‪ ،‬وقام بتشجيع التجارة والصناعة‬
‫وجعل من ميناء القلزم (قرب السويس حاليا) قاعدتني تجاريتني لهذا الغرض وكذلك توسعت صناعة الحل‬
‫الذهبية‪.‬‬
‫ومل تتناسب مشاريع جستنيان الكبرية مع طاقة اإلمرباطورية املالية؛ فعادت األحزاب واالضطرابات مرة أخرى‪،‬‬
‫وما أن تويف جستنيان عام ( ‪101‬م) حتى أنهدم البناء الشامخ الذي أرساه يف حكمه وذلك بعد مجيء أربعة‬
‫من األباطرة حكموا اإلمرباطورية بني سنوات( ‪076-101‬م) وهم‪ :‬جستنني الثاين (‪112- 101‬م) طيربيوس (‪-112‬‬
‫‪120‬م) موريس (‪060-120‬م) واخريا فوقاس (‪076 -060‬م)‪ .‬ويف عهد األباطرة األربعة أصبحت أمور اإلمرباطورية‬
‫ليست عىل ما يرام‪ ،‬وأهمها نشوب حرب بني جستنني والفرس وفيها احرز البيزنطيون نرصا مؤقتا عىل الجيوش‬
‫الفارسية يف مدينة داراز‪ ،‬وبعد تويل كرسى الثاين ابرويز عرش بالد فارس بادر االمرباطور موريس إلبرام معاهدة‬
‫مع اإلمرباطورية والفرس عام (‪177‬م) وقد تنازلت بالد فارس مبقتضاها لإلمرباطورية البيزنطية عن إقليم أرمينية‬
‫والجزء الرشقي من اقليم الجزيرة مبا يف ذلك مدينة داراز(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬كمال‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬ص ‪. 16‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪ )3‬ربيع ‪ :‬حسين محمد ‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪(،‬‬
‫‪7993‬م )‪ .‬ص ‪ ، 31‬السعيد ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ،711‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ربيع‪ ،‬دراسات في تاريخ‬
‫الدولة البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬السعيد ‪ ،‬تاريخ العرب ‪ ،‬ص ‪. 716‬‬
‫(‪)5‬هي ثوره شعبية في المقام االول حتى أن بعض المؤرخين يذكروا هذه الثورة بالثورة الشعبية بالقسطنطينية‬
‫سنه ‪131‬م وكلمه نيقيا هي كلمه يونانيه معناه النصر وقد كان المتظاهرون يهتفون بها أثناء ثورتهم ‪ ،‬عبد‬
‫الحميد‪ ،‬رأفت‪ ،‬بيزنطة بين الفكر والدين ‪ ،‬مصر ‪ 1669 ( ،‬م ) ‪ ،‬ص ‪ ،01‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬عبد‬
‫الحميد‪ ،‬بيزنطة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬فتحي‪ ،‬محمد‪ ،‬السياسة الشرقية لإلمبراطورية البيزنطية في القرن السادس الميالدي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية‬
‫العامة للكتاب‪7999 ( ،‬م )‪ ،‬ص ‪ ، 30‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬فتحي‪ ،‬السياسة الشرقية‪ ،‬والعريني ‪ ،‬المصدر‬
‫السابق ‪ ،‬ص ‪.761،763‬‬

‫‪1‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وبعدها تفاقم الوضع يف اإلمرباطورية؛ فكانت بحاجة إىل شخص قوي ينقذها من هذه الظروف‪ ،‬وقد وجدتها‬
‫يف شخصية (هـرقل)(‪)7‬؛ فاتجه بأسطول إىل مضيق الدردنيل بعد القضاء عىل أسطول فوقاس(‪ )0‬وفتحت‬
‫العاصمة وألقي القبض عىل فوقاس والقضاء عليه(‪.)0‬‬
‫يعد هرقل أعظم األباطرة يف التاريخ البيزنطي ‪ )2(.‬ويف عهد هرقل قام الفرس عام (‪070‬م) مبهاجمة أنطاكية‬
‫وحمص وقيسارية(‪ ،)1‬وتقدمت القوات الفارسية نحو دمشق واستولت عليها‪ ،‬وسيطرت عىل مدينة أنطاكية‬
‫وطرد القوات البيزنطية من أرمينية‪ ،‬وبعدها زحفوا إىل فلسطني ونجح الفرس يف دخول املدينة واالستيالء‬
‫عىل الصليب املقدس‪ ،‬الذي يعد من أهم اآلثار الدينية عند املسيحيني ونقلوه إىل عاصمتهم طيســفون (‬
‫املدائن) ‪ )0(.‬وبعدها تقدم الزحف الفاريس إىل جهات آسيا الصغرى ثم استولوا عىل مرص عام (‪077‬م) ويف‬
‫هذه اإلثناء أتخذ هرقل عدة إجراءات إلزالة الخطر الفاريس‪ ،‬منها ‪:‬جمع الجواهر والحل املوجودة يف كنائس‬
‫العاصمة واألقاليم وأمر بسكها عمله نقدية واستعد للحرب(‪)1‬؛ فقام مبواجهة الفرس يف عقر دارهم؛ إذ تقدم‬
‫عام ‪70‬هـ‪001/‬م وصل أمــام نينوى ( قرب املوصل الحالية ) وخاض معركة حاسمة هزم فيها الفرس وبعدها‬
‫قام باال ستيالء عىل قرص كرسى يف مدينة دسنكرد وتراجع كرسى إىل املدائن وحلت النهاية بكرسى إذ قبض‬
‫عليه ابنه شريويه و مات وتم الصلح بني امللك الفاريس الجديد وهرقل وذلك عام (‪002‬م) واسرتدت جميع‬
‫البالد التي تم إحتاللها من قبل الفرس(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ملك احدى وثلثين سنة وخمسة أشهر‪ .‬وفي أول سنة من ملكه أرسل وفدا الى ملك الفرس ليصالحه‪ .‬فلم يجبه‬
‫الى ذلك بل غزا انطاكية وفامية وحمس وقيسارية وافتتحها‪ .‬وفي هذه السنة عرض بالروم جوع شديد حتى‬
‫أكل الناس الجيف وجلود البهائم‪ .‬وقصد نقيطا بن غريغور مدينة االسكندرية فاستولى عليها‪ .‬وفي السنة‬
‫الرابعة لهرقل ملكت العرب وهي سنة تسعمائة وخمس وثلثين لإلسكندر ‪ ،‬ابن العبري ‪ ،‬مختصر ‪ ،‬ج‪، 1‬‬
‫ص ‪97‬‬
‫(‪ )2‬كان إمبراطوراً بيزنطيا ً حكم منذ( ‪) 061‬حتى ( ‪ .) 076‬كان فوكاس أحد أكثر األباطرة استنكاراً حيث استولى‬
‫على العرش في عهد اإلمبراطور موريس‪ .‬ولكنه أسقط بالقوة من قبل هرقل بعد خسارته لحرب أهلية‪ .‬بتلر‪،‬‬
‫ألفرد‪ ،‬فتح العرب لمصر ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد فريد أبو حديد بك‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ :‬القاهرة ‪7990 ،‬م ‪،01 ،‬‬
‫وسيشار إليه الحقاً‪ :‬بتلر‪ ،‬فتح العرب ‪.‬‬
‫(‪)3‬إسماعيل‪ ،‬ليلى عبدالجواد‪ ،‬الدولة البيزنطية في عصر اإلمبراطور هرقل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪7991 ،‬م‬
‫‪ ،‬ص ‪ ،41‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ليلى‪ ،‬الدولة البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬محمد ‪ ،‬البيزنطيون والعرب ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫(‪ )5‬قيسارية مدينة على ساحل البحر المتوسط تعد من أعمال فلسطين‪ ،‬وتقع بالقرب من طبريا‪ ،‬انظر الحموي‪،‬‬
‫ياقوت شهاب الدين أبو عبد هللا ‪( ،‬ت ‪0136‬ه‪ )،‬معجم البلدان‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ، )7990 (،‬ج‪ ،4‬ص‬
‫‪ ، 417‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الحموي‪ ،‬معجم البلدان ‪.‬‬
‫(‪ )1‬العريني ‪ ،‬السيد باز‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية) ‪ 323 – 1081‬هـ ) ‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بيروت‪ ، )7991 (،‬ص‬
‫‪ ،770‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬العريني‪ ،‬البيزنطيون ‪.‬‬
‫(‪ )1‬هسي ‪ ،‬العالم البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 761‬‬
‫(‪ )1‬العريني ‪ ،‬البيزنطيون ‪ ،‬ص ‪. 779‬‬

‫‪5‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬االمرباطورية البيزنطية "الخلفية التاريخية"‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية أو بيزنطة وكانوا يعتربون أنفسهم الروم وسمتهم كذلك أيضاً الشعوب املحيطة‪،‬‬
‫كانت اإلمرباطورية البيزنطية امتداداً من العصور القدمية املتأخرة وحتى العصور الوسطى ومتركزت يف‬
‫العاصمة القسطنطينية‪ .‬عرفها سكانها وجريانها باسم اإلمرباطورية الرومانية(‪ )7‬أو رومانيا وكانت استمراراً‬
‫مبارشاً للدولة الرومانية القدمية وحافظت عىل تقاليد الدولة الرومانية‪ )0(.‬يجري التمييز اليوم بني بيزنطة‬
‫وروما القدمية من حيث توجه األوىل نحو الثقافة اليونانية ومتيزها باملسيحية بدالً من الوثنية الرومانية‬
‫وكان سكانها يف الغالب يتحدثون اللغة اليونانية بدالً من الالتينية(‪. )0‬‬
‫مبا أن التمييز بني اإلمرباطورية الرومانية واإلمرباطورية البيزنطية حديث إىل حد كبري؛ فليس من املمكن‬
‫تحديد تاريخ الفصل بينهام‪ ،‬ولكن النقطة املهمة كانت نقل اإلمرباطور قسطنطني األول العاصمة يف ‪002‬‬
‫من نيقوميديا (يف األناضول) إىل بيزنطة عىل البوسفور والتي أصبحت القسطنطينية أي "مدينة قسطنطني"‬
‫(أو "روما الجديدة" أحيانا)‪ .‬قسمت اإلمرباطورية الرومانية أخرياً يف ‪ 071‬م بعد وفاة اإلمرباطور ثيودوسيوس‬
‫األول (حكم ‪ ،)071-017‬وبالتايل هذا التاريخ مهم جداً‪ ،‬حيث يعترب بداية اإلمرباطورية البيزنطية (أو‬
‫اإلمرباطورية الرومانية الرشقية) وفصلها متاماً عن الغربية‪ .‬يبدأ االنتقال إىل التاريخ البيزنطي الخاص أخرياً‬
‫يف عهد اإلمرباطور هرقل (حكم ‪ ،)027-076‬حيث أسس هرقل عىل نحو فعال دولة جديدة بعد إصالح‬
‫الجيش واإلدارة من خالل إنشاء الثيامت وبتغيري اللغة الرسمية لإلمرباطورية من الالتينية إىل اليونانية‪.‬‬
‫عاشت اإلمرباطورية البيزنطية ألكرث من ألف سنة‪ ،‬منذ القرن الرابع وحتى ‪ .7210‬خالل الجزء األكرب من‬
‫وجودها‪ ،‬كانت واحدة من أقوى القوى االقتصادية والثقافية والعسكرية يف أوروبا عىل الرغم من النكسات‬
‫وفقدان األرايض وخصوصا خالل الحروب الرومانية الفارسية والبيزنطية العربية(‪ .)2‬تعافت اإلمرباطورية‬
‫تحت حكم الساللة املقدونية وصعدت مرة أخرى لتصبح قوة بارزة يف رشق البحر األبيض املتوسط بحلول‬
‫‪.‬‬
‫أواخر القرن العارش لتنافس الخالفة الفاطمية‬
‫تسمية االمرباطورية البيزنطية‪:‬‬
‫تسمية حديثة أطلقها املؤرخون عىل الرومان الرشقيني بعد أن حول االمرباطور قسطنطني الكبري مركز ثقل الدولة‬
‫الرومانية القدمية من روما إىل موقع يقع عىل خليج البسفور يعرف باسم بيزنطة‪ ،‬و يعترب مصطلح 'البيزنطية'‬
‫مستمد من بيزنطة‪ ،‬اسم املدينة تأسست القرن الثامن قبل امليالد التي كانت تحتلها سابقاً اإلمرباطورية‬
‫الرومانية يف موقع القسطنطينية يف قسنطينة‪ ،‬كام أنها امتداداً لإلمرباطورية الرومانية يف "بيزنطة" حيث أن‬
‫هياكل الحكومة واإلدارة تطورت بسالسة من تلك اإلمرباطورية الرومانية املتأخرة يف القرون األوىل‪ ،‬واستخدمت‬
‫الالتينية يف البداية لغة لإلدارة ومع ذلك‪ ،‬كانت لغة ثقافته األدبية هي اليونانية‪ .‬وما ميز هذه اإلمرباطورية‬
‫أنها من الروم استمدت القانون ونظام الحكومة ومن اليونانية يف اللغة والثقافة األدبية‪ ،‬واملسيحية دينها(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬هسي ‪ ،‬العالم البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬


‫(‪ )2‬العريني ‪ ،‬الدولة البيزنطية ‪7697 ،313‬م ‪ ،‬ص ‪36‬‬
‫(‪)3‬عمران ‪ ،‬حضارة اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪ ، 77‬فرح‪ ،‬نعيم‪ :‬الحضارة األوروبية في العصور الوسطى‪،‬‬
‫دمشق‪ :‬جامعة دمشق‪ ،‬ط‪1666 ،1‬م‪.‬ص ‪ ،9‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬فرح‪ ،‬الحضارة األوروبية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الدرة ‪ ،‬تاريخ العرب العسكري ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫)‪TH CENTURIES: A 1TH TO 4 ،BYZANTINE EXCHANGE،INDO ، REBECCA R. DARLEY)5‬‬
‫‪for the University of Birmingham A thesis submitted to the ، HISTORY GLOBAL‬‬
‫‪September 2013 ،University of Birmingham ، DOCTOR OF PHILOSOPHY degree of‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كام أطلق املؤرخون تسميات عدة عىل اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬مستندين يف ذلك عىل آرائهم وأفكارهم التي‬
‫تأثرت بدرجة ما بعرص النهضة األوروبية واالهتامم بالتاريخ الروماين واليوناين‪ ،‬ومن التسميات التي أطلقت‬
‫عليها الدولة الرومانية والدولة الرومانية الرشقية والدولة اإلغريقية أو الهلينستية‪ ،‬وما يهمنا هنا تسميتها‬
‫بالدولة البيزنطية‪ ،‬حيث تعد هذه التسمية حديثة أطلقها عدد كبري من املؤرخني والباحثني مستمدين تلك‬
‫التسمية من عنرصين أساسيني هام‪ :‬تحديد كيان اإلمرباطورية ولها مساحتها الجغرافية‪ ،‬وأن اقرتان الحضارة‬
‫الهلنستية بالديانة املسيحية يف نطاق اإلمرباطورية الرومانية أدى إىل قيام ما يسمى باإلمرباطورية‬
‫البيزنطية(‪. )7‬‬
‫وأطلق اآلثاريون يف القسطنطينية(‪ )0‬عىل سكان اإلمرباطورية اصطالح البيزنطيني يف بعض األحيان حيث كان‬
‫اسم الرومان أو أهل القسطنطينية اصطالحني يفتقدان إىل الدقة وال يعربان عن الحقيقة‪ ،‬ثم انتقل اصطالح‬
‫البيزنطيني إىل الغرب واستعمله املؤرخون املحدثون من باب التسهيل‪.‬‬
‫وهناك مسميات أخرى مثل اإلمرباطورية الرومانية الرشقية أو اإلمرباطورية الرومانية املتأخرة(‪ ،)0‬وتعد‬
‫التطورات عىل الصعيدي السيايس والحضاري مرحلة انتقال اإلمرباطورية الرومانية إىل اإلمرباطورية‬
‫(‪)2‬‬
‫البيزنطية‪ ،‬فإن نقل العاصمة من روما إىل القسطنطينية واالعرتاف بالديانة املسيحية‪ ،‬بعد مرسوم ميالن‬
‫هذين العاملني املهمني عملهام قسطنطني‪ ،‬واملعروف باسم‪ :‬قسطنطــني الكبري‪.‬‬
‫وفيام يتعلق بأصل التسمية ورد ذكر اإلمرباطورية البيزنطية يف أوروبا الغربية يف عام ‪ 7111‬عندما نرش‬
‫املؤرخ األملاين هريونيموس فألف كتابه كوربوس هستوريا بيزنتيا وهو مجموعة من املصادر التاريخية‪ .‬يأيت‬
‫املصطلح من بيزنتيوم وهو اسم القسطنطينية قبل أن تصبح عاصمة قسطنطني األول نادراً ما استخدم هذا‬
‫االسم من تلك النقطة فصاعداً إال يف السياقات التاريخية أو الشعرية‪ .‬أشاع نرش بيزنتني دو لوفر (كوربوس‬
‫سكريبتوروم هستوريا بيزنتيا) عام ‪ 7022‬ونرش شارل دو كانج لكتابه هستوريا بيزنتينا استخدام مفردة‬
‫بيزنطي بني املؤلفني الفرنسيني مثل مونتسكيو‪ ،‬اختفى املصطلح حتى القرن التاسع عرش عندما استخدم‬
‫عىل نطاق واسع يف العامل الغريب قبل هذا الوقت‪ ،‬كانت تستخدم تسمية اليونانية للداللة عىل اإلمرباطورية‬
‫‪.‬‬
‫وأحفادها يف إطار الدولة العثامنية‬
‫أما سكان بيزنطة؛ فتعارفوا عىل تسميتها باإلمرباطورية البيزنطية اإلمرباطورية الرومانية أو إمرباطورية‬
‫الرومان أو رومانياً أو الجمهورية الرومانية باليونانية أو غريكيا وأيضاً رومايس عىل الرغم من الطابع‬
‫متعدد األعراق لإلمرباطورية البيزنطية خالل معظم تاريخها؛ فإنها حافظت عىل التقاليد الرومانية الهلنستية‪،‬‬
‫وعرفها معارصوها الغربيون والشامليون بعنرصها اليوناين السائد استخدم أحياناً لقب إمرباطورية اليونان‬
‫يف الغرب لإلشارة إىل اإلمرباطورية الرومانية الرشقية وسمي اإلمرباطور البيزنطي إمرباطور اليونان وذلك‬
‫لتمييزها عن هيبة اإلمرباطورية الرومانية يف املاملك الغربية الجديدة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 300‬‬


‫(‪)2‬القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية ‪ ،‬اتخذت اسمها من اإلمبراطور قسطنطين‪ ،‬وهي حاليا ً مدينة اسطنبول‬
‫التركية الواقعة شمال تركيا على مضيق البسفور ‪ ،‬انظر‪ :‬هسي ‪ ،‬العالم البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫(‪)3‬عمران ‪ ،‬محمود سعيد ‪ ،‬حضارة اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬مصر ‪ ، 1660 ،‬ص ‪ ، 77‬هسي‪ ،‬العالم البيزنطي‬
‫‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪)4‬مرسوم ميالن ‪ :‬المرسوم الذي اصدره االمبراطور الروماني قسطنطين سنة ‪373‬م والذي اعترف بالديانة‬
‫المسيحية ديانة رسمية في االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ينظر ‪ :‬العريني ‪ ،‬تاريخ أوروبا في العصور الوسطى‪،‬‬
‫ص‪.47،17‬‬
‫(‪)5‬الشيخ‪ ،‬محمد‪ :‬تاريخ اإلمبراطورية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار المعرفة الجامعية‪7994 ،‬م‪ .‬ص‪ ،79‬وسيشار إليه الحقاً‪:‬‬
‫الشيخ‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫مل يوجد مثل هذا التمييز يف العوامل اإلسالمية والفارسية والسالفية‪ ،‬حيث اعتربت اإلمرباطورية استمراراً‬
‫لإلمرباطورية الرومانية‪ .‬يف العامل اإلسالمي أطلق عليهم اسم الروم(‪ ، )7‬يف األعامل التاريخية الحديثة‪ ،‬عادة‬
‫ما تسمى اإلمرباطورية باإلمرباطورية الرومانية الرشقية يف سياق الفرتة ‪ ،076-071‬أي قبل عهد اإلمرباطور‬
‫هرقل الذي غري اللغة الرسمية من الالتينية إىل اللغة اليونانية (وهي لغة أغلبية السكان)‪ .‬يف السياقات بعد‬
‫‪ ،076‬يستخدم مصطلح اإلمرباطورية البيزنطية بصورة أكرب(‪.)0‬‬
‫الدولة البيزنطية بني عامي ‪000 -070‬م‪:‬‬
‫شهد عام ‪077‬م توسع الدولة الرومانية عىل أرايض واسعة ممتدة حتى البحر املتوسط وجزء كبري من أوروبا‬
‫الغربية‪ ،‬ضمت هذه األرايض العديد من املجموعات الثقافية املختلفة‪ ،‬مرتاوحة بني البدائية إىل املتطورة‬
‫بصفة عامة‪ ،‬كانت مقاطعات رشق البحر األبيض املتوسط أكرث تحرضاً وتطوراً اجتامعياً‪ ،‬حيث سبق لها أن‬
‫خضعت لإلمرباطورية املقدونية وخضعا للثقافة الهلنستية‪ .‬يف املقابل‪ ،‬كانت املناطق الغربية ال تزال يف‬
‫معظمها غري موحدة تحت سلطة واحدة ثقافية أو سياسية‪ ،‬وكانت ال تزال إىل حد كبري ريفية وأقل منوا‪.‬‬
‫استمر هذا التمييز بني الرشق الهلنستي والغرب الالتيني اليافع وأصبح ذا أهمية متزايدة يف القرون‬
‫الالحقة(‪.)0‬‬
‫وبرز تطور سيايس يف هذه املرحلة متثل يف انقسام الدولة الرومانية يف عهد دقلديانوس‪ ،‬الذي استحدث‬
‫نظاماً إدارياً جديداً يف عام ‪ 070‬عرف باسم الحكم الرباعي‪ ،‬حيث يوجد إىل جانب اإلمرباطور مساعد أو‬
‫أغسطس‪ .‬كام استعان كل أغسطس بزميل يافع منح لقب قيرص ليشاركه يف الحكم ويخلفه يف نهاية األمر‪.‬‬
‫بعد تنازل دقلديانوس وماكسيمليان انهار الحكم الرباعي واستبدله قسطنطني األول مببدأ الخالفة الوراثية(‪.)2‬‬
‫وشهدت الدولة البيزنطية اتساعاً يف عهد قسطنطني مقر اإلمرباطورية وأدخل تغيريات هامة يف دستورها‬
‫املدين والديني يف ‪ ،006‬أسس القسطنطينية باعتبارها روما الثانية عىل موقع بيزنطة والتي كانت يف مركز‬
‫جيد عىل مفرتق طرق التجارة‪ 1‬بني الرشق والغرب(‪ ،)0‬وبنى قسطنطني عىل اإلصالحات اإلدارية التي أدخلها‬
‫دقلديانوس استقرت العملة (أصيح الصوليدوس الذهبي الذي قدمه عملة مثينة جدا ومستقرة) وأجرى‬
‫تغيريات عىل بنية الجيش(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬باقر ‪ ،‬طه ‪ ،‬رشيد ‪ ،‬فوزي ‪ ،‬هاشم ‪ ،‬رضا جواد ‪ ،‬تاريخ ايران القديم ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ، 7996 ،‬ص ‪،31‬‬
‫وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬باقر‪ ،‬تاريخ إيران ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬معايير اختيار المبعوثين البيزنطيين‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ص ‪73‬‬
‫‪ ،‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬رمضان‪ ،‬معايير اختيار المبعوثين ‪.‬‬
‫(‪)3‬يحيى‪،‬عمر‪ ،‬التوجهات في العالقات السياسية واالقتصادية والثقافية بين الدولة البيزنطية والدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬بيروت‪ ،7991 ،‬ص‪ ،71‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬يحيى‪ ،‬التوجهات في العالقات السياسية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صالح ‪ ،‬عبد العزيز حميد ‪ ،‬قسطنطنين األول والعصر المسيحي المبكر ‪ ،‬مجلة بين النهرين ‪ ،‬العدد ‪، 713‬‬
‫السنة ‪، 1663 ،37‬بغداد‪ ،‬ص ‪ ،110‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬صالح ‪ ،‬قسطنطنين األول ‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ملحق رقم (‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬صالح ‪ ،‬قسطنطنين األول ‪ ،‬ص ‪119‬‬
‫(‪ )1‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪12‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وتعافت اإلمرباطورية تحت حكم قسطنطني واستعادت الكثري من قوتها العسكرية ومتتعت بفرتة من‬
‫االستقرار واالزدهار‪ ،‬ذكر يوسابيوس القيرصي أن عادة امللوك معتنقي املسيحية حينها كانت أن يؤخروا‬
‫تعميدهم حتى وقت قصري من وفاتهم(‪. )7‬‬
‫مل تكن املسيحية الديانة الحرصية للدولة تحت حكم قسطنطني‪ ،‬ولكنها متتعت باألفضلية اإلمرباطورية‪،‬‬
‫وذلك ألن اإلمرباطور دعمها بامتيازات سخية‪ .‬أسس قسطنطني مبدأ أن األباطرة ال ينبغي لهم تسوية مسائل‬
‫العقيدة‪ ،‬ولكن يجب استدعاء مجالس الكنيسة العامة لهذا الغرض(‪ .)0‬عقد قسطنطني مجمع آرل املسكوين‬
‫(‪)0‬‬
‫واملجلس األول يف نيقيا حيث عرض دعواه أن يكون رأس الكنيسة‪.‬‬
‫ميكن وصف حالة اإلمرباطورية يف ‪071‬م أنها نتيجة أعامل قسطنطني‪ .‬اعتمد مبدأ التوريث بقوة حتى أنه‬
‫عند وفاة اإلمرباطور ثيودوسيوس األول يف ذلك العام‪ ،‬انتقلت اململكة إىل أبناءه‪ :‬أركاديوس يف الرشق‬
‫(‪)2‬‬
‫وهونوريوس يف الغرب‪ ،‬كان اإلمرباطور ثيودوسيوس آخر من حكم اإلمرباطورية غري مقسمة‪.‬‬
‫واجهت اإلمرباطورية الرشقية إىل حد كبري من الصعوبات التي واجهتها الغربية يف القرنني الثالث والرابع‪،‬‬
‫ويرجع ذلك يف جزء منه إىل ثقافة حرضية أكرث رسوخا‪ ،‬واملزيد من املوارد املالية التي جذبت الغزاة مع‬
‫مرتزقتهم‪ .‬بينام حصن ثيودوسيوس الثاين القسطنطينية باألسوار املنيعة ضد معظم الهجامت‪ .‬مل تخرق تلك‬
‫(‪)1‬‬
‫الجدران حتى ‪ .7062‬دفع ثيودوسيوس لرد الهون جزية (نحو ‪ 066‬كغ من الذهب)‪.‬‬
‫رفض خليفته مارقيان االستمرار يف دفع هذا املبلغ الباهظ‪ .‬ولحسن الحظ كان أتيال قد حول انتباهه بالفعل‬
‫نحو اإلمرباطورية الرومانية الغربية‪ ،‬بعد وفاته يف ‪210‬م انهارت إمرباطورية الهون؛ استأجرت القسطنطينية من‬
‫تبقى من الهون يف كثري من األحيان كمرتزقة يف خدمتها‪)0(.‬‬

‫بعد سقوط أتيال‪ ،‬متتعت اإلمرباطورية الرشقية بفرتة من السالم‪ ،‬بينام انهارت اإلمرباطورية الرومانية الغربية‬
‫(التأريخ عادة ‪ 210‬م عندما خلع القائد العسكري الجرماين الروماين أودواكر اإلمرباطور الغريب االسمي‬
‫رومولوس أوغستولوس)(‪.)1‬‬
‫تفاوض اإلمرباطور زينون مع القوط الرشقيني السرتداد إيطاليا والذين كانوا قد استقروا يف مويسيا‪ .‬أرسل‬
‫اإلمرباطور امللك القوطي ثيودوريك إىل إيطاليا بصفته ("القائد العام إليطاليا") إلسقاط أودواكر‪ .‬من خالل حثه‬
‫ثيودوريك لغزو إيطاليا‪ ،‬خلص زينون اإلمرباطورية الرشقية من خطرهم وحصل عىل األقل عىل سيطرة اسمية‬
‫عىل إيطاليا بعد هزمية أودواكر يف ‪ ،270‬حكم ثيودوريك إيطاليا بنفسه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬محمد ‪ ،‬البيزنطيون والعرب ‪ ،‬ص ‪.71‬‬


‫(‪ )2‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬االب اسحق ارملة ‪ ،‬تقديم ‪ ،‬جان موريس فييه ‪ ،‬دار المشرق ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 7990 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،09‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ ، 147‬صالح ‪ ،‬قسطنطنين األول ‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫(‪ )4‬عاقل‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ :‬دراسة في التاريخ السياسي والثقافي والحضاري ‪ ،‬دمشق‪ ،7916 ،‬ص‬
‫‪.13‬‬
‫(‪ )5‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 11‬‬
‫(‪ )1‬الشاعر‪ ،‬محمد فتحي‪ ،‬السياسة الشرقية لإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬مصر ‪ ،7999 ،‬ص ‪ ،91‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬الشاعر‪ ،‬السياسة الشرقية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬إسماعيل ‪ ،‬حلمي محروس ‪ ،‬الشرق العربي القديم وحضارته ‪ -‬بالد مابين النهرين والشام والجزيرة العربية‬
‫القديمة ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪ ،‬االسكندرية‪7991 ،‬م ‪ ،‬وسيشار اليه ‪ ،‬محروس ‪ ،‬الشرق العربي القديم‬
‫وحضارته ‪ ،‬ص ‪. 41‬‬
‫(‪ )1‬الشاعر ‪ ،‬السياسة الشرقية ‪ ،‬ص ‪761‬‬

‫‪13‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫اعتىل أناستاسيوس األول عرش اإلمرباطورية يف ‪ 277‬م وهو ضابط مدين مسن من أصل روماين‪ ،‬لكنه انتظر‬
‫حتى عام ‪ 272‬لتنظم قواته مقاومة يف إيسوريا متيز أنسطاسيوس بكونه إصالحياً نشطاً ومديراً قادراً حيث‬
‫حسن نظام صك العملة الذي أىت به قسطنطني األول عندما ثبت الوزن النهايئ للفوليس النحايس(‪ )7‬وهي‬
‫العملة املستخدمة يف معظم املعامالت اليومية‪ ،‬كام أصلح النظام الرضيبي حيث احتوت خزينة الدولة عند‬
‫(‪)0‬‬
‫وفاته ‪ 721,716‬كيلوغراما من الذهب عند وفاته يف ‪.172‬‬
‫وبرز تطور عام ‪101‬م متثل بقيام جستنيان األول بإعادة غزو املقاطعات الغربية السابقة‪ ،‬ومارس نوعاً من‬
‫السلطة خالل عهد عمه جستني األول (‪ ،)101-172‬يف ‪100‬م‪ ،‬ويف محاولة لتأمني حدوده الرشقية‪ ،‬وقع‬
‫جستنيان معاهدة سالم مع كرسى األول الفاريس(‪ )0‬ووافق عىل دفع جزية سنوية كبرية للساسانيني‪ ،‬يف العام‬
‫نفسه‪ ،‬نجا جستنيان من مترد يف القسطنطينية (ثورة نيكا) والتي انتهت مبقتل ‪ 01-06‬ألفا من مثريي الشغب‬
‫بناء عىل أوامره عزز ذلك النرص من قوة جستنيان أرسل البابا أغابيتس األول إىل القسطنطينية من قبل‬
‫ثيوداهاد ملك القوط الرشقيني ولكنه فشل يف مهمته توقيع سالم مع جستنيان‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬نجح يف إزالة‬
‫البطريرك املونوفيزي أنتيمون األول من القسطنطينية عىل الرغم من دعم اإلمرباطورة ثيودورا له(‪.)2‬‬
‫بدأت الفتوحات الغربية يف عام ‪ ،100‬عندما أرسل جستنيان القائد بيليساريوس الستعادة إقليم إفريقية‬
‫السابق من الفاندال الذين كانوا قد سيطروا عليه منذ ‪ 207‬وكانت عاصمته قرطاجة‪ .‬نجح بيليساريوس يف‬
‫ذلك بسهولة عجيبة‪ ،‬لكنه مل يستطع إخضاع القبائل الكربى املحلية حتى ‪ .122‬يف إيطاليا القوطية الرشقية‪،‬‬
‫أدت وفاة ثيودوريك العظيم وابن أخيه ووريثه أتاالريك وابنته أماالسونثا إىل وصول قاتلها ثيوداهاد إىل‬
‫العرش عىل الرغم من ضعف سلطته‪ .‬نجحت حملة بيزنطية يف ‪ 101‬عىل صقلية بسهولة يف استعادة الجزيرة‪،‬‬
‫ولكن رسعان ما شدد القوط من مقاومتهم ومل يأت النرص حتى ‪126‬م عندما استوىل بيليساريوس عىل رافينا‬
‫بعد حصارين ناجحني عىل نابويل وروما‪.‬‬
‫اتحد القوط الرشقيون تحت قيادة امللك توتيال وسيطروا عىل روما يف عام ‪120‬م‪ ،‬األمر الذي دفع جستنيان‬
‫الستدعاء بيليساريوس إىل القسطنطينية يف نهاية املطاف يف بدايات ‪ 127‬من رافينا بينام كان وصول الخيص‬
‫األرمني نارسيس إىل إيطاليا (أواخر ‪ )117‬عىل رأس جيش قوامه ‪ 01,666‬رجل نقطة تحول أخرى ململكة القوط‪،‬‬
‫هزم توتيال يف معركة بوستا غالوروم كام هزم خليفته تيا يف معركة مونس الكتاريوس (أكتوبر ‪ )110‬عىل الرغم‬
‫من استمرار مقاومة الحاميات القوطية القليلة املتبقية وغزوتني الحقتني من قبل الفرنجة واألالمانيني‪ ،‬إال أن‬
‫الحرب يف شبه الجزيرة اإليطالية قد وصلت النهايةيف ‪ ،117‬حاول أثاناغيلد وهو نبيل قوطي غريب من هسبانيا‬
‫الحصول عىل مساعدة جستنيان يف مترد ضد امللك‪ ،‬حيث أرسل اإلمرباطور قوة بقيادة ليبرييوس القائد العسكري‬
‫الناجح‪ .‬احتفظت اإلمرباطورية برشيحة صغرية من ساحل شبه الجزيرة اإليبريية حتى عهد هرقل‪)1(.‬‬

‫‪)1‬‬
‫‪Grierson ،Philip 7991،,Byzantine Coins. London ، United Kingdom: Methuen. ISBN‬‬
‫‪.7919،6،470،17306،1‬‬
‫(‪ )2‬الشاعر ‪ ،‬السياسة الشرقية ‪ ،‬ص ‪771‬‬
‫(‪ )3‬كسرى األول ‪ ،167،119،‬معروف أيضا باسم أنوشيروان العادل ‪ ،‬الروح الخالدة واسمه كسرى أنو شروان‬
‫بن قباذ بن يزدجرد بن بهرام جور‪ .‬حكم اإلمبراطورية الساسانية ما بين ‪ 137‬و‪ 119‬للميالد‪ .‬ابن خلدون ‪،‬‬
‫تاريخه ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )4‬الحيدري ‪ ،‬علي هادي حمزة ‪ ،‬األحوال االجتماعية في الدولة الساسانيـــــــة ‪114،017 ،‬م‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫غير منشورة ‪ ،‬جامعة بابل كلية التربية ‪ ، 1660 ،‬ص ‪ ،71،70‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الحيدري‪ ،‬األحوال‬
‫االجتماعية ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الناصري‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية ‪ ،‬ص ‪. 39‬‬

‫‪14‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أما يف الرشق؛ فاستمرت الحروب الفارسية ‪ -‬الرومانية حتى ‪ 107‬عندما وقع مبعوثوه جستنيان وكرسى‬
‫معاهدة سالم ملدة ‪ 16‬عاماً‪ .‬من منتصف عقد ‪ 116‬كان جستنيان قد حقق انتصارات يف معظم الحروب‬
‫مع استثناء ملحوظ يف منطقة البلقان‪ ،‬التي خضعت لتوغالت متكررة من السالف‪ .‬يف ‪ ،117‬واجهت‬
‫اإلمرباطورية غزواً كبرياً من الكوتريغوريني والسكالفينيني‪ ،‬استدعى جستنيان بيليساريوس من التقاعد وهزم‬
‫التهديد الهوين الجديد؛ تسبب تعزيز أسطول الدانوب يف تراجع الكوتريغور الهون وموافقتهم عىل معاهدة‬
‫وفرت لهم ممرا آمنا ليعودوا إىل وراء الدانوب(‪.)7‬‬
‫ويف عام ‪107‬م‪ ،‬قامت لجنة من عرشة أشخاص ترأسها تريبونيان بتنقيح الدستور الروماين القديم وقدمت‬
‫الدستور الجستنياين الجديد وهو نسخة مخترصة من النصوص القانونية السابقة(‪ )0‬يف ‪102‬م‪ ،‬تم تحديث‬
‫الدستور الجستنياين وإعادة تنظيمه يف نظام قانوين استخدم يف بقية العرص البيزنطي‪ ،‬كانت هذه اإلصالحات‬
‫(‪)0‬‬
‫القانونية إىل جانب التغيريات القانونية العديدة األخرى تعرف باسم كوربوس جوريس سيفيليس‪.‬‬
‫كانت الثقافة التق ليدية اليونانية الرومانية خالل منتصف القرن السادس امليالدي‪ ،‬ال تزال مؤثرة يف‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية ومن أعالمها البارزين الفيلسوف الطبيعي يوحنا فيلوبونوس‪ .‬مع ذلك‪ ،‬كانت‬
‫الفلسفة والثقافة املسيحية سائدة وبدأت تحل محل الثقافة القدمية‪ ،‬علمت الرتاتيل التي كتبها رومانوس‬
‫املرنم تطور القداس الديني يف حني أن املهندسني املعامريني والبنائني عملوا الستكامل الكنيسة الجديدة‬
‫للحكمة املقدسة‪ ،‬آيا صوفيا‪ ،‬التي صممت لتحل محل كنيسة أقدم دمرت خالل ثورة نيكا‪ .‬يعترب ذلك الرصح‬
‫اليوم أحد املعامل الرئيسية يف تاريخ الهندسة املعامرية البيزنطية خالل القرنني السادس والسابع‪ ،‬رضبت‬
‫اإلمرباطورية سلسلة من األوبئة‪ ،‬والتي ذهبت بأرواح الكثريين‪ ،‬وأدت إىل تراجع اقتصادي كبري وإضعاف‬
‫اإلمرباطورية(‪. )2‬‬
‫خلف جستنيان بعد وفاته يف عام ‪ 101‬جسنت الثاين الذي رفض دفع الجزية الكبرية للفرس يف غضون ذلك‪،‬‬
‫غزا اللومب ارد الجرمان إيطاليا وبحلول نهاية القرن السادس امليالدي كان ثلث إيطاليا فقط يف أيدي‬
‫البيزنطيني‪ ،‬خلف جسنت تيربيوس الثاين‪ ،‬والذي اختار منح إعانات لآلفار وشن حملة عسكرية ضد الفرس‬
‫عىل الرغم من أن جرنال تيربيوس موريس قد قاد حملة فعالة عىل الحدود الرشقية‪ ،‬إال أن اإلعانات فشلت‬
‫يف كبح اآلفار‪ ،‬وسقطت قلعة سريميوم البلقانية بيدهم يف ‪ ،120‬يف حني شق السالف طريقهم عرب نهر‬
‫الدانوب‪.‬‬
‫اعتىل موريس العرش بعد وفاة تيربيوس وتدخل يف الحرب األهلية الفارسية ونصب كرسى الثاين الوريث‬
‫الرشعي مرة أخرى عىل العرش وزوجه ابنته‪ .‬جلبت معاهدة موريس مع صهره الجديد سياسة الوضع‬
‫الراهن يف الرشق‪ ،‬حيث تضخمت اإلمرباطورية رشقاً إىل حد مل يتحقق من قبل يف تاريخها عرب القرون الستة‬
‫وكانت حاميتها أقل عبئاً أيضاً وفقا للوضع الراهن‪ ،‬حيث وفرت اإلمرباطورية املاليني من الصوليدوس فقط‬
‫عرب عدم دفع الجزية للفرس‪ .‬بعد نرصه عىل الحدود الرشقية‪ ،‬ركز موريس عىل منطقة البلقان‪ ،‬ومتكن يف‬
‫‪ 060‬بعد سلسلة من الحمالت الناجحة من دفع اآلفار والسالف للعودة إىل ما وراء نهر الدانوب(‪. )1‬‬

‫(‪.75. ، p Op. Cit. ، L ،Simeonova )1‬‬


‫(‪ )2‬يوسف كرم‪ ،‬هال آمون‪ .‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار القلم للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪.1670‬ص ‪ ،71‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬كرم‪ ،‬تاريخ الفلسفة ‪.‬‬
‫(‪ )3‬عاقل ‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪.713‬‬
‫(‪،1669Karl. Against the Grain: A rebours. The Floating Press، Joris ،Huysmans)4‬‬
‫‪ .‬عاقل ‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪.719‬‬
‫(‪ )5‬ربيع ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪.701‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كان الزدياد التوتر بني الدولتني (الفارسية والبيزنطية) أن أحدث تأثرياً يف مساحة الدولة البيزنطية؛ إذ استغل‬
‫كرسى مقتل موريس عىل يد فوكاس الحتالل مقاطعة ما بني النهرين الرومانية‪ .‬مل يحظ فوكاس بشعبية ووصف‬
‫دامئا بالطاغية يف املصادر البيزنطية وكان هدفا لعدد من املؤامرات يف مجلس الشيوخ‪ .‬أطيح به يف نهاية املطاف‬
‫يف عام ‪ 076‬من قبل هرقل‪ ،‬الذي أبحر إىل القسطنطينية من قرطاج مع رمز علق عىل مقدمة سفينته‪ ،‬بعد‬
‫استالم هرقل‪ ،‬تقدم الساسانيون يف عمق آسيا الصغرى‪ ،‬واحتلوا دمشق والقدس ونقلوا الصليب الحقيقي إىل‬
‫املدائن‪ ،‬اتخذ الهجوم املضاد الذي قام به هرقل طابع الحرب املقدسة‪ ،‬حيث حمل معه صورة للمسيح كراية‬
‫عسكرية (وباملثل‪ ،‬عندما نجت القسطنطينية من حصار آفاري عام ‪ ،000‬عزي النرص إىل رمز العذراء الذي قاده‬
‫موكب البطريرك رسجيوس حول أسوار املدينة)(‪ ،)7‬دمرت القوة الساسانية الرئيسية يف نينوى يف ‪ 001‬واستعاد‬
‫هرقل يف ‪ 007‬الصليب الحقيقي إىل القدس يف احتفال مهيب‪ ،‬استنفدت الحرب قوى اإلمرباطوريتني البيزنطية‬
‫والساسانية‪ ،‬وتركتهم عرضة للقوات العربية املسلمة التي ظهرت يف السنوات التالية‪ ،‬عاىن الرومان من هزمية‬
‫ساحقة من قبل العرب يف معركة الريموك عام ‪ 000‬وفيام سقطت املدائن عاصمة اإلمرباطورية الساسانية بيد‬
‫العرب يف عام ‪.002‬‬

‫األرسة املقدونية والصعود‪:‬‬


‫بلغت اإلمرباطورية البيزنطية إحدى مراحل أوجها تحت حكم األباطرة املقدونيني بني أواخر القرن التاسع‬
‫إىل أوائل القرن الحادي عرش‪ ،‬عندما سيطرت يف البحر األدرياتييك وجنوب إيطاليا وجميع أرايض القيرص‬
‫صموئيل‪ .‬توسعت مدن اإلمرباطورية وانترش الرخاء يف جميع أنحاء املقاطعات بسبب تحسن الوضع األمني‪.‬‬
‫ارتفع عدد السكان وزاد اإلنتاج وحفز الطلب عىل زيادة التجارة ‪.‬‬
‫كان هناك منو كبري يف الثقافة‪ ،‬وخاصة مجال التعليم والتعلم ( عرص النهضة املقدونية ) وجرى الحفاظ‬
‫عىل النصوص القدمية وإعادة نسخها‪ .‬كام ازدهر الفن البيزنطي وانترشت الفسيفساء الرائعة يف تزيني العديد‬
‫من الكنائس الجديدة‪ .‬كانت اإلمرباطورية الجديدة أصغر بكثري مام كانت عليه خالل عهد جستنيان(‪ ،)0‬إال‬
‫أنها كانت أقوى حيث كانت األرايض الخاضعة لها متقاربة جغرافيا وأكرث اندماجا سياسيا وثقافيا‪.‬‬
‫العالقات العربية –البيزنطية ‪220-000‬م‪:‬‬
‫بدأت العالقات العربية ‪ -‬البيزنطية قبل اإلسالم حني كانت بيزنطة تحكم بالد الشام‪ ،‬إما مبارشة وإما بوساطة‬
‫حلفائها من الغساسنة‪ ،‬كام حاولت أن متد نفوذها إىل قلب شبه الجزيرة العربية‪ ،‬حني حاولت تنصيب‬
‫عثامن بن الحويرث ملكاً عىل مكة‪ ،‬ولكنها مل تفلح‪ .‬وحني صعد محمد بن عبد هللا بأمر ربه‪ ،‬وقامت لإلسالم‬
‫دولة‪ ،‬نظرت بيزنطة بعني الريبة إىل هذا الحدث املهم الذي قام يف الحجاز وامتد إىل بقية أرجاء شبه الجزيرة‬
‫العربية‪ ،‬وحاولت أن تتقي الخطر الذي قد يدهمها بعد أن جاءتها أخباره عن طريق حلفائها األحباش‬
‫وجواسيسها الذين كانت ترسلهم إىل املدينة بصفة تجار وباعة(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬االرناؤوط‪ ،‬محمد ‪ ،‬معطيات من دمشق وبالد الشام الجنوبية في نهاية القرن السادس عشر ‪ ،‬وقفية سنان باشا‬
‫‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الحصاد للنشر والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬سوريا ‪ . 7993 ،‬ص‪ ،10‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬األرناؤوط‪،‬‬
‫معطيات من دمشق ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬االب اسحق ارملة ‪ ،‬تقديم ‪ ،‬جان موريس فييه ‪ ،‬دار المشرق ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ 7990 ،‬م ص‪ 141‬وسيشار اليه الحقا ‪ ،‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ ،‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كانت الهجرة النبوية الرشيفة عام ‪7‬هـ‪000 /‬م حدثاً تاريخياً مهامً يف العامل‪ ،‬فقد أتخذه املسلمون تقومياً‬
‫خاصاً بهم وبداية لنرش اإلسالم يف العامل‪ ،‬كله فقد بعث الرسول ( صىل هللا عليه وسلم ) بعض الرسل إىل‬
‫هرقل وكرسى واملقوقس وغريهم يدعوهم إىل اعتناق اإلسالم وقد صنع لنفسه خامتا فضيا نقشت عليه‬
‫عبارة ‪ (:‬محمـد رسـول هللا ) وختم به تلك الرسائل وأرسل الرسول الكريم ( صىل هللا عليه و سلم ) رسالة‬
‫إىل هرقل فرد عىل الرسالة رداً حسناً‪ )7(.‬وقد تحرك املسلمون لنرش الدين اإلسالمي وكان أول عمل من‬
‫األعامل العسكرية ضد البيزنطيني يف بالد الشام‪ ،‬كام أن محمد صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬انطالقاً من فكرة عاملية‬
‫الدعوة‪ ،‬أحب أن يخترب حال السلطة التي كانت تتوىل حكم جزء من بالد الشام؛ فكانت موقعة مؤتة التي‬
‫سبقت وفاته‪ ،‬وبعد أن استقر األمر للدولة العربية اإلسالمية الوليدة وبدأ عرص الفتوح‪ ،‬وجهز قوة أراد‬
‫إرسالها إىل الشام ثم تويف وتحركت الجيوش يف عهد أيب بكر الصديق (رض)؛ ففي عام‪70‬هـ‪002 /‬م استعد‬
‫الخليفة أبو بكر وشكل ثالثة جيوش كان عىل رأس هذه الجيوش يزيد بن معاوية ورشحبيل بن حسنه‬
‫وعمرو بن العاص وآخرون(‪ ،)0‬وكانت خطتهم إرسال جامعات صغرية هدفها مهاجمة القوات البيزنطية‬
‫برسعة ومن ثم إجبار العدو عىل املالحقة وهكذا فقد اصطدمت القوات العربية بقوات بيزنطية يف أكرث‬
‫(‪)0‬‬
‫من معركة واملعركة الكبرية الفاصلة وقعت يف الريموك ‪.‬‬
‫ويف منطقة أجنادين(‪ )2‬عام ‪70‬هـ‪002 /‬م ألتقت القوات العربية مع القوات البيزنطية بقيادة ثيودور شقيق‬
‫هرقل‪ ،‬وألحق املسلمني بالبيزنطيني خسارة فادحة وحررت هذه املعركة فلسطني من الحكم البيزنطي‪ ،‬وبعد‬
‫معركة أجنادين تويف الخليفة أبو بكر(رض) ‪ ،‬وتوىل الخالفة بعده عمر بن الخطاب(رض)(‪ ،)1‬حيث قام الخليفة‬
‫الثاين عمر بن الخطاب مبتابعة ما بدأه سلفه الخليفة األول أبو بكر الصديق‪ ،‬وكانت فتوح الشام؛ وبعد‬
‫السيطرة عىل دمشق تحرك املسلمون شامالً لتحرير حامة وحمص وبعلبك وغريها‪ ،‬وكانت معركة الريموك‬
‫املعركة الحاسمة التي حطمت القوات البيزنطية‪ ،‬وبعدها استطاع العرب املسلمون تحرير القدس‪ ،‬ثم سار‬
‫عمرو بن العاص إىل مرص أواخر عام ‪71‬هـ‪002 /‬م وأستطاع السيطرة عىل مدينة الفرما والسيطرة عىل‬
‫حصــن بابليون(‪ )0‬وانسحب البيزنطيون نحو اإلسكندرية وبعد موت هرقل دبت الفوىض يف العاصمة‬
‫البيزنطية؛ بسبب الوراثة عىل العرش لذلك اضطرت اإلمرباطورية إىل التفاوض مع العرب وانتهى األمر بصلح‬
‫اإلسكندرية‪ )1(.‬وبعد فتح اإلسكندرية تابعت قوات عمرو بن العاص زحفها نحو برقة وطرابلس وواصلوا‬
‫تقدمهم يف شامل افريقيا كام هاجموا آسيا الصغرى‪ ،‬واستولوا عىل أرمينية وقد استوىل العرب عىل جزيرة‬
‫قربص(‪ ،)2‬كام هجموا عىل جزيرة رودس وأصبحت القسطنطينية نفسها معرضة للخطر بشكل مبارش(‪. )7‬‬

‫(‪ )1‬الطبري ‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 793‬‬


‫(‪ )2‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬بيروت ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.. 43‬‬
‫(‪ )3‬العريني ‪ ،‬البيزنطيون والعرب ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬
‫(‪ )4‬أجنادين بلدة من نواحي فلسطين‪ ،‬قرب مدينة الرملة ‪ ،‬انظر ‪ ،‬الحموي‪ ،‬ياقوت شهاب الدين أبو عبد هللا ‪،‬ت‬
‫‪0136‬ه‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪) 7990 (،‬ج‪ ،7‬ص ‪ ،763‬وسيار اليه ‪ ،‬الحموي ‪ ،‬معجم‬
‫البلدان‪.،‬‬
‫(‪ )5‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 044،016‬‬
‫(‪ )1‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.394‬‬
‫(‪ )1‬ابن األثير ‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪111‬‬
‫(‪ )1‬قبرص‪ :‬جزيرة في البحر المتوسط‪ ،‬يصلها المسافر من بالد الشام مدة ستة عشر يوماً ‪ ،‬انظر ‪ :‬الحموي‪،‬‬
‫البلدان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 361‬‬
‫(‪ )5‬الدره ‪ ،‬تاريخ العرب العسكري ‪ ،‬ص ‪49‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ولقي العرب املسلمون من أبناء بالد الشام كل تأييد‪ ،‬فحرر العرب املسلمون مدينة برصي بقيادة «أيب‬
‫عبيدة بن الجراح» ومساعدة أبنائها الناقمني عىل الحكم البيزنطي‪ .‬وفشل البيزنطيون يف اسرتجاعها يف معركة‬
‫«أجنادين» الشهرية‪ ،‬مام جعل هرقل يشعر باليأس ويهزم أمام الجيوش العربية(‪.)7‬‬

‫أنهت معركة الريموك التي جرت يوم ‪ 06‬آب سنة ‪ 000‬االحتالل البيزنطي لسورية وهزم الجيش البيزنطي‪،‬‬
‫وخرجت سورية نهائياً من السيطرة البيزنطية مع بقاء جيوب للمقاومة‪ .‬وكانت املقاومة يف فلسطني أكرث‬
‫عنفاً من بقية املقاطعات الشامية‪ ،‬وقاد هذه املقاومة البطريرك صفرونيوس‪ ،‬بطريرك القدس‪ .‬وبعد حصار‬
‫غري قصري استسلمت القدس وفتحت أبوابها للخليفة عمر‪ .‬ويف شهر أكتوبر سنة ‪026‬م‪ ،‬اتجه العرب نحو‬
‫مرص لفتحها وتخليصها من الحكم البيزنطي(‪.)0‬‬
‫واسرتجع العرب جميع األرض املحتلة يف مرشق الوطن ومغربه من االحتالل البيزنطي؛ إذ بعد وفاة عمر بن‬
‫الخطاب ويل الخالفة عثامن بن عفان كام هو معروف؛ فاستدعى عمرو بن العاص حاكم مرص ليقابله يف‬
‫املدينة‪ ،‬وأراد البيزنطيون أن يستفيدوا من فرصة غياب عمرو عن مرص ليقوموا بهجوم معاكس السرتداد‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬لذلك جهزوا سنة ‪022‬م أسطوالً قوياً ووجهوه إىل اإلسكندرية ليباغت الجيش العريب يف غياب‬
‫قائده(‪ .)0‬وعاد عمرو بن العاص عىل جناح الرسعة إىل مرص واشتبك مع القائد البيزنطي نيكيو وانترص عليه‬
‫انتصاراً ساحقاً ودخل اإلسكندرية من جديد وذلك يف صيف ‪.)2(020‬‬
‫وعاد البيزنطيون بأسطولهم وجيشهم إىل القسطنطينية‪ .‬ومن املهم اإلشارة إىل أن سكان اإلسكندرية األقباط‬
‫برئاسة البطريرك بنيامني ساعدوا العرب يف معاركهم ضد بيزنطة وانضموا إىل جانبهم؛ وتحررت مرص من‬
‫السيادة البيزنطية(‪.)1‬‬
‫ويعود الفضل إىل معاوية بن أيب سفيان‪ ،‬وايل دمشق‪ ،‬بتأليف األسطول العريب الذي حارب بيزنطة بقيادته‬
‫يف قربص‪ ،‬واستوىل عىل عاصمتها كونستانتيا(‪ ،)0‬وتابع معاوية مسريته البحرية؛ فهاجم سنة ‪ 012‬جزيرة رودس‬
‫واحتلها‪ ،‬ثم تابع مسريته واحتل جزيريت كوس وكريت(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬خريسات‪ ،‬محمد‪ ،‬دور العـرب المتنصـرة فـي الفتوحـات ‪ ،‬المؤتمـر الدولـي الرابـع لتاريـخ بـالد الشـام ‪ ،‬بالد‬
‫الشام في صدر اإلسالم‪ ،‬مـج‪ ،1‬الجامعة األردنية وجامعة اليرموك‪ ،‬عمان‪ 70،11 ،‬آذار ‪،7991 ،7991‬‬
‫ص‪ ، 741‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬خريسات‪ ،‬دور العرب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحديثي ‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 379‬‬
‫(‪ )3‬زينب عبد المجيد‪ ،‬العالقات السياسية والدينية بين الدولة البيزنطية وغرب أوروبا في الفترة من ‪-7617‬‬
‫‪ 7767‬ميالدية‪ .‬الزقازيق ‪ ،7991 ،‬ص ‪ ،144‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬زينب‪ ،‬العالقات السياسية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬خميس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة‪ ،7991 ،‬ص ‪ ،790،791‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬خميس‪ ،‬دراسات ‪.‬‬
‫(‪ )5‬اسمت‪ ،‬غنيم ‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪ ، 7996 ،‬وسيشار إليه الحقاً‬
‫غنيم ‪ ،‬تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪.01 ، 07‬‬
‫(‪ )1‬عبد العزيز سالم وأحمد العبادي ‪ ،‬تاريخ البحرية اإلسالمية ‪ ،‬بيروت ‪7993 ،‬م ‪ ،‬ج‪ 7‬ص‪ ،39‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬عبد العزيز وآخرون‪ ،‬تاريخ البحرية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جزيرة كريت ‪ :‬جزيرة واقعة في البحر المتوسط ‪،‬بحر الروم‪ ،‬جنوب بالد اإلغريق ‪،‬اليونان‪،‬انظر الحموي‪،‬‬
‫البلدان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 419‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وبدا واضحا أنه يريد القسطنطينية‪ .‬وقصة محاوالت حصار العرب للقسطنطينية طويلة ومعروفة والسيام‬
‫الصوائف والشوايت التي كانت يوجهها العرب إىل بيزنطة يف الثغور والعواصم‪ ،‬ولكن ال بد من التذكري بأنها‬
‫‪.‬‬
‫كانت تقليدا سنويا استمر طوال العرص األموي وشطرا كبريا من خالفة بني العباس‬
‫وعقب وفاة هرقل عام ‪07‬هـ‪027 /‬م خلف ابنه قسطنطني الثالث عىل العرش لعدة شهور وبعدها استوىل‬
‫عىل العرش هرقليون‪ ،‬وبعد عام قرر مجلس الشيوخ عزل هرقليون ونفيه وتنصيب قنسطانز من عام ‪00‬هـ‪/‬‬
‫‪020‬م حتى عام ‪22‬هـ‪002 /‬م وبعد مقتل قنسطاز توىل بعده ابنه قسطنطني الرابع ‪021/002‬م الذي عرف‬
‫باسم قسطنطني امللتحي ويف عهده حدثت تطورات أهمها‪ :‬اعتالء األمويني السلطة واتخاذ دمشق عاصمة‬
‫لهم وبهذا أصبحوا عىل محك مبارش مع البيزنطيني إذ بدأ الخليفة معاوية بن أيب سفيان عملياته العسكرية‬
‫ضد البيزنطيني عام ‪11‬هـ‪010/‬م إلسقاط القسطنطينية نفسها‪ ،‬وقد نجح األسطول العريب يف الوصول إىل‬
‫مدينة (قيزيقوس) وجعلها مقراً لعملياته العسكرية وقد حارصت القوات العربية مدينة القسطنطينية‪،‬‬
‫لكنها مل تنجح يف اخرتاقها تويف قسطنطني الرابع عام ‪00‬هـ‪021/‬م وترك العرش ألبنه جستنيان امللقب‬
‫بجستنيان الثاين وحكم مرتني األوىل بني أعوام ‪10-00‬هـ‪071-021/‬م‪ ،‬والثانية بني أعوام ‪70-20‬هـ‪-161/‬‬
‫‪177‬م‪.،‬‬
‫والشك يف أن العرب الذين أقاموا دولة كبرية وقوية لهم يف شبه الجزيرة اإليربية عرفت باسم األندلس‬
‫تذكروا عىل الدوام حلمهم القديم باحتالل القسطنطينية وإسقاط بيزنطة‪ .‬وقد تحقق لهم ذلك عىل يد‬
‫السلطنة العثامنية التي عدت نفسها وريثة خالفة العرب املسلمني(‪.)7‬‬
‫فيام يل ثبت بأسامء األباطرة السوريني الذين توالوا عىل عرش بيزنطة‪:‬‬
‫األرسة السورية أو اإليساورية(‪:)0‬‬
‫الفرتة‬ ‫اسم‬ ‫رقم‬
‫(‪)127-171‬‬ ‫ليون الثالث‬ ‫‪7‬‬
‫(‪)111-127‬‬ ‫قسطنطني الخامس‬ ‫‪0‬‬
‫(‪)126-111‬‬ ‫ليون الرابع‬ ‫‪0‬‬
‫(‪)171-126‬‬ ‫قسطنطني السادس‬ ‫‪2‬‬
‫(‪)260-171‬‬ ‫إيرين (زوجة ليون الرابع)‬ ‫‪1‬‬

‫(‪)1‬الجنزوري‪ ،‬علية عبد السميع‪ ، .‬صفحة من تاريخ دولة الروم‪ :‬العالقات اإلسالمية البيزنطية في فترة حكم‬
‫النساء و أزواجهن ‪ 7619،7610‬م= ‪ 479،449‬هـ ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص ‪ ، 34‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الجنزوري‪،‬‬
‫صفحة من تاريخ دولة الروم ‪.‬‬
‫(‪)2‬إيساوريا هو إقليم روماني جبلي في دواخل جنوب األناضول وسكانهم قديما وصفهم الكتاب القدماء بأنهم قوم‬
‫محاربون وغير أشداء وهمج ثم احتلهم القائد الروماني بوبليوس سيرفيليوس إيساوريكوس في بداية القرن‬
‫األول قبل الميالد وبالدهم مع عاصمتهم إيساوريا بااليا أصبحت ضمن إقليم غالطية ثم أصبحت الحقا مسقط‬
‫راس اإلمبراطور زينون البيزنطية الذي كان عهده يعرف بالعهد اإليساوري‪Encyclopedia ،‬‬
‫‪.7919 ،th Edition71 ،Britannica‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫بعد أن استأثر بيبني الثالث بالحكم يف بالد الفرنجة‪ ،‬منهياً حكم األرسة املريوفنجية‪ ،‬ومؤسساً األرسة‬
‫الكارولنجية الحاكمة فيها‪ ،‬وطد ولده شارملان ‪ -‬ومعناها شارل األكرب ‪ -‬دعائم هذه اململكة‪ ،‬ووسع دائرتها‬
‫بضم العديد من البالد إليها‪ ،‬وشكل إمرباطورية ضخمة‪ ،‬شملت مساحات شاسعة من غرب أوروبا‪ ،‬ووسطها‪،‬‬
‫وشاملها‪ ،‬ال تقل عن املساحات التي كانت تسيطر عليها اإلمرباطورية الرومانية الغربية؛ فصار أقوى ملوك‬
‫أوروبا النصارى يف عرصه‪ ،‬وأبرز ملوك أوروبا فيام يسمى بالعصور الوسطى؛ نظراً ملا قام به من إصالحات‬
‫كثرية يف مجاالت شتى‪ ،‬كالقوانني اإلدارية‪ ،‬والقضاء‪ ،‬والنظم الكنسية‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وغري ذلك(‪.)7‬‬
‫جهوده يف نرش النرصانية يف أوروبا‪:‬‬
‫كان لشارملان دو ٌر كبري يف نرش النرصانية بني العديد من أمم أوروبا الواقعة تحت سلطانه‪ ،‬كاآلفار‪ ،‬والبافار‪،‬‬
‫والفريز‪ ،‬والسكسون‪ ،‬واستخدم يف ذلك شتى الوسائل مبا فيها اإلكراه والقرس‪ ،‬ونكل بالقبائل الوثنية التي‬
‫أبت اعتناق النرصانية أشد التنكيل‪ ،‬وأجربهم عىل التنرص بوحشية فظيعة‪ ،‬متاماً كام فعل جده شارل مارتل‪،‬‬
‫وكان شارملان يصطحب معه يف جيوشه القسس والرهبان دامئاً لنرش التنصري بني القبائل الوثنية‪ ،‬وقد كان‬
‫هذا دأب أبيه بيبني من قبل(‪.)0‬‬
‫منارصته للكنيسة الكاثوليكية الرومانية‪:‬‬
‫نارص شارملان الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ضد أعدائها من اللومبارديني‪ ،‬وآزر بابا روما ليون الثالث يف‬
‫رصاعه مع نبالء روما‪ ،‬ذلك الرصاع الذي آل به إىل الفرار من مقر البابوية؛ فتوجه شارملان إىل روما مبجرد‬
‫سامع الخرب‪ ،‬وبرأ البابا‪ ،‬ونفى أعداءه‪ ،‬وكان شارملان يحمل ألقابا كثرية‪ ،‬كرئيس الدولة والكنيسة‪ ،‬ورئيس‬
‫‪.‬‬
‫األساقفة والكونتيات‬
‫توج شارملان كإمرباطور روماين مقدس‪ ،‬وبدأ عرص جديد من التحالف اإلمرباطوري الكنيس‪ ،‬وقد دفعت‬
‫جهود شارملان يف نرصة البابوية‪ ،‬ونرش النرصانية‪ ،‬وتوسيع دائرة اململكة الفرنجية بابا روما إىل تتويجه‬
‫إمربطورا رومانيا مقدسا عىل حد وصفهم(‪ ،)0‬مفتتحا بذلك عرصاً جديداً عىل القارة األوروبية‪ ،‬تعاضدت فيه‬
‫سلطتا الكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬واإلمرباطورية الرومانية املسامة باملقدسة‪ ،‬وصارت األوىل تضفي عىل الثانية‬
‫الهيبة والقداسة‪ ،‬وتستمد منها القوة والسلطان يف نفس الوقت‪ ،‬وظلت القارة األوروبية تعاين من هذا‬
‫الحلف الكنيس املليك‪ ،‬حتى مجيء ما يسمى بعرص التنوير‪.‬‬
‫نجح شارملان يف انتزاع بعض أرايض املسلمني باألندلس‪ ،‬وواصل سياسة والده وجده يف قتال مسلمي‬
‫األندلس‪ ،‬وسعى إلخراجهم منها بعد أن نجح جده يف إيقاف الزحف اإلسالمي املتصاعد يف فرنسا‪ ،‬ونجح‬
‫والده يف القضاء عىل الوجود اإلسالمي يف جنوب فرنسا‪ ،‬وواصل شارملان ما بدأ يف عرص والده من دعم أمراء‬
‫شامل األندلس الثائرين عىل أمراء األندلس من بني أمية(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬كمال‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬ص ‪.99‬‬


‫(‪)2‬عباسة‪" .‬الحروب الصليبية و نزعة الحب الكورتوازي عباسة‪ ،‬محمود‪ .‬الحروب الصليبية و نزعة الحب‬
‫الكورتوازي‪ ،‬المجلة الجزائرية‪ ،‬م‪7999 ، 9‬م ‪ ،‬ص‪ .46‬وسيشار اليه ‪ ،‬عباسة ‪ ،‬الحروب الصليبية ‪.‬‬
‫(‪ )3‬كان هذا الصنيع من بابا روما على غير اتفاق مع شارلمان‪ ،‬وجاء على غير رغبة منه؛ فقد كان ال يريد أن‬
‫أهال للحصول عليه بمحض جهوده‪ ،‬ومقدراته‪ ،‬كما‬ ‫يكون هذا التتويج منحة من البابوية‪ ،‬وكان يرى نفسه ً‬
‫ً‬
‫مستفزا لإلمبراطور البيزنطي في القسطنطينية‪ ،‬والذي يعتبر نفسه الوريث‬ ‫كان التتويج بهذه الصورة‬
‫الشرعي الوحيد لإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬مما قد يؤذن بشقاق‪ ،‬وشرخ في العالقات بين اإلمبراطوريتين ‪،‬‬
‫‪and Abu Ann. Hiafa’s Fief and it’s Role in the ،Rahim، Abd Al ،Sa’d Addin‬‬
‫‪.1664AD,Diss. 7766،7197،H943،096،Islamic Franksh Struggle‬‬
‫(‪ )4‬عمران‪ ،‬معالم تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪21‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وقد فشل شارملان يف حمالته الضخمة التي قادها عىل األندلس إىل أن استطاع انتهاز فرصة الرصاع الدائر‬
‫عىل اإلمارة يف األندلس عقب وفاة هشام بن عبد الرحمن الداخل‪ ،‬ومتكن من السيطرة عىل بعض مناطق‬
‫يف الرشيط الضيق بشامل األندلس‪ ،‬مثل إقليم كاتالونيا‪ ،‬وكانت قاعدتها مدينة برشلونة التي استسلمت‬
‫بعد حصار طويل شاق‪ ،‬وإقليم جاسكونيا الذي كان يشمل أراغون‪ ،‬ونافار‪ ،‬كام حاول شارملان اقتحام مدينة‬
‫رسقسطة‪ ،‬ولكنه أقلع عنها بعد حصار طويل(‪.)7‬‬
‫ظلت أغلب املناطق الحدودية ملتهبة‪ ،‬يسودها القلق‪ ،‬والرتقب‪ ،‬ومل يحدث حس ٌم عسكري فيها لصالح أي‬
‫من الفريقني‪ ،‬وتتابعت غزوات املسلمني إىل جنوب فرنسا بعد سقوط قواعدهم فيها فرتة من الزمن‪ ،‬حتى‬
‫أن جيشاً إسالمياً أرسله هشام بن عبد الرحمن الداخل قد عرب جبال الربانس‪ ،‬واجتاح العديد من املدن‬
‫الجنوبية الفرنسية‪ ،‬وهزم جيوش الفرنجة‪ ،‬وواصل توغله يف أراضيهم‪ ،‬حتى بلغ إقليم برطانية [بريتاين]‬
‫بشامل غرب فرنسا‪ ،‬وعاد مثقالً بغنائم وفرية‪ ،‬كام وصلتها فيام بعد غزوات املنصور ابن أيب عامر رحمه هللا‬
‫تعاىل يف النصف الثاين من القرن الرابع الهجري‪ ،‬بيد أن تلك الغزوات مل ينتج عنها يش ٌء من عودة الجنوب‬
‫الفرنيس إىل حوزة املسلمني‪ ،‬وإمنا كانت للنكاية‪ ،‬وقطع اإلمدادات عن نصارى الشامل‪ ،‬وحيازة الغنائم‬
‫الوفرية(‪.)0‬‬
‫كام سعت بعض الجزر النرصانية بالبحر املتوسط مثل كورسيكا‪ ،‬ورسدانية‪ ،‬وجزر البليار الواقعة رشق‬
‫األندلس إىل الدخول يف طاعة اإلمرباطور الفرنجي شارملان؛ لحاميتها من الغزو اإلسالمي‪ ،‬ووقعت وقائع‬
‫(‪)0‬‬
‫بحري ٌة كثرية بني املسلمني والفرنجة يف نطاق تلك الجزر‪.‬‬
‫دوره يف دعم الكاثوليك يف األرايض املقدسة‪:‬‬
‫مارس اإلمرباطور شارملان دور الحامي للنصارى الكاثوليك يف أرايض بيت املقدس‪ ،‬وكان يرسل األموال‬
‫الضخمة للحفاظ عىل كنائسهم‪ ،‬وأديرتهم‪ ،‬واألماكن التي يقدسونها‪ ،‬وشيد العديد من األبنية لرعاية الحجاج‬
‫النصارى القادمني من مملكته إىل تلك األرايض‪ ،‬وأسس كنيسة قرب مستشفى جريجوري األول امللقب‬
‫بالعظيم(‪ ،)2‬ورد املستشفى إىل الحجاج الالتني‪ ،‬وعهد ملجموعة من الرهبان بخدمة املستشفى والكنيسة‪،‬‬
‫وتعد تلك الكنيسة يف نظر بعض املؤرخني النواة األوىل لهيئة الفرسان االسبتارية‪ ،‬أقدم الهيئات الصليبية‬
‫التي جمعت بني الرهبنة‪ ،‬والفروسية(‪.)1‬‬
‫كان هذا الصنيع من بابا روما عىل غري اتفاق مع شارملان‪ ،‬وجاء عىل غري رغبة منه؛ فقد كان ال يريد أن‬
‫يكون هذا التتويج منحة من البابوية‪ ،‬وكان يرى نفسه أهال للحصول عليه مبحض جهوده‪ ،‬ومقدراته‪ ،‬كام‬
‫كان التتويج بهذه الصورة مستفزا لإلمرباطور البيزنطي يف القسطنطينية‪ ،‬والذي يعترب نفسه الوريث الرشعي‬
‫الوحيد لإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬مام قد يؤذن بشقاق‪ ،‬ورشخ يف العالقات بني اإلمرباطوريتني(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬هالدون‪ ،‬بيزنطة في حرب‪ ،‬ص ‪. 11‬‬


‫(‪ )2‬كمال‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬ص ‪771‬‬
‫(‪ )3‬عمران‪ ،‬معالم تاريخ اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫(‪ )4‬رستم‪ ،‬الروم في سياستهم ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫(‪ )5‬الزيدي ‪ ،‬مصعب حمادي نجم‪" .‬موقف تنظيمي اإلسبتارية والداوية من حروب الناصر صالح الدين األيوبي‬
‫‪ 113‬ـ ‪ 191‬هـ‪ 7711،‬ـ ‪ 7797‬م‪ ".‬مجلة كلية العلوم االسالمية ‪ ،1669، 3.0‬ص ‪ ،91،774‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬الزيدي‪ ،‬موقف تنظيمي اإلسبتارية ‪.‬‬
‫(‪)1‬الطحاوى‪ ،‬حاتم عبدالرحمن حاتم‪" .‬العالقات االقتصادية بين اإلمبراطورية البيزنطية والمدن التجارية اإليطالية‬
‫‪ ،7697،7164،7991،‬ص ‪ ،710‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الطحاوي‪ ،‬العالقات االقتصادية ‪.‬‬

‫‪21‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫العالقات الساسانية‪-‬البيزنطية ‪:002-101‬‬
‫كانت آخر سلسلة حروب بني اإلمرباطورية البيزنطية والساسانيون بإيران‪ ،‬لكن الحرب األخرية كانت األعنف‬
‫ألن كالهام كاد يقيض عىل الطرف اآلخر‪.‬‬
‫عانت اإلمرباطورية البيزنطية الكثري يف سبيل نقل الحرير من الصني حيث كان الطريق الربي للصني مير عرب‬
‫األرايض الفارسية‪ ،‬كام كان الطريق الجنويب عرب املحيط الهندي يسيطر عليه كذلك التجار الفرس الذين‬
‫يبحرون من الخليج العريب اىل سيالن حيث تتجمع البضائع اآلتية من الصني(‪.)7‬‬
‫وجد جستنيان نفسه يف مواجهة جديدة مع الفرس‪ ،‬وهو الذي أجربته الظروف عىل الدخول معهم يف جولتني‬
‫من الحروب عرفت بالحرب الفارسية االوىل (‪100-101‬م)‪ ،‬والحرب الفارسية الثانية (‪100-126‬م)‪ ،‬وقد‬
‫حاول يف كل مرة منهام أن ينتهي األمر بالسلم حتى لو كان ذلك لقاء مبلغ ضخم من املال يدفعه للفرس‬
‫مقابل السالم حتى يتفرغ ملشاريعه التوسعية يف الغرب األورويب(‪.)0‬‬
‫وكان يف احتكار تجارة الحرير خطر استطاع جستنيان أن يستغله؛ فالواقع أن هذا األمر كان بالنسبة‬
‫للبيزنطيني املضطرين للحصول عىل هذه املادة عبئا ثقيال‪ ،‬إذ مل يكن يف هذه التجارة وسطاء سوى الفرس‪،‬‬
‫ومل يكن مثة أمة كالفرس تكرث الحروب بي نها وبينهم‪ ،‬ترى أمل يكن يهمهم أن يروا تجارهم يحملون إىل‬
‫أعدائهم املبالغ الضخمة املخصصة لرشاء املنسوجات الحريرية؟ وهل كان عليهم أن يقبلوا بهدوء انقطاع‬
‫هذه التجارة بسبب حالة الحرب (‪. )0‬‬
‫يضاف لذلك أن الحروب املستمرة مع الفرس أدت الرتفاع مثن الحرير الخام ارتفاعاً كبرياً‪ ،‬جعل اإلمرباطور‬
‫يتدخل ويصدر منشوراً يحظر فيه أن يباع الحرير بسعر يزيد عن خمسة(‪ )2‬عرش صولدياً ذهبياً للرطل‬
‫الواحد‪ ،‬غري أن النتيجة الوحيدة التي ترتبت عىل هذا املنشور هي أن رفض تجار الفرس بيع بضائعهم رفضاً‬
‫باتاً‪ ،‬ونتج عن ذلك إفالس صناع الحرير وتوقفت تجارته متاماً‪ ،‬واضطرت الدولة إزاء هذه الكارثة أن تخضع‬
‫ملطالب الوسطاء الفرس(‪.)1‬‬
‫وكانت إدارة الخارجية البيزنطية تعلم يقينا أن جهودها لحرمان الفرس من الحصول عىل األرباح الهائلة‬
‫التي يجنونها بقيامهم بدور الوسطاء يف تجارة الحرير عرب الطريق الربي لن تحقق النجاح الذي ترتجيه‪ ،‬ولذا‬
‫كانت تتحني الفرص للبحث عن طريق أخر يصلها مبارشة مع مراكز بيع الحرير‪ ،‬ورسعان ما جاءتها هذه‬
‫الفرصة عىل غري توقع‪ ،‬عندما وضع األحباش إقدامهم يف الجنوب الغريب لشبه الجزيرة العربية(‪. )0‬‬

‫(‪ )1‬أبو راس ‪ ،‬محمد‪ ،‬األنباط وعالقتهم باإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬دار العلم‪ ،‬بيروت‪1664 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،9‬وسيشار‬
‫إليه الحقا ً ‪ :‬محمد‪ ،‬األنباط‪.‬‬
‫(‪ )2‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫(‪ )3‬هايد ‪ ،‬تاريخ التجارة ‪. 7،79 ،‬‬
‫(‪ )4‬عبد الجابر ‪ ،‬عبد هللا وآخرون‪ ،‬الجزيرة العربية واليونان وبيزنطة‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار ومؤسسة رسالة‪، 1669 ،‬‬
‫ص ‪ ، 301‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬عبد الجابر‪ ،‬الجزيرة العربية ‪.‬‬
‫(‪ )5‬بينز‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ترجمة حسين مؤنس‪ ،‬القاهرة‪7916 ،‬م‪ ،‬ص‪، 717،711‬وسيشار اليه ‪ ،‬بينز‬
‫‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬فرانك ‪ ،‬ايرين‪ ،‬طريق الحرير ‪ ،‬ترجمة أحمد محمود‪ ،‬المركز القومي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1677‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 169‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬فرانك ‪ ،‬طريق الحرير ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عبد الحميد ‪ ،‬الصراع الدولي حول شبه الجزيرة العربية ‪. 711 ،‬‬

‫‪22‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وبدأ األمر حينام تهود امللك الحمريي ذو نواس ثم رشع يف اضطهاد املسيحيني يف مملكته وتخيريهم بني‬
‫الدخول يف اليهودية او القتل‪ ،‬فلام متسكوا بدينهم القاهم يف اخاديد عميقة مشتعلة بالنار(‪ ، )7‬وانتهز‬
‫النجايش حاكم مملكة اكسوم الحبشية تلك الفرصة ليغزو اليمن بحجة االنتقام ملا حدث للمسيحيني هناك‬
‫من اضطهاد وقتل ‪.‬‬
‫وكان بعض الناجني من هذا االضطهاد اتجه لجستنيان يطلب نجدته؛ فأرسل األخري إىل النجايش يطلب منه‬
‫نجدتهم‪ ،‬وأمدهم ببعض السفن والعتاد إلنجاز تلك املهمة‪ ،‬فلم تكن سفن النجايش تسمح له بنقل أعداد‬
‫كبرية من الجنود إىل الساحل العريب‪ ،‬لذلك تكفل بهذه املهمة سفن األسطول البيزنطي الراسية يف موانئ‬
‫البحر األحمر(‪.)0‬‬
‫وحاول ذو نواس بعد أن وجد هذا التحالف بني بيزنطة واكسوم‪ ،‬أن يبحث عن حليف قوي يواجههم به‪،‬‬
‫وأظهر توجه نحو الفرس وحلفائهم من عرب مملكة الحرية مستغال العداء التقليدي بني هؤالء‪ ،‬لكن‬
‫الدبلوماسية البيزنطية نجحت يف منع أي عون يقدم له من هذه الناحية‪ ،‬وكان الدافع الديني هو السبب‬
‫الظاهر‪ ،‬أما الدافع الحقيقي فكان دافعاً اقتصادياً (‪. )0‬‬
‫يالحظ أن الجهود الدبلوماسية البيزنطية املكثفة مع مملكة اكسوم وشيوخ القبائل العربية يف شبه الجزيرة‪،‬‬
‫مل تكن لتغيب عن أعني الساسانيني يف فارس‪ ،‬وهم يقدرون متاما مدى خطورة امتداد النفوذ البيزنطي إىل‬
‫قرب حدودهم الجنوبية الغربية‪ ،‬وإذا كانوا قد ضمنوا سيطرتهم االحتكارية عىل طريق الحرير عرب وسط‬
‫آسيا(‪ ،)2‬وحققوا نجاحاً كبرياً يف استنزاف الخزانة البيزنطية عن طريق املكوس الجمركية عىل هذه التجارة‬
‫وغريها ‪ ،‬والجزية السنوية التي يحصلون عليها‪ ،‬فإنه ال ضري أيضاً أن ميدوا أصابعهم وانفهم إىل هذه املنطقة‪،‬‬
‫حتى تكتمل حلقات الحصار االقتصادي مستغلني أهم سلعة باملسبة لبيزنطة يف زمانها حول عدوهم‬
‫التقليدي اإلمرباطورية البيزنطية(‪.)1‬‬
‫لذلك سارعت وفودهم الهثة صوب اليمن لتشارك يف مراسم االحتفال برتميم سد مأرب حوايل عام ‪120/120‬‬
‫م وتقدم التهنئة إىل أبرهة‪ ،‬الذي صار الحاكم الفعل لليمن بعد أن أزاح السميفع من الحكم‪ ،‬ومل يقف‬
‫جستنيان مكتوف األيدي إزاء ذلك فحرص أن يكون له مقعد عىل طاولة االحتفال‪ ،‬فأرسل وفدا ملكيا يحيط‬
‫‪.‬‬
‫به حلفاؤه من زعامء القبائل العربية كالحارث بن جبلة زعيم الغساسنة وأيب كرب شيخ عرب فلسطني‬
‫برزت متاعب بيزنطة يف عام ‪ 110‬م تظهر عند يف حصولها عىل الحرير‪ ،‬حني وصل إىل القسطنطينية راهبان‬
‫نسطوريان يحمالن يف عكازيهام دودة القز وبيضها‪ ،‬وبدأت تنترش تربيتها يف أنحاء اإلمرباطورية‪ ،‬ما أوحى‬
‫للجميع أن بيزنطة غدت قادرة عىل تحقيق االكتفاء الذايت من الحرير والتخلص من قبضة الفرس لكن‬
‫املصانع البيزنطية مل تتمكن من إنتاج قدر من الحرير الخام يكفي مطالبها كلها‪ ،‬لذلك ظلت لسنوات بعد‬
‫(‪)1( )0‬‬
‫ذلك يف حاجة لرشائه‪ ،‬ومن ثم الخضوع مجدداً لسطوة الفرس ‪.‬‬

‫(‪ )1‬جرومان‪ ،‬أدولف وآخرون ‪ ،‬التاريخ العربي القديم ‪ ،‬فؤاد حسنين ‪ ،‬القاهرة ‪7919:‬م ‪ ،‬ص‪ ، 363‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬جرومان‪ ،‬التاريخ العربي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجوهري‪ ،‬يسرى‪ ،‬الشمال اإلفريقي ‪ ،‬الهيئة المصرية‪ ،‬اإلسكندرية‪7996 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ، 91‬الجوهري‪ ،‬الشمال‬
‫اإلفريقي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬عبد هللا ‪ ،‬بكر‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬مطابع البيان‪ ،‬ط‪ ،3‬الرياض‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪ ، 301‬بكر‪ ،‬الجزيرة العربية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 309‬‬
‫(‪ )5‬عبد الحميد ‪ ،‬الصراع الدولي ‪ ،‬ص ‪. 719‬‬
‫(‪ )1‬هايد‪ ،‬تاريخ التجارة ‪. 7،11 ،‬‬
‫(‪ )1‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 316‬‬

‫‪23‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫من خالل رصد الرصاع السابق ميكننا أن نقف عىل املالحظات التالية‪:‬‬
‫كان الرصاع بني البيزنطيني والفرس حول طريق الحرير الجنويب خالل عهد جستنيان جزءاً ال يتجزأ من الرصاع‬
‫بني القوتني عسكرياً واقتصادياً‪.‬‬
‫ميكن الرصاع الذي دار شامال بني الطرفني واتسم الصدام العسكري األحيان والتفاهم الدبلومايس يف أحيان‬
‫أخرى‪ ،‬نجد أن الرصاع جنوبا اتخذ الطابع الدبلومايس بشكل عام‪.‬‬
‫برغم ان الشواهد تؤكد نجاح الدبلوماسية البيزنطية يف حسم السيطرة عىل جنوب شبه الجزيرة العربية‪،‬‬
‫ومدخل البحر االحمر‪ ،‬من خالل تحالفها مع مملكة اكسوم الحبشية(‪.)7‬‬
‫إذا كانت بداية هذا الرصاع قد شهدت نجاحا دبلوماسيا بيزنطيا متثل يف تحالفها مع القوى السياسية يف‬
‫املنطقة‪ ،‬فان نهايته شهدت نجاحا عسكريا فارسيا متثل يف استيالئهم عىل اليمن‪ ،‬فعوض الفرس بذلك‬
‫تأخرهم يف مواجهة البيزنطيني يف الجنوب بشكل حاسم(‪.)0‬‬
‫وحصل انقالب عسكري يف عام ‪622‬م يف مؤسسة الحكم البيزنطية‪ ،‬حيث متكن هرقل )‪ (610-641‬حاكم‬
‫قرطاجة من االستيالء عىل القسطنطينية وأعاد تنظيم الجيش‪ .‬أبدى هرقل شجاعة ومهارة كبرية يف مواجهة‬
‫الخطر الفاريس‪ .‬فبدال من منازلة جيوش الفرس املتوغلة يف أرايض اإلمرباطورية‪ ،‬قام بااللتفاف عليهم‬
‫ومهاجمتهم يف عقر دارهم يف البالد الفارسية؛ إذ تحالف مع خزر الرتك‪ ،‬وترك العاصمة املحارصة‬
‫القسطنطينية وهاجم بالد فارس من املؤخّرة عن طريق اإلبحار من البحر األسود‪ ،‬فاستوىل عىل أذربيجان‬
‫(‪)0‬‬
‫ميديا سنة ‪ ،624‬حيث قام بتدمري أكرب معبد نار مجويس انتقاما لتخريب كنيسة القيامة يف القدس‪.‬‬

‫متبادل بني امللك كرسى الثاين وقائد جيشه شهربراز ‪.‬وقام الوكال ُء البيزنطيون‬ ‫َ‬ ‫ويف هذه األثناء ظَه َر شكَّ‬
‫بترسيب رسائل مزيفة للجرنال شهراباراز تظهر بأنّ امللك كرسى الثاين كَانَ ُيخطّ ُط إلعدامه؛ فخاف الجرن َال‬
‫خدمات إحدى أكرب‬
‫َ‬ ‫شهرباراز عىل حياته وبَقي محايدا أثناء هذه الفرتة الحرجة‪ .‬وخرست بالد فارس بذلك‬
‫جيوشها وإحدى أفضل جرناالتها‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬تويف بشكل مفاجئ شاهني وسباهبود العظيم قادة الجيش‬
‫الساساين والذي كان تحت سيطرته بالد القوقاز وبالد األناضول ‪.‬وهذا ما َر َّج َح كفّة امليزان ملصلحة البيزنطيني‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وأوصل امللك كرسى الثاين إىل حالة الكآبة ‪.‬‬

‫استغل اإلمرباطور البيزنطي هرقل مبساعدة الخزر وق َّوات تركية أخرى‪ ،‬غياب قادة الجيش الساساين وربح‬
‫عدّ ة انتصارات ُمدَ ّمرة للفرس بعد ‪ 71‬عاما من حربهم للبيزنطيني‪ .‬حملة امللك هرقل تَت ّوجت يف معركة‬
‫نينوى‪ ،‬حيث انترص امللك هرقل يف كانون األول عام ‪(627‬بدون مساعدة الخزر الذي تَركوه) انتصاراً ساحقاً‬
‫عىل الجيش الفاريس بقيادة راهزاد ‪.‬وهذه املعركة الحاسمة قد قررت مصري الرصاع بني الطرفني(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 311‬‬


‫(‪ )2‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 310‬‬
‫(‪ )3‬الحيدري ‪ ،‬علي هادي حمزة ‪ ،‬التنظيمات اإلدارية في الدولة الساسانية ‪114،110،017 ،‬م ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫غير منشورة ‪ ،‬جامعة بغداد كلية التربية ‪ ، 1677 ،‬ص ‪ ،46‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الحيدري‪ ،‬التنظيمات‬
‫اإلدارية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحيدري‪ ،‬التنظيمات اإلدارية‪ ،‬ص ‪. 40‬‬
‫(‪ )5‬الطبري ‪ ،‬تاريخه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ،199‬اليعقوبي ‪ ،‬ج‪146 ، 1‬ص‬

‫‪24‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ويف أوائل القرن السادس امليالدي‪ ،‬تع ّرضت سورية لخطر التوسع الفاريس ‪.‬وحاول أباطرة بيزنطة‪ ،‬الوقوف ضد‬
‫هذا الخطر يف عهد اإلمرباطور جوستنيان (‪100-101‬م)‪ ،‬وقد د ّون املؤرخ السوري «بروكوبيوس»(‪ )7‬من قيسارية‬
‫معلومات هامة عن تلك األحداث‪ ،‬التي بلغت ذروة خطرها يف عهد كرسى أنورشوان (‪117-107‬م)‪ ،‬ويف عهد‬
‫كرسى الثاين‪ ،‬تجددت سياسة الهجوم الفاريس‪ ،‬عندما اكتسح سورية الشاملية وخرب مدنها عام ‪062‬م وتابع‬
‫زحفه؛ فاتجه القائد هرقل إىل القسطنطينية‪ ،‬التي توج فيها يف ‪ 71‬ترشين األول عام ‪077‬م يف فرتة حرجة(‪،)0‬‬
‫متكن فيها القائد الساساين «شهر برز» من االستيالء عىل أفاميا وهدمها عام ‪070‬م ومهاجمة أنطاكية واالستيالء‬
‫عليها‪ ،‬ثم االتجاه إىل دمشق وإىل بيت املقدس التي أقام فيها حامية من جنوده‪ .‬ولكن املواطنني‪ ،‬فتكوا بهذه‬
‫الحامية‪ ،‬مام أثار غضب «شهر برز» وجعله يعود إليها من جديد‪ ،‬ويفتك بسكانها وينفي بطريرك بيت املقدس‬
‫كان كرسى الثاين‪ ،‬قد وجه إىل هرقل رسالة تتصف بالغرور‪ ،‬مام جعل هرقل يقسم أن يسري بنفسه إىل ميدان‬
‫القتال عىل رأس قواته؛ فاهتم فعالً بقتال الفرس الساسانيني منذ عام ‪000‬م‪ ،‬وقاد ست حمالت حربية دامت‬
‫حتى ‪001‬م‪ ،‬وانتهت بهزمية الساسانيني وانسحابهم إىل بالدهم للدفاع عن عاصمتهم‪ ،‬يف وقت استطاع فيه‬
‫(‪)0‬‬
‫هرقل‪ ،‬أن يحرق معابد النار يف عاصمة ميديا ومدينة زرادشت‪.‬‬

‫ووصل خرب هذه املعركة إىل املسلمني عام ‪ 002‬م‪0 /‬هـ‪ ،‬بعد أن انرصفوا من مكة عاقدين صلح الحديبية‪ ،‬ثم‬
‫أرسل نبي اإلسالم محمد الصحايب عبد هللا بن حذافة السهمي إىل كرسى الثاين يدعوه لإلسالم‪ .‬فغضب كرسى‬
‫غضبا شديدا‪ ،‬فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل ميزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح‪ :‬أيكتب يل بهذا‪ ،‬وهو‬
‫عبدي؟!! ثم أمر بعبد هللا بن حذافة أن يخرج من مجلسه؛ فأخرج‪ ،‬فلام قدم عبد هللا عىل نبي هللا أخربه مبا‬
‫كان من أمر كرسى ومتزيقه الكتاب‪ ،‬فدعا عىل الفرس أن ميزقوا كل ممزق(‪.)2‬‬
‫زحف هرقل خالل العراق‪ ،‬حيث وصلته أخبا َر اغتيال امللك كرسى الثاين‪ .‬ثم تحالف مع األحباش عام ‪629‬م ‪/‬‬
‫‪1‬هـ‪ ،‬وانترص مجددا عىل الفرس وصار قريبا من املدائن‪ .‬وعندها رآى شريويه أن من األفضل أن يعقد الصلح‬
‫مع هرقل‪ .‬ومبقتضاه اسرتدت بيزنطة كل ما كان لها من البالد التي كانت قد سقطت يف أيدي الفرس‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك أمالكهم يف بالد الجزيرة الفراتية والشام ومرص‪.‬‬
‫متكن هرقل من دخول القدس حام ًال ما يسمى بالصليب املقدس عام ‪2 /006‬هـ ‪ .،‬وهذه هي سنة لقاءه مع‬
‫أيب سفيان ملا وصلته رسالة نبي اإلسالم محمد ‪.‬وبعد رجوع هرقل إىل القسطنطينية استقبله أهلها استقبال‬
‫األبطال‪ ،‬وحمل له الشعب أغصان الزيتون ورتلوا املزامري وهتفوا باسمه‪.‬‬
‫مل تدم فرحة هرقل طويالً‪ .‬إذ مل متض إال برهة من الزمن وإذا به يواجه جيوش املسلمني‪ .‬وبعد معركة‬
‫الريموك‪ ،‬حسم مصري بالد الشام‪ ،‬ثم مل تلبث مرص أن مشت كذلك‪ ،‬ثم شامل أفريقيا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ألما بارزاً من الزمن القديم من فلسطين األولى وقد أصبح المؤرخ األول للقرن السادس للميالد بمرافقته لقائد‬
‫الجيش الروماني بيليساريوس في حروب اإلمبراطور جستنيان‪ ،‬واضعا ً كتبه "حروب جستنيان"‪ ،‬و"بنايات‬
‫جستنيان" و"التاريخ السري" المحتفى به‪ .‬ويعتبر بشكل شائع آخر المؤرخين الرئيسيين للعالم الغربي‬
‫القديم‪ .Lest Darkness Fall. Ballantine Books،7949،L. Sprague ، de Camp.‬صفحة ‪.777‬‬
‫(‪ )2‬نقوال ‪ ،‬زياده ‪ ،‬التطور اإلداري لبالد الشام بين بيزنطة والعرب ‪ ،‬عن المؤتمر الدولي الرابع لتاريخ بالد الشام‬
‫‪ ،‬تحرير محمد عدنان البخيت و محمد عصفور ‪ ،‬الجامعة االردنية ‪ ،‬االردن ‪7991 ،‬م ‪ ،‬وسيشار اليه ‪،‬‬
‫نقوال ‪ ،‬التطور اإلداري لبالد الشام في الفترة البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫(‪ )3‬ابن كثير‪ ،‬البداية و النهاية ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪ ، 107‬وزياده ‪ ،‬التطور اإلداري ‪ ،‬ص‪767‬‬
‫(‪ )4‬منى‪ ،‬محمود‪ ،‬دراسات في العالقات بين الدولة اإلسالمية والدولة البيزنطية في العصر العباسي األول‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪7996 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ ،13‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬منى‪ ،‬دراسات في العالقات ‪.‬‬

‫‪25‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫مصادر التاريخ البيزنطي(‪ )7‬يف املصنفات العربية واالسالمية‪:‬‬
‫الكتاب‪ :‬مروج الذهب ومعادن الجوهر املؤلف‪ :‬أبو الحسن عىل بن الحسني بن عىل املسعودي (املتو ى‪:‬‬
‫‪020‬هـ) تحقيق‪ :‬أسعد داغر عدد األجزاء‪ 2 :‬النارش‪ :‬دار الهجرة قم‪ ،‬تاريخ النرش‪7267 :‬هـ‬
‫يبني املسعودي محتوى كتابه حول ما ذكر من اخبار حول االمم السابقة ومنهم البيزنطيني و يقول " قد‬
‫ذكرنا فيام سلف من هذا الكتاب أنواعاً من األخبار‪ ،‬وفنوناً من العلم من أخبار األنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وامللوك وسريها‪ ،‬واألمم وأخبارها‪ ،‬وأخبار األرض والبحار‪ ،‬وما فيها من العجائب واآلثار‪ ،‬وما اتصل‬
‫بذلك‪ ،‬ليستدل به عىل ما سلف من كتبنا‪ ،‬ومدخال إىل ما تقدم من تصنيفنا يف أنواع العلوم مام قدمنا ذكره‪،‬‬
‫ومل نرتك نوعاً من العلوم‪ ،‬وال فنا من األخبار‪ ،‬وال طريفا من اآلثار‪ ،‬إال أوردناه يف هذا الكتاب مفصال‪ ،‬أو‬
‫ذكرناه مجمال‪ ،‬أو أرشنا إليه برضب من اإلشارات‪ ،‬أو لوحنا إليه بفحوى من العبارات‪ ،‬من أخبار العجم‬
‫والعرب والكوائن واألحداث يف سائر األمم"(‪.)0‬‬
‫الكتاب‪ :‬الكامل يف التاريخ املؤلف‪ :‬أبو الحسن عل بن أيب الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد‬
‫الواحد الشيباين الجزري‪ ،‬عز الدين ابن األثري (املتو ى‪006 :‬هـ) تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم تدمري عدد األجزاء‪:‬‬
‫‪ ،76‬النارش‪ :‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان الطبعة‪ :‬األوىل‪7271 ،‬هـ ‪7771 /‬م‬
‫يبني ابن األثري الغاية واملقصد من كتابه وأبرز محتوياته و مصادره التي بدأها بكتاب تاريخ الطربي ثم تابع‬
‫لينب منهجه يف الكتاب و لقد تضمنت أخباره عهد الدولة البيزنطية من غزوات و ملوك و أخبار الروم منذ‬
‫دخولهم و ما حدث إىل فرتة خروجهم و الفتح اإلسالمي‪ ،‬حيث يقول يف مقدمته " ابتدأت بالتاريخ الكبري‬
‫الذي صنفه اإلمام أبو جعفر الطربي‪ ،‬إذ هو الكتاب املعول عند الكافة عليه واملرجوع عند االختالف إليه‪،‬‬
‫فأخذت ما فيه من جميع تراجمه مل أخل برتجمة واحدة منها وقد ذكر هو يف أكرث الحوادث روايات ذوات‬
‫عدد كل رواية منها مثل التي قبلها أو أقل منها ورمبا زاد اليشء اليسري أو نقصه؛ فقصدت أتم الروايات‬
‫فنقلتها وأضفت إليها من غريها ما ليس فيها وأودعت كل يشء مكانه فجاء جميع ما يف تلك الحادثة عىل‬
‫اختالف طرقها سياقا واحدا عىل ما تراه(‪.)0‬‬
‫ثم فرغت منه وأخذت غريه من التواريخ املشهورة فطالعتها وأضفت منها إىل ما نقلته من تاريخ الطربي ما‬
‫ليس فيه ووضعت كل يشء منها موضعه إال ما يتعلق مبا جرى بني أصحاب رسول هللا ‪ -‬صىل هللا عليه وسلم‬
‫فإين مل أضف إىل ما نقله أبو جعفر شيئاً إال ما فيه زيادة بيان أو اسم إنسان أو ما ال يطعن عىل أحد منهم‬
‫يف نقله‪ ،‬وإمنا اعتمدت عليه من بني املؤرخني إذ هو اإلمام املتقن حقا الجامع علام وصحة اعتقاد وصدقاً(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬النصرات‪ ،‬محمد والنعيمات‪ ،‬سالمة‪ ،‬المصادر التاريخية لدراسة تاريخ جنوب األردن خالل الفترة البيزنطية‬
‫‪314،030،‬م‪،‬المجلة األردنية للتاريخ واآلثار‪ ،‬المجلد‪ ،3‬العدد‪1669 ،1‬م‪ ،‬ص ‪ ،7،39‬وسيشار إليه الحقاً‪،‬‬
‫النصرات وآخرون‪ ،‬المصادر التاريخية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬المسعودي‪ ،‬أبو الحسن علي بن الحسين ‪،‬ت‪340‬هـ‪،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ تحقيق محمد محيي الدين‬
‫عبد الحميد‪،‬ط‪1‬ـ ‪7913‬ـ دار الفكر ـ بيروت ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ، 110‬وسيشار إليه الحقا ً المسعودي‪ ،‬مروج‬
‫الذهب‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطبري‪ ،‬تاريخ األمم ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ، 197‬األصفهاني ‪ ،‬حمد بن محمد المرزوقي ت ‪ ،‬كتاب األزمنة واألمكنة‪،‬‬
‫ج‪ ، 1‬ط‪ ، 7‬مطبعة مجلس دائرة المعارف ‪ ،‬حيدر أباد الدكن ‪ ،‬الهند ‪. 7971 ،‬ص ‪ ،137‬وسيشار إليه‬
‫الحقا ً ‪ :‬األصفهاني‪ ،‬كتاب األزمنة واألمكنة ‪ ،‬وابن األثير ‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.791‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 760‬‬

‫‪21‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وقال "عىل أين مل أنقل إال من التواريخ املذكورة والكتب املشهورة ممن يعلم بصدقهم فيام نقلوه وصحة ما‬
‫دونوه‪ ،‬ومل أكن كالخابط يف ظلامء الليايل وال كمن يجمع الحصبا والآللئ‪.‬‬
‫ورأيتهم أيضا يذكرون الحادثة الواحدة يف سنني ويذكرون منها يف كل شهر أشياء فتأيت الحادثة مقطعة ال‬
‫يحصل منها عىل غرض وال تفهم إال بعد إمعان النظر‪ ،‬فجمعت أنا الحادثة يف موضع واحد وذكرت كل يشء‬
‫منها يف أي شهر أو سنة كانت فأتت متناسقة متتابعة قد أخذ بعضها برقاب بعض"(‪.)7‬‬
‫وذكر يف كل سنة لكل حادثة كبرية مشهورة ترجمة تخصها ذكرت يف آخر كل سنة من تويف فيها من مشهوري‬
‫العلامء واألعيان والفضالء وضبطت األسامء املشتبهة املؤتلفة يف الخط املختلفة يف اللفظ الواردة فيه‬
‫بالحروف ضبطا يزيل اإلشكال ويغني عن اإلنقاط واألشكال‪ ،‬فلام جمعت أكرثه أعرضت عنه مدة طويلة‬
‫لحوادث تجددت وقواطع توالت وتعددت وألن معرفتي بهذا النوع كملت ومتت(‪.)0‬‬
‫كتاب تاريخ الطربي ‪ :‬تاريخ الرسل وامللوك‪ ،‬وصلة تاريخ الطربي ملؤلف‪ :‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثري‬
‫بن غالب اآلمل‪ ،‬أبو جعفر الطربي (املتو ى‪076 :‬هـ) (صلة تاريخ الطربي لعريب بن سعد القرطبي‪ ،‬املتو ى‪:‬‬
‫‪007‬هـ) عدد األجزاء‪ ،77 :‬النارش‪ :‬دار الرتاث ‪ -‬بريوت الطبعة‪ :‬الثانية ‪ 7021 -‬هـ ‪.‬‬
‫نالحظ تقارب كبري يف أخبار الطربي و ابن األثري؛ ألنه حسب ما ذكر ابن األثري أنه نقل أخبار الطربي وزاد‬
‫عليها‪ ،‬ويتبني من خالل كتاب تاريخ الطربي أن املؤلف اهتم بالتأريخ للمعارك والفتوحات اإلسالمية بجنوب‬
‫بالد الشام و ما حدث فرتة البيزنطينني من تطورت و تغريات متس املجتمع و املنطقة بشكل عام حيث ينب‬
‫الطربي من خالل مقدمته " أنا ذاكر يف كتايب هذا من ملوك كل زمان‪ ،‬من لدن ابتدأ ربنا جل جالله خلق‬
‫خلقه إىل حال فنائهم‪ ،‬من انتهى إلينا خربه ممن ابتدأه هللا تعاىل بآالئه ونعمه فشكر نعمه‪ ،‬من رسول له‬
‫مرسل‪ ،‬أو ملك مسلط‪ ،‬أو خليفة مستخلف‪ ،‬فزاده إىل ما ابتدأه به من نعمه يف العاجل نعام‪ ،‬وإىل ما تفضل‬
‫به عليه فضالً‪ ،‬ومن أخر ذلك له منهم‪ ،‬وجعله له عنده ذخرا ومن كفر منهم نعمه فسلبه ما ابتدأه به من‬
‫نعمه‪ ،‬وعجل له نقمه ومن كفر منهم نعمه فمتعه مبا أنعم به عليه إىل حني وفاته وهالكه‪ ،‬مقرونا ذكر كل‬
‫من أنا ذاكره منهم يف كتايب هذا بذكر زمانه‪ ،‬وجمل ما كان من حوادث األمور يف عرصه وأيامه‪ ،‬إذ كان‬
‫االستقصاء يف ذلك يقرص عنه العمر‪ ،‬وتطول به الكتب‪ ،‬مع ذكري مع ذلك مبلغ مدة أكله‪ ،‬وحني أجله "(‪.)0‬‬
‫كتاب فتوح البلدان‪ ،‬املؤلف‪ :‬أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البالذري (املتو ى‪017 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار ومكتبة‬
‫الهالل‪ -‬بريوت‪ ،‬عام النرش‪ 7722 :‬م عدد األجزاء ‪.7‬‬
‫يبني البالذري يف كتابه أبرز االخبار التي تناولت موضوع هجرة النبي والغزوات والفتوح التي حدثت بني‬
‫املسلمني والبيزنطيني وما نتج عنها وما تبعها من احداث وبني البالذري ان كتابه يحوي عدة جوانب أبرزها يف‬
‫مقدمته حيث يقول " ويتحدث هذا الكتاب عن أخبار الفتوح اإلسالمية بلداً بلداً من أيام النبي صىل هللا عليه‬
‫وسلم‪ .‬كام يضم فضال عن الفتوح أبحاثا عمرانية وسياسية مل يتطرق إليها أي من كتب التاريخ‪ :‬كأحكام الخراج‪،‬‬
‫والعطاء‪ ،‬وأمر الخاتم‪ ،‬والنقود‪ ،‬وغريها(‪. )2‬‬
‫ويعترب هذا الكتاب من أجمع كتب الفتوح وأصحها‪ ،‬وقد طبع عدة طبعات منها‪ :‬طبعة ليدن عام ‪ 7216‬م‬
‫بعناية املسترشق «دي غويه»‪.‬‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 769 ، 761‬‬


‫(‪ )2‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 771 ،777‬‬
‫(‪ )3‬الطبري‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 191‬‬
‫(‪ )4‬البالذري ‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ص ‪. 190 ، 191‬‬

‫‪21‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫مؤرخو عرص هرقل‪:‬‬
‫مل يزخر عهد اإلمرباطور هرقل (‪027 – 076‬م) بكثري من املؤرخني‪ ،‬إذ يعترب ثبوفالكت من املؤرخني القالئل‬
‫يف تلك الفرتة‪ ،‬أطلق عليه لقب سيموكاتا والذي يعني " القط ذو األنف األفطس " وذلك تعبرياً عن شكله‬
‫وسمته‪ ،‬وكان من أصل مرصي‪ ،‬ورمبا كان تاريخ مولده عام ‪ 126‬م‪ ،‬تلقى تعليمه األويل من الدراسات األدبية‬
‫والفلسفة يف مدينة االسكندرية‪ ،‬ثم درس القانون‪ ،‬بعدها أبحر إىل القسطنطينية ملواصلة دراساته القانونية‪،‬‬
‫وهناك التحق بخدمة رسجيوس بطريرك العاصمة‪ ،‬كام تم تعيني ثيوفالكت سكرتريا لإلمرباطور هرقل(‪.)7‬‬
‫ألف سيموكاتا ثالث مؤلفات صغرية اىل جانب كتابه التاريخي وهي ‪ " :‬يف مشاكل التاريخ الطبيعي "‪ ،‬و "‬
‫الرسائل االخالقية " وكتاب " عن رشوط الحياة املقدرة " ‪ ،‬اما كتابه التاريخ فقد أكمل تاريخ ميناندر‬
‫الحارس؛ إذ كتب تاريخا مكونا من مثانية كتب يستعرض فيها تاريخ موريس (‪060-120‬م)(‪ ، )0‬وكان تاريخ‬
‫سيموكاتا يدور حول نقطتني رئيستني ‪ :‬الحرب البيزنطية يف البلقان ضد السالف واآلفار‪ ،‬والحرب البيزنطية‬
‫يف الرشق ضد الفرس ‪ ،‬اذ امتاز بأسلوبه االديب البليغ ‪ ،‬فاقتبس الكثري من الشعراء القدامى ‪،‬لكنه افرط يف‬
‫استعامل التعابري الرمزية واالفكار املجازية(‪.)0‬‬
‫كتاب الحوليات‪:‬‬
‫شهدت اإلمرباطورية البيزنطية حركة ادبية كبرية خاصة يف مجال التدوين التاريخي‪ ،‬اختلفت قوتها خالل الفرتة‬
‫املمتدة ما بني (‪ 7210 – 022‬م)؛ فتارة تكون قوية بالعديد من الكتابات‪ ،‬وتارة أخرى تكون ضعيفة ال ترقى‬
‫إىل مستوى الكتابات التاريخية الكالسيكية يف العرص الروماين‪ ،‬ولكن يف كل األحوال مل يخل عرص أرسة من األرس‬
‫البيزنطية من كتاب الحوليات يف عرصها االوسط‪.‬‬

‫كانت أوىل املحاوالت البيزنطية لكتابة نوعاً من التاريخ الحويل قد بدأ مع أوائل القرن السادس امليالدي يف عرص‬
‫االمرباطور جستنيان ( ‪ 101-101‬م) وهو النوع الذي اعتمد عىل تدوين االحداث بناء عىل النظام الحويل‬
‫بالسنوات‪ ،‬الذي غالبا ما يبدأ بخلق أدم أيب البرش عليه السالم ويستمر حتى زمن الكاتب‪ ،‬وهو يجعل خلق هللا‬
‫ألدم عليه السالم يبدأ بعام ‪ 1270‬قبل ميالد املسيح عليه السالم‪ ،‬وظل هذا األمر حتى القرن العارش امليالدي‪،‬‬
‫عندما قام قس يدعى جورج بتغيري هذا التاريخ ليجعل بداية خلق العامل عام ‪ 1162‬قبل ميالد املسيح‪.‬‬

‫وكانت كلمة حولية قد تم استنباطها خالل العرص البيزنطي من الكلامت اليونانية التي جميعها التاريخ الحويل‪،‬‬
‫والتي انقسمت بدورها إىل عدة أقسام ‪ :‬األعامل التاريخية التي تصف تاريخ العامل من بداية الخلق وميثلها‬
‫حولية يوحنا ماالالس وجورج السينكيللوس ‪ ،‬وجورج هامرتولوس‪ ،‬وجليكاس أو جزء كبري من التاريخ امثال‬
‫ثيوفانيس املعرتف ‪ ،‬وهذا النوع يعتمد عىل معاينة الكاتب الشخصية لألحداث‪ ،‬أما النوع الثاين وهو الحوليات‬
‫القصرية التي تصف االحداث بشكل حويل ولفرتة زمنية محدودة‪ ،‬وظهرت تلك الحوليات يف شكل الحوليات‬
‫البيزنطية القصرية التي تصف الهجامت الرتكية عىل االرايض البيزنطية(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬إسماعيل‪ ،‬ليلى‪ ،‬القسطنطينية في كتابات الجغرافيين‪ ،‬مجلة المؤرخ المصري‪ ،‬ع‪ ،4‬ص ‪ ،711‬وسيشار إليه‬
‫الحقا ً ‪ :‬ليلى‪ ،‬القسطنطينية‬
‫(‪ )2‬طارق‪ ،‬منصور محمد ‪ ،‬قطوف الفكر البيزنطي ‪ ،‬مصر العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1661 ،3‬م‪ ،‬ج‪ ، 7‬دار مصر‬
‫العربية للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪1667،‬م ‪ ،‬ص‪ ،74،71‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬طارق‪ ،‬القطوف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زايد ‪ ،‬محمد‪ ،‬مصادر تاريخ العصور الوسطى ‪ :‬التاريخ البيزنطي جامعة الفيوم ‪ ،1661 ،‬ص ‪ ،41‬وسيشار‬
‫إليه الحقا ً ‪ :‬زايد‪ ،‬مصادر تاريخ العصور الوسطى ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زايد ‪ ،‬مصادر تاريخ العصور الوسطى ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪21‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫تعترب حولية يوحنا ماالالس ( ‪ 116 – 276‬م ) أوىل الحوليات البيزنطية التي جمعت بني التاريخ العلامين‬
‫والتورايت يف وقت واحد ‪ ،‬واعترب علمه من اهم االعامل التاريخية يف عرصه عىل الرغم من افتقاره للمعايري‬
‫الكالسيكية لغة وأسلوباً‪ ،‬إذ كتبت الحولية بلغة يونانية أقرب إىل العامية منها إىل الفصحى ‪ ،‬وبذلك اختلف‬
‫ماالالس(‪ )7‬عن أقرانه من الكتاب يف العرص نفسه أمثال بروكوبيوس واجاثياس‪ ،‬ورمبا ألنه كان يخاطب العامة‬
‫اكرث من االرستقراطيني يف تاريخه ‪ ،‬ولكنه ذكر املصطلحات اإلدارية أللقاب املوظفني والوظائف يف االدارة‬
‫‪.‬‬
‫الحكومية آنذاك بكلامت التينية بأحرف يونانية‬
‫أما عن تاريخ كتابة الحولية؛ فيمكن القول أنه بدأ الكتابة يف مدينة انطاكية عام ‪ 106‬م‪ ،‬ثم اعاد تنقيحها‬
‫يف مدينة القسطنطينية بعد موت جستنيان عام ‪ 101‬م‪ ،‬تتكون حولية ماالالس من مثانية عرش كتاباً‪ ،‬تبدأ‬
‫بخلق ادم عليه السالم‪ ،‬وتستمر أحداثها حتى عرص جستنيان‪ ،‬تتناول الكتب من االول وحتى التاسع تاريخ‬
‫العامل قبل ظهور املسيحية‪ ،‬وتشتمل عىل تفاصيل خلق أدم ونوح والطوفان‪ ،‬باإلضافة إىل تاريخ الفراعنة‬
‫املرصيني‪ ،‬والتاريخ الباكر لبالد اليونان‪ ،‬وتاريخ بني إرسائيل بعد إبراهيم عليه السالم‪ ،‬وحرب طروادة‪ ،‬واألرس‬
‫البابل‪ ،‬وتاريخ الفرس والتاريخ الروماين‪ ،‬وتأسيس مدينة روما وتاريخ االسكندر واملاملك الهلنستية‪ ،‬وتاريخ‬
‫‪.‬‬
‫الجمهورية الرومانية‬
‫ويف النصف األول من القرن السابع امليالدي ظهرت حولية تاريخية جديدة سميت بالحولية الفصحية او‬
‫حولية عيد الفصح ‪ ،‬وهو العنوان الذي حملته إحدى الحوليات البيزنطية التي كتبت رمبا عام ‪ 006‬م(‪، )0‬‬
‫وسميت بهذا االسم ألنها حددت موعد عيد الفصح يف الكنيسة األرثوذكسية الرشقية‪ ،‬واشتملت عىل التاريخ‬
‫العاملي من أدم إىل عام ‪ 002‬م‪ ،‬وقام بتدوينها احد الكتاب املجهولني‪ ،‬وكان منهجه يف كتابة حوليته انه سار‬
‫عىل طريقة التاريخ بالفرتات الرضيبية أو االوملبيات‪ ،‬ويف بعض األحيان اتخذ حكم االباطرة أو القناصلة‬
‫منهجا له‪ ،‬كام سار يف تاريخه عىل منهج الحوليات الذي يبدا بقصه خلق العامل ‪ ،‬او تاريخ ميالد املسيح عليه‬
‫السالم ‪ ،‬أو صعوده‪ ،‬ويف أحيان أخرى ارخ بالشهور اليونانية ‪ ،‬ومرة أخرى بالشهور املرصية‪ ،‬كام أرخ بالتاريخ‬
‫‪.‬‬
‫الروماين ‪ ،‬أو بتأسيس مدينة روما‬
‫وترجع أهمية الحولية الفصحية إىل ما ذكرته من معلومات مهمة عن الحياة الحضارية يف الدولة البيزنطية‪.‬‬
‫عارص يوحنا الفتح اإلسالمي ملرص‪ ،‬وكان شاهد عيان عليه‪ ،‬وأول من أرخ له‪ ،‬فضال عن اهتاممه بتفاصيل‬
‫الكثري من االحداث التي مل ترد عند غريه من املؤرخني‪ ،‬وترجع اهمية حوليته يف ذكر أسامء الكثري من البلدان‬
‫يف العرص القبطي‪ ،‬والرصاع بني فوقاس وهرقل عىل عرش بيزنطة ‪ 076 – 067‬م‪ ،‬ويبدو أن يوحنا تأثر‬
‫بالتيارات الجارية يف عرصه من حيث تأثري الفكر املسيحي وتقاليد الكتابة التاريخية يف كتابة حوليته؛‬
‫فالتاريخ لديه ملحمة ساموية من الرب بني الخري والرش ميتد من بداية الخليقة حتى قيام الساعة ‪ ،‬والتاريخ‬
‫أيضاً هو الشكل املكتوب للرصاع الكوين بني قوات الخري املتمثلة يف جامعة املؤمنني ‪ ،‬وقوات الرش املتمثلة‬
‫يف الوثنني‪ ،‬ويرى يوحنا(‪ )0‬أن املسيحية ليست بداية التاريخ‪ ،‬بل هي إحدى فصوله التي تبدأ يف العهد القديم‬
‫بقصة الخلق(‪. )2‬‬

‫(‪،malolo for "rhetor" The name Malalas probably derived from the Aramaic word)1‬‬
‫‪"orator"; it is applied to him by John of Damascus. The alternative form Malelas is‬‬
‫‪p. ، Ioannis Malalae Chronographia ، first appearing in Constantine VII. Thurn ،later‬‬
‫‪.1‬‬
‫(‪ )2‬منصور ‪ ،‬قطوف الفكر ‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫(‪ )3‬زايد ‪ ،‬مصادر تاريخ ‪ : ،‬التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫(‪ )4‬النقبوسي ‪ ،‬تاريخ مصر ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪25‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫مصادر تاريخ الكنيسة واألديرة ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تاريخ الكنيسة‪:‬‬
‫شهدت الفرتة الباكرة من تاريخ الدولة البيزنطية ( ‪ ) 101 – 022‬اهتامماً كبرياً بتدوين التاريخ الكنيس الذي‬
‫بدأ عىل يد يوسابيوس القيساوي (‪ 007 – 006‬م) ‪ ،‬الذي ولد يف مدينة قيسارية بفلسطني عام ‪ 006‬م ‪،‬‬
‫واتخذ لقبه البامفيل نسبة لصديقه بامفيلوس(‪ ،)7‬وترقى يوسابيوس يف السلك الكهنويت حتى أصبح أسقفاً‬
‫لقيسارية فلسطني عام ‪ 071‬م‪ ،‬ويعترب يوسابيوس من أقدم املؤرخني الكنسيني يف تاريخ املسيحية‪ ،‬بل‬
‫واسقيهم عىل االطالق ‪ ،‬فكان مرجعا ملن جاء بعده من املؤرخني‪ ،‬يقوم عنه جريوم أنه كان مجتهداً يف دراسة‬
‫الكتب املقدسة "؛ فقام بتأليف العديد من الكتب الدينية والتاريخية ‪ ،‬منها " رشوحات األناجيل "‪ ،‬تاريخ‬
‫الكنيسة "‪ ،‬حولية للتاريخ العاملي "‪ ،‬و"خالصة لتلك الحولية "‪ ،‬والتناقضات بني األناجيل "‪ ،‬ومقالة عن‬
‫اشعياء "‪ ،‬وكتاب " اعتذار الوريجن " ‪ ،‬وكتاب اخر عن " حياة بامفيلوس " ‪ ،‬وعددا من االعامل القصرية‬
‫عن " الشهداء "‪ ،‬وتعليقات عىل ‪ 716‬مزمور ‪ ،‬إىل جانب كتاب عن " حياة اإلمرباطور قسطنطني "‪ ،‬و خطبة‬
‫تابني " ‪ ،‬لإلمرباطور نفسه ‪ ،‬باإلضافة إىل " قاموس طبوغرايف تورايت " ألهم املدن املوجودة يف منطقة مرص‬
‫وفلسطني وسورية(‪.)0‬‬
‫نرشت مؤلفات يوسابيوس يف الكثري من املجموعات املصدرية واحتوت تلك املجموعة عىل‪:‬‬
‫الجزء االول‪ :‬حياة االمرباطور قسطنطني والذي احتوى عىل اربعة كتب‪ ،‬وخطبة تأبني لالمرباطور قسطنطني(‪.)0‬‬
‫الجزء الثاين‪ :‬احتوى عىل " التاريخ الكنيس "‪ ،‬الذي احتوى عىل عرشة كتب‪ ،‬باإلضافة إىل مقالة عن " شهداء‬
‫فلسطني "‬
‫ظهر عدد من الكتابات الكنيسة املعارصة له‪ ،‬وكان عىل رأسها التاريخ الكنيس لسقراط املدريس (‪– 026‬‬
‫‪ 226‬م)‪ ،‬الذي ولد يف مدينة القسطنطينية عام ‪ 026‬م‪ ،‬ثم درس فقه اللغة اليونانية يف العاصمة تحت‬
‫إرشاف هيالديوس وامونيوس عاملي النحو املرصيني بعد طردهام من اإلسكندرية ومجيئهام إىل القسطنطينية‬
‫عام ‪ 076‬م‪ ،‬درس بعد ذلك فن البالغة عىل يد ترويلوس استاذ الفلسفة والبالغة يف القسطنطينية(‪.)2‬‬
‫كتب سقراط تاريخاً مكونا من سبعة كتب‪ ،‬يشمل األحداث من عرص قسطنطني األول عام ‪ 061‬حتى عام‬
‫‪ 207‬م ‪ ،‬وهو يعتربه تكملة للتاريخ الكنيس ليوسابيوس القيساري‪ ،‬من املؤكد ان سقراط قام بنرش كتابه‬
‫قبل عام ‪ 226‬م ‪ ،‬حيث اعتمد عليه املؤرخ سوزومني الذي الف تاريخه قبل عام ‪ 220‬م ‪ ،‬وميكن تقسيم‬
‫تاريخ سقراط كاآليت ‪ :‬الكتاب األول وشمل االحداث خالل حكم قسطنطني االول (‪ 001 – 060‬م ) والكتاب‬
‫الثاين آرخ لفرتة خلفاء قسطنطني حتى وفاة إبنه قسطنطيوس الثاين (‪007-001‬م)‪ ،‬والكتاب الثالث آرخ‬
‫لحكمي جوليان وجوفيان (‪002-007‬م) واشتمل الكتاب الخامس عىل عرص اإلمرباطور ثيودوسيوس األول‬
‫(‪071-012‬م) أما الكتاب السادس فضم بني جنباته تاريخ اركاديوس (‪262-071‬م) والكتاب السابع أرخ‬
‫لعرص ثيودوسيوس الثاين (‪207-262‬م )(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬يوسابيوس القيصري‪ ،‬تاريخ الكنيسة‪ ،‬القاهرة‪7999 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ، 43‬وسيشار إليه‪ ،‬القيصري‪ ،‬تاريخ الكنيسة‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )2‬يوسف زيدان‪ ،‬الالهوت العربي وأصول العنف الديني‪ .‬دار الشروق‪.1674 ،‬ص ‪ ،10‬وسيشار إليه الحقا ً ‪:‬‬
‫زيدان‪ ،‬الالهوت العربي ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زايد ‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 769‬‬
‫(‪ )4‬القيصري‪ .‬تاريخ الكنيسة ‪ ،‬ص ‪01‬‬
‫(‪ )5‬زايد ‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 774‬‬

‫‪31‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ب‪ -‬وثائق البطاركة البيزنطيني‪:‬‬
‫بلغ تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية أكرث من ألف ومائة عام‪ ،‬تركت بطريركية القسطنطينية العديد من الوثائق‬
‫املهمة‪ ،‬التي كان لها دور كبري يف تدوين تاريخ األسقفية وعالقتها بالكرايس األسقفية األخرى يف الرشق‬
‫والغرب‪ ،‬كذلك عالقتها بالكنائس املحلية يف االمرباطورية‪ ،‬وقد قام جرومل بجمع تلك الوثائق واالعامل‬
‫الخاصة بالنظام االسقفي يف كنيسة القسطنطينية وقام بدراسة تحليلية يف عدة أجزاء حتى عام ‪ 7206‬م‪،‬‬
‫‪:‬‬
‫والتي منها‬
‫الجزء االول ويشمل وثائق االسقفية خالل الفرتة (‪ 171 – 072‬م)‪.‬‬
‫الجزء الثاين ويشمل وثائق االسقفية خالل الفرتة (‪ 7620 – 171‬م)‪.‬‬
‫الجزء الثالث ويشمل وثائق االسقفية خالل الفرتة (‪ 7060 – 7620‬م)‪.‬‬
‫الجزء الرابع ويشمل وثائق االسقفية خالل الفرتة (‪ 7002 – 7061‬م)‪.‬‬
‫الكتابات الالهوتية‪:‬‬
‫تعترب الكتابات الالهوتية من املصادر املهمة يف دراسة التاريخ البيزنطي‪ ،‬وتأيت كتابات أباء الكنيسة األوائل‬
‫أمثال كلمنت واوريجن واجناتيوس وبوليكارب وبرنابا يف املرتبة األوىل‪ :‬فقد تولت مدرسة االسكندرية‬
‫الالهوتية مسؤولية الدفاع عن العقيدة املسيحية‪ ،‬خاصة بعد ظهور الجدل حول الهوت املسيح وناسوته‪،‬‬
‫وقد كان بانطاينوس أول استاذ لتلك املدرسة يف شكلها الباكر(‪ ،)7‬والتي عرفت باسم " مدرسة املدافعني "‬
‫ويف القرن الرابع امليالدي يأيت الالهويت الكبري البطريرك السكندري اثناسيوس الذي مل يكن رجالً الهوتياً‬
‫فحسب ‪ ،‬بل كان فيلسوفاً‪ ،‬ووصل إىل درجة القداسة يف الكنيسة املرصية ‪ ،‬إذ تم انتخابه رئيساً ألساقفة‬
‫اإلسكندرية يف يونيو ‪ 002‬م ‪ ،‬خلفا لإلسكندر‪ ،‬وكان اثناسيوس قبل ذلك التاريخ قد عمل سكرتريا للبطريرك‬
‫اسكندر‪ ،‬ورافقه إىل مجمع نيقية عام ‪ 001‬م ‪ ،‬وكان رصاعه مع االريوسية هو السبب يف خلعه من منصبه‬
‫ونفيه خمس مرات (‪ 001 ، 000 ، 010 ، 007 ، 001‬م )‪ ،‬وتأليفه ألربعة كتب تنفيذا آلراء االريوسيني ‪ ،‬كام‬
‫‪.‬‬
‫قام بكتابة " حياة القديس انطونيوس " باعتباره مصدرا مثينا عن بداية الرهبنة املرصية‬
‫ويف منتصف القرن الرابع امليالدي ظهرت كتابات جريجوري النازيانزي ‪ ،‬الذي ارتقى إىل منزلة القديسني يف‬
‫الكنيسة البيزنطية ‪ ،‬ولد جريجوري عام ‪ 006/007‬م يف اريانزوس بالقرب من تازيانزوس‪ ،‬ومات يف مسقط‬
‫راسه عام ‪ ، 076‬يعترب جريجوري واحدأ من اآلباء القبادوقيني‪ ،‬إذ كان صديقاً مقرباً من باسيل القيرصي‪،‬‬
‫واللذان رافقا بعضهام البعض يف دراستهام يف قيرصية ثم أثينا‪ ،‬ثم دخل جريجوري الدير بعد استكامل‬
‫تعليمه؛ فتم ترسيمه قسا عام ‪ 000‬م‪ ،‬ويف عام ‪ 017‬م تم تعيينه أسقفاً يف القسطنطينية ( ‪ 027- 026‬م )‪،‬‬
‫فكان من أرشس املدافعني عن قرارات مجمع نيقية فاصطدم بيوتوميوس االريويس يف مجمع القسطنطينية‬
‫عام ‪ 027‬م ‪ ،‬ويف العام تنازل عن منصبه‪ ،‬وعاد إىل مسقط رأسه‪ ،‬ولكنه عني أسقفاً لنازيانزوس (‪022-020‬م)‬
‫‪ ،‬ثم قىض ما تبقى له من سنوات يف الكتابة والتأمل(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬رأفت‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬الفكر المصري في العصر المسيحي ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪1666‬م‪،‬‬
‫ص ‪ ، 737،731 ،711‬رأفت عبد الحميد وطارق منصور ‪ ،‬مصر في العصر البيزنطي ‪ ،194،047 ،‬دار‬
‫مصر العربية للنشر ‪ ،‬القاهرة ‪ 1667 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ ،19 – 19 ، 14‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬رأفت‪ ،‬الفكر‬
‫المصري ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 719‬‬

‫‪31‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وثائق األديرة‪:‬‬
‫تعترب املصادر الديرانية أو التي كتبت عن تاريخ الرهينة واالديرة خالل العرص البيزنطي من أهم املصادر‬
‫التي ميكن للباحث ان يستقي منها الكثري من املعلومات سواء معلومات عن الرهبان أو عن النظام الرهباين‪،‬‬
‫أو عن املجتمع املحيط باألديرة‪ ،‬وملا كانت مرص مهد الرهبنة‪ ،‬ومركزاً النتشارها يف العامل املسيحي‪ ،‬فان‬
‫الكتابات الرهبانية قد ظهرت يف بدايتها يف األرايض املرصية‪ ،‬ثم انتقلت الرهبنة بدورها اىل فلسطني وسورية‬
‫خالل القرن الرابع امليالدي عىل يد الراهب الغزاوي هيالريون(‪.)7‬‬
‫ألف باسيل القيرصي كتابه " الزاهد " والذي قسمه إىل ثالث أطروحات عن الحياة الرهبانية‪ ،‬أولها مقدمة‬
‫عن حياة الزاهدين الذين وصفوا بانهم جيش املسيح الذي يحارب بهم الظاملني مضطهدي املسيحية‬
‫واملسيحيني‪ ،‬وثانيها حديث عن الزاهد وتنازله عن متاع الدنيا والبحث عن الكامل الروحي من خالل‬
‫االنقطاع يف األديرة بعيداً عن دنيا الناس‪ ،‬أما الجزء الثالث واألخري فهو حديث عن انضباط الزاهد والواجبات‬
‫التي يجب عىل الراهب األلتزام بها ‪ ،‬كام يشمل هذا القسم األعامل اليدوية التي يقوم بها الراهب داخل‬
‫الدير لتوفري مأكله ومرشبه‬
‫وشهد القرن الخامس امليالدي ثورة يف الكتابة عن الحياة الرهبانية التي اتخذت طريقها الجامعي املتمثل‬
‫يف النظام الديري الذي وصفه القديس باخوميس املرصي؛ فنقل هؤالء تلك النظم إىل آسيا الصغرى‪ ،‬ويعد‬
‫باالديوس أسقف هلينوبوليس ( يف بيثينيا باسيا الصغرى ) املولود يف غالطية عام ‪ 002‬م‪ ،‬اشهر من قام بذلك‬
‫الدور(‪ ، )0‬اذ سلك حياة الزهد والرهبنة عندما بلغ من العمر عرشين عاماً‪ ،‬فتوجه إىل جبل الزيتون بفلسطني‬
‫ليعيش هناك مرتهبا ثالث سنوات ( ‪ 021-022‬م )‪ ،‬ويف عام ‪ 021‬م زار مدينة اإلسكندرية للمرة األوىل‪ ،‬ثم‬
‫زار الرهبان يف وادي النطرون‪ ،‬ورمبا مكث بينهم حتى عام ‪ 071‬م‪ ،‬توجه بعدها نحو الجنوب‪ ،‬ومكث يف‬
‫مدينة انطينوى ملدة اربع سنوات ‪ ،‬بعدها عاد إىل اإلسكندرية عىل أثر األمراض التي هاجمته‪ ،‬ثم توجه إىل‬
‫‪.‬‬
‫بيت لحم ثم إىل القدس‪ ،‬وعاد إىل مسقط رأسه يف بيثينيا عام ‪ 077‬م‬
‫الكتابات األدبية ومالمح الحياة الثقافية‪:‬‬
‫تعترب بعض الكتابات األدبية من املصادر املهمة التي يعتمد عليها املؤرخ يف الحصول عىل بعض املعلومات‪،‬‬
‫وهي سجل مهم لبعض األحداث التاريخية‪ ،‬واالجتامعية‪ ،‬والدينية إىل جانب أنها تشكل جانبا مهام للغاية‬
‫عن الفكر السائد آنذاك داخل املجتمع‪ ،‬وقد تنوعت الكتابات االدبية البيزنطية ما بني شعر وقصص وأدب‬
‫ديني ورسائل شخصية‪.‬‬
‫الشعر‪:‬‬
‫كان الشعر من أهم االمناط االدبية يف تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬وعىل الرغم من قلة انتاجه‪ ،‬اال انه كان‬
‫مهام للغاية ملعرفة ما يدور داخل املجتمع البيزنطي‪ ،‬وكان من أقدم االشعار البيزنطية ما كتبه تيمويث‬
‫الغزاوي‪ ،‬عن الحيوانات(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 746‬‬


‫(‪ )2‬عبد الحميد ‪ ،‬الفكر المصري في العصر المسيحي ‪ ،‬ص ‪ ، 101،104‬رأفت ‪ ،‬مصر في العصر البيزنطي ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 797‬رأفت‪ ،‬عبد الحميد ‪ " ،‬الرهبانية المصرية والسلطة البيزنطية " ‪ ،‬ندوة الدور الوطني للكنيسة‬
‫المصرية عبر العصور ‪ ،‬اعداد وتقديم ‪ ،‬عبد العظيم رمضان ‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪ 1661‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 17‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬رأفت الرهبانية المصرية‪.‬‬
‫(‪ )3‬باقر ‪ ،‬أشعار الرومان و البيزنطينيين‪ ،‬ص ‪14‬‬

‫‪32‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كان جريجوري النازيانزي من أوائل الشعراء يف العرص البيزنطي‪ ،‬حيث فام بكتابة عدد من القصائد الشعرية‬
‫كان اهمها تلك التي كتبها " عن سريته الذاتية وحياته " ‪ ،‬والتي يبدأها بقوله " أن الغرض من هذا العمل‬
‫أن يتم الكشف عن سوء حظي ‪ ،‬أو كام تحب أن تقول نجاحايت "(‪ ،)7‬ويستعرض جريجوري تاريخ وسرية‬
‫عائلته؛ فأبوه كان من الناس امليسورة‪ ،‬أمن باملسيحية‪ ،‬باإلضافة إىل أمه التي كانت من عائلة مسيحية هي‬
‫االخرى‪ ،‬ثم ينتقل بالحديث إىل رحلته العلمية إىل أثينا‪ ،‬ثم عودته إىل مسقط رأسه يف آسيا الصغرى‪ ،‬ودخوله‬
‫الدير بعد استكامل تعليمه‪ ،‬ثم ترسيمه قسا عام ‪ 000‬م ‪ ،‬وتعيينه اسقفا يف القسطنطينية(‪. )0‬‬
‫ويف الربع األخري من القرن الرابع امليالدي ظهر الشاعر املرصي كالوديوس كالوديانوس هو من أوائل الشعراء‬
‫البيزنطيني‪ ،‬ولد يف االسكندرية عام ‪ 016‬م‪ ،‬ومات عام ‪ 262‬م‪ ،‬ألف العديد من القصائد الشعرية‪ ،‬خاصة‬
‫شعر املدح التقليدي‪ ،‬وبعض الحكم واألمثال‪ ،‬وقد سافر إىل إيطاليا عام ‪ 071‬م‪ ،‬حيث كتب مدحاً باللغة‬
‫الالتينية وجهه اىل القنصل بروبوس واوليربيوس‪ ،‬مفتتحا القصيدة بقوله‪ :‬أيهام سوف أتحدث عنه أوالً؟ من‬
‫مل يسمع عن أعامل بروبوس ذي النسب العريق‪ ،‬من ال يعرف املدح الالنهايئ الوليربيوس؟ (‪.)0‬‬
‫كام كتب كالوديانوس قصيدة يف مدينة ميالن االيطالية عام ‪ 070‬م‪ ،‬مبناسبة القنصلية الثالثة لالمرباطور‬
‫هونوريوس‪ ،‬والتي اختتمها بقوله(‪ " )2‬سيعطي لك البحر االحمر الصدفات الثمينة‪ ،‬والهند عاجها‪ ،‬وبنجايا‬
‫عطورها‪ ،‬والصني حريرها "(‪.)1‬‬
‫ويأيت الشاعر املرصي األصل نونوس االخميمي يف النصف األول من القرن الخامس امليالدي ليكون من اشهر‬
‫الشعراء يف العرص الروماين املتأخر‪ ،‬وال يعرف عن نونوس الكثري سوى عمله الشعري املعروف بديونيسياكا‬
‫وهو عبارة عن ‪ 22‬فصل شعري ذات التفعيالت السداسية التي تحيك مآثر ديونيسوس يف بالد الهند ‪ ،‬ويركز‬
‫بشكل اسايس عىل تأسيس(‪ )0‬بيزاس ملدينة بيزنطة‪ ،‬ويتحدث عن األسطورة املتعلقة بإنشاء كلية القانون يف‬
‫بريوت‪ ،‬كام يظهر وبجالء اعتقاده يف الدور الحضاري ملدينة روما‪ ،‬فضالً عن ذكره لعدد من املوضوعات‪،‬‬
‫مثل التنجيم والنبوءات(‪.)1‬‬
‫ظهر الشاعر ورجل الدين سليل النبالء بولس الخادم يف بالط اإلمرباطور جستنيان خالل القرن السادس‬
‫امليالدي‪ ،‬الذي كتب قصيدة يف مطلع شهر يناير عام ‪ 100‬م‪ ،‬واصفا كنيسة الحكمة املقدسة يف شعر سدايس‬
‫التفعيلة مبناسبة اعادة بنائها مرة اخرى بعد زلزال عام ‪ 112‬م‪ ،‬حيث اعتمد بشكل كبري عىل بعض االقتباسات‬
‫من الكتاب املقدس ‪ ،‬وربط بني إعادة بناء جستنيان للكنيسة وبني بناء املعبد اليهودي عىل يد نبي هللا‬
‫سليامن عليه السالم‪ ،‬كام وصف املواد املستخدمة يف البناء‪ ،‬ونظام اإلضاءة الذي ابتكره املهندس ايزيدور‬
‫(‪)2‬‬
‫الصغري عند إعادة بناء قبة الكنيسة‬

‫(‪43. ، p ،. Op. Cit ، Ramdan ،Aziz )1‬‬


‫(‪ )2‬زايد ‪ ،‬مصادر تاريخ ‪ ،‬ص ‪. 717‬‬
‫(‪.43. ، p ،. Ramdan Op. Cit ،Aziz )3‬‬
‫(‪ )4‬زايد ‪ ،‬مصادر تاريخ ‪ ،‬ص ‪. .711‬‬
‫(‪ )5‬هالدون‪ ،‬بيزنطة في حرب‪ ،‬ص ‪.07 ،11‬‬
‫(‪ )1‬زايد‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 713‬‬
‫(‪ )1‬باقر‪ ،‬أشعار الرومان ‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )1‬زايد‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 714‬‬

‫‪33‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الروايات واملرايث والحوارات‪:‬‬
‫مثلت القصة نوعاً مهامً من األدب البيزنطي‪ ،‬كام كانت الخطبة نوعاً من األدب ميتاز بلونه البالغي لجذب‬
‫القارئ واملستمع‪ ،‬وكان عامل القرن الحادي عرش امليالدي عاملاً استثنائياً يف اإلنتاج األديب خاصة عىل يد‬
‫ميخائيل بسللوس أشهر األدباء والفالسفة واملؤرخني يف التاريخ البيزنطي عىل االطالق؛ فإىل جانب كتاباته‬
‫التاريخية سالفة الذكر‪ ،‬كتب بسللوس خطبة رثاء وثناء المه ثيودونا " هبه هللا ‪ ،‬والتي يعتربها الباحثون يف‬
‫املجال البيزنطي من أهم وأشهر أربع خطب يف التاريخ البيزنطي‪.‬‬
‫يستعرض بسللوس مقتطفات من حياته وتعليمه يف البالط البيزنطي‪ ،‬ودخوله الدير عام ‪7612‬م‪ ،‬ولكنه دامئا‬
‫ما يؤكد عىل والئه للتعليم والحياة املدنية العلامنية ‪ ،‬والخطبة اداة بسللوس للتأكيد واالعرتاف بوالئه ألمه‪،‬‬
‫ويرجع أهمية خطابه ليس بكونه قطعة ادبية منمقة بأسلوب بالغي رائع ‪ ،‬بل ألنه يزودنا ببعض املالمح‬
‫عن الحياة العائلية البيزنطية ‪ ،‬ويعطينا صورة واضحة لألم البيزنطية الذكية والطموحة من داخل الطبقة‬
‫االرستقراطية التي مل يسمح لها بالذهاب إىل املدرسة ‪ ،‬ولكنها علمت نفسها بنفسها ‪ ،‬خاصة بعد موت‬
‫ابنتها الكربى ‪ ،‬وكانت أم بسللوس هي ما جعلت ابنها يؤمن مببدأ املساواة بني الرجل واملرأة يف التعليم‬
‫‪.‬‬
‫والثقافة‬
‫األدب الديني‪:‬‬
‫تعددت األشكال األدبية الدينية ما بني سري القديسني والقديسات ‪ ،‬وأدب الرؤى االخروية ‪ ،‬أو ما يعرف‬
‫بالنبوءات‪ ،‬وقد اشتق مصطلح هاجيوجرايف من الكلمة اليونانية مبعنى " مقدس " أو " قديس "‪ ،‬وبذلك‬
‫يعني مصطلح هاجيوجرايف ذلك العدد الكبري من السري الذاتية للذين اعتربتهم الكنيسة البيزنطية من‬
‫الشهداء املسيحي ني والقديسني والقديسات ‪ ،‬والتي تشتمل عىل وصف حياتهم وأقوالهم وأفعالهم واحتوت‬
‫سري القديسني عىل تفاصيل مهمة حول الحياة االجتامعية‪ ،‬خاصة يف املناطق الريفية البعيدة عن العاصمة‬
‫اإلمرباطورية‪ ،‬حيث أن العاصمة عادة ما تحظى بنصيب األسد يف املصادر التاريخية‪ ،‬يف حني أن املصادر‬
‫الهاجيوجرافية تعتمد بشكل رئييس عىل األحداث االجتامعية واالقتصادية والثقافية والدينية مع بعض‬
‫‪.‬‬
‫التفصيالت عن الحياة السياسية‬
‫وتعرض بعض السري تفاصيل دقيقة عن الحياة االجتامعية يف الدول البيزنطية ‪ ،‬مثل وجود العبيد يف القصور‬
‫اإلمرباطورية ومنازل النبالء‪ ،‬ومصادر الحصول عىل هؤالء العبيد‪ ،‬وكيفية استعباد القبائل السالفية عىل‬
‫الحدود البيزنطية ‪ ،‬كام تذكر السري فئات أخرى مثل فئة الخصيان‪ ،‬خاصة من األرسى العرب‪ ،‬كذلك فئة‬
‫املتسولني ‪ ،‬وميكن أن متدنا السري مبعلومات وفرية وقيمة عن السجون التي كان املسلمون يودعون بها يف‬
‫العاصمة البيزنطية‪ ،‬كام كشفت السري عن معلومات جيدة عن راي الدين املسيحي يف الزواج والطالق‪ ،‬فض ًال‬
‫عن معلومات قيمة عن الزواج املبكر لإلناث‪ ،‬وما ترتب عليه من مشكالت‪ ،‬ومراسيم األباطرة البيزنطيني‬
‫أمثال ثيوفيل بخصوص زواج النساء األرامل من األجانب‪ ،‬كام تطرقت السري الحتفاالت الزواج‪ ،‬العقم‪،‬‬
‫والتبني‪ ،‬وتربية األطفال‪ ،‬ورسمت صورة حية عن الحياة املنزلية من خالل وصف مصابيح اإلنارة وأنواعها‪،‬‬
‫واألغطية التي تقي السكان من برد الشتاء‪ ،‬ومالبسهم وطعامهم ورشابهم‪ ،‬وصهاريج املياه‪ ،‬والحاممات‬
‫العامة‪ ،‬وذهاب النساء إىل تلك الحاممات‪ ،‬كام وصفت السري مشاهد سباق العربات‪ ،‬ورصدت بعض األمراض‬
‫االجتامعية التي انترشت يف املجتمع البيزنطي مثل‪ :‬البغاء والتسول والرسقة ‪ ،‬باإلضافة إىل أنها أشارت إىل‬
‫بعض الكوارث التي تعرض لها املجتمع البيزنطي‪ ،‬ودور املؤسسات الخريية يف اعانة الفقراء عىل مواجهة‬
‫‪.‬‬
‫تلك الكوارث‬

‫‪34‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وكان لسري القديسني والقديسات فائدة كبرية من خالل تضمنها معلومات دقيقة عن الحياة االقتصادية يف‬
‫الريف البيزنطي ‪ ،‬فتناولت بالذكر زراعة الغالل‪ ،‬واستخدام الفالح لألسمدة يف تسميد أرضه‪ ،‬وأنواع املاشية‬
‫التي رباها ‪ ،‬فضالً عن معلومات خاصة بأماكن الرعي والرعاة‪ ،‬واستخدام الرعاة لكالب الحراسة ملنع‬
‫هجوم(‪ )7‬الحيوانات الضارية عىل قطعانهم‪ ،‬أما يف املجال الحريف والصناعي فقد اشارت اىل النساء الاليئ‬
‫عملن يف حرفة الغزل ‪ ،‬كام أشارت إىل حرفة البناء ‪ ،‬واألدوات واملواد املستخدمة فيها‪ ،‬أما يف املجال التجاري‬
‫فتعرضت لقضية منع الرهبان من التجارة والسفر‪ ،‬كام تعرضت لوصف االسواق والسلع التي كانت تباع‬
‫فيها‪ ،‬واستخدام النقد يف البيع والرشاء‪ ،‬أما يف مجال الصيد فوصفته بنوعية الربي والبحري ‪ ،‬وأوقاته‪،‬‬
‫واستخدام الصيادين ألدوات الصيد مثل السنارة والشباك(‪ ، )0‬وأخرياً تعرضت لقيام جباة الرضائب باعتقال‬
‫الفالحني الذين مل يؤدوا الرضائب املقررة عليهم وأمدتنا السري مبعلومات عن نظام التعليم يف األرايض‬
‫‪.‬‬
‫البيزنطية‪ ،‬فأشارت إىل عدم وجود مدارس يف األقاليم البيزنطية‪ ،‬وجهل الكثري من العامة يف الريف‬
‫الرسائل الشخصية‪:‬‬
‫متثل الرسائل الشخصية مادة مهمة وغزيرة باملعلومات التاريخية والدينية خالل العرص البيزنطي‪ ،‬وكانت‬
‫أوىل الخطابات الشخصية تلك التي ارسلها البطريرك اثناسيوس األول(‪ )0‬وبلغ عددها تسعة عرش خطابا اىل‬
‫الكنائس واالصدقاء من رجال الدين والرهبان‪ ،‬أو حتى إىل األباطرة أمثال اإلمرباطور جوفيان ‪ ،‬ومن تلك‬
‫الخطابات ما أرسله اثناسيوس إىل كنائس اإلسكندرية ومريوط بخصوص مجمع سارديكا عام ‪022 – 020‬‬
‫م ‪ ،‬وخطابيه اىل الراهب ارسيمسيوس مبناسبة تعيينه مقدما لدير طابنا يف صعيد مرص خلفا لبرتونيوس عام‬
‫‪ 021‬م ‪ ،‬وخطابه اىل امون الراهب يف وادي النطرون عام ‪ 012‬م ‪ ،‬واىل الرهبان بصفة عامة ليعضد ويشد‬
‫من ازرهم ‪ ،‬ويحاول اثناسيوس رشح العقيدة املسيحية الصحيحة لالمرباطور جوفيان رددا عىل الخطابالذي‬
‫ارسله االمرباطور نفسه اىل اثناسيوس للسامح له بالعودة اىل مرص بعد نفيه من قبل جوليان‪.‬‬
‫ظهرت خالل القرن الرابع خطابات باسيل القيرصي‪ ،‬والتي بلغ عددها ‪ 000‬خطاباً‪ ،‬والتي ميكن تقسيمها اىل‬
‫ثالث فرتات زمنية ‪ :‬الخطابات ( ‪ )20-7‬تشتمل عىل ما كتبه باسيل قبل تقلده منصب أسقفية قيرصية‬
‫قبادوقية‪ ،‬والخطابات ( ‪ ) 077 – 21‬عبارة عن رسائل أسقفية‪ ،‬والخطابات (‪ ) 000 – 070‬وهي غري محددة‬
‫بوقت وزمن معني‪ ،‬كام ميكن تقسيمها حسب نوعية الخطابات ‪ ،‬فهناك خطابات تاريخية‪ ،‬وثانية مذهبية‬
‫الهوتية يدافع فيها عن علم الالهوت النيقي‪ ،‬وثالثة خاصة بالرهبنة والزهد‪ ،‬ومنو نظام األديرة يف آسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬وخطابات رابعة تأديبية خاصة بامفيلوخيوس‪ ،‬والتي يستعرض فيها باسيل مراحل تطور القانون‬
‫االكلريويس‪ ،‬وخطابات خامسة عن الرثاء والتعزية‪ ،‬وأخرى للمدح والثناء عىل أحد رجال الدين أو الرهبان‬
‫لتبيان سريته وإميانه‪ ،‬كنوع من الرتبية املسيحية القومية للقراء(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬زايد ‪ ،‬مصادرالتاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 701‬‬


‫(‪ )2‬الباشا‪ ،‬عبد الرحمن رأفت ‪ ،‬الصيد عند العرب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان ‪7993،‬‬
‫‪ .‬ص ‪ ،39‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬الباشا‪ ،‬الصيد عند العرب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬لبابا أثناسيوس األول اإلسكندري ‪ ،‬أثناسيوس المعترف ‪،‬أثناسيوس الرسولي ‪ ،‬ولد في ‪ ،193‬توفي في ‪1‬‬
‫مايو ‪ ،313‬كان بطريرك اإلسكندرية في القرن الرابع‪ .‬تم االعتراف به كقديس من الكنيسة الكاثوليكية مؤخرا‬
‫بعد الكنائس األرثوذكسية الشرقية وخاصة الكنيسة القبطية األرثوذكسية‪ ،‬كما يعتبر عالم عظيم من قبل‬
‫البروتستانت‪ .‬أعلنته الكنيسة الكاثوليكية في روما أحد علماء الكنيسة الـ ‪ ،33‬ويعتبر أحد اآلباء األربعة‬
‫األعظم لدى الكنائس الشرقية ‪،‬هو أب الكنيسة القبطية األرثوذكسية ومعلمها اإليماني األول‪ .‬قاموس آباء‬
‫الكنيسة و قديسيها اثناسيوس الرسولي البابا العشرون ‪ ،‬نسخة محفوظة ‪ 61‬مارس ‪ 1670‬على موقع واي‬
‫باك مشين‪.‬‬
‫(‪ )4‬زايد‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬

‫‪35‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫األدب مصدراً للتاريخ البيزنطي يف الحضارة العربية‪:‬‬
‫دأب العرب عىل أن يطلقوا عىل اآلخر صفة املرشك أو العلج‪ ،‬أو صفة الحريب نسبة إىل دار الحرب؛ فأنهم‬
‫استعملوا تسمية الروم للتعبري عن البيزنطيني‪ ،‬ووردت هذه التسمية يف شعر ما قبل اإلسالم‪ ،‬هذه التسمية‬
‫يف بداية االسالم تبدو عادية‪ ،‬فإنها أخذت شكالً ايديولوجياً منذ منتصف القرن الثامن امليالدي؛ إذ برز الغرب‬
‫املسيحي يف ظل الدولة الكارولنجية قوة سياسية وعسكرية تسعى لتجديد البيزنطيني من هذا اللقب ونعتهم‬
‫باإلغريق‪ ،‬وال يحق لهم استعامل هذه التسمية؛ ألنها تعود وجوباً إىل من يتحكم يف مدينة روما (‪.)7‬‬
‫كام اهتم العرب من خالل الكتابة‪ ،‬بجوانب أخرى من الحياة البيزنطية؛ فذكروا املؤسسات البيزنطية من‬
‫دون تحريف كبري لها‪ ،‬ومع دقة وضبط يف بعض االحيان اخلت به بعض الكتابات البيزنطية (‪.)0‬‬
‫إذا تصفحنا تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية؛ فسنجد أن هذه التسميات يونانية‪ ،‬مثل عبارة باسيل التي هي‬
‫يف الواقع عبارة بازيلوس‪ ،‬وأن عبارة لغثيط هي العبارة اليونانية نفسها‪ ،‬وكلتا الوظائف السامية يف‬
‫اإلمرباطورية واملتصلة مبارشة بالعامل اإلسالمي (‪. )0‬‬
‫اعتنى العرب إىل جانب املؤسسات السياسية باملؤسسة العسكرية؛ ألسباب ال تخفى يف عرص متميز بالرصاع‬
‫وتتايل الحروب‪ ،‬وتعترب املعرفة العسكرية عنرصاً من العنارص الضامنة االنتصار‪ ،‬أو املساعدة عىل ضامنه‪،‬‬
‫لذلك نجد وصفا دقيقا للجند البيزنطي وتنظيمه وتوزعه يف فضاء اإلمرباطورية‪ ،‬ومن ذلك الرتب العسكرية‬
‫باللغة اليونانية بصورة متسلسلة كلام كان هناك مجال للحديث عن ذلك‪ ،‬ويف بعض األحيان ورد ذكر‬
‫‪.‬‬
‫موظفني يف الجند البيزنطي‪ ،‬كان مبناسبة الحروب أم عند إطالق رساح األرسى‬
‫وميكن الرتب العسكرية‪ ،‬رتبة الدمستق‪ ،‬أي صاحب املسالح عىل حد تعبري قدامة بن جعفر‪ ،‬وان خلطت‬
‫النصوص العربية يف بعض األحيان بني الدمستق واإلمرباطور يف الفرتة املتأخرة من العرص الوسيط‪ ،‬اي بعد‬
‫منتصف القرن الثاين عرش‪ ،‬ويرجع ذلك اىل استحداث وظيفة جديدة يف الدولة البيزنطية هي وظيفة دمستق‬
‫الرشق والغرب‪ ،‬كقيادة عامة للجيش‬
‫كان االهتامم بالجوانب العسكرية وتراكم املعرفة التقنية يف هذا املجال بالنسبة إىل العرب راجعاً إىل العداء‬
‫بني الدولتني‪ ،‬وناتجاً من تواصل االحتكاك الحريب بني الطرفني ومن تعدد األرسى البيزنطيني الذين مثلوا‬
‫مصدراً مهام من مصادر األخبار‪ ،‬ونظراً إىل ما كان الجيش البيزنطي ميثله من رمزية عسكرية وسياسية‬
‫استوجبت االهتامم املتواصل ‪ ،‬فان النصوص العربية احتفظت بجملة من اسامء االعالم ‪ ،‬هذه االسامء التي‬
‫ذكرها العرب هي أسامء للنخبة البيزنطية‪ ،‬من أباطرة وقواد وسفراء ‪ ،‬مع تركيز عىل سكان املناطق املقابلة‬
‫للثغور اإلسالمية‪ ،‬ويرد يف بعض األحيان ذكر الذين انتقلوا بصورة نهائية إىل العامل اإلسالمي واندمجوا يف‬
‫صلب املجتمع اإلسالمي‪ ،‬من نساء ورجال عربت أسامؤهم يف كثري من األحيان‪ ،‬وميكن أن نورد بعض‬
‫األسامء ‪ ،‬مثل ‪ :‬جرجري‪ ،‬وجرجي والياتسو بالنتس وبرداس سقالروس‪ ،‬بوتزاس واملالين ومنسرتياتس ‪ ،‬وهي‬
‫أسامء موظفني سامني يف البالط البيزنطي(‪. )2‬‬

‫(‪)1‬أبو دية‪ ،‬سعد‪ ،‬معان‪ ،‬دراسة في الموقع‪ ،‬استعراض تاريخ المدينة السياسي وأثر الموقع فيه منذ عهود معين‬
‫وسبأ وحتى اليوم‪ ،‬ط‪ ،7‬د‪.‬ن‪7994 ،‬م‪ ،‬ص‪ ، 19‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬ابو دية ‪ ،‬معان ‪ .‬المنصوري‪،‬‬
‫محمد‪ ،‬صورة البيزنطيين في الحضارة العربية ‪ ،‬مجلة أسطور‪ ،‬ع‪ ، 0‬المركز العربي للدراسات‪ ،‬ص ‪143‬‬
‫‪ ،‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬المنصوري‪،‬صورة البيزنطيين ‪.‬‬
‫(‪ )2‬المنصوري‪ ،‬صورة البيزنطيين‪ ،‬ص ‪. 144‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬
‫(‪. 78. ، p 76 ، Op. Cit. ،Simeonova )4‬‬

‫‪31‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫إحياء الفلسفة اليونانية القدمية تم يف بيزنطة بعد انفجار الرصاع الديني البيزنطي – البيزنطي‪ ،‬بني محبي‬
‫الصور ومحطميها فيام بني عامي ‪ 101‬و‪ ،220‬فاستعمل املعارضون لعبادة الصور املنطق والعقل إلقناع‬
‫خصومهم‪ ،‬وما سمح للعرب بهضم هذا الرتاث واستعامله ملقارعة الروم بحجة املنطق(‪. )7‬‬
‫مصطلحات تتعلق بجوانب دينية وسياسية واقتصادية‪:‬‬
‫(‪)0‬‬
‫املصطلحات الدينية‪ :‬مثل (الدبتخة ‪ /‬السنهودس‪ / 0‬الجائليق)‪.‬‬
‫املصطلحات املالية‪ :‬مثل (القرياط ‪ /‬املد ‪ /‬البقط)‬
‫أما فيام يتعلق بالنقود‪ ،‬فقد استعمل العرب العملة البيزنطية‪ ،‬شكالً وتسمية منذ ما قبل اإلسالم‪ ،‬ولعل أكرث‬
‫املصطلحات املالية استعامال هو الدينار‪ ،‬وهو ال يزال إىل يوم الناس هذا‪ ،‬واستعمل للداللة عىل معان‬
‫مختلفة‪ ،‬كالقيمة الرفيعة‪ ،‬والجامل واللون األصفر؛ ألن الدينار البيزنطي هو وحدة نقدية ذهبية منقوشة‪،‬‬
‫وجمعت هذه املعاين يف بيت من شعر العرب قاله النابغة الذبياين واصفاً رفقة له قتلوا يف إحدى املعارك‪:‬‬
‫كهول وفتيان كأن وجوههم دنانري ‪ ..............‬مام شيخ يف أرض قيرص‬
‫املصادر القانونية‪:‬‬
‫متثل املصادر ا لقانونية أهمية كربى لكتابة التاريخ البيزنطي بصفة عامة‪ ،‬والتاريخ البيزنطي بصفة خاصة‪،‬‬
‫فمن خاللها ميكن االطالع عىل التطور التاريخي لبعض القوانني املنظمة ألنشطة الحياة االجتامعية‬
‫واالقتصادية والسياسية والدينية‪ ،‬كذلك العقوبات التي فرضت عىل الخارجني عىل القانون‪.‬‬
‫القوانني املدنية ‪:‬‬
‫قوانني ثيودوسيوس الثاين‪ :‬هو كتاب قانوين صدر عام ‪ 207‬م باللغة الالتينية‪ ،‬ونسب إىل اإلمرباطورتني‬
‫ثيودوسيوس الثاين (‪216-262‬م) امرباطور الرشق البيزنطي واالمرباطور فالينتنيان الثاين امرباطور الغرب‬
‫الالتيني‪.‬‬
‫قوانني جستنيان‪ :‬كانت سياسة جستنيان الحربية من أهم األسباب التي دعته إىل إصدار مجموعة من‬
‫‪.‬‬
‫القوانني املتنوعة‪ ،‬وذلك محاولة منه توفري القدر الكايف من التمويل الالزم لحروبه الخارجية‬
‫قوانني األرسة االيسورية‪ :‬كانت األرسة االيسورية خاصة عهد االمرباطورين ليو الثالث وابنه قسطنطني‬
‫‪.‬‬
‫الخامس من أهم الفرتات التاريخية التي تم االهتامم فيها بتدوين وتنقيح القوانني الرومانية‬
‫قوانني األرسة املقدونية‪ :‬شهد عرص األرسة املقدونية ثورة كبرية يف الترشيع الروماين‪ ،‬خاصة عىل أيدي‬
‫اإلمرباطور باسيل األول وابنه ليو السادس امللقب بالحكيم‪ ،‬وكانت أبرز اهتامماته الترشيعية مجموعة‬
‫البازيليكا‪ ،‬والتي تعني القوانني االمرباطورية(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬المنصوري‪ ،‬صورة البيزنطيين في الحضارة العربية‪ ،‬ص ‪. 149‬‬


‫(‪ )2‬االجتماع بمدينة نيقية من بالد الروم فيه ألفان وثمانية وأربعون أسقفا ً فاختار منهم ثالثمائة وثمانية عشر‬
‫أسقفا ً م ّتفقين غير مختلفين‪ ،‬ابن االثير‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬م‪ ، 7‬ص‪717‬‬
‫(‪ )3‬المنصوري‪ ،‬صورة البيزنطيين في الحضارة العربية‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 791‬‬

‫‪31‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قوانني امللكية الزراعية‪:‬‬
‫شكلت الطبقة االرستقراطية قمة الهرم االجتامعي يف اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬إذ حازت املال والجاه‬
‫والسلطان‪ ،‬ومتكن أفرادها من تكوين ثروات ضخمة والعيش يف رغد ويرس‪ ،‬وكانت تلك الطبقة قد تكونت‬
‫إما باملولد أو باالنخراط يف الجيش البيزنطي‪ ،‬وضمت االرستقراطية العسكرية العائالت من كبار مالك‬
‫األرايض الزراعية‪ ،‬والتي قادت الجيوش يف الواليات اإلمرباطورية‪ ،‬وقد امتلك هؤالء مساحات كبرية من‬
‫األرايض الخصبة واملراعي الواسعة والكثري من العبيد الذين قاموا برشائهم لزراعة أراضيهم ورعي ماشيتهم‪،‬‬
‫وكان الكثري من كبار املالك يحتلون الوظائف العليا يف العاصمة‪ ،‬ولذلك قاموا يف كثري من األحيان بتأجري‬
‫أراضيهم لصغار املزارعني من الفالحني الفقراء‪ ،‬ويف املقابل عادت عليهم الوظائف بالكثري من الرواتب‬
‫والهبات‪ ،‬مام أدى إىل تكدس ثرواتهم ‪ ،‬فأنشأت طبقة جديدة من االرستقراطيني الذين وجدوا لهم منفذاً‬
‫حقيقياً يف االستثامر الزراعي(‪.)7‬‬
‫الكتابات السياسية واإلدارية والعسكرية‪:‬‬
‫الكتابات السياسية واإلدارية‪:‬‬
‫متثل الكتابات السياسية أهمية كبرية لكتابة التاريخ البيزنطي بصفة خاصة‪ ،‬فمن خاللها ميكن االطالع عىل‬
‫التطور التاريخي واالداري للوظائف البيزنطية‪ ،‬سواء املدنية منها أو العسكرية‪ ،‬أو حتى الدينية‪ ،‬كام ميكننا‬
‫االطالع عىل مراسم البالط البيزنطي‪ ،‬والدبلوماسية البيزنطية خالل العرص الوسيط(‪.)0‬‬
‫يعترب سجل التكرميات من أوىل الكتابات السياسية واإلدارية يف الدولة البيزنطية‪ ،‬فقد تم كتابته بعد عام‬
‫‪ 262‬م‪ ،‬حيث كان ثيودوسيوس الثاين بحكم الجانب الرشقي البيزنطي‪ ،‬بينام كان هونوريوس بحكم الجانب‬
‫الغريب الروماين‪ ،‬وهي عبارة عن قامئة رسمية لكل الوظائف املدنية والعسكرية لكل الواليات واملسؤولني يف‬
‫عرصها املتأخر‪ ،‬وكان الغرض من تلك القامئة ترتيب األلقاب الفخرية التي كانت موجودة آنذاك‪ ،‬كام أنها‬
‫ذكرت بعض املناصب الوظيفية عىل أنها مناصب جديدة‪ ،‬لكنها كانت قدمية مثل وظيفة كاتب العدل(‪.)0‬‬
‫تم تقسيم سجل التكرميات إىل عدة أقسام كان اهمها‪ :‬سجل التكرميات يف الجانب الرشقي‪ ،‬ومثيله يف‬
‫‪.‬‬
‫الجانب الغريب‪ ،‬وقسم ثالث عن القسطنطينية‪ ،‬وقسم رابع عن الواليات االمرباطورية‬
‫الكتابات العسكرية‪:‬‬
‫شهد تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية الكثري من الحروب التي ال حرص لها عىل كافة الجبهات‪ ،‬وتوالت عليها‬
‫الكثري من األمم والقبائل املجاورة التي استمرت ملا يقرب من أحد عرش قرنا من الزمان‪ ،‬بداية بالفرس‬
‫واآلفار والجرمان‪ ،‬ونهاية بالبنادقة والعثامنيني‪ ،‬وتعترب األطروحة العسكرية مجهولة املؤلف التي يرجع تاريخ‬
‫كتابتها اىل القرن الرابع امليالدي من أوىل الكتابات العسكرية يف ذلك الشأن‪ ،‬وهي أطروحة يف علوم وفنون‬
‫حرب املناوشات‪ ،‬واالسرتاتيجيات والتكتيكات العسكرية‪ ،‬ومن سياق األطروحة‪ ،‬فان كاتبها لديه دراية كافية‬
‫بالحروب‪ ،‬وقد يكون أحد القادة العسكريني(‪ )2‬الذين شاركوا االحتكاكات العسكرية البيزنطية مع أعدائها‬

‫(‪ )1‬زايد ‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 790‬‬


‫(‪ )2‬عازر‪ ،‬المسكوكات المحلية لمدن شرقي نهر األردن‪ ،‬ص ‪. 07 ،10‬‬
‫(‪ )3‬النعيمات ‪ ،‬سالمة ‪" ،‬تجارة اللبان والبخور عبر موانئ شبه الجزيرة العربية قبل اإلسالم"‪ ،‬المنارة‪ ،‬المجلد‬
‫‪،1‬العدد ‪1666 ،7‬م‪ ،‬ص‪ ،360‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬النعيمات‪ ،‬تجارة اللبان ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زايد ‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬

‫‪31‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وتنقسم األطروحة إىل أربعة أقسام ‪:‬‬
‫القسم األول مقدمة تحتوي عىل تعريف ألصول الحكم وأقسامه‪ ،‬وأسباب وجود الطبقات املختلفة داخل‬
‫الدولة‪ ،‬ثم ينتقل اىل املوظفني‪ ،‬بعدها يعرف االسرتاتيجية‪.‬‬
‫القسم الثاين يتحدث عن اسرتاتيجية الدفاع‪ ،‬واملؤهالت املطلوبة يف الحراس املوكلني بالدفاع عن الحدود‪،‬‬
‫والوسائل الدفاعية مثل نظام اإلنذار املبكر بواسطة إشعال النريان‪ ،‬وإدارة تلك املنظومة‪ ،‬ثم يتناول‬
‫التحصينات وبناء املدن الحدودية‪.‬‬
‫القسم الثالث يتحدث عن اسرتاتيجية الهجوم‪ ،‬وتشمل التكتيكات التي تتكون من أربعة أشياء‪ :‬تنظيم‬
‫الجنود‪ ،‬وتوزيع االسلحة عليهم‪ ،‬وتحرك الجيش‪ ،‬وإدارة املعركة‪ ،‬بعدها تنتقل األطروحة إىل تعريف الكتيبة‬
‫وأقسامها‪.‬‬
‫القسم الرابع ويشتمل عىل كيفية حامية القوات ما بعد املعركة‪ ،‬وتجنبها التعرض لألرس‪ ،‬واملعارك الليلية‪،‬‬
‫والكامئن‪ ،‬والهاربون‪ ،‬والجواسيس واملبعوثون‪ ،‬والرماية‪ ،‬والتدريب عىل قذف النار بشكل دقيق ورسيع‪.‬‬
‫الكتابات العلمية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الهندسة والعامرة‪:‬‬
‫كان املعامريون يف العرص البيزنطي عادة من أشهر رجال الدولة‪ ،‬ويتمتعون باملكانة االجتامعية والتعليمية‪،‬‬
‫وكان لديهم معرفة بعلوم الرياضيات والهندسة والفلك والفيزياء‪ ،‬وعرف املعامري حتى القرن السادس‬
‫باسم " السيد املشيد " بعدها عرف باسم " الباين أو املشيد " أو " مقدم السادة "‪ ،‬وكان امونيوس السكندري‬
‫من أوائل علامء الهندسة يف العرص البيزنطي الباكر‪ ،‬ولد يف اإلسكندرية يف أواخر القرن الخامس امليالدي ‪،‬‬
‫وتويف عام ‪ 171‬م ‪ ،‬تعلم الفلسفة يف أثينا‪ ،‬وعىل الرغم من عمله أستاذاً للفلسفة ‪ ،‬إال أنه كان لديه دراية‬
‫وباعا كبريا يف علم الهندسة ‪.‬وكان املعامري واملهندس انثيميوس الرتايل من أشهر املعامريني يف العرص‬
‫البيزنطي ‪ ،‬اذ ارتبط أسمه بإعادة تشييده لكنيسة الحكمة املقدسة بالقسطنطينية يف ديسمرب عام ‪ 101‬م‪،‬‬
‫بعد احرتاقها جراء ثورة النرص عام ‪ 100‬م‪ ،‬وقد ولد انثيميوس يف تراليس مبنطقة ليديا باسيا الصغرى ‪ ،‬وتويف‬
‫‪.‬‬
‫بالقسطنطينية قبل عام ‪ 112‬م‬
‫الهندسة والفلك‪:‬‬
‫الصنائع البيزنطية ظلت اإلمرباطورية البيزنطية خالل القرون الوسطى بأرسها تنشئ كنائس وقصوراً وتزينها‬
‫‪.‬‬
‫فكان املتفننون بالصناعات كثرياً عددهم والسيام يف بالط بيزنطة ويف األديار بني الكهنة والقسيسني‬
‫وأعظم الصناعات البيزنطية الهندسة وأهم مصانعها كنيسة آيا صوفيا يف القسطنطينية أنشئت عىل عهد‬
‫يوستينيانوس وحافظ عليها العثامنيون فحولوها جامعا وتتألف الكنيسة البيزنطية من قبة كبرية وسطى‬
‫فيها قباب صغرى يدخل منها النور ويحيط بالقبة الكربى عدة قباب أو نصف أقباب صغرية وجميع هذه‬
‫القباب مذهبة من الخارج تتألق أنوارها إىل بعيد ويف الداخل ترى السواري من الرخام الثمني كاليصب‬
‫والسامقي وكلها ذات خطوط حمر وخرض وأرضها مبلطة بالفسيفساء املتألقة والحوائط مزدانة بصور مرصعة‬
‫من ذهب‪ ،‬يريدون من هذا التفنن إظهار الغنى‪ .‬وغدت هذه الكنائس ذات القباب املستديرة واملذهبة‬
‫أمنوذجا للمهندسني منذ القرن السادس إىل القرن الحادي عرش ال يف اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬بل عند جميع‬
‫الربابرة املسيحيني يف الرشق‪ .‬وبقيت هذه البيع يف الرشق مثال الهندسة النرصانية وجامع الكنائس الروسية‬
‫‪.‬‬
‫كنائس بيزنطة‬

‫‪35‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وما النقش والتصوير عىل ما كان قدميا يف مرص وآشور سوى صناعات ثانوية من شأنها تزيني أعامل الهندسة‬
‫ومتثل صور الجدران صفوفا طويلة من القديسني أو احتفاالت كهنوتية واألشخاص منفصلة عن التهذيب‬
‫فيها جفاء وهي عىل نسق واحد وعيونها واسعة األحداق وأجسامها مقرنة ال معنى لها وال حياة فيها وكذلك‬
‫متاثيل القديسني ينتقد عليها ما ينتقد عىل صور األشخاص وقد انقطع أرباب الصنائع عن صنع النقوش‬
‫والتصوير والطبيعة واكتفوا بنقل منوذجات مقررة مبتعدين عن الحقيقة كلام أكرث النقل واالحتذاء‪ .‬حفظت‬
‫يف اململكة البيزنطية أيضاً جميع أعامل الزينة كالنقش عىل الخشب أو العاج وصناعة الحل والزمرد‬
‫وتذهيب املخطوطات‪ .‬ودام أرباب الصناعة من البيزنطيني مدة خمسة قرون من القرن السادس إىل القرن‬
‫الحادي عرش مستأثرين بصنع ما يحتاجه امللوك(‪.)7‬‬
‫كان األسقف والطبيب واملعلم جريجوري خيونياديس من أشهر الفلكيني يف التاريخ البيزنطي‪ ،‬ولد يف‬
‫القسطنطينية (‪ 7016 – 7026‬م ) ‪ ،‬وانتقل إىل طرابيزون‪ ،‬ويف عام ‪7076‬م سافر إىل بالط ايلخانات املغول‬
‫يف تربيز ببالد فارس ‪ ،‬وهناكك بدا يف دراسة علم الفلك عىل يد شمس البخاري‪ ،‬ومل يعد خيونياديس اىل‬
‫طرابيزون اال عام ‪ 7067‬م ‪ ،‬ولكنه عاد مرة أخرى إىل تربيز ليتم تعيينه خيونياديس إىل طرابيزون إال عام‬
‫‪ 7067‬م‪ ،‬ولكنه عاد مرة أخرى إىل تربيز ليتم تعيينه اسقفا للمدينة عام ‪ 7061‬م‪ ،‬وظل هناك خمس‬
‫سنوات‪ ،‬حيث عاد إىل طرابيزون مرة أخرى؛ فدخل الدير حتى وفاته عام ‪ 7006‬م(‪.)0‬‬
‫قام جريجوري برتجمة الكثري مام تعلمه عن علم الفلك(‪ .)0‬من اللغة الفارسية اىل اليونانية‪ ،‬وضمن كل تلك‬
‫الرتجامت يف كتابه عن " الفلك " الذي قسمه اىل اثنا عرش قسام(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬سالم‪ ،‬أدور اللوس‪ .‬خصائص االشكال الفنية في الرسوم االيقونية البيزنطية‪ .‬مجلة االكاديمي ‪ ،1670، 97‬ج‬
‫‪ ،116‬وسيشار إليه الحقا ً‪ :‬سالم‪ ،‬خصائص األشكال ‪.‬‬
‫(‪. 78. ، p 76 ،Op. Cit. ،Simeonova )2‬‬
‫(‪ )3‬زايد‪ ،‬مصادر التاريخ البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 147‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬

‫‪41‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬بالد الشام يف العهد البيزنطي منذ القرن الرابع إىل منتصف القرن‬
‫السابع امليالدي‬

‫األهمية اإلسرتاتيجية لبالد الشام (‪ )7‬يف العرص البيزنطي‪:‬‬


‫أ‪ -‬التسمية‪:‬‬
‫الشام‪ :‬اسم بالد تذكر وتؤنث (‪ ،)0‬مهموز األلف وال يهمز‪ ،‬وقيل سميت الشام بسام بن نوح ذلك أنه أول‬
‫من سكنها؛ فجعلت السني شيئاً لتغري اللفظ االعجمي‪ ،‬وكانت العرب تقول‪ :‬من خرج من الشام نقص عمره‬
‫وقتله نعيم الشام‪.‬‬
‫يقول ابن شداد (ت ‪ 022‬هـ) فيام يرويه عن أيب الحسن احمد بن فارس صاحب كتاب االشتقاق حول‬
‫تسمية " الشام " ما الشام فهو فعل من اليد الشومى وهي اليرسى‪ ،‬يقال‪ :‬اخذ شامة اي عىل يساره‪ ،‬وشامت‬
‫القوم ذهبت عىل شاملهم "(‪.)0‬‬
‫الشأن والشام‪ :‬هو االسم الذي أطلقه الجغرافيون العرب واملسلمون عىل املنطقة التي يحدها بحر الروم‬
‫من الغرب‪ ،‬والبادية املمتدة من آيلة (العقبة) يف الجنوب اىل الفرات يف (‪ )2‬الرشق‪ ،‬ثم من الفرات اىل حد‬
‫الروم وشامليها بالد الروم وجنوبيها حد مرص وتيه بني ارسائيل‪ ،‬وآخر حدودها مام يل مرص رفح ومام يل‬
‫الروم الثغور(‪.)1‬‬
‫أن أغلب املؤرخني والجغرافيني وعلامء اللغة الذين تناولوا سبب تسمية الشام بهذا االسم هو‪ :‬لوقوعها اىل‬
‫جهة الشامل من الكعبة املرشفة‪ ،‬وهذا هو الراي الراجح يف سبب التسمية(‪.)0‬‬

‫(‪ )7‬تسمية بالد الشام التي أطلقت على القسم األكبر من شمالي شبه الجزيرة العربية‪ ،‬إنما كانت تعني الشمال في‬
‫لفظ العرب‪ ،‬وكانت لفظة اليمن تعني الجنوب‪ ،‬ويطلق اسم الشامة في الوقت الحاضر على الحدود الشمالية‬
‫للسعودية المحاذية لألردن‪ ،‬ومما تقدم يبدو أن لفظة الشام واليمن كذلك لم تكن قبل اإلسالم داللة على تسمية‬
‫لرقعة جغرافية محددة‪ ،‬إنما كانت تمتد لتشتمل على مساحات غير محددة تقع على شمال أو يمين الكعبة أو‬
‫الحجاز عموما‪ ،‬وهذا ما تشير إليه تسمية القسم الشمالي من الدار في بعض مناطق الجزيرة بـ‪،‬شام الدار‪،‬‬
‫انظر ‪ :‬العمروي‪ ،‬عمر غرامة‪ ،‬بالد رجال الحجر‪ ،‬الرياض‪7399،‬هـ‪،‬ص‪ ،719‬وسيشار إليه الحقاً‪:‬‬
‫العمروي‪ ،‬بالد رجال الحجر ‪.‬‬
‫(‪)2‬المقدسي ‪ ،‬شهاب الدين أبو محمود ابن تميم(ت‪101‬هـ‪7303،‬م)‪ ،‬مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام ‪،‬‬
‫تحقيق أحمد الخطيمي ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الجيل بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص ‪ ، 91‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ ،‬ابن تميم ‪ ،‬مثير‬
‫الغرام ‪ ،‬جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ 79 ،‬ج ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص‪ ،041،049،‬وسيشار له فيما بعد هكذا ‪ ،‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن شداد " عز الدين أبو عبد هللا بن علي بن إبراهيم الحلبي( ت ‪ 094‬هـ) " ‪ ،‬األعالق الخطيرة في ذكر‬
‫أمراء الشام والجزيرة ‪ ،‬تحقيق د ‪ .‬سامي الدهان ‪ ،‬دمشق ‪ 7901‬م‪ ،‬ص ‪ ، 766 – 99‬وسيشار إليه الحقاً‪:‬‬
‫ابن شداد‪ ،‬األعالق الخطيرة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عطا‪ ،‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية في بالد الشام في العصر البيزنطي القرن السادس الميالدي ‪ ،‬دار أمين‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط(‪7994 )4‬م‪ ،‬ص ‪ ، 4‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪.‬‬
‫(‪)5‬البحيري ‪ ،‬صالح الدين ‪ ،‬االردن ‪ ،‬دراسة جغرافية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬لجنة تاريخ االردن ‪ ،‬عمان ‪ . 7994 ،‬ص ‪،11‬‬
‫وسيشار إليه الحقاً‪ :‬البحير‪ ،‬دراسة جغرافية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 1‬‬

‫‪41‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ب‪ -‬املوقع‪:‬‬
‫متثل بالد الشام أهم اجزاء القسم الغريب من قارة أسيا‪ ،‬وهي تؤلف ثلثي مساحة منطقة الهالل الخصيب –‬
‫الجزئيني االوسط والغريب التي تتكون من كل من (االردن‪ ،‬لبنان‪ ،‬سوريا‪ ،‬فلسطني) الذي تحيط ذراعاه‬
‫مبنطقة صحراوية شاسعة يف الجنوب والجنوب الرشقي من بالد الشام – وهي ما يسمى االن بادية بالد‬
‫الشام – ويستند ظهره اىل سالسل جبلية مرتفعة يف الشامل (جبال طوروس)(‪.)7‬‬
‫بالد الشام هي‪ :‬رقعة االرض املمتدة من جبال طوروس عىل حدود آسيا الصغرى شامالً إىل صحراء سيناء‬
‫ومشارف الرشاة جنوبا‪ ،‬ومن البحر املتوسط غربا اىل بادية الشام رشقا‪ ،‬وهذه الرقعة تتباين سطحا‪ ،‬وتختلف‬
‫مناخا‪ ،‬وتتنوع حياتها(‪.)0‬‬
‫وبالد الشام هي املنطقة الواقعة عىل الحدود الشاملية لشبه جزيرة العرب حسبام يراه (ابن الفقيه‬
‫الهمذاين)(‪ )0‬ومتتد من مجرى نهر الفرات األسفل يف الشامل الرشقي إىل شواطئ فلسطني عىل ساحل البحر‬
‫املتوسط يف الشامل الغريب‪ ،‬يف حني أن (الهمداين)(‪ )2‬يرى أن الحدود الشاملية لجزيرة العرب تشتمل عىل‬
‫(‪)1‬‬
‫شبه جزيرة سيناء وفلسطني والجزء األكرب من سورية وبادية العراق‪ ،‬ويؤكد املسترشق الرويس (بلياييف)‬
‫يف أن بادية الشام كانت جزءا من شبه الجزيرة العربية‪ ،‬وأن الحدود السياسية بني اإلمرباطوريتني الساسانية‬
‫والبيزنطية‪ ،0‬يف القرنني الخامس والسادس امليالديني‪ ،‬كانت مرسومة عىل نحو يبقي بادية الشام يف حوزة‬
‫سكانها األصليني‪ ،‬وهذا ما تؤيده التسمية التي أطلقها العرب عىل بالدهم (جزيرة العرب)؛ ألن املاء محيط‬
‫بها من جميع الجهات‪ ،‬وهي بذلك ضمت معظم بالد الشام كام ضمت جزء من أرايض العراق مام يقع‬
‫غرب نهر الفرات(‪.)1‬‬
‫تعد بالد الشام نقطة وصل بني شبه الجزيرة العربية يف الجنوب‪ ،‬وبالد األناضول يف الشامل‪ ،‬وبني العراق وبالد‬
‫فارس يف الرشق ‪ ،‬والسواحل الرشقية للبحر املتوسط يف الغرب‪ ،‬كام يعد الجزء الجنويب الغريب منها معربا برياً‬
‫وحيداً إىل مرص وشامل افريقيا عرب شبه جزيرة سيناء للقادم من منطقة غرب آسيا ‪ ،‬وكذلك األمر للقادم من‬
‫مرص وشامل افريقيا ‪ ،‬فهي تقع بني قارات العامل القديم الثالث ( آسيا وافريقيا وأوروبا ) وحلقة الوصل بينها‪،‬‬
‫كام كانت محل أطامع املاملك القوية التي قامت يف املناطق املجاورة لبالد الشام والتي كانت تسعى لبسط‬
‫نفوذها عليها‪ ،‬يف محاولة منها الستغالل ثرواتها الطبيعية من معادن وأخشاب ومحاصيل زراعية‪ ،‬وماشية‬
‫وغريها(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬البحير ‪ ،‬األردن ‪ ،‬دراسة جغرافية ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬


‫(‪ )2‬ابن الفقيه ‪ ،‬أبو بكر محمد بن إبراهيم‪(،‬ت‪196‬هـ)‪،‬مختصر كتاب البلدان‪ ،‬تحقيق‪ :‬دي غويه‪ ،‬مطبعة بريل‪،‬‬
‫ليدن‪7991،‬م‪،‬ص ص‪ ،30،39‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن الفقيه‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬المختصر‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن الفقيه‪ ،‬مختصر كتاب البلدان‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )4‬الحسن بن أحمد بن إبراهيم‪(،‬ت‪316،306‬هـ)‪،‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن علي األكوع‪ ،‬دار الشؤون‬
‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد ‪7999،‬م‪ ،‬ص‪ ،94،91‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الحسن‪ ،‬صفة جزيرة العرب‪.‬‬
‫(‪ )5‬فريحة ‪ ،‬أنيس ‪ ،‬العرب واإلسالم والخالفة العربية في القرون الوسطى‪ ،‬بيروت ‪7913،‬م‪،‬ص‪ ،11‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬فريحة‪ ،‬العرب واإلسالم ‪.‬‬
‫(‪ )1‬نظر ملحق رقم (‪)7‬‬
‫(‪ )1‬ابن تميم ‪ :‬شهاب الدين أبو محمود ‪(،‬ت ‪ 101‬هـ ‪ 7303 ،‬م)‪ ،‬مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام ‪ ،‬تحقيق‬
‫أحمد الخطيمي ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الجيل بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ، .‬ص ‪ ،9‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن تميم‪ ،‬مثير الغرام‪.‬‬
‫(‪ )1‬حلمي ‪ :‬الشرق العربي ‪ ،‬ص ‪ ، 733‬فتحي عثمان‪ ،‬الحدود اإلسالمية البيزنطية‪ ،‬ج ‪ ، 7‬الدار القومية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬وسيشار اليه عثمان ‪ ،‬الحدود االسالمية ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬

‫‪42‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وتبلغ املساحة اإلجاملية لبالد الشام حوايل ( ‪ 061702‬كم )‪ ،‬وقد اختلف املؤرخون والجغرافيون يف تحديد‬
‫أبعادها‪ ،‬ووحدة املسافة التي استخدموها يف قياساتهم؛ فمنهم من جعل وحدة املسافة اليوم أو املرحلة أو‬
‫الفرسخ‪ ،‬وقد قدرت أبعاد بالد الشام انطالقاً من مدين شعيب إىل الثغور الشاملية مبسرية ( ‪ ) 07‬يوماً أما‬
‫ابن حوقل فقد قدر طولها من حد ملطية إىل رفح ب( ‪ )01‬مرحلة‪ ،‬أما عرضها فهو من جرس منبج اىل‬
‫طرطوس ( ‪ ) 76‬مراحل‪ ،‬ومن بالس إىل أنطاكية ثم إىل االسكندرونة ثم طرطوس ( ‪ ) 76‬مراحل أيضاً ‪ ،‬ويف‬
‫الجزء الجنويب منها يقل العرض اىل ( ‪ ) 0‬مراحل للمنطقة من يافا اىل معان‪.‬‬
‫وفيام يخص حدود بالد الشام كام وردت يف الدراسات البيزنطية الحديثة‪ ،‬فقد أدت الرصاعات التي كانت‬
‫تنشب من حني ألخر بني الدول املسيطرة عىل أجزاء من بالد الشام بعضها مع بعض‪ ،‬أو بني القبائل العربية‬
‫يف بالد الشام إىل صعوبة بيان حدودها الجغرافية بشكل دقيق ‪ ،‬ومرد ذلك إىل الحروب التي كانت شبه‬
‫مستمرة بني اكرب قوتني يف املنطقة يف ذلك الوقت (البيزنطيني يف الغرب والفرس يف الرشق)(‪ ،)7‬وكانت بالد‬
‫الشام يف أغلب األوقات ساحة للرصاع بني القوتني‪ ،‬وكل من نتائج الحروب أن تخضع بالد الشام إلحدى‬
‫الدولتني‪ ،‬إال أنها يف الغالب كانت تخضع للدولة البيزنطية مام يؤثر عىل املساحة والحدود ضيقاً أو اتساعاً(‪.)0‬‬
‫وبالرغم من التشابه لبالد الشام بني املؤرخني والجغرافيني العرب والبيزنطيني فقد كان هناك اختالف يف‬
‫التسميات بني الطرفني‪ ،‬فقد أطلق البعض عليها اسم سوريا وهو اسم يوناين االصل‪ ،‬والبعض اسامها العربية‬
‫أو الشام أو الشامل‪ ،‬أو املقاطعة الرومانية‪.‬‬
‫وحدد البعض اآلخر بالد الشام من خالل حديثه عن اهمية موقعها من الناحية اإلسرتاتيجية "؛ فهي تقع‬
‫بني قارتني هام آسيا وافريقيا وبني منطقتني من مناطق االستيطان البرشي األول‪ ،‬هام (وادي الفرات يف‬
‫الرشق ووادي النيل يف الغرب)‪ ،‬وتعترب أيضاً مبثابة جرس يربط بني آسيا وافريقيا‪ ،‬أحد طرفيه يف الصحراء‬
‫والطرف اآلخر عىل البحر‪ ،‬كام تعد ملجأ للموجات البرشية املهاجرة من شبه الجزيرة العربية‪ ،‬ومعربا‬
‫‪.‬‬
‫للتواصل بني الحضارات املحيطة بها‪ ،‬وساحة للمعارك بني الدول الطامعة بها‬
‫أوضاع بالد الشام خالل العهد البيزنطي الدالالت الجغرافية والتاريخية‪:‬‬
‫أحكم العرب سيطرتهم عىل سوريا وبالد الشام‪ ،‬وأرسلوا غزوات متواصلة يف عمق األناضول‪ ،‬وفرضوا الحصار‬
‫عىل القسطنطينية نفسها بني( ‪012-012‬م) صد البيزنطيون أخرياً األسطول العريب باستخدام النار اليونانية‪،‬‬
‫ووقعت هدنة لثالثني عاماً بني اإلمرباطورية والخالفة األموية‪ .‬استمرت الغارات يف األناضول بال هوادة مام أدى‬
‫إىل تراجع الثقافة الحرضية الكالسيكية حيث انسحب سكان العديد من املدن إىل أماكن أصغر محصنة ضمن‬
‫أسوار املدينة القدمية أو انتقلوا( إىل الحصون املجاورة‪ ،‬كام تراجعت القسطنطينية بشكل كبري من نحو نصف‬
‫مليون ساكن إىل ‪ )16,666-26,666‬فقط‪ ،‬كام فقدت املدينة شحنات الحبوب املجانية يف(‪072‬م) بعد أن فقدت‬
‫مرص لصالح اإلمرباطورية الساسانية (واستعادتها عام ‪ ،007‬لكنها خرستها لصالح العرب يف ‪ )020‬شغل الفراغ‬
‫الذي تركه اختفاء املؤسسات املدنية شبه ذاتية الحكم نظام الثيامت والذي انطوى عىل تقسيم األناضول إىل‬
‫"مقاطعات" تحتلها جيوش معينة تتوىل السلطة املدنية وتتبع مبارشة لإلدارة اإلمرباطورية‪ .‬قد يكون لهذا النظام‬
‫جذوره يف بعض التدابري التي اتخذها هرقل‪ ،‬ولكن عىل مدار القرن السابع تطور إىل نظام جديد متاماً من الحكم‬
‫اإلمرباطوري(‪. )0‬‬

‫(‪ )1‬محروس‪ ،‬إسماعيل حلمي‪ ،‬الشرق العربي القديم وحضارته ‪ ،‬د ط ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬االسكندرية ‪،‬‬
‫مصر ‪ . 7991 ،‬ص ‪ ،01‬وسيشار اليه الحقا ‪ ،‬محروس‪ ،‬الشرق العربي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫(‪ )3‬زياده ‪ ،‬التطور اإلداري ‪ ،‬ص‪.91.‬‬

‫‪43‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫التقسيامت اإلدارية لبالد الشام يف العهد البيزنطي‪:‬‬
‫جرى تحول كبري من الغرب إىل الرشق‪ ،‬وتزايدت أهمية القسم الرشقي من اإلمرباطورية من الناحية البرشية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪ ،‬حني غدت سورية تابعة لهذه اإلمرباطورية البيزنطة وقد قسمت إدارياً إىل ثالث‬
‫مقاطعات هي‪ :‬سورية وفينيقية وفلسطني‪ .‬وقسمت مقاطعة سورية بدورها إىل‪ :‬سورية األوىل وعاصمتها‬
‫أنطاكية وأشهر مدنها‪ ،‬سلوقية والالذقية وجبلة وحلب )‪.(7‬وكانت عاصمة سورية الثانية أفاميا وأشهر مدنها‬
‫إبيفانيا‪/‬حامة(‪ )0‬وأرتيوسة‪/‬الرسنت(‪ )0‬والريسا‪/‬شيزر(‪.)2‬‬

‫كام قسمت مقاطعة فينيقية إىل جزئني‪ :‬فينيقية األوىل وعاصمتها صور وأشهر مدنها عكا وصيدا وبريوت‬
‫وجبيل‪ ،‬أما فينيقية الثانية (فينيقية املجاورة للبنان)؛ فكانت عاصمتها حمص وأشهر مدنها دمشق وبعلبك‬
‫)‪(1‬‬
‫وتدمر‪.‬‬

‫وقسمت مقاطعة فلسطني إىل ثالثة أقسام‪ :‬األوىل وهي الوسطى الساحلية وعصمتها قيسارية وأشهر مدنها‪:‬‬
‫بيت املقدس ونابلس ويافا وغزة(‪ )0‬وعسقالن‪ ،‬والثانية وهي الشاملية الساحلية ومركزها‬
‫سكيتوبوليس‪/‬بيسان‪ ،‬وأشهر مدنها‪ :‬طربية وجدارة‪/‬أم قيس‪ ،‬والثالثة وهي الجنوبية الرشقية وعاصمتها‬
‫البرتاء‪ .‬وضمت هذه كل مواقع الوالية العربية التي تأسست بقضاء الرومان عىل مملكة‬
‫(‪)1‬‬
‫األنباط وجعلت برصي عاصمتها‪.‬‬

‫تابعت سورية دورها الصناعي والتجاري الرائد‪ .‬واستطاعت بنشاطات أبنائها أن تنرش مؤثراتها الحضارية يف‬
‫أنحاء اإلمرباطورية‪ .‬وحافظت أنطاكية عىل مستواها الفكري‪ ،‬املتميز وأنجبت واحتوت عدداً من املفكرين‬
‫الوثنيني واملسحيني‪ ،‬وازدهرت يف فلسطني كل من قيسارية وغزة‪ .‬ونافست بريوت العاصمة يف املجال الفكري‬
‫وكان النتشار امل سيحية يف سورية وبالد رشق البحر املتوسط‪ ،‬أثر كبري يف تطور العامل املسيحي يف اتجاهني‪:‬‬
‫إغريقي يف املدن الساحلية‪ ،‬ورسياين يف الداخل‪ .‬ويف القرنني الثاين والثالث امليالديني‪ ،‬بدأ تحول جديد إىل‬
‫اآلرامية األصلية‪ ،‬التي تعترب الكتابة الرسيانية فرعاً رئيساً منها‪ .‬وقد عرب هذا التحول عن يقظة جديدة ووعي‬
‫(‪)2‬‬
‫قومي بني السوريني ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن الشحنة ‪ :‬أبو الفضل محمد ‪ ،‬الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫سورية ‪. 7994 ،‬ص ‪ ،11‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن الشحنة‪ ،‬الدر المنتخب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حماة ‪ :‬مدينة في بالد الشام قرب نهر العاصي قرب مدينة الرستن وحمص ‪ ،‬انظر الحموي ‪ ،‬البلدان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫‪. 04‬‬
‫(‪ )3‬الرستن ‪ :‬بلدة تقع بين حماة وحمص فيها آثار قديمة‪ ،‬تطل على نهر العاصي‪ ،‬الحموي‪ ،‬البلدان‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص‬
‫‪.43‬‬
‫(‪ )4‬زياده‪ ،‬التطور اإلداري لبالد الشام ‪ ،‬ص ‪91‬‬
‫(‪ )5‬زبيدة ‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫(‪ )1‬غزة مدينة تقع في نواحي فلسطين من ناحية مصر‪ ،‬وعلى مقربة منها عسقالن من الشمال وبينهما فرسخان‪،‬‬
‫الحموي‪ ،‬البلدان‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 161‬‬
‫(‪ )1‬زياده‪ ،‬التطور اإلداري لبالد الشام‪ ،‬ص ‪91‬‬
‫(‪)1‬رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬المجتمع البيزنطي‪ ،‬ص ‪. 31 ،34‬‬

‫‪44‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وتأثرت اإلدارة البيزنطية بحراك القبائل العربية املتنازعة فيام بينها(‪ ،)7‬التي ستوحدها دعوة النبي محمد‬
‫(ص) يف فرتة بلغ فيها استياء الجميع درجة‪ ،‬جعلت املواطنني يعتربون أعامل الساسانيني والبيزنطيني مبثابة‬
‫(‪)0‬‬
‫أعامل قطاع طرق‪ .‬فوجد السوريون يف قوة أبناء عروبتهم يف شبه الجزيرة العربية خالصاً لهم ‪.‬‬

‫فتح انسحاب أعداد كبرية من الجنود من البلقان لقتال الفرس ومن ثم العرب يف الرشق الباب أمام توسع‬
‫الشعوب السالفية جنوباً يف شبه الجزيرة‪ ،‬وكام هو الحال يف األناضول‪ ،‬انكمشت العديد من املدن إىل‬
‫مستوطنات محصنة صغرية يف عقد ‪ ،016‬تقدم البلغار إىل الجنوب من نهر الدانوب مع وصول أفواج الخزر‪،‬‬
‫وأرسلت القوات البيزنطية عام ‪ 026‬لتفريق هذه املستوطنات الجديدة لكنها هزمت يف العام التايل‪ ،‬وقع‬
‫قسطنطني الرابع عىل معاهدة مع أسباروخ الخان البلغاري وضمت الدولة البلغارية الجديدة السيادة عىل‬
‫عدد من القبائل السالفية التي كانت يف السابق عىل األقل اسمياً تعرتف بالحكم البيزنطي يف ‪022-021‬م‪،‬‬
‫قاد اإلمرباطور جستنيان الثاين رحلة استكشافية ضد السالف والبلغار وحقق مكاسب كبرية عىل الرغم من‬
‫(‪)0‬‬
‫أن اضطراره للقتال وشق طريقه يف تراقيا ومقدونيا يدل عىل مدى تراجع القوة البيزنطية يف شامل البلقان‪.‬‬
‫التفت جستنيان الثاين آخر األباطرة الهرقليني إىل رضورة كرس قوة الطبقة األرستقراطية يف املناطق الحرضية‬
‫من خالل فرض الرضائب الشديدة وتعيني "الغرباء" يف وظائف إدارية‪ .‬خلع من السلطة يف عام ‪،071‬‬
‫واحتمى بداية لدى الخزر ومن ثم لدى البلغار‪ .‬يف ‪ ،161‬عاد إىل القسطنطينية بجيوش الخان البلغاري ترفل‬
‫حيث استعاد العرش‪ ،‬وفرض حقبة من اإلرهاب ضد أعدائه‪ .‬مع اإلطاحة النهائية به يف ‪ ،177‬بدعم من‬
‫الطبقة األرستقراطية انتهت الساللة الهرقلية(‪.)2‬‬
‫ونذكر من الوحدات اإلدارية التي جرى تقسيمها يف الدولة البيزنطية‪ ،‬حيث تم تقسيم بالد الشام إىل أربع‬
‫واليات هي‪:‬‬
‫أنطاكية‪ :‬وكانت متتد من ساحل البحر املتوسط غربا إىل مشارف نهر الفرات رشقا‪ ،‬وكانت كل من (بيوريه ‪/‬‬
‫حلب) و (خلقيس ‪ /‬قنرسين) تابعة لها‪.‬‬
‫افامية‪ :‬وكانت تشمل الرقعة الواقعة إىل الجنوب من والية أنطاكية والتي كانت متتد جنوبا إىل مشارف‬
‫البقاع‪ ،‬أما رشقا فلم يكن لها حد معني‪ ،‬وكانت املدن أو املعسكرات التابعة لها هي (قلعة شيزر أو زنجار‪،‬‬
‫كاسينا‪ ،‬مغارة املعرة‪( ،‬ابولينا ‪ /‬الرسنت الحالية)‪.‬‬
‫والية كوستيا‪.‬‬
‫والية خلديسية يف أقىص شامل بالد الشام‪.‬‬

‫(‪ )1‬دسوقي ‪ :‬محمد عزت ‪ ،‬القبائل العربية في بالد الشام ‪ ،‬د ط ‪ ،‬مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪. 7999 ،‬ص ‪ ،39‬دسوقي‪ ،‬القبائل العربية ‪.‬‬
‫(‪69. ، p 51 ، Op. Cit. ،Simeonova )2‬‬

‫(‪ )3‬اإلدريسي ‪ :‬محمد بن محمد بن عبد هللا الحمودي‪ ،‬نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق ‪ ،‬مجلد ‪ ،1‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د ط ‪ ،‬د ت ‪ ،‬ص ‪ ،741‬وسيشار إليه الحقا ً‪ :‬اإلدريسي‪ ،‬نزهة المشتاق‪ ،‬و الشاعر ‪،‬‬
‫السياسة الشرقية لإلمبراطورية ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫(‪ )4‬العريني‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪45‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أما األجزاء الجنوبية من بالد الشام فكانت‪:‬‬
‫أ – فينيقيا (اسم أطلق عىل الرشيط الساحل الضيق عىل طول الساحل السوري الذي ميتد من مدينة (أرواد)‬
‫يف الشامل (‪.)7‬‬
‫ب – سورية املجوفة اىل الرشق من سورية األوىل‪.‬‬
‫ج – أدوم (وهي املنطقة الجنوبية من األردن حاليا)‪.‬‬
‫(‪)0‬‬
‫د – فلسطني‬
‫العالقات البيزنطية مع املاملك العربية‪:‬‬
‫أ‪ -‬األنباط ‪:‬‬
‫تتسم البرتاء بالحصانة ومناعة وكونها املدينة الوحيدة الواقعة بني األردن والحجاز التي كان يوجد بها مياه‬
‫غزيرة ونقية‪ ،‬كانت تحتل موقعاً مهامً عىل الخط التجاري الذي يصل بني جنوب شبه الجزيرة العربية‬
‫واملوانئ السورية(‪. )0‬‬
‫استمر الرصاع بني العرب اللحيائيني والبطاملة عىل هذا املنوال إىل أن متكن حلفاؤهم السلوقني (‪ 771‬ق‪ .‬م)‬
‫من اسرتداد سورية املجوفة من البطاملة‪ ،‬وهو الحدث الذي سمح لهم مبعاودة نشاطهم التجاري مع املراكز‬
‫التجارية السورية‪ ،‬التي كان البطاملة يقفون حائالً دون وصول قوافلهم اليها‪ ،‬وليس ذلك وحسب بل أدرك‬
‫االنباط ان استعادتهم املكانة التجارية التي كانت لهم قبل نشوب الرصاع بينهم والبطاملة يتطلب بسط‬
‫نفوذهم السيايس عىل هذه الطرق واملراكز التجارية(‪.)2‬‬
‫مل تتعرض موازين القوى يف سورية لالضطراب اال يف عام ‪ 16‬ق‪ .‬م وهو العام الذي شهد اضطرار االنباط‬
‫اىل االنسحاب من مدينة دمشق تحت ضغط قوات تغرانس ملك ارمينية‪ ،‬الذي كان قد أصبح عىل قدر كبري‬
‫من القوة‪ ،‬بعد نجاحه يف االستيالء عىل أعايل وادي الرافدين‪ ،‬وكافة بالد ما بني النهرين من الفرثيني‪ ،‬وضم‬
‫أنطاك ية وسورية الشاملية وكليكيه اىل امالكه‪ ،‬وقد بادرت الكساندرا إىل إرسال الهدايا إليه بصحبة سفراء‬
‫(‬
‫يتوسلون اليه اال يعامل واليتها بقسوة‪ ،‬فتقبل تغرانس ما اهدي اليه ووعد ان يكون باملنكة والشعب رفيقا‬
‫مل يدم بقاء ملك أرمينية يف دمشق طويالً‪ ،‬فام أن علم أن القائد الروماين لوكولوس بدأ بالزحف نحو‬
‫أرمينية (عام ‪ 07‬ق‪ .‬م) حتى سارع إىل االنسحاب من سورية باتجاه الشامل‪ ،‬ويبدو أن األنباط مل(‪ )1‬يقوموا‬
‫بأية محاولة الستعادة دمشق‪ ،‬فقد وقعت املدينة نهبا يف يد اليطوريني بقيادة امريهم بطليموس بن معن‪،‬‬
‫ومل تتمكن الحملة التي ارسلتها الكساندرا لحامية دمشق ومعاونة اهاليها عىل الصمود يف وجه البطوريني‬
‫‪.‬‬
‫من تحقيق أهدافها‬

‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬


‫(‪ )2‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫(‪ )3‬حتى ‪ ،‬تاريخ سورية ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪. 479‬‬
‫(‪ )4‬اإلدريسي ‪ ،‬نزهة المشتاق ‪ ،‬ص ‪ ،137‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬
‫(‪ )5‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪41‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫تعددت اآلراء حول األنباط يف تفسري الظروف التي مكنتهم من استعادة مدينة دمشق مرة أخرى‪ ،‬وهي‬
‫الحادثة التي اكدتها مقولة بولس يف رسالته اىل اهل كورنتس بان " الحاكم الذي اقامه امللك حارثة عىل‬
‫والية دمشق ‪ ،‬شدد الحراسة عىل مدينة دمشق رغبة يف القبض عل‪ ،‬ولكني تدليت(‪ ، )7‬يف سلة من نافذة‬
‫يف السور ‪ ،‬فنجوت من يده(‪،)0‬ونظرا الن حكم حارثة الرابع امتد اىل سنة ‪ 26‬ميالدية ‪ ،‬ال يوجد اختالف يذكر‬
‫بني املؤرخني عىل انه املقصود باإلشارة يف هذه الرواية‪ ،‬التي مل يكن من مهامها تحديد الظروف التي ساعدت‬
‫االنباط يف استعادة املدينة نفسها(‪. )0‬‬
‫يف حني يرى البعض أن دخول دمشق تحت السلطة النبطية كان مبوافقة الرومان‪ ،‬وأن اإلمرباطور جايوس‬
‫هو من قام بإرجاعها إليهم‪ ،‬وإال ملا توقفت مدينة دمشق عن إصدار النقد اإلمرباطوري مع بداية عهده(‪.)2‬‬
‫كان عام ‪ 02‬م بداية لتوقف مدينة دمشق عن إصدار النقود الرومانية االمرباطورية‪ ،‬وذلك يناقض قولهم‬
‫ان استيالء االنباط عىل املدينة كان يف حوايل ‪ 01‬ميالدية(‪ ، )1‬وأن قول بولس يف النسخة الربوتستانتية أن‬
‫امللك حارثة أقام هذا الحاكم عىل والية دمشق(‪ ،)0‬يؤكد قطعياً أن السلطات اإلدارية والسياسية كانت بيد‬
‫األنباط‪ ،‬وال سيام أن بولس نفسه كان ينتمي يف األصل إىل مدينة طرسوس كيليكة(‪.)1‬‬
‫ويرد يف كتاب دليل البحر االرتريي ما نصه " وإذا ما أبحر املرء انطالقا من شامل برينيك‪ ،‬وسافر يومني او‬
‫ثالثة ايام من ميوس خورمس باتجاه الرشق عرب الخليج املمتد فسيجد موضعاً أخراً للرسو يسمى لويك كومي‪،‬‬
‫تتجه(‪ )2‬منه طريق (برية) اىل البرتاء‪ ،‬اىل مالك ملك االنباط‪.‬‬
‫شهد عرص اإلمرباطور كالوديوس (‪ 12 – 27‬م) حركة استكشاف لنهر األردن‪ ،‬وحدود فلسطني وسورية‪،‬‬
‫وشامل شبه الجزيرة‪ ،‬والطرق التي كانت متر عربها اىل بالد ما بني النهرين‪ ،‬وأن الهدف من ذلك كان متهيدا‬
‫لضم بالد االنباط الذين يقفون حجرة عرثة امام طموح الرومان يف إكامل السيطرة املبارشة عىل البحر االحمر‪.‬‬
‫يعد اإلمرباطور تراجان (‪ 771 – 72‬م)‪ ،‬بأنه كان لتحقيق من أكرث األباطرة اهتامماً بالتجارة مع الرشق‪ ،‬مل‬
‫يرتدد يف استخدام القوة لتحقيق هذا الغاية‪ ،‬فقد اتجه تفكريه اىل غزو الدولة الفرثية ووضع يده عىل‬
‫طيسفون‪ 7‬حارضة ملوكها(‪.)76‬‬

‫(‪ )1‬محمد ‪ ،‬االنباط وعالقتهم باالمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬


‫(‪ )2‬الكتاب المقدس ‪ ،‬رسالة القديس بولس الثانية الى اهل كورنتس ‪ ،‬ط‪.‬ب‪، ،‬د‪.‬م‪ ، 7991 ،‬ف‪،77‬االية ‪31،33‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )3‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫(‪ )4‬احسان عباس ‪ ،‬تاريخ األنباط ‪ ،‬ص ‪. 00‬‬
‫(‪ )5‬جواد علي ‪ ،‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 41 – 44‬‬
‫(‪ )1‬الشيبة ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫(‪ )1‬الكتاب المقدس ‪ ،‬رسالة بولس الثانية الى اهل كورنتي ‪ ،‬ط‪.‬ب‪ ،‬ف ‪،77‬اية ‪ ، 31‬اعمال الرسل ‪ ،‬ف ‪ ،17‬اية‬
‫‪. 19‬‬
‫(‪ )1‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫‪ 5‬مدينة عراقية كانت عاصمة الساسانيين والفرثيين بنيت المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة قرب بلدة‬
‫المدائن‪/‬سلمان باك الحالية ما يقارب ال‪ 31‬كم جنوب شرق بغداد‪ .‬موقع قطيسفون قرب موقع مدينة‬
‫سلوقية األثرية التي بناها السلوقيون‪ ،‬باقر‪ ،‬طه ‪ ،‬مقدمة في تأريخ الحضارات القديمة‪ ،‬جـ‪ ،1‬الطبعة‬
‫الرابعة‪ ،‬بغداد ‪ ،7990‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )11‬الناصري ‪ ،‬الرومان والبحر االحمر ‪ ،‬ص ‪. 01‬‬

‫‪41‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ونظراً ألن األنباط مل يبدُ أية مقاومة عندما تعرضت سورية الرومانية للغزو الفريث عىل عهد امللك مالك‬
‫االول‪ ،‬فان جولة الرصاع األخرية التي أخذ تراجان يف اإلعداد لها‪ ،‬استلزمت عدم التغايض عن وجود دولة‬
‫مستقلة يشك يف(‪ )7‬والئها‪ ،‬فكان القرار بإنهاء استقالل الدولة النبطية قبل التحرك من سورية ملهاجنة الفرثيني‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن تراجان كان يعرف الرشق الروماين معرفة جيدة‪ ،‬وال سيام سورية التي كان والده قد‬
‫توىل حكمها بتفويض من االمرباطور قيسبنسيان‪ ،‬وال بد أن تراجان قد أدرك بوضوح أن املمكنة النبطية‬
‫كانت متثل القطعة النهائية‪ ،‬يف تأمني السيطرة التامة عىل سواحل البحر املتوسط والبحر األحمر ومام شجعه‬
‫عىل ذلك ان اململكة النبطية كانت متحرضة‪ ،‬ومساملة‪ ،‬وغالبية أهلها مرتفون وعىل رأسها ملك ضعيف(‪.)0‬‬
‫ب‪ -‬الحرية(‪: )0‬‬
‫ميكن تتبع خطوط العالقة البيزنطية مع مملكة الحرية من خالل االستشهاد بسفارة عمرو بن هند (ملك‬
‫الحرية) اىل بالط االمرباطور جستني الثاين حسب رواية املؤرخ البيزنطي منندار الذي يعد من مؤرخي القرن‬
‫السادس امليالدي‪ ،‬تناول تاريخه الفرتة املمتدة من تويل االمرباطور جستنيان وحتى عهد االمرباطور موريس‪،‬‬
‫الذي شجعه عىل كتابة التاريخ كام ذكر هو نفسه ذلك‪ ،‬و منندار من اهايل القسطنطينية‪ ،‬فيها عاش ودرس‬
‫القانون‪ ،‬مع العلم انه مل ميارسه مهنة لكنه وحسب ما ذكر عمل محاميا‪ ،‬اهتم بكتابة التاريخ‪ ،‬ويعد املؤرخ‬
‫الرئيس املكمل لتاريخ اجاثايس‪ ،‬ولقي تشجيعا من االمرباطور موريس‪ ،‬ساعده عىل ذلك متكنه واستفادته‬
‫من االرشيف االمرباطوري‪ ،‬واطالعه عىل وثائق الفرتة املعارصة لتاريخه ‪ ،‬حيث ان جميع معلوماته عن‬
‫املفاوضات ‪ ،‬جاءت من االرشيفات واملراسالت ‪ ،‬ومحارض الدعاوي ‪ ،‬ومن اتصاله باملفاوضني واملندوبني‬
‫الذين شاركوا فيها ‪ ،‬بقي من كتابه حوايل ‪ 766‬صفحة متثل ‪ %76‬من كتابه االصل ‪ ،‬وقد غطى يف(‪ )2‬كتابه‬
‫الفرتة املمتدة من ‪ 127-112‬م ‪ ،‬وهي فرتة امتازت بنشاط الدبلوماسية البيزنطية وتطورها مع جريانها ‪.‬‬
‫وتفرد منندار باهتام مه باألقوام الذين تعامل معهم البيزنطيون ‪ ،‬إذ ميثل كتابه عرضا للدبلوماسية ‪ ،‬لذا‬
‫يستحق التقدير‪ ،‬ملا أورده من معلومات دبلوماسية ‪ ،‬فضل بها غريه من الكتاب الكالسيكيني وساعدته يف‬
‫ذلك خرباته االدارية السابقة ‪ ،‬نظرا ألنه عمل حاميا مع العلم ان هناك من يرى ان لقبه هذا رشيف مكافاة‬
‫له عىل تدوينه للتاريخ ‪ ،‬ومتكنه من االطالع عىل الوثائق الرسمية‪ ،‬وكان لديه املقدرة عىل التحليل والنقد‬
‫لتلك الوثائق ‪ ،‬وتفهم لروح الدبلوماسية البيزنطية املتأخرة‪ ،‬كام امتاز أيضاً بإبداء رأيه يف بعض املواقف كان‬
‫يؤيد راي املفاوض البيزنطي ‪ ،‬أو ينتقده أحيانا أخرى‪ ،‬مثل ما حدث عندما ادان مندوب جستني الثاين‬
‫االمرباطور جستنيان يف تكرمه عىل عرب الفرس ‪ ،‬كام كان ينتقد سياسة جستني الثاين وترصفاته واستفزازه‬
‫للفرس‪ ،‬كام كان مؤيداً لحالة السالم بني الفرس وبيزنطة؛ ألنه يعتقد أن من األفضل توجيه االمرباطورية‬
‫الحربية ملواجهة أعدائهم األفارق(‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪.777‬‬


‫(‪ )2‬محمد‪ ،‬األنباط ‪ ،‬ص ‪. 771‬‬
‫(‪ )3‬الحيرة ‪ :‬مدينة جنوب العراق قرب البصرة والكوفة اتخذها المناذرة عاصمة لهم‪ ، ،‬الحموي‪ ،‬البلدان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‬
‫‪. 711‬‬
‫(‪ )4‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 319‬‬
‫(‪ )5‬ابن رسته‪ ،‬األعالق النفيسة ‪ ،‬ليدن‪7701 ،‬م‪ ،‬ص ‪، 78. ، p 76 ، Op. Cit. ، Simeonova. 706‬‬

‫‪41‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أما عالقة ملك الحرية املنذر الثالث باإلمرباطورية البيزنطية والخلفية التاريخية لإلعانات املالية له؛ فتعود‬
‫العالقات بني املنذر الثالث ملك الحرية وبيزنطة إىل عهد جستني األول‪ ،‬حيث متكن املنذر يف الفرتة من (‪160‬‬
‫– ‪ 112‬م) من شن هجوم عىل األرايض البيزنطية‪ ،‬وكان يقتل ويأرس أعدادا كبرية منهم ‪ ،‬وتضطر اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية إىل دفع أموال مقابل اطالق رساح االرسى(‪ )7‬وقد وصفه بروكوبيوس بانه ملك عىل العرب ومل‬
‫يتمكن احد من صد هجامته‪ ،‬ويف إحدى غارته أرس اثنني من القادة البيزنطيني هام ثيموسرتانوس‪ ،‬ويوحنا؛‬
‫فأرسل اإلمرباطور جستني األول مفاوضه ابراهام نونوس ومعه وفد كبري للتفاوض مع املنذر يف أمر إطالق‬
‫رساح األسريين‪ ،‬ولعقد معاهدة سالم بينهام وكانت هذه املرحلة األوىل التي بدأت فيها املفاوضات املبارشة‬
‫بني بيزنطة والحرية دون تدخل الفرس الساسانيني فيها ‪ ،‬وقد كان اللقاء بني املندوب البيزنطي واملنذر يف‬
‫منطقة الرملة‪ ،‬حيث كان املنذر الثالث مقيام فيها‪ ،‬وقد وصفت تلك املفاوضات بانها كانت تحمل طابعا‬
‫ودياً‪ ،‬وتم عقد اتفاق بينهام ‪ ،‬وما يدل عىل حدوث تقارب بني الطرفني ما ذكره منندار بان املنذر أصبح‬
‫يتسلم من االمرباطورية البيزنطية مساعدات وذلك عندما ال ينحاز اىل جانب الفرس ‪ ،‬وكان متفقاً مع‬
‫الرومان عىل أن ال يهاجم األرايض البيزنطية‪ ،‬ولعل هذا التقارب هو الذي أدى إىل سوء العالقة بني املنذر‬
‫وامللك الساساين قباذ‪ ،‬ما جعل قباذ يطرد املنذر من الحرية ‪ ،‬ويويل الحارث الكندي ‪ ،‬الحقيقة ان قباذ يف‬
‫هذه الفرتة مل يكن يف مركز قوة يسمح له باالعرتاض عىل سياسة املنذر(‪.)0‬‬
‫والبد لنا من التساؤل‪ ،‬هل هذا التقارب بني الحرية وبيزنطة هو البداية لإلعانات املالية؟ وهل استمرت تلك‬
‫االعانات حتى عهد اإلمرباطور جستنيان؟ خاصة أن رواية منندار تشري اىل االعانات املالية التي كان يدفعها‬
‫اإلمرباطور جستنيان(‪ ،)0‬أم هي هدايا وعطايا متبادلة يف حينها؟ لكن مهام تكن طبيعة(‪ )2‬تلك األموال؛ فمن‬
‫املؤكد أنها مل تستمر طيلة عهد جستني األول أو جستنيان‪ ،‬ألن املنذر وأن كف فرتات قصرية عن مهاجمة‬
‫بيزنطة إال أنه عاود هذا الهجوم ‪ ،‬حي ث وصفه برودكوبيوس أنه أخطر أعداء الرومان‪ ،‬بسبب سيطرته عىل‬
‫كل العرب التابعني للفرس فزادت قوته‪ ،‬وال أدل عىل قوة هذا امللك العريب من أن جميع القوى املحيطة‪،‬‬
‫تقربت إليه حيث وصلته وفود من بيزنطة وحمري واثيوبيا وفارس تطلب وده اثناء اقامته يف الرملة عام‬
‫‪ 102‬م وأثناء مفاوضات الصلح الدائرة بني بيزنطة والدولة الساسانية‪ ،‬وعىل افرتاض أن جستنيان دفع للمنذر‬
‫إعانات مالية‪ ،‬أو أعاد دفع ما كان يأخذه من جستني األول بعد توقفها مدة من الزمن؛ بسبب تعدي املنذر‬
‫عىل الدولة البيزنطية ‪ ،‬وعدم التزامه باالتفاق القائم بينهام ‪ ،‬متى إذا بدأ جستنيان بذلك ؟ هل بعد توليه‬
‫عرش اإلمرباطورية يف عام ‪ 101‬م اي بعد صلح الرملة‪ ،‬ام يف أواخر عهد جستني األول‪ ،‬حيث كان جستنيان‬
‫هو الحاكم الفعل يف تلك الفرتة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 319‬‬


‫(‪ )2‬المسعـودي‪ ،‬مـروج الذهـب ومعـادن الجوهر‪ ،‬ج‪،7‬ص‪ 313‬؛ القلقشنـدي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن علي‬
‫‪،‬ت‪917‬هـ‪7479،‬م‪،‬صبـح األعشـى فـي صناعـة اإلنشـاء‪74 ،‬ج‪ ،‬شرحه وعلق عليه محمد حسين شمس‬
‫الدين‪ ،‬دار الكتب العربية‪ ،‬بيروت‪7991 ،‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،770‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬القلقشندي‪ ،‬صبح األعشى‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )3‬االمبراطور جستينيان األول ‪،‬فالفبوس بتروس ساباتيوس يوستيانوس‪ 74 - 493 ،491، ،‬نوفمبر ‪،101‬‬
‫كان إمبراطوراً رومانيا ً شرقيا ً ‪،‬بيزنطيا ً‪ ،‬حكم منذ أغسطس عام ‪ 111‬حتى وفاته في نوفمبر ‪ .101‬يشتهر‬
‫بإصالحه الرمز القانوني المسمى قانون جستينيان خالل لجنة تريبونيان‪ ،‬والتوسع العسكري لألرض‬
‫اإلمبراطورية أثناء عهده‪ ،‬يعرف أيضا ً باسم "اإلمبراطور الروماني األخير"‪ .‬حسن كاظم دخيل‪ ، .‬الصراع‬
‫السياسي وأثره في اإلصالح القانوني في عصر اإلمبراطور الروماني جستنيان ‪101-111،‬م)‪ .‬مجلة اآلداب‬
‫‪، 779‬ص ‪ ،.106-141:‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬دخيل‪ ،‬الصراع السياسي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 396‬‬
‫(‪ )5‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 397‬‬

‫‪45‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أن اإلعانات املالية التي دفعت للمنذر مل تكن مستمرة طوال حكم كل من املنذر الثالث واإلمرباطور‪ ،‬بل‬
‫دفعت يف فرتات مختلفة‪ ،‬وحسب الظروف ولعل من أهم أسباب دفعها‪:‬‬
‫ازدياد قوة املنذر الثالث التي برزت بصفة خاصة يف فرتة ضعف الدولة الساسانية اثناء حكم قباذ االول‪.‬‬
‫زيادة هجامته الضارية عىل االرايض البيزنطية وما أحدثه من خراب وسلب ونهب‪.‬‬
‫انشغال االمرباطور جستنيان يف مرشوعاته الحربية يف الغرب وشامل افريقيا‪ ،‬والتي كان يهدف منها إعادة‬
‫إحياء اإلمرباطورية الرومانية بإعادة ضم الواليات الغربية(‪.)7‬‬
‫إن االلتزامات املالية التي دفعت للمنذر من قبل جستنيان قبل عقد الصلح عام ‪ 107‬م‪ ،‬حينام كان جستنيان‬
‫عىل قيد الحياة‪ ،‬وبعد وفاة املنذر يف ‪ 122‬م واي قبل عقد الصلح وقبل اثارة هذه القضية(‪ ،)0‬ولذا ميكن ان‬
‫يكون سبب قطعها هو‪:‬‬
‫عدم التزام املنذر قبل وفاته مبا اتفق عليه من عدم املشاركة يف الحرب ضد بيزنطة مع العلم انه مل يكن له‬
‫دور واضح يف املعارك التي دارت بني الفرس والبيزنطيني عام ‪127‬م وعام ‪ 120‬م‪ ،‬لكنه دخل يف قتال متصل‬
‫مع الغساسنة اتباع بيزنطة‪ ،‬الذين كانوا يف حالة تقارب مع الدولة البيزنطية حتى أن الحارث بن جبلة‬
‫الغساين شارك يف حرب بيزنطة ضد الفرس عام ‪ 120 – 127‬م‪.‬‬
‫تبدل السلطة يف الحرية بعد مقتل املنذر الثالث عام ‪ 112‬م وتوىل ابنه عمرو بن هند السلطة خلفا له؛ ألن‬
‫االتفاق‪ ،‬لو كان بالفعل اتفاق‪ ،‬كان مع والده املنذر لذا انتهى مبوته التزام بيزنطة نحوه‪.‬‬
‫إمتام عقد الصلح عام ‪ 107‬م بني الفرس وبيزنطة الذي مبوجبه التزام العرب التابعون للطرفني بعدم مهاجمة‬
‫الطرف االخر‪ ،‬وبهذا مل يعد هناك حاجة لالتفاق مع عرب الحرية عىل حدة(‪. )0‬‬
‫بلغت الحرية عىل عهد ملكها املنذر الثالث اقىص ازدهارها وقوتها العسكرية‪ ،‬ومتتعت بنفوذ واسع وسط‬
‫القبائل العربية‪ ،‬ومع الفرس والروم‪ ،‬أصبحت الحرية يف القرن السادس امليالدي خطراً عىل الواليات الرشقية‬
‫لإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬ما جعل االمرباطور البيزنطي جستنيان يف أكرث من مرة يتقرب من املنذر الثالث‪،‬‬
‫محاوالً رشاء والئه ليرصفه عن والء الفرس‪ ،‬أو رشاء هدوئه وكف يده عن الغارات التي دمرت االرايض‬
‫البيزنطية يف املنطقة املمتدة من مرص وحتى الجزيرة الفراتية(‪.)2‬‬
‫متثل هذه املرحلة حقبة جديدة يف تاريخ االمرباطورية البيزنطية تختلف عام سبق خاصة يف مجال عالقتها‬
‫بالعرب(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 393‬‬


‫(‪ )2‬البشدري‪ ،‬حسين محمد إبراهيم ‪ ،‬حق اللجوء في الشريعة اإلسالمية من بالد اإلسالم إلى بالد غير المسلمين‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،1676 ،‬ص ‪ ،43‬وسيشار إليه الحقا ً‪ :‬البشدري‪ ،‬حق اللجوء ‪.‬‬
‫(‪ )3‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 391‬‬
‫(‪)4‬هاني ‪ ،‬قيس حاتم‪" .‬الصالت التجارية بين شمال شبه جزيرة العرب والهند من القرن األول وحتى القرن السادس‬
‫الميالدي‪ ".‬مجلة كلية التربية األساسية للعلوم التربوية واإلنسانية ‪ ،1671، 1‬ص‪.774-763‬‬
‫(‪ )5‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 393‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الفتوحات العربية وموقف الدولة البيزنطية منها ‪:‬‬
‫نظر البيزنطيون واألرمن إىل الفتوحات اإلسالمية يف إطار نظرة تطورية غري ثابتة االحتكاك بني الطرفني‬
‫ومرتبطة بتقدم معرفة االخر‪ ،‬ويف هذا اإلطار مرت الفتوحات االسالمية يف عيون البيزنطيني واالرمن من‬
‫صورة العقاب االلهي إىل املؤامرة اليهودية إىل االعرتاف باإلسالم دينا ومبحمد عليه السالم نبيا وهو ما سهل‬
‫عملية الفتح(‪. )7‬‬
‫وقد متت هذه العملية بعد املصادمات األوىل بشكل يغلب عليه الطابع السلمي يف إطار تفاويض‪ ،‬وقد‬
‫دارت أغلب هذه املفاوضات بني قواد الحمالت اإلسالمية ورؤساء الكنائس‪ ،‬ودون الرجوع إىل السلطة‬
‫املركزية البيزنطية‪ ،‬وقد نتج عن ذلك دمج بالد الشام يف بوتقة العامل اإلسالمي وهو ما سيكون له أثره عىل‬
‫توسع العرب يف الفتوح‪ ،‬وعىل نشوء مجتمع مختلط فيه املسلمون واملسيحيون اليشء الذي سيسهم يف‬
‫‪.‬‬
‫تطور العالقات بني املسلمني والبيزنطيني‬
‫فعىل الرغم من حالة الرصاع الدامئة عىل الحدود بني عاملني مختلفني‪ ،‬نشأت عالقات ودية عىل املستوى‬
‫الرسمي‪ ،‬ممثلة يف تبادل السفارات والهدايا ويف تحسن لغة الخطاب بني الطرفني‪ ،‬كام عرفت املناطق‬
‫الحدودية متازجا ب ني السكان بفعل التزاوج املختلط والذي حفظت لنا منه اآلداب البيزنطية كام اآلداب‬
‫العربية بعض الخطوط العريضة لهذا التعايش‪ ،‬الذي ميكن أن نسميه تعايش الثغور‬
‫ونتيجة لهذا التطور يف العالقات تطورت النظرة املتبادلة بني الطرفني‪ ،‬وانتقل الفكر يف كال املجالني من مرحلة‬
‫االستعالء الثقايف اىل مرحلة االعرتاف باألخر املختلف‪.‬‬

‫عرب الكتاب البيزنطيون أمثال أجدادهم املثقفني من اليونان يف كثري من األحيان عن إعجابهم بالبضاعة الفاخرة‬
‫سواء املواد األولية منها مثل الحرير والعاج واألحجار الكرمية أو البضائع الثمينة مثل العطور والتوابل أو‬
‫الحيوانات الغريبة‪ ،‬وأن التعطش السترياد البضائع الفاخرة روي من خالل التجارة مع الرشق‪ ،‬ويبدو أن‬
‫التعامالت التجارية مع الرشق استمرت‪ ،‬كام قام طبقة عليه القوم يف االمرباطورية البيزنطية طيلة فرتة وجودها‬
‫برشاء الكميات الضخمة من تلك السلع‪ ،‬وقامت كل من الدبلوماسية االمرباطورية والسياسات املالية بتنظيم‬
‫وادارة كمية ونوعية تلك السلع املستوردة بهدف املحافظة عىل ايرادات تلك السلع وتعزيزها وزيادة تدفقها‬
‫للمناطق التابعة لها‪ ،‬وصفت التدابري ذات العالقة بالتجارة الرشقية يف النصوص القانونية البيزنطيني املختلفة‪،‬‬
‫بينام تدل القرارات الصادرة من أجل اإلرشاف عىل النقابات يف القسطنطينية عىل أن املواد األولية والتي منشؤها‬
‫الرشق متد سوق العاصمة البيزنطية ‪.‬‬
‫أخذت عمليات الثناء عىل البضاعة الغريبة الدخيلة يف النصوص القدمية الطابع الكالسييك واتبعت‬
‫اسلوب التقليد واملحاكاة األدبية ضمن اإلطار األديب‪ ،‬تضم املعلومات األثرية بالتوازي مع األعامل التاريخية‬
‫وبخاصة السجالت املدرجة يف الروايات التحليلية املروية يف موسوعاتهم حول اماكن وبلدان الرشق‬
‫معلومات بيئية حقيقية أو وهمية يف بعض االحيان مبا يف ذلك بيانات عن النباتات والحيوانات‪ ،‬قدمت‬
‫بعض الروايات التي اتبعت روح التقاليد البابوية بعضاً من هذه األماكن وملحقات من املناظر الطبيعية‬
‫الساموية عىل األرض‪ ،‬كام قدم املؤرخون الدينيون معلومات عن النباتات والحيوانات يف األرايض الرشقية‬
‫والجنوبية‪ ،‬وقد علمت اإلشارة إىل النباتات والحيوانات يف النصوص البيزنطية عىل استمرار الصورة املثالية‬
‫لوفرة املصادر الحيوانية والنباتية يف أرايض اليمن السعيد(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬جواد‪ ،‬المفصـل فـي تاريـخ العـرب قبـل اإلسـالم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪714‬؛ للمزيد خريسات‪ ،‬دور العـرب المتنصـرة ‪،‬‬
‫ص‪746‬‬
‫(‪ )2‬عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪. 413‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫النقد البيزنطي يف بالد الشام وأثره يف حركة التعريب ‪:‬‬
‫تداول العرب النقود الذهبية البيزنطية ( السوليدوس )‪ ،‬والتي عرب عنها املؤرخون العرب بالدنانري الرومية‪،‬‬
‫أو الهرقلية‪ ،‬نس بة إىل اإلمرباطور هرقل‪ ،‬والذي توىل الحكم يف الخامس من أكتوبر سنة ‪ 076‬م‪ ،‬حتى وفاته‬
‫يف الحادي عرش من فرباير سنة ‪ 027‬م (‪ 06‬هـ )‪ ،‬ويف حقيقة األمر أن الدينار البيزنطي كان متداوالً يف شبه‬
‫الجزيرة العربية قبل عرص اإلمرباطور هرقل‪ ،‬ولكن شهرة الدينار الهرقل والرواج التجاري الواسع له كان‬
‫سببا لنسبة الدنانري البيزنطية إليه‪ ،‬وارتبط اسم الدينار البيزنطي باسم االمرباطور هرقل ‪ ،‬والذي كان معارصاً‬
‫لظهور اإلسالم وحتى سنة ‪ 06‬هـ ‪ ،‬وهو ما عرب عنه العرب بالدنانري الرومية‪ ،‬أو الهرقلية(‪ ،)7‬وقال فيه الشاعر‬
‫كثري عزة(‪: )0‬‬
‫يروق العيون النارضات كأنه هرقل وزن احمر الترب راجح‪:‬‬
‫وكان التداول النقدي للدينار البيزنطي قد انحرس قليال يف عهد االمرباطور فوكاس (‪076-060‬م) ولكنه أخذ‬
‫اتجاهاً جديداً وشهرة واسعة يف عهد اإلمرباطور هرقل‪ ،‬والذي رضب بعض الطراز املختلفة من هذه الدنانري‪،‬‬
‫والقت رواجاً كبرياً يف التجارة يف ذلك الوقت‪ ،‬ومن أشهرها الطراز االول الذي رضب بعدد توليه الحكم‬
‫مبارشة يف سنة ‪ 076‬م‪ ،‬والذي حمل بالوجه صورة نصفية لالمرباطور هرقل‪ ،‬وعىل الظهر صورة إله النرص(‪.)0‬‬
‫بدأ الطراز الثاين سكه بني عامي ‪ 076‬و‪ 070‬م‪ ،‬ويحمل بالوجه صورة نصفية لإلمرباطور هرقل‪ ،‬وعىل الظهر‬
‫‪.‬‬
‫الصليب القائم عىل ثالث درجات‬
‫أما الطراز الثالث بدأ سكه يف عام ‪ 070‬م حيث ظهر بالوجه صورة نصفية لكل من هرقل (يسار)‪ ،‬وابنه‬
‫هرقل قسطنطني (اىل اليمني)‪ ،‬وكان هرقل قسطنطني قد ولد يف ‪ 0‬مايو سنة ‪ 070‬م‪ ،‬وعني ولياً للعهد يف ‪00‬‬
‫يناير سنة ‪ 070‬م‪ ،‬وكانت وفاته يف ‪ 20‬مايو سنة ‪ 027‬م‪ ،‬وعىل الظهر الصليب القائم عىل ثالث درجات(‪.)2‬‬
‫والطراز األخري الذي نعرض له وهو أكرث شهرة ورواجاً يف التداول والذي سكه يف سنة ‪ 002‬م تقريباً‪ ،‬ويحمل‬
‫بالوجه صورة هرقل وولديه هرقل قسطنطني وهرقليوناس‪ ،‬وكان األخري قد ولد يف سنة ‪ 071‬م وعني ولياً‬
‫للعهد يف ‪ 2‬يوليو سنة ‪ 002‬م‪ ،‬حيث نجد بالوجه نقشا ميثل صورة اإلمرباطور هرقل ( يف الوسط ) وولديه‬
‫هرقل قسطنطني (إىل اليمني ) وهرقليوناس (إىل اليسار) بيد كل منهم صليب‪ ،‬وعىل رأس كل منهم صليب‪،‬‬
‫أما الظهر فنجد صليباً مرفوعاً عىل أربع درجات تحتها نقش اختصار دار سك ( القسطنطينية ) وعىل ميني‬
‫الصليب الحرف (‪ ،)I‬ومن اليسار الرمز )‪ ،)h‬بينام يحيط بالظهر كتابة هامشية بالحروف الالتينية(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬البالذري ‪،‬فتوح البلدان ‪ ،‬باب أمر النقود ‪ ،‬ص ‪ ، 441‬الخطابي ‪ ،‬أبو سليمان احمد بن محمد ‪( ،‬ت ‪ 399‬هـ‪)،‬‬
‫معالم السنن‪ ،‬طبعه وصححه ‪ :‬محمد راغب الطباخ ‪ ،‬حلب ‪ ،‬المطبعة العلمية ‪7311 ،‬هـ‪7933،‬م‪3،01،03 ،‬‬
‫‪ ،‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الخطابي‪ ،‬معالم السنن ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الخطابي ‪ ،‬معالم السنن ‪ ،‬ص ‪. 03‬‬
‫(‪ )3‬عزار‪ ،‬نانسي‪ ،‬المسكوكات المحلية لمدن شرقي نهر األردن و فلسطين ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬الجامعة األردنية‬
‫‪1667‬م ‪ ،‬ص ‪ ،37‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬عزاز‪ ،‬المسكوكات ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ليلى‪ ،‬القسطنطينية ‪ ،‬ص ‪. 799 ،790‬‬
‫(‪ )5‬اليحيى‪ ،‬رائد فيصل ‪ ،‬دراسة تحليلية للمسكوكات البرونزية البيزنطية في الفترة الواقعة بين ‪ 043-497‬م ‪،‬‬
‫رسالة دكتوراة ‪ ،‬العراق ‪ ،‬ص ‪ ، 99‬عبد الحكيم غنتاب الكعبي‪" .‬نشأة فكرة النقود وتطورها من القرن‬
‫السابع ق‪ .‬م حتى القرن السابع الميالدي‪ ".‬مجلة دراسات تاريخية ‪ 71‬كانون االول ‪)1673،‬ص ‪.14-11‬‬
‫عبد هللا ‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬ص ‪ ،399‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الكعبي‪ ،‬نشأة فكرة النقود ‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫السياسة الرشقية لإلمرباطورية البيزنطية‪:‬‬
‫كانت اإلمرباطورية البيزنطية مبثابة خط الدفاع األمامي املنيع ألوروبا يف الرشق ضد الهجامت التي تعرض‬
‫لها األوربيون من جانب العنارص الرشقية اآلسيوية‪ ،‬فقد لعب اإلمرباطور البيزنطي هرقل (‪)027 – 076‬‬
‫دوراً هاماً يف إيقاف تقدم الفرس وسحق قوتهم العسكرية يف نهاية األمر‪.‬‬
‫نظام الحكم البيزنطي لبالد الشام وتحوالته‪:‬‬
‫إن مشكالت دراسة التاريخ البيزنطي متعددة وميكن إجاملها يف اآليت‪:‬‬
‫االمتداد الزمني للتاريخ البيزنطي‪ :‬إذ عمرت اإلمرباطورية البيزنطية عىل املرحلة الواقعة من القرن الرابع اىل‬
‫القرن الخامس عرش (تحديداً من ‪ 006‬إىل ‪ 7700 -7201‬عاماً) وهي بالتايل تعد اطول كيان سيايس " معمر‬
‫" عىل مدى العصور الوسطى(‪.)7‬‬
‫النطاق الجغرايف لإلمرباطورية البيزنطية وانعكاساته‪ :‬فيالحظ أن تلك اإلمرباطورية شملت مناطق واسعة‬
‫وامتدت يف مرحلة من مراحل تاريخها مثلام حدث خالل مرحلة من القرن السادس امليالدي من نهر الفرات‬
‫رشقاً إىل املحيط األطلنطي غرباً‪ ،‬واألمر املؤكد أن ذلك الوضع ألقى عىل حكام القسطنطينية تبعات يف إدارة‬
‫ذلك االمتداد املتسع مبا احتواه عن شعوب‪ ،‬وأمم‪ ،‬وأقوام متباينة ذات إبعاد انفصالية عن املركز(‪.)0‬‬
‫الطابع الرسمي للمصادر التاريخية‪ :‬من املفارقات الحادة يف التاريخ البيزنطي‪ ،‬ان املصادر التاريخية لتلك‬
‫االمرباطورية مصادر ذات طابع رسمي واضح املعامل يف جانب كبري منها‪ ،‬فلدينا تاريخ األباطرة‪ ،‬وليس لدينا‬
‫تاريخ الشعوب التي صنعت تاريخها‪ ،‬ويتأكد للباحث أن اإلشارات التي تتناول عامة الناس تعد ثانوية‬
‫ومحدودة مقارنة بالحوليات الكاملة التي تناولت امرباطوراً ما‪ ،‬أو عدة أباطرة‪.‬‬
‫استئثار العاصمة القسطنطينية بحجم التأليف التاريخي‪ :‬أن تلك العاصمة استأثرت باهتامم األباطرة‬
‫البيزنطيني‪ ،‬وكذلك املؤرخني املعارصين أنفسهم‪ ،‬ومل يكن ذلك يتناسب مع املناطق االخرى من تلك‬
‫االمرباطورية‪ ،‬ولذلك ميكن القول – دون اعتساف يف اإلحكام‪ ،‬أن تاريخ بيزنطة ما هو إال تاريخ القلب‬
‫البيزنطي يف االساس‪ ،‬اي القسطنطينية بصورة طاغية الفتكاك منها(‪.)0‬‬
‫املركزية االوربية ‪ ،‬وتأثرياتها عىل معالجة تاريخ بيزنطة ‪ :‬أن دراسة التاريخ البيزنطي بدأت من خالل املدارس‬
‫التاريخية الفرنسية والروسية واالنجليزية‪ ،‬واألملانية ‪ ،‬فان الزيادة يف الكتابة التاريخية الحديثة كانت‬
‫للباحثني الغربيني دون نزاع يف صورة نرش النصوص املصدرية أو املؤلفات الحديثة‪ ،‬وال نغفل زاوية أساسية‬
‫وهي ‪ :‬أن فتح القسطنطينية عىل أيدي املسلمني بقيادة محمد الفاتح العثامين عام ‪ 7210‬م ‪ ،‬جعل املؤرخني‬
‫األوروبيني يحرصون عىل الكتابة التاريخية عنها حفظا لها من الضياع ‪ ،‬وتذكرة للعقل الجمعي األورويب‬
‫مبراحل الصدام بني عاملي املسيحية ‪ ،‬واالسالم خالل العرص الوسيط ‪ ،‬وتجنبا لتكرار التجربة مرة اخرى يف‬
‫(‪)2‬‬
‫غري صالح األوروبيني‬

‫(‪ )1‬عوض ‪ ،‬مؤنس ‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية‪،‬دراسة في تاريخ االسر الحاكمة‪ ،‬بستان المعرفة للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ، 1661 ،‬ص ‪ ،763‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬عوض‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 64‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 760‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 769‬‬

‫‪53‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫مؤسسو االرسات البيزنطية الحاكمة ودورهم الريادي‪ :‬يعد مؤسسوا األرس البيزنطية الحاكمة مبثابة القوة‬
‫الفعلية‪ ،‬واملحركة للتاريخ البيزنطي مع عدم إغفال أوجه االختالف بينهم من حيث الدور التاريخي ذاته‪،‬‬
‫والظروف الداخلية والدولية املصاحبة لحكمهم وكذلك الحصاد الختامي لكل منهم(‪.)7‬‬
‫مشكلة الطابع الذكوري للتاريخ البيزنطي وتغييب دور املرأة خاصة البعيدة عن السلطة‪ :‬ان املجتمع‬
‫البيزنطي كان مجتمعاً يسيطر عليه الرجل ومل يكن للمرأة الدور البارز فيه إذا ما قورنت بالرجل‪ ،‬وهكذا‪،‬‬
‫كان املؤرخون من الرجال‪ ،‬ويكتبون تاريخ اإلمرباطورية وتجاهلوا املرأة‪ ،‬ووجدت كتابات منحازة بحكم‬
‫التكوين الديني الكنيس ألغلب أولئك املؤرخني‪ ،‬وكان الرجل هو الخصم والحكم يف أن واحد مام انعكس‬
‫بدوره عىل نصوص املصادر ذاتها(‪.)0‬‬
‫الطابع الديني ملصادر تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية ‪ :‬أن تاريخ تلك اإلمرباطورية تم تغليفه بالدين يف العديد‬
‫من احداثه يف عصور عرفت بعصور االميان من خالل تعاظم الظاهرة الدينية خاللها‪ ،‬ونجد أن املصادر‬
‫التاريخية التي ألفها مؤرخون تلقوا تعليامً كنسياً يف املقام األول‪ ،‬تفيض كتاباتهم بالطابع(‪ )0‬الديني ‪ ،‬وهو‬
‫امر يجعل املؤرخ الذي يريد تفسري األحداث تفسرياً عقلياً من خالل البحث عن الدوافع الحقيقية املحركة‬
‫للحدث التاريخي‪ ،‬وكذلك النتائج الناتجة عنه تجعله يواجه مشكلة حقيقية هي هل يأخذ دامئا بالتفسري‬
‫الديني لألحداث ؟ أم أن هناك الجوانب األخرى التي حرص قطاع من املؤرخني املعارصين عىل اخفائها‪،‬‬
‫دعامً للتفسري املذكور؟ وال نغفل أن الجانب اإلمرباطور البيزنطي نفسه‪ :‬نظر اليه املعارصون عىل أنه نائب‬
‫السيد املسيح ولذلك تم ترك الجانب االيرس من العرش شاغرا‪ ،‬عىل نحو مل يخل من الداللة الدينية(‪.)2‬‬
‫الطبيعة الجدلية للتاريخ البيزنطي ووجود أكرث من رؤية تقوميية له‪ :‬ميلك ذلك التاريخ طبيعة خاصة يف‬
‫صورة الجدل بشأن أباطرته‪ ،‬ودوافع سياساتهم‪ ،‬ونتائجها‪ ،‬ولذلك اختلف مؤرخو الدراسات البيزنطية يف‬
‫العديد من وقائع ذلك التاريخ منذ بدايته حتى نهايته‪ ،‬وال نغفل‪ ،‬أن الشعب البيزنطي نفسه اتسمت حياته‬
‫بالجدل حول طبيعة السيد املسيح عليه السالم‪ ،‬وصار " الجدل البيزنطي "(‪ )1‬مرضب االمثال(‪.)0‬‬
‫مشكلة تأثري القيادات الكارزمية احتوى التاريخ البيزنطي عىل عدد من القيادات السياسية والحربية التي‬
‫تركت تأثرياً كبرياً عىل املؤرخني املعارصين‪ ،‬وكذلك املحدثني‪ ،‬وكانت شخصياتهم أثرت بحيث صعب التخلص‬
‫من تأثريها؛ فعندما تناولهم املؤرخون املعارصون‪ ،‬وجدنا قطاعاً منهم انبهر بهم‪ ،‬وكتب تاريخهم من خالل‬
‫ذلك الطابع‪ ،‬وبالتايل مل يلتزم بروح املوضوعية العلمية الواجبة‪ ،‬وينطبق ذلك عىل عدد من الشخصيات مثل‬
‫قسطنطني (‪ )001-002‬وباسل الثاين (‪ 7601 - 710‬م)(‪. )1‬‬

‫(‪)1‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 777‬‬


‫(‪ )2‬هسى ‪ ،‬العالم البيزنطي‪ ،‬ص ‪ ، 17‬وعوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 773‬‬
‫(‪ )3‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 774‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 771‬‬
‫(‪)5‬‬
‫سالمة‪ ،‬موسى‪ .‬حرية الفكر وأبطالها في التاريخ‪ ،‬دار ومطابع المستقبل بالفجالة واالسكندرية ومؤسسة‬
‫المعارف ببيروت ‪ ، 7931 ،‬ص ‪ ،01‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬سالمة‪ ،‬حرية الفكر ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 771‬‬
‫(‪)1‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 716‬‬

‫‪54‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫واقع الكتابة التاريخية العربية املدنية عن التاريخ البيزنطي (املشكلة االقليمية)‪ :‬تعاين الدراسات التاريخية‬
‫البيزنطية يف العامل العريب من عدم توافر بحثية متخصصة عىل شاكلة املعروف عىل املستوى العاملي وكذلك‬
‫املجالت العلمية املتخصصة‪ ،‬ومن امثلة تلك املراكز‪:‬‬
‫‪-‬مركز الدراسات البيزنطية واليونانية الحديثة والعثامنية يف برمنجهام بإنجلرتا‪.‬‬
‫‪-‬مركز الدراسات البيزنطية يف سالونيك باليونان‪.‬‬
‫‪-‬مركز دامربتون اوكس بواشنطن بالواليات املتحدة االمريكية‪.‬‬
‫‪-‬مركز الدراسات البيزنطية التابع لألكادميية الرصبية للعلوم يف بلجراد‪.‬‬
‫‪-‬معهد دراسات العصور الوسطى والدراسات البيزنطية بجامعة نوتردام(‪.)7‬‬
‫تاريخ األرس البيزنطية الحاكمة ‪ 7210 – 006‬م ‪:‬‬
‫افتتحت بيزنطة تاريخها بالجدل بني الباحثني بشأن عام امليالد(‪ ، )0‬وفيام يل اهم اآلراء التي قيلت يف هذا‬
‫الشأن‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬هناك من تصور أن عام ‪ 022‬م يصلح مليالد تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية عىل اعتبار أنه ميثل حدا‬
‫فاصال يف تاريخ الدولة الرومانية(‪. )0‬‬
‫ثانيا‪ :‬رأى البعض ان عام ‪ 000‬م هو عام تولية االمرباطور قسطنطني عرش االمرباطورية‪ ،‬هو االجدر بذلك‬
‫نظرا للتغريات الفعالة التي حدثت يف عهده‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬وجد اتجاه أخر يقرر أن عام ‪006‬م‪ ،‬األجدر بأن يكون تاريخ ميالد اإلمرباطورية البيزنطية نظراً الفتتاح‬
‫القسطنطينية يف ‪ 77‬مايو منه‪ ،‬والتي عدت عاصمة تلك االمرباطورية‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬فضل البعض عام ‪071‬م عىل اعتبار أنه العام الذي قام فيه االمرباطور ثيودوسيوس األول بتقسيم‬
‫اإلمرباطورية إىل قسمني رشقي حكمه ابنه اركاديوس‪ ،‬وغريب حكمه ابنه هونوريوس‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬اتخذ فريق أخر من املؤرخني عام ‪ 210‬م‪ ،‬بداية ذلك التاريخ عىل اعتبار اسقاط روما فيه عىل ايدي‬
‫الجرمان بقيادة ادواكر وانتهاء حكم االمرباطور رومولوس اوجستيلوس اخر امرباطور روماين‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬هناك من قرر انه حتى عهد االمرباطور جستنيان الذي امتد عهده بني عامي ‪ 101‬اىل ‪ 101‬م‪ ،‬مل يكن‬
‫هناك دولة بيزنطية باملعنى الشائع لتلك العبارة‪ ،‬اذ حاول استعادة القسم الغريب من االمرباطورية من ايدي‬
‫الجرمان‪ ،‬ولذلك اعتربه ذلك الفريق اخر امرباطور روماين(‪. )2‬‬
‫سابعاً‪ :‬أن بداية ذلك التاريخ عام ‪101‬م‪ ،‬وهو عام وفاة االمرباطور السالف الذكر‪ ،‬حيث فشلت جهوده يف‬
‫استعادة القسم املفقود من االمرباطورية‪.‬‬

‫(‪)1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 717‬‬


‫(‪)2‬جوزيف‪ ،‬نسيم يوسف ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ، 7413 ،19 ،‬ط‪. 7‬االسكندرية ‪ 7994 ،‬م ‪ ،‬س‬
‫‪،71،13‬وسيشار اليه الحقا‪ ،‬جوزيف‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪)3‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 710‬‬

‫‪55‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ثامنا‪ :‬وهو اتجاه بقول بعام ‪171‬م‪ ،‬وهو عام تولية االمرباطور الثالث االيسوري الحكم يف القسطنطينية‬
‫وتصديه لحصار املسلمني لها‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬هناك قطاع من املؤرخني قرر أن عام ‪ 266‬م‪ ،‬هو العام الذي يبدأ به التاريخ البيزنطي‬
‫عىل أية حال‪ ،‬فان ذلك الجدل حول امليالد البيزنطي غري خرب تعبري عن الطبعة الجدلية العامة لذلك التاريخ‬
‫منذ خطواته األوىل(‪.)7‬‬
‫أما نهاية الحكم البيزنطي فقد اتفق عليه غالبية املؤرخني بأنه ‪ 07‬مايو ‪7210‬م عندما فتحت عىل أيدي‬
‫األتراك العثامنيني بقيادة محمد الفاتح(‪ )0‬وكان حاكمها حينذاك قسطنطني الحادي عرش آخر األباطرة‬
‫البيزنطية‪ ،‬عىل مدى تاريخ تلك االمرباطورية كان شبح املوت يتهددها‪ ،‬ويف مرات متعددة كانت عىل وشك‬
‫السقوط إال أنها قاومت ذلك بكل ما أوتيت من عزمية وقوة وقدرة عىل البقاء وقد أفادت من امكاناتها‬
‫املتوافرة‪ ،‬الجغرافية والعسكرية واالقتصادية(‪. )0‬‬
‫األرسة الهرقلية (‪ 171 – 076‬م)‪:‬‬
‫األرسة الهرقلية التي حكمت االمرباطورية البيزنطية خالل املرحلة من ‪ 076‬إىل ‪171‬م‪ ،‬أي ما زاد عىل قرن‬
‫من الزمان‪.‬‬
‫متتاز األرسة الهرقلية بكرثة عدد اباطرتها الذين تولوا الحكم فيها عىل نحو فاق االرسات السابقة عليها يف‬
‫صورة أرس قسطنطني‪ ،‬وثيوديوس‪ ،‬وارسة جستنيان واباطرة االرسة الهرقلية هم‪ :‬هرقل (‪ 027 – 076‬م)‪،‬‬
‫قسطنطني الثالث (‪ 020 – 027‬م) وقنسطائز الثاين (‪ 002 – 020‬م)‪ ،‬وقسطنطني الرابع (‪ 021 – 002‬م)‪،‬‬
‫وجستنيان الثاين (‪071 – 021‬م)‪ ،‬وليونتيوس (‪072 – 071‬م)‪،‬وتيبرييوس الثاين (‪161-072‬م)‪ ،‬وجستنيان‬
‫الثاين(‪177-161‬م)‪ ،‬وفيلينكوس(‪170-177‬م) اناسناس الثاين (‪171-170‬م)‪ ،‬وثيودوسيوس الثالث (‪171-171‬‬
‫م)‪.‬‬
‫إن أهم إمرباطور خالل حكم تلك األرسة هو اإلمرباطور هرقل‪ ،‬املؤسس البارز الذي كان ابنا لحاكم قرطاجة‪،‬‬
‫وقدم اىل القسطنطينية‪ ،‬وقام بانقالب أوصله إىل سدة الحكم عام ‪ 076‬م يف ظروف تاريخية معقدة وعصيبة‬
‫خاصة عىل جبهة الرصاع البيزنطي – الفاريس(‪. )2‬‬

‫(‪)1‬هالدون‪ ،‬بيزنطة في حرب‪ ،‬ص ‪. 01 ،00‬‬


‫استمرت أحد عشر‬
‫ّ‬ ‫(‪ )2‬يعرف السلطان محمد الفاتح بأنه هو من قضى نهائ ًيا على اإلمبراطورية البيزنطية بعد أن‬
‫قر ًنا وني ًفا‪ ،‬ويعتبر الكثير من المؤرخين هذا الحدث خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة وعند‬
‫األتراك فهذا الحدث هو "فاتحة عصر الملوك" هو سابع سالطين الدولة العثمانية وساللة آل عثمان‪ُ ،‬يلقب‪،‬‬
‫إلى جانب "الفاتح"‪ ،‬بأبي الفتوح وأبو الخيرات‪ ،‬وبعد فتح القسطنطينية أضيف لقب "قيصر" إلى ألقابه‬
‫كبيرا للدولة العثمانية‪،‬‬
‫ً‬ ‫توسعا‬
‫ً‬ ‫وألقاب باقي السالطين الذين تلوه حكم ما يقرب من ثالثين عا ًما عرفت‬
‫‪Istanbul: Capricorn ،)Timeand Fatih Sultan Mehmed1663، ، Franz ،Babinger‬‬
‫‪ ، 36 p. ،4-471-319-911 ISBN ،Publishing‬محمد فريد بك ‪ ،‬تاريخ الدولة العل ّية العثمانية ‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬إحسان حقي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة العاشرة‪ 7411 :‬هـ ‪ 1660 -‬م‪ ،‬صفحة‪706 :‬‬
‫(‪)3‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬
‫(‪)4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 791‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ومن املمكن إجامل أهم أعامله عىل النحو التايل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مواجهة الخطر الفاريس‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬املشكلة الدينية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الرصاع البيزنطي – العريب‪.‬‬
‫يوصف هرقل " باإلمرباطور التعيس "‪ ،‬اذ مل يهنأ بانتصاره عىل الفرس او عىل املسلمني يف الشام ‪ ،‬فقد ظهر‬
‫امامه خطر داهم يف صورة العرب الذين اعتنقوا االسالم‪ ،‬وصاروا قوة ال يستهان بها‪ ،‬وقد اثبت قدرتها الفذة‬
‫عىل تغيري التاريخ يف العصور الوسطى بصورة غري مسبوقة وخالل عقود قليلة(‪.)7‬‬
‫يجب أن نلقي نظرة عىل بدايات منو تلك القوة التي مل يحسب لها البيزنطيون حسابا‪ ،‬فقد ولد النبي محمد‬
‫بن عبد هللا صىل هللا عليه و سلم‪ ،‬يف مكة املكرمة ‪ 06‬اغسطس عام ‪ 116‬م من أرسة من أرشافها وفيام بعد‬
‫عمل بالرعي‪ ،‬والتجارة ووصف بالصادق االمني ‪ ،‬وعند بلوغه األربعني عاماً جاء الوحي من هللا تبارك وتعاىل‬
‫وهو يتعبد يف غار حراء(‪ ،)0‬وكان نزول القران الكريم الذي يعد معجزة الهية حية منذ ذلك الحني ‪ ،‬وإىل‬
‫قيام الساعة‪ ،‬يالحظ أن النبي صىل هللا عليه وسلم قام بإرسال سفراء إىل حكام الدول املجاورة ‪ ،‬ومنهم‬
‫الدول البيزنطية من أجل إبالغهم برسالة اإلسالم الذي هو يف الحقيقة دين عاملي لكافة البرش صالح لكل‬
‫زمان ومكان ‪ ،‬فاحسن البعض استقبال سفراء وأساء البعض األخر إليهم ‪ ،‬وكان اإلمرباطور هرقل من أولئك‬
‫الذين أرسل لهم نبي اإلسالم رسالة لإلبالغ بالدين الجديد ‪.‬‬
‫حدثت معركة مؤتة بني اإلسالم بني املسلمني والبيزنطيني(‪ )0‬عام (‪ 007‬م) انترص فيها البيزنطيني‪ ،‬واستشهد‬
‫فيها ثالثة من قادة املسلمني يف صورة زيد بن حارثة‪ ،‬وجعفر بن أيب طالب‪ ،‬وعبد هللا بن رواحة‪ ،‬ومتكن‬
‫خالد بن الوليد من االنسحاب بباقي القوات اإلسالمية(‪. )2‬‬
‫أن اإلمرباطورية البيزنطية التي كانت قد خرجت من رصاعها مع الفرس بانتصار‪ ،‬استخفت بقوة املسلمني‬
‫وتصورت أنهم يقومون مبجرد مناوشات حدودية محدودة الشأن ومل يتصور البيزنطيون البتة ان يصل بهم‬
‫االمر اىل حد الحاق هزائم مروعة بأباطرة القسطنطينية الكبار الذين انتشوا بخرب االنتصار عىل الفرس منذ‬
‫‪.‬‬
‫قليل‬
‫كانت السياسة البيزنطية الجائزة عىل املستوى االقتصادي القامئة عىل فرض الرضائب واستنزاف ثروات‬
‫الواليات الرشقية خاصة القمح كام يف حالة مرص كان ذلك أثره يف اشتعال نريان السخط‪ ،‬والتمرد يف نفوس‬
‫سكان تلك الواليات وهكذا‪ ،‬قدم البيزنطيون بأخطائهم الفادحة فرصة ذهبية للفاتحني العرب ليتفوقوا‬
‫عليهم‪ ،‬ويحققوا انتصاراتهم يف وقت قياس غري مسبوق ومن قبل ذلك كله الجوانب االيجابية املتعددة التي‬
‫احتواها االسالم نفسه كدين ساموي خاتم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪99‬‬


‫(‪ )2‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 799‬‬
‫(‪ )3‬ابن سعد ‪ ،‬محمد ‪،‬ت ‪113‬هـ‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪ ،‬ط ‪ ،‬بيروت ‪ ، 7919‬ج‪، 1‬ص‪ ،719‬وسيشار إليه الحقاً‪:‬‬
‫ابن سعد‪ ،‬الطبقات ‪.‬‬
‫(‪ )4‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 796‬‬
‫(‪ )5‬عوض‪ ،‬االمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص ‪. 791‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫جاء الفتح مبثابة إنقاذ ملرص‪ ،‬وأهلها واالقباط حينذاك من االضطهاد البيزنطي‪ ،‬فكانت شهادة حق من مؤرخ‬
‫بارز ردا عىل ادعاءات وافرتاءات ال تقف عىل قدميها(‪.)7‬‬
‫متكن خالد بن الوليد من قيادة املسلمني يف انتصار تاريخي فذ يف صورة معركة الريموك يف ‪ 00‬اغسطس من‬
‫عام ‪ 000‬م(‪، )0‬وتفوق الفرسان املسلمون خفيفي الحركة الذين برعوا يف حرب الصحراء عىل القوات البيزنطية‬
‫الثقيلة البطيئة الحركة‪ ،‬وكان االنتصار االسالمي فيها حاسام(‪. )0‬‬
‫نسب املؤرخون املسلمون وغريهم وداعاً رمزياً لإلمرباطور البيزنطي هرقل لبالد الشام إذ قال‪ :‬أي " الوداع‬
‫يا سورية وداعا نهائيا(‪ ، )2‬عىل نحو عكس مدى احساسه بالكارثة التي حلت بالدولة البيزنطية من جراء‬
‫‪.‬‬
‫التوسعات العربية الخاطفة‪ ،‬والناجحة‬
‫وال بد لنا من التساؤل‪ ،‬هل كان اإلمرباطور هرقل امرباطورا ناجحا أم فاشال؟ والواقع أن الصفتني معا‬
‫تتوافران فيه‪ ،‬فقد نجح مع الفرس وأخفق مع املسلمني ومع ذلك‪ ،‬من املالحظ أنه ورث تركة مثقلة‪ ،‬وواجه‬
‫خالل تلك املرحلة املبكرة من تاريخ الدول اإلسالمية‪ ،‬ويف تقديري أن أي حاكم آخر لبيزنطة مل يكن من‬
‫املمكن ان يحقق انتصارا عليهم من خالل فهم حقيقي لطبيعة املرحلة وليس من خالل دعائية مموجة‬
‫‪.‬‬
‫للمسلمني‬
‫التنافس الساساين‪-‬البيزنطي ‪:002-060‬‬
‫كانت آخر سلسلة حروب بني اإلمرباطورية البيزنطية والساسانيون بإيران‪ ،‬لكن الحرب األخرية كانت األعنف‬
‫ألن كالهام كاد يقيض عىل الطرف اآلخر‪.‬‬
‫عام ‪622‬م‪ ،‬حصل انقالب عسكري حيث متكن هرقل )‪ ( 610-641‬حاكم قرطاجة من االستيالء عىل‬
‫القسطنطينية وأعاد تنظيم الجيش‪ .‬أبدى هرقل شجاعة ومهارة كبرية يف مواجهة الخطر الفاريس‪ .‬فبدال من‬
‫منازلة جيوش الفرس املتوغلة يف أرايض االمرباطورية‪ ،‬قام بااللتفاف عليهم ومهاجمتهم يف عقر دارهم يف‬
‫البالد الفارسية‪ .‬إذ تحالف مع خزر الرتك‪ ،‬وترك العاصمة املحارصة القسطنطينية وهاجم بالد فارس من‬
‫املؤخرة عن طريق اإلبحار من البحر األسود‪ ،‬فاستوىل عىل أذربيجان( ميديا )سنة ‪ ،624‬حيث قام بتدمري‬
‫أكرب معبد نار مجويس (انتقاما لتخريب كنيسة القيامة يف القدس‪.‬‬

‫ويف هذه األثناء ظهر شك متبادل بني امللك كرسى الثاين وقائد جيشه شهربراز ‪.‬وقام الوكالء البيزنطيون‬
‫بترسيب رسائل مزيفة للجرنال شهراباراز تظهر بأن امللك كرسى الثاين كان يخطط إلعدامه‪ .‬فخاف الجرنال‬
‫شهرباراز عىل حياته وبقي محايدا أثناء هذه الفرتة الحرجة‪ .‬وخرست بالد فارس بذلك خدمات إحدى أكرب‬
‫جيوشها وإحدى أفضل جرناالتها‪ .‬إضافة إىل ذلك‪ ،‬تويف بشكل مفاجئ شاهني وسباهبود العظيم قادة الجيش‬
‫الساساين والذي كان تحت سيطرته بالد القوقاز وبالد األناضول ‪.‬وهذا ما رجح كفة امليزان ملصلحة البيزنطيني‪،‬‬
‫وأوصل امللك كرسى الثاين إىل حالة الكآبة‪.)1(.‬‬

‫(‪ )1‬اسحق‪ ،‬عبيد ‪ ،‬شمس العرب تسطع على أرض النيل ‪ ،‬ضمن كتاب أثر اإلسالم في مصر واثر مصر في الحياة‬
‫العربية االسالمية ‪ ،‬قاسم عبده ‪ ،‬ط‪.‬القاهرة ‪ ،7999‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬اسحق‪ ،‬شمس العرب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬البالذري ‪ ،‬فتوح البلدان ‪ ،‬ص ‪. 730‬‬
‫(‪ )3‬عوض‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية‪ ،‬ص ‪. 793‬‬
‫(‪ )4‬االزدي ‪ ،‬فتوح الشام ‪ ،‬تحقيق عبد المنعم عامر ‪ ،‬ط ‪.‬القاهرة ‪ 7916 ،‬م ‪ ،‬ص ‪ . 130‬وسيشاراليه ‪ ،‬االزدي‪،‬‬
‫فتوح ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الحيدري ‪ ،‬التنظيمات ‪40‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ومبساعدة الخزر وقوات تركية أخرى‪ ،‬استغل اإلمرباطور البيزنطي هرقل غياب قادة الجيش الساساين وربح‬
‫عدة انتصارات مدمرة للفرس بعد ‪ 71‬عاما من حربهم للبيزنطيني‪ .‬حملة امللك هرقل تتوجت يف معركة‬
‫نينوى‪ ،‬حيث انترص امللك هرقل يف كانون األول عام ‪627‬م بدون مساعدة الخزر الذي تركوه) انتصاراً ساحقا‬
‫عىل الجيش الفاريس بقيادة راهزاد ‪.‬وهذه املعركة الحاسمة قد قررت مصري الرصاع بني الطرفني(‪.)7‬‬

‫ووصل خرب هذه املعركة إىل املسلمني عام ‪628‬بعد أن انرصفوا من مكة عاقدين صلح الحديبية‪ ،‬ثم أرسل‬
‫نبي اإلسالم محمد الصحايب عبد هللا بن حذافة السهمي إىل كرسى الثاين يدعوه لإلسالم‪ .‬فغضب كرسى غضبا‬
‫شديدا‪ ،‬فجذب الرسالة من يد كاتبه وجعل ميزقها دون أن يعلم ما فيها وهو يصيح‪ :‬أيكتب يل بهذا‪ ،‬وهو‬
‫عبدي؟!! ثم أمر بعبد هللا بن حذافة أن يخرج من مجلسه فأخرج‪ .‬فلام قدم عبد هللا عىل نبي هللا أخربه مبا‬
‫كان من أمر كرسى ومتزيقه الكتاب؛ فدعا عىل الفرس أن ميزقوا كل ممزق(‪.)0‬‬
‫أما كرسى فقد كتب إىل باذان نائبه عىل اليمن‪ :‬أن ابعث إىل هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلني جلدين‬
‫من عندك‪ ،‬ومرهام أن يأتياين به‪ .‬خرج الرجالن رسالة باذان إىل رسول هللا( صىل هللا عليه وسلم فلام قرأ‬
‫كتاب صاحبهم‪ ،‬أخربهم أن هللا قد سلط عىل كرسى ابنه شريويه؛ فقتله يف شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا من‬
‫الليل؛ بعد ما مىض من الليل‪ .‬فانطلقوا فأخربوا باذان‪ .‬فقال‪ :‬لنئ كان ما قاله محمد حقا فهو نبي‪ ،‬وإن مل‬
‫يكن كذلك فسرنى فيه رأيا‪ .‬فلم يلبث أن قدم عليه كتاب شريويه قباد الثاين ابن كرسى يخربه بقتله ألبيه‬
‫]‪[3‬‬
‫يف تلك الليلة‪ ،‬واستيالءه عىل عرشه‪ .‬فأعلن باذان إسالمه‪ ،‬وأسلم من كان معه من الفرس يف بالد اليمن ‪.‬‬
‫وأسلم كذلك العرب يف البحرين وخرجوا عن طاعة كرسى‪ .‬وأسلمت بعض قبائل العرب يف العراق مثل بني‬
‫شيبان(‪.)0‬‬

‫‪629‬‬ ‫زحف هرقل خالل العراق‪ ،‬حيث وصلته أخبار اغتيال امللك كرسى الثاين‪ .‬ثم تحالف مع األحباش عام‬
‫م وانترص مجددا عىل الفرس وصار قريبا من املدائن‪ .‬وعندها رآى شريويه أن من األفضل أن يعقد الصلح‬
‫مع هرقل‪ .‬ومبقتضاه اسرتدت بيزنطة كل ما كان لها من البالد التي كانت قد سقطت يف أيدي الفرس‪ ،‬مبا يف‬
‫ذلك أمالكهم يف بالد الجزيرة الفراتية والشام ومرص(‪. )2‬‬
‫مىش هرقل حافياً إىل القدس حامالً ما يسمى بالصليب املقدس عام ‪ .006‬وهذه هي سنة لقاءه مع أيب‬
‫سفيان ملا وصلته رسالة نبي اإلسالم محمد ‪.‬وبعد رجوع هرقل إىل القسطنطينية استقبله أهلها استقبال‬
‫األبطال‪ ،‬وحمل له الشعب أغصان الزيتون ورتلوا املزامري وهتفوا باسمه‪.‬‬
‫مل تدم فرحة هرقل طويالً؛ إذ مل متض إال برهة من الزمن وإذا به يواجه جيوش املسلمني‪ .‬وبعد معركة‬
‫(‪)1‬‬
‫الريموك‪ ،‬حسم مصري بالد الشام‪ ،‬ثم مل تلبث مرص أن مشت كذلك‪ ،‬ثم شامل أفريقيا‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابن العبري‪ ،‬تاريخ الزمان‪ ،‬ص ‪. 00‬‬


‫(‪ )2‬ابن األثير‪ ،‬عز الدين بن األثير(ت ‪036‬هـ ‪ 7133 /‬م)‪ ،‬أسد الغابة في معرفة الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،3‬دار الكتب‬
‫العلمية ‪ ،‬تحقيق علي عوض ‪ ،‬وسيشار اليه ‪ ،‬ابن األثير‪ ،‬أسد الغابة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 177‬‬

‫(‪ )3‬ابن رسته‪ ،‬األعالقالنفيسة‪ ،‬ص ‪. 731‬‬

‫(‪ )4‬الدوري‪،‬طعمه وهيب خزعل هتاش‪ ،‬أحوال العراق االقتصادية في العصر الساساني رسالة ماجستير غير‬

‫منشورة‪ ،‬جامعة تكريت ‪ ، 1661 ،‬ص ‪ ،737،731‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الدوري‪ ،‬أحوال العراق ‪.‬‬

‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪717‬‬

‫‪55‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫بالد الشام يف الرصاع الساساين – البيزنطي‪:‬‬
‫ويف جملة ما اتخذه البيزنطيون من وسائل التأثري يف الرشقيني ويف جملتهم العرب‪ :‬نرش النرصانية الديانة‬
‫(‪)7‬‬
‫التى قبلوها‪ ،‬ودانوا بها‪ ،‬واتخذوها ديانة رسمية للدولة‪.‬‬
‫ومتكنت النرصانية من كسب بعض العرب فجرتهم إليها‪ ،‬وجذبت إليها القبائل الساكنة عىل حدود األرياف‬
‫واألطراف؛ أي‪ :‬سكان املناطق الحساسة الدقيقة بالنسبة إىل الخطط السياسية والعسكرية "للساسانيني"‬
‫و"للبيزنطيني" عىل حد سواء(‪.)0‬‬
‫وقد كان من سوء املصادفات أن النرصانية كانت قد تجزأت إىل شيع؛ وأن غالبية النصارى العرب متذهبت‬
‫مبذهب يخالف مذهب الروم؛ ولكنها كانت تشعر عىل كل حال أنها مع الروم عىل دين واحد‪ ،‬ولهذا‪ :‬مل‬
‫يحفل ساسة "القسطنطينية" كثرياً مبوضوع اختالف املذاهب‪ ،‬وإن تأملوا من وجوده وظهوره؛ فساعدوا‬
‫نصارى اليمن‪ ،‬ونصارى األماكن األخرى من جزيرة العرب عىل اختالفهم عنهم‪ ،‬وعملوا يف الوقت نفسه عىل‬
‫(‪)0‬‬
‫نرش مذهبهم بني العرب؛ ليتمكنوا بذلك من إيجاد محيط ثقايف سيايس يؤيد البيزنطيني‪.‬‬
‫وشجع "الساسانيون" مذهب "نسطور" مع أنهم كانوا مجوسا ومل يكونوا نصارى‪ ،‬وشجعوه؛ ألنه مذهب‬
‫يعارض مذهب الروم‪ ،‬فانترش يف العراق‪ ،‬ويف إيران‪ ،‬ويف سائر األرضيني الخاضعة للحكم الساساين‪ ،‬ودخل يف‬
‫هذا املذهب أكرث النصارى العرب يف العراق(‪.)2‬‬
‫وكان من نتائج العداء املوروث بني "الساسانيني" و"البيزنطيني" أن انتقلت عدواه للعرب أيضا‪ .‬فصار أناس‬
‫منهم مع "الفرس" وآخرون مع "الروم" وبني العربني عداوة وبغضاء‪ ،‬مع أنهام من جنس واحد‪ ،‬وكالهام‬
‫(‪)1‬‬
‫غريب عن الساسانيني والبيزنطيني‪.‬‬
‫وقد تجمعت هذه العداوة‪ :‬يف غزو "عرب الحرية" للغساسنة‪ ،‬ويف غزو "الغساسنة" ألهل الحرية‪ ،‬حتى يف األيام‬
‫التي مل يكن فيها قتال بني الفرس والروم ‪ ،‬مام أدى أحيانا إىل‪ :‬تكدير صفو السلم‪ ،‬الذي كان بني البيزنطيني‬
‫والساسانيني‪.‬‬

‫أما ملوك "الساسانيني" فقد كانوا يتاجرون مع العرب‪ ،‬يشرتون منهم‪ ،‬ويبيعونهم ويرسلون القوافل بأسامئهم‬
‫إىل العربية الجنوبية؛ لبيع ما تحمله يف أسواقها‪ ،‬ولرشاء سلع العربية الجنوبية يحملونها إىل أسواق العراق‪ ،‬وقد‬
‫كانوا يوكلون حراستها إىل جامعة يختارونهم من سادات القبائل املهيبني املعروفني بجعل يدفعونه لهم‪.‬‬

‫ظهرت يف غضون القرن الثالث امليالدي تطورات جديدة أدت إىل اعتامد هاتني اإلمرباطوريتني عىل إمارتني‬
‫عربيتني حديتني‪ ،‬كل منهام تتبع قوة من القوتني الكبريتني وتدافع عن حدود هذه القوة يف مجابهة القوة‬
‫األخرى‪ ،‬ويف بعض األحيان كان األمر ينتهي بأن ينحرص الرصاع بني هاتني اإلمارتني نفسيهام‪ ،‬دفاعا عن مصالح‬
‫القوى الكربى(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬الفيومي‪ ،‬محمد‪ ،‬تاريخ الفكر الديني الجاهلي ‪ ،‬مكة والصراعات السياسية بين الفرس والرومان ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪7994 ،4‬م‪ ،‬ص‪ ،393‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬الفيومي‪ ،‬تاريخ الفكر الديني ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص‪. 393‬‬
‫(‪ )3‬علي‪ ،‬المفصل‪ ،‬جـ‪ ، 1‬ص ‪.019‬‬
‫(‪ )4‬الفيومي‪ ،‬تاريخ الفكر الديني ‪ ،‬ص‪393‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪393‬‬
‫(‪ )1‬لطفي‪ ،‬عبد الوهاب‪ ،‬العرب في العصور القديمة ‪ ،‬اإلمارات العربية الحدية ‪1663 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،430‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬لطفي‪ ،‬العرب في العصور القديمة ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وقد انقسمت الظروف التي أدت إىل هذا الوضع إىل قسمني بعضها خارجي يخص الدولتني الكبريتني‪ ،‬وبعضها‬
‫داخل يخص شبه الجزيرة‪ .‬وفيام يخص الظروف الخارجية نجد أن كال من هاتني القوتني شهد تغيريات يف‬
‫غضون القرن الثالث والذي يليه كان لها أثرها عىل اتجاه كل منهام‪ .‬ففي الغرب كانت القبائل الجرمانية‬
‫املترببرة قد بدأت مواقعها ووقعها عىل حدود اإلمرباطورية الرومانية وتلت ذلك فرتة من التدهور انتهت‬
‫بتقسيم اإلمرباطورية من الناحية الفعلية يف عهد اإلمرباطور قسطنطني "‪001-060‬م" الذي اتخذ بيزنطة‬
‫"عىل مداخل البحر األسود" عاصمة له بعد أن أعاد تسميتها لتصبح القسطنطينية‪ .‬ثم انتهى األمر بتكريس‬
‫رسمي لهذا التقسيم الفعل يف ‪071‬م‪ .‬كام شهدت هذه اإلمرباطورية الرومانية الرشقية التي بدأت تعرف‬
‫باسم اإلمرباطورية البيزنطية عددا من الرصاعات العسكرية عىل عرش اإلمرباطورية أثر إىل حد ملموس عىل‬
‫فاعليتها يف مجال الرصاع الخارجي‪ .‬أما فيام يخص اإلمرباطورية الفارسية فكانت قد شهدت اضطرابا داخليا‬
‫حول الحكم انتهى بسقوط األرسة الحاكمة الفرثية وقيام األرسة الساسانية مكانها يف ‪000‬م لتنشغل بعد‬
‫(‪)7‬‬
‫ذلك بعض الوقت يف تثبيت دعائم حكمها يف الداخل وسيطرتها عىل إمرباطوريتها يف الخارج‪.‬‬
‫إذ كانت منطقة بالد الشام غري معزولة عمن حولها‪ :‬سياسيا‪ ،‬اقتصاديا‪ ،‬ثقافيا‪ ،‬أو دينيا‪ ،‬فرأينا كيف قامت‬
‫هنا أو هناك تحت إرشاف الكنيسة التي أنشأتها وساعدت عىل قيامها مدارس وميول مذهبية‪ ،‬وهكذا كنا‬
‫نرى أنها ال تكاد توجد إال ويعطل رئتيها الهواء‪ ،‬وهذه املدارس الوليدة كانت صبغة دينية ولسانها ال يرطن‬
‫بغري الرسيانية لغتها القومية(‪.)0‬‬
‫كانت ب عض القبائل التي رمبا جاءت مهاجرة من اليمن قد بدأت تستقر عىل الحدود السورية وهم بنو‬
‫غسان‪ .‬بينام كانت تجمعات قبلية أخرى قد بدأت تستقر يف القسم الرشقي من الهالل الخصيب عىل الحدود‬
‫الغربية للفرات وهم بنو تنوخ الذين كانوا ينتمون إىل تجمع أكرب هو قبائل اللخميني‪ .‬وانتهى األمر‪ ،‬كام مر‬
‫يف مناسبة سابقة إىل أن أصبح كل من هذين التجمعني القبليني يشكل كيانا أساسيا ميكن أن نسميه دولة‬
‫أو إمارة‪ ،‬ما لبثت أن دخلت يف عالقة تبعية مع الدولة الكبرية املتاخمة لها‪ ،‬فالغساسنة دخلوا يف دائرة‬
‫النفوذ البيزنطي والتنوخيون "أو اللخميون "دخلوا يف دائرة النفوذ الفاريس(‪.)0‬‬

‫وقد أدت كل من اإلمارتني دورها كدولة حدية تحمي حدود القوة الكبرية التي تتبعها ضد غارات اإلمارة‬
‫األخرى كام حدث يف الشطر األوسط من القرن السادس الذي شغلته سلسلة من الحروب الضارية بني كل‬
‫من الحارث "الثاين" بن جبلة الغساين‪ ،‬واملنذر "الثالث" بن ماء السامء اللخمي‪ ،‬ولكن مع ذلك فإن دور‬
‫هاتني اإلمارتني مل يكن كلمة تبعية للدولتني الكبريتني‪ .‬ففي عام ‪100‬م‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬نجد الحارث الثاين‬
‫يذهب إىل القسطنطينية وينتزع من اإلمرباطور البيزنطي يوستنيانوس "جستنيان" األول موافقة عىل تعيني‬
‫يعقوب الربدعي أسقفا للعرب السوريني عىل املذهب املونوفيزي رغم مخالفة هذا املذهب للمذهب‬
‫الرسمي البيزنطي‪ ،‬رغم أن الدولة البيزنطية كانت تعترب نفسها حامية لهذا املذهب يف العامل املسيحي‪،‬‬
‫كذلك نجد املنذر األول اللخمي "‪200-272‬م" يقوم بدور يتخطى حدود التبعية اإلمرباطورية الفارسية؛‬
‫فيتدخل يف شئون العرش الفاريس ذاته(‪ ،)2‬كام حدث حني فرض عىل رجال الدين الفرس أن يتوجوا بهرام‬
‫"الذي كان ربيبا لوالده" يف مواجهة منافس قوي من أمراء البيت الحاكم اإلمرباطوري(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 430‬‬


‫(‪ )2‬الفيومي‪ ،‬تاريخ الفكر الديني ‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫(‪ )3‬رمضان‪ ،‬المجتمع البيزنطي ‪ ،‬ص ‪. 97 ،11‬‬
‫(‪ )4‬لطفي ‪ ،‬العرب في العصور القديمة‪ ،‬ص‪431‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.439‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ولكن مع ذلك فإن هذا القدر من حرية الحركة بالنسبة ألمراء هاتني اإلمارتني يبدو أنه مل يكن واردا إال يف‬
‫حاالت إما تعتمد عىل الشخصية القوية ألحد هؤالء األمراء أو ترتبط بظروف تخلخل مؤقت يف األرسة‬
‫الحاكمة يف إحدى الدولتني الكبريتني‪ .‬أما الخط األسايس الذي أثبت نفسه بصفة متواترة فقد كان دامئا حرص‬
‫هاتني الدولتني عىل إزاحة أي أمري من هؤالء األمراء من الطريق إذا بدأت ترصفاته تثري الشك يف مدى والئه‬
‫للدولة التي يتبعها‪ .‬وقد مر بنا يف مناسبة سابقة موقف اإلمرباطور البيزنطي تيربيوس الثاين الذي ساق كال‬
‫من الحارث الثاين وابنه النعامن إىل السجن يف املنفى حني بدأ الشك يساوره يف ترصفات كل منهام‪ ،‬كام رأينا‪،‬‬
‫عىل الجانب اآلخر‪ ،‬اإلمرباطور الفاريس يعني بعد النعامن الثالث اللخمي أمرياً من طيء هو إياس بن قبيصة‬
‫"‪ 077-060‬م" ويعني إىل جانبه مقيام فارسيا أخذ يف قبضته زمام األمور ليصبح األمري العريب مجرد من أية‬
‫سلطة فعلية(‪.)7‬‬
‫وكانت خالل هذا التنافس أخبار البيزنطيني هي الغالبة عىل أخبار القوى األخرى يف أوروبا حيث يذكر‬
‫الواقدي أنهم من القوى املسيحية األوروبية التي أمدت الروم عىل املسلمني بعد تحرير بيت القدس إذ‬
‫يقول أن هرقل (استنجد بكل من يعبد الصليب ويقرأ اإلنجيل فأجابته الرومية والصقالبة واإلفرنج واألرمن‬
‫والدقس وامللغيط والكرج واليونان والغلف والغزية وأهل رومية وكل من يحمل صليبا)(‪.)0‬‬
‫أما اليعقويب فأنه تحدث عن انكامش أرايض الدولة البيزنطية بعد سيطرة املسلمني عىل أجزاء مهمة من‬
‫أراضيها فيقول فصارت محاطة (ببالد الصقالبة والالالن والفرنج ‪ ...‬ومن مدنها‪ ...‬رومية‪ ،‬قونية‪ ،‬أماسة‪،‬‬
‫خرشن‪ ،‬صقلية)(‪.)0‬‬
‫لقد وضح اليعقويب التغريات الكربى عىل الرقعة الجغرافية لإلمرباطورية البيزنطية وجعل روما من مدنها‬
‫وهي معلومات دقيقة الن روما وأجزاء من ايطاليا كانت تحت السيطرة والنفوذ البيزنطي منذ عهد‬
‫‪.‬‬
‫جستنيان (‪101 -101‬م) وبقي النفوذ يف جنوب ايطاليا حتى القرن الحادي عرش‬
‫والنصوص السابقة تؤكد أن الكتاب العرب واملسلمني كانوا متأثرين بالرؤى البيزنطية لألحداث يف أوروبا‬
‫وهي دقيقة وواقعية الرتباطها بالعالقات السياسية والعسكرية بني الدولة العربية اإلسالمية واإلمرباطورية‬
‫البيزنطية لكن املعلومات ذات الطابع التاريخي لإلفرنج تختفي فيها الدقة وتصبح خيالية تعتمد عىل التأويل‬
‫الذي ال يستند إىل الواقع‪ .‬مثال ذلك أن الواقدي يرجع أصل الفرنجة إىل العرب املتنرصة من غسان الذين‬
‫لجأوا إىل غرب أوروبا وجزرها بعد هزمية الروم يف معركة الريموك وهو نفسه يذكر أنهم ساندوا هرقل يف‬
‫حربه عىل املسلمني كام ذكرنا سابقا‪ .‬وميكن تفسري ذلك أن الحضارة الالتينية ليس فيها ما يفيد العرب منه‬
‫فالتخلف هو السائد يف أوروبا آنذاك والكنيسة مهيمنة عىل كل مرافق الثقافة وفيها فقط تؤلف الكتب‬
‫وتقرأ‪ .‬لذلك مل يرتجم العرب واملسلمون عن الالتينية وإمنا اخذوا عن اليونانية وهي لغة الدولة البيزنطية‬
‫ويعلل ابن صاعد األندليس السبب أن (الرومان) بعد املسيحية اضمحلت علوم الفلسفة ملحاربتها كونها‬
‫وثنية لذلك مل يشتهر عنهم ذلك وال عن اللغة الالتينية(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪439‬‬


‫(‪)2‬الواقدي ‪ ،‬محمد بن عمر ‪،‬ت ‪161‬هـ‪،‬فتوح الشام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪7991 ،7‬م‪7 ،‬ج‪ ،‬ص‪ ،739‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬الواقدي‪ ،‬فتوح الشام ‪.‬‬
‫(‪ )3‬اليعقوبي ‪ ،‬تاريخ ‪7 ،‬ج‪ ،‬ص‪.719‬‬
‫(‪ )4‬ابن النديم‪ ،‬أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق ‪ ،‬ت ‪396‬هـ‪996،‬م ‪ ،‬الفهرست ‪ ،‬ط‪ ، 1‬ضبطه وشرحه‬
‫وعلق عليه ‪ :‬يوسف علي القوبل ‪ ،‬وضع فهارسه‪ :‬أحمد شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬بيروت ‪،1661 ،‬‬
‫ص‪ ،399‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن النديم‪ ،‬الفهرست ‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ونجح البيزنطيون يف حل املشكلة العربية عىل حدودهم الجنوبية حال جذريا بنظام األحالف التي عقدوها‬
‫مع القبائل الضاربة عىل مشارف بالد الشام؛ لحراسة هذه البالد من هجامت قد تنطلق من الجزيرة العربية‪،‬‬
‫وقامت القبائل املعنية بدو ٍر ناجح واقترصت مهمة الفرق البيزنطية النظامية املتواجدة يف قواع ٍد ثابت ٍة‬
‫ومتفرق ٍة عىل اإلرشاف عىل تنقالت القبائل ومساعدتها يف التصدي لغزوات البدو عند الحاجة‪ ،‬ونيس‬
‫البيزنطيون بعد ذلك عرب الجزيرة وأنهم قد يشكلون خطرا عليهم يف املستقبل(‪.)7‬‬
‫والحقيقة أن اإلمرباطور البيزنطي هرقل مل يدرك مدى خطورة الوضع عىل جبهته الجنوبية بعد تنامي قوة‬
‫املسلمني حتى رأى نفسه يواجه ‪-‬فجأة‪ -‬زحفهم باتجاه بالد الشام‪ ،‬ومل تنفع تدابريه التي اتخذها عىل عجلٍ يف‬
‫وقفهم؛ حيث كان من الصعب تجريد الحدود مع فارس يف الرشق والصقالبة واآلفار يف الغرب ‪-‬املعرضة للخطر‪-‬‬
‫من الجنود ونقلهم للدفاع عن بالد الشام يف ظل محدودية نقلهم واختيار مواقعهم‪ ،‬وكانت أي محاول ٍة لتدريب‬
‫السكان املدنيني يف هذه البالد وتسليحهم قضية معقدة وبطيئة‪ ،‬وال ميكنها أن تواجه التهديدات الخارجية‬
‫املفاجئة والعنيفة‪ ،‬ويعد املدى الذي ميكن للقوات النظامية أن تتكيف فيه مع األوضاع الطبيعية واملناخية‬
‫قضية أخرى ورأى هرقل أن أفضل وسيلة للدفاع عن بالد الشام يف القرن السابع تكمن يف‪:‬‬
‫‪ -‬تجنيد البدو العرب املقيمني عىل أطراف اإلمرباطورية خاصة أنهم يتمتعون بصف ٍة إضافي ٍة هي معرفة‬
‫طبيعة األرض ومناخها باإلضافة إىل أساليب القتال‪ .‬وتبنى النظرية القائلة إن خري وسيلة لقتال العرب هي‬
‫عرب آخرين إزائهم‪ ،‬لذلك كان من الرضوري لبيزنطة أن تحتفظ بصداقة بعض القبائل وتنويع‬ ‫استخدام ٍ‬
‫صالتها بالعرب‪.‬‬
‫‪ -‬تجنيد األرمن؛ واملعروف أن عديد الجيش البيزنطي النظامي يف بالد الشام مل يكن كبري الحجم‪ ،‬وال ميكن‬
‫لإلدارة العسكرية البيزنطية توفري أكرث من عرشين ألف جندي للدفاع عن هذه البالد يف ظل األخطار التي‬
‫تتعرض لها الواليات األخرى يف آسيا وأوروبا ومرص‪ ،‬وال ميكن الحصول عىل جنو ٍد منها‪ ،‬ومل يكن مثة مجال‬
‫يف البحث عن قوى عسكرية لبالد الشام سوى أرمينية القريبة التي ميكن االعتامد عليها(‪.)0‬‬
‫أوضاع القبائل العربية يف اإلمرباطورية البيزنطية‪:‬‬
‫حصلت هجرات كثرية إىل بالد الشام من العراق أو الجزيرة‪ ،‬وتوزع املهاجرون يف املناطق الخصبة‪ ،‬فقامت‬
‫الدولة العمورية يف املناطق الشاملية وقامت الدولة الفينيقية عىل سواحل البحر املتوسط‪ ،‬والدولة الكنعانية‬
‫يف فلسطني وما حولها‪.‬‬
‫كانت العرب تختلف إىل الشام قبل اإلسالم بقرون طويلة‪ ،‬قامت لهم فيها ويف جوارها دول عظيمة خلقت‬
‫من آثارها مام دل عىل عظمتها‪ ،‬فمنها دولة النبط ويغلب يف أسامء ملوك النبطيني اسم الحارث وعبادة‬
‫ومالك وهم عرب من بقايا العاملقة‪ ،‬والعاملقة قوم من عاد وهم القوم الجبارون يف الشام‪ .‬ومل تخلف‬
‫البرتاء غري تدمر وأصل ملوكها من ساللة عربية أيضا‪ .‬وقد أبقت هاتان الدولتان من أصولهام وحاميتهام‬
‫جندا كثريا أصبحوا بعد من جملة سكان الشام واملادة األوىل للعربية فيه‪ .‬قال نالينو‪ :‬النبط أو النبيط يف‬
‫اصطالح العرب يف القرون األوىل للهجرة اسم أهل الحرض املتكلمني باللغات اآلرامية الساكنني يف الشام‬
‫وخصوصا يف الصقع الواقع ما بني النهرين‪ ،‬وليسوا النبط أو األنباط الذين اتسعت مملكتهم يف أرض الحجاز‬
‫الشاملية إىل حدود فلسطني ونواحي دمشق‪.‬‬

‫(‪)1‬الواقدي‪ ،‬محمد بن عمر‪ :‬مغازي الواقدي‪ ،‬كلكشة‪7911 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ، 71 ،76 ،3‬وسيشار إليه الحقا ً‪ :‬الواقدي‪،‬‬
‫مغازي الواقدي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العريني‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية‪ ،‬ص ‪. 716‬‬

‫‪13‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وقد ذكر املؤرخون أن نزول العرب يف ديار الشام أقدم من ذلك بقرون فإن تكلت فالرس أحد ملوك أشور‬
‫غزا الشام مرارا من سنة ‪ 120‬إىل ‪ 100‬ق‪ .‬م‪ .‬وأخضع يف خالل ذلك السامرة ودمشق وصور وحامة وعرب‬
‫‪.‬‬
‫البادية بني فلسطني ومرص وكانت عليهم يومئذ ملكة اسمها حبيبة‬
‫وقيل‪" :‬إن أول من دخل الشام من العرب سليح وهو من غسان ‪ -‬وغسان ماء نزل عليه قوم من األزد بني‬
‫رمع وزبيد يف اليمن فنسبوا إليه ‪ -‬ويقال من قضاعة فدانت بالنرصانية وملك عليها ملك الروم رجال منهم‬
‫يقال له النعامن بن عمرو بن مالك فلام خرج عمرو بن عامر مزيقيا من اليمن يف ولده وقرابته ومن تبعه‬
‫من األزد أتوا أرض عك يف اليمن ثم أرض الحجاز وصار منهم قوم إىل الشام‪ ،‬منهم آل جفنة ملوك الشام‬
‫فكتب سليح إىل قيرص يستأذنه يف إنزالهم فأذن لهم عىل رشوط رشطها عليهم‪.‬‬
‫كانت االمرباطورية البيزنطية مبثابة خط الدفاع االمامي املنيع ألوروبا يف الرشق ضد الهجامت التي تعرض‬
‫لها االوربيون من جانب العنارص الرشقية االسيوية‪ ،‬فقد لعب االمرباطور البيزنطي هرقل (‪)027 – 076‬‬
‫دورا هاما يف ايقاف تقدم الفرس وسحق قوتهم العسكرية يف نهاية االمر‪.‬‬
‫الضجاعمة‪:‬‬
‫سار الضجاعم إىل برية الشام ودوس إىل برية العراق‪ .‬قال‪ :‬وأما بنو العبيد بن األبرص بن عمرو بن أشجع‬
‫بن سليح؛ فتوارثوا امللك بالحرض الذي آثاره باقية يف برية سنجار‪ ،‬واملشهور منهم الضيزن بن معاوية بن‬
‫العبيد املعروف عند الجرامقة بالساطرون وقصته مع سابور معروفة‪ ،‬ثم استحالت صبغة الرئاسة عن العرب‬
‫لحمري وصارت إىل كهالن إىل بالد الحجاز‪ ،‬وملا فصلت األزد من اليمن كان نزولهم ببالد عك ما بني زبيد‬
‫وزمع؛ فحاربوهم وقتلوا ملك عك قتله ثعلبة بن عمرو مزيقياء‪ .‬قال بعض أهل اليمن‪ ،‬عك بن عدنان بن‬
‫عبد هللا بن أدد‪ .‬قال الدار الدارقطني‪ :‬عك بن عبد هللا بن عدثان بالثاء املثلثة وضم العني وال خالف أنه‬
‫بنونني كام مل يختلف يف دوس بن عدثان قبيلة من األزد أنه بالثاء املثلثة‪ .‬ثم نزلوا بالظهران وقاتلوا جرهم‬
‫مبكة‪ ،‬ثم افرتقوا يف البالد فنزل بنو نرص بن األزد الرشاة وعامن ونزل بنو ثعلبة بن عمرو مزيقياء بيرثب‬
‫‪.‬‬
‫وأقام بنو حارثة بن عمر ومبر الظهران مبكة وهم يقال لهم خزاعة‬
‫وقال املسعودي‪" :‬سار عمرو مزيقياء حتى إذا كان الرشاة مبكة أقام هنالك بنو نرص بن األزد وعمران‬
‫الكاهن‪ ،‬وعدي بن حارثة بن عمرو باألزد حتى نزلوا بني بالد األشعريني وعك عىل ماء يقال له غسان بني‬
‫واديني يقال لهام زبيد وزمع فرشبوا من ذلك املاء فسموا غسان‪ ،‬وكانت بينهم وبني معد حروب إىل أن‬
‫ظفرت بهم معد فأخرجوهم إىل الرشاة وهو جبل األزد الذين هم به وهم عىل تخوم الشام ما بينه وبني‬
‫الجبال مام يل أعامل دمشق واألردن‪.‬‬
‫قال ابن الكلبي‪ :‬ولد عمرو بن عامر مزيقياء جفنة ومنه امللوك والحرث وهو محرق أول من عاقب بالنار‪،‬‬
‫وثعلبة وهو العنقا‪ ،‬وحارثة وأبا حارثة ومالكا وكعبا ووداعة وهو يف همدان وعوفا ودهل وائل ودفع ذهل‬
‫إىل نجران ومنه أسقف عبيدة وذهال وقيسا درج هؤالء الثالثة وعمران بن عمرو فلم يرشب ابو حارثة وال‬
‫عمران وال وائل ماء غسان فليس يقال لهم غسان‪ .‬وبقي من أوالد مزيقياء ستة رشبوا منه فهم غسان وهم‪:‬‬
‫جفنة وحارثة وثعلبة ومالك وكعب وعوف‪ ،‬ويقال إن ثعلبة وعوفا مل يرشبا منه‪ ،‬وملا نزلت غسان الشام‬
‫جاوروا الضجاعم وقومهم من سليح ورئيس غسان يومئذ ثعلبة بن عمرو بن املجالة بن الحرث بن عمرو‬
‫بن عدي بن عمرو بن مازن بن األزد‪ ،‬ورئيس الضجاعم يومئذ داود اللثق بن هبولة بن عمرو بن عوف بن‬
‫ضجعم(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬ابن خلدون ‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪ ،‬ص‪، 334‬‬

‫‪14‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كانت الضجاعم ملوكاً عىل العرب عامال للروم ‪ ،‬يجمعون ممن نزل بساحتهم لقيرص‪ ،‬فغلبتهم غسان عىل‬
‫ما بأيديهم من رياسة العرب ملا كانت صبغة رياستهم الحمريية قد استحالت وعادت إىل كهالن وبطونها‬
‫وعرفت الرئاسة منها باليمن قبل فصولهم‪ ،‬ورمبا كانوا أوىل عدة وقوة‪ ،‬وإمنا العزة للكاثر وكانت غسان ألول‬
‫نزولها بالشام طالبها ملوك الضجاعم باإلتاوة فامنعتهم غسان؛ فاقتتلوا فكانت الدائرة عىل غسان‪ ،‬وأقرت‬
‫بالصغار وأدت اإلتاوة حتى نشأ جذع بن عمرو(‪)7‬بن املجالد بن الحرث بن عمرو بن املجالد بن الحرث بن‬
‫عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن بن األزد‪ ،‬ورجال سليح من ولد رئيسهم داود اللثق وهو سبطة بن املنذر‬
‫بن داود ويقال بل قتلة‪ .‬فالتقوا فغلبتهم غسان وأقادتهم وتفردوا مبلك الشام وذلك عند فساد كان بني‬
‫الروم وفارس؛ فخاف ملك الروم أن يعينوا عليه فارسا‪ ،‬فكتب إليهم واستدناهم ورئيسهم يومئذ ثعلبة بن‬
‫عمرو أخو جذع بن عمرو‪ ،‬وكتبوا بينهم الكتاب عىل أنه إن دهمهم أمر من العرب أمدهم بأربعني ألفا من‬
‫الروم وإن دهمه أمر أمدته غسان بعرشين ألفاً‪ ،‬وثبت ملكهم عىل ذلك وتوارثوه‪ .‬أول من ملك منهم ثعلبة‬
‫بن عمرو فلم يزل ملكها إىل أن هلك وويل مكانه منهم ثعلبة بن عمرو مزيقياء(‪.)0‬‬
‫ويزعم األخباريون أن الغساسنة حني قدموا إىل منطقة حوران والجوالن وجدوا أن قبائل أخرى تسكنها‬
‫وتعرف باسم الضجاعمة الذين أرجعهم النسابون إىل سليح بن حلوان من قضاعة‪ .‬واملعلومات عن‬
‫الضجاعمة غري متوفرة للمؤرخني‪ ،‬ويروي النسابون روايات مضطربة عن الذين تزعموهم ‪.‬يقول األخباريون ‪:‬‬
‫إن الحكم الذي أقامه الغساسنة يف جهات الشام مل يأتهم عفوا وبطريق سهل‪ ،‬إمنا أخذوه بالقوة والحرب‪.‬‬
‫فلام نزلوا املنطقة إىل جوار سليح رضبت هذه عليهم األتاوة لحساب الروم‪ ،‬وكان يتزعم الغساسنة آنذاك‬
‫كبريهم ثعلبة بن عمرو‪ ،‬فتحايل أخوه جذع عىل كبري سليح واغتاله‪ ،‬فوقعت الحرب بني القبيلتني‪ ،‬وكانت‬
‫الغلبة للغساسنة وصار امللك إليهم‪ .‬ويورد األخباريون هذه القصة تفسريا ألصل املثل القائل‪" :‬خذ من جذع‬
‫ما أعطاك"‪ .‬ويظهر أن األخبار املروية عن فتك الغساسنة بالضجاعة مبالغ فيه؛ ذلك أنهم وإن فقدوا ملكهم‪،‬‬
‫فإنهم مل يرتحلوا عن املنطقة‪ ،‬ال بل يروى أنهم أسهموا يف مقاومة خالد بن الوليد يف دومة الجندل‪ ،‬عندما‬
‫تصدى املسلمون لفتح الشام‪. )0(.‬‬
‫كام يروي األخباريون أن الروم كانوا يفرضون نفوذهم عىل الضجاعمة‪ ،‬وأنهم قد أنابوهم عنهم يف جمع‬
‫اإلتاوات من السكان‪ ،‬فلام ظهر الغساسنة عليهم وثقوا بقوتهم واستاملوهم ووطدوا صالتهم بهم‪ ،‬واعرتفوا‬
‫لهم بالرئاسة عىل العرب يف بالد الشام ومدوهم باملعونة‪ ،‬واتخذوا منهم مجنا يتقون به غزوات األعراب‬
‫التي كانت غالبا ما كانت تغري عىل مراكز الحضارة البيزنطية‪ ،‬كام اتخذوا منهم حلفاء ضد أعدائهم الفرس‬
‫يف الرشق‪ ،‬وهكذا أصبح الغساسنة دولة تابعة للروم البيزنطيني(‪. )2‬‬

‫(‪)1‬ابن خلدون ‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪ ،‬ص‪، 331‬‬


‫(‪ )2‬كمال ‪ ،‬السياسة الشرقية ‪ ،‬دار المطبوعات الشرقية ‪ ،‬بيرورت ‪ .‬د‪.‬ت ‪ .،‬وسيشار اليه ‪،‬‬
‫كمال ‪ ،‬السياسة الشرقية ‪ ،‬ص ‪.. 44‬‬
‫(‪ )3‬برو‪ ،‬توفيق ‪ ،‬تاريخ العرب القديم ‪ ،‬دار الفكر‪1667 ،‬م ‪ ،‬ص‪ ، 741‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ ،‬برو ‪ ،‬تاريخ‬
‫العرب ‪ ،‬العلي‪ ،‬المفصل ‪ ،‬ج‪ .713،714 ،4‬خريسات‪ ،‬محمد‪" ،‬دور غسـان فـي الحيـاة العامـة فـي صـدر‬
‫اإلسـالم"‪ ،‬المؤتمـر الدولـي الرابـع لتاريـخ بـالد الشـام‪ ،‬مـج‪ ،7‬الجامعة األردنية وجامعة اليرموك‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫تشرين األول ‪،7991،7991،171‬ص ‪ ،11‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬خريسات‪ ،‬دور غسان ‪.‬‬
‫(‪)4‬جواد‪ ،‬المفصل‪ ،‬ج ‪ .713،714 ،4‬خريسات‪ ،‬محمد‪" ،‬دور غسـان فـي الحيـاة العامـة فـي صـدر اإلسـالم"‪.،‬ص‬
‫‪. 10‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الغساسنة‪:‬‬
‫تؤكد الروايات أنه حوايل نفس الوقت الذي كانت فيه الدولة "التدمرية" آخذة بالزوال كانت إحدى القبائل‬
‫العربية تشق طريقها إىل "حوران" وهؤالء هم "بنو غسان" الذين ينسب سبب رحيلهم عن اليمن إىل تصدع‬
‫قديم يف "سد مأرب" وتنرص "الغساسنة" خالل القرن الرابع(‪. )7‬‬
‫وبنو غسان يف الحقيقة حي من األزد عىل رواية املسعودي من القحطانية قال أبو عبيد‪ :‬وهم بنو جفنة‬
‫والحارث وهو ثعلبة والعنقاء وحارثة ومالك وكعب وخارجة وعون بن عمرو بن مزيقيا‪ .‬وذكر الحمداين أن‬
‫يف البلقاء طائفة منهم وبالريموك الجم الغفري وبحمص منهم جامعة‪ .‬وحكم ملوك غسان حوران والبلقاء‬
‫والغوطة وحمص ودمشق‪ .‬قال املسعودي‪ " :‬كانت ديار ملوك غسان بالريموك والجوالن وغريهام بني غوطة‬
‫دمشق وأعاملها‪ ،‬ومنهم من نزل األردن وقد أخرجت غسان من الشام سلحا وصاروا ملوكها‪ ،‬وأول من ملك‬
‫جفنة بن عمرو فقتل ملوك قضاعة من سليح الذين كانوا يدعون الضجاعمة أو الضجاعم ودانت له قضاعة‬
‫ومن بالشام من الروم وجميع ملوك جفنة من آل غسان اثنان وثالثون ملكا لبثوا يف ملكهم ستامئة وست‬
‫عرشة سنة وقيل أربعامئة سنة"(‪.)0‬‬
‫وبلغت اإلمارة الغسانية يف عهده ذروة اتساعها‪ ،‬فقد امتدت من قرب البرتاء إىل الرصافة شامل تدمر‪،‬‬
‫واشتملت عىل البلقاء والصفا وحوران‪ ،‬وأصبحت برصي التي بنيت كاتدرائيتها سنة ‪ 170‬م العاصمة الدينية‬
‫يف املنطقة‪ ،‬كام اشتهرت بكونها مركزا تجاريا نشطا‪ .‬وملا كان الحارث من أتباع القائلني بالطبيعة الواحدة‬
‫للمسيح "املنوفستية" فقد استطاع يف أثناء إقامته يف القسطنطينية أن يقنع اإلمرباطور بإسناد أسقفيات‬
‫املقاطعات السورية إىل رؤساء هذه الطائفة‪ ،‬بالرغم من مخالفتها ملذهب الدولة الرسمي‪ .‬ويقال‪ :‬إن عدد‬
‫األساقفة الذين عينوا لهذه األسقفيات بلغ تسعة ومثانني‪ ،‬فانترشت العقيدة الجديدة يف سورية يف أثناء‬
‫حكمه وحكم ابنه عىل نطاق واسع والحارث هذا هو امللك الذي روي أن امرأ القيس الشاعر الكندي قد‬
‫لجأ إليه؛ يك يتوسط لدى اإلمرباطور البيزنطي ليعاونه عىل قتلة أبيه‪ .‬وهو أيضا صاحب القصة املشهورة عن‬
‫وفاء السموأل بن عادياء الذي أودع امرؤ القيس لديه دروعه‪ ،‬فأرص عىل رفض تسليمها ملندويب امللك ولو‬
‫كلفه ذلك قتل ولده(‪.)0‬‬
‫وكان متطرفاً يف تأييد مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح‪ ،‬وقد حدث جفاء بينه وبني البيزنطيني بسبب ذلك‪،‬‬
‫إذ ارتاب اإلمرباطور جوستني "ابن أخي جوستنيان وخليفته" بوالء املنذر؛ نظراً لتعصبه الشديد ملذهبه‪،‬‬
‫فكتب رسالة إىل حاكم سورية البيزنطي يأمره فيها بالتخلص منه‪ .‬لكن كاتب اإلمرباطور أرسلها خطأ إىل‬
‫املنذر بدال من الرسالة املوجهة إليه بدعوته إىل زيارة الحاكم للتشاور؛ فحصل الجفاء‪ ،‬وقطع اإلمرباطور عنه‬
‫اإلمدادات مدة ثالث سنوات متعاقبة؛ فتمرد وغادر أرض الروم إىل البادية‪ ،‬األمر الذي أطمع املناذرة بسورية‬
‫فهاجموها وأمعنوا يف غزوهم لها‪ ،‬وأوقعوا الرعب يف قلوب أهلها‪ ،‬مام حمل الروم عىل مصالحة املنذر‪،‬‬
‫والتودد إليه السرتضائه فعقد الصلح بني الطرفني يف مدينة الرصافة سنة ‪112‬م؛ فعاد املنذر إىل عرشه وتصدى‬
‫لحرب املناذرة وانترص عليهم‪ ،‬ومتكن من بلوغ عاصمتهم الحرية وأحرقها وكان ذلك يف عام ‪126‬م(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬الفيومي‪ ،‬الفكر الديني الجاهلي ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬


‫(‪ )2‬علي‪ ،‬خطط الشام ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )3‬كمال‪ ،‬السياسة الشرقية‪ ،‬ص ‪. 41‬‬
‫(‪ )4‬رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬سياسة بيزنطة التنصيرية تجاه العناصر العربية‪ ،‬مركز البحوث‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬ص ‪،4‬‬
‫‪ ، 77‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬رمضان‪ ،‬سياسة بيزنطة ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وزار املنذر وولدان له العاصمة البيزنطية يف العام نفسه‪ ،‬فاستقبله اإلمرباطور الجديد "تيربيوس" الثاين‬
‫بحفاوة عظيمة‪ ،‬وأنعم عليه بالتاج بينام مل يكن ألسالفه سوى اإلكليل يضعونه عىل رءوسهم‪ .7‬وانتهز املنذر‬
‫فرصة وجوده يف العاصمة إلقناع رجال القرص بالتسامح مع أتباع الطبيعة الواحدة والصفح عنهم(‪ ،)7‬ومن‬
‫املحتمل أن يكون قد عقد مجمعا هناك لتعزيز مذهبه‪ ،‬واتصل بالبطاركة للتوفيق بني رجال الكنيستني‪ ،‬لكن‬
‫مساعيه خابت بالرغم من إبداء البطاركة رغبتهم وعدم مامنعتهم يف ذلك‪ .‬لكن الوفاق مل يلبث أن انقلب‬
‫إىل جفاء مرة ثانية‪ ،‬عندما متادى املنذر يف مساعيه الهادفة إىل إعالء شأن مذهبه‪ ،‬األمر الذي أوغر عليه‬
‫صدر الكهنوت الرسمي للدولة؛ فحرض رجاله اإلمرباطور عليه‪ ،‬سيام قد رافق ذلك إسهامه مع حاكم سورية‬
‫البيزنطي يف هجوم عىل الفرس‪ ،‬حيث أحجم الحاكم عن متابعة السري عند رؤيته أن الجرس القائم عىل نهر‬
‫الفرات‪ ،‬والذي يؤدي إىل األرايض الفارسية مهدم؛ فعاد أدراجه إىل الشام‪ ،‬وكتب إىل القسطنطينية كتاباً‬
‫يدفع فيه عن نفسه مسئولية اإلخفاق والخيبة‪ ،‬ويتهم املنذر بالخيانة‪ ،‬وبأن له صالت رسية مع الفرس‪ ،‬وأنه‬
‫قد أخربهم بقيام الحملة‪ ،‬وأوعز إليهم بهدم الجرس ليكتب لها اإلخفاق‪ .‬وزاد األمر سوءا أن املنذر بعد أن‬
‫عاد إىل الشام جهز جيشاً سار به إىل الحرية‪ ،‬فغزاها وألحق بها أرضاراً جسيمة‪ ،‬ومل يغادرها إال وهي شعلة‬
‫من نار‪ ،‬خالفا ملقتضيات الهدنة بني اإلمرباطوريتني‪ .‬فاتخذ الروم من هذه األعامل جميعها دليال عىل تحديه‬
‫لهم؛ فأصدر اإلمرباطور أمراً رسياً إىل عامله الجديد يف الشام ‪ -‬وكان صديقاً للمنذر‪ -‬بأن يحتال للقبض عليه؛‬
‫فدعاه لحضور حفلة تدشني كنيسة جديدة بنيت يف حوران(‪ ،)0‬وما أن أطل عليها حتى ألقي القبض عليه‪،‬‬
‫وأرسله إىل العاصمة مع زوجته وثالثة من أوالده‪ ،‬فوضعوا جميعا يف األرس‪ ،‬ثم جرى نفيهم إىل صقلية حيث‬
‫قىض املنذر نحبه بعد حني(‪.)0‬‬
‫قطع الب يزنطيون بعد ذلك ونهائيا اإلعانة املالية وسواها من اإلعانات التي كانوا يدفعونها للغساسنة؛ فام‬
‫كان من أوالد املنذر‪ ،‬وعىل رأسهم ابنه األكرب النعامن‪ ،‬إال أن غادروا ديارهم وأعلنوا الثورة‪ ،‬فاتخذوا البادية‬
‫منطلقا لسلسلة من الغارات‪ ،‬شنوها عىل أرايض البيزنطيني يف الشام ينهبون ويدمرون‪ .‬وقد استولوا عىل‬
‫بلدة حوارين وقتلوا بعض أهلها‪ ،‬وأرسوا آخرين منهم‪ ،‬وعادوا بكثري من الغنائم‪ .‬ومل يسع القيرص إال اإليعاز‬
‫لحاكمه عىل الشام بتجهيز حملة إليهم‪ .‬فلام رأى الحاكم صعوبة مهاجمتهم يف البادية‪ ،‬ولجأ إىل املكر‬
‫والحيلة؛ فتمكن من إلقاء القبض عىل النعامن‪ ،‬وأرسله أسريا إىل القسطنطينية "‪122‬م" عندئ ٍذ تجزأت‬
‫اململكة إىل أقسام متعددة يرأس كال منها أمري‪ ،‬وتحالف بعضهم مع دولة الفرس‪ ،‬وبقي بعضهم اآلخر بجانب‬
‫بيزنطة‪ .‬والواقع أن تاريخ الغساسنة يف هذه الفرتة يبدو عىل يشء من الغموض واالضطراب ‪ .‬أما الفوىض‬
‫فقد بقيت سائدة مدة من الزمن؛ األمر الذي شجع الفرس عىل مهاجمة سورية بني ‪072-077‬م إذ استولوا‬
‫عىل دمشق والقدس‪ ،‬ومل يستطع هرقل أن يسرتدهام إال بجهد عظيم "‪007‬م" إذ استولوا عىل دمشق‬
‫والقدس‪ ،‬ومل يستطع هرقل أن يسرتدهام إال بجهد عظيم "‪ 007‬م"‪ .‬ورمبا يكون الروم قد أدركوا قيمة‬
‫تحالفهم مع الغساسنة‪ ،‬فأعادوهم إىل إمارتهم؛ إذ جاء يف أخبار الفتوح العربية لبالد الشام أنهم واجهوا من‬
‫قبل الغساسنة مقاومة؛ إذ حارب هؤالء العرب الفاتحني يف جانب البيزنطيني(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬حتي‪ :‬تاريخ سورية ولبنان‪7 ،‬ج‪ ،‬ص‪ ،449‬جواد‪ ،‬المفصل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.731‬‬
‫(‪ )2‬حتي‪ :‬تاريخ سورية ولبنان‪ ،449 ،7 ،‬العلي ‪ ،‬المفصل‪ ،‬ج ‪.731 ،4‬‬
‫(‪ )3‬ربيع‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 93 ، 19‬‬
‫(‪ )4‬جواد‪ ،‬المفصل‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ :739‬حتى ‪ ،‬فليب ‪ ،‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ‪ ،‬ترجمة جورج حداد‪ ،‬عبد‬
‫الكريم رافق‪ ،‬دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت ‪7919‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ .416‬وسيشار اليه ‪ :‬فيليب‬
‫‪ ،‬تاريخ سورية ‪ ،‬الواقدي‪ ،‬المغازي‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ 7679‬؛ خريسات‪ ،‬دور العرب المتنصرة‪ ،‬ص‪ .749‬لمعرفة‬
‫المزيد عن موقف الغساسنة من الفتح اإلسالمي‪ .‬انظر‪ :‬خريسات‪ ،‬دور غسان في الحياة العامة‪ ،‬ص‪.771‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وكان مؤسس ساللتهم شخص يسمى‪" :‬جفنة بن عمرو مزيقياء" الذي ال يعرف تاريخه بوجه التأكيد‪ ،‬ويف‬
‫التواريخ العربية يختلف عدد امللوك بني أحد عرش‪ ،‬واثنني وثالثني‪ .‬ويسمى الغساسنة أيضا بآل "جفنة" أو‬
‫بأوالد جفنة وذلك ألن‪ :‬أول ملوكهم هو‪" :‬جفنة بن عمرو مزيقيا بن عامر"‪ ،‬ويفرس اإلخباريون سبب تسمية‬
‫عمرو بن عامر بـ‪" :‬مزيقياء" بتفاسري عدة‪ :‬منها "قول حمزة األصفهاين"‪ :‬وتزعم األزد أن عمراً إمنا سمي‬
‫مزيقياء ؛ ألنه‪ :‬كان "ميزق كل يوم من سني ملكه منرية فسمي هو مزيقيا" وسمي ولده "املزاقية" وقيل‪:‬‬
‫إمنا سمى "مزيقيا"؛ ألن األزد متزقت عىل عهد كل ممزق‪ ،‬عندما تهدم سيل العرم‪.‬‬
‫وكانوا من عرب اليمن الهاجرة بعد انهيار سد مأرب ‪ -‬مثل مناذرة الحرية ‪ -‬وقد استقروا ببادية الشام‪،‬‬
‫فأصبحوا تابعني للروم يحمونها من هجامت العرب‪ ،‬وكان الحكم يف البداية لقبيلة (الضجاعمة) وأشهر‬
‫ملوكهم‪ :‬زياد بن الهيولة كام أرشنا سابقا يف حديثنا عن الضجاعمة‪ .‬ثم حكمت قبيلة بني جفنة واتخذوا‬
‫دمشق عاصمة لهم‪ ،‬ومن أشهر ملوكهم‪ :‬الحارث بن جبلة‪ ،‬واملنذر بن الحارث‪ ،‬وجبلة بن األيهم‪ ،‬وهو آخر‬
‫ملوك الغساسنة‪ ،‬ويف عهده دخل املسلمون بالد الشام‪ ،‬ويقال إن جبلة أسلم ثم ارتد وهرب إىل الروم يف‬
‫عهد عمر بن الخطاب‪.‬‬
‫كان "الحارث بن جبلة ‪-‬حوايل ‪ "107-100‬أول هؤالء امللوك‪ ،‬وأعظمهم الذي يظهر ألول مرة عام ‪ ،102‬وهو‬
‫يحارب "املنذر" الثالث اللخمي ملك الحرية‪ .‬واللخميون أصلهم أيضا من جنوب الجزيرة العربية كانوا‬
‫يسكنون عىل طول الحدود الغربية لإلمرباطورية الفارسية‪ ،‬واستخدموا كدولة حاجزة بنفس الطريق التي‬
‫استخدم البيزنطيون بها الغساسنة‪ ،‬واعرتافاً بخدمات "الحارث" فقد عينه اإلمرباطور "يونستنيان" يف العام‬
‫‪.‬‬
‫التايل سيداً عىل كل القبائل العربية يف سورية‪ ،‬ومنحه لقب "فيالرك" رئيس قبيلة وبطريق‬
‫ولقب الحارث بن جبلة بلقب "األعرج" وهو الذي حارب املنذر الثالث بن ماء السامء ملك الحرية وقتله يف‬
‫موقعه عني أباغ "يوم حليمة" وأبىل بالء حسنا يف قتال الفرس؛ فمنحه اإلمرباطور جوستنيان لقب "بطريق"‬
‫وهو يعني قائد عرشة آالف يف الجيش البيزنطي‪ ،‬ولقب "فيالرك" ويعني رئيس قبيلة‪ ،‬وقد ترجم العرب‬
‫هذه األلقاب مبعنى "ملك" ويفرس بعض املؤرخني ذلك بأن رمبا اعترب ملوك الغساسنة أنفسهم خلفاء مللوك‬
‫األنباط‪ .‬وقد قدم الحارث للبيزنطيني خدمات جىل‪ ،‬إذ رفعه والؤه للعرش البيزنطي إىل قتال املناذرة‪ ،‬وأسهم‬
‫يف إخامد فتنة قامت ضد اإلمرباطورية يف السامرة يف فلسطني‪ ،‬وحارب يف الجيش البيزنطي الذي زحف إىل‬
‫العاصمة الفارسية بقيادة القائد "بليزاريوس" لكنه آثر االنفصال عن الجيش البيزنطي‪ ،‬والعودة إىل مراكز‬
‫إمارته‬
‫ويف عام ‪ 122‬أرس "املنذر" أحد أبناء "الحارث" وقدمه ضحية لآللهة "العزى" التي تقابل "أفروديت"‪ ،‬وانتقم‬
‫"الحارث" لنفسه بعد عرش سنوات يف معركة حاسمة جرت قرب "قنرسين" حني قتل غرميه اللخمي أهم‬
‫دور لعبته هاتان ا مللكتان هو أنهام كانتا جرسا عربت عليه ألوان من حضارة الفرس والروم إىل الجزيرة‬
‫‪..‬‬
‫العربية‬
‫أما يف الشامل فقد نزل التنوخيون قبل اإلسالم بقرون‪ ،‬وسموا تنوخيني ألنهم حلفوا عىل املقام بالشام‪،‬‬
‫والتتنخ والتنوخ املقام‪ ،‬كانوا قبائل تتاخم منازلها مملكة الروم‪ ،‬فلام غزا ملك الفرس الروم‪ ،‬وأذرع فيهم‬
‫القتل والسبي وخرب العامئر‪ ،‬أنفذ ملك الروم إىل تنوخ يستنجدهم‪ ،‬عىل ملك الفرس فأنجدوه‪ ،‬وقاتلوا معه‬
‫قتاالً شديداً‪ ،‬ثم سألوا ملك الروم أن يتولوا حرب الفرس منفردين عن جند الروم لتظهر له طاعتهم وغناؤهم‬
‫فأجابهم إىل ذلك فقاتلوا الفرس وظفروا بهم؛ فأعجب بهم ملك الروم وفرق فيهم الدنانري والثياب وقربهم‬
‫وأدناهم وأقطعهم سورية وما جاورها من األصقاع إىل الجزيرة‪ .‬وسورية مدينة بقرب األحص عىل جانب‬
‫الربية‪ .‬قال ابن العديم‪ :‬هذا منتهى أمرهم يف الجاهلية‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ومل يعرف الزمن الذي كان فيه التنوخيون‪ ،‬وبعضهم يقول‪ :‬إنهم كانوا يف أواخر القرن الثالث للمسيح ويقول‬
‫املسعودي‪ :‬إن قضاعة بن مالك بن حمري أول من نزل الشام وانضافوا إىل ملوك الروم فملكوهم‪ ،‬بعد أن‬
‫دخلوا يف دين النرصانية‪ ،‬عىل من حوى الشام من العرب‪ ،‬فكان أول ملوك تنوخ النعامن بن عمرو بن مالك‪،‬‬
‫ثم ملك بعده عمرو بن النعامن ابن عمرو‪ ،‬ثم ملك بعده الحواري بن النعامن ومل ميلك من تنوخ غريهم‪.‬‬
‫ثم وردت سليح الشام فتغلبت عىل تنوخ وتنرصت فملكتها الروم عىل العرب الذين بالشام‪ .‬قال‪ :‬وغلبت‬
‫غسان عىل من بالشام من العرب؛ فملكها الروم عىل العرب وإن من ملكته الروم من اليمن بالشام تنوخ‬
‫والضجاعم من سليح بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وغسان استكفاء بهم من يليهم من بادية‬
‫العرب(‪. )7‬‬
‫قام النعامن بن عمرو يف عام ‪100‬م بزيارة لبالط "بوستنيان‪ ،"0‬حيث ترك تأثريا عميقاً عىل أفراد الحاشية‬
‫كشيخ بدوي مهيب‪ ،‬وحصل أثناء وجوده يف القسطنطينية عىل تعيني "يعقوب الربادعي" أسقاف عىل‬
‫الكنيسة املونوفيزية السورية؛ وقد انترشت العقيدة الجديدة يف سورية كلها أثناء حكمه وحكم إبنه‪ ،‬ويقال‪:‬‬
‫إن يعقوب الربادعي رسم مائة ألف كاهن‪ ،‬ونصب تسعة ومثانني أسقفا يف تلك البالد‪ ،‬ووصلت اململكة‬
‫حينذاك ذروة اتساعها؛ وإذا كانت متتد قرب "البرتا" إىل "الرصافة" شامل "تدمر"‪ ،‬وتشتمل عىل "البلقاء"‬
‫والصفا وحوران‪ ،‬ولكن حامسته للمذهب الذي تعتربه بيزنطة غري متفق مع الديانة الرسمية باعدت بينه‬
‫وبني "بوستني" الذي بلغ منه أن ارتاب يف والئه السيايس‪ ،‬وبذلك توطد هذا املذهب يف سورية‪ ،‬ويرى بعض‬
‫املؤرخني أن مدة حكمهم نحو ستامئة سنة‪ ،‬وعدد ملوكهم ‪ 00‬ملكاً؛ أي من أوائل القرن امليالدي إىل ظهور‬
‫(‪)0‬‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وانترشت بعض القبائل العربية يف مناطق الحدود الفاصلة بني الجزيرة العربية وبالد الشام مشكلة سداً‬
‫استغلته بيزنطة لصد غارات البدو عىل املناطق الزراعية؛ فقد سكن بنو عذرة وبنو سعد هزيم عىل الطريق‬
‫املمتد من شامل الحجاز إىل بالد الشام‪ ،‬وامتد بعض أفخاذهم وبطونهم إىل وادي القرى(‪ )2‬يف الشامل‪،‬‬
‫واتصلوا باملسلمني يف أواخر حياة النبي صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬واعتنق بعض بني عذرة اإلسالم قبل غزوة‬
‫تبوك يف السنة التاسعة للهجرة(‪.)1‬‬
‫سكنت إراشة وهي فرع من بل يف منطقة البلقاء يف الشامل فجاورت البيزنطيني وأقامت حلفا معهم‪،‬‬
‫وأسهمت يف قتال املسلمني يف معركة مؤتة(‪ ،)0‬فأرسل إليهم النبي صىل هللا عليه وسلم رسية بقيادة عمرو‬
‫بن العاص ريض هللا عنه فقاتلهم وفرقهم‪ ،‬وهي الغزوة التي عرفت بذات السالسل(‪ ،)1‬اضطرت بعدها إراشة‬
‫إىل الدخول يف اإلسالم‪ ،‬ثم ارتدت بعد وفاة النبي صىل هللا عليه وسلم(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬كرد ‪ ،‬خطط الشام ‪ ،‬ص‪.13‬‬


‫(‪ )2‬ملك الروم ‪ ،‬الحموي ‪ ،‬معجم ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )3‬الفيومي‪ ،‬كتاب تاريخ ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬
‫(‪ )4‬وادي القرى‪ :‬واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى‪ .‬الحموي‪ ،‬البلدان ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.341‬‬
‫(‪ )5‬تذكر روايات المصادر أن أحد قادة المسلمين في معركة مؤتة كان ً‬
‫رجال من بني عذرة يقال له قحطبة بن قتادة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سيرة ابن هشام‪ .4،11 :‬وتبوك‪ :‬موضع بين وادي القرى والشام‪ ،‬وهو بين الحجر وأول الشام‪.‬‬
‫المصدر نفسه‪ .1،74 ،‬عباس‪ ،‬تاريخ بالد الشام‪ ،‬ص‪744‬؛ عاقـل‪ ،‬نبيه‪" ،‬موقـف سكـان بـالد الشام من‬
‫الفتـح"‪ ،‬المؤتمـر الدولـي الرابـع لتاريـخ بـالد الشـام‪ ،‬مـج‪ ،3‬الجامعة األردنية وجامعة اليرموك‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫‪ 70،11‬آذار ‪7991‬م‪7991 ،‬م‪ ،‬ص‪ .719‬وسيشار اليه ‪ ،‬عاقل ‪ ،‬موقف سكان‬
‫(‪ )1‬مؤتة‪ :‬قرية من قرى البلقاء في حدود الشام‪ ،‬وقيل‪ :‬مؤتة من مشارف الشام‪ .‬المصدر نفسه‪.116 ،1،179 :‬‬
‫(‪ )1‬ابن هشام‪ ،‬السيرة ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.139‬‬
‫(‪ )1‬تتحدث المصادر من غارة قام بها عمرو بن العاص أثناء حروب الردة على بلي وبعض القبائل األخرى‪ .‬الطبري‪،‬‬
‫تاريخ األمم‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص‪. 361‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أشارت روايات املصادر إىل نزول لخم بني مدين(‪ )7‬وتبوك امتدادا إىل أذرح(‪ ،)0‬وانترش اللخميون يف املنطقة‬
‫الواقعة غرب البحر امليت ونهر األردن ‪ ،‬وسكنت قبيلة جذام يف املنطقة املمتدة من تبوك إىل رشق وادي‬
‫عربة والبحر امليت حتى منطقة البلقاء حول عامن(‪ ،)0‬فتداخلت مع سكن بعض فروع لخم‪ ،‬شكلت هاتان‬
‫القبيلتان جزءا من التحالف القبل الخاضع لبيزنطة الذي حارب املسلمني يف معركة مؤتة‪ ،‬وكانت غزوة تبوك‬
‫ردا عىل تحرك القبائل العربية والبيزنطيني باتجاه املناطق الجنوبية(‪ )2‬ويبدو أن بعض بطون لخم هالهم‬
‫تحالف قبل ‪ -‬بيزنطي موج ٍه ضد إخوانٍ لهم من العرب‪ ،‬فأسلم نف ٌر منهم يف السنة التاسعة للهجرة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قيام‬
‫واعتزلت حدس ‪-‬وهي إحدى بطون لخم‪ -‬القتال يف مؤتة‪ ،‬لكن هذين الحدثني ال يكفيان إلقامة الدليل عىل‬
‫قيام عالقا ٍت طيب ٍة بني املسلمني وقبيلة لخم(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫عالقات طيبة مع‬ ‫وأغرى تعاظم قوة املسلمني بعد فتح مكة بعض الجذاميني فاعتنقوا اإلسالم وأقاموا‬
‫املسلمني‪ ،‬مثل‪ :‬فروة بن عمرو الجذامي حاكم معان(‪ )0‬من قبل بيزنطة(‪ )1‬وساند بنو الضبيب ‪-‬وهم رهط‬
‫من جذام اعتنقوا اإلسالم‪ -‬زيدا بن حارثة عندما هاجم الجذاميني الذين اعتدوا عىل دحية بن خليفة الكلبي‬
‫ريض هللا عنه مبعوث النبي صىل هللا عليه وسلم إىل اإلمرباطور البيزنطي هرقل(‪.)2‬‬
‫نزلت قبيلة القني ‪ -‬بلقني‪ -‬يف املنطقة الواقعة رشق ديار لخم وجذام؛ أي يف املنطقة املمتدة من وادي ثجر‬
‫شامل تيامء مبحاذاة وادي الرسحان‪ ،‬وباتجاه الشامل إىل تخوم حوران‪ ،‬وجاورت بالد بل وعذرة‪ ،‬وكان بنو‬
‫القني من ضمن التحالف القبل الذي حارب املسلمني يف معركة مؤتة ويبدو أن جامعة منهم اعتنقت اإلسالم‬
‫قبل وفاة النبي صىل هللا عليه وسلم يف السنة الحادية عرشة للهجرة‪ ،‬وأن النبي صىل هللا عليه وسلم وىل‬
‫‪.‬‬
‫عليهم عمرو بن الحكم ريض هللا عنه‬
‫فرض الغساسنة وجودهم يف مناطق حوران ورشق األردن وبعض فلسطني‪ ،‬بعد أن تغلبوا عىل بني سليح‬
‫الضجاعمة وكالء البيزنطيني‪ ،‬وشعر البيزنطيون مبدى قوتهم‪ ،‬فخشوا أن ينضموا إىل الفرس فاستقطبوهم‬
‫وأحلوهم محل السليحيني‪ ،‬وعقدوا معهم حلفا دفاعيا هجوميا موجها ضد غارات البدو وهجامت اللخميني‪،‬‬
‫وقام الغساسنة بتنفيذ الدور الذي حددته لهم بيزنطة عىل الرغم من أن الطرفني كانا عىل ٍ‬
‫خالف مذهبي‬
‫فإن ذلك مل يؤثر عىل العالقة السياسية بينهام‪ ،‬ومتتع أمراء الغساسنة بلقب فيالرك الذي أضفاه عليهم‬
‫‪.‬‬
‫األباطرة البيزنطيون‬
‫شكل الغساسنة عامد التجمع القبل اللخمي والجذامي املعادي للمسلمني يف غزوة تبوك‪ ،‬وقد رفض الحارث‬
‫بن أيب شمر الغساين دعوة النبي صىل هللا عليه وسلم إىل اعتناق اإلسالم‪ ،‬واستمر يف تحالفه مع البيزنطيني‪،‬‬
‫والراجح أنه كان يخىش خطر التمدد اإلسالمي باتجاه الشامل عىل وضع القبيلة الديني والسيايس وعالقتها‬
‫ببيزنطة(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬مدين‪ :‬قرية تجاه تبوك بين المدينة والشام‪ .‬الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪.1،11 ،‬‬
‫(‪ )2‬أذرح‪ :‬اسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة ثم من نواحي البلقاء‪ .‬المصدر نفسه‪.7،719 :‬‬
‫(‪ )3‬حمارنـة‪ ،‬صالح‪ ،‬دور جـذام فـي الفتـوح اإلسالمية‪ ،‬دراسات تاريخية‪ 11 ،79،‬ﻤﻨﺸورات وزارة الﺴﻴاﺤة‬
‫واالﺜار‪ .‬االردﻨﻴة‪ .، .‬عﻤان‪7990 ، .‬م ‪7990 ،‬م‪ ،‬ص‪ 717‬وسيشار اليه ‪ ،‬حمارنة ‪ ،‬دور جذام ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الواقدي‪ ،‬مغازي الواقدي‪.3،7671 ،‬‬
‫(‪ )5‬الطبري‪ ،‬تاريخ األمم‪ ،‬ج ‪،3‬ص ‪.90‬‬
‫(‪ )1‬معان‪ :‬مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء‪ .‬الحموي‪ ،‬البلدان ‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪. 713‬‬
‫(‪)1‬ابن هشام‪ ،‬السيرة‪ ،‬ج ‪.171 ،4،170‬‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪ :‬ص‪ ،131‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪.143،399‬‬
‫(‪ )5‬رمضان‪ ،‬المجتمع البيزنطي‪ ،‬ص ‪. 91 ،97‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ٍ‬
‫جامعات من الغساسنة يف الجنوب يف تيامء واملدينة وقد تأثروا بالدعوة اإلسالمية‪ ،‬ورمبا كان‬ ‫سكنت بعض‬
‫الوفد الغساين الذي قدم إىل املدينة يف العام العارش للهجرة ليبايع النبي صىل هللا عليه وسلم هو من هذه‬
‫الجامعات(‪.)7‬‬
‫وجدت قبائل أخرى يف بالد الشام لكنها مل تكن عىل قد ٍر من القوة واملنعة واألهمية حتى تعريها املصادر‬
‫اهتامما‪ ،‬مثل تنوخ؛ وقد نزلت يف أواسط بالد الشام وشاملها عىل تخوم البادية املمتدة شامالً حتى قنرسين‬
‫وحلب‪ ،‬وقد ساند التنوخيون البيزنطيني يف معركة مؤتة‪ ،‬وسكنت بهراء يف أواسط ورشق بادية الشام‪،‬‬
‫وامتدت ديارها حتى نهر الفرات‪ ،‬والراجح أنها كانت موالية لبيزنطة وأن فئة من رجالها حاربوا إىل جانب‬
‫البيزنطيني يف معركة مؤتة(‪.)0‬‬
‫اتخذت بالد الشام منذ العام السادس للهجرة حيزاً بارزاً يف سياسة النبي محم ٍد صىل هللا عليه وسلم‬
‫الخارجية‪ ،‬بعد أن حسم الوضع السيايس الداخل يف الحجاز لصالحه إثر صلح الحديبية وكان اهتاممه بتلك‬
‫ٍ‬
‫كهدف حيوي‪:‬‬ ‫البالد‬
‫‪ -‬بوصفها أرضا عربية مثل الحجاز‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة مراكز إسالمية عىل األطراف الشامية لنرش الدعوة بني القبائل العربية الوثنية منها واملتنرصة‪،‬‬
‫واحتوائها تحت راية الدولة اإلسالمية يف املدينة أو عقد صل ٍح معها لتمتني النفوذ اإلسالمي يف تلك الربوع‪.‬‬
‫‪ -‬فك تحالفها مع الدولة البيزنطية‪.‬‬
‫‪ -‬السيطرة عىل طريق التجارة؛ إذ إن مضاربها تعد مبثابة معابر مهمة للتجارة بني بالد الشام وأنحاء الجزيرة‬
‫العربية يف الوقت الذي وصلت فيه تجارة القوافل إىل ذروة النشاط واالستقرار‪.‬‬
‫وأخذ النبي صىل هللا عليه وسلم يراقب الوضع يف تلك املناطق من خالل الرسايا املبكرة التي كان يرسلها‪،‬‬
‫والرسائل املوجهة إىل اإلمرباطور البيزنطي هرقل واألمري الغساين رشحبيل بن عمرو وصاحب برصى وسائر‬
‫‪.‬‬
‫رؤساء القبائل العربية‬
‫روت املصادر العربية اإلسالمية سفارة الرسول (صل هللا عليه وسلم) حملت كتاب النبي (صل هللا عليه‬
‫وسلم) إىل هرقل عظيم الروم؛ أي إمرباطور بيزنطة؛ وكان حينها يف بالد الشام بسوريه؛ وتاريخ هذه السفارة‬
‫سنة (‪0‬هـ ‪001 /‬م) بعد منرصف النبي (صل هللا عليه وسلم) من الحديبية؛‬
‫وكان دحيه بن خليفة الكلبي سفري النبي (صل هللا عليه وسلم) إىل هرقل قيرص الروم؛ ونسخة الكتاب‪- :‬‬
‫" بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬من محمد ٍ عبد هللا ورسوله إىل هرقل عظيم الروم‪ ،‬سال ٌم عىل من أتبع الهدى‪،‬‬
‫أما بعد‪ :‬فأين أدعوك بدعاية اإلسالم‪ ،‬أسلم تسلم‪ ،‬أسلم يؤتك هللا أجرك مرتني فإن توليت فإمنا عليك إثم‬
‫األريسني ‪،‬و((يأهل الكتاب تعالوا إىل كلمة سواء بيننا وبينكم‪ ،‬أال نعبد إال هللا‪ ،‬وال نرشك به شيئا ‪ ،‬وال يتخذ‬
‫بعضنا أربابا من دون أهلل‪ ،‬فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون))(‪.)2(")0‬‬

‫(‪ )1‬الطبري‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.736‬‬


‫(‪ )2‬رمضان‪ ،‬المجتمع البيزنطي‪ ،‬ص ‪. 767 ،99‬‬
‫(‪ )3‬سورة ال عمران ‪ ،‬اآلية ‪.04‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ‪،‬محمد بن إسماعيل‪110،‬هجرية‪ ،‬الجامع الصحيح ‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت ‪، 7991 ،‬جـ‪ ، 1‬ص‪.1‬وسيشار‬
‫اليه ‪ ،‬البخاري ‪ ،‬الجامع ‪ ،‬الطبري‪ ،‬تاريخ للرسل والملوك ‪ ،‬جـ ‪ ، 3‬ص‪ .91‬أبن األثير ‪ ،‬الكامل في التاريخ‬
‫‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص‪.97‬كذلك ينظر‪ .،:‬الحلبي‪ ،‬علي برهان‪،‬ت‪7644‬هـ‪ ،‬السيرة الحلبية من السيرة األمين‬
‫والمأمون ‪ ،‬دار المعرفة‪،‬بيروت ‪7466‬هـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،300‬ولزرعي محمد بن أبي أيوب أبو عبد هللا ‪،‬ت‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وورد نص هذا الكتاب يف كتاب صبح األعىش نصه‪:‬‬
‫من محم ٍد رسول هللا إىل اإلسالم‪ ،‬فإن أسلمت فلك ما للمسلمني‪ ،‬وعليك ما عليهم‪ ،‬وإن مل تدخل يف اإلسالم‪،‬‬
‫فأعط الجزية(‪ ، )7‬فأن هللا تعاىل يقول‪ :‬ـ ((قتلوا الذين ال يؤمنون باهلل وال باليوم اآلخر وال يحرمون ما حرم هللا‬
‫ورسوله وال يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتب‪ ،‬حتى يعطوا الجزية عن ي ٍد وهم صاغرون ))(‪ .)0‬وإال‬
‫فال تحل بني الفالحني وبني اإلسالم إن يدخلوا فيه أو يعطوا الجزية ))(‪. )0‬‬
‫وبعد قراءة النصني لكتاب الرسول صىل هللا وسلم إىل ملك أو إمرباطور الروم؛ نفهم من مضمون الكتاب‬
‫عدة حقائق سياسية ودينيه؛ أولها اعرتاف النبي صىل هللا عليه وسلم بسلطة إمرباطور الروم‪ ،‬ودعوة األخري‬
‫لالعرتاف باإلسالم دينا ودولة‪ .‬ووسمه بتحية اإلسالم؛ واستشهد نبي الرحمة باآلية القرآنية التي تدعو أهل‬
‫الذمة من اليهود والنصارى للتقارب مع املسلمني املوحدين فالرابط املشرتك بني هذه األديان وحدانية هللا‬
‫واإلخالص يف عبادته؛ وحمل النبي (صل هللا عليه وسلم) اإلمرباطور هرقل اإلثم يف حالة عدم اإلميان‬
‫‪.‬‬
‫واالعرتاف بالرسالة اإلسالمية؛ وعىل عكس ذلك كسب األجر مرتني‬
‫سفارة الرسول (صل هللا عليه وسلم) إىل امللك الحارث بن أيب شمر الغساين(‪ )2‬ملك دمشق (‪0‬هـ‪001/‬م)‬
‫أرسل النبي محمد (صل هللا عليه وسلم) شجاع بن وهب االسدي سفريا إىل الحارث بن أيب شمر الغساين‬
‫صاحب دمشق وذلك سنة (‪0‬هـ ‪001/‬م)؛ وبعث معه كتابا جاء فيه‪:‬‬
‫((بسم هللا الرحمن الرحيم‪ ،‬من محم ٍد رسول هللا إىل الحارث بن أيب شمر‪ .‬سال ٌم عىل من أتبع الهدى وآمن‬
‫باهلل وصدق‪ ،‬وإين أدعوك أن تؤمن باهلل وحده ال رشيك له يبقى لك ملكك(‪.))1‬‬
‫وكانت رد فعل الحارث بن أيب شمر الغساين أزاء ذلك الكتاب والسفارة حسب ماروت لنا املصادر التاريخية‬
‫سلبيا أنه رمى الكتاب وقال‪ :‬ـ ((من ينزع مني مليك؟ أنا سائر إليه))(‪.)0‬‬

‫‪117‬هـ‪ ،‬زاد المعاد في هدى خيرالعباد‪،‬تحقيق شعيب االرناؤط مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ،7990 ،‬جـ ‪، 7‬‬
‫ص ‪ ، 779‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬الزرعي‪ ،‬زاد المعاد ‪ ،‬األندلسي ‪ ،‬الكالعي‪ ،‬أبو ربيع سليمان بن موسى‬
‫األندلسي ‪،‬ت ‪034‬هـ‪ ،‬االكتفاء بما تضمنه مغازي رسول هللا ‪،‬ص‪ ،‬والثالثة الخلفاء ‪ ،‬تحقيق محمد كمال‬
‫الدين ‪،‬ط‪ ، 7‬بيروت ‪ ،7991 ،‬جـ‪، 1‬ص‪ ، 319‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬األندلسي‪ ،‬االكتفاء بما تضمنه مغازي‬
‫الرسول‪ ، ،‬ابن كثير ‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل ‪،‬ت ‪114‬هـ ‪،‬السيرة النبوية ‪،‬دار المعرفة ‪،‬بيروت ‪،‬بال ‪،‬‬
‫جـ‪،1‬ص‪ ،499‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬ابن كثير‪ ،‬السيرة النبوية ‪.‬‬
‫(‪،)1‬الجزية ‪:‬ضريبة قديمه شاعت بين الفرس والبيزنطيين ‪ :‬وكانت نقوداً تفرض بدل الخدمة العسكرية ؛ وفي‬
‫عصر الرسول فرضت على غير المسلمين من أهل الذمة الرجال القادرين على حمل السالح حصراً‪ ،‬مقدارها‬
‫دينار واحد سنويا ً ‪.‬ينظر ‪:‬ترتون‪ .‬الجزية في اإلسالم‪ ،‬ط‪، ،7‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪ ، 43‬وسيشار اليه ‪ ،‬ترتون ‪،‬‬
‫الجزية‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة التوبة ‪ ،‬اآلية‪19‬‬
‫‪ )3( ،‬القلقشندى ‪ ،‬صبح األعشى ‪ ،‬جـ ‪ ،0‬ص‪.310‬‬
‫(‪ )4‬الحار ث بن أبى شمر الغساني ‪:‬ـ هو الحارث السابع شرحبيل بن عمرو الرابع المعروف بأبي شمر األصغر‬
‫والذي تولى ملكه سنه‪011‬مالى سنه ‪036‬ميالدية وقد ورد بعدة صيغ لدى الطبري ‪ ،‬تاريخ جـ‪ ،3‬ص‪. 94‬‬
‫كذلك ‪ .99‬كذلك ‪:‬ـ ابن إسحاق‪ ،‬السيرة النبوية‪ ،‬مج‪ ،1‬ج‪9‬ص‪341‬ابن هشام ‪ ،‬عبد الملك بن أيوب الحميري‬
‫المعافري ‪،‬ت ‪173‬هـ‪ ،‬السيرة النبوية ‪ ،‬ط ‪ ، 7‬تحقيق طه عبد الرؤوف ‪،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ‪7477 ،‬هـ‪، ،‬‬
‫جـ‪،1‬ص‪ .391‬وسيشار اليه ‪ ،‬ابن هشام ‪ ،‬السيرة النبوية‬
‫(‪ )5‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬جـ‪ ،3‬ص‪ .99‬الكالعي‪ ،‬االكتفاء ‪ ،‬جـ‪،1‬ص‪ .460‬الحلبي ‪ ،‬السيرة الحلبية‬
‫‪،‬جـ‪، 1‬ص‪ .310‬الزرعي محمد بن أبي أيوب أبو عبد هللا ‪،‬ت ‪117‬هـ‪ ،‬زاد المعاد في هدى خيرالعباد‪،‬تحقيق‬
‫شعيب االرناؤط مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪ 7990 ،‬جـ‪ ،3‬ص‪ ،091‬وسيشار اليه ‪ ،‬الزرعي ‪ ،‬زاد المعاد ‪.،‬‬
‫(‪ )1‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬جـ‪ ،3‬ص‪ .99‬الحلبي ‪ ،‬السيرة الحلبية ‪ ،‬جـ‪ ،1‬ص‪.310‬‬

‫‪12‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫يبدو أن حفيظة امللك الغساين ثارت عندما قرأ مضمون الكتاب النبوي؛ ويظهر أن هذا الكتاب جاء‬
‫معارصا للكتاب النبوي املوجه إىل هرقل؛ بدليل إن األخري وبخ وثنا الحارث عن عزمه(‪.)7‬‬
‫والواقع إن الحارث بن أيب شمر الغساين مل يكن قادرا للسري بجحافله إىل مدينة الرسول (صل هللا عليه‬
‫وسلم)؛ فالرسايا والجيوش العربية اإلسالمية وصلت طالئعها منذ سنه (‪0‬هـ‪001/‬م) إىل شامل الحجاز إىل‬
‫مدن دومة الجندل وفدك وغريها‪.‬فضال عن عدم قدرة الحارث املادية والعسكرية للوصول إىل قلب‬
‫الحجاز(‪.)0‬‬
‫وبلغ النبي (صل هللا عليه وسلم) مبوقف الحارث بن أيب شمر الغساين قال عنه‪ :‬ـ ((باد ملكه)) وهذا‬
‫يعني زوال ملك غسان من بالد الشام؛ وهذا ما تحقق بالفعل بعيد التحرير العريب اإلسالمي لبالد الشام يف‬
‫‪.‬‬
‫العرص الراشدي؛ وتحديدا بعيد معركة الريموك‬
‫وكتاب النبي (صل هللا عليه وسلم) إىل امللك الحارث بن أيب شمر الغساين يبني الدعوة إىل االعرتاف باإلسالم‬
‫دينا ودولة؛ لكون مملكة الغساسنة من املامليك العربية املنترصة أي؛ بدليل تذكري النبي (صل هللا عليه وسلم)‬
‫للحارث بالدعوة إىل التوحيد ليدوم ملكه؛ ألنا ألرض وما عليها هي ملك هلل وحده؛ وبالرغم من ذلك مل يعرتف‬
‫الحارث الغساين مبحتوى هذا الكتاب ال ليشء؛ أال لكونه ال يريد االعرتاف بنبوءة الرسول محمد (صل هللا عليه‬
‫وسلم) وسلطته الفعلية عىل وسط وجنوب وشامل الحجاز وقتذاك‪ ،‬بتنامي القوة اإلسالمية شعرت القبائل‬
‫املوالية لبيزنطة يف جنوب بالد الشام بحدوث تغيريٍ ديني وسيايس يف الحجاز عىل مقربة منها‪ ،‬متحض عن قيام‬
‫حكوم ٍة مركزي ٍة قوي ٍة يف املدينة‪ ،‬ودخلت يف طاعتها معظم قبائل الجزيرة العربية‪ ،‬وراحت تتطلع نحو الشامل‪،‬‬
‫ورأت يف هذا التطور خطرا يهدد كيانها الديني والسيايس؛ لذلك وثقت عالقاتها ببيزنطة‪.‬‬

‫رأى هرقل يف هذا التنامي تدخال يف شئونه واخرتاقا لسيادته بعد انتصاره الكبري عىل الفرس‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫عده مجرد اندفاع قبل أو محاولة إمارة عربية ناشئة توسيع رقعتها الجغرافية من ذلك النوع الذي اعتاد‬
‫وقت وآخر عىل أطراف الدولة‪ ،‬وال تلبث أن تتوقف تلقائيا عندما يتصدى لها‬ ‫بدو الصحراء أن يشنوه بني ٍ‬
‫‪.‬‬
‫حراس الحدود من فرق الجيش اإلمرباطوري أو القبائل املوالية لبيزنطة التي تعيش عىل تخوم بالد الشام‬
‫املواجهات العسكرية بني املسلمني والبيزنطيني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بتحرك رسيع‪ ،‬وتزعم أكيدر بن عبد‬ ‫دفعت التطورات يف الحجاز القبائل القاطنة يف دومة الجندل إىل القيام‬
‫امللك الكندي النرصاين تحالفا قبليا راح يتهيأ للزحف نحو املدينة‪ ،‬وملـا علم النبي صىل هللا عليه وسلم بتلك‬
‫االستعدادت خرج من املدينة عىل وجه الرسعة يف شهر (ربيع األول ‪1‬هـ‪ /‬أغسطس ‪000‬م)‪ ،‬وتوجه نحو دومة‬
‫الجندل مستبقا قوى التحالف‪ ،‬وملـا وصل إليها مل يجد من يصطدم به‪ ،‬ويبدو أن أكيدر تهيب املوقف فانسحب‬
‫ٍ‬
‫بعمليات استطالعية‪.‬‬ ‫باتجاه الشامل‪ ،‬واستغل النبي صىل هللا عليه وسلم وجوده يف تلك املنطقة فقام‬
‫تعد هذه الغزوة الحلقة األوىل يف سلسلة الرصاع العسكري بني املسلمني والقبائل الضارية عىل تخوم بالد‬
‫الشام خاصة وبني املسلمني والبيزنطيني عامة يف الرصاع عىل بالد الشام‪ ،‬يؤكد هذا ما ذكره الواقدي من أنه‬
‫طرف من أفواه الشام‪ ،‬فلو دنوت‬
‫قيل للنبي صىل هللا عليه وسلم وهو بصدد مهاجمة دومة الجندل‪" :‬إنها ٌ‬
‫منها لكان ذلك مام يفزع قيرص"(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬الطبري ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك ‪ ،‬جـ‪ ،3‬ص‪.99‬‬


‫(‪ )2‬البالذري احمد بن يحيى بن جابر ‪،‬ت‪119‬هـ‪ ،‬فتوح البلدان ‪ ،‬مطبعة لجنة البيان ‪، .‬مصر ‪،7931 ،‬ص‪.91‬‬
‫الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬جـ‪ ، 1‬ص‪. 14‬‬
‫(‪ )3‬الواقدي‪ ،‬تاريخه‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص‪.463‬‬

‫‪13‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫تكثفت هجامت املسلمني عىل املناطق الحدودية مع بالد الشام يف العام السادس للهجرة‪ ،‬نذكر منها رسية‬
‫زيد بن حارثة التي انتهت إىل العيص(‪ ،)7‬وتلك التي انتهت إىل حسمى وراء وادي القرى‪ ،‬وقد ارتبطت كسبب‬
‫بدحية بن الخليفة الكلبي وكان عائدا من بالد الشام بعد أن اجتمع بهرقل‪ ،‬فهاجمته جامع ٌة من جذام‬
‫بقيادة الهنيد بن عارض ومعه ابنه‪ ،‬وال تشري الرواية إىل دور هذا الرجل أو عالقته بالنبي صىل هللا عليه‬
‫ٍ‬
‫كمبعوث له إىل بالد الشام حامال رسالته إىل هرقل‪ ،‬وتدل قرائن هذه‬ ‫وسلم إال إن اسمه يرتدد فيام بعد‬
‫ٌ‬
‫استكامل لها بدليل أن النبي صىل هللا عليه وسلم مل‬ ‫املهمة الثانية أن لها عالقة مبهمة دحية األوىل أو هي‬
‫يرتدد يف إرسال قو ٍة عسكري ٍة لالنتقام له بقيادة زيد بن حارثة ريض هللا عنه فاجأت بني جذام‪ ،‬وقتل زيد‬
‫الهنيد وابنه(‪.)0‬‬
‫يبدو أن هذه الرسية مل تكن محصورة بنتائجها الثأرية‪ ،‬ولكنها مهدت لقيام عالق ٍة وثيقة بني املدينة وقبيلة‬
‫(‪)0‬‬
‫جذام سيكون لها تأثريها يف مسار السياسة التي انتهجها النبي صىل هللا عليه وسلم تجاه القبائل العربية‬
‫رهط من قومه إىل املدينة معتنقا اإلسالم‪،‬‬‫فقد تحدثت روايات املصادر عىل قدوم رفاعة بن زيد الجذامي يف ٍ‬
‫وأجرى مباحثات مع النبي صىل هللا عليه وسلم متحض عنها ما يشبه املعاهدة ‪-‬مل تصلنا بنودها إمنا عرفت‬
‫بنتائجها‪ -‬فقد وافق النبي صىل هللا عليه وسلم عىل إطالق رساح األرسى واألموال التي غنمها زيد ريض هللا‬
‫عنه‪ ،‬وأرسل عل بن أيب طالب ريض هللا عنه مع الوفد لتنفيذ االتفاق(‪ ،)2‬وستهيمن روح هذه املعاهدة عىل‬
‫املعاهدات التي سوف يعقدها النبي صىل هللا عليه وسلم يف املستقبل مع القبائل العربية املتنرصة‪.‬‬
‫مثة رسية أخرى خرجت يف شهر (رجب ‪0‬هـ= ديسمرب ‪001‬م) باتجاه وادي القرى بقيادة زيد بن حارثة ريض‬
‫هللا عنه(‪ ،)1‬وقد أغفلت روايات املصادر دوافعها ونتائجها‪ ،‬إمنا ميكن القول إنها تتعلق بسياسة النبي صىل‬
‫هللا عليه وسلم الشامية‪.‬‬
‫خرجت رسية يف شهر (شعبان ‪0‬هـ= يناير ‪002‬م) بقيادة عبد الرحمن بن عوف ريض هللا عنه باتجاه دومة‬
‫الجندل لقتال قبيلة كلب النرصانية‪ ،‬وقد شغلت حيزا هاما يف سياسة النبي صىل هللا عليه وسلم الشامية؛‬
‫فقد طلب من قائدها أن يتزوج ابنة زعيم القبيلة إن استجاب هو وقومه إىل دعوة اإلسالم؛ وذلك بهدف‬
‫استقطابهم وتعزيزا للعالقات بني الطرفني‪ ،‬ويوضح هذا األهمية التي يعلقها النبي صىل هللا عليه وسلم عىل‬
‫كسب قبيلة كلب إىل جانبه؛ فقد كانت هذه القبيلة أهم مجموع ٍة عربي ٍة يف بالد الشام حني ظهر اإلسالم‬
‫كقو ٍة سياسية‪ ،‬نجح عبد الرحمن ريض هللا عنه يف مهمته واعتنق اإلصبغ بن عمرو الكلبي اإلسالم وتبعه أكرث‬
‫قومه‪ ،‬وتزوج من ابنته!(‪.)0‬‬
‫تكمن أهمية هذه الرسية يف الداللة عىل سياسة النبي صىل هللا عليه وسلم التوسعية يف اتجاه بالد الشام نظرا‬
‫إىل ما متثله دومة الجندل من موق ٍع حيوي يف التجارة مع هذه البالد ال ينافسها فيه سوى برصي(‪ ،)1‬ويذكر بأن‬
‫هذا املوقع لفت نظر النبي صىل هللا عليه وسلم من قبل فقام بغزوه يف مطلع السنة الخامسة للهجرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬العيص‪ :‬موضع في بالد بني سل ْيم من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون‬
‫منها إلى الشام‪ .‬الحموي‪.4،713 :‬‬
‫(‪ )2‬الواقدي‪ ،‬تاريخه‪ ،‬ج ‪.1،111‬‬
‫(‪ )3‬بيضون‪ ،‬إبراهيم‪ :‬دولة الرسول في المدينة‪ .‬بحث في كتاب تاريخ بالد الشام‪ ،‬دار األمل‪ ،‬اربد‪ ،7991 ،‬ص‪،90‬‬
‫‪ ، 91‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬بيضون‪ ،‬دولة الرسول ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الواقدي‪ ،‬فتوح الشام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )5‬ابن سعد‪ ،‬طبقات‪ ،‬ج ‪.1،99‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه ج ‪ ،1‬ص‪.01 ،04‬‬
‫(‪ )1‬بيضون‪ ،‬دولة الرسول‪ ،‬ص‪.99‬‬

‫‪14‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫متيزت الرسية املعروفة بأم قرفة بدوافعها االقتصادية الواضحة؛ فقد خرج زيد بن حارثة ريض هللا عنه يف‬
‫شهر (رمضان ‪0‬هـ‪ /‬يناير ‪002‬م) يف تجار ٍة إىل بالد الشام فتعرض العتداء من قبل جامعة من فزارة يف مكانٍ‬
‫قريب من وادي القرى وعاد إىل املدينة‪ ،‬بيد أنه عاد مجددا إىل استئناف مهمته بعد إرصار النبي صىل هللا‬‫ٍ‬
‫(‪)7‬‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ونزل يف املكان نفسه‪ ،‬واصطدم مع الجامعة التي اعرتضه فقتل وأرس وعاد إىل املدينة ‪ ،‬ويعد‬
‫هذا االخرتاق لقبيلة كبرية كفزارة ما تزال غري مكرتثة حتى ذلك الحني بالقوة اإلسالمية النامية يف املدينة‬
‫عمال ناجحا كان له وقعه الحسن بني املسلمني!(‪.)0‬‬
‫الواضح أن النبي صىل هللا عليه وسلم مل يتمكن يف العام السادس الهجري من حسم الوضع لصالحه عىل‬
‫الحدود الشاملية للحجاز‪ ،‬وهذا ما دفعه إىل استئناف حمالته‪ ،‬وأتاح له صلح الحديبية التحول نحو هدفه‬
‫الخارجي وهو مطمنئ عىل وضعه الداخل‪ .‬ومن جه ٍة أخرى شهدت الجبهة القبلية ‪ -‬البيزنطية بعض‬
‫االرتباك؛ إذ تزعزعت ثقة القبائل العربية ببيزنطة بفعل محاولتها تغيري املعادلة يف العالقات الثنائية من‬
‫واقع فرض سيطرتها املبارشة عليها وتخفيف مساعداتها املالية لها‪ ،‬مام أسهم يف تراجع الروح املعنوية لدى‬
‫القبائل التي نشأت عىل االستقالل ورفض التدخل الخارجي يف شئونها إال ما كان يف إطار التحالفات واملصالح‬
‫وعي لديها تجاه اإلسالم عىل الرغم من أنها وجدت فيه‬ ‫الخاصة‪ ،‬كام أن االختالف املذهبي أسهم يف خلق ٍ‬
‫تحديا عقائديا يفوق ‪-‬مبدئيا‪ -‬التحدي البيزنطي‪ ،‬من هذا املنطلق تكتسب غزوات املسلمني نحو الشامل ‪-‬‬
‫بعد صلح الحديبية‪ -‬تلك األهمية التي فرضتها إعادة ترتيب مواقع النفوذ البيزنطي يف األطراف الشاملية(‪.)0‬‬
‫استأنف النبي صىل هللا عليه وسلم نشاطه الجهادي يف الشامل بعد صلح الحديبية؛ فأرسل كتابني؛ أحدهام‬
‫إىل اإلمرباطور البيزنطي واآلخر إىل الحارث بن أيب شمر الغساين ملك تخوم بالد الشام‪ ،‬وتطرق يف الكتاب‬
‫الذي أرسله إىل هرقل إىل أوضاع القبائل العربية املوالية لبيزنطة‪ ،‬األمر الذي أثار اإلمرباطور البيزنطي ودفعه‬
‫إىل استنفار قواته وحلفائه من العرب‪" :‬فال تحل بني الفالحني وبني اإلسالم أن يدخلوا فيه أو يعطوا‬
‫الجزية"(‪.)2‬‬
‫قد وردت ‪-‬أيضا‪ -‬عبارة اآلريسيني محل الفالحني؛ أي أتباع آريوس‪ ،‬وهم أصحاب املشيئة الواحدة املعارضة‬
‫للمذهب امللكاين الذي اعتنقه البيزنطيون؛ إذ كانت القبائل العربية املنترصة عىل مذهب اآلريوسية الذي‬
‫حمل اسم اليعقوبية فيام بعد‪ ،‬كام وردت لفظة األكاريني للداللة عىل أولئك الذين يعملون بحراثة األرض‬
‫(‪)1‬‬
‫وزراعتها‬
‫هكذا ستحمل هذه املرحلة الجديدة اهتامما أكرث من جانب النبي صىل هللا عليه وسلم بأمور بالد الشام‪،‬‬
‫وستتوج سياسته هذه بغزويت مؤتة وتبوك يف العامني الثامن والتاسع الهجريني‪.‬‬

‫(‪ )1‬بن سعد‪ ،‬الطبقات‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.97 ،96‬‬


‫(‪ )2‬بيضون‪ ،‬دولة الرسول‪ ،‬ص‪.99 ،91‬‬
‫(‪ )3‬بيضون‪ ،‬إبراهيم‪ :‬حملة مؤتة‪ .‬المؤتمر الدولي الرابع لبالد الشام عام ‪7991‬م‪ ،‬ص‪ ،03 ،01‬وسيشار إليه‬
‫الحقا ً ‪ :‬بيضون‪ ،‬حملة مؤتة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن األثير ‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬جـ ‪ ، 1‬ص‪ ، .97‬الحلبي‪ ،‬السيرة الحلبية ‪.‬ج‪ ،1‬ص‪،300‬‬
‫(‪ )5‬الطبري‪ ،‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ،049‬وابن كثير‪ :‬البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.101‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬النظم الحضارية لبالد الشام يف العرص البيزنطي‬

‫تطور النظم السياسية واإلدارية يف الدولة البيزنطية ‪:‬‬


‫منذ توسع قسطنطني يف حدود دولته أنشأ رومية جديدة يف الرشق وكانت القسطنطينية العاصمة السياسية‪،‬‬
‫وجاء اختياره ا ملوقعها املميز‪ ،‬واملتسم بالحصانة ‪،‬مام يسهل الدفاع عنها ومرفأها املعروف بالقرن الذهبي‬
‫من أحسن مرافئ العامل يؤوي ‪ 7066‬سفينة وميكن سده بسلسة طولها ‪ 016‬مرت لئال تتخطاه أساطيل العدو‪.‬‬
‫فهناك أنشأ قسطنطني مدينته الجديدة القسطنطينية (مدينة قسطنطني) وجعل يف أطرافها أسوارا عالية‬
‫وأنشأ فيها ساحتني تحيط بهام أروقة‪ .‬وأنشأوا فيها قرصا وملعبا ودور متثيل وأقنية وحاممات ومعابد‬
‫وكنيسة مسيحية‪.‬‬
‫ونزع قسطنطني من املدن األخرى ما كان فيها من التامثيل والنقوش البارزة املشهورة ليزين بها مدينته‬
‫وألجل إسكانها نقل إليها سكان املدن املجاورة بالقوة وقدر مكافآت وألقاب ترشيف لألرس الكربى التي‬
‫تنتقل إليها وقرر كام كان الحال يف رومية توزيع الحنطة والخمر والزيت عىل الناس وتوفري املشاهد والفرجة‬
‫لهم‪.‬‬
‫ملا ترك اإلمرباطور رومية مل تعد مقر للحكومة وظل فيها مجلس أعيانها وإن مل تعد له سلطة وبقيت مزاراتها‬
‫واحتفاالتها كام بقيت إىل أواخر القرن الرابع مركز الحزب الديني القديم‪ .‬القرص ـ أخذ اإلباطرة الذين نزلوا‬
‫الرشق يف التعود بعادته بحيث يلبسون ثيابا إضافية من الحرير والقصب ويجعلون عىل رؤوسهم تاجا مرصعا‬
‫باللؤلؤ ويتحجبون يف قصورهم حيث كانوا يجلسون عىل عرش من ذهب يحف بهم وزرائهم ويفصلهم عن‬
‫الناس جمهور من الحشم والخدم واملوظفني والحرس‪ .‬وعىل من ينال رشف الحظوة من مواجهتهم أن يسجد‬
‫أمامهم وميرغ وجهه يف األرض عالمة العبادة والخضوع ويطلقون عليهم ألقاب املوىل والجاللة ويعاملونهم‬
‫معاملة األرباب وكل ما ميس أشخاصهم مقدس فيقولون القرص املقدس والغرفة املقدسة‪ .‬ومجلس اإلمرباطور‬
‫املقدس والخزانة املقدسة‪ .‬فكان عيش اإلمرباطور يف اإلمرباطورية الغربية (ايطاليا) من القرن األول إىل الثالث‬
‫شبيه بحياة حاكم أو قائد أما قرص اإلمرباطور يف اإلمرباطورية الرشقية (القسطنطينية) فهو أشبه بقرص ملك‬
‫فارس‪ .‬وقد أطلق عىل طريقة الحكم يف اإلمرباطورية الرشقية اسم اإلمرباطورية الواطئة معارضة لطريقة الحكم‬
‫السالفة يف القرون الثالثة التي لقبوها باإلمرباطورية العالية‪.‬‬
‫أصبح املوظفون أكرث عددا مام كانوا ويحف باإلمرباطور جيش صغري من الخاصة يحرسون قرصه وهناك حرس‬
‫ووكالء وخدم ومجلس عايل وحجاب وسعاة وأمناء رس ينقسمون إىل أربع مكاتب‪ .‬وأصبح املوظفون يف الواليات‬
‫أكرث سوادا إذ رأى اإلمرباطور ديوكلسني الواليات متسعة فقسمها إىل عدة قطع ففي غاليا مثال قسم والية ليون‬
‫إىل أربع واكيتني إىل ثالث‪ .‬وبعد أن كان يف اإلمرباطورية ‪ 20‬واليا أصبح فيها ‪ 771‬ثم فصلوا الوظائف فجعلوا‬
‫مع الوالة والوكالء قوادا عسكريني من دوقات وكنتية يف الواليات الواقعة عىل التخوم‪.‬‬
‫أصبح جميع املوظفني ال تصلهم أوامر اإلمرباطور مبارشة فال يخاطبون إال كبار املوظفون رؤسائهم فيخضع‬
‫الوالة لقائدي حرس القيرص واملوظف ون يف األشغال العمومية لحرس املدينة‪ .‬وجباة األموال إىل الكونت الذي‬
‫يتوىل األعطيات املقدسة‪ .‬والوكالء للكونت املرشف عىل األمالك والضباط إىل موايل األجناد وجميع موظفي‬
‫القرص يرجعون إىل موىل الترشيفات وخدمة القرص إىل رئيس الخدمة املقدسة‪ .‬وهؤالء الرؤساء كالوزراء(‪.)7‬‬

‫(‪)1‬‬
‫األصفهانـي‪ ،‬حمزة بن الحسين ‪306،‬هـ‪917،‬م‪،‬تاريـخ سنـي ملـوك األرض واألنبيـاء‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪،‬‬
‫بيروت‪7907 ،‬م‪ ،‬ص‪ 90‬وسيشار اليه ‪ ،‬األصفهانـي‪ ،‬تاريـخ سنـي‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وهذه الطريقة ال يصعب علينا فهمها فقد اعتدنا أن نرى موظفني وقضاة وقوادا وجباة ومهندسني عىل‬
‫اختالف يف أعاملهم التي يتولونها ولكل واحد عمله الخاص ويرجع أمرهم إىل ناظر هو رئيس ديوانه بل إن‬
‫عندنا من النظارات أكرث مام يف األستانة‪ .‬إال أن هذه اإلدارة اإلدارية التي ألفناها ألننا نعرفها منذ الطفولة‬
‫ليش فيها التباس وال خروج عن حد الطبيعة‪ .‬فقد كانت اإلمرباطورية الرشقية أمنوذجا يف هذا الباب‬
‫واحتفظت به اململكة البيزنطية ومن ذلك العهد حاولت جميع الحكومات املطلقة أن تنسج عىل منوالها؛‬
‫ألن يف ذلك من التسهيل يف العمل ما ينتفع به من يتولون أعامل الحكم‪.‬‬
‫املجتمع يف اإلمرباطورية الرشقية‪:‬‬
‫كانت هذه اإلمرباطورية هي الحد الفاصل يف تاريخ الحضارة اجتمعت فيها سلطة الحاكم الروماين املطلقة‬
‫مع فخفخة ملوك الرشق يتألف منها سلطة مل يكن بها عهد إىل ذلك العهد‪ .‬وهذه السلطة التي مل يسمع‬
‫مبث لها تأيت عىل كل يشء يف يدها فلم يعد سكان اإلمرباطورية وطنيني رومانيني منذ القرن الرابع بل صاروا‬
‫يدعون بالالتينية الرعايا (الخاضعني) وبالرومية العبيد فكانوا كلهم من ثم عبيد اإلمرباطورية ولكنهم‬
‫يختلفون باملقام وهم درجات يف الرشف الذي يوليهم إياه موالهم ويورثونه أبنائهم وإليك تلك املناصب‬
‫حسب درجاتها‪:‬‬
‫‪ 7‬ـ أرشف األرشاف وهم ألرسة اإلمرباطورية‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ املشاهري وهم وزراء ورؤساء الدواوين‪.‬‬
‫‪ 0‬ـ املعتربون وهم كبار أرباب املناصب‪.‬‬
‫‪ -2‬املمجدون وهم كبار املوظفني (ويدعون األعيان)‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أهل الكامل‪.‬ولكل صاحب شأن مقامه ولقبه ووظائفه‪.‬‬
‫وحظي الندماء واملوظفون مبكانة مرموقة؛ حتى صح أن يدعى ذلك العهد عهد األلقاب والترشيفات‪ ،‬وما‬
‫قط شوهد إىل حد تبلغ السلطة املطلقة إذا دعمها الجنون يف األلقاب وامليل إىل ترتيب كل أمر باإلكثار من‬
‫القوانني وعليه فقد كانت اإلمرباطورية الرشقية مثاال تاما ملجتمع يدار باآللة الصامء ولحكومة فنيت يف‬
‫إرادة قيرصها؛ فحازت أقىص ما يعرف بأنصار السلطة املطلقة وسيكافح بعد أشياع الحرية زمنا طويال تلك‬
‫التقاليد التي أبقتها إمرباطورية الرشق‪.‬حكومة املدينة ـ مل يعنت الرومان بجباية األموال الرعايا بأنفسهم بل‬
‫كان اإلمرباطور يكتفي ببيان الخراج املطلوب من كل والية (وذلك كل خمس سنني يف الغالب) ويحدده كام‬
‫‪.‬‬
‫يرد‬
‫ويعلم الوايل كل مدينة ما يجب عليها أداؤه؛ فحكومة املدينة هي التي تقدم املبلغ املطلوب‪ .‬وما دامت‬
‫املدينة غنية يجبي الوايل خراجها موزعا له بني السكان؛ فإذا عجزوا عن الدفع يتحتم عىل من تولوا الخراج‬
‫أن يسددوا العجز ألنهم مسئولون عن الخرج وخزانة اإلمرباطورية ال تتنازل عن حقوقها‪.‬ولقد كان منصب‬
‫الجباية حتى القرن الثالث مرغوبا فيه كأنه من أسباب الرشف؛ فيعد الجايب يف مدينته كأنه كعضو الشيوخ‬
‫يف رومية‪ ،‬وإذا افتقرت البالد يعود منصب الجباية من املناصب التي تكرس متوليها فرتهق النفوس يف‬
‫توليتها(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬ابن حبيـب‪ ،‬محمد بن حبيب بن أمية ‪،‬ت‪141‬هـ‪906،‬م‪،‬المحبـر‪ ،‬تحقيق أيلزة ليختن ‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪317‬؛ األصفهانـي‪ ،‬تاريـخ سنـي ملـوك األرض واألنبيـاء‪ ،‬ص‪،99‬‬
‫وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬ابن حبيب‪ ،‬المحبر ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫رأى اإلمرباطور أن يسنوا قانوناً لعقاب من يأىب جباية الخراج؛ فصار الجايب يتوىل ذلك رغم أنفه ويجب عىل‬
‫كل من ميلك خمسة وعرشين فدانا من األرض أن يكون أحد الجباة طوعاً أو كرهاً‪ ،‬وكثري من الجباة كانوا‬
‫يؤثرون أن يخرجوا عام ميلكون من األرايض ويهربوا ويدخلوا يف سلك الرهبنة والخورنة أو االستخدام‬
‫والجندية(‪.)7‬‬
‫أصدر األباطرة أوامرهم بالبحث عن هؤالء الفارين وأن يعادوا إىل مدنهم بالقوة‪ ،‬وقد جاء يف أحد القوانني‬
‫املسئولة أنهم عبيد اإلمرباطورية‪.‬فكانت الحكومة تحاول أن تبقي محابس الشيوخ يف املدن عىل هذه‬
‫الكيفية‪ ،‬وإذا كانت تخرب بيوتهم بخراجها أصبح عدد الجباة أبداً يف قلة‪ ،‬وكان مجلس الشيوخ يتألف عىل‬
‫عهد اإلمرباطورية الغربية من مئة عضو‪ ،‬ويف القرن الرابع نشبت فنت يف إحدى الواليات فأمر أحد األباطرة‬
‫أن يأتوه برؤوس ثالثة من الجباة من كل مدينة فكتب إليه الوايل (ليسع حلمكم أن يقرر ما الذي يجب أن‬
‫نعمله يف املدينة التي ليس فيها ثالثة من الجباة)(‪.)0‬‬
‫وقع يف اإلمرباطورية الرومانية مثلام وقع يف عامة املجتمعات القدمية مثل إسبارطة ويونان وايطاليا وهو أن‬
‫يضمحل األحرار ويخلفهم العبيد ويبقى يف القرى ما يكفيها من الحراثني‪ .‬ال جرم أن املدينة الرومانية مل‬
‫تخرب بل كانت تتجه للنامء‪ ،‬فقد كان عدد الوطنيني يف القرن األول زهاء مليون نسمة ويف القرن الثالث‬
‫صدر أمر اإلمرباطور مبنح جميع سكان اإلمرباطورية حق الوطنية فصار الوطنني الرومانيني يعدون باملاليني‬
‫ويب دءون باضمحالل سائر سكان العامل بيد أن الحكم الروماين كان سببا يف اضمحالل شعوب اململكة كام‬
‫اضمحل به من قبل أهل ايطاليا وكان يقتيض له كثري من الجنود وكثري من العبيد(‪.)0‬‬
‫وبهذا الحكم يفلح األغنياء ويصعب عىل صغار أرباب األمالك أن يقفوا أمام الكرباء فيستخدمون يف الجندية‬
‫أو يخربون بيوتهم بأيديهم‪ .‬ويقتني صاحب األمالك الواسعة أراضيهم حتى أىت زمن مل يبقى يف بعض البالد‬
‫غري أمالك واسعة يحرثها العبيد‪ .‬وهؤالء السكان من العبيد ال يتجددون فإذا عرض عارض من العوارض‬
‫املألوفة إذ ذاك من مثل وباء وحرب وغارة برابرة وهلك جمهور من الحارثني يف إحدى األمالك تبقى األرض‬
‫بوراً؛ فخلت القرى عىل التدريج وال سيام ما كان عىل التخوم من الناس‪ ،‬ومل بيقى سكان إال يف املدن بل‬
‫صار يف عدة أنحاء من اململكة قفار حقيقية خلت من السكان والعمران؛ فانشأ األباطرة يسكنون فيها‬
‫عصابات من الرببر ممن رضبوهم وأرسوهم ليحيوا بهم موات تلك القرى‪.‬‬
‫إال أن هؤالء الربابرة ال ميلكون األرايض بل يستعمرونها فقط مثل الهيلوتبني يف إسبارطة ويقىض عليهم أن‬
‫يبقوا يف األرض التي أنزلوا فيها ال يفارقونها وال أوالدهم بحال يؤدون إىل صاحب األرض ماالً مقرر فمن ثم‬
‫كانوا مستأجرين إىل األبد بالقوة‪ .‬وليس هذا النظام جديد بل كان يف إيطاليا عىل عهد اإلمرباطورية الرشقية‬
‫أناس من الطوارئ من األحرار الفقراء قيدوا أنفسهم يف خدمة صاحب ملك عظيم لينالوا منه أرضا يزرعونها‪.‬‬
‫وزاد سواد الطوارئ زيادة كربى ملا ضموا إليهم األرسى من الرببر‪.‬وهذه الطريقة الشديدة مل تكف يف إحياء‬
‫أمة ألن أولئك الحراثني كانوا يفرون أو يهلكون‪ .‬ويف القرن الخامس بعد مرور الجيوش العظيمة من املخربني‬
‫(داكيز وأتيال) كان يف أرايض اململكة فراغ كبري تعذر عىل األباطرة أن يسدوه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬عبـاس‪ ،‬إحسان‪ ،‬تاريـخ بـالد الشـام من مـا قبـل اإلسـالم حتـى بدايـة العصـر األمـوي ‪ ،066،007‬الجامعة‬
‫األردنية‪ ،‬عمان‪7996 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،710‬وسيشار إليه الحقا ً ‪ :‬عباس‪ ،‬تاريخ بالد الشام ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الحديثي‪ ،‬دراستان في التاريخ الساساني والبيزنطي‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫(‪ )3‬جواد‪ ،‬المفصـل فـي تاريـخ العـرب قبـل اإلسـالم‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.714‬‬
‫(‪ )4‬بن سيد الناس ‪ ،‬أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري ت ‪134‬هـ ‪ ،‬عيون األثر ‪،‬‬
‫المحقق‪ :‬محمد الخطراوي ‪ -‬محي الدين مستو ‪ ،‬د‪،‬م ‪ ،‬د‪ .‬ت ج‪ ،1‬ص‪ .313‬وسيشار اليه ‪ ،‬ابن سيد الناس‬
‫‪ ،‬عيون األثر ‪...،‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫معامل النظم والحضارة يف بالد الشام البيزنطية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬النظام االداري ‪:‬‬
‫أصيبت اإلدارة بعطل شديد بحيث اصبحت عاجزة عن القيام بوظيفتها عىل نحو مريش ‪ ،‬وليس هناك حاجة‬
‫إىل إثبات مدى الرضر والخطر الذي تتعرض له إمرباطورية عاملية بدون إدارة قوية‪ ،‬وأن كانت اإلمرباطورية‬
‫يف حاجة إليه هو رجل يصلح إدارتها‪ ،‬وأن دقلديانوس كان ذلك الرجل‪ ،‬وأن نظامه الرضائبي كانت مبادئه‬
‫يف االصالح تتلخص يف التبسيط والتوحيد‪ ،‬تبسيط النظم وتوحيدها يف واليات االمرباطورية املختلفة(‪. )7‬‬
‫قسمت اإلمرباطورية إىل اثني عرش دوقية هي بريطانيا والغالة ( وشملت شامل فرنسا وأرض الرين وهولندا‬
‫)‪ ،‬وفييننسيس ( جنوب فرنسا ) واسبانيا ( مبا فيها الربتغال ومراكش ) وايطاليا ( ومعها صقلية ورسدينيا‬
‫وكورسيكا ) وافريقيا ( الجزائر وتونس وطرابلس ) ثم الرشق ( وشملت كيليكيا وسوريا و فلسطني و بالد‬
‫الشام و قورينة ) وبذلك قىض نهائيا عىل تنظيم اإلمرباطور أغسطس يف تقسيم الواليات بني اإلمرباطور‬
‫والستاتو(‪. )0‬‬
‫وقعت بالد الشام يف دوقية الرشق‪ ،‬ولكن إصالح دقلديانوس مل يتوقف عند هذا الحد ‪ ،‬بل رأى‬
‫أن يقسم الواليات الكبرية إىل واليات اصغر‪ ،‬وذلك عمالً مببدأ الالمركزية ‪ ،‬فقسمت الواليات الكبرية مثل‬
‫إيطاليا واسبانيا والغالة و بالد الشام إىل ثالث أو أربع أو خمس واليات صغرى يف بالد الشام التي كانت‬
‫طوال تاريخها القديم وحدة سياسية وإدارية واحدة قسمت إىل ثالث واليات أساسية(‪ : )0‬والية بالد الشام‬
‫الجويتريية وتشمل غرب الدلتا مبا فيها اإلسكندرية(‪ ،)2‬ووالية بالد الشام الهرقلية وتشمل رشق الدلتا و‬
‫بالد الشام الوسطى املعروفة باسم هيتانوميا‪ ،‬ثم والية طيبة ( وتشمل الصعيد جنويب اسيوط )‪ ،‬أما الصحراء‬
‫الغربية فقد أصبحت والية مستقلة أطلق عليها اسم ليبيا ‪.‬‬
‫انقسمت بالد الشام إىل واليات ثالثة منفصلة ‪ :‬ومع ذلك فان الفصل التام مل يتحقق‪ ،‬إذ منح حاكم الوالية‬
‫األوىل وهي بالد الشام ( الجويتريية ) الذي كان مقره اإلسكندرية سلطاناً أسمى من حكام الواليتني‬
‫االخريني(‪. )1‬‬
‫وطرأ عىل هذا النظام بعض التعديل يف أخر القرن الرابع امليالدي‪ ،‬إذ أصبحت بالد الشام تكون يف سنة ‪020‬‬
‫دوقية مستقلة والحقت بها ليبيا ‪ ،‬وبذلك اسرتدت وحدتها االدارية من جديد ‪ ،‬واصبح يحكمها حاكم عام ‪،‬‬
‫وعقب ذلك فصلت بالد الشام الوسطى ( هيتانوميا ) إداريا‪ ،‬وأصبحت تكون والية إدارية أطلق عليها اسم‬
‫اركاديا يف سنة ( ‪ ، ) 020‬وبعد ذلك أعيد تقسيم كل من طيبة و اوغسطمنيكا و بالد الشام‪ ،‬كل إىل قسمني‪.‬‬

‫ويف سبيل صبغ التعديالت االدارية بصبغة جديدة متاما واستجابة تطورات عامة اخرى منت يف القرن الرابع‬
‫امليالدي‪ ،‬أدخلت تعديالت يف الوظائف املدنية القدمية فاختفت معظمها وحلت محلها وظائف جديدة‪،‬‬
‫فمن ذلك مناصب الكهنة اختفت وحل محلها الكنيسة ورجالها‬

‫(‪ )1‬كمال‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬


‫(‪ )2‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ ‪ ،‬ص ‪199‬‬
‫(‪)3‬العريني ‪ :‬بالد الشام البيزنطية‪ ،‬ص ‪ 97،91‬و ‪. 711 ،711‬‬
‫(‪ )4‬كمال‪ ،‬االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 100‬‬
‫(‪78. ، p 76 ، Op. Cit. ،Simeonova )5‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫كام امم مناصب اكسجيتيس واملرشف للتموين اختفت تدريجياً‪ ،‬أما املناصب األساسية الجديدة فهي‬
‫ثالثة(‪:)7‬‬
‫أوالً ‪ :‬املرشف عىل املدينة ‪ :‬الذي أصبح خالل القرن الرابع أحد موظفي املدينة النظاميني ينتخبه مجلس‬
‫املدينة ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬حامي املدينة أو العامة‪ :‬وكان واجبه االسايس حامية دافعي الرضائب من جامعي الرضائب‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬املوظف املايل‪ :‬الذي توىل اهم وظيفة بالنسبة للحكومة املركزية وهي جمع الرضائب(‪. )0‬‬
‫أما عن املجالس املنتخبة فقد استمرت تحمل املسؤوليات اإلدارية‪ ،‬ولكن فقدت كل معاين الحكم املحل إذ‬
‫أصبح أعضاء هذه املجالس يكونون منذ القرن الرابع طبقة وراثية‪ ،‬هي الطبقة الرثية يف كل مدينة(‪. )0‬‬
‫ويتضح لنا معامل النظام اإلداري الذي ساد بالد الشام يف القرنني الرابع والخامس والثلث األول من القرن‬
‫السادس‪ ،‬حتى أصدر جستنيان قانونه الثالث عرش املشهور سنة ‪ ، 102‬حيث أنه مل يعد يحفل بالنظم‬
‫املدنية‪ ،‬وال حتى يف الظاهر ‪ ،‬وإمنا سعى إىل تقوية اإلدارية املبارشة بكل أسلوب‪ ،‬وأهم تعديل قام به‬
‫جستنيان هو تقسيم دوقية بالد الشام إىل أقسامها األربع القدمية وأضاف والية ليبيا‪ ،‬فأصبحت بالد الشام‬
‫تنقسم إىل خمس واليات‪ ،‬ولكن أخطر تعديل ادخله جستنيان عىل نظام دقلديانوس هو توحيد السلطة‬
‫املدنية والعسكرية يف يد حاكم كل والية ولعله كان يهدف من وراء هذا التعديل تقوية سلطة الحاكم عىل‬
‫واليته(‪.)2‬‬
‫ويف عهد دقلديانوس انتهت الحروب األهلية واالنقسامات العسكرية املتوالية التي شغلت سني القرن‬
‫الثالث والتي تركت اإلمرباطورية الرومانية منفصمه األوصال تعبث فيها الفوىض واالضطرابات دون سلطة‬
‫مركزية يحسب لها حساب باستيالء دقلديانوس عىل الحكم ‪ ،‬ولكن هذا اإلمرباطور يشبه فئة األباطرة يف‬
‫الفرتة األخرية يف بعض الجوانب‪ ،‬ويختلف عنهم كل االختالف يف جوانب أخرى‪ ،‬ولكنه يختلف عنهم يف أنه‬
‫كان شخصية قوية ذات مواهب فذة يف اإلدارة والحكم بالرغم من أنه مل يكن قائداً عسكرياً عظيامً ‪ ،‬وكثرياً‬
‫ما عهد بقيادة الجيوش إىل غريه من أعوانه الضباط‪ ،‬وبالرغم من أنه شخصية محافظة إىل ابعد حدود‬
‫املحافظة‪ ،‬وخاصة من الناحية الدينية ‪ ،‬ولكنه كرس نفسه ملهمة أعجزت من سبقه من األباطرة وهي وقف‬
‫اإلمرباطورية الرومانية من االنزالق إىل هوة التدهور والفوىض التي كانت مندفعة إليها(‪. )1‬‬
‫ومن أفضل إصالحاته التي تأثرت بها بالد الشام أنه فصل بني السلطتني املدنية والعسكرية يف الواليات‪،‬‬
‫وبعد ذلك قسم الواليات الكربى إىل عدد من الواليات الصغرى ليخفف عن كاهل اإلدارة املركزية‪ ،‬فانقسمت‬
‫بالد الشام إىل ثالث واليات نتيجة لذلك‪ ،‬أما يف مجال املالية واالقتصاد؛ فقد حاول دقلديانوس إصالح نظام‬
‫العملة بإصدار عملة جديدة ذهبية وفضية باإلضافة إىل الدينار الربونزي القديم بعد أن أدخل عىل وزنه‬
‫بعض التعديل مبا يتفق والنظام الجديد للعملة الذي كان الهدف األسايس منه هو منع تدهور قيمة العملة‬
‫الذي ساد يف القرن الثالث(‪. )0‬‬

‫(‪ )1‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪ ،‬ص ‪.191‬‬


‫(‪ )2‬كمال‪ ،‬االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 109‬‬
‫(‪ )3‬ابن العبري ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪ ،‬ص ‪.199‬‬
‫(‪ )4‬كمال ‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫(‪ )5‬كمال ‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 144‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ولكن مهمة دقلديانوس يف الحكم واإلصالح كانت غاية يف الصعوبة‪ ،‬إذ كان عليه يف الوقت نفسه أن يؤمن‬
‫حدود اإلمرباطورية املرتامية ضد غزوات املعارضني من كل جانب‪ ،‬ثم أن يقمع أي مقاومة أو ثورة محلية‬
‫ضد حكمه أو ترشيعاته‪ ،‬ثم أخرياً أن يخمد الحركة الدينية الجديدة التي تهدف إىل القضاء عىل جميع‬
‫العقائد الدينية التي ألغتها اإلمرباطورية حكومة وشعوبا من قديم‪ ،‬ونقصد بالدين الجديد املسيحية(‪.)7‬‬
‫ب‪ -‬الحياة الدينية ‪:‬‬
‫تعترب نشأة الرهبنة املسيحية يف بالد الشام البيزنطية من أهم مظاهر الحياة يف ذلك العرص ‪ ،‬كام تعترب من‬
‫ناحية اخرى اهم ما ساهمت به بالد الشام يف بناء حضارة العصور الوسطى املسيحية أو أن سكان بالد الشام‬
‫أسبق الناس إىل مامرستها ‪ ،‬بل لقد عرفها االنسان يف تجربته الدينية يف امم مختلفة قدمية(‪. )0‬‬
‫يتضح أن التنسك والرهبنة الدينية كانت لها أصول يف بيئة بالد الشام قبل ظهور املسيحية‪ ،‬وأن الرهبنة مل تأخذ‬
‫هذ املحاوالت والتجارب القدمية مبارشة ‪ ،‬وإمنا اتخذت بدايتها من ظاهرة بالد الشام ية قدمية اخرى بعيدة‬
‫كل البعد عن التقاليد الدينية ‪ ،‬ذلك ان ال بالد الشام ي القديم كان قد الف يف ظروف الضيق ان يفر من‬
‫املدينة او القرية إىل الصحراء أو إىل إحراج املستنقعات‪ ،‬كان يفعل ذلك حني يعجز عن دفع رضائب الدولة‬
‫املستحقة عليه؛ فكان يفر من وجه الحكومة خشية العقاب الشديد الذي يصيبه يف هذه الظروف ‪ ،‬وكان يطلق‬
‫عىل مثل هذا الشخص لفظ الهارب أو املختفي يف العرصين اليوناين والروماين(‪.)0‬‬
‫أما عن نظام الرهبنة يف وادي النطرون فهو نظام الرهبنة االنطوائية الذي ساد يف أديرة بالد الشام الوسطى‬
‫والدلتا أي شامل اسيوط‪ ،‬وما من شك أن خري مكان لدراسة هذا النظام هو منطقة وادي النطرون‪ ،‬وذلك‬
‫للتفاصيل الكثرية التي يوردها عدد من املصادر يف وصف أديرتها ‪.‬‬
‫إن الرهبان يف وادي النطرون كانوا من طائفتني ‪ :‬األوىل ‪ :‬تتكون من خمسة آالف راهب يعيشون عىل جبل‬
‫نسرتيا ذاته‪ ،‬كل له نظامه الخاص حسب قدرته واستعداده‪ ،‬وكان يسنح لهم أن يقيموا فرادى أو مثنى أو أكرث‪،‬‬
‫وكانوا يجتمعون جميعاً للصالة يومي السبت واألحد‪ ،‬أما يف أيام االسبوع االخرى فكان كل يصل يف صومعته‬
‫أو ديره‪ ،‬بحيث أنه إذا وقف اإلنسان يف املساء يف تلك املنطقة سمع املزامري والتسابيح صاعدة من الصوامع‬
‫حوله ‪ ،‬فيظن انه يف الفردوس‪.‬‬

‫أما الفئة الثانية من الرهبان يف تلك املنطقة فهم النساك املعتزلون الذين يعيشون متوحدون يف جوف‬
‫الصحراء كل يف كهفه أو قلته ‪ ،‬بعيدا عن زميله ‪ ،‬وهؤالء يبلغون الستامئة عدداً‪ ،‬وال يجتمعون أو يتصلون‬
‫‪.‬‬
‫برهبان األديرة إال يومي السبت واألحد حني يشهدون الصالة الجامعة‬
‫إن حركة الرهبنة يف منطقة وادي النطرون تقرتن باسم اثنني من أمئة الحركة املسيحية يف ذلك الوقت هام‬
‫أمون الذي نزح إىل هذه الصحراء يف عام ‪001‬م‪ ،‬والقديس مكاريوس االسكندري واليه ينسب الدير املوجود‬
‫االن يف وادي النطرون باسم دير ابو مقار وال يزال اىل جواره حتى اليوم اديرة ثالثة اخرى هي الرسيان‬
‫والربموس وبشوى ‪ ،‬وال زالت حياة الرهبان فيها تحتفظ بكثري من طابعها الفردي األول مل تقترص الرهبنة‬
‫االنطوانية عىل الرجال فحسب بل شملت النساء ايضا الاليئ مل تكن حياة االعتزال لزاما عليهن ‪ ،‬بل كان يف‬
‫استطاعتهن ان يقمن بحياة الطهر والتنسك يف بيوتهن او يف جامعات صغرية من املسيحيات العذارى(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬عباس‪ ،‬تاريخ بالد الشام ‪ ،‬ص ‪ ،30‬وكمال ‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 141‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 190‬‬
‫(‪ )3‬كمال ‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 199‬‬
‫(‪ )4‬كمال‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 194‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ج‪ -‬الحياة الثقافية ‪:‬‬
‫أما عن الحياة الثقافية يف العرص البيزنطي؛ فقد اتخذت مظهراً وطابعاً جديداً؛ نتيجة لتغري الظروف العامة يف‬
‫اإلمرباطورية بأرسها‪ ،‬ونقصد بها سيادة الدين املسيحي الجديد واتخاذه دينا رسميا للدولة؛ فمنذ القرن الرابع‬
‫امليالدي وإعالن اإلمرباطور قسطنطني املسيحية الدين الرسمي لإلمرباطورية‪ ،‬وجدنا املسيحية تشغل الناس‬
‫وتسيطر عىل النشاط الفكري والثقايف يف اإلمرباطورية‪ ،‬وكانت بالد الشام من املراكز الهامة للدين الجديد كام‬
‫سبق أن بينا‪ ،‬ومل يكن غريباً أن تساهم بالد الشام وبنصيب وافر يف الحركة الثقافية الدينية الجديدة‪ ،‬وكان‬
‫محور هذه الحركة هو الكتابة يف رشح الدين الجديد ‪ ،‬ومتجيد ابطاله االول ‪ ،‬وحني انقسن املسيحيون يف القرن‬
‫الرابع اىل مذاهب وفرق ‪ ،‬وجدنا اتباع كل مذهب وفرقة يؤلفون ويكتبون يف الدعاية لوجهة نظرهم والدفاع‬
‫عنهم‪ ،‬ومن أشهر هذه االنقسامات ما حدث بني أريوس واثناسيوس‪ ،‬فقد كان كال الزعيمني من أكرث أهل العرص‬
‫ثقافة وحدة عقل‪ ،‬اريوس ينتمي إىل مدرسة انطاكية املسيحية التي كانت متأثرة بتعاليم اوريجينيس املشبعة‬
‫أساساً بالفلسفة األفالطونية(‪ ،)7‬وكثرياً ما حرض الشباب لدراسة العلوم اإلنسانية ( أي الفلسفة الوثنية وآدابها )‬
‫ثم تحولوا بعد ذلك إىل املسيحية وخاصة يف القرنني الرابع والخامس(‪.)0‬‬
‫هناك ظاهرة أخرى جديرة باملالحظة وهي أن العنرص البرشي يف بالد الشام ازداد انتشاراً يف الدوائر العلمية؛‬
‫إذ مل يعد علامء قارصين عىل مواطني االغريق(‪ )0‬يف بالد الشام ومن الشخصيات التي تلقت املعرفة عىل‬
‫يدي هيباثيا سنيسيوس أسقف كنيسة قورينة يف برقة‪ ،‬الذي عاش يف السنوات العصيبة يف نهاية القرن الرابع‬
‫وبداية القرن الخامس حني كانت تضطهد الوثنية بكل الوسائل املرشوعة وغري املرشوعة(‪.)2‬‬
‫د‪ -‬الحياة االقتصادية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬نظام األرايض ‪:‬‬
‫ميكننا أن نتخذ عام ‪ 071‬نقطة االبتداء‪ ،‬حني حرض دقلديانوس إىل بالد الشام للقضاء عىل فتنة اخيليوس‪،‬‬
‫وقام بعدد من اإلصالحات والترشيعات كان الغرض األسايس منها هو توحيد النظم يف بالد الشام مع سائر‬
‫اقطار اإلمرباطورية وفيام يتعلق بالرضائب الزراعية‪ ،‬نعرف أنه فرض رضيبة موحدة يف جميع أنحاء البالد‬
‫عىل أساس مساحة األرض ونوع املحصول ‪ ،‬وألغى جميع الرضائب السابقة التي كانت معقدة أشد تعقيد‪،‬‬
‫فكانت تختلف من مكان آلخر‪ ،‬وتختلف حسب األشخاص‪ ،‬فهناك من مالك النظام الرضائبي من متتع بإعفاء‬
‫كامل من الرضائب أو من بعضها(‪.)1‬‬
‫الطابع العام لتطور نظام األرض يف بالد الشام القرن الرابع يشري إىل زيادة قطاع امللكية الخاصة من األرض‬
‫عىل حساب قطاع امللكية العامة التي تختفي متاما يف منتصف القرن(‪.)0‬‬
‫ويجب أال نتصور أن أرض بالد الشام كانت مقسمة إىل عدد من االقطاعات الكبرية فحسب‪ ،‬بل وجدت‬
‫أيضاً يف القرن السادس قرى حرة ميتلك أرضها صغار املالك ويدفعون رضائبهم للدولة مبارشة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 367‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 363‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 364‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 361‬‬
‫(‪ )5‬كمال‪ ،‬االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 113‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 114‬‬
‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬

‫‪12‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الصناعة والتجارة ‪:‬‬
‫فقد استمرت اإلسكندرية يف العرص البيزنطي أيضاً أكرب مركز للصناعة والتجارة يف بالد الشام ‪ ،‬ولكن ما من‬
‫شك أن سوء األحوال العامة وكرثة االضطرابات وتوايل االضطهاد أثر يف قدرة البالد اإلنتاجية ويف نوع اإلنتاج‬
‫أيضاً؛ فصناعة الزجاج مثال استمرت يف اإلسكندرية ولكن ما عرث عليه يف الحفائر الحديثة يف منطقة الفيوم‬
‫يدل عىل تأخر املستوى عام عرف عن الزجاج إىل بالد الشام ي من قبل ‪ ،‬ويؤيد هذه النتيجة أيضا قدرة ما‬
‫عرث عليه من الزجاج إىل بالد الشام ي يف الخارج؛ إذ يبدو أن تأخر الصناعة إىل بالد الشام من ناحية وقوة‬
‫املنافسة الخارجية رصف األسواق األجنبية عنه(‪.)7‬‬
‫وكذلك صناعة الربدى التي اشتهرت بها بالد الشام منذ القدم فقد استمرت ‪ ،‬ولكن تأخر مستواها عن ذي‬
‫قبل‪ ،‬ومنها صناعة الكتب من رق الجلد ‪ ،‬الذي كان يسجل عليه األدب والفكر املسيحي الجديد ‪ ،‬تأثري عىل‬
‫عدم العناية بإنتاج األنواع الراقية من الربدى القديم(‪.)0‬‬
‫أما الصناعة الثالثة يف بالد الشام التي كانت منترشة أيضا وهي نسج الكتان ‪ ،‬فقد وجدت أيضاً يف ذلك‬
‫العرص‪ ،‬ويذكر دقلديانوس يف قامئة أسعاره كتان اإلسكندرية عىل أنه ضمن أفضل خمس أنواع من الكتان‬
‫يف اإلمرباطورية بأرسها(‪. )0‬‬
‫أما عن صناعة العطور والتوابل التي كانت تستورد من االسواق الرشقية ثم تصنع يف بالد الشام ويعاد‬
‫تصديرها فقد استمر أيضاً‪ ،‬نظراً ألن التجارة الرشقية مل(‪ )2‬تتوقف‪ ،‬وأن قابلت بعض الصعوبات أحياناً‪ ،‬ويذكر‬
‫كشف حساب ممتلكات كنيسة روما يف بالد الشام‪ ،‬أن مئات األرطال من الزيوت والتوابل والعطور بأنواعها‬
‫كانت تصنع يف مصانعهم بالقرب من اإلسكندرية(‪.)1‬‬
‫رغم سوء األحوال العامة يف بالد الشام يف العرص البيزنطي حني تقاس بالعرص الروماين األول‪ ،‬فان الصناعات‬
‫األساسية استمرت يف بالد الشام وان كانت قد تأخرت يف مستواها عن ذي قبل(‪.)0‬‬
‫وفيام يتعلق بصادرات بالد الشام؛ فكانت تصدر القمح‪ ،‬ثم الكتان والربدى والروائح والعاج والعطور‬
‫والتوابل‪ ،‬ويبدو أن الزجاج مل يعد يصدر اآلن‪ ،‬كام أن تجارة الورق من الربدى تأثرت باإلقبال عىل استخدام‬
‫رقوق الجلد ‪ ،‬ومع ذلك فقد استمر تصدير الورق(‪. )1‬‬
‫أما عن الواردات األساسية فهي أن املعادن ( وخاصة الفضة أو الصفيح )‪ ،‬والخمور والحرير والعطور والتوابل‬
‫من أجل صناعتها محليا وإعادة تصديرها‪ ،‬وما كان يصدر من هذه الواردات كان يباع يف اإلسكندرية‬
‫لالستخدام الخاص بواسطة الطبقة البورجوازية املزدهرة يف هذه املدينة‪ ،‬وكذلك كبار األرس الغنية يف‬
‫الريف(‪. )2‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬


‫(‪ )2‬رمضان‪ ،‬المجتمع البيزنطي‪ ،‬ص ‪. 41 ،43‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )4‬كمال‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 119‬‬
‫(‪43 ، p ،. Op. Cit ، Ramdan ، Aziz. )5‬‬
‫(‪)1‬سالم ‪ ،‬اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬ص ‪. 196‬‬
‫(‪43 ، p ،. Op. Cit ، Aziz )1‬‬
‫(‪. 43 ، p ،. Op. Cit ، Ramdan ، Aziz. )1‬‬

‫‪13‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫أما الفئة الربجوازية يف الريف فقد انكمشت كثرياً يف هذا العرص‪ ،‬وفقدت قدرتها الرشائية القدمية‪ ،‬أما سائر‬
‫السكان فكان اكرب همهم هو املحافظة عىل الحياة أو الفرار إىل الدير(‪.)7‬‬
‫وتضافرت عدة عوامل حتمت قيام عالقات اقتصادية بشكل أو آخر بني الطرفني منها ما كان يتعلق باملسلمني‬
‫أم الفرنج ‪ ،‬أو ما يتعلق منها بطبيعة العالقات التي نشأت بني الطرفني‪ ،‬أو ما يتعلق بطبيعة بالد الشام‬
‫نفسها ومدنها املختلفة(‪. )0‬‬
‫وما يذكره لنا املؤرخ ابن شداد يف حديثه عن مدينة بريوت التي استوىل عليها الفرنج سنة ‪ 160‬هـ ‪ ،‬وظلت‬
‫تحت حكمهم إىل أن اسرتدها السلطان صالح الدين األيويب سنة ‪ 170‬هـ‪ ،‬يقول‪ " :‬أنه عىل مقربة منها جبل‬
‫فيه معدن الحديد"(‪ ، )0‬وتصف بعض املصادر هذا النوع من الحديد بانه حديد طيب جيد القطع ويستخرج‬
‫منه الكثري ‪ ،‬ويحمل إىل مدن الشام املختلفة(‪.)2‬‬
‫كانت مدينة طرابلس من أهم مدن بالد الشام يف صناعة الورق وبخاصة الورق السمرقندي‪ ،‬وأنه كان يتم‬
‫إرساله إىل كثري من املدن الشامية املختلفة لجودته وشهرته‪ ،‬بل لتفوقه عىل الورق الذي صنع يف سمرقند‬
‫من ذلك النوع(‪ ، )1‬هذا إىل جانب أنها كانت من املصادر الهامة للحصول عىل مواد الصباغة التي اعتمدت‬
‫عىل نوع من النبات كانت تستخرج منه اصباغ ارجوانية اللون(‪.)0‬‬
‫ويف شامل بالد الشام كانت أنطاكية ‪ ،‬بوجه خاص قد اشتهرت مبا تنتجه من املواد الخام الالزمة لصناعة‬
‫املنسوجات الحريرية ‪ ،‬والبسط والزجاج والفخار والصابون وهي مواد مل تكن البلدان االسالمية يف بالد‬
‫الشام يف غنى عنها(‪.)1‬‬
‫كانت املناطق الجبلية املجاورة ملدينة بيت املقدس تعد من أهم مناطق بالد الشام يف استخراج بعض‬
‫خامات الصابون وبخاصة مادة البوتاس ‪ ،‬والذي اشتغل باستخراجه كثري من ابناء القبائل العربية التي‬
‫استوطنت هذه املناطق ‪ ،‬حتى أواخر العصور الوسطى(‪ ،)2‬اشتهرت محاجر القدس بإنتاج كثري من الحجارة‬
‫ذات االلوان املختلفة ‪ ،‬ومعروف ان حجارة بيت املقدس من أحسن الحجارة وأجملها ‪ ،‬وأقواها‪ ،‬وال سيام‬
‫النوع املعروف بالحجر املزي الصلب ومن اللون األحمر‪ ،‬والتي متيزت أيضاً بخاصية مقاومة وتأثري املياه‬
‫والرطوبة ‪ ،‬مبا يساعد عىل أن تحتفظ املباين التي تبنى بها بجامل لونها واشكالها عرب االزمنة الطويلة(‪. )7‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬


‫(‪ )2‬عبد هللا‪ ،‬العالقات االقتصادية بين المسلمين والصليبين‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )3‬ابن شداد ‪ ،‬االعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة ‪ ،‬ص ‪. 761 – 767‬‬
‫(‪ )4‬عبد هللا‪ ،‬العالقات االقتصادية بين المسلمين والصليبين ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )5‬خسرو ‪ ،‬سفر نامة ‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬يحي الخشاب‪ .‬تصدير‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب عزام‪ .‬الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب ‪-‬الطبعة الثانية‪ 7993 .‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬خسرو ‪ ،‬الرحلة ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫(‪ )1‬السيد‪ ،‬عبد العزيز سالم ‪ ،‬طرابلس الشام في التاريخ االسالمي ‪ ،‬االسكندرية ‪ 7901‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 131‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬سالم‪ ،‬طرابلس الشام‪.‬‬
‫(‪ )1‬رنسيمان ‪ ،‬تاريخ الحروب الصليبية ‪ ،‬ترجمة السيد الباز العريني ‪ ،‬بيروت ‪ 7909‬م ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪ 13‬وسيشار‬
‫إليه الحقا ً ‪ ،‬رنسيمان‪ ،‬تاريخ الحروب الصليبية‪.‬‬
‫(‪ )1‬علي السيد علي ‪،‬القدس في العصر المملوكي ‪ ،‬القاهرة ‪ 7990‬م ‪ ،‬ص ‪ ، 799‬علي‪ ،‬وسيشار إليه الحقا ً‬
‫‪:‬القدس في العصر المملوكي ‪.‬‬
‫(‪ )5‬عبد هللا‪ ،‬العالقات االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬

‫‪14‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الصناعات املعتمدة عىل الزراعة ‪:‬‬
‫أشهر الصناعات يف بالد الشام ‪(:‬صناعة املنسوجات ومنها الحرير)(‪ ،)7‬بالد الشام من املناطق القليلة يف العامل‬
‫التي تجتمع فيها اغلب األقاليم املناخية ‪ ،‬ففي الجزء الشاميل منها تقع الجبال املرتفعة القريبة من املناطق‬
‫الباردة ‪ ،‬ال بل نجد أن الثلوج تبقى معظم أشهر السنة عىل قمم جبال لبنان الغربية ‪ ،‬وتجاوزها السهول‬
‫الواقعة يف حوض نهر العايص ‪ ،‬ثم إىل الجنوب نجد سهول فلسطني و حوران التي اشتهرت بزراعة الحبوب‬
‫وأشجار الفاكهة وغريها من الزراعات التي تجود يف تلك املناطق(‪.)0‬‬
‫ومن الصناعات ‪ ( :‬صناعة الخمور ‪ /‬صناعة عرص زيت الزيتون‪/‬صناعة طحن الحبوب ‪/‬استخراج ماء الورد)‪.‬‬
‫صناعة األسلحة ‪:‬‬
‫تعد صناعة األسلحة من الصناعات الهامة التي قامت عىل صناعة التعدين ‪ ،‬فقد اشتهرت بالد الشام بصناعة‬
‫األسلحة وخاصة السيوف التي صنعت يف أكرث من منطقة فيها ‪ ،‬وقد متيزت بها املنطقة الجنوبية من البلقاء‬
‫لتوفر معدن الحديد ‪ ،‬وقد قامت عىل هذه املعادن صناعات حربية مثل ( السيوف ‪ /‬الخوذ ‪ /‬السهام ‪/‬‬
‫الدروع)(‪.)0‬‬
‫صناعات أخرى وجدت يف بالد الشام ‪:‬‬
‫(صناعة الزجاج ‪ /‬دباغة الجلود واالتجار بها ‪ /‬صناعة الرخام ‪/‬صناعة طواحني الحبوب بقوة املياه ‪ /‬صناعة‬
‫األدوات واملعدات الزراعية ‪ /‬صناعة بعض أنواع الدهانات ‪ /‬صناعة الفخار والسرياميك)(‪. )2‬‬
‫الزراعة ‪:‬‬
‫عدت الزراعة من أهم مقومات اقتصاد اإلمرباطورية البيزنطية إىل جانب موارد أخرى ‪ ،‬فقد عمل القسم‬
‫األكرب من الشعوب التي خضعت للحكم البيزنطي يف أقاليم اإلمرباطورية املختلفة بالزراعة ‪ ،‬وكانت الرضائب‬
‫الناتجة عن الزراعة من أهم واردات الدولة البيزنطية التي قامت عليها معظم نفقات اإلمرباطورية مثل‬
‫النفقات العسكرية والخدمة املدنية ‪ ،‬وصيانة نظام النقل ‪ ،‬الن معظم دخل اإلمرباطورية كان يعتمد عليها(‪.)1‬‬
‫كانت الزراعة من أقدم الحرف التي مارسها اإلنسان يف بالد الشام ‪ ،‬وظهر ذلك يف النقوش والرسومات التي‬
‫اكتشفت يف املناطق التي سكنوها ‪ ،‬فقد ظهر يف إحدى الرسومات املصاحبة ألحد النقوش منظر لرجل مع‬
‫محراث تجره حيوانات كام وردت كلامت تدل عىل العمل بالزراعة مثل أكار ‪ :‬فالح ‪ ،‬عيان ‪ :‬سكة املحراث ) ‪،‬‬
‫( رال ‪ :‬القش ) ‪ ،‬ووردت أسامء نباتات مثل (ورد ‪ ،‬كام ‪ ،‬كرمة ) ‪ ،‬بل لقد كانت الزراعة هي األساس االقتصادي‬
‫يف انتعاش وتطور الحياة يف مدن بالد الشام(‪)0‬‬

‫(‪ )1‬زبيدة ‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 733‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 717‬‬
‫(‪ )4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 711‬‬
‫(‪ )5‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬
‫(‪ )1‬العيسى ‪ ،‬سالم ‪ ،‬تاريخ الغساسنة ‪ ،‬عيسى سليمان‪ .‬دار النمير للطباعة و النشر و التوزيع‪ ، 1661 ،‬العيسى‬
‫‪ :‬تاريخ الغساسنة ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫وميكن التعرف عىل أهم األدوات الزراعية يف بالد الشام(‪:)7‬‬
‫‪ -0‬لوح الدراس ‪ /‬النورج ‪.‬‬ ‫‪-7‬املحراث الخشبي ‪.‬‬
‫‪ -2‬املذراة ‪.‬‬ ‫‪-0‬املنجل ‪.‬‬
‫‪-0‬الوتد ‪.‬‬ ‫‪ -1‬املجرفة ‪.‬‬
‫‪-2‬الغربال ‪.‬‬ ‫‪ -1‬العربة الخشبية ‪.‬‬
‫ومن األشجار يف بالد الشام ‪:‬‬
‫األشجار املثمرة ‪ :‬أشجار متتاز بطيب مثرها مثل ( أشجار الفواكة )‬
‫اللوزيات ‪ ( :‬اللوز ‪ ،‬الجوز ‪ ،‬الفستق الحلبي ) ‪.‬‬
‫أشجار النخيل ‪ :‬ينمو يف املناطق الرطبة واملناطق املرتفعة الباردة(‪.)0‬‬
‫األشجار غري املثمرة ‪ :‬تصنع منها األخشاب لصناعة السفن وغريها من الصناعات ‪.‬‬
‫وفيام يتعلق الرثوة الحيوانات(‪ ، )0‬اهتمت الشعوب القدمية بشكل عام برتبية أنواع من الحيوانات التي‬
‫كانت تعتمد عليها يف شؤون حياتها املختلفة‪ ،‬مثل األبقار واألغنام واملاعز‪ ،‬واعتموا برتبية الحيوانات األليفة‪:‬‬
‫( الخيول ‪ /‬الكالب ‪ /‬الجمل ‪ /‬الضان واملاعز ‪ /‬الحامر‪ /‬البقر)‪.‬‬
‫ونشط الصيد(‪ ،)2‬ومن أشهر مناطق الصيد يف بالد الشام منطقة ( منبج ‪ /‬هريابوليس ) يف األطراف الشاملية‬
‫من بالد الشام ‪ ،‬ويف املنطقة البادية املمتدة ما بني تدمر إىل واحة األزرق ‪.‬‬
‫أنواع الصيد‪ ( :‬صيد الرب ‪ /‬صيد البحر )(‪. )1‬‬
‫كام نشط الرعي‪ ،‬وهو ما ترعاه الراعية ‪ ،‬والراعي هو الذي يتوىل أمر املاشية التي ترعى ‪ ،‬ويقال للذي يجيد‬
‫رعية اإلبل ( ترعاية ) و ( ترعى ) ‪ ،‬أو هو الحسن االرتياد للكأل للامشية ‪ ،‬تعترب قطعان املوايش من املناظر‬
‫املألوفة يف املناطق غري املأهولة يف بالد الشام ‪ ،‬حيث توجد يف السهول الخصبة ‪ ،‬وترعى بني الصخور ‪ ،‬وعىل‬
‫منحدرات الجبال و يف الرباري ‪ ،‬وتخضع املوايش ملراقبة الرعاة الذين يقومون بقيادة القطيع نحو املراعي‬
‫الجديدة باستمرار ‪ ،‬طمعها يف تسمني مواشيهم(‪. )0‬‬
‫ويقسم الرعاة إىل أقسام ‪:‬‬
‫( رعاة اإلبل وهم املتعمقون يف الصحراء ‪ /‬رعاة البقر والخيل وهم ال يبتعدون عن املاء كثرياً‪ ،‬رعاة األغنام‬
‫يقومون برعايتها يف الحقول والرباري املحيطة بالقرى واملدن )(‪. )1‬‬

‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 93‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 761‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 771‬‬
‫(‪ )4‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 719 ،717‬‬
‫(‪ )5‬الباشا‪ ،‬عبد الرحمن رأفت ‪ ،‬الصيد عند العرب ‪ ،‬ط‪ ، 1‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬بيروت ‪،‬لبنان ‪7993،‬‬
‫‪ ،‬ص ‪ .01‬وسيشار اليه ‪ ،‬الباشا ‪ ،‬الصيد عند العرب‬
‫(‪ )1‬ليلى‪ ،‬القسطنطينية‪ ،‬ص ‪. 797 ،711‬‬
‫(‪ )1‬الباشا ‪ ،‬الصيد عند العرب ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫اإلصالحات الزراعية يف الدولة البيزنطية‪:‬‬
‫كانت بالد الشام والية واحدة يف أيام الفرس ( ‪ 000-107‬ق ‪ .‬م) وكانت اإلدارة الفارسية حريصة عىل أن‬
‫ترتك للسكان وتجمعاتهم الكثرية شيئا من الحرية الذاتية يف ترصفهم اإلداري؛ فالوايل كان له اإلرشاف العام‬
‫والتأكد من تحصيل وجمع الرضائب املفروضة(‪ ، )7‬وكانت مدينة آيلة ( العقبة ) تشكل جزءا من املنطقة‬
‫الجنوبية من بالد الشام(‪ ،)0‬باإلضافة إىل عمون (عامن ) و بيال ( طبقة فحل ) ودمشق ‪ ،‬أما مدينة البرتا‬
‫‪.‬‬
‫فكانت تشكل جزءا من الجهة الرشقية من الدولة الفارسية ‪ ،‬باإلضافة إىل تدمر‬
‫يالحظ أن اإلصالحات السياسية واإلدارية يف القرن الرابع امليالدي‪ ،‬عملت عىل تحسني وتقوية البناء السيايس‬
‫والعسكري يف اإلمرباطورية البيزنطية ‪ ،‬وتركزت السلطة يف أيدي مالك األرايض‪ ،‬الذين استغلوا أوضاعهم‬
‫االجتامعية الجيدة ‪ ،‬واستفادوا من اإلعفاءات الرضيبية عىل أراضيهم ومنتجاتهم ‪ ،‬وميكن أن نفهم التنظيامت‬
‫والتقسيامت اإلدارية لألقاليم يف فلسطني وجنويب األردن‪ ،‬من خالل إعادة التنظيم اإلداري الذي تم يف‬
‫اإلمرباطورية الرومانية خالل هذه الفرتة‪.‬‬

‫ووصلت املنطقة إىل أوج نشاطها االقتصادي‪ ،‬وزاد عدد السكان بشكل ملحوظ‪ ،‬مام حدا بالسلطات البيزنطية‬
‫إىل تقسيمها إىل أربع واليات‪ ،‬ضمت معظم املناطق املوجودة – حاليا – يف األردن‪.‬‬
‫تعترب فرتة الحروب الصليبية عامال مساعدا له أهميته يف زيادة التعامل التجاري بني املسلمني والفرنج يف بالد‬
‫الشام؛ فعىل إثر إقامة الفرنج يف بالد الشام أتيحت لهم الفرصة لتزداد معرفتهم مبنتجات الرشق وسلعه‪ ،‬مام‬
‫أدى إىل تزايد ملحوظ إقبالهم عليها‪ ،‬بل وتطلع الكثريون من أبناء الغرب األورويب ببلدانه املختلفة للحصول‬
‫عىل هذه السلع كام استطاع املسلمون الغرب األورويب الحصول عىل منتجات الرشقني االدىن واالقىص ‪ ،‬كام‬
‫استطاع املسلمون الحصول عىل احتياجاتهم من الغرب االوريب وبخاصة من االخشاب واملعادن وعىل هذا‬
‫االساس فان احتياجات كل طرف منهام إىل السلع أصبح يف اإلمكان الحصول عليها عن طريق الطرف االخر مام‬
‫أدى بالرضورة إىل قيام تعامل تجاري بينهام‪.‬‬
‫الرثوة املائية ‪:‬‬
‫تتمثل هذه الصفة السائدة يف مناخ بالد الشام يف تناوب فصل املطر والجفاف ‪ ،‬فيبدأ فصل املطر من نهاية‬
‫شهر ترشين األول حيث تهطل ملدة يوم أو عدة أيام ‪ ،‬وتسمى هذه األمطار باألمطار املبكرة أو حسب‬
‫املصطلحات العامية للمزارعني الوسم ‪ ،‬وتأخذ األمطار باالزدياد لتبلغ ذروتها يف شهري كانون ثاين وشباط ‪ ،‬ويف‬
‫معظم فصول الشتاء تتساقط الثلوج والربد ‪ ،‬ثم تأخذ األمطار بالتناقص حتى تنتهي تقريبا يف منتصف نيسان‬
‫يف حني يشمل فصل الجفاف بقية أشهر السنة ‪ ،‬وينطبق هذا النمط املناخي عىل بقية منطقة البحر األبيض‬
‫املتوسط ‪ ،‬والسبب يف ذلك هو وقوعها بني منطقتني مناخيتني مختلفتني ‪ :‬منطقة الرياح التجارية الجافة أو‬
‫الصحراء اإلفريقية يف الجنوب ومنطقة الرياح الغربية يف الشامل والتي تكون محملة بالرطوبة التي تجلب املطر‬
‫طوال السنة من املحيط األطليس إىل أوروبا الوسطى والشاملية وهي تشكل يف فصل الشتاء الرياح السائدة يف‬
‫بالد الشام ‪ ،‬أما يف الصيف فان منطقة الحر تنتقل إىل الشامل من خط االستواء ‪ ،‬لتصبح املنطقة خالل أشهر‬
‫عديدة خاضعة ملناخ جاف قاحل شبيه للمناخ السائد يف الصحراء الكربى(‪. )0‬‬

‫(‪ )1‬زيادة ‪ ،‬التطور اإلداري ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬


‫(‪ )2‬النصرات ‪ ،‬محمد ‪ ،‬تاريخ جنوبي األردن في الفترة البيزنطية من وادي الحسا شماالً حتى خليج أيلة (العقبة)‬
‫جنوبا (‪030 -314‬م) ‪ ،‬المجلة االردنية للتاريخ و االثار ‪ ،‬م‪ ، 3‬ع ‪ ، 1‬االردن ‪1669‬م ‪ ،‬وسيشار اليه‬
‫‪،‬النصرات ‪ ،‬تاريخ جنوبي األردن ‪ ،‬ص ‪. 740‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫التجارة يف بالد الشام يف العرص البيزنطي ‪:‬‬
‫لعبت التجارة دوراً هاما يف الحياة االقتصادية لبالد الشام يف العرص البيزنطي؛ فكان ملوقع بالد الشام‬
‫الجغرايف الهام كبري يف جعلها مركزا لعبور التجارة بني قارات العامل القديم ‪ ،‬فاستفاد سكانها من العالقات‬
‫التجارية التي كانت قامئة بني شعوب وبلدان العامل القديم ‪ ،‬كجزء من منطقة غرب آسيا فقد متتعت بالد‬
‫الشام بأهمية بالغة كعقدة مواصالت بني قارات العامل القديم(‪ ،)7‬باإلضافة إىل عملية التبادل التجاري ‪ ،‬كانت‬
‫هنالك عمليات تبادل ثقايف واختالط اجتامعي عن طريق ما كان يتم جلبه من رقيق من كال الطرفني ( تجار‬
‫بالد الشام وتجار(‪ )0‬الجزيرة العربية ) ‪ ،‬مام أدى إىل دخول الجنس األبيض ( رقيق الروم والصقالبة والقوقاز)‬
‫والجنس األسود ( رقيق افريقيا )‪ ،‬يف كال املجتمعني ( مجتمع بالد الشام والجزيرة العربية )(‪.)0‬‬
‫طرق املواصالت يف بالد الشام ‪:‬‬
‫الطرق الربية ‪:‬‬
‫طريق الحرير ‪ :‬من أهم طرق التجارة يف العامل القيدم ‪ ،‬وهو رشيان تجاري يربط مدينة (لويانغ) عىل النهر‬
‫األصفر مع موانئ البحر األسود وموانئ البحر املتوسط ‪ ،‬وبقي هذا الطريق يستخدم لعدة مئات من السنني‬
‫كطريق رئيس للتجارة بني قارات العامل القديم الثالث (آسيا ‪ ،‬افريقيا ‪ ،‬أوروبا) ومن خالله تم تبادل السلع‬
‫والثقافات بني الشعوب الواقعة يف مساره‪ ،‬حيث انه ربط حضارات العامل القديم يف املناطق التي مر بها‬
‫وبني حضارات (الصني‪ ،‬والهند‪ ،‬وبالد بابل ‪ ،‬وبالد اليونان ومرص )(‪. )2‬‬
‫طريق الهند ‪ :‬وجدت ثالث من طرق التجارة الرئيسية التي ربطت بني الهند والغرب ‪ ،‬ومن الطرق الرئيسية‬
‫التي كانت تربط بني الهند وبالد الشام ‪:‬‬
‫عرب باكستان إىل بحر قزوين ‪.‬‬
‫طريق الخليج العريب التي كانت تنطلق من مصب نهر أندوس إىل نهر الفرات‪.‬‬
‫طريق دائري عرب الخليج العريب واملحيط الهندي إىل عدن ‪ ،‬وعرب البحر األحمر إىل ميناء السويس ‪ ،‬ومنها‬
‫يسري يف اتجاهني احدهام إىل مرص ‪ ،‬واألخر إىل صيدا و صور(‪.)1‬‬
‫الطريق الربي عرب املمرات الهندية إىل بلخ ومنها ‪:‬‬
‫أما عن طريق نهر اوكسوس النهر بالحد الفاصل بني كل من أفغانستان وطاجكستان إىل بحر قزوين ومنه‬
‫إىل اوكسني يف بالد اليونان ‪.‬‬
‫أو عرب طريق القوافل الربي حيث تعرب القوافل صحراء كرمان إىل املمرات الشاملية لبحر قزوين وصوالً إىل‬
‫أنطاكية عرب طريق املدائن‪.‬‬

‫(‪ )1‬رستم ‪ ،‬الروم وصالتهم بالعرب ‪ ،‬ج‪، 1‬ص ‪. 10‬‬


‫(‪ )2‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 79‬‬
‫(‪ )3‬الخرابشة‪ ،‬ممدوح عبد الحليم ‪ ،‬استقرار القبائل العربية في بالد الشام قبل الفتح اإلسالمي القرن ‪1 ،3 ،‬م‪،‬‬
‫رسالة ماجستير غير منشورة ‪ ،‬اشراف محمد خريسات ‪ ،‬الجامعة األردنية ‪ ، 1663،‬ص‪ ، 06‬وسيشار إليه‬
‫الحقا ً ‪ ،‬الخرابشة ‪ ،‬استقرار القبائل العربية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 41‬‬

‫‪11‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫طريق آسيا الصغرى ‪ :‬أن الطرق الرئيسة فيها تسري عرب نيقيا إىل مالقينا ثم إىل دوري ليون ثم إىل قيسارية‬
‫ومالطية ‪ ،‬ثم تتجه جنوبا عرب سوريا من خالل بوابات قليقية ثم إىل الحدود العربية‪.‬‬
‫طريق البخور ‪ : 7/‬طريق ينطلق من اليمن باتجاه الشامل مبحاذاة البحر األحمر ‪ ،‬ويعد طريق البخور طريق‬
‫قوافل داخل عظيم يبدأ من جنوب الجزيرة العربية قاطعا إياها شامال حتى دمشق ‪ ،‬ثم يتابع سريه شامال‬
‫ليصل إىل حلب وأنطاكية ‪ ،‬ومنها إىل الساحل الرشقي للبحر األبيض املتوسط ‪.‬‬
‫طريق البخور ‪ :‬يقع عىل الساحل الجنويب للجزيرة العربية عرب الحدود الشاملية ملنطقة سبأ ‪ ،‬إىل مكة ‪،‬‬
‫شامال إىل ( ديدان ‪ /‬العال ) ‪ ،‬ومنها إىل مدين ثم إىل أيله ( العقبة )(‪. )7‬‬
‫الطريق من مكة إىل فلسطني ‪ :‬من الطرق التي كانت تربط بالد الشام بالجزيرة العربية(‪ )0‬وهي نفس طريق‬
‫الحج الشامي الحقا(‪ ، )0‬وكان يسلكها تجار مكة يف طريقهم إىل كل فلسطني ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬وبعض موانئ البحر‬
‫املتوسط الشامية مثل غزة وصور(‪. )2‬‬
‫طريق عريض ميتد يف أقىص شامل شبه الجزيرة العربية ‪ :‬ميثل هذا الطريق امتدادا صحراويا لطريق تجاري‬
‫يبدأ من الرمادي عىل نهر الفرات ‪ ،‬ويسري مبحاذاة النهر حتى منطقة ( أبو كامل ) عىل نهر الفرات ‪ ،‬ثم متتد‬
‫غربا إىل تدمر ومن هناك إىل حمص ‪.‬‬
‫طريق تراجان ‪ :‬أشهر طرق التجارة يف بالد الشام(‪.)1‬‬
‫الرشوط الواجب توفرها يف طرق التجارة الربية ‪:‬‬
‫توفر املياه العذبة لتزويد القوافل باملياه الالزمة ‪.‬‬
‫ابتعاد الطريق عن املناطق الجباملحمية‪،‬ية ‪ ،‬لتسهيل التنقل والحركة وتوفر األمن(‪.)0‬‬
‫توفر الحصون والقالع واملواقع املحمية ‪ ،‬لحامية القوافل من الهجامت املفاجئة من قطاع الطرق ‪ ،‬أو القبائل‬
‫الواقعة حول الطريق ‪.‬‬
‫وجود الحاممات والفنادق‪ ،‬أو الخانات التي تقوم بتقديم خدمات االسرتاحة للقوافل واملبيت للمرافقني‬
‫عند الحاجة‪.‬‬

‫(‪ )1‬النقر‪ ،‬عبد الحافظ‪ ،‬التجارة الداخلية والخارجية للعالم اإلسالمي‪ ،‬دار الموسوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪ ، 17‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬النقر‪ ،‬التجارة الداخلية والخارجية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الطبري ‪ ،‬محمد بن جرير ‪ ،‬تاريخ األمم والملوك ‪ ،‬ج ‪ ، 73‬طبعة جديدة ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪7919 ،‬‬
‫‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص‪ ، 19‬وسيشار إليه ‪ :‬الطبري ‪ ،‬األمم والملوك ‪.‬‬
‫(‪ )3‬درادكة ‪ :‬صالح ‪ ،‬طريق الحج الشامي في العصور اإلسالمية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬عمان ‪ ،‬األردن ‪. 7991 ،‬ص ‪،13‬‬
‫وسيشار إليه الحقاً‪ :‬درادكة‪ ،‬طريق الحج ‪.‬‬
‫(‪ )4‬اإلدريسي ‪ ،‬نزهة المشتاق ‪ ،‬ص ‪ ، 191‬و زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 41‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬
‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪15‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫األحالف التجارية تعد أهم الرشوط جميعا ‪ ،‬ألنه عند انعدامها فانه لن يتوفر األمن للقوافل عىل الطرق‬
‫ومن أش هرها حلف ( اإليالف ) بني قريش واإلمرباطورية البيزنطية ‪ ،‬والقبائل الواقعة عىل طريقي تجارتها‬
‫باتجاه الشام واليمن(‪.)7‬‬
‫توفر الحراسة للقوافل التجارية خالل عبورها لطرق التجارة ‪.‬‬
‫السلع املتداولة يف تجارة بالد الشام ‪:‬‬
‫البخور واللؤلؤ واألحجار الكرمية من جنوب الجزيرة العربية وموانئ الخليج العريب و من الهند‪.‬‬
‫الثياب املرتفة من بابل وبالد ما بني النهرين(‪.)0‬‬
‫األواين الزجاجية والفضة والذهب ‪.‬‬
‫الخمور من دمشق ولبنان واملناطق املحيطة بأنطاكية ‪.‬‬
‫الرتكواز والالزورد واألقمشة القطنية من حوض السند ‪.‬‬
‫الصبغة والحرير والتوابل والفرو ‪.‬‬
‫الفلفل من جزر املالبار ‪.‬‬
‫النحاس من كالينيا بالقرب من بومباي ‪.‬‬
‫املسك وفرو القندس من إقليم السند ‪.‬‬
‫زيت الزيتون الذي كان ينتج ويصدر من أنطاكية ‪ ،‬وهو من األسباب الرئيسة يف االزدهار العمراين والتجاري‬
‫يف املدينة(‪.)0‬‬
‫صادرات بالد الشام ‪:‬‬
‫نتيجة العالقات التجارية الواسعة التي كانت بني اإلمرباطورية البيزنطية واملناطق املجاورة لها كان ال بد أن‬
‫تقابل عمليات استرياد السلع إىل األسواق يف بالد الشام عملية تصدير السلع التي كانت تنتج يف املصانع أو‬
‫املزارع الشامية إىل األسواق الخارجية ‪ ،‬وشملت الصادرات املواد التي تنتج يف املصانع واملعامل الشامية ‪،‬‬
‫والورش املوجودة يف املدن أو السلع التي يعاد تصنيعها يف بالد الشام بعد أن تستورد كمواد خام من‬
‫مصادرها األصلية ‪ ،‬كالحرير ‪ -‬ومن الصادرات أيضا األرجواين الالمع ‪ ،‬والبنفسجي الغامق‪ ،‬وأزهار الشاطئ‪،‬‬
‫واملزخرفات باإلشكال الحيوانية والرموز الدينية والتي كانت تصنع يف الورش الحرفية البيزنطية والتي كانوا‬
‫يتباهون بها ‪ ،‬واملصوغات الذهبية ‪ ،‬والعاج املنقوش والزجاج ‪ ،‬والجلود املصبوغة باللون األرجواين‪ ،‬ويف‬
‫نفس الوقت تم منع تصدير بعض من السلع الهامة كالذهب ‪ ،‬وامللح ‪ ،‬والحديد واملعادن التي ميكن‬
‫استخدامها يف صناعة األسلحة ‪ ،‬واألخشاب الالزمة لبناء السفن‪ ،‬وأي يشء ميكن أن يساعد أعداء اإلمرباطورية‬
‫البيزنطية ضدها(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 09‬‬
‫(‪ )3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬
‫(‪ )4‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الرضائب ‪:‬‬
‫الرضائب من أهم بنود النظام اإلداري يف اإلمرباطورية البيزنطية عىل مر العصور ‪ ،‬وكانت أهم رضيبة يتم‬
‫جبايتها هي رضيبة األرايض ‪ ،‬التي كانت تقدر تبعا ملساحة األرض ‪ ،‬وصالحيتها للزراعة فقد كان الجزء األكرب‬
‫من الرضائب يقع عىل عاتق الزراعة ‪ ،‬ومعظم نفقات الدولة العسكرية ‪ ،‬واملدنية وصيانة شبكة الطرق‬
‫تتحمله الزراعة ‪ ،‬وكان هناك رضائب أخرى يدفعها سكان املدن منها رسوم وصوالت االستالم ‪ ،‬ورضيبة‬
‫عىل األموات ‪ ،‬ورسوم املحاكم ‪ ،‬وفوق هذا كله كانت الدولة تتقاىض رسوما عىل البضائع املستوردة ‪ ،‬وكانت‬
‫الرضائب تجبى من صغار املزارعني بنفس القدر الذي كان يدفعه كبار املالكني من الطبقات االرستقراطية ‪،‬‬
‫كام أن الفالحني يتعرضون لالضطهاد من قبل جامعي الرضائب باإلضافة إىل أن املطلوب من الفالح دفعة‬
‫كان يزيد عن املقرر عليه(‪ ،)7‬كام كان يتعرض إىل عمليات الغش املتعمد ‪ ،‬واالبتزاز ‪ ،‬والتالعب باألوزان‬
‫واملكاييل ‪ ،‬والعملة ودفع رضيبة املكوس ‪ ،‬باإلضافة إىل الرسوم التي كانت تدفع للجباة(‪. )0‬‬
‫النقود املتداولة‪:‬‬
‫اعتربت اإلمرباطورية البيزنطية نفسها استمرارا أو وريثا لإلمرباطورية الرومانية التي سبقتها‪ ،‬إال أنها اختلفت‬
‫عنها يف اعتبار الديانة املسيحية الرسمية لها ‪ ،‬واللغة اليونانية لغة اإلمرباطورية الرسمية ‪ ،‬يف حني مل يحدث‬
‫هناك تغيري يف العملة ‪ ،‬فقد بقي استخدام الرموز الالتينية يف النقد البيزنطي قبل القرن الرابع امليالدي ‪،‬وقد‬
‫انعكس االستقرار الذي أصاب النظام النقدي البيزنطي عىل التبادل التجاري ‪ ،‬ودفع الرضائب املقررة عىل‬
‫السلع بالذهب ‪ ،‬حيث تم سك قطعة ذهبية سميت ( سوليدوس ) وفئات مختلفة من النقد الفيض ‪،‬‬
‫والبلون ( خليط من الذهب أو الفضة ومعدن رخيص ) والربونز ‪ ،‬إال أن هذا النظام النقدي انهار يف بداية‬
‫القرن الخامس امليالدي عندما اجتاح القوط الغربيون اإلمرباطورية البيزنطية(‪.)2(. )0‬‬
‫خالل تاريخ النقد البيزنطي بقي ( السيلودس الذهبي يزن ‪ 2,11‬غرام) من الذهب الصايف هو وحدة النقد‬
‫الرئيسة يف النظام النقدي البيزنطي‪ ،‬وقد كانت قيمة القطع النقدية األخرى تحدد بالنسبة إليه وكان يساوي‬
‫أيضا (‪ )10/7‬من الباوند الروماين أو ‪ 20‬قرياط ‪ ،‬والقرياط يساوي (‪ ) 6,727‬غرام(‪. )1‬‬
‫ونتيجة الزدهار العمليات التجارية واملرصفية بني املسلمني والفرنج يف بالد الشام ‪ ،‬فان املدن اإلسالمية قد‬
‫عرف ت إىل جانب العمالت املحلية من الدينار الذهب والدرهم الفضة ثم بعد ذلك الفلس النحاس ‪ ،‬عرفت‬
‫كثريا من املعامالت األجنبية وتنوعت النقود املتداولة فيها تنوعا مع العنارص واألجناس التي كانت تفد إليها‬
‫حيث يؤكد لنا كثري من الرحالة األوروبيني والحجاج املسيحيني الوافدين عىل البالد لزيارة األماكن املقدسة‬
‫يف كل من بالد الشام ومرص ‪ ،‬يؤكدون أن العمالت التي عرفت يف الغرب األورويب كانت متداولة ومعروفة‬
‫يف كثري من مدن بالد الشام ‪ ،‬مثل بيت املقدس‪ ،‬ودمشق ‪ ،‬وحلب‪ ،‬وغريها(‪ ،)0‬عىل سبيل املثال – أن العمالت‬
‫الفضية األملانية والتي عليها عالمة الصليب وهي من الفضة الجيدة كانت معروفة ومستعملة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬


‫(‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )3‬ربيع ‪ ،‬دراسات في تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬ص‪. 46،47‬‬
‫(‪ )4‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 13‬‬
‫(‪ )5‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫(‪ )1‬ابن الشحنة ‪ :‬أبو الفضل محمد ‪ ،‬الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫سورية ‪. 7994 ،‬ص‪ ،37‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬ابن الشحنة‪ ،‬الدر المنتخب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬كمال‪ ،‬العالقات االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 771‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫األسواق ‪:‬‬
‫تركز النشاط االقتصادي بجنوب بالد الشام يف األسواق التي لعبت دوراً واضحا يف حياة البالد االقتصادية يف‬
‫العرص البيزنطي – كغريه من العصور – فكانت مراكز البيع والرشاء للسلع التي يحتاج إليها الناس؛ فليس‬
‫من املنكق أن يقترص التبادل التجاري بني بالد الشام واملناطق املجاورة لها عىل محطات القوافل أو املوانئ‬
‫البحرية فقط ‪ ،‬لذلك فقد أقيمت أسواق موسمية ‪ ،‬تقصدها القوافل التجارية من داخل وخارج الجزيرة‬
‫العربية وبالد الشام ‪ ،‬وبعض هذه األسواق كان يقام يف محطة معينة من محطات القوافل الربية أو‬
‫البحرية(‪. )7‬‬
‫من أجل ضبط التعامل يف األسواق فقد وضعت الدولة البيزنطية تعليامت لألسواق ومنها ‪:‬‬
‫انجاز املعامالت التجارية مع العرب عىل الحدود السورية ‪.‬‬
‫تحديد عدد التجار يف املدن السورية(‪. )0‬‬
‫ج‪ -‬وضع أي شخص غريب يدخل األرايض البيزنطية تحت املراقبة(‪.)0‬‬
‫وجد يف بالد الشام العديد من األسواق التجارية الهامة والتي توزعت يف أنحاء مختلفة منها اذكر منها‪:‬‬
‫سوق دومة الجندل ‪ ( /‬الجوف حاليا )(‪: )2‬‬
‫دومة الجندل ‪ :‬بلدة تقع يف نقطة متوسطة بني الشام والحجاز واملدينة املنورة عىل منتصف الخط الواصل‬
‫بني العقبة والبرصة ‪ ،‬وهي تبعد عرش مراحل عن دمشق ‪ ،‬وكانت هذه البلدة محطة هامة من محطات‬
‫القوافل التي تزود املسافر مبا يحتاجه من املاء والغذاء(‪.)1‬‬
‫ومن السلع التي كانت تباع يف هذه السوق ( اللبان ‪ ،‬و املر ‪ ،‬و الالدن ‪ ،‬والعقيق اليمني ‪ ،‬والعطور ‪،‬‬
‫(‪)1( )0‬‬
‫والذهب ‪ ،‬والعاج ‪ ،‬وخشب االبنوس ‪ ،‬والرقيق ‪ ،‬والقمح املرصي ) ‪.‬‬
‫سوق دير أيوب ‪:‬‬
‫دير أيوب قرية يف حوران من نواحي دمشق ‪ ،‬يزعم أنها كانت مسكن النبي أيوب عليه السالم(‪ ، )2‬وهي‬
‫شاميل برصى وغرب اذرعات ( درعا ) وتعرف اليوم باسم ( شيخ سعد ) وفيها عني ماء ‪ ،‬وسوقها هو أول‬
‫أسواق الشام قياما(‪. )7‬‬

‫(‪ )1‬رستم ‪ ،‬الروم وصالتهم بالعرب ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪.10‬‬


‫(‪ )2‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )3‬سالم ‪،‬السيد عبد العزيز ‪،‬د ت ‪ ،‬تاريخ العرب في عصر الجاهلية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص‬
‫‪ ، 391‬وسيشار إليه الحقا ً‪ :‬سالم ‪ ،‬تاريخ العرب في عصر الجاهلية ‪ ،‬سحاب ‪ ،‬إيالف قريش ‪ ،‬ص ‪. 174‬‬
‫(‪ )4‬العاني ‪ ،‬حقي إسماعيل ابراهيم ‪ ،‬أسواق العرب التجارية في شبه الجزيرة العربية قبيل وفي صدر اإلسالم ‪،‬‬
‫رسالة ماجستير ‪ ،‬كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة بغداد ‪ ،7996 ،‬ص‪ ، 41،11‬وسيشار اليه ‪ ،‬العاني ‪ ،‬أسواق العرب‬
‫‪ ،‬ابن حبيب ‪ ،‬المحبر ‪ ،‬ص ‪ ، 103،104‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬العاني‪ ،‬أسواق العرب ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫(‪ )1‬سحاب ‪ ،‬إيالف قريش ‪ ،‬ص ‪. 394‬‬
‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬
‫(‪ )1‬الحموي‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 499‬‬
‫(‪ )5‬اإلدريسي ‪ ،‬نزهة المشتاق ‪ ،‬ص ‪.190‬‬

‫‪52‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ج‪ -‬سوق برصى ‪:‬‬
‫برصى هي عاصمة حوران ومن اكرب مدن الشام قبل اإلسالم ‪ ،‬وقد اشتهرت يف العرص الجاهل أكرث من‬
‫دمشق؛ ألنها كانت محطة للتجار القادمني من الهند والحبشة واليمن ( تجار طريق البخور )‪ ،‬وألهميتها‬
‫كمحطة قوافل كربى عمل الرومان والبيزنطيني من بعدهم عىل تحصينها ‪ ،‬وجعلوا فيها حاميات قوية تقوم‬
‫مبراقبة حركات القبائل داخل الصحراء ‪ ،‬وصد هجامتهم عن بالد الشام(‪.)7‬‬
‫د‪ -‬سوق اذرعات ( درعا ) ‪:‬‬
‫ذرعات بلد بالشام قرب البلقاء وعامن(‪ ، )0‬اسمها اليوم ( درعا ) ‪ ،‬تقارب برصى باألهمية ‪ ،‬كانت خاضعة‬
‫للدولة البيزنط ية وكان حكامها من عامل الروم ‪ ،‬والراجح أنهم من الغساسنة ‪ ،‬الن اذرعات كانت ضمن‬
‫مناطق سيطرتهم ‪ ،‬كانت عالقات العرب التجارية بها مقاربة لعالقتهم ببرصى ‪ ،‬اشتهرت بإنتاج الخمور(‪.)0‬‬
‫و‪ -‬سوق طبقة فحل ‪:‬‬
‫تعترب طبقة فحل من أهم املدن اليونانية العرشة يف بالد الشام ‪ ،‬وهو اسم موضع يف الشام كانت فيه الحرب‬
‫بني املسلمني والروم(‪ ،)2‬بعد دخول هذه املدينة تحت السيادة البيزنطية يف القرن الرابع امليالدي عاد االزدهار‬
‫لها بشكل تدريجي ‪ ،‬حيث قامت الدولة بوضع أساسيات للرتابط االجتامعي واألوضاع االقتصادية مام أدى‬
‫إىل ازدهار التجارة الدولية يف ذلك الوقت ‪ ،‬وازداد عدد سكان طبقة فحل حتى وصل يف القرن السادس إىل‬
‫أعىل حد له يف تاريخ املدينة ‪ ،‬بدا العنرص العريب وعىل وجه التحديد رجال القوافل باالستقرار يف املدينة ‪،‬‬
‫وشاركوا بالنشاطات التجارية التي تجري فيها ‪ ،‬األمر الذي أدى إىل زيادة الدور الذي لعبته طبقة فحل يف‬
‫التجارة الدولية يف ذلك الوقت ‪ ،‬والتي كانت تأيت من الجزيرة العربية عىل شكل تجارة ترانزيت عرب طبقة‬
‫فحل باتجاه سواحل وموانئ الدول الغربية(‪.)1‬‬
‫ز‪ -‬أسواق دمشق ‪:‬‬
‫دمشق البلدة املشهورة ‪ ،‬قصبة الشام(‪ ،)0‬وهي جنة األرض بال خالف ‪ ،‬لكرثة البساتني والورود فيها ‪ ،‬واشتهرت‬
‫أسواقها بالنبيذ الحلبي ‪ ،‬والصوف األبيض ‪ ،‬وكانت معربا للقوافل والبضائع من البحر األبيض املتوسط‬
‫ومناطق الداخلية يف بالد الشام والعكس ‪ ،‬فمنها يأيت باملشمش والربتقال واملنسوجات كالقطن والحرير‬
‫املزينة باملطرزات‪ ،‬وصور األزهار املوضوعة عىل خلفيات ناصعة ‪ ،‬كام اشتهرت بالسيوف الدمشقية التي‬
‫امتازت بالحدة واملرونة التي تعترب من أرسار صناعتها وبزخرفة األخشاب واملعادن وتطعيمها بالذهب‬
‫والفضة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬


‫(‪ )2‬الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪. 713‬‬
‫(‪ )3‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫(‪ )4‬الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 0‬ص ‪. 346‬‬
‫(‪ )5‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 37‬‬
‫(‪ )1‬الحموي ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬مجلد ‪ ، 1‬ص ‪. 7411‬‬
‫(‪ )1‬زبيدة‪ ،‬الحياة االقتصادية‪ ،‬ص ‪. 31‬‬

‫‪53‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ح‪ -‬أسواق القدس وأسواق جرش‪:‬‬
‫وارتبطت بعمليات التبادل بني املسلمني والفرنج يف بالد الشام عىل عرص الحروب الصليبية وجود نوع من‬
‫األسواق اإلسالمية والصليبية عىل حد سواء(‪ ، )7‬وهي ما ميكن أن تسميه باألسواق املوسمية ‪ ،‬ومن تلك‬
‫األسواق ما كان يرتبط بقدوم الحجاج املسيحيني ‪ ،‬والذين يكرث تواجدهم وحضورهم لالحتفال بعيد الفصح‬
‫يف مدينة بيت املقدس ‪ ،‬حيث تشري كثري من املراجع أنه أمام الباب الرئييس لكنيسة القيامة كان يوجد فناء‬
‫كبري(‪ ، )0‬والذي كان يقام فيه سوق موسمي عند مقدم الحجاج املسيحيني ‪ ،‬وحيث تباع فيه الحل واملسابح‬
‫(‪)0‬‬
‫والصور الخاصة بالقديسني ‪ ،‬والتحف الرشقية التي يحرص كثريون من أبناء الغرب األورويب عىل اقتنائها‪.‬‬
‫األعامل املرصفية والصيارفة‪:‬‬
‫تطلب تطور األعامل التجارية ‪ ،‬واملالية وازدهار عمليات التبادل االقتصادي بني الدولة البيزنطية و الدول‬
‫املجاورة ‪ ،‬تطلب وجود أعامل مرصفية تخدم املصالح التجارية لدى الطرفني ‪ ،‬حيث أن سبق لهم أن عرفوا‬
‫الكثري من األعامل املرصفية يف مرص والشام والعراق وبالد فارس‪ ،‬حيث احرتفوا مهنة الصريفة وكان التعامل املايل‬
‫يتم يف أسواق الصيارفة أو خانات الرصف‪ ،‬كام كان يطلق عليها أحياناً‪ ،‬عىل يد الرصافني أو الصيارفة؛ فيعطى‬
‫التاجر للرصاف منهم ‪ ،‬ويحصل منه عىل صك مبا دفعه ‪ ،‬وكلام اشرتى بضائع سدد مثنها بهذه الصكوك محمولة‬
‫عىل الرصاف الذي يتعامل معه(‪ ، )2‬كذلك اصدر هؤالء الصيارفة أو الرصافني خطابات االعتامد االنتامئية أو "‬
‫السفتجات " أو " السندات املالية املؤجلة الدفع " عىل آجال طويلة أو قصرية ‪ ،‬حيث لجا كثري من التجار إىل‬
‫النظام األخري وهو السندات املالية املؤجلة الدفع عىل آجال(‪. )1‬‬
‫النقوش و الكتابات القدمية البيزنطية يف بالد الشام‪:‬‬
‫املؤثرات التاريخية ‪ :‬عندما أعلنت املسيحية ديانة الرسمية ازدهر الفن البيزنطي وقد أخذت بيزنطة عن‬
‫روما وعن الرشق األلوان البديعة وشاع استخدام القباب مع األسقف املائلة ‪.‬‬
‫العنارص الزخرفية والفنية البيزنطية‪:‬‬
‫العنارص النباتية‪ :‬غلب عليها التلقائية والتبسيط والتحوير والتأثري الرشقي‪ ،‬فاستخدم أفرع وأوراق وعناقيد‬
‫العنب‪ ،‬وأوراق األكنش و األنتيمون والزهرية واللبالب‪ ،‬ونباتية محورة(‪. )0‬‬
‫العنارص الحيوانية سادها التحوير والتجريد والتبسيط الزخريف‪ ،‬فاستخدم الحيوانات والطيور خاصة الحامم‬
‫والطاووس والحمالن وبعض الحيوانات الرمزية واألسطورية للدين املسيحي‪ ،‬كام استخدمت زخارف متثل‬
‫رجال الدين والقديسني واملالئكة(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬األفغاني ‪ :‬سعيد ‪ ،‬أسواق العرب في الجاهلية واإلسالم ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق ‪ . 7906 ،‬ص‪ ،47‬وسيشار‬
‫إليه الحقاً‪ :‬األفغاني‪ ،‬أسواق العرب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬موسى‪ ،‬معاهدة تجارية ‪ ،‬ص ‪. 191‬‬
‫(‪ )3‬كمال‪ ،‬العالقات االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬
‫(‪ )4‬زيك ‪ ،‬نعيم ‪ ،‬طرق التجارة الدولية ومحطاتها بني الرشق والغرب (أواخر العصور الوسطى) ‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت ‪0660 ،‬م ص‬
‫‪ .020‬وسيشار اليه ‪ ،‬زيك ‪ ،‬طرق التجارة الدولية‪.‬‬
‫(‪ )5‬كمال‪ ،‬العالقات االقتصادية ‪ ،‬ص ‪. 773‬‬
‫(‪ )1‬صايغ ‪ ،‬سليم ‪ ،‬اآلثار المسيحية في األردن ‪ ،‬المطبعة الكاثوليكية ‪ ،‬عمان ‪ ، 7990 ،‬ص ‪ ،01‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬صايغ‪ ،‬اآلثار المسيحية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬قاقيش ‪ ،‬رنده ‪ ،‬عمارة الكنائس وملحقاتها في األردن في العهدين البيزنطي واألموي ‪ ،‬ط‪ ،1661 ، 7 .‬دار‬
‫ورد األردنية للنشر والتوزيع ‪ ،‬األردن ‪ ،‬ص‪ ،41‬وسيشار إليه الحقاً‪ :‬قاقيش‪ ،‬عمارة الكنائس ‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫العنارص الهندسية ‪ :‬كرث االعتامد عىل الوحدات الهندسية املبسطة‪ ،‬وتداخلت كثريا مع الوحدات النباتية‬
‫والحيوانية وكانت تعتمد عىل املربعات واملعينات واملثلثات واملستطيالت واستخدمت يف زخارف األرضيات‬
‫وأسفال الجدران‪.‬‬
‫العنارص الرمزية ‪ :‬ظهرت رموز دينية كثرية أهمها الحاممة والصليب‪ ،‬ورمز للروح برسم الطاووس وأنواع‬
‫غريبة من املسخ والوحوش والحيوانات الخرافية(‪.)7‬‬
‫السامت والخصائص الفنية املميزة للفن البيزنطي‪:‬‬
‫فشيدت املباين من الحجر وكسيت باملالط لتسهل زخرفتها أو تطعيمها بالفسيفساء ‪ -‬شاع استخدام‬
‫القباب وغطيت بصور االفرسك أو الفسيفساء أو بالحفر الخفيف امللون‪ -.‬حل طراز ومنط جديد يتفق مع‬
‫مثاليات وحاجات الدين الجديد‪ ،‬وابتكرت وحدات ورموز جديدة ‪ ،‬واتجهت الزخارف بصفة عامة إىل البساطة‬
‫والتحوير وكرث تداخل األشكال الهندسية املضفورة واملجدولة اتجهت األلوان البيزنطية نحو الهدوء والوقار‪،‬‬
‫والتسطيح وقل استخدام التدرج اللون(‪.)0‬‬
‫كان الذهب أكرث األلوان شيوعا واستخداما يف األرضيات للنقوش‪ ،‬كام استخدمت رقائق الفضة وفوقها‬
‫نقوش مزدانة باألزرق واألخرض السنديس واألبيض الناصع واألحمر الزنجفري ‪ ،‬وقد وضعت هذه األلوان بعد‬
‫تحديد الزخارف بحد من اللون األسود وقد استخدم اللون األحمر واألسود العميق‪ ،‬والبيج املحمر مل يزد عدد‬
‫األلوان املستخدمة عن أربعة ألوان إال نادراً(‪.)0‬‬
‫الفنون البيزنطية ‪:‬‬
‫العامرة البيزنطية ‪ :‬شيدت املباين من الحجر أو من الطوب و اكتست األسطح باملالط أو تطعيمها‬
‫بالفسيفساء أو برشائح الرخام امللونة‪ .‬كام شاع استخدام القباب فوق طبالت ترفعها األسقف وتنريها يف‬
‫‪.‬‬
‫الوقت نفسه وهذه القباب تحملها تواشيح لعرض األلوان الجذابة يف صور الفرسك أو الفسيفساء‬
‫فن النحت والحفر البيزنطي ‪ :‬يخلو الفن البيزنطي من التامثيل املنحوتة أما األشكال اآلدمية فقد زخرفت‬
‫‪.‬‬
‫بالحز فوق أسطح الحشوات واألرضيات كلها غائرة عن منسوب الحفر‬
‫فن التصوير ‪:‬رفضت أغلب املذاهب املسيحية إقامة التامثيل‪ ،‬مام أدى إىل اتجاه الفن إىل أسلوب النقش‬
‫والتصوير امللون لتسجيل صور أقطاب الدين واملناسبات واألحداث الدينية فأخذ الفن البيزنطي طابعا متميزا‬
‫يتسم بهدوء وثبات الحركة متاما يف رسوم أشخاصه الذين يكونون واقفني ومتجاورين وأنظارهم متجهة إىل‬
‫األمام متاما‪ ،‬وأخذت أوضاع أذرعهم وأيديهم وضعا ثابتا ‪-‬أما الوجود فكانت صغرية ومستديرة أو بيضاوية‬
‫متجهة إىل االستطالة والعيون متسعة ذات خطوط مقوسة‪ ،‬ناظرة إىل األمام يف هدوء ‪ ،‬أما ثنيات وطيات‬
‫املالبس فبدت الخطوط وعىل أبعاد ومسافات رتيبة ومتجاورة‪ -.‬فاستخدام بالفريسكو‪ ،‬وأسلوب التمربا وأسلوب‬
‫الشمع وأسلوب الرسم عىل أرضية مذهبة لتنفيذ الرسوم‪.‬‬
‫فن الزخرفة البيزنطية ‪ :‬وظهرت أنواع مختلفة من التيجان والطبايل الحاملة للعقود صنعت من الرخام أو‬
‫من الحجر‪.‬‬

‫(‪ )1‬مانجو ‪ ،‬سيريل ‪ ،‬العمارة البيزنطية ‪ ،‬ترجمه رنده قاقيش ‪ ،‬سوريا ‪ ،7999 ،‬ص ‪ ،91‬وسيشار إليه‬
‫الحقاً‪ :‬مانجو‪ ،‬العمارة البيزنطية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬عاقل ‪ ،‬اإلمبراطورية البيزنطية ‪ ،‬ص‪43‬‬
‫(‪ )3‬قاقيش ‪ ،‬عمارة الكنائس ‪717 ،‬‬

‫‪55‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الحرف والفنون التطبيقية البيزنطية‪:‬‬
‫أشغال الرخام ‪:‬واستخدام الرخام بسخاء لتكسية الجدران و األرضيات ومنه ما زخرف بأنواع الرسوم‬
‫الهندسية من األشكال الرباعية املختلفة أو الدوائر املنسقة مع سائر التصميم وغالبا ما أحيط الرخام امللون‬
‫برخام أفتح منه لونا وقد ظهرت أمثلة من الرخام املطعم باأللوان(‪.)7‬‬
‫الفسيفساء ‪ :‬كانت القباب والتواشيح والحنايا أنسب األماكن للفسيفساء مستخدما الرسوم اآلدمية أو‬
‫الحيوانية ومن رسوم الطري وتألقت الفسيفساء بالذهب واأللوان األخاذة إلكساب املكان فخامته املطلوبة‬
‫أما املشغوالت العاجية متثل متاثيل صغرية وأيقونات وزخارف فوق أغلفة اإلنجيل التي يحل بعضها باألحجار‬
‫الكرمية(‪.)0‬‬
‫املنسوجات ‪:‬عرف منسوجات الحرير والكتان وألياف القنب وقد زخرفوا أرديتهم بوسائل وأساليب متنوعة‬
‫مثل الكنارات املنسوجة‪ ،‬التطريز خاصة املالبس الكهنوتية واملخرمات(‪.)0‬‬

‫(‪ )1‬صايغ ‪،‬اآلثار المسيحية ‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫(‪ )2‬مانجو ‪ ،‬سيريل ‪ ،‬العمارة ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫(‪ )3‬قاقيش ‪ ،‬عمارة الكنائس ‪ ،‬ص ‪731‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫الخامتة‪:‬‬
‫التاريخ البيزنطي تاريخ طويل و متنوع شمل العديد من الثقافات و االمم و حاول بكل قوة ان يقدم‬
‫حضارة متكاملة متجانسة‪ ،‬ففي أوائل القرن السادس امليالدي‪ ،‬تع ّرضت سورية لخطر التوسع الفاريس‪.‬‬
‫وحاول أباطرة بيزنطة‪ ،‬الوقوف ضد هذا الخطر يف عهد اإلمرباطور جوستنيان (‪100-101‬م)‪ ،‬وقد د ّون املؤرخ‬
‫السوري «بروكوبيوس» من قيسارية معلومات هامة عن تلك األحداث‪ ،‬التي بلغت ذروة خطرها يف عهد‬
‫كرسى أنورشوان و تعد هذه بداية كتابات التاريخية البيزنطية يف املرشق‪ ،‬إذ عاشت اإلمرباطورية البيزنطية‬
‫ألكرث من ألف سنة‪ ،‬منذ القرن الرابع وحتى ‪ .7210‬خالل الجزء األكرب من وجودها‪ ،‬كانت واحدة من أقوى‬
‫القوى االقتصادية والثقافية والعسكرية يف أوروبا عىل الرغم من النكسات وفقدان األرايض وخصوصا خالل‬
‫الحروب الرومانية الفارسية والبيزنطية العربية ‪.‬‬
‫وكانت الثقافة التقليدية اليونانية الرومانية خالل منتصف القرن السادس امليالدي‪ ،‬ال تزال مؤثرة يف‬
‫اإلمرباطورية البيزنطية ومن أعالمها البارزين الفيلسوف الطبيعي يوحنا فيلوبونوس‪ .‬مع ذلك‪ ،‬كانت‬
‫الفلسفة والثقافة املسيحية سائدة وبدأت تحل محل الثقافة القدمية‪ ،‬و طابع تلك الفرتة ميكن ان نستنتجه‬
‫من الكتابات التاريخية حيث اهتمت املصادر التاريخية العربية بالتأريخ للمعارك والفتوحات اإلسالمية‬
‫بجنوب بالد الشام و ما حدث فرتة البيزنطينني من تطورت و تغريات متس املجتمع و املنطقة و أبرز االخبار‬
‫التي تناولت موضوع مراسالت النبي عليه الصالة و السالم والغزوات والفتوح التي حدثت بني املسلمني‬
‫والبيزنطيني وما نتج عنها وما تبعها من احداث ‪.‬‬
‫شهدت اإلمرباطورية البيزنطية حركة ادبية كبرية خاصة يف مجال التدوين التاريخي‪ ،‬اختلفت قوتها خالل‬
‫الفرتة املمتدة ما بني (‪ 7210 – 022‬م)؛ فتارة تكون قوية بالعديد من الكتابات‪ ،‬وتارة أخرى تكون ضعيفة‬
‫ال ترقى إىل مستوى الكتابات التاريخية الكالسيكية يف العرص الروماين‪ ،‬ولكن يف كل األحوال مل يخل عرص‬
‫أرسة من األرس البيزنطية من كتاب الحوليات يف عرصها االوسط و تعترب الكتابات الالهوتية من املصادر‬
‫املهمة يف دراسة التاريخ البيزنطي‪ ،‬وتأيت كتابات أباء الكنيسة األوائل و تعترب بعض الكتابات األدبية من‬
‫املصادر املهمة التي يعتمد عليها املؤرخ يف الحصول عىل بعض املعلومات‪ ،‬وهي سجل مهم لبعض األحداث‬
‫التاريخية‪ ،‬واالجتامعية‪ ،‬والدينية إىل جانب أنها تشكل جانبا مهام للغاية عن الفكر السائد آنذاك داخل‬
‫املجتمع ‪.‬‬
‫دأب العرب عىل أن يطلقوا عىل اآلخر صفة املرشك أو العلج‪ ،‬أو صفة الحريب نسبة إىل دار الحرب؛ فأنهم‬
‫استعملوا تسمية الروم للتعبري عن البيزنطيني‪ ،‬ووردت هذه التسمية يف شعر ما قبل اإلسالم‪ ،‬و اعتنى العرب‬
‫إىل جانب املؤسسات السياسية باملؤسسة العسكرية؛ ألسباب ال تخفى يف عرص متميز بالرصاع وتتايل‬
‫الحروب‪ ،‬وتعترب املعرفة العسكرية عنرصاً من العنارص الضامنة االنتصار‪ ،‬أو املساعدة عىل ضامنه‪ ،‬لذلك‬
‫نجد وصفا دقيقا للجند البيزنطي وتنظيمه وتوزعه يف فضاء اإلمرباطورية ‪.‬‬
‫متثل الكتابات السياسية أهمية كبرية لكتابة التاريخ البيزنطي بصفة خاصة‪ ،‬فمن خاللها ميكن االطالع عىل‬
‫التطور التاريخي واالداري للوظائف البيزنطية‪ ،‬سواء املدنية منها أو العسكرية‬
‫جرى تحول كبري من الغرب إىل الرشق‪ ،‬وتزايدت أهمية القسم الرشقي من اإلمرباطورية من الناحية البرشية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪ ،‬حني غدت سورية تابعة لهذه اإلمرباطورية البيزنطة وقد قسمت إدارياً إىل ثالث‬
‫مقاطعات هي‪ :‬سورية وفينيقية وفلسطني وكان النتشار املسيحية يف سورية وبالد رشق البحر املتوسط‪ ،‬أثر‬
‫كبري يف تطور العامل املسيحي يف اتجاهني‪ :‬إغريقي يف املدن الساحلية‪ ،‬ورسياين يف الداخل‪ ،‬اىل ان قاد املسلمون‬
‫الفتوحات االسالمية و نرش االسالم يف جنوب بالد الشام و اصبحت تحت حكم الخالفة االسالمية ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫قامئة املالحق‬

51

www.manaraa.com
)7( ‫ملحق رقم‬
Europe and the East Roman Empire, 533-600 A.D" ‫خارطة دولة البيزنطية يف القرن السادس ميالدي‬

Jean-Paul Rodrigue , New York: Routledge,2017, 440 pages. ISBN

55

www.manaraa.com
)0( ‫ملحق رقم‬
‫الطرق التجارية يف الدولة البيزنطية‬

Jean-Paul Rodrigue , New York: Routledge,2017, 440 pages. ISBN

111

www.manaraa.com
‫قامئة املصادر واملراجع الحديثة‬

‫قامئة املصادر ‪:‬‬


‫القرآن الكريم ‪:‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬الحسن بن أحمد بن ‪،‬ت‪006‬هـ‪،‬صفة جزيرة العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بن عل األكوع‪ ،‬دار الشؤون‬
‫الثقافية العامة‪ ،‬بغداد ‪7727،‬م‬
‫ابن إسحاق‪.‬محمد بن إسحاق ‪717،‬هـ ‪ ،‬السرية النبوية ‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد الواحد ‪ ،‬ط‪ ، 0‬بريوت ‪،‬‬
‫‪7721‬م ‪.‬‬
‫ابن األثري‪ ،‬أبو الحسن عل بن محمد الجزري ‪،‬ت ‪006‬ه‪7000/‬م‪،‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬دار الكتاب العريب‪،‬‬
‫بريوت‪7726 ،‬م م‬
‫ابن األثري‪ ،‬عز الدين بن األثري(ت ‪006‬هـ ‪ 7000 /‬م)‪ ،‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة ‪ ،‬ج‪ ،0‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬تحقيق عل عوض‪،‬‬
‫ابن الجوزي‪ ،‬جامل الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عل البغدادي ‪،‬ت ‪171‬ه‪7720 /‬م‪،‬املنتظم يف تاريخ‬
‫امللوك واألمم‪ ،‬الهند‪ ،‬حيدر آباد الدكن‪ ،‬مطبعة دائرة املعارف العثامنية‪7017-7011 ،‬ه‬
‫ابن الشحنة ‪ :‬أبو الفضل محمد ‪ ،‬الدر املنتخب يف تاريخ مملكة حلب ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار الكتاب العريب ‪ ،‬دمشق‬
‫‪ ،‬سورية ‪7722 ،‬‬
‫ابن العربي ‪ ،‬تاريخ الزمان ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬االب اسحق ارملة ‪ ،‬تقديم ‪ ،‬جان موريس فييه ‪ ،‬دار املرشق ‪ ،‬بريوت ‪،‬‬
‫‪ 7720‬م‬
‫ابن العربي‪ ،‬أبو الفرج جامل الدين‪ ،‬تاريخ مخترص الدول‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املرشق‪7712 ،‬م‬
‫ابن الفقيه أبو بكر محمد بن إبراهيم‪،‬ت‪076‬هـ‪،‬مخترص كتاب البلدان‪ ،‬تحقيق‪ :‬دي غويه‪ ،‬مطبعة بريل‪،‬‬
‫ليدن‪7221،‬م‬
‫ابن النديم‪ ،‬أبو الفرج محمد بن أيب يعقوب إسحاق ‪ ،‬ت ‪026‬هـ‪776،‬م ‪ ،‬الفهرست ‪ ،‬ط‪ ، 0‬ضبطه ورشحه‬
‫وعلق عليه ‪ :‬يوسف عل القوبل ‪ ،‬وضع فهارسه‪ :‬أحمد شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬بريوت ‪0660 ،‬‬
‫ابن متيم ‪ :‬شهاب الدين أبو محمود ‪،‬ت ‪ 101‬هـ ‪ 7000 ،‬م‪ ،‬مثري الغرام إىل زيارة القدس والشام ‪ ،‬تحقيق‬
‫أحمد الخطيمي ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الجيل بريوت ‪ ،‬لبنان‬
‫ابن جبري ‪ ،‬ابن جبري‪ ،‬محمد بن أحمد بن جبري الكناين األندليس‪ ،‬أبو الحسني (املتو ى‪072 :‬هـ)‪ ،‬رحلة ابن‬
‫جبري ‪ ،‬دار بريوت للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت ‪0676‬م‬
‫ابن حبيـب‪ ،‬محمد بن حبيب بن أمية ‪،‬ت‪021‬هـ‪،،‬املحبـر‪ ،‬تحقيق أيلزة ليخنت شتيرت‪ ،‬املكتب التجاري‬
‫للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫ابن حجر العسقالين‪ ،‬شهاب الدين احمد أبو العىل‪،‬ت‪210‬هـ‪ ،‬اإلصابة يف متييز الصحابة ‪ ،‬تحقيق عادل أحمد‬
‫عبد املوجود وعىل محمد معوض‪ ، ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت ‪7271 ،‬هـ‬
‫ابن حزم ‪ ،‬عل بن أحمد ‪،‬ت ‪212‬هـ‪ ،‬جمهرة أنساب العرب ‪ ،‬مكتبة مشكاة‪0660 ،‬‬
‫ابن حوقل ‪ ،‬ابو القاسم محمد بن عل املوصل ‪ ،‬ت ‪ 001‬هـ ‪ 711،‬م ‪ ،‬كتاب صورة االرض ‪ ،‬دط ‪ ،‬دار مكتبة‬
‫الحياة ‪ ،‬بريوت ‪7770 ،‬‬
‫ابن خلدون ‪ ،‬عبد الرحمن ت ‪262‬هـ \ ‪7261‬م ‪ ،‬تاريخ ابن خلدون ‪ ،‬العرب و ديوان املبتدأ والخرب ‪ ،‬مؤسسة‬
‫األعلمي للمطبوعات – بريوت‬
‫ابن رسته‪ ،‬أحمد بن عمر ابن رستة‪ ،‬األعالق النفيسة ‪ ،‬دار صادر ‪1892 ،‬م‬
‫ابن سعد ‪ ،‬محمد ‪،‬ت ‪010‬هـ‪ ،‬الطبقات الكربى ‪ ،‬ط‪ ، 7‬بريوت ‪7712‬‬
‫ابن سيد الناس ‪ ،‬أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري ت ‪102‬هـ‪ ،‬عيون األثر‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬محمد الخطراوي ‪ -‬محي الدين مستو‪ ،‬د‪،‬م‪ ،‬د‪ .‬ت ‪.‬‬
‫ابن شداد ‪،‬ع ز الدين أبو عبد هللا بن عل بن إبراهيم الحلبي ت ‪ 022‬هـ ‪ ،‬األعالق الخطرية يف ذكر أمراء‬
‫الشام والجزيرة ‪ ،‬تحقيق سامي الدهان ‪ ،‬دمشق ‪ 7700‬م‬
‫ابن عبد الرب‪ ،‬ألنمري ‪،‬ت‪200‬هـ‪ ،‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬املحقق‪ :‬عل محمد البجاوي‪ ،‬دار الجبل‪،‬‬
‫بريوت‪7770 ،‬م‬
‫ابن عساكر‪ ،‬ثقة الدين أبو القاسم عل بن الحسني ‪،‬ت‪117‬هـ‪ 7711 ،‬م‪،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬وذكر فضلها‬
‫وتسمية من خلها‪ ،‬تحقيق عمرو بن غرامة العمروي‪26 ،‬ج‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫د‪.‬ت ‪.‬‬
‫ابن كثري ‪ ،‬أبو الفداء إسامعيل ‪،‬ت ‪112‬هـ ‪،‬السرية النبوية ‪،‬دار املعرفة ‪،‬بريوت ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫ابن كثري‪ ،‬عامد الدين أبو الفداء إسامعيل بن عمر الدمشقي‪ ،‬ت ‪112‬ه‪7010/‬م‪،‬البداية والنهاية‪ ،‬مطبعة‬
‫السعادة‪ ،‬ط‪ ،7‬مرص‪7700 ،‬م‬
‫ابن هشام ‪ ،‬عبد امللك بن أيوب الحمريي املعافري ‪،‬ت ‪070‬هـ‪ ،‬السرية النبوية ‪ ،‬ط ‪ ، 7‬تحقيق طه عبد‬
‫الرؤوف ‪،‬دار الجيل ‪ ،‬بريوت ‪7277 ،‬هـ‬
‫أبو دية‪ ،‬سعد‪ ،‬معان‪ ،‬دراسة يف املوقع‪ ،‬استعراض تاريخ املدينة السيايس وأثر املوقع فيه منذ عهود معني‬
‫وسبأ وحتى اليوم‪ ،‬ط‪ ،7‬د‪.‬ن‪7722 ،‬م‬
‫اإلدرييس ‪ :‬محمد بن محمد بن عبد هللا الحمودي‪ ،‬نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق ‪ ،‬مجلد ‪ ،0‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د ط ‪ ،‬د ت‬
‫االزدي ‪ ،‬فتوح الشام ‪ ،‬تحقيق عبد املنعم عامر ‪ ،‬ط ‪.‬القاهرة ‪ 7716 ،‬م‬
‫اسحق‪ ،‬عبيد ‪ ،‬شمس العرب تسطع عىل أرض النيل ‪ ،‬ضمن كتاب أثر اإلسالم يف مرص واثر مرص يف الحياة‬
‫العربية االسالمية ‪ ،‬قاسم عبده ‪ ،‬ط‪.‬القاهرة ‪7777‬‬

‫‪112‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫األصفهاين ‪ ،‬حمد بن محمد املرزوقي ت ‪ ،‬األزمنة واألمكنة‪ ،‬ج‪ ، 0‬ط‪ ، 7‬مطبعة مجلس دائرة املعارف ‪،‬‬
‫حيدر أباد الدكن ‪ ،‬الهند ‪7770 ،‬‬
‫األصفهانـي‪ ،‬حمزة بن الحسني ‪006،‬هـ‪717،‬م‪،‬تاريـخ سنـي ملـوك األرض واألنبيـاء‪ ،‬دار مكتبة الحياة‪،‬‬
‫بريوت‪7707 ،‬م‬
‫األصفهاين‪ ،‬عامد الدين ‪ ،‬ت ‪171‬هـ \ ‪7066‬م ‪ ،‬تاريخ دولة آل سلجوق ‪ ،‬بريوت‪ ،‬منشورات دار األفاق‬
‫الجديدة‪ ،‬ط‪7712 ،0‬م‬
‫األنصاري‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن عىل بن احمد بن حديده‪، ،‬ت‪102‬هجرية‪ ،‬املصباح امليضء يف كتاب النبي‬
‫االمى ورسله إىل ملوك األرض وعجمي ‪ ،‬ط‪ ،7‬بريوت‬
‫البخاري ‪،‬محمد بن إسامعيل‪010،‬هجرية‪ ،‬الجامع الصحيح ‪ ،‬ط‪ ،0‬بريوت ‪، 7721 ،‬‬
‫البالذري‪ ،‬أحمد بن يحيى بن جابر بن داود ‪،‬ت ‪017‬ه‪270/‬م‪،‬فتوح البلدان ‪ ،‬ط ‪،‬بريوت ‪7712‬‬
‫الحموي‪ ،‬ياقوت شهاب الدين أبو عبد هللا ‪،‬ت ‪0006‬ه‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار صادر‪7720 ،‬‬
‫خرسو ‪ ،‬سفر نامة ‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬يحي الخشاب‪ .‬تصدير‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب عزام‪ .‬النارش‪ :‬الهيئة املرصية العامة‬
‫للكتاب ‪-‬الطبعة الثانية‪7770 .‬‬
‫الخطايب ‪ ،‬أبو سليامن احمد بن محمد ‪ ،‬ت ‪ 022‬هـ‪ ،‬معامل السنن‪ ،‬طبعه وصححه ‪ :‬محمد راغب الطباخ ‪،‬‬
‫حلب ‪ ،‬املطبعة العلمية ‪7010 ،‬هـ‪7700،‬م‬
‫الراوندي ‪ ،‬محمد ‪ ،‬راحة الصدور وآية الرسور يف تاريخ الدولة السلجوقية‪ ،‬ترجمة إبراهيم أمني الشواريب‬
‫وعبد النعيم محمد حسنني وفؤاد عبد املعطي الصياد‪ ،‬مراجعة ونرش إبراهيم أمني الشواريب ‪ ،‬د‪.‬م‪.‬ن‪ ،‬إصدار‬
‫املجلس األعىل للفنون واآلداب‪7706 ،‬‬
‫الزرعي محمد بن أيب أيوب أبو عبد هللا ‪،‬ت ‪117‬هـ‪ ،‬زاد املعاد يف هدى خريالعباد‪،‬تحقيق شعيب االرناؤط‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بريوت ‪7720 ،‬‬
‫السيوطي ‪ ،‬جالل الدين ‪،‬ت ‪777‬هـ‪،‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪7771 ،‬م‬
‫القزويني‪ ،‬زكريا بن محمد‪ ،‬آثار البالد وأخبار العباد ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬د ت‬
‫القلقشنـدي‪ ،‬أبو العباس أحمد بن عل ‪،‬ت‪207‬هـ‪7272،‬م‪ ،‬صبـح األعشـى فـي صناعـة اإلنشـاء‪72 ،‬ج‪،‬‬
‫رشحه وعلق عليه محمد حسني شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العربية‪ ،‬بريوت‪7721 ،‬م‪،‬‬
‫األندليس‪ ،‬الكالعي‪ ،‬أبو ربيع سليامن بن موىس األندليس ‪،‬ت ‪002‬هـ‪ ،‬االكتفاء مبا تضمنه مغازي رسول هللا‬
‫‪،‬ص‪ ،‬والثالثة الخلفاء ‪ ،‬تحقيق محمد كامل الدين ‪،‬ط‪ ، 7‬بريوت ‪7771 ،‬‬
‫ماجستري‪ .‬سنة النرش‪.0667 :‬‬
‫املسعودي‪ ،‬أبو الحسن عل بن الحسني ‪،‬ت‪020‬هـ‪،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر ـ تحقيق محمد محيي‬
‫الدين عبد الحميد‪،‬ط‪1‬ـ دار الفكر ـ بريوت ‪7710‬‬
‫املقديس ‪ ،‬شهاب الدين أبو محمود ابن متيم ‪101،‬هـ‪7000،‬م‪ ،‬مثري الغرام إىل زيارة القدس والشام ‪ ،‬تحقيق‬
‫أحمد الخطيمي ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الجيل بريوت ‪ ،‬لبنان‬

‫‪113‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫املقريزي ‪ ،‬أحمد بن عل بن عبد القادر العبيد املقريزي؛ السلوك ملعرفة دول امللوك‪ ،‬املحقق‪ :‬محمد عبد‬
‫القادر عطا (ط‪ .‬العلمية)؛ دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪7771 ،‬م‬
‫يوحنا النقبويس ‪ ،‬تاريخ مرص ‪ ،‬تحقيق عمر جابر‪ ،‬عني للدراسات‪0660 ،‬م‪.‬‬
‫أبو راس ‪ ،‬محمد‪ ،‬األنباط وعالقتهم باإلمرباطورية الرومانية ‪ ،‬دار العلم‪ ،‬بريوت‪0662 ،‬م‬
‫احسان‪ ،‬عباس ‪ ،‬تاريخ دولة االنباط ‪ ،‬بحوث يف تاريخ بالد الشام‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬عامن‪7721 ،‬م‬
‫االرناؤوط‪ ،‬محمد ‪ ،‬معطيات من دمشق وبالد الشام الجنوبية يف نهاية القرن السادس عرش ‪ ،‬وقفية سنان‬
‫باشا ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الحصاد للنرش والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬سوريا ‪7770 ،‬‬
‫اسكندر‪ ،‬فايز نجيب ‪ ،‬بنيامني االول البطريرك الثامن والثالثون بني نهاية العرص البيزنطي وبداية الفتح‬
‫االسالمي ملرص ‪ ، 000،000‬ضمن كتاب دراسات يف تاريخ العصور الوسطى ‪ ،‬ط ‪.‬القاهرة ‪0660 ،‬‬
‫إسامعيل‪ ،‬حلمي محروس‪ ،‬الرشق العريب القديم وحضارته ‪ -‬بالد مابني النهرين والشام والجزيرة العربية‬
‫القدمية‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬االسكندرية‪7771 ،‬م‬
‫إسامعيل‪ ،‬ليىل عبدالجواد‪ ،‬الدولة البيزنطية يف عرص اإلمرباطور هرقل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار النهضة العربية‪7721 ،‬م‬
‫اسمت‪ ،‬غنيم ‪ ،‬تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬مرص ‪7776 ،‬‬
‫اسمت‪ ،‬غنيم‪ ،‬امرباطورية جستنيان ‪ ،‬دار املجمع العلمي‪ ،‬جدة ‪7711،‬م‪.‬‬
‫األفغاين ‪ :‬سعيد ‪ ،‬أسواق العرب يف الجاهلية واإلسالم ‪ ،‬ط‪ ، 0‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق ‪7706 ،‬‬
‫أنيس فريحة‪ ،‬العرب واإلسالم والخالفة العربية يف القرون الوسطى‪ ،‬بريوت ‪7710،‬م‬
‫الباشا‪ ،‬عبد الرحمن رأفت ‪ ،‬الصيد عند العرب ‪ ،‬ط‪ ، 0‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬دار النفائس ‪ ،‬بريوت ‪،‬لبنان ‪7720،‬‬
‫باقر ‪ ،‬طه ‪ ،‬رشيد ‪ ،‬فوزي ‪ ،‬هاشم ‪ ،‬تاريخ ايران القديم ‪ ،‬جامعة بغداد ‪7726 ،‬‬
‫بتلر‪ ،‬ألفرد‪ ،‬فتح العرب ملرص ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد فريد أبو حديد بك‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ :‬القاهرة ‪7770 ،‬م‬
‫البحري ‪ :‬صالح الدين ‪ ،‬االردن ‪ ،‬دراسة جغرافية ‪ ،‬ط‪ ، 0‬لجنة تاريخ االردن ‪ ،‬عامن ‪7772 ،‬‬
‫البدري‪ ،‬هالل‪ ،‬السياسة الخارجية لإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬دار املعرفة‪0662 ،‬م‬
‫برو‪ ،‬توفيق ‪ ،‬تاريخ العرب القديم ‪ ،‬دار الفكر‪0667 ،‬م‬
‫البشدري‪ ،‬حسني محمد إبراهيم ‪ ،‬حق اللجوء يف الرشيعة اإلسالمية من بالد اإلسالم إىل بالد غري املسلمني‪.‬‬
‫دار الكتب العلمية‪0676 ،‬‬
‫بيضون‪ ،‬إبراهيم‪ :‬دولة الرسول يف املدينة‪ .‬بحث يف كتاب تاريخ بالد الشام‪ ،‬دار األمل‪ ،‬اربد‪7770 ،‬‬
‫بينز ‪ ،‬نورمان ‪ ،‬اإلمرباطورية البيزنطية ‪ ،‬تعريب ‪ :‬حسني مؤنس ‪ ،‬ومحمود يوسف زايد ‪ ،‬لجنة التأليف‬
‫والرتجمة والنرش ‪ ،‬القاهرة ‪7716 ،‬‬
‫ترتون‪ .‬الجزية يف اإلسالم‪ ،‬ط‪، ،7‬د‪.‬ت‪ ،‬د‪.‬م‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫توفيق‪ ،‬عمر كامل ‪ ،‬تاريخ االمرباطورية البيزنطية‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬القاهرة‪7701 ،‬م‬
‫جانسون ‪ ،‬هورستولدي ‪ ،‬تاريخ الفن ‪ ،‬ترجمه عصام التل ‪ ،‬الجزء االول ‪ ،‬العامل الفديم ‪ ،‬عامن‪.7771 ،‬‬
‫جرومان‪ ،‬أدولف وآخرون ‪ ،‬التاريخ العريب القديم ‪ ،‬فؤاد حسنني ‪ ،‬القاهرة ‪7712:‬م‬
‫جامل الدين محمد بن مكرم بن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ 72 ،‬ج ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان‬
‫‪ .‬د‪.‬ت‬
‫الجنزوري‪ ،‬علية عبد السميع‪ ،.‬صفحة من تاريخ دولة الروم‪ :‬العالقات اإلسالمية البيزنطية يف فرتة حكم‬
‫النساء و أزواجهن ‪ 7602،7610‬م‪ 277،222 -‬هـ ‪ ،‬بريوت‬
‫جواد ‪ ،‬عل ‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬ط‪ ،0‬بريوت ‪7710 ،‬‬
‫جوزيف‪ ،‬نسيم يوسف ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ، ،‬ط‪. 7‬االسكندرية ‪ 7722 ،‬م‬
‫الجوهري‪ ،‬يرسى‪ ،‬الشامل اإلفريقي ‪ ،‬الهيئة املرصية‪ ،‬اإلسكندرية‪7726 ،‬م‬
‫حاطوم ‪ ،‬نور الدين وآخرون ‪ ،‬املدخل لدراسة التاريخ ‪ ،‬دمشق ‪7702،‬‬
‫حتى‪ ،‬فليب ‪ ،‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطني‪ ،‬ترجمة جورج حداد‪ ،‬عبد الكريم رافق‪ ،‬دار الثقافة للطباعة‬
‫والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت ‪7712‬م‪.‬‬
‫الحديثي ‪ ،‬قحطان عبد الستار ‪ ،‬والحيدري ‪ ،‬صالح عبد الهادي ‪ ،‬دراستان يف التاريخ الساسايئ والبيزنطي ‪،‬‬
‫منشورات جامعة البرصة ‪7720 ،‬‬
‫حسن ‪،‬كاظم دخيل‪ .‬الرصاع السيايس وأثره يف اإلصالح القانوين يف عرص اإلمرباطور الروماين جستنيان ‪-101،‬‬
‫‪101‬م‪ ،‬مجلة اآلداب ‪.‬‬
‫حسنني ‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات يف تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار املعرفة‪7771 ،‬م‬
‫حسني‪ ،‬ابراهيم ‪ ،‬دراسات يف تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مرص ‪7720 ،‬م‬
‫الحسيني ‪ ،‬صدر الدين ‪ ،‬أخبار الدولة السلجوقية ‪ ،‬دار اآلفاق ‪ ،‬بريوت ‪7266 ،‬هـ‬
‫الحلبي‪،‬عل برهان‪،‬ت‪7622‬هـ‪ ،‬السرية الحلبية من السرية األمني واملأمون ‪ ،‬دار املعرفة‪،‬بريوت ‪7266‬هـ‬
‫حامرنـة‪ ،‬صالح‪ ،‬دور جـذام فـي الفتـوح اإلسالمية‪ ،‬دراسات تاريخية‪ ،‬منشﻭﺭﺍﺕ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍلسياحة ﻭﺍالثاﺭ‪.‬‬
‫ﺍالﺭﺩنية‪ .، .‬عماﻥ‪7720 ، .‬م‬
‫خربوطل‪ ،‬شكران‪ ،‬شبه الجزيرة العربية والرصاع الدويل عليها‪ ،‬دار رسالن‪ ،‬دمشق ‪ .‬د‪.‬ت‬
‫الخطيب ‪ ،‬محمد‪ ،‬أضواء عىل اإلعالم يف صدر اإلسالم‪ ،‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬دار‬
‫الفرقان للنرش والتوزيع‪7721 ،‬‬
‫خليل ‪ ،‬أمريه محمد محمود‪" ،‬الطوائف املسيحية ى بالد الشام فرتة الحروب الصليبية ‪7671،7077،‬‬
‫م‪ 277،077،‬هـ‪ 0661 ،‬م‪.‬‬
‫خميس‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬دراسات يف تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار املعرفة‪.7771 ،‬‬

‫‪115‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫درادكة ‪ :‬صالح ‪ ،‬طريق الحج الشامي يف العصور اإلسالمية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬عامن ‪ ،‬األردن ‪7771 ،‬‬
‫الدرة ‪ ،‬محمود ‪ ،‬تاريخ العرب العسكري ‪ ،‬بريوت ‪7702 ،‬‬
‫دسوقي ‪ :‬محمد عزت ‪ ،‬القبائل العربية يف بالد الشام ‪ ،‬د ط ‪ ،‬مطابع الهيئة املرصية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪7772 ،‬‬
‫الدعجة‪ ،‬مهند نايف مصطفى ‪ ،‬حمص منذ الفتح العريب اإلسالمي حتى نهاية العرص األموي‪ .‬املنهل ‪.0667 ،‬‬
‫رأفت‪ ،‬عبد الحميد ‪ " ،‬الرهبانية املرصية والسلطة البيزنطية " ‪ ،‬ندوة الدور الوطني للكنيسة املرصية عرب‬
‫العصور ‪ ،‬اعداد وتقديم ‪ ،‬عبد العظيم رمضان ‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ 0660 ،‬م‬
‫رأفت‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬الفكر املرصي يف العرص املسيحي ‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪0666‬م‬
‫رستم ‪ :‬أسد ‪ ،‬الروم وصالتهم بالعرب ‪ ،‬ج‪ ، 0‬ط‪ ، 7‬دار املكشوف ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪7711 ،‬‬
‫رستم‪ ،‬أسد‪ ،‬الروم يف سياستهم ودينهم وثقافتهم وصلتهم بالعرب‪ ،‬جزءان‪ ،‬ط‪ ،0‬بريوت‪ ،‬املكتبة البوليسية‪،‬‬
‫‪7722‬م‬
‫رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬املجتمع البيزنطي‪ ،‬دار الحياة‪0671 ،‬م‪ ،‬ص ‪. 17 ،20‬‬
‫رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬سياسة بيزنطة التنصريية تجاه العنارص العربية‪ ،‬مركز البحوث‪ ،‬جامعة القاهرة‬
‫رمضان‪ ،‬عبد العزيز‪ ،‬معايري اختيار املبعوثني البيزنطيني‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‪ ،‬جامعة القاهرة‬
‫رنسيامن ‪ ،‬تاريخ الحروب الصليبية ‪ ،‬ترجمة السيد الباز العريني ‪ ،‬بريوت ‪ 7707‬م‬
‫زايد ‪ ،‬محمد‪ ،‬مصادر تاريخ العصور الوسطى ‪ :‬التاريخ البيزنطي جامعة الفيوم ‪.0660 ،‬‬
‫الزبريي‪ ،‬مصعب ‪ ،‬نسب قريش – دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت ‪7772 ،‬م‬
‫زيك‪ ،‬نعيم ‪ ،‬طرق التجارة الدولية ومحطاتها بني الرشق والغرب (أواخر العصور الوسطى)‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪0660 ،‬م ‪.‬‬
‫زينب عبد املجيد‪ ،‬العالقات السياسية والدينية بني الدولة البيزنطية وغرب أوروبا يف الفرتة من ‪7767-7617‬‬
‫ميالدية‪ .‬الزقازيق ‪7721 ،‬‬
‫سامل ‪،‬السيد عبد العزيز ‪،‬د ت ‪ ،‬تاريخ العرب يف عرص الجاهلية ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان‬
‫سعيد عبد الفتاح عاشور‪ .‬تاريخ أوروبا يف العصور الوسطى‪ ،‬دار العلم للماليني‪0671 ،‬‬
‫سعيد عمران‪ ،‬السياسة الرشقية لألمرباطورية البيزنطية يف عهد األمرباطور مانويل األول‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬
‫‪7721‬م‬
‫السعيد‪ ،‬عصام‪ ،‬تاريخ العرب يف العصور القدمية‪ ،‬اإلسكندرية‪0662 ،‬‬
‫سالمة‪ ،‬موىس‪ .‬حرية الفكر وأبطالها يف التاريخ ‪ ،‬دار ومطابع املستقبل بالفجالة واالسكندرية ومؤسسة‬
‫املعارف ببريوت ‪7701 ،‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫سليم‪ ،‬أحمد أمني ‪ ،‬معامل تاريخ العرب قبل اإلسالم ‪ ،‬بريوت‪ ،‬ب ‪ .‬ت‬
‫سليامن ‪ ،‬أحمد عبد الكريم‪ ،‬املسلمون والبيزنطيون يف رشق البحر املتوسط‪ ،‬د ن ‪ ،‬القاهرة ‪7720‬م‬
‫السيد‪ ،‬عبد العزيز سامل ‪ ،‬طرابلس الشام يف التاريخ االسالمي ‪ ،‬االسكندرية ‪ 7701‬م‬
‫الشاعر ‪ ،‬محمد فتحي‪ ،‬السياسة الرشقية لإلمرباطورية البيزنطية ‪ ،‬مرص ‪7727 ،‬‬
‫شوقي ‪ ،‬احمد ‪ ،‬تاريخ األدب العريب العرص الجاهل ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬د‪.‬م ‪ ،‬د‪.‬ت ج‪7‬‬
‫الشيخ‪ ،‬محمد‪ :‬تاريخ اإلمرباطورية‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار املعرفة الجامعية‪7772 ،‬م‪.‬‬

‫صايغ ‪ ،‬سليم ‪ ،‬اآلثار املسيحية يف األردن ‪ ،‬املطبعة الكاثوليكية ‪ ،‬عامن ‪7770 ،‬‬
‫صبحي لبيب ‪،‬الفندق ظاهرة سياسية ‪ ،‬اقتصادية ‪ ،‬قانونية‪ ،‬مرص وعامل البحر املتوسط ‪ ،‬القاهرة ‪7720‬‬
‫الصفدي‪ ،‬هشام‪ ،‬تاريخ الرومان ‪ ،‬دار الفكر الحديث‪ ،‬بريوت‪7701 ،‬م‬
‫طارق‪ ،‬منصور محمد ‪ ،‬قطوف الفكر البيزنطي ‪ ،‬مرص العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪0660 ،0‬م‪ ،‬ج‪ ، 7‬دار مرص العربية‬
‫للنرش ‪ ،‬القاهرة ‪0667،‬م ‪.‬‬
‫الطرباين‪ ،‬سليامن‪ ،‬املعجم الكبري ‪ ،‬مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬مرص ‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫الطربي ‪ ،‬محمد بن جرير ‪ ،‬تاريخ الرسل وامللوك ‪ ،‬ج ‪ ، 70‬طبعة جديدة ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪7717 ،‬‬
‫الطحاوى‪ ،‬حاتم عبدالرحمن حاتم‪ .‬العالقات االقتصادية بني اإلمرباطورية البيزنطية واملدن التجارية‬
‫اإليطالية ‪ ،7627،7062‬د‪.‬م‪ ،‬د‪.‬ت ‪7771،‬م‬
‫ع ‪ ،0‬االردن ‪0667‬م‬
‫عاشور‪ ،‬سعيد عبد الفتاح‪ ،‬الحركة الصليبية‪ :‬صفحة مرشفة ى تاريخ الجهاد اإلسالمى ى العصور الوسطى ‪-‬‬
‫النارش‪ :‬مكتبة األنجلو املرصية – القاهر‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫عاشور‪ .‬سعيد‪ ،‬تاريخ أوروبا يف العصور الوسطى‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬د‪.‬م‪7710 ،‬م‬
‫عاقل ‪ ،‬االمرباطورية البيزنطية ‪ :‬دراسة يف التاريخ السيايس والثقايف والحضاري ‪ ،‬دمشق‪7716 ،‬‬
‫العبادي ‪ ،‬مصطفى‪ ،‬اإلمرباطورية الرومانية ‪ ،‬النظام اإلمرباطوري ‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بريوت‪7727 ،‬‬
‫عبـاس‪ ،‬إحسان‪ ،‬تاريـخ بـالد الشـام من مـا قبـل اإلسـالم حتـى بدايـة العصـر األمـوي ‪ ،066،007‬الجامعة‬
‫األردنية‪ ،‬عامن‪7776 ،‬م‬
‫عبد الجابر ‪ ،‬عبد هللا وآخرون‪ ،‬الجزيرة العربية واليونان وبيزنطة‪ ،‬دمشق ‪ :‬دار ومؤسسة رسالة‪0667 ،‬‬
‫عبد الحميد ‪ ،‬رأفت‪ ،‬الفكر املرصي يف العرص املسيحي‪ ،‬مكتبة األرسة‪ ،‬الهيئة املرصية العامة للكتاب‪0676 ،‬م‪.‬‬
‫عبد الحميد ‪،‬رأفت‪ ،‬الرصاع الدويل حول شبه الجزيرة العربية يف القرن السادس امليالدي‪ ،‬مجلة املؤرخ‬
‫العريب‪7772 ،‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫عبد الحميد‪ ،‬رأفت وطارق منصور ‪ ،‬مرص يف العرص البيزنطي ‪ ،022،027 ،‬دار مرص العربية للنرش ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ 0667 ،‬م‬
‫عبد الحميد‪ ،‬رأفت‪ ،‬بيزنطة بني الفكر والدين ‪ ،‬مرص ‪ 0662 ،‬م‬
‫عبد الرحمن‪ ،‬نواف أحمد ‪ ،‬موجز التاريخ اإلسالمي من عهد آدم إىل عرصنا الحارض ‪ ،‬ماملك شامل الجزيرة‬
‫‪،‬عامن‪0672 ،‬م‬
‫عبد العزيز سامل وأحمد العبادي ‪ ،‬تاريخ البحرية اإلسالمية ‪ ،‬بريوت ‪7770 ،‬م‬
‫عبد هللا ‪ ،‬بكر‪ ،‬الجزيرة العربية‪ ،‬مطابع البيان‪ ،‬ط‪ ،0‬الرياض‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫العريني ‪ ،‬السيد باز‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية‪ 323 - 1081‬هـ ‪ ،‬دار النهضة‪ ،‬بريوت‪7720 ،‬‬
‫العريني ‪ ،‬تاريخ أوروبا يف العصور الوسطى ‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنرش ‪ ،‬بريوت ‪7702 ،‬م‬
‫عطا‪ ،‬زبيدة ‪ ،‬الحياة االقتصادية يف مرص البيزنطية‪ ،‬دار االمني‪ ،‬مرص‪7772 ،‬م‪.‬‬
‫العظيمي ‪ ،‬محمد بن عل ‪،‬ت ‪7707\110‬م‪،‬تاريخ حلب منذ القرن الرابع امليالدي‪ ،‬تحقيق ابراهيم زعرور‪،‬‬
‫دمشق‪7722 ،‬م‬
‫العل ‪،‬جواد ‪،‬املفصل ى تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬الطبعة‪ :‬الرابعة النارش‪ :‬دار الساقي ‪7200‬هـ‪0667 /‬م ‪.‬‬
‫العلـي‪ ،‬صالح أحمد‪ ،‬محاضـرات فـي تاريـخ العـرب‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة املثنى‪ ،‬بغداد‪7702 ،‬م‬
‫عل‪ ،‬عل السيد‪ ،‬العالقات االقتصادية بني املسلمني والصليبيني ‪ ،‬ط ‪ ،7‬عني لدراسات والبحوث اإلنسانية‬
‫واالجتامعية‪ ،‬القاهرة‪7770 ،‬م‪.‬‬
‫عل‪ ،‬محمد‪ ،‬خطط الشام؛ مكتبة النوري ‪ -‬دمشق؛ سنة النرش‪7720 :‬؛‬
‫عمر‪ ،‬كامل توفيق ‪ ،‬مملكة بيت املقدس الصليبية ‪ ،‬دار العلم‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪0662 ،7‬م‬
‫عمران ‪ ،‬محمود سعيد ‪ ،‬حضارة اإلمرباطورية البيزنطية ‪ ،‬مرص ‪0660 ،‬‬
‫عمران‪ ،‬محمود ‪،‬معامل تاريخ اإلمرباطورية البيزنطية مدخل لدراسة التاريخ السيايس والحريب‪ ،‬ط‪ ،7‬دار‬
‫املعرفة الجامعية ‪0666‬م‬
‫العمروي‪ ،‬عمر غرامة‪ ،‬بالد رجال الحجر‪ ،‬الرياض‪7072،‬هـ‪.‬‬
‫عوض ‪ ،‬مؤنس ‪ ،‬االمرباطورية البيزنطية‪،‬دراسة يف تاريخ االرس الحاكمة‪ ،‬بستان املعرفة للطباعة والنرش‬
‫والتوزيع‪0661 ،‬‬
‫العيىس ‪ ،‬سامل‪ ،‬تاريخ الغساسنة ‪ ،‬عيىس سليامن‪ .‬دار النمري للطباعة و النرش و التوزيع‪0661 ،‬‬
‫غنيم‪ ،‬اسمت ‪ ،‬امرباطورية جستنيان ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دار املجمع العلمي ‪ ،‬جدة اململكة العربية السعودية ‪7711 ،‬‬
‫الفاسـي‪ ،‬هتون‪ ،‬الحيـاة االجتامعيـة يف شمـال غرب الجزيـرة العربيـة فـي الفتـرة ما بني القرن السـادس‬
‫قبـل امليـالد والقـرن الثـاين امليالدي‪ ،‬ط‪ ،7‬الرياض‪7772 ،‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫فتحي عثامن‪ ،‬الحدود اإلسالمية البيزنطية‪ ،‬ج ‪ ، 7‬الدار القومية للطباعة والنرش‪.‬‬
‫فتحي‪ ،‬محمد‪ ،‬السياسة الرشقية لإلمرباطورية البيزنطية يف القرن السادس امليالدي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املرصية‬
‫العامة للكتاب‪7727 ،‬م‬
‫فرانك ‪ ،‬ايرين‪ ،‬طريق الحرير ‪ ،‬ترجمة أحمد محمود‪ ،‬املركز القومي‪ ،‬ط‪0677 ،0‬م‬
‫فرح‪ ،‬نعيم‪ ،‬الحضارة األوروبية يف العصور الوسطى‪ ،‬دمشق‪ :‬جامعة دمشق‪ ،‬ط‪0666 ،0‬م‬
‫فيكتور سحاب‪ ،‬إيالف قريش‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪7770 :‬‬
‫الفيومي‪ ،‬محمد‪ ،‬تاريخ الفكر الديني الجاهل ‪ ،‬مكة والرصاعات السياسية بني الفرس والرومان ‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط‪7772 ،2‬م‬
‫قاقيش ‪ ،‬رنده ‪ ،‬عامرة الكنائس وملحقاتها يف األردن يف العهدين البيزنطي واألموي ‪ ،‬ط‪ ، ، 7 .‬دار ورد‬
‫األردنية للنرش والتوزيع ‪ ،‬األردن ‪0661‬‬
‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫القيرصي‪ ،‬يوسابيوس‪ ،‬تاريخ الكنيسة ‪ ،‬ترجمة مرقص داوود‪ ،‬ط‪ ،0‬القهرة‪7717 ،‬م‬
‫الكتاب املقدس ‪ ،‬رسالة القديس بولس الثانية اىل اهل كورنتس ‪ ،‬ط‪.‬ب‪، ،‬د‪.‬م‪7771 ،‬‬
‫كرستينسن ‪ ،‬آرثر ‪ ،‬إيران يف عهد الساسانيني ‪ ،‬ترجمة يحيى الخشاب‪ ،‬عبد الوهاب عزام ‪ ،‬القاهرة ‪7711 ،‬‬
‫كامل ‪ ،‬السياسة الرشقية‪ ،‬دار املطبوعات الرشقية ‪ ،‬بريورت ‪ .‬د‪.‬ت ‪.،‬‬
‫كامل‪ ،‬عمر ‪ ،‬تاريخ الدولة البيزنطية ‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬االسكندرية‪0660 ،‬م‬
‫لطفي ‪ ،‬عبد الوهاب ‪ ،‬العرب يف العصور القدمية ‪ ،‬اإلمارات العربية الحدية ‪0660 ،‬م‬
‫لينسيك‪ ،‬نويل إمانويل‪ ،‬عهد قسطنطني‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد بدر‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬االسكندرية‪7720 ،‬م‬
‫مانجو ‪ ،‬سرييل ‪ ،‬العامرة البيزنطية ‪ ،‬ترجمه رنده قاقيش ‪ ،‬سوريا ‪7777 ،‬‬
‫محروس‪ ،‬إسامعيل حلمي‪ ،‬الرشق العريب القددم وحضارته ‪ ،‬د ط ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪ ،‬االسكندرية ‪،‬‬
‫مرص ‪7771 ،‬‬
‫محمد ‪ ،‬عمر يحيى ‪ ،‬البيزنطيون والعرب ‪ ،‬املجلس االعىل للثقافة ‪ ،‬القاهرة ‪0667 ،‬‬
‫محمد فريد بك ‪ ،‬تاريخ الدولة العل ّية العثامنية ‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحسان حقي‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬الطبعة العارشة‪:‬‬
‫‪ 7201‬هـ ‪ 0660 -‬م‬
‫محمد كرد عل ‪ ،‬خطط الشام ‪ 0 ،‬مجلدات ‪ .‬دمشق ‪7720‬‬
‫معمور‪ ،‬أحمد ‪ ،‬موجز التاريخ اإلسالمي من عهد آدم إىل عرصنا الحارض ‪ ،‬ماملك شامل الجزيرة ‪،‬د‪.‬ن‪،‬‬
‫د‪.‬ت‪.‬‬
‫منى ‪ ،‬محمود ‪ ،‬دراسات يف العالقات بني الدولة اإلسالمية والدولة البيزنطية يف العرص العبايس األول‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب ‪7776 ،‬م‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫نرص ‪ ،‬محمد ‪ ،‬التنظيم اإلسالمي للعالقات الدولية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬مركز الدراسات العربية ‪ ،‬مرص ‪0671 ،‬م‬
‫نعامن محمد سيد أحمد‪ ،‬حسن كاكوم‪ ، .‬القيادة الدفاعية‪ ،‬جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا‪0670 ،‬‬
‫النقر‪ ،‬عبد الحافظ‪ ،‬التجارة الداخلية والخارجية للعامل اإلسالمي‪ ،‬دار املوسوعات‪ ،‬بريوت‬
‫هالدون‪ ،‬جون‪ ،‬بيزنطة يف حرب‪ ،‬ترجمة ‪ :‬فتحي عبد العزيز‪ ،‬دار نارشي‪ ،‬الكويت‪0677 ،‬‬
‫هيس ‪ ،‬ج ‪ ،‬م ‪ .‬العامل البيزنطي ‪ ،‬ترجمة وتعليق د‪.‬رأفت عبد الحميد ‪ ،‬مرص ‪7771 ،‬‬
‫الهيئة املرصية العامة للكتاب‪7710 ،‬‬
‫الواقدي ‪ ،‬محمد بن عمر ‪،‬ت ‪061‬هـ‪،‬فتوح الشام‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪7771 ،7‬م‬
‫يحيى‪ ،‬عمر ‪ ،‬التوجهات يف العالقات السياسية واالقتصادية والثقافية بني الدولة البيزنطية والدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬بريوت‪7720 ،‬‬
‫يحيى‪ ،‬عمر‪ ،‬التوجهات يف العالقات السياسية واالقتصادية والثقافية بني الدولة البيزنطية والدولة اإلسالمية‪،‬‬
‫جامعة امللك عبد العزيز ‪.‬‬
‫يوسابيوس القيرصي‪ ،‬تاريخ الكنيسة‪ ،‬القاهرة‪7772 ،‬م‬
‫يوسف زيدان‪ ،‬الالهوت العريب وأصول العنف الديني‪ .‬دار الرشوق‪0672 ،‬‬
‫يوسف كرم‪ ،‬هال آمون‪ .‬تاريخ الفلسفة اليونانية‪ ،‬دار القلم للطباعة و النرش و التوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪0670‬‬
‫الرسائل الجامعية ‪:‬‬
‫الحيدري ‪ ،‬عل هادي حمزة ‪ ،‬األحوال االجتامعية يف الدولة الساسانيـــــــة ‪002،017 ،‬م‪ ،‬رسالة ماجستري‬
‫غري منشورة ‪ ،‬جامعة بابل كلية الرتبية ‪0660 ،‬‬
‫الحيدري ‪ ،‬عل هادي حمزة ‪ ،‬التنظيامت اإلدارية يف الدولة الساسانية ‪002،000،017 ،‬م ‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬
‫غري منشورة ‪ ،‬جامعة بغداد كلية الرتبية ‪0677 ،‬‬
‫الخرابشة‪ ،‬ممدوح عبد الحليم ‪ ،‬استقرار القبائل العربية يف بالد الشام قبل الفتح اإلسالمي القرن ‪1 ،0 ،‬م‪،‬‬
‫رسالة ماجستري ‪ ،‬ارشاف االستاذ الدكتور محمد خريسات ‪ ،‬الجامعة األردنية ‪0660،‬‬
‫الدوري ‪ ،‬طعمه ‪ ،‬أحوال العراق االقتصادية يف العرص الساساين رسالة ماجستري غري منشورة ‪ ،‬جامعة تكريت‬
‫‪0661 ،‬‬
‫العاين ‪ ،‬حقي إسامعيل ابراهيم ‪ ،‬أسواق العرب التجارية يف شبه الجزيرة العربية قبيل ويف صدر اإلسالم ‪،‬‬
‫رسالة ماجستري ‪ ،‬كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة بغداد ‪7776 ،‬‬
‫اليحيى‪ ،‬رائد فيصل ‪ ،‬دراسة تحليلية للمسكوكات الربونزية البيزنطية يف الفرتة الواقعة بني ‪ 020-277‬م ‪،‬‬
‫رسالة دكتوراة ‪ ،‬العراق ‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
‫املجالت العلمية ‪:‬‬
‫إسامعيل‪ ،‬ليىل‪ ،‬القسطنطينية يف كتابات الجغرافيني‪ ،‬مجلة املؤرخ املرصي‪ ،‬ع‪ ،2‬مرص ‪.‬‬
‫بيضون‪ ،‬إبراهيم‪ :‬حملة مؤتة‪ .‬املؤمتر الدويل الرابع لبالد الشام عام ‪7721‬‬
‫خريسات‪ ،‬محمد‪" ،‬دور غسـان فـي الحيـاة العامـة فـي صـدر اإلسـالم"‪ ،‬املؤمتـر الدولـي الرابـع لتاريـخ‬
‫بـالد الشـام‪ ،‬مـج‪ ،7‬الجامعة األردنية وجامعة الريموك‪ ،‬عامن‪ ،‬ترشين األول ‪7721،7721،071‬‬
‫خريسات‪ ،‬محمد‪ ،‬دور العـرب املتنصـرة فـي الفتوحـات ‪ ،‬املؤمتـر الدولـي الرابـع لتاريـخ بـالد الشـام ‪ ،‬بالد‬
‫الشام يف صدر اإلسالم‪ ،‬مـج‪ ،0‬الجامعة األردنية وجامعة الريموك‪ ،‬عامن‪ 70،00 ،‬آذار ‪7721 ،7721‬‬
‫رمضاين ‪،‬هاين‪ .‬بيزنطة بني التاريخ واملصطلح‪ .‬مجلة الدراسات التاريخية‪72 ،‬عدد ‪0670 ،‬‬
‫الزيدي ‪ ،‬مصعب حامدي نجم‪" .‬موقف تنظيمي اإلسبتارية والداوية من حروب النارص صالح الدين األيويب‬
‫‪ 110‬ـ ‪ 121‬هـ‪ 7711،‬ـ ‪ 7777‬م‪ ".‬مجلة كلية العلوم االسالمية ‪0667، 0.0‬‬
‫سالم‪ ،‬أدور اللوس‪ .‬خصائص االشكال الفنية يف الرسوم االيقونية البيزنطية‪ .‬مجلة االكادميي ‪0670، 27‬‬
‫صالح ‪ ،‬عبد العزيز حميد ‪ ،‬قسطنطنني األول والعرص املسيحي املبكر ‪ ،‬مجلة بني النهرين ‪ ،‬العدد ‪، 700‬‬
‫السنة ‪، 0660 ،07‬بغداد‪ ،‬ص ‪ ،000‬وسيشار إليه الحقاً ‪ :‬صالح ‪ ،‬قسطنطنني األول ‪.‬‬
‫عاقـل‪ ،‬نبيه‪" ،‬موقـف سكـان بـالد الشام من الفتـح"‪ ،‬املؤمتـر الدولـي الرابـع لتاريـخ بـالد الشـام‪ ،‬مـج‪،0‬‬
‫الجامعة األردنية وجامعة الريموك‪ ،‬عامن‪ 70،00 ،‬آذار ‪7721‬م‪7721 ،‬م‬
‫عباسة‪ ،‬محمود‪ .‬الحروب الصليبية و نزعة الحب الكورتوازي‪ ،‬املجلة الجزائرية‪ ،‬م‪7777 ،7‬م‬
‫عبد الحكيم غنتاب الكعبي‪" .‬نشأة فكرة النقود وتطورها من القرن السابع ق‪ .‬م حتى القرن السابع‬
‫امليالدي‪ ".‬مجلة دراسات تاريخية ‪ 71‬كانون االول ‪0670،‬‬
‫قاموس آباء الكنيسة و قديسيها اثناسيوس الرسويل البابا العرشون‪ ،‬نسخة محفوظة ‪ 61‬مارس ‪ 0670‬عىل‬
‫موقع واي باك مشني‪.‬‬
‫كريم‪ ،‬منارص‪ ،‬الحملة البيزنطية عىل مملكة الوندال بشامل إفريقيا ‪102-100،‬م‪،‬مجلة الدراسات التاريخية‬
‫‪.0672، 06.7‬‬
‫املنصوري‪ ،‬محمد‪ ،‬صورة البيزنطيني يف الحضارة العربية ‪ ،‬مجلة أسطور‪ ،‬ع‪ ، 0‬املركز العريب للدراسات‪0671‬م‬
‫النرصات‪ ،‬محمد‪ ،‬تاريخ جنويب األردن يف الفرتة البيزنطية من وادي الحسا شامالً حتى خليج أيلة (العقبة)‬
‫جنوبا (‪000 -002‬م)‪ ،‬املجلة االردنية للتاريخ و االثار‪ ،‬م‪،0‬‬
‫النرصات‪ ،‬محمد والنعيامت‪ ،‬سالمة‪ ،‬املصادر التاريخية لدراسة تاريخ جنوب األردن خالل الفرتة البيزنطية‬
‫‪002،000،‬م‪،‬املجلة األردنية للتاريخ واآلثار‪ ،‬املجلد‪ ،0‬العدد‪0667 ،0‬م‬
‫هاين‪ ،‬قيس حاتم‪" .‬الصالت التجارية بني شامل شبه جزيرة العرب والهند من القرن األول وحتى القرن‬
‫السادس امليالدي‪ ".‬مجلة كلية الرتبية األساسية للعلوم الرتبوية واإلنسانية ‪ ،0670، 1‬ص‪.772-760‬‬

‫‪111‬‬

‫‪www.manaraa.com‬‬
: ‫املراجع األجنبية‬
Anastos ،Milton V. 7700،,"The History of Byzantine Science. Report on the Dumbarton
Oaks Symposium of ".7907
Aziz ، Ramdan ، The Treatment of Arab Prisoners of War in Byzatium ، 2009
Babinger ، Franz ، 1663،Timeand Fatih Sultan Mehmed ، Istanbul: Capricorn Publishing ،
ISBN ،4-471-319-911
Bebis ،George ،Fall–Winter ،7991"Introduction to the Liturgical Theology of St Basil
the Great". Greek Orthodox Theological Review. 3،4، 41: 113–191. ISSN .6671،3994
Birley ، Anthony R. ،7999 7917. Septimius Severus: The African Emperor. London:
Routledge. ISBN .،919
Bowersock ،G. W ‫؛‬.Brown ،Peter ‫؛‬Grabar ،Oleg. Late Antiquity: A guide to the
Postclassical World. Harvard University Press.
de Camp ،L. Sprague ،7949،Lest Darkness Fall. Ballantine Books.
Dumbarton Oaks Papers. Dumbarton Oaks ، Trustees for Harvard University. 70: 469–
477. JSTOR 7197716. doi:..76.1361،7197716
Encyclopedia Britannica ، 71th Edition ، .7919
Grierson ،Philip 7991،,Byzantine Coins. London ، United Kingdom: Methuen. ISBN
.7919،470،17306،1
Hu ،Winnie 0،October ،1669"A Dead Language That's Very Much Alive". New York
Times.
Huysmans ، Joris،Karl. Against the Grain: A rebours. The Floating Press1669
REBECCA R. DARLEY ، INDO،BYZANTINE EXCHANGE ، 4TH TO 1TH CENTURIES:
A GLOBAL HISTORY ، A thesis submitted to the University of Birmingham for the
degree of DOCTOR OF PHILOSOPHY ، University of Birmingham ، September 2013
Sa’d Addin ، Abd Al،Rahim ، and Abu Ann. Hiafa’s Fief and it’s Role in the Islamic
Franksh Struggle 943،096،H 7766،7197،AD,Diss. .1664
Simeonova ، L ، Tenth –Century Byzantine Caremonials ،1998
The Church of the East: A Concise History ، Baum ، Wilhelm ، pp. 36،37.
The Church Triumphant: A History of Christianity Up to ،7366 E. Glenn Hinson ، p
113.

112

www.manaraa.com
(The Levant Region During the Byzantine Era (4 th Century - The Middle of
the 7 th Century )

by the student

Claudia Khalid Obaid

Supervisor

Dr. Musa Bani Khaled

Abstract
Byzantine civilization of the civilizations that have played an important role in the history
of the Bilad El-Cham ،an extension of the Roman civilization ،where the Byzantine
civilization was characterized by Oriental features ،which made it a mixture of Romanian
and Arabic ،is one of the most important civilizations that originated in the country of
Shaa What is still the historical evidence we have known ،and as a result of the
geographical ،political and economic conditions ،the Romans moved to their civilization
and their systems and sciences to the Orient with the aim of expansion until the collapse
of the Roman civilization and the Byzantine civilization continued to expand in the Arab
mashreq ،where it included the Bilad El-Cham of damascus ،which It was considered the
first barrier between the Pygmies and the Arab tribes until Islam came and the Islamic
conquests Began.
The study covered the subject of the Bilad El-Cham in the light of Arab sources from the
fourth century to the Mid-seventh century A.D. where the first chapter dealt with the
history of the origins of the Byzantine Empire and the history of the Bilad El-Cham in the
period of study and touched on the naming of the Byzantine Empire and the most
important sources of history Byzantine in Arabic works.
During the second semester ،the study showed the situation of the Bilad El-Cham in the
Byzantine period from the 4th to the Mid-seventh century ،in terms of the strategic
importance of the Bilad El-Cham in the Byzantine period ،and the situation of the Bilad
El-Cham during the Byzantine period "geographical and historical connotations" and
the most prominent divisions Administrative of the Bilad El-Cham in the Byzantine era
and separated the Byzantine relations with the Arab kingdoms and the impact of those
aspects on the eastern policy of the Byzantine Empire.
We also spoke in the third chapter about the cultural systems of the Bilad El-Cham in the
Byzantine period and the beginnings of the development of political and administrative
systems in the Byzantine state in the south of the Bilad El-Cham ،and the most prominent
landmarks of the systems and civilization in the Byzantine countries of the Bilad El-
Cham ،from the sciences and architectural arts and religious denominations and the
most prominent works Commercial and Agricultural.
The study highlighted the fact that many aspects of Roman civilization were transferred
to the Bilad El-Cham and the Arabs were influenced by this civilization ،and how the
state Byzantine to apply its ideology and policy by strengthening its relationship with the
tribes and earning their loyalty ،and the study showed that most of the historical writings
are limited to Periods close to the Islamic era and dealing with specific topics that were
almost limited to political aspects ،which invites researchers to use archaeological and
foreign studies to study society and cultural manifestations in the periods preceding the
establishment of Islamic Eras.

113

www.manaraa.com

You might also like