You are on page 1of 388

‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية‬


‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية دورية محكمة تعنى بالقضايا التاريخية واالجتماعية يصدرىا فريق بحث المعارف لمدراسات‬
‫التاريخية واالجتماعية ونشر التراث‪ ،‬كمية اآلداب والعموم اإلنسانية بجامعة نواكشوط – موريتانيا‪.‬‬
‫الرئيس الشرفي‪ :‬أ‪.‬د الشيخ سعد بوه كمرا‪ ،‬عميد كمية اآلداب والعموم اإلنسانية‬
‫مدير المجمة‪ :‬أ‪.‬د دمحم الراضي ولد صدفن‬
‫رئيس التحرير‪ :‬د‪ .‬دمحم األمين ولد أن‬
‫التدقيق المغوي‪:‬‬
‫أ‪.‬د عبد اليادي سيد أحمد عبد العال‪ ،‬مصر‬
‫د‪ .‬أحمد ولد حبيب هللا‪ ،‬موريتانيا‬
‫أعضاء ىيئة التحرير‪:‬‬
‫أ‪ .‬د الحمدي أحمد‪ ،‬الجزائر‬
‫أ‪.‬م د‪ .‬جمال ولد الخميل‪ ،‬السعودية‬
‫أ‪.‬م د‪ .‬سيدي دمحم ولد ختاري‪ ،‬موريتانيا‬
‫د‪ .‬الحسين ولد بديدي‪ ،‬موريتانيا‬
‫لجنة التحكيم‪:‬‬
‫البريد اإللكتروني‬ ‫التخصص‬ ‫مكان العمل‬ ‫اإلسم الكامل‬
‫‪imseer@yahoo.com‬‬ ‫تاريخ حديث كمعاصر‬ ‫الجامعة األىمية‪ ،‬البحريف‬ ‫أ‪.‬د إسماعيل نكرؼ الربيعي‬
‫‪dr.m.m.q@hotmail.com‬‬ ‫تاريخ إسبلمي‬ ‫األميرة نكره بنت عبد الرحمف‬ ‫أ‪.‬د منيره بنت مدعث القحطاني‬
‫‪m.ezzidi@gmail.com‬‬ ‫عمـ اجتماع‬ ‫جامعة تكنس‪ ،‬تكنس‬ ‫أ‪.‬د منجي الزيدؼ‬
‫‪aboubaya@gmail.com‬‬ ‫تاريخ كسيط‬ ‫جامعة كىراف‪ ،‬الجزائر‬ ‫أ‪ .‬د عبد القادر بكباية‬
‫‪drkhd777@yahoo.com‬‬ ‫تاريخ إسبلمي‬ ‫جامعة عيف شمس‪ ،‬القاىرة‬ ‫أ‪ .‬د خالد حسيف محمكد‬
‫‪isa.alazzam@yahoo.com‬‬ ‫تاريخ إسبلمي‬ ‫جامعة العمكـ كالتكنكلكجيا األردنية‬ ‫أ‪ .‬د عيسى محمكد العزاـ‬
‫‪fbelhouari10@gmail.com‬‬ ‫تاريخ كسيط‬ ‫جامعة السمطاف قابكس‪ ،‬سمطنة عماف‬ ‫أ‪ .‬د فاطمة بميكارؼ‬
‫‪altaiem940@gmail.com‬‬ ‫تاريخ قديـ‬ ‫جامعة دىكؾ‪ ،‬العراؽ‬ ‫أ‪ .‬د ابتياؿ عادؿ إبراىيـ‬
‫‪dr.taha.2012@hotmail.com‬‬ ‫تاريخ كحضارة إسبلمية‬ ‫جامعة عدف‪ ،‬اليمف‬ ‫أ‪.‬د طو حسيف ىديل‬
‫‪rsalha@ iugaza.edu.ps‬‬ ‫جغرافيا‬ ‫الجامعة اإلسبلمية‪ ،‬غزة ‪ -‬فمسطيف‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬رائد أحمد طو صالحو‬
‫‪moems70@yahoo.fr‬‬ ‫تاريخ معاصر‬ ‫جامعة نكاكشكط‪ ،‬مكريتانيا‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬دمحم المختار سيد دمحم‬
‫‪ashraf-salih@hitmail.com‬‬ ‫تاريخ كسيط‬ ‫جامعة ابف رشد‪ ،‬ىكلندا‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬أشرؼ صالح دمحم سيد‬
‫‪wousmane@yahoo.fr‬‬ ‫عمـ اجتماع‬ ‫جامعة نكاكشكط‪ ،‬مكريتانيا‬ ‫د‪ .‬كاغي عثماف‬
‫‪gwshah@iugaza.edu.ps‬‬ ‫تاريخ إسبلمي‬ ‫الجامعة اإلسبلمية‪ ،‬غزة ‪ -‬فمسطيف‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬غساف محمكد كشاح‬
‫‪dr.barzan_78@yahoo.com‬‬ ‫تاريخ المغرب كاألندلس‬ ‫جامعة المكصل‪ ،‬العراؽ‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬برزاف ُميَّسر الحػ ػػامد‬
‫‪abu_sultan3@hotmail.com‬‬ ‫خدمة اجتماعية‬ ‫جامعة حائل‪ ،‬السعكدية‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬بشير بف عمي المكيش‬
‫‪yassirelmak@gmail.com‬‬ ‫جغرافيا‬ ‫جامعة شندؼ‪ ،‬السكداف‬ ‫أ‪.‬ـ د‪ .‬ياسر دمحم عثماف حماد‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫شروط النشر‬
‫‪ -1‬يجب أف يككف البحث المقترح لمنشر أصيبل لـ يسبق تقديمو لمجمة أك أؼ جية ناشرة أك أكاديمية‪ ،‬كأف ال‬
‫يككف جزءا مف رسالة عميمة‪.‬‬
‫‪ -2‬ال يقل البحث الكاحد عف ‪ 20‬صفحة‪ ،‬كال يزيد عمى ‪ 30‬صفحة حتى تتاح فرصة النشر ألكبر عدد مف‬
‫الباحثيف‪.‬‬
‫‪ -3‬ترسل البحكث إلى المجمة مطبكعة عمى الحاسكب باستعماؿ ‪ Word‬بالمغة العربية‪:‬‬
‫● الخط المستخدـ في المتف ‪ Simplified Arabic‬الحجـ ‪ 14‬أما اليكامش فتككف آلية أسفل كل صفحة عمى‬
‫حدة؛ بنفس الخط حجـ ‪12.‬‬
‫‪ -4‬بالنسبة لمبحكث المحررة بالمغة الفرنسية‪:‬‬
‫● الخط المستخدـ في المتف ‪ Timed New Roman‬الحجـ ‪ ،12‬أما الحكاشي فتككف بنفس الخط بحجـ ‪10‬‬
‫‪ -5‬أف يككف تكثيق الكتب بذكر شيرة المؤلف متبكعا باسمو األكؿ كالثاني كاسـ الكتاب‪ ،‬كاسـ المحقق أك‬
‫المترجـ‪ ،‬كالطبعة كالناشر كمكاف النشر كسنتو‪ ،‬كرقـ المجمد‪.‬‬
‫‪ -6‬أف يككف تكثيق الدكرية بذكر اسـ كاتب المقاؿ‪ ،‬عنكاف البحث مكضكعا بيف عبلمتي تنصيص " " ‪ ،‬كاسـ‬
‫الدكرية‪ ،‬كرقـ المجمد كالعدد كالسنة‪ ،‬كرقـ الصفحة‪.‬‬
‫‪ -7‬يمتزـ الباحث القياـ بالتصكيبات كالتعديبلت التي اقترحيا المحكمكف خبلؿ شير مف تاريخ تسمميا‪.‬‬
‫‪ -8‬األبحاث المنشكرة ال تعبر إال عف رأؼ أصحابيا‪.‬‬
‫‪ -9‬يخضع ترتيب األبحاث في المجمة لمعايير فنية‪.‬‬
‫‪ -10‬يكتب الباحث في الصفحة األكلى مف البحث إسمو كعنكانو الكامل بالياتف كاإليميل كالمؤسسة التي‬
‫ينتمي إلييا‪ ،‬ككذلؾ الدكلة‪ ،‬بالمغة العربية كاإلنجميزية‪( .‬كيفضل أف يككف اسـ الباحث ثبلثيا)‪.‬‬
‫‪ -11‬عنكاف البحث بالمغة العربية كاإلنجميزية‪،‬‬
‫‪ -12‬يكتب ممخصا بالمغة العربية كآخر بالمغة اإلنجميزية بما ال يزيد عف ‪ 100‬كممة لكل منيما‪ ،‬ككذلؾ‬
‫الكممات المفتاحية بالمغتيف العربية كاإلنجميزية‪.‬‬
‫‪ -13‬مجمة الدراسات التاريخية كاالجتماعية محكمة‪ ،‬كىي ترحب بجميع المقاالت المستكفية لمشركط السالفة‬
‫الذكر‪ ،‬كال ترد المقاالت ألصحابيا في حاؿ عدـ نشرىا‪.‬‬
‫كعميو نرجك مف كل الراغبيف في نشر أعماليـ بالمجمة أف يبعثكا بيا عمى البريد اإللكتركني التالي‪:‬‬
‫‪mohamed_lemin@yahoo.fr‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫محتويات العدد‪:‬‬
‫ص‪5‬‬ ‫‪ -‬أضكاء عمى تاريخ مكة المكرمة كجدة مف خبلؿ كتاب "الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ" البف شاىيف‬
‫د‪ .‬سمطانة بنت مبلح الركيمي‬
‫ص ‪40‬‬ ‫‪ -‬بريطانيا كحككمة الدفاع الكطني في العراؽ(‪ ،)1941-1940‬ـ‪.‬ـ‪ .‬جعفر محمكد سمماف‬
‫ص ‪55‬‬ ‫‪ -‬أىمية النص المناقبي في كتابة التاريخ الحضارؼ لممغرب األكسط‪ ،‬د(ة) بممداني نكاؿ‬
‫ص ‪71‬‬ ‫‪ -‬دمحم أميف الحسيني كدكره القيادؼ‪ ،‬د‪.‬عصاـ دمحم عمي عبد الحفيع عدكاف‬
‫ص ‪103‬‬ ‫‪ " -‬الزاكية السنكسية بالجغبكب كدكرىا في جذب سكاف الكاحة الميبية كتنكعيـ "‪ ،‬يكنس عمي الجكير‬

‫ص ‪126‬‬ ‫‪ -‬جيكد أميف سعيد التاريخية الثكرة العربية الكبرػ ‪1916‬ـ في كتاباتو‪ ،‬د‪ .‬زكريا دمحم العثامنة‬
‫ص ‪149‬‬ ‫‪ -‬جكانب اقتصادية لبعض مدف الجزيرة الفراتية مف خبلؿ كتب الرحالة كالجغرافييف‪ ،‬أ‪.‬ـ‪.‬د ثريا محمكد عبد الحسف‬
‫ك أ‪.‬ـ‪.‬د ميا عبد الرحمف حسيف‬
‫ص ‪164‬‬ ‫‪ -‬مصر كالقضية التكنسية خبلؿ فترة الحكـ الممكي ‪1952-1922‬ـ‪ ،‬د‪ .‬فاتح بكفركؾ‬
‫ص ‪204‬‬ ‫‪ -‬سياسة الفاطمييف العسكرية في ببلد المغرب ما بيف ‪358 -296‬ىػ‪968-909 /‬ـ‪ ،‬دة‪ .‬فاطمة بميكارؼ‬
‫ص ‪221‬‬ ‫‪ -‬سكاف مدينة القدس الشريف (البمدة القديمة) ‪1948-1900‬ـ‪ ،‬د‪ .‬مركاف دمحم االقرع‬
‫ص ‪237‬‬ ‫‪ -‬القطاع المحفكظ كسبل التنمية في السياحية المستدامة الجزائر‪ ،‬أ‪ .‬أرمكلي ببلؿ ك أ‪ .‬د دمحم المطفى فيبلح‬
‫ص ‪261‬‬ ‫‪ -‬معركة مرج األسقف (بكزف) ‪249‬ىػ‪863 /‬ـ(الدكافع ‪ -‬األىمية)‪ ،‬د‪ .‬خميس أحمد أرحكمو‬
‫ص ‪277‬‬ ‫‪ -‬التشريعات العقارية الفرنسية في الجزائر(‪ )1870-1834‬جريمة استعمارية‪ ،‬أ‪ ،‬براؼ فتحي‬
‫ص ‪292‬‬ ‫‪ -‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب (جامعة طبرؽ أنمكذجا)‪ ،‬د‪.‬جبلؿ براني الدامي ك د‪.‬عبدالفتاح‬
‫بالعيد ىكدج حفالش‬
‫ص ‪319‬‬ ‫‪ -‬نظرية العقد االجتماعي – مفيكميا كمكقف الفكر اإلسبلمي منيا‪ ،‬أ‪.‬ـ‪ .‬د‪ .‬عمر محمكد حسيف السامرائي‬
‫ص ‪347‬‬ ‫‪ -‬أىـ مراحل تطكر الفكر الجغرافي‪ ،‬د‪ .‬دمحم كلد عبد هلل كلد دمحم المصطفى‬
‫ص ‪367‬‬ ‫‪ -‬زراعة الزيتكف كالصناعات القائمة عميو بببلد الشاـ في العيد المممككي (‪ 648‬ىػ‪1250/‬ـ ‪ 923 -‬ىػ‪1516 /‬ـ)‪،‬‬
‫د‪ .‬يكسف إبراىيـ الزاممي‬

‫‪3‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كممة العدد‪:‬‬
‫الحمد هلل رب العالميف كالصبلة كالسبلـ عمى مف بعث رحمة لمعالميف‪.‬‬

‫أُنشئت مجمة الدراسات التاريخية كاالجتماعية في عاـ ‪2013‬؛ بيدؼ مساعدة كافة الباحثيف مف‬

‫مختمف دكؿ العالـ لنشر بحكثيـ األصيمة؛ بتكفير منصة لمنشر في مجاؿ الدراسات التاريخية كاالجتماعية‬

‫كبالمغتيف العربية كالفرنسية‪ .‬كىي مجمة دكلية محكمة تصدر بصكرة فصمية إلتاحة الفرصة أماـ الباحثيف‬

‫كالطمبة كاألساتذة الجامعييف لمشاركة إسياماتيـ البحثية‪.‬‬

‫كـ يسعدنا أف نضع بيف أيديكـ العدد الثالث كاألربعيف مف مجمة الدراسات التاريخية كاالجتماعية؛‬

‫التي تحتكؼ عمى المكضكعات المتنكعة التي شاركتـ بيا عمى صفحات مجمتكـ‪.‬‬

‫إف ىذا العدد ليس إصدا ار نمطيا كانما متنكع المكضكعات‪ ،‬عميق في مفاىيمو كآرائو؛ فيك لساف‬

‫حاؿ الباحثيف الذيف تنكعت مدارسيـ كمشاربيـ الفكرية‪ .‬كيسر ىيأة التحرير أف تضعو بيف أيديكـ؛ بما‬

‫يضـ مف مكضكعات عممية مختمفة‪ ،‬كبتخصصات إنسانية متنكعة‪.‬‬

‫لقد كاف مف الصعكبة بمكاف اختيار ىذه المشاركات مف بيف عشرات المقاالت التي أرسمت إلى‬

‫بريد المجمة‪ .‬كنعد السادة األساتذة أف مكاضيعيـ التي لـ يتسع ليا ىذا العدد مف المجمة ستمقى العناية‬

‫كالنشر في األعداد القامة بإذنو تعالى‪.‬‬

‫نقدـ الشكر الجزيل لكل مف أسيـ في إخراج ىذه العدد؛ باحثيف كمحكميف كمحرريف‪ ،‬كالحمد هلل أكالً كآخ اًر‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫الدكتور دمحم األمين ولد أن‬

‫‪4‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أضواء عمى تاريخ مكة المكرمة وجدة من خالل كتاب‬


‫"الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم" البن شاىين‬

‫‪Spotlight on the history of Makkah and Jeddah through the book Al-Rawd Al-‬‬
‫‪Basem on Accidents of Age and Interpretations Ibn Shaheen‬‬
‫د‪ .‬سمطانة بنت مبلح الركيمي‬
‫أستاذ التاريخ اإلسبلمي المشارؾ‬
‫قسـ التاريخ كالحضارة‬
‫كمية الشريعة كالقانكف‬
‫جامعة الجكؼ – المممكة العربية السعكدية‬
‫‪al-smo91@hotmail.com‬‬
‫ممخص عربي‬
‫عبد الباسط ابف خميل ابف شاىيف الحنفي‪ ،‬سميل أسرة مممككية معركفة بالقاىرة منذ أكائل القرف‬
‫الخامس عشر الميبلدؼ عمى األقل‪ ،‬كأبكه األمير المحدث خميل بف شاىيف‪ ،‬كاف ضمف معاصرؼ‬
‫المقريزؼ كغيره مف المؤرخيف البارزيف ‪ .‬كلد عبد الباسط بف شاىيف عاـ ‪ 803‬ىػ ‪ 1440/‬ـ بمدينة ممطية‬
‫أثناء كالية كالده ليا‪ ،‬شغف عبد الباسط مف صغره بالتحصيل العممي فسافر إلى الكثير مف الببلد إلى أف‬
‫استقر بالقاىرة مع كالده فعرضو عمي عمماءىا كاجازكه كعمل بالمدارس مثل الشيخكنية‪ ،‬كاشتغل بالتأليف‬
‫في مختمف العمكـ كالفنكف‪.‬‬
‫منيا التاريخ كأفرد لمكة المكرمة كجدة جانباً في كتابو "الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ" الذؼ‬
‫قدـ فيو منيجا عمميا في كتابتو يقكؿ " نقمت ىذا مف خط الكالد " ك " ذكر لي مف لفع الكالد رحمو هلل "‬
‫ك" أخبرني مف اثق بو ممف كاف مع الحاج في سنة ‪ 887‬ىػ " كغير ذلؾ مف منيج كاف لو أكبر األثر في‬
‫تقديـ صكرة صادقة عف مكة المكرمة كجدة مف احداث جرت بيف اشراؼ مكة مثل الشريف بركات بف‬
‫حسف بف عجبلف كاخيو الشريف عمي عندما حاكؿ االستعانة بالسمطاف جقمق لتكلي إمارة مكة ففرض‬
‫إتاكة عمى مف يدفعيا يتكلى كالية مكة المكرمة‪ ،‬كالشريف عمي لـ يستطع االستجابة ليذا الشرط مما جعمو‬
‫يرجع كلـ ينل الكالية إال انو دار صراع بينيـ لمسيطرة عمى جدة الثقل االقتصادؼ كمفتاح السيطرة عمى‬
‫مكة المكرمة ‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلؾ قدـ ابف شاىيف صكرة كاضحة لما جرػ في مكة مف خراب نتيجة ما تعرضت لو‬
‫مف ككارث طبيعية كاثر ذلؾ عمى سكانيا‪ .‬كايضا صكرة صادقة لممجاكرة بالحرـ المكي ‪ ،‬إضافة لما‬

‫‪5‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫عرضو لرأؼ االمأـ أبك حنيفة في المجاكرة كالتي رفضيا خكفا مف كقكع ذنب فيتضاعف عمى المجاكر‬
.‫كفي ذلؾ كراىة في حق ذلؾ‬
‫كما أ كرد ابف شاىيف المحاكالت المممككية لمسيطرة عمى جدة لملء الخزانة المالية المممككية الخاكية‬
‫بسبب تمرد المماليؾ الجمباف كالعامة في تعييف نكاب خاضعيف ليـ كمف يخالف أكامرىـ يككف مصيرىـ‬
‫ مثل جاني بيؾ الظاىرؼ كنيايتو التي انفرد بذكرىا‬،‫دمكؼ بسبب عدـ الخضكع لؤلكامر كخيانتيـ المالية‬
.‫ ككذلؾ عمي ابف رمضاف الذؼ قدـ ابف شاىيف في ركضو نيايتو المأساكية لو‬، ‫ابف شاىيف‬
‫ إال في‬،‫كل ذلؾ كاف ابف شاىيف صادقاً فيما ركػ مف أحداث لـ نجد ليا أثر في مصادر أخرػ‬
‫كتابو" الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ" كتمؾ األحداث ذكرت مختصرة كمرة كجيزة كمفقكدة مف‬
‫ كما كانت مدة التاريخ في الكتاب ثماني كأربعيف سنة كىذا ما جعمني اعتمد عمى بعض‬،‫أصل الكتاب‬
‫ خصكصا كتابو نيل االمل في ذيل الدكؿ كايضا‬. ‫المصادر المعاصرة البف شاىيف حتى يكتمل الحدث‬
. ‫كتابات ابف حجر العسقبلني الذؼ يثق فيو كينقمو‬
‫ األقباط‬- ‫ مكة – ككارث – جدة‬- ‫ السمطاف‬- ‫ إمارة‬- ‫ شاىيف – المماليؾ‬:‫الكممات المفتاحية‬
Abstract
Abdu Al-Baset bin Khaleel bin Shaheen Al-Hanafy , from famous Mamlukiah in
Qairo since the fifth century AD . His father is Prince Al-Muhdeth Khaleel bin
Shaheen . He was contempraries's Al-Maghreze . He was born in 803 AH /1440
AD in Maltiah city through his father's rule He was interested in educational
attainment so that he was travelled to many countries . At last , he set with his
father in Cairo . He worked in schools as Al-Shaykhoniah . Also , he wrote
about different sciences and arts .
He wrote in history espicially about Makkah and Jeddah in his book , Al-Rawth
Al-Bassem in Acts of Age and Translations , inwhich he siad " I copies this
from my father's writing . And another that was the biggest affect in giving
clear vision about Makkah and Jeddah about actions happened between Makkah
Ashraf as Al-Shareef Barakat bin Hassan bin Ajlan and his brother Al-Shareef
Ali when he asked helping from Alsultan Jaghmagh for taking of rule of
Makkah . And he put royality that one put it , he will take the rule of Makkah.
Alshareef Ali can't respect this royality so he goes back without rule. There was
problem happened between them for taking the rule of Jeddah and Makkah .
(1)
Also , bin Shaheen gives clear vision about actions of Makkah's ruin that
happened for Makkah's citizens as natural ruins .Also , he given true vision of
near sitting of Alharam Almaki . He refers to Alemam Abu Hanifah's opinion
about near sitting of Alharam Almaki .

6
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪He refered to Almamlokiah's tryiing for takeing of Jeddah for money box which‬‬
‫‪it was empty box because Almamalik . The blood end was for all rfused them‬‬
‫‪orders as Baik Althahri. Also Ali bin Ramadan who was spoken about him by‬‬
‫‪bin Shahin and his bad ending .‬‬
‫)‪(3‬‬
‫‪Bin Shaheen witten about subject that we can't find in other sources except in‬‬
‫‪his book , Al-Rawth Al-Bassem in Acts of Age and Translations , which‬‬
‫‪contains shortten and losed subjects . The history of book is 48 years . So that , I‬‬
‫‪choose contemporary sources for bin Shaheen .‬‬
‫‪Keywords/‬‬
‫‪Espicially , Nail Al-Amal in Thail Al-Doal . Also , Bin Hajar Al-Asghalani's‬‬
‫‪writting .‬‬
‫حياة المؤلف‪:‬‬
‫ىك زيف الديف أبك المكارـ عبد الباسط بف أبى الصفاء غرس الديف خميل بف شاىيف الظاىرؼ‬
‫نسبة إلي الظاىر برقكؽ(‪ )1‬فقد كاف كالده أمي اًر مممككياً‪ ،‬حنفي المذىب‪ .‬كلد في ليمة األحد الحادؼ عشر‬
‫مف شير رجب سنة (‪844‬ىػ‪1440/‬ـ) بمدينة ممطية(‪ )2‬ألـ كلد سرية اسميا شكرباػ تزكج بيا كالده بعد‬
‫أف اعتقيا بمدينة ممطية‪ ،‬عندما كاف نائبا عمييا (‪. )3‬‬

‫‪ - 1‬السمطاف برقكؽ‪ ،‬الممؾ الظاىر برقكؽ ‪ :‬أخذ مف ببلد الجركس كبيع بببلد القرـ فجمبو خكاجا فخر الديف عثماف بف‬
‫مسافر إلى القاىرة ‪ ،‬كاشتراه األتابكي يمبغا كسماه طنبغا فسماه برقكقاً لنتكء في عينيو ‪ ،‬تكلى السمطنة يكـ األربعاء تاسع‬
‫عشر رمضاف عاـ ‪784‬ىػ ‪ 1385 /‬ـ ككاف قد عمر رخاـ الحجر الشريف عمى يد األمير بيسق ‪ ،‬كذلؾ في شير رمضاف‬
‫كشكاؿ كذؼ القعدة مف عاـ ‪ 801‬ىػ ‪1398 /‬ـ ‪،‬ككاف يحب الفقراء كيتكاضع ليـ كيتصدؽ كثي اًر كالسيما إذا مرض كأبطل‬
‫في كاليتو كثي اًر مف المككس ‪ ،‬كمف آثاره المدرسة البرقكقية القائمة بيف القصريف بالقاىرة ‪ ،‬ككاف مف أعظـ سبلطيف‬
‫الجراكسة ‪ ،‬تكفي عاـ ‪801‬ىػ‪1398 /‬ـ ‪ .‬لممزيد انظر المقريزؼ‪ ،‬المكاعع كاالعتبار بذكر الخطط كاآلثار المعركؼ بالخطط‬
‫المقريزية ‪ ،‬القاىرة ‪1984‬ـ‪ ،‬ج‪2‬صػ ‪ ، 241‬عمر ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ بأخبار أـ القرػ‪ ،‬تحقيق‪ :‬فييـ دمحم شمتكت‪،‬‬
‫مركز البحث العممي كاحياء التراث اإلسبلمي‪ ،‬جامعة أـ القرػ‪1983 ،‬ـ‪ ،‬ح‪3‬صػ ‪ ،412‬ابف عماد الحنبمي‪ ،‬شذرات الذىب‬
‫في أخبار مف ذىب ‪ ،‬دار الفكر لمطباعة كالنشر كالتكزيع ‪ ،‬بيركت ‪1414‬ىػ‪1994/‬ـ ‪ ،‬ج‪7‬صػ‪6‬ػ‪.7‬‬
‫(‪ )2‬ممطية‪ ،‬بمدة مف ببلد الركـ مشيكرة تتاخـ الشاـ ‪،‬خربيا الركـ عاـ ‪133‬ىػ‪750/‬ـ أثناء الحمبلت المتبادلة مع المسمميف‬
‫فأمر الخميفة أبك جعفر المنصكر ببنائيا‪ ،‬فأرسل عبد الكىاب بف إبراىيـ اإلماـ بف دمحم بف عمي بف عبد هلل بف عباس‪ ،‬فأقاـ‬
‫بيا لمدة سنة حتي تـ بنائيا كأسكف بيا الجند لكقكعيا في الطريق لغزك ببلد الركـ‪ .‬ياقكت الحمكؼ‪ ،‬معجـ البمداف‪ ،‬دار‬
‫صادر بيركت ‪1379‬ىػ‪1977/‬ـ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ،193 -192‬الحميرؼ‪ ،‬الركض المعطار في خبر األقطار ‪ ،‬تحقيق إحساف‬
‫عباس‪ ،‬مكتبة لبناف بيركت ‪ 1984‬ص‪.545‬‬
‫‪ - 3‬زيف ا لديف عبد الباسط بف خميل بف شاىيف الحنفي‪ ،‬الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ ‪ ،‬تحقيق عمر عبد‬
‫السبلـ تدمر‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيد بيركت ‪ 2014‬ـ–‪1435‬ىػ ‪،‬ج‪1‬ص‪.8‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كقد قضى عبد الباسط طفكلتو كشبابو المبكر متنقبلً مع كالده في الكاليات التي تكالىا في الشاـ‪ ،‬مما‬
‫أتاح لو فرصة كبيرة لمقاء كثير مف العمماء في حمب كدمشق كالقدس كالخميل كطرابمس كغيرىـ‪ ،‬كتمقى‬
‫العمـ عمى أيدييـ كاألخذ عنيـ مما كاف لو أثر كاضح في ثقافتو‪ ،‬كما غرس ىذا التنقل في نفسو منذ‬
‫حداثتو حب الرحمة كالسفر مما سيككف لو أبمغ األثر في مستقبل حياتو العممية‪ ،‬باإلضافة إلى عناية كالده‬
‫المستمرة بو‪ ،‬كالقياـ عمى تربيتو كالعناية بنفسو فقد ق أر عبد الباسط عمى أبيو الكثير كتعمـ عمى يديو المغة‬
‫التركية أيضاً(‪. )1‬‬
‫كفي سنة ‪ 865‬ق‪ 1452/‬ـ عندما كاف عبد الباسط في الحادية كالعشريف مف عمره قدـ إلى القاىرة‬
‫مع كالده الذؼ استدعى مف دمشق ليككف مدبر السمطاف األشرؼ أحمد بف أيناؿ(‪ )2‬كمشير دكلتو‪ ،‬كفي‬
‫القاىرة انفتحت أماـ عبد الباسط مجاالت الثقافة المتنكعة ‪ ،‬فقد قدمو كالده إلى كبار العمماء بيا‪ ،‬حيث أتـ‬
‫تعميمو عمى أيدييـ‪ ،‬كأجازه كل منيـ باإلفتاء كالتدريس‪ ،‬كشيد لو بالتقدـ في تخصصو كالفقو كالحديث‬
‫كالتاريخ كغيرىا (‪.)3‬‬
‫بيد أف عبد الباسط كاف نيماً شغكفاً بالعمـ كالتحصيل الكاسع‪ ،‬ككاف يتحرؽ لدراسة الطب دراسة عممية‬
‫متخصصة عمى يد كبار األطباء في عيده‪ ،‬كلما كاف المغرب اإلسبلمي مشيك اًر آنذاؾ بأطبائو‪ ،‬كتقدمو‬
‫في دراسة الطب‪ ،‬فقد عزـ عبد الباسط عمى الرحمة إلى المغرب لتحقيق ىدفو العممي‪ ،‬كالتي استمرت‬
‫خمس سنكات زار خبلليا أشير مدف المغرب‪ ،‬كبعض المدف األندلسية التي كانت ما تزاؿ في أيدؼ‬
‫المسمميف‪ ،‬كقد سجل ىذه الرحمة في الكتاب الذؼ نعرض لو في ىذا البحث كىك الركض الباسـ في‬
‫حكادث العمر كالتراجـ (‪.)4‬‬

‫‪- 1‬دمحم دمحم عامر‪ ،‬الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ‪ ،‬لعبد الباسط بف خميل (‪920-844‬ىػ) بحث منشكر في‬
‫مجمة كمية دار العمكـ جامعة القاىرة‪ ،‬العدد الثامف‪ ،‬العاـ الجامعي ‪1978/1977‬ـ‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪- 2‬السمطاف إيناؿ‪ ،‬األشرؼ أبك النصر إيناؿ‪ :‬ىك الممؾ األشرؼ أبك النصر سيف الديف بف عبد هلل العبلني الظاىرؼ ثـ‬
‫الناصرؼ ‪ ،‬سمطاف الديار المصرية كالشامية كالحجازية ‪ ،‬خمع نفسو أثناء مرضو كتكفي عاـ ‪865‬ىػ ‪1460/‬ـ ‪ .‬انظر‬
‫القريزؼ ‪ :‬الخطط ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪ ،244‬ابف تغرؼ بردؼ ‪ :‬النيل الصافي المستكفي بعد الكافي ‪ ،‬تحقيق دمحم دمحم أميف ‪ ،‬نبيل دمحم‬
‫عبد العزيز ‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب القاىرة ‪1986‬ـ ‪ ،‬ج‪3‬ص‪209‬ػ‪ ، 212‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع ألىل القرف‬
‫التاسع‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الجيل‪1992 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪2‬ص‪328‬ػ‪.329‬‬
‫‪ - 3‬دمحم كماؿ الديف عز الديف ‪ ،‬عبد الباسط الحنفي مؤرخاً ‪ ،‬عالـ الكتب بيركت‪ 1400 ،‬ىػ ‪1990 /‬ـ ‪ ،‬ص‪.16‬‬
‫‪ - 4‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪1‬ص‪.30-16‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كقد شارؾ عبد الباسط في الحياة العممية بالقاىرة مشاركة جادة فقد تكلى تدريس العمكـ الدينية في‬
‫الخنقاه الشيخكنية(‪ ،)1‬كتخرج عمى يده جيل مف العمماء المصرييف كالكافديف‪ ،‬ككاف مف بينيـ المؤرخ‬
‫المممككي الشيير أحمد ابف دمحم بف اياس الحنفي الشيير بابف اياس (‪.)2‬‬
‫كقد قضى عبد الباسط سنكاتو األخيرة مف القرف التاسع اليجرؼ كالعقديف االكؿ كالثاني مف القرف‬
‫العاشر مشغكالً بالتدريس كالتأليف بعيداً عف الناس‪ ،‬مؤث اًر العزلة في داره حتى اصيب في السنتيف‬
‫االخيرتيف مف حياتو بمرض السل ألزمو داره أكثر مف سنة تكفى عمى أثره في الخامس مف ربيع اآلخر‬
‫سنة ‪ 920‬ق‪1514/‬ـ بعد أف ظل ستاً كسبعيف سنة يؤدؼ رسالتو العممية درساً كمؤلفاً(‪.)3‬‬
‫كأكؿ شيكخو كاف كالده المؤرخ المصنف ‪ ،‬الذؼ زرع فيو حب التاريخ ككضع بيف يديو مدكناتو‬
‫كفرائده كتعميقاتو فنقل الكثير منيا كأفرغيا في كتبو‪ ،‬كدكاـ االشتغاؿ بالعمـ كالمطالعة كأخذ عف جماعة مف‬
‫كبار العمماء كصل عددىـ أكثر مف ثماني كثمانكف عالماً(‪ )4‬كمف ىؤالء عمماء مكييف مثل إبراىيـ بف‬
‫عمي بف أحمد بف حسيف‪ ...‬بف ظييرة ‪ ،‬دمحم بف سميماف بف سعد الكافيجي‪ ،‬أحد مشاىير شيكخو كشيكخ‬
‫أبيو(‪ )5‬كالشاعر أحمد بف عبد القكؼ بف دمحم البخارؼ المكي‪ )6( ،‬دمحم بف دمحم بف أحمد العقيمي النكيرؼ‬
‫المكي خطيب مكة‪ )7( ،‬كغيره الكثير يطكؿ الحديث عنيـ ‪،‬كتبلميذه كصل عددىـ أكثر مف تسع عشر‬
‫تمميذ(‪. )8‬‬
‫كعف منيجو يقكؿ ابف شاىيف عف نفسو‪ ":‬تكخيت فيو ما ثبت عندؼ مف نقل السادة المعتمديف‬
‫األخيار‪ ،‬أك شاىدتو عياناً أك مستقصياً يقيناً مف األخبار‪ ،‬كأسألو تعالى اليداية لمنطق بما يميق‪ ،‬كاالبتعاد‬
‫عف الفحاش كىضـ الناس‪ ،‬كاإلرشاد ال عطاء كل زؼ حق حقو مف غير تعصب كال اختبلس‪ ،‬كأف يجعمو‬

‫‪ - 1‬الخنقاه الشيخكنية‪ ،‬بناىا االمير رأس نكبة األمراء سيف الديف شيخك العمرؼ ‪ ،‬سنة ‪756‬ىػ كفرغ مف بنائيا ‪ 757‬ىػ ‪،‬‬
‫كرتب فييا اربع دركس عمى المذاىب االربعة كما درس فييا عمـ الحديث كرتب منشأ المدرسة لكل مف الطمبة في اليكـ‬
‫الطعاـ كالمحـ كالخبز ‪ ،‬كفي الشير الحمكػ كالزيت كالصابكف ‪ ،‬ككقف عمييا األكقاب الجميمة ‪ .‬المقريزؼ ‪ ،‬الخطط‪ ،‬ج‪2‬‬
‫ص‪. 421‬‬
‫‪ - 2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.67-65‬‬
‫‪ - 3‬دمحم مصطفي زيادة‪ ،‬المؤرخكف في مصر في القرف الخامس عشر القرف التاسع اليجرؼ‪ ،‬القاىرة ‪1954‬ـ ‪،‬ص‪،71‬‬
‫دمحم كماؿ الديف عز الديف ‪ ،‬عبد الباسط الحنفي مؤرخاً ‪ ،‬عالـ الكتب بيركت ‪ 1400‬ىػ ‪1990 /‬ـ ‪،‬ص‪.27‬‬
‫‪ - 4‬لممزيد عف شيكخ ابف شاىيف أنظر ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪1‬ص‪.64-47‬‬
‫‪ - 5‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.57‬‬
‫‪ - 6‬نفس المؤلف كالمصدر كالصفحة‪.‬‬
‫‪ - 7‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.63‬‬
‫‪ - 8‬لممزيد عف شيكخ ابف شاىيف أنظر ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪1‬ص‪.67-65‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫حادثاً لمكقكؼ عميو عمى فعل ما يحمده‪ ،‬مبعداً عف رذائل ذكؼ السير الذميمة‪ ،‬ىذا قصدؼ كلـ أقصد‬
‫الغيبة كالنميمة ‪ ،‬ك هلل بذلؾ ىك الكفيل‪ ،‬كىك حسبي كنعـ الككيل " (‪. )1‬‬
‫كما سار ابف شاىيف عمى نيج كالده فتارة يسمع منو‪ ،‬كتارة أخرؼ ينقل عف مذكراتو الشخصية كيقكؿ"‬
‫ذكر لي مف لفع الكالد رحمو هلل"(‪ )2‬أك "نقمت ىذا مف خط الكالد"(‪ )3‬أك غيره مف المؤرخيف قائبل " ذكر‬
‫ذكر ابف حجر في أنبائو" (‪ )4‬أك ينص عمي أنو استقي معمكماتو مف بعض مف يترجـ ليـ مف ذكؼ‬
‫قرباىـ الذيف يعرفكف عنيـ ماال يتسنى لو معرفتو مف أخبارىـ كأحكاليـ"(‪ )5‬ك"أخبرني مف أثق بو ممف‬
‫كاف مع الحاج في سنة ‪887‬ىػ"(‪.)6‬‬
‫كال شؾ أف استخداـ عبد الباسط ليذه الكسائل جميعاً يدؿ عمي أنو كاف يتبع منيجا صارما تتجمي‬
‫فيو الركح العممية الجادة لممؤرخ المحقق الذؼ يتثبت كيطمئف إلي أف ما يسجمو‪ -‬في أمانة كصدؽ‪ -‬انما‬
‫يمثل قدر اإلمكاف الحقيقة كما كانت بالفعل‪ ،‬فألف ‪ ،‬كصنف ‪ ،‬كأرخ ‪ ،‬كنظـ الشعر ‪ ،‬كجمع بيف عمكـ‬
‫المشرؽ كالمغرب مف خبلؿ أخذه عف شيكخ الشاـ كمصر كببلد الغرب اإلسبلمي‪ ،‬كفي مختمف الببلد‬
‫التي ازرىا‪)7(.‬‬
‫كايضا كازف " عبد الباسط " بيف النقل الحرفي عف مصادره ‪ ،‬كالنقل متعرفاً في النسقيف الترتيبي‬
‫كالتعبيرؼ المصاحبيف لمنقكلة عف مصدره ‪ ،‬أك في احدىما‪ ،‬كلـ يقبل عبد الباسط ما أمدتو بو مصادره مف‬
‫معمكمات عمى أنيا حقيقة مسمـ بيا‪ ،‬كانما عمد عمى مناقشتيا أك تصكيب أخطائيا‪)8( .‬‬
‫كمف أبرز الصفات التي كانت تميز عبد الباسط أنو كاف شديد االعتداد بنفسو ‪ ،‬كبمقدرتو العممية‬
‫كقد شيد لو السخاكؼ بذلؾ – عمى قمة انصافو لمف يترجـ ليـ – فقاؿ ‪ " :‬أنو برع في كثير مف الفنكف‬
‫كشارؾ في الفضائل‪ ،‬كأقبل عمى التاريخ كاستمد منو كثي اًر "(‪ ،)9‬كما كاف جريئاً في إعبلف رأيو كالمجاىرة‬

‫‪ - 1‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ؽ‪ . 2‬دمحم كماؿ الديف عز الديف ‪ ،‬عبد الباسط الحنفي مؤرخاً ‪ ،‬ص‪. 34‬‬
‫‪ - 2‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 3‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.42‬‬
‫‪ - 4‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.220‬‬
‫‪ - 5‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 4‬ص‪.227‬‬
‫‪ - 6‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.220‬‬
‫‪ - 7‬دمحم دمحم عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.70‬‬
‫‪ - 8‬دمحم كماؿ الديف عز الديف ‪ ،‬ابف عبد الباسط مؤرخ ‪ ،‬ص‪ ، 51‬دراسات نقدية في المصادر التاريخية‪ ،‬عالـ الكتب‪،‬‬
‫بيركت ‪1414‬ىػ‪1993/‬ـ‪ ،‬ص‪. 154‬‬
‫‪ - 9‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع‪ ،‬ج‪4‬ص‪.27‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كالمجاىرة بو في نقد بعض األمراء كالسبلطيف كبياف فشل سياستيـ‪ ،‬كأثر ذلؾ عمى الحياة العامة‪ ،‬كما أنو‬
‫لـ يسمـ مف نقده كبار المفكريف كالمؤرخيف فبلحق مؤلفاتيـ بالنقد كالتحميل‪ ،‬ككشف عما قد يككف فييا مف‬
‫أخطاء أك مغالطات‪ ،‬كيكفي أف نشير في ىذا المجاؿ إلى مكقفو مف المؤرخ الكبير ابف تغرؼ بردؼ ‪ ،‬فقد‬
‫تعقب أراءه في النجكـ الزاىرة ‪ ،‬كحمل عميو بشدة ‪ ،‬كقسا في نقده إلى حد غير مقبكؿ ‪ ،‬فقد اتيمو "‬
‫باليباؿ كالخباؿ "‪ ،‬كالتحيز كالكذب في ركاية األخبار بصكرة حادة(‪.)1‬‬
‫كمف مصادر ابف شاىيف عدد مف التكاريخ السابقة عميو ‪ ،‬مع مداخمتيا في مادتيا ‪ ،‬كىي السمكؾ‬
‫لممقريزؼ ‪ ،‬كانباء الغمر البف حجر العسقبلني ‪ ،‬كعقد الجماف لمعيني‪ ،‬باعتبارىا عدة مف التكاريخ‬
‫المعتبرة‪ ،‬المشتيرة ‪ ،‬لمسادة األئمة الميرة بمعنى المعرفة بيا الشتيارىا ‪ ،‬كاالعتماد عمييا كثكقاً في‬
‫مؤلفييا (‪ ، )2‬كلذلؾ قاـ بتأليف ما ألفو ليككف أعكف في الحكادث المتجددات كالكفيات عمى التحقيق (‪.)3‬‬
‫(‪.)3‬‬
‫أما مؤلفاتو التاريخية ‪ ،‬فيمكف إجماؿ المعركؼ منيا حتى اآلف عمى النحك التالي‪:‬‬
‫‪-1‬تاريخ األنبياء األكابر كبياف أكلى العزـ منيـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ ‪.‬‬
‫‪ -3‬غاية السؤاؿ في سيرة الرسكؿ ‪.‬‬
‫‪ -4‬المجمع المفتف بالمعجـ المعنكف ‪.‬‬
‫‪ -5‬نزىة األساطيف فيمف كلى مصر مف السبلطيف ‪.‬‬
‫‪ -6‬نيل األمل في ذيل الدكؿ(‪.)4‬‬
‫كبذلؾ نجد الرحمة رغـ سنكاتيا القميمة يؤسس لبداية ضعف دكلة المماليؾ كأثرىا عمي كالية الحجاز‪،‬‬
‫كيعرض ألخبار ال نجدىا عند غيره كخصكصاً نكاب جدة كما جرؼ ليـ مف أحداث بسبب طمعيـ المالي‬
‫في إيراد ميناء جدة‪ ،‬مثل محنة جاني بيؾ الظاىرؼ‪ ،‬كمحنة البدر حسف بف المزلق كغيرىما‪ ،‬كأخبار كالية‬
‫مكة المكرمة كما جرؼ فييا مف أحداث‪.‬‬

‫‪ - 1‬دمحم دمحم عامر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.65‬‬


‫‪ - 2‬نفس المؤلف كالمرجع ‪ ،‬ص‪. 35‬‬
‫‪ - 3‬نفس المؤلف كالمرجع ‪ ،‬دراسات نقدية في المصادر ص‪. 152 ، 138‬‬
‫‪- 4‬لممزيد حكؿ مصنفاتو انظر‪ ،‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪1‬ص‪ ،78-75‬ابف إياس‪ ،‬بدائع الزىكر في كقائع‬
‫الدىكر‪ ،‬تحقيق دمحم مصطفي الييئة المصرية العامة لمكتاب القاىرة ‪1404‬ىػ‪1984/‬ـ‪،‬ج‪4‬ص‪ ،374‬دمحم كماؿ عز الديف ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ص‪. 49‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ازداد االىتماـ بدراسة تاريخ مكة كجدة كذلؾ لؤلىمية المتزايدة ليما‪ ،‬فإننا في أمس الحاجة إلى‬
‫التعرؼ عمى المزيد ليذه المنطقة‪ ،‬كتعتبر كتابات الرحالة كالمؤرخيف مف المصادر اليامة مثل ىذا النكع‬
‫مف الدراسة‪ ،‬كيعكد السر في ذلؾ إلى أف الرحالة كالمؤرخيف عادة ما يككف غرباء عف المجتمع الذػ يقكـ‬
‫بزيارتو كالتحدث عنو‪ ،‬لذلؾ فإنو ال ييمل كصف كل ما يشد انتباىو خاصة الظكاىر االجتماعية‬
‫كاالقتصادية التي قد تككف شيئاً عادياً لسائر الكتاب كالمؤرخيف فييممكف تدكينيا كالحديث عنيا‪.‬‬
‫كمف تكفيق هلل تعالي أف قاـ ابف شاىيف بإلقاء أضكاء عمي تاريخ مكة كجدة ‪ ،‬كيعكد السر في ذلؾ‬
‫إلى أف مكة ميبط الكحي كجدة مرك از ىاما لمنشاط التجارؼ عمى ساحل البحر األحمر كبكابة مكة‬
‫االقتصادية‪ ،‬فقاـ بتسجيل مشاىدات كالده كالحجاج لذلؾ تعتبر كتاباتو مصد اًر أصيبلً لمحياة فييما‪،‬‬
‫كانعكاسا صادقاً لما ساد مكة المكرمة كجدة مف حياة‪.‬‬
‫‪ -1‬األحوال السياسية بمكة وجدة ‪:‬‬
‫خضعت مكة كما يتبعيا لسمطة المماليؾ منذ أف حج السمطاف الظاىر بيبرس‪ ،1‬كمنذ ذلؾ يقكـ‬
‫السمطاف المممككي بتقميد أميرىا الحكـ فقد أشار ابف شاىيف بقكلو " ذكر لي ىذا مف لفظو الكالد‪ ،‬ككاف‬
‫صاحب مكة كأميرىا السيد الشريف بركات بف حسف بف عجبلف الحسيني (‪ )2‬تكالىا بعد أف حضر ىك‬

‫‪ - 1 -‬بيبرس ‪ ،‬ىك السمطاف الظاىر بيبرس البندقدارؼ ركف الديف أبك الفتكح الصالحي النجمي ‪ ،‬كلد بأرض‬
‫القبجاؽ‪ ،‬ككاف أسمر المكف ‪ ،‬أزرؽ العينيف ‪ ،‬جيكرؼ الصكت ‪ ،‬حضر مع تجار حماه ‪ ،‬فاشتراه ايدكيف البندقدارؼ‪،‬‬
‫كلما سجف أخذه الممؾ الصالح نجـ الديف أيكب ‪ ،‬فانتسب إليو ‪ ،‬كاظير بيبرس ميارة فائقة في مكقعة المنصكرة ‪،‬‬
‫كتنقمت بو األحكاؿ إلى أف تكلى السمطنة في مصر في عاـ ‪658‬ىػ ‪1259/‬ـ‪ ،‬عني بإقامة العدؿ كترؾ الظمـ‬
‫كالغاء المككس ‪ ،‬كتكفي عاـ ‪676‬ىػ ‪1374 /‬ـ ‪ .‬بيبرس الدكادار‪ ،‬مختار األخبار ‪ ،‬تحقيق عبد الحميد صالح‬
‫حمداف ‪ ،‬الدار المصرية المبنانية ‪ ،‬القاةرة‪1413‬ىػ ‪1993 /‬ـ ‪ ،‬صػ ‪ ،12‬المقريزؼ‪ ،‬الخطط ‪ ،‬ج‪2‬صػ ‪ ،238‬ابف‬
‫عماد الحنبمي ‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪5‬صػ ‪.350‬‬
‫‪ -2‬السيد بركات‪ :‬ىك بركات بف حسف بف عجبلف بف رميثة بف أبي نمي دمحم بف أبي سعد الحسني المكي‪ ،‬كلد بالخشافة‬
‫بالقرب مف جده سنة ‪801‬ىػ‪1398/‬ـ كقيل التي بعدىا‪ ،‬كنشأ بمكة في كنف كالده كحفع القرآف‪ ،‬كلي مكة شريكا لكالده‬
‫في شعباف سنة ‪809‬ىػ‪1406/‬ـ كعمره ‪ 8‬سنكات‪ ،‬ثـ في سنة إحدػ عشرة كاف شريكا في إمرة مكة ألخيو أحمد ألف‬
‫كالدىما كلي نيابة السمطنة باألقطار الحجازية‪ ،‬كاستمر يعزؿ ثـ يكلي أكثر مف خمس مرات‪ ،‬ثـ كلي سنة تسع كعشريف‬
‫كثمانمائة بعد كفاة كالده السيد حسف كاستمر بيا إلى سنة خمس كأربعيف‪ ،‬ثـ عزؿ ككلي بدال منو أخيو السيد عمي بف‬
‫حسف‪ .‬ثـ أعيد إلى أف مات عاـ (‪859‬ق‪1454/‬مػ) كلو بمكة مآثر منيا‪ :‬تجديد بئريف بكادؼ اآلبار‪ ،‬كعمر البئر التي‬
‫بطكػ ‪ ،‬كاستأجر بمكة رباط بنت التاج كعمره عمارة‪ ،‬كأكقف منافعو عمى الفقراء‪ .‬النجـ ابف فيد‪ ،‬الدر الكميف بذيل العقد‬
‫‪12‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كأخكه إبراىيـ بف حسف بف عجبلف إلى القاىرة بطمب مف السمطة بمصر‪ ،‬كقد أخذت السمطة عمى –‬
‫الشريف‪ -‬إبراىيـ العيكد كالمكاثيق بطاعة أخيو بركات كعدـ التمرد عميو‪ )1( ،‬كىذا ما كرد عمى لساف‬
‫مؤرخي مكة إال أف ابف شاىيف يقكؿ عكس ذلؾ في تقريره " كفيو – أؼ عاـ تسع كعشريف كثمانمائة –‬
‫كصل الشريف بركات بف حسف بف عجبلف فقرر في إمرة مكة عكضاً عف أبيو بحكـ مكتو‪ ،‬كالزاـ بالقياـ‬
‫بما تأخر عمى أبيو‪ ،‬كىك مبمغ خمسة كعشريف ألفا دينار‪ ،‬كالزـ بركات بحمل عشرة آالؼ دينار في كل‬
‫سنة‪ ،‬كأف ال يتعرض لعبكر جدة المأخكذة مف التجار مف أىل اليند كغيرىـ "‪)2( .‬‬
‫كاستمر بركات عمى كالئو لمسمطة المممككية‪ ،‬كما أف تكلى السمطاف جقمق (‪ )3‬السمطة فى مصر عاـ‬
‫‪843‬ىػ‪1439 /‬ـ تقكؿ المصادر المكية إف السمطاف جقمق طمب مف بركات الحضكر إلي مصر (‪ )4‬إال‬
‫أف ابف شاىيف بصفتو معاصر لؤلحدث ذكر " كفيو – ربيع األخر‪ -‬في يكـ السبت سادس عشرينو ‪ ،‬كرد‬
‫الخبر مف مكة المشرفة ‪ ،‬مف السيد الشريف بركات صاحب مكة جكاباً عمى السمطاف بأنو تجيز لمحضكر‬
‫إلى حضرة السمطاف ‪ ....‬كلما رحل ىك مف الكداع بالمسجد الحراـ تعمق أىل مكة بو كمنعكه مف السفر‪،‬‬
‫كأف إذا سار فسدت األحكاؿ إلى حيف رجكعو "(‪)5‬‬
‫مف ذلؾ نجد عند تكجو أؼ أمير أك شريف لمقابمة السمطاف البد مف أداء صبلة بالمسجد الحراـ‪ ،‬كما‬
‫أف أىل مكة كىـ التجار كالمجاكريف طمبكا مف بركات عدـ مغادرة مكة‪ ،‬ألنيـ ال يؤمنكف عمى أنفسيـ‬
‫كأمكاليـ إذا غادر‪ ،‬كترجكه في البقاء كأف يرسل إلى السمطاف المممككي باألمر‪ ،‬لذلؾ طمب الشريف بركات‬

‫الثميف في تاريخ البمد األميف‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الممؾ بف دىيش‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار خضر لمطباعة‪1421 ،‬ىػ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪-647‬‬
‫‪ .653‬أبف شاىيف الحنفي‪ ،‬الركض الباسـ فى حكادث العمر كالتراجـ‪ ،‬جػ‪ 1‬صػ ‪.157‬‬
‫‪ -1‬العز عبد العزيز بف فيد‪ ،‬غاية المراـ بأخبار سمطنة البمد الحراـ‪ ،‬تحقيق‪ :‬فييـ شمتكت‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬جامعة أـ القرػ‪،‬‬
‫‪1409‬ىػ ‪1988/‬ـ‪ ،‬جػ ‪ 2‬ص ‪ ،471‬ابف فيد ‪ ،‬الدر الكميف‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬صػ ‪592‬‬
‫‪ -2‬ابف شاىيف‪ ،‬نبيل األمل فى ذيل الدكؿ ‪ ،‬تحقيق عمر عبد السبلـ ‪ ،‬تدمرؼ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬صيدا ‪ ،‬المكتبة العصرية ‪،‬‬
‫‪ 1422‬ىػ ‪2002 /‬ـ‪،‬ج‪ 4‬ص‪.200‬‬
‫‪ -3‬السمطاف جقمق‪ ،‬ىك الممؾ الظاىر أبك سعيد جقمق الشركسي العبلئي‪ ،‬تدرج في المناصب فى الدكلة المممككية حتى‬
‫أصبح أتابؾ الدكلة في عيد السمطاف برسباؼ ‪ ،‬ككصى عمى ابنو العزيز ‪ ،‬تكلى السمطنة بعد خمعو لمعزيز عاـ ‪842‬‬
‫ىػ ‪1438 /‬ـ كاف ممكاً عادالً كثير العبادة‪ ،‬عفيفاً متكاضعا يحترـ العمـ كأىمو‪ ،‬حكـ مدة خمسة عشر عاماً‪ ،‬تكفى عاـ‬
‫‪ 857‬ىػ‪1453/‬ـ‪ ،‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع‪ ،‬جػ ‪ ،3‬ص ‪ ،71‬ابف العماد الحنبمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬جػ ‪ ،7‬ص ‪.290‬‬
‫‪ -4‬النجـ عمر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬جػ ‪ ،4‬ص ‪ ،142‬ابف فيد‪ ،‬غاية المراـ ‪ ،‬جػ ‪ ،2‬ص ‪.415‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬صػ ‪.181‬‬
‫‪13‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مف األمير سكدكف (‪ )1‬أف يراسل السمطاف بإعفائو مف الحضكر كذلؾ لخكؼ الفتف لقمة األمف‪ ،‬مف أخكيو‬
‫إبراىيـ كأبى القاسـ أف يياجما مكة في غيابو‪ ،‬فكافق السمطاف بعد أف عيد بركات بمبمغ عشرة آالؼ دينار‬
‫لمدكلة كتجيز لو إذا حضرت خمعة مف السمطاف‪)2( .‬‬
‫كما أف حضر المحمل كأميره تمرباػ التمرُبغاكػ (‪ )3‬كقرػ منشكر السمطاف حسب ركاية ابف شاىيف‬
‫" كفيو كصل –ممبس‪ -‬مف فرك صاحب مكة كفمفل بعشرة آالؼ دينار" (‪ )4‬كىذا المبمغ الذػ كاف مطمكب‬
‫مف الشريف بركات فأرسل بقيمتو فمفل لذلؾ كصف ابف شاىيف حاؿ مكة بقكلو‪ ":‬ككصف مكة باألمف‪،‬‬
‫اليمف‪ ،‬ككثير الرخاء"(‪ )5‬كأرسل إلى مصر ‪.‬‬ ‫ك ُ‬
‫كنظ ار لقصر الفترة الزمنية لمرحمة فنجد ذكر أحداث مكة قميمة‪ ،‬منيا خركج عمي بف بركات لممطالبة‬
‫ِبأمرة مكة عكضاً عف أخيو كلمخمط الذؼ أثير مف قصد مجيئ عمي بف بركات إلي القاىرة فيقكؿ ابف‬
‫شاىيف‪ ":‬ثـ تحققنا أنو جاء بيذا القصد"(‪ )6‬أنو قدـ لمصر كرحب بو كنزؿ بمكاف أعد لو ‪ ،‬ثـ صعد إلي‬
‫القمعة كأجتمع بالسمطاف كلـ يذكر ما جرؼ بينيما مف حديث لذلؾ يقكؿ ابف شاىيف ‪ ":‬في أثناء ذلؾ أمكر‬
‫يطكؿ الشرح في ذكرىا"(‪ )7‬إال انو يبكح بعد ذلؾ عف سبب مجيئو عندما عمـ عمي بقدكـ قاصد مف مكة‬
‫مف قبل أخيو دمحم بف بركات بطمبو إمارة مكة بدال عف أخيو عمي‪ ،‬كسبب كرفض السمطاف ذلؾ مكافقة دمحم‬
‫بف بركات عمي مطالبو كىي حسب كركدىا عند ابف شاىيف كىي" أف يحمل دمحم المذككر ستيف ألف دينار‬
‫‪ ،‬يعجل منيا البعض‪ ،‬كيقكـ بما بقي بعد مدة ذكرىا‪ ،‬كأجيب إلي ذلؾ كبعث إليو باستم ارره عمى إمارتو‬
‫عمى ما كاف عميو‪ ،‬كأخرج عمياً مع قاصده‪ ،‬ليككف الصمح بينيما ىناؾ مع الكصية التامة مف السمطاف‬
‫مظير الرضا ظاى اًر "(‪ )8‬إال أف األمكر‬
‫اً‬ ‫عمى عمي المذككر‪ ،‬فخرج مع الحاج كىك في غاية الرعب باطناً‪،‬‬
‫األمكر لـ تيدا بل أخذ عمي يثير القبلقل ألخيو دمحم‪.‬‬

‫‪ -1‬سكدكف‪ ،‬ىك األمير سكدكف الدمحمؼ أرسمو السمطاف شاداً لمعمائر بمكة المكرمة كناظر لمحرـ الشريف ‪ ،‬أقاـ بمكة‬
‫المكرمة أكثر مف سنتيف‪ ،‬ثـ عاد إلى القاىرة ‪ ،‬كعيف نائبا بقمعة دمشق كتكفى بيا عاـ ‪ 848‬ىػ ‪ 1444 /‬ـ‪ .‬السخاكػ ‪،‬‬
‫الضكء البلمع ‪ ،‬جػ ‪ ،3‬ص ‪. 285‬‬
‫‪ -2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬صػ ‪. 181‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪.185‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪. 185‬‬
‫‪ - 5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ،1‬ص‪.299‬‬
‫‪ - 6‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ،3‬ص‪.390‬‬
‫‪ - 7‬نفس المؤلف‪ ،‬كالمصدر‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.390‬‬
‫‪ - 8‬نفس المؤلف‪ ،‬كالمصدر‪ ،‬كالجزء كالصفحة‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ككاف لمكقف بركات مف عدـ الخركج مف مكة كما ذكرنا سابقا أثر عمى كاليتو إذ تخكؼ بركات مف‬
‫أخيو عمي كركب الحج المصرؼ‪ ،‬كلـ يجتمع بأمراء الحج في منزلو بعد كصكؿ المحمل بمفرده خكفا مف‬
‫القبض عميو‪ ،‬حيث أشيع أف السمطاف جقمق قد أمر أتباعو حيث كانكا مرافقيف لو بما يشكل حرساً كثيفاً‬
‫أثناء تكاجد ركب الحاج بمكة‪ ،‬كلـ يشارؾ الحجاج في الكقكؼ بعرفة بل اعتزؿ المكقف‪)1( .‬‬
‫بيذا العمل أثار بركات حفيظة السمطاف المممككي جقمق‪ ،‬فقاـ في بداية عاـ ‪ 845‬ىػ‪1441/‬ـ بعزلو‬
‫كتعيف أخيو عمي الذػ كاف متكاجداً في مصر أمير بدالً منو ‪ ،‬كخرج بركات بأتباعو إلى جية جنكب‬
‫مكة‪)2( .‬‬
‫إال أنو لـ ييدأ لو باؿ عمى ذلؾ ألنو يرػ أنو أحق باإلمارة مف أخيو يقكؿ ابف شاىيف‪ " :‬كفييا في‬
‫يكـ االثنيف ثاني صفر‪ ،‬كصل بركات بف حسف بف عجبلف صاحب مكة كاف إلى جدة فاستكلى عمييا‪،‬‬
‫كبمغ الخبر عمى المتكلي بمكة فخرج إليو بجدة كبالترؾ الذيف بمكة كمعيـ سكدكف الدمحمؼ (‪ ، )3‬فالتقيا‬
‫ككقع بينيما حرب ُكسر فيو السيد بركات ‪ ...‬كتكجو بركات لعدف " (‪)4‬‬
‫لـ يستمر الكفاؽ بيف الشريف عمي بف عجبلف كالسمطة السياسية في مصر‪ ،‬فقد تغير خاطر السمطاف‬
‫المممككي الظاىر جقمق عميو فقرر عزلو عف اإلمارة كتعيف أخيو أبى القاسـ بدال منو ‪ ،‬كلـ يرد ذكر عف‬
‫سبب العزؿ عند ابف شاىيف ‪ ،‬كلكف نجد ذلؾ عند ابف فيد يقكؿ ‪ " :‬بعد صبلة الجمعة دار األمير تنـ‬

‫‪ -1‬ابف فيد‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬جػ ‪ ، 4‬ص ‪ ،163‬ابف فيد ‪ ،‬غاية المراـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪. 421‬‬
‫‪ -2‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪ ، 170‬ابف فيد ‪،‬غاية المراـ ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 488‬ابف تغرؼ بردؼ‪ ،‬النجكـ‬
‫الزاىرة في ممكؾ مصر كالقاىرة تحقيق‪ :‬جماؿ الديف الشياؿ‪ ،‬فييـ دمحم شمتكت‪ ،‬القاىرة‪1392 ،‬ىػ‪1972/‬ـ ‪،‬جػ ‪ ، 15‬ص‬
‫‪.349‬‬
‫‪ -3‬بمراجعة ابف شاىيف فى نيل األمل فى ذيل الدكؿ‪،‬تحقيق عمر عبد السبلـ تدمرؼ‪،‬المكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا بيركت‪،‬‬
‫‪1422‬ىػ‪2002/‬ـ‪ ،‬كجد إف الذػ خرج معو عمى األمير يشبؾ الصكفي ‪ ...‬كبمراجعة المصادر العربية األخرػ‬
‫المعاصرة لمحدث مثل ابف تغرػ بردػ فى النجكـ الزاىرة‪ ،‬جػ ‪ ،15‬ص ‪ ، 349‬كجداف الذػ خرج مع عمى األمير يشبؾ‬
‫الصكفي كليس سكدكف الدمحمؼ كما كرد فى الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.273‬‬
‫العد‪ ،‬تقع جنكب شرقي جدة‪،‬‬‫‪ -4‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ،273‬كما أكدت المصادر تكجو بركات إلى قرية ُ‬
‫العد‪ ،‬يسيل مف جباؿ ىي آخر السمسمة المارة جنكب بحرة كحداة‪ .‬عبد العزيز بف‬ ‫ِ‬
‫كىي ثبلث أبار في كاد يدعى كادؼ ُ‬
‫فيد‪ ،‬بمكغ القرػ في ذيل إتحاؼ الكرػ بأخبار أـ القرػ ‪ ،‬تحقيق صبلح الديف خميل إبراىيـ ‪ ،‬عبد الرحمف بف حسيف أبك‬
‫الخيكر‪ ،‬عمياف بف عبد العالي المجميدػ‪ ،‬دار القاىرة‪ ،‬القاىرة ‪2005 / 1425‬ـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪-1167‬‬
‫‪،1168‬السخاكؼ‪،‬التبر المسبكؾ في ذيل السمكؾ‪ ،‬تحقيق‪ ،‬لبيبة إبراىيـ مصطفى‪ ،‬نجكػ مصطفي كامل‪ ،‬مراجعة سعيد‬
‫عبد الفتاح عاشكر‪ ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاىرة ‪1424‬ىػ‪2002/‬ـ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.109 -108‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪ )1‬في المسجد ‪ ،‬كرأػ ما كاف فيو مف خراب ‪ ،‬ككتب بذلؾ محض اًر ‪ ،‬فمما كاف يكـ االثنيف عشرؼ‬
‫شعباف عقد األمير تنـ مجمساً بالقضاة كاألئمة كاألعياف‪ ،‬ألجل الدكة التي جعميا األمير سكدكف الدمحمؼ‬
‫في ( أحد بابي البغمة (‪ )2‬بالمسجد الحراـ ) كأمر األمير تنـ بخراب الدكة ‪ ،‬فعارض فى ذلؾ السيد عمي‬
‫بف حسف ‪ ،‬فانفض المجمس مف غير فصل " (‪ )3‬كلـ يستمر الكفاؽ بيف عمي بف حسف بف عجبلف‬
‫كالسمطة السياسية في مصر‪ ،‬فقد تغير السمطاف المممككي الظاىر جقمق عميو مف كثرة مخالفتو األكامر‪،‬‬
‫فقرر عزلو مما جعل عمي يفقد السيطرة عمى كالية مكة فأضطره لميركب إلي مصر يقكؿ ابف شاىيف‪":‬‬
‫ففر منو إلي القاىرة مف عمي جية القصير(‪ )4‬في البحر(‪ ،")5‬كتعيف أبى القاسـ بف حسف بدالً منو ‪،‬‬
‫فقاـ بالنيابة عنو ابنو زاىر حتى قدـ كالده أبك القاسـ إلى مكة في ‪ 27‬مف ذؼ العقدة عاـ ‪ 846‬ىػ ‪/‬‬
‫‪ 1442‬ـ فتـ تقميده منصبو في المسجد الحراـ‪ )6( .‬كيقكؿ ابف شاىيف " كشرط عميو أف يبطل‪ ،‬ككتب‬
‫عميو بذلؾ" (‪)7‬‬
‫كلـ يفسر ما معنى يبطل أؼ شيء كبالبحث يقكؿ السخاكػ " كشرط عميو أف يبطل النزلة ‪،‬كىى عادة‬
‫أكابرىـ أف تستجير بيـ العرب‪ ،‬كيسمكنو نزيبل كغمب عمييـ ذلؾ حتى صار مف عميو حق يستنزؿ‬
‫ببعضيـ فبل يتمكف صاحب الحق مف مطالبتو‪ ،‬ككثر الببلء بذلؾ كاإلفراط‪ ،‬فيو فكقع ذلؾ لمسمطاف فشرط‬
‫عمى أبى القاسـ ىذا أف يبطل ذلؾ جممة كيعاقب مف فعمو ككتب عميو بذلؾ التزاـ كحكـ عميو بو كعد ذلؾ‬

‫‪ - 1‬تنـ الرصاص‪ ،‬تنـ الرصاص‪ ،‬أحد خاصكية أستاذه بخشاش الشركسي‪ ،‬ترقي بعد كفاة سيده إلى أف كصل إلى كالي‬
‫الحسبة بالرشكة في آخر أياـ األشراؼ إيناؿ‪ ،‬كفي أكائل سمطنة الظاىر خشقدـ تكلى إمرة طبمخاناه كاستمر حتى قتل بيد‬
‫بعض بحارة الجبلب‪-‬مركب صغير‪ -‬عاـ ‪867‬ىػ ‪1462 /‬ـ ‪ ،‬كلـ يستكمل عمره ‪ 40‬سنة ككاف شجاعاً متجمل شديد‬
‫القسكة ‪ .‬لممزيد انظر السخاكؼ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 44- 43‬‬
‫‪ -2‬باب البغمة ‪ ،‬كيسمى باب سفياف ‪ ،‬كىك أحد أبكاب المسجد الحراـ مف الجية الجنكبية ‪ ،‬كقاؿ الفاسي ‪ ،‬كلـ أر سبب‬
‫ىذه التسمية ‪ ،‬األزرقي‪ ،‬أخبار مكة كما جاء فييا مف اآلثار‪ ،‬تحقيق‪ ،‬رشدؼ الصالح ممحس‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار الثقافة‬
‫لمطباعة‪1421،‬ىػ‪2001/‬ـ‪ ، ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ ، 89‬الفاسي ‪ ،‬شفاء الغراـ بأخبار البمد الحراـ‪ ،‬حققو ككضع فيارسو عمر‬
‫عبد السبلـ تدمرؼ‪ ،‬دار الكتاب العربي بيركت لبناف ‪1405‬ىػ‪1985/‬ـ‪ .‬ج‪ ،1‬ص ‪.283‬‬
‫‪ -3‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬جػ ‪ ، 4‬ص ‪. 184‬‬
‫‪ -4‬القصير‪ ،‬مكضع قرب مدينة عذاب بينو كبيف قكص قصبة الصعيد خمسة أياـ كبينو كبيف عذاب ثمانية أياـ كفيو مرفئ‬
‫سفف اليمف ‪ .‬ياقكت الحمكؼ ‪ ،‬معجـ البمداف ‪ ،‬دار صادر بيركت ‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪. 367‬‬
‫‪ - 5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص‪.391‬‬
‫‪ -6‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪.166‬‬
‫‪ -7‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪.166‬‬
‫‪16‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مف حسنات السمطاف " (‪ )1‬إال أف الشريف زاىر رفض تسميـ الحكـ لكالده مما أكقع الحرب بينيما‪،‬‬
‫كاستعاف أبى القاسـ بأخيو بركات كأتباعو في مقاكمة تمرد كلده زاىر عاـ ‪ 847‬ىػ ‪1443 /‬ـ‪ )2( .‬مما‬
‫يدؿ عمى أف بركات كاف يمتمؾ قكة عسكرية قكية ‪ ،‬كالى جانب السمطة السياسة بمصر كعامة مكة‬
‫يرفضكف الشريف زاىر‪ ،‬مما جعل األنظار تتجو إلى الشريف بركات‪ ،‬كلذلؾ قاـ أبك القاسـ بإبعاد بركات‬
‫عمى السمطة‪ ،‬كما م نعو مف مياجمة القبائل المحيطة بمكة كالتي تعتبر في حماية أبى القاسـ ‪ ،‬كطمب‬
‫منو أف يدفع لو مبمغ عشرة آالؼ دينار‪ ،‬لذلؾ لـ يياجـ بركات أحد منذ أف عقد ىذا الصمح(‪.)3‬‬
‫كفى مطمع عاـ‪ 850‬ىػ‪ 446 /‬ـ أرسمت السمطة السياسية بمصر بطمب لبركات بأف يحضر إلى‬
‫القاىرة ‪ ،‬ف اعتذر بركات كأرسل كلده دمحم‪ ،‬كعندما كصل دمحم محمل باليدايا يقكؿ ابف شاىيف‪ " :‬ككاف قد‬
‫حضر لتقرير األماف لكالده‪ ،‬فكرر السمطاف ذلؾ ألنو كاف بعث إليو بو ‪ ...‬كتكجو الكلد ألبيو‪ ،‬في سمخ‬
‫ىذا الشير ليبمغو ذلؾ عند السمطاف" (‪ )4‬ككاف سبب عزؿ أبى القاسـ كما يقكؿ ابف فيد " أحدث بمكة‬
‫مككس " (‪ )5‬كىذا ما لـ يذكره ابف شاىيف كأخركف‪ ،‬كتأخر أبي القاسـ في دفع المبمغ الذػ كاف يدفعو إلى‬
‫إلى بركات‪ ،‬إضافة إلى ما كاف يرسمو إلى السمطة المممككية بمصر‪ .‬كعدـ إلغاء المككس كما كانت قكة‬
‫بركات كقكتو التي جعمت آبا القاسـ لـ يستطع الحد منيا كاستمر الشريف بركات أمير مكة إلى عاـ ‪859‬‬
‫ىػ ‪ 1454 /‬ـ كلـ تقـ أؼ مقاكمة لو حتي تكفى كتكلى كلده دمحم بف بركات بأمر مف السمطاف المممككي‬
‫‪.)6(...‬‬
‫كركز ابف شاىيف اىتمامو الكبير بما يجرػ بمكة مف أحداث حيث رصد الكائنة التي ألمت بشياب‬
‫القدسي(‪ )7‬عندما اتيمو شيكخ المالكية كالشافعية ‪ ،‬بحضكر جمع كثير مف النساء كالعامة مجمسو (‪، )8‬‬
‫فمنعو شيخ المالكية مف الكبلـ‪ ،‬ككتبت الكائنة بخط القاضي الحنفي كقاؿ في حقو " كىك مف الفضبلء‬
‫األذكياء‪ ،‬كانتفع بو الناس كاشتغل عميو الطمبة‪ ،‬ككتب عمى الفتكػ‪ ،‬ككعع بالمسجد‪ ،‬فاجتمع عميو العكاـ‪،‬‬

‫‪ -1‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 166‬السخاكػ ‪ ،‬التبر المسبكؾ فى ذيل السمكؾ ‪ ،‬ص ‪. 46‬‬
‫‪ -2‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪ ، 207‬العز عبدالعزيز‪ ،‬غاية المراـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪424‬‬
‫‪3‬ابف فيد ‪ ،‬الدرر الكميف‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ،1332‬العز عبدالعزيز‪ ،‬غاية المراـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪150‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ، 370‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.120‬‬
‫‪ -5‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.254‬‬
‫‪ -6‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪ ، 448‬لـ أعثر عمى ىذا التعييف فى الركض الباسـ نتيجة فقداف أكراؽ عدة مف‬
‫ىذا الكتاب‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬شياب القدسي‪،‬‬
‫‪ -8‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪.214‬‬
‫‪17‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كبعض الخكاص‪ ،‬كاستمر في العاـ الماضي‪ ،‬إلى أف تحامل عميو بعض الفقياء بمكة‪ ،‬فعممكا عميو‬
‫محض ار كنسبكه إلى أمكر‪ ،‬كشيد عميو بيا بعض‪ ،‬كىك منكر ذلؾ‪ ،‬كمحصل ما أثبتكه عميو أشياء أتاىا‬
‫تكجب التعزيز كأعبلىا الكفر ‪ ...‬ثـ أمر القاضي المالكي بحبسو (‪ )1‬فحبس ليمة الجمعة كيكـ الجمعة‪،‬‬
‫فعقد لو الشريف بركات مجمساً كشكا لمشريف ما جرػ لو إال أف القاضي المالكي كالقاضي الشافعي إىانة‬
‫بقكلو يا شيخ نحس‪ ،‬كأمر يكشف رأسو كتعزيزه‪ ،‬كمنعو مف الجمكس عمى الكرسي بالمسجد الحراـ كأنفض‬
‫المجمس عمى ذلؾ‪ ،‬كيكاصل ابف شاىيف بقكلو‪ " :‬كلكال أف الشريف – بركات – لطف بقضيتو لكاف األمر‬
‫اشد مف ذلؾ " (‪ )2‬كلكف األمر لـ ينتو عمى ذلؾ بل تكجو الشياب المقدسي إلى القاىرة إلنياء كضعو‬
‫عند السمطاف‪ ،‬إال أنو استجد في األمر شيء أخر كىك ما يذكره ابف شاىيف يقكؿ " كاف قد سبقو صاحب‬
‫مكة عمى بف حسف بف عجبلف‪ ،‬فنقل عنو أف الشريف تعصب لو لككنو كاف يذكر لو أف عميا رضي هلل‬
‫عنو مقدـ عمى أبى بكر‪ ،‬كانو لما قدـ عمى بف حسف أمي اًر عمى مكة اجتمع بو ‪ ...‬حجبو كقاؿ لو‪ ":‬أنا‬
‫رجل سني كأبك البركات زيدؼ‪ ،‬كأنيى ما اتفق لو إلى السمطاف " (‪ )3‬كيكاصل ابف شاىيف أحداث الكائنة‬
‫فيقكؿ‪ ":‬كأحضر – عمى بف حسف – المحضر الذػ كتبو المالكي كالشافعي فيو‪ ،‬فتغيع السمطاف منو عمى‬
‫ما بمغني‪ ،‬فمما كاف يكـ الجمعة استثار المذككر بعض خكاص السمطاف‪ ،‬فأشار عميو أف ال يحدث أم اًر‬
‫ألف السمطاف في أكؿ كل قضية يككف مغمكر الفكر بما ُيمقى إليو ابتداء إلى أف ينجمي األمر‪ ،‬فسكت‬
‫عمى مضض " (‪ )4‬كلـ ينتو األمر عمى ذلؾ بل يمخص ابف شاىيف حياة الشياب القدسي الكاعع فيقكؿ "‬
‫ككاف داىية مف دكاىي الدىر كلو ثركة كماؿ كثير" (‪ )5‬كىنا يظير مكقف ابف شاىيف مف الشياب‬
‫المقدسي‪ .‬عكس ابف حجر لـ يرد عنو ذكر غير الكائنة فقط‪.‬‬
‫‪-2‬الحياة االجتماعية‪:‬‬
‫شيد العصر المممككي نشاطاً كبي اًر لحركة المجاكرة في مكة‪ ،‬إذ قدـ إلييا كثير مف مختمف األقطار‬
‫اإلسبلمي مككنة بذلؾ شريحة بارزة في مجتمع مكة المكرمة مف ىؤالء عمر اليمني(‪ )6‬المكي نزيل مكة‬

‫‪ -1‬ابف حجر ‪ ،‬أنباء الغمر بأنباء العمر ‪ ،‬تحقيق حسف حبشي ‪ ،‬المجمس األعمى لمشؤكف اإلسبلمية القاىرة ‪ 1432‬ىػ‪/‬‬
‫‪2011‬ـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 4‬ص ‪.183 – 182‬‬
‫‪ -2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 214‬ابف حجر ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 183‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 215‬ابف حجر ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬جػ ‪ ، 4‬ص ‪.183‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 1‬ص ‪ ، 215‬ج‪ ، 3‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬جػ ‪ ، 5‬صػ ‪. 149‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 3‬ص ‪. 151‬‬
‫‪ - 6‬عمر اليمني‪ ،‬نزيل مكة كيعرؼ بالمسمي شيخ صاغمح عابد زاىد ككاف يغتسل لكل صبلة ‪ ،‬مات بمكة في ربيع األكؿ‬
‫األكؿ سنة ‪ 885‬ىػ كدفف بمقابر بابا شبيكة ‪ .‬السخاكؼ الضكء‪ ،‬ج‪ 6‬ص‪ 146‬رقـ ‪.456‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كثير العبادة كالمداكمة عمييا‪ ،‬كلو شيرة بمكة‪ ،‬ككاف لمناس فيو االعتقاد الحسف لكثرة تعبده(‪ ، )1‬كما كاف‬
‫البف شاىيف الدكر الفعاؿ في تصحيح كفيات الكثير مف مجاكرؼ مكة مثل عبد الرحيـ بف إبراىيـ بف دمحم‬
‫‪ ...‬الخمي األميكلي المكي الشافعي كعف ذلؾ يقكؿ ابف شاىيف‪ ":‬ككىـ أك سيا مف قاؿ إنو كلد في سنة‬
‫ثماف كتسعيف‪ ،‬فإف الحافع ابف حجر رحمو هلل‪ ،‬ذكر كفاة أبيو في سنة تسعيف‪ ،‬فمف المحاؿ أف يككف ُكلد‬
‫لو كلد بعد ذلؾ بثماف سنيف"(‪ )2‬كأيضا دمحم بف سعيد المصمكدؼ(‪ )3‬البدر الصالح تعرفنا بو ‪ ،‬ككنا بعد‬
‫ذلؾ في السفر نتأنس‪ ،‬كسمعنا الكثير مف فكائده‪ ،‬حج لما قدـ القاىرة مف عامو ىذا ‪870‬ىػ‪ ،‬كجاكر بمكة‬
‫كىك بيا إلي يكمنا ىذا‪ )4(.‬كممف رفض المجاكريف المنصكر عثماف استاذ السمطاف‪-‬الممؾ األشرؼ‬
‫قايتباؼ المحمكدؼ(‪ -)5‬كعف ىذا الرفض يقكؿ ابف شاىيف‪ ":‬ثـ بعث إليو السمطاف في شير رمضاف عاـ‬
‫‪ 873‬ىػ يخبره ‪ ،‬بيف المجاكرة بمكة المشرفة ‪ ،‬كبيف العكدة إلى محل سكنو بثغر االسكندرية فأعاد الجكاب‬
‫بأنو اختار الحج كالع كدة إلى الثغر‪ ،‬كاعتل عف المجاكرة باف ابى حنيفة رضي هلل عنو كرىيا‪ ،‬كىك كما‬
‫قاؿ فانو مذىب ابي حنيفة رضي هلل عنو ‪ ،‬كخالفو فيو صاحباه ‪ ،‬كىك يقكؿ اف في المجاكرة بيا إخبلؿ‬
‫بتعظيميا ‪ ،‬اذا االنساف غير معصكـ‪ ،‬فذا صدر منو ذنب تضاعف‪ ،‬اذا ىذا مف خكاصيا‪ ،‬أك ربما سأـ‬
‫مف االقامة بمكة‪ ،‬فيسأـ البيت‪ ،‬فينقمب التعظيـ إلى ضده‪ ،‬فأكرد عميو كالكاثق مف نفسو عدـ ذلؾ‪ ،‬فأجاب‬
‫بانو ال كراىة في حق ذلؾ‪ ،‬كالمسألة مشيكرة بكتب الفقو"‪ )6(.‬كرغـ اختبلؼ الفقياء في حكـ المجاكرة بيف‬

‫‪ - 1‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 2‬ص ‪.125‬‬


‫‪ - 2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ ‪ ، 2‬ص ‪.277‬‬
‫‪-3‬المصمكدؼ‪ :‬دمحم ابف سعيد المغربي الضرير‪ ،‬كاف مقيما برباط خكزؼ‪ ،‬مشتمبلً عمى فضائل مف فقو كنحك كصرؼ‬
‫كغيرىا كابنو اعرض عف الدنيا كتكجو الى هلل تعالى متجرداً‪ ،‬مات كقد قارب الثمانيف‪ .‬السخاكؼ‪ ،‬ج‪7 ،‬ص ‪ ،253‬رقـ‬
‫‪.636‬‬
‫‪ - 4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ‪ 3‬ص‪.203‬‬
‫‪ - 5‬األشرفي قايتباؼ أصمو لدكلة باؼ المحجكب‪ ،‬فقدمو حيف كاف غائباً بممطية لمدكادار يشبؾ‪ ،‬فقدمو بدكره لؤلشرؼ‬
‫كعينو خاصكياً ثـ دكا دار صغي اًر‪ ،‬كترقى في ربيع األكؿ عاـ‪893‬ىػ‪1487/‬ـ فصار عمى إمرة الحجاج بركب‬ ‫فأعتقو ّ‬
‫المحمل ‪،‬كلما عاد أعطاه إمرة أربعيف‪ ،‬كالبسو إمرة الحج ثانياً‪ ،‬فمـ تتـ بل سافر مع المجرديف إلى حمب‪ ،‬ثـ عينو رسكالً إلى‬
‫ابف عثماف في رمضاف عاـ ‪896‬ىػ‪1490/‬ـ‪ ،‬كاستمر إلى أف رقي مقدـ ألف‪ ،‬ثـ نائب حمب‪ ،‬ثـ أتابؾ العساكر بمصر‬
‫عاـ ‪904‬ىػ‪1498/‬ـ‪ ،‬حت ى بكيع بالسمطنة بعد أف خمع عميو األمراء ‪ ،‬كقبض عميو ثـ أرسل إلى سجف اإلسكندرية عاـ‬
‫‪906‬ىػ‪1500/‬ـ كقتل مخنكقاً‪ .‬انظر السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪3‬صػ‪62‬ػ ‪ ،63‬ابف إياس‪ ،‬بدائع الزىكر‪ ،‬ج‪3‬صػ‪،248‬‬
‫‪.438 ،363‬‬
‫‪ - 6‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬جػ‪ 3‬ص‪.48-38‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بيف مؤيد كمعارض إال أف الرغبة في المجاكرة كانت قكية عند المسمميف ألنيا كانت مف األعماؿ الصالحة‬
‫المقربة إلي هلل تعالي‪.‬‬
‫‪-3‬الكوارث البيئية بمكة‪:‬‬
‫تعددت الككارث بمكة كبدأ ابف شاىيف يذكر العديد منيا باقتضاب كإلتماـ كمعرفة ما يجرؼ بيا مف‬
‫ككارث كاف البد مف االستعانة بالمصادر المعاصرة حتي يكتمل المشيد‪.‬‬
‫نظ ار لككف مناخ مكة ضمف مناخ المناطق الصحراكية الذػ يتسـ بتساقط األمطار المتذبذبة‪ ،‬بمعنى‬
‫أنيا تارة تتساقط بكميات قميمة‪ ،‬كتارة أخرػ تيطل بكميات غزيرة تصل إلى درجة السيكؿ الجارفة‬
‫كالميمكة‪ )1( .‬كعف ذلؾ يقكؿ ابف شاىيف " كفيو ‪ 867‬ىػ‪1462/‬ـ كصل الخبر مف مكة المشرفة بحدكث‬
‫سيل بيا ميكال كصل إلى قريب قفل باب الكعبة ‪ ،‬كأغرؽ مقاـ الخميل ‪ ...‬حتى عمو الماء بأجمعو كأنو‬
‫مات مف السيل ‪ ...‬كىدـ الديار ما يزيد عمى المائتي دار‪ ،‬كيقاؿ خمسمائة " (‪. )2‬كلـ يشر ابف شاىيف‬
‫عف أثر ىذه الككارث عمي المجتمع المكي لذلؾ رجعنا إلي المصادر المكية المعاصرة لمحدث الستكماؿ‬
‫المشيد‪.‬‬
‫فيقكؿ ابف فيد شاىد العياف‪ " :‬في ضحى يكـ األربعاء ثامف عشر ربيع األخر ‪ 867‬ىػ ‪1426 /‬ـ‬
‫كمع مطر قكػ‪ ،‬ثـ في أثناه جاء سيل كادؼ إبراىيـ(‪ )3‬فدخل المسجد الحراـ مف جميع أبكابو الشرقية‬
‫كاليمانية‪ ،‬كمؤل المسجد الحراـ باألكساخ كدخل الكعبة الشريفة مف النخش الذػ تحت الباب كعبل الماء‬
‫عمى عتبة باب الكعبة الشريفة قدر ذراع كنصف كسدس بذراع الحديد(‪ ،)4‬كغطى األخشاب التي تعمق بيا‬

‫‪ -1‬عسيرؼ زيارة مكسى ج ابر آؿ جميل ‪ ،‬الككارث فى الحجاز خبلؿ القرنيف الثاني عشر كالثالث عشر البحرييف ‪ /‬الثامف‬
‫عشر كالتاسع عشر الميبلدييف‪ ،‬جامعة الممؾ عبد العزيز‪ ،‬كمية اآلداب ‪ ،‬رسالة غير منشكرة ‪ 1433‬ىػ‪ 2011 /‬ـ‪ ،‬ص‬
‫‪.70‬‬
‫‪ -2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ج‪ 2‬ص ‪218‬‬
‫‪ - 3‬كادؼ إبراىيـ ‪ :‬ىك كادؼ مكة المكرمة يأخذ مياىو مف جبل الطارقي كحراء ثـ يدفع غرباً ما اًر بيف الحجكف كالخنادـ ثـ‬
‫بالمسجد ثـ بالمسفمة ‪ ،‬كيصب في كادؼ عرنو مف الشماؿ جنكب الحديبية ‪ ،‬عميو عمراف مكة ‪ ،‬كفيو قرابة عشريف حياً‬
‫مف احيائيا ‪ ،‬كتصب عمييا اكدية كشعاب تجعل سيمو عريماً كثي اًر ما دخل المسجد الحراـ كخربو كقتل بو أناساً ‪ .‬عاتق‬
‫الببلدؼ ‪ ،‬معجـ معالـ الحجاز دار مكة لمنشر كالتكزيع ‪1431‬ىػ ‪2010 /‬ـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 37‬‬
‫‪ -4‬ذراع الحديد‪ ،‬ىك الذراع الياشمي كحدة القياس الشرعية لقياس المساحات‪ ،‬كسمي الياشمي لكقكعو غي خبلفة بني‬
‫العباس‪ ،‬كطكلو ‪ 32‬أصبع أك ‪7،57‬سـ ‪ .‬زيف العابديف شمس الديف نجـ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.277‬‬
‫‪20‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بيا القناديل بالمطاؼ‪ ،‬كبمغ الماء إلى أف خرج مف باب العمرة (‪...)1‬كىدمت األمطار كالسيكؿ عدة مف‬
‫دكر مكة المشرفة بالمعبلة كسكؽ الميل(‪)3(.")2‬‬
‫كنبلحع مف خبلؿ عرضنا ليذه الكائنة اىتماـ ابف شاىيف بما ىدـ مف منازؿ‪ ،‬كنستكمل صكرة ىذه‬
‫الكائنة مف شيكد عياف مكة مثل ابف فيد فيصف ما جرػ مف خراب لممسجد الحراـ ‪ ،‬كلـ يذكركا ما جرػ‬
‫مف إصبلحات كازالة األكساخ‪ ،‬كيصنف ىذا السيل مف السيكؿ المدمرة كالتي تسببت خسائر عديدة في‬
‫األركاح‪ ،‬كسقكط بعض الدكر‪ ،‬كتمف بعض الممتمكات‪.‬‬
‫كلـ يمر عاـ أك أكثر إال كيضرب مكة سيل مثمما جرػ عاـ ‪887‬ىػ‪1482 /‬ـ مف تدمير كغرؽ‬
‫حيث يقكؿ ابف شاىيف " كصل الخبر مف مكة المشرفة بأنو حدث بمكة في يكـ رابع عشريف القعدة ‪887‬‬
‫ىػ ‪1482/‬ـ سيل عظيـ غرؽ بسببو نحكا مف سبعيف نفر‪ ،‬كاقتمع عدة ديار‪ ،‬كسحب أشياء كثيرة‪ ،‬ككاف‬
‫ناد ار "‪ )4(.‬كتفاصيل ىذه الكارثة عند العز عبد العزيز بف فيد كيقكؿ عرض ما جرػ بمكة كالحرـ مف‬
‫خراب(‪. )5‬‬
‫كايضا تعرضت مكة المكرمة لكثير مف الصكاعق نظ اًر لطبيعة تككينيا الجبمي حيث كانت‬
‫الصكاعق تصاحب األمطار‪ ،‬فيشتد البرؽ كالرعد‪ ،‬كتضرب الصكاعق مما يؤدػ إلى بعض األضرار‬
‫كالخسائر مثل ما حدث فى عاـ ‪ 882‬ىػ ‪1477/‬ـ بباب السبلـ (‪ )6‬كمف أثارىا يقكؿ ابف شاىيف " كانو‬

‫‪-1‬باب العمرة‪ ،‬باب بني سيـ‪ ،‬أؼ باب العمرة‪ :‬سمي بذلؾ ألف المعتمريف مف التنعيـ تعكدكا الدخكؿ كالخركج منو في‬
‫الغالب‪ ،‬أنشأه الخميفة أبك جعفر المنصكر في عمارتو لمبيت الحراـ‪ ،‬كجدده الخميفة الميدؼ في عمارتو عاـ ‪160‬ىػ ‪/‬‬
‫‪776‬ـ ثـ جدد في العيد العثماني ‪ 984‬ىػ ‪1576 /‬ـ‪ ،‬كاستمر إلى أف ىدـ في التكسعة السعكدية لممسجد الحراـ‪ .‬حسيف‬
‫باسبلمة‪ :‬تاريخ عمارة المسجد الحراـ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪1421 ،‬ىػ ‪2001 /‬ـ‪ ،‬ص ‪.193 - 192‬‬
‫‪ -2‬سكؽ الميل‪ ،‬مف أسكاؽ مكة المجاكرة لممسجد الحراـ مف الشرؽ كيقع بيف الغزة كالمسجد الحراـ كيقاـ في ىذا السكؽ‬
‫تجارة الجممة لمفكاكو كالخضركات‪ ،‬ككاف يقاـ بو مزاد يكمي بعد صبلة العصر لبيع األدكات المستعممة ككاف يطمق عميو‬
‫حراج العصر كأطمق أسـ السكؽ عمى الحي كامبلً كأصبح يسمى بيذا االسـ؛ كاألف بو مقر مكتبة مكة كال يكجد أثر ليذا‬
‫السكؽ‪ ،‬الشريف مسعكد بف دمحم آؿ زيد‪ ،‬تاريخ مكة المكرمة في عيد األشراؼ آؿ زيد ‪،‬القاىرة ‪1426‬ىػ‪2005/‬ـ‬
‫‪،‬صػ‪،16‬عاتق الببلدؼ‪ ،‬معجـ معالـ الحجاز‪ ،‬جػ‪ 4‬صػ‪.182،183‬‬
‫‪ -3‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪. 443 – 442‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف ‪ :‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ ، 7‬ص ‪. 330‬‬
‫‪ -5‬العز عبد العزيز بف فيد ‪ ،‬بمكغ القرػ ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 239 – 231‬‬
‫‪ -6‬باب السبلـ= باب بني شيبة ‪ ،‬كاف يسمى قديماً باب بني شيبة أك باب عبد شمس بف عبد مناؼ ‪،‬كىك أحد أبكاب‬
‫المسجد الحراـ في الجية الشرقية كفيو أسطكانتاف بثبلث طاقات (فتحات)‪ ،‬ككل طاؽ لو باب خشبي قكؼ سميؾ‬
‫بمصراعيف‪ ،‬كفي المنفذ الكسط خكخة(باب صغير) يفتح ليبلً لمف أراد الدخكؿ أك الخركج‪ ،‬كينزؿ إلى المسجد بأربعة مراقي‬
‫‪21‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يمكت فى اليكـ بيا نحكا مف مائة نفس " (‪ )1‬كممف مات قاضى القضاة المالكية بمكة‪ ،‬كىك دمحم بف اليمف‬
‫بف أبى السعادات ‪ ،‬ككاف مف أىل العمـ كالفضل‪)2( .‬‬
‫كمف خبلؿ عرض أحداث مكة كالتي كردت عند ابف شاىيف نجد إف مكة رغـ استقرار أحداثيا عمى يد‬
‫بركات بف حسف كابنو أبك نمى دمحم ‪ ،‬إال أف ككارثيا أقمقت مضاجع أىميا لما كانت تسببو مف خسائر‬
‫إضافة عما ذكر مف صراعات‪.‬‬
‫كبعد ىذا العرض تنتقل إلى ما كرد عند ابف شاىيف عف جدة عركس البحر األحمر كمصدر رزؽ مكة‬
‫كمطمع أشرافيا ‪.‬‬
‫‪-4‬الحالة السياسية واالقتصادية بجدة ‪:‬‬
‫ككثي ار ما كاف الصراع الدائـ بيف األشراؼ بمكة ينعكس عمى جدة في مطالبة المتصارعيف في‬
‫السيطرة عمى خيراتيا‪ ،‬كذلؾ لحجب الزاد عف مكة فيككف مف السيل السيطرة عمييا‪ ،‬ككاف ذلؾ خبلؿ‬
‫الصراع بيف دمحم بف بركات كأخيو الشريف عمي يقكؿ ابف شاىيف ‪ " :‬كصل السيد بركات بف حسف بف‬
‫عجبلف صاحب مكة كاف إلى جدة فاستكلى عمييا ‪ ،‬كبمغ الخبر أخكه الشريف عمي المتكلي بمكة فخرج‬
‫إليو بجدة كبالترؾ الذيف بمكة فالتقيا ككقع بينيما حرب كسر فيو السيد بركات‪ ،‬كقتل جمع عظيـ كقطعت‬
‫رؤكس جماعة مف قكاده كغيرىـ كخرج فييا سكدكف الدمحمؼ باشا الترؾ‪ ،‬كتكجو بركات لعدف‪ ،‬كعاد الشريف‬
‫عمي بعد أف طاؼ بالرؤكس التي قطعت عمي الرماح بجدة‪ ،‬ثـ دفنت مع أجسادىا‪ ،‬ككاف يكماً ميكالً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫كحرباً كبي اًر "‬
‫كفي عاـ ‪ 844‬ق‪1440/‬ـ كقعت كارثة بينبكع(‪ )4‬عندما كصل الحاج إلييا بيع الشيء في أكؿ‬
‫النيار بأغمى األثماف‪ ،‬فمنع أمير الحاج الناس مف الشراء حتى يستكفي ىك‪ ،‬فاشترػ الدقيق كالعميق كغير‬

‫داخمية‪ ،‬أحدث ىذا الباب في عمارة الخميفة الميدؼ العباسي‪ ،‬ثـ جدد بأمر السمطاف سميـ خاف‪ ،‬كليس السمطاف سميماف‬
‫خاف‪ .‬األزرقي‪ ،‬مصدر سابق‪،‬جػ‪2‬صػ‪،86‬كالفاسي‪:‬شفاء الغراـ ‪،‬جػ‪1‬صػ‪381‬كما ذكر في ىامش لمعز عبدالعزيز بف فيد ‪،‬‬
‫بمكغ القرػ في ذيل إتحاؼ الكرػ ‪،‬جػ‪1‬صػ‪،334‬ىامش ‪.5‬‬
‫‪ -1‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬جػ ‪ ، 7‬ص ‪191‬‬
‫‪ -2‬ابف إياس ‪ ،‬بدائع الزىكر ‪ ،‬جػ ‪ ، 3‬ص ‪133 - 132‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 273‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ينبع‪ ،‬عمى لفع الفعل نبع ينبع إذا بزغ الماء ‪ ،‬كأخذ اسميا مف كثرة ينابيعيا كىك كاد فحل كثير الغرس كالعيكف‬
‫كالسكاف يقع غرب المدينة المنكرة بحكالي ‪ 150‬كيمك متر ‪ ،‬أعبله بكاط الغكرؼ ثـ ينحدر غرباً حتى يدفع في البحر األحمر‬
‫قرب مدينة ينبع البحر التي تبعد ‪ 10‬كيمك مت اًر‪ ،‬كسكاف ينبع قبيمة حرب كجيينة ‪ ،‬كاليكـ ينبع مدينة متقدمة عمى الساحل‬
‫الشرقي لمبحر األحمر تقع شماؿ جدة ىكائيا رطب صيفاً دافئ شتاء كبيا إمارة تابعة إلمارة المدينة المنكرة‪ ،‬كمدارس لمبنيف‬
‫كالبنات كمطار جكؼ كطرؽ سريعة تربطيا بالمدينة المنكرة عاتق الببلدؼ ‪ ،‬أكدية مكة المكرمة ‪ ،‬دار مكة المكرمة لمطباعة‬
‫‪22‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ذلؾ بأغمى ثمف ‪ ،‬كلما استكفى نزؿ السعر في كسط النيار ‪ ،‬ثـ انحط في أخره‪ ،‬ككاف مف نتيجة ذلؾ‬
‫ارتفاع األسعار بمكة (‪ )1‬كلكف سرعاف ما نزلت األسعار بمجرد كصكؿ مراكب مف اليند إلى جدة ‪ .‬يقكؿ‬
‫ابف شاىيف ‪ ":‬كأسرعكا في تفريغيا ‪ ،‬فكاف يدخل إلى مكة في كل يكـ خمس مائة حمل ‪ ،‬كبيع الشاش‬
‫بافمكريف(‪ )2‬كنصف إلى ثبلثة ‪ ،‬كاألرز البيرمي مف افمكرػ إلى ثبلثة " (‪. )3‬‬
‫‪-5‬كيفية إدارة جدة ‪:‬‬
‫كال تخرج نظـ اإلدارة عف كيفية سياسة إدارة جدة مف قبل كالي مكة أك السمطاف المممككي‪ ،‬كلذلؾ‬
‫نجد الشريف حسف بف عجبلف عندـ تقمد إمارة مكة عاـ‪829-798‬ىػ‪1426-1395/‬ـ‪،‬أظير نشاطاً‬
‫ممحكظاً في تحقيق االستقرار األمني كاالقتصادؼ‪ ،‬حيث أخذ عمى عاتقو تطكير مصادر المكارد‬
‫االقتصادية كفي مقدمتيا التجارة التي كانت رسكميا أىـ المكارد االقتصادية إلمارة مكة‪ ،‬ككاف الشريف‬
‫حسف بف عجبلف يدرؾ أف ميناء جدة ىك بكابة التجارة‪ ،‬لذلؾ حرص عمى إحكاـ سيطرتو عمى عمييا‪،‬‬
‫فاتخذ عدة إجراءات تيدؼ إلى تكفير البنية التحتية المناسبة كالخدمات البلزمة لتمبية متطمبات ازدياد‬
‫النشاط التجارؼ مف جية‪ ،‬كمتطمبات السمطاف المممككي مف جية أخرؼ (‪ ،)4‬لذلؾ قاـ بتعييف نائب‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫لجدة‪:‬‬

‫كالنشر كالتكزيع ‪1405‬ىػ‪1985/‬ـ‪،‬صػ‪ ،157‬سيد عبدالمجيد بكر‪ :‬المبلمح الجغرافية لدركب الحجيج ‪ ،‬تيامة جدة المممكة‬
‫العربية السعكدية ‪1401‬ىػ‪1981/‬ـ‪،‬صػ‪.140-138‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ، 220‬عكس ما كرد عند دمحم كماؿ الديف عز الديف في ص‪ . 40‬حيث لـ‬
‫نجد ذكر الدينار كالفكؿ‪ ،‬كما لـ يرد ذكر لمدينة بدر‪ ،‬كلـ ييرب الجمالة ‪ ،‬كاف ىربكا فكيف يصل إلى مكة مف جدة خمس‬
‫مائة حمل ‪ .‬فدمحم كماؿ اختمط عميو األمر ‪ .‬دراسات نقدية‪ ،‬ص‪. 144‬‬
‫‪- 2‬افمكرػ‪ ،‬نكع مف الدنانير التي يؤتي بيا مف ببلد الفرنجة كالركـ ‪،‬معمكمة األكزاف كل دينار منيا بتسعة عشر قيراطاً‬
‫كنصف قيراط مف المصرؼ‪ ،‬كىي دنانير مشخصة عمى أحد كجيييا صكرة الممؾ الذؼ تضرب في زمنو كعمى الكجو اآلخر‬
‫صكرة بطرس كبكلس الحكارييف ‪ ،‬كسميت افمكرػ نسبة لمدينة فمكرنسا ‪ .‬القمقشندؼ ‪ ،‬صبح األعشى ‪ ،‬في صناعة اإلنشا ‪،‬‬
‫المؤسسة المصرية العامة لمتأليف كالترجمة كالطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة ‪ ، 1967‬ج‪ 3‬ص ‪ . 437‬ليمي أميف عبد المجيد ‪،‬‬
‫التنظيمات اإلدارية كالمالية في مكة المكرمة في العصر المممككي ‪ .‬رسالة دكتكراه لـ تنشر جامعة الممؾ عبد العزيز بجدة‬
‫كمية اآلداب كالعمكـ اإلنسانية قسـ التاريخ ‪1419 ،‬ىػ‪1998/‬ـ‪ ،‬ص‪.340‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 221-220‬‬
‫‪ - 4‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪،4‬ص ‪.188‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬عرفت كظيفة نائب الكالي منذ القركف اإلسبلمية األكلى ‪ ،‬ككانت ميمتو النيابة عف الكالي في إدارة شئكف الكالية‪،‬‬
‫كتنفيذ أكامره ‪ ،‬كجمع الخراج كالرسكـ الجمركية‪ ،‬كىذه الكظيفة بدأت ارتجالية‪ ،‬أك غير منظمة كالدليل عمى ذلؾ عدـ ظيكر‬
‫مدلكؿ كاضح المعالـ ‪.‬يقكؿ‪ :‬ابف بطكطة‪ ،‬في جدة أمير تابع لشريف مكة‪ .‬انظر‪ .‬تحفة النظار في غرائب األمصار‬
‫‪23‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أ‪ -‬جابر بن عبد هللا الحراشى ‪-:‬‬


‫نبلحع أف ابف شاىيف لـ يذكر أؼ مف حياة جابر الحراشي بل كل الذؼ ذكره كفاتو كجشعو كىذا‬
‫ما سكؼ نذكره في محمو ‪ ،‬لذلؾ تناكلت حياتو مف المصادر المعاصرة األخرػ حرصاً عمي تسمسل نكاب‬
‫جدة في فترة ابف شاىيف ‪ ،‬فرصدت المصادر المحمية الخاصة بمكة كظيفة نائب جدة في عيد كالية‬
‫الشريف حسف بف عجبلف عندما عيف عاـ ‪806‬ىػ ‪1403/‬ـ رجبلً خبي اًر في شئكف اإلدارة كاالقتصاد‬
‫ليككف نائباً عنو في جدة ىك جابر بف عبد هلل الحراشى ‪ .‬الذؼ قدـ مف اليمف مع بعض القكافل (‪، )1‬‬
‫كلكثرة تردده بما معو مف تجارة تقرب إلى الشريف حسف بف عجبلف فرأػ فيو الخبرة ‪ ،‬لذلؾ قرر تعيينو‬
‫نائب عنو في جدة (‪ ، )2‬فكاف جابر عند حسف ظف الشريف حسف بف عجبلف لذلؾ أعطاه صبلحيات‬
‫كبيرة يعبر عنيا أحد معاصرؼ الحدث‬
‫كىك الفاسي المكي بقكلو " فنيض بخدمة الشريف حسف نيكضاً لـ ينيض بمثمو أحد مف خدامو فيما‬
‫مضى " (‪.)3‬‬
‫كما قاـ بتحصيل الضرائب مف التجار سكاء مف كانكا بجدة أك بمكة ‪ ،‬كلكنو زاد فيما كانت عميو‬
‫مف قبل‪ ،‬كقاـ ببناء ساحل أكبر ليستكعب أكبر كمية مف السمع أثناء الشحف كالتفريغ (‪. )4‬كتجاىل جابر‬
‫الحراشي أؼ دكر لمشريف في تمؾ األعماؿ ‪ ،‬مما حدا بالشريف إلي القبض عميو‪ ،‬كاعادتو مف جدة لمكة‪،‬‬
‫كصكدرت أمكالو بعد خدمة في نيابة جدة مدة ثبلث سنيف كأشير"‪)5(.‬‬

‫كعجائب األسفار ‪ ،‬بيركت دار صادر ‪1964‬ـ‪.‬ص‪243‬؛ كعند بعض الرحالة نجد اختبلفاً في المفع مع االحتفاظ بنفس‬
‫المكانة فيقكؿ‪ .‬اإلدريسي‪ ،‬كاف بجدة كالياً مف ناحية صاحب مكة‪ .‬انظر‪ .‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ اآلفاؽ ‪،‬مكتبة الثقافة‬
‫الدينية القاىرة ‪1994‬ـ‪ .‬ج‪ 1‬ص ‪139‬؛ كيقكؿ التجيبي‪ ،‬إف بجدة عامبلً مف قبل الشريف نجـ الديف أبي نمي الحسني ممؾ‬
‫مكة ‪ .‬كفي نياية ىذه التعريفات نجد أف مياـ صاحبيا ىي تحصيل مككسيا لصالح حاكـ مكة ‪ .‬مستفاد الرحمة كاالغتراب‪،‬‬
‫تحقيق عبد الحفيع منصكر ‪ ،‬الدار العربية لمكتاب تكنس ‪1395‬ىػ ‪1975 /‬ـ ‪ ،‬ح‪ 1‬ص ‪.219‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الفاسي ‪ ،‬العقد الثميف في تاريخ البمد األميف ‪ ،‬تحقيق فؤاد السيد ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1406 ،‬ىػ ‪1986/‬ـ ‪،‬‬
‫ج‪ 3‬ص ‪. 260‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الفاسي ‪ ،‬العقد الثميف ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪، 260‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪،‬ج‪ 3‬ص‪.261‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .‬الفاسى ‪ ،‬العقد الثميف ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ، 260‬ابف فيد إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 435‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬الفاسي ‪ ،‬العقد الثميف ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ، 260‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ، 436‬عز الديف ابف فيد ‪ ،‬غاية المراـ‪،‬‬
‫ج‪ 2‬ص ‪. 268‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الفاسي ‪ ،‬العقد الثميف ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 260‬‬
‫‪24‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كسيق إلى باب المعبلة كشنق عميو يكـ ‪ 15‬ذؼ الحجة عاـ ‪816‬ىػ‪1413 /‬ـ كشنق معو ابنو دمحم‬
‫بف جابر بباب الشبيكة (‪ )1‬كيقكؿ عنو السخاكػ " كاف داىية ما ك اًر داعية إلى مذىب الشيعة الزيدية زائداً‬
‫في الظمـ بحيث كثر الدعاء عميو خصكصاً في مكسـ الحج الذؼ قتل فيو "(‪ .)2‬كيؤكد ذلؾ ابف شاىيف‬
‫بقكلو‪ ":‬ككاف مف الدىاة يميل إلي مذىب الزيدية "(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬سعد الدين إبراىيم بن المرة ‪:‬‬
‫كعندما ازداد دخل جدة حكلت السمطة المممككية جدة إلي كالية مممككية فأصبح متكلي ناظر جدة‬
‫كظيفة سمطانية (‪ ، )4‬ينكب عف السمطاف في الحضرة ‪ ،‬كلذلؾ كاف يسمي أيضاً نائب السمطنة (‪، )5‬‬
‫كمف يتكلى ىذا المنصب كاف يشترط فيو أف يككف عمى عمـ بالحساب كاألمكر الجمركية ‪ ،‬لذلؾ أرسل‬
‫بعض األقباط الذيف أسممكا مثل إبراىيـ بف المرة‪ ،‬ككاف شاىيف العثماني شاداً(‪ )6‬لمديكاف‪ ،‬كتاج الديف‬
‫مشؾ مباش اًر‪ .‬كل ذلؾ لمساعدة إبراىيـ في تحصيل الضرائب (‪ .)7‬يقكؿ ابف شاىيف ‪ " :‬أف ناظر الخاص‬
‫الخاص خرج بأعكانو كمباش ار (‪ )8‬الخاص فأخذكا في االستقصاء الشديد كالفحص عف المبالغ التي‬
‫أحضرىا الحجاج كالتجار مف مكة(‪ ، )9‬كبمغ ما حمل مف جدة مف األمكاؿ زيادة عمى سبعيف ألف دينار"‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬الفاسي ‪ ،‬العقد الثميف ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ، 262‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪507‬؛ عز الديف ابف فيد‪ ،‬غاية المراـ ‪،‬‬
‫ج‪ 2‬ص ‪ .292‬باب الشبيكة ‪ ،‬مكضع بيف الزاىر ‪ ،‬كمكة ‪ ،‬كىك حي كبير مف أحياء مكة يمتد مف المسجد الحراـ غرباً‬
‫إلى ريع الحفائر ‪ ،‬كشماالً إلى حارة الباب ‪ ،‬كىي مف أعرؽ أحياء مكة ‪ ،‬كلمشبيكة مقبرة قديمة ميجكرة بطرفيا الغربي ‪.‬‬
‫انظر ياقكت الحمكؼ ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.324‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬السخاكػ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 51‬‬
‫‪ - 3‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص ‪.204‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ . -‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪.168،189‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ .‬حسف الباشا ‪ ،‬الفنكف اإلسبلمية كالكظائف عمى اآلثار العربية ‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ ،‬القاىرة ‪1966‬ـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‬
‫‪.1224‬‬
‫‪ - 6‬شاداً ‪ ،‬مفتش ‪ ،‬شد الدكاكيف أؼ فتشيا كضبط محاسباتيا ‪ ،‬ككممة الشد ترادؼ كممة التفتيش ‪ ،‬كمثمو شاد الجكالي‬
‫كشاد الزكاة ‪ ،‬كشاد األكقاؼ أؼ ناظر االكقاؼ اك مديرىا ‪ ،‬كشاد الشكف ‪ .‬زيف العابديف شمس الديف بف نجـ ‪ ،‬معجـ‬
‫األلفاظ كالمصطمحات التاريخية القاىرة ‪ 1427‬ىػ ‪ 2006/‬ـ ‪ ،‬ص‪. 335‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ .‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.620‬‬
‫‪ -8‬مباشر ‪،‬ىك المكظف المباشر اإلدارؼ في الدكلة المممككية‪ ،‬كما كاف يقكـ بكظيفة المنادؼ ألصحاب العبلقة في قاعة‬
‫القاضي‪ ،‬كما كاف يطمق عمي مف يقكـ بإدارة األعماؿ التجارية مف بيع كشراء‪ ،‬كما كاف يتقدـ ركب الحج عند رجكعو‬
‫مف الحج كيبشر بسبلمتو‪ .‬زيف العابديف شمس الديف نجـ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.467‬‬
‫‪ -9‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪. 189‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪ )1‬كنظ اًر لككف ىذا المنصب مدنياً فقد قاـ السمطاف برسباؼ عاـ ‪828‬ىػ‪1424 /‬ـ يتعيف األمير أرنبغا‬
‫أحد األمراء العشركات(‪ )2‬كمعو مائة مممكؾ‪. )3(.‬‬
‫كالسر فى تعييف أرنبغا مع إبراىيـ بف المرة كاف بيدؼ حفع ما يحصل مف ضرائب‪ ،‬إلى جانب‬
‫فرض األمف كابراز القكة أثناء تحصيل الض ارئب التي يصاحب تحصيميا في بعض السنيف اضطرابات‬
‫كخصكصاً في حالة رفع النائب مقدار الضرائب ليككف لو نصيب فييا‪ )4(،‬كبعد تحصيل الضرائب ينطمق‬
‫ينطمق إبراىيـ بف المرة في صحبة ركب الحاج (‪ ، )5‬لضماف حماية ما معو مف أمكاؿ ‪.‬‬
‫ثـ أصدر السمطاف مرسكماً يقكؿ ابف شاىيف ‪ " :‬ثـ أمر السمطاف بأف يككف الفمفل مختصاً فى‬
‫االتجار ال يشتريو مف تجار اليند الكاصميف إلى جدة إال لجية السمطاف ‪ ،‬فحل بالتجار بسبب ذلؾ ببلء‬
‫عظيـ "(‪.)6‬‬
‫كلـ يكف إبراىيـ بف المرة إال منفذاً ألكامر السمطاف كال يستطع التصرؼ مف تمقاء نفسو يقكؿ‬
‫المقريزؼ ‪ -" :‬عندما ‪ -‬قد ـ الخبر مف مكة بأف عدة سفف قدمت مف الصيف كأرسى منيا اثنتاف بميناء‬
‫عدف‪ ،‬فمـ يبع ما بيا مف بضائع ‪ ،‬فكتب رئيس السفف الناخكذة(‪ )7‬إلى الشريف بركات بف حسف بف‬
‫عجبلف أمير مكة‪ ،‬كالى سعد الديف إبراىيـ بف مرة ناظر جدة يستأذف في قدكميـ إلى جدة ‪ ،‬فأرسل سعد‬
‫الديف إبراىيـ إلى السمطاف برسباؼ يستأذنو في رسكىـ بجدة‪ ،‬في مقابل ما يحصل منيـ مف ضرائب كثيرة‪،‬‬

‫‪ -1‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪. 189 ، 4‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ .‬أمراء العشرات ‪ ،‬رتبة عسكرية في الجيش المممككي كنصيب كل منيـ في الحرب إمرة عشرة فرساف ‪ ،‬كمف ىذه الطبقة‬
‫الطبقة يعيف صغار الكالة مف مقدمي اآلالؼ ‪ ،‬كلـ يكف ألمراء العشرات نصيب مف اإلنعامات الدكرية التي كاف يتفضل بيا‬
‫السمطاف مرتيف في العاـ عمى أمراء المائتيف كالطبمخاناة ‪ ،‬غير أنو كاف يتفقدىـ أحياناً ببعض اإلنعاـ ‪ ،‬ككاف يسند إلييـ ‪،‬‬
‫كظائف معينة في خدمة السمطاف ‪ ،‬لممزيد انظر حسف الباشا ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ، 242 -237‬زيف العابديف بف‬
‫شمس الديف ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 81‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ .‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 4‬ص‪ ، 323‬المقريزؼ ‪ ،‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ ‪ ،‬تحقيق دمحم مصطفى زيادة‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫مطبعة لجنة التأليف كالترجمة كالنشر‪1956،‬ـ ‪ ،‬ج‪ 4‬قسـ‪ 2‬ص ‪ . 680‬ابف إياس ‪ ،‬بدائع الزىكر ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 96‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬السخاكؼ ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 185‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ .‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 623‬‬
‫‪ - 6‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 309‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬الناخكذة ‪ ،‬أصل مفردىا بالمغة الفارسية ( ناخذا ) كيطمق عمى البحار أك رباف السفينة ‪ ،‬انظر زيف العابديف شمس‬
‫الديف ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 530‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫فكافق السمطاف برسباؼ "(‪ )1‬كزيادة عمي احتكار التجار كما معيـ أصدر السمطاف عاـ ‪831‬ىػ‪1427/‬ـ‬
‫أم اًر أخر يقكؿ ابف شاىيف ‪ ":‬كفيو كتب إلى سكدكف الدمحمػ المقيـ بمكة المكرمة ‪ ...‬بأف ال يؤخذ مف‬
‫تجار اليند الكارديف إلى جدة بالبضائع سكػ العشر فقط ‪ ،‬كأف يؤخذ مف تجار مصر كالشاـ إذا كصبل‬
‫جدة بالبضائع مف اليمف عشراف‪ ،‬كأف يؤخذ جميع ما يحضر بو مف تجار اليمف مف غير ثمف‪ ،‬ككصمت‬
‫ىذه المراسيـ إلى مكة بعد ذلؾ‪ ،‬كقرئت بالحرـ تجاه الكعبة مقابمة الحجر األسكد‪ ،‬كقعد السيد الشريف‬
‫بركات بف عجبلف صاحب مكة يدافع السمطاف فى أمرىا‪ ،‬كهلل األمر " (‪ )2‬لذلؾ أحس الشريف بركات بما‬
‫كقع مف ظمـ عمى التجار كما ينتج عف ذلؾ مف خراب لجدة كمكة مف جراء ىذه المراسيـ ‪.‬‬
‫فأشتكي التجار الشكاـ مف ىذه األكامر فشرط عمييـ أف يأتكا إلي مصر كيدفعكا المككس بيا‪ .‬يقكؿ‬
‫ابف شاىيف‪" :‬كما أعفى تجار الشاـ مف المجيء ببضائعيـ مف مكة إلى مصر عمى أف يزادكا عمى كل‬
‫جمل ثبلثة دنانير كنصف زيادة عمى المكس " (‪ )3‬كىذا يؤكد إف شككػ التجار مف أف مجيئيـ إلى مصر‬
‫مصر يخسرىـ الكثير مما جعل السمطاف عاـ ‪ 831‬ىػ‪1427/‬ـ بدفع زيادة عمى ضرائبيـ كاعفائيـ مف‬
‫المجيء لمصر ‪ .‬كليذا زادت مكانة إبراىيـ بف المرة عف السمطاف‪.‬‬
‫كرغـ ىذه المكانة إال أف الشؾ كالريبة بدأت تنتاب السمطاف برسباؼ مف إبراىيـ بف المرة لما يقكـ‬
‫بو مف أفعاؿ بتحصيل أمكاؿ لحسابو‪ ،‬لذلؾ أصدر ق ار ار بتعييف أسنبغا الطيارػ (‪ )4‬ناظ اًر لجدة مع كجكد‬
‫إبراىيـ معو‪ .‬يقكؿ أحد معاصرؼ الحدث كىك ابف شاىيف‪ :‬يقكؿ" كفيو قرر – السمطاف – أسنبغا الطيارػ‬
‫أحد العشرات إذ ذالؾ في نيابة جدة عكضاً عف السعد بف المرة كأمر ابف المرة بأف يتكجو معو مساعداً لو‬
‫ككاتباً ضابطاً كمساعداً "(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬المقريزؼ ‪ ،‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ ‪ ،‬ج‪ 4‬قسـ ‪ 2‬ص ‪ ، 873 – 872‬ابف تغرػ بردػ ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪14‬‬
‫ص ‪. 362‬‬
‫‪ - 2‬ابف شاىيف نيل األمل‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.364‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪.231‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ .‬أسنبغا الطيارػ ‪ ،‬دمحم بف رجب ثـ الطيارػ سكدكف ‪ ،‬أتصل بخدمة الناصر فرج كصار مف الدكادارية الصغرػ ‪ ،‬ثـ‬
‫صار في أياـ األشرؼ برسباؼ أمير عشرة ثـ مقدـ البريدية ثـ تكجو إلى جدة شاداً كأحسنت سيرتو بالنسبة لغير – يقصد‬
‫ىنا إبراىيـ بف المرة‪ -‬كمع ذلؾ نفي أسبغا الطيارػ إلى طرابمس بالشاـ كىذا قانكف المماليؾ ثـ عفا عنو كأنعـ عميو السمطاف‬
‫بإمرة طبمخاناه كآؿ أمره إلى أف عمل حاجباً ثانياً بالقاىرة ثـ ترقى إلى دكادا اًر ثانياً ثـ جعمو السمطاف جقمق رأس نكبو‬
‫النكاب‪ -‬أؼ سفي اًر بيف المماليؾ كالسمطاف – ككاف كريماً متكاضعاً شجاعاً لو عبلقة بالعمـ كخصكصاً الفقو كالتاريخ تكفي‬
‫عاـ ‪857‬ىػ ‪1453/‬ـ‪ .‬ابف تغرػ بردؼ ‪ ،‬المنيل الصافي المستكفي بعد الكافي ‪ ،‬تحقيق نبيل دمحم عبد العزيز ‪ ،‬مركز‬
‫تحقيق التراث ‪ ،‬القاىرة ‪1988‬ـ ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪ ، 437‬السخاكؼ ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 311‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪5‬ص‪.323‬‬
‫‪27‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كفي عاـ ‪840‬ىػ‪1436/‬ـ ميعاد العمرة الرجبية أرسل السمطاف برسباؼ إبراىيـ بف المرة لممرة‬
‫الثانية ناظرىا كشدييا(‪ )1‬كمعو مائة كعشرة مف جنكد المماليؾ إلى جانب ‪ 30‬مممككاً في خدمتو ‪،‬إلي‬
‫جانب التاجر الخكاجة بدر الديف‪ ،‬كالتاجر سعد الديف دمحم بف المزلق نائب لجدة ‪،‬كسَممو ألف دينار ‪،‬‬
‫لشراء الفمفل مف ميناء جدة كعدداً كبي اًر مف الجماؿ لحمل ما يتـ شراؤه (‪ )2‬كعمل ذلؾ السمطاف جقمق‬
‫عندما شؾ فى سمكؾ ابف المرة فقاـ بتجريده مف مالو‪ )3( .‬كأصدر ق ارره بتعييف عمى تاج الديف دمحم بف‬
‫حتى السمسار‪ ،‬كاستقر في نظر جدة كذلؾ عاـ ‪842‬ىػ ‪1438/‬ـ (‪ )4‬كأخذ في زيادة فرض المككس‬
‫كالتي ال يكجد ليا نظير في الشرع عمي التجار مما جعل السمطاف يطمب مف الفقياء تبرير ذلؾ‪ .‬يقكؿ ابف‬
‫شاىيف‪ ":‬كفيو أخذ السمطاف في التكمـ في أمر عثكر جدة كما يؤخذ بيا مف المكس مف التجار‪ ،‬كأنو ال‬
‫يكافق الشرع " (‪ )5‬كالسب فى طمب السمطاف ىذا ‪ ،‬أف أبف شاه راخ‪ ،‬ممؾ العجـ كاف يرسل لمسمطاف‬
‫جقمق يؤنبو عمى أخذ ىذه العشكر فأراد السمطاف أف يجعل ىذه المككس حبلال"(‪ )6‬كيكاصل ابف شاىيف‬
‫في سرد ىذه الكاقعة فيقكؿ ‪ " :‬جقمق ال يخاؼ هلل‪ ،‬ككتب صكرة فتكػ لجماعة مف القضاة كالعمماء يقكؿ‬
‫فييا أف التجار كانكا يردكف إلى عدف فيتظممكف كيؤخذ منيـ أكثر أمكاليـ كأنيـ رغبكا أف يأتكا إلى جدة‬
‫كرغبكا أف يأخذ السمطاف منيـ عشر أمكاليـ‪ ،‬فيل يجكز لمسمطاف أخذ ذلؾ‪ ،‬فإنو يحتاج إلى صرؼ ماؿ‬
‫كثير في بعث جند إلى مكة‪ ،‬فكتب مف سكئل عف ذلؾ بجكازه" (‪ )7‬كنبلحع في ىذا النص كممة ممف ال‬
‫يخاؼ هلل جكاز ذلؾ أؼ أف ابف شاىيف كغيره غير راضيف عف ذلؾ ألف ذلؾ ظمـ مف السمطاف كأتباعو ‪.‬‬
‫جـ‪-‬جاني بك الظاىرى ‪. )8( :‬‬

‫‪ - 1‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪4‬ص‪.415‬‬


‫‪ . 2‬المقريزؼ ‪ ،‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ ‪ ،‬تحقيق‪ ،‬سعيد عبد الفتاح عاشكر‪ ،‬القاىرة ‪،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاىرة‬
‫‪1971‬ـ ج‪ 4‬قسـ ‪ 2‬ص ‪ ، 1001-1000‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪. 101‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬نبيل األمل‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪ ،20‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ 3‬ص ‪ ،1028‬ابف إياس ‪ ،‬بدائع‬
‫الزىكر ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 181‬‬
‫‪ . 4‬المقريزؼ ‪ ،‬السمكؾ ‪ ،‬ج‪ 2‬قسـ ‪ 3‬ص ‪1102‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.114‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.114‬‬
‫‪-7‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 114‬‬
‫كجمب إلى مصر كاشتراه األمير أسنبغا‬
‫‪ . 8‬جاني بؾ الظاىرؼ‪ ،‬كلد عاـ ‪810‬ىػ ‪1407 /‬ـ في أحد ببلد الشركس‪ُ ،‬‬
‫الطيارػ كعممو كرباه ‪ ،‬كباعو شاباً إلى السمطاف الظاىر جقمق ‪ ،‬تدرج في الكظائف عند السمطاف جقمق كجعمو خاصكياً‬
‫كجعمو أمي اًر عاـ ‪849‬ىػ ‪1445 /‬ـ‪ ،‬ككالة نيابة جدة فعظـ كنيض فييا حتى صار حاكما لمحجاز جميعو ككاتبو ممكؾ‬
‫األقطار مف كل جية‪ ،‬ككاف كريماً سخي اليد ‪ ،‬أسمر المكف قصير القامة‪ ،‬مكلعاً بغرس األشجار‪ ،‬فصيح المساف كثير‬
‫‪28‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أرسمو السمطاف جقمق إلدارة ميناء جدة في شير جمادؼ اآلخرة عاـ ‪849‬ىػ ‪1445 /‬ـ (‪،)1‬‬
‫كسبب إرسالو أنو لـ يجد مف يثق فيو حيث إف كل مف تكلى اإلدارة بجدة كرجع لمقاىرة تغير عميو‬
‫السمطاف كيؤكد ذلؾ أحد شيكد العياف ابف تغرػ بردػ فيقكؿ " أف السمطاف – جقمق – كاف في كل سنة‬
‫يرسل أحد النكاب إلدارة ميناء جدة سكاء أكاف مف األمراء أـ مف أعياف الخاصكية(‪ ،)2‬فيتكجو المذككر ثـ‬
‫يعكد إلى القاىرة ‪ ،‬فيشؾ السمطاف في سمككو فيعزلو عمى أقبح كجو‪ ،‬كمنيـ مف يصادر السمطاف أمكالو ‪،‬‬
‫كمنيـ مف ينفيو خارج القاىرة‪ ،‬كمنيـ مف يحكـ عميو بعدة أحكاـ كالقميل مف سمـ مف ىذه األعماؿ ‪ ،‬كقد‬
‫كقع لجماعة كثيرة في عيد دكلة األشرؼ برسباؼ كغيره " (‪ )3‬كاف دؿ ذلؾ عمي شيء فإنو يدؿ عمى ما‬
‫كاف يقكـ بو متكلي نظارة جدة مف سرقة كنيب‪ ،‬مما دفع السمطاف إلى اتخاذ أقصى العقكبات ضدىـ‪،‬‬
‫كلكف عندما تكلى أمر ذلؾ األمير جانى بؾ الظاىرؼ‪ ،‬اختمفت األمكر حيث كجد السمطاف شخصاً‬
‫استطاع أف يثق فيو نظ اًر لدقة تسجيمو لكل الرسكـ التي يتـ تحصيميا مف المراكب القادمة لجدة كالقكافل‬
‫لمكة كالعكدة بيا " (‪.)4‬‬
‫ككاف جاني بؾ الظاىرؼ بحكـ كظيفتو‪ ،‬يتعرض مف كقت آلخر لسخط التجار عميو‪ ،‬ففي عاـ‬
‫‪851‬ىػ‪ 1447 /‬ـ شكاه بعض تجار مكة إلى السمطاف جقمق كىـ عمى بف حسف كابف البيطار‪ ،‬كيعقكب‬
‫األقرع النابمسي‪ ،‬ككاف سبب شككاىـ أف السمطاف أرسل إلى مكة مرجاناً كثي اًر مع أحد األشخاص‪ ،‬كمعو‬
‫مرسكـ ببيع المرجاف عمى تجار مكة بثمف ضخـ ‪ ،‬كبعد انتياء مكسـ الحج طمب جاف بيؾ الظاىرؼ‪،‬‬
‫تجار مكة المجيء إلى جدة ألخذ المرجاف المذككر‪ ،‬فحضر التجار كأخذكا المرجاف كاقتسمكه بينيـ كل‬
‫عمى قدر حالو‪ ،‬كرفض التجار الثبلثة المذككريف أعبله الحضكر‪ ،‬فامتنعكا كلجئكا إلى الحرـ كالقضاة‬
‫كاألعياف‪ ،‬كأخذكا يصيحكف كانتيى أمرىـ بكتابة محضر ذىبكا بو إلى مصر‪ ،‬كاشتككا جانى بؾ إلى‬

‫المحاسف كالمساكغ ‪ ،‬قتل عاـ ‪867‬ىػ ‪1462/‬ـ عند باب الجامع الناصرؼ بالقمعة بالقاىرة‪ .‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع‪ ،‬ج‪3‬‬
‫ص ‪.58 – 57‬ابف تغرػ بردػ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪ 15‬ص ‪.369 – 368‬‬
‫‪ - 1‬ابف شاىيف ‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪.209‬‬
‫‪ - 2‬الخاصكي‪ ،‬قكة خاصة بسراؼ السمطاف ‪،‬يأتكف بالنسبة لترتيب البرتكككؿ المممككي بعد األمراء المقدميف كعددىـ‬
‫األربعمائة‪ ،‬كتمتع الخاصكية بمكانة كبيرة حيث يدخمكف عمي السمطاف في أكقات فراغو كفي خمكتو بغير إذف‪ ،‬كخصص ليـ‬
‫السبلطيف األرزاؽ الكاسعة كالعطايا الجزيمة‪ ،‬كامتازكا بحسف المظير‪ .‬زيف العابديف شمس الديف بف نجـ‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪،‬ص‪.213 -212‬‬
‫‪ - 3‬ابف تغرؼ بردػ ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪، 15‬ص ‪. 369 – 368‬‬
‫‪- 4‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل‪ ،‬ج‪5‬ص‪ .209‬السخاكؼ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 58‬‬
‫‪29‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫السمطاف فأمر السمطاف بمعاقبتيـ ضرباً‪ ،‬كانتيى أمرىـ بالعكدة إلى جدة‪ ،‬معتذريف لجانى بيؾ الظاىرؼ‬
‫عما بدر منيـ فعفا عنيـ(‪.)1‬‬
‫كبالبحث كالتنقيب نجد أف ىؤالء التجار يقكلكف بظمـ جاني بيؾ الظاىرؼ كىذا الظمـ لـ يكف يخفي‬
‫عمي أحد كيؤكد عمى ذلؾ السخاكؼ بقكلو " فنيض بخبرتو في الظمـ ما لـ يصل إليو أحد مف قبمو "(‪)2‬‬
‫يؤكد عمى ذلؾ ابف فيد أحد شيكد العياف عمى ما بدر مف جاني بيؾ مف ظمـ فيقكؿ " قاؿ التجار لمقضاة‬
‫ظممنا كأخذ الجانب األعظـ مف أمكالنا " (‪ )3‬كرغـ‬
‫ال يخفي عميكـ حاؿ األمير كفعمو بجدة ‪ ،‬كنحف قد ُ‬
‫ذلؾ نجد السمطاف جقمق راضياً عف أفعالو نتيجة لما يعكد بو مف جدة مف األمكاؿ الكثيرة لمسمطاف‪.)4( .‬‬
‫لكف خصكـ جاني بيؾ استطاعكا أف يصمكا لمسمطاف كيخبركه بسمككو كما يحتفع بو لنفسو مف‬
‫أمكاؿ كمف ىؤالء األشخاص الذيف كشكا بو أبك الخير النحاس (‪ ، )5‬لذلؾ أصدر السمطاف ق ار ار عاـ‬
‫‪853‬ىػ‪1449/‬ـ‪ ،‬بتعييف تمراز البكتمرػ المصارع(‪ )6‬كالذؼ لـ يدـ كثي اًر في نيابة جدة كسرعاف ما‬
‫استدعي جاني بؾ مرة أخرؼ‪.‬‬
‫د‪ -‬جاني بك الظاىري لممرة الثانية ‪:‬‬

‫‪ -1‬ابف تغرػ بردؼ‪ ،‬المنيل الصافي‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ ،245- 244‬ابف فيد‪ ،‬إتحاؼ الكرػ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ ،271 – 269‬ابف‬
‫إياس‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.257‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-‬السخاكؼ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪. 270-269‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬السخاكؼ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 58‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬أبك الخير النحاس‪ ،‬ىك دمحم بف المعمـ شمس الديف دمحم بف المعمـ أحمد المعركؼ بالنحاس ‪ ،‬شيرة كصناعة كمكسباً‬
‫كاف لو دكاف في حي النحاسيف بالقاىرة تقرب إلى السمطاف جقمق‪ ،‬كلو عدة أحداث مع أبي العباس الكفائي‪ ،‬ترقي أبك‬
‫الخير في عدة كظائف‪ ،‬ثـ انحط قدره كنكب بو كتـ مصادرة أمكالو كضرب كنفى كحبس في أحد السجكف مدة ‪ ،‬أدعى عميو‬
‫القاضي المالكي بالكفر كأشيع كضرب‪ ،‬نفى إلى مدينة طرطكس بالشاـ‪ ،‬ثـ قدـ إلى القاىرة خفية‪ ،‬كضرب مف السمطاف‬
‫جقمق بالحكش أماـ المبلء العاـ‪ ،‬ثـ أخرج مف القاىرة عمى أقبح كجو منفيا إلى طرابمس حتى مات عاـ ‪864‬ىػ ‪ 1459/‬ـ‬
‫‪ .‬ابف تغرػ بردؼ ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪ 16‬ص ‪ ، 210‬ابف إياس ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 278‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬تمراز البكتمرػ‪ ،‬المؤيدػ المصارع‪ ،‬تنقل في عدة كظائف حتى أصبح مف أمراء السمطاف الظاىر برسباؼ‪ ،‬فأُرسل نائباً‬
‫نائباً إلى القدس مرة بعد أخرػ‪ ،‬كنفي إلى الشاـ‪ ،‬ثـ رجع لمقاىرة ‪ ،‬ثـ أرسل لجدة شاداً أكثر مف مرة كاخرىا أخذ ما حصل‬
‫عميو مف ميناء جدة كىرب‪ ،‬كفي نياية حياتو قتل في معركة باليمف كأرسل السمطاف ىدية لصاحب اليمف لتسميـ أمكالو التي‬
‫سرقيا مف ضرائب ميناء جدة‪ ،‬ككاف شديد البطش مع سكء خمق‪ ،‬تكفي عاـ ‪855‬ىػ ‪1451/‬ـ ‪ .‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع ‪،‬‬
‫ج‪ 3‬ص ‪. 36-35‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لـ يكف خمفاء جانى بؾ الظاىرؼ في نيابة جدة يتميزكف بحنكتو كحسف تدبيره ‪.‬لذلؾ اختاره‬
‫السمطاف ليتكلى نيابة جدة لممرة الثانية‪ ،‬إال انو استمر عمي ما كاف عميو مف التشدد في جباية الضرائب‬
‫كنيب أمكاؿ التجار‪ ،‬مما ترتب عميو إعراض عدد كبير مف تجار اليند عف السفر إلى جدة‪ ،‬كتكجيو‬
‫نشاطيـ إلى ميناء عدف (‪ ،)1‬كلـ ينتو األمر عمي ذلؾ بأف أصبح يطمع في أكثر مما ىك فيو‪ .‬كبالبحث‬
‫عف نياية جاني بيؾ لـ نجد ذلؾ إال عند ابف شاىيف الذؼ أكرد الكاقعة كامبلً‪.‬‬
‫يقكؿ ابف شاىيف ‪ " :‬كانت نكبة السمطاف المؤيد(‪ )2‬كخمعو مف المالؾ " (‪ )3‬كأكبر قادة التمرد‬
‫عمى السمطاف المؤيد كاف جانيؾ نائب جدة يؤكد ذلؾ ابف شاىيف بقكلو ‪ " :‬أف أعظـ األسباب فييا كفى‬
‫إثارة ىذه الفتنة ىك جاف بيؾ " (‪ )4‬كيؤكد ابف شاىيف عمى ذلؾ بقكلو ‪ " :‬كاجتيد جانيؾ ىذا في محاربة‬
‫نت انأ حاض ار ىذه الكاقعة مف‬
‫المؤيد" (‪ )5‬كىذه األحداث كانت بمشاىدة ابف شاىيف الذػ يقكؿ‪ ":‬كلقد ُك ُ‬
‫أكليا إلى أخرىا فى ىذا النيار لـ أغب لحظة "‪)6( .‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ابف فيد ‪ ،‬إتحاؼ الكرػ ‪ ،‬ج‪ 4‬ص ‪ ، 634‬عمر بف دمحم بف فيد ‪ ،‬الدرر الكميف ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 115‬‬
‫‪ - 2‬السمطاف المؤيد‪ ،‬ىك المؤيد شيخ بف عبد هلل المحمكدؼ ‪ ،‬قدـ القاىرة كىك ابف ‪ 12‬سنة ككاف جميل الصكرة فمات‬
‫جالبو فاشتراه محمكد تاجر المماليؾ كقدمو لمسمطاف برقكؽ فأعجب بو كجعمو خاسكيا ثـ جعمو مف السقاة ‪ ،‬ككاف ذكياً فتعمـ‬
‫الفركسية كالمعب بالرمح كرمي النشاب كالضرب بالسيف كغير ذلؾ إلى أف تكلى السمطنة ‪815‬ىػ‪1412/‬ـ ككاف محباً لمعمـ‬
‫كالعمماء كبنى كثي اًر مف األماكف منيا جامع المؤيد داخل باب زكيمة ‪ ،‬كما قاـ بأعماؿ جميمة بالحرـ المكي منيا تجديد حمي‬
‫باب الكعبة عاـ ‪816‬ىػ‪1413/‬ـ بمقدار مائتي ألف درىـ كطبله بالذىب كما أرسل مف مصر درجو كمنبر الكعبة مف‬
‫الخشب خطب عميو الخطيب يكـ التركية ‪ ،‬كما قاـ بعمارة عيف بازاف عاـ ‪ 818‬ىػ‪1415/‬ـ فكصمت المياه إلى مكة ‪ ،‬كما‬
‫عمر عيف حنيف عاـ ‪821‬ىػ‪ 1418/‬ـ ككاف تكمفة ىذا العمل ألفي مثقاؿ ذىب مف جيب السمطاف كندب لمعمل بالعيف‬
‫القائد عبلء الديف عمي بف دمحم ‪ .‬كتكفي المؤيد شيخ عاـ ‪824‬ىػ‪1421/‬ـ‪ .‬المقريزؼ‪ ،‬الخطط ‪ ،‬جػ‪2‬صػ‪ ،243‬ابف تغرؼ‬
‫بردؼ ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬جػ‪14‬صػ‪،109‬ابف عماد الحنبمي‪ :‬شذرات الذىب‪ ،‬جػ‪7‬صػ‪.165-164‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.63‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.73‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.73‬‬
‫‪ -6‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.75‬‬
‫‪31‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كما أف تسمطف الظاىر ُخشقدـ(‪ )1‬يقكؿ ابف شاىيف " كأكؿ األكراـ ببل خبلؼ يعتد بو ىك الظاىر‬
‫ُخشقدـ ىذا " (‪ )2‬أؼ أكؿ سمطاف تكلى السمطنة المصرية ذات جنسية ركمية بعد الظاىر برقكؽ (‪)3‬‬
‫كجزاء لدكر جابيؾ نائب جدة في تكلية ُخشقدـ يتـ تقرير جاف بيؾ لكالية جدة ‪ ،‬يقكؿ ابف شاىيف ‪ ":‬استقر‬
‫في كظيفة الدكادارية الكبرػ "(‪ )4‬كلـ يمر كقت إال كيتكلى جاف بيؾ الدكادارية الثانية(‪. )5‬‬
‫كازداد نفكذ جانى بيؾ كاحتفل باستم ارره في نيابة جده في عيد السمطاف ُخشقدـ بكليمة كبيرة يقكؿ‬
‫عنيا ابف شاىيف " كأمر يجمع القراء كالناس إلى ىذه الكليمة ‪ ...‬كاحتفل ليذه الكليمة غاية االحتفاؿ ‪...‬‬
‫ثـ أشيع عنو بأنو فعميا لغرض مف األغراض ‪ ،‬كبمغ ذلؾ السمطاف فأسر في نفسو " (‪ )6‬كاخذ السمطاف‬
‫في التنمر لجاف بيؾ نائ ب جدة منذ يكـ الكليمة كخصكصا ما عممو عف جاف بيؾ يقكؿ ابف شاىيف‪ ":‬إف‬
‫السمطاف بمغو ممف يثق بو اف جانيؾ ىذا في قصده كعزمو الثكراف بو ىك كجامعة مف خشداشيو(‪)7‬‬
‫كغيرىـ ممف انتمى لو مف أصحابو‪ ،‬كأنو في ليمة الكليمة قد تـ اتفاقو كاياىـ‪ ،‬كزاد الكبلـ في تفاصيل‬
‫ذلؾ‪ ،‬كذكركا كيفية ما قيل عنيـ إنيـ يفعمكنو بالظاىر ُخشقدـ ككيف شكر عمى األمر‪ ....‬فإنو كطأ بيا‬
‫لسمطنتو لنفسو‪ ...‬فيقاؿ أنيـ اتفقكا عمى ذلؾ بأف يككف يكـ األربعاء ثاني أك ثالث ذؼ الحجة كيصبح في‬

‫‪ - 1‬الظاىر ُخشقدـ‪ ،‬اشتراه المؤيد كىك ابف عشر ثـ اعتقو بعد مدة كصار مف المماليؾ السمطانية ثـ في دكلة ابنو المظفر‬
‫خاصكياَ ثـ في دكلة الظاىر ساقياَ ثـ تأمر عشرة كصار مف رءكس النكاب ثـ مقدماً بدمشق ثـ رجع إلي القاىرة‪ ،‬كفي عيد‬
‫األشرؼ إيناؿ تكلي إمرة سبلح إلي أف بكيع بالسمطنة‪ .‬السخاكؼ ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج ‪ 3‬ص ‪.175‬‬

‫‪ -2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض ‪ ،‬الباسـ ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 80‬‬


‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض ‪ ،‬الباسـ ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.80 – 79‬‬
‫‪ --4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض ‪ ،‬الباسـ ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -5‬الدكادارية ‪ ،‬كظيفة عظـ شأنيا في منتصف القرف الرابع عشر‪ ،‬فبعد أف كاف يمييا أمراء العشرات أك الطبمخاناه ‪ ،‬كليميا‬
‫كليميا أمراء األلكؼ أف أمراء الدرجة األكلى‪ ،‬كفى أياـ الناصر فرج فقد كاف الدكادارية يشرفكف عمى البريد كالمالية كعمى‬
‫العزؿ كالقضاء ‪ ..‬كباتساع اختصاصات الدكادار كثر عدد الدكادارية حتى بمغ في بعض الفترات عشرة ‪ ،‬كعندئذ عرؼ‬
‫اكبر ىـ باسـ الدكادار الكبير‪ ،‬ثـ ظيرت كظيفة الدكادار الثاني ‪ ،‬ككاف الدكادار يشاكر السمطاف فيمف يؤذف لو بدخكؿ‬
‫القصر‪ ،‬فإف كاف مف يؤذف لو بالمقابمة غير كاقف عمى قكاعد التشريفة فإف الدكادار يمقنو القكاعد قبل المثكؿ بيف يدؼ‬
‫السمطاف‪ ،‬احمد السعيد سميماف‪ ،‬تأصيل ما كرد في تاريخ الجبرتي مف الدخيل ‪ ،‬دار المعارؼ مصر ‪ 1979‬ـ صػ‬
‫‪ ،111‬زيف العابديف شمس الديف نجـ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.245 – 244‬‬
‫‪ -6‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.232‬‬
‫‪ - 7‬خشداشية‪ ،‬يتككف ىذا المفع مف الكممة الفارسية (خكش)بمعني حسف أك طيب كالكممة الفارسية (داش) بمعني رفيق أك‬
‫أك اخ فيككف معناىا رفيق مخمص أك أخ طيب‪ ،‬كفي اصطبلح المماليؾ ىـ األمراء الذيف نشأكا مماليؾ عند سيد كاحد‬
‫فنشأت بينيـ رابطة الزمالة القديمة‪ .‬زيف العابديف شمس الديف نجـ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.222‬‬
‫‪32‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يكـ الخميس سمطانا" (‪ )1‬كعمـ السمطاف ُخشقدـ بذلؾ كرتب عمى اغتياؿ جانيؾ كحاشيتو يقكؿ ابف‬
‫شاىيف‪ " :‬فرتب الظاىر ُخشقدـ بعض مماليكو في ليمة الثبلثاء كاتفق معو عمى قتمو إذا طمع إلى القمعػ ػ ػ ػػة‬
‫(‪ )2‬كقتل تنػ ػ ػ ػػـ رصاص(‪ )3‬معػ ػ ػػو فإنو ك ػ ػ ػ ػ ػػاف أكبر القائميف معػ ػ ػ ػ ػػو كالرأس في ذلؾ " (‪ )4‬كما أف كصل‬
‫كصل جانبؾ كتنـ الرصاص إلى القمعة فظير لو جماعة مف مماليؾ ُخشقدـ يقكؿ ابف شاىيف‪ " :‬فكصمكا‬
‫إليو دفعة كاحدة‪ ،‬كأحدقكا بو كىـ بالسيكؼ‪ ،‬كتناكلكه بيا حتى كقع عمى األرض‪ ،‬كىرب مف كاف معو مف‬
‫جماعتو" (‪.)5‬‬
‫كلـ يتركو جماعة ُخشقدـ بل ظمكا يتناكلكنو بالضرب ‪ ،‬يكاصل ابف شاىيف عممية قتمو فيقكؿ ‪ :‬ككجد‬
‫بو بعض الرمق ‪ ،‬فأخذكا حج ار حمبل بجيد ‪ ،‬ثـ ألقكه عمى رأسو فردخو بو فمات مف كقتو " (‪ )6‬ثـ رجع‬
‫مماليؾ ُخشقدـ إلى تنـ الرصاص كتناكلكه بالضرب حتى مات " (‪ )7‬كبذلؾ فرغ منصب نائب جدة فقرر‬
‫السمطاف ُخشقدـ تعيف بدر الديف أبك الفتكح المنكفي (‪ ،)8‬الذؼ فرض غرامات عمى بعض التجار (‪،)9‬‬
‫(‪ ،)9‬نتيجة إفبلس الخزانة المممككية لذلؾ أصدر السمطاف قايتباؼ إلى نائب جدة مرسكـ فيو تكبيخ لو‬

‫‪ -1‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 232‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪.171 ، 170 ، 169 ، 168 ، 167‬‬
‫‪ -2‬القمعة ‪ ( ،‬قمعة الجبل ) كىي القمعة المعركفة بالقاىرة ‪ ،‬كالكاقعة عمى سفح جبل المقطـ كعل ارتفاع ‪ 250‬قدـ ‪ ،‬كقاـ‬
‫ببنائيا‪ ،‬صبلح الديف األيكبي سنة ‪573‬ىػ ‪1177 /‬ـ ‪ ،‬كقد تـ ذلؾ عمى يد قراقكش بف عبد هلل بياء الديف‪ ،‬كقد تكفى‬
‫صبلح الديف قبل أف ينتيي بناء القمعة فأىمل العمل مدة إال أف السمطاف الممؾ الكامل أتميا كسكنيا ‪،‬كتتككف مف عدة‬
‫أبكاب‪ ،‬كاستمرت دا اًر لمحكـ في مصر حتى سنة ‪1267‬ىػ ‪1850 /‬ـ ‪ ،‬كقد ط أر عمى بنائيا تغييرات عدة كاضافات في‬
‫أزماف مختمفة‪ ،‬كليا عدة أبراج كتمثل ىذه األبراج سجكنيا ‪ .‬ابف تغرػ بردػ ‪ ،‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪ 10‬ص ‪ 43‬حاشية ‪. 3‬‬
‫‪ - 3‬تنـ الرصاص‪ ،‬أحد خاصكية أستاذه بخشاش الجركسى ‪ ،‬ترقي بعد كفاة سيده إلى أف كصل إلى كالي الحسبة بالرشكة‬
‫بالرشكة في آخر أياـ األشراؼ إيناؿ ‪ ،‬كفي أكائل سمطنة الظاىر خشقدـ تكلى إمرة طبمخاناه كاستمر حتى قتل بيد بعض‬
‫بحارة الجبلب عاـ ‪867‬ىػ ‪1462 /‬ـ ‪ ،‬كلـ يستكمل عمره ‪ 40‬سنة ككاف شجاعاً متجمبلً شديد القسكة ‪ .‬السخاكؼ ‪ ،‬الضكء‬
‫البلمع‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪. 44- 43‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.232‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.232‬‬
‫‪ -6‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.233‬‬
‫‪ -7‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.233‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬دمحم بف دمحم البدر أبك الفتكح بف العز المتكفى‪ ،‬عمل في بادغ أمره مباشر التكقيع عند جاني بؾ الظاىرؼ نائب جدة ‪،‬‬
‫أمره عمى جدة كصادر أمكالو‬
‫ثـ عمل شاىداً ‪ ،‬ثـ باشر نظر األكقاؼ‪ ،‬كلما تكلى السمطاف قايتباؼ كاله نظر البيمارستاف ثـ َ‬
‫مره بعد مرة كأىانو في حاالت كثيرة بحيث أصبح ال يمتمؾ شيئاً كىك أشبو بغيره مف النكاب لجدة ‪ .‬السخاكؼ‪ ،‬الضكء البلمع‬
‫‪ ،‬ج‪ 10‬ص ‪. 36-35‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬عز الديف بف فيد ‪ ،‬بمكغ القرػ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 348‬‬
‫‪33‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يقكؿ العز بف فيد " كأُعطي نائب جدة مرسكماً فيو الغضب عميو مف السمطاف‪ ،‬كأف يحمل إلى القاىرة‬
‫المباشركف كالقباني (‪ )1‬كجماعة نحك العشريف‪ ،‬كاف األمكات يمكتكف بجدة كمكة كمعيـ أمكاؿ كثيرة كانؾ‬
‫كانؾ غير ممتفت لخزائننا الشريفة لتعميرىا "(‪. )2‬‬
‫ىـ‪-‬عمي بن رمضان‪:‬‬
‫كلـ يستمر بدر الديف المنكفي طكيبل حيث تـ عزلو كتعيف عمى بف رمضاف األسممي (‪ )3‬كالذؼ سافر‬
‫إلى بندر جدة ككاف مساعدة احمد بف العيني ‪ ،‬يقكؿ ابف شاىيف " سافر عمى بف رمضاف القبطي إلى‬
‫بندر جدة‪ ....‬بعد أف ألتزـ بماؿ كبير‪ ،‬قدره عمى نفسو مف ىذه الجية " (‪. )4‬‬
‫ككانت بداية عمى بف رمضاف مساعداً ألبيو الذػ كاف رسكالً بيف أبكاب الكزراء يقكؿ ابف شاىيف "‬
‫ككاف كثير المخالطة ألىل الفسق كالفساد ‪ ....‬ثـ خادماً صيرفيا عند جانبؾ نائب جدة فصار البندر بيده‬
‫كعرفو معرفة تامة‪ ،‬كتقرب إلى جانبؾ‪ ،‬كاختص بو لخدمة كنالتو السعادة‪ ،‬كبسط يده في الظمـ بتمؾ‬
‫األخطار الحجازية‪ ،‬كاقتنى الكثير مف كل شيء " (‪ )5‬كعف حياتو الخاصة تناكليا المؤرخكف بشيء مف‬
‫االقتضاب فيقكؿ ابف شاىيف‪ " :‬كتزكج بأربعة نسكة‪ ،‬كاتسعت دائرتو‪ ،‬حتى قيل انو استكلى عمى فكؽ‬
‫الخمسمائة ألف دينار في مدة أكليا سنة تسع كأربعيف كثمانمائة‪ )6( ،‬كىذا يرجع إلى كثرة إيراد ميناء جدة‬
‫يقكؿ ابف شاىيف‪ ":‬انو يرد إلى مكة كل يكـ خمس مائة حمل" (‪ )7‬كىذا يدؿ عمي ما يأتي لجدة مف‬
‫مراكب لذلؾ كاف يتحصل أمكاؿ فكؽ طاقة التجار‪.‬‬

‫‪ -‬القباني‪ ،‬نسبة إلى القباف‪ ،‬كىك نكع مف المكازيف‪ ،‬عرؼ بالدقة في تقدير الكزف‪ ،‬حسف الباشا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ج‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪.891‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عز الديف بف فيد ‪ ،‬بمكغ القرػ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 457‬‬
‫‪ -3‬أؼ القبطي‪.‬‬
‫‪ -4‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،45‬نبيل األمل‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪.210‬‬
‫‪-5‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ، 335 – 334‬السخاكػ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ . 220‬كبالبحث عف ترجمة‬
‫ترجمة عمى بف رمضاف نجد كبلـ عكس ما ذكر يقكؿ ابف إياس " ككاف لطيف الذات‪ ،‬عشير الناس " بدائع الزىكر‪،‬‬
‫ج‪ 2‬ص ‪.447‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،235‬يقكؿ ابف شاىيف " كلما مات أستاذه جانبؾ أخذ فى التقرب مف أحمد بف‬
‫العيني يتمسخره عنده كاضحاكو ‪ ،‬كالبجاحة لو بيف يديو‪ ،‬ككاف ذلؾ دابة قبل ذلؾ‪ ،‬كراج بسبب ذلؾ عند احمد بف‬
‫العيني كاختص بو‪ ،‬في كاف السبب فى تحدثو مع الظاىر ُخشقدـ لو فى أف يتكمـ عمى بندر جدة ‪ ،‬كأجابو إلى ذلؾ "‬
‫ابف شاىيف ج‪ 3‬ص ‪ 235‬كلكف بشرط قاؿ عنو ابف شاىيف ‪ " :‬كالتزـ بماؿ كبير " ج‪ 6‬ص ‪.210‬‬
‫‪ -7‬ابف شاىيف‪ .‬الركض الباسـ‪،‬ج‪ 1‬ص‪.220‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫نظ اًر لككف ابف رمضاف مسرفاً عمى نفسو مجاى ار بالفسق‪ ،‬متيتكاً فيو‪ ،‬ال يبالى فيما يقاؿ عنو (‪،)1‬‬
‫كىذا راجع إلى إسكات السمطات المممككية طالما يجمع ما تحتاجو السمطة مف ماؿ يجمعو مف التجار‪،‬‬
‫كالسمطة ال تنصت لصراخ التجار مف كثيرة الضرائب لذلؾ يقكؿ ابف شاىيف‪ " :‬ربما أضجر بارتكابو‬
‫المعاصي ‪ ،‬مع قمة مركءة "‪)2( .‬‬
‫كيكاصل ابف شاىيف في سرد سيرة حياتو فيقكؿ‪ " :‬ككانت داره كالفندؽ لمداخل كالخارج مف أرباب‬
‫المبلىي كاإلطراب كاألكباش كالعبيد كالخدـ ‪ ،‬مع عدـ الستر كىتؾ الحجاب بيف نسائو كجكاريو ‪ ،‬كبيف مف‬
‫دخل كخرج مف الرجاؿ إلى داره ليبلً كنيا اًر " مع التبذير الزائد ‪ ...‬في كجكه فاسدة ال لغرض صالح ككاف‬
‫مع ذلؾ كمو يتحمل عميو ما شاء هلل تعالى مف الديكاف "‪)3( .‬‬
‫أما عف نيايتو نبلحع اختبلؼ بيف معاصريو فنجد عف ابف شاىيف ‪ ":‬خرج الشياب بف العيني‬
‫لمسرحة‪ ،‬فاستصحب معو لعدـ صبره عنو ‪ ....‬متكجية طندبا (‪ .. )4‬كأثر ذلؾ في ح اررة غريبة ‪ ،‬فتأثر‬
‫لذلؾ باطنو‪ ،‬كحدث بو القكلنج الصفراكؼ فاستأذف ابف العيني في التكجو إلى المحمة لمتداكؼ بيا " (‪)5‬‬
‫كمف خبلؿ النص نجد الغمكض في مرض ابف رمضاف كيصحح ذلؾ السخاكػ فيقكؿ " ككاف خرج في‬
‫خدمة الشيابي المذككر إلى السرحة فاعتراه مف كثرة الشرب " (‪ )6‬كرغـ ىذا المرض الشديد نجد ابف‬
‫شاىيف يقكؿ ‪ " :‬ثـ ىداه رأيو المخبكؿ إلى دخكؿ الحماـ ظناً أف ذلؾ مما يشفيو ‪ ،‬كما عرؼ أف المنية‬
‫فيو‪ ،‬كلما خرج مف الحماـ حصل لو أرؽ كقمق كسير عظيـ ‪ ،‬فبعث في تمؾ الحالة بطمب المغاني كأرباب‬
‫المبلىي إليو ‪ ،‬فسامركه في ليمتو تمؾ ‪ ،‬كقطعكىا بسخف زائد كفسق كفساد(‪.)7‬‬
‫كيكاصل ابف شاىيف في سرد ماسات عمي بف رمضاف فقكؿ‪ " :‬تشكش فكرة‪ ،‬كحصل لو ما يشبو‬
‫الماليخكاليا أك ىي عمة المراقيا ‪ ،‬فطمبو السمطاف مف طبقة الزماـ (‪ ، )8‬كأخذ يكمـ السمطاف بكممات ما‬

‫‪ -1‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.235‬‬


‫‪ -2‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.235‬‬
‫‪ -3‬ابف شاىيف ‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪.235‬‬
‫‪ -4‬طندبا‪ ،‬الصح طنتدبا‪ ،‬أؼ طنطا‪ ،‬السخاكػ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص‪ ،221‬كيقكؿ ابف إياس " كخرج معو إلى سرحو‬
‫نحك الشرقية " بدائع الزىكر‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.447‬‬
‫‪ -5‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،235‬السخاكػ‪ ،‬الضكء البلمع‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.221‬‬
‫‪ -6‬السخاكػ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 221‬‬
‫‪ -7‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪ ،236 ، 235‬نبيل األمل ‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪ ،258‬السخاكػ‪ ،‬الضكء البلمع ‪ ،‬ج‪5‬‬
‫ص ‪ ،221‬ابف إياس‪ ،‬بدائع الزىكر ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.447‬‬
‫‪ -8‬طبقة الزماـ ‪،‬لقب مكظف أضيف إليو بعض األسماء في العصر اإلسبلمي لمداللة عمي كظيفة اإلشراؼ كالييمنة‬
‫عمييا‪ ،‬كالزماـ لقب مكظف كاف في البداية بمثابة كاسطة ما بيف الخميفة مف جية ككزراء دكلتو كأكابر أعيانيا مف جية‬
‫‪35‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أصبيا السمطاف‪ ،‬فأمر يعرػ كيضرب المقارع ‪ ،‬فتشفع فيو بعد تعريتو ‪ ،‬كاعتذر عنده بأنو حصل عميو‬
‫جنكف أك نحكه ‪ ،‬فقاؿ السمطاف ‪:‬ليس لممجانيف إال البيمارستاف ‪ ،‬كأمر بو‪ ،‬فأنزؿ إليو عريانا ‪ ،‬مكشكؼ‬
‫الرأس ‪ ،‬كالسمسمة في عنقو ‪ ،‬كجعل عند المجانيف أياماً‪ ،‬كجرت عميو أنكاد ‪ ،‬ثـ آؿ بو األمر أف أعيد إلى‬
‫طبقة الزماـ" (‪ )1‬كلـ يمر إال ثبلث أشير كأفرج عنو‪ ،‬يقكؿ ابف شاىيف أحد شيكد العياف‪ " :‬كفى رمضاف‬
‫أفرج عف أبى الفتح المنكفي نائب جدة بعد أمكر جرت عميو ‪ ،‬كمبمغ لو صكرة ألزـ بو كبيعت أمكالو‬
‫كأثاثو"‪ )2( .‬كعمي أثر ذلؾ تكفى في يكمو كتمت القضية ‪ ،‬ككاف في يكـ السبت خامس عشريف جمادػ‬
‫األكلى سنة إحدػ كسبعيف كثمانمائة " فحمل إلى القاىرة كدفف بيا(‪.)3‬‬
‫كىذه الركاية التي تعبر عف مأساة عمي بف رمضاف كالتي لـ يرد ليا ذكر في المصادر سكػ ابف‬
‫شاىيف ‪ .‬كالذؼ جرػ عمي بف رمضاف نتيجة ظممو لمتجار‪ ،‬كبذلؾ تنتيي كتابات ابف شاىيف في كتاب‬
‫الركض الباسـ عف مكة كجدة ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫اشتمل البحث في اكلو بترجمة عف ابف شاىيف الحنفي‪ ،‬حيث اشير إلى اسمو‪ ،‬كلقبو‪ ،‬كمكلده ككفاتو‪،‬‬
‫كحياتو كشيكخو كتبلميذه كمنيجو ‪.‬‬
‫اتسمت كتابات ابف شاىيف عف مكة كجدة بالكضكح كاستكماؿ ما اكرده مؤرخيف آخريف كاستكماؿ ما‬
‫لـ يبكح بو بعض المعاصريف مف أحداث مثل ابف فيد كابف تغرؼ بردؼ ‪ ،‬لذلؾ كانت كتابات ابف شاىيف‬
‫مكمبل لما جرػ في مكة كجدة ‪.‬‬
‫كنبلحع مدػ ارتباط تاريخ مكة بجدة‪ ،‬اضافة إلي مدػ ارتباط تاريخ مكة بالدكلة المممككية الثانية‪،‬‬
‫لذلؾ كاف كالية مكة يتـ مف القاىرة بمكافقة السمطاف‪ ،‬إضافة أف مفتاح السيطرة عمى مكة يتـ مف خبلؿ‬
‫السيطرة عمى اقتصاد جدة المحصل مف ضرائب التجارة لذلؾ نجد مدػ االرتباط بينيما ‪.‬‬
‫كما أباح ابف شاىيف بمدػ أىمية جدة لمدكلة المممككية حيث ميناء جدة مصد اًر لمميء خزانة الدكلة‬
‫المممككية التي تعاني مف المشكبلت االقتصادية نتيجة كثرت تمرد الجند الجمباف كالعامة ‪ ،‬لذلؾ نجد‬
‫السمطة المممككية تقكـ بتعيف نكاب لجدة رغـ سكء سمككيـ المالي‪ ،‬إال أف السمطة نغمض عينييا عف ذلؾ‬

‫أخرؼ‪ ،‬ككاف ينتقي مف العمماء كاألعياف‪ ،‬كفي العصر المممككي أصبحت مف أىـ الكظائف كأكثرىا تأثي اًر عمي طبيعة‬
‫الحياة‪ .‬زيف العابديف شمس اليديف نجـ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.306‬‬
‫‪ -1‬ابف شاىيف‪ ،‬نيل األمل ‪ ،‬ج‪ 8‬ص ‪.114 – 113‬‬
‫‪ -2‬ابف شاىيف‪ ،‬يل األمل ‪ ،‬ج‪ 8‬ص ‪. 119‬‬
‫‪ - 3‬ابف شاىيف‪ ،‬الركض الباسـ‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.199‬‬
‫‪36‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫طالما ينفذ أكامرىا مف جمع أكبر قدر مف األمكاؿ مف الضرائب كالعثكر كأمكاؿ األمكات الذيف يمكتكف‬
‫بجدة كمكة كمعيـ أمكاؿ كثيرة كلـ يترؾ كريث ‪.‬‬
‫كليذا حرصت السمطة المممككية عمى حفع األمف بمكة كجدة كاستقرار الحكـ فييما لبلرتباط الجدلي‬
‫بيف ىذه األطراؼ الثبلثة ‪ ،‬جدة كمكة كالمماليؾ كىذا ما أظيره ابف شاىيف مف خبلؿ كتابو الركض الباسـ‬
‫في حكادث العمر كالتراجـ ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬المصادر‪:‬‬
‫األزرقي‪ :‬أبي الكليد دمحم بف عبد هلل بف أحمد(ت ‪223‬ىػ‪837/‬ـ)‬
‫‪ -‬أخبار مكة كما جاء فييا مف آثار‪ ،‬تحقيق رشدؼ ممحس‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬دار الثقافة مكة‬
‫المكرمة‪1416،‬ىػ‪1996/‬ـ‪.‬‬
‫اإلدريسي‪ :‬أبك عبد هلل دمحم بف دمحم بف عبد هلل إدريس (ت‪560‬ىػ‪1164/‬ـ)‪.‬‬
‫‪ -‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ اآلفاؽ ‪،‬مكتبة الثقافة الدينية القاىرة ‪1994‬ـ‪.‬‬
‫ابف إياس‪ :‬دمحم بف أحمد بف إياس الحنفي (ت ‪930‬ىػ‪1524/‬ـ)‬
‫‪ -‬بدائع الزىكر في كقائع الدىكر‪ ،‬تحقيق دمحم مصطفى‪،‬القاىرة‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪1404 ،‬ىػ‪1205/‬ـ‪.‬‬
‫ابف بطكطة ‪ :‬أبك عبد هلل دمحم بف عبد هلل ( ت ‪779‬ىػ‪1377 /‬ـ)‪.‬‬
‫‪ -‬تحفة النظار في غرائب األمصار كعجائب األسفار ‪ ،‬بيركت دار صادر ‪1964‬ـ‪.‬‬
‫بيبرس الدكادار (ت‪725‬ىػ‪1324/‬ـ)‬
‫‪ -‬مختار األخبار ‪ ،‬تحقيق عبد الحميد صالح حمداف ‪ ،‬الدار المصرية المبنانية ‪ ،‬القاةرة‪1413‬ىػ ‪1993 /‬ـ‪.‬‬
‫التجيبي‪ :‬القاسـ بف يكسف السبتي ( ت ‪730‬ىػ‪1329/‬ـ)‪.‬‬
‫‪ -‬مستفاد الرحمة كالغتراب‪ ،‬تحقيق عبد الحفيع منصكر ‪ ،‬تكنس ‪ ،‬الدار العربية لمكتاب ‪1975‬ـ‪.‬‬
‫ابف تغرؼ بردؼ‪ :‬جماؿ الديف أبك المحاسف يكسف(ت‪874‬ىػ‪1470/‬ـ)‬
‫‪ -‬النجكـ الزاىرة في ممكؾ مصر كالقاىرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬جماؿ الديف الشياؿ‪ ،‬فييـ دمحم شمتكت‪ ،‬القاىرة‪1392 ،‬ىػ‪1972/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬المنيل الصافي المستكفي بعد الكافي ‪ ،‬تحقيق نبيل دمحم عبد العزيز ‪ ،‬مركز تحقيق التراث ‪ ،‬القاىرة ‪1988‬ـ‪.‬‬
‫ابف حجر العسقبلني‪ :‬أحمد بف عمي (ت‪852‬ىػ‪1449/‬ـ)‬
‫‪ -‬إنباء الغمر بأبناء العمر‪ ،‬تحقيق حسف حبشي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬المجمس األعمى لمشئكف اإلسبلمية ‪1389‬ىػ‪.‬‬
‫السخاكؼ‪ :‬دمحم بف عبد الرحمف(ت ‪902‬ىػ‪1496/‬ـ)‬
‫‪ -‬الضكء البلمع ألىل القرف التاسع‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الجيل‪1992 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬التبر المسبكؾ فى ذيل السمكؾ ‪ ،‬مكتبة الكميات األزىرية ‪ ،‬القاىرة بدكف تاريخ‪.‬‬
‫زيف الديف عبد الباسط بف خميل بف شاىيف الحنفي(ت‪920‬ىػ‪1523/‬ـ)‬
‫‪ -‬الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ ‪ ،‬تحقيق عمر عبد السبلـ تدمر‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ ،‬صيد بيركت‬
‫‪ 2014‬ـ ‪1435 /‬ىػ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬نيل األمل في ذيل الدكؿ‪ ،‬تحقيق عمر عبد السبلـ تدمرؼ‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ ،‬صيدا بيركت‪1422 ،‬ىػ‪2002/‬ـ‪.‬‬
‫ابف العماد‪ :‬أبك الفبلح عبد الحي الحنبمي (ت‪1089‬ىػ‪1678/‬ـ)‬
‫‪ -‬شذرات الذىب في أخبار مف ذىب ‪ ،‬دار الفكر لمطباعة كالنشر كالتكزيع ‪ ،‬بيركت ‪1414‬ىػ‪1994/‬ـ‪.‬‬
‫الفاسي‪ :‬دمحم بف أحمد بف عمي(ت‪832‬ىػ‪1428/‬ـ)‬
‫‪ -‬العقد الثميف في تاريخ البمد األميف‪ ،‬تحقيق فؤاد السيد‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪1406 ،‬ىػ ‪1986/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬شفاء الغراـ بأخبار البمد الحراـ‪ ،‬حققو ككضع فيارسو عمر عبد السبلـ تدمرؼ‪ ،‬دار الكتاب العربي بيركت لبناف‬
‫‪1405‬ىػ‪1985/‬ـ‪.‬‬
‫أبف فيد‪ :‬جار هلل بف العز بف النجـ بف فيد المكي (ف‪954‬ىػ‪1547/‬ـ)‬
‫‪ -‬نيل المني بذيل بمكغ القرػ لتكممة إتحاؼ الكرػ‪ ،‬تحقيق‪ ،‬دمحم الحبيب الييمة‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬مؤسسة الفرقاف لمتراث‬
‫اإلسبلمي‪2000 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬حسف القرؼ في أكدية أـ القرؼ‪ ،‬تحقيق كتقديـ عمي عمر‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاىرة ‪1422‬ىػ‪2001 /‬ـ‪.‬‬
‫ابف فيد‪ :‬العز عبد العزيز(ت‪922‬ىػ‪1516/‬ـ)‬
‫‪ -‬بمكغ القرػ في ذيل إتحاؼ الكرػ بأخبار أـ القرػ‪ ،‬تحقيق صبلح الديف بف خميل إبراىيـ‪ ،‬عبد الرحمف بف حسيف أبك‬
‫الخيكر‪ ،‬عمياف بف عبد العالي المحمبدػ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار القاىرة‪1425 ،‬ىػ ‪2005/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬غاية المراـ بأخبار سمطنة البمد الحراـ‪ ،‬تحقيق فييـ شمتكت‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬جامعة أـ القرػ‪1409 ،‬ىػ ‪1988/‬ـ‪.‬‬
‫النجـ ابف فيد‪ :‬عمر بف دمحم بف فيد المكي (ت‪885‬ىػ‪1480/‬ـ)‬
‫‪ -‬إتحاؼ الكرػ بأخبار أـ القرػ‪ ،‬تحقيق فييـ دمحم شمتكت‪ ،‬مركز البحث العممي كاحياء التراث اإلسبلمي‪ ،‬جامعة أـ‬
‫القرػ‪1983 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬الدر الكميف بذيل العقد الثميف في تاريخ البمد األميف‪ ،‬تحقيق عبد الممؾ بف دىيش‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار خضر لمطباعة‪،‬‬
‫‪1421‬ىػ‪.‬‬
‫القمقشندؼ‪ :‬أحمد بف عمي(ت‪821‬ىػ‪1418/‬ـ)‬
‫‪ -‬صبح األعشى ‪ ،‬في صناعة اإلنشا ‪ ،‬المؤسسة المصرية العامة لمتأليف كالترجمة كالطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‬
‫‪1967‬ـ‪.‬‬
‫المقريزؼ‪ :‬تقي الديف أحمد بف عمي(ت‪845‬ىػ‪1441/‬ـ)‬
‫‪ -‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ‪ ،‬تحقيق دمحم مصطفى زيادة‪ ،‬القاىرة ‪،‬مطبعة لجنة التأليف كالترجمة كالنشر‪1956،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ‪ ،‬تحقيق‪ ،‬سعيد عبد الفتاح عاشكر‪ ،‬القاىرة ‪،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاىرة ‪1971‬ـ‪.‬‬
‫ياقكت الحمكؼ‪ :‬شياب الديف أبك عبد هلل بف عبد هلل(ت‪626‬ىػ‪1228/‬ـ)‬
‫‪ -‬معجـ البمداف‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار صادر‪( ،‬د ‪ -‬ت)‬
‫ثانياً‪:‬المراجع‪:‬‬
‫إبراىيـ عمى طرخاف‪:‬‬
‫‪ -‬مصر في عصر دكلة المماليؾ الجراكسة ‪ ،‬مكتبة النيضة المصرية ‪ ،‬القاىرة ‪ 1960‬ـ ‪.‬‬
‫احمد السعيد سميماف ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬تأصيل ما كرد في تاريخ الجبرتي مف الدخيل ‪ ،‬دار المعارؼ مصر ‪ 1979‬ـ‬


‫حسف الباشا ‪:‬‬
‫‪ -‬الفنكف اإلسبلمية كالكظائف عمى اآلثار العربية ‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ ،‬القاىرة ‪1966‬ـ ‪،‬‬
‫حسيف باسبلمة‪:‬‬
‫‪ -‬تاريخ عمارة المسجد الحراـ‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪1421 ،‬ىػ ‪2001 /‬ـ‪.‬‬
‫سيد عبدالمجيد بكر‪:‬‬
‫‪ -‬المبلمح الجغرافية لدركب الحجيج ‪ ،‬تيامة جدة المممكة العربية السعكدية ‪1401‬ىػ‪1981/‬ـ‪.‬‬
‫زيف العابديف شمس الديف نجـ‪:‬‬
‫‪ -‬معجـ األلفاظ كالمصطمحات التاريخية‪ ،‬القاىرة ‪1427‬ىػ‪2005/‬ـ‪،‬‬
‫عاتق بف غيث الببلدؼ ‪:‬‬
‫‪ -‬معجـ معالـ الحجا‪ ،‬دار مكة‪،‬مكةالمكرمة‪1398‬ىػ‪1978/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬معجـ قبائل الحجا‪ ،‬دار مكة لمنشر كالتكزيع ‪1399‬ىػ ‪1979 /‬ـ ‪،‬‬
‫عسيرؼ زيارة مكسى جابر آؿ جميل‪:‬‬
‫‪ -‬الككارث فى الحجاز خبلؿ القرنيف الثاني عشر كالثالث عشر البحرييف ‪ /‬الثامف عشر كالتاسع عشر الميبلدييف ‪،‬‬
‫جامعة الممؾ عبد العزيز ‪ ،‬كمية اآلداب ‪ ،‬رسالة غير منشكرة ‪ 1433‬ىػ‪ 2011 /‬ـ‪.‬‬
‫ليمي أميف عبد المجيد ‪:‬‬
‫‪ -‬التنظيمات اإلدارية كالمالية في مكة المكرمة في العصر المممككي ‪ .‬رسالة دكتكراه لـ تنشر جامعة الممؾ عبد العزيز‬
‫بجدة كمية اآلداب كالعمكـ اإلنسانية قسـ التاريخ ‪1419 ،‬ىػ‪1998/‬ـ‪.‬‬
‫دمحم كماؿ الديف عز الديف ‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الباسط الحنفي مؤرخاً ‪ ،‬عالـ الكتب بيركت‪ 1400 ،‬ىػ ‪1990 /‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬دراسات نقدية في المصادر التاريخية‪ ،‬عالـ الكتب‪ ،‬بيركت ‪1414‬ىػ‪1993/‬ـ‪.‬‬
‫دمحم دمحم عامر‪:‬‬
‫‪ -‬الركض الباسـ في حكادث العمر كالتراجـ‪ ،‬لعبد الباسط بف خميل (‪920-844‬ىػ) بحث منشكر في مجمة كمية دار العمكـ‬
‫جامعة القاىرة‪ ،‬العدد الثامف‪ ،‬العاـ الجامعي ‪1978/1977‬ـ‪.‬‬
‫دمحم مصطفي زيادة‪:‬‬
‫‪ -‬المؤرخكف في مصر في القرف الخامس عشر القرف التاسع اليجرؼ‪ ،‬القاىرة ‪1954‬ـ‪.‬‬

‫‪39‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫بريطانيا وحكومة الدفاع الوطني في العراق‬


)1941-1940(
Britain and the national defense government in Iraq
(1940-1941)
‫ جعفر محمكد سمماف‬.‫ـ‬.‫ـ‬
‫ العراؽ‬- ‫ ك ازرة التربية‬،‫مديرية تربية الرصافة الثانية‬
Preparation
Assistant teacher
Jaafar Mahmoud Salman
Ministry of Education
Directorate of Education, the second Rusafa
bb.ss2f@gmail.com
‫ىػ‬1441
‫ـ‬2020
:‫ممخص البحث‬
‫تسػجل الحركػػة الكطنيػػة االسػػتقبللية العراقيػػة ضػػمف عنػاكيف الكفػػاح التحػػررؼ العربػػي المعاصػػر ضػػد‬
‫ كنضاؿ الشػعب الع ارقػي تميػز‬،‫التكاجد االستعمارؼ كمحاكالتو الرامية الى احكاـ الضقية عمى المنطقة كميا‬
‫ كقػد اتسػمت ىػذه المرحمػة الميمػة مػف تػاريخ العػراؽ‬،‫بيف النضاؿ السياسي تػارة كالكفػاح المسػمح تػارة اخػرػ‬
‫ ككػػاف حككمػػة الػػدفاع‬،‫المعاصػػر بتطػػكرات ميمػػة كتػػأثيرات عميقػػة عمػػى التحػػرر مػػف االحػػتبلؿ االجنبػػي‬
‫الكطني دك ار ميما في تاريخ الحركة الكطنية العراقيػة فػي مقاكمػة االحػتبلؿ البريطػاني ابػاف الحريػة العالميػة‬
.‫الثانية‬
)‫ مقاكمة الشعب‬،‫ الجيش العراقي‬،‫ الحككمة االئتبلفية‬،‫ (االحتبلؿ البريطاني‬:‫الكممات المفتاحية‬
Abstract
The Iraqi independent national movement is registered under the headings
of the contemporary Arab liberation struggle against the colonial presence and
its attempts aimed at the provisions of the tribulation over the whole region, and
the struggle of the Iraqi people distinguished between the political struggle at
one time and the armed struggle at another time, and this important stage of
contemporary Iraqi history was marked by important developments and
profound effects on Liberation from foreign occupation, and the national
defense government had an important role in the history of the Iraqi national
movement in resisting the British occupation during the Second World .

40
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪Key words: (British occupation, coalition government, Iraqi army, resistance to‬‬
‫)‪the people‬‬
‫أكالً ‪ :‬قياـ الحككمة االئتبلفية عاـ ‪1940‬‬
‫سػاىمت االحػداث الداخميػة كالخارجيػػة الػى اسػتقالة رئػػيس الػكزراء نػكرؼ السػػعيد فػي (‪ )18‬شػباط عػػاـ‬
‫‪ ،1940‬ككانت استقالتو قد ادت الى محاكلة لتشكيل الك ازرة الجديدة الى انشقاؽ قادة الجيش الى جماعتيف‬
‫االكلػػى تضػػـ حسػػيف فػػكزؼ رئػػيس االركػػاف كدمحم امػػيف العمػػرؼ كعبػػد العزيػػز يػػاممكي‪ ،‬ككػػانكا يحػػاكلكف إقنػػاع‬
‫رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي لتػػكلي الػػك ازرة‪ ،‬كقػػد عرضػكا اقتػراحيـ عمػػى الكصػػي‪ ،‬كمػػا كضػػعكا قطعػػات الجػػيش فػػي‬
‫معسكر الكشاش (حديقة الزكراء حالياً) في حالة إنذار‪.‬‬
‫أمػػا المجمكعػػة الثانيػػة فقػػد ضػػمت كػػل مػػف العقػػداء القػػكمييف‪ ،‬صػػبلح الػػديف الصػػباغ كمحمػػكد سػػمماف‬
‫كفيمػػي سػػعيد ككامػػل شػػبيب‪ ،‬الػػذيف كضػػعكا الجػػيش فػػي معسػػكر الرشػػيد فػػي حالػػة انػػذار‪ ،‬كاجتمعػكا فػػي دار‬
‫نػػكرؼ السػػعيد‪ ،‬كبعػػد االجتمػػاع قابػػل نػػكرؼ السػػعيد كالقػػادة الكصػػي كطمب ػكا منػػو اتخػػاذ اج ػراءات ضػػد رئػػيس‬
‫االركػػاف فكافػػق الكصػػي عمػػى احالتػػو الػػى التقاعػػد(‪ ،)1‬كاقتػػرح رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي تشػػكيل حككمػػة ائتبلفيػػة‪،‬‬
‫تضـ لذيف تكلكا رئاسة الك ازرات السابقة‪ ،‬إذ نكرؼ السعيد كػاف يػرػ فػي دفػع رشػيد عػالي الكيبلنػي الػى سػدة‬
‫الحكـ استراتيجية يمكف ليا اف تضمف لو مشاركة رئيس الكزراء الجديػد فػي تكقيػع فصػكؿ السياسػة المكاليػة‬
‫لبريطانيا‪ .‬تردد رشيد عف مثل ىذا التكميف أؼ تأليف الك ازرة الجديدة لسببيف‪:‬‬
‫أكليمػػا اخبلقػػي ألنػػو يخشػػى اف يفسػػر النػػاس كجػػكده فػػي الػػببلط الممكػػي سػػبباً فػػي كصػػكلو الػػى رئاسػػة‬
‫الك ازرة‪ ،‬ثانييما سياسي‪ ،‬فاف الحالة التي نشػأت بعػد مقتػل رسػتـ حيػدر فػي ‪ 18‬كػانكف الثػاني عػاـ ‪،1940‬‬
‫كقد كضعت المممكة العراقية في حالة غير اعتيادية اضافة الى سماعو بخبر معارضة بعض القادة دخػكؿ‬
‫(‪)2‬‬
‫نكرؼ السعيد كطو الياشمي في الك ازرة الجديدة الشيء الذؼ كضعو في مكضع التردد‪.‬‬
‫كانت رسالة الكصي عبد االلو الى رشيد عالي كي يتكلى تأليف الك ازرة بالكل التالي ((كزيرؼ االفخػـ‬
‫رشيد عالي الكيبلني‪ .‬بناء عمى استقالة نكرؼ السعيد مف منصب رئاسة الكزراء‪ ،‬كنظ اًر الى مػا نعيػده فػيكـ‬
‫مػػف د اريػػة كاخػػبلص‪ ،‬فقػػد رأينػػا اف نعيػػد الػػيكـ برئاسػػة الػػك ازرة‪ ،‬عمػػى اف تنتخبػكا زمبلئكػػـ كتعرضػكا اسػػمائيـ‬
‫(‪)3‬‬
‫عمينا ك هلل كلي التكفيق))‪.‬‬

‫(‪ )1‬جعفػػر عبػػاس حميػػدؼ‪ ،‬تػػاريخ الع ػراؽ المعاصػػر ‪ ،1968 -194‬دار كمكتبػػة عػػدناف‪ ،‬بغػػداد‪ ،2015 ،‬ص ص ‪-159‬‬
‫‪.160‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرزاؽ الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات العراقية‪ ،‬ج‪ ،5‬بغداد‪ -‬دار الشؤكف الثقافية العامة‪ ،1988 ،‬ط‪ ،7‬ص‪.130‬‬
‫(‪ )3‬عبد الرزاؽ الحسني‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.131‬‬
‫‪41‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تشػػكمت الػػك ازرة االئتبلفيػػة فػػي ‪ 31‬آذار ‪ 1940‬بمكجػػب االدارة الممكيػػة المرقمػػة ‪ 157‬لسػػنة ‪1940‬‬
‫كضمت االسماء التالية‪ :‬رشػيد عػالي الكيبلنػي رئيسػاً لمػكزراء ككزيػ اًر لمداخميػة بالككالػة‪ ،‬كنػكرؼ السػعيد كزيػ اًر‬
‫لمخارجية‪ ،‬ناجي السكيدؼ كزي اًر لممالية‪ ،‬كناجي شػككت لمعدليػة‪ ،‬كطػو الياشػمي كزيػ اًر لمػدفاع‪ ،‬كعمػك نظمػي‬
‫كزيػ ػ اًر لبلش ػػغاؿ كالمكاص ػػبلتف كص ػػادؽ البص ػػاـ كزيػ ػ اًر لممع ػػارؼ‪ ،‬كدمحم ام ػػيف زك ػػي كزيػ ػ اًر لبلقتص ػػاد‪ ،‬كاخيػ ػ اًر‬
‫(‪)1‬‬
‫رؤكؼ البحراني كزي اًر لمشؤكف االجتماعية‪.‬‬
‫يبلحع عمى ىذه الػك ازرة انيػا ضػمت اربعػة رؤسػاء حككمػة سػابقيف ىػـ‪ :‬نػكرؼ السػعيد كنػاجي شػككت‬
‫كنػػاجي السػػكيدؼ كرشػػيد عػػالي الكيبلنػػي‪ ،‬كبمجػػرد اسػػتبلمو مقاليػػد الػػك ازرة قػػدـ رشػػيد عػػالي برنامجػػو فػػي ‪6‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نيساف ‪.1940‬‬
‫كك ػػاف االىتم ػػاـ كبيػ ػ اًر عم ػػى الص ػػعيد ال ػػداخمي بب ػػث ركح الطمأنين ػػة كاالس ػػتقرار ف ػػي ال ػػببلد‪ ،‬كص ػػيانة‬
‫الحريػػات عمػػى اسػػاس جعػػل احكػػاـ الدسػػتكر كالقػكانيف فػػكؽ كػػل اعتبػػارف كحصػػر مصػػركفات الدكلػػة بمػػا ىػػك‬
‫ضػػركرؼ كتحديػػد الصػػرؼ فػػي المسػػائل األخػػرػ‪ ،‬كاكػػد عمػػى عمميػػة اجػراء انتخابػػات تضػػـ لممجمػػس النيػػابي‬
‫نكابػاً احػ ار اًر يػػدافعكف عػػف مصػػالح الشػػعب كيناقشػػكف جميػػع المشػػاريع المقدمػػة مػػف لػػدف الحككمػػة‪ .‬كالتركيػػز‬
‫أيض ػاً عمػػى ضػػركرة تسػػميح الجػػيش الع ارقػػي مػػف كػػل الجيػػات كبكػػل الكسػػائل مادامػػت بريطانيػػا عػػاجزة عػػف‬
‫تس ػػميحو كتجييػ ػزه‪ ،‬الن ػػو الح ػػع تقاعسػ ػاً ف ػػي ى ػػذه العممي ػػة‪ ،‬كلي ػػذا رك ػػز رش ػػيد ع ػػالي عم ػػى الج ػػيش كالس ػػمطة‬
‫التش ػريعية‪ ،‬كىػػذا فػػي حػػد ذاتػػو انتقػػاداً الذع ػاً لع ػدـ كفػػاء بريطانيػػا بتسػػميح الجػػيش الع ارقػػي‪ ،‬كذلػػؾ يتنػػافى‬
‫كالمعاىدة المكقعة بيف الطرفيف عاـ ‪ ،1930‬اضػافة الػى انػو حػاكؿ اف يجعػل البرلمػاف اداة فعالػة فػي حيػاة‬
‫(‪)3‬‬
‫األمة متحاشياً بذلؾ الكيفيات التي كانت تسير عمييا المؤسسات في العيكد الك ازرية السابقة‪.‬‬
‫الغى رشيد عالي الكيبلني األحكاـ العرفية في ‪ 3‬نيساف‪ ،‬كاطمق سراح عدد مػف السػجناء السياسػييف‪،‬‬
‫كاصػدر تعميمػات الػى دكائػر الدكلػة حثيػا عمػػى العمػل كخدمػة الشػعب‪)4( .‬أعمنػت ك ازرة الكيبلنػي اف سياسػػتيا‬
‫تقػػكـ عمػػى األسػػس التاليػػة‪ ،‬كىػػي تكطيػػد دعػػائـ الحمػػف العربػػي كالعمػػل عمػػى تحقيػػق امػػاني االقطػػار العربيػػة‬
‫المجاكرة‪ ،‬كتحكيـ اكاصر الصػداقة كالتحػالف مػع بريطانيػاعمى اسػاس المصػالح المشػتركة المتقابمػة‪ ،‬كتقكيػة‬
‫اكاصػػر الصػػداقة كالتعػػاكف مػػع دكؿ ميثػػاؽ سػػعد ابػػاد‪ ،‬كادامػػة العبلقػػات الكديػػة اتجػػاه جميػػع الػػدكؿ‪ ،‬كاكػػد‬
‫الكيبلني نيج ك ازرتو القكمي عندما صرح فػي المجمػس النيػابي فػي ‪ 21‬كػانكف االكؿ ‪ ،1940‬بػأف حككمتػو‬

‫(‪ )1‬ناجي شككت‪ ،‬سيرة كذكريات ثمانيف عاماً ‪ ،1974 -1894‬بيركت‪ ،1977 ،‬ص‪.403‬‬
‫(‪ )2‬اسػػماعيل احمػػد يػػاغي‪ ،‬حركػػة رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي‪ ،‬د ارسػػة فػػي تػػاريخ الحركػػة الكطنيػػة العراقيػػة‪ ،‬بيػػركت‪ ،1974 ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪.47‬‬
‫(‪ )3‬طو الياشمي‪ ،‬مذكرات طو الياشمي ‪ ،1943 -1919‬بيركت‪ ،1967 ،‬ص‪.387‬‬
‫(‪ )4‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.162 -161‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ستستمر عمى اداء الرسالة القكمية التي اخذ العراؽ عمػى عاتقػو تحقيقيػا السػيما العػراؽ فػي كضػع يسػتطيع‬
‫معػػو التعبيػػر عػػف تمػػؾ االمػػاني كمتابعػػة تحقيقيػػا‪ ،‬كاعتػػب القضػػية الفمسػػطينية جػػكىر القضػػايا العربيػػة التػػي‬
‫(‪)1‬‬
‫يجب حميا جذرياً‪.‬‬
‫إف البرنامج الحككمي ليذه الػك ازرة الكيبلنيػة‪ ،‬كالػذؼ مػس كافػة األصػعدة ككاكػب عػدة تطػكرات داخميػة‬
‫كخارجيػة‪ ،‬كعمػػى أرسػيا انػػدالع الحػرب العالميػػة الثانيػة عػػاـ ‪ .1939‬اثػرت االكضػػاع اثنػاء الحػػرب العالميػػة‬
‫الثانيػػة عمػػى العػراؽ قبػػل تشػػكيل الػػك ازرة كعػػايش العػراؽ قبيػػل تػػأليف الػػك ازرة الكيبلنيػػة‪ ،‬كىػػذا كػػاف يػػكحي بػػأف‬
‫الكيبلنػي لػف يكػكف الشخيصػة التػي تسػتغميا بريطانيػا كػأداة طيعػة‪ -‬لتنفيػذ خططيػا كمشػاريعيا‪ ،‬لػذا سػػمكت‬
‫سياسة الخداع مف جديد‪ ،‬كذلؾ ىك طابع االستعمار تطرده مف الباب فيعكد مف النافذة‪.‬‬
‫بحيػػث أري ػت أنػػو مػػف األجػػدر التػػأني فػػي اتخػػاذ الق ػ اررات الحاسػػمة كخاصػػة أنيػػا طػػرؼ فػػي الحػػرب‬
‫العالمي ػػة كذل ػػؾ لس ػػببيف ىم ػػا‪ :‬اف تتحص ػػل عم ػػى المص ػػداقية الكامم ػػة لتنفي ػػذ مش ػػاريعيا االس ػػتعمارية‪ ،‬كى ػػذا‬
‫بتنصيب ىذه الػك ازرة الشػعبية كبالتػالي اسػتغبلؿ نػكرؼ السػعيد المكجػكد ضػمف التشػكيمة الحككميػة كػكزير‬
‫(‪)2‬‬
‫لمخارجية‪ ،‬كىذا التجسيد لمخططاتيا بكل أماف كبطريقة غير مباشرة‪.‬‬
‫كمف ىنا تككف بصماتيا اكثر ثقبلً كغير مشككؾ بو‪ ،‬كالحظت بريطانيا تأني الحككمة الكيبلنية في‬
‫اعبلف مكقفيا مف الحرب العالمية ىل ىي مع دكؿ المحكر اـ الحمفاء‪.‬‬
‫دفعػػت بريطانيػػا بالعناصػػر المكاليػػة لسياسػػتيا كعمػػى أرسػػيـ نػػكرؼ السػػعيد الثػػارة الخبلفػػات ضػػد رئػػيس‬
‫الكزراء الكيبلني‪.‬‬
‫كاف الكيبلني عمى اطبلع كدراية كاضحة عػف سياسػة بريطانيػا كأىػدافيا فػي العػراؽ كالمنطقػة كحػاكؿ‬
‫إخفاء أك ارقػو تجػاه سياسػتو نحػك دكؿ المحػكر خصكصػاً المانيػا‪ .‬امػا نػكرؼ السػعيد فقػد كػاف يػرػ اف تطبيػق‬
‫معاىػ ػػدة عػ ػػاـ ‪ 1930‬بػ ػػيف الع ػ ػراؽ كبريطانيػ ػػا كاسػ ػػتخداميا يجعػ ػػل مننيػ ػػا اداة فػ ػػي خدمػ ػػة مصػ ػػالح الع ػ ػراؽ‬
‫كالعرب‪.‬بالرغـ مػف تظاىرىػا بػاالعتراؼ رسػمياً بمعاىػدة ‪ 1930‬لبريطانيػة‪ -‬العراقيػة‪ ،‬حاكلػت بريطانيػا الػزج‬
‫بعدد كبير مف الكطنييف كعمى رأسيـ الكيبلني‪ ،‬كذلؾ بدفع مف نكرؼ السعيد إلثارة الخبلفػات بػيف الكيبلنػي‬
‫(‪)3‬‬
‫كالييئة العسكرية لتخرج ناجحة مع نكرؼ السعيد ساعدىا األيمف في العراؽ في آخر المطاؼ‪.‬‬
‫كاف الكيبلني يدرؾ جيداً استراتيجية بريطانيا‪ ،‬كخبػث ابعادىػا كاىػدافيا لػذا سػمؾ سياسػة المراكغػة اك‬
‫المعػػب عمػػى الحبمػػيف حتػػى ال يكشػػف اك ارقػػو مػػف البدايػػة‪ ،‬فانػػو كػػاف يػػدارؼ نػػكرؼ السػػعيد الم ػكالي لبلنكميػػز‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.162‬‬


‫(‪ )2‬صبلح الديف الصباغ‪ ،‬فرساف العركبة في العراؽ‪ ،‬دمشق‪ ،1956 ،‬ص‪.190‬‬
‫(‪ )3‬صبلح العقاد‪ ،‬العرب كالحرب العالمية الثانية‪ ،‬القاىرة‪ ،1966 ،‬ص‪.222‬‬
‫‪43‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫اضافة الى تطبيق بنكد المعاىدة البريطانية العراقية ‪ ،1930‬كالتي اراد في الكاقع اف يجعل منيػا اداة فعالػة‬
‫لخدمة مصالح العراؽ كالعرب معاً‪ ،‬كذلؾ بالرغـ مف انو يمقت االستعمار البريطاني بشدة‪ ،‬اضافة الػى انػو‬
‫استمر في تطبيػق الميثػاؽ الربػاعي (سػعد آبػاد ‪ )1937‬الػداعي الػى تػأميف كسػبلمة حػدكد ىػذه الػدكؿ كىػي‬
‫(‪)1‬‬
‫العراؽ كايراف كتركيا كافغانستاف‪.‬‬
‫كاف رشيد عالي الكيبلني حتى اندالع الحرب العالمية الثانية لـ تكف لو اتصاالت سياسية مع معظـ‬
‫دكؿ العػػالـ كساسػػتيا كاحزابيػػا‪ ،‬لككنػػو زعيمػاً محميػاً اكثػػر نػػـ ككنػػو شخصػػية سياسػػية معركفػػة عمػػى الصػػعيد‬
‫العرب ػػي كالع ػػالمي اال قم ػػيبلً‪ ،‬اال اف مج ػػيء مفتػ ػي الق ػػدس ام ػػيف الحس ػػيني ال ػػى بغ ػػداد‪ ،‬كال ػػذؼ يع ػػد م ػػف أكؿ‬
‫الزعمػػاء العػػرب الػػذيف اتصػػمكا بايطاليػػا كالمانيػػا‪ ،‬كخاصػػة كاف سياسػػة االخي ػرة كانػػت مناىضػػة لمصػػييكنية‬
‫(‪)2‬‬
‫العالمية فاراد المفتي استثمار تمؾ السياسة لخدمة القضايا العربية‪.‬‬
‫كبعػد اسػتقرار المفتػػي فػي بغػػداد اسػتطاع كبمػا يممػػؾ مػف قباليػػات كعبلقػات كاسػعة اف يكػػكف لػو تػػأثير‬
‫كبير في الكسط السياس كالعسكرؼ العراقي‪ ،‬فكاف رشيد عالي الكيبلني احد الذيف تأثركا بػو‪ ،‬فػالمفتي الػذؼ‬
‫كقػػف بكجػػو السػػيطرة البريطانيػػة فػػي فمسػػطيف كػػاف يائس ػاً مػػف بريطانيػػا ككعكدىػػا كمتحمس ػاً لمكقػػكؼ بجانػػب‬
‫(‪)3‬‬
‫أعدائيا‪.‬‬
‫في ىذه الظركؼ التي تميػزت بازديػاد المشػاعر القكميػة المعاديػة لبريطانيػة ابمػغ بػازؿ نيػكتف السػفير‬
‫البريطػػاني الحككمػػة العراقيػػة بػػدخكؿ ايطاليػػا الحػػرب‪ ،‬كطمبػػت منيػػا اف تقػػرر مكقفيػػا مػػف ذلػػؾ‪ ،‬فعقػػد مجمػػس‬
‫الػػكزراء اجتماعػاً برئاسػػة الكصػػي عبػػد االلػػو‪ ،‬الػػذؼ كػػاف يريػػد االسػػتجابة لكػػل طمبػػات بريطانيػػا دكف تػػردد اك‬
‫مناقشة يؤيده في ذلؾ نكرؼ السعيد كزير الخارجية الذؼ اصر عمى كجكب قطع العبلقات مع ايطاليا‪ ،‬كمػا‬
‫قطعػػت مػػع المانيػػا مػػف قبػػل‪ ،‬لكػػف مجمػػس الػػكزراء اصػػدر ق ػ ار اًر فػػي (‪ )17‬حزي ػراف ‪ 1940‬ابمغػػو اف السػػفير‬
‫البريطاني كفيو اف الحككمة العراقيػة متمكسػة بمعاىػدة التحػالف المعقػكدة بػيف الػدكلتيف‪ ،‬اال انيػا تتريػث فػي‬
‫(‪)4‬‬
‫الكقت نفسو في امر قطع العبلقات السياسية بينيا كبيف ايطاليا‪.‬‬
‫كقرر العراؽ أخذ رأؼ تركيا بالنسبة لتطكرات المكقف الػدكلي كايفػاد نػاجي شػككت كزيػر العدليػة بيػذه‬
‫الميمة كمعو نكرؼ السعيد كزير الخارجية‪ ،‬كاجرػ الكفد اتصاالت مع الجانب التركي حكؿ مكاقف الدكلتيف‬
‫الجػػارتيف تجػػاه بريطانيػػا كالمانيػػا بعػػد سػػقكط فرنسػػا‪ ،‬ككػػاف رأؼ الجانػػب التركػػي عػػدـ دخػػكؿ العػراؽ الحػػرب‪،‬‬

‫(‪ )1‬زاىية قدكرة‪ ،‬تاريخ العرب الحديث‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬بيركت‪ ،1985 ،‬ص‪.146‬‬
‫(‪ )2‬قيس جكاد الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫(‪ )4‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.163‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كاستيشػػد بمكقػػف تركيػػا التػػي ليػػا اتفػػاؽ مػػع بريطانيػػا بأنيػػا لػػف تػػدخل الحػػرب كاف مصػػالح الػػكطف قبػػل كػػل‬
‫(‪)1‬‬
‫شيء‪.‬‬
‫كمػػا قابػػل نػػاجي شػػككت فػػكف بػػايف السػفير االلمػػاني فػػي تركيػػا ألنػػو اسػػتبطأ البيػػاف المشػػترؾ االلمػػاني‬
‫االيطالي حكؿ مطالب العراؽ كالعرب كالتي تمخصت باالعتراؼ باالستقبلؿ التاـ لكػل االقطػار العربيػة بمػا‬
‫فيو تمؾ التي ىي اآلف تحت االنتداب الفرنسي كالبريطاني كالمحيات البريطانية في الخمػيج العربػي كجنػكب‬
‫الجزيػػرة العربيػػة‪ ،‬مقابػػل رغبػػة الحككمػػة العراقيػػة فػػي اعػػادة العبلقػػات الدبمكماسػػية مػػع المانيػػا‪ ،‬كمػػنح المانيػػا‬
‫كايطاليػػا‪ ،‬مكاقػػع ممتػػازة‪ ،‬فيمػػا يتعمػػق باسػػتثمار مصػػادر الع ػراؽ المعدنيػػة كخصكص ػاً الػػنفط‪ ،‬كعنػػدما يعمػػف‬
‫البياف‪ ،‬فاف الحككمة العراقية ستقكـ بإقالة نكرؼ السػعيد كاجػراء مباحثػات لعقػد اتفاقييػة سػرية مػع الحكػكمتف‬
‫االلمانيػػة كااليطاليػػة تتضػػمف كافػػة التفصػػيبلت المتعمقػػة بالتعػػاكف ا لػػكدؼ المنتظػػر كسػػيقكـ الع ػراؽ كسػػكريا‬
‫(‪)2‬‬
‫كفمسطيف كشرقي االردف باعبلف حيادىـ التاـ‪.‬‬
‫كعند إعبلف البياف المشػترؾ بػيف المانيػا كايطاليػا‪ ،‬اثػار ىػذا البيػاف ضػجة كبػرػ فػي اكسػاط العػراقييف‬
‫سكػ قبل التصريح بو اك بعد اذاتو‪ ،‬فنجد اف فػكف بػايف قػد قػدـ مسػكدة التصػريح المشػترؾ قبػل اذاعتػو الػى‬
‫ناجي شككت الذؼ رد عميو ((لػيس ىػذا كػل مػا نريػده‪ ..‬اننػا نرجػك اف يتضػمف البيػاف االلمػاني – االيطػالي‬
‫االسس التي كردت في المسكدة التي قدمتيا اليكـ يكـ كصكلي مف العراؽ))‪.‬‬
‫كعنػػدما عػػاد الكفػػد الع ارقػػي‪ ،‬قػػاـ بتقػػديـ تقري ػره الخػػاص الػػى رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي كالمفتػػي كالعقػػداء‬
‫االربعػػة(‪ ،)3‬كقػػد اقتػػرح عػػدة امػػكر منيػػا عػػدـ االعتمػػاد عمػػى التص ػريحات الرسػػمية كالكعػػكد التػػي يصػػدرىا‬
‫الكربيػػيف‪ ،‬كالبػػد االعتمػػاد عمػػى الػػنفس لتقكيػػة الجػػيش الع ارقػػي كلتحقيػػق اسػػتقبلؿ فمسػػطيف كسػػكريا‪ ،‬كالتمسػػؾ‬
‫بالحيػػاد التػػاـ‪ ،‬كالتقػػارب مػػع االتحػػاد السػػكفيتي‪ ،‬تجعػػل منػػو كرقػػة رابحػػة بيػػد العػػرب‪ ،‬لكػػي تسػػتجيب المانيػػا‬
‫(‪)4‬‬
‫لمطالب العرب‪.‬‬
‫تعرضت الحركة القكميػة الػى خيبػة امػل بعػد دخػكؿ المحػكر الػى الػدكؿ العربيػة‪ ،‬ادرؾ ا لكيبلنػي بػأف‬
‫بريطانيا كاذنابيا سيمارسكف عميو ضغطاً مستم اًر حتى تزيحو مف الحكـ‪ ،‬كقد تبمػكرت صػعكبة التعػاكف بػيف‬
‫الكيبلنػػي كبريطانيػػا فػػي ميػػاديف عػػدة بعػػد رفضػػيا المطالػػب التػػي تقػػدـ بيػػا الكيبلنػػي كالػػذؼ كػػاف يرمػػي الػػى‬
‫الحصكؿ منييا عمى كعد يضمف استقبلؿ سػكريا كفمسػطينف كرغػـ مػف الحػاح الحككمػة الكيبلنػي عمػى ىػذا‬
‫المطمب فاف بريطانيا مف خبلؿ مسؤكلييا كممثمييا في مجمس العمػكـ صػرحت بأنيػا لػف تعطػي لمعػرب اؼ‬

‫(‪ )1‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.165‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسو‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.163‬‬
‫(‪ )3‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.165‬‬
‫(‪ )4‬عبد الرزاؽ الحسني‪ ،‬األسرار الخفية لحركة ‪ 941‬التحررية‪ ،‬صيدا‪ -‬لبناف‪ ،1971 ،‬ص‪.49‬‬
‫‪45‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عيد مف اجل فمسطيف اك مف اجل سكريا‪ ،‬كبالتالي لـ تكف عمى استعداد لتقديـ تنازؿ يخص فمسطيف عمى‬
‫(‪)1‬‬
‫كجو الخصكص‪.‬‬
‫كجانب آخر حاكلت الحككمة البريطانية مػف خػبلؿ سػفيرىا بػازؿ نيػكتف الطمػب مػف العػراؽ فػي تػاريخ‬
‫‪ 21‬مف نيساف ‪ ،1940‬كالذؼ يرمي الى انزاؿ القكات البريطانية عمى االراضي العراقية‪ ،‬لتعبر مف خبلليا‬
‫إلػػى حيفػػا بفمسػػطينف ككػػذلؾ إقامػػة قكاعػػد جكيػػة جديػػدة بالمكصػػل كبغػػداد‪ ،‬اضػػافة الػػى مطالػػب اخػػرػ كممػػا‬
‫رأت ذلؾ مناسباً لتضغط عمى الكيبلني كحككمتو‪.‬‬
‫رفضػػت ك ازرة الداخميػػة فػػي حككمػػة الكيبلنػػي بعػػض المطالػػب التػػي كػػاف يتقػػدـ بيػػا السػػفير نيػػكتف فػػي‬
‫بغداد(‪ ،)2‬مغتنماً الظركؼ الحرجة‪ ،‬كساعياً الى استغبلؿ الفرص لمتخمص مف الحككمة اضافة الى الكقكؼ‬
‫فػػي كجػػو اؼ مبػػادرة عراقيػػة مطمبيػػة كانػػت اك عمػػى صػػعيد سياسػػتيا الخارجيػػة منيػػا‪ :‬رفػػض ك ازرة الداخميػػة‬
‫العراقي مطالب السفارة البريطانيػة فػي بغػداد كالمتمثمػة فػي تشػغيل سػينما جكالػة فػي القػرػ كاالريػاؼ لتظيػر‬
‫خبللػو صػػك اًر خميعػة كمسػػتيجنة لػدكلتي المحػػكر‪ ،‬المانيػا كايطاليػػا‪ ،‬ككػذلؾ لػػـ تسػمح ليػػا بمصػق صػػكر عمػػى‬
‫عمػػب الكبريػػت كالمفافػػات التػػي تحػػط مػػف قػػدر االلمػػاف كالطميػػاف‪ ،‬كتشػػكه اعمػػاليـ فػػي نظػػر الع ػراقييف‪ ،‬كمػػا‬
‫رفضػػتك ازرة الداخميػػة العراقيػػة الكميػػات الكبي ػرة مػػف الرسػػائل كالنش ػرات الشػػائنة لمػػدكلتيف كالتػػي طمبػػت السػػفارة‬
‫البريطانية تكزيعيا عمى االىالي‪ ،‬كقد كاف رد الكزراء عمى ذلؾ اف السػماح لمثػل ىػذه األمػكر مػف شػأنو اف‬
‫(‪)3‬‬
‫كازداد الض ػػغط‬ ‫يج ػػر ال ػػببلد ال ػػى مع ػػاداة بع ػػض ال ػػدكؿ األم ػػر ال ػػذؼ يتن ػػافى م ػػع مص ػػالح العػ ػراؽ العام ػػة‬
‫البريطاني عمى حككمة الكيبلنػي‪ ،‬فيػذه المػرة المجػكء الػى الضػغط االقتصػادؼ المباشػر‪ ،‬فقطػت عػف العػراؽ‬
‫العتاد كاالسمحة‪ ،‬كما اكقفت حصتو مػف دكالرات الكتمػة االسػترلينية كالتػي كانػت تحػت اشػراؼ البريطػانييف‪،‬‬
‫كضػػعت خطػػط اخػػرػ اسػػتيدفت ايقػػاؼ عكائػػد الػػنفط كمػػنح القػػركض لمحككمػػة فض ػبلً عػػف الحصػػار الػػذؼ‬
‫(‪)4‬‬
‫كبيػدؼ اسػػتحكاـ الحصػػار التػػاـ عمػػى العػراؽ‪ ،‬اكعػػزت‬ ‫فػرض عمػػى مػكانئ البصػرة مػػف قبػػل البريطػػانييف‪.‬‬
‫بريطانيا الى الكاليات المتحدة االمريكية بعدـ تجييز العراؽ بالسبلح‪ ،‬كقامت بتجريػد طائ ارتػو المشػتراة منيػا‬
‫(‪)5‬‬
‫مف سبلحيا‪ ،‬كما امتنعت عف شراء التمر كالقطف منو كمنعت بيعيا ألؼ دكلة ليا عبلقة بالمحكر‪.‬‬
‫أشارت الحككمة البريطانية عمى الكصي بإقالة الك ازرة درءاً لما يخشى مف اشتداد االزمة بيف الدكلتيف‬
‫العراقيػػة كالبريطانيػػة فارسػػل الكصػػي اشػػارة الػػى رئػػيس الػػكزراء بػػأف اسػػتقالة الػػك ازرة مرغكبػػة لعػػدـ االنسػػاـ‬

‫(‪ )1‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.167‬‬


‫(‪ )2‬اسماعيل احمد ياغي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫(‪ )3‬أحمد رفيق البرقاكؼ‪ ،‬العبلقات السياسية بيف العراؽ كبريطانيا ‪ ،1980 ،1932 -1922‬ص ص ‪.166 -165‬‬
‫(‪ )4‬قيس الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫(‪ )5‬قيس الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.141‬‬
‫‪46‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الكزارؼ ككجػكد خػبلؼ بػيف كزيػر الخارجيػة نػكرؼ السػعيد ككزيػر العػدؿ نػاجي شػككت‪ ،‬كاخػذ الكصػي يحشػد‬
‫انصػػاره لمقاكمػػة الػػك ازرة الكيبلنيػػة كاسػػقاطيا فػػاجتمع ب ػرئيس اركػػاف الجػػيش كمػػدير الشػػرطة العػػاـ كاكصػػاىا‬
‫(‪)1‬‬
‫بعدـ اطاعة االكامر التي تصدرىا الييما الك ازرة خبلفاً لمقكانيف المرعية كالدستكر‪.‬‬
‫كقػػد تكالػػت االحػػداث كزاد الن ػزاع‪ ،‬كاصػػبح السػػفير البريطػػاني يتصػػل مباش ػرة بالكصػػي‪ ،‬مقاطع ػاً الػػك ازرة‬
‫كرئيسيا عمى كجو الخصكصف كلـ يعد يراجعيا كىذا خبلفاً لمقكانيف كالتقاليد الدكلية‪ ،‬ثـ قاطع نكرؼ السعيد‬
‫االجتماعات الك ازريػة كذلػؾ بغياباتػو المتكػررة ثػـ اسػتقاؿ بتػاريخ (‪ )19‬كػانكف الثػاني ‪ ،1941‬مػع العمػـ اف‬
‫كزير الدفاع قد اقترح عمى الكصي اف يستقيل كزيراف اك أكثر مف مناصػبيـ الك ازريػة عسػى اف يخفػف ذلػؾ‬
‫مػػف حػػدة األزمػػة‪ ،‬لكػػف مػػع ذلػػؾ فػػإف رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي ظػػل صػػامداً كعازمػاً عمػػى البقػػاء بػػالحكـ معتمػػداً‬
‫(‪)2‬‬
‫عمى تأييد الضباط األربعة لو بكجو خاص‪.‬‬
‫إضػػافة الػػى انػػو يتمتػػع بزعامػػة شػػعبية يدعميااشػػخاص بػػارزكف فػػي الشػػماؿ‪ ،‬كفػػي الف ػرات االكسػػط‬
‫(‪)3‬‬
‫كالحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬فقد كاف ليذا التأييد دك اًر في قكة كنفكذ الكيبلني‪.‬‬
‫تكال ػػت االس ػػتقاالت الكاح ػػدة تم ػػك االخ ػػرػ فبع ػػد اس ػػتقالة ن ػػاجي ش ػػككت كزي ػػر العدلي ػػة كالبص ػػاـ كزي ػػر‬
‫المعارؼ كعمر نظمي كزير المكاصػبلت‪ ،‬تأزمػت االمػكر‪ ،‬كلػـ ينفػع تصػريح الكيبلنػي اثنػاء مقابمػة الكصػي‬
‫لو كالكفد الكزارؼ المرافق لػو‪ ،‬كالػذؼ كػاف معتػدالً كطمػئف الحككمػة البريطانيػة كحػاكؿ اف يزيػل شػكككيا فػي‬
‫الػك ازرة القائمػة‪ ،‬لكػػف ذلػؾ لػـ يفيػػد ألف بريطانيػا تعتبػر رشػػيد عػالي الكيبلنػي عمػػى رأس الحككمػة ىػك االزمػػة‬
‫(‪)4‬‬
‫بعينيا‪.‬‬
‫لػػـ يبػػق لمكصػػي مػػف اإلدارة ليمعػػب بيػػا فػػي سػػبيل اسػػقاط الػػك ازرة غيػػر االمتنػػاع عػػف تصػػديق القػكانيف‬
‫كاالنظمة كسائر االدارات الممكية كما أكعز الى انصاره في مجمس النكاب بمياجمة الك ازرة كحاكؿ الكيبلني‬
‫عمى إثر ذلؾ حل المجمس النيابي‪ ،‬اال اف لجكء الكصي الى مدينػة الديكانيػة احػبط محاكلػة رئػيس الػكزراء‪،‬‬
‫كفػي الديكانيػة أخػذ الكصػي يسػتعد لمقاكمػة الػك ازرة بػػالقكة‪ ،‬فبػدأت تمػكح فػي االفػق حػرب أىميػة‪ ،‬ممػا دفػػع دمحم‬
‫الصدر كطو الياشمي‪ ،‬ككذلؾ صبلح الػديف الصػباغ الػى التػدخل كاقنعػكا رشػيد عػالي الكيبلنػي باالسػتقالة‪،‬‬
‫فقػػدـ الكيبلنػػي االسػػتقالة فػػي ‪ 31‬كػػانكف الثػػاني ‪ 1941‬محم ػبلً الكصػػي مػػا حػػدث متيم ػاً إيػػاه بأنػػو خاضػػع‬
‫(‪)5‬‬
‫لمتأثير األجنبي‪.‬‬

‫(‪ )1‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.165‬‬


‫(‪ )2‬زكي صالح‪ ،‬مقدمة في دراسة العراؽ الحديث‪ ،‬بغداد‪ ،1953 ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )3‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.181‬‬
‫(‪ )4‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.181‬‬
‫(‪ )5‬قيس الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫‪47‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ثانيا‬
‫اندالع الثكرة كقياـ حككمة لدفاع الكطني‬
‫يبدك أف الكصػي فػي اختيػاره اليػرب الػى الديكانيػة كػاف ييػيء لمقضػاء عمػى القػادة األربعػة‪ ،‬فالديكانيػة‬
‫مركػػز عسػػكرؼ ميػػـ اعتقػػد الكصػػي بأنػػو يمكػػف اف يسػػتغمو لمقاكمػػة الحككمػػة فػػي بغػػداد‪ ،‬كليػػذا عقػػد فػػكر‬
‫كصكلو اجتماعاً عسكرياً آلمرؼ الكحدات كادخل بالمحافظيف (المتصرفيف) تمفكنياً‪ ،‬كطمب الػييـ عػدـ تنفيػذ‬
‫اكامػػر بغػػداد‪ ،‬كلكػػف كصػػكؿ اسػػتقالة الكيبلنػػي الػػى الديكانيػػة جعػػل الكصػػي يكقفاتصػػاالتو كيطمػػب حضػػكر‬
‫(‪)1‬‬
‫بعض الساسة مف بغداد لمتداكؿ في تشكيل الك ازرة الجديدة‪.‬‬
‫عيػػد الكص ػػي ف ػػي األكؿ م ػػف ش ػػباط ال ػػى ط ػػو الياش ػػمي بت ػػأليف ال ػػك ازرة الت ػػي ض ػػمت باالض ػػافة الي ػػو‬
‫كاحتفاظػػو بػػك ازرة الػػدفاع ايض ػاً كػػل مػػف‪ :‬عمػػر نظمػػي لمداخميػػة كالعػػدؿ‪ ،‬كعمػػي ممتػػاز لمماليػػة كعبػػد الميػػدؼ‬
‫لبلقتصاد‪ ،‬كصادؽ البصاـ لممعارؼ‪ ،‬كحمدؼ الباجو جي لمشؤكف االجتماعية‪ ،‬كتكفيق السكيدؼ لمخارجية‪.‬‬
‫كأكضػػح الياشػػمي اف سياسػػة حككمتػػو الخارجيػػة ال تختػػل فػػي جكىرىػػا كمرامييػػا عمػػا سػػارت عميػػو‬
‫الك ازرات المتعاقبة مف سػبل كمػا تكختػو مػف اىػداؼ‪ ،‬كقػاؿ اف العػراؽ كدكلػة ناشػئة أحػكج الػى االجتيػاد عػف‬
‫(‪)2‬‬
‫كيبلت الحرب‪.‬‬
‫فػػي ىػػذه الفت ػرة انضػػـ رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي الػػى المجنػػة العربيػػة الس ػرية التػػي شػػكميا المفتػػي‪ ،‬ثػػـ قػػاـ‬
‫أعضاء المجنة يكضح برنامج عمل لتحقيق آماؿ االمػة العربيػة‪ ،‬كقػد اعػرب االعضػاء عػف شػكرىـ بصػبلبة‬
‫مكقف الياشي كقدرتو عمى حسـ االمكر‪ ،‬كلما ظيرت بكادر خضكع طو الياشػمي لػبلرادة البريطانيػة فػي‬
‫تفريق العقداء االربعة قاكمو اآلخركف كطمبكا منو االسػتقالة‪ ،‬عندئ ٍػذ قػاـ الكصػي بكضػع مقد ارتػو بيػد السػفارة‬
‫(‪)3‬‬
‫البريطانية التي ىربتو الى البصرة‪ ،‬كاخذ مف ىناؾ ينفذ المؤامرة البريطانية لمنيل مف استقبلؿ العراؽ‪.‬‬
‫دفعػػت ىػػذه األمػػكر العقػػداء األربعػػة الػػى القيػػاـ بانفتضػػاة ثكريػػة فػػي ‪ 2‬نيسػػاف ‪ 1941‬لػػـ تسػػتيدؼ‬
‫اقصاء الساسة المكاليف لبريطانيا فحسب بل تفكيض النفكذ البريطاني في العراؽ ايضاً‪ ،‬كاختير رشيد عالي‬
‫الكيػػاني مػػف قبػػل ضػػباط الجػػيش لتػػأليف حككمػػة الػػدفاع الػػكطني‪ ،‬كتػػـ بعػػدىا اقصػػاء الكصػػي‪ ،‬كانتخػػاب‬
‫الش ػريف شػػرؼ كصػػياً عمػػى العػػرش‪ ،‬ككمػػف األخيػػر رشػػيد عػػالي بتػػأليف ك ازرتػػو الرابعػػة فػػي (‪ )10‬نيسػػاف‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.1941‬‬

‫(‪ )1‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.166‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫(‪ )3‬ناجي شككت‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.434‬‬
‫(‪ )4‬قيس الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كأصدر رشيد عالي الكيبلني بياناً الى الشعب عبر فيو عف االسباب التي ادت بػالجيش الع ارقػي الػى‬
‫تحمل مسؤكلية حفع األمف كاالسػتقرار فػي الػببلد كصػيانة احكػاـ الدسػتكر مػف العبػث بػو‪ ،‬كالمسػؤكلية التػي‬
‫طمب الى تحمميا‪ ،‬خدمة لبمده كقاية سبلمتيا‪ ،‬خاصة بعد استقالة الياشمي مف رئاسة الك ازرة‪ ،‬كفي البياف ا‬
‫يضاً تطرؽ الى منياج الحككمة كىك نفس المنياج الذؼ سارت عميو ك ازرتػو االخيػرة‪ ،‬كاعمنتػو حينيػا لمػرأؼ‬
‫العاـ‪ ،‬كطمب مف الشعب مساندتو كيكحد كممتو اليصػاؿ الػببلد الػى السػبلمة‪ ،‬كتحقيػق امانييػا المقدسػة مػف‬
‫جميع أ بناء الكطف‪ ،‬اف يكاظبكا عمى اعماليـ كاف ينتبيكا الى مكائد الكائديف‪ ،‬كاختتـ كممتو بالدعاء لجبللة‬
‫(‪)1‬‬
‫إف حككمػػة الػػدفاع الػػكطني تعػػد حككمػػة ذات طػابع عسػػكرؼ ألف‬ ‫الممػػؾ المفػػدػ فيصػػل الثػػاني المعظػػـ‪.‬‬
‫ال ػػكزير األكؿ يش ػػرؼ عم ػػى جمي ػػع ال ػػك ازرات ع ػػف طري ػػق اكامػ ػره لككبلئي ػػا‪ ،‬ككان ػػت االجتماع ػػات تنس ػػق ب ػػيف‬
‫الكيبلني كقادة الجيش بداية ـ تاريخ تأسيس ىذه الحككمة العسكرية في ‪ 3‬نيساف ‪ ،1941‬فمثبلً تـ بنفس‬
‫التاريخ اجتماعػاً بػك ازرة الػدفاع بعػد اذاعػة البيػاف اعػبله‪ ،‬كاطمػق عميػو مجمػس حككمػة الػدفاع الػكطني برئاسػة‬
‫رشيد عالي الكيبلني كحضره رئيس أركاف الجػيش امػيف زكػي‪ ،‬مػدير شػؤكف الػدفاع اسػماعيل نػامق‪ ،‬كمػدير‬
‫الحركات نكر الديف محمكد‪ ،‬كقادة الفرؽ باستثناء قائد الفرقة الثانية قاسـ مقصكد لبعد مقره عػف العاصػمة‪،‬‬
‫كاتخاذ الق اررات التالية‪:‬‬
‫أوالً‪ .‬تقديـ مذكرة الػى الحككمػة البريطانيػة عمػى الفػكر بضػركرة احتػراـ نصػكص المعاىػدة كعػدـ التػدخل‬
‫في شؤكف العراؽ الداخمية‪ ،‬كاحتراـ الحقكؽ الدكلية‪ ،‬فأف تشجيع الحككمة البريطانية لمكصي كلمف‬
‫الذ بالمعس ػػكر االنكمي ػػزؼ م ػػف المػ ػكاطنيف‪ ،‬كمحافظتي ػػا عم ػػييـ ف ػػي معس ػػكراتيا كس ػػفنيا البحري ػػة‪،‬‬
‫ككضػ ػػع كسػ ػػائط نقػ ػػل تحػ ػػت تص ػ ػرفيـ ينتقمػ ػػكف بيػ ػػا فػ ػػي اال ارضػ ػػي كالميػ ػػاه العراقيػ ػػة س ػ ػ اًر كعمن ػ ػاً‪،‬‬
‫كمساعدتيـ عمى احداث القبلقل كالثػكرات‪ ،‬كتخصػيص محطػة السػمكية لمبػث تنطػق بمسػانيـ‪ ،‬كػل‬
‫ذلؾ يعد تدخبلً شائناً فػي امػرك الػببلد الداخميػة ال تقػره االصػكؿ الدكليػة‪ ،‬كال المعاىػدات المعقػكدة‬
‫(‪)2‬‬
‫بيف البمديف‪.‬‬
‫ثانياً‪ .‬قياـ الحككمة بإيفاد قكة اضافية لتعزيز حامية البصرة‪ ،‬كلقمع اية حركة مف حركػات العصػياف قػد‬
‫يثيرىػػا االنكميػػز ىنػػاؾ‪ ،‬كعمػػى اثػػر ذلػػؾ تحػػرؾ لػكاء المشػػاة الثػػاني كلػكاء المدفعيػػة الصػػحراء األكؿ‬
‫كىما مف قطاعات الفرقة االكلى كعسك ار في البصرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ص‪.230 -229‬‬


‫(‪ )2‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.234‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ثالثاً‪ .‬تكقيف صالح جبر متصرؼ لكاء البصرة كجمبػو الػى بغػداد ألنػو قطػع االتصػاؿ بالعاصػمة‪ ،‬كاخيػ اًر‬
‫(‪)1‬‬
‫إطبلؽ الحرية لمكصي عمى اف ال يسمح لو باالتصاؿ بالعشائر‪.‬‬
‫كمػػف الجػػدير بالػػذكر اف بريطانيػػا كانػػت تتػػابع كػػل التطػػكرات‪ ،‬عػػف طريػػق تقػػارير متتاليػػة كذلػػؾ فػػي‬
‫شػػكل برقيػػات منيػػا ب ػرقيتيف بتػػاريخ (‪ )3‬نيسػػاف ‪ 1941‬فػػاالكلى اخبػػر فييػػا السػػفير البريطػػاني ككرن ػكاليس‬
‫حككمتػػو‪ ،‬بػػأف رشػػيد عػػالي الكيبلنػػي قػػد سػػيطر عمػػى مكاتػػب الحككمػػة‪ ،‬كأف الجػػيش قػػد اخػػذ عمػػى عاتقػػو‬
‫مسؤكلية الحكـ‪ ،‬كعيف رشيد عالي الكيبلني لتكلي رئاسة الحككمة‪ ،‬كاف ادمكنس مستشػار ك ازرة الداخميػة قػد‬
‫اجرػ محادثات مع رشيد عالي الكيبلني كاقترح السفير مػف حككمتػو عػدـ إقامػة عبلقػات رسػمية مػع ىػذا‬
‫(‪)2‬‬
‫النظاـ الجديد‪.‬‬
‫كمػػا اف السػػفير البريطػػاني سػػارع فػػي تقػػديـ عػػدة اقت ارحػػات فػػي ال اربػػع مػػف نيسػػاف ‪ 1941‬لحككمتػػو‪،‬‬
‫كاعتبرىػػا خطػكات فعالػػة الضػػعاؼ حككمػػة الػػدفاع الػػكطني‪ ،‬ككانػػت فػػي مجمميػػا ذات طػػابع اقتصػػادؼ‪ ،‬كقػػد‬
‫اعتبرىا بمثابة ضغكط السقاط الحككمة الكيبلنية‪ ،‬النيا تعجل مف خنق الكيبلني كحككمتو غير الدستكرية‪،‬‬
‫ككنيػػا تمنعػػو مػػف معالجػػة الكضػػع االقتصػػادؼ‪ ،‬فتجميػػد المبمػػغ الكمػػي العتمػػاد الحككمػػة العراقيػػة فػػي البنػػؾ‬
‫الشرقي‪ ،‬كخاصة كاف السيكلة النقدية المتبقية في بغداد تبمغ (‪ )93‬الف دينار‪ ،‬كارصدة البنػؾ الشػرقي فػي‬
‫بغداد كلندف‪ ،‬كطمب مف حككمتو بكقف طمبات سحب حسابث الحككمة العراقية مف الشرقي في لندف‪.‬‬
‫ككق ػػد كافقػػػت الحككمػ ػػة البريطانيػػػة عمػ ػػى اقت ارحػ ػػات سػػػفيرىا فػػػي بغ ػػداد‪ ،‬كق ػػد جػ ػػاءت ىػػػذه الضػ ػػغكط‬
‫االقتص ػػادية‪ ،‬ب ػػل العس ػػكرية‪ ،‬الف قي ػػاـ حككم ػػة ال ػػدفاع ال ػػكطني كاك ػػب تقريبػ ػاً ىج ػػكـ القائ ػػد االلم ػػاني ركم ػػل‬
‫المضػػاد فػػي شػػماؿ افريقيػػا‪ ،‬مػػع اليجػػكـ االلمػػاني عمػػى يكغسػػبلفيا كاليكنػػاف‪ ،‬ممػػا ادػ بالسػػفير البريطػػاني‬
‫ككرن ػكاليس كالػػكزير المفػػكض األمريكػػي ببغػػدادف الػػى القػػكؿ اف ىػػذه االحػػداث الثبلثػػة جػػاءت متزامنػػة مػػع‬
‫(‪)3‬‬
‫بعضيا عف عمد‪.‬‬
‫بعػػد ىػػذه التطػػكرات السياسػػية الداخميػػة فػػي العػراؽ كالخارجيػػة المتمثمػػة فػػي التقػػدـ االلمػػاني فػػي بعػػض‬
‫الجبيات‪ ،‬اكضح السفير البريطاني لحككمتو الكضع في العراؽ كاقتػرح عمييػا ارسػاؿ قػكات عسػكرية زاعمػاً‬
‫انػػو فػػي حالػػة اىمػػاؿ بريطانيػػا العظمػػى لمكضػػع فػػي العػراؽ فيجػػب اف تكػػكف عمػػى اسػػتعداد لتػػرػ ىػػذه الػػببلد‬
‫كاقعػػة فػػي قبضػػة األلمػػاف‪ ،‬فػػأكعزت الحككمػػة البريطانيػػة الػػى سػػفيرىا بػػأف يماطػػل فػػي تقػػديـ أكراؽ اعتمػػاده‬

‫(‪ )1‬المصدر نفسو‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.234‬‬


‫(‪ )2‬الحسني‪ ،‬تاريخ الك ازرات‪ ،‬ص‪.235‬‬
‫(‪ )3‬كرنػر جفػػرؼ‪ ،‬العػراؽ كسػػكريا ‪1941‬؛ ترجمػػة كتقػػديـ‪ :‬دمحم مظفػػر األدىمػػي‪ ،‬بغػػداد‪ -‬دار الحريػػة لمطباعػػة‪ ،‬مركػػز البحػػكث‬
‫كالمعمكمات‪ ،1986 ،‬ص ص ‪.13-12‬‬
‫‪50‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بحجػػة عػػدـ كجػػكد مػػف يسػػتطيع اف يقػػدـ لػػو اكراؽ اعتمػػاده رسػػمياً كشػػرعياً كفػػي الكقػػت نفسػػو تشرشػػل رئػػيس‬
‫(‪)1‬‬
‫كزراء بريطانيا االحتفاظ بالبصرة كبعض المراكز كطرؽ المكاصبلت الميمة‪.‬‬
‫ثالثاً‬
‫الحرب البريطانية – العراقية عاـ ‪ 1941‬كنياية حككمة الدفاع الكطني‬
‫لقد كانػت بريطانيػا تعػي جيػداً مػدػ اىميػة العػراؽ مػف الجكانػب االقتصػادية كاالسػتراتيجية لػذا حاكلػت‬
‫تكػريس سػػيطرتيا عمػػى ىػذه الػػببلد بشػػتى الكسػػائل‪ ،‬كمنيػا الخػػكض فػػي الحػػرب كػي تحػػافع عمػػى امتيازاتيػػا‪،‬‬
‫ككانػػت ك ازرة الػػدفاع العراقيػػة كبنػػاء عمػػى الق ػرار الػػذؼ اتخػػذه مجمػػس الػػكزراء فػػي ‪ 28‬نيسػػاف ‪ ،1941‬كقػػد‬
‫(‪)2‬‬
‫ارسمت بعض القطعات العسكرية الى جكار الحبانية كتدبير احتياطي ضد المفاجآت المنتظرة‪.‬‬
‫اعتبرت القاعدة البريطانية في الحبانية ىذا االرساؿ بمثابة تعػرض ليػا‪ ،‬فممػا نزلػت القػكات البريطانيػة‬
‫فػػي البص ػرة يػػكـ ‪ 30‬نيسػػاف‪ ،‬كازداد التػػكتر بػػيف البمػػديف بعػػد طمػػب الع ػراؽ منػػع الطػػائرات البريطانيػػة مػػف‬
‫التحمي ػػق ف ػػي الج ػػك‪ ،‬ف ػػرد البريط ػػانيكف عم ػػى ى ػػذا االن ػػذار‪ ،‬بطم ػػب س ػػحب القػ ػكات العراقي ػػة المحتش ػػدة بجػ ػكار‬
‫الحبانيػػة‪ ،‬قبػػل اف يضػػطركا اف يقصػػفكىا‪ ،‬كبعػػد اخػػذ كرد طػػكيميف‪ ،‬فكجئػػت القػكات العراقيػػة المػػذككرة بثبلثػػة‬
‫اس ػراب بريطانيػػة قاص ػػفة مػػع س ػػرب مقاتػػل تف ػػتح النػػار عم ػػى الجػػيش الع ارق ػػي‪ ،‬كىكػػذا ب ػػدأت بريطانيػػا ب ػػيف‬
‫الطػرفيف فػي يػكـ الجمعػة الثػاني مػف مػايس ‪ ،1941‬كاف القػكات البريطانيػة جعمػت القػكات العراقيػة تنسػػحب‬
‫مػف مكاقعيػػا فػػي الحبانيػة‪ ،‬كبالتػػالي تراجعػػت نحػػك الفمكجػة تاركػػة كراءىػػا كميػػة كبيػرة مػػف االسػػمحة كالػػذخيرة‬
‫كقػػد تقػػدمت القػكات الجكيػػة البريطانيػػة‪ ،‬فقصػػفت العديػػد مػػف المكاقػػع العسػػكرية كالديكانيػػة‪ ،‬ككػػذلؾ التعزيػزات‬
‫المتحرك ػػة م ػػف الفمكج ػػة‪ ،‬كى ػػذا ب ػػالرغـ م ػػف المح ػػاكالت الفاش ػػمة الت ػػي قام ػػت بي ػػا الط ػػائرات العراقي ػػة لقص ػػف‬
‫(‪)3‬‬
‫الحبانية‪ ،‬كبالتالي تمكنت القكات البريطانية مف فؾ الحصار عمى الحبانية في (‪ )7‬مايس ‪.1941‬‬
‫اتخػػذت بريطانيػػا بعػػد القصػػف الجػػكؼ اج ػراءات اقتصػػادية بتضػػييق الخنػػاؽ عمػػى الحككمػػة العراقيػػة‪،‬‬
‫بحيػػث فصػػمت الػػدينار الع ارقػػي عػػف االسػػترليني‪ ،‬ككمػػا ىػػك معمػػكـ فػػإف بريطانيػػا قػػد ادخمػػت الػػدينار الع ارقػػي‬
‫بمنطقػػة البػػاكف االسػػترلينية منػػذ تأسػػيس العممػػة العراقي ػػة فػػي نيسػػاف ‪ ،1932‬فكػػاف سػػعر الػػدينار يرتف ػػع‬
‫بارتف ػػاع س ػػعر الب ػػاكف‪ ،‬كي ػػنخفض بانخفاض ػػو كم ػػا اكع ػػزت الس ػػفارة البريطاني ػػة ف ػػي العػ ػراؽ ال ػػى المص ػػارؼ‬
‫االجنبيػػة‪ ،‬بػػإخراج مكجكدىػػا النقػػدؼ مػػف خزائنيػػا كتيريبػػو ككػػل ىػػذا لتحػػرج العػراؽ ماليػاً‪ ،‬كليػػذا‪ ،‬كلمػػا تألفػػت‬

‫(‪ )1‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.171‬‬


‫(‪ )2‬دمحم مظفر األدىمي‪ ،‬احداث ‪ 1941‬في العراؽ‪ ،‬ثكرة اـ حركة انقػبلب مجمػة آفػاؽ عربيػة‪ -‬بغػداد‪ ،‬العػدد ‪ ،6‬السػنة ‪15‬‬
‫حزيراف ‪ ،1990‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )3‬اسماعيل احمد ياغي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ص ‪.160 -159‬‬
‫‪51‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لجنػػة لجػػرد المكجػػكد النقػػدؼ فػػي المصػػرؼ الشػرقي‪ ،‬كلػػـ تجػػد المجنػػة إال كميػػة مػػف األكراؽ النقديػػة الممزقػػة‬
‫المعدة لمحرؽ فأصمحتيا كاعادتيا لمتداكؿ لتأميف الصرؼ العاـ‪.‬‬
‫كليػػذا اضػػطرت الحككمػػة العراقيػػة الػػى مجابيػػة الكضػػع المػػالي الخطيػػر بتأس ػيس مصػػرؼ ال ارف ػػديف‬
‫الحككمي برأسماؿ قدره نصف مميكف دينػار‪ ،‬ثػـ اسػتدعى الكيبلنػي ممثػل المانيػا فػي بغػداد الػدكتكر غركبػاً‪،‬‬
‫كطمػػب اليػػو اف ينقػػل الػػى ىتمػػر رغبػػة الحككمػػة العراقيػػة فػػي اف تضػػع حككمػػة ال ػرايخ تحػػت تصػػرؼ الع ػراؽ‬
‫ثبلثة مبلييف باكف ذىباً كرصػيد لعممػة كرقيػة جديػدة تصػدرىا الحككمػة العراقيػة عمػى اف تطبػع فػي مطػابع‬
‫الحككمة األلمانية‪ ،‬كتسدد الرصيد مف المحصكالت الزراعية كمف النفط‪ ،‬كقد فشمت ىذه الخطكة بعد التفكؽ‬
‫(‪)1‬‬
‫كفػػي ظػػل ىػػذه المعطيػػات تكػػررت النػػداءات كالكسػػاطات اليقػػاؼ‬ ‫االنكميػػزؼ عمػػى االلمػػاف فػػي الحػػرب‪.‬‬
‫الحرب‪ ،‬كمف ىذه الكساطات‪ :‬التركية كالمصرية كالسعكدية‪ ،‬لكنيا باءت بالفشل‪ ،‬ألف الطرؼ العسكرؼ في‬
‫الحركػػة الكيبلنيػػة ي ػرفض كقػػف الحػػرب(‪ ،)2‬بعػػد احػػتبلؿ الفمكجػػة مػػف قبػػل الق ػكات البريطانيػػة اصػػبح الطريػػق‬
‫اماـ البريطانييف مفتكحاً نحك بغداد الحتبلليا‪ ،‬لكف السيكؿ الكبيرة عرقمت التقدـ عمى الطريق الرئيسي فقػاـ‬
‫كمػػكب باشػػا بعبػػكر الجزي ػرة كقط ػػع سػػكة حديػػد المكصػػل قػػرب س ػػامراء‪ ،‬ثػػـ التقػػدـ كاحتػػل المشػػاىدة (ق ػػرب‬
‫التاجي) كانحدر جنكباً نحك بغداد‪ ،‬كاستطاعت القكات الرئيسية البريطانية مف التقدـ عف طريػق خػاف نقطػة‬
‫(خػػاف ضػػارؼ) كقامػػت القػكات البريطانيػػة بصػػد اليجػػكـ الع ارقػػي المعػػاكس‪ ،‬كبصػػعكبة كصػػمت الػػى مشػػارؼ‬
‫(‪)3‬‬
‫بغداد في (‪ )29‬مايس ‪.1941‬‬
‫كعندما أكشػكت ىػذه المعركػة عمػى نيايتيػا اتفػق الكيبلنػي مػع القػادة عمػى تنظػيـ المقاكمػة فػي شػماؿ‬
‫الع ػراؽ بعػػد سػػقكط بغػػدادف غيػػر اف القػػادة العسػػكرييف االربعػػة غػػادركا بغػػداد فػػي اليػػكـ التػػالي الػػى طي ػراف‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كتبعيـ الكيبلني كالمفتي في اليكـ نفسو‪.‬‬
‫لقد كاف لميزيمة التي لحقت بالكيبلني كالحركة التي تزعميا‪ ،‬آثار سمبية عمى حركة التحرر الكطني‪،‬‬
‫كمػػف كرائيػػا القػػكػ الكطنيػػة كالقكميػػة العراقيػػة آنػػذاؾ بمػػا فػػي ذلػػؾ التيػػار الػػذؼ قػػاده نػػكرؼ السػػعيد‪ ،‬كحقػػق‬
‫ضػػغطاً سياسػػياً عمػػى بريطانيػػا‪ ،‬كاسػػيـ فػػي تحقيػػق انجػػازات ايجابيػػة كطنيػاً كقكميػاً‪ ،‬كلػػـ تقتصػػر ىػػذه اآلثػػار‬
‫السمبية عمى غياب ىذه الحركة مف الكاقع السياسي فحسب‪ ،‬بػل كػاف ليػرب قادتيػا اكبػر األثػر عمػى ت ارجػع‬
‫الجبية القكمية العربية آنذاؾ‪ ،‬كقد افضى ىذا الكضع الى تحكؿ قادة الحركة القكمية مثل الكيبلني كالمفتي‬

‫(‪ )1‬أسػػامة عبػػد الػػرحمف الػػدكرؼ‪ ،‬قمػػق بريطانيػػا مػػف شػػبح حككمػػة الػػدفاع الػػكطني‪ ،‬مجمػػة آفػػاؽ عربيػػة‪ ،‬بغػػداد‪ ،‬العػػدد ‪14 ،4‬‬
‫نيساف ‪ ،1989‬ص‪.54‬‬
‫(‪ )2‬خالد عبد المنعـ العاني‪ ،‬مكسكعة العراؽ الحديث‪ ،‬بغداد‪ -‬الدار العربية ‪ ،1977‬ط‪ ،1‬ص ص‪.241-240‬‬
‫(‪ )3‬جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.175‬‬
‫(‪ )4‬قيس الغريرؼ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪52‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الى المجكء الى دكؿ المحػكر‪ ،‬كغػدكا ألعكبػة تحركيػا دكؿ المحػكر حسػبما يتفػق مػع سياسػتيا الخارجيػة فػي‬
‫(‪)1‬‬
‫ظل ظركؼ الحرب كتطكرىا‪.‬‬
‫الخـاتمـة‬
‫أدت حككمػػة الػػدفاع الػػكطني دك ار كبي ػ ار فػػي تػػأجيج الحمػػاس الػػكطني كقيػػادة النضػػاؿ ضػػد االحػػتبلؿ‬
‫البريطػػاني‪ .‬كقػػد تضػػافرت جممػػة مػػف الظػػركؼ كاالسػػباب السياسػػية كالعسػػكرية كبعػػض التطػػكرات االقميميػػة‬
‫كالدكلية في تقيقر المد الثكرؼ التحررؼ في العراؽ ابرزىا‪:‬‬
‫كانػػت حركػػة مػػايس ‪ 1941‬حركػػة عراقيػػة رسػػمية قامػػت باسػػناد الق ػكات المسػػمحة العراقيػػة ك أرسػػيا‬ ‫‪1.‬‬
‫مجمكعة مف السياسييف العراقييف مف التيار القكمي بقيادة رشيد عالي الكيبلني‪.‬‬
‫اف الك ازرة التي شكميا رشيد عالي الكيبلني لـ تكف ك ازرة قكيػة كمتماسػكة‪ ،‬كلػـ يكػف معظػـ كزرائيػا‬ ‫‪.2‬‬
‫مف العناصر الثكرية اك مؤمنيف بأىداؼ الحركة الثكريػة التػي اعمنيػا الجػيش كتبناىػا رشػيد عػالي‪،‬‬
‫كىذا ما أثر عمى دكرىا في استم اررية المقاكمة التي انيارت دكف تحقيق النصر‪.‬‬
‫تعػػد مصػػادر الق ػرار كتضػػارب الصػػبلحيات‪ ،‬ككػػذلؾ الضػػغكط عمػػى الحككمػػة ىػػذا افقػػدىا تكازنيػػا‬ ‫‪.3‬‬
‫كانسجاميا كبالتالي الى اضعاؼ سيطرتيا عمى االكضاع السياسية كالعسكرية‪.‬‬
‫إ ف العراؽ كاف يعاني مف عدـ كجكد احزاب سياسية عقائدية لتنظػيـ الجمػاىير كالكصػكؿ بيػا الػى‬ ‫‪.4‬‬
‫االىداؼ القكمية كالكطنية‪.‬‬
‫قمة التجربة كالتػدريب فػي الجػيش الع ارقػي‪ ،‬ككػاف يعتمػد عمػى كجػكد الخبػراء االنكميػز فػي صػفكفو‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫ككػػاف يعػػاني مػػف ضػػعف كقمػػة خبػرة فػػي القتػػاؿ‪ ،‬كطبيعػػي كأف ىػػذا الجػػيش ال يسػػتطيع اف يكسػػب‬
‫حربا ضد دكلة قكية كبريطانيا‪ .‬باالضافة الى قمة التسميح كالتجييز‪.‬‬
‫الحرب النفسية التي شتتيا مػف الػداخل القػكػ المكاليػة لبلنكميػز كلمدرسػة عبػد االلػو‪ ،‬نػكرؼ السػعيد‬ ‫‪.6‬‬
‫كالمعمكمات الكاذبة التي ذكرىا بخصكص قكة الجيش البريطاني‪.‬‬
‫الدعـ االمريكي ساىـ في ازدياد قكة بريطانيا في كل جبيات الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫‪7.‬‬
‫قمة الدعـ الخارجي لمعراؽ كخاصة مف الػدكؿ العربيػة لكػكف معظميػا كانػت فػي ذلػؾ الكقػت تحػت‬ ‫‪.8‬‬
‫االستعمار الفرنسي كالبريطاني‪.‬‬
‫المصادر‬
‫أحمد رفيق البرقاكؼ‪ ،‬العبلقات السياسية بيف العراؽ كبريطانيا ‪1980 ،1932 -1922‬‬ ‫‪.1‬‬
‫اسماعيل احمد ياغي‪ ،‬حركة رشيد عالي الكيبلني‪ ،‬دراسة في تاريخ الحركة الكطنية العراقية‪ ،‬بيركت‪ ،1974 ،‬ط‪1‬‬ ‫‪.2‬‬
‫جعفر عباس حميدؼ‪ ،‬تاريخ العراؽ المعاصر ‪ ،1968 -194‬دار كمكتابة عدناف‪ -‬بغداد‪2015 ،‬‬ ‫‪.3‬‬

‫(‪ )1‬عمي المحافظة‪ ،‬العبلقات االلمانية – الفمسطينية‪ ،‬بيركت‪ ،1981 ،‬ط‪ ،1‬ص‪.250‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫زاىية قدكرة‪ ،‬تاريخ العرب الحديث‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬بيركت‪1985 ،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫زكي صالح‪ ،‬مقدمة في دراسة العراؽ الحديث‪ ،‬بغداد‪1953 ،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫صبلح الديف الصباغ‪ ،‬فرساف العركبة في العراؽ‪ ،‬دمشق‪1956 ،‬‬ ‫‪.6‬‬
‫صبلح العقاد‪ ،‬العرب كالحرب العالمية الثانية‪ ،‬القاىرة‪1966 ،‬‬ ‫‪.7‬‬
‫طو الياشمي‪ ،‬مذكرات طو الياشمي ‪ ،1943 -1919‬بيركت‪،1967 ،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫عبد الرزاؽ الحسني‪ ،‬األسرار الخفية لحركة ‪ 1941‬التحررية‪ ،‬صيدا‪ -‬لبناف‪.1971 ،‬‬ ‫‪.9‬‬
‫ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػ‪ ،‬تاريخ الك ازرات العراقية‪ ،‬ج‪ ،5‬بغداد‪ -‬دار الشؤكف الثقافية العامة‪ ،1988 ،‬ط‪.7‬‬ ‫‪.10‬‬
‫عمي المحافظة‪ ،‬العبلقات االلمانية – الفمسطينية‪ ،‬بيركت‪ ،1981 ،‬ط‪.1‬‬ ‫‪.11‬‬
‫قيس جكاد عمي الغريرؼ‪ ،‬رشيد عالي الكيبلني كدكره في السياسة العراقية ‪ ،1965 -1862‬بغداد‪.2006 ،‬‬ ‫‪.12‬‬
‫ناجي شككت‪ ،‬سيرة كذكريات ثمانيف عاماً ‪ ،1974 -1894‬بيركت‪1977 ،‬‬ ‫‪.13‬‬
‫كرن ػػر جف ػػرؼ‪ ،‬العػ ػراؽ كس ػػكريا ‪1941‬؛ ترجم ػػة كتق ػػديـ‪ :‬دمحم مظف ػػر األدىم ػػي‪ ،‬بغ ػػداد‪ -‬دار الحري ػػة لمطباع ػػة‪ ،‬مرك ػػز‬ ‫‪.14‬‬
‫البحكث كالمعمكمات‪.1986 ،‬‬
‫ثالثاً‪ :‬البحوث‬
‫‪ .1‬أسامة عبد الرحمف الدكرؼ‪ ،‬قمق بريطانيا مف شبح حككمة الدفاع الكطني‪ ،‬مجمة آفاؽ عربية‪ ،‬بغداد‪ ،‬العدد ‪14 ،4‬‬
‫نيساف ‪.1989‬‬
‫دمحم مظفر األدىمي‪ ،‬احداث ‪ 1941‬في العراؽ‪ ،‬ثكرة اـ حركة انقبلب مجمة آفاؽ عربية‪ -‬بغػداد‪ ،‬العػدد ‪ ،6‬السػنة‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ 15‬حزيراف ‪.1990‬‬

‫‪54‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫أىمية النص المناقبي في كتابة التاريخ الحضاري لممغرب األوسط‬


The importance of virtue text in the writing of civilization history in
the central Maghreb
‫د(ة) بممداني نوال‬
"‫ أستاذة محاضرة "أ‬:‫الرتبة‬
‫ الجزائر‬،‫ معسكر‬-‫ جامعة مصطفى اسطمبولي‬:‫المقر الميني‬
naouel.belmaddani@univ-mascara.dz :‫البريد االلكتروني‬
:‫الممخص‬
‫ كفي الغالب يككف االعتماد عمى‬،‫يحتاج الباحث لمكتابة في التاريخ الحضارؼ إلى مادة مصدرية متنكعة‬
‫ لـ يعد البحث‬،‫ كعمكـ مكممة لبعضيا البعض‬،‫ لكف كبظيكر مناىج عممية مختمفة‬،‫المصنفات الكبلسيكية‬
‫ لينفض بذلؾ الغبار عف المصادر الدفينة حتى يتسنى لمكتابة‬،‫التاريخي مقيدا بنكع معيف مف المصادر‬
‫ كمف بيف المصنفات‬،‫ أغفميا الباحثكف في الفترات السابقة‬،‫التاريخية الخركج بمعطيات كنتائج جديدة‬
‫ فكثي ار ما أعطى االىتماـ بسير األفراد أك مجمكعة منيـ كالتأليف فييا‬."‫المقصكدة "المصادر المناقبية‬
‫ كمف ىذا المنطمق تـ اختيار كرقة بحث بعنكاف "أىمية النص المناقبي في كتابة التاريخ‬،‫نتائج مثمرة‬
.‫ كاليدؼ مف كراء ىذه الكرقة ىك إبراز القيمة التاريخية لمنص المناقبي‬،"‫الحضاري لممغرب األوسط‬
Abstract
The researcher needs a diverse written sources to write the history of
civilization. Often, the referent is the classic collections, most of the time we
rely on classic books, but With the appearance of different scientific method,
and the complementary science. Historical research is no longer restricted to a
written source type, to reveal the buried sources so that historical writing can
produce new data and results, neglected by researchers in previous periods,
among these documents are the virtues books.Often, Interest in the privacy of
people and groups and to write their biography, gave good results, For this, the
choice was made on a subject entitled " The importance of virtue text in the
writing of civilization history in the central Maghreb".The purpose of this
topic is to demonstrate the historical value of the virtues texts.
Keywords: Ibn marzouk, texts virtues, the central Maghreb, civilizations of
history, Agriculture, arts and crafts

55
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تشكل كتب المناقب صنفا متاحا مف المصادر الغنية بالمعطيات حكؿ الثقافة المادية عمى‬
‫مغيبة تماما في‬
‫الخصكص‪ ،‬كما ّأنيا مف المصادر غير المباشرة التي تساعد عمى الكصكؿ إلى معطيات ّ‬
‫أغمب المصادر الكبلسيكية التي يغمب عمييا الحضكر القكؼ لرجاؿ السمطة بأبيتيـ‪ ،‬كنخبة المجتمع‪ .‬ذلؾ‬
‫أف دراسة ُكتب المناقب‪ ،‬تسمح برسـ بعض معالـ الكاقع المعيش ألفراد المجتمع بمختمف حالتيا مف فقر‬
‫كغنى‪ ،‬كلدراسة أىمية ىذا النكع مف المصنفات بالنسبة لمكتابة التاريخية بالمغرب األكسط تـ إختيار‬
‫مصدر مناقبي ميـ حفع بيف صفحاتو معطيات تاريخية ىامة ساعدت الباحث في التاريخ الحضارؼ‬
‫لممنطقة عمى رسـ صكرة كاضحة عف المجتمع بحاضرة تممساف كضكاحييا خبلؿ الفترة الزيانية‪ ،‬كىك‬
‫"المناقب المرزوقية"‪ ،‬لمؤِّلفو ابف مرزكؽ الخطيب (ت‪781‬ق‪1379 /‬ـ)‪ ،‬كتكمف أىميتو المصنف في‬
‫ككف صاحبو شاىد عياف لمكثير مف األحداث كالكقائع عاصر بعضيا‪ ،‬كنقل اآلخر ركاية عف المقربيف لو‬
‫كألفراد أسرتو‪.‬‬
‫كضع ابف مرزكؽ ىذا المصنف المناقبي ليحفع السيرة الذاتية لسمفو الصالح‪ ،‬كالذيف عرفكا عمى‬
‫أنيـ أىل زىد كأصحاب كرامات‪ ،‬تميزكا بالقيـ كالمبادغ الدينية‪ ،‬كنبذ حياة الدنيا كزينتيا‪ ،‬إذا ال يمكف اف‬
‫نتعرؼ عمى سبللة الم ارزقة كجذكرىا‪ ،‬كما أنجبتو مف أعبلـ بدكف الرجكع لممناقب المرزكقية‪ ،‬كما يؤرخ ابف‬
‫مرزكؽ لمسبلطيف الذيف عاصركا أسبلفو‪ ،‬كما ّأنو يزكدنا بمادة عممية جديدة عف التاريخ االجتماعي‬
‫كاالقتصادؼ‪ ،‬كبعض العادات كالتقاليد الخاصة بالمجتمع‪ ،1‬كنظ ار لمقيمة التاريخية لممناقب المرزكقية تـ‬
‫اختيار كرقة بحثية بعنكاف "أىمية النص المناقبي في كتابة التاريخ الحضاري لممغرب األوسط"‪ ،‬كقبل‬
‫إبراز أىمية النص المناقبي في كتابة التاريخ الحضارؼ لممغرب األكسط‪ ،‬كجب الكقكؼ عند مصطمح‬
‫"المناقب"‪ ،‬مف حيث المفيكـ كالداللة‪.‬‬
‫* المناقب‪ :‬المفيوم والداللة‬
‫المناقب جمع منقبة كأصميا "منقب" كقد أسيب ابف منظكر في تعريفو بمادة "منقب" فقاؿ‪ِ ..." :‬في‬
‫يب؛ ِألََّن ُو َي ْعَم ُـ‬ ‫ِ‬ ‫َخ َبلؽ‪ .‬كىك حسف النَّ ِقيب ِة أَؼ ج ِميل اْلخمِيَق ِة‪ .‬كاَِّنما ِق ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يل ل َّمنقي ِب َنق ٌ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫َؼ أ ْ ٌ َ ُ َ َ َ ُ‬ ‫ُف َبل ٍف َم َناق ٌب َجميَم ٌة‪ ،‬أ ْ‬
‫َصُم ُو التَّأِْث ُير‬ ‫ُّ‬ ‫الط ِريق ِإَلى م ْع ِرَف ِة أُم ِ ِ‬
‫د ِخيَم َة أَم ِر اْلَقكـِ‪ ،‬كيع ِرؼ من ِاقبيـ‪ ،‬كىك َّ‬
‫اب ُكم ُو أ ْ‬
‫اؿ‪َ :‬ك َى َذا اْل َب ُ‬
‫كرى ْـ‪َ .‬ق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ ْ ُ َ َ َ ُ ْ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫كؿ" ‪ ،‬كيضيف ذات المؤلف‪" :‬كالمنقبة‪ :‬كرـ الفعل‪ ،‬يقاؿ‪ :‬إنو لكريـ المناقب مف‬ ‫‪2‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذؼ َل ُو ُع ْم ٌق َكُد ُخ ٌ‬

‫‪ -1‬نكاؿ بممداني‪ ،‬ابف مرزكؽ الخطيب ككتاب المناقب المرزكقية‪ ،‬عصكر الجديدة‪ ،‬مختبر البحث التاريخي‪ ،‬تاريخ‬
‫الجزائر‪ ،‬جامعة كىراف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،2011 ،4-3‬صص‪.99 ،83‬‬
‫‪ -2‬ابف منظكر‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيركت‪ ،‬داط‪ ،‬دات‪ ،‬باب النكف‪ ،‬مادة نقب‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.332‬‬
‫‪56‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الن ِق َيب ِة‬


‫أما َّ‬ ‫‪2‬‬
‫كيعرؼ الفيركزآبادؼ المنقبة عمى ّأنيا المفخرة ‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫النجدات كغيرىا‪ ،‬كالمنقبة‪ :‬ضد المثمبة"‪،1‬‬
‫المش َكَرةُ‪ ،‬كنفاذ الرأؼ"‪.3‬‬
‫فيقكؿ ىي "النفس‪ ،‬كالعقل‪ ،‬ك ْ‬
‫أف المنقبة ىي المفخرة كالفعل الكريـ كما عرؼ بو اإلنساف مف‬
‫ككرد في احد الدراسات المرجعية ّ‬
‫الخصاؿ كاألخبلؽ الحميدة‪ ،‬كشيد ىذا المصطمح نكعا مف التطكر عبر مراحل مختمفة‪ ،‬كانتيى بو‬
‫االقتراف بمعنى خصاؿ القدكة في فعل الخير كالجرأة عمى صكنو‪ ،‬كحمل الناس عمى االىتداء بو‪ ،‬فيي‬
‫القيمية كالسمككية التي يسعى اإلنساف دكما إلى إتخذىا مثبل عميا ييتدؼ بيا‪ ،4‬كيقصد بيا‬
‫ّ‬ ‫نماذج القدكة‬
‫أيضا الفضيمة ليس في مدلكليا األخبلقي فحسب‪ ،‬كاّنما جميع الخصاؿ التي اعتبر بيا العامة مف الناس‬
‫كأكالىا مخياليـ مكانة خاصة‪.5‬‬
‫كفي ظل التطكر الذؼ شيده مدلكؿ مصطمح "المناقب" نجدىا تطمق عمى مؤلفات تراجـ ذات‬
‫صبغة تمجيدية ارتبطت في مرحمة مف مراحل تطكرىا في نطاؽ الحضارة اإلسبلمية بالحديث عف سير‬
‫‪6‬‬
‫اف مصطمح المناقب يطمق عمى الصكت المغيب‬
‫األكلياء ككراماتيـ ‪ ،‬كتشير الباحثة خديجة السمعمي إلى ّ‬
‫تكرسو عمى أرض الكاقع‬
‫كالرافض كالمطمكس كالتعبير الدفيف داخل نفس المحيط المتصّمب ذاؾ الذؼ ّ‬
‫أف النص المناقبي يستدعي ىذه الشخصيات‬‫شخصية الكلي‪ ،‬كىي تعبير في بعض الكتابات‪ ،‬كترػ ّ‬
‫كيحتفي بيا‪ ،‬مما يجعمو كما يطبعو مف طابع عجائبي ال يقل قيمة عف النص التاريخي أك الحضارؼ في‬
‫كتابة كتكضيح الكثير مف الجكانب االجتماعية كالثقافية الغامضة في تاريخ المجتمعات‪ ،7‬كعميو النص‬
‫المنقبي ليس سمسمة مف السير النمطية المميئة بالفتكحات الربانية‪ ،‬كالمشاىدات كالكرامات البعيدة عف‬
‫مفصحا عف‬
‫ً‬ ‫الكاقع‪ ،‬بل يساعد عمى دراسة المتخيل الجماعي كالعبلقة بيف المتخيل كالممارسة االجتماعية‪،‬‬

‫‪-1‬ابف منظكر‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.332‬‬


‫‪ -2‬الفيركزآبادؼ‪ ،‬القامكس المحيط‪ ،‬مؤسسة الرسالة لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪ ،2005 ،8‬ص‪.139‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪ -4‬خديجة السمعمي‪ ،‬الفكر الصكفي مف خبلؿ مناقب أبي سعيد الباجي‪ ،‬مؤسسة مؤمنكف ببل حدكد لمدراسات كاألبحاث‪،‬‬
‫المممكة المغربية‪ ،‬الرباط‪ ،‬ص‪.4‬‬
‫‪ -5‬لطفي عيسى‪ ،‬مدكنة المناقب بببلد المغرب مف القرف ‪ 10‬إلى ‪17‬ـ عرض منيجي‪ ،‬المجمة التكنسية لمعمكـ‬
‫االجتماعية‪ ،‬تكنس‪ ،‬العدد ‪2005 ،130‬ـ‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪ -6‬ىشاـ عبيد‪ ،‬تكنس كأكلياؤىا الصالحكف في مدكنة المناقب الصكفية‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تكنس‪ ،2006 ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -7‬خديجة السمعمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪5‬‬
‫‪57‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫كبناء عمى السير المنقبية مستندات لتكثيق التاريخ‬
‫ً‬ ‫كتعد تراجـ الصمحاء‬
‫رمكز ال تخمك مف فائدة تاريخية ‪ّ ،‬‬
‫االجتماعي‪ ،‬كاألنثركبكلكجي لمصمحاء في تفاعميـ مع محيطيـ الجغرافي‪.2‬‬
‫بعد تصفح عدد مف المصنفات المناقبية الخاصة بتاريخ المغرب األكسط‪ ،‬تـ تصنيفيا إلى‬
‫"مصنفات مناقبية مفردة" تيتـ بسيرة شخصية كاحدة‪ ،‬كمف ىذا النمكذج نذكر "أنس الفقير كعز الحقير"‪،‬‬
‫البف قنفد القسنطيني‪ ،‬ىذا إلى جانب"مصنفات مناقبية جماعية" تخص مجمكعة أفراد مف األكلياء أك‬
‫الصمحاء أك العمماء‪ ،....‬مثل "عنكاف الدارية في مف ُعرؼ مف عمماء المائة السابعة ببجاية "ألبي العباس‬
‫أحمد الغبريني‪ ،‬ككذا كتاب"البستاف في ذكر األكلياء كالعمماء بتممساف"‪ ،‬البف مريـ المميتي‪ ،‬كيختمف طابع‬
‫ىذه المصنفات بيف ديني خاص بتعداد مناقب األفراد‪ ،‬كطابع سياسي خاصب مناقب الممكؾ‪ ،‬كاألمراء‪،‬‬
‫كالسبلطيف‪ .‬ليصبح بذلؾ ىذا النكع مف المصادر محل اىتماـ العديد مف الباحثيف‪ ،‬كذلؾ لنفض الغبار‬
‫عف الكثير مف المعطيات التاريخية‪ ،‬ككذا العناصر الميمشة داخل المجتمع‪ ،‬معتمديف في ذلؾ عمى‬
‫مناىج كعمكـ أخرػ‪.3‬‬
‫* التاريخ الحضاري لممغرب األوسط من خالل النص المناقبي‪ :‬المناقب المرزوقية أنموذجا‬
‫إف المادة التاريخية المتكفرة لدػ الباحث في تاريخ المغرب األكسط تتضمف المؤلفات الكبلسيكية‬ ‫ّ‬
‫التاريخية كالجغرافية‪ ،‬كاألدبية‪ ،‬كالفقيية‪ ،‬ككذا كتب الطبقات‪ ،‬غير ّأنيا تبقى غير كافية إلدراؾ سمسمة مف‬
‫األحداث التاريخية كمف األزمات السياسية كاالجتماعية الحادة التي عرفيا المجتمع الزياني بالبادية‬
‫كالحاضرة معا‪ ،‬األمر الذؼ يحفز الباحث إلى التنقيب عف مصادر أخرػ مف شأنيا أف تساعد عمى رسـ‬
‫صكرة أفضل كأكسع‪ ،‬كيقصد ىنا "المصنفات المناقبية"‪ ،‬كيرػ األستاذ الطاىر بكنابي ّ‬
‫أف ىذا النكع مف‬
‫المصنفات خبلؿ الفترة الزيانية متكفر كتعد مف ركائز مدكناتو التاريخية‪ ،‬لما تخزنو مف مادة تاريخية‬
‫أف ما زاد مف مصداقيتيا قرب‬
‫متنكعة تسمح بالكتابة في تاريخو االجتماعي كالذىني كاالقتصادؼ‪ ،‬مضيفا ّ‬

‫‪ -1‬عبد األحد السيتي‪ ،‬التاريخ كالذاكرة‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2012 ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪ -2‬لطفي عيسى‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ /41‬الحرؼ كالحرفيكف في المغرب األكسط الزياني مف خبلؿ نص المناقب‪ ،‬مجمة‬
‫الناصرية‪ ،‬مخبر البحكث االجتماعية كالتاريخية‪ ،‬جامعة معسكر‪ ،‬العدد‪ ،4‬جكاف ‪ ،2013‬ص‪.165‬‬
‫‪ -3‬لغزاكؼ لمياء‪ ،‬التصكؼ بيف البركسبكغرافيا كأدب المناقب‪ ،‬مجمة كمية اآلداب كالعمكـ اإلنسانية‪ ،‬جامعة سيدؼ دمحم بف‬
‫عبد هلل‪ ،‬ظير الميراز‪ ،‬فاس‪ ،‬العدد ‪ 19‬السنة ‪ ،25‬صص ‪ /111 -99‬مجمكعة مؤلفيف‪ ،‬التاريخ كأدب المناقب‪ ،‬أعماؿ‬
‫الممتقى الكطني ‪ 9-8‬أفريل ‪ ،1988‬منشكرات عكاظ‪ ،‬الرباط‪ /1989 ،‬الطاىر بكنابي‪ ،‬الحرؼ كالحرفيكف في المغرب‬
‫األكسط الزياني مف خبلؿ نص المناقب‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أصحابيا مف السمطاف كارتباطيـ بالمجتمع البدكؼ كالحضرؼ‪ ،‬األمر الذؼ جعل كتاباتيـ دقيقة‪ ،1‬كعمى‬
‫ىذا األساس تـ اختيار "المناقب المرزوقية" مف أجل الكشف عف بعض إفاداتو المتناثرة كالمتنكعة‪.‬‬
‫حاكؿ ابف مرزكؽ التأريخ لسمفو كمف عاصرىـ مف السبلطيف كالعمماء كاألكلياء مع االستطراد في‬
‫بعض التفاصيل كالدقائق عف أسرتو كمجتمعو‪ ،‬كما كثّق معطيات ميمة تخص الجكانب االجتماعية‬
‫كاالقتصادية كحتى النفسية لبعض مف ترجـ ليـ مف أعبلـ الصكفية بتممساف‪ ،‬كأمكر أخرػ كثيرة تخص‬
‫فئة العمماء كالمشايخ‪ ،‬كبخاصة المتكاجديف بتممساف‪ ،‬كبيذا يككف قد قدـ معمكمات تاريخية ذات أىمية‬
‫تعبر عف الكاقع الذىني كاليكمي المعيش لدػ أفراد المجتمع‪ ،‬كما عكس لنا البعد السياسي كالثقافي‬ ‫ّ‬
‫كاالجتماعي‪ ،‬ككذا البعد الديني لببلد المغرب األكسط خبلؿ المرحمة الزيانية‪.‬‬
‫بدأ ابف مرزكؽ التعريف بسبللة الم ارزقة كجذكرىا كما أنجبتو مف أعبلـ‪ ،‬مستيبل التعريف بنسبو‬
‫كمكلده كنشأتو‪ ،‬كصكرة عف حياتو كرحبلتو كشيكخو الذيف التقى بيـ كأخذ عنيـ في مختمف األماكف التي‬
‫زارىا‪ ،‬كما يخبرنا عف أىـ الكظائف التي تقمدىا كالمحف التي اعترضتو‪ ،‬باإلضافة إلى حديثو عف أفراد‬
‫أسرتو‪ ،‬مبر از خصاؿ كل فرد مف أفرادىا مقدما تفاصيل دقيقة حكؿ مكلدىـ كنشأتيـ كمستكاىـ العممي ككذا‬
‫المكانة االجتماعية التي حظكا بيا‪ ،‬معتمدا في نفس الكقت عمى ثنائية الجمع بيف شخصيتيـ في‬
‫الممارسات السمككية كاألخبلقية‪ ،‬كلف نفصل في ذلؾ كثي ار لكجكد العديد مف األبحاث التي اىتمت بتاريخ‬
‫أسرة الم ارزقة‪.2‬‬
‫‪ /1‬المنشآت العمرانية بالمغرب األوسط من خالل المناقب المرزوقية‪:‬‬
‫بعد تصفح المناقب المرزكقية تـ الكشف عف الكثير مف المعطيات التاريخية اليامة كالتي ذكرىا‬
‫المؤّلف أثناء تعريفو بسمفو كما كاف ليـ مف مناقب‪ ،‬منيا في المجاؿ العمراني؛ فمدينة تممساف عرفت‬
‫ف‪.‬‬‫ظ ِائ ِ‬
‫مختمف ُة اْل َك َ‬
‫َ‬ ‫كغيرىا مف المدف اإلسبلمية منشآت عمرانية‬
‫ألنيا تقدـ مادة خصبة‬
‫كثي ار ما يمجأ الباحث في كتاباتو عف المنشآت العمرانية لممصادر الجغرافية ّ‬
‫أف ابف مرزكؽ قدـ نصكصاً ال تقل أىمية عف تمؾ المكجكدة ضمف المصادر‬ ‫كىامة حكؿ العمراف‪ ،‬غير ّ‬
‫الجغرافية‪ ،‬مف ذلؾ األسكار‪ ،‬فمدينة تممساف أحيطت بأسكار مدعمة بمجمكعة مف األبكاب لتسييل حركة‬
‫أف ابف مرزكؽ لـ يفصل فيما يخص االرتفاع أك المتانة كال‬ ‫‪3‬‬
‫الناس دخكال كخركجا مف كالى المدينة ‪ ،‬غير ّ‬

‫‪ -1‬الطاىر بكنابي‪ ،‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.165‬‬


‫‪ -2‬سمكػ الزاىرؼ‪ ،‬المناقب المرزكقية البف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬مجمة عصكر‪ ،‬جامعة كىراف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪7-6‬جكاف‪-‬‬
‫ديسمبر ‪/2005‬نكاؿ بممداني‪ ،‬ابف مرزكؽ الخطيب ككتاب المناقب المرزكقية‪ /‬بف داكد نصر الديف‪ ،‬أسرة الم ارزقة تممساف‬
‫مف القرف ‪7‬ق‪13 /‬ـ‪ ،‬دكرىا كآثارىا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬قسـ التاريخ‪ ،‬جامعة كىراف‪.2003-2002 ،‬‬
‫‪ -3‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المناقب المرزكقية‪ ،‬تح سمكػ الزاىرؼ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪ ،2008 ،1‬ص‪.199‬‬
‫‪59‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أما األبكاب فذكر‪ :‬باب زيرؼ‪ ،1‬باب الجياد‪ ،2‬باب العقبة ككاف خارجو أشجار زيتكف‪ ،3‬باب كىب‪.4‬‬
‫الدكر‪ّ ،‬‬
‫كك ِجد خارج بعض األبكاب مقابر‪ ،‬منيا مقبرة مسند الصالح تحت باب زيرؼ‪ ،5‬كخصص لممكؾ بني‬ ‫ُ‬
‫عبد الكاد مدافف خاصة بيـ أيضا‪ ،6‬كلـ ينس ابف مرزكؽ أف يذكر المبلعب المكجكدة خارج أسكار مدينة‬
‫تممساف‪ ،‬ككاف يجتمع فييا العامة كالخاصة‪ ،‬كفي العديد مف المناسبات‪.7‬‬
‫جمعت األسكار بيف جدرانيا العديد مف المنشآت ذات الطابع الديني كمنيا االقتصادؼ‪ ،‬كمنيا‬
‫المدني‪ ،...‬كعمى رأسيا المنشآت الدينية كىنا يككف الحديث عف المسجد مكاف استقباؿ الطمبة كالمصميف‬
‫كرجاؿ العمـ كالمتصكفة‪ ،‬كأشيرىا "الجامع األعظـ"‪ ،8‬كاف لو عدة أبكاب منيا باب بالجية الغربية‪ ،9‬ىذا‬
‫باإلضافة إلى مجمكعة مف المساجد الخاصة بالحارات كالدركب‪ ،‬مف بينيا "مسجد مرسى الطمبة"‪ ،10‬كعند‬
‫أما "مسجد حارة الرماة" فيقكؿ عنو ابف مرزكؽ‪" :‬يعرؼ في ىذه األعصار بمسجد ابف‬‫بابو سارية‪ّ ،‬‬
‫جحاؼ‪ ،‬كابف خرزكزة الخطيب"‪ ،11‬كيتككف المسجد مف صحف كمحراب كدرج‪ ،12‬ىذا باإلضافة إلى مسجد‬
‫العزالة بأعمى العباد ينقطع فيو المصمي لمعبادة في الميل بعيدا عف الناس‪ ،13‬كيضيف ابف مرزكؽ‬
‫الخطيب "جامع تفرغنبك"‪ ،‬كعنو يقكؿ‪" :‬جامع تفرغنبك‪ ،‬مكضع معركؼ بتممساف‪ ،‬صار اآلف ببعض دكر‬
‫الجدار‪،15‬‬
‫‪ ،‬كذكر جامع ُ‬
‫‪14‬‬
‫القصر‪ ،‬كالمسجد اآلف محمكؿ عميو بعض القصر المعركؼ بأبي قير‪"...‬‬

‫‪ -1‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.148‬‬


‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص‪ -153‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪ -174‬ص ‪.194‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص ‪ -153‬ص‪.187‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪ -6‬نفسو‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫‪ -7‬نفسو‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪ -8‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪187 -155‬‬
‫‪ -9‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫‪ -10‬نفسو‪ ،‬ص‪.239 ،199 ،176 ،167 ،154‬‬
‫‪ -11‬نفسو‪ ،‬ص‪.154‬‬
‫‪ -12‬نفسو‪ ،‬ص‪. 286 ،167 ،154‬‬
‫‪ -13‬نفسو‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪ -14‬نفسو‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ -15‬نفسو‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫‪60‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫أف بعض المساجد كانت تزيف بالرغـ مف نيي الفقياء عمى فعل ذلؾ‪،‬‬ ‫كمسجد إيبلف ‪ ،‬كمف الكاضح ّ‬
‫كمزكقاً إلى حد اإلزار‪.2‬‬
‫فجامع القصر الجديد بتممساف‪ ،‬كاف منقكشاً ّ‬
‫أرفقت المساجد بكتاتيب لتعميـ الصبياف‪ ،‬كىك ما يكضحو ابف مرزكؽ بقكلو‪" :‬ككاف الصبياف‬
‫يقرؤكف تحت المسجد‪ ،‬في مساطب ُبنيت‪ ،3"...‬كالتحق ىك أيضا في صغره بالمكتب‪.4‬‬
‫أما الدكر فكانت متبلصقة تفصل بينيا دركب صغيرة كأحيانا كبيرة‪ ،‬كتحتكؼ الدركب عمى أبكاب‬ ‫ّ‬
‫في أكليا حتى ال يدخميا الغرباء إالّ َم ْف أُِذ َف لو ‪ ،‬كزكدت الدكر ببئر لقضاء الحاجة كالضركريات ‪ ،‬كما‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫خصص لتصريف المياه كنقميا إلى الدكر قنكات كمطاىر كصبكر‪ ،7‬كلـ يتردد ابف مرزكؽ في كصف‬
‫الدكر التي سكنيا ىك أك أسمفو مقدما في ذلؾ أكصاؼ دقيقة‪ ،‬حتى مكقعيا كتكاجدىا داخل الدرب‪ ،‬مف‬
‫ذلؾ قكلو‪" :‬كاف المكضع الذؼ فيو دارنا‪ُ ،‬ز ْقيقا غير نافذ‪ ،‬كىك متصل بالقصر‪ ،‬كفيو باب يعرؼ بباب‬
‫‪8‬‬
‫ألمو فيقكؿ‪ ..." :‬الدار التي بحارة الرماة‪ ،‬في آخر السكة الرابعة‪ ،‬التي‬
‫جده ّ‬
‫أما عف دار سكنى ّ‬
‫الغدر" ‪ّ ،‬‬
‫تعرؼ بابف الجحاؼ‪ ،9"...‬كفي الكاقع قّمما نجد ىكذا أكصاؼ ضمف نصكص المصنفات المنقبية‪.‬‬
‫لـ يكتف ابف مرزكؽ بذكر الدكر كمنافذىا‪ ،‬بل أضاؼ معمكمات ىامة عف أىـ الدركب بمدينة‬
‫تممساف‪ ،‬عمى رأسيا "درب شاكر"‪ ،‬كىك مف الدركب الكبيرة يقطنو التاجر أبك زيد ككاف أكثر الدرب لو‪،‬‬
‫عيف ألبنائو‪ ،‬كيفصل ابف‬
‫كلعمالو كخدامو‪ .‬ككاف لو داخل نفس الدرب‪ ،‬درب يختص بو كالدكر التي ّ‬
‫مرزؽ في كصفو ليذه الدكر فيقكؿ‪" :‬أدركت الدار الكبرػ‪ ،‬كتتصل بيا دار تعرؼ بدار اإلنجاصة‪ ،‬تتصل‬
‫بيا دار تعرؼ بالدار الجديدة‪ ،‬كىي مكاضع سكناه كالخاصة بو‪ .‬كتتصل بيذه الدكر الثبلثة‪ ،‬دكر أخرػ‬
‫‪10‬‬
‫أما "دريبة ابن الذيب"‪ ،‬بالسبطرّييف فيي‬
‫ألكالده كخدامو‪ .‬كخارج ىذا الدرب الصغير‪ ،‬درب كبير‪ّ ، "...‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪11‬‬
‫أما فيما‬
‫عبارة عف درب صغير مغمق يكجد في ظير السجف الكائف بالسراجيف ‪ ،‬كذكر "درب ماللة" ‪ّ ،‬‬

‫‪ -1‬نفسو‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.203‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪.182‬‬
‫‪ -6‬نفسو‪ ،‬ص‪ -156‬ص‪.188‬‬
‫‪ -7‬نفسو‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪ -8‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬صص ‪.241-240‬‬
‫‪ -9‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪277‬‬
‫‪ -10‬نفسو‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -11‬نفسو‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫‪61‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أف ىذا المكضع كاف دربا كاحدا‪ ،‬كلو باب عند مدخل الدرب‪ ،‬كفيو مسجد لو‬
‫يخص مرسى الطمبة فيذكر ّ‬
‫طاقة كبرػ كطاقة صغرػ تحت الدرج‪ ،‬كبنيت تحت المسجد مساطب‪ ،2‬كيستعمل ابف مرزكؽ مصطمح‬
‫الزنقة منيا زنقة حجامة كبيا كانت دار التنسي‪.3‬‬
‫لقد كاف ابف مرزكؽ دقيقا في أكصافو‪ ،‬كفرؽ بيف عناصر الحي باستعمالو لممصطمح المكافق لكل‬
‫‪4‬‬
‫أما "الزنقة"‬
‫كاحد منيـ‪ ،‬كاستعمالو لكممة "درب" كيقصد بو باب السكة الكاسع‪ ،‬كىك أيضا الباب األكبر ‪ّ ،‬‬
‫فيقصد بيا السكة الضيقة‪.5‬‬
‫لـ ينس أفراد المجتمع كبخاصة بالبادية أخذ التقمبات المناخية كاالضطرابات السياسية بعيف‬
‫االعتبار‪ ،‬إذ عممكا عمى إرفاؽ أماكف سكناىـ بمخزف‪ 6‬أك مطمكرة‪ ،7‬لحفع الحبكب كما يمكف تخزينو لكقت‬
‫الحاجة‪ ،‬كذكر ابف مرزكؽ الخطيب ىذاف المصطمحاف عدة مرات عند كشفو عف كرـ أسمفو كاتساع‬
‫صدقاتيـ‪.‬‬
‫ال يمكف الحديث عف المدينة إذا لـ نقف عند منشآتيا التجارية‪ ،‬كالتي كثي ار ما تردد ذكرىا لدػ‬
‫صاحب المناقب المرزكقية‪ ،‬كىي "قيساريات"‪ ،8‬كتعرؼ عمى أنيا حي تجارؼ كبير‪ ،‬يتككف مف مجمكعة‬
‫مف الدكاكيف‪ ،‬كالمحبلت التجارية‪ ،‬ككرشات صناعية‪ ،‬كمخازف كفي بعض األحياف مساكف فكؽ الحكانيت‬
‫كبيا فنادؽ يؤميا التجار األجانب‪ ،‬كيذكر ابف مرزكؽ امتبلؾ أبا عبد هلل ابف مرزكؽ حانكتا بالقيسارية‬
‫ينسخ فييا القرآف‪ ،9‬حتى ابف القطاف كاف لو حانكتا بالقيسرية يسترزؽ منو‪ ،10‬يبيع كيشترؼ‪ ،‬ككاف البرنس‬
‫(الغفارة) مف بيف سمع الحانكت‪.11‬‬
‫* جوانب من التاريخ االجتماعي لممغرب األوسط من خالل المناقب المرزوقية‪:‬‬

‫‪ -1‬نفسو‪ ،‬ص‪.181‬‬
‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص‪.183‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪.199‬‬
‫‪ -4‬ابف منظكر‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬مادة (درب)‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪236‬‬
‫‪ -5‬المصدر نفسو‪ ،‬مادة (زنق)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.65‬‬
‫‪ -6‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.236‬‬
‫‪ -7‬المصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫‪ -8‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ ،148‬ص‪276‬‬
‫‪ -9‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪ -10‬نفسو‪ ،‬ص‪276‬‬
‫‪ -11‬نفسو‪ ،‬ص‪276‬‬
‫‪62‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تعددت الجكانب االجتماعية الكاردة ضمف المصنف المناقبي كال تقل أىمية عف الجكانب األخرػ‪،‬‬
‫منيا التكافل االجتماعي بيف أفراد المجتمع‪ ،‬كمساعدة اليتامى كالفئة المستضعفة مف خبلؿ التصدؽ‬
‫كاإلنفاؽ عمييا‪ ،‬فكالد ابف مرزكؽ كاف لو مطامير مف القمح كالفحـ كيدخر المحـ (المسمي أك الخميع)‪،‬‬
‫كالزيت‪ ،‬إذ كاف يكـ الثمج فتح مطمكرة مف قمح كأخرػ مف فحـ ليتصدؽ منيما طكؿ يكمو‪ ،‬فبل يرجع إلى‬
‫داره حتى يفرغ مف المطمكرتيف‪ ،1‬كمنيـ مف خصص لكل يكـ خب از لمصدقة‪ ،‬كثيابا في كل سنة‪ ،2‬كىناؾ‬
‫مف خصص صدقتو عمى الضعيف كالمستتر كالسائل كل جمعة بالقمح كالدراىـ‪ ،‬مع كسكة جماعة مف‬
‫أىل الخير ك عياليـ كل سنة‪ ،3‬كمف أجداد ابف مرزكؽ مف كاف "كجييا سريا مكسعا عميو‪ ،‬كثير الصدقات‬
‫الصدقات كأعماؿ البر‪ ،‬لو جرايات عمى الطمبة كأىل الديف كالخير"‪ ،4‬كلـ يكف التخزيف ككنز محببا‬

‫ألسبلؼ ابف مرزكؽ فيناؾ مف كاف ي ّ‬


‫تعيش مف عممية النسخ‪ ،‬فإذا حصل لو نصيب مف النسخ‪ ،‬تمسؾ‬
‫منو بما يقتات بو‪ ،‬كيتصدؽ بالباقي‪.5‬‬

‫جده لكالده يقكؿ ابف مرزكؽ‪" :‬كاف يحرث بفرد كاحد في مكضع صغير‪ُ -‬‬
‫كصفي‪ ،‬كلـ يبق‬ ‫كعف ّ‬
‫كيخرج‪ ،‬فيجمس بإزائو‪ ،‬كيأخذ حفنة منو‪ ،‬ثـ يرمييا فيو‪ ،‬فيكتاؿ بيف يديو لمضعفاء كالمحتاجيف‬
‫إال أف ُينقل ُ‬
‫الذيف يحضركف‪ ،‬كالذيف جرت عادتو بإعطائيـ‪ ،‬حتى إذا فرغكا‪ ،‬صرؼ الناس‪ ،‬كأمر بحمل ما بقي لداره‬
‫مف غير كيل‪ ،‬فيأكل منو عيالو‪ ،‬كيتصدؽ منو الصدقة الكثيرة طكؿ سنتو‪ ،6‬كالنصكص حكؿ ذلؾ كثيرة‪،‬‬
‫ك في الكاقع كّميا تؤكد كجكد طبقة مف الميمشيف لقيت اىتماما مف قبل أفراد المجتمع‪.‬‬
‫أما النصكص الكاشفة عف العادات كالتقاليد داخل المجتمع فتنكعت ىي األخرػ‪ ،‬منيا جياز‬
‫ّ‬
‫العركس يكـ زفافيا‪ ،‬كما كانت تحممو مف فرش‪ ،‬كممبس‪ ،‬كحمي‪ ،‬كيصف ابف مرزكؽ ما جيزت بو جدتو‬
‫أـ كالده‪ ،‬فيقكؿ‪" :‬أخرج ليا حميا كثي ار كفرشا‪ ،‬كغير ذلؾ‪ ...‬كأخبرتني خالة مكالؼ الكالد‪ ،‬انو عمل لكل‬
‫ككف جممة‪ ،‬حميا بألف دينار مف الذىب‪ ،‬عدا ما جعل ليف مف الفرش كالثياب؛ كأعطى‬
‫بنت مف بناتو‪ّ ،‬‬

‫‪ -1‬نفسو‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص ‪.163‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.188‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪.185‬‬
‫‪ -6‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.160‬‬
‫‪63‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لكل مف بنيو نحك ذلؾ"‪ ،1‬كما كانت العركس تقكـ بعدة تحضيرات قبل خركجيا مف بيت كالدىا‪ ،‬كتزيف‬
‫نفسيا كتختضب الحناء‪.2‬‬
‫كما تنكعت المأككالت لدػ أفراد المجتمع التممساني حسب مستكػ دخل الفرد‪ ،‬أك نظرتو لمدنيا‬
‫أف ابف مرزكؽ ترجـ لمجمكعة مف المتصكفة كالزىاد‪ ،‬إذا يتحدث عف أبي بكر‬
‫كضركرة الزىد فييا‪ ،‬عمماً ّ‬
‫بف مرزكؽ قائبل‪" :‬غالب فطره كاف عمى قشرة مف خبز‪ ،‬كثبلث بيضات مدفئات عمى النار‪ ،‬يجعل فييا‬
‫يسير ممح‪ ،‬كيأتدـ بيا ثـ اقتصر عمى اثنتيف مدة‪...،‬ككاف يأكل المحـ أحيانا‪ ،‬كربما يجعل لو‪ ،‬في أياـ‬
‫فطره‪ ،‬يسي ار مف الطعاـ الذؼ يعرؼ بالبركككش‪ ،‬كىك المعركؼ بالمفتمة عند المشارقة‪ ،‬بيسير زبد أك‬
‫سمف"‪ ،3‬ككاف أكثر أكل كالد ابف مرزكؽ الخطيب "ثريدا مف الخبز الخمير‪ ،‬بإداـ خفيف مف سمف‪ ،‬أك‬
‫شحـ كيتأدـ بالمحـ أحيانا"‪ ،4‬كأحيانا أخرػ "كاف يأكل الخضر‪ ،‬كيأكل مف اليابسة التمر كالزبيب كالتيف"‪،5‬‬
‫كالتيف"‪ ،5‬فطعاـ الزىاد كالمتصكفة كاف بسيطا‪ ،‬يعتمد في الغالب عمى إداـ كخبز كممح مف أجل سد رمق‬
‫الجكع فقط‪ ،‬إلتباعيـ بساطة العيش‪ ،‬فاألمر ىنا ال يتعمق بالفقر كالغنى‪ ،‬كما ال يمكف تعميـ ىذا النكع‬
‫األطعمة عمى كل طبقات المجتمع‪.‬‬
‫أف األطعمة التي كانت تحمل في السفر تميزت ببساطتيا كخفت كزنيا‪ ،‬منيا "الفداكش"‬‫غير ّ‬
‫أما أىل الديار المصرية‬
‫أما لدػ بعض أىل إفريقية فعرفت ب"الدكداذ"‪ّ ،‬‬
‫المعركفة لدػ أىل المغرب‪ّ ،‬‬
‫‪6‬‬
‫يعرؼ بأسماء األطعمة حسب‬
‫فيسمنيا "األطرية"‪ ،‬كما كاف المسافر يأخذ معو المحمصة ‪ ،‬كىنا نجده ّ‬
‫المجاؿ الجغرافي‪ ،‬كفي الكاقع كميا تعتمد عمى الحبكب بالدرجة األكلى‪.‬‬
‫أما الممبس فقد ذكر ابف مرزكؽ عدة أنكاع منيا المحمي كمنيا ما لو تأثر بالعالـ اإلسبلمي‪ ،‬كىك ما‬
‫يمكف ربطو بمسألة التكاصل الحضارؼ بيف مختمف المجتمعات اإلسبلمية‪ ،‬فعند كصفو لمباس كالده يقكؿ‪:‬‬
‫"كاف يتجمل في لباسو‪ .‬فمباسو الجربي‪ ،‬كالمثني الرفيع التممساني‪ ،‬كأكثر ألكاف لباسو األخضر المسني‪،‬‬
‫كالزرعي كاليندؼ ككاف يعتـ مقمة‪ .‬كيمبس الحازر اإلسكندرانية‪ ،‬كاألحارـ التكنسية"‪ ،7‬كلبس أبك عبد هلل بف‬

‫‪ -1‬المصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.163‬‬


‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.168‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص ‪159‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪ -6‬نفسو‪ ،‬ص‪.197‬‬
‫‪ -7‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.224‬‬
‫‪64‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بف عيسى "أفخر الثياب مما يحاكي بمبسو الممكؾ "‪ ،1‬كيشير في نص آخر عند حديثو عف جده قائبل‪:‬‬
‫"كاف‪ ...‬ككالده كأكالد‪ ،‬يتجاممكف كيمبسكف أحسف الثياب‪ .‬في أياـ المصيف‪ ،‬البياض‪ ،‬كالمبلحف التكنسية‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كل منطقة اشتيرت بنكع معيف مف المباس‪.‬‬
‫أف ّ‬
‫كاألحارـ" ‪ ،‬كيتضح مف ىذه األكصاؼ ّ‬
‫أف لباس المتصكفة كأصحاب الكرامات اختمف عف مكاقفيـ بالنسبة لؤلكل‪ ،‬لكف ىذا ال‬
‫كالظاىر ّ‬
‫ألمو إذ يفيدنا‬
‫ينفي كجكد بعض األفراد المتقشفيف في مأكميـ كممبسيـ مع اكتفائيـ بالضركرؼ‪ ،‬منيـ جده ّ‬
‫ابف مرزكؽ قائبل‪" :‬كاف يمبس المرقعة بيف ثيابو‪ ،‬كأدركتيا مف جبة صكؼ سكداء‪ ،‬مبطنة بخرقة سكداء‪،‬‬
‫محشكة بالقطف‪ ،‬مرقعة‪ .‬كيمبس فكقيا بدنا أخضر‪ ،‬أك أسكد‪ ،‬كغفارة خضراء‪ ،‬ككانت لو أخرػ زبيبية‬
‫كيتعمـ عمامة فقياء أىل افريقية اآلف‪ ،‬كىي كانت عمائـ أىل تممساف‪ ،‬في القديـ"‪ ،3‬كلعل المتأمل‬
‫لمنصكص أعبله يبلحع تفضيل المتصكفة لمكف األخضر كذلؾ لدالالت ركحية مف ككنو يرتبط ارتباطا‬
‫كثيقا بمراتب النفس‪ ،‬التي ترضى في سيرىا طكعا لمرضاة الحق‪.4‬‬
‫كأحيانا أخرػ نجد مف يمزج بيف المظيريف‪ ،‬كأبي عبد هلل بف عيسى الذؼ قاؿ عنو ابف مرزكؽ‪:‬‬
‫"يصبح أياما كقد لبس افخر الثياب مما يحاكي بمبسو الممكؾ‪ ،‬ثـ يصبح أياما في مرقعة الشيء دكنيا‪ .‬ثـ‬
‫يصبح أياما مستحبل في كساء"‪ ،5‬كخص الفقياء كالفرساف بزؼ خاص‪ ،6‬حتى لبس الجاليات األندلسية‬
‫كاف لو حضكر لدػ ابف مرزكؽ‪ ،‬إذ يصف أحد التجار األندلسييف قائبل‪" :‬كنزؿ‪ ...‬بثياب بيض‪ ،‬كشاشية‬
‫حسنة‪ ،‬عمى تكدة‪ ،‬بقبقاب في رجميو"‪ ،7‬كلعل ىذا ما يساعد عمى دراسة التكاصل الحضارؼ بيف المغرب‬
‫األكسط كباقي مناطق الغرب اإلسبلمي‪ ،‬كتبادؿ الثقافات بيف األفراد‪.‬‬
‫كما استكقفتنا أثناء تصفح المصنف المنقبي العديد مف اإلشارات اليامة دالة عمى أىـ عناصر‬
‫المجتمع مف الطبقة العامة كالخاصة‪ ،‬مشي ار إلى القضاة‪ ،‬كالخطباء‪ ،‬كالحجاب‪ ،‬كالكزراء‪ ،‬كالحرفييف‬
‫كغيرىـ‪ ،8‬ىذا إلى جانب فصمو بيف أىل المدف كسكاف البادية‪ ،‬مع كشفو لشريحة مف المجتمع كاف أفرادىا‬

‫‪ -1‬المصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.177‬‬


‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص ‪158‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪.280‬‬
‫‪ -4‬ينظر ضارؼ مظير صالح‪ ،‬داللة المكف في القرآف كالفكر الصكفي‪ ،‬دار الزماف لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ط‪ ،2012 ،1‬ص‪ 47‬كما بعدىا‪.‬‬
‫‪ -5‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.177‬‬
‫‪ -6‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.241‬‬
‫‪ -7‬نفسو‪ ،‬ص ‪173‬‬
‫‪ -8‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 172‬كما بعدىا‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أفرادىا يتطاكلكف عمى أمبلؾ الغير‪ ،‬إنيـ المصكص‪ ،‬كمف النصكص الكاشفة عف ذلؾ قكلو‪" :‬حدثني غير‬
‫كاحد مف أىل تممساف كأىل العباد‪ ،‬أف رجبل كاف يسرؽ الفاكية مف جناف العباد‪.1"...‬‬
‫كثي ار ما تناكلت المصنفات الفقيية نكازؿ الميراث كتقسيمو عمى أفراد األسرة‪ ،‬كحفع حق الغائب‪،‬‬
‫كىك ما الحظناه مف خبلؿ نص ابف مرزكؽ‪ ،‬كقكلو‪ ..." :‬ميراث كالدتي‪ ...‬عدد خمسمائة دينار مف‬
‫الذىب‪ ،‬فمما كبرت كصرت في مقاـ الطمب‪ ،‬كدلني أقاربي عمى طمب ذلؾ مف بعض أقاربي‪ ،‬فاحتيج إلى‬
‫أف ككل عني‪ ،‬كتقدـ الككيل لمطمب‪ ،‬كتعيف الماؿ عمى مف تعيف عميو مف المطمكبيف‪ ،‬كتعيف أيماف عمى‬
‫بعضيـ‪ ،‬قاؿ لي‪ :‬يا بني ! دع ىذا عنؾ‪ ،‬كأنا أشيد لؾ بيذا العدد مف مالي‪ ،‬كال تقابح قرابتؾ‪ ،‬ك هلل‬
‫يعينؾ"‪ ،2‬كعند حديثو عف كالده يقكؿ‪" :‬كلما تكفي كالده‪ ،‬عمى حفيده‪ ،‬شيخنا اإلماـ أبي مكسى بف اإلماـ‪،‬‬
‫ككانت كفاتو بعد كفاة أمو‪ ،‬كأحاط بميراثيا‪ ،‬بعث إليو الفقيو أبك مكسى المذككر بالتركة‪ ،‬فقاؿ‪ :‬معاذ هلل‪،‬‬
‫كاف كاف ماال مباركا حبلال‪ ،‬إال أف كالدىا أحق مني فيو‪ ،‬فحمف عميو‪ ،‬كلـ يتماسؾ منو إال بمحافيف‬
‫كمخدتيف كرداء ككساء‪ ،‬حياء منو كحشمة‪ ...‬ككذلؾ فعل في ميراث‪ ،‬صار لو مف أمو‪ ،‬تحصل تحت يد‬
‫أخكالو‪ ،‬ثـ تحت بينيـ‪ .‬فمـ يطمب منيـ شيئا‪ ،‬ككتب ليـ مبارأة"‪.3‬‬
‫كعف عمو يخبرنا قائبل‪" :‬لما تكفيت زكجتو‪ ،‬ست الممكؾ‪ ،‬بنت اليكارؼ‪ ،‬ككانت قبمو تحت السمطاف‬
‫المرحكـ أبي حمك مكسى بف عثماف‪ ،‬فخمفت حميا كخدما‪ ،‬كدكاب كبقرا‪ ،‬كفرشا كثيرا‪ ،‬ككرثيا كلدىا مف‬
‫غير السمطاف أبي حمك‪ ،‬أبكه يحي بف حازـ‪ ،‬فمما التركة قاؿ لو ابنيا‪ ،‬ككاف لو كالكلد‪ :‬يا سيدؼ ! خذ ما‬
‫تريد‪ ،‬كاعطني ما ييكف عميؾ‪ .‬فقاؿ لو‪ :‬يا بني ! قد أغناني هلل بحبللي‪ ،‬ك هلل ال أتماسؾ لؾ بكبرة‪.4"...‬‬
‫* جوانب من التاريخ االقتصادي بالمغرب األوسط من خالل المناقب المرزوقية‪:‬‬
‫ساعدت التراجـ التي قدميا ابف مرزكؽ عمى إعطاء لمحة عف النشاط الحرفي كالتجارؼ كالتكاصل‬
‫الحضارؼ بيف مختمف حكاضر المغرب اإلسبلمي كخاصة بيف تممساف كفاس‪ .‬إذ يخبرنا ّ‬
‫أف أبا العباس‬
‫بف القطاف كاف يتسبب بالخياطة كبالسفر أحيانا‪ ،‬كمارس التجارة يبيع كيشترؼ‪ ،‬كاف يخرج إلى فاس‪،‬‬
‫كسبتة‪ ،‬يبيع كيشترؼ‪ ،‬ككاف يعكد بأحماؿ البز السبتي‪ ،‬كسافر إلى بجاية تاج ار كحمل بعض المتاع‪ ،‬باع‬
‫كاشترػ‪ ،‬كجاء بو إلى تممساف ففتح هلل عميو كاتسع حالو‪ ،‬ككثر مالو‪ ،5‬كالنشاط الحرفي عامة‪ ،‬كعمى كأسو‬
‫كأسو الخياطة كانت مصدر عيش لكثير مف األكلياء‪ ،‬فالشيخ أبك إسحاؽ إبراىيـ بف عمي الخياط مثبل‬

‫‪ -1‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪ ،163‬كغيرىا‬


‫‪-2‬نفسو‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪ -244‬ص‪.245‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص ‪245‬‬
‫‪ -5‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪.162 ،‬‬
‫‪66‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كانت لو حانكت يجمس فييا لمخياطة‪ ،1‬كمنيـ مف احترؼ "بإقامة عمل الحاكة مف الصكؼ الرفيع‪ ،‬التي‬
‫كانت تممساف تختص بو"‪.2‬‬
‫لـ يخمك المصنف المنقبي مف إشارات دالة عمى الممارسات الحرفية كتنظيماتيا‪ ،‬مف ذلؾ تربيعات‬
‫ابف النجار كعنيا يقكؿ ابف مرزكؽ‪ ..." :‬كانت لو تربيعات بمكضعو مف درب شاكر‪ ،‬ككاف أكثر ىذا‬
‫الدرب لو‪ ،‬كلعمالو كخدامو"‪ ،3‬كما يمكف قكلو أف جكدة كتنكع المنتجات التممسانية ساعدىا عمى اكتسابيا‬
‫شيرة حتى أف ممكؾ افريقية كالمغرب‪ ،‬كانكا يمبسكف ما كاف يعمل بتممساف مف رفيع الصكؼ‪،‬‬
‫الختصاصيا بذلؾ‪.4‬‬
‫عدة أنشطة حرفية‪ ،‬منيا الفبلحة كخدمة األرض؛ فالجد األكبر البف‬
‫كما أفادنا ذات المصدر بكجكد ّ‬
‫مرزكؽ كاف بالبادية يشتغل بالفبلحة كالحراثة‪ ،5‬ككاف أبك عبد هلل المستارؼ كابف أخاه يتعيشاف مف أرض‬
‫ليما بمكقع "أغبلف" مف بني مستار‪ ،6‬كمنيـ مف مارس الرعي‪ ،‬كىك مف الحرؼ المحببة لؤلكلياء‬
‫أف حسيف بف الجبلب كاف "يتجر بجمب‬‫الصالحيف‪ ،‬كالمتصكفة الزىاد‪ ،‬فابف مرزكؽ الخطيب يشير إلى ّ‬
‫الجد األكبر البف مرزكؽ مف أمو كاف‬ ‫‪7‬‬
‫الغنـ مف جية قكـ صالحيف‪ ،‬فيشترؼ منو أىل الكرع‪ ، "...‬حتى ّ‬
‫أف كالد ابف مرزكؽ ترؾ لو كصية يحثو فييا عمى‬ ‫‪8‬‬
‫يحترؼ في البادية الحراثة كاكتساب الماشية ‪ ،‬لدرجة ّ‬
‫أف يتسبب في الحراثة كالتجارة‪ ،9‬ىذا إلى جانب أنشطة حرفية أخرػ‪ ،‬إذ مارس بعض األكلياء حرفة النسخ‬
‫‪ ،‬كحرفة حفار القبكر‪ ،11‬كما كردت إشارة ىامة لدػ ابف مرزكؽ تؤكد عمى‬ ‫‪10‬‬
‫النسخ كمنيا كاف عيشو‬

‫‪ -1‬نفسو‪ ،‬ص‪192‬‬
‫‪ -2‬نفسو‪ ،‬ص‪ -188‬ص‪.189‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪ -188‬ص‪.189‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص‪.189‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪.147‬‬
‫‪ -6‬نفسو‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪ -7‬نفسو‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫‪ -8‬نفسو‪ ،‬ص‪273‬‬
‫‪ -9‬نفسو‪ ،‬ص‪.252‬‬
‫‪ -10‬نفسو‪ ،‬ص ‪.185‬‬
‫‪ -11‬نفسو‪ ،‬ص‪.177‬‬
‫‪67‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كجكد حرفة حمل العجيف إلى األفراف‪ ،1‬إلى جانب حرفة ليا عبلقة بصناعة الخشب‪ّ ،‬إنيا صناعة‬
‫الخرط‪.2‬‬
‫كتشير بعض النصكص إلى نشاط التجار بالمغرب األكسط داخل المجاؿ الجغرافي كخارجو نتيجة‬
‫لئلقباؿ الكاسع عمى منتكجاتيـ المصنعة‪ ،‬كىك ما يؤكده ابف مرزكؽ قائبل‪":‬حدثني عمي‪ ....،‬قد ذكر‬
‫اتساع حالو ‪ -‬أبك زيد ابف النجار‪ -‬أف قافمة كردت تممساف مف تكنس‪ ،‬ككانكا يجمبكف ثياب الكتاف‪،‬‬
‫كيحممكف ثياب الصكؼ‪ ،‬قاؿ فباعكا كاشتركا‪ ،‬كأكثركا الشراء مف عنده‪ ،‬كخرجكا مسافريف لتكنس"‪ ،3‬ليس‬
‫ىذا فحسب بل منطقة المغرب األكسط شكمت ىمزة كصل بيف مختمف مناطق الغرب اإلسبلمي؛ إذ كاف‬
‫األندلسيكف يقكـ بشراء سمع مف تكنس كيمركف بتممساف قبل مغادرتيـ إلى مكطنيـ‪.4‬‬
‫مثمما اىتـ بف مرزكؽ بتحديد أىـ مرافق المدينة نجد ييتـ أيضا بذكر عناصر السكؽ‪ ،‬كذلؾ‬
‫بتكظيفو لمصطمحات لكل منيا دالالتو‪ ،‬كذكره لمقيسارية‪ ،‬الحانكت‪ ،‬الدكاف‪ ،‬مما يؤكد عمى كجكد حركة‬
‫تجارية ىامة داخل أسكاؽ مدينة تممساف‪ ،‬منيا قكلو عف أبي عبد هلل بف مرزكؽ‪" :‬ككانت لو في حداثتو‬
‫حانكت بالقيسارية ينسخ فييا القرآف‪ ،‬كيبيع السمع"‪ ،5‬ككاف ألبي إسحاؽ إبراىيـ بف عمي الخياط حانكتا‬
‫أما عف جده فيقكؿ‪" :‬جمس عمى دكانة بباب الدرب"‪.7‬‬ ‫‪6‬‬
‫يجمس فييا لمخياطة ‪ّ ،‬‬
‫ال يمكف الحديث عف التجارة كنمط العيش بالحاضرة الزيانية‪ ،‬دكف التنكيو لممقكمات الطبيعية التي‬
‫صت بيا تممساف‪ ،‬السيما بالنسبة لتنكع المحاصيل الزراعية‪ ،‬فابف مرزكؽ كاف لو فداف يزرعو مشاركة‬
‫ُخ ّ‬
‫‪8‬‬
‫أف طبيعة المنطقة ساعدت عمى انتشار زراعة الحبكب مف قمح‬‫فيو بعض أصحابو مف أىل زيدكر ‪ ،‬كما ّ‬
‫الرماف‪ ،‬كالتّفاح‪ ،‬كالزيتكف‪ ،‬كالبطيخ‪ ،‬كىك ما يؤكد‬
‫كشعير‪ ،‬ككذا الفكاكو عمى رأسيا السفرجل‪ ،‬كالتيف‪ ،‬ك ّ‬
‫عمى االىتماـ بعممية البستنة‪ ،‬كعرؼ العباد بانتشار الجناف ذات الفاكية الطيبة مف تيف كسفرجل كرماف‬
‫أف ابف مرزكؽ ذكر بعض األسر ذات الكجاىة‬ ‫‪9‬‬
‫كغيرىا ‪ ،‬كما يمفت االنتباه بالنسبة لممصنف المناقبي ّ‬

‫‪ -1‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.245‬‬


‫‪ -2‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.275‬‬
‫‪ -3‬نفسو‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪ -4‬نفسو‪ ،‬ص‪.172‬‬
‫‪ -5‬نفسو‪ ،‬ص‪148‬‬
‫‪ -6‬نفسو‪ ،‬ص‪.180‬‬
‫‪ -7‬نفسو‪ ،‬ص‪.170‬‬
‫‪ -8‬نفسو‪ ،‬ص‪222‬‬
‫‪ -9‬نفسو‪ ،‬ص‪.164‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمكانة عمى المستكػ التجارؼ‪ ،‬كمف ذلؾ قكلو حكؿ بني النجار‪ ،‬إذا كانكا جماعة تجار ميسكركف‪ ،‬منيـ‬
‫بتممساف‪ ،‬كمنيـ بمكناسة‪ ،‬كمنيـ خمف بفاس‪.1‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬
‫تعتبر كتب مناقب األكلياء كالصالحيف كالعمماء مف المصادر اليامة لمبحث في التاريخ الحضارؼ‪،‬‬
‫فيي تفيد الباحث المؤرخ في التعرؼ عمى تطكر الفكر‪ ،‬كطرؽ االستدالؿ الشعبي‪ ،‬كفي األخير يمكف‬
‫القكؿ اعتمدا عمى نمكذج "المناقب المرزكقية" أف المصنفات المناقبية ال تخمك مف االستطرادات المتعمقة‬
‫بجكانب مف حياة الببلد الداخمية‪ ،‬ككذا عبلقتيا الخارجية‪ ،‬كتضـ في نفس الكقت معمكمات تتعمق‬
‫بالمجتمع‪ ،‬كالعمراف‪ ،‬االقتصاد‪ ،‬العادات كالتقاليد‪.....‬‬
‫يمكف أف نعتبر المصنف المنقبي كثيقة إجتماعية عمى درجة عالية مف األىمية تقدـ مادة خصبة‬
‫كىامة‪ ،‬تمتاز بالدقة كاألصالة تكشف عف جكانب ىامة مف التاريخ الثقافي كالسياسي كاالجتماعي كحتى‬
‫االقتصادؼ كالعمراني‪ ،‬تساعد الباحث عمى رسـ صكرة كاضحة عف المجتمع مف كل جكانبو‪ ،‬كربما‬
‫انفردت بنصكص ال نجدىا في المصادر التاريخية األخرػ التي تناكلت فترة زمنية معينة‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬ابف منظكر‪ ،‬لساف العرب‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيركت‪ ،‬د‪/‬ط‪ ،‬د‪/‬ت‬
‫‪ -2‬ابف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬المناقب المرزكقية‪ ،‬تح سمكػ الزاىرؼ‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪2008. ،1‬‬
‫‪ -3‬الفيركزآبادؼ‪ ،‬القامكس المحيط‪ ،‬مؤسسة الرسالة لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪ ،‬ط‪2005. ،8‬‬
‫‪ -4‬الطاىر بكنابي‪ ،‬الحرؼ كالحرفيكف في المغرب األكسط الزياني مف خبلؿ نص المناقب‪ ،‬مجمة الناصرية‪ ،‬مخبر البحكث‬
‫االجتماعية كالتاريخية‪ ،‬جامعة معسكر‪ ،‬العدد‪ ،4‬جكاف ‪.2013‬‬
‫‪ -5‬بف داكد نصر الديف‪ ،‬أسرة الم ارزقة تممساف مف القرف ‪7‬ق ‪13 /‬ـ‪ ،‬دكرىا كآثارىا‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬قسـ التاريخ‪ ،‬جامعة‬
‫كىراف‪2003.-2002 ،‬‬
‫‪ -6‬خديجة السمعمي‪ ،‬الفكر الصكفي مف خبلؿ مناقب أبي سعيد الباجي‪ ،‬مؤسسة مؤمنكف ببل حدكد لمدراسات كاألبحاث ‪،‬‬
‫المممكة المغربية‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‪ -7‬سمكػ الزاىرؼ‪ ،‬المناقب المرزكقية البف مرزكؽ الخطيب‪ ،‬مجمة عصكر‪ ،‬جامعة كىراف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪7-6‬جكاف‪-‬‬
‫ديسمبر ‪.2005‬‬
‫‪ -8‬ضارؼ مظير صالح‪ ،‬داللة المكف في القرآف كالفكر الصكفي‪ ،‬دار الزماف لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ -9‬عبد األحد السيتي‪ ،‬التاريخ كالذاكرة‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪.2012 ،‬‬

‫‪ -1‬نفسو‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -10‬لطفي عيسى‪ ،‬مدكنة المناقب بببلد المغرب مف القرف ‪ 10‬إلى ‪17‬ـ عرض منيجي‪ ،‬المجمة التكنسية لمعمكـ‬
‫االجتماعية‪ ،‬تكنس‪ ،‬العدد ‪2005 ،130‬ـ‪.‬‬
‫‪ -11‬لمياء لغزاكؼ‪ ،‬التصكؼ بيف البركسبكغرافيا كأدب المناقب‪ ،‬مجمة كمية اآلداب كالعمكـ اإلنسانية‪ ،‬جامعة سيدؼ دمحم بف‬
‫عبد هلل‪ ،‬ظير الميراز‪ ،‬فاس‪ ،‬العدد ‪ 19‬السنة ‪25.‬‬
‫‪ -12‬مجمكعة مف المؤلفيف‪ ،‬التاريخ كأدب المناقب‪ ،‬أعماؿ الممتقى الكطني ‪ 9-8‬أفريل ‪ ،1988‬منشكرات عكاظ‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫‪1989.‬‬
‫‪ -13‬نكاؿ بممداني‪ ،‬ابف مرزكؽ الخطيب ككتاب المناقب المرزكقية‪ ،‬عصكر الجديدة‪ ،‬مختبر البحث التاريخي‪ ،‬تاريخ‬
‫الجزائر‪ ،‬جامعة كىراف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪.2012 /2011 ،4-3‬‬
‫‪ -14‬ىشاـ عبيد‪ ،‬تكنس كأكلياؤىا الصالحكف في مدكنة المناقب الصكفية‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تكنس‪.2006 ،‬‬

‫‪70‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫دمحم أمين الحسيني ودوره القيادي‬


Muhammad Amin Al-Husseini and his Leadership Role
‫عصام دمحم عمي عبد الحفيع عدوان‬.‫د‬
‫أستاذ التاريخ الحديث كالمعاصر المشارؾ‬
‫جامعة القدس المفتكحة‬
dr.issamadwan@gmail.com
‫ممخص‬
‫ كىي تيدؼ إلى‬،‫تناكلت ىذه الدراسة جكانب ميمة في حياة مفتي فمسطيف الحاج دمحم أميف الحسيني‬
‫ كتبرز أىمية الدراسة في تناكليا ألحد أىـ الشخصيات القيادية‬،‫تسميط الضكء عمى األدكار القيادية لو‬
ُّ ‫ كفي‬،‫الفمسطينية في القرف العشريف‬
‫ كاعتمدت الدراسة‬.ً‫تعدد األدكار القيادية التي تزامنت مع بعضيا أحيانا‬
‫ كرئاستو‬،‫ كدكره كمفتي‬،‫ نشأتو‬:‫ تناكلت عمى التكالي‬،‫ كجاءت في خمسة مباحث‬.‫منيج البحث التاريخي‬
‫ أظيرت الدراسة‬.‫ كرئاستو الييئة العربية العميا‬،‫ كرئاستو المجنة العربية العميا‬،‫المجمس اإلسبلمي األعمى‬
‫ كتأثيره الكبير عمى القضية الفمسطينية كعمى القادة العرب‬،‫زعامة أميف الحسيني كشخصيتو القيادية‬
.‫كبعض الزعماء الدكلييف‬
:‫كممات مفتاحية‬
‫الحاج أميف الحسيني – مفتي فمسطيف – رئيس المجمس اإلسبلمي األعمى – دمحم أميف الحسيني – الييئة‬
.ٍٍ‫انعزبٍت انعهٍا فً فهسط‬
Abstract
This study examined important aspects in the life of the Mufti of Palestine, Hajj
Muhammad Amin Al-Husseini, and it aims to shed light on his leadership roles,
and the importance of the study springs from in its handling of one of the most
important Palestinian leadership figures in the twentieth century, and in the
multiplicity of leadership roles that coincided with each other at times. The
study adopted the method of historical research. It came in five sections, which
dealt, respectively: his origin, his role as Mufti, his presidency of the Supreme
Islamic Council, his presidency of the Higher Arab Committee, and his
presidency of the Supreme Arab Authority. The study showed the leadership of
Amin Al-Husseini and his leadership personality, and his great impact on the
Palestinian issue and on Arab leaders and some international leaders.
Key words: Haj Amin Al-Husseini - Mufti of Palestine - President of the
Supreme Islamic Council - Muhammad Amin Al-Husseini- The High Arab
Authority in Palestine.

71
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مقدمة‪ :‬ارتبطت شخصية الحاج دمحم أميف الحسيني بنضاؿ ككفاح الشعب الفمسطيني طيمة عقكد مف‬
‫الشمـ ك ِ‬
‫الع ّزة كاإلباء‪ ،‬كمكاقف الحق‬ ‫ِ‬ ‫ف‬
‫القر العشريف‪ ،‬كبرزت شخصيتو‪ ،‬كرجل ديف كعالـ‪ ،‬يقف مكاقف َ َ‬
‫كالجياد في كجو االحتبلؿ بأنكاعو‪ ،‬البريطاني كالييكدؼ‪.‬‬
‫كقد ىدفت الدراسة إلى إلقاء الضكء عمى بعض جكانب حياتو كنشأتو‪ ،‬كما ىدفت إلى التعرؼ عمى كيفية‬
‫ُّ‬
‫تقمده ميامو القيادية‪ ،‬كالتعرؼ عمى جكانب مف شخصيتو القيادية كدكره القيادؼ‪ ،‬فنخبكية الحاج أميف‬
‫كنمط قيادتو جمعت الشرؼ العائمي كالدكر الديني كالبعد الكطني في شخصيو كاحدة‪ .1‬كتبرز أىمية ىذا‬
‫البحث مف أىمية الشخصية المحكرية المتمثمة بالحاج دمحم أميف الحسيني الذؼ حاز عمى عدد غير مسبكؽ‬
‫مف األدكار القيادية التي تزامنت مع بعضيا أحياناً‪ ،‬كلما لو مف دكر بارز في قيادة الحركة الكطنية‬
‫الفمسطينية في محطات تاريخية مفصمية‪ ،‬فضبلً عف أىمية الفترة الزمنية التي قادىا كعاصر خبلليا‬
‫االحتبلؿ البريطاني كالصييكني‪ ،‬كنكبة فمسطيف كتداعياتيا‪.‬‬
‫لقد ُكتبت الكثير مف الدراسات كالكتابات عف الحاج أميف الحسيني‪ ،‬كمع ذلؾ تثير شخصيتو كزعامتو‬
‫المزيد مف الدراسات التي تسّمِط الضكء عمى جكانب مختمفة مف حياتو كنضالو‪ ،‬فكاف أبرز ما في ىذه‬
‫ا لدراسة ىك تسميطيا الضكء عمى شخصيتو كدكره القيادؼ‪ .‬كمف أبرز المصادر التي استندت إلييا‬
‫الدراسة‪ ،‬مذكراتو التي نشرىا عمى حمقات في نشرة فمسطيف‪ ،‬كجمعيا عبد الكريـ العمر كنشرىا في عاـ‬
‫‪1999‬ـ‪.‬‬
‫كقد اعتمدت الدراسة منيج البحث التاريخي المستند إلى سرد األحداث في سياقيا التاريخي‪ ،‬مع التحميل‬
‫كالربط كمما لزـ األمر‪.‬‬
‫كجاءت ىذه الدراسة في خمسة مباحث‪ ،‬نشأتو‪ ،‬كدكره كمفتي‪ ،‬كرئاستو المجمس اإلسبلمي األعمى‪،‬‬
‫كرئاستو المجنة العربية العميا‪ ،‬كرئاستو الييئة العربية العميا‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬النشأة‬
‫عائمتو‪:‬‬
‫ىك "دمحم أميف" طاىر مصطفى الحسيني‪ُ ،2‬كلد في القدس سنة ‪1897‬ـ‪ ،3‬ترّبى في بيت كالده الشيخ دمحم‬
‫‪4‬‬
‫دكر ىاـ في‬‫طاىر الحسيني‪ ،‬مفتي القدس ‪ ،‬الذؼ ُعرؼ بالعمـ الكاسع‪ ،‬كالتقكػ كالصبلح‪ ،‬ككاف ألبيو ّ‬

‫‪1‬‬
‫أيمف يكسف‪ ،‬الحاج أميف الحسيني بيف العقائدية التقميدية كالكاقعية السياسية‪ :‬دراسة حالة في النخبة السياسية الفمسطينية‪،‬‬
‫مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث (العمكـ اإلنسانية)‪ ،‬المجمد ٕٔ(ٕ)‪ ،https://bit.ly/2saa6pL ٕٓٓ٢ ،‬ص ‪548‬‬
‫‪2‬‬
‫عماف‪ ،‬دار البيضاء‪1407 ،‬ىػ‪1987/‬ـ‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -‬جرار‪ ،‬حسني أدىـ‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد كبطل قضية‪ّ ،‬‬
‫‪ -3‬مارديني‪ ،‬زىير‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار اقرأ‪1406 ،‬ىػ‪1986/‬ـ‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العمل عمى التضيق عمى الييكد‪ ،‬ففي عاـ ‪1897‬ـ ترأس مفتي القدس دمحم طاىر الحسيني ىيئة محمية‬
‫ذات صبلحيات لمتدقيق في طمبات نقل الممكية في متصرفية القدس‪ ،‬فحاؿ دكف حصكؿ الييكد عمى‬
‫أرض زراعية جديدة‪.1‬‬
‫كعائمة الحسيني مف أقكػ العائبلت نفكذاً في القدس‪ ،‬يتكارثكف منصب اإلفتاء‪ ،2‬كيحتكركنو منذ النصف‬
‫الثاني مف القرف التاسع عشر؛ فمنذ سنة ‪1856‬ـ‪ 3‬تكاله عمى التتابع ثبلثة منيـ‪ :‬أكليـ جد الحاج أميف؛‬
‫الشيخ مصطفى الحسيني‪ ،‬ثـ كالده طاىر (أك دمحم طاىر) الحسيني‪ ،‬ثـ شقيقو األكبر كامل الحسيني الذؼ‬
‫كاف مفتياً لمقدس لما كقع االحتبلؿ البريطاني‪.4‬‬
‫يقكؿ أميف الحسيني عف عائمتو‪" :‬منذ حكالي ‪ 800‬سنة كصل السيد دمحم بدر الديف الحسيني‪ 5‬كأسرتو إلى‬
‫فمسطيف قادماً مف الحجاز حيث استقرت األسرة الحسينية بالقدس منذ ذلؾ الحيف‪ ،‬كأقاـ بعض فركع‬
‫العائمة في غزة*‪ ،‬كالمد‪ ،‬ككاف شقيقي الذؼ خمف كالدؼ في منصبو أكبر مني إذ كنت أصغر األبناء ُرزؽ‬

‫‪ -1‬ىيئة المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬المكسكعة الفمسطينية القسـ الثاني‪ ،‬بيركت‪ ،‬طبعة عمى نفقة الممؾ فيد عبد العزيز‪،‬‬
‫‪1990‬ـ‪ ،‬ج الخامس‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪ -2‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.138‬‬
‫‪ -3‬كاألرجح ىك‪ :‬سنة ‪1865‬ـ‪ ،‬حيث تذكر المكسكعة الفمسطينية أف مفتي القدس طاىر الحسيني متكفى سنة‬
‫‪1282‬ىػ‪1865/‬ـ‪ ،‬كلعمو ىك كالد الشيخ المفتي مصطفي الحسيني جد الحاج أميف‪ ،‬كقد اعتاد بعض الناس أحياناً أف ُيسمي‬
‫جد الكلد)‪ ،‬كىكذا يصبح الحاج أميف اسمو‪ :‬دمحم أميف‪ /‬طاىر مصطفى طاىر الحسيني أنظر عف‬
‫ابنو باسـ أبيو (أؼ ّ‬
‫الد َ‬
‫الك ُ‬
‫مفتي القدس طاىر الحسيني‪ ،‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.21‬‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫المشرفة‪ ،‬كاف رجبلً خي اًر مف‬
‫ّ‬ ‫‪ -5‬السيد الشريف بدر الديف حسف بف حسيف الحسيني الحنفي الشيير بخاؿ إماـ الصخرة‬
‫فقياء الحنفية‪ ،‬حسف الشكل منكر الشيبة‪ ،‬تكفي بعد ‪860‬ىػ‪ ،‬أنظر‪ :‬الحنبمي‪ ،‬مجير الديف‪ ،‬األنس الجميل بتاريخ القدس‬
‫كالخميل‪ ،‬منشكرات المطبعة الحيدرية في النجف الشريف‪ ،‬العراؽ‪1388 ،‬ىػ‪1968/‬ـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،227-226‬لكننا ال نقطع‬
‫بأف ىذا التعريف ىك لدمحم بدر الديف الحسيني الذؼ ذكره الحاج أميف‪ ،‬كلكف ىذ االشارة المطيفة تفيد فعبلً أف ىناؾ حسينييف‬
‫كصمكا إلى فمسطيف كالى القدس كسكنكىا منذ حكالي (‪ )800‬سنة‪.‬‬
‫*‬
‫كليس أدؿ عمى تكاجد آؿ الحسيني في غزة أيضاً أنيا كانت (مف العائبلت القميمة التي مؤلت كظائف إدارية كمناصب‬
‫حككمية في أكاخر العيد العثماني) المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .572‬فكاف أحمد محيي الديف الحسيني‬
‫ىك مفتي غزة المتكفي سنة ‪1878‬ـ‪( ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ )47‬ككاف أحمد عارؼ الحسيني ىك مفتي غزة أيضاً قبيل‬
‫ماض مجيد كمستقبل باىر‪ ،‬بيركت‪ ،‬مركز أبحاث منظمة‬ ‫ٍ‬ ‫الحرب العالمية األكلى‪ .‬أنظر‪ :‬عزت طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫التحرير الفمسطينية‪1982 ،‬ـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.25‬‬
‫‪73‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعرؼ كالدؼ السيد طاىر الحسيني بيف أبناء قكمو بعممو الكاسع‬
‫كالدؼ بعشرة‪ ..‬سبع بنات كثبلثة ذككر‪ُ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫في الشرع اإلسبلمي‪ ،‬ككاف صالحاً تقياً‪".‬‬
‫مشرفة؛ فقد‬
‫األخ األكبر لمحاج أميف الحسيني ىك الشيخ كامل الحسيني‪ ،‬مفتي القدس‪ .‬ككانت لو مكاقف ّ‬
‫انسحب أثناء خطاب الجنراؿ البريطاني المنبي سنة ‪1917‬ـ‪ ،‬عندما قاؿ األخير‪" :‬اليكـ انتيت الحركب‬
‫الممِؾ ‪-‬الذؼ منحو لو‬
‫رد كساـ َ‬‫الصميبية"‪ ،‬كتبعو العمماء كالمطارنة كأكثر مف حضر مف العرب‪ ،‬كما أنو ّ‬
‫الجنراؿ المنبي‪ -‬إلى المقيـ البريطاني بعدما قاـ الجيش البريطاني بتفتيش بيت المفتي كامل الحسيني بحثاً‬
‫عف الحاج أميف إثر مظاىرات سنة ‪1920‬ـ‪ ،‬ف ازره المقيـ ليعتذر إليو كيرد إليو الكساـ لكنو قاؿ لو‪" :‬ليس‬
‫دخكلكـ بيتي بأفظع مف إسكانكـ الييكد مقدساتنا"‪.2‬‬
‫أما أخكه الثاني‪ ،‬فيك فخر الديف الحسيني‪ ،‬ككاف قد انضـ إلى النادؼ العربي الذؼ أنشأه آؿ الحسيني في‬
‫يناير ‪1918‬ـ برئاسة الحاج أميف الحسيني‪.3‬‬
‫تعميمو ودراستو‪:‬‬
‫بدأت قراءة القرآف الكريـ‬
‫يقكؿ الحاج أميف عف تعميمو‪" :‬كمنذ حداثتي لقنني أبي أصكؿ الديف‪ ،‬كبإشرافو ُ‬
‫درست العمكـ العصرية كبعض المغات األجنبية في‬
‫ُ‬ ‫كحفظو كدراسة العمكـ الدينية كالمغة العربية‪ ..‬ثـ‬
‫مدارس الحككمة العثمانية‪ ،‬كمدرسة الفرير في القدس‪ ،‬كجامعة األزىر كالجامعة المصرية في القاىرة"‪.4‬‬
‫كقد امتازت ثقافتو بعناية خاصة‪ ،‬فقد اختار لو كالده عدداً مف العمماء كاألدباء إلعطائو دركساً خصكصية‬
‫في البيت قبل أف يمتحق بكمية الفرير بالقدس لتعمُّـ المغة الفرنسية التي قضى فييا عاميف‪ ،5‬ثـ التحق‬
‫بجامعة األزىر لتمقي المزيد مف العمكـ الدينية‪ ،‬كدفعو طمكحو لمعمـ إلى أف يتردد عمى داريف عممييف‬
‫آخريف في آف كاحد‪:‬‬
‫أ‪ .‬دار الدعكة كاإلرشاد‪ ،‬التي أنشأىا داعية اإلصبلح الشيخ دمحم رشيد رضا سنة ‪1912‬ـ‪.‬‬

‫‪ -1‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.27‬‬


‫‪ -2‬زىير الشاكيش‪ ،‬الممحكظات عمى المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬بيركت‪ ،‬المكتب اإلسبلمي‪ ،‬ط الثانية‪1407 ،‬ىػ‪1987/‬ـ‪،‬‬
‫ص‪103‬؛ المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.854‬‬
‫‪ -3‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.543‬‬
‫‪ -4‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو كالصفحة‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ب‪ .‬كمية اآلداب في الجامعة المصرية (جامعة القاىرة بعدئذ)‪ ،‬حيث كاف يكاظب عمى الدركس‬
‫كالمحاضرات في الدكر العممية الثبلث‪.1‬‬
‫كاصل دمحم أميف الحسيني دراستو في المعاىد الثبلث طيمة عاميف إال أف األياـ لـ تكف لتمكنو مف إكماؿ‬
‫دراستو حتى يناؿ االجازة النيائية مف أحد ىذه المعاىد‪ ،‬فقد اضطر بسبب الحرب العالمية األكلى التي‬
‫نشبت في أثناء زيارة لو إلى القدس ّأال يعكد إلى القاىرة الستكماؿ دراستو العممية‪ ،‬حيث ُدعي إلى الجندية‬
‫تخرج ضابطاً‪ ،‬ثـ أُلحق بالفرقة رقـ ‪ 46‬مف الجيش‬
‫فسافر إلى األستانة كالتحق بكميتيا العسكرية‪ ،‬كمنيا َّ‬
‫العثماني في كالية إزمير‪ ،‬ثـ عمل في مراكز عسكرية أخرػ عمى البحر األسكد حتى نياية الحرب‪ ،‬ككاف‬
‫لذلؾ أثره في شخصيتو‪.2‬‬
‫اجتماع ضـ عدداً مف الفمسطينييف سنة ‪1914‬ـ‪ ،‬لتأسيس جمعية‬
‫ٍ‬ ‫أثناء دراستو في القاىرة اشترؾ في‬
‫لمقاكمة الصييكنية‪.3‬‬

‫كأثناء زيارٍة لو إلى القدس ّ‬


‫حج برفقة أمو كىك شاب لـ يتجاكز السادسة عشرة مف عمره‪ ،‬في سنة ‪،41913‬‬
‫كمنذ ذلؾ الحيف بدأ ُيدعى بمقب "الحاج" أميف الحسيني‪.‬‬
‫ُوُلوجو العمل الوطني‪:‬‬
‫عاد أميف الحسيني مف الخدمة العسكرية إلى القدس بعد أف احتميا اإلنجميز في ‪ 9‬ديسمبر ‪1917‬ـ‪،5‬‬
‫فأخذ يعمل عمى مقاكمة الكجكد البريطاني كتصريح بمفكر‪ ،6‬فنادػ بكجكب محاربو الحكـ البريطاني‬
‫كالغزكة الصييكنية‪ ،‬كجعل يح ّذر الفمسطينييف كالعرب كالمسمميف مف أخطار الخطة االستعمارية‬
‫الصييكنية‪ ،‬كيدعكىـ إلى مقاكمتيا كاحباطيا‪ ،‬فاستجاب لو نفر مف أصدقائو كككنكا في القدس أكؿ منظمة‬
‫سياسية عرفتيا فمسطيف كىى " النادؼ العربي" الذؼ انتخب الحاج أميف رئيساً لو‪ ،‬كقد أسيـ ىذا النادؼ‬
‫في إذكاء الركح الكطنية الفمسطينية كالتي برزت عمى شكل جمعيات إسبلمية مسيحية في المدف‬

‫الفمسطينية‪ ،‬كقياـ مظاىرات القدس‪ ،‬الكبرػ في سنتي ‪َ ،1919،1918‬‬


‫كعْقد المؤتمر العربي الفمسطيني‬

‫‪ -1‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪50‬؛ عجاج نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف (ما بيف بداية القرف حتى عاـ‬
‫‪1948‬ـ)‪ ،‬بيركت‪ ،‬منشكرات فمسطيف المحتمة‪ ،‬ط األكلى‪1401 ،‬ىػ‪1981/‬ـ‪ ،‬ص‪.313‬‬
‫‪ -2‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص ‪315‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫‪ -3‬جرار الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪50‬‬
‫‪ -4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ ،51‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.314‬‬
‫‪ -5‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.315‬‬
‫‪ -6‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ لثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.779‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫األكؿ سنة ‪1919‬ـ‪ .1‬ككاف لمنادؼ أىداؼ ثقافية كطنية حيث طالب بكحدة فمسطيف مع بقية األقطار‬
‫العربية‪ ،‬كدعا لمقاكمة الصييكنية كرفض كعد بمفكر‪.2‬‬
‫كاعتبر صديقو إميل الغكرؼ أف الفضل في انعقاد المؤتمر الفمسطيني األكؿ في يناير ‪ 1919‬يعكد إلى‬
‫مساعي أميف الحسيني كالشباف الذيف كانكا معو في النادؼ العربي‪ ،‬حيث زار عدة مدف كقرػ فمسطينية‬
‫لتكعية الشعب كتييئتو"‪ .3‬كفي يكنيك ‪1919‬ـ عقد أميف الحسيني أكؿ مؤتمر عربي فمسطيني في القدس‬
‫قبيل مجيء لجنة كنغ‪-‬كرايف األمريكية لتستفتي الشعب عف رغباتو‪ ،‬فكانت رغبتو أف يككف سكريا‬
‫الجنكبية‪.4‬‬
‫قاد الحاج أميف الحسيني بكاكير الحركة الكطنية‪ ،‬ال سيما في ثكرة القدس األكلى في مكسـ أعياد النبي‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫مكسى في ‪ 4‬إبريل ‪ ، 1920‬كصدر الحكـ عميو بالسجف عشر سنكات غيابياً ‪ ،‬كقيل خمسة عشر عاماً‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
‫كحككـ معو عارؼ العارؼ‪ ،‬كىربا سكياً إلى شرقي األردف‪ ،‬كقد‬
‫مع األشغاؿ الشاقة ‪ ،‬كقيل عشريف عاماً ‪ُ ،‬‬
‫ظبل‬
‫كقد أكد العارؼ أف الحكـ صدر عمييما باإلعداـ كخّفضو الجنراؿ بكلز إلى السجف عشر سنيف‪ ،‬كقد ّ‬
‫ىاربيف إلى أف صدر العفك عنيما‪ ،‬فرجعا إلى الببلد‪.9‬‬
‫كأثناء ىركبو‪ ،‬أّلف الحاج أميف الحسيني في دمشق جمعية باسـ "الجمعية الفمسطينية العربية" كمعو مف‬
‫المؤسسيف عارؼ العارؼ الذؼ ىرب معو كعزة دركزة‪.10‬‬
‫كلما احتل الفرنسيكف سكريا تركيا أميف الحسيني كلجأ إلى ّعماف شرقي األردف فاستقبمو األمير عبد هلل بف‬
‫الشريف حسيف‪ ،‬إلى أف صدر العفك عنو مف المندكب السامي السير ىربرت صمكئيل‪ .11‬كلكف الحسيني‬

‫‪ -1‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.53‬‬


‫‪ -2‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.543‬‬
‫‪ -3‬الغكرؼ‪ ،‬إميل‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار النيار لمنشر‪1982 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫‪ -4‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.322-321‬‬
‫‪ -5‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،‬ص‪ ،127‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.779‬‬ ‫‪ -6‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -7‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.52‬‬
‫‪ -8‬نجيب األحمد‪ ،‬فمسطيف تاريخاً كنضاالً‪ّ ،‬عماف‪ ،‬دار الجميل لمنشر‪1985 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪ -9‬عارؼ العارؼ‪ ،‬المفصل في تاريخ القدس‪ ،‬القدس‪ ،‬مكتبة األندلس‪ ،‬ط ‪1380 ،1‬ىػ‪1961/‬ـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.391‬‬
‫‪ -10‬األحمد‪ ،‬فمسطيف تاريخاً كنضاالً‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫‪ -11‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.57-56‬‬
‫‪76‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رفض العفك لككنو ليس مجرماً ُليعفى عنو‪ ،‬كبعث برسالة إلى المندكب السامي اشترط لعكدتو إلى القدس‬
‫الحكـ عاد‪.1‬‬
‫إلغاء حكـ المحكمة العسكرية‪ ،‬فمما ألغي ُ‬
‫المبحث الثاني‪ :‬منصب "المفتي"‬
‫كاف منصب مفتي القدس أىـ المناصب الدينية اإلسبلمية في فمسطيف‪ ،‬لما لو مف طابع رسمي تقميدؼ‬
‫يمنح صاحبو اإلشراؼ عمى شؤكف المسمميف كقيادتيـ‪ ،‬فضبلً عف أنو ذك مساس عميق بحياتيـ الدينية‬
‫كالدنيكية‪ ،‬كقد كاف اإلفتاء في بيت الحسيني منذ أكاسط القرف التاسع عشر‪.2‬‬
‫بعد شيكر مف عكدة الحاج أميف إلى القدس (إثر عفك المندكب السامي عنو)‪ ،‬تكفي أخكه الشيخ كامل‬
‫فرشح الحاج أميف‬
‫الحسيني ‪-‬مفتي القدس‪ -‬كذلؾ في مارس سنة ‪1921‬ـ‪ ،‬فأصبح مركز اإلفتاء شاغ اًر‪ّ ،‬‬
‫نفسو لممنصب‪ ،‬كلـ يكف أحد ينازع آؿ الحسيني في ىذا المنصب‪.3‬‬
‫كأكد إميل الغكرؼ‪ :‬أف الناس كانكا يتجيكف بأكثريتيـ نحك الحاج أميف الحسيني كيطالبكنو بترشيح نفسو‪.4‬‬
‫كقد أرسمت شخصيات إلى المندكب السامي تؤيد اختيار أميف الحسيني لمنصب اإلفتاء‪ ،‬كمف أىميـ‬
‫قاضي القدس الشريف‪ ،‬كأعياف عدد مف المدف الفمسطينية‪ .5‬كما أرسل مجمكعة مف قضاة محاكـ القدس‬
‫كمدرسييا كخطباء المسجد األقصى رسالة بتاريخ ‪ 24‬رجب ‪1339‬ىػ‪1921/3/21 /‬ـ إلى حاكـ القدس‬
‫يطمبكف فييا تعييف أميف الحسيني مفتياً لمقدس‪.6‬‬
‫كل مف‪ :‬الشيخ أسعد الشقيرؼ‪ ،‬كالشيخ مكسى البديرؼ‪ ،‬كالشيخ خميل الخالدؼ‪،‬‬
‫خاض معركة االنتخابات ٌ‬
‫كالشيخ حساـ الديف جار هلل‪ ،‬كالحاج أميف الحسيني الذؼ فاز فييا‪ ،‬كلكف الحككمة تمكأت في إعبلف‬
‫النتيجة‪ ..‬ألنيا تكره أف يككف الحاج أميف مفتياً لمقدس‪ ،‬فقامت المظاىرات مف جديد في مدينة القدس‬
‫كالمدف األخرػ تنادؼ بشعار‪" :‬حاج أميف يا مفتينا"‪.7‬‬

‫‪ -1‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫‪ -2‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -3‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -4‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪5‬‬
‫صكرة رسالة قاضي القدس الشريف إلى المندكب السامي‪ ،‬بتاريخ ‪ ،1921/3/23‬في األرشيف الرقمي الفمسطيني‪ ،‬جامعة‬
‫جامعة بيرزيت‪ ،‬عمى الرابط‪ http://www.awraq.birzeit.edu/ar/node/11104 :‬؛ كفيو صكر لرسائل أخرػ مؤيدة‬
‫كذلؾ‪ ،‬مف أىالي يافا كطكلكرـ‪ ،‬كجنيف‪ ،‬كغيرىا‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫صكرة رسالة عمماء القدس بتعييف الحسيني مفتياً‪ ،‬في األرشيف الرقمي الفمسطيني‪ ،‬جامعة بيرزيت‪ ،‬عمى الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.awraq.birzeit.edu/ar/node/11101‬‬
‫‪ -7‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪58‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫‪77‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كرغـ تعدد المرشحيف كجدارتيـ فقد كقع االختيار عمى الحاج أميف نظ اًر لكفايتو الشخصية كحرصاً عمى‬
‫التكازف بيف العائبلت ذات النفكذ‪.1‬‬
‫كفي الكقت الذؼ يقكؿ فيو البعض‪ ،2‬أف الذؼ فاز في االنتخابات لئلفتاء ىك الشيخ حساـ الديف جار هلل‬
‫بينما فاز الحاج أميف كقائمتو كامم ًة لرئاسة المجمس اإلسبلمي األعمى‪ ،‬ثـ انسحب الشيخ حساـ الديف جار‬
‫مشكب باألغبلط كيؤكد أف التنافس الحقيقي كاف بيف ىاذيف‬
‫ٌ‬ ‫ هلل لصالح الحاج أميف‪ ،‬إال أف ىذا الكبلـ‬
‫الشخصيف كيتناسى المرشحيف الباقيف كىك في حد ذاتو تناقض مع الركايات األخرػ‪ ،‬فضبلً عف أف‬
‫انتخابات اإلفتاء‪ ،‬كانتخابات المجمس اإلسبلمي األعمى لـ تجريا في كقت كاحد!‬
‫بينما يقكؿ الغكرؼ‪ -‬كىك مسيحي أرثكذككسي‪ " -‬أف زعماء الطكائف المسيحية قدمكا مضبطة (عريضة)‬
‫لمحاكـ يطالبكنو باإلسراع في إصدار براءة اإلفتاء لمحاج أميف الحسيني‪ ،‬مبرريف اىتماميـ أنيـ يثقكف بو‬
‫‪3‬‬
‫ْمُنكه عمى مصالحيـ المرتبطة بالمحاكـ الشرعية"‬
‫كيأ َ‬
‫كمف الكاضح أف العادة جرت بترشيح عمماء الببلد لثبلثة أشخاص لمنصب اإلفتاء‪ ،‬ككاف الحاج أميف‬
‫كاحداً مف الثبلثة‪ ،‬ثـ تختار السمطة كاحداً منيـ ‪-‬كفق ما جرت عميو العادة في العيد العثماني‪ -‬فكقع‬
‫اختيار سمطة االنتداب عمى الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ألسباب متعددة منيا‪:‬‬
‫أنو شقيق المفتي السابق‪ ،‬كابف المفتي األسبق‪ ،‬كسميل عائمة اشتير فييا منصب مفتي القدس‪ ،‬فضبلً عف‬
‫نحت مكسى‬‫مفتي غزة‪ ،‬كمف ناحية ثانية؛ لخمق تكازف بيف عائمتي الحسيني كالنشاشيبي في القدس بعد أف ّ‬
‫كاظـ الحسيني عف منصب البمدية كعينت مكانو راغب النشاشيبي‪ ،‬كما ىذا التكازف إال جزء مف سياسة‬
‫تسد‪ ،‬كمف ناحية ثالثة‪ :‬ككما يقكؿ الغكرؼ‪ ،‬فقد كاف الحاج أميف ذك شعبية حتى بيف النصارػ كقد‬ ‫ّؽ‬
‫فر ُ‬
‫كانت المظاىرات تطالب بتعيينو‪ ،‬كقد اكتسب شعبيتو مف ككنو مف آؿ الحسيني الشرفاء بالقدس‪ ،‬كمف‬
‫الحكـ الغيابي الذؼ صدر ضده سنة ‪1920‬ـ‪ ،‬إثر نضالو ضد اإلنجميز كالييكد‪.‬‬
‫أصدر الحاكـ البريطاني السير ركنالد ستكرز براءة كاعترافاً بنتائج االنتخابات الصحيحة كأعدىا كحمميا‬
‫إلى المندكب السامي فكقعيا بصفتو "كريث" المتصرؼ كالسمطة العثمانية‪ ،‬كىكذا أصبح الحاج أميف‬
‫الحسيني يدعى‪" :‬صاحب السماحة مفتي القدس"‪ .4‬كذلؾ بعد مركر شيريف عمى كفاة أخيو المفتي كامل‬

‫‪ -1‬المرجع نفسو كالصفحة‪.‬‬


‫‪ -2‬األحمد‪ ،‬فمسطيف تاريخياً كنضاالً‪ ،‬ص‪.166‬‬
‫‪ -3‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاناً‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪78‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الحسيني في مارس ‪ ،1921‬كحصل عمى مرسكـ مف المندكب السامي بتعيينو مفتياً لمقدس في غرة‬
‫رمضاف ‪1339‬ىػ‪ 8 /‬مايك ‪1921‬ـ‪.1‬‬
‫كاف أكؿ اىتماـ لممفتي بعد تكليو المنصب ىك تكعية المسمميف خارج فمسطيف بالخطر المحدؽ بفمسطيف‬
‫كبالقدس كبالمسجد األقصى‪ ،‬كقاـ بيذه الحممة تحت غطاء جمع تبرعات إلصبلح كترميـ قبة الصخرة‪،‬‬
‫كالتي كاف ينكؼ ترميميا فعبلً‪ ،‬كقد بدأ بمصر‪ .2‬كما أفتى بتحريـ بيع األراضي لمييكد أك المعاكنة عمى‬
‫ذلؾ‪.3‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬رئاستو لممجمس اإلسالمي األعمى‬
‫لـ يقتصر نشاط الحاج أميف عمى شئكف المسمميف في أقضية القدس فقط‪ ،‬لكنو أجرػ اتصاالت‬
‫كمباحثات في فمسطيف كميا لمطالبة الحككمة بإنشاء ىيئة إسبلمية تشرؼ عمى شئكف المسمميف‬
‫كمصالحيـ‪ ،‬كتككف مستقمة تماـ االستقبلؿ في أمكرىا الدينية‪ ،‬كقد كانت ك ازرة األكقاؼ في األستانة ‪-‬في‬
‫العيد العثماني‪ -‬تشرؼ عمى الكقف في فمسطيف‪ ،‬كعند انتياء الحكـ العثماني سنة ‪1917‬ـ‪ ،‬كاف ال بد‬
‫مف إيجاد سمطة إسبلمية إلدارتو تبعاً لمشريعة اإلسبلمية‪ ،4‬كعقد مؤتمر إسبلمي فمسطيني عاـ ( في‬
‫المسجد األقصى) قرر مطالبة الحككمة بإقامة مثل ىذه الييئة‪ ،5‬إذ تشدد المسممكف في طمبيـ بكجكب‬
‫تكلييـ شئكنيـ الدينية كأحكاليـ الشخصية بأنفسيـ‪.6‬‬
‫كافقت حككمة االنتداب عمى إنشاء مجمس شرعي إسبلمي لفمسطيف يقكـ َب ْدكر السمطة التشريعية العثمانية‬
‫التي كانت تشرع كل ما يختص بالمحاكـ الشرعية كاألكقاؼ اإلسبلمية‪ ،7‬كربما جاءت مكافقة سمطة‬
‫االنتداب عمى ذلؾ‪ ،‬ليس فقط بسبب مطالبة المسمميف كعممائيـ بذلؾ‪ ،‬بل إنيا ترغب في دمج المسمميف‬
‫في دكائر السمطة كمؤسساتيا في فمسطيف‪ ،‬آمم ًة أف تحتكؼ المجمس الجديد‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫صكرة رسالة المندكب السامي إلى أميف الحسيني‪ ،‬في األرشيف الرقمي الفمسطيني‪ ،‬جامعة بيرزيت‪ ،‬عمى الرابط‪:‬‬
‫‪http://www.awraq.birzeit.edu/ar/taxonomy/term/611?page=3‬‬
‫‪ -2‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.49-45‬‬
‫‪ -3‬دمحم أميف الحسيني‪ ،‬خطبتاف لسماحة المفتي األكبر كرئيس المجمس اإلسبلمي األعمى في مؤتمر العمماء كفي اجتماع‬
‫كفكد القرػ بشأف بيع األراضي بفمسطيف لمصييكنييف كالحث عمى األمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر‪ ،‬القدس‪ ،‬مطبعة دار‬
‫األيتاـ اإلسبلمية الصناعية بالقدس‪ ،1934 ،‬ص ‪.5-1‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.127‬‬ ‫‪ -4‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -5‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ -6‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.127‬‬ ‫‪ -7‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪138‬؛ طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -8‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.705‬‬
‫‪79‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تأّلفت جمعية عمكمية مف العمماء كالقضاة كالمفتيف كرجاؿ القانكف المسمميف‪ ،‬ككضعت مشركع قانكف‬
‫لممجمس اإلسبلمي األعمى‪ ،‬كصدر بو مرسكـ رسمي‪ 1‬في ديسمبر ‪1921‬ـ أنيطت بو إدارة األكقاؼ‬
‫اإلسبلمية‪ ،‬كتعييف القضاة الشرعييف كرئيس كأعضاء محكمة االستئناؼ الشرعية كمفتشي المحاكـ‬
‫الشرعية‪ ،‬كمأمكرؼ األكقاؼ‪.2‬‬
‫دعت الحككمة إلى إجراء انتخابات عامة الختيار رئيس المجمس كأعضائو األربعة في ‪ 9‬يناير ‪،1922‬‬
‫كقد استطاعت الحككمة استقطاب بعض الفئات العربية إلى جانبيا كأطمقتيا لمعارضة الحركة الكطنية‬
‫كمقاكمة الحاج أميف كقائمتو‪ ،‬كتقدمت المعارضة ببلئحة ترشيحية تضـ أربعة أشخاص يرأسيـ راغب‬
‫كسخرت‬
‫ّ‬ ‫النشاشيبي زعيـ المعارضة‪ ،‬ككانت أكثرية مندكبي المناطق لجانب الحاج أميف الحسيني‪،3‬‬
‫الحككمة جميع إمكانياتيا ككسائميا المعركفة لتأييد ىذه البلئحة كتحقيق فكزىا‪ ،‬لكف االنتخابات انتيت‬
‫بفكز قائمة الحاج أميف الحسيني‪ 4‬كىـ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحاج دمحم أميف الحسيني رئيساً دائما لممجمس كيمثل مقاطعة القدس‪.‬‬
‫‪ -2‬الشيخ دمحم تكفيق مراد مفتي حيفا كيمثل شماؿ فمسطيف‪.‬‬
‫‪ -3‬القانكني عبد المطيف صبلح كيمثل مقاطعة نابمس‪ ،‬ككاف يعمل في "المابيف" العثماني مف قبل‪.‬‬
‫‪ -4‬الحاج سعيد الشكا يمثل الجنكب (غزة كبئر السبع)‪.‬‬
‫‪ -5‬القانكني عبد هلل شفيق الدجاني يمثل مقاطعة يافا‪ ،‬ككاف رئيساً لمحكمة زمف العثمانييف‪.5‬‬
‫جعل الحاج أميف كزمبلؤه المجمس اإلسبلمي األعمى ىيئة إسبلمية قكية حقيقية عمى عكس ما تكقع ليا‬
‫االنجميز‪ ،‬كغدا المجمس اإلسبلمي األعمى عمى مر األياـ أقكػ قكة كطنية إسبلمية في الببلد‪ ،‬جعل منو‬
‫الحاج أميف ما يشبو الحككمة اإلسبلمية‪ ،‬كازدادت بو مكانة الحسيني كشعبيتو داخمياً كخارجياً‪ ،6‬كقاـ بعدد‬
‫بعدد مف األعماؿ كاالنجازات اليامة منيا‪:‬‬

‫‪ -1‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.62‬‬


‫‪ -2‬العبيدؼ‪ ،‬عكني جدكع‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬األردف‪ ،‬الزرقاء‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1405‬ىػ‪1985/‬ـ‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪3‬‬
‫دمحم عزة دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة ‪1984-1887‬ـ‪ ،‬مج‪ ،1‬بيركت‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪1993 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪8-567‬‬
‫‪ -4‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.68‬‬
‫‪ -5‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪334-333‬؛ العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف‪ ،‬ص‪35‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف‬
‫الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪6‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،1‬ص ‪570‬‬
‫‪80‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -1‬إنشاء دار األيتاـ اإلسبلمية الصناعية في القدس‪ :‬لرعاية أيتاـ المسمميف كتعميميـ ِح َرؼ يرتزقكف‬
‫منيا في كبرىـ‪.1‬‬
‫‪ -2‬فتح في الببلد ‪ 11‬مدرسة كعدد طبلبيا ‪ 1469‬طالباً ك‪ 554‬طالبة يعمميـ ‪ 50‬معمماً ك‪18‬‬
‫معممة‪.2‬‬
‫‪ -3‬قاـ باسترجاع أراضي الكقف اإلسبلمي التي كانت الحككمة تسيطر عمييا كتتكلى إدارتيا‪.‬‬
‫‪ -4‬إنشاء العشرات مف المحاكـ الشرعية‪.‬‬
‫‪ -5‬تعييف المئات مف الكعاظ كالمرشديف‪.‬‬
‫‪ -6‬إنشاء فرؽ الجكالة كالكشافة اإلسبلمية‪.‬‬
‫‪ -7‬إنشاء الجمعيات الخيرية كالنكادؼ األدبية كالرياضية‪.‬‬
‫‪ -8‬إنشاء كاصبلح المكتبات اإلسبلمية العامة‪ ،‬كالمكتبة اإلسبلمية بيافا سنة ‪1923‬ـ‪ ،‬كترميـ مكتبة‬
‫المسجد األقصى التي أنشئت سنة ‪1922‬ـ‪.3‬‬
‫‪ -9‬إصبلح كترميـ المسجد األقصى المبارؾ كقبة الصخرة المشرفة‪ ،‬كانقاذىما مف األخطار التي كانت‬
‫تيددىما باالنييار كالخراب‪ ،‬كقد تـ ذلؾ بأمكاؿ األكقاؼ كتبرعات العرب كالمسمميف في شتى أنحاء‬
‫العالـ‪ ،4‬مما جعل المندكب السامي ىربرت صمكئيل أثناء زيارتو التكديعية لممسجد األقصى يقكؿ‬
‫معجباً بإنجاز المفتي‪" :‬إني يا صاحب السماحة أُكبر كل اإلكبار قيامكـ بيذا المشركع الخطير‬
‫الدقيق‪ ،‬فضاىيتـ بيمتكـ ىذه ىمـ الخمفاء كالممكؾ المسمميف"‪.5‬‬
‫كقد أصبح المجمس اإلسبلمي األعمى مسؤكالً بحكـ سمطاتو عف ‪ 18‬محكمة شرعية ضمنيا محكمة‬
‫استئناؼ‪ ،‬كجياز مف (‪ )250‬معاكناً‪ ،‬ك‪ 6‬دكائر لؤلكقاؼ فييا ‪ 592‬مكظفاً‪ ،‬كعشر مدارس ككمية دينية‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫ككذلؾ عف عدة مؤسسات أىميا دار األيتاـ اإلسبلمية ‪ ،‬كبقي الحاج أميف الحسيني في منصبو رئيساً‬
‫لممجمس اإلسبلمي األعمى حتى خركجو لبيركت سنة ‪1937‬ـ‪.7‬‬

‫‪ -1‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪336‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ -2‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.74‬‬
‫‪ -3‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.304-302‬‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.62‬‬
‫‪ -5‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.346‬‬
‫‪ -6‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪336‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪ -7‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.334‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ككاف مف أكلى أعمالو في رئاسة المجمس اإلسبلمي الدعكة لمقاطعة انتخابات دعت إلييا حككمة االنتداب‬
‫إلنشاء مجمس تشريعي في عاـ ‪1922‬ـ‪ ،‬كافشاليا‪.1‬‬
‫كعندما استشعر الخطر يتيدد عمارة المسجد األقصى مف جية المحراب‪ ،‬قاـ بحممة كبيرة إلعماره مستعيناً‬
‫بالميندس التركي كماؿ بيؾ‪ ،‬كقاـ بجمع أمكاؿ التبرعات مف اليند كالحجاز كاإلمارات العربية كمصر‬
‫كسكرية‪ ،‬كنجح في الترميـ المقصكد في الفترة ‪ ،21926-1922‬كأنشأ فندقاً كقفياً بما زاد مف التبرعات‪.3‬‬
‫كعندما آلت الزاكية كالتكية اليندية بالقدس‪ ،‬أرسل الحاج أميف الحسيني إلى زعيـ حركة الخبلفة اليندية‬
‫مكالنا دمحم عمي جكىر إلرساؿ شخص لرعاية الزاكية‪ ،‬فأرسل خكاجا نذير حسف أنصارؼ لترميميا‪.4‬‬
‫كعند زيارة المكرد بمفكر‪ -‬صاحب الكعد‪ -‬لفمسطيف في مارس سنة ‪1925‬ـ لتدشيف الجامعة العبرية في‬
‫القدس‪ ،‬كأُعمف االضراب الشامل يكـ كصكلو‪ ،‬يكـ األربعاء ‪ 25‬مارس ‪1925‬ـ‪ ،‬كأعمف المجمس اإلسبلمي‬
‫األعمى إغبلؽ جميع األماكف المقدسة اإلسبلمية في كجيو كمنعو مف زيارتيا أك الدخكؿ إلى ساحتيا‪ ،‬فمما‬
‫جاء بمفكر كالمندكب السامي إلى الحرـ ليدخمكه كجدكا األبكاب مغمقة فعادكا مف حيث أتكا‪.5‬‬
‫كلما بدأت الثكرة السكرية سنة ‪1925‬ـ سارع المفتي إلى القياـ بجكلة في فمسطيف‪ ،‬بحجة تفتيش مكاتب‬
‫اإلفتاء كي يدعك الشعب إلى المشاركة في الثكرة السكرية‪ ،‬فقاـ عدد مف أبناء فمسطيف بترؾ كظائفيـ‬
‫كعائبلتيـ كي يقاتمكا في سكرية‪ ،‬ككاف الحاج أميف الحسيني ينشر نداءاتو في الصحف كيدعك لمعمل عمى‬
‫مساعدة كانقاذ المنككبيف مف فظائع الفرنسييف‪ ،‬كقاـ بدعكة الجاليات العربية في الميجر لمتبرع‪ ،‬ككاف‬
‫يرسل االعانات إلى سمطاف باشا األطرش عف طريق األردف حتى قاؿ سمطاف باشا األطرش عندما ُسئل‬
‫عف الذيف ساعدكا الثكرة فقاؿ‪" :‬ضع في رأس القائمة سماحة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬فك هلل كنا نحف في‬
‫كفة‪ ،‬كأعمالو كمساعداتو لنا في كفة أخرػ"‪.6‬‬
‫كفي المؤتمر اإلسبلمي العالمي المنعقد في مكة المكرمة سنة ‪1926‬ـ‪ ،‬اقترح الحاج أميف الحسيني عمى‬
‫المسمـ‪ ،‬كقد‬ ‫المسمـ‬ ‫ِ‬
‫المؤتمريف إصدار قرار باإلجماع يذاع عمى العالـ اإلسبلمي ال سيما األفريقي أال يقاتل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ككِّزع عمى المسمميف في الجيش‬ ‫كاف عبد الكريـ الخطابي في آخر أدكار ثكرتو‪ ،‬فصدر القرار باإلجماع ُ‬

‫‪ -1‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.63‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Omar Khalidi, Indian Muslims and Palestinian Awqaf, 4.10.2015, p.56‬‬
‫‪3‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،1‬ص ‪622‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Khalidi, Op cit, p.52‬‬
‫‪ -5‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.79‬‬
‫‪ -6‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪82‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الفرنسي في افريقيا ففر الجنكد المسممكف السنغاليكف بالعشرات مف الجيش الفرنسي‪ ،‬كما كشف النقاب‬
‫ِ‬
‫لممؤتمريف عف فظائع الجيش الفرنسي في سكريا كخطر الييكد عمى فمسطيف‪.1‬‬
‫كعندما استشعر الخطر الصييكني يحيط بحائط البراؽ أرسل أميف الحسيني في ‪1928/12/27‬ـ إلى‬
‫حاكـ القدس‪ ،‬يطالبو بالمحافظة عمى الحالة الراىنة التي كانت سائدة في عيد األتراؾ بالنسبة إلى حائط‬
‫البراؽ‪.2‬‬
‫كجرح‬‫كجرح فييا ‪ 472‬ييكدياً كقتل ُ‬
‫في ‪ 23‬أغسطس ‪1929‬ـ حدثت ثكرة البراؽ‪ ،‬كامتدت خمسة أياـ ُقتل ُ‬
‫‪ 378‬عربياً كارتكب اإلنجميز فييا جرائـ بشعة بحق العرب‪ ،3‬كاتيمكا المفتي بإشعاؿ نار الثكرة كطالبكا‬
‫بمحاكمتو‪ ،4‬فأصدر المفتي بياناً باسـ المجمس اإلسبلمي األعمى يدحض فيو افتراءات المندكب السامي‬
‫باتيامو العرب أنيـ سبب األحداث‪ ،‬كينتقد الحاكـ بشدة‪ ،5‬إلى أف اعتذر المندكب السامي في بياف ثاني‪،‬‬
‫كطمبت الحككمة البريطانية زيارة كفد عربي فمسطيني لمندف كاف برئاسة الحاج أميف الحسيني‪ ،6‬كلعل‬
‫الراجح أنو برئاسة مكسى كاظـ الحسيني كيضـ الحاج أميف الحسيني‪ ،‬كراغب النشاشيبي كجماؿ الحسيني‬
‫كعكني عبد اليادؼ كألفرد ركؾ‪ ،7‬حيث كاف مكسى كاظـ الحسيني رئيساً لمجنة التنفيذية العربية كالتي‬
‫قامت بعقد عدة مؤتمرات في ِعقد العشرينات‪.‬‬
‫ِ‬
‫المقاكـ كىبة البراؽ إلسماع صكتيـ تحت قبة البرلماف‬ ‫حاكؿ الكفد الفمسطيني أف يستثمر الجيد‬
‫البريطاني‪ ،‬لكف السمطات البريطانية لـ تتجاكب مع مطالبيـ‪ ،‬كمع ذلؾ ساعدت ىذه الزيارة الكفد في‬
‫التعرؼ عمى دىاليز السياسة البريطانية كتحالفيا مع الييكد الصياينة‪ ،‬كقرر أميف الحسيني‪ ،‬كمف مكقعو‬
‫كرئيس لممجمس اإلسبلمي األعمى استخداـ كرقة مسممي اليند لخمق بمبمة في اإلدارة البريطانية الحاكمة‬

‫‪ -1‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.365-363‬‬


‫‪2‬‬
‫رسالة دمحم اميف الحسيني بضفتو رئيس المجمس اإلسبلمي األعمى بشأف البراؽ في ‪1928/12/27‬ـ‪ ،‬في مكقع مؤسسة‬
‫الدراسات الفمسطينية‪http://www.palestine‐studies.org/ar/resources/documents ،‬‬
‫‪ -3‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.66-65‬‬
‫‪ -4‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪5‬‬
‫الفمسطينية‪،‬‬ ‫الدراسات‬ ‫مؤسسة‬ ‫مكقع‬ ‫في‬ ‫‪1929/10/29‬ـ‪،‬‬ ‫في‬ ‫الحسيني‬ ‫أميف‬ ‫دمحم‬ ‫بياف‬ ‫انظر‬
‫‪http://www.palestine‐studies.org/ar/resources/documents‬‬
‫‪ -6‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.106-102‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.136‬‬ ‫‪ -7‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪83‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫في اليند‪ ،1‬فزار اليند‪ ،‬كاستثار في مسممييا العاطفة اإلسبلمية نحك المسجد األقصى كمقامات الصحابة‬
‫في فمسطيف‪ ،‬فازدادت نشاطات كاىتمامات مسممي اليند باألماكف المقدسة في فمسطيف بعد إصرار‬
‫كتصميـ الحاج أميف الحسيني عمى دفف مكالنا دمحم عمي‪ ،‬األب الركحي لحركة الخبلفة‪ ،‬في رحاب المسجد‬
‫األقصى ليصبح ليـ م از اًر‪.2‬‬
‫كما َّألف الحاج أميف الحسيني جمعية "ح ارسة المسجد األقصى" كأسند رئاستيا إلى الشيخ حسف أبك‬
‫السعكد كليا فركع في مدف فمسطيف‪ ،‬مف أجل التنبيو عمى خطر الييكد عمى المسجد األقصى‪ ،‬كدعت‬
‫لمؤتمر إسبلمي في أكاخر عاـ ‪1928‬ـ حضرتو ‪ 150‬شخصية إسبلمية بارزة أكدكا عمى المقدسات‬
‫اإلسبلمية في فمسطيف ىي مقدسات لجميع المسمميف كضركرة الدفاع عنيا‪.3‬‬
‫المؤتمر اإلسالمي األول بالقدس سنة ‪1931‬م‪:‬‬
‫دعا المفتي إلى مؤتمر إسبلمي في القدس يجمع الدكؿ اإلسبلمية‪ ،‬كالقت دعكتو صداىا اإليجابي لما‬
‫يتمتع بو المفتي مف سمعة جيدة بيف األكساط اإلسبلمية‪ ،‬كاختار لممؤتمر مكعد ليمة اإلسراء كالمعراج ‪27‬‬
‫رجب ‪1350‬ق المكافق ‪ 7‬ديسمبر ‪1931‬ـ‪ ،‬كاشترؾ فيو عشركف بمداً‪ ،‬كترأس المفتي الجمسات البالغة‬
‫سبعة عشرة جمسة كاستمر عشرة أياـ متكالية مف ‪ 27‬رجب إلى ‪ 7‬شعباف ‪1350‬ق‪ ،‬مف ‪ 12/7‬إلى‬
‫‪1931/12/17‬ـ‪ .4‬ككانت لو ق اررات عمى المستكييف اإلسبلمي كالفمسطيني‪ .5‬فضبلً عف تأليف لجنة‬
‫تنفيذية لممؤتمر برئاسة المفتي‪ .‬ككاف مف أثر اىتماـ المفتي بمسممي اليند أف ساىـ مسممكىا في التبرع‬
‫لصالح إنشاء جامعة األقصى اإلسبلمية التي كانت إحدػ مخرجات المؤتمر اإلسبلمي‪ ،6‬حيث اشترػ‬
‫بتبرعات مف حاكـ حيدر أباد ألف دكنـ كأرض كقفية لمجامعة اإلسبلمية المنكؼ إقامتيا‪ .7‬كلـ َّ‬
‫تنفذ معظـ‬
‫المقررات‪.8‬‬

‫‪1‬‬
‫أيمف يكسف‪ ،‬الحاج أميف الحسيني بيف العقائدية التقميدية كالكاقعية السياسية‪ :‬دراسة حالة في النخبة السياسية الفمسطينية‪،‬‬
‫مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث (العمكـ اإلنسانية)‪ ،‬المجمد ٕٔ(ٕ)‪ ،https://bit.ly/2saa6pL ٕٓٓ٢ ،‬ص ‪554‬‬
‫‪2‬‬
‫يكسف‪ ،‬الحاج أميف الحسيني بيف العقائدية التقميدية كالكاقعية السياسية‪ ،‬ص ‪2-551‬‬
‫‪3‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،1‬ص ‪649‬‬
‫‪4‬‬
‫جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.118‬‬
‫‪ -5‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،131‬ج‪ ،3‬ص‪555‬؛ نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪377-374‬؛‬
‫مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪6‬‬
‫يكسف‪ ،‬الحاج أميف الحسيني بيف العقائدية التقميدية كالكاقعية السياسية‪ ،‬ص ‪2-551‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Khalidi, Op cit, p.56‬‬
‫‪ -8‬نكييض‪ ،‬رجاؿ مف فمسطيف‪ ،‬ص‪.378‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمع تزايد تدفق اليجرة الييكدية عمى فمسطيف سنة ‪1933‬ـ‪ ،‬أعمف مكسى كاظـ الحسيني كمعو المجنة‬
‫التنفيذية التي يرأسيا‪ ،‬عف إضراب رمزؼ ليكـ كاحد في كل مدف فمسطيف مع مظاىرات عامة‪ ،‬خرجت يكـ‬
‫الجمعة ‪ 13‬أكتكبر ‪1933‬ـ‪ ،1‬فأنذرتيـ الحككمة‪ ،‬كحدث الصداـ بينيـ كأصيب مكسى كاظـ الحسيني**‪،‬‬
‫كلما عاد المفتي أميف الحسيني في نكفمبر ‪1933‬ـ بعد جكلتو في األقطار اإلسبلمية‪ ،‬استقبمتو الجماىير‬
‫بحفاكة بالغة جعمت المندكب السامي يرجكه تيدئة الناس‪ ،‬فما كاف مف المفتي إال أف أعمف بياناً يؤيد فيو‬
‫الشعب كقرار المجنة التنفيذية‪ ،‬قامت عمى إثره مظاىرات شعبية عارمة‪ ،‬فياجمتيـ قكات اإلنجميز‪ ،‬كتأزمت‬
‫األمكر‪.2‬‬
‫العمل المسمح‬
‫منذ نتائج أحداث ثكرة البراؽ‪ ،‬كالمفتي يتجو بسياستو اتجاىاً جديداً‪ ،‬فقد اىتـ بالحصكؿ عمى السبلح كجعل‬
‫ذلؾ ميمة سرية لبعض الشباف كما اىتـ بتدريب الشباب المؤىميف عمى حرب العصابات‪ ،‬كاستعاف ببعض‬
‫الضباط المتقاعديف الذيف برزكا في الجيش العثماني‪ ،‬كلما تكفرت كميات بسيطة مف السبلح كالمتدربيف‬
‫شكل المفتي عصابات مسمحة خاصة في أقضية صفد كالناصرة كبيساف كعكا‪ ،‬ككاف الشيخ عمي‬
‫عميو‪ّ ،‬‬
‫رضا النحكؼ مسؤكالً عف ىذا التنظيـ السرؼ بشماؿ فمسطيف‪.3‬‬
‫كفي جنكب فمسطيف‪ ،‬كفي القدس بدأ تككيف تنظيـ سرؼ آخر‪ ،‬جمع بيف تنظيـ أنشأه صديق المفتي‪ :‬إميل‬
‫الغكرؼ‪ ،‬كآخر أنشأه عبد القادر بف مكسى كاظـ الحسيني منذ ‪1931‬ـ تـ تسميتو "منظمة المقاكمة‬
‫‪4‬‬
‫ىيأ المفتي الظركؼ لمتنظيميف في السر‪" .‬كفي‬
‫كالجياد"‪ ،‬ميمتو تكعية الشعب كنشر ركح التمرد ‪ ،‬كقد ّ‬
‫‪ 25‬تمكز‪/‬يكليك ‪1935‬ـ‪ ،‬قامت في فمسطيف منظمة فمسطينية عسكرية عامة‪ ،‬ىي منظمة (الجياد‬
‫المقدس) التي تكلت أعماؿ الجياد الفمسطيني حتى عاـ ‪1948‬ـ‪ ،‬بينما ظمت "منظمة القسامييف" سرية‪.5‬‬
‫ككاف المفتي عمى اتصاؿ بالشيخ عز الديف القساـ‪ ،‬كعمل عمى االستفادة مف قدرات الشيخ عز الديف‬
‫لصالح الحركة الكطنية‪ ،6‬فعينو مدرساً ككاعظاً لجامع االستقبلؿ في حيفا‪ ،‬كأفسح المجاؿ أمامو لمتعاكف‬

‫‪ -1‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪ ،161‬ككانت ىي المظاىرة األكلى‪ ،‬كتبعيا الثانية في يافا في ‪ 27‬أكتكبر ثـ‬
‫حيفا ثـ نابمس فغزة فالخميل كىمـ جرا‪.‬‬
‫**‬
‫ىذه االصابة مات عمى إثرىا في آذار سنة ‪1934‬ـ‪ ،‬فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -2‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪79-78‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.130-128‬‬
‫‪ -3‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد ‪ ،‬ص‪.135‬‬
‫‪ -4‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.157-156‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.244-243‬‬
‫‪ -6‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪250‬؛ مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪85‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مع قادة الحركة الكطنية في شماؿ فمسطيف‪ ،1‬كانضـ القساـ الجتماعات الحركة الكطنية في القدس حتى‬
‫أصبح أحد أعضاء الحزب العربي الفمسطيني‪ ،‬الذؼ يرأسو جماؿ الحسيني‪ ،‬ذراع المفتي األيمف‪ 2‬الذؼ‬
‫تشكل في ربيع ‪1935‬ـ‪ ،3‬كانتخبو مؤتمر الحزب ممثبلً عف المجنة التنفيذية لمحزب في حيفا باإلضافة إلى‬
‫زميميو كصديقيو حكمت النممي كالمحامي فؤاد عطا هلل‪ ،4‬كشرع الشيخ القساـ في تشكيل منظمة جيادية‬
‫سرية عمادىا المؤمنيف الصادقيف مف الذيف يكاظبكف عمى دركسو‪ ،‬كاتفق مع الحاج أميف عمى متابعة ذلؾ‬
‫كعمى قيادتيا‪ ،‬كامعاناً في التعاكف عمى الكتماف كابعاداً الشتباه السمطات البريطانية كخصكـ الحركة‬
‫الكطنية تكقفت االتصاالت كاالجتماعات كالزيارات بيف الحاج أميف كالشيخ القساـ إلى درجة ظف معيا‬
‫الكثيركف أف خبلفاً نشب بيف الرجميف أدػ إلى حدكث القطيعة بينيما‪.5‬‬
‫اُختير الشيخ كامل القصاب ليككف صمة الكصل بيف الحاج أميف كالقساـ‪ ،6‬كبدأ القساـ عممياتو في صيف‬
‫صيف ‪1935‬ـ‪ ،‬إلى أف استشيد في ‪ 17‬نكفمبر ‪ .1935‬كلما قامت ثكرة فمسطيف في نيساف ‪1936‬ـ‬
‫انضـ إلييا أتباع القساـ‪.7‬‬
‫كىكذا دعـ الحاج أميف الحسيني مسيرة الشعب الفمسطيني حتى انطمق ثائ اًر في ‪1936‬ـ‪ ،‬كال شؾ أنو لو‬
‫الفضل في تشكيل تمؾ المجمكعات السرية العسكرية التي كانت تعمل عمى إرباؾ اإلنجميز كالتصدؼ ليـ‪-‬‬
‫بقدر طاقتيا‪ -‬في شماؿ الببلد كجنكبيا‪ ،‬كما ال شؾ أف المعارضيف لمحاج أميف كالمتحامميف عميو ال‬
‫ِ‬
‫بالميادف لئلنجميز كبأنو لـ‬ ‫يعجبيـ أف يكصف المفتي بالكطنية االيجابية فاختمقكا الركايات التي تصفو‬
‫نجاة بنفسو‪ ،‬كال أرػ ذلؾ بعد أف شيد أحد مؤسسي تمؾ‬
‫ً‬ ‫يشارؾ التنظيمات العسكرية في مجيكدىا‬
‫المجمكعات كىك إميل الغكرؼ الذؼ عمـ منو أنو اليد المحركة لتنظيمات أخرػ كانت تعمل في نفس‬
‫الكقت كمنظمة الجياد المقدس‪ ،‬فضبلً عف أف عبد القادر الحسيني كاف يعمل س اًر قبل أف تمتقي مجمكعتو‬

‫‪ -1‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.250‬‬


‫‪ -2‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪ -3‬الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.197‬‬
‫‪ -4‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.250‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.251‬‬
‫‪ " -6‬كاف الشيخ كامل القصاب ينقل تكجييات الحاج أميف إلى المنظمة‪ ،‬كيتسمـ منو األمكاؿ المطمكبة‪ ،‬لنفقاتيا كأعماليا‬
‫كتسميحيا‪-‬الخ‪ -‬كيسمميا بدكره لمشيخ القساـ ليتكلى انفاقيا‪ ،‬ككاف دائماً ينفقيا عمى الكجو الصحيح"‪ ،‬المرجع نفسو‪،‬‬
‫ص‪.251‬‬
‫‪ -7‬ج ارر‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪141-139‬؛ الغكرؼ‪ ،‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫‪86‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مع المجمكعة التي فييا إميل الغكرؼ‪ ،‬كفي ذلؾ إشارة ألف يككف الحاج أميف ىك الذؼ يقف كراء المجاىد‬
‫عبد القادر الحسيني‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬قيادته للجنت العربيت العليا‬
‫تكالت االشتباكات بيف العرب كالييكد بعد استشياد الشيخ عز الديف القساـ بسرعة فائقة مما أدػ إلى‬
‫إعبلف االضراب العاـ الذؼ شمل الببلد كميا في اليكـ الخامس مف بدء ىذه االشتباكات‪.1‬‬
‫أعمنت المجنة القكمية في نابمس االضراب الشعبي العاـ في ‪ 20‬نيساف ‪ 1936‬ثـ امتد إلى مدف أخرػ‪،‬‬
‫خاص ًة يافا‪ ،2‬كفي ىذا الكقت دعا المفتي إلى الكحدة الكطنية‪ ،‬كاجتمع زعماء األحزاب الفمسطينية‪،‬‬
‫كانتخبكا لجنة منيـ تضـ جميع رؤساء األحزاب الفمسطينية برئاسة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬كعضكية ممثمي‬
‫األحزاب كىـ‪ :‬أحمد حممي عبد الباقي‪ ،‬عكني عبد اليادؼ‪ ،‬راغب النشاشيبي‪ ،‬الدكتكر حسيف فخرؼ‬
‫الخالدؼ‪ ،‬عبد المطيف صبلح‪ ،‬يعقكب الغصيف‪ ،‬يعقكب فراج‪ ،‬ألفرد ركؾ‪ ،‬جماؿ الحسيني‪ ،‬فؤاد سابا‪.3‬‬
‫في ‪ 25‬نيساف ‪ 1936‬أصدرت المجنة العربية البياف األكؿ بتأليفيا‪ ،4‬كأعمنت قرارىا باستمرار االضراب‬
‫تبدؿ الحككمة سياستيا كتستجيب لممطالب الكطنية الثبلث‪ 5‬كىي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫العاـ إلى أف ّ‬
‫‪ -1‬منع اليجرة الييكدية منعاً باتاً‪.‬‬
‫‪ -2‬منع انتقاؿ األراضي العربية إلى الييكد‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء حككمة كطنية مسؤكلة أماـ مجمس نيابي‪.6‬‬
‫كأُلفت لجاف فرعية ُدعيت بالمجاف القكمية في كل مدف فمسطيف‪ ،‬كاستمر االضراب‪ ،‬كدعت المجنة العربية‬
‫العميا إلى مكاصمة المقاطعة‪ ،‬كما دعت إلى عدـ دفع الضرائب كحاكؿ كل مف نكرؼ السعيد كزير خارجية‬

‫‪ -1‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.147‬‬


‫‪ -2‬زعيتر‪ ،‬أكرـ‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية ‪1939-1935‬ـ‪ ،‬يكميات أكرـ زعيتر‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.146‬‬ ‫‪1980‬ـ‪ ،‬ص‪65-64‬؛ طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -3‬أبك غربية‪ ،‬بيجت‪ ،‬في خضـ النضاؿ العربي الفمسطيني‪ ،‬مذكرات بيجت أبك غربية ‪1949-1916‬ـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة‬
‫مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪1993 ،‬ـ‪ ،‬ص‪ ،33‬بينما ال يذكر أكرـ زعيتر‪ ،‬راغب النشاشيبي‪ ،‬كفؤاد سابا مف ضمنيـ؛‬
‫كانظر‪ :‬دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،2‬ص ‪.17‬‬
‫‪4‬‬
‫انظر بياف حكؿ تأليف المجنة العربية العميا ‪ -‬القدس – ‪ ،1936/4/25‬في مكقع مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪،‬‬
‫‪http://www.palestine‐studies.org/ar_index.aspx‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.147‬‬ ‫‪ -5‬زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية‪1939-35 ،‬؛ طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -6‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪139‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.148‬‬
‫‪87‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العراؽ‪ ،‬كاألمير عبد هلل بف الحسيف التدخل لدػ المفتي أميف الحسيني إلقناعو بتخفيف حدة الثكرة كتيدئة‬
‫الكضع‪ ،‬كلكف دكف جدكػ‪.1‬‬
‫في ‪ 18‬مايك ‪ ،1936‬أعمنت بريطانيا عزميا إرساؿ لجنة ممكية لدراسة أسباب الثكرة‪ ،‬لكف المفتي أعمف‬
‫عف مقاطعة المجنة(‪.)6‬‬
‫في ‪ 8‬أكتكبر أذيعت بيانات أربعة مكقعة مف الممؾ عبد العزيز آؿ سعكد ممؾ العربية السعكدية‪ ،‬كيحيي‬
‫حميد الديف ممؾ اليمف‪ ،‬كغازؼ ممؾ العراؽ‪ ،‬كاألمير عبد هلل أمير شرقي األردف‪ ،‬تدعك الشعب لكقف‬
‫الثكرة‪ ،‬كتمقاىا الحاج أميف الحسيني بصفتو رئيس المجنة العربية العميا كرئيس المجمس اإلسبلمي األعمى‬
‫كمفتي القدس‪ ،‬كأذاع بياناً باسـ المجنة العربية العميا‪ُ ،‬يبدؼ فيو مكافقة المجنة كفركعيا القكمية عمى تمبية‬
‫نداء الزعماء العرب فأعمنت إنياء االضراب كالثكرة اعتبا اًر مف يكـ االثنيف ‪ 12‬أكتكبر ‪ .21936‬كقد قابمت‬
‫المجنة العربية العميا برئاسة الحاج أميف المندكب السامي‪ ،‬كحصمت عمى مطالبيا منو‪.3‬‬
‫كما أف ىدأ الناس حتى أعمف كزير المستعمرات عف دخكؿ (‪ )1800‬ييكدؼ جديد إلى فمسطيف‪ ،‬فعادت‬
‫األمكر كما كانت‪ ،‬حتى أرسل الممؾ عبد العزيز رسال ًة لممفتي يطمب منو التعاكف مع المجنة الممكية‪،‬‬
‫كالمجكء إلى اليدكء كاالطمئناف لمساعي العرب‪.4‬‬
‫قدمت المجنة العربية العميا مطالب العرب إلى المجنة الممكية كىي‪-:‬‬
‫‪ -1‬العدكؿ عف تجربة الكطف القكمي الييكدؼ‪.‬‬
‫‪ -2‬إيقاؼ اليجرة الييكدية إيقافاً تاماً كفك اًر‪.‬‬
‫‪ -3‬منع انتقاؿ األراضي العربية منعاً تاماً كحاالً‪.‬‬
‫‪ -4‬حل قضية فمسطيف كمثيبلتيا‪ ،‬العراؽ كسكريا كلبناف بإنياء االنتداب كعقد معاىدة مع بريطانيا ليحل‬
‫في الببلد حكـ دستكرؼ‪.5‬‬

‫‪ -1‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.88‬‬


‫‪ -2‬زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية‪ ،‬ص‪210‬؛ العارؼ‪ ،‬المفصل في التاريخ القدس‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.415‬‬
‫‪3‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،2‬ص ‪.279-278‬‬
‫‪ -4‬زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية‪ ،‬ص‪239‬؛ مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.90‬‬
‫‪ -5‬برقية المجنة العربية العميا لعصبة األمـ كالمطالبة بحق العرب في االستقبلؿ كالعدكؿ عف محاكلة إنشاء الكطف القكمي‬
‫الفمسطينية‪،‬‬ ‫الدراسات‬ ‫مؤسسة‬ ‫مكقع‬ ‫في‬ ‫الييكدؼ‪،‬‬
‫‪http://www.palestine‐studies.org/ar/resources/documents‬‬
‫زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية‪ ،‬ص‪257‬؛ كمارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني ‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪88‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عينت بريطانيا لجنة لمنظر في مطالب العرب كالييكد‪ ،‬سميت "لجنة بيل" كالتي قدمت تقريرىا في‬ ‫ّ‬
‫‪ 1937/7/7‬ـ الرامي إلى تقسيـ فمسطيف بيف الييكد كالعرب مع بقاء السمطة البريطانية في منطقة القدس‬
‫كاألماكف المقدسة‪ ،‬عمى أف ُيضـ الجزء العربي لشرقي األردف‪ ،1‬كجاء في تقريرىا‪:‬‬
‫"لقد كانت المجنة العربية العميا مسؤكلة لدرجة كبيرة عف مكاصمة االضراب في السنة الماضية كتمديد‬
‫أجمو‪ ،‬كيجب أف يتحمل مفتي القدس بصفتو رئيساً ليذه المجنة قسطو الكافي مف المسؤكلية‪ ...‬كالكظائف‬
‫التي جمعيا المفتي في نفسو كاستعمالو لتمؾ الكظائف‪ ،‬أدػ إلى إنشاء حككمة عربية ضمف حككمة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كيمكف كصفو بأنو رئيس حككمة مكازية ثالثة"‬
‫في ‪1937/7/16‬ـ‪ ،‬نشرت جريدة التايمز مقاالً‪ -‬كما يركيو الحاج أميف في مذكراتو‪ -‬تقكؿ فيو‪ " :‬إف‬
‫المفتي ىك العقبة الكحيدة أماـ حل القضية الفمسطينية كالتفاىـ مع الييكد‪ ،‬كلكال الخكؼ مف دمحم أميف‬
‫الحسيني لظير الكثير مف المعتدليف عمى المسرح‪ ،‬كعمى الحككمة البريطانية أال تترؾ الساحة خالية‬
‫لنشاطو بل عمييا أف تقيمو مف مناصبو كخاصة مف رئاسة المجمس اإلسبلمي األعمى‪ ،‬كأف تمجأ ضده‬
‫لمقكة‪ ،‬كضد القسـ المتعصب المتطرؼ‪ ..‬الخ"‪.3‬‬
‫كفعبلً حاكؿ اإلنجميز اعتقاؿ المفتي إلبعاده‪ ،‬كأصدرت السمطات البريطانية ق ار اًر بعزلو مف رئاسة المجمس‬
‫اإلسبلمي كرئاسة األكقاؼ في ‪1937/10/1‬ـ‪ ،‬كأصدر الحاج أميف بياناً ينكر فيو عمى السمطات‬
‫صبلحيتيا في عزلو بكصفو منتَ َخباً مف األمة‪ .4‬كقد استطاع االفبلت مف محاصرة الجيش البريطاني‬
‫ألسكار المسجد األقصى بعد أف احتمى بداخمو منذ ‪ 37/7/17‬إلى ‪ ،51937/10/13‬ظناً منيـ أنو ال‬
‫يزاؿ بداخمو‪ ،‬حتى كصل إلى بيركت بح اًر‪ ،‬ككاف قد أعد بياناً قبل خركجو‪ ،‬دعا فيو الشعب الستئناؼ‬
‫‪6‬‬
‫تمكف مف مف اليرب مف الحرـ القدسي متخفياً بزؼ فبلح‪ ،‬كركب‬
‫حمل السبلح في ‪ . 1937/10/15‬كقد ّ‬

‫‪ -1‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪91‬؛ كأنظر تفصيل ذلؾ في يكميات أكرـ زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية‬
‫الفمسطينية ‪ ،1939-35‬ص‪.299-297‬‬
‫‪ -2‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪ -3‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪96-95‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪161‬؛ باإلضافة‬
‫إلى العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪4‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،3‬ص ‪.56‬‬
‫‪ -5‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.72‬‬
‫‪ -6‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.104-99‬‬
‫‪89‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كركب قارباً مف يافا إلى صكر في لبناف‪ .1‬كلما ُسئل عف تركو القدس قاؿ‪ " :‬شعارؼ‪ :‬ال تقع أبداً بيف يدؼ‬
‫عدكؾ إذا استطعت"‪.2‬‬
‫كاستؤنفت الثكرة‪ ،‬ككاجييا البريطانيكف بشراسة‪ ،‬حيث كصل عدد المعتقميف خمسكف ألفاً كالشيداء ستة‬
‫آالؼ منيـ ‪ 150‬أعدمتيـ المحاكـ العسكرية‪.3‬‬
‫كاف المفتي يعتزـ إدارة الثكرة مف خارج فمسطيف‪ ،‬كبدأ في تنفيذ ذلؾ حيث جاكره في سكناه بمبناف جماعة‬
‫مف إخكانو ليسيل اتصالو بيـ كاتصاليـ بو‪ ،4‬كأصدر اإلنجميز ق ار اًر بحل المجنة العربية العميا كجميع‬
‫المجاف القكمية كاعتبارىا غير شرعية‪.5‬‬
‫كجيت الدعكة‬
‫كعندما دعت الحككمة البريطانية إلى مؤتمر يعقد في لندف أكاخر تشريف ثاني سنة ‪ّ ،1938‬‬
‫إلى الحككمات العربية كلـ تكجيا لمجنة العربية العميا كرئيسيا أميف الحسيني‪ ،‬فاحتج الفمسطينيكف في‬
‫فمسطيف كسكريا كأحزاب عربية أخرػ‪ ،‬عندىا أذعنت بريطانيا لتمثيل المجنة العربية العميا لمشعب‬
‫الفمسطيني فأفرجت عنيـ كعف المعتقميف في سيشل‪ ،6‬كاشترطت عدـ تمثيل الحاج أميف لمكفد فتشاكر معو‬
‫معو جماؿ الحسيني بيذا الشأف كمثّل ىك الكفد الفمسطيني إلى لندف‪ ،7‬كعقد المؤتمر في أكاخر كانكف‬

‫ثاني سنة ‪ 1939‬كصدر عنو ما أسماه العرب بالكتاب األسكد ألنو لـ ِّ‬
‫يمبي مطالب الفمسطينييف‪ ،‬كأعمف‬
‫الحاج أميف الحسيني رفضو لكتاب ماكدكنالد األبيض‪ ،8‬كما أعمف بياناً باسـ المجنة العربية العميا فيو رد‬
‫مفصل عمى ق اررات المؤتمر‪.9‬‬
‫استمرت الثكرة الفمسطينية حتى نشكب الحرب العالمية الثانية بقميل بسبب تشديد اإلنجميز قبضتيـ عمى‬
‫الببلد كتفاىميـ مع فرنسا‪ ،‬كمطاردة المجاىديف عمى الحدكد كمنع تسرب السبلح إلييـ حتى ضغطت‬

‫‪1‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،3‬ص ‪.39 ،36‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.194‬‬ ‫‪ -2‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -3‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪ -4‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.105‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.192‬‬ ‫‪ -5‬أبك غربية‪ ،‬في خضـ النضاؿ العربي الفمسطيني‪ ،‬ص‪99‬؛ طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -6‬زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية‪ ،‬ص‪.551‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪226‬؛‬ ‫‪ -7‬أبك غربية‪ ،‬في خضـ النضاؿ العربي الفمسطيني‪ ،‬ص‪129‬؛ كطنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫كالمكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪106‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.260‬‬ ‫‪ -8‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -9‬زعيتر‪ ،‬الحركة الكطنية الفمسطينية ‪ ،1939-35‬ص‪.599‬‬
‫‪90‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إنجمت ار عمى فرنسا لتُسّمِميا المفتي‪ ،‬لكنو انتقل إلى العراؽ في غفمة مف الفرنسييف‪ ،1‬ككاف ذلؾ في‬
‫‪ 1939/10/13‬أؼ بعد عاميف تماماً مف خركجو مف القدس‪.2‬‬
‫استُقِبل المفتي في العراؽ بحفاكة كبيرة عمى المستكييف الرسمي كالشعبي‪ ،‬كخصصت لو الحككمة العراقية‬
‫التف حكلو الكطنيكف األحرار كقيادات قكمية‬ ‫‪3‬‬
‫مق اًر قريباً مف الببلط الممكي‪ ،‬كالذؼ أصبح م از اًر لمساسة ‪ ،‬ك ّ‬
‫مف الجيش العراقي‪ ،‬كانكا قد افتقدكا قيادة تجمعيـ كتقكدىـ‪ .‬كقد تمكف المفتي مف إرشادىـ الختيار رشيد‬
‫عالي الكيبلني قائداً ليـ‪ ،4‬كتمكف المفتي مف قيادة الكطنييف في العراؽ ضمف لجنة تـ تشكيميا باسـ‬
‫"المجنة العربية" حيث أصبحت تكجيياتو ألعضاء المجنة بمثابة أكامر‪ ،‬ككاف القادة يعتبركف المفتي قائداً‬
‫ليـ بالفعل‪.5‬‬
‫دأب الحاج أميف الحسيني مع عدد مف رجاالت فمسطيف الذيف التجأكا إلى العراؽ عمى العمل في سبيل‬
‫قضية فمسطيف كالقضايا العربية األخرػ‪ ،‬كاتفق مع رشيد عالي الكيبلني رئيس كزراء العراؽ سنة ‪1941‬ـ‬
‫عمى اال تصاؿ بدكؿ المحكر كبخاصة ألمانيا ألخذ ضمانات الستقبلؿ كحرية الببلد العربية‪ ،‬نتج عنيا‬
‫إعبلف زعماء المحكر عطفيـ عمى القضايا العربية كرغبتيـ في استقبلؿ ببلدىـ كالسيما في سكرية‬
‫كفمسطيف‪.6‬‬
‫كتزّعـ المفتي الحركة الثكرية المساندة لثكرة العراؽ سنة ‪1941‬ـ‪ ،7‬حتى أصبح مطمكباً لئلنجميز‪ ،‬فاضطر‬
‫فاضطر لمخركج إلى إيراف مع قادة الثكرة بعد فشميا‪ ،‬كلكي يفمت مف مطاردة االنجميز التجأ إلى السفارة‬
‫مكنتو مف السفر إلى تركية‪ ،‬ثـ َّ‬
‫تسمل منيا إلى البمقاف ثـ ألمانيا‪.8‬‬ ‫اليابانية في طيراف‪ ،‬التي ّ‬
‫كرغـ ابتعاده عف مسرح فمسطيف الفعمي كانتقاؿ مركز نشاطو إلى ساحة دبمكماسية أكسع‪ ،‬فإف القضية‬
‫ظمت تستحكذ عمى اىتمامو في لقاءاتو مع الشخصيات الفمسطينية كالعربية التي انتقمت إلى معسكر‬
‫المحكر في الحرب‪ ،‬أك في مساعيو الدبمكماسية مع أقطاب ىذا المعسكر لمحصكؿ عمى ضمانات‬

‫‪ -1‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.109‬‬


‫‪ -2‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪ -3‬سميح شبيب‪ ،‬الحاج أميف الحسيني كدكره القكمي في العراؽ ‪1941-1939‬ـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مجمة شئكف فمسطينية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،220-219‬يكنيك‪ -‬يكليك ‪1991‬ـ‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -4‬شبيب‪ ،‬الحاج أميف الحسيني كدكره القكمي في العراؽ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪6‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،3‬ص ‪.917‬‬
‫‪7‬‬
‫المرجع نفسو‪ ،‬مج‪ ،3‬ص ‪.20-919‬‬
‫‪8‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،4‬ص ‪.50‬‬
‫‪91‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كتأكيدات بدعـ القضية الفمسطينية‪ ،‬مف منطمق العداء المشترؾ لبريطانيا‪ ،‬كعمى قاعدة أنو ال يمثل حككمة‬
‫اك دكلة كانما شعباً ثائ اًر ضد االنجميز الذيف ىـ أعداء ألمانيا في الحرب‪ ،1‬كقد ساىـ الحسيني بصكغ‬
‫المطالب العربية َّ‬
‫المقدمة لدكؿ المحكر‪ ،‬كالتي أكد فييا عمى ضماف استقبلؿ الببلد العربية كعدـ إدخاؿ‬
‫تغييرات عمى الكضع القائـ فيما يتعمق باليجرات الييكدية‪ ،‬ككقفيا نحك فمسطيف‪ ،‬مع ترحيل المياجريف‬
‫الييكد الذيف قدمكا إلييا‪.2‬‬
‫لقد راسل ىتمر باسـ مستعار في ‪1941/1/20‬ـ‪ ،‬كاستمـ منو رسالة في مارس ‪ 1941‬أكد فييا ىتمر‬
‫استعداد ألمانيا لمتعاكف كالصداقة مع العرب‪ .‬كما أجرػ لقاءاً مع مكسكليني في ‪1941/10/23‬ـ الذؼ‬
‫عبَّر لو عف اىتمامو بالقضية العربية كاستحقاقيـ لبلستقبلؿ‪ ،‬كاستعداده لمساعدتيـ‪ ،‬مؤكداً لو أف ليس‬
‫لمييكد حق في فمسطيف‪ .3‬لقد تحدث الحسيني باسـ العرب‪ ،‬كبذؿ جيكداً كبيرة في إقناع دكلتي المحكر‬
‫بالكقكؼ إلى جانب أماني العرب في االستقبلؿ كالكحدة ككقف المشركع الصييكني‪.‬‬
‫كأدت مراسبلت الحاج أميف الحسيني مع بعض المسئكليف اليابانييف‪ ،‬في فبراير ‪1943‬ـ إلى الحصكؿ‬
‫عمى تعيد ياباني باالعتراؼ باستقبلؿ إندكنيسيا التاـ‪ ،‬كتسميح بعض اإلندكنيسييف كتدريبيـ لمكقكؼ إلى‬
‫ِ‬
‫المستعمرة بعد الحرب العالمية‪ ،‬كانتيى‬ ‫جانبيا في الحرب العالمية‪ ،‬األمر أعاف ثكار إندكنيسيا ضد الدكلة‬
‫باستقبلليا‪.4‬‬
‫كما استجابت بعض الدكؿ األكربية التي دارت في فمؾ ألمانيا‪ ،‬كألمانيا كتركيا خبلؿ الحرب العالمية‬
‫الثانية إلى مطالبات الحاج أميف الحسيني في عاـ ‪1944‬ـ بمنع اليجرة الييكدية إلى فمسطيف‪ ،‬األمر‬
‫الذؼ أغضب الييكد فعمدكا إلى تمفيق جرائـ اإلبادة بحق المفتي‪.5‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬رئاسة الييئة العربية العميا‬
‫في حزيراف سنة ‪ُ 1946‬دعي مجمس جامعة الدكؿ العربية لبلجتماع في بمكداف بسكرية لبحث القضية‬
‫الفمسطينية‪ ،‬ككاف أماـ المجمس اقتراح بتشكيل لجنة مكحدة تمثل شعب فمسطيف كتنطق باسمو‪ ،‬كحضر‬

‫‪1‬‬
‫عماد شقكر كخيرية قاسمية‪ ،‬مقابمتاف مع الحاج أميف الحسيني‪ ،‬بيركت‪ :‬مجمة شئكف فمسطينية‪ ،‬العدد ‪ ،36‬أغسطس‬
‫‪1974‬ـ‪ ،‬ص‪18‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرحمف عبد الغني‪ ،‬سياسة ألمانيا النازية تجاه قضية فمسطيف كما تعكسيا مراسبلت الحاج أميف الحسيني‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫مجمة الدراسات الفمسطينية‪ ،‬المجمد ‪ ،4‬العدد ‪ ،14‬ربيع ‪1993‬ـ‪ ،‬ص‪24 ،19‬‬
‫‪3‬‬
‫دركزة‪ ،‬مذكرات دمحم عزة دركزة‪ ،‬مج‪ ،4‬ص ‪ ،94-93‬كانظر فيو لقاءات كمراسبلت لممفتي مع كزير خارجية ألمانيا‬
‫كىتمر‪ ،‬مج‪ ،4‬ص ‪.252-245 ،9-192 ،179 ،124 ،114 ،113 ،97-95‬‬
‫‪ -4‬العمر‪ ،‬مذكرات الحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬ص ‪.181-180‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.197-189‬‬
‫‪92‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫االجتماع‪ ،‬رئيس دائرة المخابرات العسكرية اإلنجميزية في الشرؽ األكسط الجنراؿ كبليتكف الذؼ حاكؿ‬
‫باتصاالتو ببعض رجاؿ الدكؿ العربية‪ ،‬العمل عمى تشكيل لجنة فمسطينية تمثل عرب فمسطيف كتعترؼ‬
‫بيا الدكؿ العربية‪.1‬‬
‫قرر مجمس الجامعة تشكيل لجنة تتألف مف رؤساء األحزاب الفمسطينية كممثمييا كمف المستقميف كمنيـ‬
‫ّ‬
‫عكني عبد اليادؼ كأحمد حممي عبد الباقي كحسيف فخرؼ الخالدؼ كراغب النشاشيبي كيعقكب الغصيف‬
‫كعبد المطيف صبلح كسميماف طكقاف كاميل الغكرؼ كبرئاسة جماؿ الحسيني مؤقتاً كأضيف إلييا بعد‬
‫بضعة أشير مف تأليفيا كل مف معيف الماضي كعزت دركزة كرفيق التميمي كالشيخ حسف أبك السعكد‬
‫كاسحق دركيش‪.2‬‬
‫كانت قد تشكمت في فمسطيف لجنة عربية عميا بدالً مف التي حّمتيا الحككمة البريطانية‪ ،‬كاف ذلؾ في‬
‫‪ 1945/11/22‬برئاسة جماؿ الحسيني كتضـ ‪ 12‬عضكاً‪ ،‬كقد اعترؼ بيا المندكب السامي البريطاني‪.3‬‬
‫كقد انشقت مجمكعة منيا في ‪ 1946/6/2‬تحت اسـ الجبية العربية العميا‪ ،‬كضمت ممثميف عف أحزاب‬
‫االستقبلؿ كالدفاع الكطني كالكتمة الكطنية كاإلصبلح كمؤتمر الشباب كعصبة التحرير الكطني‪ ،‬كذلؾ‬
‫رغبة منيـ في التخمص مف ىيمنة الحسينييف‪ ،4‬كقد أنيى مجمس الجامعة العربية المنعقد في بمكداف في‬
‫الفرقة بإنشاء الييئة العربية العميا تكحيداً لصفكؼ الحركة الكطنية في فمسطيف‬
‫حزيراف ‪1946‬ـ‪ ،‬ىذه ُ‬
‫كتككف برئاسة الحاج أميف الحسيني (الذؼ حضر المؤتمر)‪ ،‬كينكب عنو جماؿ الحسيني‪.5‬‬
‫قامت الييئة العربية العميا بمياـ جميمة بقيادة الحاج أميف‪ :‬فمف اتصاالت بالزعماء في العالميف العربي‬
‫كاإلسبلمي‪ ،‬كجكالت لصالح التعريف بالقضية الفمسطينية‪ ،‬إلى الميداف الفمسطيني حيث تألفت في القاىرة‬
‫كالقدس لجاف متفرغة متخصصة‪ ،‬بعضيا في السياسة‪ ،‬كبعضيا في الدعاية‪ ،‬كالمقاطعة‪ ،‬كالحفاظ عمى‬
‫األراضي‪ ،‬كتنظيـ الشباب‪ ،‬كبعضيا ما اىتـ باإلصبلح بيف أبناء الشعب‪ ،‬ثـ تأسست ليا مكاتب في لندف‬
‫كاألمـ المتحدة ككراتشي‪ .‬كما أسس الحاج أميف مكتباً لرئيس الييئة في القاىرة‪ ،‬كافتتح مكتباً ليا في‬
‫القدس كمكاتب فرعية في دمشق كبيركت كبغداد‪.6‬‬

‫‪ -1‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.255‬‬


‫‪ -2‬األحمد‪ ،‬فمسطيف تاريخاً كنضاالً‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.303-302‬‬ ‫‪ -3‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -4‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.551‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.74‬‬
‫‪ -6‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪93‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كجو الحاج أميف‬


‫كمع قدكـ المجنة الدكلية (لجنة أنسككب) إلى بيركت لبللتقاء بالحككمات العربية‪ّ ،‬‬
‫الحسيني رسالة في ‪ 1947/7/17‬باسـ الييئة العربية العميا إلى كزراء الخارجية العرب‪ ،‬أكضح فيو الحق‬
‫العربي في فمسطيف‪ ،‬ككشف زيف االدعاءات الصييكنية كأطماعيا التكسعية‪ ،‬كدعا إلى عدـ إبداء الميف‬
‫كالتساىل في مكاجيتيا‪ ،‬مطالِباً بدكلة عربية في فمسطيف تمنع اليجرة الييكدية‪.1‬‬
‫كما عمل المفتي كالييئة العربية العميا عمى تييئة الشعب الفمسطيني لمكفاح المسمح فألف لجنة مف قادة‬
‫المجاىديف الفمسطينييف كبعض الضباط السكرييف كالعراقييف كالمصرييف‪ ،‬كبدأ في جمع السبلح‪ ،‬كيرافقو‬
‫عبد القادر الحسيني قائد جيش الجياد المقدس‪ ،‬كذلؾ إعداداً لمرد عمى قرار التقسيـ الذؼ أسفرت عنو‬
‫المجنة األنجمك‪ -‬أمريكية كالذؼ ظير كاقعاً في ‪1947/11/29‬ـ‪.2‬‬
‫بعد أياـ مف صدكر قرار التقسيـ أُعمف االضراب في فمسطيف كاشتعمت الثكرة ككانت المعركة بيف العرب‬
‫كالييكد‪ ،‬كأقاـ المفتي ىيئة مالية لممجاىديف ىي‪ " :‬بيت الماؿ العربي"‪ ،‬كأككمت إلى عزت طنكس‪ ،3‬كجعل‬
‫يشرؼ عمى إدارة الثكرة مف القاىرة‪ ،‬مع تعاكف مع "المجنة العسكرية" التي ألفتيا الجامعة العربية في‬
‫دمشق‪.4‬‬
‫رأت الييئة العربية العميا أف شعب فمسطيف أعرؼ بمكاطئ أقدامو كتضاريس أرضو‪ ،‬فبل بد مف تسميحو‬
‫كامداده بالقكة البلزمة‪ ،‬كلتبقى الجيكش العربية مرابطة عمى حدكد فمسطيف إلرىاب الييكد‪.5‬‬
‫ألف المفتي جيش الجياد المقدس بقيادة القائد عبد القادر الحسيني‪ ،‬الذؼ لـ تمده المجنة العسكرية‬
‫بالسبلح الذؼ طمبو كماطمكه حتى دخمت الجيكش العربية فمسطيف‪ ،‬ككاف دخكليا بعد استشياده في‬
‫‪1948/04/08‬ـ‪ ،‬ككقعت الكارثة‪.6‬‬
‫كدعت الييئة العربية العميا الشعب الفمسطيني إلى عدـ اليجرة مف فمسطيف كأرسمت إلى لجانيا القكمية‬
‫لتقكـ بميمة تكعية الشعب كحضو عمى الثبات‪ ،‬كما أرسمت برسائل إلى حككمات الدكؿ العربية تطالبيا‬
‫بعدـ فتح أبكاب اليجرة أماـ الفمسطينييف كال يسافر إال مف ىك مضطر‪.7‬‬
‫في مواجية االحتالل الييودي‬

‫‪ -1‬العمر‪ ،‬مذكرات الحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬ص ‪.315-312‬‬


‫‪ -2‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.259-257‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.312‬‬ ‫‪ -3‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.259‬‬
‫‪ -5‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.169‬‬
‫‪ -6‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪401-399‬؛ جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.263‬‬
‫‪ -7‬مارديني‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص ‪.401-399‬‬
‫‪94‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لقد آمف الحاج أميف الحسيني بقدرة كشجاعة المقاتل الفمسطيني‪ ،‬كأدرؾ رغبة بريطانيا في إبعاد‬
‫الفمسطينييف عف المعركة في عاـ ‪ ،1948‬كلذلؾ طالب الدكؿ العربية بعدـ إدخاؿ جيكشيا إلى فمسطيف‬
‫كانما االعتماد عمى الفمسطينييف بعد تسميحيـ كتدريبيـ‪ ،1‬كدعا إلى عدـ خركج البلجئيف الفمسطينييف إلى‬
‫الببلد العربية المجاكرة بل إبقائيـ في أماكف بعيدة عف المعارؾ داخل فمسطيف‪ ،‬كطالب الدكؿ العربية بقفل‬
‫حدكدىا أماـ البلجئيف‪.2‬‬
‫كبالمقابل عمدت الييئة العربية العميا إلى تأسيس جيش الجياد المقدس كأسندت قيادتو إلى عبد القادر‬
‫الحسيني‪ ،‬كأرسمت مئات الفمسطينييف لمتدريب في سكرية‪ ،‬كجمعت السبلح ليذا الجيش‪ .‬كقد نّفذ الجيش‬
‫عمميات معتبرة في كسط كشماؿ فمسطيف‪ ،‬حققت نجاحات كبيرة ضد الييكد‪.3‬‬
‫كطالب الحاج أميف الحسيني باسـ الييئة العربية العميا‪ ،‬جامعة الدكؿ العربية في ‪ 1948/7/30‬بتجنيد‬
‫الفمسطينييف لمدفاع عف المناطق التي لـ يحتميا الييكد بعد بما يكفر فرصة لعكدة البلجئيف الفمسطينييف‬
‫مف الببلد العربية المجاكرة إلى المناطق غير المحتمة‪.4‬‬
‫كفي ‪ 1950/12/28‬أرسمت الييئة العربية العميا رسالة إلى الحككمة المصرية تحذر مف الخطر الييكدؼ‬
‫عم ى سيناء كعمى قطاع غزة كالقدس‪ ،‬كتدعك إلى تجنيد البلجئيف الفمسطينييف لدفع الخطر الييكدؼ‪،‬‬
‫ككررت الييئة دعكتيا لممسئكليف المصرييف خبلؿ السنكات التالية‪ ،‬كالى المجنة السياسية في جامعة الدكؿ‬
‫العربية‪.5‬‬
‫حكومة عموم فمسطين‬
‫عندما أعمنت بريطانيا عف نيتيا التخمي عف انتدابيا عمى فمسطيف‪ ،‬كأحالت قضيتيا عمى األمـ المتحدة‪،‬‬
‫أدركت الييئة العربية العميا بزعامة أميف الحسيني أىمية التييؤ لمحدث‪ ،‬كايجاد إطار دستكرؼ يمؤل الفراغ‬
‫الذؼ سينجـ عف انتياء االنتداب‪ ،‬ككاف ىذا االطار المتكقع ىك إقامة حككمة عربية فمسطينية‪ ،‬كىك‬
‫مشركع اقترحو أميف الحسيني عمى مجمس الجامعة العربية الذؼ ُعقد في عاليو في أكتكبر ‪1947‬ـ عمى‬
‫مستكػ رؤساء الحككمات‪ ،‬كقد حضره الحسيني‪ ،‬الذؼ لـ َّ‬
‫تكجو إليو دعكة‪ ،‬كحاكؿ إقناع المؤتمريف بإقامة‬

‫‪ -1‬العمر‪ ،‬مذكرات الحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬ص ‪.390‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.474-472 ،395-394‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.426-420‬‬
‫‪ -4‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.356‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.376-356‬‬
‫‪95‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫حككمة عربية فمسطينية‪ ،‬إال أف ممثمي العراؽ كاألردف رفضا االقتراح‪ ،1‬بدعكػ أف زعامة المفتي ستكاجو‬
‫بمعارضة كاسعة النطاؽ في العالـ‪.2‬‬
‫كرر أميف الحسيني محاكالتو إلقناع مجمس الجامعة العربية بالمكافقة عمى إنشاء حككمة فمسطينية تتكلى‬
‫اإلدارة العامة عند انتياء االنتداب‪ ،‬في ‪1947/12/8‬ـ‪ ،3‬كأكائل فبراير كابريل ‪1948‬ـ‪ ،‬ككانت مقترحاتو‬
‫اجو بالرفض في كل مرة‪ .4‬لكف المجنة السياسية لجامعة الدكؿ العربية في اجتماعيا يكـ‬ ‫تُك َ‬
‫‪1948/07/08‬ـ قررت إقامة "إدارة مدنية مؤقتة"‪ ،‬أُعمف عنيا في ‪1948/07/10‬ـ‪ ،‬كتـ تحديد طبيعتيا‬
‫كىي إدارة الشئكف المدنية العامة كالخدمات الضركرية كليس مف اختصاصيا الشئكف السياسية‬
‫كالعسكرية‪ .5‬إال أف المشركع لـ ير النكر عممياً بسبب تجدد االشتباكات بعد اليدنة األكلى المنتيية في‬
‫‪ ،1948/7/9‬أؼ قبل يكـ كاحد مف إعبلف قرار تشكيل "اإلدارة" رسمياً‪.6‬‬
‫ظل الفمسطينيكف مستبعديف عف المشاركة في صياغة الق اررات المتعمقة بمصير فمسطيف‪ ،‬إلى أف شعرت‬
‫الجامعة العربية بضركرة كجكد كياف فمسطيني يمثل فمسطيف أماـ الجمعية العمكمية لييئة األمـ كالتي‬
‫ستنعقد في باريس في ربيع ‪1949‬ـ‪ ،‬كمف تَ َّـ تناكلت بالبحث مكضكع الكياف الفمسطيني مف جديد في‬
‫اجتماعاتيا في سبتمبر ‪ ،1948‬كأعمف ممثمك األردف معارضتيـ الشديدة إلعبلف كياف فمسطيني مستقل‪،‬‬
‫فقاـ مندكبكف فمسطينيكف بالطكاؼ عمى العكاصـ العربية إلقناع حكاميا بضركرة إعبلف حككمة عربية في‬
‫فمسطيف‪ ،‬فأقرت الحككمات العربية الفكرة باستثناء األردف‪ ،‬كما لبثت أف أقرتيا المجنة السياسية في‬
‫الجامعة العربية دكف مكافقة األردف‪ ،‬كذلؾ لكجاىة الفكرة كمشركعيتيا‪ ،‬كاعتبرت أف تنفيذىا يعكد إلى‬
‫الشعب الفمسطيني كحده‪ ،‬فإف نفذىا اعترفت الحككمات العربية بيا‪ ،‬كساعدتيا مادياً كمعنكياً‪.‬‬
‫فأقدمت الييئة العربية العميا عمى إعبلف حككمة عمكـ فمسطيف برئاسة أحمد حممي عبد الباقي في‬
‫‪1948/09/23‬ـ باالتفاؽ مع المجنة السياسية كمكافقة الحككمات العربية‪ ،‬كاتخذت حككمة عمكـ فمسطيف‬
‫غزة مق اًر ليا‪.7‬‬

‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.330‬‬ ‫‪ -1‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -2‬سخنيني‪ ،‬عصاـ‪ ،‬فمسطيف الدكلة (جذكر المسألة في التاريخ الفمسطيني)‪ ،‬بيركت‪ ،‬مركز أبحاث منظمة التحرير‬
‫الفمسطينية‪1985 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.217‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد‪ ،..‬ص‪.357‬‬ ‫‪ -3‬طنكس‪ ،‬الفمسطينيكف‬
‫‪ -4‬سخنيني‪ ،‬فمسطيف الدكلة‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.219-218‬‬
‫‪ -6‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.220‬‬
‫‪ -7‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.919‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعمى ىذا األساس اجتمعت "اإلدارة المدنية المؤقتة" –السابقة‪ -‬في غزة في ‪1948/09/22‬ـ كقررت‬
‫اعتبار نفسيا حككمة لمببلد باسـ "حككمة عمكـ فمسطيف" كتقرر إنشاء مجمس كطني يضـ (‪)151‬‬
‫شخصية فمسطينية ُك ِّجيت ليـ الدعكة‪ ،‬في أقرب ما تككف إلى الصفة التمثيمية لمشعب الفمسطيني‪.1‬‬
‫كانعقد المجمس برئاسة الحاج أميف الحسيني رئيس الييئة العربية العميا‪ ،‬كاتخذ ق ارره في ‪1948/10/1‬ـ‬
‫باستقبلؿ فمسطيف كميا‪ .2‬كأقر المجمس النظاـ المؤقت لحككمة عمكـ فمسطيف مف ‪ 18‬مادة كأنيا تتألف‬
‫مف مجمس كطني كمجمس كزراء كمجمس أعمى يتألف مف رئيس المجمس الكطني رئيساً لو( كىك الحاج‬
‫أميف الحسيني)‪ ،‬كرئيس مجمس كزراء (ىك أحمد حممي عبد الباقي)‪ ،‬كرئيس المحكمة العميا أعضاء"‪.3‬‬
‫لـ تعترؼ الحككمة األردنية بحككمة عمكـ فمسطيف‪ ،‬كلذلؾ حاربت تكاجدىا في المناطق التي يسيطر‬
‫عمييا الجيش األردني كقرر الممؾ عبد هلل ضـ الضفة الغربية‪ ،4‬بينما اعترفت مصر بالحككمة كسمحت‬
‫طل‪ ،‬إذ استدعت الحككمة المصرية المفتي إلى القاىرة‬
‫ليا التكاجد في غزة في بداية األمر‪ ،‬لكف ذلؾ لـ ي ُ‬
‫ككضعتو تحت حراسة مشددة‪ ،‬كمارست التضييق عمى الحككمة الفمسطينية‪ ،‬ىي كجامعة الدكؿ العربية‬
‫قمصت مساعداتيا المالية حتى كصمت آخر ميزانية سنكية ليا لمفترة مف ‪1964/07/01‬ـ إلى‬‫التي ّ‬
‫‪1965/06/30‬ـ مبمغ ‪ 4867‬جنيو مصرؼ فقط‪ ،‬ككاف ذلؾ أعمى ميزانية منذ إنشائيا‪ ،‬مما أسيـ بشكل‬
‫كتفرؽ كاستقالة أعضائيا حتى لـ يبق سكػ رئيسيا أحمد‬
‫مباشر‪ -‬بل كمقصكد‪ -‬في تحجيـ الحككمة ُّ‬
‫حممي عبد الباقي‪ ،‬كرئيس المجمس األعمى الحاج أميف الحسيني‪ ،‬الذؼ منعتو الحككمة المصرية مف‬
‫دخكؿ غزة‪ ،5‬بعد أف انتقل مقر الحككمة مف غزة إلى القاىرة‪ ،‬فأصبحت حككمة في المنفى حتى تكقفت‬
‫نشاطاتيا فيما بعد‪.6‬‬
‫كىكذا اقتصرت أعماؿ حككمة عمكـ فمسطيف –الشكمية‪ -‬عمى النكاحي التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إصدار جكازات سفر فمسطينية‪ ،‬لمف يريد مف المقيميف في غزة‪.7‬‬
‫‪ -2‬حضكر رئيس الحككمة الجتماعات الجامعة كممثل لعرب فمسطيف‪.‬‬

‫‪ -1‬سخنيني‪ ،‬فمسطيف الدكلة‪ ،‬ص‪.221‬‬


‫‪ -2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.222-221‬‬
‫‪ -3‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.222‬‬
‫‪ -4‬األحمد‪ ،‬فمسطيف تاريخاً كنضاالً‪ ،‬ص‪.607‬‬
‫‪ -5‬سخنيني‪ ،‬فمسطيف الدكلة‪ ،‬ص‪.231‬‬
‫‪ -6‬أبك غربية‪ ،‬دمحم أحمد‪ ،‬فمسطيف بطكالت كنضاؿ‪ّ ،‬عماف‪ ،‬دار اإلبداع لمنشر كالتكزيع‪1991 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫‪ -7‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.984‬‬
‫‪97‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -3‬تقديـ بعض الخدمات الخاصة لممكاطنيف كالتكسط في التعييف لمعمل‪ ،‬كقبكؿ الطمبة الفمسطينييف في‬
‫جامعات الدكؿ العربية‪.1‬‬
‫كأغمق ممف حككمة عمكـ فمسطيف نيائياً بكفاة رئيسيا أحمد حممي عبد الباقي في ‪1963/06/29‬ـ‪.2‬‬
‫جيود الحسيني والييئة العربية العميا‬
‫قضى الحاج أميف الحسيني بقية حياتو متنقبلً بيف الببلد العربية كاإلسبلمية إلقامة مؤتمرات كزيارات‬
‫كحمبلت تكعية بالقضية الفمسطينية‪ ،3‬كتعرض لحمبلت تشيير مف الصحافة المصرية‪ ،‬خاصة عند‬
‫اإلعبلف عف مشركع ىامرشكلد الداعي إلى تكطيف البلجئيف الفمسطينييف في الببلد العربية سنة ‪1959‬ـ‪،‬‬
‫بل قبل ذلؾ فمنذ سنة ‪ 1956‬كىك يتعرض لحمبلت التشيير المصرية دكف أف يسمحكا لو بنشر ردكده‬
‫عمى اتياماتيـ‪ ،‬فاضطر لمغادرة مصر إلى دمشق كمنيا إلى بيركت حيث قاـ فييا بعدة نشاطات باسـ‬
‫الييئة العربية العميا‪ ،‬كأصدر مجمة دكرية سياسية اسميا "نشرة فمسطيف" صدر العدد األكؿ منيا في ‪14‬‬
‫‪4‬‬
‫يناير ‪.1961‬‬
‫كأعمنت الييئة في ‪ 6‬أغسطس ‪1964‬ـ مشركع "الكياف الفمسطيني الشعبي" كيتضمف ىذا المشركع مبادغ‬
‫عامة‪ ،‬يتضمنيا الميثاؽ‪ ،‬مثل تحرير فمسطيف‪ ،‬كاف الشعب الفمسطيني يقرر بعد تحرير كطنو مصيره‬
‫كمستقبمو في استفتاء عاـ‪ ،‬كيختار عندئذ "أنظمة الحكـ كالمبادغ" االقتصادية كاالجتماعية التي يراىا‬
‫مبلئمة لو"‪ ،‬كلكف الكياف الشعبي يختمف عف المنظمة (المنكؼ اإلعبلف عنيا‪ ،‬كىي منظمة التحرير‬
‫الفمسطينية بزعامة أحمد الشقيرؼ) في أنو يتككف مف "قاعدة أساسية‪ ،‬تشكل مف تنظيمات شعبية كنقابات‬
‫كاتحادات‪ ،‬كمجمس كطني منتخب" كاف ىذا الكياف "تقكده قيادة جماعية منبثقة عف انتخابات حرة"‪.5‬‬
‫كقد عارض الحاج أميف الحسيني منظمة التحرير الفمسطينية كاألسمكب الذؼ انتيجتو الدكؿ العربية في‬
‫قياميا‪ ،‬كأصدر بيذا الشأف بياناً بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة العربي الثاني في ‪ 3‬سبتمبر ‪1964‬ـ‪ ،‬كناقش‬
‫في البياف أكضاع القضية الفمسطينية‪ ،‬كاعتبر أف االعتراؼ بمنظمة التحرير الفمسطينية باألسمكب الذؼ‬
‫قامت بو‪" :‬انتياكاً لحقكؽ الشعب الفمسطيني‪ ،‬كازدراء إلرادتو كرغائبو‪ ،‬كتسييبلً لميمة تزييف إرادتو‪،‬‬
‫كتمييد السبيل لتصفية قضيتو"‪.6‬‬

‫‪ -1‬دمحم أبك غربية‪ ،‬فمسطيف بطكالت كنضاؿ‪ ،‬ص‪ ،110‬كسخيني‪ :‬فمسطيف الدكلة‪ ،‬ص‪.231‬‬
‫‪-8‬‬
‫سخنيني‪ ،‬فمسطيف الدكلة ‪ ،‬ص‪.233-231‬‬
‫‪ -3‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫‪ -4‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد كبطل فضية‪ ،‬ص‪.276‬‬
‫‪ -5‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪.922 ،3‬‬
‫‪ -6‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.922‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لكف الييئة العربية العميا كصمت مف الضعف ما ال يجعميا قادرة عمى تعزيز رأييا أك أف تؤثر في اتخاذ‬
‫القرار‪ ،‬فمـ تعبأ بيا منظمة التحرير‪ ،‬كال الدكؿ العربية‪.‬‬
‫كرغـ ىذا الضمكر الشديد ألنشطة الييئة العربية العميا‪ ،‬إال أف المفتي كاظب عمى حضكر المؤتمرات‬
‫كالميرجانات المتعمقة بالقضية الفمسطينية‪ ،‬ككاف ُيبدؼ رأيو كمما أمكف كيرد عمى االتيامات كالتزييفات‪.‬‬
‫فقد أرسل الحاج أميف الحسيني رسالة احتجاج إلى ألمانيا االتحادية عمى تقديميا السبلح كالماؿ‬
‫إلسرائيل‪ .1‬كفي زيارة لو إلى الممؾ حسيف بف طبلؿ عاـ ‪ ،1967‬أكصاه بعدـ المجكء إلى الحمكؿ‬
‫السممية‪ ،2‬ككاف تصكره لمحل الكحيد لمقضية الفمسطينية ىك "زكاؿ االحتبلؿ األجنبي عف فمسطيف بكامل‬
‫حدكدىا الطبيعية كقياـ دكلة كطنية فمسطينية مف سكاف فمسطيف المسمميف كالمسيحييف كالييكد الذيف كانكا‬
‫قبل االحتبلؿ البريطاني عاـ ‪ 1917‬كذريتيـ مف بعدىـ‪ ،‬ككل حل غير ىذا ال يككف عادالً كال يسترد‬
‫كطناً"‪.3‬‬
‫من جوالتو في العالم اإلسالمي‬
‫كانت سياستو كسياسة الييئة العربية العميا تكثيق صمة فمسطيف باألقطار العربية كاإلسبلمية كالشرقية في‬
‫آسيا كافريقية‪ ،‬كمف ذلؾ‪:‬‬
‫حضرت الييئة المؤتمر اآلسيكؼ المنعقد في دليي في يناير ‪1949‬ـ لتأييد قضية استقبلؿ إندكنيسيا‪.4‬‬
‫كترأس الحسيني مؤتمر العالـ اإلسبلمي في األعكاـ ‪ ،1967 ،1964 ،1962 ،1951‬كترأس مجمسو‬
‫التنفيذؼ في ‪ 1967 ،1965‬كمؤتمر العمماء المسمميف المنعقد في كراتشي في ‪ ،1952‬كترأس في عاـ‬
‫‪ 1955‬كفداً فمسطينياً إلى مؤتمر باندكنغ كحمل المؤتمر األسيكؼ األفريقي عمى بحث قضية فمسطيف‪.‬‬
‫كدعتو ليبيا لزيارتيا في عاـ ‪ 1956‬بمناسبة االحتفاء بمضي ‪ 100‬عاـ عمى كفاه اإلماـ دمحم السنكسي‪.‬‬
‫كفي ‪ 1959‬أكفد عدة كفكد فمسطينية إلى األمـ المتحدة كأقطار آسيكية كافريقية كأكركبية كأمريكية لشرح‬
‫قضية فمسطيف‪ .‬كفي عاـ ‪ 1961‬زار اليند كباكستاف كالمغرب كالجزائر كتكنس كليبيا لنصرة القضية‬
‫‪5‬‬
‫الفمسطينية‪ .‬كصمى آخر صبلة لو في المسجد األقصى في مارس ‪1967‬ـ‪.‬‬

‫‪ -1‬دمحم أميف الحسيني‪ ،‬مذكرة الييئة العربية العميا لفمسطيف إلى كزير خارجية ألمانيا الغربية تحتج فييا عمى صفقة األسمحة‬
‫األلمانية إلسرائيل‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪1965/2/15 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.4-1‬‬
‫‪ -2‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد‪ ،‬ص‪.290‬‬
‫‪ -3‬المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬القسـ الثاني‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.785‬‬
‫‪ -4‬العمر‪ ،‬مذكرات الحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫‪ -5‬جرار‪ ،‬الحاج أميف الحسيني رائد جياد كبطل قضية‪ ،‬ص‪.289-287‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تكفي الحاج دمحم أميف الحسيني في بيركت في الرابع مف يكنيك سنة ‪1974‬ـ‪ ،‬الرابع عشر مف جمادػ‬
‫اآلخر في سنة ‪1393‬ق‪ ،1‬عف عمر ‪ 77‬عاماً‪.2‬‬
‫الخاتمة‬
‫ليس مف السيل استقصاء سيرة حياة رجل مجاىد بمغ مف العمر السبع كالسبعيف عاماً كانت مثيرة بسبب‬
‫ما تخمميا مف قضايا جساـ‪ ،‬تجعل الباحث يقف طكيبلً عند كل جز ٍ‬
‫ئية منيا‪ ،‬كاف سيرة الحاج أميف‬
‫الحسني ىي سيرة مجاىد‪ ،‬سيرة سياسي بارع‪ ،‬سيرة شيخ كعالـ‪ ،‬سيرة كطني بارز ال يعرؼ الكمل كال‬
‫الممل‪ ،‬فقد مدحو المسيحي كالشيكعي كالييكدؼ‪ ،‬قبل أف يمدحو المسمـ‪ ،‬لـ يمدحو الجميع حباً فيو‪ ،‬بل إف‬
‫شخصيتو تستحق ذلؾ‪ ،‬كىك جدير باحتراـ كل مف عايشكه كمف سمعكا بو أك ق أركا عنو‪ .‬كقد تكصمت‬
‫الدراسة إلى نتائج‪ ،‬أىميا‪:‬‬
‫‪ -1‬كاف الحاج دمحم أميف الحسيني زعيـ فمسطيف األبرز لما يقرب مف أربعة عقكد‪ ،‬كقد تجسدت ىذه‬
‫الزعامة عبر ُّ‬
‫تقمده مناصب قيادية حصل عمييا بطريق االنتخاب‪.‬‬
‫‪َّ -2‬‬
‫كظف الحسيني مناصبو في خدمة قضيتو الكطنية كالقكمية أفضل تكظيف‪ ،‬األمر الذؼ أقنع َمف‬
‫حكلو في كل مرة أف يختاركه لمناصب أخرػ‪.‬‬
‫‪ -3‬قبل ُّ‬
‫تقمده قيادة الحركة الكطنية في عاـ ‪1936‬ـ‪ ،‬برز قائداً مدافعاً عف قضيتو كأرضو كمقدساتو‬
‫كىبة البراؽ‪ ،‬كالذكد عف المسجد األقصى كحائط البراؽ‪ ،‬كاالتصاؿ‬
‫ىبة مكسـ النبي مكسى‪ّ ،‬‬ ‫في ّ‬
‫بالعالميف العربي كاإلسبلمي بما فيو خدمة لقضيتو‪.‬‬
‫‪ -4‬منذ تكليو قيادة الحركة الكطنية عمل عمى نقل الحراؾ الكطني نقمة كاسعة مف خبلؿ الثكرة‬
‫المسمحة‪ ،‬كاالعتراؼ العربي‪ ،‬كاالتصاؿ الدكلي‪ ،‬حتى حاكؿ نسف كعد بمفكر كالحصكؿ عمى كعد‬
‫ألماني مكازؼ بدعـ أماني العرب باستقبلؿ تاـ إباف الحرب العالمية الثانية‪ ،‬كمف خبلؿ المشاركة‬
‫القكية كالبارزة في حرب عاـ ‪ ،1948‬كتأسيس حككمة عمكـ فمسطيف‪ .‬كما استكاف في الدفاع عف‬
‫قضيتو كىك يجكب العالـ اإلسبلمي كيرأس مؤتمر العالـ اإلسبلمي كيمتقي القادة كالزعماء حتى‬
‫آخر أيامو‪.‬‬
‫‪ -5‬ظيرت بكضكح شخصية أميف الحسيني القيادية كقدرتو عمى التأثير في قيادات عربية كدكلية‪،‬‬
‫كالتفاؼ زعامات شعبية عراقية كسكرية حكلو‪ ،‬كاعجاب الزعماء الرسمييف بو‪.‬‬

‫‪ -1‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.302‬‬


‫‪ -2‬العبيدؼ‪ ،‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪ -3‬مارديني‪ ،‬زىير‪ ،‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ .‬ص‪.11‬‬
‫‪100‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -6‬ركزت الدعاية الصييكنية عمى تشكيو سمعة الحاج أميف الحسيني خصكصاً مف خبلؿ إقحامو‬
‫بطريقة غير مكضكعية في جرائـ النازؼ‪ ،‬بيدؼ تشكيو الفمسطينييف كنضاليـ‪ .‬كقد الحع الباحث‬
‫أف معظـ الدراسات كالكتابات األجنبية عف الحسيني ُكتبت بأيدؼ صييكنية أك منحازة إلييـ‪ ،‬كلـ‬
‫يجد فييا الباحث منيجية عممية أك فائدة يمكف االعتماد عمييا‪ ،‬كلذلؾ يكصي الباحث بإفراد دراسة‬
‫عممية مكثقة في تفنيد مزاعـ الصييكنية ىذه‪.‬‬
‫قائمة المراجع والمصادر‬
‫عماف‪ :‬دار الجميل لمنشر‪1985 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -1‬األحمد‪ ،‬نجيب‪ ،‬فمسطيف تاريخاً كنضاالً‪ّ ،‬‬
‫‪ -2‬األرشيف الرقمي الفمسطيني‪ ،‬جامعة بيرزيت‪http://www.awraq.birzeit.edu/ar/ ‎:‬‬
‫جرار‪ ،‬حسني أدىـ‪ :‬الحاج أميف الحسيف رائد جياد كبطل قضية (أحداث القضية الفمسطينية خبلؿ ستيف عاماً)‪،‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫عماف‪ :‬دار الضياء‪1407 ،‬ق‪1987/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحسيني‪ ،‬دمحم أميف‪ :‬مذكرة الييئة العربية العميا لفمسطيف إلى كزير خارجية ألمانيا الغربية تحتج فييا عمى صفقة‬
‫األسمحة األلمانية إلسرائيل‪ ،‬بيركت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪1965/2/15 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -5‬الحسيني‪ ،‬دمحم أميف‪ :‬خطبتاف لسماحة المفتي األكبر كرئيس المجمس اإلسبلمي األعمى في مؤتمر العمماء كفي‬
‫اجتماع كفكد القرػ بشأف بيع األراضي بفمسطيف لمصييكنييف كالحث عمى األمر بالمعركؼ كالنيي عف المنكر‪،‬‬
‫القدس‪ :‬مطبعة دار األيتاـ اإلسبلمية الصناعية بالقدس‪.1934 ،‬‬
‫‪ -6‬الحنبمي‪ ،‬مجير الديف عبد الرحمف بف دمحم العميمي المقدسي‪ :‬األنس الجميل بتاريخ القدس كالخميل‪ ،‬منشكرات المطبعة‬
‫الحيدرية في النجف الشريف‪ ،‬العراؽ‪1388 ،‬ق‪1968/‬ـ‪ ،‬جزءاف‪.‬‬
‫‪ -7‬دركزة‪ ،‬دمحم عزة‪ :‬مذكرات دمحم عزة دركزة ‪1984-1887‬ـ‪ 5 ،‬مج‪ ،‬بيركت‪ :‬دار الغرب اإلسبلمي‪1993 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -8‬زعيتر‪ ،‬أكرـ‪ :‬الحركة الكطنية الفمسطينية ‪ 1939-1935‬ـ(يكميات أكرـ زعيتر)‪ ،‬بيركت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفمسطينية‪1980 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -9‬سخنيني‪ ،‬عصاـ‪ :‬فمسطيف الدكلة (جذكر المسألة في التاريخ الفمسطيني)‪ ،‬بيركت‪ :‬مركز األبحاث‪ ،‬منظمة التحرير‬
‫الفمسطينية‪1985 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -10‬الشاكيش‪ ،‬زىير‪ :‬الممحكظات عمى المكسكعة الفمسطينية‪ ،‬بيركت‪ :‬المكتب اإلسبلمي‪ ،‬ط‪1407 ،2‬ق‪1987/‬ـ‪.‬‬
‫شبيب‪ ،‬سميح‪ :‬الحاج أميف الحسيني كدكره القكمي في العراؽ ‪1941-1939‬ـ‪ ،‬بيركت‪ :‬مجمة شئكف فمسطينية‪،‬‬ ‫‪-11‬‬
‫العدد ‪ ،220-219‬يكنيك‪ -‬يكليك ‪1991‬ـ‪.‬‬
‫‪ -12‬شقكر‪ ،‬عماد‪ ،‬كقاسمية‪ ،‬خيرية‪ :‬مقابمتاف مع الحاج أميف الحسيني‪ ،‬بيركت‪ :‬مجمة شئكف فمسطينية‪ ،‬العدد ‪،36‬‬
‫أغسطس ‪1974‬ـ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ماض مجيد كمستقبل باىر‪ ،‬بيركت‪ :‬مركز األبحاث‪ ،‬منظمة التحرير الفمسطينية‪،‬‬ ‫‪ -13‬طنكس‪ ،‬عزت‪ :‬الفمسطينيكف‬
‫‪1982‬ـ‪.‬‬
‫المفصل في تاريخ القدس‪ ،‬القدس‪ :‬مكتبة األندلس‪ ،‬مطبعة العارؼ‪ ،‬ط األكلى‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -14‬العارؼ‪ ،‬عارؼ‪:‬‬
‫‪1380‬ق‪1961/‬ـ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -15‬عبد الغني‪ ،‬عبد الرحمف‪ :‬سياسة ألمانيا النازية تجاه قضية فمسطيف كما تعكسيا مراسبلت الحاج أميف الحسيني‪،‬‬
‫بيركت‪ :‬مجمة الدراسات الفمسطينية‪ ،‬المجمد ‪ ،4‬العدد ‪ ،14‬ربيع ‪1993‬ـ‪.‬‬
‫‪ -16‬العبيدؼ‪ ،‬عكني جدكع‪ :‬صفحات مف حياة الحاج أميف الحسيني‪ ،‬األردف‪ ،‬الزرقاء‪ :‬مكتبة المنار‪،‬‬
‫‪1405‬ق‪1985/‬ـ‪.‬‬
‫العمر‪ ،‬عبد الكريـ‪ :‬مذكرات الحاج دمحم أميف الحسيني‪ ،‬دمشق‪ :‬األىالي لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،1999 ،‬ص‬ ‫‪-17‬‬
‫‪.181-180‬‬
‫عماف‪ :‬دار االبداع لمنشر كالتكزيع‪1991 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -18‬أبك غربية‪ ،‬دمحم أحمد‪ :‬فمسطيف بطكالت كنضاؿ‪ّ ،‬‬
‫‪ -19‬أبك غربية‪ ،‬بيجت‪ :‬في خضـ النضاؿ العربي الفمسطيني (مذكرات المناضل بيجت أبك غربية‪1949-1916‬ـ)‪،‬‬
‫بيركت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪1993 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -20‬الغكرؼ‪ ،‬إميل‪ :‬فمسطيف عبر ستيف عاماً‪ ،‬بيركت‪ :‬دار النيار لمنشر‪1972 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -21‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪ ،‬قاعدة بيانات الكثائق الرئيسية في القضية الفمسطينية كالصراع العربي ػ اإلسرائيمي‪،‬‬
‫الرابط‪https://www.palestine-studies.org/ar/resources/documents :‬‬
‫‪ -22‬مارديني‪ ،‬زىير‪ :‬فمسطيف كالحاج أميف الحسيني‪ ،‬بيركت‪ :‬دار اقرأ‪1406 ،‬ق‪1986/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -23‬نكييض‪ ،‬عجاج‪ :‬رجاؿ مف فمسطيف (ما بيف بداية القرف حتى عاـ ‪1948‬ـ)‪ ،‬بيركت‪ :‬منشكرات فمسطيف المحتمة‪،‬‬
‫مطابع الكرمل الحديثة‪1401 ،‬ق‪1981/‬ـ‪.‬‬
‫‪ -24‬ىيئة المكسكعة الفمسطينية‪ :‬المكسكعة الفمسطينية (القسـ الثاني)‪ ،‬الدراسات الخاصة‪ ،‬بيركت‪ :‬طبعت عمى نفقة‬
‫الممؾ فيد بف عبد العزيز‪.1990 ،‬‬
‫‪ -25‬يكسف‪ ،‬أيمف‪ :‬الحاج أميف الحسيني بيف العقائدية التقميدية كالكاقعية السياسية‪ :‬دراسة حالة في النخبة السياسية‬
‫الفمسطينية‪ ،‬مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث (العمكـ اإلنسانية)‪ ،‬المجمد ٕٔ(ٕ)‪،https://bit.ly/2saa6pL ٕٓٓ٢ ،‬‬
‫‪26- Omar Khalidi, Indian Muslims and Palestinian Awqaf, 4.10.2015, ‎‎‬‬

‫‪102‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

" ‫" الزاوية السنوسية بالجغبوب ودورىا في جذب سكان الواحة الميبية وتنوعيم‬
The Senussi Zawya of the Libyan oasis, Al-Jaghoub, and its role in
attracting and diversifying the Libyan inhabitants
‫ أستاذ محاضر‬،‫يونس عمي الجوير‬
‫كمية السياحة واآلثار‬
‫ ليبيا‬،‫جامعة عمر المختار – البيضاء‬
State of libya
ًَ‫انبزٌذ انهكتزو‬
younisjawere51@gmail.com
‫ممخص الدراسة‬
‫ىدفت ىذه الدراسة إلى تسميط الضكء عمى الدكر الذؼ لعبتو الزاكية السنكسية في الجغبكب بعد إنشاءىا‬
‫ األمر الذؼ أدػ إلى تنكع سكاني يكاد يككف مميز عف‬،‫ـ في جذب السكاف إلييا‬1581 ‫حكالي سنة‬
. ‫غيره مف المناطق األخرػ التي أنشئت بيا زكايا سنكسية‬
‫ كلمحة‬،‫تبدأ الكرقة البحثية بالمبحث األكؿ كالذؼ خصصناه لدراسة المكقع الجغرافي لكاحة الجغبكب‬
‫ مف مكلده حتى‬،‫بسيطة عف السيد دمحم بف عمي السنكسي زعيـ الحركة السكسنة كمؤسس ىذه الزاكية‬
‫ بينما جاء المبحث الثاني ليتناكؿ دكر المؤسسات الدينية كالعممية كاالقتصادية التي تتبع‬،‫انتقالو لمجغبكب‬
‫ أما المبحث الثالث فقد خصص لدراسة التككيف‬.‫الزاكية في جذب الكثير مف اؿ سكاف لئلقامة بالكاحة‬
‫ ثـ تأتي الخاتمة لتبيف أىـ النتائج التي كصمت إلييا‬،‫المجتمعي لمكاحة بعد بناء الزاكية السنكسية فييا‬
. ‫الدراسة‬
‫ الزاكية – السنكسية – الجغبكب – السكاف‬: ‫الكممات المفتاحية‬
Study summary
The study aimed to shed light on the role play by the senussi Zawiyah in the
Jaghoub after its establishment around the year 1851AD in attracting the
population to it , which led to a population diversity that is almost distinguished
from other areas in which the Senusite Zawiyah were established .
The research paper begins with the first topic that we have devoted to studying
the geographical location of the Jaghbob oasis , and a simple overview of Mr.
Mohammab bin Ali- senussi , leader of the senussian movement and founder of
this angle, from his birth until he moved to Al-Jaghoub , while the second topic
came to address the role of religious , scientific and economic institutions that
follow the angle in attracting the population to stay in the oasis .AS for the third
topic , it was devoted to studying the community formation of the oasis after the

103
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪construction of the Zawiyah ,then the conclusion comes to show the most‬‬
‫‪important results of the study.‬‬
‫‪Key words:‬‬
‫‪population - Jaghoub – senussi - Zawiyah‬‬
‫المقدمة‬
‫أدػ اختي ػػار الجغب ػػكب كمكق ػػع لمزاكي ػػة السنكس ػػية األـ إل ػػى تغيي ػػر كاق ػػع الجغرافي ػػة الس ػػكانية لم ػػنخفض‬
‫الجغبكب‪ ،‬خاصة بعد أف تحكلت تمؾ البقعة مف أرض طاردة لمسكاف إلى بيئة جاذبة ‪.‬‬
‫كقػػد كقفػػت خمػػف ىػػذا األمػػر عكامػػل عػػدة منيػػا تحػػكؿ الزاكيػػة السنكسػػية إلػػى مؤسسػػة متكاممػػة (دينيػػة‬
‫كعممية كاقتصادية ك اجتماعية كسياسية ) كىك مػا مثػل عنصػر الجػذب األساسػي لمسػكاف ‪ ،‬كمػف ىنػا كػاف‬
‫الدكر العظيـ لمزاكية السنكسية‪ ،‬إذ خمقت مف العدـ تجمع سكاني تحكؿ مع الزمف إلى مدينة متكاممػة تػكفر‬
‫محل إقامة لجزء مف سكاف الدكلة الميبية إلى يكمنا ىذا ‪ ،‬كلػيس ىػذا فحسػب بػل تحػكؿ ذلػؾ التجمػع تحػكؿ‬
‫إلػػى نقطػػة كصػػل ميمػػة بػػيف جنػػكب الدكلػػة كشػػماليا‪ ،‬كسػػد حالػػة الف ػراغ السػػكاني التػػي كانػػت تمثػػل عنصػػر‬
‫فصل ما بيف تمؾ االتجاىات ‪ ،‬كلعل ىذا ما يسيـ في الكقت الحالي إلى حماية حدكد الدكلػة كأقاليميػا مػف‬
‫الناحية السياسية ‪.‬‬
‫كاف لمتنكع السكاني بالكاحػة أثػر كبيػر فػي االسػتقرار تبعػا لمنشػاط سػكاء االقتصػادؼ أك العممػي‪ ،‬كىػك‬
‫ما خمق حالة مف التجانس تطبع الجغبكب بطابع مميز‪ ،‬ربمػا يختمػف عنػو فػي بقيػة المػدف التػي فػي العػادة‬
‫ما يككف تككينيا السكاني يخضع لمعايير التكاجد القبمي ‪ ،‬أك السياسي‪ ،‬بينما جمع سكاف الجغبكب عامبلً‬
‫مشتركاً ربما ىك ما كاف عامل تجانسيـ ‪ ،‬أال كىك عامل العمـ كالديف ‪.‬‬
‫كتمكف أىميػة الد ارسػة فػي ككنيػا تتنػاكؿ مكضػكع نسػتطيع القػكؿ أنػو لػـ يسػبق د ارسػتو‪ ،‬حيػث تعػد ىػذه‬
‫الكرقة نكاة لمباحثيف لدراسة المكضكع بشكل أكسع كاشمل في دراسات عممية أكسع ‪.‬‬
‫اعتمػد البحػث عمػى العديػد مػف المصػادر كالم ارجػع كػاف مػف ابرزىػا كتػاب السنكسػي الكبيػر لمؤلفػو دمحم‬
‫الطيػػب األشػػيب ‪ ،‬ككتػػاب الحركػػة السنكسػػية ألحمػػد صػػدقي دجػػاني‪ ،‬ككتػػب عمػػي الصػػبلبي عػػف الحركػػة‬
‫السنكسية كزعماءىا ‪.‬‬
‫حاكلنا مف خبلؿ ىػذه الكرقػة العمميػة أف نسػمط الضػكء عمػى التكػكيف السػكاني لكاحػة الجغبػكب كالػدكر‬
‫المؤسسػػي لمزاكيػػة السنكسػػية فػػي جػػذب السػػكاف كتنػػكعيـ ‪ ،‬حيػػث قسػػمت الكرقػػة إلػػى ثبلثػػة مباحػػث لتبيػػاف‬
‫الفرضػػية التػػي أسػػس عمييػػا البحػػث فػػي ىػػذا المكضػػكع الجػػدير بالد ارسػػة ‪ ،‬كىػػي بعػػد المقدمػػة عمػػى النحػػك‬
‫اآلتي ‪:‬‬
‫أكالً‪ :‬تأسيس زاكية الجبغكب ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الدكر المؤسسي لمزاكية كأثره في جذب السكاف ‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التككيف المجتمعي لمكاحة ‪.‬‬


‫ثـ تأتي الخاتمة مشتممة عمى أىـ النتائج التي تكصمت إلييا الدراسة‪.‬‬
‫أوالً ‪ - :‬تأسيس زاوية الجغبوب‬
‫‪ -‬جغرافية كاحة الجغبكب ‪:‬‬
‫تقع كاحة الجغبػكب جنػكب شػرؽ ليبيػا ‪ ،‬كتحديػدا جنػكب مدينػة طبػرؽ بحػكالي مػائتيف كسػت كثمػانيف‬
‫كـ ‪ ،‬كتقع عمى الحدكد الغربيػة لكاحػة سػيكة ‪ ،‬فػي مػنخفض يمتػد إلػى الجنػكب مباشػرة مػف خػط عػرض ‪03‬‬
‫درجة ما بيف خطي ‪ 92-03‬درجة ك ‪ 92-83‬درجة شماالً ‪ ،‬كبيف حطي طكؿ ‪ 90-03‬درجػة ك‪98‬درجػة‬
‫شػرقاً ‪ ،‬كيتكػكف المػنخفض مػف مجمكعػة مػف األحػكاض الصػغيرة مػف نػكع الحطايػا ‪ ،‬كيفصػل بعضػيا عػػف‬
‫بعض تبلؿ صغيرة مقطعة تقطيعػاً عميقػاً بحيػث تظيػر بشػكل مػدرجات ‪ ،‬كتتصػل ىػذه األحػكاض ببعضػيا‬
‫الػػبعض بكاسػػطة مم ػرات كاسػػعة أك ضػػيقة ‪ ،‬كالمػػنخفض بأكممػػو محػػدد تحديػػداً طبيعي ػاً كاضػػحاً مػػف معظػػـ‬
‫الجيات (‪ ، )1‬كاسػـ الجغبػكب مفػرد كممػة جغابيػب ك تعنػي المنخفضػات التػي بيػا عيػكف مػاء أك مسػتنقعات‬
‫كىػي كاحػة تحػػيط بيػا الصػحراء مػػف جميػع الجيػػات ‪ ،‬كتقػع فػي مػػنخفض كبيػر يضػـ عػػدة ثبلثػة أحػكاض ‪،‬‬
‫كىػػي الجغبػػكب كالممفػػا كالقبقػػب ‪ ،‬ىػػذا المػػنخفض تحػػده مػػف الشػػماؿ حافػػة صػػخرية تخترقيػػا بعػػض الكديػػاف‬
‫التػػي تنحػػدر نحػػك المػػنخفض ‪ ،‬بينمػػا تحػػده مػػف الجنػػكب سمسػػمة مػػف المرتفعػػات الصػػخرية تغطييػػا الرمػػاؿ ال‬
‫يػػدؿ عمػػى كجكدىػػا إال بعػػض القػػكر الصػػغيرة التػػي كانػػت تضػػميا ‪ ،‬كالكاحػػة بػػالعمكـ ىػػي منطقػػة نخيػػل ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كتربتيا رممية تميل إلى المكف األحمر كىي شبو ممحية‬
‫ككما أف أرض الكاحة ىي عبارة عف منطقة منخفضػة تمتػد مػف بئػر الطرفػاكؼ عمػى طريػق بكسػبلمة‬
‫حتػػى كاحػػات سػػيكة باأل ارضػػي المصػرية ‪ ،‬كيقػػل مػػنخفض الجغبػػكب عػػف مسػػتكػ سػػطح البحػػر بمقػػدار تسػػع‬
‫ػر تقريبػػا كتػػدؿ الغابػػات المتحجػرة الممتػػدة إلػػى الغػػرب مػػف الكاحػػة عمػػى أف المنطقػػة كانػػت منػػذ‬
‫كعشػريف متػ اً‬
‫مبليػػيف السػػنيف ذات غابػػات كنباتػػات كبحي ػرات ‪ ،‬كمػػا تػػدؿ األحػػافير التػػي تكجػػد عمػػى المػػنخفض عمػػى أف‬
‫البحر كاف يغطيو‪ ،‬أك عمى األقل كاف بحيػرة عظمػى‪ ،‬حيػث عثػر عمػى أحػافير القكاقػع كالكائنػات كالنباتػات‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫البحرية متناثرة عمى نطاؽ كاسع‬

‫‪ -1‬عبدالعزيز طريح شرؼ ‪ ،‬جغرافية ليبيا ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬منشأة المعارؼ ‪ ،‬ط‪1971 ، 2‬ـ ‪ ،‬ص ‪ . 69 ،68‬انظر‬
‫أيضا‪ :‬الطاىر أحمد الزاكؼ ‪ ،‬معجـ البمداف الميبية ‪ ،‬طرابمس مكتبة النكر ‪ ،‬ط‪1968 ، 1‬ـ ص‪.104 ،103‬‬
‫‪ -2‬فضل شعيب مكسى ‪ ،‬الزكايا السنكسية كاثرىا عمى المجتمع في إقميـ برقة ‪1912-1843‬ـ ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬غير‬
‫منشكرة ‪ ،‬كمية التاريخ كالحضارة ‪ ،‬جامعة السيد دمحم بف عمي السنكسي اإلسبلمية ‪2019 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ -3‬المبركؾ الفيتكرؼ ك عبدربو سعيد ‪ ،‬مقترح بحثي بعنكاف المشركع الكطني لمسح كتكثيق المعالـ التاريخية ضمف‬
‫استراتيجية التنمية المكانية بكادؼ الجغبكب ‪2015.‬ـ‬
‫‪105‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كانت الجغبكب قبل إنشاء الزاكية السنكسية كاحة غير مقطكنػة ‪ ،‬ماؤىػا مػالح ككبريتػي كال يكػاد يكفػي كبيػا‬
‫مساحة صغيرة مف البساتيف ‪ ،‬كلـ تكف الجغبكب مكاناً يصػمح لحيػاة فخمػة ‪ ،‬كاف بػدت منسػابة مػف ناحيػة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ك تقطنيػا القبائػل العربيػة‬ ‫صحية ‪ ،‬عمى النقيض مف كاحػة سػيكة كانػت الجغبػكب خاليػة مػف المبلريػا‬
‫المستقمة في برقة التي قبمت الدعكة السنكسية كرحبت بمؤسسيا الػذؼ اعتمػد عمييػا مػع اإلخػكاف السنكسػييف‬
‫إلى نشر اإلسبلـ في مجاىل الصحراء األفريقية التي مازاؿ أىميا حتى ذلؾ الحيف كثنيكف(‪.)2‬‬
‫‪ -‬سيرة مؤسس الزاوية ‪-:‬‬
‫أ – أصمو ونسبو ‪:‬‬
‫ىك الشيخ دمحم بف عمي السنكسي بف العربي بف دمحم بف عبد القادر بف شييدة بف حر بف يكسػف بػف‬
‫عبد هلل بف الخطاب بف عمي بف يحي بف راشد بف أحمد المرابط بف منداس بف عبد القكؼ بف عبد الرحمف‬
‫بف يكسف بف زياد بف زيد العابد بف يكسف بف حسف بف إدريس بف سعيد بف يعقكب بف داكد بف حمزة بف‬
‫عمي بف عمراف بف إدريس بف إدريس بف عبد هلل الكامل بف الحسف المحف بف الحسف السبط بػف عمػي بػف‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أبي طالب الياشمي القرشي‬
‫كلػػد السػػيد دمحم بػػف عمػػي السنكسػػي سػػنة ‪ 1939‬ىػ ػ ( ‪1151‬ـ) صػػبيحة يػػكـ اإلثنػػيف المكافػػق الثػػاني‬
‫عشر مف ربيع األكؿ عند طمكع الفجر كلذلؾ سمي دمحما تيمناً باسـ النبي الكريـ ‪ ،‬ككانت كالدتو بضاحية (‬
‫ميثػػا ) الكاقعػػة عمػػى ضػػفة كادؼ شػػمف بمنطقػػة الكاسػػطة التابعػػة لبمػػدة ( مسػػتغانـ ) بػػالجزائر ‪ ،‬كتػػكفي كالػػده‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ .‬كيسػكت مؤرخػك السنكسػية‬ ‫بعد عاميف مف كالدتو‪ ،‬كتكلت عمتػو فاطمػة تربيتػو كتنشػئتو تنشػئة صػالحة‬
‫عف تحديد المدة التي قضاىا معيػا حتػى كفاتيػا ‪ ،‬غيػر أف الممػؾ إدريػس رحمػو هلل يقػكؿ بػأف جػده قػد بقػي‬
‫معيا حكلي عشر سنكات ‪ ،‬إذ تكفيت سنة ‪1919‬ق – ‪1121‬ـ ػ كيبدك أف السيدة فاطمػة قػد نجحػت خػبلؿ‬
‫المدة التي رعتو فييا في تربيتو كأمدتو بمعمكمػات كثيػرة تناسػب سػنو كحببػت إليػو العمػـ ‪ ،‬باإلضػافة إلػي مػا‬
‫غذتػػو بػػو مػػف عطػػف كحنػػاف ‪ ،‬حيػػث يػػذكر الممػػؾ إدريػػس أيض ػاً بػػأف جػػده كػػاف يػػذكر أشػػياء كثي ػرة تعمميػػا‬
‫كأخذىا عنيا‪ ،‬كعميو يمكف اعتبار السيدة فاطمة ىي المعمـ األكؿ لمشيخ دمحم بف عمي السنكسي (‪. )5‬‬

‫‪ -1‬اٌفاَش بزٌتشارد ‪ ،‬انسُىسٍىٌ فً بزقت ‪ ،‬تىَس ‪ ،‬صفاقس نهُشز وانتىسٌع ‪3122 ،‬و ‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪ -2‬دمحم فؤاد شكزي ‪ ،‬انسُىسٍت دٌٍ ودونت ‪ ،‬يزاجعت ٌىسف انًجزٌسً ‪ ،‬أكسفىرد ‪ ،‬يزكش انذراساث انهٍبٍت ‪3116 ،‬و ‪،‬‬
‫ص ‪. 78‬‬
‫‪ -3‬عهً دمحم انصالبً ‪ ،‬انحزكت انسُىسٍت فً أفزٌقٍا ‪ ،‬بٍزوث ‪ ،‬دار انًعزفت ‪3122 ،‬و ‪ ،‬ص ‪. 32‬‬
‫‪ -4‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬ج‪، 1‬عماف ‪ ،‬دار البيارؽ ‪ ،‬ص ‪. 22-21‬‬
‫‪ -5‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬الحركة السنكسية نشأتيا كنمكىا في القرف التاسع عشر ‪ ،‬لبناف ‪ ،‬دار لبناف ‪ ، 1967 ،‬ص‬
‫‪. 39‬‬
‫‪106‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يمكف القكؿ بأف السيدة فاطمة قد اىتمت بابف أخييا الذؼ أظيػر حبػاً عظيمػاً لتحصػيل العمػكـ‪ ،‬فأخػذ‬
‫يطمػب العمػػكـ مػف شػػيكخ مسػتغانـ كغيرىػػا مػف الػػببلد المجػاكرة مػػع تعيػد عمتػػو لػو ‪ ،‬كمػػف أشػير شػػيكخو فػػي‬
‫تمؾ المرحمة ممف أخذ عنيـ القرآف الكريـ مع القراءات السبع ابف عمو الشيخ دمحم السنكسي الػذؼ تػكاله بعػد‬
‫كفاة عمتو في الطاعكف عاـ ‪ 1932‬ق – ‪1120‬ـ ػ كعمره لـ يتجاكز السابعة كقد أتػـ عػف ابػف عمػو حفػع‬
‫القرآف الكريـ ‪.‬‬
‫كبعػػد أف أتػػـ الق ػرآف الك ػريـ كأتقنػػو شػػرع ابػػف عمػػو الشػػيخ دمحم السنكسػػي فػػي تعميمػػو العمػػكـ العربيػػة ثػػـ‬
‫الدينيػة بالتػدريج كتربيتػو عمػى العمػل بمػا تعمػـ ‪ ،‬ككػاف يػزكده بتػراجـ العممػاء كالقػادة كالفقيػاء ‪ ،‬كتػكفي ابػػف‬
‫عمو عاـ ‪1912‬ى ػ ‪1530 -‬ـ فجمػس دمحم بػف عمػي السنكسػي عنػد شػيكخ مػف مسػتغانـ كىػـ ‪ :‬محػي الػديف‬
‫ب ػػف ش ػػميبة ك دمحم ب ػػف أب ػػي زكين ػػة ‪ ،‬كعب ػػد الق ػػادر ب ػػف عم ػػكر ‪ ،‬كدمحم القن ػػدكر ك دمحم ب ػػف عب ػػد هلل ك كأحم ػػد‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الطبكلي الطرابمسي ‪ ،‬كمكث يطمب العمـ في مستغانـ سنتيف كاممتيف‬
‫في أكائل عاـ ‪1991‬ىػ ‪1531-‬ـ خرج السيد دمحم بػف عمػي السنكسػي مػف مسػتغانـ إلػى بمػدة مازكنػو‬
‫كمكث بيا سنة كاحدة ‪ ،‬كتتممذ عمى مجمكعة مف المشائخ منيـ ‪ :‬دمحم بف عمي بف أبي طالػب ‪ ،‬كأبػك راس‬
‫العسػكرؼ ‪ ،‬ك أبػك الميػل أبػك زكينػة ‪ ،‬كبعػد ذلػؾ رحػل إلػى مدينػة تممسػاف كأقػاـ بيػا مػا يقػارب العػاـ كتتممػػذ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫عمى كبار شيكخيا‬
‫ب – رحمتو حتى وصل الجغبوب ‪:‬‬
‫غادر السيد دمحم بف عمي السنكسي الجزائر كدخل تكنس كقابس كجامع الزيتكنػة كاسػتفاد مػف شػيكخيا‬
‫كاستفاد الطبلب منو ‪ ،‬كما طمب منو التدريس فمبى الطمب ‪ ،‬ثػـ كاصػل سػيره حتػى دخػل طػرابمس الغػرب ‪،‬‬
‫ككاف ذلؾ زمف حكـ يكسف باشا القرمانمي الذؼ كاف مستقبلً عف الدكلة العثمانية‪ ،‬فػأكرـ نزلػو‪ ،‬كمكػث فػي‬
‫مدينة طرابمس كضكاحييا مدة لمكعع كاإلرشاد كالتعميـ ‪ ،‬كانتفع بو العباد حيث لـ يترؾ بيا مسػجدا معركفػاً‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫إال كألقى فيو الدركس‬
‫كيمكػػف أف يسػػتدؿ مػػف ركايػػة السػػيد أحمػػد الش ػريف تحديػػد التػػاريخ الػػدقيق لمػػركر السػػيد دمحم بػػف عمػػي‬
‫السنكسػػي بط ػرابمس ‪ ،‬حيػػث ينقػػل مػػف حػػديث لجػػده مػػع أحػػد مريديػػو كىػػك عم ػراف بػػف بركػػة القػػكؿ ‪ " :‬فكػػاف‬
‫اجتماعو بو أثناء مركره عمييـ قادما مف مف المغرب إلى المشرؽ سػنة ثمانيػة كثبلثػيف بعػد المئتػيف كاأللػف‬

‫‪ -1‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬دمحم بف عمي السنكسي كمنيجو في التأسيس ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الركضة ‪ 2017 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 28‬‬
‫عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬دمحم بف عمي السنكسي كمنيجو في التأسيس ‪ ،‬ص ‪ . 29‬نقكال زيادة ‪ ،‬صفحات مغربية ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بيركت ‪ ،‬دار الطميعة ‪ ،‬ط‪1966 ، 1‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 298‬‬
‫‪ -3‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الثمار الزكية لمحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬الشارقة ‪ ،‬مكتبة الصحابة ‪2001 ، ،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 33‬‬
‫‪107‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬كتػابع السػيد ابػف السنكسػي سػيره عمػى الطريػق السػاحمي فمػر‬ ‫في بمدة زليتف قرب طػرابمس الغػرب "‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ببنغازؼ كالجبل األخضر كالصحراء العربية حتى بمغ القاىرة‬
‫بمػػغ ابػػف السنكسػػي القػػاىرة كفػػي نيتػػو اإلقامػػة فييػػا بعػػض الكقػػت لؤلخػػذ عمػػى كبػػار عممائيػػا كلمتعػػرؼ‬
‫عمػػى األزىػػر الش ػريف كالػػذؼ بقػػى قركنػػا محجػػة لطػػبلب العمػػـ مػػف المسػػمميف ‪ ،‬كلػػـ يكػػف ينػػكؼ اإلقامػػة فييػػا‬
‫طػػكيبل ألف ىدفػػو كػػاف مكػػة المكرمػػة ‪ ،‬كمػػع ذلػػؾ فقػػد اختصػػر مػػدة بقائػػو فػػي القػػاىرة كىػػذا مػػا أجمػػع عميػػو‬
‫(‪) 3‬‬
‫‪ ،‬أقاـ السيد دمحم بف عمػي السنكسػي بالحجػاز سػت‬ ‫مؤرخك السنكسية كاستعجل في مغادرتو إلى الحجاز‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬كخػبلؿ‬ ‫سنكات ‪ ،‬كتتممذ عمى يد العديد مف األسػاتذة كالشػيكخ كدرس الفقػو كأطمػع عمػى أحػكاؿ األمػة‬
‫ىذه الفتػرة الطكيمػة التػي قضػاىا السػيد دمحم بػف عمػي السنكسػي فػي رحبلتػو العمميػة لػـ تقتصػر عمكمػو التػي‬
‫تعمميػػا عمػػى العمػػكـ الدينيػػة فقػػط ‪ ،‬بػػل تعػػداىا إل ػػى د ارسػػة العديػػد مػػف العمػػكـ األخػػرػ مثػػل ‪ :‬الحس ػػاب‬
‫كاإلسػ ػػطرالب كالرياضػ ػػات كاليندسػ ػػة كالطبيعػ ػػة ‪ ،‬كأصػ ػػكؿ قكاعػ ػػد المكسػ ػػيقى كالمسػ ػػاحة كالتقػ ػػكيـ كاألنسػ ػػاب‬
‫(‪)5‬‬
‫ثػػـ عػػاد إلػػى الج ازئػر حػكالى سػػنة ‪1598‬ـ‪ ،‬كبقػػى بيػا ثػػبلث سػػنكات ثػػـ عػاد مػرة أخػػرػ إلػػى‬ ‫كالجغرافيػا‬
‫الحجاز حيث عػاش فييػا مػرة أخػرػ ثمػاف سػنكات كبقػى يتنقػل بػيف دكؿ المشػرؽ اإلسػبلمي ‪ ،‬كىنػاؾ أسػس‬
‫زاكية ( أبي قبيس ) ‪ ،‬ككجد تزكية مف أعياف مكة المكرمة كأعياف الحركة الكىابية خكفا ربما كحرصا عمػى‬
‫مكػانتيـ لمػا لمسػيد مػػف مكانػة كشػعبية بػيف أىػػل المطقػة ‪ ،‬ثػـ تكجػػو إلػى القػاىرة كبقػي فييػػا عػدة شػيكر فقػػط‬
‫نتيجة لمعارضة رجاؿ األزىر لو نظير تفكيره ‪ ،‬حيث تكجو بعدىا لمدينة الجغبكب ليسفر ذلؾ عف تأسػيس‬
‫زاكيتيا كالتي أصبحت مف أىـ مراكز المنطقة كليحقق التقارب بيف قبائل الصحراء لنشر دعكتو ‪ ،‬كاعتبرت‬
‫المنطقػػة مرك ػ از ىامػػا حيػػث تكسػػطت القبائػػل فػػي الشػػرؽ كالغػػرب ‪ ،‬كمػػف ىنػػا أمػػف لمحركػػة السنكسػػية مركػ اً‬
‫ػز‬
‫إستراتيجياً ذا نفكذ قكؼ (‪. )6‬‬

‫‪ -1‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬


‫‪ -2‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪. 59‬‬
‫‪ -3‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫‪ -4‬فاركؽ لفكاؾ ‪ ،‬الحركة السنكسية كدكرىا في مقاكمة االحتبلؿ اإليطالي بميبيا ‪ 1951 / 1911‬ـ ‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫غير منشكرة ‪ ،‬جامعة دمحم خضير ‪ ،‬بسكرة ‪ ،‬الجزائر ‪ 2014 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪5- Abdulmola s – El- horier , social and Economic transformation in the Libyan Hinterland‬‬
‫‪during the seconds half of the nineteenth century :the Role of Sayyid Ahmed Al – sharif ,‬‬
‫‪university of California ,Los Angeles , 1981: p 288 .289 .‬‬
‫‪ 6‬فاركؽ لفكاؾ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ . 10‬حكؿ أسس الدعكة السنكسية كأسمكب السيد دمحم بف عمي السنكسي في نشر‬
‫دعكتو انظر ‪ :‬رأفت غنيمي الشيح ‪ ،‬تاريخ العرب الحديث ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬عيف لمدراسات كالبحكث كاإلنسانية كاالجتماعية ‪،‬‬
‫‪1994‬ـ ‪ ،‬ص ص ‪. 341، 334‬‬
‫‪108‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫اختيار موقع الجغبوب ‪:‬‬


‫بعد أف أقاـ ابف السنكسي عاميف في العزيات عػزـ عمػى التحػكؿ إلػى الجغبػكب ‪ ،‬كلعػل ىػذا االنتقػاؿ‬
‫كػػاف بقصػػد البحػػث عػػف مكػػاف أكثػػر أمنػاً ‪ ،‬كلعػػل ىػػذا مػػا يػػدلل عمػػى خبػرة قياديػػة كبعػػد نظػػر كرجاحػػة عقػػل‬
‫كحسف تصرؼ (‪ ،)1‬كقد أراد السيد دمحم بف عمي السنكسي أف يجعل مف الجغبػكب مركػ اًز لنشػر اإلسػبلـ بػيف‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الزنكج كالكثنييف كفي األقاليـ المجاكرة ليا‬
‫عم ػػل الس ػػيد دمحم ب ػػف عم ػػى السنكس ػػي كم ػػف بع ػػده خميفت ػػو الس ػػيد دمحم المي ػػدؼ عم ػػى أف يتمي ػػز مكق ػػع الزكاي ػػا‬
‫السنكسية بصفات سياسية ‪ ،‬ك تجاريػة ‪ ،‬ك اسػتراتيجية ‪ ،‬لػذلؾ نجػده منػذ مجيئػو إلػى برقػة يحػرص عمػى‬
‫أف ال يككف مكقع الزكايا كحاصة الزاكية األـ قريباً مف السػكاحل ‪ ،‬فاختػار الجبػل األخضػر لبنػاء أكؿ زاكيػة‬
‫لو في أفريقيا ‪ ،‬ثـ تتطكر ىذا األمػر إلػى أف انتقػل بيػا إلػى العزيػات ليتكغػل بعػدىا إلػى أعمػاؽ الصػحراء‬
‫لينقل مركز زكاياه إلى الجغبكب ثـ ينقل ابنو الميدؼ المركز الرئيسي إلى الكفرة (‪.)3‬‬
‫ك ػػاف اختي ػػار الجغب ػػكب كمكقعي ػػا ب ػػيف القبائ ػػل ف ػػي الش ػػرؽ كالغ ػػرب نقط ػػة ميم ػػة ‪ ،‬في ػػي عم ػػى أبػ ػكاب‬
‫الصحراء المترامية األطػراؼ مػف نػكاحي الغػرب كالشػرؽ كبػذلؾ يضػمف المحافظػة عمػى طػرؽ التجػارة ‪ ،‬كقػد‬
‫كاف البدك في ليبيا يضطركف أحيانا لمجكء إلى دكاخل ليبيا بسبب الخػبلؼ بػيف قبيمػة كأخػرػ أك مػع الدكلػة‬
‫العثمانيػة فتكػكف كجيػة النػازحيف نحػػك الصػحراء فػي األغمػب ‪ ،‬كلػذلؾ ربمػػا فكػر ابػف السنكسػي بيػذا األمػػر‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫فمكضع الزاكية في ذلؾ المكاف البعيد ليأكؼ يعتبر مأكػ لكل النازحيف لما كجدكا فيو مف أمف كسبلـ‬
‫‪.‬‬
‫كمػػا يػػرػ بعػػض المػػؤرخيف أف اختيػػار ذلػػؾ المكقػػع قػػد يرجػػع أيضػاً إلػػى حالػػة العػػداء مػػف قبػػل عممػػاء‬
‫استانبكؿ كالقاىرة بسبب أفكار السيد ابف السنكسي كتحديد ذلؾ المكضع البعيد قد يذىب في ىػذا االتجػاه ‪،‬‬
‫حيػػث أف التكغػػل فػػي الصػػحراء قػػد يبعػػده عػػنيـ كعػػف السػػمطات العثمانيػػة ‪ ،‬كمػػا لػػـ يغفػػل اسػػتيبلء النصػػارػ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫عمى الساحل األمر الذؼ جعل مف التكغل في الصحراء خيا اًر أمثل‬
‫مف الكاضح أف الجغبكب لػـ تكػف مكانػا يصػمح لمحيػاة المريحػة الفخمػة ‪ ،‬كلكػف مكقعيػا لػو عػدة م ازيػا‬
‫سياسػػية ‪ ،‬فػػذلؾ المكقػػع كػػاف خػػارج قبضػػة األت ػراؾ كالفرنسػػييف كأيض ػاً المص ػرييف ‪ ،‬كىػػك عمػػى خػػط الحػػج‬
‫الرئيسػػي القػػادـ مػػف شػػماؿ أفريقيػػا الغربػػي عبػػر مصػػر إلػػى مكػػة المكرمػػة ‪ ،‬كىػػذا الخػػط مقطػػكع عنػػد الكاحػػة‬

‫‪ -1‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬دمحم بف عمي السنكسي كمنيجو في التأسيس ‪ ،‬ص‪. 79‬‬
‫‪ -2‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬
‫‪ 3‬لممزيد أنظر ‪ :‬رأفت غنيمي الشيخ ‪ ،‬تاريخ العرب الحديث ‪ ،‬ص ص ‪. 345 ، 342‬‬
‫‪ -4‬دمحم عمي الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪ -5‬دمحم عمي الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬ص ‪. 88‬‬
‫‪109‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بخط تجارؼ آخر مف الساحل إلى الصحراء كالسكداف ‪ ،‬باإلضافة لذلؾ فإنيا كانت أكثر الػنقط تكسػطاً فػي‬
‫برقة ‪ ،‬كالتي تشكل شبو جزيرة حتى أنو منيا ما يككف عمى مقربة مف زكاياه في طرابمس كالصحراء الغربية‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫في مصر كالسكداف‬
‫كمػػا يمك ػػف القػػكؿ بػ ػأف السػػبب ال ػػذؼ دفػػع اب ػػف السنكسػػي لبلنتق ػػاؿ لمجغبػػكب ى ػػك شػػعكره بع ػػدـ رض ػػا‬
‫الس ػػمطات العثماني ػػة ‪ ،‬كذل ػػؾ لمنج ػػاح ال ػػذؼ حققت ػػو دعكت ػػو‪ ،‬كل ػػذلؾ ربم ػػا ق ػػرر التكغ ػػل ف ػػي الص ػػحراء حي ػػث‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الجغبكب كالتي تكفر لو مكانا أكثر أمنا‬
‫كق ػػد يتض ػػح م ػػف خ ػػبلؿ د ارس ػػة اآلراء المختمف ػػة ح ػػكؿ اختي ػػار مكض ػػع الجغب ػػكب كت ػػرؾ مكض ػػع زاكيت ػػي‬
‫البيضاء كالعزيات كالمتاف كانتا تتمركزاف في مناطق خاضعة لنفكذ قبائل برقاكية قكية ‪ ،‬أف قرار السػيد ابػف‬
‫السنكسي بالتكجو نحك الجغبكب ليس عمى سبيل استبداؿ مكضع بآخر ‪ ،‬كانما ذلؾ القػرار قػد كػاف بػدكاعي‬
‫اسػػتراتيجية سياسػػية كأمنيػػة ‪ ،‬فمػػك قكبػػل ذلػػؾ االختيػػار بتكسػػط مكقػػع الجغبػػكب اإلقميمػػي كقربػػو مػػف الحػػدكد‬
‫المصػرية مػػف ناحيػػة ‪ ،‬كتكغػػل ذلػػؾ المكضػػع فػػي الجنػػكب نحػػك الصػػحراء الكبػػرػ كالقػػرب أكثػػر مػػف الحػػدكد‬
‫السكدانية مف ناحية أخرػ ‪ ،‬خاصة كأف ذلؾ القرب يدعمو تكجو الحركة السنكسية نحك أفريقيػا‪ ،‬ك جيادىػا‬
‫البلحػػق فػػي تمػػؾ األنحػػاء فػػي م ارحػػل الحقػػة مػػا ىػػك إال دليػػل عمػػى أف اختيػػار ذلػػؾ المكضػػع كػػاف تمييػػدا‬
‫لمتكغل في ذلؾ العمق‪ ،‬كلدعـ تمؾ الحركة الجيادية لتككف الجغبكب مكضعاً كسطاً في ذلؾ المثمث ( ليبيا‬
‫– مصر – السكداف الشرقي ) كىذا ربما ما يمثل رأينا في اختيار ذلؾ المكقع االستراتيجي الميـ ‪.‬‬
‫أراد ابف السنكسي تنفيذ عزمو عمى التكغل فبعث أثناء إقامتو بالعزيات مجمكعة مف األخػكاف لد ارسػة‬
‫مكضع الجغبكب ‪ ،‬كالذؼ يبدك أنو قد سمع عف جكدتو ففكر فيو تفكي اًر ممياً منذ خركجو مف الحجاز‪ ،‬حيث‬
‫يػػذكر أف الكفػػد المرسػػل كػػاف قكامػػو مػػف عش ػريف شخص ػاً ي أرسػػيـ عم ػراف بػػف بركػػة ‪ ،‬كيػػذكر أف الكفػػد عػػاد‬
‫(‪)3‬‬
‫كقػد درس ابػف السنكسػي المعمكمػات التػي كصػمتو كخػرج منيػا باختيػار‬ ‫بعينات مف المياه كالتربة كالنبات‬
‫ذلػػؾ المكقػػع كلينتقػػل بعػػدىا مػػف العزيػػات فػػي آخػػر محػػرـ ‪ 1910‬ى ػ ‪1581 -‬ـ كمػػر فػػي طريقػػو بالبطنػػاف‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫كمنيا نزؿ بالجغبكب في شير صفر مف العاـ نفسو‬
‫ثانياً ‪ :‬الدور المؤسسي لمزاوية‪ ،‬وأثره في جذب السكان ‪.‬‬

‫‪ -1‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في افريقيا ‪ ،‬ص‪. 61‬‬


‫‪ -2‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬
‫‪ -3‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬
‫‪ -4‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪ - 113-112‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 68‬‬
‫‪110‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عمػػى أف الحركػػة السنكسػػية كػػاف ليػػا دكر إصػػبلحي كامػػل فػػي المنػػاطق التػػي‬ ‫يتفػػق العديػػد مػػف المػػؤرخيف‬
‫انتشرت فييا الزكايا‪ ،‬فمـ يكف تركيزىػا فقػط عمػى الجانػب الػدعكؼ‪ ،‬كالػديني فقػط ‪ ،‬بػل حػث رؤسػاءىا عمػى‬
‫التكالي‪ ،‬كخاصػة فػي زمػف السػيد دمحم بػف عمػي السنكسػي‪ ،‬كخميفتػو السػيد دمحم الميػدؼ منتسػبي الحركػة عمػى‬
‫العمػػل‪ ،‬كنبػػذ الكسػػل ‪ ،‬كأف الزكايػػا ليسػػت لمعبػػادة ‪ ،‬كالتصػػكؼ فقػػط فيقػػكؿ " يكفػػيكـ مػػف الػػديف حسػػف النيػػة ‪،‬‬
‫كالقيػػاـ بػػالفرائض‪ ،‬كلػػيس غيػػركـ أفضػػل مػػنكـ " كأشػػار ىنػػا إلػػى مػػف تػػرؾ العمػػل‪ ،‬كظػػف أف الػػديف عبػػادة‬
‫كحسػػب‪ .‬فالػػديف الصػػحيح عمػػل ‪ ،‬كعبػػاده ‪ ،‬كذلػػؾ لمنيػػكض بػػالمجتمع فػػي كافػػة الجكانػػب العمميػػة منيػػا ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬كأدػ ذلؾ إلى نشكء مدف ‪ ،‬كقرػ سكانية في األماكف التػي بنيػت بيػا الزكايػا‬ ‫كاالقتصادية‪ ،‬كالفكرية‬
‫السنكس ػػية ‪ ،‬كالت ػػي ل ػػـ تك ػػف قب ػػل بنائي ػػا آىم ػػة بالس ػػكاف مثمم ػػا حص ػػل ف ػػي الجغب ػػكب الت ػػي حكلتي ػػا الزاكي ػػة‬
‫السنكسػية إلػى منػػارة عمميػة جػذبت قمػػكب الكثيػريف مػف طػػبلب العمػـ‪ ،‬كالمحميػيف ‪ ،‬فػزاد عػدد سػكانو‪ ،‬كعمػػر‬
‫(‪)3‬‬
‫بالسكاف عمى الرغـ مف مكقعو البعيد كسط الصحراء‬
‫دور المؤسسات العممية ‪:‬‬
‫حػػكؿ األىميػػة العمميػػة زاكيػػة الجغبػػكب يقػػكؿ الػػدكتكر أرفػػت غنيمػػي الشػػيخ ‪ " :‬يعيػػد إنشػػاء زاكيػػة الجغبػػكب‬
‫تطك اًر ىائبلً في تاريخ الحركة السنكسية كتاريخ التعميـ الػديني فػي ليبيػا ‪ ...‬كجػاء إنشػاء ىػذه الزاكيػة بمثابػة‬
‫المعيد العالي الذؼ يمتحق بو اإلخكاف السنكسييف إلعدادىـ إعداداً عالياً ‪ ،‬كتخػريج العممػاء األكفػاء مػنيـ ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كاعداد الدعاة "‬
‫أ – المعيد الديني ‪:‬‬
‫لقد تـ إنشاء ىذا المعيد العممي لينتسػب إليػو الطػبلب المتخرجػكف مػف كتاتيػب الزاكيػة ‪ ،‬كأصػبح ىػذا‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫المعيد كما أراد اإلماـ األكبر عمى غرار األزىر الشريف بمصر‪ ،‬كالقركييف بفاس ‪ ،‬كالزيتكنة بتكنس‬
‫اختػػار ابػػف السنكسػػي مػػف كبػػار عممػػاء الحركػػة لمتفػػرغ لمتػػدريس فػػي معيػػد الجغبػػكب‪ ،‬كقػػد جمػػس كبػػار‬
‫العمماء ‪ ،‬كاألعبلـ لمتدريس في ذات المعيد ‪ ،‬كما كاف كبار حفظة القرآف الكريـ يكاصػمكف تعميمػو ‪ ،‬ككػاف‬

‫‪ -1‬منيـ‪ :‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬شكيب أرسبلف ‪ ،‬رأفت الشيخ ‪ ،‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬كعبدالمكلى الحرير ‪ ،‬كعبدالسميع‬
‫أيريداف ‪.‬‬
‫‪ -2‬لكثرب استكدارد ‪ ،‬حاضر العالـ اإلسبلمي ‪ ،‬ج‪، 2‬ترجمة عجاج نكييض ‪ ،‬تعميق شكيب أرسبلف ‪ ،‬ط‪ ، 5‬لبناف ‪،‬‬
‫الدار التقدمية ‪2009 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 146‬‬
‫‪ -3‬عبدالسميع عبدالكريـ أبريداف ‪ ،‬السيد دمحم الميدؼ السنكسي كدكره في تطكير الحركة السنكسية ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬غير‬
‫منشكرة ‪ ،‬بنغازؼ ‪ ،‬جامعة بنغازؼ ‪2014 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 50‬‬
‫‪ -4‬رأفت غنيمي الشيخ ‪ ،‬تطكر التعميـ في ليبيا ‪ ،‬د‪ .‬ـ ‪ ،‬دار التنمية لمنشر كالتكزيع ‪ ،‬ط‪1972 ، 1‬ـ ‪ ،‬ص‪.103‬‬
‫‪ -5‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬مطبعة دمحم عاطف ‪ ،‬القاىرة ( د – ت ) ‪ ،‬ص ‪. 28‬‬
‫‪111‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫حفظ ػػو ش ػػرطاً أساس ػػياً لبلنتس ػػاب إلي ػػو ‪ ،‬كب ػػذلؾ أع ػػد المعي ػػد ال ػػديني ب ػػالجغبكب طبق ػػة ممت ػػازة م ػػف العمم ػػاء‪،‬‬
‫كالشعراء‪ ،‬كالقراء ‪ ،‬كالكتّاب ‪ ،‬حيث كانت المدرسة القرآنيػة بالمعيػد تخػرج سػنكياً مئػات الطػبلب ىػذا فضػبلً‬
‫عػػف التخصصػػات األخػػرػ فػػي مختمػػف العمػػكـ ‪ ،‬كالتػػي تػػدرس أنكاعيػػا جميع ػاً‪ ،‬إذ ال ينحصػػر التعمػػيـ عمػػى‬
‫حفع القرآف الكريـ فقط ‪ ،‬كبعض العمكـ الدينية‪ ،‬كالعربية كما ىك الحاؿ فػي كثيػر مػف المعاىػد آنػذاؾ ‪ ،‬بػل‬
‫(‪)1‬‬
‫‪،‬‬ ‫إف التعميـ في الجغبكب قطع شكطاً بعيداً كسار خطكات كاسعة ‪ ،‬فتناكؿ أىـ العمػكـ العقميػة ‪ ،‬كالنقميػة‬
‫حيث كاف يجمس فطاحل العمماء‪ ،‬كاألعبلـ تحت إشراؼ السيد دمحم بػف عمػي السنكسػي نفسػو ‪ ،‬الػذؼ يضػع‬
‫برامج التعميـ ‪ ،‬كيقرىا ‪ ،‬فتخرج مػف ىػذا المعيػد العػدد الكبيػر بقسػط كافػر مػف العمػكـ مػنيـ العممػاء كالكتػاب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كالمصنفكف‬
‫كػػاف ك ػػل طال ػػب يتمق ػػى العم ػػـ يج ػػب عمي ػػو أف ي ػػؤدؼ م ػػا أن ػػيط ب ػػو م ػػف عم ػػل مس ػػاء ي ػػكمي الخم ػػيس‪،‬‬
‫كاإلثنيف‪ ،‬كيستكؼ في ذلػؾ الصػغير‪ ،‬كالكبيػر‪ ،‬كالفقيػر‪ ،‬كالغنػي ‪ ،‬إذ لػيس ىنػاؾ الطبقػات المفرقػة عػادة بػيف‬
‫صفكؼ األمة ‪ ،‬أمػا اإلعاشػة ‪ ،‬فقػد كػاف لكػل فػرد مػف الطمبػة الػذيف يتمقػكف العمػـ ‪،‬كالقػرآف الكػريـ الحػق فػي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬كقد كاف مف المدرسيف الذيف قامكا بالتػدريس‬ ‫رغيف كاحد مف الخبز يكمياً تصرفو األكقاؼ السنكسية‬
‫في معيد الجغبكب تحت إشراؼ اإلماـ األكبر دمحم بف عمي السنكسي كخميفتو اإلماـ الثاني السيد الميػدؼ‪،‬‬
‫كالسػػادة األعػػبلـ ‪ :‬عم ػراف بػػف بركػػة ‪ ،‬كأحمػػد الريفػػي ‪ ،‬كفػػالح الظػػاىرؼ ‪ ،‬ك أحمػػد الت ػكاتي ‪ ،‬ك عبػػدالرحيـ‬
‫المحبكب ‪ ،‬ك دمحم بف شفيع ‪ ،‬ك أبك سيف مقرب حدكث ‪ ،‬كحسيف المكىكب ‪ ،‬ك دمحم بف صػادؽ ‪ ،‬ك أحمػد‬
‫الطػػائفي ‪ ،‬ك دمحم القسػػنطيني ‪ ،‬ك دمحم البسػػكرؼ ‪ ،‬ككػػاف ىنػػاؾ أيض ػاً مػػف يقكمػػكف بإعطػػاء الػػدركس أثنػػاء‬
‫زيػػارتيـ لمجغبػػكب‪ ،‬كمػػنيـ السػػادة األعػػبلـ ‪ :‬حسػػيف الغريػػاني ‪،‬ك دمحم السػػككرؼ ‪ ،‬ك أحمػػد يكسػػف ‪ ،‬ك عمػػر‬
‫األشيب ‪ ،‬ك عبػد هلل السػني ‪ ،‬ك أبكالقاسػـ العيسػاكؼ ‪ ،‬ك دمحم األزىػر ‪ ،‬ك حسػيف الحبلفػي ‪ ،‬أمػا فػي عيػد‬
‫دمحم الش ػريف‪ ،‬فينػػاؾ طبقػػة قػػد تخرجػػت مػػف المعيػػد ‪ ،‬كاشػػتغمت بالتػػدريس فػػي المعيػػد نفسػػو تحػػت إش ػراؼ‬
‫شقيقو الذؼ ألػزـ نفسػو القيػاـ بالتػدريس فػي معيػد الجغبػكب ‪ ،‬حيػث فػتح هلل عميػو فتكحػات خارقػة فػي العمػـ‬
‫حتػػى ص ػػار إمامػ ػاً بارع ػاً ف ػػي العم ػػكـ الدينيػػة‪ ،‬كالعربي ػػة ‪ ،‬كاألدبي ػػة ‪ ،‬فقصػػده ط ػػبلب العم ػػـ مػػف ك ػػل ح ػػدب‪،‬‬
‫كصػػكب ‪ ،‬خاصػػة كبػػار الطمبػػة مػػف اإلخػكاف السنكسػػييف ‪ ،‬فتخػػرج فيػػو عممػػاء أعػػبلـ فطاحمػػة كػػانكا يعتػػزكف‬
‫بانتس ػػابيـ إلي ػػو كأخ ػػذىـ العم ػػـ عن ػػو ‪ ،‬كىك ػػذا أمض ػػى حيات ػػو بجبلئ ػػل األعم ػػاؿ‪ ،‬فم ػػـ يت ػػرؾ الت ػػدريس بمعي ػػد‬

‫‪ -1‬كلعل ىذا التنكع في التخصصات قد مثل عامل إضافي في اعتبار الجغبكب كجية لمباحثيف عف التخصصات‬
‫المتنكعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬دمحم طو الحاجرؼ ‪ ،‬دراسات كصكر مف تاريخ الحياة األدبية في المغرب ‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ ،‬بيركت ‪، 1983 ،‬‬
‫ص ‪. 299‬‬
‫‪ -3‬ىذا ربما يدلل عمى أف اإلمكانات المادية كانت محدكدة كأغمبيا تأتي مف أمكاؿ الصدقات كالزكاة عف طريق األكقاؼ ‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الجغبكب إال في سػنة كفاتػو فػي عػاـ ‪1010‬ى ػ ‪1521 -‬ـ رحمػو هلل تعػالى ‪ ،‬كمػف الطػبلب الػذيف تخرجػكا‬
‫(‪)1‬‬
‫– أحمػػد‬ ‫مػػف المعيػػد كعمم ػكا فيػػو تحػػت إش ػراؼ السػػيد دمحم الش ػريف السػػادة اآلتيػػة أسػػماؤىـ ‪ :‬دمحم الت ػكاتي‬
‫(‪)2‬‬
‫– أحمػػد بػػف إدريػػس – دمحم الت ػكاتي – دمحم السػػني – المختػػار الغدامسػػي –‬ ‫الشػػنقيطي – أحمػػد أبكالقاسػػـ‬
‫السنكس ػػي المص ػ ػراتي – حامػ ػػد بركػ ػػات الش ػ ػريف – سػ ػػميماف الح ػػكتي – آدـ الف ازنػػػي – آدـ الع ػ ػكامي – دمحم‬
‫المحجػػكب – عبػػدالرحيـ شػػمبي – عبػػد الػػرحيـ البػػكطرؼ – عمػػي اإلمػػاـ الحسػػيف السنكسػػي – دمحم عمػػي عبػػد‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫المكلى‬
‫ب ‪ -‬المكتبة ‪:‬‬
‫ربما مثمت عظمة مكتبة زاكية الجغبكب داللة عمى عقمية ابف السنكسػي المسػتنيرة كممػا تجػدر اإلشػارة إليػو‬
‫أف المكتبة قد أنشئت حكالي منتصف القرف التاسع عشر في فترة كاف الجيل مخيماً فييا عمى أكثػر أبنػاء‬
‫العالـ اإلسبلمي ‪ ،‬كما يجب أف نبلحع أيضا قيمة كجكدىا كسط الصحراء ‪ ،‬كقد بػذؿ ابػف السنكسػي جيػداً‬
‫عظيماً في تأسيسيا كتزكيدىا بأكبر عدد ممكف مف الكتب الثمينػة ‪ ،‬فكػاف يرسػل األخػكاف المكثػكقيف لجمػب‬
‫الكتب الجديدة كقد ضمت ىذه المكتبة مف المجمدات حكالي ثمانية ألف مجمد كما كانت تضػـ قسػماً كبيػ اًر‬
‫مف المخطكطات النفيسة كلـ يتػرؾ اإلمػاـ بمػدا إال كاسػتجمب منػو الكتػب التػي كانػت فػي مختمػف المكاضػيع‬
‫منيػػا الفقػػو كالفمسػػفة كالتػػاريخ كاألدب كالتػراجـ كالجغرافيػػا كالحػػديث كالتفسػػير ‪ ،‬كقػػد أحسػػف عػػدد مػػف اإلخػكاف‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ .‬كيقكؿ‬ ‫االستفادة منيا كنمت نتيجة لكجكدىا ككجكد مدرسة الحركة الثقافية في ذلؾ المجتمع السنكسي‬
‫الحشائشي في رحمتو‪:‬‬
‫" كانػػت تمػػؾ الكتػػب المكجػػكدة بخػزائف مكتبػػة الجغبػػكب تشػػمل التفاسػػير كاالحاديػػث كأصػػكؿ الفقػػو كالتكحيػػد‬
‫كغير ذلؾ مف كتب العمكـ المعقكلة كالعمكـ الطبيعة ‪ .‬كال يطبع كتاب في العالـ بالمغة العربية إال كيبحثكف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عنو كيظفركف بو "‬

‫‪ -1‬إليو يرجع التكاتية المقيميف اآلف بالجغبكب كيمثمكف قسـ كبير مف سكاف البمدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬لو أخ أخر يدعى أبك القاسـ التكاتي مف عمماء الزاكية السنكسية كلد عاـ ‪ 1905‬كتكفي عاـ ‪ 1981‬لو عدد مف‬
‫المؤلفات العممية‪.‬‬
‫‪ -3‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬ص ‪. 47‬‬
‫‪ -4‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 116‬‬
‫‪ -5‬دمحم بف عثماف الحشائشي التكنسي ‪ ،‬جبلء الكرب عف طرابمس الغرب ( رحمة الحشائشي إلى ليبيا ‪1895‬ـ) ‪ ،‬تقديـ‬
‫كتحقيق عمى مصطفى المصراتي ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار لبناف ‪ ،‬ط‪1965 ، 1‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 152 ، 151‬أنظر أيضاً‪ :‬نقكال زيادة ‪،‬‬
‫برقة الدكلة العربية الثامنة ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار العمـ لممبلييف ‪1950 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫‪113‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ك أكصػػى شػػيخ الطريقػػة السنكسػػية اإلمػػاـ دمحم بػػف عمػػي السنكسػػي بػػأف تقسػػـ مكتبػػة الزاكيػػة إلػػى ثبلثػػة‬
‫أقس ػػاـ ‪ :‬القس ػػـ األكؿ‪ :‬أكقف ػػو لنجم ػػو الس ػػيد دمحم المي ػػدؼ السنكس ػػي‪ ،‬كالقس ػػـ الث ػػاني‪ :‬أكقف ػػو لنجم ػػو الس ػػيد دمحم‬
‫الش ػريف السنكسػػي ‪ ،‬أمػػا القسػػـ الثالػػث‪ :‬فقػػد أكقفػػو لمعامػػة لينتفػػع بػػو سػػائر منتسػػبي الحركػػة السنكسػػية مػػف‬
‫مطالعػػة كنسػػخ بشػػرط أف ال يخػػرج مػػف الزاكيػة ‪ ،‬كقػػد جعػػل النػػاظر عمييػػا فػػي ذلػػؾ نجمػػو كخميفتػػو مػػف بعػػده‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫السيد دمحم الميدؼ السنكسي‬
‫تعرضت المكتبة لمتخريب زمف االحتبلؿ حيث يذكر أحد المؤرخيف أف العساكر أخذكا يكزعكف كتبيػا‬
‫ذات اليمػػيف كذات الشػػماؿ كيرمػػكف بيػػا فػػي الريػػاح لتعمػػل فييػػا عمميػػا ‪ ،‬كيكقػػدكف بيػػا النػػار كقػػد كسػػيت‬
‫األرض بالكتػػب ككػػذلؾ األشػػجار بػػأكراؽ تمػػؾ الكتػػب المبعث ػرة كالممزقػػة ‪ ،‬كمػػا أخػػذ الجنػػكد قسػػما مػػف تمػػؾ‬
‫الكتػػب لييديػػو كتػػذكار‪ ،‬كمػػا امػػتؤلت أس ػكاؽ برقػػة مػػف تمػػؾ الكتػػب المنيكبػػة كمػػا بقػػي منيػػا جمعتػػو إيطاليػػا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫كجاءت بو إلى بنغازؼ عمى ظير أربعيف سيارة شحف لكرؼ كبيرة‬
‫ج‪ -‬الكتاب ‪:‬‬
‫يقصد بو التعميـ الديني القديـ الذؼ يجرؼ في الكتاتيب ‪ ،‬كىي غالبػاً مػا تكػكف حجػرة أك أكثػر ممحقػة‬
‫بالمسجد ‪ ،‬أما عف نظاـ الدراسة بالكتاب فكاف يقبل الطبلب صغا اًر ككبػا اًر أؼ مػف غيػر تحديػد سػف معينػة‬
‫( ‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫لمقبكؿ‬
‫يبدأ الطالب تعميمو بتمقينو المغة العربية فػيحفع حركفيػا بحركاتيػا‪ ،‬كرسػميا‪ ،‬كطريقػة كتابتيػا كىػك مػا‬
‫يعرؼ عندىـ بطرية ( الرشيمة ) كعادة ما تككف الكتابة عمى لكح صغير ‪ ،‬حيث يخصص لكل طالب لكح‬
‫خاص بو ‪ ،‬كىذا المػكح ينظػف بالمػاء أكالً ‪ ،‬ثػـ يطمػى بنػكع خػاص مػف الطػيف يسػمى ( الطينػة ) كبعػد ذلػؾ‬
‫يبػػدأ الشػػيخ بتمقػػيف طبلبػػو قصػػار السػػكر ‪ ،‬كىكػػذا يسػػتمر الشػػيكخ كالفقيػػاء فػػي تمقػػيف طبلبيػػـ حتػػى يحفظ ػكا‬

‫‪ -1‬احمد دمحم جاد هلل ‪ ،‬عبد الغني عبد هلل محمكد ‪ ،‬السيد عم ارف بف بركة الفيتكرؼ ‪ ،‬مؤسسة كبلـ لمبحكث كاإلعبلـ ‪،‬‬
‫‪2018‬ـ ‪ ،‬ص‪. 152‬‬
‫‪ -2‬الحشائشي ‪ ،‬المصدر نفسو ‪ ،‬ىامش ص ‪ - 151‬سميـ زباؿ ‪ ،‬مجمة العربي الككيتية ‪ ،‬العدد ‪ 1967 ، 107‬ـ ‪،‬‬
‫لـ تتكقف الكارثة التي حمت بمكتبة الجغبكب عند ما فعمو اإليطاليكف بيا ‪ ،‬بل تعرضت إلى ضربة قاضية بعد انقبلب‬
‫سبتمبر في ليبيا ؛ ففضبل عف تدميرىا تـ نيب زىاء (‪ )1070‬مخطكط في مختمف العمكـ تتراكح أعمارىا مف عشرات إلى‬
‫مئات السنيف منيا ما اشتراه ابف السنكسي بنفسو كمنيا ما نسخو بيده ‪ ،‬كجل المخطكطات المنيكبة إف لـ يكف كميا البد أف‬
‫تجد فييا تيميشا أك تكقيعا بخط السيد اإلماـ السنكسي كمعظميا كضع عميو ختمو ‪.‬لممزيد انظر‪ :‬يكسف عبد اليادؼ‬
‫الحبكش ‪ ،‬صكر مف تاريخ الطريقة السنكسية ‪ ،‬دار بف شتكاف ‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ -3‬مسعكد عبد هلل مسعكد ‪،‬مبلمح الحياة الفكرية كالثقافية في ليبيا أكاخر الحكـ العثماني حتى االحتبلؿ اإليطالي سنة‬
‫‪ ،1911‬بحث منشكر ‪ ،‬مجمة قسـ المغة العربية ‪ ،‬جامعة الزاكية ‪ ،‬كمية التربية ‪ -‬أبك عيسى ‪ ،‬العدد ‪. 2013 ، 15‬‬
‫‪114‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كتػػاب هلل أك أج ػزاء منػػو ‪ ،‬كقػػد انتشػػرت الكتاتيػػب فػػي سػػائر أنحػػاء ليبيػػا أثنػػاء فت ػرة الحكػػـ العثمػػاني لػػدكرىا‬
‫الكبيػػر فػػي تحفػػيع القػراف الكػريـ ‪ ،‬كأصػػكؿ الشػريعة كتعمػػيـ الػػنشء مبػػادغ القػ ارءة كالكتابػػة ‪ ،‬كمبػػادغ النحػػك‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫كعمـ العركض ‪ ،‬كقد ساعد عمى انتشارىا قمة المدارس الحديثة كقمة اإلمكانيات المادية‬
‫‪ -‬عمماء ومشائخ الزاوية ودورىم في جذب الطمبة ‪:‬‬
‫برز في الزاكية السنكسية بػالجغبكب عممػاء أجػبلء كػاف ليػـ دكر فػي أف تتحػكؿ الجغبػكب إلػى مقصػد‬
‫لط ػػالبي العم ػػـ تبعػ ػاً ألكلئ ػػؾ العمم ػػاء المتميػ ػزيف ال ػػذيف ك ػػانكا ف ػػي مرحم ػػة س ػػابقة تح ػػت إشػ ػراؼ ق ػػادة الحرك ػػة‬
‫السنكسية ‪ .‬فمثبل أشرؼ اإلماـ دمحم الميدؼ عمى السػادة األعػبلـ ‪ :‬عمػراف بػف بركػة الفيتػكرؼ – أحمػد عبػد‬
‫القػػادر الريفػػي – فػػالح الظػاىرؼ – أحمػػد أبػػك القاسػػـ التػكاتي – عبػػد الػػرحيـ بػػف أحمػػد المحجػػكب – دمحم بػػف‬
‫أحمد بف الشفيع – أبك سيف مقرب حدكث – حسف المكىكب الدرسي – دمحم بف الصادؽ الطائفي – أحمػد‬
‫الطػػائفي – دمحم بػػف مصػػطفى المػػدني – دمحم القسػػنطيني – دمحم بػػف حسػػف البسػػكرؼ – كمػػا كػػاف الكثيػػر مػػف‬
‫شػػيكخ الزكايػػا ال ازئ ػريف يقكمػػكف بإعطػػاء الػػدركس أثنػػاء زيػػارتيـ لمجغبػػكب أك إقػػامتيـ المؤقتػػة كمػػنيـ السػػادة‬
‫األعبلـ ‪:‬‬
‫حسػػف الغري ػػاني – دمحم بػػف أحم ػػد السػػككرؼ – أحم ػػد ب ػػف عمػػي أب ػػك سػػيف – عم ػػر األشػػيب – أب ػػك القاس ػػـ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫العيساكؼ – دمحم األزىرؼ – الحسيف الحبلفي‬
‫‪ ،‬كقػػد ازدىػػر معيػػد‬ ‫(‪)3‬‬
‫كػػاف الطػػبلب يتكافػػدكف عمػػى معيػػد الجغبػػكب مػػف مختمػػف أنحػػاء الشػػماؿ األفريقػي‬
‫الجغبكب طيمة أكثر مف سبعيف عاـ ‪ ،‬كلـ يغمق إال أباف االحتبلؿ اإليطالي ‪ ،‬ككاف الطبلب يعكدكف إلى‬
‫نفػػس الجيػػة التػػي جػػاءكا منيػػا لكػػي يمارس ػكا بػػدكرىـ ميػػاـ التعمػػيـ فػػي المػػدارس المحميػػة ‪ ،‬كبعػػض أكلئػػؾ‬
‫الطبلب أصبحكا مػف إخػكاف الطريقػة السنكسػية كدعػاة مخمصػيف ‪ ،‬فكػانكا بمثابػة الدعامػة األساسػية لمحركػة‬
‫السنكسػػية (‪ . )4‬كمػػا كانػػت زاكيػػة الجغبػػكب كغيرىػػا مػػف الزكايػػا السنكسػػية مركػ از اجتماعيػاً كثقافيػاً طالمػػا لجػػأ‬
‫إلييا الفقراء المعكزيف فقدمت ليـ المعكنات كالمساعدات اإلنسانية ‪ ،‬فرجاؿ الحركة السنكسية مخمصيف ليػا‬

‫‪ -1‬مسعكد عبد هلل مسعكد ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 16 ،15‬‬


‫‪ -2‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬ص ص ‪. 61 ،57‬‬
‫‪ -3‬منيـ مف كفد مف تكنس كمف الجزائر كالمغرب كليؤالء اسر باقية إلى اليكـ تمثل قسـ مف سكاف الجغبكب ‪.‬‬
‫‪ -4‬إيريؾ دؼ كمندكؿ ‪ ، ،‬الممؾ إدريس عاىل ليبيا حياتو كعصره ‪ ،‬ترجمة دمحم حسيف القزيرؼ ‪ ، ،‬بنغازؼ ‪ ،‬دار الساقية ‪،‬‬
‫‪2013‬ـ ‪ ،‬ص‪. 24‬‬
‫‪115‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ .‬كبذلؾ يككنكا قد ساىمكا فػي اجتػذاب العديػد مػف ىػؤالء إلػى االسػتقرار‬ ‫كمتمسكيف باألخبلؽ اإلسبلمية‬
‫في الكاحة كمع الزمف شكمكا جزء مف سكانيا ‪.‬‬
‫‪ -‬دور المؤسسات االقتصادية ‪:‬‬
‫مثمما مثل العنصر الديني كالعممي عامل ميما في جذب السكاف إلى كاحة الجغبكب ‪ ،‬كاف البد مف‬
‫تػكافر شػػركط اإلقامػػة فػػي ذات المكػػاف ‪ ،‬كىنػػا سػػعى السنكسػػيكف إلػػى ربػػط النػػاس مػػف ناحيػػة أخػػرػ بالمكػػاف‬
‫عف طريق تكفير سبل العيش ‪ ،‬خاصة كأف االقتصاد يمثل عنص اًر ميماً في التككيف المكاني كربط السكاف‬
‫بو‪ ،‬فكانت بعض األنشطة االقتصادية تذىب في ىذا االتجاه ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬مزارع الوقف ‪:‬‬
‫كانت أرض الزاكية مكقكفة عمييا فبل تباع كال تشترػ كتبقى مربكطة بالزاكية ‪ ،‬كيتـ كقفيا عادة بعد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫امتبلكيا الذؼ يككف بطرؽ مختمفة منيا اليبة كالتبرع كالشراء‬
‫كيرجع الدجاني إلى كثيقة يستدؿ منيا عمػى كيفيػة تحكيػل األ ارضػي المحيطػة بالزكايػا بصػفة عامػة ‪،‬‬
‫كىذه الكثيقة ىي عبارة عف رسالة بعث بيا أحػد أخػكاف السنكسػية ذكػر فييػا‪ " :‬نخبػركـ أنػو فػي محػل ببرقػة‬
‫يقػاؿ لػو إجدابيػة قصػػر بػف معمكمػات ‪ ،‬كالعػػرب الػذيف بجػكار تمػػؾ المنطقػة ىػـ المغاربػػة كالزكيػة راغبػيف فػػي‬
‫األستاذ أف ينشئ ليـ زاكية ىناؾ ‪ ،‬ككتبكا حجج في إعطاء تمؾ األراضي كميدكا إلى كػل المشػائخ كأرسػمكا‬
‫لي ػػـ كاح ػػداً مخصكصػ ػاً إل ػػى حضػ ػرة جناب ػػو رض ػػي هلل عن ػػو ( اب ػػف السنكس ػػي ) كالقص ػػد م ػػف كتاب ػػة الحج ػػج‬
‫استصدار مف قائمقػاـ الكقػف حتػى ال يتعػدػ عمػى األرض كتػاريخ الرسػالة ‪ 18‬محػرـ ‪1911‬ق ‪1582 -‬ـ‬
‫أؼ قبل كفاة ابف السنكسي بشير‪ ،‬كاألرض أعطيت لمزاكية ىبة كتبرعػاً مػف مشػائخ القبيمػة ‪ ،‬ثػـ صػدر فييػا‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مرسكـ بتحكيميا إلى كقف "‬
‫كانت مساحة األراضي كبيرة نسبياً كتصل أحياناً إلى ‪ 833‬ىكتار ‪ ،‬بعضيا مزركع كالبعض اآلخر‬
‫يتػػرؾ لمرعػػي ‪ ،‬كمػػا يػػذكر أف مجمػػكع أ ارضػػي الزكايػػا فػػي سػػائر برقػػة بمػػغ نصػػف مميػػكف ىكتػػار يقػػكـ بز ارعػػة‬
‫األرض سكاف الزاكية تحت إشراؼ شيخيا ‪ ،‬كيساعدىـ في الزرع كالحصاد رجاؿ القبيمة‪.‬‬
‫ربمػػا مثمػػت زاكيػػة الجغبػػكب بعػػض االسػػتثناء مػػف حيػػث األ ارضػػي ‪ ،‬خاصػػة كأف المنطقػػة لػػـ تكػػف مسػػتكطناً‬
‫سػػكانياً كأف الم ػزارع كاأل ارضػػي التػػي خصص ػت كانػػت مباش ػرة مػػف قبػػل السػػيد دمحم بػػف عمػػي السنكسػػي فقػػد‬
‫أنشػئت تمػػؾ المػزارع تبعػػا إلنشػػاء الزاكيػػة ‪ ،‬كلعػػل العامػػل المشػػترؾ مػػع بقيػػة الزكايػػا ىػػك فػػي كيفيػػة إدارة تمػػؾ‬

‫‪1- Edward –e-evans prtchard , the sanusi of Cyrenaica , London ,clavendonpress ,1949‬‬
‫‪,p79‬‬
‫‪ -2‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 240‬‬
‫‪ -3‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 241‬‬
‫‪116‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المػ ػزارع كالبس ػػاتيف كالعبلق ػػة ب ػػيف المس ػػتفيديف كمنتفع ػػيف كب ػػيف إدارة أم ػػبلؾ الكق ػػف ‪ ،‬ككان ػػت مػ ػزارع زاكي ػػة‬
‫الجغبػػكب تمثػػل أىميػػة اقتصػػادية كبػػرػ لمسػػكاف باعتبػػار المنطقػػة تفتقػػر إلػػى النشػػاطات االقتصػػادية كلعػػل‬
‫طبيعة األرض قد ساعدت في استزراع التمكر كالتي كانت تمثل عصب النشاط االقتصادؼ لمكاحات بصفة‬
‫عامػػة ‪ ،‬كالسػػتيبلؾ السػػكاف الغػػذائي بصػػفة خاصػػة كلعػػل اتسػػاع تمػػؾ األرض حػػكؿ زاكيػػة الجغبػػكب يػػدلل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عمى أىمية ذلؾ النشاط الذؼ قد يككف قد مثل عنصر استقرار ميـ‬
‫كلكصػػف تمػػؾ الم ػزارع بزاكيػػة الجغبػػكب يشػػار إلػػى أنيػػا عبػػارة عػػف بسػػاتيف حيػػث أكقفػػت مسػػاحة مػػف‬
‫األرض تقع في الشماؿ الشرقي لمزاكية حفرت بيػا آبػار لمميػاه ‪ ،‬كجمػب إلييػا فسػائل النخيػل مػف كاحػة سػيكة‬
‫كجالك كمػف الحطايػا المجػاكرة بػأنكاع مختمفػة ‪ ،‬كمػا كػاف يػزرع بتمػؾ البسػاتيف أنػكاع متعػددة مػف الخضػركات‬
‫(‪)2‬‬
‫لبلستيبلؾ المحمي‪ ،‬ككاف اإلنتاج يقسـ بعممية دقيقة كمنظمة بيف العامميف كالطمبة كالمجاكريف لمزاكية‬
‫ب – التجارة ‪:‬‬
‫كاف لمكقع الجغبكب االستراتيجي كالذؼ يمثل حمقة الكصل لممربع سػيكة ‪ /‬الكفػرة ‪ /‬طبػرؽ ‪ /‬كاحػات‬
‫اكجمة جالك – عنصر ميـ ‪ ،‬فالقكافل المتجية بيف ىذه النقاط ال بد أف تمػر بنقطػة الكصػل (الجغبػكب ) ‪،‬‬
‫كما ال يغفل أف غذاء سائر برقة كاف يعتمد عمى القكافل التي تجمب التمكر مف سيكة كدنقمة بالسكداف في‬
‫مقابل حمل المنتكجات البرقاكية مف (عسل ) كصكؼ كمكاشي ‪.‬‬
‫كبمػػا أف معظػػـ الزكايػػا السنكسػػية قػػد بنيػػت عمػػى أىػػـ محطػػات طػػرؽ القكافػػل التجاريػػة‪ ،‬كأيض ػاً قكافػػل‬
‫الحجػػيج الممتػػدة مػػف دكؿ المغػػرب ‪ ،‬كدكؿ السػػكداف الغربػػي باتجػػاه مصػػر شػرقا سػػرعاف مػػا تحكلػػت نتيجػػة‬
‫ليذا النشاط االقتصادؼ كاالجتماعي إلى ممجأ ىاـ ال نظير لو في الصحراء ال سػيما لمتجػار كالمسػافريف ‪،‬‬
‫كمع مركر الكقت صارت تتحكؿ تدريجياً إلى مركز تجارؼ تقاـ عمى أراضييا المستكدعات لحفػع المػؤف ‪،‬‬
‫كالخانات إلقامة كراحة مرافقي القكافل ‪ ،‬كأيضاً اإلسطببلت إليكاء اإلبل كالخيػكؿ الخاصػة بيػا ‪ ،‬كأصػبحت‬
‫الزكايا تتمقى مكارد مالية لقاء تمؾ الخدمة ‪ ،‬التي تقدمو لتمؾ القكافل ‪ ،‬ىذا فضبلً عف األماف الذؼ تمتع بو‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أصحاب القكافل مف المسافريف كالتجار خبلؿ فترة تكاجدىـ في الزاكية‬
‫ثالثاً‪ :‬التكوين المجتمعي لمواحة‪.‬‬
‫أ‪ -‬األسرة السنوسية ‪:‬‬

‫‪ -1‬مزارع الكقف لزاكية الجغبكب حاليا مممككة انتفاعا مف كرثة المنتفعيف األكائل ‪.‬‬
‫‪ -2‬يكسف عبد اليادؼ الحبكش ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬
‫‪ - 3‬السنكسي يكنس عمي العسكرؼ ‪" ،‬المكارد االقتصادية كالنظـ اإلدارية لمزكايا السنكسية" ‪ ،‬مجمة كمية التربية ‪ ،‬العدد‬
‫الثاني كالعشركف ‪ ،‬المرج ‪ ،‬جامعة بنغازؼ فرع المرج ‪ ، ،‬يكنيك ‪ ، 2017‬ص ‪.7‬‬
‫‪117‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أصػل التسػمية ‪ :‬كممػة أسػنكس مشػتقة مػف اسػـ جبػل أسػنكس الػذؼ يبعػد عػف بمػدة تممسػاف بػالجزائر الحاليػة‬
‫مسػػافة يػػكـ تقريبػاً ‪ ،‬ككػػاف يسػػكف بيػػذا الجبػػل فخػػذ مػػف قبيمػػة بربريػػة يقػػاؿ ليػػا ( ككميػػة )‪ ،‬كأطمػػق عمػػى ىػػذا‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الفخذ الساكف بالجبل اسـ أسنكس‬
‫كصاحب الدعكة السنكسية ىك السيد دمحم بف عمػي السنكسػي الخطػابي الحسػني اإلدريسػي ‪ ،‬ينحػدر مػف‬
‫أسرة عريقة ‪ ،‬فيك مف سبللة ممػكؾ األدارسػة الػذيف أسسػكا الدكلػة اإلدريسػية فتمكنػكا بفضػل ىػذا الفػتح مػف‬
‫انتشار اإلسبلـ كتكطيد أركانو في الغرب ‪ ،‬كالمعػركؼ أف أكؿ خمفػاء األدارسػة ىػك إدريػس األكبػر بػف عبػد‬
‫ هلل بػػف الكامػػل بػػف السػػيد الحسػػف المثنػػى بػػف اإلمػػاـ الحسػػف السػػبط بػػف اإلمػػاـ عمػػي بػػف أبػػي طالػػب ‪ ،‬فكػػاف‬
‫نس ػب صػػاحب الػػدعكة السنكسػػية يتصػػل بأحػػد الخمفػػاء الػػذيف تكل ػكا الخبلفػػة اإلسػػبلمية الكبػػرػ كىػػك السػػيد‬
‫الحسف السبط ‪ ،‬كـ أنو مف أحفاد عمػي بػف أبػي طالػب أميػر المػؤمنيف كأحػد الخمفػاء ال ارشػديف كزكج فاطمػة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الزىراء بنت رسكؿ هلل ملسو هيلع هللا ىلص‬
‫أكالد السيد دمحم بف عمي السنكسي ‪:‬‬
‫أكؿ أكالده ىػك السػػيد دمحم الميػػدؼ ‪ ،‬كلػػد بالجبػػل األخضػػر فػػي ليبيػا فػػي مكػػاف يقػػاؿ لػػو ( ماسػػو ) يقػػع‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬كك ػػاف الس ػػيد دمحم ب ػػف عم ػػي‬ ‫بجان ػػب زاكي ػػة البيض ػػاء ف ػػي ش ػػير ذؼ القع ػػدة ع ػػاـ ‪1913‬ى ػ ػ ‪1500 -‬ـ‬
‫السنكسػػي حريص ػاً عمػػى أف يػػزكج ابنػػو السػػيد الميػػدؼ عمػػى الػػرغـ مػػف صػػغر سػػنو حيػػث كػػاف ال يتجػػاكز‬
‫السادسة عشر سنة ‪ ،‬كقد كقع اختيار السيد دمحم بف عمي السنكسػي عمػى ابنػة رفيقػو السػيد عمػراف بػف بركػة‬
‫حيث تزكج السيد الميدؼ السيدة فاطمة (‪.)4‬‬
‫مػػف أكالد السػػيد الميػػدؼ دمحم إدريػػس الميػػدؼ كىػػك ابػػف خميفػػة السنكسػػييف األكؿ السػػيد الميػػدؼ كحفيػػد‬
‫مؤس ػػس السنكس ػػية الس ػػيد دمحم ب ػػف عم ػػي السنكس ػػي الكبي ػػر ‪ ،‬كل ػػد بزاكي ػػة الجغب ػػكب ف ػػي العشػػريف م ػػف رج ػػب‬
‫‪1035‬ىػ ‪1523 -‬ـ كنشأ في رعاية أبكيو كتكفيت كالدتو كىػك طفػبلً ‪ ،‬حيػث احتضػنتو جدتػو لكالدتػو كعنػى‬
‫كالػػده بتنشػػئتو تنشػػئة صػػالحة طيبػػة ‪ ،‬فبػػدأ يحفػػع القػراف الكػريـ كىػػك فػػي سػػف السػػابعة عمػػى كالػػده السػػيد دمحم‬
‫الميدؼ ‪ ،‬ككاف ىذا في الكفرة ؛ ألف السيد دمحم الميدؼ قد نقل مكػاف إقامتػو مػف الجغبػكب إلػى ىػذه الكاحػة‬
‫ػرف الكػريـ عػف‬
‫البعيدة بعد مكلد ابنو بأربع سنكات تقريبػاً عػاـ ‪ 1520‬ـ ‪ ،‬كظػل السػيد دمحم إدريػس يحفػع الق آ‬
‫أبيو‪ ،‬كبعدىا أكفده لتمقي العمـ عمى يد شيخ عرؼ بالصبلح كالتقكػ مع أخيو دمحم الرضػا كأبنػاء عمػو أبنػاء‬

‫‪ -1‬عبدالمالؾ بف عبدالقادر بف عمي ‪ ،‬الفكائد الجمية في تاريخ العائمة السنكسية ‪ ،‬ج‪ ، 1‬دمشق ‪ ،‬مطبعة الجزائر ‪،‬‬
‫‪1966‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫‪ -2‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬
‫‪ -3‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬سيرة الزعيـ دمحم الميدؼ السنكسي ‪ ،‬دار الركضة ‪ 2012 ،‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫‪ -4‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 239‬‬
‫‪118‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫السيد دمحم الشػريف ‪ ،‬ثػـ حػدث أف تػكفي السػيد دمحم الميػدؼ فػي أكؿ يكنيػك سػنة ‪1239‬ـ ‪ ،‬فكفمػو ابػف عمػو‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ .‬كمػف أبنػاء السػيد‬ ‫السيد أحمد الشػريف ؛ كألف السػيد أحمػد الشػريف كػاف كبيػر األسػرة فػي ذلػؾ الكقػت‬
‫دمحم بػػف عمػػي السنكسػػي السػػيد دمحم الشػريف الػػذؼ كلػػد يػػكـ الجمعػػة فػػي السػػادس كالعشػريف مػػف رمضػػاف سػػنة‬
‫‪1919‬ىػ‪1501 -‬ـ في مدينة درنة ‪ ،‬كىك أحػد رمػكز الحركػة السنكسػية فػي ليبيػا ككػاف لػو دكر قيػادؼ فػي‬
‫فتػرة تػػكلي شػػقيقو السػػيد الميػػدؼ زعامػػة الحركػػة ‪ ،‬كيعػػد ابنػػو أحمػػد الشػريف السنكسػػي مػػف القػػادة التػػاريخييف‬
‫لحرك ػة التحػػرر فػػي ليبيػػا أثنػػاء االحػػتبلؿ اإليطػػالي ‪ .‬كلػػد السػػيد أحمػػد الش ػريف فػػي كاحػػة الجغبػػكب عػػاـ‬
‫‪1510‬ـ كىك ابف العبلمة السيد دمحم الشريف بف دمحم بف عمي السنكسي ‪ ،‬كعمو العبلمة السيد دمحم الميدؼ‪،‬‬
‫كجده اإلماـ دمحم بف عمي السنكسي ‪ ،‬كيصل نسبو إلى عمي بف أبي طالب الياشمي القرشي ‪ ،‬جاىد السػيد‬
‫أحمػ ػػد الش ػ ػريف كشػ ػػارؾ كقػ ػػاد معػ ػػارؾ الجيػ ػػاد فػ ػػي سػ ػػبيل هلل كالنضػ ػػاؿ ضػ ػػد الغ ػ ػزاة الفرنسػ ػػييف كاإلنجميػ ػػز‬
‫كاإليطالييف في تشاد كالسكداف كليبيا كمصر ‪ ،‬كساىـ فػي نشػر الػدعكة اإلسػبلمية كتعػاليـ الػديف اإلسػبلمي‬
‫في أرجاء أفريقيا ‪ ،‬كىك صاحب كتاب ( السراج الكىاج في رحمة السيد الميدؼ مف الجغبكب إلى التػاج )‬
‫الػػذؼ دكف فيػػو الػػرحبلت الدعكيػػة التػػي ارفػػق فييػػا عمػػو السػػيد دمحم الميػػدؼ مػػف ألقابػػو ‪( :‬الشػػيخ العػػالـ –‬
‫كالداعيػة – كالمجاىػػد) ‪ ،‬ذكػره شػػكيب أرسػػبلف فػػي كتابػو ( حاضػػر العػػالـ اإلسػػبلمي ) ‪ ،‬كتػػزعـ السػػيد أحمػػد‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشريف الحركة السنكسية عاـ ‪1239‬ـ خمفا لعمو دمحم الميدؼ‬
‫غػػادر السػػيد أحمػػد الش ػريف الػػببلد إلػػى المنفػػى فػػي أكائػػل أغسػػطس سػػنة ‪1215‬ـ عمػػى مػػتف غكاصػػة‬
‫ألمانيػػة ‪ ،‬كحتػػى بعػػد مغػػادرة الػػببلد اسػػتمر السػػيد أحمػػد فػػي متابعػػة حركػػة الجيػػاد ‪ ،‬كتػػكفي يػػكـ الجمعػػة مػػف‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مارس عاـ ‪1200‬ـ بالمدينة المنكرة ‪ ،‬كدفف في مقبرة البقيع ‪ ،‬كخمفو السيد إدريس السنكسي‬
‫ب‪ -‬أخوان السنوسية ‪:‬‬
‫ك ػػاف اب ػػف السنكس ػػي ف ػػي تجكال ػػو ب ػػيف األقط ػػار اإلس ػػبلمية يق ػػكـ ب ػػدعكة الن ػػاس كتعػ ػريفيـ باإلس ػػبلـ ‪،‬‬
‫كاستطاع أثناء تحركو أف يختار مف بيف المسمميف مجمكعة خيرة مف العمماء كالفقياء كالدعاة ممف اتصػفكا‬
‫بالتميز الغيماني كالتفكؽ الركحي كالرصيد العممي كالزاد الثقافي كرجاحة العقل كقكة الحجة كرحابة الصدر‪،‬‬
‫كأصبحكا مف أعمدة الحركػة السنكسػية أثنػاء حياتػو كبعػد كفاتػو ‪ ،‬فبعضػيـ أصػبح مشػرفا كمعممػا فػي الزكايػا‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫في ليبيا كتشاد ‪ ،‬كبعضيـ أصبح مف أعضاء ىيأة التدريس العميا بالجغبكب‬
‫كفيما يمي ذكر لبعض اإلخكاف مف طبقة العمماء كالقادة األفاضل ك منيـ ‪:‬‬

‫‪ -1‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 277‬‬


‫‪ -2‬األمير شكيب أرسبلف ‪ ،‬خبلصة رحمة السيد أحمد الشريف ‪ ،‬دار التقديمة ‪ ،‬ط‪2010 ، 1‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 9-8‬‬
‫‪ -3‬األمير شكيب أرسبلف ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬
‫‪ -4‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫‪119‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -1‬العبلمة السيد دمحم بف عبد هلل التكاتي ‪ ،‬كىػك مػف أكائػل رفػاؽ اإلمػاـ األكبػر كتبلميػذه كقػد قػاـ بعػدة‬
‫أعمػاؿ أناطػو بيػا اإلمػاـ األكبػر فػي كػل مػف الحجػاز كالػيمف كليبيػا ‪ ،‬كتػكفي بالحجػاز كدفػف بزاكيػة‬
‫بدر ‪.‬‬
‫‪ -9‬العبلمػػة الجميػػل السػػيد أحمػػد أبػػك القاسػػـ الت ػكاتي ‪ ،‬مػػف تػكات الصػػحراء بػػالجزائر ‪ ،‬كػػاف مػػف أكائػػل‬
‫رفاؽ اإلماـ األكبر كتبلميذه ‪ ،‬كقد تكلى أعماالً جميمة كثيرة عيد بيػا إليػو اإلمػاـ مػف بينيػا مشػيخة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫زكايا سيكة ك زاكية الزيتكنة كزاكية فزاف‬
‫‪ -0‬العبلمة السيد أحمد بف فرج هلل ‪ ،‬كىك مف سػاحل طػرابمس تعػرؼ عمػى اإلمػاـ األكبػر فػي طػرابمس‬
‫كالتحق بو سنة ‪1985‬ىػ في زاكية البيضاء ‪ ،‬حيث دفف في مقبرة ركيفع بف ثابت األنصارؼ ‪.‬‬
‫‪ -0‬العبلمة السيد دمحم بف الشفيع ‪ ،‬كىك مف سنار السكداف ‪ ،‬كاف مف بيف تبلميذ العبلمة الجميل السيد‬
‫أحمد بف إدريس الفاسي ‪ ،‬كتعرؼ عمػى اإلمػاـ األكبػر السػيد دمحم بػف عمػي السنكسػي أثنػاء حضػكره‬
‫عند السيد أحمد بػف إدريػس ‪ ،‬تػكلى أعمػاؿ كثيػرة منيػا مشػيخة زاكيػة المدينػة كالقيػاـ بػالتفتيش عمػى‬
‫الزكايا في كل مف الحجاز كليبيا ‪ ،‬ككػاف مػف آخػر أعمالػو مشػيخة زاكيػة سػرت حيػث تكفػاه هلل بيػا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫سنة ‪1091‬ىػ ‪1232 -‬ـ‬
‫‪ -8‬عمراف بف بركة الفيتكرؼ ‪ ،‬مف زليطف ك أسندت إليو مشيخة الزاكية البيضػاء ‪ ،‬كقػاـ بالتػدريس فػي‬
‫معيػػد الجغبػػكب ككػػاف مدرس ػاً ل ػػدمحم الميػػدؼ السنكسػػي ‪ ،‬كػػاف يتمت ػػع بمكانػػة مرمكقػػة بػػيف زمبلئ ػػو‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫كتبلميذه ‪ ،‬تكفي بالجغبكب عاـ ‪1013‬ىػ ‪1529 -‬ـ‬
‫‪ -1‬فػػالح الظػػاىرؼ ‪ ،‬مػػف الحم ػراء بالحجػػاز ‪ ،‬التحػػق بالسػػيد دمحم بػػف عمػػي السنكسػػي سػػنة ‪1900‬ىػ ػ ‪-‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪1591‬ـ في مكة‬
‫‪ -1‬دمحم الصادؽ ‪ ،‬مف الطائف التحق بابف السنكسػي بالحجػاز كأسػندت إليػو أعمػاؿ كثيػرة ‪ ،‬كقػد أرسػمو‬
‫ابف السنكسي إلى الحجاز أكثر مف مرة بميمات خاصة تتعمق بدعـ حركة الجياد بالجزائر ‪.‬‬
‫‪ -5‬العبلمة السيد عمر دمحم األشيب ‪ ،‬مػف زلػيطف ‪ ،‬تعػرؼ عمػى ابػف السنكسػي مػع زميمػو عمػراف بػف‬
‫بركة ‪ ،‬تكلى مشيخة زاكية درنة كمشيخة زاكية مارة ‪ ،‬ثـ مشيخة زاكية مسكس التي تكفاه هلل بيا ‪.‬‬
‫‪ -2‬مصطفى المحجكبي ‪ ،‬مف مصراتة ‪ ،‬كقد تعرؼ عمى ابف السنكسي كالتحق بو في الزاكية البيضاء‬
‫سنة ‪1981‬ىػ ‪1501 -‬ـ ‪ ،‬تكلى مياـ كثيرة آخرىا مشيخة زاكية الطيممكف ‪.‬‬

‫‪ -1‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬ص ‪. 58‬‬


‫‪ -2‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 60‬‬
‫‪ -3‬عمي الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬
‫‪ -4‬عمي الصبلبي ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 97‬‬
‫‪120‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أحمد بف عمي أبك سػيف ‪ ،‬مػف باديػة طػرابمس تػكلى أعمػاؿ كثيػرة منيػا التػدريس كمشػيخة‬ ‫‪-13‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫زاكية مسكس كزاكية مارة ‪ ،‬تكفى بالحجاز سنة ‪1920‬ىػ ‪1511 -‬ـ‬
‫العبلمة دمحم بف إبراىيـ الغمارؼ ‪ ،‬مف مراكش ‪ ،‬كىك مػف أكائػل رفػاؽ األمػاـ دمحم بػف عمػي‬ ‫‪-11‬‬
‫‪2‬‬
‫السنكسي ‪.‬‬
‫أصبح أخكاف السنكسية يمثمكف جزءاً ميماً مف التككيف السكاني لكاحة الجغبكب حيث استمر عقب‬
‫ى ػؤالء كسػػبللتيـ فػػي التكاجػػد س ػكاء بمنطقػػة الجغبػػكب التػػي يككنػػكف جػػزء مػػف سػػكانيا اليػػكـ ‪ ،‬أك‬
‫المنػػاطق التػػي تتكاجػػد بيػػا الزكايػػا السنكسػػية كمنطقػػة الزاكيػػة البيضػػاء بالجبػػل األخضػػر ‪ ،‬كمػػا ظػػل‬
‫عقب ىؤالء يحظكف بمكانة بارزة لدػ السكاف المحمييف سكاء النتسابيـ إلى ىؤالء األخكاف العمماء‬
‫األكائل ‪ ،‬أك لكراثة المكانػة الركحيػة لمسنكسػية التػي كػاف يقػدرىا كيحترميػا أىػل برقػة بصػفة خاصػة‬
‫كأىػػل ليبيػػا بصػػفة عامػػة كمػػف أحفػػاد ىػؤالء العممػػاء الػػذيف يقيمػػكف فػػي الجغبػػكب حتػػى اليػػكـ ‪ ،‬عمػػي‬
‫سيبل المثاؿ ال الحصر ‪ :‬عائمة التكاتي ‪ ،3‬كعائمة الغمارؼ ‪.‬‬
‫ج‪ -‬القبائل البرقاوية ‪:‬‬
‫تنتسب القبائػل البرقاكيػة إلػى فػرعيف رئيسػييف ىمػا‪ ( :‬السػعادؼ ) ك ( المػرابطيف ) كقػد سػمى الفػرع‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬كتشػػمل السػػعدييف فػػرعيف أساسػػييف ىمػػا‪:‬‬ ‫األكؿ نسػػبة إلػػى جػػدتيـ الكبػػرػ سػػعدػ مػػف بنػػي سػػميـ‬
‫الح اربػي كمػػنيـ العبيػدات ‪ /‬الدرسػػة ‪ /‬الحاسػة ‪ /‬فايػػد ‪ /‬البراعصػػة ‪ /‬أكالد حمػد ‪ //‬أمػػا الفػرع الثػػاني فيػػـ‪:‬‬
‫الجبارنة كيشمل العكاقير ‪ /‬العرفة ‪ /‬المجابرة ‪ /‬المغاربة ‪ /‬العريبات ‪.‬‬
‫أما قبائل المرابطيف فيـ قبائل متعددة منيـ ‪ :‬القطعاف ‪ /‬العكامة ‪ /‬الزكية ‪ /‬الشكاعر ‪ /‬الفكاخر‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ /‬سعيط ‪ /‬المنفة ‪ /‬المسامير ‪ /‬أكالد الشيخ ‪ /‬الشييبات ‪ /‬السراحنة ‪ /‬القبايل‬

‫‪ 1‬عمي الصبلبي ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪ . 99‬لممزيد انظر أيضاً ‪ :‬عبدالمالؾ بف عبدالقادر بف عمي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‬
‫ص ‪. 59 ،55‬‬
‫‪ - 2‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬ص ‪ .66‬اليزاؿ جزء مف عائمة الغمارؼ يعيش في الجغبكب حتى اليكـ ‪.‬‬
‫‪ - 3‬كفي إطار التبلحـ الذؼ حصل بيف سكاف الكاحة نتيجة المحبة السنكسية التي حمت بينيـ ‪ .‬كاف ابف عـ جدؼ‬
‫المرحكـ حامد دمحم بكككىية الجكير البرعصي قد التحق مف الجبل األخضر بالزاكية السنكسية مع زكجتو في أكائل القرف‬
‫الماضي كانجبا ىناؾ ابناً اسمو عبد النبي كابنة اسميا سالمة ‪ ،‬حيث تزكجت السيدة سالمة رحمة هلل عمييا مف السيد عمي‬
‫حماد عمي أحمد التكاتي رحمة هلل عميو‪ ،‬كيعتبر الكثير مف التكاتية المكجكديف في الجغبكب حتى اليكـ أحفاد ىذه السيدة أؼ‬
‫أف أخكاليـ مف قبيمة البراعصة ‪ .‬كما تزكج السيد عبدالنبي حامد الجكير مف السيدة زينب الطالبية أطاؿ هلل في عمرىا‬
‫مف قبيمة المجابرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬إيقانز بريتشارد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪. 90 ، 85 ،‬‬
‫‪ -5‬إيقانز بريتشارد ‪ ،‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫‪121‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رحبػت سػػائر القبائػػل البرقاكيػػة بالسػػيد دمحم بػػف عمػي السنكسػػي ‪ ،‬كبدعكتػػو ‪ ،‬كجػػل األ ارضػػي التػػي‬
‫تقع عمييا الزكايا السنكسية كما يتبعيا مف أ ارضػي مكقكفػة ىػك ممػؾ لمقبائػل البرقاكيػة أكقفتيػا لممسػاعدة‬
‫في نشر الدعكة لمديف كاإلسبلـ التي جاء بيا اإلماـ دمحم بف عمي السنكسي ‪.‬‬
‫كعندما غادر السيد دمحم بف عمي السنكسي الزاكية البيضػاء بالجبػل األخضػر إلػى العزيػات كمنيػا‬
‫إلى الجغبكب رافقو كالتحق بو عدد كبير مف أبناء القبائل البرقاكية الذيف أقامكا معو بزاكية الجغبكب ‪.‬‬
‫كانت زاكية الجغبكب مف أىـ الزكايا التي أقيمت بإقميـ برقة ‪ ،‬حيث أرسل الكثير مف أىل البادية‬
‫أبنػػاءىـ إلييػػا ‪ ،‬حيػػث تميػػزت بعػػض القبائػػل بيػػا خاصػػة قبيمتػػي البراعصػػة كالزكيػػة ‪ ،‬كليػػذا أطمػػق عمػػى‬
‫قبيمة البراعصة بالجغبكب قبيمة الطمبة تعبي اًر عمػى كثػرة الطمبػة بػالجغبكب ممػف ينتسػبكف لتمػؾ القبيمػة ‪،‬‬
‫كقد ساىمت تمؾ الزاكية ككتاتيبيا كمرافقيا التعميمية في نقل أىل الباديػة مػف الحيػاة القاسػية إلػى الحيػاة‬
‫المتحضرة المتدينة ‪ ،‬كالتي عبر عنو أحد الشعراء بالقكؿ ‪.‬‬
‫فكـ مف حريـ قد أباحكا كأجحفكا ** بماؿ غنى ال يخافكف عاديا‬
‫فأرشدىـ لمرشد مف حل بينيـ **فبلزاؿ ميديا كال زاؿ ىاديا‬
‫ككـ بدكؼ في الظبلـ خمف ناقة ** يبكؿ عمى األعقاب أشعث حافيا‬
‫تمقاه في ميد الظبللة ىاكيا ** فأصبح نجما في اليداية عاليا‬
‫(‪)1‬‬
‫ككـ مف جيكؿ أسكد المكف خمقة ** كساه لباس العمـ أبيض صافيا‬
‫كالزالت القبائل البرقاكيػة تكػكف قسػماً ميمػاً كبكافػة تركيباتيػا المػذككرة مػف سػكاف الكاحػة إف لػـ تمثػل‬
‫األغمبيػػة باإلضػػافة إلػػى مكػػكف آخػػر ميػػـ كػػاف السنكسػػية كالزاكيػػة كمؤسسػػاتيا ىػػـ أسػػاس انتقاليػػا كىػػـ‬
‫األفارقة الذيف كفدكا إلى الكاحة إما عف طريق عمميات االستجبلب األكلى كالمكاكبة لتكغػل السنكسػييف‬
‫فػػي القػػارة اإلفريقيػػة فػػي م ارحػػل سػػابقة حيػػث حينمػػا رجع ػكا رجػػع معيػػـ الكثي ػريف ممػػف كػػانكا فػػي خدمػػة‬
‫الزكايػا السنكسػية سػكاء فػي السػػكداف األكسػط أك الشػرقي ‪ ،‬كمػف ىػذه الفئػػة أيضػاً مػػف التحػق بػػالجغبكب‬
‫فػػي مرحمػػة الحقػػة لطمػػب العمػػـ س ػكاء فػػي كتاتيػػب الزاكيػػة أك فػػي معيػػدىا كمدارسػػيا الدينيػػة المتكسػػطة‬
‫كالعمي ػػا ‪ ،‬كىػ ػؤالء أيض ػػا يمثم ػػكف قس ػػما ميم ػػا م ػػف س ػػكاف الجغب ػػكب ‪ ،‬كأص ػػبحكا يمثم ػػكف امت ػػداداً لميكي ػػة‬
‫المشػػتركة لمكاحػػة كالتػػي يجمعيػػا اربػػط الػػكطف ك السنكسػػية بغػػض النظػػر عػػف العػػرؽ أك المػػكف ‪ .‬كمػػنيـ‬
‫عمػػى سػػبيل المثػػاؿ ال الحصػػر ممػػف انتقػػل أجػػدادىـ لبللتحػػاؽ بالزاكيػػة كاليػزاؿ أحفػػادىـ يسػػكنكف الكاحػػة‬
‫حتػػى اليػػكـ ‪ :‬عائمػػة بػػك ف ػراج الشػػكبكي الحسػػيني البرعصػػي ‪ ،‬كعائمػػة ب ػكافكريف الجػػكيفي البرعصػػي ‪،‬‬

‫‪ -1‬شعباف عكض العبيدؼ ‪ " ،‬الكتاتيب في إقميـ برقة "‪ ،‬مجمة أصكؿ الديف ‪ ،‬البيضاء ‪ ،‬جامعة السيد دمحم بف عمي‬
‫السنكسية اإلسبلمية ‪ ،‬يكنيك ‪2012‬ـ ‪ ،‬ص ‪. 467،468‬‬
‫‪122‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعائمة الميدؼ أحميدة البجيتي البرعصي ‪ ،‬كعائمة بنغيرة العبدؼ الدرسي ‪ ،‬كعائمة بكىديمة المسػمارؼ‪،‬‬
‫كىؤالء مػف منطقػة الجبػل األخضػر أصػبل ‪ .‬كمػا تكجػد عػائبلت أخػرػ جػاء أجػدادىـ لبللتحػاؽ بالزاكيػة‬
‫مػػف جػػالك كأكجمػػو مثػػل عائمػػة الطالبيػػة المجبػػرؼ ‪ ، 1‬كعائمػػة القػػزؼ المجبػػرؼ‪ ،‬كعائمػػة قنػػاكؼ المجػػابرة ‪،‬‬
‫كعائمػػة عنػػكدة مػػف أكجمػػو ‪ ،‬كمػػف قبائػػل البطنػػاف‪ :‬عائمػػة نصػػيب الشػػاعرؼ مػػف شػػط الش ػكاعر ‪ ،‬كعائمػػة‬
‫الطي ػػب الجػ ػرارؼ ‪ ،‬كعائم ػػة أب ػػك مع ػػزب الش ػػييبي ‪ ،‬كعائم ػػة أب ػػك أمػ ػريض الش ػػييبي ‪ ،‬كعائم ػػة بكش ػػعيثاف‬
‫المنفػػي‪ ،‬كعػػائمتي الجاسػػر كالعربػػي مػػف قبيمػػة العبيػػدات ‪.‬كمػػف األبيػػار‪ :‬عائمػػة دمحم القط ارنػػي مػػف قبيمػػة‬
‫العكاقير كغيرىـ ‪.‬‬
‫د‪ -‬سكان آخرون ‪:‬‬
‫يكجد بالكاحة حتى يكمنا ىػذا سػكاف مػف أنحػاء ليبيػا كافػة ‪ ،‬كمػف أصػكؿ أفريقيػة كعربيػة جػاء أجػدادىـ‬
‫إلػػى الجغبػػكب لتمق ػػي العمػػـ بالزاكي ػػة السنكسػػية كم ػػنيـ عمػػى س ػػيبل المثػػاؿ ال الحص ػػر‪ :‬عائمػػة الضػػراط‬
‫المصراتي ‪ ،‬كعائمة الصبلبي المصراتي‪ ،‬كعائمة ميبلد المصراتي‪ ،‬كعائمة سػتر هلل الفيتػكرؼ الزليتنػي ‪،‬‬
‫كعائمػػة ال ػزالكؼ مػػف زلػػة أصػبلً ‪ ،‬كعائمػػة مرسػػاؿ البرنػػاكؼ ‪ ،‬كعائمػػة السكسػػي ‪ ،‬كعائمػػة ارشػػد الزنتػػاني ‪،‬‬
‫كعائمة عمي الزنتاني ‪ ،‬كعائمة بكقشاطة الزنتاني ‪ ،‬كعائمة بف مكسى اليػكني كعائمػة بخيػت اصػميا مػف‬
‫غات ‪ ،‬كعائمة حبيب القطركني ‪ ،‬نسبة لمقطركف ‪ ،‬كغيرىـ ‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫مف منطمق إيمػاف مؤسػس الحركػة السنكسػية كقادتيػا بفكػرة شػمكلية اإلصػبلح المجتمعػي ‪ ،‬يمكػف القػكؿ‬
‫إف الزاكيػػة السنكسػػية بػػالجغبكب قػػد مثمػػت السػػبب المباشػػر فػػي التكػػكيف السػػكاني لمكاحػػة ‪ ،‬خاصػػة كأف‬
‫المنطقػػة قبػػل كفػػكد السنكسػػييف إلييػػا كانػػت منطقػػة شػػبو ميجػػكرة نظ ػ ار لطبيعػػة الحيػػاة كالبيئػػة الجغرافيػػة‬
‫القاسية الغير قابمة لمحياة كطبيعة القبائل البرقاكية في تمؾ المنطقة التػي لػـ تكػف تفضػل االسػتقرار فػي‬
‫مكاف محدد بحثا الماء كالكبلء ليا كلمكاشييا ‪ ،‬لذلؾ يمكف تصنيفيـ بسكاف رحل ‪.‬‬
‫كلعػػل تحكيػػل تمػػؾ المنطقػػة مػػف منطقػػة طػػاردة لمسػػكاف إلػػى منطقػػة جاذبػػة كانػػت تقػػف خمف ػو عػػدة‬
‫اعتبارات لعل مف أىميا ‪ :‬تعطش كحب الناس كحاجػة اإلقمػيـ بصػفة عامػة لئلصػبلح الػديني ىػذا مػف‬
‫ناحية ‪-‬كىنػا نقصػد سػكاف المنػاطق المحيطػة بالكاحػة‪ ، -‬كمػف ناحيػة أخػرػ مكانػة السنكسػييف مػا بػيف‬
‫القبائل كالمككنات البرقاكية ربما ىي ما جعمت تمؾ القبائل تمتحق بيـ في ذلؾ المكاف ‪ ،‬أيضاُ ال يغفل‬
‫العقميػػة اإلداري ػػة كالقياديػػة لمس ػػيد دمحم بػػف عم ػػي السنكس ػػي كخمفػػو ال ػػذيف اسػػتطاعكا تحكي ػػل تم ػػؾ األرض‬

‫‪ - 1‬مف ىذه العائمة خطيب مسجد الزاكية السنكسية بالجغبكب حنى ىدميا في ثمانينيات القرف الماضي ‪ ،‬الشيخ المرحكـ‬
‫دمحم عمي عمر الطالبية ‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الطاردة إلى مؤسسات اقتصادية ‪ ،‬كدينية ‪ ،‬كاجتماعية‪ ،‬كسياسية تجذب الناس كتجمعيـ حكليا ‪ ،‬كىذا‬
‫ما تثبتو حالة االستقرار السكاني كعدـ مغادرة السكاف لتمؾ المنطقة رغـ تغير الظركؼ كالمعطيات في‬
‫كافة المراحل ‪.‬‬
‫كم ػػا أف تح ػػكؿ الجغب ػػكب كعب ػػر المؤسس ػػات العمميػ ػة إل ػػى مرك ػػز إش ػػعاع عمم ػػي ‪ ،‬جعمي ػػا مقص ػػدا‬
‫لمباحثيف عف العمـ كالمعرفة مف برقة كخارجيا ‪ ،‬كبذلؾ تحكلت إلى كجية لمسكف كاإلقامة سكاء المؤقتة‬
‫أك الدائمة ‪ ،‬األمر الذؼ أدػ إلى تنكعيا السكاني المميز ‪.‬‬
‫كهلل األمر مف قبل كمف بعد ‪.‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬
‫أوالً ‪ :‬الكتب العربية والمعربة ‪.‬‬
‫‪ -1‬أحمد صدقي الدجاني ‪ ،‬الحركة السنكسية نشأتيا كنمكىا في القرف التاسع عشر ‪ ،‬لبناف ‪ ،‬دار لبناف ‪. 1967 ،‬‬
‫‪ -2‬أحمد دمحم جاد هلل ك عبد الغني عبد هلل محمكد ‪ ،‬السيد عمراف بف بركة الفيتكرؼ ‪ ،‬مؤسسة كبلـ لمبحكث كاإلعبلـ ‪،‬‬
‫‪2018‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -3‬إيريؾ دؼ كمندكؿ ‪ ، ،‬الممؾ إدريس عاىل ليبيا حياتو كعصره ‪ ،‬ترجمة دمحم حسيف القزيرؼ ‪ ، ،‬بنغازؼ ‪ ،‬دار الساقية ‪،‬‬
‫‪ - 4‬ايفانز بريتشارد ‪ ،‬السنكسيكف في برقة ‪ ،‬تكنس ‪ ،‬صفاقس لمنشر كالتكزيع ‪2011 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -5‬رأفت غنيمي الشيح ‪ ،‬تاريخ العرب الحديث ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬عيف لمدراسات كالبحكث كاإلنسانية كاالجتماعية ‪1994 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -6‬رأفت غنيمي الشيخ ‪ ،‬تطكر التعميـ في ليبيا ‪ ،‬د‪ .‬ـ ‪ ،‬دار التنمية لمنشر كالتكزيع ‪1972 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -7‬شكيب أرسبلف ‪ ،‬خبلصة رحمة السيد أحمد الشريف ‪ ،‬لبناف ‪ ،‬دار التقديمة ‪2010 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -8‬الطاىر أحمد الزاكؼ ‪ ،‬معجـ البمداف الميبية ‪ ،‬طرابمس مكتبة النكر ‪1968 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -9‬عبدالعزيز طريح شرؼ ‪ ،‬جغرافية ليبيا ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬منشأة المعارؼ ‪ ،‬ط‪1971 ، 2‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -10‬عبدالمالؾ بف عبدالقادر بف عمي ‪ ،‬الفكائد الجمية في تاريخ العائمة السنكسية ‪ ،‬ج‪ ، 1‬دمشق ‪ ،‬مطبعة الجزائر ‪،‬‬
‫‪1966‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -11‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬ج‪، 1‬عماف ‪ ،‬دار البيارؽ ‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫‪ -12‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬سيرة الزعيـ دمحم الميدؼ السنكسي‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬دار الركضة‪2012 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -13‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الثمار الزكية لمحركة السنكسية في ليبيا ‪ ،‬الشارقة ‪ ،‬مكتبة الصحابة ‪2001 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -14‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬الحركة السنكسية في أفريقيا ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار المعرفة ‪2011 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -15‬عمي دمحم الصبلبي ‪ ،‬دمحم بف عمي السنكسي كمنيجو في التأسيس ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬دار الركضة ‪ 2017 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -16‬لكثرب استكدارد ‪ ،‬حاضر العالـ اإلسبلمي ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ترجمة عجاج نكييض ‪ ،‬تعميق شكيب أرسبلف ‪ ،‬ط‪ ، 5‬لبناف ‪،‬‬
‫الدار التقدمية ‪2009 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -17‬المبركؾ الفيتكرؼ ك عبدربو سعيد ‪ ،‬مقترح بحثي بعنكاف المشركع الكطني لمسح كتكثيق المعالـ التاريخية ضمف‬
‫استراتيجية التنمية المكانية بكادؼ الجغبكب ‪ .‬طرابمس ‪ 2015 ،‬ـ ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -18‬دمحم بف عثماف الحشائشي التكنسي ‪ ،‬جبلء الكرب عف طرابمس الغرب ( رحمة الحشائشي إلى ليبيا ‪1895‬ـ) ‪ ،‬تقديـ‬
‫كتحقيق عمى مصطفى المصراتي ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار لبناف ‪1965 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -19‬دمحم طو الحاجرؼ ‪ ،‬دراسات كصكر مف تاريخ الحياة األدبية في المغرب ‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ ،‬بيركت ‪. 1983 ،‬‬
‫‪ -20‬دمحم الطيب األشيب ‪ ،‬السنكسي الكبير ‪ ،‬مطبعة دمحم عاطف ‪ ،‬القاىرة د ‪ .‬ت ‪.‬‬
‫‪ -21‬دمحم فؤاد شكرؼ ‪ ،‬السنكسية ديف كدكلة ‪ ،‬مراجعة يكسف المجريسي ‪ ،‬أكسفكرد ‪ ،‬مركز الدراسات الميبية ‪2005 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -22‬نقكال زيادة ‪ ،‬برقة الدكلة العربية الثامنة ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار العمـ لممبلييف ‪1950 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -23‬نقكال زيادة ‪ ،‬صفحات مغربية ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار الطميعة ‪1966 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -24‬يكسف عبد اليادؼ الحبكش ‪ ،‬صكر مف تاريخ الطريقة السنكسية ‪ ،‬ليبيا‪ ،‬دار بف شتكاف ‪2013 ،‬ـ ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الكتب األجنبية ‪.‬‬
‫‪1 -Abdulmola - s – El- horier , social and Economic transformation in the Libyan -‬‬
‫– ‪Hinterland during the seconds half of the nineteenth century :the Role of Sayyid Ahmed Al‬‬
‫‪sharif , university of California ,Los Angeles , 1981: p 288 .289.‬‬
‫‪2-Edward –e-evans prtchard , the sanusi of Cyrenaica , London ,clavendonpress ,1949‬‬
‫‪,p79.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬الرسائل العممية ‪.‬‬
‫‪ -1‬عبدالسميع عبدالكريـ أبريداف ‪ ،‬السيد دمحم الميدؼ السنكسي كدكره في تطكير الحركة السنكسية ‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬غير‬
‫منشكرة ‪ ،‬كمية اآلداب ‪ ،‬قسـ التاريخ ‪ ،‬جامعة بنغازؼ ‪2014 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬فاركؽ لفكاؾ ‪ ،‬الحركة السنكسية كدكرىا في مقاكمة االحتبلؿ اإليطالي بميبيا ‪ 1951 / 1911‬ـ ‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫غير منشكرة ‪ ،‬جامعة دمحم خضير ‪ ،‬بسكرة ‪ ،‬الجزائر ‪ 2014 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -3‬فضل شعيب مكسى ‪ ،‬الزكايا السنكسية كاثرىا عمى المجتمع في إقميـ برقة ‪1912-1843‬ـ ‪ ،‬رسالة ماجستير ‪ ،‬غير‬
‫منشكرة ‪ ،‬كمية التاريخ كالحضارة ‪ ،‬قسـ التاريخ ‪ ،‬جامعة السيد دمحم بف عمي السنكسي اإلسبلمية ‪2019 ،‬ـ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬الصحف و المجالت العممية ‪.‬‬
‫‪ -1‬سميـ زباؿ ‪ ،‬مجمة العربي الككيتية ‪ ،‬العدد ‪ 1967 ، 107‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬السنكسي يكنس عمي العسكرؼ ‪" ،‬المكارد االقتصادية كالنظـ اإلدارية لمزكايا السنكسية" ‪ ،‬مجمة كمية التربية ‪ ،‬العدد‬
‫الثاني كالعشركف ‪ ،‬المرج ‪ ،‬جامعة بنغازؼ فرع المرج ‪ ، ،‬يكنيك ‪. 2017‬‬
‫‪ -3‬شعباف عكض العبيدؼ ‪ " ،‬الكتاتيب في إقميـ برقة "‪ ،‬مجمة أصكؿ الديف ‪ ،‬جامعة السيد دمحم بف عمي السنكسية‬
‫اإلسبلمية ‪ ،‬البيضاء ‪ ،‬يكنيك ‪2012‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -4‬مسعكد عبد هلل مسعكد ‪ ،‬مبلمح الحياة الفكرية كالثقافية في ليبيا أكاخر الحكـ العثماني حتى االحتبلؿ اإليطالي سنة‬
‫‪ ،1911‬مجمة قسـ المغة العربية ‪ ،‬كمية التربية ‪ -‬أبك عيسى ‪ ،‬جامعة الزاكية ‪ ،‬العدد ‪ ، 15‬ليبيا ‪. 2013 ،‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫جيود أمين سعيد التاريخية‬


‫الثورة العربية الكبرى ‪1916‬م في كتاباتو‬
‫‪The Historical Efforts of Ameen Saeed‬‬
‫‪The Great Arab Revolt 1916 in His Writings‬‬

‫‪Dr. Zakeria Mohammed Alathamna‬‬ ‫د‪ .‬زكريا دمحم العثامنة‬


‫‪Al-Quds Open University-Gaza‬‬ ‫جامعة القدس المفتكحة‪-‬غزة‬
‫‪Palestine‬‬ ‫فمسطيف‬
‫‪Email: zathamna@qou.edu‬‬
‫كاف ألميف سعيد جيكده العممية البارزة كالتي كاف ليا األثر في الحياة الثقافية‪ ،‬كالعممية‪ ،‬ككاف لو‬
‫إسياماتو البارزة في الكتابة كالتأليف‪ ،‬كأسيـ في إذكاء الركح الكطنية‪ ،‬داخل بمده بمشاركتو في الحركة‬
‫الكطنية العربية‪ ،‬فكاف قريباً مف صناع األحداث أخد منيـ كسجل ما سمع كق أر كشاىد فكاف شاىداً لمحدث‬
‫قريباً مف مركز القرار لذا جمع بيف العمل السياسي كتدكيف التاريخ‪ .‬كيعد أميف سعيد كاحداً مف ىؤالء‬
‫الديف أسيمكا في إثراء المكتبة التاريخية في تاريخ العرب الحديث كالمعاصر كيمكف تصنيف ىذا المؤرخ‬
‫‪1‬‬
‫ضمف مجمكعة اليكاه في كتابة التاريخ‪.‬‬
‫كستمقي ىذه الدراسة الضكء عمى بعض الجكانب الميمة ليذا المؤرخ العربي كمنيا التعريف بو‪ ،‬كالعرض‬
‫لمعظـ مؤلفاتو التي مكنتنا مف الكقكؼ عمى منيجو في الكتابة التاريخية كخصص جزءاً ميماً مف ىذه‬
‫الدراسة لمحديث عمى الثكرة العربية الكبرػ ‪1916‬ـ باعتبارىا مف أىـ القضايا التي تناكليا في كتاباتو‬
‫حيث أنو كاف قريباً منيا كمف صناع الحدث فييا كنقارف بيف كتابتو ليا كعف رأؼ بعض المؤرخيف الديف‬
‫تناكلكا الثكرة كعايشكىا‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬أميف سعيد‪ ،‬جيكد تاريخية‪ ،‬الثكرة العربية الكبرػ‪.‬‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪The historical efforts of Ameen saeed (The Great Arab Revolt 1916- in his‬‬
‫‪writings) Ameen Saeed had prominent scientific efforts which had an impact on‬‬
‫‪the cultural and scientific life. He also had outstanding contributions in writing.‬‬
‫‪By participating in the Arab national movement, he contributed in stimulating‬‬
‫‪the national spirit within his country. Ameen was close to the event makers as he‬‬
‫‪learned from them, recorded what he heard and witnessed what happened.‬‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬عبد المنعـ الجميعي‪ :‬اتجاىات الكتابة التاريخية في تاريخ مصر الحديث كالمعاصر_ ط‪ ،1‬عيف لمدراسات كالبحكث‬
‫اإلنسانية‪ ،1994 .‬ص‪34‬‬
‫‪126‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪Therefore, he was a witness to the event, near from the decision center. Thus, he‬‬
‫‪combined political work with recording history. Ameen Saeed is one of those‬‬
‫‪who contributed in enriching the historical library in the history of contemporary‬‬
‫‪literature.‬‬
‫‪This study will shed light on some remarkable aspects of this Arab historian‬‬
‫‪including the definition of him, the displaying of some of his writings and‬‬
‫‪standing on his method in historical writing. Part of this study is devoted to talk‬‬
‫‪about the Great Arab Revolt of 1916 as it is considered to be the most important‬‬
‫‪issue Ameen dealt with in his writings. In addition, we compare between‬‬
‫‪Ameen's writing and the opinion of some historians who dealt with the‬‬
‫‪revolution and lived through it.‬‬
‫‪Key words: Ameen Saeed, Historical Effort, The Great Arab Revolt.‬‬
‫تعريف بالمؤرخ‪:‬‬
‫ىك أميف بف دمحم سعيد بف حسف سعيد‪ ،‬كلد بالبلذقية في سكريا ‪ 23‬جماد األكؿ ‪ 1309‬ى ػ ‪ 28 -‬نكفمبر‬
‫‪ 1891‬ميبلدؼ‪ .‬كقد عمل منذ صغرة بالصحافة‪ ،‬عندما عمل مع كالده بيا في مطبعتو كمجمتو األسبكعية‬
‫التي كاف يصدرىا مف ‪ 4‬صفحات مطمع كل أسبكع كتكزع في البلذقية‪ ،1‬أنيى دراستو االبتدائية في مسقط‬
‫رأسو البلذقية‪ ،‬ثـ اتجو إلى بيركت ‪1909‬ـ حيث أكمل دراستو في مدرسة الشيخ عباس األزىرؼ‪ 2.‬ثـ‬
‫‪3‬‬
‫التحق بعدىا بالجامعة كدرس الحقكؽ‪.‬‬
‫بعد انتياء المرحمة الجامعية رحل أميف سعيد إلى دمشق يناير ‪1916‬ـ كاستأنف عممو الصحفي‪ ،‬حيث‬
‫أسس ىناؾ جريدة أسماىا (أبك نكاس)‪ 4.‬كقد تزامف مجيئو إلى دمشق مع تصاعد حركة القكمية العربية‬
‫بسبب سياسة االتحادييف المتعصبة تجاه العرب‪ ،‬كالتي انتيت بتزعـ الشريف حسيف بف عمي (شريف مكة)‬
‫لمثكرة العربية ضد تركيا‪ ،‬في مقابل كعكد إنجميزية بمساعدة العرب في تككيف دكلو عربية يككف الشريف‬
‫حسيف بف عمي ممكاً عمييا‪.‬‬
‫كقد التحق أميف سعيد في ىذه الثكرة في مايك ‪1981‬ـ بشعبة المخابرات مستشا اًر كخبي اًر لمشؤكف العربية‬
‫في الجيش التركي‪5.‬كبعد سقكط سكريا تحت االحتبلؿ الفرنسي شارؾ أميف سعيد في المظاىرات التي‬
‫قادىا زعماء الكطنية السكرية‪ ،‬احتجاجاً عمى سياسة االنتداب الفرنسي في سكريا‪ ،‬التي كانت سبباً في‬

‫‪1‬‬
‫خير الديف الزركمي‪ ،‬االعبلـ المجمد الثاني‪-‬الطبعة التاسعة‪-‬دار العمـ المبلييف‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف – ‪-1995‬ص ‪20‬‬
‫‪2‬‬
‫االىراـ‪ 11 :‬أبريل ‪1922‬ـ –ص‪3‬‬
‫‪3‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬اسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيركت‪1966 .‬ـ‪ ،‬ص ‪259‬‬
‫االىراـ‪ 11 :‬ابريل سنة ‪1922‬ـ ص‪ ،3‬الشرؽ االدنى ‪ 2‬مايك سنة ‪1928‬ـ ص ‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫خير الديف الزركمي‪ :‬المرجع السابق ص ‪ ،31‬المقطـ يناير ‪1925‬ـ‪ ،‬ص‪3‬‬
‫‪127‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫خركجو مف كطنو‪ ،‬كاستق ارره في مصر‪1.‬حيث استأنف عممو الصحفي‪ ،‬محر اًر في جريدة المقطـ‪ ،‬كقاـ‪،‬‬
‫بكتابة مجمكعة مف المقاالت اليكمية في الصفحة الثالثة منيا تحت إمضاء (مكاتب سياسي شرقي)‪ 2‬عالج‬
‫فييا العديد مف قضايا العالـ العربي كالسبلمي كألقى الضكء عمى األحكاؿ السياسية لتمؾ المنطقة‬
‫كمشكبلتيا‪.‬‬
‫أمضى أميف سعيد يعمل في صحيفة المقطـ لمدة خمس سنكات تفرغ بعدىا لمعمل في مجمتو األسبكعية‬
‫"الشرؽ األدنى" التي أسسيا بالقاىرة عاـ ‪1927‬ـ‪ ،‬كتـ تكزيعيا في دكؿ عربية أخرػ مثل العراؽ‪،‬‬
‫السكداف‪ ،‬كامارات الخميج العربي‪ ،‬كقد تكقفت تمؾ المجمة عف الصدكر عاـ ‪1929‬ـ‪ ،‬بعد أف أصدر منيا‬
‫‪3‬‬
‫ستة كستكف عدداً تناكؿ في معظميا تاريخ العرب كالمسمميف‪.‬‬
‫ظل أميف سعيد مقيماً في القاىرة حتى تشكمت ك ازره تاج الديف الحسني في سكريا عاـ ‪1928‬ـ‪ .‬الذؼ بادر‬
‫باتخاذ بعض اإلجراءات الكطنية‪ ،‬كإلغاء األحكاـ العرفية‪ ،‬كاصدار العفك عف المعتقميف كالمناضميف‪ ،‬األمر‬
‫الذؼ أتاح ألميف سعيد فرصو العكدة إلى كطنو حيث أنشأ جريدة يكميو أسماىا الكفاح‪ ،‬ثـ عكف بعد ذلؾ‬
‫عمى جمع قصاصات مف الصحف احتفع بيا كجعل منيا مادة مف الكتب أشيرىا (الثكرة العربية الكبرػ)‬
‫‪4‬‬
‫في ثبلثة أجزاء‪ ،‬ممكؾ المسمميف المعاصريف كدكليـ‪.‬‬
‫قاـ أميف سعيد بزيارات لعدد مف العكاصـ العربية‪ ،‬كراء الحصكؿ عمى المعمكمة التاريخية‪ ،‬حيث زار‬
‫العراؽ مرتيف‪ ،‬كانت األكلى في أكتكبر عاـ ‪1933‬ـ‪ .‬لحضكر حفل تأبيف الممؾ فيصل بكصفو مندكباً‪،‬‬
‫عف الييئات السكرية‪ ،‬بمصر أصدر بعدىا كتابو أياـ بغداد‪ ،‬بينما جاءت الزيارة الثانية عاـ ‪1937‬ـ بعد‬
‫‪5‬‬
‫قياـ انقبلب بكر صدقي كحكمت سميماف‪.‬‬
‫كذلؾ زار الككيت مرتيف األكلى ‪1937‬ـ‪ ،‬بدعكه مف الشيخ أحمد جابر الصباح‪ ،‬كالثانية عاـ ‪1960‬ـ‬
‫بدعكة أيضاً مف الشيخ عبد هلل السالـ الصباح كفي العاـ نفسو زار منطقتي االحساء كالرياض بالمممكة‬
‫العربية السعكدية كعماف باألردف‪ 6.‬كقد ساعدتو تمؾ الزيارات عمى إصدار العديد مف المؤلفات التي‬
‫تناكلت قضايا كمشكبلت الكطف العربي السياسية‪.‬‬

‫الشرؽ األدنى‪ ،‬اكتكبر ‪1927‬ـ – ص‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫خير الديف الزركمي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪3‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬اياـ بغداد‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر ‪ ،1935‬ص ‪ ،1‬المقطـ ‪ 31‬اكتكبر ‪1933‬ـ‪ ،‬ص‬
‫‪8- 2‬‬
‫‪4‬‬
‫اميف سعيد‪ :‬اليمف ط‪ 1‬مطبعة سعيد البارؼ الحمبي‪ ،‬القاىرة ‪1959‬ـ ص ‪48‬‬
‫‪5‬‬
‫خير الديف الزركمي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪6‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬اياـ بغداد‪ ،‬ص ‪201‬‬
‫‪128‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ظل أميف سعيد يتنقل بيف القاىرة كدمشق إلى أف استقر بو المقاـ في مصر مرة أخرػ في عيد الرئيس‬
‫جماؿ عبد الناصر‪ ،‬خبلؿ تمؾ الفترة قاـ بكتابة عدد مف المؤلفات في تاريخ العرب كمصر (ثكرة ‪23‬‬
‫يكليك ‪1952‬ـ) كتاريخ الدكلة السعكدية في جزئييف‪ ،‬كالكطف العربي‪ ،‬كثكرات العرب في القرف العشريف‪،‬‬
‫أسرار الثكرة العربية الكبرػ‪ ،‬كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬كغيرىا‪ ،‬ثـ ترؾ القاىرة كتكجو إلى بحمدكف في لبناف‬
‫حيث أسس جريدة (نداء الكطف) البيركتية‪ ،‬كتكفي في ىذه البمدة نكفمبر ‪1967‬ـ‪ 1.‬كبعد أف ترؾ مجمكعة‬
‫مف المؤلفات في تاريخ العرب الحديث كالمعاصر أثرت بشكل كبير المكتبة التاريخية العربية‪.‬‬
‫مؤلفاتو‪:‬‬
‫تعددت مؤلفات أميف سعيد كتنكعت مكضكعاتيا‪ ،‬كاف كاف معظميا يدكر حكؿ اكضاع العرب السياسية‪،‬‬
‫حيث عالج مختمف األحداث التاريخية رغـ تنكع عصكرىا كاماكنيا كقد بمغت تمؾ المؤلفات خمسة عشر‬
‫مؤلفاً عمى مدػ أربعة كثبلثيف عاماً مف عاـ ‪1934‬ـ كحتى عاـ ‪1967‬ـ‪ .‬كمف الجدير بالذكر أنو لـ‬
‫يقتصر في كتاباتو عمى مكضكعات التاريخ الحديث كالمعاصر‪ ،‬بل تناكؿ أحداثاً تعد في نطاؽ العصكر‬
‫الكسطى‪ ،‬كقد ساعده عممو في الصحافة عمى تدكيف التاريخ العربي‪ ،‬حيثما جعل مف المقاالت المتنكعة‬
‫التي كتبيا في كل مف جريدة المقطـ كمجمو الشرؽ األدنى مادة أساسية لكتبو التي أسيمت ببل شؾ في‬
‫تثقيف كتشكيل عقكؿ أجياؿ عديدة‪.‬‬
‫كقد قاـ الباحث في ىذه الدراسة بعرض مؤلفات أميف سعيد مرتبو زمنياً طبقاً لسنكات اإلصدار‪:‬‬
‫كاف باككرة مؤلفاتو تحت عنكاف (الثكرة العربية الكبرػ) ‪1934‬ـ‪1935 -‬ـ‪ .‬استعرض فييا بأسباب تاريخ‬
‫القضية العربية في ربع قرف‪ ،‬حيث تناكؿ في الجزء األكؿ الذؼ صدر عاـ ‪1934‬ـ‪ ،‬الثكرة العربية‬
‫‪1916‬ـ مقدماتيا كعكامل كأسباب قياميا‪ ،‬ثـ تاريخ النضاؿ بيف العرب كاألتراؾ منذ صدكر الدستكر‬
‫العثماني عاـ ‪1908‬ـ كما أعقب ذلؾ مف تأسيس الجمعيات العربية‪ ،‬كرد فعل عمى سياسة االتحاديف‬
‫المتعصبة‪ ،‬ثـ بعد ذلؾ تطرؽ إلى اتفاقيات الحسيف مع اإلنجميز‪ ،‬كبدايات الخبلفات بينيا‪ ،‬كقد انتيى ىذا‬
‫الجزء إلى األسباب التي دفعتو إلصداره كتطكر القضية العربية في الفترة ‪1918 -1908‬ـ‪.‬‬
‫‪ -‬الجزء الثاني مف ىذا المؤلف جاء ‪1935‬ـ كتحدث فيو عف نضاؿ السكرييف ضد االحتبلؿ الفرنسي‪،‬‬
‫منذ قياـ الحككمة الفيصمية حتى كقكع سكريا تحت االنتداب الفرنسي‪ ،‬كذلؾ تطرؽ إلى تاريخ العراؽ ضد‬
‫االنتداب البريطاني حتى تكلي فيصل عرش الببلد ‪1921‬ـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اميف سعيد الدكؿ العربية المتحدة‪ ،‬ج‪ ،1‬تاريخ االستعمار االنجميزؼ في ببلد العرب‪ ،‬مطبعة عيسى البارؼ الحمبي‬
‫كشركاه‪ ،‬بمصر‪ ،1936 ،‬ص ‪103‬‬
‫‪129‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪-‬أما الجزء الثالث كاألخير‪ ،‬فاشتمل عمى كصف شامل لتاريخ القضية العربية في الفترة الممتدة مف‬
‫‪1921‬ـ‪1934 -‬ـ‪ .‬كبيا تناكؿ تاريخ إمارة شرؽ األردف كالقضية الفمسطينية‪ ،‬كأطماع الجيكد‪ ،‬كسعي‬
‫إنجمت ار لتصفيو عيكدىا مع الشريف حسيف‪ ،‬ثـ انتقل إلى الدكلة الياشمية في الحجاز كأسباب كقياـ الدكلة‬
‫السعكدية‪ ،‬كمراحل النضاؿ في الشاـ ضد الفرنسييف منذ الثكرة السكرية عاـ ‪1925‬ـ‪ ،‬كجاء الفصل‬
‫الختامي بمبلحظات عامة كمبلحق شممت أسماء المشاركيف في الثكرة السكرية كمف سياسييف كمنفييف‬
‫كمما استشيد مف الرجاؿ كالنساء‪ ،‬ككذلؾ القكاد الفرنسييف‪ ،‬كعدد القكات الفرنسية كأسماء أبناء األقميات‬
‫الدينية كالعنصرية مف السكرييف‪.‬‬
‫في عاـ ‪ 1935‬ـ أصدر أميف سعيد مؤلفو الثاني (أياـ بغداد) كالذؼ يشبو كتب الرحالة في كصفو لمعالـ‬
‫العراؽ كنيضتو العمرانية‪ ،‬كىذا الكتاب رغـ صغر حجمو (‪ 120‬صفحة مف الحجـ المتكسط)‪ .‬ال يقتصر‬
‫عمى استقراء الحكادث أك تقكيميا إنما يقكـ بتصكير الشخصيات التي قابميا كاألماكف التي زادىا كأنؾ‬
‫شاىدتيا‪ ،‬كقد أشار في مقدمة كتابو إال أف إعجابو بنيضة العراؽ الحديثة كآثاره القديمة‪ ،‬ىي الدافع‬
‫إلصدار ىذا الكتاب‪ ،‬كمف المعركؼ أف الكتاب صدر بعد الزيارة التي قاـ بيا الى العراؽ في أكتكبر‬
‫‪1933‬ـ‪ ،‬لحضكر حفل تأبيف الممؾ فيصل‪.‬‬
‫كتحت عنكاف (حركب اإلسبلـ كاإلمبراطكرية الركسية) جاء مؤلفة الثالث ‪ 1935‬كفيو تطرؽ إلى الفتكحات‬
‫اإلسبلمية كفيو تطرؽ إلى الفتكحات اإلسبلمية في الشاـ كمصر كشماؿ إفريقيا‪ ،‬كىي مكضكعات تدخل‬
‫في نطاؽ العصكر الكسطى‪.‬‬
‫أما مؤلفة الرابع عف الدكلة العربية المتحدة فقد جاء في ثبلثة أجزاء‪ ،‬صدر الجزء األكؿ عاـ ‪1936‬ـ‬
‫بعنكاف (تاريخ االستعمار اإلنجميزؼ في ببلد العرب) تتبع فيو الجدكر التاريخية لمقضية العربية‪ ،‬التي مرت‬
‫بمراحل متعددة بدأت بسقكط الدكلة العباسية‪ ،‬ثـ انتقل إلى أحكاؿ العرب تحت الحكـ العثماني كما أصابيـ‬
‫مف انحطاط ديني كقكمي كاجتماعي بسبب سياسة األتراؾ الخاطئة في إىماؿ المغة العربية‪ ،‬كالتعميـ‬
‫الديني‪ ،‬األمر الذؼ أدػ إلى انتشار البدع كالخرافات مما أتاح المناخ المناسب لظيكر كياف سياسي تمثل‬
‫في الدكلة السعكدية األكلى‪ ،‬كعبلقتيا بالدكلة العثمانية‪ ،‬حتى ثـ القضاء عمييا ثـ تناكؿ محاكالت دمحم عمي‬
‫كمجيكداتو لتككيف إمبراطكرية عربية‪.‬‬
‫كمف أبرز القضايا المطركحة في ىذا الجزء كصفو لمدكلة السعكدية األكلى بأنيا أكؿ محاكلة إلنشاء دكلة‬
‫قكمية عربية مستقمة في جزيرة العرب بعد سقكط الدكلة العباسية‪ ،‬كىذا ال يتفق مع الكاقع فيذه المحاكلة ال‬
‫تعني المفيكـ القكمي الذؼ لـ يكف بار اًز في تمؾ الفترة حيث أف الشعكر القكمي عند العرب لـ يظير إال‬
‫في أكاخر القرف التاسع عشر بعد ظيكر القكميات في أكركبا‪ ،‬أما قبل ذلؾ فاف الناس كانكا يتميزكف عف‬
‫بعضيـ البعض بالديف‪ ،‬كما ذكر أف تطمعات دمحم عمي لتككيف إمبراطكرية عربية بيدؼ تحرير العنصر‬
‫‪130‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العربي مف سيطرة األتراؾ كانعاشو كرفع مستكاه العممي كاألدبي كاعداده لممساىمة في إنشاء الحضارة‬
‫الجديدة‪ 1.‬رغـ اىتمامات دمحم عمي لـ تكف لخدمة القكمية العربية كانما التكسع كانشاء دكلة حديثة تضـ‬
‫مصر كالسكداف كببلد الشاـ‪ .‬ثـ تطرؽ في ىذا الجزء إلى الكجكد اإلنجميزؼ في مصر منذ حممو ‪1801‬ـ‬
‫حتى الثكرة العرابية كاحتبلؿ مصر ‪1882‬ـ‪ ،‬ثـ االستيبلء عمى السكداف كالعراؽ كفمسطيف كاألردف‪.‬‬
‫كجاء الجزء الثالث مف ىذا المؤلف ‪1938‬ـ بعنكاف (تاريخ االستعمار الفرنسي كاإليطالي في ببلد العرب)‬
‫كىك مف المكضكعات الجديدة التي تـ الكتابة فييا بالمغة العربية بسبب انشغاؿ الكتاب المغاربة بأحداث‬
‫ببلدىـ عف تدكيف تاريخ منطقتيـ الحديث‪ ،‬كما لـ يتناكلو الكتاب المشارقة في كتاباتيـ بسبب ضعف‬
‫الركابط بيف المشرؽ كالمغرب‪ ،‬ىذا في الكقت الذؼ كثرت فيو المؤلفات األجنبية مف فرنسية كانجميزية‬
‫كايطالية عف تاريخ شماؿ إفريقيا‪ .‬كيسرد المؤلف في ىذا الكتاب األحداث التي مرت بيا اقطار المنطقة‬
‫كالحمبلت الفرنسية مع مصر كالجزائر كتكنس كأيضاً االنتداب الفرنسي عمى سكريا‪ ،‬كاالحتبلؿ اإليطالي‬
‫لميبيا‪.‬‬
‫كعف الحممة الفرنسية عمى مصر رأػ أميف سعيد أف الصكرة الزاىية ليذا االحتبلؿ تتمثل في المشركعات‬
‫العممية كاليندسية كالفنية التي باشرىا العمماء كرجاؿ الفف مدة االحتبلؿ‪ .‬فيـ أكؿ مف أدخل الطباعة عمى‬
‫مصر كأنشئكا المستشفيات عمى الطراز الحديث‪ 2.‬كمع تسميمنا بالتغيير الذؼ أحدثتو الحممة الفرنسية‬
‫داخل المجتمع المدني في مصر‪ ،‬إال أف الثابت لدينا أنيـ أحضركا مطبعتيف كاحدة عربية كاألخرػ فرنسية‬
‫ليس بيدؼ تثقيف المصرييف‪ ،‬كلكف لطبع المنشكرات المكجية إلى الشعب المصرؼ‪ .‬كما أنيـ لـ ينشئكا‬
‫المستشفيات عمى الطراز الحديث كما يقكؿ كلكف يمكف القكؿ إنيـ عممكا عمى نشر الكعي الصحي لدػ‬
‫المصرييف‪.‬‬
‫كفي عاـ ‪ 1938‬ـ ظير الجزء الثالث كاالخير مف كتاب (الدكلة العربية المتحدة) كفيو تناكؿ تاريخ الحركة‬
‫الكطنية في برقة كالجزائر كالمغرب‪ ،‬كما اكرد اسباب قياـ الثكرة العربية في الحجاز‪ ،‬ثـ تاريخ مصر منذ‬
‫عيد الخديكؼ عباس حممي الثاني حتى معاىدة ‪1936‬ـ‪ ،‬كأىـ ما يمفت االنتباه الدعكة التي كجييا أميف‬
‫سعيد لحث العرب عمى تحقيق مشركع الدكلة العربية المتحدة كالتي اختار ليا النمكذج األلماني عمى‬
‫أساس تشابو الشعبيف العربي كاأللماني مف حيث تعدد إماراتو‪ ،‬التي انطكت تحت عمـ قكمي كاحد رغـ ما‬
‫بينيـ مف خبلفات داخمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الدكلة العربية المتحدة ج‪ ،3‬مطبعة عيسى البارؼ الحمبي كشركاه‪ ،‬فبراير ‪ ،1938‬ص ‪642-638‬‬
‫‪2‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الدكلة العربية المتحدة ج‪ :3‬مطبعة عيسى البارؼ الحمبي كشركاه فبراير ‪ .1938‬ص ص ‪642-638‬‬
‫‪131‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كقد نظر إلى الحمف الثبلثي الذؼ ضـ مصر كالسعكدية كاليمف عمى أنو نكاة لتحقيق ىذا المشركع‪ ،‬ثـ‬
‫كضع الخطكات التمييدية لمشركع الدكلة المقترحة‪ ،‬كتكحيد برامج التعميـ‪ ،‬كاعداد طبقة مف المدرسيف في‬
‫كل قطر تككف مشبعة بالركح القكمية لتنشر فكره االتحاد العربي بيف الطبلب‪ ،‬كذلؾ تأسيس جمعيات‬
‫قكمية في كل قطر كاصدار الكتب كالصحف كالمجبلت الداعية إلى االتحاد‪ 1.‬كقد حظيت ثكرة ‪ 23‬يكليك‬
‫‪ 1952‬ـ باىتماـ أميف سعيد مف خبلؿ مجمكعة مؤلفاتو عف تاريخ الثكرة‪ ،‬كقد صدر أكليا ‪1959‬ـ بعنكاف‬
‫(تاريخ مصر السياسي مف الحممة الفرنسية ‪1798‬ـ إلى انييار الممكية ‪1952‬ـ) كفيو تناكؿ تاريخ مصر‬
‫منذ فجر الحممة الفرنسية‪ ،‬ثـ عصر دمحم عمى كانجازاتو في مصر‪ ،‬كفتكحاتو في السكداف كببلد العرب‬
‫كالشاـ‪ ،‬كأخي اًر االحتبلؿ االنجميزؼ كتطكر الحركة الكطنية في مصر حتى قياـ ثكرة يكليك عاـ ‪1952‬ـ‪.‬‬
‫كفي العاـ نفسو ‪1959‬ـ ظير كتاب الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ إلى ‪ 29‬اكتكبر ‪1956‬ـ كىك سجل‬
‫ألعماؿ الثكرة منذ إعبلنيا حتى العدكاف الثبلثي‪ ،‬كأبرز ما جاء في ىذا المؤلف ىك البالغة في اإلشارة‬
‫لقائدىا جماؿ عبد الناصر كبثكرة ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ بحيث طالب أف تككف مثاالً يحتذػ بو في المنطقة‬
‫العربية‪ ،‬كذلؾ ربط بيف ىذه الثكرة كبيف البعثة النبكية كىذا الرابط في غير محمو فميس ىناؾ كجو اتفاؽ أك‬
‫تشابو بيف بعثة ربانية مثالية تحكميا شريعة هلل تكلى مسؤكليتيا إنساف مختار مف رب العالميف كبيف ثكرة‬
‫إنسانية يحتمل نجاحيا أك فشميا كيتكالىا زعيـ صنعتو الظركؼ كليس اإلرادة البشرية‪ ،‬كذؿ برز مكقفو‬
‫العدائي مف بعض الحركات اإلسبلمية مثل جماعة اإلخكاف المسمميف‪ ،‬حيث كصفيـ باإلرىابييف فقاؿ "‪...‬‬
‫كاشترؾ فريق مف اإلخكاف في معركة فمسطيف سنة ‪ 1948‬كاتخذكىا دريعة لنشر االرىاب كالتدمير فاغتالكا‬
‫‪2‬‬
‫في أكاخر عاـ ‪1948‬ـ محمكد النقراشي رئيس كزراء مصر‪.‬‬
‫كمف العدكاف الثبلثي أصدر مؤلفاً اخر في عاـ ‪1959‬ـ بعنكاف العدكاف ‪ 29‬اكتكبر ‪1956‬ـ – اكؿ فبراير‬
‫‪ 1958‬ـ‪ ،‬تناكؿ فيو أسباب العدكاف الثبلثي عمى مصر كقد شبو تدخل بريطانيا في ىذا العدكاف بتدخميا‬
‫عاـ ‪1838‬ـ‪1840-‬ـ لمقضاء عمى مشركع دمحم عمي لتأسيس دكلة عربية‪ ،‬كما شبو معركة بكر سعيد‬
‫بمعركة اليرمكؾ بيف المسمميف كالركـ‪ .‬ثـ انتقل إلى مكقف العرب كاالتحاد السكفييتي مف العدكاف عمى‬
‫مصر‪ .‬كقد أكرد في ىذا الكتاب نصكص البيانات العسكرية لمعارؾ بكرسعيد‪ ،‬كنصكص خطب جماؿ‬
‫عبد الناصر كجاءت خاتمة الكتاب عمى عصر دمحم عمي حتى إعبلف الجميكرية العربية المتحدة ‪1958‬ـ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ الى اكتكبر ‪1956‬ـ دار احياء الكتب العربية القاىرة‪-1959 ،‬ص ص‪-8‬‬
‫‪344‬‬
‫‪2‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬اليمف‪ ،‬ص ‪9 ،807‬‬
‫‪132‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كآخر ما جاء عف الثكرة المصرية مؤلفة (الجميكرية العربية المتحدة) عف جزأيف عاـ ‪1959‬ـ‪ .‬كقد شرح‬
‫فيو مراحل قياـ الكحدة بيف مصر كسكريا‪ ،‬مف حيث مقدماتيا التي بدأت باتفاقيتيا مع مكاجية ممف بغداد‬
‫ككقكؼ سكريا بجانب مصر في فترة العدكاف الثبلثي ثـ انتقل الى مكقف عبد الناصر مف ثكرتي لبناف‬
‫كالعراؽ كمف مشركع ايزنياكر كعبلقتو باألردف‪.‬‬
‫كفي عاـ ‪ 1959‬ـ ظير كتاب (اليمف) الذؼ تتبع فيو تاريخ الدكلة في اليمف مف دخكؿ اإلسبلـ إلييا حتى‬
‫دخكليا الى الجميكرية العربية المتحدة مارس ‪1958‬ـ‪ ،‬ثـ كضع قائمة تضمنت نظاـ الحكـ في اليمف مف‬
‫حيث كالية العيد كالكزراء كظركؼ نقل العاصمة مف تعز إلى صنعاء‪ ،‬كمما يمفت النظر الحممة الشديدة‬
‫التي شنيا أميف سعيد ضد الكجكد العثماني في اليمف ككيف أنو جمب إلييا الخراب كالدمار بحيث أفسح‬
‫‪1‬‬
‫خركجو الطريق أماميا لكي تبرز إلى المجاؿ الدكلي‪.‬‬
‫أما مؤلفة الكطف العربي فقد صدر عاـ ‪1960‬ـ كىك عبارة عف مسح شامل لتاريخ العرب الحديث‬
‫كثكراتيـ ضد الحمبلت الفرنسية كاإلنجميزية كاإليطالية‪ ،‬كيعتبر أميف سعيد مف أكائل الديف نبيكا األدىاف‬
‫إلى أىمية قارة إفريقيا كأنيا قارة المستقبل بالنسبة لمعرب‪ ،‬كلذلؾ لفت األنظار الى ضركرة النزكؿ إلى‬
‫ميدانيا كما ألقى تبعية استمرار السيطرة البريطانية عمى إمارات الخميج العربي عمى الشيكخ كالسبلطيف‬
‫لتعاكنيـ مع بريطانيا‪ .‬كلذلؾ تمنى اف يحذك ىؤالء حذك الممؾ عبد العزيز حينما طمب مف بريطانيا إلغاء‬
‫االتفاقيات المعقكدة بينيا ألنيا استنفذت أغراضيا‪.‬‬
‫كيعتبر المؤلف أيضاً مف أكائل الذيف أدرككا أىمية البتركؿ العربي لذا حث العرب عمى ضركرة حسف‬
‫استغبللو عف طريق إنشاء ىيئة دكلية عربية تضـ الدكؿ المنتجة لمبتركؿ‪ .‬بحيث يعيد لمعرب سياسة‬
‫بتركلية تصكف البتركؿ العربي مف استغبلؿ الشركات االجنبية‪ .‬ثـ خصص فصبلً لمحديث عف جامعة‬
‫الدكؿ العربية كأشار الى ثكرة الشريف حسيف بف عمي ‪1916‬ـ كثكرة رشيد عمي الكيبلني في العراؽ‬
‫كاستقبلؿ سكريا‪ ،‬كلبناف كالعراؽ كاألردف‪ .‬كفي الفصل الختامي يرػ باف أحكاؿ العرب المضطربة تستدعي‬
‫كجكد شخصية مثل الزعيـ جماؿ عبد الناصر تككف قادرة عمى تكحيد العرب‪ ،‬كمرة أخرػ يعكد لمحديث‬
‫عف االنسجاـ بيف عيد جماؿ عبد الناصر كبيف عيد النبكة التي يرػ فييا المؤلف أعظـ العيكد التي‬
‫‪2‬‬
‫عرفيا العرب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الكطف العربي‪ ،‬دار اليبلؿ بمصر‪1960 ،‬ـ‪ ،‬ص ص ‪95 ،504‬‬
‫صبلح العقاد‪ :‬الشرؽ االدنى المعاصر‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرية‪ ،‬القاىرة‪1970 ،‬ـ ص ‪189‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كصدر الجزء الثاني مف مؤلفة الجميكرية العربية المتحدة ‪1960‬ـ كيتضمف عرضاً لعبلقتيا بدكؿ العالـ‬
‫بما فييا الدكؿ العربية‪ ،‬ثـ قاـ بشرح كامل المراحل بناء السد العالي‪ ،‬كاألحداث التي مر بيا لبناف‬
‫‪1‬‬
‫‪1958‬ـ‪ ،‬ثـ انتقل إلى مكقف الجميكرية العربية المتحدة مف قضايا الشعب في آسيا كافريقيا‪.‬‬
‫كفي عاـ ‪1961‬ـ أصدر كتاباً عف (ثكرات العرب في القرف العشريف) انتقد فيو سياسة الدكلة العثمانية‬
‫االقتصادية كالثقافية‪ ،‬بخاصة محاربتيا المغة العربية بإحبلؿ التركية مكانيا كما جرتو تمؾ السياسة مف‬
‫تدىكر أحكاؿ العرب‪ ،‬ثـ تطرؽ إلى ثكرات العرب ضد السيطرة األجنبية في القرف العشريف بما فييا ثكرة‬
‫الشريف حسيف بف عمي‪ .‬كرغـ أف الكتاب كما ىك كاضح مف عنكانو يتحدث عف الثكرات في القرف‬
‫العشريف إلى عيد الحممة الفرنسية باعتبار أف الثكرات المصرية ىي األـ كىي أكؿ ثكرة يقكـ بيا شعب‬
‫عربي ضد دكلة أكركبية‪ .‬ثـ أفرد فصبلً كامبلً لمحديث عف ثكرة ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ عمى اعتبار أنيا أعظـ‬
‫ثكرات العرب في القرف العشريف حيث أنيا لـ ترؽ الدماء كلـ تقتل بالشبية كما حدث في الثكرتيف‬
‫‪2‬‬
‫الفرنسية ‪1789‬ـ كالركسية ‪1917‬ـ‪.‬‬
‫أما مؤلفة (الخميج العربي) فقد صدر عاـ ‪1966‬ـ‪ ،‬كفيو ذكر أف الدافع كراء إفراده دراسة عف الخميج‬
‫العربي ىك عدـ اىتماـ المؤرخيف بالتعرض لتاريخ تمؾ المنطقة في دراستيـ‪ ،‬كما أدػ انتقاده الشديد‬
‫الفتقار المكتبة العربية لمدراسات الخميجية كأف المكجكد منيا ال يتجاكز عدد أصابع اليديف‪ ،‬في حيف‬
‫تعددت المؤلفات االجنبية كتنكعت مكضكعاتيا مما يدؿ عمى شدة إدراؾ األجانب ألىمية منطقة الخميج‪.‬‬
‫كفيما يتعمق بمكضكعات ىذا الكتاب فقد بدأ باإلشارة الى انتشار السبلـ في منطقة الخميج العربي كالصراع‬
‫الدكؿ حكؿ السيطرة عمييا‪ ،‬ثـ انتقل إلى أكضاع عماف في القرف الثامف عشر كالتاسع عشر كاالنقساـ بيف‬
‫اإلمامة‪ ،‬كالسمطنة كعبلقتيا بالدكلة السعكدية كأكضاع الخميج خبلؿ الحرب العالمية األكلى‪ .‬كقد أفرد‬
‫فصبلً خاصاً بالبتركؿ العربي‪ .‬ثـ أبدػ إعجابو بما كصمت إليو الككيت مف نيضو كتقدـ بحيث صارت‬
‫(كردة الخميج) حسب كصفو كذكر بأنو رغـ كجكد معاىدة حماية بيف بريطانيا كالككيت ‪1899‬ـ إال اف‬
‫‪3‬‬
‫شيكخيا لـ يسمحكا لبريطانيا بالتدخل في شؤكنيـ الداخمية‪.‬‬
‫كمرة أخرػ يعيد اميف سعيد كتابة تاريخ ثكرة الحسيف بف عمى عاـ ‪1916‬ـ تحت عنكاف (الثكرة العربية‬
‫الكبرػ كمأساة الشريف حسيف بف عمي) كالذؼ صدر عاـ ‪1966‬ـ حيث أضاؼ بعض المكضكعات التي‬
‫أغفميا في اإلصدار األكؿ‪ ،‬كالفصل يحتكؼ عمى فصكؿ متعددة بدأت بأسباب تصاعد الحركة العربية‬

‫اميف سعيد‪ :‬ثكرات العرب في القرف العشريف‪ ،‬دار اليبلؿ‪ ،‬القاىرة‪1961 ،‬ـ‪ ،‬ص ص ‪30 -11 -7‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫اميف سعيد‪ :‬الخميج العربي‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيركت‪1966 ،‬ـ‪ .‬ص ص ‪209 -185 -6 -5‬‬
‫‪3‬‬
‫صبلح العقاد‪ :‬التيارات السياسية في الخميج العربي‪ ،‬مكتبة األنجمك المصرية‪ ،‬القاىرة‪1983 ،‬ـ ص ‪224‬‬
‫‪134‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كتأسيس الجمعيات القكمية منذ عزؿ السمطاف عبد الحميد الثاني‪ ،‬كاالنتياء بمأساة الحسيف عندىا ثـ نفيو‬
‫إلى قبرص حيث لـ يعد الى ببلده إال في أكاخر أيامو‪.‬‬
‫منيجو في الكتابة التاريخية‪:‬‬
‫مف خبلؿ العرض السابق ألىـ مؤلفات أميف سعيد يمكف الكقكؼ عمى منيجو في الكتابة التاريخية‪ ،‬فقد‬
‫تميزت كتاباتو بسيكلة األلفاظ ككضكح المعنى بحيث أصبحت في متناكؿ جميكر القراء المثقفيف‪ ،‬فبل ىي‬
‫دراسات أكاديمية عميقة ال تفيد إال المتخصصيف كال ىي كتابات مبسطة تنزؿ إلى مستكػ الكتابة العامة‪،‬‬
‫كانما ىي كسط يفيد طبلب الجامعات ككل مف يرغب بتثقيف نفسو‪ ،‬كلـ تقتصر كتاباتو عمى تاريخ العرب‬
‫الحديث‪ ،‬بل عالجت مكضكعات مف التاريخ االسبلمي‪ ،‬كذلؾ اىتـ بإصدار عدد مف المؤلفات في تاريخ‬
‫مصر محققا بذلؾ النظرية القائمة بأف الكتابة في تاريخ العرب الحديث كالمعاصر تحتـ الرجكع إلى تاريخ‬
‫مصر الذؼ يعد مكمبل ليا كبذلؾ يكف قد حرص عمى أف تسيـ مؤلفاتو في نشر الكعي التاريخي بيف‬
‫الدكؿ العربية‪.‬‬
‫حرص أميف سعيد عمى السعي كراء المعمكمة التاريخية مف مصادرىا األصمية سكاء كانت كثائق اك‬
‫مذكرات شخصية اك دكائر المعارؼ األجنبية بجانب اتصالو بالشخصيات المؤثرة في تكجيو األحداث‬
‫كغيرىـ مف شيكد العياف‪ .‬كما فرضت عميو أمانتو العممية أف يزكر العديد مف العكاصـ العربية كقد ساعده‬
‫ىذا السعي كالترحاؿ إلى إخراج العديد مف المؤلفات التي نكىنا إلييا سابقاً اتبع أسمكب السرد التاريخي‬
‫المبسط في كتاباتو كيؤكد ذلؾ ما أشار إليو في مقدمة كتابة (الثكرة العربية الكبرػ) مف حرصو عمى‬
‫مراعاة التسمسل التاريخي لمحكادث مع ابداء رايو في بعض المكاقف معتمدا عمى مقدار ما حصل عميو‬
‫مف كثائق كعمى مكسكعية تككينو الثقافي كالمالية بأكضاع كأحكاؿ العالـ العربي‪ ،‬كقد سار في ىذا السرد‬
‫بأسمكب الركاية الصحفي‪.‬‬
‫جمع المؤلف بيف ركاية األحداث كمعاصرتو ليا فعندما تناكؿ الثكرة العربية الكبرػ سنة ‪1916‬ـ أرخ ليا‬
‫مف كاقع ما سمعو مف شيكد العياف كمكجيي األحداث كما كصل إليو مف مصادر ككثائق ككذا مف كاقع‬
‫مشاركتو فييا إذ رافق األمير فيصل أثناء رحمتو الى دمشق قبل إعبلف الثكرة لمكقكؼ عمى اتجاىات ركاد‬
‫الحركة العربية بخصكص اتصاؿ الحسيف باإلنجميز‪ ،‬كأيضا بكصفو مستشا اًر كخبي اًر لمشؤكف العربية في‬
‫شعبة المخابرات في الجيش التركي في مايك ‪1918‬ـ كعندما تناكؿ ثكرة ‪1952‬ـ ذكر في مقدمة كتابة‬
‫(الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ ‪ 29-‬اكتكبر ‪1956‬ـ) بأنو ليس أكثر مف راك ككاتب ألحداثيا مف كاقع‬
‫‪1‬‬
‫حبو كاخبلصو عمى حد قكلو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ مرجع سابق‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪135‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمف الصفات األساسية لممؤرخ عدـ التحيز أك الميل اك الكراىية لعصر اك لناحية تاريخية معينة‪ 1.‬كلكف‬
‫أميف سعيد خرج عف ذلؾ مثبل حممتو الشديدة عمى الحكـ العثماني في الببلد العربية إلى حد كصفة‬
‫باالحتبلؿ (الممقكت‪ ،‬كالمشؤكـ)‪ 2.‬في حيف أشاد بمكاضيع أخرػ بالمعاممة الكدية التي القاىا العرب تحت‬
‫الحكـ العثماني‪ 3.‬متفقاً مع ذلؾ مع د‪ .‬دمحم أنيس الذؼ أكد عمى اف الحكـ العثماني بالشرؽ االدنى لـ يكف‬
‫ظالماً أك عنيفاً‪ 4.‬كذلؾ ذكر د‪ .‬عبد العزيز الشناكؼ بأف سكاف الكاليات العربية لـ يطمقكا عمى الطرؽ‬
‫‪5‬‬
‫العثمانية المرابطة في ببلدىـ اسـ جيش االحتبلؿ‪ ،‬بل أطمقكا عمييا الحاميات العثمانية‪.‬‬
‫كما اتجو نحك استخداـ ألفاظ خارجة عف نطاؽ المنيج الصحيح لمكتابة التاريخية مثبلً أنو نعت الخديكؼ‬
‫إسماعيل بالسفاىة كالخديكؼ تكفيق بالحقارة كالممؾ فاركؽ بالطاغية الفاسد‪ .‬كذلؾ أيضاً حينما ألقى‬
‫‪6‬‬
‫مسؤكلية حريق القاىرة كالمصائب التي تنزلت بمصر عمى الممؾ كاإلنجميز‪.‬‬
‫خرج أيضاً عف الحيادية كالمكضكعية التي يجب اف تتكفر في المؤرخ عند تحميمو لبعض االشخاص‬
‫مسؤكلية أحداث محددة دكف دليل أك برىاف خاصة أنو لـ يثبت حتى اآلف مف المسؤكؿ عف حريق القاىرة‬
‫يناير ‪1952‬ـ‪ .‬كاف كانت أصابع االتياـ تكجو إلى الممؾ كاإلنجميز‪.‬‬
‫كما بالغ في تعظيـ الزعامة الفردية ممثمة في شخص الرئيس جماؿ عبد الناصر إلى حد إعطائو صفات‬
‫العبقرية كالتشبو باألنبياء كالرسل كمف أىـ ذلؾ ما كتبو عف ثكرة ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ حيثما شبييا بالبيعة‬
‫النبكية فذكر أف ىناؾ كثي اًر مف الشبو كالتقارب بيف ىذه الثكرة كبيف تمؾ الثكرة العظمى التي قادىا الرسكؿ‬
‫‪7‬‬
‫دمحم (ملسو هيلع هللا ىلص) في الحجاز منذ أكثر مف أربعة عشر قرناً‪.‬‬
‫كقد غمب عمى كتاباتو المنيج الصحفي مف حيث التركيز عمى النكاحي السياسية دكف االجتماعية‬
‫كاالقتصادية‪ ،‬كذلؾ استخداـ األساليب األدبية اإلنشائية التي يستخدميا الصحفي عادة الجتذاب القراء‪،‬‬
‫كالتي ال تتمشى مع األسمكب العممي في الكتابة التاريخية كاألمثمة عمى تمؾ متعددة تذكر منيا عمى سبيل‬

‫‪1‬‬
‫حسف عثماف‪ ،‬منيج البحث التاريخي ط‪ ،4‬دار المعارؼ‪ ،‬القاىرة‪1964 ،‬ـ‪ ،‬ص‪19‬‬
‫‪2‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬اليمف‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬ثكرات العرب في القرف العشريف مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ ،8‬المؤلف نفسو‪ ،‬الثكرة العربية الكبرػ‪ ،‬ج‪ ،1‬مطبعة‬ ‫‪3‬‬

‫عيسى البابي‪1934 ،‬ـ‪ ،‬ص‪201‬‬


‫‪4‬‬
‫دمحم انيس الدكلة العثمانية‪ ،‬الشرؽ العربي (‪1914-1514‬ـ) مكتبة االنجمك المصرية‪ .‬د‪ .‬ت ف‪ ،‬ص ‪140‬‬
‫‪5‬‬
‫عبد العزؼ الشناكؼ‪ :‬الدكلة العثمانية دكلة اسبلمية مفترػ عمييا‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرية‪ ،‬القاىرة‪1980 ،‬ـ ص ‪945‬‬
‫‪6‬‬
‫اميف سعيد‪ :‬الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ ‪29-‬اكتكبر ‪1956‬ـ‪ ،‬ص‪ ،1‬المؤلف نفسو تاريخ مصر السياسي مف الحممة‬
‫الفرنسية ‪1798‬ـ الى انييار الممكية ‪1952‬ـ دار احياء المكتب العربية‪ ،‬عيسى البابي ‪1959‬ـ ص ص ‪382-98-97‬‬
‫‪7‬‬
‫اميف سعيد‪ ،‬الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪1952‬ـ‪-‬إلى ‪ 29‬اكتكبر ‪1956‬ـ ص ص ‪20-18‬‬
‫‪136‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المثاؿ ال الحصر الكصف الذؼ أعطاه لثكرة يكليك ‪1952‬ـ بأنيا اعظـ ثكرات العرب عمى اإلطبلؽ قادىا‬
‫الرباف الماىر الحكيـ بطل العرب األكبر جماؿ عبد الناصر‪ ،‬كىزمت اإلنجميز كالفرنسييف كالييكد حينما‬
‫اعتدكا عمييا سنو ‪1956‬ـ‪ 1.‬كمف المعركؼ أف انسحاب االنجميز كالفرنسييف كالييكد كاف بضغط دكلي‬
‫أمريكي ركسي‪.‬‬
‫كذلؾ اتسـ أسمكبو بعدـ االلتزاـ بالمنيج الصحيح لمبحث التاريخي مف حيث خمك كتبو مف اليكامش التي‬
‫ترشد القارغ إلى مصدر المعمكمات التاريخية‪ ،‬رغـ اعتماده عمى مصادر تعد أكلية في أؼ بحث تاريخي‬
‫كاف كاف كثير مف األكاديمييف ال يبالغكف في استخداـ اليكامش‪ ،‬حتى نصكص المعاىدات كالمذكرات‬
‫كالخطب كالكاردة في مؤلفاتو لـ يشر إلى مصدرىا كيبدك أنو اعتبر أف اإلشارة في بداية مؤلفة إلى مصدر‬
‫المعمكمات كافية إلرشاد القارغ أك حتى مذكرات أحد المعاصريف أك شيكد العياف يكفي فقط باإلشارة الى‬
‫المصدر في المتف دكف إثباتو في اليامش طبقاً لممنيج الصحيح في الكتابة التاريخية‪.‬‬
‫كلئلنصاؼ فإف أغمب المؤرخيف في ىذه الفترة لكحع انيـ اتبعكا نفس المنيج في كتاباتيـ مثل دمحم عزه‬
‫دركزه كابف خمدكف (ساطع المصرؼ) اك حتى د‪ .‬دمحم أنيس في كتابو (الدكلة العثمانية كالمشرؽ العربي)‪.‬‬
‫كما غمب في كتاباتو التكرار كاالستطراد كىذا كاضح أماـ كل مف يحاكؿ االستطبلع عمى مؤلفاتو مف ذلؾ‬
‫تناكلو الثكرة العربية الكبرػ كغيرىا مف الثكرات العربية في أكثر مف مؤلف كذلؾ لـ يمتزـ بتسجيل الحكادث‬
‫التاريخية بتقديـ مكحد فأحياناً يستخدـ التقكيـ اليجرؼ كفي الصفحة نفسيا يسجل أحداثاً أخرػ بالتقكيـ‬
‫الميبلدؼ‪ ،‬كفي بعض األحياف كاف يستخدـ التقكيـ اليجرؼ كما يقابمو بالتقكيـ الميبلدؼ كما في كتابو‬
‫(اليمف) كمف المفركض التزاـ المؤرخ بتقكيـ ثابت طكاؿ البحث‪.‬‬
‫كلكف البد لنا أف نعترؼ بالجيد الكبير الذؼ قاـ بو أميف سعيد إذ تعد مؤلفاتو كجياً ميماً لكل مف يرغب‬
‫في التعرؼ عمى تاريخ العرب الحديث المعاصر كما أنيا اسيمت ببل شؾ في اإللماـ بالكتابة التاريخية‪.‬‬
‫الثورة العربية الكبرى في مؤلفات أمين سعيد‪:‬‬
‫مف خبلؿ دراسة كتابات أميف سعيد يبلحع أف مكضكع الثكرة العربية الكبرػ ‪1916‬ـ حظي باالىتماـ‬
‫الكبير خاصو أنو كاف قريب منيا كشارؾ في صنع أحداثيا كعايش أبطاليا‪ ،‬فيذكر أميف سعيد أف الدكلة‬
‫السعكدية تعد إحدػ مراحميا باعتبارىا أكؿ دكلة قكمية عربية تقاـ في جزيرة العرب بعد سقكط الدكلة‬

‫‪1‬‬
‫أحمد نيكحي ميراف‪ :‬التاريخ كالتأريخ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية االسكندرية ‪1992‬ـ‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫‪137‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العباسية‪ 1.‬كنظ اًر لتغمب النزعات الدينية كاإلقميمية عمى المجتمعات الشرقية كقت ذاؾ لذا كاف مف‬
‫‪2‬‬
‫الصعب اإلقرار بالدكافع القكمية لمدكلة السعكدية‪.‬‬
‫كذلؾ اعتبر المؤلف أف فتكحات دمحم عمي في الشاـ كالجزيرة العربية إحدػ مراحل الدكلة العربية المكحدة‪،‬‬
‫لتشمل كل األقطار العربية‪ ،‬التي كانت تتبع الدكلة العثمانية باستثناء المغرب األقصى باعتباره المنطقة‬
‫الكحيدة التي ظمت بعيدة عف سيطرة األتراؾ كما ىك معركؼ‪ ،‬مؤكداً عمى الدكر الذؼ لعبو دمحم عمي كابنو‬
‫إبراىيـ في إنشاء إمبراطكرية عربية‪.‬‬
‫كيختمف جكرج أنطكنيكس مع المؤلف حينما رأػ أف فجر حركة العرب القكمية انبعثت مف ببلد الشاـ‬
‫عندما تأسست جمعية أدبية في بيركت ‪1814‬ـ تحت رعاية األمريكاف‪ ،‬كأف استقرار سمطة الكىابييف في‬
‫الجزيرة كحرب دمحم عمي عمى الشاـ "ما ىي إال مساعي فردية كحركات متطرفة ناشئة عف دكافع خاصة‪،‬‬
‫كلـ تكف خطكات منتظمة في سير القكمية العبرية"‪.‬‬
‫كأضاؼ أف تجربة دمحم عمي ىي بداية متعثرة غير سميمة لميقظة العربية كمصيرىا اإلخفاؽ كأشار إلى‬
‫أسباب الفشل ليذه المحاكلة ىي مقاكمة اإلنجميز مف سقكط الدكلة العثمانية كاستبداليا بدكلو قكمية فتية‬
‫‪3‬‬
‫تيدد مصالح اإلنجميز في طرؽ اليند‪ ،‬باإلضافة إلى فقداف الكعي القكمي لدػ العرب‪.‬‬
‫كرغـ االختبلؼ بيف ىذيف المؤلفيف إال أنيما اتفقا أف فكرة القكمية العربية قد اختفت مع انتياء تجربة دمحم‬
‫عمي كابنو كلـ تعد إلى الظيكر إال خبلؿ الحرب العالمية الثانية عمى يد الشريف حسيف بف عمي حيث‬
‫تضافرت الجيكد كعكامل أىميا بداية بركز الشعكر القكمي العربي بنتيجة سياسة التتريؾ كدعـ بريطانيا‬
‫‪4‬‬
‫لمفكرة تماشيا مع مصالحيا كىي نفسيا التي عارضت تجربة دمحم عمي‪.‬‬
‫كيرػ المؤلف أنو فيما يتعمق بثكرة الشريف حسيف بف عمي ‪1916‬ـ كالتي اعتبرت تجسيداً عممياً لتطكر‬
‫حركة الفكر القكمي عند العرب‪ ،‬كالتي حفمت باىتمامات المؤلف بحيث لـ يقتصر عمى رصد أحداثيا في‬
‫أكثر مف مؤلف مف مؤلفاتو بل أفرد ليا دراسة خاصة جاءت في إصداريف‪ :‬األكؿ عاـ ‪1934‬ـ بعنكاف‬
‫(الثكرة العربية الكبرػ) كيقع في اثنيف كثبلثيف كثبلثمائة صفحة مف القطع المتكسط‪ ،‬كالثاني عاـ ‪1966‬ـ‬
‫بعنكاف أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬كالذؼ يقع في اثنيف كتسعيف كثبلثمائة صفحة‬
‫مف القطع المتكسط‪.‬‬

‫اميف سعيد‪ :‬ثكرات العرب في القرف العشريف ص ‪31-30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫أميف سعيد‪ ،‬الدكلة العربية المتحدة ح‪ ،1‬ص‪192-3‬‬
‫‪3‬‬
‫جكرد أنطكنيكس‪ :‬يقظة العرب‪ ،‬ص ‪ 24 ،22 ،2 ،1‬أميف سعيد‪ :‬الدكلة العربية المتحدة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪201‬‬
‫‪4‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيركت‪ 1966 ،‬ص‪16 ،7 ،6‬‬
‫‪138‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كجاء في مقدمة ىذيف اإلصداريف أف إغفاؿ الكتاب العرب عمى تناكؿ أحداث تمؾ الثكرة كأحداثيا‬
‫‪1‬‬
‫كتطكراتيا في مؤلفاتيـ كاف كراء اىتمامو بيا‪.‬‬
‫كمف ىذا المنطمق أكد أميف سعيد أف كتابو يعد أكؿ دراسة بالمغة العربية عف أكؿ ثكرة أعمنيا العرب عمى‬
‫األتراؾ في القرف العشريف‪.‬‬
‫كلمتأكد مف ذلؾ راجعنا بعض الدراسات العربية التي كتبت عف الثكرة فكجدنا أف كتاب جكرج أنطكنيكس‬
‫(يقظة العرب) قد صدر ‪1946‬ـ ككتاب دمحم عزه دركزه (حكؿ الحركة العربية الحديثة) صدر عاـ‬
‫‪1950‬ـ‪ ،‬أما كتاب ساطع الحصرؼ (يكـ ميسمكف) صدر عاـ ‪1964‬ـ‪.‬‬
‫كليذا يعتبر كتابو الصادر في ‪1934‬ـ أكؿ دراسة صدرت عف ثكرة الشريف حسيف بف عمي‪ ،‬كمما يؤكد‬
‫ذلؾ استعانة بعض مؤرخي ككتاب جيمو في تسجيل بعض األحداث فقد أخذ عنو دمحم عزه دركزه نصكص‬
‫المراسبلت بيف الحسيف كمكماىكف المعتمد البريطاني في مصر‪.‬‬
‫بذؿ أميف سعيد جيداً كبي ار لمكصكؿ الى كل ما يفيده في رصد أحداث الثكرة فقد اعتمد عمى مصادر تعد‬
‫أكلية لكل مف يحاكؿ كتابة التاريخ مثل مقابمتو لعدد كبير مف الشخصيات التي شاركت في صنع األحداث‬
‫أثناء زيارتو المتعددة لعدد مف العكاصـ العربية‪ ،‬سكاء كانكا ممككاً مثل عمى كعبد هلل‪ ،‬كفيصل‪ ،‬أبناء‬
‫الشريف‪ ،‬أك مسؤكليف في الحككمة الياشمية الذيف أقامكا في مصر كعبد هلل بف سراج رئيس ىيئة الكالء في‬
‫الحككمة الياشمية كعبد هلل باشا بف دمحم كزير داخمية تمؾ الحككمة كفؤاد الخطيب اميف خارجيتيا‪ ،‬كنسيب‬
‫البكرؼ أحد مؤسس الحركة العربية الجديدة كغيرىـ مف أبناء القضية الذيف لـ يبخمكا عميو بأؼ معمكمة‬
‫كيحفظكنو كثائق باإلضافة إلى المصادر العربية كالمذكرات كالدكريات كالمؤلفات التركية كاألجنبية مف‬
‫إنجميزية كفرنسية‪ ،‬كيبدك أف تمؾ المصادر كانت كافية "لتككيف رأؼ كامل عنيا كاصدار حكـ بعيد عف‬
‫التحيز كاليكػ" مؤكداً أف ىدفو ىك المكضكعية كمعرفة التاريخ‪ ،‬أما لماذا اتجو اميف سعيد إلصدار كتاب‬
‫ثاني عف الثكرة فيرػ أف ىناؾ أسباب متعددة دفعتو لذلؾ أكليا عثكره عمى مصادر ككثائق لـ يتمكف مف‬
‫الحصكؿ عمييا مف اإلصدار األكؿ‪ ،‬كبذلؾ أضاؼ إلى اإلصدار الثاني إضافات جديدة في الشكل‬
‫كالمضمكف‪ ،‬كثانييما اإلقباؿ كالتقدير الزائد الذؼ لقيو في المؤلف األكؿ‪ ،‬كبذلؾ جاء الثاني عمى حد قكلو‬
‫استجابة لنداء الشعكب العربية التي كانت تمح في إعادة طبعو‪ ،‬كبمراجعة فيرس ىذيف اإلصداريف لكحع‬
‫أف االختبلؼ ظير منذ البداية فبينما بدأت فصكؿ األكؿ باإلشارة إلى مقدمات الثكرة كمراحميا منذ سميـ‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪ ،51-39-37‬جكرج انطكنيكس‪ :‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪155- 154‬‬
‫‪139‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫حتى عبد الحميد الثاني مكضحاً سياسة األخير تجاه العرب‪ ،‬استيل فصكؿ الثاني باعتراض الفكائد التي‬
‫حققتيا الثكرة العربية محاكالً الرد عمى كل مف انتقد الحسيف بسبب ثكرتو عمى دكلة الخبلفة‪.‬‬
‫ثـ انتقل إلى ثكرات العرب عمى الحكـ التركي خبلؿ ثبلثة قركف منذ القرف الثامف عشر فعدد منيا حكرة‬
‫الشيخ دمحم عبد الكىاب في نجد‪ ،‬كثكرة عمي بيؾ الكبير في مصر‪ ،‬كظاىر العمر في فمسطيف‪ ،‬كاعتبر‬
‫دخكؿ دمحم عمي ببلد الشاـ ثكرة‪ ،‬كالثكرة الميدية في السكداف‪ ،‬كالعربية في مصر‪ ،‬كاخي اًر ثكرة الحسيف في‬
‫الحجاز‪.‬‬
‫كقد اشترؾ اإلصداراف في تناكليما لعناصر الحركة العربية كتأسيس الجمعيات القكمية العمنية كالسرية‬
‫سكاء في اسطنبكؿ أك القاىرة أك الشاـ كالتي اعتبر تطكر نشاطيا إرىاصاً لمثكرة متفقاً مع كل مف تناكؿ‬
‫الثكرة مف مؤلفاتو كجكرج أنطكنيكس كد‪ .‬أحمد قدرؼ كىك مف شيكد العياف‪ ،‬مثل دمحم عزة دركزه‪ ،‬كقدرؼ‬
‫قمعجي كغيرىـ‪.‬‬
‫ىناؾ أكجو اختبلؼ كاتفاؽ بيف المؤرخيف حكؿ أحداث الثكرة كتطكراتيا كيتمثل االتفاؽ في اآلتي‪:‬‬
‫تشجيع إنجمت ار لتصاعد نحك الحكرة العربية‪ ،‬كالقياـ بثكرة ضد األتراؾ باعتبارىا عامبلً إلضعاؼ تركيا‬
‫كبالتالي ألمانيا في الشرؽ األكسط‪.‬‬
‫كأيضاً حكؿ تبني إنجمت ار منذ البداية فكرة التحالف مع أمير مكة دكف غيرة مف أمراء شبة الجزيرة كباف‬
‫كتشنز (‪ )Kitchener‬كراء ىذا االختيار رغـ االنتقادات التي كجيت لو كالتي كانت تفضل ابف سعكد‬
‫‪1‬‬
‫صاحب القكة كالسمطاف‪.‬‬
‫إال أنيـ اختمفكا بشأف بداية االتصاؿ باإلنجميز فبينما يؤكد أميف سعيد كأحمد قدرؼ أف الحسيف حتى‬
‫إعبلف الحرب‪ ،‬اقتصرت تطمعاتو نحك استقبلؿ الحجاز فقط‪ ،‬بحيث تككف كفقاً عميو كعمى أكالده‪ ،‬كلذا لـ‬
‫يفكر في االتصاؿ أك االتفاؽ مع اإلنجميز كقد دعـ األكؿ كجو نظره بتصريح األمير عبد هلل حينما قاؿ‬
‫"‪ ..‬لـ يسبق لنا قبل الثكرة أف دخمنا في الحياة الدكلية أك عاممنا األجانب أك اتصمنا بيـ عف قريب أك بعيد‬
‫‪2‬‬
‫كقد جاءنا اإلنجميز إلى الحجاز كلـ نذىب إلييـ"‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪ ،51-39-37‬جكرج أنطكنيكس‪ :‬المرجع السابق‪،‬‬
‫ص ‪155-154‬‬
‫‪2‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص‪ ،16-7-6‬أحمد قدرؼ‪ ،‬مذكراتي عف الثكرة العربية‪،‬‬
‫مطابع ابف زيداف‪ ،‬دمشق‪1956 ،‬‬
‫‪140‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كرغـ اتفاؽ جكرج أنطكنيكس مع أميف سعيد في مسألة السعي نحك استقبلؿ الحجاز إال أنو اعتبر ذلؾ‬
‫سبباً في اتجاه عبد هلل نحك االتصاؿ باإلنجميز في أكائل فبراير ‪1914‬ـ لذا كصف أنطكنيكس األمير‬
‫‪1‬‬
‫بالتسرع‪.‬‬
‫كفي الكقت نفسو أكد دمحم عزه دركزه بأف تعسف االتحادييف كسكء نكاياىـ نحك العرب كالشريف كاف سبباً‬
‫‪2‬‬
‫الندفاع األمير عبد هلل نحك االتصاؿ بالمعتمد البريطاني في مصر‪.‬‬
‫أف الخبلؼ الذؼ دب بيف الحسيف كتركيا بدا منذ تكليو منصب الشرافة‪،‬‬ ‫عمى أؼ حاؿ يمكننا القكؿ ّ‬
‫خاصة بعد الخطبة التي ألقاىا بيذه المناسبة كالذؼ أكد فييا عمى عدـ اعترافو بسمطو األتراؾ عمى‬
‫‪3‬‬
‫الحجاز‪ ،‬كالتزامو الشريعة اإلسبلمية فقط‪.‬‬
‫كتباينت كجيات نظر المؤرخيف بشأف تمؾ الخطبة فبينما رحب بيا جكرج أنطكنيكس كقاؿ بأنو لكال كجكد‬
‫‪4‬‬
‫الحسيف‪ ،‬لصارت سمطة السمطاف مطمقة في الحجاز‪.‬‬
‫أما جميس مكريس (‪ )James Mores‬فقاؿ أف الحسيف عزـ عمى إحياء الشرافة‪ ،‬كفرض سمطانو عمى‬
‫القبائل كسمؾ سمككاً صحيحاً كلكف كانت عبلقتو بارده مع (أسياده الجدد في تركيا) خالقاً نكعاً مف التكازف‬
‫‪5‬‬
‫بيف العصياف كاألماف‪.‬‬
‫كمنذ ذلؾ الكقت بدأ االتحاديكف يخططكف لمتخمص مف الشريف حسيف كأبنائو ككانت أكؿ الخطكات‬
‫بتعييف رىيب باشا األلباني كالياً جديداً عمى الحجاز كامداده بفرقة عسكرية إلتماـ ميمتو كتحكيل الحجاز‬
‫إلى كالية عادية مف كاليات الدكلة‪.‬‬
‫أدت تمؾ االجراءات إلى قياـ أزمة عنيفة بيف الشريف حسيف كالكالي الجديد انتيت بعقد اجتماع في‬
‫القاىرة بيف الصدر األعظـ كاألمير عبد هلل حيث قدـ األمير عدة مطالب تضمنت إنشاء خط سكة حديد‬
‫مف المدينة إلى مكة ‪-‬جدة –ينبع‪ ،‬بشرط أف يناؿ الشريف ثمث إيراد ىذه السكة كأف تبقى إمارة مكة لو‬
‫كألكالده مدػ الحياة‪ ،‬مع كضع قكة كافية تحت تصرفو لتنفيذ ىذا المشركع‪ ،‬كأخي اًر تخصيص ربع مميكف‬
‫ليرة عثمانية تحت تصرؼ الشريف إلنفاقيا عمى العرباف‪ ،‬كلكف حاؿ ظركؼ قياـ الحرب العالمية األكلى‪،‬‬
‫دكف إتماـ ىذا المشركع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جكرج أنطكنيكس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪139‬‬
‫‪2‬‬
‫دمحم عزة دركزه‪ :‬حكؿ الحركة العربية الحديثة‪ ،‬ج‪ ،1‬المطبعة العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،1950 ،‬ص‪49‬‬
‫‪3‬‬
‫اميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪45‬‬
‫‪4‬‬
‫جكرج أنطكنيكس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪282-279‬‬
‫‪5‬‬
‫جيمس مكريس‪ :‬الممكؾ الياشميكف‪ ،‬منشكرات المكتب العالمي لمتأليف كالترجمة – بيركت‪ 1964 ،‬ص ‪25‬‬
‫‪141‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رأػ رجاؿ االتحاد كالعراؽ في دخكليـ الحرب العالمية األكلى إلى جانب ألمانيا فرصة لمقضاء عمى رمكز‬
‫الحركة القكمية العربية في سكريا كلبناف‪ ،‬إما بالقتل أك اإلبعاد‪ ،‬خاصة بعد إجراءات جماؿ باشا قائد‬
‫الجيش الرابع التركي في ببلد الشاـ ضد قادة الحركة الكطنية العربية بعد كشف مؤامرة لمثكرة عمى الحكـ‬
‫التركي كاعتقاؿ قادة الحركة الكطنية‪ ،‬مما دفع الشريف حسيف بف عمي إلرساؿ ابنو فيصل إلى دمشق‬
‫طالباً العفك عنيـ مف جماؿ باشا‪ ،‬كمنح سكريا نظاـ ال مركزؼ‪ ،‬كجعل إمارة مكة كراثية لو كألكالده كيرػ‬
‫أميف سعيد أف الحسيف لـ يكف مكفقاً في اختيار الكقت المناسب إلرساؿ تمؾ المطالب جاءت مع‬
‫‪1‬‬
‫انتصارات األتراؾ في الحرب لذلؾ رفضتيا الحككمة التركية‪.‬‬
‫كاتفق معو في ذلؾ أحمد شكرؼ كعبد المجيد محمكد حينما ذكركا أف تمؾ المطالب ال يمكف ألؼ دكلة‬
‫‪2‬‬
‫ذات سيادة أف تمبييا إال بالطرؽ الدستكرية كىذا متعذر كقت الحرب‪ ،‬فإص ارره عمييا يعتبر مؤامرة‪.‬‬
‫لذا بادر الشريف حسيف باالتصاؿ بأقطاب الحركة الكطنية القكمية في سكريا كدمشق عف طريق ابنو‬
‫فيصل حيث كجد إجماعاً عمى تزعـ الشريف حسيف لمثكرة لتحرير الببلد العربية‪ ،‬مف السيطرة التركية‬
‫باالتفاؽ مع إنجمت ار باسـ العرب ضمف شركط محددة تضمف لمعرب حريتيـ ككحدتيـ كعمى ىذا األساس‬
‫كضمف ىذه الشركط دارت مراسبلت الحسيف مكماىكف المفكض البريطاني في مصر في مارس ‪1916‬ـ‪.‬‬
‫كالسؤاؿ الذؼ يطرح‪ ،‬لماذا انتقمت الثكرة مف سكريا إلى الحجاز‪ ،‬كلماذا أجمع السكرييف عمى تزعـ الشريف‬
‫حسيف بف عمي ليا يرػ المؤرخكف بأف األكضاع الجديدة في سكريا حالت دكف قياـ الثكرة‪ ،‬خاصة مع‬
‫إقداـ السمطات التركية إلى إبعاد الفرؽ العسكرية العربية في الجيش التركي إلى خارج ببلد الشاـ كالقتاؿ‬
‫في جبيات بعيدة‪ ،‬ككاف معظـ أفراد ىذه الفرؽ مف العناصر المؤيدة لمثكرة باإلضافة إلى إعداـ أك اعتقاؿ‬
‫أك مطاردة إعداد كبيرة مف الكطنييف السكرييف لذلؾ رأػ الكطنييف السكرييف أف األفضل نقل الثكرة إلى‬
‫‪3‬‬
‫الحجاز البعيدة عف سيطرة تركيا كمكانتو في قمب الجزيرة كقدرتو عمى حشد القبائل لمكاجيو األتراؾ‪.‬‬
‫قبل انتياء كمراسبلت الشريف حسيف كمكماىمكف‪ ،‬بدأ األتراؾ في تجميع قكاتيـ في الحجاز إلرساليا‬
‫لميمف فظف الشريف حسيف أنيا مكجيو لو لذا عجل بإعبلف الثكرة‪ ،‬ككانت نكاتو األكلى مجمكعة مف‬
‫الضباط العرب العامميف في الجيش التركي في جبيتي فمسطيف كالعراؽ مثل نكرؼ السعيد‪ ،‬كجميل الراكؼ‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص‪ ،53-52-48-43‬جكرج انطكنيكس المرجع‬
‫السابق‪ :‬ص ‪ ،144-139-137‬قدرؼ قمعجي‪ :‬الثكرة العربية الكبرػ ‪ 1925-1916‬شركة المطبكعات لمتكزيع كالنشر‪،‬‬
‫بيركت‪ ،‬لبناف‪ ،1933 ،‬ص ‪186-183-179‬‬
‫‪2‬‬
‫مذكرات جماؿ باشا‪ :‬تعريب‪ :‬عمى أحمد شكرؼ‪ ،‬تحقيق عبد المجيد محمكد منشكرات دار البصرػ‪ ،‬بغداد‪ ،1963 ،‬ص‪8‬‬
‫‪3‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪ ،109 ،34-32-30‬جكرج انطكنيكس‪ ،‬المرجع‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪156 ،155 ،57‬‬
‫‪142‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مف العراؽ‪ ،‬كرؤكؼ عبد اليادؼ مف فمسطيف‪ ،‬كعزيز المصرؼ مف مصر باإلضافة إلى بدك الحجاز الديف‬
‫‪1‬‬
‫شكمكا األساس ليذا الجيش‪.‬‬
‫أبرز أميف سعيد دكف غيره أكجو الخبلؼ بيف اإلنجميز كالحسيف بعد إعبلف الثكرة كالذؼ ظير في تراجع‬
‫بريطانيا عف بعض التزاماتيا تجاه الحسيف بداية مف الخبلؼ حكؿ منشكر الثكرة الذؼ أدخل اإلنجميز عميو‬
‫كثير مف التعديبلت قبل نشره‪ ،‬أك الخبلؼ حكؿ مشكمة الدفاع عف الرايغ كقنفدة كىي قياـ دمحم عمي‬
‫االدريسي باستغبلؿ انشغاؿ الحسيف بف عمي بحرب األتراؾ كقاـ باحتبلليا في يكليك ‪1916‬ـ كلـ يجمكا‬
‫عنيا إال بعد تدخل اإلنجميز‪ ،‬كقبل االنتياء مف ىذه المشكمة ظيرت مشكمة أخرػ أدؽ كأصعب كىي‬
‫مشكمة المقب الذؼ يككف لمحسيف بعد إعبلف الثكرة‪ ،‬فبعد مركر ثبلثة أشير عمى الثكرة كخركج األتراؾ مف‬
‫الحجاز بادر الحسيف بإنشاء حككمة جديدة في اكتكبر ‪1916‬ـ كبيذه المناسبة بايعو قضاة الحجاز‬
‫كأشرافو كرجاؿ الديف ممكاً عمى العرب‪ ،‬كلكف لـ يعترؼ بو الحمفاء إال ممكاً عمى الحجاز‪.‬‬
‫كمف خبلؿ عرض أميف سعيد لتمؾ المشكمة تجده قد أيد المقب الثاني لمحسيف بدليل قكلو "‪ ..‬كاف الحمفاء‬
‫يخشكف مف المقب الممكي ألنو قد يؤدؼ إلى كقكع االنشقاؽ كاالنقساـ‪ ،‬بيف أمراء العرب‪ ،‬كقد يحكؿ في‬
‫‪2‬‬
‫المستقبل دكف تسكية شؤكف الجزيرة تسكية تبعت عمى االرتياح"‪.‬‬
‫كاتفق معو جكرج أنطكنيكس حيف كصف ىذا اإلجراء بأنو عمبلً خالياً مف بعد النظر كجاء في غير‬
‫‪3‬‬
‫أكانو‪.‬‬
‫بينما تكخى المؤلف الحذر مف مكقفو مف مشكمة المقب تجده رفض صراحة فكرة إعبلف الحسيف خميفة‬
‫عمى المسمميف‪ ،‬في تمؾ المرحمة المبكرة مف الثكرة كالحرب العالمية ما تزاؿ تدكر رحاىا‪ ،‬حيث رأػ أنو‬
‫مف األفضل تأجيل إثارة المكضكع الذؼ سكؼ يضر بقضية العرب كيثير عمييـ سخط كاستنكار العالـ‬
‫‪4‬‬
‫االسبلمي‪.‬‬
‫كقد أثير مكضكع الخبلفة مرة أخرػ في أكائل ‪1923‬ـ‪ ،‬ككانت العبلقات بيف بريطانيا كالشريف تمر بأدؽ‬
‫مراحميا‪ ،‬كعندما أصدر المجمس الكطني في تركيا الحديثة ق ارره بإعبلف الجميكرية في ‪ 29‬نكفمبر سنة‬
‫‪1922‬ـ‪ ،‬كاالحتفاظ بالخبلفة مؤقتاً كاختير ليا السمطاف عبد الحميد ابف السمطاف عبد المجيد مع تجريده‬
‫مف جميع السمطات التي كانت لو‪ ،‬كقد أثار ىذا اإلعبلف استياء المسمميف في كافة انحاء العالـ‪ ،‬ك كجد‬
‫األمير عبد هلل فرصة سانحة بمبايعة الحسيف بالخبلفة ثـ بايعو بعد ذلؾ بالخبلفة كل مف الحاج أميف‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف ص ‪181-160-126-123-121-120-119-118‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‬
‫‪3‬‬
‫جكرج أنطكنيكس‪ :‬المرجع االسبق‪ ،‬ص ‪321-311‬‬
‫‪4‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪129‬‬
‫‪143‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الحسيني‪ ،‬رئيس المجمس االسبلمي األعمى كقضاه المحاكـ الشرعية باسـ فمسطيف كبعض عمماء سكريا‬
‫كالعراؽ‪ ،‬كقد تضاربت اآلراء بشأف مكقف الدكؿ العربية مف تمؾ المبايعة في حيف ذكر أميف سعيد كجكرج‬
‫‪1‬‬
‫أنطكنيكس أنيا لـ تمقى تأييد سكػ الييئات اإلسبلمية في الدكؿ المذككرة‪.‬‬
‫بينما لمسنا خبلؿ تناكؿ أميف سعيد لقضية البيعة عدـ رفضو ليا انتقد جكرج أنطكنيكس صراحة قبكؿ‬
‫‪2‬‬
‫الحسيف ليا كاعتبرىا خطأ فادح يعتبر أسكأ أخطائو كىك عامل عاجل كمرتجل‪.‬‬
‫بعد أف كشف األتراؾ لمحسيف بف عمي عف اتفاقيات سايكس بيكك كتصريح بمفكر كىي التي تناقض مع‬
‫كعكد اإلنجميز لو عرض جماؿ باشا عميو عقد صمح بيف العرب كاألتراؾ عمى أساس تحقيق مصالح‬
‫العرب القكمية بإعطائيـ الحكـ الذاتي‪ ،‬كجاء رد الحسيف رفض ىذه العركض مخيباً ألماؿ األتراؾ الذيف‬
‫‪3‬‬
‫تكقعكا نجاحيا‪.‬‬
‫كجذير بالذكر أف الحسيف لـ يتكقف عف مطالبة بريطانيا عف االلتزاـ بتعيداتيا معو حتى بعد انتياء‬
‫الحرب العالمية األكلى‪ ،‬كلكنيا كانت ترػ أنيا بكضع فيصل ممكاً عمى العراؽ كعبد هلل عمى شرقي‬
‫األردف عكضت الحسيف كالعرب‪ ،‬كأرضت البيت الياشمي لكف الشريف حسيف لـ يقتنع بتمؾ الترضيات‬
‫كانو لـ يحصل عمى تسكية مرضية بخصكص فمسطيف حيث كاف يردد دائماً "‪ ..‬إنو ال سبلـ في فمسطيف‬
‫لمبريطانييف كالييكد كالعرب ما داـ لدػ العرب ما يدفعيـ إلى الظف بأف غاية الصييكنية إنشاء دكلة لمييكد‬
‫في فمسطيف عمى حساب أمانييـ القكمية"‪.‬‬
‫كمما يمفت النظر أف بريطانيا دخمت مع الحسيف بمفاكضات انتيت بتكقيع اتفاقية ‪ 1‬بريل ‪1923‬ـ‪ ،‬لـ‬
‫تغير مف أكضاع فمسطيف شيئاً‪ ،‬كفي أثناء دراسة الحسيف لممشركع دخل النجديكف عمى حدكد الحجاز‬
‫كتمكنكا مف دخكؿ الطائف ثـ مكة حيث اضطر الحسيف إلى التنازؿ عف العرض البنو عمي كقد استغمت‬
‫إنجمت ار تطكر األكضاع فأكقفت مفاكضاتيا مع الشريف حسيف بف عمي كبذلؾ تخمصت مف الحسيف كمف‬
‫مشركع المعاىدة الجديدة‪ ،‬بعد أف تمت البيعة لعمي حاكؿ التفاىـ مع اإلنجميز لكنيـ رفضكا االعتراؼ‬
‫بالحكـ الجديد كأعمنكا حيادىـ في الحرب الدائرة بيف نجد كالحجاز عندئذ أثر عمى االستسبلـ كرحل إلى‬
‫بغداد بجكار أخيو فيصل‪ ،‬كفي الثامف مف يناير ‪1926‬ـ نكدؼ بابف سعكد ممكاً عمى الحجاز‪.‬‬
‫أما الحسيف فبعد تنازلو عف العرش لجأ إلى العقبة كي يجمع أنصاره لمدفاع عف جدة مما أثار مخاكؼ‬
‫ابف سعكد‪ ،‬فطمب مف بريطانيا ابعاده فأعمنت ضـ العقبة كعماف التابعتيف لمحجاز إلى األردف‪ ،‬بعد اف‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪ ،357‬قدرؼ قمعجي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪-430‬‬
‫‪431‬‬
‫‪2‬‬
‫جكرج أنطكنيكس‪ :‬المرجع السابق‪454 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫جيمس‪ ،‬مكريس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪144‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أجبرت الممؾ عف التنازؿ عنيما ثـ قررت التخمص نيائياً مف الحسيف بنفيو إلى قبرص في منتصف‬
‫‪1925‬ـ‪.‬‬
‫اختمف المؤرخكف حكؿ مسألة نفي الحسيف فبينما أشار أميف سعيد كقدرؼ قمعجي إلى تدخل األمير عبد‬
‫ هلل لدػ السمطات البريطانية بنقل كالده إلى بغداد حتى يظل إلى جكار ابنو فيصل‪ ،‬ذكر جكرج أنطكنيكس‬
‫أف الشريف ىك الذؼ اختار الذىاب إلى قبرص كعمى أية حاؿ فقد بقى الشريف حسيف في قبرص ما‬
‫يقرب مف ستة سنكات حتى اشتد بو المرض كعاد إلى الببلد في أكاخر مايك ‪1931‬ـ‪ ،‬بعد اف اشتد بو‬
‫المرض كلقى ربو في عماف ‪ 4‬يكنيك مف العاـ نفسو كدفف تحت قبة الصخرة‪ ،‬كىذا ما دفع أميف سعيد إلى‬
‫اضافة كممة مأساة لعنكاف اإلصدار الثاني ألنو كما قاؿ "تحكلت الثكرة في أياميا األخيرة إلى مأساة كبرػ‬
‫‪1‬‬
‫ما حاؿ ألحد فيما ستنتيي إليو"‪.‬‬
‫ألقى البعض عمى الثكرة العربية مسؤكلية انييار الدكلة العثمانية‪ ،‬كضياع الخبلفة مردديف بأنو لك ظل‬
‫العرب إلى جانب األتراؾ حتى نياية الحرب لتـ النصر كنجت الببلد مف االحتبلؿ األجنبي‪ ،‬كمؤكديف بأف‬
‫الشريف كأكالده كأتباعو مف الثكار السكرييف كالعرب مسؤكليف عما أصاب اإلسبلـ مف المصائب‪،‬‬
‫كمتسائميف ىل حقق الشريف حسيف لببلده أمانييا بعد ثكرتو المشؤمة كلقد تخمص مف التغير التركي‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كتمتع بنكع مف االستقبلؿ لـ يزد في شيء عما كانت تتمتع ببلده مف قبل‪.‬‬
‫غير أف أميف سعيد ذكر أف ىذا األمر مناقض لمكاقع ألف النتيجة المقررة لمحرب ىي انتصار الحمفاء ال‬
‫األلماف الذيف تعد مكاردىـ ضئيمة كمحدكدة بالنسبة لمحمفاء خصكصاً بعد انضماـ الكاليات المتحدة ليـ‬
‫‪3‬‬
‫عاـ ‪1917‬ـ‪.‬‬
‫كميما قيل مف أكجو االختبلؼ كاالتفاؽ حكؿ الثكرة العربية كنتائجيا فإف ىناؾ إجماع بيف المؤرخيف‬
‫‪4‬‬
‫كالكتاب سكاء كانكا أكاديمييف أك ىكاة عمى دكرىا في دفع فكرة القكمية العربية خطكات نحك األماـ‪.‬‬
‫كما رأػ أحمد قدرؼ "أف العرب لك لـ يقكمكا بثكراتيـ المباركة لما أمكف الحيمكلة دكف انتصار الحمفاء‬
‫كتسميـ األتراؾ كحمفائيـ دكف شرط أك قيد كلكانت ببلدىـ مسرحاً الستعمار أشد مما عانكه بعد انتياء‬
‫‪5‬‬
‫الحرب العالمية األكلى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬ص ‪ 8‬ص ‪ ،391‬جكرج انطكنيكس المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪ :456‬قدرؼ قمعجي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪444‬‬
‫‪2‬‬
‫مذكرات جماؿ باشا‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪8‬‬
‫‪3‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف‪ ،‬ص ‪15-8-5‬‬
‫‪4‬‬
‫صبلح العقاد‪ :‬العرب كالحرب العالمية العثمانية‪ ،‬معيد الدراسات العربية‪ ،‬القاىرة‪ ،1966 ،‬ص ‪15‬‬
‫‪5‬‬
‫أحمد قدرؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪70‬‬
‫‪145‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أما أميف سعيد فكتب يقكؿ "إن و رغـ اليفكات التي ارتكبت كرغـ ما كقع خرجت الحركة العربية مف الحرب‬
‫العظمى سميمة‪ ،‬كصارت بسببيا قكة مادية محسكسة بعد أف كانت خياالً أك فكرة تجكؿ في بعض الرؤكس‬
‫كضمنت لمعرب إنشاء دكلة مستقمة في الحجاز كاالستيبلء عمى الجزء الداخمي مف ببلد الشاـ في خط‬
‫‪1‬‬
‫مستقيـ مف المدينة إلى حمب‪ ،‬ال يفصل بينو فاصل كذلؾ نتيجة مممكسة ال يستياف بيا‪."..‬‬
‫كذلؾ أشار دمحم عزه دركزه إلى أىمية الثكرة بالنسبة لقضية العرب فقد أعطتيا مكانة بارزة كصفاتيا بيف‬
‫قضايا العالـ‪ ،‬بعد انبعاثيا بعشر سنيف فقط‪ ،‬كلكالىا لفقد العرب كسيمة قكية في نضاليـ القكمي‪ ،‬كلزاد‬
‫‪2‬‬
‫االتحاديكف في البطش كالتظميل كالقضاء عمى القضية العربية‪.‬‬
‫أكد أيضاً قدرؼ قمعجي عمى األىمية القكمية لمثكرة حيف قاؿ "‪ ..‬إف دراسة الثكرة ضركرة قكمية لكل عربي‬
‫يتطمع إلى أفق العركبة الكاسع ألف ىذه الثكرة كمرافقيا كميد ليا مف انتفاضات كبطكالت كتضحيات ىي‬
‫الينبكع األكؿ لمقكمية العربية كىي الكجو لحركات التحرر العربي في النصف األكؿ مف القرف العشريف"‪.‬‬
‫لـ يقتصر اإلشادة بأىمية الثكرة العربية في دفع تطكر حركة القكمية العربية عف الكتاب العرب فقط بل‬
‫تناكؿ عدد مف المؤرخيف األجانب إذ أشار لكرانس في كتاباتو عمى اف مشاركة العراقييف كالسكرييف فييا ما‬
‫‪3‬‬
‫يقدـ كل المبررات لمحقكؽ العامة لمعرب في تجسيد الكجكد القكمي‪.‬‬
‫عمى الكجو األخر كجدت بعض األقبلـ التي انتقدت الثكرة انتقاداً شديداً إذ ذكر عبد المجيد محمكد في‬
‫تحقيقو لمذكرات جماؿ باشا أف الشريف حسيف بف عمي أحد الرعايا المعارضيف‪ ،‬كثكرتو ثكرة مشؤمة كبدالً‬
‫مف أف يستفيد مف تصريح تركيا األخير‪ ،‬باالعتراؼ باستقبلؿ العرب استقبلالً تاماً زج نفسو بأحضاف‬
‫‪4‬‬
‫اإلنجميز فيستعيض عف االستقبلؿ لقب الممؾ االكبر‪ ،‬فميذا حارب تركيا كشق عصا اإلسبلـ‪.‬‬
‫كصف جميس مكريس الثكرة العربية بأنيا في جكىرىا مؤامرة إنجميزية ىاشمية كعمى الرغـ مف أف حركات‬
‫قكمية عربية قد انبثقت فيما بعد في السنكات التالية كازدىرت إال أف ما حدث ‪1916‬ـ لـ يتعد في شمكلو‬
‫‪5‬‬
‫إال أقمية مع العرب الذيف اندفعكا كراء الثكرة بالحماس القكمي‪.‬‬
‫كعمى ضكء ما تقدـ يمكف القكؿ أف الثكرة العربية كاف لـ تنجح في تحقيق أىدافيا‪ ،‬فإنو كلممرة األكلى‬
‫تعترؼ بريطانيا بدكلة عربية مكحدة في تمؾ الفترة المبكرة مف حركة التحرر القكمي العربي كبرغـ اختبلؼ‬

‫‪1‬‬
‫أميف سعيد‪ :‬الثكرة العربية الكبرػ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪332 ،321‬‬
‫‪2‬‬
‫دمحم عزه دركزه‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪58‬‬
‫‪3‬‬
‫قدرؼ قمعجي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪455-237‬‬
‫‪4‬‬
‫مذكرات جماؿ باشا‪ :‬ص ‪9‬‬
‫‪5‬‬
‫جيمس مكريس‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪43‬‬
‫‪146‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كجيات النظر في بعض القضايا بالثكرة بيف الكتاب الشكاـ خاصة الذيف عاصركىا‪ ،‬إال أنيـ اتفقكا جميعاً‬
‫عمى تزعـ الحسيف ليا‪.‬‬
‫كالخبلصة إنو مف خبلؿ عرضنا لمؤلفاتو أميف سعيد كمكقفو مف بعض الزعامات الفردية ممثبلً في جماؿ‬
‫عبد الناصر‪ ،‬كالشريف حسيف بف عمي‪ ،‬كعبد العزيز آؿ سعكد‪ ،‬لكحع أنو يسمؾ مكقفاً مكحدا تجاه تجسيد‬
‫الشخصية التاريخية أك الزعامة الفردية‪ ،‬فإذا كاف قد اتبع ىذا األسمكب مع عبد الناصر‪ ،‬تجده يتخذ مكقفاً‬
‫معتدالً مف ابف سعكد أما الحسيف فإذا كاف في كثير مف األحياف أيده في بعض المكاقف إال أنو انتقده في‬
‫كمكاضع أخرػ مثل مكقفو مف مؤتمر الككيت ‪1923‬ـ الذؼ عقد لتصفية النزاع بيف الحسيف كابف سعكد‪.‬‬
‫كما ال يمكف إغفاؿ تناكؿ المؤلف في كتاباتو لبعض القضايا الميمة كتنبئو بالحمكؿ المناسبة لمكاجيتيا‪،‬‬
‫مثل حث العرب عمى ضركرة إيجاد منظمة عربية لحسف استقبلؿ البتركؿ‪ ،‬قبل التنبو إلى إنشاء منظمة‬
‫األكبؾ بفترة زمنية طكيمة‪ ،‬كذلؾ اإلشارة إلى أىمية قارة افريقيا باعتبارىا عمق العرب االستراتيجي كذلؾ‬
‫يعتبر أميف سعيد مف أكائل الذيف كتبكا في تاريخ الخميج العربي‪.‬‬
‫كرغـ اتجاه المؤلف في بعض كتاباتو إلى معالجة بعض مكضكعاتو بطريقة المسح التاريخي الشامل إال‬
‫أف ىذه الطريقة أفادت الباحث المتخصص حيث فتحت إقامة رؤكس مكضكعات يمكف لو أف يتعمق بيا‬
‫مستقببلً كمف جو أخرػ أصبحت تمؾ الكتابات في تناكؿ أيدؼ المتفق غير المتخصص ألنو يبعده عف‬
‫سرد التفاصيل المممة كيكضع إقامة الخطكط العريضة لتاريخ المنطقة كيساعده عمى فيميا‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫أوالً‪ :‬المذكرات الشخصية‪:‬‬
‫‪ .1‬أحمد قدرؼ‪ :‬مذكراتي عف الثكرة العربية‪ ،‬مطابع ابف زيدكف‪ ،‬دمشق ‪.1956‬‬
‫‪ .2‬مذكرات جماؿ باشا‪ :‬تعريب‪ :‬أحمد شكرؼ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المجيد محمكد‪ ،‬منشكرات دار البصرػ‪،‬‬
‫بغداد‪1963 ،‬ـ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬ابف خمدكف ساطع الحصرؼ‪ :‬يكـ ميسمكف‪ ،‬منشكرات دار االتحاد‪ ،‬بيركت ‪1964‬ـ‪.‬‬
‫‪ .2‬أميف سعيد‪ :‬أسرار الثكرة العربية الكبرػ كمأساة الشريف حسيف‪ ،‬دار الكاتب العربي‪ ،‬بيركت‪1966 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .3‬أميف سعيد‪ :‬أماـ بغداد‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر ‪1935‬ـ‪.‬‬
‫‪ .4‬أميف سعيد‪ :‬تاريخ مصر السياسي مف الحممة الفرنسية ‪ 1798‬إلى انييار الممكية ‪.1952‬‬
‫‪ .5‬أميف سعيد‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر ‪1959‬ـ‬
‫‪ .6‬أميف سعيد‪ :‬ثكرات العرب في القرف العشريف‪ ،‬دار اليبلؿ بمصر‪1961 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .7‬أميف سعيد‪ :‬الثكرة العربية الكبرػ ‪ 3‬أجزاء‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر‬
‫كالقاىرة‪1935-1934 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ .8‬أميف سعيد‪ :‬الثكرة مف ‪ 23‬يكليك ‪ 1952‬إلى ‪ 29‬اكتكبر ‪1956‬ـ‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية القاىرة ‪1959‬ـ‪.‬‬
‫‪ .9‬أميف سعيد‪ :‬الجميكرية العربية المتحدة‪ ،‬جزأف‪ ،‬دار احياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر‪،‬‬
‫القاىرة‪1960-1959 ،‬ـ‬
‫‪ .10‬أميف سعيد‪ :‬حرب االسبلـ كاإلمبراطكرية الركمية‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر‪ ،‬مارس ‪1935‬ـ‪.‬‬
‫‪ .11‬أميف سعيد‪ :‬الخميج العربي‪ ،‬دار الكتب العربي‪ ،‬بيركت ‪1966‬ـ‪.‬‬
‫‪ .12‬أميف سعيد‪ :‬الدكلة العربية المتحدة ‪ 3‬أجزاء‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي كشركاه بمصر ‪1938-1936‬ـ‪.‬‬
‫‪ .13‬أميف سعيد‪ :‬العدكاف ‪ 29‬اكتكبر ‪ ،1956‬أكؿ فبراير ‪ ،1958‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬عيسى البابي الحمبي كشركاه‬
‫بمصر‪ ،‬القاىرة‪1960 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .14‬أميف سعيد‪ :‬الكطف العربي‪ :‬دار اليبلؿ بمصر‪1960 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .15‬أميف سعيد‪ :‬اليمف‪ ،‬الطبعة األكلى‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحمبي‪ ،‬القاىرة ‪.1959‬‬
‫‪ .16‬جكرج انطكنيكس‪ :‬نقطة العرب‪ ،‬تعريب عمى صدر الركابي‪ ،‬دمشق‪ ،1946 ،‬الطبعة الثامنة ترجمة‪ :‬ناصر الديف‬
‫األسد‪ ،‬احساف عباس دار العمـ لممبلييف‪ ،‬بيركت لبناف‪ ،‬يناير ‪1987‬ـ‪.‬‬
‫‪ .17‬جيمس مكريس‪ :‬الممكؾ الياشميكف‪ ،‬منشكرات المكتب العالمي لمتأليف كالترجمة‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪1964 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .18‬حسيف عثماف‪ :‬منيج البحث التاريخي‪ ،‬الطبعة الرابعة‪ ،‬دار المعارؼ بمصر‪ ،‬القاىرة‪1964 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .19‬صبلح العقاد‪ :‬التيارات السياسية في الخميج العربي‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرية ‪1983‬ـ‪.‬‬
‫‪ .20‬صبلح العقاد‪ :‬العرب كالحرب العالمية الثانية‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرية‪1983 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .21‬صبلح العقاد‪ :‬المشرؽ العربي المعاصر‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرؼ‪1970 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .22‬عبد العزيز دمحم الشناكؼ‪ :‬الدكلة العثمانية دكلة إسبلمية مفترػ عمييا‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬مكتبة االنجمك المصرية‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪1980‬ـ‪.‬‬
‫‪ .23‬عبد المنعـ إبراىيـ الجميعي‪ :‬اتجاىات الكتابة التاريخية في تاريخ مصر الحديثة كالمعاصر‪ ،‬المطبعة األكلى‪ ،‬عيف‬
‫لمدراسات كالبحكث اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬القاىرة‪1994 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .24‬قدرؼ قمعجي‪ :‬الثكرة العربية الكبرػ ‪1925-1916‬ـ شكرة المطبكعات لمتكزيع كالنشر بيركت‪ ،‬لبناف‪1993 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .25‬دمحم أنيس‪ :‬الدكلة العثمانية كالشرؽ العربي ‪ 1914-1514‬مكتبة االنجمك المصرية‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ .26‬دمحم بيكمي ميراف‪ :‬التاريخ كالتأريخ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية االسكندرية‪1992 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ .27‬دمحم عزة دركزة‪ :‬حكؿ الحركة العربية الحديثة‪ ،‬الجزء األكؿ‪ ،‬المطبعة العصرية صيدا‪1950 ،‬ـ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الدوريات‪:‬‬
‫‪ .1‬الجمعية المصرية لمدراسات التاريخية‪ ،‬المجمة التاريخية المصرية‪ ،‬العدد الحادؼ كالعشركف ‪1974‬ـ‪.‬‬
‫‪ .2‬الشرؽ األدنى‪.‬‬
‫‪ .3‬المقطـ‪.‬‬
‫‪ .4‬األىراـ‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫جوانب اقتصادية لبعض مدن الجزيرة الفراتية من خالل كتب الرحالة والجغرافيين‬
‫‪Economic Aspects of Some Cities of the Euphrates Island Through‬‬
‫‪the Books of Travellers and Geographers‬‬
‫أ‪.‬م‪.‬د ميا عبد الرحمن حسين‬ ‫أ‪.‬م‪.‬د ثريا محمود عبد الحسن‬
‫قسم التاريخ‪ ،‬كمية التربية لمعموم اإل نسانية‬ ‫قسم التاريخ‪ ،‬كمية التربية األساسية‬
‫جامعة ديالى ‪ /‬العراؽ‬ ‫جامعة ديالى ‪ /‬العراؽ‬
‫‪Dr. Thurya . M.Abdualhssan‬‬ ‫‪Dr. Maha. A.Hussen‬‬
‫‪Department of History‬‬ ‫‪Department of History‬‬
‫‪University of Diyala‬‬ ‫‪University of Diyala‬‬
‫‪College of Basic Education‬‬ ‫‪College of Education‬‬
‫البريد االلكتركني‬
‫‪qahtan11@yahoo.com‬‬ ‫‪thurya_mah@yahoo.com‬‬
‫الكممات المفتاحية ‪ :‬الكرد ‪ ،‬الفرات‪ ،‬الزابيف ‪ ،‬نصيبيف ‪ ،‬ميافارقيف‬
‫الممخص ‪:‬‬
‫تميز اقميـ الجزيرة الفراتية بغنى اقتصادؼ كبير‪ ،‬فشكمت الزراعة كالصناعة كالحرؼ كالتجارة ككذلؾ الطرؽ‬
‫كالمراكز كالسمع التجارية اليامة مكردا ىاما ليذا االقميـ فقد كصفو ابف حكقل فقاؿ " كثير الغبلت كالخيرات‬
‫كالخصب " حيث كانت مناطقيا كثيرة الفكاكو كالحدائق كاالشجار كالعيكف كعرفكا ايضا ما يعرؼ بنظاـ‬
‫التبكير لؤلرض كتسقى ىذه المزركعات في االماكف المنخفضة سيحا كتستخدـ اآلالت في رفع المياه الى‬
‫المناطق المرتفعة كىنالؾ مناطق زرعت بالحبكب كالقطف كاخرػ باألشجار المثمرة كالخضركات كالفكاكو ثـ‬
‫الكرد كالرياحيف‪ ،‬كيذكر ابك نصر الكردؼ (ت ‪453‬ق‪1061 /‬ـ) بأنو القى ما يكفي مف الحبكب لمطيكر‬
‫في فترة الشتاء‪ ،‬كما كاشتيرت سنجار بزراعة السمسـ كزرع القطف في حراف كعراباف كرأس العيف‬
‫كنصيبيف كزرع الكرد بأنكاعو المتعددة في منطقة ىيت كتكريت كنصيبيف كقرية باعشيقا ‪ ،‬اما فيما يخص‬
‫الضياع فكانت اكثرىا الؿ حمداف متمثمة بناصر الدكلة‪ ،‬كاقطعت مدينة بمد الى القائد ىزار سب بف تنكير‬
‫الكردؼ عاـ (‪449‬ق‪ 1057/‬ـ) كامتمكت ايضا الجزيرة الفراتية ثركة حيكانية كبيرة فكانت البادية خير مكاف‬
‫لتربية االبل كالخيكؿ حيث كانت طبيعة الجزيرة الفراتية الجغرافية مناسبة فساعدت عمى تكفر المراعي‬
‫كاىتمكا ايضا بالطيكر كاىميا الدراج كالسماف كاالكز كتمتعت ايضا بكفرة االسماؾ لكجكد نيرؼ دجمة‬
‫كالفرات كالزابيف باإلضافة إلى العيكف ‪.‬‬
‫كمف الحرؼ كالصناعات التي كانت منتشرة في الجزيرة الفراتية كالتي ليا اثر اقتصادؼ كبير ىي الحياكة‬
‫كالفبلحة كمشط الصكؼ كالتي ال تحتاج الى ميارة حيث عاشكا الصناع في محمة كاحدة أك سكؽ خاص‬
‫بيـ‪ ،‬كقد كقعت فتنة في المكصل في عامي ‪(307‬ىػ‪919/‬ـ) بيف اصحاب الحرؼ ‪ ،‬كمف اىـ الصناعات‬
‫‪149‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كانت صناعة النسيج في آمد كعراباف كالمكصل كنصيبيف كمارديف كميافارقيف كما لبث اف تعرضت ىذه‬
‫الصناعة الى التدىكر بسبب الحركب كالمنازعات ‪.‬‬
‫كىنالؾ مدف اشتيرت بالصناعات المعدنية كمدينة آمد ك نصيبيف كحراف كزبطرة نتيجة لتكفر معدني‬
‫النحاس كالحديد حيث استخدـ ىذاف المعدناف لعمل القدكر كاشياء اخرػ‪ ،‬كظيرت صناعات اخرػ‬
‫كالصناعات الغذائية كصناعة السكر كالدقيق كصناعة النقش كالحفر كالعطكر كالصابكف ‪.‬‬
‫ثـ يأتي دكر التجارة حيث اشتيرت التجارة في ىذا االقميـ نتيجة لعكامل منيا كقكعيا في منطقة كسطى‬
‫بيف العراؽ كببلد الشاـ كببلد الركـ كارمينيا فشكمت ممر لمقكافل الى ىذه المناطق مما ساعد عمى تنكع‬
‫السمع التجارية ككفرتيا كرخصيا ‪ ،‬كما اف المنتكجات الزراعية كالصناعية لمجزيرة الفراتية نفسيا شكمت‬
‫مركز لمتبادؿ التجارؼ كمف اشير المراكز التجارية ‪:‬المكصل ‪،‬كالرقة‪ ،‬ميافارقيف‪ ،‬كآمد‪ ،‬كدنيصر‪ ،‬كالرحبة‪،‬‬
‫كجزيرة ابف عمر‪ ،‬كارزكف‪ ،‬باإلضافة الى اىمية الطرؽ التجارية كالسمع التي يتاجركف بيا ‪.‬‬
‫كحيث شيدت بعض مناطق الجزيرة الفراتية ازدىا ار في بعض النكاحي االقتصادية ففي عيد ناصر الدكلة‬
‫ازدىرت صناعة القطف ككانت مدينة ميافارقيف اكثر المدف ازدىا ار كنشاطا فقد كلي الكقف رجل نصراني‬
‫يعرؼ بأبف شميطا في عاـ (‪425‬ىػ‪1033/‬ـ) حيث عمل ىذا قناة راس العيف ‪ .‬كما اثرت الظركؼ‬
‫الطبيعية عمى اقتصاد اقميـ الجزيرة الفراتية حيث جمد نير دجمة بالمكصل فتعطمت حركة القكافل كرؼ‬
‫االراضي الزراعية ‪ ،‬كمف الظركؼ االخرػ انحباس المطر اك شدة ىطكلو اك ىبكب رياح عكاصف قكية‬
‫كجراد كزلزاؿ فقد حدث زلزاؿ في المكصل كديار بكر قضى عمى كثير مف الناس كجاء سيل غرؽ سنجار‬
‫كسكرىا كايضا فتؾ الطاعكف باىل المكصل كالجزيرة حتى بمغ عدد المكتى ثبلثمائة الف في عاـ‬
‫(‪69‬ىػ‪1079/‬ـ) حتى اف الغبلت بقيت بدكف حصاد لكثرة مف مات مف الناس‪.‬‬
‫‪Summary:‬‬
‫‪The region of the Euphrates Island was distinguished by a great economic‬‬
‫‪richness, so agriculture, industry, crafts, and trade as well as important roads,‬‬
‫‪centers and commercial goods formed an important resource for this region. Its‬‬
‫‪regions are rich in fruits, trees, and eyes. These crops are watered in places and‬‬
‫‪the machines are used to raise water to the high areas. There are areas planted‬‬
‫‪with grains, cotton, and other fruitful trees. Likewise the roses and the winds,‬‬
‫‪Sinjar was famous for cultivating sesame, planting cotton in Harran, Oraban,‬‬
‫‪Ras al-Ain, Nusaybin, and planting roses of various kinds in the Heet and Tikrit‬‬
‫‪region, Nusaybin and the village of Bashiqa. As for loss, most of them were not.‬‬
‫‪Hamdan represented by Nasir state, also enjoyed the abundance of fish for the‬‬
‫‪presence of Tigris and Euphrates rivers and Alzaban in addition to the eyes.‬‬

‫‪150‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

Among the crafts and industries that were widespread on the Euphrates
Island are knitting, cultivation and wool comb, which do not need skill, as the
craftsmen lived in one locality or their own market.
There are cities famous for metallurgical industries, such as Amad,
Nusaybin, Harran, and Zabtara, as a result of the availability of metallic copper
and iron, as these two minerals were used to make pots and other things, and
other industries appeared, such as food industries, engraving, engraving,
perfume, and soap.
Trade was well-known in the region as a result of factors, including its
occurrence in a central region between Iraq, the Levant, the Romans, and
Armenia. It formed a corridor for caravans to these areas, which helped to
diversify, provide, and cheaply trade merchandise goods. The agricultural and
industrial products of the Euphrates Island itself formed a center for commercial
exchange and among the most famous commercial centers: Mosul, Al-Raqqa,
Mayafraqin, Amed, Denizar, Al-Rahba, Ibn Omar Island, and Arzun, in addition
to the importance of trade routes and the commodities they trade in.
Keywords: Kurds, Euphrates, Zabyan, Naseebin, Miafarin
: ‫الزراعة‬
‫ فدا ار " كثيرة الغبلت‬، ‫الزراعية‬ ‫كصفت الجزيرة الفراتية بتعدد كتنكع محاصيميا كمنتجاتيا‬
‫كالخيرات كالخصب " كالخابكر " ليا بساتيف كحدائق ككثيرة الفكاكو" ككفر تكثا "كاف حظيا مف كل خي ار‬
‫ ككصفت االنبار ايضاً بتنكع‬، )2( " ‫ كأذرمة " كثيرة العمارة كالخصب جميمة الغبلت كالمزارع‬،)1(" ‫جزيبل‬
‫ كتتمتع نصيبيف بػ" البساتيف‬، )3( "‫محاصيميا بيف الحبكب كالفكاكو كالخض اركات فحديثة ليا "غبلت كاسعة‬
. )4(
" ‫الممتفة كاالشجار المنتظمة كالفكاكو الكثيرة " كسنجار" مدينة كثيرة الفكاكو كاالشجار كالعيكف‬
‫كالرقة " كثيرة القرػ كالبساتيف كالخيرات " كتكفرت المياه حتى في القرػ الصغيرة فباعيناثا " نزىة‬
‫طيبة يتخمميا البساتيف كالمياه ليس مثميا بالعراؽ " كما كتنكعت محاصيل تل فافاف كذلؾ ألنيا " بيف دجمة‬

)1(
‫ بيركت‬، ‫ منشكرات مكتبة الحياة‬، ‫ صكرة االرض‬، )‫ـ‬977/ ‫ىػ‬367‫ ابك القاسـ دمحم بف عمي النصيبي (ت‬: ‫ابف حكقل‬
. 204 ، 200-199‫ ص‬، ‫ـ‬1992 ،
)2(
‫ نزىة المشتاؽ في اختراؽ‬، )‫ـ‬1164/‫ىػ‬560‫ ابك عبد هلل دمحم بف عبد هلل بف ادريس الحمكدؼ الحسني (ت‬: ‫االدريسي‬
.661 ‫ ص‬،2 ‫ مج‬، ‫ـ‬1970 ، ‫ ليدف‬، ‫ نابكلي‬، 1‫ط‬،، ‫ شيركلي كأخركف‬: ‫ تحقيق‬،‫االفاؽ‬
)3(
.656‫ ص‬،2 ‫ مج‬، ‫المصدر نفسو‬
)4(
‫ عبد‬: ‫ تحقيق‬، ‫ رحمة ابف بطكطة‬، )‫ـ‬1377 /‫ىػ‬779‫ ابك بطكطة دمحم بف عبد هلل المكاتي الطنجي ( ت‬: ‫ابف بطكطة‬
.84‫ ص‬، 2 ‫ مج‬، ‫ـ‬1997،‫ الرباط‬، ‫ اكاديمية المممكة المغربية‬، ‫ سمسمة التراث‬، ‫اليادؼ التازؼ‬
151
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ككجد بآمد مزارع داخل سكرىا كمياه كطكاحيف عمى‬ ‫كرزـ حكليا بساتيف كاالسعار بيا رخيصة "‬
‫كخرستاباذ " قرية في شرقي دجمة مف‬ ‫(‪)2‬‬
‫عيكف تنبع منيا كفييا ضياع كرساتيق كقصكر كمزارع برسميا‬
‫أعماؿ نينكػ ذات مياه ككركـ كثيرة " (‪ ،)3‬كالفضمية " قرب باعشيقا متصمة االعماؿ بيا نير جار ككركـ‬
‫(‪)5‬‬
‫كبساتيف متصمة " (‪ ،)4‬كنسب الى احدػ قرػ حراف كىي قرية ترعكز نكع مف القثاء يزرعكنيا بيا عذبا‬
‫(‪)6‬‬
‫‪.‬‬ ‫كالجديدة التابعة لممكصل " فييا قرػ كمزارع كأكثر زركعيـ العذؼ "‬
‫المنتوجات الزراعية ‪:‬‬
‫القمح كالشعير ‪ :‬تعد الحنطة المحصكؿ الرئيسي في المكصل كرساتيقيا حيث اشارت الركايات‬
‫التاريخية الى كثرة طكاحيف الحبكب فييا " كفي كسط دجمة مطاحف تعرؼ بالعركب يقل نظيرىا في كثير‬
‫(‪)7‬‬
‫مف االرض ‪...‬في كل عربة فييا اربعة احجار كيطحف كل حجريف في اليكـ كالميمة خمسيف كق ار "‬
‫كتدر ىذه المزركعات امكاال اكثر مف غيرىا حتى يذكر بأنو " زادت ريكعيا " (‪ )8‬كاما رساتيق المكصل‬
‫كالمرج كككرة حزة كنينكػ (‪)10‬كجزيرة ابف عمر‬ ‫(‪)9‬‬
‫التي اختصت بالقمح كالشعير باعربايا كباقردػ بازبدػ‬
‫(‪)11‬‬
‫كرستاؽ ابنيف مف اشير‬ ‫كنصيبيف كالتي اشير مدنيا برقعيد اىـ مركز لزراعة الحبكب في الجزيرة‬
‫(‪)12‬‬
‫كاشار ابك نصر الكردؼ المتكفى(‪453‬‬ ‫رساتيق نصييف حيث يعد مستكدع الغبلؿ ألمراء الجزيرة‬
‫ق‪1061/‬ـ) الى تكفير محص كؿ الحنطة عندما بمغو اف الطيكر تجتمع في الشتاء عمى الحبكب التي في‬

‫(‪)5‬‬
‫المقدسي ‪ :‬شمس الديف ابي عبد هلل دمحم بف احمد بف ابي بكر المعركؼ بالشارؼ (ت‪375‬ىػ‪985/‬ـ) ‪ ،‬احسف التقاسيـ‬
‫في معرفة االقاليـ ‪ ،‬ط‪ ، 2‬مطبعة بريل ‪ ،‬ليدف ‪1967 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 141 - 140‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪201‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬شياب الديف ابك عبد هلل ياقكت بف عبد هلل الحمكؼ (ت‪626‬ىػ‪1229/‬ـ) ‪ ،‬معجـ البمداف ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫بيركت ‪1957،‬ـ ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.358‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسو ‪ ،‬مج ‪ ،4‬ص‪.276‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسو ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.23-22‬‬
‫(‪ )5‬المصدر نفسو ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.115‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪.198 ،‬‬
‫(‪ )7‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫(‪ )8‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص‪.197-196‬‬
‫(‪)9‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج ‪ ،5‬ص‪.421‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.205-204 ،194-193‬‬
‫(‪)11‬‬
‫المصدر نفسو ‪ :‬ص‪.194-193‬‬
‫‪152‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬كما كاشتيرت بمد بزراعة‬ ‫القرػ فيصطادىا الناس فأمر بفتح االىراء كالقاء ما يكفييا مف الغبلت‬
‫الحبكب فقد اقيمت فييا العديد مف المطاحف باإلضافة الى الرز كالسمسـ الذؼ زرع في سنجار(‪ ،)2‬كفي‬
‫القرف الرابع اليجرؼ ‪/‬العاشر الميبلدؼ اشتيرت نصيبيف كطكر عبديف المتاف كانتا تحت حكـ ناصر‬
‫(‪)3‬‬
‫كزرع القطف في حراف حيث اىتـ بو الحمدانييف كالذؼ ساعد عمى‬ ‫الدكلة الحمداني بالرز كالسمسـ‬
‫(‪)4‬‬
‫كراس‬ ‫نجاحو ىك رطكبة المناخ ككفرة المياه فتركزت عمى طكؿ امتداد مجارؼ االنيار في ع ارباف‬
‫(‪. )5‬‬
‫العيف‬
‫(‪)6‬‬
‫فقرية باصف ار احدػ قرػ‬ ‫كقاـ بنك حمداف ايضا بزراعة الكركـ في المكصل كسركج كنصيبيف‬
‫(‪)8‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫كاشتير جبل شعراف بكثرة كركمو‬ ‫المكصل اشتيرت بزراعة الكركـ ككاف عنبيا يجبى في الشتاء‬
‫(‪)9‬‬
‫كعانة كانت منطقة مشيكرة بالخمكر لكفرة ككثرة الكركـ‬ ‫ككادؼ الحكالي في منطقة سنجار‬
‫(‪)12‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫كسركج‬ ‫‪ ،‬كما كزرع الكمثرػ في جبل شعراف بالمكصل‬ ‫كسميساط‬ ‫في منطقة دنيسر‬

‫(‪)12‬‬
‫ابف كثير ‪:‬ابك الفدا اسماعيل بف عمر بف كثير الدمشقي (ت‪774‬ىػ‪1372/‬ـ)‪ ،‬البداية كالنياية ‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة المعرؼ ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫بيركت ‪1977 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪ ، 12‬ص‪87‬‬
‫(‪)13‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.199-198‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬ص‪. 194-193‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪ 142 -141‬؛ االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ص‪.658‬‬
‫(‪)3‬‬
‫االصطخرؼ ‪:‬ابك اسحاؽ ابراىيـ بف دمحم الفارسي الكرخي (ت‪350‬ىػ‪961‬ـ)‪ ،‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬تحقيق‪ :‬دمحم جابر‬
‫عبدالعاؿ الحيني ‪ ،‬مراجعة ‪ :‬دمحم شفيق غرباؿ ‪ ،‬دار القمـ ‪ ،‬الجميكرية العربية المتحدة ‪1961 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 54‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.207 ،194-193‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف‪ ،‬مج ‪ ،1‬ص‪. 324‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ابف الفقية‪ :‬ابك عبد هلل احمد بف دمحم بف اسحاؽ اليمداني (ت ؽ‪4‬ىػ ‪/‬ؽ‪10‬ـ)‪ ،‬كتاب البمداف ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬يكسف اليادؼ ‪،‬‬
‫ط‪ ، 1‬عالـ الكتب ‪ ،‬بيركت ‪ 1996 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫(‪)7‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ص‪. 660‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ابف جبير ‪ :‬ابك الحسيف دمحم بف احمد بف جبر الكناني االندلسي (ت‪614‬ىػ‪1217/‬ـ) ‪ ،‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫بيركت‪1959 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 217‬‬
‫(‪)9‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج ‪ ،2‬ص‪. 651‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف الفقيو‪ :‬البمداف ‪ ،‬ص‪.179‬‬
‫‪153‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ايضاً (‪ )1‬اما في سنجار" ففييا مع رخص اسعارىا ككثرة خيراتيا كفكاكييا الصيفية فكاكو شتكية مما يككف‬
‫اختصاصو في ببلد الصركد كالسماؽ كالجكز كالمكز" (‪.)2‬‬
‫كانتشرت زراعة المكز كالجكز كعدد مف الفاكية الشتكية في سيمساط (‪ .)3‬اما التيف كالرماف‬
‫كالنارنج كالتفاح فقد زرع في منطقة شرممة بالمكصل حتى عرؼ بالرماف الشكشي (‪. )4‬كفي سركج (‪.)5‬‬
‫كسنجار (‪ .)6‬كزرع التفاح في قرية القريشية بجزيرة ابف عمر (‪ )7‬كالتيف بقرية شاقردا ما بيف منطقة اربل‬
‫‪ ،‬ككذلؾ اشتيرت كباعشيقا بالنخيل كالزيتكف‬ ‫(‪)9‬‬
‫كداقكقا (‪ ،)8‬ككصفت ىيت بانيا " بمد خيرات كنخيل "‬
‫(‪ .)10‬اما فيما يخص البقكؿ كالخض اركات فقد زرعت بنصيبيف(‪ .)11‬كعرفت الخضر المزركعة في دنيصر‬
‫بالسكاقي (‪.)12‬‬
‫اما زراعة الكرد كالرياحيف فقد انتشر في الجزيرة الفراتية قرب مصدر المياه في منطقة رأس‬
‫العيف(‪ .)13‬كزرع النيمكفر في شرقي المكصل في احدػ قراىا كالذؼ كاف يعد مف انكاع دخل القرية (‪.)14‬‬
‫كزرعت الكركد في منطقة دنيصر(‪ . )15‬كىيت (‪.)16‬‬

‫(‪)11‬‬
‫ابف سعيد المغربي ‪ :‬ابك الحسف عمي بف مكسى (ت‪685‬ىػ‪1286/‬ـ) ‪ ،‬بسط االرض في الطكؿ كالعرض ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫اسماعيل العربي‪ ،‬ط‪ ، 1‬منشكرات المكتب التجارؼ لمطباعة كالنشر كالتكزيع ‪ ،‬بيركت ‪1970 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫(‪)12‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 200 -199‬؛ االصطخرؼ ‪ :‬المسالؾ ‪ ،‬ص‪.54‬‬
‫(‪)13‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج ‪ ،‬ص‪.651‬‬
‫(‪)14‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.196‬‬
‫(‪)15‬‬
‫ابف سعيد المغربي ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.155‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 200-199‬؛ المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪141‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج ‪ ،4‬ص‪.328‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬مج ‪ ،3‬ص‪228‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج ‪ ،1‬ص‪.324‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.194-193‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ابف جبير ‪ :‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬ص‪. 216‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪. 156‬‬
‫(‪)9‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج ‪ ،3‬ص‪.338‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف جبير ‪ :‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫(‪)11‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.142-141‬‬
‫‪154‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كاشتير الكرد االبيض المزركع في نصيبيف في صناعة ماء الكرد(‪ .)1‬كىناؾ نكع مف انكاع‬
‫الرياحيف سمي باالذريكف زرع في باعشيقا (‪.)2‬‬
‫أما أشير االقطاعات التي كزعت ىي اقطاع مدينة بمد في عاـ ‪449‬ق‪1057/‬ـ) مف قبل‬
‫(‪. )3‬‬
‫طغرلبؾ لقائده ىزارسب بف تنكير الكردؼ‬
‫الثروة الحيوانية ‪:‬‬
‫اىتـ أىل الجزيرة الفراتية بتربية الحيكانات كخاصة البدك فيذكر بانو" يسكنيا قبائل ربيعة كمضر‬
‫اىل خيل كغنـ كاالبل عندىـ قميل"(‪ )4‬حيث ساىمت الثركة الحيكانية في مجمل الضرائب المفركضة عمى‬
‫بدك الجزيرة كفبلحييا سنو (‪358‬ىػ‪968 /‬ـ) فقد بمغ ارتفاع ما اخذ مف الغنـ كالبقر مف مدينة نصيبيف‬
‫(‪)5‬‬
‫كىذا يعني بأف البقر كالغنـ كاف عددىـ كبير كمثبل اىـ جزء‬ ‫ككذلؾ المزركعات "خمسة االؼ دينار"‬
‫في الثركة الحيكانية لمنطقة الجزيرة‪.‬‬
‫أما خير مكاف لتربية الخيكؿ كاالبل فيي حكاؼ البادية كاكاسطيا كخاصة في الشتاء (‪ .)6‬فقد‬
‫اتسمت بكفرة مراعييا كمحاصيميا الزراعية كالبرسيـ كالشعير كىنالؾ ايضا حيكانات اخرػ كالخيل كالبغاؿ‬
‫كالحمير(‪ . )7‬كلكثرة المياه المتكاجدة في منطقة الجزيرة حيث نرػ كفرة الثركة السمكية فيذكر احد الرحالة‬
‫بأف النير الذؼ يمر بدير العجاج فيو " سمؾ اسكد كىك طيب عذب الطعـ" (‪ )8‬كنبلحع اف استفادة اىل‬
‫الجزيرة مف ىذه الثركة كاف لممأكل كالممبس كالنقل كالزراعة ‪.‬‬
‫كتأثرت ىذه الثركة باألحداث التي مرت بالجزيرة فقد تعرضت مف قبل القرامطة الى ىجكـ في عاـ‬
‫(‪316‬ق‪928 /‬ـ) "كاستاقكا فييا خمسة االؼ جمل كمكاشي كثيرة "(‪ . )9‬كنتيجة لمسياسة الحمدانية الداخمية‬
‫ادػ الى تناقص أعداد ىذه الثركة في منطقة بمد " لـ يبق ليـ ثاغية كال راغية" (‪.)1‬‬

‫(‪)12‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪. 156‬‬
‫(‪)13‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج ‪ ،1‬ص‪. 324‬‬
‫(‪)14‬‬
‫ابف خمدكف ‪ :‬عبدالرحمف بف دمحم بف خمدكف الحضرمي (ت ‪808‬ق‪1405/‬ـ) ‪ ،‬تاريخ ابف خمدكف كالمسمى العبر‬
‫كديكاف المبتدأ كالخبر في اياـ العرب كالعجـ كالبربر كمف عاصرىـ مف ذكؼ السمطاف االكبر‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪،‬‬
‫بيركت ‪1981،‬ـ ‪ ،‬مج‪ ،4‬ص‪. 459‬‬
‫(‪)15‬‬
‫االصطخرؼ ‪ :‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬ص‪. 54‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.193‬‬
‫(‪)2‬‬
‫االصطخرؼ ‪ :‬المسالؾ ‪ ،‬ص‪. 54‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪205‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابف جبير ‪ :‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬ص‪. 218‬‬
‫(‪)5‬‬
‫القرطبي ‪ ،‬عريب بف سعد (ت ؽ‪4‬ق‪ /‬ؽ‪ 10‬ـ) ‪ :‬صمة تاريخ الطبرؼ ‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدف ‪1897،‬ـ ‪ ،‬ص‪. 134‬‬
‫‪155‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الصناعات الحرفية ‪:‬‬


‫عاش الصناع كاىل الحرؼ في محمة كاحدة كسكؽ خاص بيـ (‪ )2‬كىذا التجمع ادػ حدكث بعض‬
‫المشاكل حيث كقعت فتنة في المكصل في عاـ (‪307‬ىػ‪919/‬ـ) كسنة (‪317‬ىػ‪929/‬ـ) (‪ .)3‬لـ تكف ىذه‬
‫الميف لتشكل كسيمة فعالة لتحقيق ثركة بل كصف اصحابيا بالطبقة الكسط بيف المكسريف كالفقراء (‪.)4‬‬
‫كتعد صناعة النسيج مف اىـ اشير الصناعات حيث تكفرت ليا المكاد الخاـ مف الصكؼ باإلضافة اؿ‬
‫القطف الذؼ زرع في القرف الرابع اليجرؼ‪ /‬العاشر الميبلدؼ ‪،‬فصنع في آمد الحمل المراكشية كالمنسكجات‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫كصنعت ثياب‬ ‫كتكفر القطف بكثرة في عراباف‬ ‫كثياب الصكؼ كالكتاف الركمية‬ ‫الحريرية كالقطنية‬
‫كعدت باعشيقا مركز لصناعة كبيع البز(‪ .)9‬كاما اىـ‬ ‫(‪)8‬‬
‫الحرير كالتي اعتبرت صناعة ممكية في المكصل‬
‫الصناعات النسيجية في ميافارقيف ىي" التؾ ‪...‬كالمناديل العراض كالسينيات"(‪ ،)10‬كاشتير بمارديف‬
‫(‪)12‬‬
‫الصكؼ لكجكد الكثير مف الماعز حيث تحمل منو اكسية الى الببلد(‪ . )11‬حتى عرؼ صكفيا بالمرعز‬

‫كاما نصيبيف حسب ما تذكر الركايات بأف " بيا فعمة كصناع كطرز لصنع جيد الثياب " (‪.)13‬‬
‫كقرية الحزة كانت صناعتيا رديئة حتى ذكرت بػ" النصافي الحزية " (‪ ،)1‬كاشتيرت الجزيرة الفراتية ببعض‬

‫(‪)6‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪. 199‬‬
‫(‪)7‬‬
‫ابف خمدكف ‪ :‬المقدمة ‪ ،‬ص‪. 405-404‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ابف االثير ‪ :‬عز الديف بف االثير ابك الحسف عمي بف دمحم بف ابي الكرـ (ت‪630‬ىػ‪1232/‬ـ) ‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪،‬‬
‫مراجعة ‪ :‬دمحم يكسف الدقاؽ ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪1987 ،‬ـ ‪ ،‬مج‪ ،6‬ص‪ ،506‬مج‪ ،7‬ص‪. 57‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ابف خمدكف ‪ :‬المقدمة ‪ ،‬ص‪. 404-403‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪. 200‬‬
‫(‪)11‬‬
‫المقدسي ‪ ،‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪. 146‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪. 200‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪. 167‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪. 324‬‬
‫(‪)4‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪،3‬ص‪ 663‬؛ الحميرؼ ‪ :‬ابك عبد هلل دمحم بف عبد هلل بف عبدالمنعـ الحميرؼ‬
‫(ت‪727‬ىػ‪1326/‬ـ)‪ ،‬الركض المعطار في خبر االقطار ‪ ،‬تحقيق‪ :‬احساف عباس ‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬بيركت ‪1975 ،‬ـ ‪،‬‬
‫ص‪. 567‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪. 157‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ابف بطكطة ‪ :‬رحمة ابف بطكطة ‪ ،‬مج ‪ ، 2‬ص‪. 86‬‬
‫(‪)7‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 2‬ص‪. 661‬‬
‫‪156‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المعادف كالنحاس كالحديد فكانت المكصل في طميعتيا فقد صنعت االسطاؿ كالسكاكيف كالنشاب‬
‫كالسبلسل(‪ )2‬كما صنع النحاس المطعـ كالذؼ "يحمل منو لمممكؾ" (‪ ،)3‬كحتى الكقت الحاضر فقد تفنف اىل‬
‫المكصل بيذه الحرفة " فأبتكركا عناصر فنية طريفة كانت اجمل ما ظير في ذلؾ الكقت" (‪.)4‬‬
‫اما نصيبيف كحراف فقد صنع فييا المكازيف كالدكايات كالككانيف كالمكاقد كالمدافئ(‪،)5‬كعرفت مدينة‬
‫حاني في آمد بجكدة معدف حديدىا (‪ ،)6‬كالعسل الذؼ يعتبر مف الصناعات الغذائية حيث كجد "بقدر‬
‫متكسط كيعمل فييا السكر كالكسط كالمكرر كالشراب "(‪ ،)7‬كاستخرج زيت الزيتكف لكفرة أشجار الزيتكف(‪،)8‬‬
‫(‪)9‬‬
‫كايضا الجكز كالمكز كالزبيب كما كاستخمص السمف‬ ‫كجمب مف سنجار " حب الرماف كالعنب الناشف"‬
‫كالجبف مف االلباف(‪ ،)10‬كحمل السمؾ المسمى بالطريخ كالذؼ يجمب مف المكصل كآمد الى االماكف‬
‫االخرػ(‪ ،)11‬كمركز صناعة العطكر كالصابكف كانت نصيبيف كذلؾ لتكفر الكرد االبيض كالذؼ يعد اىـ‬
‫‪ ،‬كاشتيرت في القرف الرابع اليجرؼ‪ /‬العاشر الميبلدؼ مدينة الرقة بصناعة الصابكف‬ ‫(‪)12‬‬
‫عنصر فييا‬
‫حيث استخدـ زيت الزيتكف لكفرة االشجار ىناؾ(‪ ،)13‬ككجد ت مادة القير كىي مادة تشبو الزفت كجدت في‬
‫(‪)15‬‬ ‫(‪)14‬‬
‫‪.‬‬ ‫كتكفر خاـ الزجاج كباألخص في مدينة مارديف‬ ‫المكصل كبمد استعممت في تقيير الحمامات‬

‫(‪)8‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ، 3‬ص‪.256‬‬
‫(‪)9‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف سعيد بسط االرض ‪ ،‬ص‪. 157‬‬
‫(‪)11‬‬
‫الديكه جي‪ :‬اعبلـ الصناع المكاصمة ‪ ،‬ك ازرة التربية كالتعميـ ‪ ،‬بغداد _ ‪ ، 1970‬ص‪.71‬‬
‫(‪)12‬‬
‫المقدسي‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪. 145‬‬
‫(‪)13‬‬
‫الحمكؼ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪. 208‬‬
‫(‪)14‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض‪ ،‬ص‪ 205-204‬؛ القمقشندؼ‪ :‬احمد بف عمي بف احمد الفزارؼ (ت‪ 821‬ىػ‪1418/‬ـ)‪،‬‬
‫صبح االعشى في صناعة االنشا ‪ ،‬تحقيق‪ :‬دمحم حسيف شمس الديف ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت‪1987 ،‬ـ ‪،‬ج‪،4‬‬
‫ص‪.91‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المقدسي‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪ 145‬؛ الشابشتي ‪:‬ابك الحسف عمي بف دمحم (ت‪388‬ق‪998/‬ـ)‪ ،‬الديارات ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫ككركيس عكاد ‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة المعارؼ ‪ ،‬بغداد ‪1966 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 205 _204‬؛ المقدسي‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.146-145‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪145‬؛ ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪171‬؛ ابف بطكطة ‪ :‬رحمة ابف بطكطة ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.81‬‬
‫(‪)6‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.146-145‬‬
‫(‪)7‬‬
‫االصطخرؼ ‪ :‬المسالؾ ‪ ،‬ص‪. 53‬‬
‫(‪)8‬‬
‫االصطخرؼ‪ :‬المسالؾ ‪ ،‬ص‪ 152‬؛ ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪194 ،‬؛ ‪.‬‬
‫‪157‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫التجارة ‪:‬‬
‫" اعمـ اف التجارة محاكلة الكسب كتنمية الماؿ بشراء السمع بالرخص‬ ‫(‪)1‬‬
‫كصفيا ابف خمدكف‬
‫كبيعيا بالغبلء" كاىـ المراكز في الجزيرة الفراتية ىي ‪ :‬المكصل مدينة كبيرة كثيرة الحركة التجارية فييا‬
‫‪ .‬كيعد سكؽ االربعاء اىميا " داخمو فضاء كاسع يجتمع االكرة كالحكاصيد عمى كل ركف‬ ‫(‪)2‬‬
‫اسكاؽ كمحاؿ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كبيع البز في‬ ‫‪ ،‬كىنالؾ قرػ تابعة لممكصل فييا اسكاؽ كبساتيف مثل الفضمية كباجيارة‬ ‫فندؽ "‬
‫باعشيقا كالرحى في مدينة سكمة ثـ انتقمت االسكاؽ فيما بعد الى برقعيد في القرف الرابع اليجرؼ‪ /‬العاشر‬
‫ككجدت اسكاؽ كانت مرتبطة بمكسـ معيف حيث يعرض فييا الباعة سمعيـ مثل سكؽ باشزؼ‬ ‫(‪)5‬‬
‫الميبلدؼ‬
‫الذؼ يقاـ كل اثنيف كخميس ‪ ،‬كعد سكؽ االحد سكؽ ميـ حيث يقاـ في رستاؽ المرج " تحضرىا االكراد‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬كالرقة كىي مدينة"‬ ‫لمكاعيد معركفة" (‪ ،)6‬فآمد منطقة" مشيكرة بأغنياء التجار ككثرة كالمسافر"‬
‫خصبة رخيصة االسعار حسنة االسكاؽ " كفييا سكؽ الخانكقة كالمركز الرئيس لتجارة الخمكر كانت‬
‫‪ ،‬ككصف سكؽ قرية تل محرػ بأنو" كاف فييا سكؽ كحكانيت" باإلضافة الى االسكاؽ‬ ‫(‪)8‬‬
‫اسكاؽ عانة‬
‫‪ ،‬كبمغت‬ ‫القريبة مف البادية كاشيرىا سكؽ دير الرماف" مدينة ذات اسكاؽ لمبادية بيف الرقة كالخابكر"‬
‫(‪)9‬‬

‫كمارديف كانت مركز لتجارة‬ ‫ميافارقيف اكجيا تحت ظل الدكلة المركانية الكردية كفييا سكؽ القبة‬
‫(‪)10‬‬

‫(‪)12‬‬
‫‪ ،‬كدينصر كاقعة عمى الطريق‬ ‫جكىر الزجاج (‪ )11‬ك" قداميا ربض عظيـ فيو اسكاؽ كثيرة كحانات"‬

‫(‪)9‬‬
‫ابف خمدكف ‪ :‬المقدمة ‪ ،‬ص‪.394‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪،‬ص‪ 195‬؛ ابف بطكطة ‪ :‬رحمة ابف بطكطة ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.81‬‬
‫(‪)11‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪ 138‬؛ ابف جبير‪ :‬رحمة ابف جبير‪ ،‬ص‪. 210‬‬
‫(‪)12‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،1‬ص‪ ، 312‬مج‪ ،4‬ص‪. 267‬‬
‫(‪)13‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ص‪.324‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬مج‪ ، 1‬ص‪.422 ،322‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪)3‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 2‬ص‪.658-656‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 203‬؛ االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 2‬ص‪ 649‬؛ الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪،‬‬
‫مج‪ ، 3‬ص‪25‬؛ الحميرؼ ‪ :‬الركض المعطار ‪ ،‬ص‪. 263‬‬
‫الفارقي ‪ :‬احمد بف يكسف بف عمي بف االزرؽ(تبعد ‪577‬ق‪1181/‬ـ)‪ ،‬تاريخ الفارقي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬بدكؼ عبدالمطيف‬ ‫(‪)5‬‬

‫عكض كدمحم شفيق غرباؿ ‪ ،‬ك ازرة الثقافة كاالرشاد ‪ ،‬القاىرة‪1959 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪.166-165‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 194‬؛ االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 2‬ص‪.662‬‬
‫(‪)7‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،5‬ص‪.39‬‬
‫‪158‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬كتعددت المنتجات الزراعية كالصناعية ؿ نصيبيف‬ ‫التجارؼ بيف ببلد الشاـ كدياربكر كآمد كببلد الركـ‬
‫فذكرىا احد المؤرخيف " اسكاؽ‬ ‫كما كقعت عمى مفترؽ طرؽ تجارية فكانت دا ار مركز تقاـ بو االسكاؽ‬
‫(‪)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫كتنكعت المحاصيل الزراعية في جزيرة ابف عمر حيث كقعت بيف ارمينيا‬ ‫عامرة كمقاصد تجارات"‬
‫كذكرت مدينة فكؽ تكريت سميت بالسف فييا سكؽ‬ ‫(‪)4‬‬
‫كميافارقيف الى المكصل حيث عجت باألسكاؽ‬
‫مشيكر(‪ )5‬كالحدث كمرعش مقصد التجارات كالمنافع كعراباف كانت مركز لتجميع القطف ليتـ تكزيعيا عمى‬
‫‪.‬‬ ‫عمى االنحاء (‪ ،)6‬كارزف" مدينة كثيرة االسكاؽ كالعمراف" كاقعة عمى الطريق مع ببلد الركـ‬
‫(‪)7‬‬

‫الطرق التجارية ‪:‬‬


‫عدت الجزيرة منطقة ميمة لمتجارة فيي" كاسطة الطرؽ بيف العراؽ كالشاـ"(‪،)8‬كالمكصل مركزىا"‬
‫فرضة الذربيجاف كارمينيا كالعراؽ كببلد الشاـ"(‪ ،)9‬كذكرت المصادر في عاـ (‪314‬ىػ‪926 /‬ـ) عف جمكد‬
‫(‪)10‬‬
‫‪ .‬كيكـ لنير دجمة اف تنطمق منو عبر الجانب الغربي نحك‬ ‫نير دجمة بالمكصل كعبرت عمييا الدكاب‬
‫اذربيجاف ‪ ،‬اما اربل فيي اىـ المحطات التجارية لمقكافل الى قرية ىفتكف (‪ )11‬فالطريق الى ببلد الركـ مف‬
‫كطريق عبر الرقة الى حراف كالرىا كسميساط (‪ )13‬كطريق عبر‬ ‫(‪)12‬‬
‫جزيرة ابف عمر عبر ميافارقيف كارزف‬

‫(‪)8‬‬
‫ابف جبير ‪ :‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫(‪)9‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬ص‪109‬؛ الحميرؼ ‪ :‬الركض المعطار ‪ ،‬ص‪.230‬‬
‫(‪)10‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.661‬‬
‫(‪)11‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.157‬‬
‫(‪)12‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ، 2‬ص‪. 658‬‬
‫(‪)13‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬مح‪ ،2‬ص‪. 658 ،651‬‬
‫(‪)14‬‬
‫الحميرؼ ‪ ،‬الركض المعطار ‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.136‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.195‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف تغرؼ بردؼ ‪ :‬جماؿ الديف ابك المحاسف يكسف بف تغرؼ بردؼ (ت ‪874‬ق‪1469/‬ـ)‪ ،‬النجكـ الزاىرة في ممكؾ‬
‫مصر كالقاىرة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬دمحم حسف شمس الديف ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت‪1992 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.242‬‬
‫(‪)4‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.251‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.205-204‬‬
‫(‪)6‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.363‬‬
‫‪159‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫سركج الى سميساط (‪ )1‬اما طريق ارمينيا مف جزيرة ابف عمر ثـ ميافارقيف كارزف(‪ )2‬كآمد اىـ مراكز الطرؽ‬
‫(‪)3‬‬
‫الطرؽ النيرية بأتجاه ارمينيا كالتي تربط مع الجزيرة عبر المدف الشمالية‬
‫كذكرت لنا المصادر التأريخية اىـ السمع المصدرة مف منطقة الجزيرة الفراتية فمف دا ار صدر‬
‫(‪)4‬‬
‫كمثمت الحبكب كالعسل كالتمر كالفحـ كالشحكـ كالجبف كالمف‬ ‫المحمب كىك نكع مف انكاع الطيكب‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪ ،‬كالفكاكو‬ ‫كالسماؽ كحب الرماف كالقير كالحديد كاالساطل كالسكاكيف كالنشاب كالطريخ كالسبلسل‬
‫‪ ،‬كمعدف الحديد مف حصف ىركر ككل ىذه السمع كانت مف المكصل (‪،)8‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫كاالخشاب مف جبل شعراف‬
‫‪ ،‬كالبمكط كالفكاكو المقددة كالمكازيف كالدكايات كالككاذيف (‪ ،)10‬كمف آمد‬ ‫(‪)9‬‬
‫(‪ ،)8‬كصدرت نصيبيف ماء الكرد‬
‫آمد الثياب المكشية كالمناديل كالمقارـ كالرقاؽ كالطيالسة مف الصكؼ (‪ ،)11‬كالطريخ (‪ ،)12‬كمف مارديف‬
‫‪ ،‬كمف ميافارقيف التكؾ كالمناديل العراض السينيات (‪ ،)15‬كمف سنجار‬ ‫(‪)14‬‬
‫الزجاج (‪ ،)13‬كاالكسية الصكفية‬
‫حب الرماف كالعنب الناشف ‪ ،‬فرؾ المكز كالقصب كالسماؽ ‪ ،‬كمف الرقة الصابكف كالزيت كاالقبلـ ‪ ،‬كمف‬
‫حراف القبيط كعسل النحل كالقطف كالمكازيف ‪ ،‬كجزيرة ابف عمر الجكز كالمكز كالسمف كالخيل كمف بمد‬
‫المباف ‪ ،‬كمف الرحبة السفرجل كالكمثرػ(‪.)16‬‬

‫(‪)7‬‬
‫دائرة المعارؼ االسبلمية ‪ ،‬مادة سركج ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬احمد الشنتناكؼ كآخركف ‪ ،‬ك ازرة التربية كالتعميـ ‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬د‪ .‬ت)‬
‫ج‪ ، 10‬ص‪.381‬‬
‫(‪)8‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪ 205-204‬؛ االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ،3‬ص‪.664‬‬
‫(‪)9‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪)10‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬صمج‪ ،2‬ص‪. 418‬‬
‫(‪)11‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫(‪)12‬‬
‫االصطخرؼ ‪ :‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬ص‪.53‬‬
‫(‪)13‬ابف الفقيو‪ :‬البمداف ‪ ،‬ص‪. 179‬‬
‫(‪)14‬‬
‫الحمكؼ ‪ :‬معجـ البمداف ‪ ،‬مح‪ ،5‬ص‪.403‬‬
‫(‪)15‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫(‪)16‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪. 146-145‬‬
‫(‪)1‬‬
‫المصدر نفسو ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.171‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪.194‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابف سعيد ‪ :‬بسط االرض ‪ ،‬ص‪.156‬‬
‫(‪)5‬‬
‫االدريسي ‪ :‬نزىة المشتاؽ ‪ ،‬مج‪ ،2‬ص‪.663‬‬
‫(‪)6‬‬
‫المقدسي ‪ :‬احسف التقاسيـ ‪ ،‬ص‪.145‬‬
‫‪160‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أما اىـ الكاردات في منطقة الجزيرة فقد كانت تغطي النقص في االنتاج كذلؾ عف طريق تحديد‬
‫البضائع المستكردة التي كانت تحمميا القكافل المارة فييا فكانت تأتي مف مصر القراطيس كمف المعادف‬
‫‪ ،‬كمف االىكاز الديباج كالخزر كالصناجات كالرقاصات كانكاع‬ ‫كمف ارمينية الطريخ كالبكرؽ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الزبرجد ‪،‬‬
‫كانكاع التمر كالدبس كالقند كمف قكمس الفؤكس كالمساح كالحبر كالمظمة ‪ ،‬كمف اذربيجاف المبكد كالبراذع‬
‫كالفرش كالبسط (‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كازدىرت الجزيرة الفراتية في عيد ناصر الدكلة حيث نمت بعض الزراعات كخاصة القطف‬
‫كشجع ابك نصر نصر الدكلة المركاني النشاط االقتصادؼ في ميافارقيف حتى رخصت االسعار ككثر‬
‫(‪)5‬‬
‫فاىتـ بالكسائل الزراعية كشق القنكات حيث تذكر المصادر انو" كلي الكقف رجل‬ ‫المشتغميف بالزراعة‬
‫نصراني يسمى بأبف شميطا في (‪425‬ىػ‪1033/‬ـ) كفضل مف ماؿ الكقف شيء كثير فشرع في عمل القناة‬
‫مف رأس العيف فحفرىا ككبسيا الى البمد مف تحت مسجد رأس العيف كجاء بيا في كسط الربض مف‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ ،‬كأثرت االكضاع الطبيعية عمى االقتصاد فقد جمد نير دجمة عاـ (‪314‬ىػػ‪927 /‬ـ)‬ ‫الجانب الشرقي"‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬كتعطمت حركة القكافل كالرؼ لؤلراضي كتكررت مثل ىذه االحداث في‬ ‫‪927‬ـ) بالمكصل لمدة شير‬
‫(‪)9‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫كأثرت‬ ‫‪ ،‬كفي مدينة نصيبيف ىبت ريح " فقمعت شجر نصبيف كىدمت دكرىا"‬ ‫سنكات الحقو‬
‫االمراض عمى الناس فذكرت المصادر عاـ ‪439‬ىػ‪1047/‬ـ) " كاف الطاعكف العظيـ بالمكصل كالجزيرة‬
‫(‪)10‬‬
‫‪ ،‬ككباء اخر في عاـ (‪469‬ىػ ‪1076 /‬ـ)‬ ‫كبغداد كصمى بالمكصل عمى اربعمائة نفس دفعة كاحدة‬

‫(‪)7‬‬
‫الجاحع ‪:‬عمرك بف بحر الجاحع (ت‪255‬ق‪868/‬ـ) ‪ ،‬التبصر بالتجارة ‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسف حسني عبدالكىاب ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الكتاب الجديد ‪ ،‬بيركت ‪1983 ،‬ـ ‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫متز ‪ :‬ادـ ‪ ،‬الحضارة االسبلمية في القرف الرابع اليجرؼ ‪ ،‬ترجمة ‪:‬دمحم عبداليادؼ ابك ريدة ‪ ،‬لجنة التأليف ‪ ،‬القاىرة ػ‬ ‫(‪)8‬‬

‫‪1957‬ـ ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪.310 ،306‬‬


‫(‪)9‬‬
‫الجاحع ‪ :‬التبصر بالتجارة ‪ ،‬ص‪.42-40‬‬
‫(‪)10‬‬
‫ابف حكقل ‪ :‬صكرة االرض ‪ ،‬ص‪. 200‬‬
‫(‪)11‬‬
‫الفارقي ‪ :‬تاريخ ‪ ،‬ص ‪.169-166‬‬
‫(‪)12‬‬
‫المصدر نفسو ‪ ،‬ص ‪. 165-164‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ابف تغرؼ بردؼ‪ :‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.242‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ابف كثير ‪ :‬البداية ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ 432‬؛ الذىبي ‪ :‬شمس الديف دمحم بف احمد ( ت ‪748‬ق‪1347/‬ـ) ‪ ،‬تاريخ االسبلـ "‬
‫كفيات المشاىير كاالعبلـ" ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬عمر عبد السبلـ تدمرؼ ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيركت ‪1991،‬ـ‪ ،‬ج‪،28‬‬
‫ص‪.268‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ابف تغرؼ بردؼ‪ :‬النجكـ الزاىرة ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.242‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ابف كثير ‪ :‬البداية ‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪. 56‬‬
‫‪161‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كالذؼ اىمؾ عدد كبير مف االىالي" حتى بقي كثير مف الغبلت ليس ليا مف يعمميا لكثرة المكت في‬
‫الناس"(‪.)1‬‬
‫النتائج‬
‫تنكعت مكارد االنتاج الزراعي في منطقة الجزيرة كذلؾ نتيجة الظركؼ المناخية التي أدت الى‬
‫تحسيف الكضع االقتصادؼ ‪ ،‬كما تنكعت المكارد المائية بكجكد النيريف دجمة كالفرات المذاف يقكماف برؼ‬
‫اكبر مساحة داخل الجزيرة باإلضافة الى المنطقة التي قرب الخابكر كأسيمت العيكف كالينابيع في رؼ‬
‫االراضي الداخمية كأصبحت مرك از الستقرار السكاف ‪.‬‬
‫المصادر والمراجع ‪:‬‬
‫المصادر ‪:‬‬
‫‪ -1‬ابف االثير ‪ :‬عز الديف بف االثير ابك الحسف عمي بف دمحم بف ابي الكرـ (ت‪630‬ىػ‪1232/‬ـ) ‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪،‬‬
‫مراجعة ‪ :‬دمحم يكسف الدقاؽ ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪1987،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬االدريسي ‪ :‬ابك عبد هلل دمحم بف عبد هلل بف ادريس الحمكدؼ الحسني (ت‪560‬ىػ‪1164/‬ـ) ‪ ،‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ‬
‫االفاؽ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬شيركلي كأخركف ‪،،‬ط‪ ، 1‬نابكلي ‪ ،‬ليدف ‪ ،‬بريل ‪ 1970،‬ـ‬
‫‪ -3‬االصطخرؼ ‪:‬ابك اسحاؽ ابراىيـ بف دمحم الفارسي الكرخي (ت‪350‬ىػ‪961‬ـ)‪ ،‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬تحقيق‪ :‬دمحم جابر‬
‫عبدالعاؿ الحيني ‪ ،‬مراجعة ‪:‬دمحم شفيق غرباؿ ‪ ،‬دار القمـ ‪ ،‬الجميكرية العربية المتحدة ‪ 1961،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -4‬ابف بطكطة ‪ :‬ابك بطكطة دمحم بف عبد هلل المكاتي الطنجي (ت‪779‬ىػ‪1377 /‬ـ) ‪ ،‬رحمة ابف بطكطة ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫عبداليادؼ التازؼ ‪ ،‬سمسة التراث ‪ ،‬اكاديمية المممكة المغربية ‪ ،‬الرباط ‪1997 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -4‬ابف تغرؼ بردؼ ‪ :‬جماؿ الديف ابك المحاسف يكسف بف تغرؼ بردؼ (ت ‪874‬ق‪1469/‬ـ)‪ ،‬النجكـ الزاىرة في ممكؾ‬
‫مصر كالقاىرة ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬دمحم حسف شمس الديف ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الكتب العممية ‪،‬بيركت‪1992،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -5‬الجاحع ‪:‬عمرك بف بحر الجاحع (ت‪255‬ق‪868/‬ـ) ‪ ،‬التبصر بالتجارة ‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسف حسني عبدالكىاب ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار‬
‫الكتاب الجديد ‪ ،‬بيركت ‪1983،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -6‬ابف جبير ‪ :‬ابك الحسيف دمحم بف احمد بف جبر الكناني االندلسي (ت‪614‬ىػ‪1217/‬ـ) ‪ ،‬رحمة ابف جبير ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫بيركت‪1959،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -7‬ابف حكقل ‪ :‬ابك القاسـ دمحم بف عمي النصيبي (ت‪367‬ىػ ‪977/‬ـ) ‪ ،‬صكرة االرض ‪ ،‬منشكرات مكتبة الحياة ‪ ،‬بيركت ‪،‬‬
‫‪ 1992‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -8‬الحمكؼ ‪ :‬شياب الديف ابك عبد هلل ياقكت بف عبد هلل الحمكؼ (ت‪626‬ىػ‪1229/‬ـ) ‪ ،‬معجـ البمداف ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫بيركت‪1957،‬ـ ‪.‬‬

‫(‪)5‬‬
‫ابف كثير ‪ :‬البداية ‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪. 56‬‬
‫(‪ )6‬ابف االثير ‪ :‬الكامل ‪ ،‬مج‪ ،8‬ص‪. 413‬‬
‫‪162‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -9‬الحميرؼ ‪ :‬ابك عبد هلل دمحم بف عبد هلل بف عبدالمنعـ الحميرؼ (ت‪727‬ىػ‪1326/‬ـ)‪ ،‬الركض المعطار في خبر االقطار‬
‫‪ ،‬تحقيق‪ :‬احساف عباس ‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬بيركت‪1975 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -10‬ابف خمدكف ‪ :‬عبدالرحمف بف دمحم بف خمدكف الحضرمي (ت ‪808‬ق‪1405/‬ـ) ‪ ،‬تاريخ ابف خمدكف كالمسمى العبر‬
‫كديكاف المبتدأ كالخبر في اياـ العرب كالعجـ كالبربر كمف عاصرىـ مف ذكؼ السمطاف االكبر‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪،‬‬
‫بيركت ‪1981،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -11‬الذىبي ‪ :‬شمس الديف دمحم بف احمد ( ت ‪748‬ق‪1347/‬ـ) ‪ ،‬تاريخ االسبلـ " كفيات المشاىير كاالعبلـ" ‪ ،‬تحقيق ‪:‬‬
‫عمر عبدالسبلـ تدمرؼ ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيركت ‪. 1991،‬‬
‫‪ -12‬ابف سعيد المغربي ‪ :‬ابك الحسف عمي بف مكسى (ت‪685‬ىػ‪1286/‬ـ) ‪ ،‬بسط االرض في الطكؿ كالعرض ‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫اسماعيل العربي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬منشكرات المكتب التجارؼ لمطباعة كالنشر كالتكزيع ‪ ،‬بيركت ‪1970 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -13‬الشابشتي ‪:‬ابك الحسف عمي بف دمحم (ت‪388‬ق‪998/‬ـ) الديارات ‪ ،‬تحقيق‪ :‬ككركيس عكاد ‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة المعارؼ ‪،‬‬
‫بغداد ‪ 1966 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪-14‬عريب بف سعد القرطبي (ت ؽ‪4‬ق‪ /‬ؽ‪ 10‬ـ) ‪ :‬صمة تاريخ الطبرؼ‪ ،‬ليدف‪ ،‬مطبعة بريل ‪ 1897،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -15‬الفارقي ‪ :‬احمد بف يكسف بف عمي بف االزرؽ(تبعد ‪577‬ق‪1181/‬ـ)‪ ،‬تاريخ الفارقي ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬بدكؼ عبدالمطيف‬
‫عكض ‪ ،‬دمحم شفيق غرباؿ ‪ ،‬ك ازرة الثقافة كاالرشاد ‪ ،‬القاىرة ‪ 1959،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -16‬ابف الفقيو‪ :‬ابك عبد هلل احمد بف دمحم بف اسحاؽ اليمداني (ت ؽ‪4‬ىػ ‪/‬ؽ‪10‬ـ)‪ ،‬كتاب البمداف ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬يكسف اليادؼ‬
‫‪ ،‬ط‪ ، 1‬عالـ الكتب ‪ ،‬بيركت ‪1996 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -17‬القمقشندؼ‪ :‬احمد بف عمي بف احمد الفزارؼ (ت‪ 821‬ىػ‪1418/‬ـ)‪ ،‬صبح االعشى في صناعة االنشا ‪ ،‬تحقيق‪ :‬دمحم‬
‫حسيف شمس الديف ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪1987 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -18‬المقدسي ‪ :‬شمس الديف ابي عبد هلل دمحم بف احمد بف ابي بكر المعركؼ بالشارؼ (ت‪375‬ىػ‪985/‬ـ)‪ ،‬أحسف التقاسيـ‬
‫في معرفة االقاليـ‪ ،‬ط‪ ،2‬مطبعة بريل ‪ ،‬ليدف ‪ 1967 ،‬ـ ‪.‬‬
‫‪ -19‬ابف كثير ‪:‬أبك الفدا اسماعيل بف عمر بف كثير الدمشقي (ت‪774‬ىػ‪1372/‬ـ)‪ ،‬البداية كالنياية ‪،‬ط‪ ،2‬مكتبة المعرؼ‬
‫‪ ،‬بيركت ‪ 1977 ،‬ـ ‪.‬‬
‫المراجع ‪:‬‬
‫‪ -1‬دائرة المعارؼ االسبلمية ‪ ،‬مادة سركج ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬احمد الشنتناكؼ كآخركف ‪ ،‬ك ازرة التربية كالتعميـ –القاىرة ‪ ،‬د‪ .‬ت‬
‫‪ -2‬الديكه جي ‪ :‬سعيد ‪ ،‬اعبلـ الصناع المكاصمة ‪ ،‬ك ازرة التربية كالتعميـ ‪ ،‬بغداد ‪ 1970 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -3‬متز ‪ :‬ادـ ‪ ،‬الحضارة االسبلمية في القرف الرابع اليجرؼ ‪ ،‬ترجمة ‪:‬دمحم عبداليادؼ ابك ريدة ‪ ،‬لجنة التأليف ‪ ،‬القاىرة ‪،‬‬
‫‪1957‬ـ ‪.‬‬

‫‪163‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫م‬1952-1922 ‫مصر والقضية التونسية خالل فترة الحكم الممكي‬


Egypt and The Tunisian Case during the period of the Monarchy between
1922 and 1952
‫ فاتح بوفروك‬.‫د‬
‫ الجزائر‬- ‫ جامعة عنابة‬،‫قسم التاريخ‬
Dr. Fateh bouferrouk
Department of History-University of Annaba-Algeria
;ًَ‫انبزٌذ اإلنكتزو‬
bouferrourkfateh@yahoo.com
:‫ممخص‬
‫ كفي‬،‫يتتبع المقاؿ الجيكد الجبارة التي بذلتيا مصر مف أجل قضايا التحرر في المغرب العربي‬
ّ
‫ لككنيا فترة ميمة أُىممت مف‬،1952‫ ك‬1922 ‫مقدمتيا القضية التكنسية خبلؿ فترة الحكـ الممكي ما بيف‬
‫ الذيف اقتصرت جل أبحاثيـ كدراساتيـ عمى الدعـ المصرؼ لحركات‬،‫طرؼ كثير مف الباحثيف كالمؤرخيف‬
‫ حتى‬،‫ بينما أُغفمت عف قصد أك غيره الفترة الممكية السابقة‬،‫التحرر المغاربية عمكما عمى الحقبة الناصرية‬
‫ كيعتمد المقاؿ عمى مادة عممية‬.‫ كخاصة المغرب العربي‬،‫كادت تبدك فترة انكفاء مصرؼ عما حكلو‬
‫ مكنتنا مف كشف معمكمات ذات قيمة عممية ىامة حكؿ الدكر‬،‫ استُنبطت مف مصادر عدة‬،‫متنكعة كميمة‬
‫ كىك ما انعكس إيجابا عمى مسار‬،‫المصرؼ المؤثر في مساندة الحركة الكطنية التكنسية خبلؿ ىذه الفترة‬
.‫النضاؿ الكطني في تكنس في سبيل االستقبلؿ‬
‫ الحبيب‬،‫ الحزب الدستكرؼ التكنسي الجديد‬،‫ القضية التكنسية‬،‫ الحكـ الممكي‬،‫ مصر‬:‫الكممات المفتاحية‬
.‫ صالح بف يكسف‬،‫بكرقيبة‬
Absract;
This article traces back the great efforts exerted by Egypt to support the
liberation issues in the Arab Maghreb, especially the Tunisian case during the
period of the Monarchy between 1922 and 1952, as it was an Important period
neglected by ;any researchers and historians who limited their research and
studies on Egyptian support of the Maghreb liberation movements to the
Nasserite era, while intentionally or unintentionally those studies and research
over looked the previous royal period, to the extent that it seemed much like a
kind of Egyptian retreat on itself.
The article is based on a diverse and important scientific material, drawn
from several sources, which enabled us to reveal information of great scientific
value on the influential Egyptian role in supporting the Tunisian national

164
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪movement during this period, and which had positive effects on the course of the‬‬
‫‪Tunisian national struggle for independence.‬‬
‫;‪Keywords‬‬
‫‪Egypt, Royal Government, Tunisian Case, The New Tunisian Constitutional's‬‬
‫‪Party, Habib Bourguiba, Salah Ben Youcef.‬‬
‫كانت لمصر كشعبيا جيكد مبكرة في مساندة الشعكب العربية كاإلسبلمية ضد االستعمار؛ إذ دخمت‬
‫منذ أف كطئت أقداـ المستعمر االنجميزؼ الببلد العربية‪ ،‬في صراع مع القكػ االستعمارية‪ ،‬مف أجل تحرير‬
‫أراضييا‪ ،‬مكتسبة بذلؾ كعيا بأىمية تصفية االستعمار‪ ،‬مف خبلؿ تقديـ يد العكف لمشعكب العربية‬
‫كاإلسبلمية قاطبة في ىذا المضمار‪ ،‬السيما في قارتي إفريقيا كآسيا‪ ،‬كباألخص بمداف المغرب العربي‪.‬‬
‫كلـ يقتصر التأييد المصرؼ بشقيو الرسمي كالشعبي لمحركات الكطنية في المغرب العربي بصفة‬
‫عامة‪ ،‬كالحركة الكطنية التكنسية بصفة خاصة عمى ميداف دكف آخر‪ ،‬بل امتد ليشمل مختمف الجكانب‪،‬‬
‫كفي مقدمتيا الجانب اإلعبلمي‪ ،‬إضافة إلى الجانب الدبمكماسي‪ ،‬كالسياسي‪ ،‬كالثقافي‪ ،‬كبدرجة أقل‬
‫الجانبيف االقتصادؼ كاالجتماعي‪.‬‬
‫كقد جاءت ىذه المساندة المصرية نتيجة الدكر الريادؼ الذؼ أصبحت تمعبو مصر كقكة عربية‬
‫صاعدة‪ ،‬مع التنامي المتزايد لمنزعة العركبية بيا‪ ،‬السيما بعد تأسيس جامعة الدكؿ العربية سنة ‪،1945‬‬
‫كاحتضاف مصر ليا‪ ،‬ما ّبكأىا الصدارة العربية تمقائيا‪.‬‬
‫كيعزػ ذلؾ‬‫كفي الحقيقة‪ ،‬ىذا األمر ال يحجب عنا التذبذب في كتيرة ىذا التأييد بيف فترة كأخرػ‪ُ ،‬‬
‫أساسا إلى عدـ استقرار األكضاع في مصر في فترات كثيرة‪ ،‬نتيجة تأثير التكاجد البريطاني كتداعياتو‬
‫عمى مختمف األصعدة مف جية‪ ،‬كانيماؾ السمطات المصرية في ميمة ترتيب األكضاع الداخمية بفعل‬
‫التشنج السياسي الحاصل بيف الفينة كاألخرػ‪ ،‬السيما بيف القصر كالكفد مف جية أخرػ‪.‬‬
‫ّ‬
‫كعمكما فقد كاف حع القضية التكنسية مف الدعـ المصرؼ كبي ار خبلؿ فترة الحكـ الممكي (‪-1922‬‬
‫‪ ،)1952‬كيعكد ذلؾ أساسا‪ ،‬إلى النشاط التكنسي الحثيث في مصر‪ ،‬السيما بعد خضكع تكنس لمحماية‬
‫الفرنسية سنة ‪ ،1881‬كما ترتّب عنو مف ىجرة كاسعة لعدد مف النخب التكنسية إلى مصر‪ ،‬عمى غرار‬
‫دمحم العربي زركؽ‪ ،‬كالشيخ عبد العزيز جاكيش‪ ،1‬الػذؼ أصبح عضػكا في الحػزب الكطػني المصػػرؼ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مف أصل تكنسي‪ ،‬كلد باإلسكندرية سنة ‪ ،1872‬كتكفي بالقاىرة سنة ‪ ،1929‬كاف مف األعضاء البارزيف في الحزب‬
‫الكطني المصرؼ؛ إذ كاف في أكاخر عمره الرجل الثاني فيو‪ ،‬بعد زعيمو مصطفى كامل‪ ،‬أشرؼ عمى نشاطات الحزب‬
‫العممية كالثقافية إلى أف ُسجف ثـ ُنفي سنة ‪ .1912‬راجع‪ :‬أبك القاسـ دمحم كرك‪ :‬طو حسيف كالمغرب العربي‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسات‬
‫بف عبد هلل لمنشر كالتكزيع ‪ ،‬تكنس‪ ،2001 ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪165‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫تبكأ ىػك اآلخر مشيخة األزىػر‪ ،‬فضبل عف عبد العزيز‬
‫كالشيػػخ العبلمة دمحم الخضػر حسيف ‪ ،‬الذؼ ّ‬
‫الثعػالبي‪ ،2‬الذؼ قصد مصر سنة ‪ ،1897‬كاستقر بيا ما بيف ‪1932‬ك‪ ،1937‬إضافة إلى الشخصيات‬
‫فرت مف ببلدىا‪ ،‬إلى المشرؽ‬ ‫‪3‬‬
‫األخرػ التكنسية‪ ،‬المنضكية تحت لكاء حركة الشباب التكنسي ‪ ،‬التي ّ‬
‫العربي مف بطش المستعمر الفرنسي‪ ،‬كعمى رأسيا األخكيف دمحم باش حامبة‪ 4‬كعمي بػاش حامبة‪ ،1‬كالشيػخ‬

‫‪ - 1‬مف أصكؿ جزائرية‪ُ ،‬كلد سنة ‪ 1873‬بتكنس‪ ،‬ىاجر مبك ار إلى مصر‪ ،‬التي استطاع بيا بفعل كفاءتو العممية مف تكلي‬
‫مشيخة األزىر‪ ،‬سعى جاىدا لتكحيد نضاؿ شعكب المغرب العربي بالمشرؽ عمكما كمصر خصكصا‪ ،‬السيما بعد ترأسو‬
‫لجبية الدفاع عف إفريقيا الشمالية‪ ،‬تكفي سنة ‪ .1958‬أنظر‪ :‬غادة سالـ‪ :‬اليكية في الفكر المغاربي الحديث مف خبلؿ ثبلثة‬
‫نماذج‪ :‬عبلؿ الفاسي كعمي الحمامي كالرشيد إدريس‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شيادة الماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬فتحي القاسمي‪ ،‬جامعة‬
‫تكنس‪ ،‬السنة الدراسية‪ ،2015-2014 :‬ص ‪.63‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ىك عبد العزيز بف ابراىيـ بف عبد الرحماف الثعالبي‪ ،‬مف مكاليد تكنس في ‪ 15‬شعباف ‪1293‬ىػ ػػ‪ 05 /‬سبتمبر‬
‫‪1876‬ـ‪ ،‬ينحدر مف أصكؿ جزائرية‪ ،‬جده كاف معركفا بالعمـ كالصبلح‪ ،‬التحق بجامع الزيتكنة في سف ‪ ،12‬تتممذ عمى يد‬
‫كبار الشيكخ عمى غرار مصطفى بف خميل‪ ،‬حسيف بف حسيف‪ ،‬إسماعيل الصفايحي‪ ،‬دمحم النجار‪ ،‬سالـ بكحاجب كغيرىـ‪،‬‬
‫كرسيا لمكعع كاإلرشاد‪ ،‬كالدعكة إلى‬
‫انخرط في صفكؼ الحركة اإلصبلحية‪ ،‬أسس سنة ‪ 1895‬جريدة "سبيل الرشاد"؛ إذ ّ‬
‫اإلصبلح‪ ،‬ىاجر إلى الجزائر بعد تكقيف جريدتو‪ ،‬ثـ عاد إلى تكنس كمنيا إلى طرابمس‪ ،‬ثـ إلى اسطنبكؿ فالقاىرة‪ ،‬التي‬
‫قضى بيا فترة طكيمة بيف متابعة الدركس باألزىر‪ ،‬كاالختبلط بالعمماء كالمفكريف كالمصمحيف المصرييف أمثاؿ دمحم عبده‪،‬‬
‫بعد عكدتو إلى تكنس كلج الثعالبي الحركة السياسية التي أنشأىا عمي باش حانبة‪ ،‬التي أصبحت تُعرؼ بحركة الشباب‬
‫التكنسي‪ ،‬كما كاف مف أبرز قادة الحزب الدستكرؼ التكنسي‪ ،‬كما اىتـ بالتعميـ‪ ،‬كىك مف أبرز الداعيف إلى تحرير المرأة‬
‫المسممة‪ ،‬تكفي سنة ‪ .1946‬عد إلى‪ :‬حمادؼ الساحمي‪ :‬فصكؿ في التاريخ كالحضارة‪ ،‬ط‪ ،01‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬لبناف‪،‬‬
‫‪ ،1992‬ص ‪.63‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أسسيا ثمة مف الشباب التكنسي سنة ‪ 1907‬اقتداء بالنمكذج التركي‪ ،‬كلمتركيج لمبادئيـ أصدركا أسبكعية "التكنسي"‬
‫التي بدأت بالمغة الفرنسية قبل أف تصدر بالمكازاة مع ذلؾ نسخة بالمغة العربية منذ سنة ‪ ،1909‬كذلؾ بالتعاكف مع ثمة مف‬
‫القادة التكنسييف عمى غرار الشيخ الثعالبي كعمي باش حامبة كغيرىما‪ .‬أنظر‪ :‬ــ ‪Jean François Martin; Histoire de la‬‬
‫‪Tunisie contemporaine de Ferry à Bourguiba 1881-1956, L' Harmattan, France, 1993, p 126.‬‬
‫‪ -4‬كلد بعد انتصاب الحماية الفرنسية عمى تكنس بأسابيع قميمة في جكاف ‪ ،1881‬في أسرة تركية األصل‪ ،‬درس بالمدرسة‬
‫الصادقية‪ ،‬اشتغل مترجما لدػ المصالح العدلية‪ ،‬كقاضيا احتياطيا بمحكمة الدريبة منذ ‪ 21‬أفريل ‪ ،1912‬كاصل دراستو في‬
‫الحقكؽ عبر المراسمة بباريس‪ ،‬قرر مغادرة الببلد كاالستقالة مف منصبو بعد رفض مدير المصالح العدلية قيكت ‪Guyot‬‬
‫الترخيص لو بالسفر لباريس الجتياز االختبارات‪ ،‬رغـ الظركؼ الصعبة‪ ،‬التي كانت تمر بيا تكنس آنذاؾ‪ ،‬بعد انفجار‬
‫أحداث الجبلز سنة ‪ ،1911‬كأحداث مقاطعة الترامكاؼ ‪1912‬؛ إذ ىاجر في أكت ‪ 1913‬إلى باريس‪ ،‬كمنيا إلى‬
‫القسطنطينية‪ ،‬أيف كاف يتكاجد أخيو عمي‪ ،‬ثـ عاد بعدىا في زيارة خاطفة إلى تكنس في ‪ 15‬جانفي ‪ ،1914‬قبل أف يغادر‬
‫مرة أخرػ في ‪ 25‬مارس ‪ 1914‬إلى القسنطينية‪ ،‬لينتقل بعد ذلؾ إلى جنيف‪ ،‬التي نشط بيا كثي ار ألجل قضية ببلده‬
‫كالمغرب العربي ككل‪ ،‬مصد ار مجمة "المغرب" لذات الغرض‪ ،‬تكفي في ‪ 27‬ديسمبر ‪ 1920‬ببرليف األلمانية‪ ،‬نتيجة سكتة‬
‫‪166‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫زيف العابديػف بف حسػػيف‪ ،‬كالشيػخ صالح الشريف‪ ،2‬فضبل عف شخصيات نافذة أخرػ عمى غرار إسماعيل‬
‫الصفايحي‪ ،3‬كغيره‪ ،‬الذيف كاف ليػػـ بالغ األثػ ػػر في التعريػ ػػف‪ ،‬كالتحسيس بالقػػضية التػػكنسية بمصػر‪،‬‬
‫تكسع اىتمػػاـ ال ػ ػرأؼ العػ ػػاـ المصػػرؼ كالمشػ ػرقي‪ ،‬بالقضية التكنسيػػة‪ .‬كػػل ذلؾ‬ ‫ؽ‬
‫كالمشػ ػػر الع ػ ػربي‪ ،‬كبذلؾ ّ‬
‫إذا شػ ػ ّػكل أرضية صػ ػػمبة لمتكاجػػد التػػكنسي بمصػر‪ ،‬خػػاصة بعد التنػاسق الكبير‪ ،‬الػذؼ طبع كعػ ػػي‪ ،‬كتفكيػػر‬
‫المص ػرييف‪ ،‬كالتكنسييف آن ػػذاؾ‪ ،‬كىػػك ما تُرجـ عم ػػى أرض ال ػكاقع الحػقا‪ ،‬بمسػاندة مص ػرية‪ ،‬رسػمية‪،‬‬
‫كشعبية في أحيػاف كثيرة‪ ،‬شممت مجاالت عدة‪.4‬‬
‫‪ -1‬الدعم اإلعالمي‪:‬‬

‫قمبية‪ .‬عد إلى‪ :‬دمحم بمقاسـ‪ :‬كحدة المغرب العربي فكرة ككاقعا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البصائر الجديدة لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪،2013 ،‬‬
‫ص ‪Mohammed Bach-hamba; Le Peuple Algéro-Tunisien et La France, réedition préparée et présentée par; .65‬‬
‫‪Mahmoud Abdelmoula, fondation Beit Al-hikma- Carthage, Tunisie, 1991.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬مف مكاليد ‪ 1875‬بتكنس‪ ،‬درس بالمدرسة الصادقية قبل أف يتنقل لمكاصمة دراستو بباريس‪ ،‬كبيا حصل عمى شيادة‬
‫الميسانس في الحقكؽ‪ ،‬مارس مينة المحاماة بتكنس بالتكازؼ مع نشاطو السياسي‪ ،‬أنشأ مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي جريدة‬
‫التكنسي ‪ 1911-1907‬بعد ترأسو لحركة الشباف التكنسييف‪ُ ،‬نفي سنة ‪ 1912‬إلى اسطنبكؿ‪ ،‬كىناؾ تكلى عدة مناصب‬
‫حككمية‪ ،‬تكفي سنة ‪ .1918‬أنظر‪ :‬دمحم بمقاسـ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -‬ينحدر مف أصكؿ جزائرية‪ ،‬رحمت عائمتو مف بجاية إلى تكنس في القرف ‪11‬ى ػ ػػ‪ُّ ،‬‬
‫كجده العربي الشريف أحد األساتذة‬ ‫‪2‬‬

‫بجامع الزيتكنة‪ُ ،‬كلد سنة ‪1276‬ىػػ‪1859 /‬ـ‪ ،‬حفع القرآف بالكمية الزيتكنية سنة ‪1299‬ى ػػ‪1881 /‬ـ‪ ،‬نجح في امتحاف‬
‫التطكيع سنة ‪1885‬ـ‪ ،‬ثـ امتحاف التدريس سنة ‪1892‬ـ‪ ،‬كفي سنة ‪1893‬ـ حصل عمى رتبة مدرس‪ ،‬ىاجر إلى األستانة‬
‫سنة ‪1919‬ـ‪ ،‬ثـ ما لبث أف رحل منيا بعد اإلطاحة بالسمطاف عبد الحميد الثاني‪ ،‬غير أنو ربط اتصاالتو بمسؤكلي اإلتحاد‬
‫كالترقي‪ ،‬الذيف عينكه الحقا مرشد األمة بدمشق قبل أف يعكد إلى األستانة‪ ،‬أيف أسندت لو عضكية إدارة مشيخة اإلسبلـ‪،‬‬
‫ُكّمف بمياـ أخرػ الحقا في ليبيا‪ ،‬فضبل عف تبكئو عدة مناصب أخرػ عمى غرار مستشار بك ازرة الحربية‪ ،‬كمرشد لممتعمميف‬
‫ببرليف‪ ،‬كما عضكا نشيطا في الجمعية الخيرية اإلسبلمية التي تأسست بعد سقكط عبد الحميد الثاني‪ ،‬تحت رئاسة محمكد‬
‫شككت‪ ،‬كعضكية يكسف شتك‪ ،‬صالح الشريف‪ ،‬إسماعيل الصفايحي‪ ،‬كعبد العزيز جاكيش‪ ،‬ناضل كثي ار مف أجل الدفاع‬
‫عف القضيتيف التكنسية كالجزائرية‪ ،‬تكفي سنة ‪1919‬ـ في سكيسرا‪ .‬أنظر‪ :‬يكسف مناصرية‪" :‬الشيخ المفكر صالح الشريف‬
‫المفكر اإلسبلمي (‪ ،")1919-1859‬حكلية المؤرخ‪ ،‬العدد األكؿ‪ ،2002 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬كلد سنة ‪1269 /1853‬ىػ ػػ‪ ،‬مف شيكخ الزيتكنة‪ ،‬تكلى القضاء الحنفي بتكنس العاصمة‪ ،‬تكفي سنة ‪1853 /1918‬ىػ ػػ‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬دمحم بمقاسـ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬الكطنيكف التكنسيكف كمصر (‪ ،)1956-1952‬رسالة مقدمة لنيل شيادة الماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬د‪ /‬حمزة‬
‫رؤكؼ‪ ،‬جامعة تكنس‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،1996-1995 :‬ص ‪.17-16‬‬
‫‪167‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ركزت مف خبلليا الصحف‬


‫حظيت القضية التكنسية بصفة عامة‪ ،‬بتغطية إعبلمية مصرية كاسعة‪ّ ،‬‬
‫المصرية‪ ،‬عمى اختبلؼ تكجياتيا‪ ،‬عمى التعريف بقضية تكنس كعدالتيا‪ ،‬كتغطية نشاطات زعماء الكفاح‬
‫التكنسي‪ ،‬عبلكة عمى فضح سياسة المستعمر الفرنسي بتكنس‪ ،‬كالتشيير بيا‪.1‬‬
‫أ‪ -‬السياسة الفرنسية بتونس في الصحف المصرية‪:‬‬
‫حي از كاسعا مف صفحات الجرائد المصرية عمى اختبلؼ مشاربيا‬ ‫أخذت سياسة فرنسا بتكنس‪ّ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫تخصص ما يشبو الممف‪ ،‬لقضية انعقاد المؤتمر األفخارستي بتكنس سنة‬
‫كتكجياتيا‪ ،‬فيذه جريدة الفتح ‪ّ ،‬‬
‫‪ ،31930‬شرحت فيو أىدافو‪ ،‬المعمنة منو‪ ،‬كالخفية‪ ،‬كانعكاساتو عمى األمتيف التكنسية‪ ،‬كاإلسبلمية‪ ،‬كردكد‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كىك األمر الذؼ أخذتو السمطات الفرنسية بعيف االعتبار‪ ،‬بحيث لـ تتكقف السفارة الفرنسية بمصر‪ ،‬أك حتى اإلقامة‬
‫العامة بتكنس عف مكافاة ك ازرة الخارجية الفرنسية بتقارير تستعرض فييا مضاميف الصحف المصرية عمى اختبلؼ تكجياتيا‬
‫بخصكص المسألة التكنسية‪ ،‬السيما السياسة الفرنسية في تكنس‪ ،‬أك نشاط الكطنييف التكنسييف في الداخل كالخارج‪ ،‬كخاصة‬
‫في مصر‪ ،‬لممزيد عد عمى سبيل المثاؿ ال الحصر إلى‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس‬
‫المعاصر‪ ،‬شريط رقـ ‪ ،R 984‬رقـ ‪ ،2892‬ممف حكؿ الكطنييف المغاربة بمصر (‪ ،)1‬مؤتمر شماؿ إفريقيا‪ 03 ،‬فيفرؼ‬
‫‪ 17-1947‬سبتمبر ‪.1947‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أصدرىا محب الديف الخطيب في ذؼ القعدة ‪ 1344‬ى ػػ‪ /‬ج ػ ػ ػكاف ‪ ،1926‬استم ػػرت في الصػ ػػدكر ح ػ ػػتى عاـ ‪1366‬‬
‫ى ػ ػ ػ ػػ‪ 1947/‬ـ‪ ،‬صدرت خبلؿ ىذه الفترة شيرية‪ ،‬ثـ أسبكعية‪ ،‬ثـ شيرية في الفترة األخيرة‪ ،‬تكلى رئاسة تحريرىا في العاميف‬
‫األكليف الشيخ عبد الباقي سركر نعيـ‪ ،‬ثـ تكّالىا محب الديف الخطيب حتى تكقفت‪ ،‬كشيدت خبلؿ ىذه الفترة عدة أحداث‬
‫بارزة في العالـ اإلسبلمي‪ ،‬كالببلد العربية؛ حيث أكلت اىتماما كاسعا لمببلد العربية‪ ،‬كخاصة المغرب العربي؛ إذ شاركت في‬
‫قضاياىا‪ ،‬كتحدياتيا‪ ،‬عندما نشرت العديد مف كتابات أىل تمؾ األقطار‪ ،‬عف سياسة االستعمار الفرنسي في تكنس كالمغرب‪،‬‬
‫كما حاربت الفتح سياسة التغريب‪ ،‬كالغزك الفكرؼ كالثقافي‪ ،‬كدعاة اإللحاد‪ ،‬كالتحرر الفكرؼ أمثاؿ سبلمة مكسى‪ ،‬كطو‬
‫حسيف‪ ،‬كعمي عبد الرازؽ‪ ،‬كبالمقابل فتحت صفحاتيا لعدد مف الكتاب مثل‪ :‬مصطفى السباعي‪ ،‬محمكد يس‪ ،‬أحمد ببلفريج‪،‬‬
‫دمحم تقي الديف اليبللي‪ ،‬ع مي أحمد باكثير كغيرىـ‪ .‬لممزيد عد إلى‪ :‬أنكر الجندؼ‪ :‬تاريخ الصحافة اإلسبلمية‪( ،‬الفتح‪ ،‬محب‬
‫الديف الخطيب‪ ،)1948-1926 :‬دار األنصار‪ ،‬القاىرة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.8-6‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬انعقد المؤتمر األفخارستي ‪ Congres Eucharistique‬في الفترة ما بيف ‪ 07‬ك ‪ 11‬ماؼ ‪ 1930‬في قرطاج بالعاصمة‬
‫حساسة كحرجة‪ ،‬نتيجة األزمة االقتصادية التي ضربت تكنس ما بيف ‪ 1930‬ك ‪ ،1931‬بمبادرة مف‬ ‫التكنسية‪ ،‬في فترة ّ‬
‫أسقف قرطاج ‪ Lemaitre‬إذ اعتبره الفرنسيكف"حممة صميبية تاسعة"‪ ،‬بينما رأػ فيو التكنسيكف كانعقاده في ببلد إسبلمية ّ‬
‫مسا‬
‫بكرامتيـ‪ ،‬كاىانة لدينيـ‪ .‬أنظر‪ :‬الحبيب ثامر‪ :‬ىذه تكنس‪ ،‬مطبعة الرسالة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪ .90‬كأيضا‪ :‬عبد‬
‫الكريـ العبلقي‪" :‬النخبة الزيتكنية كأىل الكتاب في عيد الحماية"‪ ،‬ط‪ ،2‬أعماؿ الندكة الدكلية الحادية عشر حكؿ‪ :‬الزيتكنة‬
‫الديف كالمجتمع كالحركات الكطنية في المغرب العربي‪ ،‬تكنس‪ 06-05 ،‬ماؼ ‪ ،2002‬تكنس‪ ،2006 ،‬ص ‪.316-312‬‬
‫‪168‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الفعل المستنكرة لو في تكنس‪ ،1‬كمختمف أصقاع العالـ اإلسبلمي‪ ،2‬كىك المكضكع الذؼ تطرقت إليو‬
‫صحيفة األىراـ‪ ،3‬مف زاكية مغايرة‪ ،‬بحكـ قربيا مف الدكائر الرسمية الفرنسية‪ ،‬مستحسنة‪ ،‬كمشيدة باليدكء‪،‬‬
‫ميز ىذه ا لنشاطات‪ ،‬كاصفة اختيار المكاف بتكنس باالختيار المكفق‪ ،‬خاصة كأف ىذا المؤتمر انعقد‬ ‫الذؼ ّ‬
‫‪ 30‬مرة في مختمف القارات‪ ،‬ما عدا القارة اإلفريقية‪.4‬‬
‫ركزت عمى التشيير بيا الصحافة المصرية خبلؿ ىذه‬
‫التعسفية‪ ،‬التي ّ‬
‫ُّ‬ ‫كمف أكجو السياسة الفرنسية‬
‫الفترة‪ ،‬سياسة التجكيع‪ ،‬التي تع ّمدت سمطات الحماية تطبيقيا‪ ،‬لمضغط عمى المكاطف التكنسي‪ ،‬كاخضاعو‬
‫تفشي المجاعة في تكنس‪ ،‬عندما أشارت في إحدػ مقاالتيا‬
‫إلرادتيا‪ ،‬كفي ىذا الشأف‪ ،‬تحدثت األىراـ عف ّ‬
‫الكاردة في العدد ‪ 22238‬بعنكاف‪":‬المجاعة تيدد تكنس"‪ ،‬بعدما كصمت حالة األغذية في تكنس إلى حد‬
‫خطير‪ ،‬كاص فة الكضع بأنو جد حرج‪ ،‬كيستكجب المبادرة إلنقاذ الببلد‪ ،‬كتضيف الجريدة بأف الحككمة‬
‫التكنسية قد فتحت اعتمادا بػ ػ ‪ 250‬مميكف فرنكا لمحاكلة تجنب األزمة‪ ،‬كختمت بالقكؿ أنو تـ تشكيل لجنة‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬جاءت نتائج ىذا المؤتمر عكس التكقعات الفرنسية‪ ،‬بحيث أعطى لمتكنسييف دفعة جديدة لتكسع كزيادة دائرة النضاؿ‬
‫عجل بميبلد حركية جديدة‪ ،‬ساىمت‬‫الكطني‪ ،‬خاصة بعدما ُمنح االعتبار لمشباب التكنسي لقيادة العمل النضالي‪ ،‬كىك ما ّ‬
‫في السير بالقضية التكنسية نحك تحقيق مكاسب كبيرة داخميا كخارجيا‪ .‬لممزيد عد إلى‪ :‬إبراىيـ عبد هلل‪ :‬شركؽ كغركب‬
‫(نافذة عمى تاريخ النضاؿ الكطني)‪ ،‬مؤسسة سعيداف لمطباعة كالنشر‪ ،‬سكسة‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.41-39‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الفتح‪ :‬العدد ‪ ،198‬السنة الرابعة‪ 09 ،‬ذؼ الحجة ‪1349‬ىػ ػ‪ 08 /‬ماؼ ‪ ،1930‬ص ‪ ،292‬العدد ‪ ،199‬السنة الرابعة‪،‬‬
‫‪ 16‬ذؼ الحجة ‪1348‬ى ػػ‪ 15 /‬ماؼ ‪ ،1930‬ص ‪ ،270-269‬العدد ‪ ،204‬السنة الخامسة‪ 22 ،‬محرـ ‪1349‬ى ػ ‪ ،‬ص‬
‫‪ ،60‬العدد ‪ ،207‬السنة الخامسة‪ 14 ،‬صفر ‪1349‬ى ػ‪ ،‬ص ‪ ،101-100‬العدد ‪ ،219‬السنة الخامسة‪ 10 ،‬جمادػ األكلى‬
‫‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،303 -289‬العدد ‪ ،220‬السنة الخامسة‪ 17 ،‬جمادػ األكلى ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،319-305‬العدد ‪،221‬‬
‫السنة الخامسة‪ 24 ،‬جمادػ األكلى ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،323-321‬العدد ‪ ،222‬السنة الخامسة‪ 01 ،‬جمادػ الثانية‬
‫‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،350-349‬العدد ‪ ،223‬السنة الخامسة‪ 08 ،‬جمادػ الثانية ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،367‬العدد ‪ ،224‬السنة‬
‫الخامسة‪ 15 ،‬جمادػ الثانية ‪1349‬ىػػ‪ ،‬ص ‪ ،383-381‬العدد ‪ ،225‬السنة الخامسة‪ 22 ،‬جمادػ الثانية ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص‬
‫‪ ،399-398‬العدد ‪ ،226‬السنة الخامسة‪ 29 ،‬جمادػ الثانية ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،414-413‬العدد ‪ ،227‬السنة الخامسة‪،‬‬
‫‪ 06‬رجب ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪ ،431-429‬العدد ‪ ،246‬السنة الخامسة‪ 21 ،‬ذؼ القعدة ‪1349‬ى ػػ‪ ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أسسيا المبنانياف سميـ كبشارة تقبل سنة ‪ ،1875‬نشأت في البداية أسبكعية باإلسكندرية أيف تتكاجد الجاليات األكربية‪،‬‬
‫ثـ انتقمت إلى القاىرة‪ ،‬كاستمرت تصدر أسبكعية كذلؾ‪ ،‬التزمت بداية بعدـ الخكض في السياسة تمبية لشركط نظارة‬
‫الخارجية‪ ،‬إلى غاية نشكب الحرب الركسية التركية‪ ،‬كعقب الصراع بيف الخديكؼ تكفيق كفرنسا‪ ،‬اصطفت الجريدة إلى جانب‬
‫الفرنسييف‪ ،‬كىك ما كّمفيا الغمق مف طرؼ الحككمة المصرية‪ ،‬لتعكد إلى الصدكر مجددا بكساطة مف القنصمية الفرنسية‪.‬‬
‫لممزيد‪ ،‬راجع‪ :‬حمزة عبد المطيف‪ :‬قصة الصحافة العربية في مصر(منذ نشأتيا إلى منتصف القرف العشريف)‪ ،‬مطبعة‬
‫المعارؼ‪ ،‬بغداد‪ ،1967 ،‬ص ‪.69-67‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 16338‬ليكـ‪ 03 :‬جكاف ‪ ،1930‬ص ‪.01‬‬
‫‪169‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عربية لمساعدة الضحايا برئاسة السيد اليادؼ نكيرة‪ 1‬مف أعضاء الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي‪ ،2‬مشيرة‬
‫إلى المساعدات التي قررت مصر إرساليا لمشعب التكنسي‪.3‬‬
‫ىذه المساعدات المصرية‪ ،‬تقكؿ المصرؼ‪ 4‬رفضت كل مف السمطات البريطانية‪ ،‬كالفرنسية السماح‬
‫لميبلؿ األحمر المصرؼ بمرافقتيا‪ ،‬كتكزيعيا عمى ضحايا المجاعة في تكنس‪ ،5‬مشترطة إشرافيا ىي عمى‬
‫تفريغ ىذ ه المساعدات‪ .‬يأتي كل ذلؾ في الكقت الذؼ يتـ فيو تصدير المنتكجات الفبلحية التكنسية إلى‬
‫أكربا‪.6‬‬
‫تعسفية أخرػ‪ ،‬منعت السمطات الفرنسية الباخرة المصرية‪ ،‬التي تنقل‬
‫كفي خطكة تصعيدية ّ‬
‫الرُسك بميناء تكنس لتفريغ حمكلتيا‪ ،‬لما رأت فيو تقكية لشككة‬
‫المساعدات إلى مكاطني تكنس‪ ،‬مف ُ‬
‫التكنسييف‪ ،‬ما ينعكس إيجابا عمى زيادة تصميميـ عمى سياسة المكاجية‪ ،‬كالنضاؿ ضد فرنسا‪ ،7‬كىك ما‬
‫تأسفت لو كثي ار جريدة المصرؼ‪ ،‬كرأت فيو إىانة لئلنسانية مف بمد ّيدعي اإلنسانية‪ ،8‬كما دعت جريدة‬
‫الببلغ‪ 9‬في ذات الصدد الحككمة المصرية إلى اتخاذ مكقف أكثر صرامة‪ ،‬لمكاجية ىذه الخطكة الفرنسية‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كلد في ‪ 06‬أفريل ‪ 1911‬بالمنستير‪ ،‬كسط عائمة مثقفة‪ ،‬كميسكرة الحاؿ‪ ،‬بعد دراستو بمعيد سكسة التحق خريف‬
‫‪ 1911‬بفرنسا‪ ،‬لمكاصمة دراستو؛ إذ تحصل عمى البكالكريا ىناؾ سنة ‪ ،1933‬ثـ عمى إجازة في الحقكؽ سنة ‪،1936‬‬
‫كانت تربطو عبلقة كطيدة بالحبيب بكرقيبة‪ ،‬الذؼ كّمفو بتككيف شعبة لمحزب الدستكرؼ التكنسي الحر بباريس‪ ،‬انتخب كاتبا‬
‫عاما ليا سنة ‪ ،1936‬كبعد عكدتو إلى تكنس اشتغل في ميداف المحاماة‪ ،‬تكفي سنة ‪ .1993‬أنظر‪ :‬عادؿ بف يكسف‪:‬‬
‫"النخبة التكنسية كالحركة الكطنية الجزائرية ‪ ،"1962-1927‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،109‬السنة ‪ ،30‬جانفي‬
‫‪ ،2003‬تكنس‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22238‬ليكـ ‪ 17‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.01‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22238‬ليكـ ‪ 17‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬صحيفة يكمية صدرت سنة ‪ ،1936‬اشترؾ في إصدارىا محمكد أبك الفتح‪ ،‬كدمحم العتابي‪ ،‬كريـ ثابت‪ ،‬اعتمد عمييا‬
‫الكفد كثي ار إضافة إلى صحيفة الكفد المصرؼ‪ ،‬التي كانت أكثر تعصبا لحزب الكفد‪ .‬لممزيد‪ ،‬أنظر‪ :‬عبد المطيف حمزة‪:‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ 21 :‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.04‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬الببلغ‪ 29 :‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 3545‬ليكـ ‪ 10‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 3548‬ليكـ ‪ 05‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.01‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬أسسيا األستاذ عبد القادر حمزة في ‪ 16‬ديسمبر ‪ ،1922‬كىي صحيفة مسائية‪ ،‬صدر العدد األكؿ منيا في ‪ 28‬جانفي‬
‫جانفي ‪ُ ،1923‬عرؼ صاحبيا عبد القادر حمزة بأسمكبو اليادغ العميق‪ ،‬كعرفت مقاالتو باسـ "العصا"‪ ،‬ألنيا غالبا تمؤل‬
‫عمكدا كربعا عمى شكل عصا‪ ،‬كقيل أنيا سميت كذلؾ‪ ،‬ألنيا كانت تؤدب‪ ،‬كتمدغ كالعصا‪ ،‬اتخذت الجريدة شعا ار استميمتو‬
‫مف كممات سعد زغمكؿ كىي‪":‬يعجبني الصدؽ في القكؿ‪ ،‬كاإلخبلص في العمل‪ ،‬كأف تقكـ المحبة بيف الناس مقاـ القانكف"‪،‬‬
‫‪170‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫كتمسكيا بقرارىا‪ ،‬حتّـ عمى السفينة المصرية العكدة إلى‬
‫تعنت السمطات الفرنسية‪ّ ،‬‬
‫غير المبررة ‪ .‬غير أف ّ‬
‫مصر مف دكف تفريغ حمكلتيا لمتكنسييف‪ ،‬الذيف فتكت بيـ المجاعة حسب تعبير المصرؼ‪.2‬‬
‫كلـ يسمـ مف جبركت سياسة المستعمر الفرنسي حتى الباؼ دمحم المنصف‪ ،‬الذؼ أقدمت سمطات‬
‫الحماية الفرنسية عمى خمعو مف منصبو‪ ،3‬كنفيو إلى خارج تكنس‪4‬؛ حيث قرر الجنراؿ جيرك إبعاده عف‬
‫العرش في مايك ‪ ،1942‬مستندا في ذلؾ إلى تيمة تعاكنو مع المحكر‪ ،‬بعدما فشمت في إقناعو بالتعاكف‬
‫‪5‬‬
‫رد عمى التيديد بعزلو‪،‬‬
‫مع فرنسا‪ ،‬كدخكؿ تكنس في نطاؽ االتحاد الفرنسي‪ ،‬مقابل اإلفراج عنو ‪ ،‬حينما ّ‬

‫كىك ما ناؿ رضا سعد الذؼ كاف كقتذاؾ في المنفى في ‪ 28‬جانفي ‪ ،1923‬كبقيت الببلغ تساند سعدا حتى انتقل إلى جكار‬
‫ربو في أكت ‪ ،1927‬كمضت الببلغ تؤيد حزب الكفد حتى سنة ‪ ،1932‬ليصدر بعدىا عبد القادر حمزة الببلغ الجديد بعد‬
‫عاـ كاحد‪ ،‬في عيد صدقي باشا‪ ،‬اشترؾ في تحريرىا زكي مبارؾ‪ ،‬سبلمة مكسى‪ ،‬عبد القادر المازني‪ ،‬كبعد العدد ‪،14‬‬
‫عادت الصحيفة إلى اسميا القديـ الببلغ فقط‪ ،‬عارضت الجريدة معاىدة ‪ ،1936‬كانبرت لمحاربة فساد الحكـ‪ ،‬كالحياة‬
‫حل محل النقد السياسي‪ .‬لممزيد‪ ،‬عد إلى‪ :‬عبد المطيف حمزة‪ :‬المرجع‬
‫السياسية عمكما‪ ،‬كما حاربت التممق السياسي‪ ،‬الذؼ ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ ،150‬عبد هلل عزباكؼ‪ :‬الحركة السياسية المصرية‪-‬األحزاب السياسية‪-‬النشكء كالتطكر‪ ،‬مركز زايد لمتنسيق‬
‫كالمتابعة‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،2002 ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الببلغ‪ 03 :‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 3557‬ليكـ ‪ 15‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.01‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ألكثر تفاصيل عف المكضكع‪ ،‬طالع‪ :‬سعيد المستيرؼ‪ :‬المنصف باؼ (الحكـ كالمنفى)‪ ،‬ترجمة‪ :‬ىشاـ القركؼ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار األقكاس لمنشر‪ ،‬تكنس‪ .1991 ،‬نكر الديف الدقي كآخركف‪ :‬تنظيـ الحكـ بتكنس في فترة الحماية الفرنسية ‪-1881‬‬
‫‪ ،1956‬سمسمة كثائق كنصكص مف تاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬عدد ‪ ،3‬المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬جامعة تكنس‬
‫األكلى‪ ،‬تكنس‪ ،1998 ،‬ص ‪.140-138‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أبعدتو السمطات الفرنسية بسبب مكاقفو الكطنية إلى مدينة األغكاط بالجنكب الجزائرؼ‪ ،‬ثـ إلى تنس بكالية الشمف غرب‬
‫الجزائر‪ ،‬كمنيا إلى جنكب فرنسا حتى تكفي بيا يكـ ‪ 01‬سبتمبر ‪1949‬؛ إذ جاء كل ذلؾ عمى خمفية نزعتو الكطنية‬
‫االستقبللية‪ ،‬كىك ما حدا بالجنراؿ جكاف بعد عكدة الحكـ الفرنسي إلى تكنس عقب ىزيمة دكؿ المحكر بيا في ‪ 08‬ماؼ‬
‫‪ ، 1943‬إلى إنذار المنصف باؼ بضركرة التنازؿ عمى العرش‪ ،‬كعند رفضو قاـ جكاف بتطكيق القصر الممكي‪ ،‬كاعتقالو ثـ‬
‫خمعو‪ ،‬كتـ تعييف كلي عيده دمحم األميف عمى الفكر مكانو يكـ ‪ 14‬ماؼ ‪ ،1943‬ككانت الذريعة كالتُّيمة المعمنة لخمعو‬
‫تعاكنو مع المحكر بعد احتبلليـ تكنس أنظر‪ :‬أبك القاسـ كرك‪" :‬رحمة دمحم الخامس إلى طنجة كصداىا في الصحافة‬
‫التكنسية‪ ،‬طنجة في التاريخ المعاصر ‪ ،"1956-1800‬كمية اآلداب كالعمكـ اإلنسانية‪ ،‬جامعة دمحم الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬جامعة‬
‫عبد الممؾ السعدؼ‪ ،‬دار النشر العربي اإلفريقي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬الرباط‪ ،1991 ،‬ص ‪ .288-287‬عبد الحميـ مرجي‪ :‬قضايا‬
‫تحرير المغرب العربي عند دمحم البشير اإلبراىيمي كعبلؿ الفاسي ‪ ،1962-1919‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عبد هلل‬
‫مقبلتي‪ ،‬جامعة المسيمة‪ ،2015-2014 ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22280‬ليكـ ‪ 05‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪171‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كقطع المعكنة المالية عنو قائبل‪" :‬إني لف أتخّمى عف العرش أبدا‪ ،‬كأني في قبضتكـ‪ ،‬فافعمكا بي ما‬
‫تريدكف"‪ ،1‬يأتي ذلؾ بعدما الحظت السمطات الفرنسية التقارب الكبير بيف دمحم المنصف باؼ كالحركة‬
‫‪2‬‬
‫الكطنية التكنسية ‪ ،‬كقد تجمى ذلؾ في التماىي الكبير في الرؤػ كاألفكار الكطنية التي كاف ّ‬
‫يركج ليا كل‬
‫مف الباؼ دمحم المنصف‪ ،‬كالعديد مف قادة الحركة الكطنية التكنسية في داخل الببلد كخارجيا‪ ،‬كىك األمر‬
‫الذؼ اعتبرتو األىراـ نقبل عف الحبيب بكرقيبة‪ 3‬اعتداء صارخا‪ ،‬كانتياكا كاضحا ألىـ البنكد التي تضمنتيا‬
‫معاىدة "باردك"‪ 4‬المكّقعة بيف الطرفيف سنة ‪1881‬ـ‪ ،‬لكضع صيغة قانكنية لمتكاجد الفرنسي بتكنس‪ ،‬كالتي‬
‫التزمت فرنسا في الفقرة الثالثة منيا‪ ،‬باحتراـ الباؼ كعرشو"‪.5‬‬
‫ب‪ -‬نشاط الحركة الوطنية التونسية في الصحف المصرية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كىك ما كاف بالفعل؛ حيث تكفي دمحم المنصف باؼ بمنفاه في فرنسا يكـ ‪ 01‬سبتمبر ‪ ،1948‬نقل جثمانو بعدىا إلى‬
‫ظـ لو الشعب التكنسي جنازة كطنية‪ ،‬كدفف بمقبرة ال ّزالج بالعاصمة التكنسية‪ .‬أنظر‪ :‬قدادرة شايب‪ :‬الحزب‬
‫تكنس‪ ،‬أيف ن ّ‬
‫الدستكرؼ التكنسي الجديد كحزب الشعب الجزائرؼ ‪ 1954-1934‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتكراه‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عبد الرحيـ‬
‫سكفالي‪ ،‬جامعة قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2007/2006 :‬ص ‪.183‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 3564‬ليكـ ‪ 23‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.04‬‬
‫تحصل عمى الشيادة االبتدائية سنة ‪ ،1913‬ثـ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬مف مكاليد ‪ 03‬أكت ‪ 1903‬بالمنستير‪ ،‬درس بالمدرسة الصادقية‪،‬‬
‫دب بيف أعضائو‪ ،‬كخبلؼ بكرقيبة مع‬ ‫التحق بمعيد كارنك‪ ،‬انضـ إلى الحزب الدستكرؼ سنة ‪ ،1922‬كبعد الخبلؼ الذؼ ّ‬
‫أسس الحزب الدستكرؼ الجديد رفقة الماطرؼ‪ ،‬سجف عدة مرات مف طرؼ‬‫أعضاء المجنة التنفيذية لمحزب الدستكرؼ القديـ‪ّ ،‬‬
‫السمطات الفرنسية في الفترة ما بيف ‪ 1934‬ك ‪ ،1938‬انتقل بعدىا إلى مصر كمنيا كاصل نضالو الكطني ما بيف ‪1945‬‬
‫ك‪ ،1949‬قبل أف يعكد إلى تكنس كيبدأ مرحمة جديدة دخل مف خبلليا في مفاكضات مع الجانب الفرنسي لتسكية القضية‬
‫التكنسية‪ ،‬بعد االستقبلؿ تكلى رئاسة تكنس إلى غاية سنة ‪ 1987‬بعدما أطاح بو زيف العابديف بف عمي‪ ،‬تكفي سنة ‪.2000‬‬
‫أنظر‪ :‬عبد الحميـ مرجي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬بعد رحمتو س ار إلى مصر‪ ،‬كبداية مف خريف ‪ ،1945‬أصبح الحبيب بكرقيبة يراىف عمى قضية المنصف باؼ لكسب‬
‫تعاطف الرأؼ العاـ المصرؼ كالعربي؛ إذ اعتبر قضيتو جزءا مف القضية التكنسية‪ ،‬فمف كجية نظره‪ ،‬أف فرنسا قامت بعزؿ‬
‫المنصف باؼ بسبب مساندتو لحركة الدستكر الكطنية‪ ،‬مؤكدا عمى أنو يبقى العاىل الشرعي لمببلد‪ ،‬كباؼ تكنس‪ ،‬كعدـ‬
‫اعترافو بحكـ األميف باؼ‪ ،‬الذؼ اعتبره بػػ‪" :‬باؼ الفرنسييف"‪ ،‬كأنو ال يمكف االعتراؼ بو ما داـ الباؼ الشرعي عمى قيد الحياة‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬خالد عبيد‪" :‬صدػ مسألة المنصف باؼ في أكساط الكطنييف التكنسييف بمصر"‪ ،‬مجمة ركافد‪ ،‬العدد ‪ ،03‬المعيد‬
‫األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬منكبة‪ ،‬تكنس‪ ،1997 ،‬ص ‪.110-109‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22280‬ليكـ ‪ 05‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪172‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عنيت الصحف المصرية بالحراؾ الكطني التكنسي‪ ،‬ضد االستعمار‪ ،‬كممارساتو‪ ،‬بحق الشعب‬
‫كتفعل نشاطو النضالي‪،2‬‬
‫ظـ ّ‬
‫‪1‬‬
‫التكنسي ‪ ،‬عندما راح ىذا األخير يييكل نفسو في ىيئات‪ ،‬كمنظمات‪ ،‬تن ّ‬
‫كضمف ىذا السياؽ‪ ،‬نقمت لنا جريدة الفتح خبر مبادرة بعض المثقفيف التكنسييف لتأسيس جمعية تكنسية‪،‬‬
‫كيتعمق األمر باألستاذ دمحم الحميكؼ‪ ،‬أحد أفاضل تكنس كما كصفتو‪ ،‬الذؼ نشر نداء في جريدة النيضة‬
‫التكنسية‪ ،‬دعا فيو شباب تكنس إلى تككيف جمعية الشباف المسمميف‪ ،‬كىك ما لقي صدػ كبي ار في الصحافة‬
‫التكنسية‪ ،‬كمنيا المقاؿ الذؼ نشره أحمد كركر في جريدة لساف الشعب‪ ،‬الذؼ ّأيد فيو ىذا النداء‪ ،‬الفتا إلى‬
‫شباف اإلسبلـ‪،‬‬
‫المبشريف‪ ،‬كاضطراب فكرة التجديد‪ ،‬يكجب عمى طالبي النيكض الحقيقي‪ ،‬مف ّ‬ ‫ّ‬ ‫أف أعماؿ‬
‫ّ‬
‫أف يبادركا إلى تأسيس جمعية الشباف المسمميف‪ ،3‬كىك ما كجد طريقو إلى التجسيد‪ ،‬عندما نقمت الجريدة‪،‬‬
‫في مقاؿ صغير‪ ،‬أشارت فيو إلى أف اإلدارة الداخمية‪ ،‬استدعت عف طريق المكتب الخامس مف المحافظة‬
‫العمكمية‪ ،‬مدير إحدػ الجرائد التكنسية‪ ،‬لمتفاىـ معو‪ ،‬حكؿ فصكؿ قانكف الجمعية‪ ،‬كقد انحصر الخبلؼ‬
‫محل نظر سيعرضيا مدير الجريدة‬
‫تقكؿ الجريدة في ثبلث نقاط سيتـ النظر فييا‪ ،‬كالمبلحظات التي ىي ّ‬
‫عمى العبلمة النحرير‪ ،‬المفتي األكبر بصفتو رئيس الجمعية‪.4‬‬
‫ككاف لنشاط زعماء الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬في داخل الببلد كخارجيا‪ ،‬حصة األسد مما تكتبو‬
‫ىذه الجرائد عف النضاؿ الكطني التكنسي؛ إذ أكلت عناية كبيرة لنشاط قادة الحركة الكطنية التكنسية في‬
‫الداخل كالخارج؛ حيث عمدت إلى نقل مختمف األنشطة‪ ،‬كاألعماؿ‪ ،‬التي كانكا يقكمكف بيا‪ ،‬مع نشر كل‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬خاصة ما تعمق بالمقاكمة المسمحة‪ ،‬بعد استنفاذ الحمكؿ عف طريق المقاكمة السممية‪ ،‬أنظر عمى سبيل المثاؿ‪ :‬حمد هلل‬
‫مصطفى حسف‪" :‬أصداء المقاكمة المسمحة التكنسية ضد االحتبلؿ الفرنسي في الصحافة المصرية (‪،")1957-1945‬‬
‫المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدداف ‪ ،94-93‬السنة ‪ ،26‬ماؼ ‪ ،1999‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪ ،‬الصفحة ‪ 97‬كما تبلىا‪.‬‬
‫‪ -‬بدأ الكعي السياسي يتبمكر في تكنس أكثر مع نياية القرف ‪ 19‬كبداية القرف العشريف؛ إذ ظيرت عدة جمعيات أىميا‬ ‫‪2‬‬

‫الجمعية الخمدكنية سنة ‪ ،1897‬جمعية قدماء المدرسة الصادقية سنة ‪ ،1905‬ثـ إنشاء الحزب الدستكرؼ التكنسي ‪،1920‬‬
‫كبالمكازاة مع ذلؾ‪ ،‬أقدـ التكنسيكف عمى تنظيـ االحتجاجات عمى غرار تمؾ التي نظمت عمى خمفية إلحاؽ الييكد التكنسييف‬
‫بالمحاكـ الفرنسية سنة ‪ ،1909‬إضراب طمبة جامع الزيتكنة سنة ‪ ،1910‬حكادث ال ّزالج الدامية سنة ‪ ،1911‬حركة‬
‫مقاطعة الترامكاؼ سنة ‪ ،1912‬المظاىرات الشعبية في تكنس كالمرسى سنة ‪ ،1922‬التي نظميا الحزب الدستكرؼ تضامنا‬
‫مع األمير الناصر باؼ بعد تيديده بالتنازؿ عف العرش إذا لـ تستجب فرنسا إلى المطالب الكطنية‪ ،‬كأيضا أحداث ‪ 09‬أفريل‬
‫‪ ،....1938‬لممزيد أنظر‪ :‬الصادؽ الزمرلي‪ :‬تكنس في عيد المنصف باؼ ‪ 1943-1942‬بيف الرجاء كخيبة األمل‪ ،‬تقديـ‬
‫كتعريب‪ :‬حمادؼ الساحمي‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.50-30‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الفتح‪ :‬العدد ‪ ،147‬السنة الثالثة‪ 29 ،‬ذؼ القعدة ‪ 1347‬ىػ‪ 09 /‬ماؼ ‪ ،1929‬ص ‪.11‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الفتح‪ :‬العدد ‪ ،210‬السنة الخامسة‪ 05 ،‬ربيع األكؿ ‪ 1349‬ىػػ‪ ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪173‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تخصيـ‪ ،‬السيما مبلحقات السمطات االستعمارية ليـ‪ ،‬أك العقكبات التي كانت تطاليـ‪ ،‬عمى‬
‫األخبار التي ّ‬
‫كمدتيا‪.1‬‬
‫اختبلؼ أنكاعيا ّ‬
‫كفي ىذا الشأف نشرت صحيفة المصرؼ مقاال في عددىا رقـ ‪ 4403‬الصادر يكـ ‪ 26‬فيفرؼ‬
‫‪ ،1950‬عنكن تو بػ ػ ػ ػ ػ "أمل التكنسييف كالمغاربة في مصر كالجامعة العربية‪ .‬منع المؤلفات كالصحف‬
‫لخصت لنا الجريدة زيارة المناضل التكنسي الكبير "المنجي‬
‫المصرية كالعربية مف دخكؿ المغرب"‪ ،‬كفيو ّ‬
‫‪2‬‬
‫معرجة عمى أىـ النشاطات التي قاـ بيا ىناؾ‪،‬‬‫سميـ" إلى القاىرة‪ ،‬في سياؽ حشد الدعـ لقضية ببلده‪ّ ،‬‬
‫عمى غرار اجتماعو بدمحم صبلح الديف بؾ كزير الخارجية المصرؼ‪ ،‬كعبد الرحمف عزاـ باشا األميف العاـ‬
‫لمجامعة‪ ،‬كبغيرىما الشخصيات العربية كالمصرية‪ .‬كقد نشرت الجريدة تفاصيل المقابمة التي أجراىا معو‬
‫تحدث فييا المناضل التكنسي عف سياسة فرنسا الخطيرة في ببلده‪ ،‬كالمغرب العربي‬ ‫صحفييا؛ حيث ّ‬
‫بصفة عامة‪ ،‬داعيا الدكؿ العربية‪ ،‬كجامعة الدكؿ العربية تحديدا‪ ،‬إلى زيادة دعميا لببلده‪ ،‬لتحقيق كحدة‬
‫الببلد كاالستقبلؿ‪ ،‬الذؼ يناضل مف أجمو الحزب الدستكرؼ الحر التكنسي‪.3‬‬
‫تحدث عنيا المناضل التكنسي المنجي سميـ‪ ،‬تجّمت أيضا في التكامل الذؼ حصل‬
‫ىذه الكحدة التي ّ‬
‫بيف الباؼ كالشعب التكنسي‪ ،‬حكؿ كضع برنامج مطالب سياسية مكحدة تتضمف إصبلحات جذرية‪ ،‬كىك‬
‫ما نقمتو لنا المصرؼ في عددىا رقـ ‪ 4614‬ليكـ ‪ 03‬أكتكبر ‪ ،1950‬كذلؾ في مقاؿ ليا عنكنتو ب ػػ‪:‬‬
‫"سياسة عسكرية بيف فرنسا كتكنس‪ .‬عظمة الباؼ يؤيد الشعب في المطالبة بإصبلح سياسي"‪ ،‬مشيرة إلى‬
‫أف السبب‪ ،‬الذؼ ساعد عمى قبكؿ فرنسا إدخاؿ بعض اإلصبلحات في اإلدارة الحككمية‪ ،‬ىك مكقف‬
‫كحد جيكده مع جيكد الشعب التكنسي‪ ،‬في المطالبة بيذه اإلصبلحات‪.4‬‬
‫الباؼ‪ ،‬ألنو ّ‬
‫طي نشاطات الكطنييف التكنسييف‪ ،‬مف أجل التركيج‬ ‫كما كانت الصحف المصرية كثي ار ما تغ ّ‬
‫لقضيتيـ في الخارج‪ ،‬عمى غرار جريدة الجياد المصرية‪ ،‬التي كانت في المكعد مع رحمة عبد العزيز‬
‫الثعالبي‪ ،‬التي قادتو إلى الشرؽ األقصى‪ ،‬كتحديدا إلى إندكنيسيا؛ إذ أجرت معو حكا ار حكؿ تقييمو ليذه‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 4403‬ليكـ ‪ 26‬فيفرؼ ‪ ،1950‬ص ‪.06‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المنجي سميـ مف أصل يكناني‪ ،‬كلد بتكنس في ‪ 15‬سبتمبر ‪ ،1908‬زاكؿ تعميمو بالمدرسة الصادقية بتكنس‪ ،‬ثـ بكمية‬
‫الحقكؽ بباريس‪ ،‬كاف عضكا في جمعية طمبة شماؿ إفريقيا المسمميف بفرنسا‪ ،‬انخرط في الحزب الدستكرؼ الجديد بعد عكدتو‬
‫إلى تكنس‪ ،‬ليمقى عميو القبض يكـ ‪ 09‬أفريل ‪ ،1938‬ليزج بو في السجف حتى ‪ ،1942‬رحل إلى مصر لمكاصمة الكفاح‬
‫الحقا‪ .‬أنظر‪ :‬زىرة كردؼ‪ :‬الحبيب ثامر ‪ ،1949-1909‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬حسيف رؤكؼ حمزة‪ ،‬جامعة ‪ 09‬أفريل‬
‫‪ ،1938‬السنة الجامعية‪ ،2005-2004 :‬ص ‪.21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 4403‬ليكـ ‪ 26‬فيفرؼ ‪ ،1950‬ص ‪.06‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 4614‬ليكـ ‪ 03‬أكتكبر ‪ ،1950‬ص ‪.02‬‬
‫‪174‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الرحمة‪ ،‬مباشرة عقب عكدتو منيا إلى مصر‪ ،1‬كعمى النيج ذاتو سارت جريدة الجميكرية‪ ،‬التي دأبت عمى‬
‫نقل األحداث التي تشيدىا الساحة التكنسية‪.2‬‬
‫خص النضاؿ السياسي‪ ،‬أما المقاكمة الشعبية التكنسية‪ ،‬فقد نقمت الصحف المصرية‪،‬‬ ‫ىذا فيما ّ‬
‫التعسفية في مختمف المجاالت‪ ،‬كعمى رأسيا تصفية العمبلء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مكاجية التكنسييف لمخططات اإلقامة العامة‬
‫دستيـ فرنسا داخل المجتمع التكنسي؛ إذ نشرت الببلغ في ذلؾ مقاال قصي ار تحت عنكاف‪":‬مكاؿ آخر‬
‫الذيف ّ‬
‫لفرنسا في تكنس ُيطمق عميو الرصاص"‪ ،‬كاألمر يتعمق ب ػ ػ‪ :‬المكاطف صبلح بف مختار‪ ،‬كىك مكظف‬
‫سابق‪ ،‬أُنعـ عميو أخي ار كما تقكؿ الجريدة بالكساـ الحربي الفرنسي‪ ،‬لخدماتو الممتازة لصالح المستعمر‬
‫الفرنسي؛ حيث تعقبتو مجمكعة مف الكطنييف التكنسييف‪ ،‬كأطمقت عميو الرصاص‪ ،‬بعدما خاف كطنو‪،‬‬
‫ككرس حياتو‪ ،‬لخدمة االستعمار الفرنسي في بمده األصمي‪ .3‬كنقمت لنا المصرؼ حالة االحتقاف الشديد‪،‬‬ ‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫التي تسكد الشعب التكنسي‪ ،‬نتيجة إمعاف المستعمر الفرنسي في إذالؿ التكنسييف ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫تعرج عمى الحديث عف‬
‫كىذه جريدة اإلخكاف المسمميف تدافع عف نضاؿ الشعب التكنسي‪ ،‬كىي ّ‬
‫العنف الفرنسي‪ ،‬كمكاجيتو مف طرؼ التكنسييف؛ إذ كتبت في ذلؾ مقاال تحت عنكاف‪":‬صيحة الحق"‪،‬‬
‫عندما نقمت لنا خبر انفصاؿ نقابات العماؿ التكنسييف عف اتحاد العماؿ الفرنسييف‪ ،‬كانضماميـ لكفاح‬
‫ظميا التكنسيكف في مختمف‬
‫إخكانيـ التكنسييف‪ ،‬مشيرة في الكقت نفسو إلى المظاىرات الحاشدة‪ ،‬التي ن ّ‬
‫المدف‪ ،6‬رفضا لزيارة المقيـ العاـ ليا‪ ،‬في محاكلة منو لكسب دعميـ‪ ،‬كتمطيف األجكاء معيـ‪ ،‬تمييدا‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬اإلرادة‪ 04 :‬جكاف ‪.1934‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلرادة‪ :‬العدد ‪ ،917‬السنة ‪ ،21‬الجمعة ‪ 07‬ربيع الثاني ‪ 1374‬ى ػػ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الببلغ‪ 10 :‬أكت ‪ ،1953‬ص ‪.02‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 5432‬ليكـ ‪ 06‬جكيمية ‪ ،1950‬ص ‪.05‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬أسبكعية تأسست في سنة ‪ ،1933‬أصدرىا الشيخ طنطاكؼ جكىرؼ‪ ،‬ثـ انتقل امتيازىا إلى الشيخ حسف البنا‪ ،‬تحكلت‬
‫بعد ذلؾ إلى صحيفة يكمية تيتـ بالشؤكف الدينية‪ ،‬كقد كاف ليا كبير األثر في الشباب المصرؼ‪ ،‬لتعكد الجريدة مرة أخرػ‬
‫إلى الصدكر كيكمية سنة ‪ ،1946‬كظمت تنادؼ بقياـ حككمة إسبلمية تحارب االحتبلؿ كالفساد‪ ،‬ليتـ تعطيميا سنة ‪،1948‬‬
‫عمى خمفية اغتياؿ محمكد فيمي النقراشي‪ ،‬كاتياـ جماعة اإلخكاف المسمميف بالضمكع في العممية‪ .‬أنظر‪ :‬عبد المطيف حمزة‪:‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.147‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬اعتاد التكنسيكف عمى تعبئة الجماىير‪ ،‬كتنظيـ المظاىرات كمما اقتضت المصمحة الكطنية ذلؾ‪ ،‬مستغميف أؼ مناسبة‬
‫لذلؾ‪ ،‬فعمى سبيل المثاؿ ال الحصر‪ ،‬اغتنـ التكنسيكف فرصة العيد العالمي لمشباب لتنظيـ مظاىرات‪ ،‬أ ّ‬
‫طرتيا جمعيات‬
‫الشباب الكطني التكنسي‪ ،‬كقادىا أحمد خبطاني‪ ،‬كذلؾ أكاخر شير مارس سنة ‪ ،1947‬تخّممتيا بعض األنشطة األخرػ‬
‫الرياضية‪ ،‬كتقديـ المحاضرات‪ ،‬عمى غرار المحاضرة التي احتضنيا مقر جمعية قدامى طمبة الصادقية يكـ ‪ 31‬مارس‬
‫‪ ،1947‬كالبلفت فييا غياب قادة الحزب الدستكرؼ القديـ‪ ،‬كبعض الشخصيات الكطنية كالفاضل بف عاشكر‪ ،‬ىذه‬
‫‪175‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تكرس مف جديد كجية النظر الفرنسية االستعمارية لحل القضية‬


‫إلقرار إصبلحات جديدة في ببلدىـ‪ّ ،‬‬
‫التكنسية‪.1‬‬
‫كرغـ الظركؼ القاسية التي تمر بيا ببلدىـ‪ ،‬إال أف ذلؾ لـ يثف المصرييف عف متابعة ما يحصل في‬
‫الشقيقة تكنس؛ حيث نشرت اإلخكاف المسممكف مقاال آخر تحت عنكاف‪":‬فرنسا ذات الكجكه الثبلثة"‪ّ ،‬نبيت‬
‫فيو إلى اىتماميا بالكتابة عف االستعمار الفرنسي بتكنس كسياستو الدنيئة‪ ،‬رغـ حساسية الظرؼ الذؼ تمر‬
‫مفسرة ذلؾ بالطغياف‪ ،‬الذؼ يميز الفرنسييف‪ ،‬الذؼ يعادؿ طغياف االنكميز‪ ،‬بل كيتجاكزه في‬
‫بو مصر‪ّ ،‬‬
‫التعصب ضد اإلسبلـ عمى حد كصفيا‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫مسألة‬
‫ىذا التمادؼ الفرنسي‪ ،‬كاجيو التكنسيكف في الميداف‪ ،‬بإعبلف اإلضراب العاـ في عديد المدف‬
‫شل المدينة‪ ،‬احتجاجا عمى قرار قضائي فرنسي‬
‫شف سكانيا إضرابا عاما ّ‬
‫التكنسية‪ ،‬خاصة صفاقس‪ ،‬التي ّ‬
‫صدر بحق الزعيـ التكنسي اليادؼ شاكر‪ ،‬عضك الحزب الدستكرؼ الحر التكنسي‪ ،‬كرئيس جامعة‬
‫كتذمر سكاف صفاقس؛ حيث أعمنكا عقب ذلؾ‬ ‫ّ‬ ‫الجنكب‪ ،‬يقضي بسجنو لشيريف‪ ،‬ما ّأدػ إلى استياء‪،‬‬
‫اإلضراب العاـ‪ ،‬بعد اتيامو بت أُّرس اجتماع غير مرّخص‪ ،‬دعا فيو المجتمعكف إلى االستعداد لمقاكمة‬
‫تضمنو عددىا رقـ‪ 4852 :‬تحت عنكاف‪":‬تطكرات‬
‫ّ‬ ‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬مثمما نقمتو المصرؼ في مقاؿ ليا‪،‬‬
‫األزمة في تكنس‪ ،‬إضراب مدينة احتجاجا عمى حكـ جائر"‪.3‬‬

‫كلـ يتخّمف العماؿ التكنسيكف عف الذكد عف كطنيـ أيضا؛ حيث ّ‬


‫خصصت األىراـ‪ ،‬بعض المقاالت‬
‫لذلؾ‪ ،‬ففي عدد يكـ ‪ 06‬جكيمية ‪ ،1947‬استعرضت الجريدة مقاال تحت عنكاف‪" :‬إضراب العماؿ في‬
‫تكنس‪ ،‬مصرع كاصابة ‪ 45‬عامبل برصاص الجنكد"‪ ،‬تناكلت الصداـ الذؼ كقع في مدينة صفاقس‬
‫التكنسية‪ ،‬بيف العماؿ المضربيف المتظاىريف‪ ،‬كالقكات التي حاكلت أف تدخل محطة السكة الحديدية‪ ،‬نتج‬
‫عنو قتل ‪ 19‬شخصا‪ ،‬كجرح ‪ 45‬بينيـ ‪ 04‬مف الجنكد‪ .‬كتضيف الجريدة نقبل عف الككالة الفرنسية‪ ،‬أف‬

‫المظاىرات نادػ فييا التكنسيكف بتحقيق مطالبيـ الكطنية‪ ،‬كالتأكيد عمى ثبات مبادئيـ‪ ،‬كقد ّ‬
‫أكدكا عمى‪ - :‬عكدة المنصف‬
‫باؼ‪ -‬تجديد الثقة في الحبيب بكرقيبة لقيادة العمل الكطني‪ -‬مطالبة منظمة الشباب العالمي بإيفاد ممثميف عنيا إلى تكنس‬
‫لمكقكؼ عمى ما يقكـ بو المستعمر الفرنسي‪ -‬تحقيق االستقبلؿ التاـ‪ .‬أنظر‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي‬
‫لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪،‬‬
‫مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬اإلخكاف المسممكف‪ :‬العدد ‪ ،126‬ليكـ ‪ 16‬نكفمبر ‪ ،1947‬ص ‪.15-14‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلخكاف المسممكف‪ :‬العدد ‪ ،121‬ليكـ ‪ 06‬أكتكبر ‪ ،1946‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ 4852‬ليكـ ‪ 31‬ماؼ ‪ ،1951‬ص ‪.02‬‬
‫‪176‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المظاىرة حد ثت عقب ما قررتو السمطات الفرنسية‪ ،‬مف كضع يدىا عمى السكؾ الحديدية في تكنس‪ ،1‬قبل‬
‫أف ينتيي اإلضراب‪ ،‬بعد أف قرر االتحاد العاـ لمعماؿ التكنسييف‪ ،‬كقف اإلضراب‪ ،‬عمى إثر االجتماع‪،‬‬
‫الذؼ تـ بيف السيد مصطفى الكعاؾ‪ ،‬رئيس الك ازرة التكنسية‪ ،‬كقادة االتحاد العاـ التكنسي لمشغل‪.2‬‬
‫كفي رد فعل مباشر عمى تجاكزات سمطات الحماية‪ ،‬أعمف الكطنيكف التكنسيكف عف سقكط نظاـ‬
‫الحماية‪ ،‬في اجتماع سرؼ ليـ عقدكه في ‪ 18‬جانفي ‪ ،1952‬كىك ما قابمتو السمطات الفرنسية بحممة‬
‫اعتقاالت كاسعة‪ ،‬شممت عديد قادة الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬يتقدميـ الحبيب بكرقيبة‪ ،‬في الجنكب الشرقي‬
‫التكنسي‪ ،‬كحسب جريدة األخبار‪ 3‬التي تتبعت المكضكع‪ ،‬فإف ىذه المكجة مف القمع أثارت استياء الباؼ‬
‫عبر لو فييا عف أسفو ليذه األحداث‪.4‬‬
‫كجو نداء إلى الشعب التكنسي‪ّ ،‬‬
‫دمحم األميف‪ ،‬الذؼ ّ‬
‫‪ -2‬المؤازرة االجتماعية والثقافية‪:‬‬
‫أ‪ -‬االجتماعية‪:‬‬
‫لـ ت ّدخر مصر ممكا‪ ،‬كحككمة‪ ،‬كشعبا‪ ،‬أؼ جيد لتقديـ يد المساعدة لمشعب التكنسي‪ ،‬في ظركفو‬
‫كتردد صداىا‬
‫مر بيا‪ ،‬نتيجة طغياف المستعمر‪ ،‬فما مف أزمة اجتماعية ضربت تكنس‪ ،‬إال ّ‬
‫الحالكة التي ّ‬
‫في أرض الكنانة‪ ،‬كلعل كقكؼ مصر بجانب الشعب التكنسي‪ ،‬عندما ضربت المجاعة ببلده لخير دليل‬
‫عمى ذلؾ‪ ،5‬فما إف أُعمف عف ىذه المعضمة‪ ،‬التي حّمت بالتكنسييف‪ ،‬حتى تمّقفيا المصريكف‪ ،‬حينما قرر‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬ليكـ ‪ 06‬جكيمية ‪ ،1947‬ص ‪.08‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ 07 :‬جكيمية ‪ ،1947‬ص ‪.06‬‬
‫‪ - 3‬تُحسب عمى الحزب الكطني‪ ،‬أسسيا أميف الرافعي‪ ،‬أصدرتيا شركة الصحافة الكطنية‪ ،‬صدر العدد األكؿ منيا في ‪20‬‬
‫فيفرؼ ‪ ،1920‬دافعت عف القضية المصرية ممتفة مع سعد زغمكؿ‪ ،‬لكف سرعاف ما اختمفت معو بعد تفكير األخير في‬
‫استئناؼ المفاكضات مع اإلنجميز‪ ،‬استمرت في السير عمى نفس النيج إلى غاية ‪ 10‬ماؼ ‪ ،1925‬حيف صدرت الصحيفة‬
‫تحت اسـ‪ :‬المكاء المصرؼ كاألخبار‪ ،‬لكنيا ما لبثت أف انفصمت عف المكاء المصرؼ‪ ،‬كبقيت كذلؾ حتى كفاة أميف الرافعي‬
‫في ديسمبر ‪ .1927‬أنظر‪ :‬عبد المطيف حمزة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬حمد هلل مصطفى حسف‪" :‬أصداء المقاكمة المسمحة التكنسية ضد االحتبلؿ الفرنسي في الصحافة المصرية ‪-1945‬‬
‫‪ ، "1947‬أعماؿ الندكة الدكلية السابعة حكؿ‪ :‬المقاكمة المسمحة في تكنس في القرنيف التاسع عشر كالعشريف المنعقدة أياـ‬
‫‪ 18‬ك ‪ 19‬ك ‪ 20‬نكفمبر ‪ ،1993‬منشكرات المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬تكنس ‪ ،1995‬ص ‪.107‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬حيث تعرضت مناطق الجنكب‪ ،‬كالكسط خصكصا إلى المجاعة‪ ،‬كرغـ ذلؾ لـ تحرؾ الحككمة الفرنسية ساكنا‪ ،‬إال بعد‬
‫احتجاج التكنسييف‪ ،‬أيف تـ تخصيص ‪ 100‬مميكف فرنؾ إلغاثة المنككبيف‪ ،‬كىك مبمغ ضئيل ال يكفي إلنقاذ ربع سكاف تكنس‬
‫مف المكت المحقق‪ ،‬بينما تخصص اإلدارة ‪ 840‬مميكف فرنؾ لصرؼ عبلكات المكظفيف‪ ،‬فضبل عف السياسة االستعمارية‪،‬‬
‫التي ساىمت فييا فرنسا مف نزع ألراضي التكنسييف بالقكة‪ ،‬كىك ما أدػ إلى كل الذؼ حصل‪ .‬أنظر‪ :‬المصرؼ‪ :‬عدد‪:‬‬
‫‪ 3510‬ليكـ‪ 21 :‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.4‬‬
‫‪177‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الممؾ فاركؽ‪ ،‬التبرع بيبة ألىل تكنس‪ ،‬كطرابمس‪ ،‬بعدما عمـ بالحالة المؤلمة‪ ،‬التي أصبحت عمييا تكنس؛‬
‫تكرـ بمبمغ ‪ 4000‬جنيو‪ ،‬أؼ ما يعادؿ ‪ 02‬مميكف فرنؾ‪.1‬‬
‫إذ ّ‬
‫صصت الحككمة المصرية‪ ،‬كجمعية فؤاد األكؿ لميبلؿ األحمر المصرؼ‪ ،‬مساعدات إضافية‬‫كما خ ّ‬
‫لمشعب التكنسي‪ .‬كقد تكّفمت جمعية اليبلؿ األحمر المصرؼ‪ ،‬بإيصاؿ ىذه المساعدات ألصحابيا بتكنس‪،‬‬
‫كتـ تكميف مندكبيف عنيا لمسفر إلى ىناؾ‪ ،‬كيتعمق األمر بالدكتكر‪ :‬منصكر فيمي باشا‪ ،‬كالدكتكر عبد‬
‫الحميـ محفكظ‪ ،‬بجكاز سفر مؤشر عمييما مف الحككمة الفرنسية‪ ،‬كذلؾ ُّ‬
‫لتجنب أؼ معكقات قانكنية قد‬
‫تكاجييا؛ إذ باش ار محادثات‪ ،‬كلقاءات مع بعض األطراؼ التكنسية‪ ،‬لمتنسيق معيـ حكؿ ىذه العممية‪،‬‬
‫كيأتي في مقدمتيا الحبيب بكرقيبة‪ ،‬الذؼ اجتمع بالدكتكر منصكر فيمي باشا‪ ،‬رئيس بعثة اليبلؿ األحمر‬
‫المصرؼ‪ ،‬التي ستسافر لتكنس‪ ،‬أيف تـ التفاىـ حكؿ أنكاع الحبكب‪ ،‬كاألغذية‪ ،‬كالكساء التي يجب إرساليا‬
‫لتكنس‪ ،‬كاتفقا بعد ذلؾ عمى التنسيق بيف اليبلؿ األحمر المصرؼ‪ ،‬كرئيسو منصكر فيمي‪ ،‬كرئيس لجنة‬
‫اإلغاثة التكنسية اليادؼ نكيرة‪ ،‬الذؼ أرسل برقية شكر لمنصكر فيمي‪.2‬‬
‫بتعنت سمطات االحتبلؿ‬
‫ىذه الرغبة المصرية في إيصاؿ المساعدات لمتكنسييف‪ ،‬اصطدمت ّ‬
‫الرُسك في ميناء تكنس‪،‬‬
‫الفرنسية في تكنس‪ ،‬التي منعت الباخرة "فكزية"‪ ،‬التي تحمل ىذه المساعدات مف ُ‬
‫كذلؾ بعدما تمقت إشارة السمكية بخطر دخكليا الميناء‪ ،‬ميددة إياىا بحرمانيا مف الماء العذب‪ ،‬إذا ما‬
‫أصرت عمى دخكؿ الميناء‪ ،‬كعّممت سمطات االحتبلؿ الفرنسي مكقفيا ىذا باضطراب الكضع في تكنس‪،‬‬ ‫ّ‬
‫متناسية‪ ،‬كمتجاىمة القانكف الدكلي البحرؼ‪ ،‬كأبسط قكاعد اإلنسانية ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ُّ‬
‫التعنت الفرنسي‪ ،‬خّمف مكجة استياء عربية كبيرة‪ ،‬مف ىذا المكقف الفرنسي غير المفيكـ‪،‬‬ ‫ىذا‬
‫أكليا مف الحككمة المصرية‪ ،‬التي سارع رئيس كزرائيا محمكد فيمي النقراشي باشا إلى استدعاء الكزير‬
‫الفرنسي المفكض في مصر "ارمنجاؼ"‪ ،‬كاالجتماع بو لتدارس القضية؛ حيث صرح النقراشي عقب المقاء‪،‬‬
‫بأنو كمف خبلؿ لقائو الكزير‪ ،‬أف الباخرة أنزلت حمكلتيا في ميناء تكنسي آخر غير ميناء تكنس‪ ،‬كبيذا‬
‫تعتبر المسألة منتيية عمى حسب قكلو‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ :‬ليكـ ‪ 21‬جمادػ األكلى ‪ 1366‬ىػػ‪ 19 /‬أفريل ‪.1947‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 14 :‬ماؼ ‪.1947‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬السياسة‪ 01 :‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.01‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬السياسة ليكـ‪ :‬العدد‪ 01 ،369 :‬جكاف ‪.1947‬‬
‫‪178‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ىددت الحككمة السكرية بتقديـ شككػ ضد فرنسا إلى ىيئة األمـ المتحدة‪ ،‬إذا‬
‫كفي شأف ذؼ صمة‪ّ ،‬‬
‫بالرُسك في ميناء تكنس كتفريغ حمكلتيا‪،‬‬
‫استمرت السمطات الفرنسية في رفضيا بالسماح لمباخرة المصرية‪ُ ،‬‬
‫كذلؾ بحسب البرقية التي أذاعتيا ككالة األنباء العربية في دمشق‪.1‬‬
‫كرخصت لمحككمة المصرية بإرساؿ‬
‫يأتي كل ىذا‪ ،‬رغـ أف السمطات الفرنسية‪ ،‬سبق كأف سمحت‪ّ ،‬‬
‫طائرتيف‪ ،‬تحمبلف حكالي ‪ 12‬طنا في كل طائرة‪ ،‬كباخرة كمساعدات لسكاف تكنس المنككبيف‪ ،2‬كرغـ‬
‫جسد عمى أرض‬‫قدميا المسئكلكف المصريكف كالفرنسيكف عمى حد سكاء‪ ،‬إال أنيا لـ تُ ّ‬
‫التطمينات التي ّ‬
‫الكاقع؛ إذ أف الباخرة المصرية "فكزية"‪ ،‬غادرت المياه التكنسية كلـ تفرغ حمكلتيا لمشعب التكنسي‬
‫المنككبة‪ ،3‬رغـ إبقاء الجانب المصرؼ الباب مفتكحا لتسكية القضية مع الطرؼ الفرنسي‪ ،4‬قبل أف تعكد‬
‫الطكافة المصرية "فكزية" أدراجيا إلى مصر‪ ،‬أيف رست في اإلسكندرية‪ ،5‬محممة بحمكلة المساعدات‪ ،‬التي‬
‫كجيت إلى الشعب التكنسي‪ ،‬بعد رفض السمطات الفرنسية إفراغيا‪.6‬‬
‫كقد نالت مبادرة الممؾ فاركؽ ىاتو‪ ،‬استحساف الكثيريف؛ حيث أرسل في ىذا اإلطار دمحم الخضر‬
‫حسيف‪ ،7‬رئيس جبية الدفاع عف إفريقيا الشمالية‪ 8‬برقية إلى كبير األمناء‪ ،‬يشكر فييا الممؾ فاركؽ‪ ،‬كما‬
‫تشكراتيـ لمممؾ فاركؽ‪ ،‬عمى صنيعو تجاه‬
‫كجو لفيف مف أعضاء الجالية التكنسية باإلسكندرية‪ ،‬جميل ّ‬
‫ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬السياسة ليكـ‪ :‬العدد‪ 31 ،368 :‬ماؼ ‪ ،1947‬ص‪.2‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬السياسة ليكـ‪ 01 :‬جكاف ‪ ،1947‬ص‪.01‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬جاء في جريدة المقطـ ليكـ ‪ 02‬جكاف ‪ 1947‬في الصفحة الثانية‪ ،‬أف الباخرة تكجيت نحك مالطا‪ ،‬بعدما تـ منعيا مف‬
‫التزكد بالمياه العذبة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬السياسة‪ :‬العدد ‪ 371‬ليكـ‪ 03 :‬جكاف ‪ ،1947‬ص‪.1‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬السياسة ليكـ‪ 15 :‬جكاف ‪ ،1947‬ص ‪.3‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد رقـ‪ ،3537 :‬يكـ ‪ 17‬جكاف ‪ ،1947‬ص‪.01‬‬
‫‪ - 7‬مف أصكؿ جزائرية‪ُ ،‬كلد سنة ‪ 1873‬بتكنس‪ ،‬ىاجر مبك ار إلى مصر‪ ،‬التي استطاع بيا بفعل كفاءتو العممية مف تكلي‬
‫مشيخة األزىر‪ ،‬سعى جاىدا لتكحيد نضاؿ شعكب المغرب العربي بالمشرؽ عمكما كمصر خصكصا‪ ،‬السيما بعد ترأسو‬
‫لجبية الدفاع عف إفريقيا الشمالية‪ ،‬تكفي سنة ‪ .1958‬أنظر‪ :‬غادة سالـ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬أسسيا ثمة مف المناضميف المغاربة يكـ ‪ 18‬فيفرؼ ‪ ،1945‬مع قرب المؤتمر التأسيسي لجامعة الدكؿ العربية‪ ،‬كفي‬
‫مقدمتيـ الشيخ دمحم الخضر حسيف‪ ،‬الدكتكر دمحم عبد السبلـ العيادؼ‪ ،‬أحمد نجيب برادة‪ ،‬الحاج أحمد بف قايد‪ ،‬الشيخ إبراىيـ‬
‫اطفيش‪ ،‬الشيخ إسماعيل عمي‪ ،‬الشيخ السعدؼ عمار‪ ،‬كالحاج اليمني الناصرؼ‪ .‬أنظر‪ :‬خالد عبيد‪ :‬مكتب المغرب العربي‬
‫بالقاىرة ‪ ،1949-1947‬رسالة مقدمة لنيل شيادة الكفاءة في البحث‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عمي المحجكبي‪ ،‬جامعة تكنس األكلى‪،‬‬
‫‪ ،1989‬ص ‪.26‬‬
‫‪179‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫خصيصا‬
‫حضر قصيدة شعرية ّ‬
‫لقصار‪ ،‬قد ّ‬
‫أبناء كطنيـ ‪ ،‬ككاف أحد الشعراء التكنسييف‪ ،‬المدعك الطاىر ا ّ‬
‫الستقباؿ الباخرة فكزية‪.2‬‬
‫التجار‪ ،‬لتقديـ يد العكف لمشعب التكنسي‪،‬‬
‫شجعت خطكة الممؾ ىذه‪ ،‬الكثير مف الشخصيات‪ ،‬ك ّ‬ ‫كما ّ‬
‫قدميا أحد تجار اإلسكندرية المدعك "حاييـ درة"‪ ،‬المقدرة بػ‪ 100 :‬جنيو‪ ،‬كما‬
‫عمى غرار المساعدة‪ ،‬التي ّ‬
‫تبرع بعض مكظفي الجامعة العربية‪ ،‬ببعض األمكاؿ لمشعب التكنسي‪ ،‬مثل يكسف العشي‪ ،‬كدمحم الناصر‬
‫ّ‬
‫الكتاني‪ ،‬كعبد المنعـ خبلؼ‪ ،‬كنكر الديف العنيزؼ‪ ،‬تكفيق أحمد البكرؼ‪ ،‬خضر دمحم‪ ،‬كمختار الككيل‪،‬‬
‫كجرجس يعقكب كغيرىـ‪.3‬‬

‫كرغـ العراقيل‪ ،‬التي كضعتيا السمطات الفرنسية‪ ،‬لمحيمكلة دكف كصكؿ المساعدات‪ ،‬التي ّ‬
‫أقر إرساليا‬
‫مصرة‪ ،‬كعازمة عمى إيصاليا‪ ،‬ككذلؾ تنفيذ‬
‫ّ‬ ‫الممؾ فاركؽ لمشعب التكنسي‪ ،‬إال أف الحككمة المصرية بقيت‬
‫ق اررات الجامعة العربية‪ ،‬إلنقاذ منككبي المجاعة في تكنس‪ ،‬كفي ىذا اإلطار‪ ،‬تحادث ككيل ك ازرة الخارجية‬
‫أكد المسؤكؿ المصرؼ لبكرقيبة‪ ،‬عزـ‬
‫المصرية كامل عبد الرحيـ‪ ،‬كالمناضل التكنسي الحبيب بكرقيبة؛ إذ ّ‬
‫الحككمة المصرية عمى تنفيذ قرار الجامعة العربية بكل الكسائل المتكفرة‪ ،‬كىك المكقف الذؼ ّنكه بو كثي ار‬
‫معب ار لمكزير المصرؼ عف شكر الشعب التكنسي لمحككمة المصرية عمى ىذا المكقف الجميل‪.4‬‬ ‫بكرقيبة‪ّ ،‬‬
‫ب‪ -‬الثقافية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22239‬ليكـ ‪ 18‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ويًا جاء فٍها;‬
‫كانثر لدػ الفاركؽ شعرؾ جكى ار‬ ‫حي الكنانة كاليبلؿ األحم ار‬
‫كاستقبل الكفد المعظـ مكب ار‬ ‫كتمق عاطفة العركبة ىاتفا‬
‫سجد الزماف ميمبل كمكب ار‬ ‫كاذكر بو المجد الذؼ في ظمو‬
‫لمبائسيف كمف أضربو العس ار‬ ‫يا مف رفعتـ ذا اليبلؿ رعاية‬
‫كدعاة تكثيق األكاصر كالعرػ‬ ‫أنتـ عمى الخض ار مبلئؾ رحمة‬
‫إلى أف يقكؿ‪:‬‬
‫اسي النيى مف لممحامد شك ار‬ ‫أكرـ بمنصكر الرفيع مقامو‬
‫كالمبلذ الحجة المنج ار‬ ‫عرفتو تكنس عالـ الشرؼ المبرز‬
‫الني ار‬
‫كالفضل كالخمق الكفيء ّ‬ ‫كتمثمت فيو الرعاية كاليدػ‬
‫فاركؽ خفاؽ البنكد مظف ار‬ ‫كلتحي تكنس كالكنانة كليعش‬
‫أنظر‪ :‬الزىرة‪ 11 :‬جكاف ‪.1947‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ ،22239‬يكـ ‪ 18‬أفريل ‪ ،1947‬ص ‪.02‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 14 :‬مارس ‪.1948‬‬
‫‪180‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -1‬مصر تستقبل الطمبة التونسيين‪:‬‬


‫تركز الدعـ الثقافي المصرؼ لتكنس خبلؿ ىذه الفترة باألساس‪ ،‬عمى استقباؿ الطمبة التكنسييف‪،‬‬
‫ّ‬
‫في المدارس كالمعاىد‪ ،‬كالجامعات المصرية‪ ،‬السيما بعد التأثير الكاضح‪ ،‬لمحركات اإلصبلحية المشرقية‪،‬‬
‫كنخص بالذكر اإلصبلح السمفي‪ ،‬عمى النخبة التكنسية‪ ،‬خاصة عقب الزيارة التي قادت أحد أقطابيا‬
‫الشيخ دمحم عبده‪ 1‬إلى تكنس‪ ،‬كما تبله مف انتشار‪ ،‬كتداكؿ ألفكار السمفية ىذه‪ ،‬عبر الصحف اإلصبلحية‬
‫انصب تركيزىا عمى اإلصبلح‪ ،‬الذؼ يتطمب ىك اآلخر في مراحل تجسيده األكلى عمى‬‫ّ‬ ‫المشرقية‪ ،‬التي‬
‫أرض الكاقع إزالة العراقيل الذؼ تكاجيو‪ ،‬كفي مقدمتيا االستعمار‪ ،‬كمف ىذه الصحف التي كانت ترد إلى‬
‫تكنس‪ ،‬مجمة العركة الكثقى‪ 2‬لجماؿ الديف األفغاني‪ ،3‬كدمحم عبده‪ ،4‬كبعدىا مجمة المنار‪ 5‬لمشيخ دمحم رشيد‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مف مكاليد سنة ‪ 1266‬ى ػ ػػ‪ 1849 /‬ـ في قرية محمة نصر في مديرية البحيرة‪ ،‬مف أب تركماني كأـ عربية‪ ،‬تعمـ القراءة‬
‫بعد تجاكزه سف العاشرة‪ ،‬انتقل بعدىا إلى األزىر كمنو ناؿ الشيادة العالمية‪ ،‬اتصل بو جماؿ الديف األفغاني بعد حمكلو‬
‫بمصر كصار مف أبرز مقربيو‪ ،‬شارؾ في الثكرة العرابية‪ُ ،‬حكـ عميو عقبيا بالنفي لثبلث سنكات‪ ،‬اتجو إلى لبناف كبيا أقاـ‬
‫لمدة سنة‪ ،‬ثـ غادرىا نحك باريس أيف التقى األفغاني مف جديد‪ ،‬كأصد ار معا مجمة العركة الكثقى‪ ،‬ليعكد بعدىا إلى مصر‬
‫بكساطة مف األميرة نزلي‪ .‬لممزيد راجع‪ :‬ادمحم دراكؼ‪ :‬الجزائر كالجامعة اإلسبلمية ‪ ،1924-1876‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪:‬‬
‫مكلكد عكيمر‪ ،‬قسـ التاريخ‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،2008/2007 ،‬ص ‪.38-36‬‬
‫‪2‬‬
‫أسسيا في باريس بداية سنة ‪ 1884‬جماؿ الديف األفغاني كدمحم عبده‪ ،‬صدر العدد األكؿ منيا في ‪ 13‬مارس مف ذات‬
‫‪ّ -‬‬
‫السنة‪ ،‬استمرت في الصدكر لحكالي ثمانية أشير‪ ،‬لمتكقف عف ذلؾ في ‪ 16‬أكتكبر ‪ .1884‬أنظر‪ :‬أحمد صارؼ‪:‬‬
‫شخصيات كقضايا مف تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬تقديـ الدكتكر أبك القاسـ سعد هلل‪ ،‬دط‪ ،‬المطبعة العربية‪ ،‬غرداية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.183-171‬‬
‫‪3‬‬
‫حدد أُسسيا كمبادئيا‪ ،‬كلد في قرية‬
‫‪ -‬مف مكاليد سنة ‪ ،1839‬يعتبر المنظر الفعمي لفكرة الجامعة اإلسبلمية‪ ،‬كىك مف ّ‬
‫كنر بالقرب مف العاصمة األفغانية كابكؿ‪ُ ،‬عرؼ عنو عدـ التعصب لقكـ أك كطف‪ ،‬فحسبو‬ ‫أسعد أباد‪ ،‬إحدػ قرػ مقاطعة ّ‬
‫كطنو اإلسبلـ‪ ،‬كأىمو جميع أبنائو‪ ،‬يقكؿ أحد تبلمذتو الشيخ مصطفى عبد الرازؽ (‪" :)1946-1885‬لـ يتعمق ببمد مف‬
‫الببلد عمى أنو كطف‪ ،‬كلـ تدخل فكرة الكطنية بيذا المعنى في مذىبو االجتماعي‪ ،‬كلمممالؾ الشرقية اإلسبلمية حب في‬
‫قسـ المؤرخكف فترة حياتو‬ ‫كرس األفغاني حياتو لخدمة اإلسبلـ‪ ،‬كالدفاع عف قضايا المسمميف‪ ،‬كقد ّ‬
‫نفسو ينظميا جميعا"‪ّ .‬‬
‫كجياده إلى ثبلث فترات‪ ،‬أطمق عمى األكلى بالفترة المصرية كتنحصر بيف ‪1871‬ك ‪ ،1879‬كالفترة األكربية كالفارسية ما‬
‫بيف ‪ 1883‬ك ‪ ،1892‬ثـ الفترة العثمانية بيف سنتي ‪ 1892‬ك‪ 1897‬سنة كفاتو‪ .‬أنظر‪ :‬ادمحم دراكؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.31‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬ألكثر تفاصيل عف المكضكع‪ ،‬راجع‪ :‬عمي الشابي‪" :‬صمة النخبة التكنسية بجماؿ الديف األفغاني كدكرىـ في حركة‬
‫العركة الكثقى"‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،11/10‬جانفي ‪ ،1978‬تكنس‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬أنشأىا دمحم رشيد رضا سنة ‪1315‬ى ػػ‪1898/‬ـ لبث أفكاره في اإلصبلح الديني كاالجتماعي‪ ،‬كاإليقاظ العممي‬
‫كالسياسي‪ ،‬استطاعت المجمة في ظرؼ كجيز أف تصبح الجريدة الشرعية األكلى في العالـ اإلسبلمي‪ ،‬ككانت المنار جريدة‬
‫‪181‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رضا‪ ،1‬الذؼ كبعد كفاتو أصبح يديرىا العبلمة السكرؼ بيجت البيطار‪ .2‬ىذا فضبل عف تكاصميـ الدائـ مع‬
‫الطمبة‪ ،3‬المتكاجديف في أكربا‪ ،‬كالمشرؽ العربي لمزاكلة دراستيـ في مختمف المعاىد كالجامعات‬
‫المصرية‪.4‬‬

‫أسبكعية في عاميا األكؿ‪ ،‬لتصبح في العاـ الثاني نصف شيرية‪ ،‬كبعد سنكات أصبحت تصدر مرة كاحدة في الشير‪،‬‬
‫اشترؾ في تحرير المقاالت بيا نخبة مف المفكريف كاألدباء العرب عمى شاكمة مصطفى صادؽ الرافعي‪ ،‬شكيب أرسبلف‪،‬‬
‫مصطفى لطفي المنفمكطي‪ ،‬حافع إبراىيـ‪ ،‬دمحم الخضر حسيف كغيرىـ‪ ،‬استطاعت الجريدة أف تكسب شيرة في مختمف‬
‫أرجاء العالـ اإلسبلمي‪ ،‬ال سيما بالمغرب العربي‪ ،‬حتى أف فكرىا كاف سببا في ظيكر عدة جمعيات إصبلحية عمى غرار‬
‫جمعية العمماء المسمميف الج ازئرييف‪ ،‬استمرت الجريدة في الصدكر إلى غاية كفاة مؤسسيا في ‪ 22‬أكت ‪ .1935‬أنظر‪:‬‬
‫أنكر الجندؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،01‬ص ‪ .30‬أبك القاسـ سعد هلل‪ :‬بحكث في التاريخ العربي اإلسبلمي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬ص ‪ .107-106‬أبك القاسـ سعد هلل‪ :‬الحركة الكطنية الجزائرية ‪ ،1930-1900‬ط‪ ،03‬الشركة‬
‫الكطنية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،1983 ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ .410‬عمي الحافظة‪ :‬االتجاىات الفكرية عند العرب في عصر‬
‫النيضة ‪ ،1914-1798‬االتجاىات الدينية‪ ،‬السياسية‪ ،‬االجتماعية كالعممية‪ ،‬األىمية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪ ،1987 ،‬ص‬
‫‪.91-88‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬ىك دمحم رشيد بف السيد عمي رضا بف السيد دمحم شمس الديف بف السيد بياء الديف بف السيد منبل عمي خميفة البغدادؼ‪،‬‬
‫كلد في ‪ 23‬سبتمبر ‪ 1865‬بالقممكف‪ ،‬تننحدر أصكلو مف الحجاز‪ ،‬تأثر بداية بالصكفية ثـ ما لبث أف حاربيا لتعارضيا مع‬
‫أسس اإلسبلـ الصحيح‪ ،‬كاف مف أبرز تبلمذة الشيخ دمحم عبده‪ ،‬الذؼ التقاه بمصر بعد عكدتو مف المنفى‪ ،‬كمنو استقى‬
‫منيجو اإلصبلحي الجديد الذؼ يقكـ عمى التجديد‪ ،‬كالتغيير الديني‪ ،‬كاالجتماعي‪ ،‬كلمتركيج لنيجو اإلصبلحي ىذا‪ ،‬أ ّسس‬
‫مجمة المنار سنة ‪ ،1898‬لو عدة مؤلفات منيا‪ :‬تفسير القرآف الكريـ في ‪ 12‬جزء‪ ،‬تاريخ األستاذ دمحم عبده في ‪ 03‬أجزاء‪،‬‬
‫نداء إلى الجنس المطيف‪ ،‬الكحي الدمحمؼ كغيرىا مف المؤلفات‪ ،‬تكفي في ‪ 22‬أكت ‪ 1935‬عمى إثر حادث سير قرب‬
‫اإلسكندرية المصرية‪ .‬لممزيد مف التفاصيل عد إلى‪ :‬دمحم الصالح المراكشي‪ :‬تفكير دمحم رشيد رضا مف خبلؿ مجمة‬
‫المنار(‪ ،)1935-1898‬الدار التكنسية لمنشر‪ ،‬تكنس‪ ،1985 ،‬ص ‪ . 55‬أحمد فيد بركات الشكابكة‪ :‬دمحم رشيد رضا كدكره‬
‫عماف‪ ،1989 ،‬ص ‪ .38‬أحمد العدكؼ‪ :‬رشيد رضا اإلماـ‬ ‫في الحياة الفكرية كالسياسية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار عمار لمنشر كالتكزيع‪ّ ،‬‬
‫المجاىد‪ :‬المؤسسة المصرية العامة لمتأليف كاألخبار كالنشر‪ ،‬الدار المصرية لمتأليف كالتكجيو‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.153‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.16-15‬‬
‫‪ -‬اضطر الطمبة المغاربة لمتكاصل عف بعد مع بعض زمبلئيـ الذيف ساعفيـ الحع في الذىاب إلى المشرؽ العربي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫كخاصة مصر بسبب المضايقات الفرنسية خصكصا كما فعمتو مف الطمبة الجزائرييف أيضا‪ ،‬عبر القكانيف التي كانت‬
‫تصدرىا السمطات الفرنسية لمنع ىجرة الجزائرييف نحك الخارج‪ ،‬عمى غرار قانكف ‪ 15‬جكيمية ‪ ،1914‬الذؼ ألغى نيائيا‬
‫رخص السفر إلى الخارج‪ ،‬ك ألزـ كل األىالي باالستقرار في مناطقيـ األصمية‪ .‬راجع‪ :‬عمار ىبلؿ‪" :‬الطمبة الجزائريكف في‬
‫األزىر عاـ ‪ ،"1916‬مجمة الثقافة‪ ،‬العدد ‪ ،79‬السنة ‪ ،14‬ربيع الثاني‪-‬جمادػ األكلى ‪ 1404‬ىػػ‪ /‬جانفي‪-‬فيفرؼ ‪1984‬ـ‪،‬‬
‫ص ‪.137‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬نفسو‪.‬‬
‫‪182‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كقد تكافد بعض الطبلب التكنسييف‪ ،‬الذيف انخرطكا في التعميـ بالجامعات المصرية‪ ،‬يتقدميـ في فترة‬
‫تخرج مف دار العمكـ‪ ،1‬فضبل عف بعض الطمبة اآلخريف‪ ،‬أمثاؿ‬ ‫سابقة‪ ،‬عبد العزيز جاكيش‪ ،‬الذؼ درس ك ّ‬
‫عز الديف عزكز‪ ،‬كالحبيب بكزقندة‪ ،‬كأحمد الفراتي‪ ،‬كالقطارؼ‪ ،‬كالصغيرؼ‪ ،‬الذيف ارتأكا االنتقاؿ مف القاىرة‬
‫إلى سكريا إلتماـ دراستيـ بالجامعة السكرية‪.2‬‬
‫كمع نياية الحػرب العػػالمية الثانية‪ ،‬ازداد تػكافد الشباف التػػكنسييف عمى مصر‪ ،‬السيما ممف درسػكا‬
‫اليمامي‪ 4‬سنة ‪ ،1945‬ثـ كفد كل مف‬ ‫‪3‬‬
‫في الزيتػكنة‪ ،‬يتقػدميـ يػكنس درمكنة‪ ،‬ثـ خميس المكني ‪ ،‬كعمر ّ‬
‫كحادة‪ ،5‬كعمي الطاىر المقدميني‪ ،‬كأحمد الكسراكؼ‪ ،‬كأحمد بف عمي بف صالح سنة ‪،1946‬‬
‫دمحم الطاىر ّ‬
‫ليتعزز‬
‫ّ‬ ‫تمسؾ‪ ،‬كعبد الرحمف بف مطيرة سنة ‪،1947‬‬
‫كما لجأ كل مف عمر بف دمحم غزاؿ‪ ،‬كحسف بف ّ‬
‫التكاجد الطبلبي المصرؼ سنة ‪ 1948‬بقدكـ حمكدة الطاىرؼ‪ ،‬كعبد الكىاب بف رحكمة‪ ،‬كتاج الديف‬
‫تدخل‬
‫مختار‪ ،‬كأحمد صكدة؛ إذ كرغـ الصعكبات الكبيرة التي كاجيكىا ىناؾ‪ ،‬السيما المادية منيا‪ ،‬إال أف ّ‬
‫قادة الحركة الكطنية التكنسية ىناؾ‪ ،‬فضبل عف المسئكليف المصرييف‪ ،‬يتقدميـ طو حسيف‪ ،‬ساعد عمى‬
‫تجاكز تمؾ العقبات‪ ،‬كالتركيز عمى التحصيل العممي‪ ،‬كالعمل الكطني النضالي‪ ،6‬فيؤالء كغيرىـ مف‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الرشيد إدريس‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.43-35‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬نفسو‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪3‬‬
‫جماؿ بالساحل التكنسي في ‪ 19‬سبتمبر ‪ ،1925‬ناؿ األىمية مف جامع الزيتكنة سنة ‪ ،1945‬كاف مف‬ ‫‪ -‬مف مكاليد ّ‬
‫المقربيف كالمتعاطفيف مع الشيخ عبد العزيز الثعالبي‪ ،‬كما كاف مف أنصار الحزب الدستكرؼ القديـ‪ ،‬الذؼ ساعده في السفر‬
‫ظـ الطمبة‬
‫إلى مصر‪ ،‬أيف أصبح ينشط ضمف جبية الدفاع عف إفريقيا الشمالية‪ .‬أنظر‪ :‬خالد بف فرج عبيد‪" :‬محاكالت تن ّ‬
‫التكنسييف ذكؼ األصكؿ الزيتكنية في مصر‪ :‬بيف حمـ التجسيـ كعكائق الظرفية ‪ ،"1952-1948‬أعماؿ الندكة الدكلية‬
‫الحادية عشر حكؿ الزيتكنة‪ :‬الديف كالمجتمع كالحركات الكطنية في المغرب العربي‪ ،‬تكنس ‪ 05‬ك ‪ 06‬ماؼ ‪ ،2002‬ط‪،2‬‬
‫منشكرات المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬تكنس‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫المدرسيف بجامع الزيتكنة‪ ،‬نشط في الحزب الدستكرؼ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬كلد في المكناسي بضكاحي سيدؼ بكزيد سنة ‪ ،1915‬كاف مف‬
‫تكجو إلى مصر س ار سنة ‪ 1945‬ممثبل لمحزب‪ .‬أنظر‪ :‬خالد بف فرج عبيد‪:‬‬
‫التكنسي القديـ‪ ،‬مما كمفو السجف عدة مرات‪ّ ،‬‬
‫محاكالت‪ ،...‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.177‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬كلد بقفصة في ‪ 11‬أكتكبر ‪ ،1924‬تحصل عمى األىمية سنة ‪ ،1946‬كفي السنة ذاتيا انتقل إلى مصر‪ ،‬أيف كاصل‬
‫دراستو الثانكية ىناؾ كمف ثمة انتقل لمدراسة في جامعة فؤاد األكؿ شير أكتكبر ‪ .1948‬أنظر‪ :‬خالد بف فرج عبيد‪:‬‬
‫محاكالت ‪ ،....‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.172‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬خالد بف فرج عبيد‪ :‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.238-173‬‬
‫‪183‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الطمبة‪ ،‬تخندقكا الحقا مع إخكانيـ المناضميف التكنسييف‪ ،‬كالمغاربة بصفة عامة‪ ،‬لمعمل مف أجل قضية‬
‫ببلدىـ‪ ،‬ككسب التأييد‪ ،‬كالتعاطف الخارجي ليا‪.1‬‬
‫كما كاف الممؾ فاركؽ حريصا عمى راحة كاستقرار الطمبة األجانب بمصر‪ ،‬السيما في الظركؼ‬
‫االستثنائية؛ حيث درج عمى تنظيـ مكائد لئلفطار بقصر عابديف‪ ،‬كالتي أقاميا عمى شرؼ أبناء األقطار‬
‫العربية كاإلسبلمية في رمضاف سنة ‪1948‬؛ حيث دعا إلييا طمبة الدكؿ اإلسبلمية‪ ،‬كفي مقدمتيـ طمبة‬
‫دكؿ المغرب العربي‪ ،‬إلى جانب فريق مف العمماء‪ ،‬كرجاؿ الديف المسمميف‪ ،‬الذيف نزلكا القاىرة لطمب‬
‫العمـ‪.2‬‬
‫كتقدي ار منو لمكفاءة التي أصبحت تتمتع بيا بعض الشخصيات المغاربية‪ ،‬كالتكنسية تحديدا التي‬
‫كاصمت دراستيا بالجامعات كالمعاىد المصرية‪ ،‬منح الممؾ فؤاد غداة إنشائو مجمع المغة العربية الممكي‬
‫بالقاىرة في ‪ 06‬أكتكبر ‪ 1933‬شرؼ عضكية المجمع لمشيخ دمحم الخضر حسيف؛ حيث ت أرّس لجنة‬
‫الميجات كساىـ في تأليف عدة لجاف أخرػ كمجنة اآلداب كالفنكف‪ ،‬لجنة المعجـ الكسيط‪ ،‬لجنة اإلعبلـ‬
‫الجغرافية‪ ،....‬كمعو أيضا السيد حسف حسني عبد الكىاب‪ ،‬باإلضافة لُثّمة مف المفكريف اآلخريف عمى‬
‫شاكمة األستاذ دمحم تكفيق باشا أكؿ رئيس لممجمع‪ ،‬الشيخ إبراىيـ حمركش‪ ،‬الشيخ عبد القادر المغربي‪،‬‬
‫المستشرؽ نالينك‪ ،‬كالمستشرؽ ماسينيكف‪.3‬‬
‫‪ -2‬المثقف المصري يساند التونسيين في نضاليم‪:‬‬
‫كاف لممثقف المصرؼ‪ ،‬دكر بارز في دعـ نضاؿ المغاربة عمكما‪ ،‬كالتكنسييف خصكصا‪ ،‬فيذا طو‬
‫حسيف‪ ،‬كزير المعارؼ المصرية (‪ُ ،)1952-1950‬يرّد باإليجاب عمى الطمب الذؼ تقدمت بو الحككمة‬
‫بمدىا بمجمكعة مف األساتذة‪ ،‬لتغطية النقص المكجكد في مختمف المؤسسات‬ ‫التكنسية لببلده‪ ،‬كالقاضي ّ‬
‫التعميمية التكنسية؛ حيث أعمميا‪ ،‬بأنو كضع تحت طمبيا العدد المطمكب مف األساتذة المصرييف‪ ،‬لمتدريس‬
‫بالجامعة الزيتكنية‪ ،‬كلـ يبق سكػ تأشير الجيات الفرنسية الرسمية عمى جكازات سفرىـ‪ ،‬لمسفر إلى‬
‫تكنس‪.4‬‬
‫لما كاف كزي ار لممعارؼ‪ ،‬كفي التعريف بالجيكد‬
‫كما ساىـ طو حسيف في التعريف بالتراث التكنسي ّ‬
‫األدبية لممفكريف التكنسييف أيضا‪ ،‬كذلؾ بطبع بعض مؤلفات ىؤالء؛ إذ أمر طو حسيف ك ازرة المعارؼ‬
‫المصرية في ىذا اإلطار‪ ،‬بطبع كتاب "المنتخب المدرسي مف األدب التكنسي" لممؤلف التكنسي حسف‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أبك القاسـ دمحم كرك‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬اإلرادة‪ 24 :‬أكت ‪.1948‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم مكاعدة‪ :‬دمحم الخضر حسيف حياتو كآثاره‪ ،‬الدار التكنسية لمنشر‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.115-113‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أبك القاسـ دمحم كرك‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪184‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كرمتو الجامعة المصرية‪،‬‬


‫درس في المعاىد الثانكية المصرية‪ ،‬ىذا األخير ّ‬
‫حسني عبد الكىاب‪ ،‬كأصبح ُي ّ‬
‫بمنحو شيادة الدكتكراه الفخرية‪.1‬‬
‫كما سعى طو حسيف لتأسيس معيدا مصريا في تكنس‪ ،‬سرعاف ما قكبل برفض فرنسي‪ ،‬استنكره طو‬
‫حسيف‪ .‬كلما كاف طو حسيف دائما كزي ار لممعارؼ في حككمة ببلده‪ ،‬كبعد اتصاالت مف الزعيـ التكنسي‬
‫الفاضل بف عاشكر‪ ،‬كأبيو دمحم الطاىر بف عاشكر‪ ،‬قرر الكزير المصرؼ إرساؿ مجمكعة مف األساتذة‬
‫لتغطية النقص في الجامعة الزيتكنية‪ ،‬كالمدرسة الخمدكنية‪ ،2‬كما قرر قبكؿ البعثات العممية التكنسية‪،‬‬
‫الستكماؿ تككينيا بالجامعات المصرية؛ حيث كافق الكزير المصرؼ عمى االعتراؼ بالشيادات التكنسية‪،‬‬
‫كتحديدا الممنكحة مف الزيتكنة كالخمدكنية‪ ،‬كقبكؿ العديد مف الشباب التكنسي‪ ،‬الحامميف لتمؾ الشيادات‪.3‬‬
‫منددة باالستعمار الفرنسي لممغرب العربي‪ ،‬معمنيف عف‬
‫كما كاف لممثقفيف المصرييف مكاقف ّ‬
‫مساندتيـ المطمقة لكفاح المغرب العربي‪ ،‬مف أجل نيل االستقبلؿ‪ ،‬كأبرز مثاؿ عمى ذلؾ‪ ،‬المكقف‬
‫التاريخي‪ ،‬الذؼ اتّخذه الدكتكر أحمد أميف‪ ،‬عندما أعاد لفرنسا‪ ،‬بكاسطة سفيرىا بالقاىرة‪ ،‬كساـ جكقة‬
‫الشرؼ الممنكح لو‪ ،‬احتجاجا منو عمى رفض السمطات الفرنسية بتكنس سنة ‪ ،1947‬قبكؿ المساعدة‬
‫الغذائية المصرية‪ ،‬لمتخفيف مف كطأة المجاعة‪ ،‬التي أصابت تكنس خبلؿ تمؾ السنة‪.4‬‬
‫عما قاـ بو األدباء المصريكف؛ حيث زار كفد صحفي مصرؼ دكؿ‬ ‫كلـ يشذ الصحافيكف المصريكف ّ‬
‫طبلع‬
‫شماؿ إفريقيا‪ ،‬مف بينيا تكنس‪ ،‬يتقدميـ حسيف أبك الفتح نقيب الصحفييف المصرييف‪ ،‬في ميمة لبل ّ‬
‫عمى ما يجرؼ فييا‪ ،‬كنقل تمؾ الحقائق إلى الرأؼ العاـ المصرؼ‪ ،‬كالمشرقي‪ ،‬لدحض األخبار الكاذبة‪،‬‬
‫تركج ليا الدكائر الفرنسية‪ ،‬لما يجرؼ في الشماؿ اإلفريقي عامة؛ إذ أعمف الكفد عف دعمو‬
‫التي كانت ّ‬
‫كمكممة لمنضاؿ السياسي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المطمق لنضاؿ الشعب التكنسي حتى االستقبلؿ ىذه الجيكد كانت مدعمة‪،‬‬
‫الذؼ كاف يقكده قادة التكنسية الحركة الكطنية التكنسية داخل كخارج القطر التكنسي‪ ،‬السيما في األراضي‬
‫المصرية‪.5‬‬
‫‪ -3‬المساندة السياسية المصرية لمقضية التونسية‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المرجع نفسو‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬تأسست سنة ‪1896‬؛ حيث كانت تدرس العمكـ الصحيحة‪ ،‬كالتاريخ كالجغرافيا بالمغة العربية‪ ،‬كما أدخل تدريس المغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬محاكلة مف القائميف عمييا لتدعيـ المستكػ العممي لمتبلمذة الزيتكنييف‪ .‬أنظر‪ :‬دمحم ضيف هلل‪ :‬الطمبة التكنسيكف‬
‫كمخاضات الكطف في منتصف القرف العشريف‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة تكنس لمنشر‪ ،‬تكنس‪ ،2016 ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬أبك القاسـ دمحم كرك‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬نفسو‪ ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬البصائر‪ :‬العدد ‪ ،134‬السنة الثالثة‪ 01 ،‬ربيع األكؿ ‪1370‬ىػػ‪ 11 /‬ديسمبر ‪1950‬ـ‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أ‪ -‬مصر تحتضن زعماء الكفاح التونسيين‪:‬‬


‫بدأ الحراؾ الكطني التكنسي لمكاجية االستعمار في تكنس‪ ،‬مع انتصاب الحماية الفرنسية بيا‪،‬‬
‫التعسفية بحق الشعب التكنسي‪ ،‬مف‬
‫ّ‬ ‫ليتكسع كينضج أكثر‪ ،‬بالمكازاة مع تمادؼ سمطات الحماية سياستيا‬
‫ّ‬
‫جية‪ ،‬كتنظيـ التكنسييف لنشاطيـ النضالي‪ ،‬كىيكمتو مف جية أخرػ‪ ،‬في داخل الببلد كخارجيا‪ ،‬مف خبلؿ‬
‫إنشاء األحزاب السياسية‪ ،‬في مقدمتيا الحزب الدستكرؼ الحر التكنسي‪ ،1‬كبعده الحزب الدستكرؼ الحر‬
‫التكنسي الجديد‪ ،2‬كالنقابات العمالية‪ ،‬في مقدمتيا االتحاد العاـ التكنسي لمشغل‪ ،3‬كالييئات الثقافية‪ ،‬لتباشر‬
‫نشاطيا الحثيث داخل الببلد‪ ،‬غير أف التعامل الفرنسي العنيف مع ىذه النشاطات النضالية‪ ،‬عبر‬
‫المبلحقات التي استيدفت ركادىا‪ ،‬كسياسة االعتقاؿ‪ ،‬كالنفي‪ ،‬كحتى االغتياالت‪ ،‬التي ما فتئت السمطات‬
‫الفرنسية‪ ،‬تحيكيا ضد قادة الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬كلعل أحداث ‪ 09‬أفريل ‪ ،1938‬خير دليل عمى‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬نخص بالذكر ىنا الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي‪ ،‬الذؼ أسس في ‪ 14‬مارس ‪ ،1920‬برئاسة عبد العزيز الثعالبي‪،‬‬
‫بيدؼ تحقيق االستقبلؿ‪ ،‬كىك اليدؼ الذؼ سعى إليو منذ تأسيسو‪ ،‬بإرساؿ الكفكد‪ ،‬كتقديـ العرائض لمختمف الدكائر الرسمية‬
‫المؤثرة‪ ،‬في مقدميا السمطات الفرنسية‪ ،‬كاألمريكية كغيرىا‪ .‬ألكثر تفاصيل عد إلى‪ :‬البشير بف الحاج عثماف الشريف‪:‬‬
‫أضكاء عمى تاريخ تكنس الحديث ‪ ،1924-1881‬ط‪ ،1‬دار بكسبلمة لمنشر كالتكزيع‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.203-197‬‬
‫حفيع طبابي‪ :‬الحزب الدستكرؼ القديـ ‪ ،1938-1934‬مذكرة مقدمة لنيل شيادة الكفاءة في البحث‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عمي‬
‫المحجكبي‪ ،‬الجامعة التكنسية‪ ،‬السنة الجامعية‪ .1986-1985 :‬حمادؼ الساحمي‪" :‬كثيقة حكؿ نشأة الحزب الحر الدستكرؼ‬
‫التكنسي"‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،28-27‬السنة ‪ ،9‬ديسمبر ‪ ،1982‬مطبعة االتحاد التكنسي لمشغل‪ ،‬زغكاف‪،‬‬
‫تكنس‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫دب بيف قادة الحزب الدستكرؼ األكائل‪ ،‬كجماعة‬
‫‪ -‬انبثق عف مؤتمر قصر ىبلؿ في مارس ‪ ،1934‬بعد الخبلؼ الذؼ ّ‬
‫العمل التكنسي‪ ،‬الذيف دخمكا المجنة التنفيذية عمى إثر مؤتمر سنة ‪1933‬؛ إذ حضره نكاب عف سائر ُشعب الحزب‪ ،‬لمنظر‬
‫في مسألة الخبلؼ‪ ،‬كبعد امتناع أعضاء المجنة التنفيذية لجماعة العمل التكنسي عف الحضكر‪ ،‬تقرر فصميـ مف الحزب‪،‬‬
‫كانتخبكا ديكانا سياسيا إلدارة الحزب‪ ،‬أطمق عميو الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي الجديد‪ ،‬كعيف الحبيب بكرقيبة أمينا عاما‬
‫لو‪ .‬أنظر‪ :‬الحبيب ثامر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬تش ّك ل مف اندماج اتحاد النقابات المستقمة لمجنكب‪ ،‬كاتحاد النقابات المستقمة لمشماؿ‪ ،‬كجامعة المكظفيف التكنسييف‪،‬‬
‫انعقد مؤتمره التأسيسي في ‪ 20‬جانفي ‪ 1946‬بقاعة الخمدكنية بتكنس‪ ،‬انتُخب مف خبللو فرحات حشاد كاتبا عاما ليذه‬
‫شكل تأسيسو محطة ىامة في تاريخ الحركة النقابية التكنسية؛ إذ أصبحت ىذه المنظمة مف أىـ القكػ‬
‫المنظمة‪ ،‬كقد ّ‬
‫الكطنية‪ ،‬التي ساىمت في النضاؿ الكطني‪ .‬أنظر‪ :‬عمي آيت مييكب‪ :‬بنزرت كاالستعمار‪ -‬بحث في السياسة االستعمارية‬
‫كالحركة الكطنية في جية بنزرت ‪ ،-1956-1924‬منشكرات المعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬جامعة منكبة‪ ،‬تكنس‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.326-325‬‬
‫‪186‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ذلؾ‪ ،‬فضبل عف اغتياؿ النقابي التكنسي الشيير فرحات حشاد في ‪ 25‬ديسمبر ‪ 11952‬كالسيما أيضا بعد‬
‫انعقاد مؤتمر االستقبلؿ في ‪ 26‬رمضاف ‪1365‬ى ػػ‪ 23 /‬أكت ‪ ،1946‬الذؼ ترجـ اإلجماع التكنسي عمى‬
‫‪2‬‬
‫تجسدت كحدة التحرؾ‬‫تحقيق االستقبلؿ الكامل لتكنس‪ ،‬ككضع الميكانيزمات الكفيمة بتحقيق ذلؾ ‪ ،‬كعقبو ّ‬
‫عبر مكجة اإلضرابات كاالحتجاجات ضد أعماؿ القمع التي قامت بيا سمطات االستعمار الفرنسي أثناء‬
‫المؤتمر‪ ،‬كاعتقاليا لعدد مف الكطنييف‪ ،3‬كل ىذا دفع بالكطنييف التكنسييف إلى التفكير في اليجرة نحك‬
‫الخارج‪ ،‬كمتابعة نضاليـ الكطني ىناؾ؛ إذ كانت القبمة المشرؽ العربي‪ ،4‬كتحديدا مصر‪ ،‬السيما كأف‬
‫التكاصل بيف نخبة البمديف‪ ،‬سبق ذلؾ بفترة زمنية معتبرة‪.5‬‬
‫كال يخفى عمى أحد‪ ،‬مف أف الظركؼ التي عرفيا العالـ بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬قد تركت آثارىا‬
‫عمى الدكؿ العربية خصكصا‪ ،‬السيما بالنسبة لمصر‪ ،‬التي بدأ دكرىا اإلقميمي يتنامى؛ إذ أصبح مركزيا‬
‫في إدارة القضايا العربية‪ ،‬كاإلسبلمية‪ ،‬كىك ما ظير جمّيا في الحراؾ الذؼ انبثق عنو إنشاء جامعة الدكؿ‬
‫العربية في ‪ 22‬مارس ‪ ،1945‬كاختيار القاىرة لتككف مق ار ليا‪ ،‬كىك الظرؼ الذؼ استغّمو الكطنيكف‬
‫التكنسيكف أحسف استغبلؿ‪ ،‬السيما أعضاء الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي الجديد‪ ،‬عندما بدءكا يتقاطركف‬
‫حل بالعاصمة المصرية في أفريل ‪ ،1945‬بعد‬
‫عمى القاىرة‪ ،‬بداية برئيس الحزب الحبيب بكرقيبة‪ ،‬الذؼ ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬ألكثر تفاصيل عف حادثة اغتياؿ فرحات حشاد‪ ،‬عد إلى‪ :‬عبد الكاحد المكني‪ :‬فرحات حشاد المؤسس الشاىد‪ ،‬القائد‬
‫الشييد‪ ،‬ط‪ ،1‬تقديـ‪ :‬حسيف العباسي‪ ،‬دار صامد لمنشر كالتكزيع‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تكنس‪ ،2012 ،‬ص ‪Charles André .28-05‬‬
‫‪Julien; et La Tunisie devint indépendance…1951-1957, les éditions Jeune Afrique, Paris, France, 1985, p57-89.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ألكثر تفاصيل عف المكضكع‪ .‬عد إلى‪ :‬دمحم الحبيب شمبي‪" :‬خمفيات مؤتمر االستقبلؿ ‪ 26‬رمضاف ‪ 23 /1365‬أكت‬
‫‪ ،"1946‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،24-23‬السنة ‪ ،8‬نكفمبر ‪ ،1981‬تكنس ص ‪ .334-321‬كأحمد بف ميبلد‪:‬‬
‫"كثائق عف مؤتمر ليمة القدر ‪ 27‬رمضاف ‪ ،"1365‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،24-23‬السنة ‪ ،8‬نكفمبر ‪،1981‬‬
‫تكنس‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عمي آيت مييكب‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.294‬‬
‫‪ -‬إذ كانت الكجية في المشرؽ العربي لعديد المناضميف التكنسييف دمشق السكرية‪ ،‬ك عمى رأس ىؤالء المناضل يكسف‬ ‫‪4‬‬

‫أسس مكتب المغرب العربي بدمشق سنة ‪ .1946‬لمتكسع‬‫الركيسي‪ ،‬كآخركف التحقكا بو‪ ،‬كىناؾ بدأ العمل الحقيقي عندما ّ‬
‫أسسو بدمشق‪،‬‬
‫أكثر في المكضكع‪ ،‬عد إلى المقاالت التي نشرىا يكسف الركيسي حكؿ نشاط مكتب المغرب العربي الذؼ ّ‬
‫كذلؾ في أربع حمقات بالمجمة التاريخية المغربية‪ ،‬كمنيا المقاؿ الكارد في العدد ‪ ،9‬جكيمية ‪ ،1977‬كالمقاؿ المعنكف بػػ‪":‬‬
‫قضية المغرب العربي"‪ ،‬الذؼ كرد في العدد ‪ ،36-35‬السنة ‪ ،11‬ديسمبر ‪.1984‬‬
‫كلعل أبرز مؤشر عمى ذلؾ‬
‫ّ‬ ‫‪ - 5‬إذ شيدت فترة الثبلثينات خاصة تناسقا كتكافقا بيف الكطنييف التكنسييف كالمصرييف‪،‬‬
‫تأسيس جمعية الشباف المسمميف في تكنس‪ ،‬أسكة بجمعية الشباف المسمميف في مصر؛ إذ نشأت بيف الطرفيف عبلقات‬
‫كطيدة‪ ،‬خاصة كأف اليدؼ كاف كاحد‪ ،‬محاربة االستعمار‪ .‬لممزيد أنظر‪ :‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.19-18‬‬
‫‪187‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رحمة شاقة‪ ،‬كمتعبة مف جميع النكاحي‪1‬؛ حيث كبمجرد كصكلو القاىرة‪ ،‬كثّق ككثّف اتصاالتو بجامعة‬
‫الدكؿ العربية‪ ،‬كمختمف الشخصيات المصرية كالعربية النافذة كالمؤثرة‪2‬كلحق بو الحبيب ثامر‪ ،3‬كالرشيد‬
‫إدريس‪ 4‬قادما مف إسبانيا‪ ،‬بعدما جاب عدة بمداف أكربية‪ ،5‬كالطيب سميـ‪ ،‬كاليادؼ السعيدؼ في جكاف‬
‫ككّميـ مف أبرز كأنشط األعضاء في الحزب‪ ،‬ليقكمكا بعد ذلؾ بافتتاح مكتبا لمحزب الدستكرؼ‬
‫‪ُ ،1946‬‬
‫الجديد في القاىرة في جكيمية ‪ ،1946‬لمتعريف بالقضية التكنسية لدػ عرب المشرؽ‪ ،‬كذلؾ بإصدار نشرية‬
‫أسبكعية‪ ،‬أصدرت ‪ 27‬عددا‪ ،‬في الفترة ما بيف ‪ 05‬أكت ‪ 1946‬ك ‪ 15‬فيفرؼ ‪ ،6 1947‬كفضبل عف‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الحبيب بكرقيبة‪ :‬بكرقيبة بمساف بكرقيبة (محاضرات بكرقيبة بمعيد الصحافة عف تاريخ الحركة الكطنية‪ :‬حياتي‪ ،‬آرائي‪،‬‬
‫جيادؼ)‪ ،‬إعداد كمراجعة كتعميق‪ :‬عبد الجميل بكقرة‪ ،‬تقديـ‪ :‬سعيد بحيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار آفاؽ‪-‬برسبكتيف لمنشر‪ ،‬تكنس‪،2015 ،‬‬
‫ص ‪.238-229‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،979 :‬رقـ ‪ ،)4( 1889‬ممف حكؿ‬
‫نشاطات زعماء شماؿ إفريقيا بمصر‪ ،‬أفريل ‪-1946‬ديسمبر ‪.1949‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬مف كبار زعماء الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬مف مكاليد ‪ 1909‬بتكنس العاصمة‪ ،‬زاكؿ دراستو بالمعيد الصادقي‪ ،‬التحق‬
‫بكمية الطب بباريس بعد نيمو لشيادة البكالكريا‪ ،‬عاد إلى ببلده سنة ‪ ،1938‬لمكاصمة النضاؿ‪ ،‬لكف سرعاف ما ىاجر مف‬
‫جديد إلى أكربا رفقة مجمكعة مف رفقاء الكفاح سنة ‪ ،1943‬ليتكجو سنة ‪ 1946‬إلى القاىرة‪ ،‬ليكاصل نضالو ىناؾ‪ ،‬تكفي‬
‫سنة ‪ ،1949‬في حادث الطائرة الشيير‪ ،‬رفقة عمي الحمامي‪ ،‬كدمحم بف عبكد سنة ‪ ،1949‬كىـ عائديف مف باكستاف‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫حمادؼ الساحمي‪ :‬فصكؿ‪ ....‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .316-313‬كلبلطبلع كاإللماـ أكثر عمى مختمف جكانب حياة ىذه‬
‫الشخصية‪ ،‬راجع‪ :‬زىرة كردؼ‪ :‬الحبيب ثامر (‪ ،)1949-1909‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬كلد الرشيد إدريس في ‪ 27‬جانفي ‪ 1917‬بتكنس العاصمة‪ ،‬مف عائمة ميسكرة الحاؿ أصكليا مف المغرب‪ ،‬درس‬
‫بالمدرسة الصادقية التي زاكؿ بيا دراستو الثانكية مف سنة ‪ 1931‬حتى ‪ ،1937‬اقتحـ ميداف الصحافة مبك ار عندما أصدر‬
‫سنة ‪ 1938‬جريدة تكنس الفتاة رفقة ثُمة مف الشخصيات التكنسية أمثاؿ يكسف بف عاشكر‪ ،‬كالبشير الميبكلي‪ ،‬كخميس‬
‫الشامخ؛ حيث انبرت لمدفاع عف حقكؽ الشعكب المغاربية الميضكمة‪ ،‬قبل االنضماـ إلى الحزب الدستكرؼ الحر الجديد‪،‬‬
‫انخرط في جمعة الشبيبة المدرسية‪ ،‬كما كاف مف المساىميف في إنشاء جمعية الشباف المسمميف‪ ،‬انتقل إلى القاىرة لمكاصمة‬
‫النضاؿ‪ ،‬كىناؾ ساىـ في إصدار عديد النشريات لمتعريف بالقضية التكنسية رفقة الحبيب ثامر‪ ،‬كما كاف مف أبرز الفاعميف‬
‫في مكتب المغرب العربي بالقاىرة‪ ،‬عيف في ‪ 18‬جكاف ‪ 1952‬مدي ار لمكتب الحزب الدستكرؼ الحر بجاكرتا‪ ،‬ثـ في‬
‫كراتشي‪ ،‬كبعد االستقبلؿ تقّمد مناصب مختمفة بعد رجكعو إلى تكنس‪ .‬لممزيد أنظر‪ :‬الرشيد إدريس‪ :‬في طريق الجميكرية‪-‬‬
‫مذكرات‪ ، -‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪ ،2001 ،‬ص ‪ .17-12‬غادة سالـ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬الرشيد إدريس‪ :‬في طريق الجميكرية‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ .164-150‬كلبلطبلع أكثر عمى تنقبلت الرشيد إدريس‬
‫لمتركيج لقضية ببلده‪ ،‬أنظر كذلؾ‪ :‬الرشيد إدريس‪ :‬مف جاكرتا إلى قرطاج‪ :‬الشركة التكنسية لمتكزيع‪ ،‬تكنس‪.1985 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬خالد عبيد‪ :‬صدػ ‪ ،....‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪188‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عرج مفتي المالكية التكنسي دمحم بشير النيفر عمى القاىرة‪ ،‬غداة عكدتو مف مكة المكرمة سنة‬
‫ىؤالء‪ ،‬فقد ّ‬
‫‪ ،1947‬كىك ما أثار شكككا كثيرة لدػ السمطات الفرنسية بتكنس‪ ،‬التي بقيت تراقب تحركاتو عف كثب‪.1‬‬
‫أسس "جبية الدفاع عف شماؿ إفريقيا"‪ ،‬إلى جانب‬
‫ككاف قبميـ مكاطنيـ الشيخ دمحم الخضر حسيف‪ ،‬قد ّ‬
‫بعض الكطنييف المغاربة سنة ‪ .21943‬خاصة كأف ىذه المرحمة‪ ،‬شيدت بدايات التنسيق الفعمي بيف‬
‫الطمبة التكنسييف الزيتكنييف باألساس‪ ،‬كالحزب الحر الدستكرؼ التكنسي الجديد‪ ،‬كذلؾ عندما كضع‬
‫الطرفاف مصمحة الببلد في المقاـ األكؿ‪ ،‬متجاكزيف الخبلؼ الثقافي بينيما‪ ،‬الذؼ كثي ار ما أخذ الطابع‬
‫السياسي‪ ،3‬كىك ما انعكس عمى كتيرة العمل الكطني بالخارج‪ ،‬الذؼ اتسع ليصل عديد البمداف العربية‬
‫كاإلسبلمية‪ ،‬مف القاىرة‪ ،‬كحتى إسبلـ آباد ككراتشي‪.4‬‬
‫كمع تأسيس جامعة الدكؿ العربية كما أسمفنا‪ ،‬سارع الكطنيكف التكنسيكف إلى مباركة الخطكة‪،‬‬
‫كتنسيق الجيكد معيا‪ ،‬أمبل في تحقيق االستقبلؿ‪ ،5‬كىك ما نستشّفو مف تصريح الحبيب بكرقيبة في‬
‫مكف ىذه المنظمة مف إنجاز‬
‫سبتمبر ‪ 1945‬بقكلو‪...":‬إف تحقيق االتحاد بيف الدكؿ العربية‪ ،‬سكؼ ُي ّ‬
‫رسالتيا في تأميف حرية كاستقبلؿ بمداف شماؿ إفريقيا‪...‬كأفضل شيء يحقق نجاح قضيتنا‪ ،‬ىك قبكؿ بمداف‬
‫شماؿ إفريقيا ضمف أعضاء الدكؿ العربية‪.6"...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف‬
‫حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ :‬ص ‪.19‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬دمحم ضيف هلل‪" :‬الطمبة الزيتكنيكف كالدستكر الجديد ‪ ،"1952-1950‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،68-67‬السنة‬
‫‪ ،9‬أكت ‪ ،1992‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪ ،‬ص ‪.445-425‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الرشيد إدريس‪" :‬مف نشاط مكتب الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي بباكستاف"‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪-23‬‬
‫‪ ،24‬نكفمبر ‪ ،1981‬تكنس‪ ،‬ص ‪.292-289‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬تقدي ار لمجامعة العربية كجيكدىا في سبيل دعـ قضايا المغرب العربي‪ ،‬كخاصة القضية التكنسية‪ ،‬دأب التكنسيكف عمى‬
‫ظـ التكنسيكف مظاىرات في تكنس مؤيدة ليا‪ ،‬كداعية لزيادة دعميا ليـ في الذكرػ األكلى‬
‫إحياء ذكرػ تأسيسيا؛ حيث ن ّ‬
‫لتأسيسيا سنة ‪ ،1946‬كالذكرػ الثانية سنة ‪ ،1947‬السيما بعد دعكة مؤتمر المغرب العربي المنعقد ما بيف ‪ 15‬ك ‪22‬‬
‫فيفرؼ ‪ 1947‬إلى االحتفاؿ بذكرػ تأسيس الجامعة‪ ،‬كاإليعاز لمحبيب ثامر بتمرير ذلؾ لمكطنييف التكنسييف داخل تكنس‪.‬‬
‫مما أدػ إلى حدكث عدة صدامات مع قكػ االحتبلؿ الفرنسية‪ .‬أنظر‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي‬
‫لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪،‬‬
‫مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20-19‬‬
‫‪189‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كرغػـ إلحاح الكطنيػػيف المغػاربة‪ ،‬عمػػى إقناع أعضػاء الجامعة بقبػػكؿ عضػػكيتيـ فييا‪ ،‬إال أف ذلؾ‬
‫باء بالفشل‪ ،‬تحت الضغكط التي تمارسيا فرنسا‪ ،‬كبريطانيا عمى الجامعة‪ ،‬لتكتفي األخيرة‪ ،‬بكضع قضايا‬
‫شكمو ذلؾ عمى قادة الحركة الكطنية التكنسية‪ّ ،‬إال‬
‫المغرب العربي عمى رأس أجندتيا‪ ،‬كرغـ اإلحباط الذؼ ّ‬
‫أف ذلؾ ساىـ في تنشيط القضية التكنسية‪ ،‬خاصة بعدما أكسبت الجامعة العربية دك ار إقميميا بار از لمصر‪،‬‬
‫حاكؿ استثماره التكنسيكف‪ ،‬الذيف كجدكا في مصر مبلذا آمنا ليـ‪ ،‬يتيح ليـ حرية النضاؿ‪ ،‬كىك ما جعميـ‬
‫يركزكف عمى مطمب االستقبلؿ‪ ،‬الذؼ أصبح محل تكافق مختمف أطياؼ الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬كما‬
‫ّ‬
‫يعبر عف ذلؾ محي الديف القميبي‪ ،1‬زعيػ ػ ػ ػ ػػـ الحزب الدستكرؼ القديـ بالقكؿ‪" :‬بل أصبح االستقبلؿ قرار‬
‫ّ‬
‫أقرتو في مؤتمرىا العتيد‪ ،‬الذؼ مثّل كافة طبقاتيا‪ ،‬كىيئاتيا‪ ،‬ك ّأيدتو بمظاىراتيا‪ ،‬كاضرابيا بعده‬‫األمة‪ّ ،‬‬
‫بثبلثة أياـ كاممة‪.2"...‬‬
‫ككثي ار ما كاف الكطنيكف التكنسيكف يستغمكف اجتماعات جامعة الدكؿ العربية‪ ،‬إلثارة قضية ببلدىـ‪،‬‬
‫أماـ ممثمي الدكؿ العربية‪ ،‬إلقناعيـ بضركرة تكثيف الدعـ‪ ،‬كالمساندة لنضاليـ‪ ،‬عمى غرار المناضل عمي‬
‫البميكاف‪ ،‬الذؼ درج عمى حضكر اجتماعات المجنة السياسية لجامعة الدكؿ العربية بالقاىرة؛ حيث انتيز‬
‫ذلؾ إللقاء بيانات عف األزمة السياسية التكنسية كأسبابيا‪ ،‬كالقضية التكنسية كمراحل تطكرىا‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الحركة التحريرية‪ ،‬كمدػ اتّساعيا كنشاطيا‪ ،‬كتقديـ التقارير الكتابية عف األكضاع في ببلده‪.3‬‬
‫متعيدة عمى لساف أمينيا العاـ‪ ،‬بالعمل عمى‬
‫ّ‬ ‫طرح‪ ،‬سرعاف ما ّأيدتو جامعة الدكؿ العربية‪،‬‬ ‫ىذا ال ّ‬
‫‪4‬‬
‫أف المكقف المصرؼ آنذاؾ‪ ،‬الذؼ ّ‬
‫تحكمت فيو‬ ‫مطالبة فرنسا بمنح استقبلؿ دكؿ المغرب العربي ‪ ،‬غير ّ‬
‫تعكؿ عمى دعـ فرنسي في مفاكضاتيا مع اإلنجميز‪ ،‬فرمل الجيكد العربية‬
‫ظركؼ مصر‪ ،‬التي كانت ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كلد سنة ‪ ،1889‬درس بجامع الزيتكنة‪ ،‬كاف مف المتأثريف بما تكتبو الصحافة العربية‪ ،‬لدا اقتفى أثرىا كأصبح يكتب‬
‫المقاالت الصحفية في بعض الجرائد‪ ،‬كاف مف األعضاء المؤسسيف كالبارزيف في الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي‪ ،‬كما كاف‬
‫مف أبرز المعارضيف لسياسة التجنيس كالتنصير الفرنسية‪ ،‬رحل إلى مصر لمكاصمة نضالو ىناؾ‪ ،‬رغـ بعض المشاكل التي‬
‫كاجيتو ىناؾ‪ ،‬تكفي بدمشق السكرية يكـ ‪ 01‬ديسمبر ‪ .1954‬أنظر‪ :‬حمادؼ الساحمي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.331-317‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬حسيف المغربي‪ :‬محي الديف القميبي‪ ،‬الدار التكنسية لمنشر‪ ،1968 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الصباح‪ 02 :‬أكتكبر ‪.1951‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬كالحقيقة‪ ،‬أف جل الدكؿ العربية األعضاء في جامعة الدكؿ العربية آنذاؾ‪ ،‬سعت إلى تقديـ المساعدة لمشعب التكنسي‪،‬‬
‫تعيد رئيسو بشار الخكرؼ‪ ،‬كالكزير رياض الصمح بمكاصمة دعـ لبناف لقضايا المغرب العربي‪ ،‬كعمى‬
‫عمى غرار لبناف‪ ،‬الذؼ ّ‬
‫رأسيا القضية التكنسية‪ ،‬يأتي ذلؾ في معرض رده عمى رسالة التينئة التي تمقاىا مف طرؼ مدير مكتب الحزب الدستكرؼ‬
‫التكنسي الجديد بالقاىرة بمناسبة العيد الكطني لمبناف‪ .‬عد إلى‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس‬
‫المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب‬
‫العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪190‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫أف مساعي جامعة الدكؿ العربية‪ ،‬كالقادة التكنسييف لـ تتكقف؛ حيث قرر‬
‫كالتكنسية‪ ،‬كلك إلى حيف ‪ ،‬إال ّ‬
‫الحبيب بكرقيبة‪ ،‬السفر إلى الكاليات المتحدة األمريكية في جكلة لكسب تأييد دكؿ أمريكا‪ ،2‬قبل أف يعكد‬
‫مرة أخرػ إلى القاىرة‪ ،‬بعدما فيـ بأف األمريكي ال يمكف بأؼ حاؿ مف األحكاؿ أف يخذؿ أصدقاءه‬
‫الفرنسييف‪ ،‬خاصة كأف الظرؼ حينذاؾ حساس‪.3‬‬
‫ب‪ -‬تواصل الدعم المصري يقابمو نشاط تونسي حثيث‪:‬‬
‫مع مركر الكقت أخذ التجاكب المصرؼ مع نضاؿ المغاربة عمكما‪ ،‬كالتكنسييف خصكصا في‬
‫التزايد‪ ،‬خاصة بعد عكدة حزب الكفد إلى الحككمة المصرية‪ ،‬كتزايد الدعـ الشعبي المصرؼ لقضايا الشماؿ‬
‫اإلفريقي‪ ،‬السيما القضية التكنسية‪4‬؛ حيث درجت الييئات‪ ،‬كالجمعيات المصرية‪ ،‬عمى غرار جمعيات‬
‫الشباف المسمميف‪ ،5‬كاإلخكاف المسمميف‪ ،‬كالكحدة اإلسبلمية‪ ،‬كغيرىا‪ ،‬عمى تنظيـ الميرجانات‪ ،‬االجتماعات‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬تجّم ى االنعكاس السمبي لذلؾ عمى القضية التكنسية‪ ،‬في زيادة الثقة لدػ الجانب الفرنسي‪ ،‬كاطمئنانو عمى استقرار‬
‫كنستشف ذلؾ مف رد أحد المكظفيف الكبار في ك ازرة الخارجية الفرنسية‪ ،‬كتعميقو عمى‬
‫ّ‬ ‫الكضع في تكنس بما يخدـ مصالحو‪،‬‬
‫المذكرة‪ ،‬التي رفعيا التكنسيكف إلى مجمس األمف الدكلي‪ ،‬لمبحث الحالة في تكنس‪ ،‬باعتبارىا تمثل تيديدا لمسبلـ العالمي؛‬
‫حيث أكد فييا عمى بقاء فرنسا في تكنس‪ ،‬مشي ار إلى أف ىذه الشكاكؼ غير شرعية‪ ،‬لككنيا لـ ترد مف الباؼ‪ ،‬الذؼ يمثّل‬
‫السمطة الشرعية في تكنس‪ ،‬كقد رد عميو األستاذ عابد بكحافة‪ ،‬سكرتير لجنة تحرير شماؿ إفريقيا قائبل‪" :‬إف مقدمة المعاىدة‬
‫– أؼ معاىدة الحماية‪ -‬المذككرة‪ ،‬تنص بكضكح عمى أف فرض المعاىدة‪ ،‬ىك منع لتكرار حكادث الحدكد‪ ،‬كأف كممة الحماية‬
‫فإف الكجكد الفرنسي في تكنس غير قانكني أصبل"‪ .‬أنظر‪ :‬اإلرادة‪ 11 :‬نكفمبر ‪.1948‬‬
‫غير مذككرة في المعاىدة‪ ،‬كبالتالي ّ‬
‫‪ - 2‬كذلؾ أكاخر سنة ‪ ،1946‬قصد التعريف بالقضية التكنسية‪ ،‬كتم ّكف في سبيل ذلؾ مف الحصكؿ عمى تفكيض مف‬
‫صالح بف يكسف عف الحزب الحر الدستكرؼ الجديد بتكنس‪ ،‬كصالح فرحات عف الحزب الحر الدستكرؼ القديـ بتكنس‬
‫بتاريخ ‪ 28‬ديسمبر ‪ ،1946‬لمتكّمـ باسـ الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬كما تم ّكف مف الحصكؿ عمى تفكيض مف المنصف باؼ‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬خالد عبيد‪ :‬صدػ ‪ ،...‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الحبيب بكرقيبة‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.248-245‬‬
‫‪ -4‬لقد نالت عكدة الكفد إلى الحكـ سنة ‪ – 1950‬كىك المعركؼ عنو دعمو لقضايا التحرر في المغرب العربي‪ -‬رضا‬
‫كاستحساف شعكب المغرب العربي‪ ،‬كعمى رأسيا قادة الحركة الكطنية بيا‪ ،‬فيذا المنجي سميـ مدير مكتب الحزب الدستكرؼ‬
‫الحر بالقاىرة ُي بارؾ انتصار الكفد في االنتخابات‪ ،‬كمؤكدا أف فكز الكفد في االنتخابات األخيرة‪ ،‬أحيا أمبل جديدا في شعكب‬
‫شماؿ إفريقيا‪ ،‬معمنا تأييده لمكفد‪ ،‬كمؤّك دا عمى تعزيز العبلقات بيف تكنس كشقيقتيا مصر‪ .‬كما أرسل ميصالي الحاج برقية‬
‫رد عميو األخير بالتأكيد عمى أف حككمة الكفد ستحمل عمى عاتقيا‬
‫تينئة إلى مصطفى النحاس بمناسبة فكز الكفد‪ ،‬كىك ما ّ‬
‫ميمة مساعدة أقطار المغرب العربي مف أجل الحصكؿ عمى استقبلليا‪ ،‬كاالنضماـ لمجامعة العربية‪ .‬أنظر‪ :‬نجكػ‬
‫إسماعيل‪ :‬حككمة الكفد األخيرة ‪ ،1952-1950‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪ ،2015 ،‬ص ‪.349‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬كعبلكة عمى ذلؾ‪ ،‬نقمت جريدة األىراـ‪ ،‬أف المكاء دمحم صالح حرب باشا‪ ،‬الرئيس العاـ لجمعيات الشباف المسمميف‬
‫بالقاىرة‪ ،‬قد بعث ببرقية إلى سفير فرنسا بمصر‪ ،‬يحتج فييا باسـ المركز العاـ لجمعيات الشباف المسمميف عمى اعتقاؿ‬
‫‪191‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الشعبية‪ ،‬لدعـ شعكب المغرب العربي‪ ،‬في كفاحيا ضد االستعمار‪ ،‬كما انبرػ العماؿ المصريكف لتقديـ يد‬
‫العكف لنظرائيـ التكنسييف‪ ،‬بعدما بمغت عبلقاتيما مستكػ عاليا‪ ،‬مف التنسيق كالتعاكف فيما بينيما‪،1‬‬
‫فضبل عف الدعاية اإلعبلمية‪ ،‬التي تستيدؼ فضح الممارسات الفرنسية‪ ،‬كمكاكبة أنشطة الكطنييف‪ ،‬كنشر‬
‫‪2‬‬
‫عبر عف ذلؾ السفير الفرنسي بالقاىرة في‬
‫تصريحاتيـ كآرائيـ ‪ ،‬كىك ما أثار استياء السمطات الفرنسية؛ إذ ّ‬
‫مراسمة إلى ك ازرة خارجية ببلده بالقكؿ‪...":‬أجدني مجب ار عمى إبداء اندىاشي مف استمرار الحمبلت‬
‫المكجية ضد فرنسا بسبب سياستيا الشماؿ إفريقية‪ ،‬فبل يمر يكما دكف صدكر مقاؿ أك اثنيف في الصحافة‬
‫‪3‬‬
‫خيـ عمى المكقف الرسمي‬
‫العربية‪ ،‬يفضح المكقف في شماؿ إفريقيا‪ . "...‬كرغـ بعض التذبذب الذؼ ّ‬
‫المصرؼ تجاه قضايا الشماؿ اإلفريقي‪ ،‬إال أنو ما لبث حتى عاد الدكر الرسمي المصرؼ‪ ،‬لمعب دكره‬
‫صرح في خطابو‪،‬‬‫عبر عف ذلؾ رئيس الكزراء المصرؼ‪ ،‬مصطفى النحاس باشا‪ ،‬الذؼ ّ‬ ‫المنكط بو؛ حيث ّ‬
‫عقب ُّ‬
‫تسممو مقاليد الك ازرة األكلى‪ ،‬بأف حككمتو تعتزـ مناصرة الحركات التي تقكـ في الببلد العربية غير‬
‫المستقمة‪ ،‬لتحقيق استقبلليا‪ ،‬ألف ذلؾ حسبو‪ ،‬يدخل ضمف مبادغ حزبو (حزب الكفد)‪ ،‬الذؼ يؤمف مف‬

‫تمقاء نفسو كما قاؿ‪ ،‬بجدكػ التعاكف بيف األقطار العربية عمى نطاؽ كاسع‪ّ ،‬‬
‫خاصا بالذكر أقطار المغرب‬
‫العربي‪.4‬‬
‫عدة‪ ،‬حاكلت مف خبلليا الدبمكماسية المصرية مساعدة قادة الكفاح‬
‫جميا في مناسبات ّ‬
‫كقد ظير ذلؾ ّ‬
‫الكطني العربي‪ ،‬كالسيما المغاربي‪ ،‬كما ىك الشأف مع تصريح كزير الخارجية المصرؼ في ىيئة األمـ‬
‫المتحدة أكاخر سنة ‪ ،1946‬المتضمف إجماع أعضاء جامعة الدكؿ العربية عمى ُّ‬
‫التكفل بقضية المغرب‬ ‫ّ‬

‫الزعماء التكنسييف الحبيب بكرقيبة‪ ،‬كصالح بف يكسف كغيرىما‪ ،‬مطالبا إياىا بإطبلؽ سراحيـ‪ ،‬كالتفاىـ مع األمة التكنسية‬
‫عمى ما يحفع حقكقيا‪ .‬أنظر‪ :‬األىراـ‪ :‬العدد ‪ 22047‬ليكـ ‪ 03‬نكفمبر ‪ ،1946‬ص‪.02‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬سالـ بكيحي‪" :‬العبلقات بيف عماؿ تكنس كمصر مف ‪ 1945‬إلى ‪ ،"1958‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد‪،54-53 :‬‬
‫السنة ‪ ،16‬جكيمية ‪ ،1989‬تكنس‪ ،‬ص ‪.18-7‬‬
‫‪2‬‬
‫ثمف الحبيب بكرقيبة في رسالة إلى رئيس تحرير جريدة "اليكـ" مجيكداتو‬
‫‪ -‬ىذه المجيكدات لقيت استحساف التكنسييف؛ إذ ّ‬
‫الجبارة التي بذليا في سبيل الدفاع عف قضايا المغرب العربي‪ ،‬كخاصة القضية التكنسية‪ ،‬خبلؿ الدكرة المنعقدة شير‬
‫ديسمبر‪ ، 1946‬خاصة كأف ىذه الق اررات الجريئة المنبثقة عف ىذه الدكرة‪ ،‬تركت انطباعا حسنا في أكساط الكفكد العربية‬
‫بنيكيكرؾ‪ ،‬مما ساعد الحبيب بكرقيبة المتكاجد ىناؾ آنذاؾ في التكاصل مع األكساط الرسمية األمريكية‪ ،‬كمختمف الكفكد‬
‫األجنبية األخرػ‪ ،‬التي أبدت نكعا مف التعاطف مع قضية المغرب العربي‪ .‬أنظر‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد‬
‫العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس‬
‫كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬البصائر‪ :‬العدد ‪ ،97‬السنة الثالثة‪ 15 ،‬صفر ‪ 1369‬ىػػ‪ 05 /‬ديسمبر ‪1949‬ـ‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العربي‪ ،‬بما فييا القضية التكنسية‪ ،‬كتقديـ ما يكفي مف الكثائق لمييئة األممية لتأكيد عدالتيا‪ ،1‬عبلكة عمى‬
‫خطكة السفير المصرؼ في أمريكا محمكد حسف باشا‪ ،‬الذؼ أقاـ مأدبة تكريما لكفكد الدكؿ العربية في ىيئة‬
‫األمـ المتحدة‪ ،‬في جكاف ‪ ،1947‬بحضكر ُثّمة مف زعماء الكفاح العربي‪ ،‬يتقدميـ المناضل التكنسي‬
‫الحبيب بكرقيبة‪.2‬‬
‫كفي ذات السياؽ‪ ،‬درج الكزراء المصريكف عمى التنسيق مع القادة المغاربة‪ ،‬كمنيـ التكنسييف‪ ،‬عبر‬
‫استقباليـ‪ ،‬كاالستماع النشغاالتيـ الكطنية‪ ،‬فيذا عبد الرزاؽ السنيكرؼ باشا كزير المعارؼ المصرية‪،‬‬
‫يستضيف عضك الديكاف السياسي لمحزب الدستكرؼ الحر التكنسي سميماف بف سميماف بعد قدكمو إلى‬
‫القاىرة بمعية بكرقيبة‪ ،3‬ككذلؾ فعل كزير األشغاؿ العامة المصرؼ عبد المجيد باشا‪ ،‬الذؼ درج عمى‬
‫استقباؿ الحبيب بكرقيبة‪ ،‬كتقديـ العكف كارشاده لو‪.4‬‬
‫كمع التطكرات السياسية التي عرفتيا الساحة التكنسية‪ ،‬كالتماىي المصرؼ الرسمي كالشعبي معيا‪،‬‬
‫كثّف الكطنيكف التكنسيكف نشاطاتيـ في مصر‪ ،‬السيما التكاصل مع المسئكليف المصرييف‪ ،‬لكسب‬
‫مساعدتيـ‪ ،5‬الذيف بدكرىـ تعاممكا بإيجابية مع التحركات التكنسية؛ حيث استقبل كزير الخارجية المصرؼ‬
‫دمحم صبلح الديف باشا الزعيـ التكنسي عمي البميكاف‪ ،‬كتحادثا حكؿ القضية التكنسية‪ ،‬كآخر مستجداتيا‪،‬‬
‫أيف أعرب لو الكزير المصرؼ عف تأييد ببلده المطمق لحركة التحرير القكمية التكنسية‪ ،‬كمساندة تكنس في‬
‫كجو رئيس الحككمة المصرية مصطفى النحاس باشا عمي‬‫كفاحيا مف أجل االستقبلؿ‪ ،‬كفي اإلطار نفسو‪ّ ،‬‬
‫ثمة الحديث عف المسألة التكنسية‪ ،‬كما‬
‫البميكاف دعكة لحضكر احتفاالت السنة اليجرية الجديدة‪ ،‬كمف ّ‬
‫يمكف أف تقدمو مصر ليا‪.6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف‬
‫حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 11 :‬جكاف ‪.1947‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 06 :‬مارس ‪.1948‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 09 :‬مارس ‪.1948‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬منذ كصكؿ قادة الحركة الكطنية التكنسية إلى مصر‪ ،‬سعكا إلى تكثيف جيكدىـ‪ ،‬كالدعاية لعدالة قضيتيـ‪ ،‬السيما‬
‫الحبيب ثامر عند كصكلو القاىرة‪ ،‬كالحبيب بكرقيبة لما كاف في القاىرة‪ ،‬أك عند تكجيو ألمريكا الشمالية؛ إذ عممكا عمى‬
‫اغتناـ كل الفرص لكسب تعاطف المشارقة‪ ،‬أك حتى الدكؿ األنجمكسكسكنية‪ .‬أنظر‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد‬
‫العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس‬
‫كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬الصباح‪ 03 :‬أكتكبر ‪.1951‬‬
‫‪193‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ىذا التماىي الرسمي المصرؼ‪ ،‬مع نضاؿ الكطنييف المغاربة‪ ،‬كالتكنسييف خصكصا‪ ،‬جاء بعدما‬
‫عرؼ ىذا النضاؿ قفزة نكعية‪ ،‬بتنسيق ىذه األقطار لجيكدىا المشتركة‪ ،‬بأكثر فعالية منذ سنة ‪1947‬‬
‫بتأسيس مكتب المغرب العربي بالقاىرة‪ ،‬كمعو ازداد الدعـ المصرؼ ليا‪ ،‬رسميا كشعبيا‪ ،‬بعدما أصبحت‬
‫مصر فضاء رحبا لممناضميف التكنسييف‪ ،‬الذيف قكبمكا بحفاكة‪ ،‬كمعاممة أخكية‪ ،‬سمحت ليـ بتأدية كاجبيـ‬
‫النضالي الذؼ أتكا مف أجمو‪ ،‬في ظركؼ مبلئمة‪ ،1‬فقد أكسبت ىذه الخطكة‪ ،‬الحركات الكطنية المغاربية‬
‫في مصر‪ ،‬كالمشرؽ عمكما اىتماما كاسعا‪ ،‬مف مختمف أطياؼ الرأؼ العاـ‪ ،‬كمختمف الييئات السياسية‬
‫‪2‬‬
‫انفؾ مرشدىا العاـ حسف البنا‪ ،‬يثير قضايا‬
‫المصرية‪ ،‬كعمى رأسيا جماعة اإلخكاف المسمميف ‪ ،‬التي ما ّ‬
‫شماؿ إفريقيا ف ي مختمف المناسبات‪ ،‬كما ربط صبلتو مع العديد مف الكطنييف التكنسييف بالقاىرة‪ ،‬عمى‬
‫شاكمة حسيف التريكي‪ ،‬كالرشيد إدريس‪ ،‬كمراد بكخريص‪ ،‬كحمادؼ بمكزة‪ ،‬كغيرىـ‪ ،3‬كما حظي الكطنيكف‬
‫التكنسيكف‪ ،‬كالمغاربة بصفة عامة‪ ،‬بمساندة ىامة مف األحزاب المصرية األخرػ مثل حزب الكفد‪ ،‬كحزب‬
‫الكحدة العربية‪ ،‬كحزب االتحاد العربي‪4‬؛ حيث كاف قادة ىذه األحزاب‪ ،‬يكاكبكف نشاطات المغاربة بالقاىرة‪،‬‬
‫بالقاىرة‪ ،‬كيقدمكف ليـ الدعـ في شتى المجاالت‪.5‬‬
‫ت‪ -‬القضية التونسية في مواجية التحدي الصعب‪ :‬بوادر االنشقاق‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪ :‬العدد ‪ ،4403‬ليكـ ‪ 26‬فيفرؼ ‪ ،1950‬ص ‪.06‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬حيث دأبت جماعة اإلخكاف المسمميف عمى فتح أبكابيا لممناضميف المغاربة في مصر‪ ،‬كمنيـ التكنسييف‪ ،‬الذيف عادة ما‬
‫كانكا يستغمكف المؤتمرات‪ ،‬كالندكات‪ ،‬التي يعقدىا اإلخكاف المسممكف‪ ،‬لمتركيج لقضيتيـ‪ ،‬كعمى رأسيـ المناضل التكنسي‬
‫محي الديف القميبي‪ ،‬الذؼ ألقى محاضرة بأحد مؤتمرات اإلخكاف المسمميف بالقاىرة‪ ،‬حكؿ الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬كنضاؿ‬
‫الشعب التكنسي‪ ،‬كقد سنحت لو الفرصة ليزكر مكتب اإلخكاف‪ ،‬كقسـ الرياضة‪ ،‬كالكشافة‪ ،‬كالطمبة بالمركز العاـ لمجماعة‪،‬‬
‫حيا فييا مجيكدات‬
‫أيف لقي ترحيبا كاسعا مف أعضائيا‪ .‬كما زار المقر العاـ لمجماعة عمي البميكاف‪ ،‬كألقى كممة بو‪ّ ،‬‬
‫الجماعة لنصرة شعكب المغرب العربي‪ ،‬داعيا إلى ضركرة تنسيق الجيكد اإلسبلمية مف أجل دعـ قضية تكنس‪ ،‬كقضايا‬
‫شماؿ إفريقيا عمكما‪ .‬أنظر‪ :‬اإلرادة‪ 28 :‬سبتمبر ‪ ،1948‬الصباح‪ 27 :‬أكتكبر ‪.1951‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬الرشيد إدريس‪ :‬ذكريات‪ ،....‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬سعى أعضاء ىذه الييئة إلى زيادة التكاصل بالكطنييف المغاربة‪ ،‬كما ىك الحاؿ مع المناضل التكنسي عمي البميكاف‪،‬‬
‫الذؼ اتصل بو رجاؿ االتحاد العربي في القاىرة كاإلسكندرية‪ ،‬لمتعرؼ عميو‪ ،‬كمف ثمة مناقشة حيثيات كمستجدات القضية‬
‫كرميف‪ ،‬كسط حضكر‬ ‫الم ّ‬
‫التكنسية؛ إذ أقاـ اإلتحاد العربي حفبل تكريميا لزعماء المغرب المغربي‪ ،‬ككاف عمي البميكاف ضمف ُ‬
‫العديد مف الشخصيات المصرية‪ ،‬كالعربية عمى غرار الصكاؼ زعيـ اإلخكاف بالعراؽ‪ ،‬كعبد الحكيـ عابديف السكرتير العاـ‬
‫لئلخكاف المسمميف بمصر‪ .‬أنظر‪ :‬الصباح‪ 27 :‬أكتكبر ‪.1951‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬عمي السكيح‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.24-23‬‬
‫‪194‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يعكر صفك ىذا النشاط‬


‫عرؼ النضاؿ الكطني التكنسي إذا خبلؿ ىذه الفترة تطك ار كبيرا‪ ،‬لك لـ ّ‬
‫الحثيث‪ ،‬الخبلؼ الذؼ الح في أفق كفاح التكنسييف في القاىرة‪ ،‬بيف الحبيب بكرقيبة‪ ،‬كرفيق دربو في‬
‫الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي الجديد صالح بف يكسف‪ 1‬الحقا‪ ،2‬عندما قرر بكرقيبة شق الصف‬
‫التكنسي‪ ،‬كالعكدة إلى تكنس لمباشرة المفاكضات مف جديد مع الجانب الفرنسي‪ ،3‬بعدما أقنعتو السمطات‬
‫كتخميا عنيـ‪ ،‬كعف القضية‬
‫ّ‬ ‫الفرنسية بذلؾ‪ ،‬غداة زيارتو إلى باريس‪ ،‬كىك ما رأػ فيو خصكمو خذالنا ليـ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬مف مكاليد جزيرة جربة بتكنس سنة ‪ ،1910‬كاف مف أبرز زعماء الحزب الدستكرؼ الجديد‪ ،‬درس الحقكؽ‪ ،‬بدأ نشاطو‬
‫السياسي منذ شبابو في الحزب الدستكرؼ القديـ‪ ،‬بعدىا شارؾ في تأسيس الحزب الدستكرؼ الجديد إلى جانب الحبيب‬
‫تعرض مرات عدة لمنفي كاالعتقاؿ ما بيف سنكات ‪1935‬ك ‪ ،1937‬أصبح أمينا عاما لمحزب سنة ‪ُ ،1948‬عّيف‬‫بكرقيبة‪ّ ،‬‬
‫سنة ‪ 1950‬كزي ار لمعدؿ في حككمة دمحم شنيق‪ ،‬بيدؼ تمييد الطريق لمحصكؿ عمى االستقبلؿ تدريجيا‪ ،‬كفي ديسمبر‬
‫‪ 1951‬أكقفت الحككمة الفرنسية مفاكضاتيا مع التكنسييف‪ ،‬كقامت باعتقاؿ أعضاء الحككمة‪ ،‬باستثناء صالح بف يكسف‬
‫الذؼ استطاع اليركب إلى مصر‪ ،‬ليعكد في ‪ 07‬أكتكبر ‪ ،1955‬كيتصدر معارضة االتفاقية المبرمة بيف تكنس كفرنسا‪،‬‬
‫كبعد ذلؾ أصبح مطاردا مف طرؼ السمطات التكنسية‪ ،‬انجر عنو إقصاء اليكسفييف مف الحزب الدستكرؼ الجديد‪ ،‬ليمجأ‬
‫طرد منيا في ‪ 07‬جانفي ‪ ،1957‬كفي ‪ 24‬ماؼ ‪ ،1957‬حكـ عميو في تكنس باإلعداـ‬
‫بعدىا بف يكسف إلى طرابمس‪ ،‬التي ُ‬
‫غيابيا‪ ،‬بعد ذلؾ أصبح الجئا بمصر‪ ،‬كفي ‪ 14‬أكت ‪ ،1961‬تمت تصفيتو في فرانكفكرت األلمانية بقرار مف بكرقيبة‪.‬‬
‫أنظر‪ :‬معمر العايب‪ :‬مؤتمر طنجة المغاربي‪ ،‬دراسة تحميمية‪ ،‬تقييمية‪ ،‬دار الحكمة لمنشر‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬تشير مراسمة مف المقيـ العاـ الفرنسي بتكنس إلى ك ازرة خارجية ببلده مؤرخة بتاريخ ‪ 19‬جانفي‪ 1947‬إلى أف‬
‫الخبلفات التكنسية الداخمية‪ ،‬السيما بيف الحزبيف الدستكرؼ القديـ كالجديد‪ ،‬فضبل عف العبلقة بيف الكطنييف التكنسييف في‬
‫الداخل كالخارج سبقت إعبلف بكرقيبة العكدة إلى تكنس‪ ،‬كالدخكؿ في مفاكضات مع السمطات الفرنسية‪ ،‬كما أشارت أيضا‬
‫تخكؼ صالح فرحات مف تحركات بريطانيا‪ ،‬كعزاـ باشا الذؼ كصفو بعميل بريطانيا‪ ،‬أما الشيخ الفاضل بف عاشكر‪،‬‬
‫إلى ُّ‬
‫فقد أخذ عمى الحبيب بكرقيبة انفراده بالق اررات‪ ،‬داعيا إياه إلى استشارة بقية الكطنييف التكنسييف في المسائل الكطنية التكنسية‬
‫عند تحركاتو السياسية في الخارج‪ .‬أنظر‪ :‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط‬
‫رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي‬
‫‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬كعمى عكس العديد مف اآلراء التي نقمت استنكار التكنسييف لعكدتو مف أجل مباشرة المفاكضات مع الجانب الفرنسي‪،‬‬
‫تشير جريدة اإلرادة إلى أف عكدة بكرقيبة إلى تكنس في ‪ 08‬سبتمبر ‪ 1949‬لقيت استقباال شعبيا حارا‪ ،‬بعد الجيد الكبير‬
‫الذؼ بذلو ىناؾ‪ ،‬حيف استطاع تحريؾ مشاعر الجماىير المصرية كالعربية نحك القضية التكنسية كالمغاربية بصفة عامة‪،‬‬
‫فضبل عف العديد مف الدكؿ السيما اآلسيكية‪ .‬أنظر‪ :‬اإلرادة‪ 02 :‬ماؼ ‪ .1950‬دمحم مكاعدة‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪195‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫التكنسية في كسط الطريق‪ ،‬مطالبيف بسحب الثقة منو‪ ،1‬كمكاصمة النيج الذؼ سبق كأف تكافقكا عميو‪،‬‬
‫بمكاصمة النضاؿ‪ ،‬حتى الحصكؿ عمى االستقبلؿ كامبل‪.2‬‬
‫تردد صداىا بسرعة بيف التكنسييف‪ ،‬كالسيما الصحف التكنسية‪ ،‬التي كاكبت ىذه‬
‫المستجدات ّ‬
‫ّ‬ ‫ىذه‬
‫‪3‬‬
‫أف ىذا الخبلؼ لـ تتكقف تبعاتو عمى‬
‫األزمة المفاجئة التي طفت عمى الساحة السياسية التكنسية ‪ .‬كما ّ‬
‫‪4‬‬
‫انجرت عنو خبلفات بيف بكرقيبة كدمحم بف عبد الكريـ الخطابي‪ ،‬كمحي‬ ‫الجانب التكنسي فحسب ‪ ،‬بل ّ‬
‫الديف القميبي‪ ،‬كيكسف الركيسي‪ ،‬انتيى بإقصاء بكرقيبة مف األمانة العامة لمجنة تحرير المغرب العربي‪،‬‬
‫كتعكيضو بعبلؿ الفاسي‪ ،‬زعيـ حزب االستقبلؿ المغربي‪ ،‬جاء ذلؾ بعدما بمغ إلى مسامعيـ اتصالو‬
‫بالسفارة الفرنسية بالقاىرة‪ ،5‬كىك ما رأػ فيو الكثير تكاطؤا مع الفرنسييف ضد حركات التحرير الكطنية‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬كاف ذلؾ بعد فشل الحكار بيف الطرفيف حكؿ مسألة العكدة إلى طاكلة المفاكضات مع الفرنسييف؛ حيث لقي بعد ذلؾ‬
‫صالح بف يكسف مساندة مشرقية‪ ،‬السيما الحقا مف جماؿ عبد الناصر‪ ،‬كلجنة تحرير المغرب العربي في مصر‪ ،‬التي‬
‫قررت فصل الحبيب بكرقيبة‪ ،‬كنقل ميامو إلى صالح بف يكسف‪ .‬راجع‪ :‬عبد الجميل بكقرة‪" :‬كيف كتب السياسيكف التاريخ‬
‫قراءة نقدية في بعض ما كتب عف بكرقيبة كبف يكسف"‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدداف‪ ،94-93 :‬السنة ‪ ،26‬زغكاف‪،‬‬
‫تكنس‪ ،‬ماؼ ‪ ،1999‬ص ‪.23‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬خالد بف فرج عبيد‪" :‬الخبلؼ البكرقيبي‪ -‬الثامرؼ بمصر كتداعياتو‪ :‬نحك الرؤية اليكغرطية لمتاريخ البكرقيبي ‪-1947‬‬
‫‪ ،"1950‬ج‪ ،2‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدداف‪ ،103-102 :‬مارس ‪ ،2001‬منشكرات مؤسسة التميمي لمبحث العممي‬
‫كالمعمكمات‪ ،‬زغكاف‪ ،‬تكنس ‪ ،‬ص ‪.187-149‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬ألكثر تفاصيل عف معالجة الصحف التكنسية ليذه األزمة‪ ،‬أنظر‪ :‬سنية أحمد النكر‪ :‬الصراع البكرقيبي اليكسفي في‬
‫الصحافة التكنسية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬فتحي القاسمي‪ ،‬جامعة تكنس‪ ،‬السنة الجامعية‪.2014-2013 :‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬كفي تمؾ الفترة أيضا‪ ،‬برزت صراعات جديدة داخل البيت التكنسي‪ ،‬السيما بيف الحزب الدستكرؼ‪ ،‬كاالتحاد العاـ‬
‫التكنسي لمشغل‪ ،‬ذلؾ أف فرحات حشاد كاف يسعى سنة ‪ 1950‬إلى تككيف حزبا سياسيا معترفا بو مف طرؼ سمطة الحماية‪،‬‬
‫لمحد مف النفكذ المتعاظـ لمحزب الدستكرؼ عمى الحياة السياسية‪ ،‬كيشير المناضل التكنسي الحبيب الكليي أف مسألة تأسيس‬
‫ىذا الحزب طرحت معو في أحد لقاءاتو بحشاد‪ ،‬بحضكر المناضل اآلخر اليادؼ نكيرة‪ ،‬الذؼ كاف حسبو مقتنعا بضركرة‬
‫تككيف الحزب الجديد‪ ،‬كيضيف الحبيب الكليي دائما أنو بذؿ شخصيا كل ما بكسعو إلجياض ىذا المشركع االستعمارؼ‪،‬‬
‫كىك ما تـ بالفعل‪ ،‬كيضيف ثانية أف عبلقة بكرقيبة بحشاد شيدت فترات مف المد كالجزر‪ ،‬أما عف اغتياؿ فرحات حشاد‪،‬‬
‫فيذكر الكليي أف السبب ىك أف فرنسا كانت ترغب في عزؿ القصر عف الحركة العمالية‪ ،‬التي كانت نشيطة‪ .‬أنظر‪ :‬عمية‬
‫العبلني‪" :‬حقائق جديدة عف األزمة اليكسفية البكرقيبية كمفاكضات االستقبلؿ ‪ 1956-1955‬مف خبلؿ بعض الشيادات‬
‫الحية"‪ ،‬المجمة التاريخية‪ ،‬العدداف ‪ ،94-93‬السنة ‪ ،26‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪ ،‬ماؼ ‪ ،1999‬ص ‪.135‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬كاف اتصاؿ بكرقيبة بسفارة فرنسا بالقاىرة تمييدا لمدخكؿ في مفاكضات معيا حكؿ مستقبل تكنس‪ ،‬كىك ما تنقل مف‬
‫أجمو الحقا بكرقيبة إلى فرنسا في ماؼ ‪ ،1950‬أيف طرح رؤيتو لمحل كالتي تتضمف سبعة بنكد كتتمحكر حكؿ‪:‬‬
‫‪ -‬بعث السمطة التنفيذية التكنسية المؤتمنة عمى السيادة التكنسية‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المغاربية‪ ،1‬ىذا الصراع الذؼ ّأدػ إلى انفجار البيت التكنسي‪ ،‬اندلع في مرحمة دقيقة‪ ،‬كاف الكل ينتظر‬
‫لتشكل ىذه المرحمة‪ ،‬مرحمة انتقالية‪ ،‬أرست أسس مبلمح تكنس الجديدة‪.2‬‬
‫فييا جني ثمار الكفاح الكطني‪ّ ،‬‬
‫كرغـ ىذا المآؿ‪ ،‬الذؼ كصمت إليو القضية التكنسية خبلؿ ىذه الفترة‪ ،‬إال أف ذلؾ ال يشجب عنا‪،‬‬
‫كلعل‬
‫ّ‬ ‫المساىمة المصرية الفاعمة‪ ،‬في دعـ نضاؿ الشعب التكنسي‪ ،‬كاألخذ بيده ُقُدما نحك االستقبلؿ‪،3‬‬
‫اعتراؼ الحبيب بكرقيبة‪ ،‬الذؼ ربطت مصادر كثيرة‪ ،‬صراعو مع صالح بف يكسف‪ ،‬برفضو البقاء تحت‬
‫صرح قائبل سنة ‪" :1950‬لف ننسى نحف التكنسييف ما حيينا‪ ،‬العكف‬
‫العباءة المصرية‪ ،‬في نضالو‪ ،‬عندما ّ‬
‫الذؼ أسدتو إلينا مصر‪ ،‬كقد استطعنا بفضل هلل‪ ،‬كتأييد الشعكب العربية كجامعتيا‪ ،‬أف نجد في بمداف‬
‫أف مصر أكرمت جميع البلجئيف‪،‬‬ ‫الشرؽ األدنى‪ ،‬أسرة كريمة‪ ،‬ككطنا ثانيا‪ ،‬كسنذكر عمى الدكاـ ّ‬
‫كالمجاىديف‪ ،‬الذيف قصدكا إلييا مف إفريقيا الشمالية‪ ،‬كفي مقدمتيـ رئيسنا الجميل األمير دمحم بف عبد الكريـ‬
‫الخطابي‪ ،‬الذؼ يتكلى إدارة لجنة تحرير المغرب العربي في القاىرة"‪.4‬‬
‫ظمت قصيدة بمناسبة عيد‬
‫كعمى منكاؿ بكرقيبة‪ ،‬كانت قد سارت صكت تكنس في مصر‪ ،‬التي ن ّ‬
‫ميبلد الممؾ فاركؽ‪ ،‬عرفانا منيا بالجيكد التي بذليا في سبيل قضايا المغرب العربي‪ ،‬كمما جاء فييا‪:‬‬

‫‪ -‬تشكيل حككمة تكنسية بحتة مسؤكلة عف النظاـ العاـ يرأسيا كزير معيف مف األمير‪.‬‬
‫‪ -‬حذؼ الكتابة العامة المشرفة عمى كافة اإلدارات‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء المراقبيف المدنييف الذيف يتكلكف التصرؼ اإلدارؼ المباشر خبلفا لما تقتضيو السيادة التكنسية‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء الجندرمة الفرنسية؛ إذ أف رجكعيا إلى سمطة كزير الدفاع الفرنسي يعتبر بمثابة احتبلال عسكريا‪.‬‬
‫‪ -‬تأسيس بمديات منتخبة تمثل فييا المصالح الفرنسية في جميع المناطق المكجكدة بيا أقميات فرنسية‪.‬‬
‫‪ -‬إحداث مجمس قكمي منتخب باالنتخاب العاـ‪ ،‬ميمتو إعداد دستكر ديمقراطي يضبط العبلقة التكنسية الفرنسية‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫الحبيب بكرقيبة‪ :‬بيف تكنس كفرنسا (كفاح مرير طيمة ربع قرف في سبيل التعاكف الحر)‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪ ،‬ص‬
‫‪.277‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬الطاىر عبد هلل‪ :‬الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬رؤية شعبية قكمية جديدة ‪ ،1956-1830‬دار المعارؼ لمطباعة كالنشر‪،‬‬
‫تكنس‪ ،‬دت‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬المنجي كارده‪" :‬جذكر الحركة اليكسفية"‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدد ‪ ،68-67‬السنة ‪ ،9‬أكت ‪ ،1992‬زغكاف‪،‬‬
‫تكنس‪ ،‬ص ‪.482‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ -‬لـ ينكر التكنسيكف فضل الممؾ فاركؽ عمييـ‪ ،‬كما ّ‬
‫قدمو ليـ مف دعـ كىـ في مصر‪ ،‬رغـ المآخذ الكثيرة عميو في ىذه‬
‫الفترة‪ ،‬كيظير ذلؾ جميا في حضكرىـ الدكرؼ لممناسبات الخاصة بالممؾ فاركؽ لتينئتو‪ ،‬عمى غرار حضكر دمحم الخضر‬

‫حسيف‪ ،‬كمحي الديف القميبي‪ ،‬كاألستاذ الكسراكؼ لتينئتو بمناسبة عيد ميبلده سنة ‪ ،1948‬أيف ّ‬
‫سجمكا أسمائيـ في سجل‬
‫التشريفات‪ ،‬مغتنميف الفرصة لمقاء عديد الشخصيات العربية‪ ،‬كالمصرية الميمة‪ ،‬مثل الحاج أميف الحسيني‪ ،‬كشيخ األزىر‪.‬‬
‫عد إلى‪ :‬اإلرادة‪ 23 :‬مارس ‪.1948‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬أحمد بشيرؼ‪ :‬الثكرة الجزائرية كالجامعة العربية‪ ،‬منشكرات ثالة‪ ،‬الجزائر‪ ،2005 ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪197‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمجمع العرب المناصر‬ ‫فاركؽ يا عمـ اليدػ‬


‫كىزير أنشاص المئازر‪.1‬‬ ‫فاركؽ يا حامي الحمى‬
‫كلممناسبة نفسيا‪ ،‬بعث المناضل التكنسي صالح بف يكسف الكاتب العاـ لمحزب الحر الدستكرؼ‬
‫الجديد‪ ،‬برقية إلى القاىرة‪ ،‬يينئ فييا الممؾ فاركؽ‪ ،‬كالشعب المصرؼ‪.2‬‬
‫ىذه التينئة كغيرىا لـ تكف سكػ اعترافا بسيطا لمكانة الشعب المصرؼ عمكما المرمكقة لدػ الشعب‬
‫قدمو مف مساعدات‪ ،‬كمجيكدات كبيرة لممغرب‬
‫التكنسي‪ ،‬كشعكب المغرب العربي بصفة عامة‪ ،‬نظير ما ّ‬
‫العربي في كفاحو المرير ضد جبركت االستعمار األكربي‪ ،‬رغـ الصعكبات التي كاف يكابدىا في شتى‬
‫المجاالت‪ ،‬فكانت بذلؾ عامبل ميما في تبمكر كاتساع العمل النضالي الكطني‪ ،‬الذؼ أرسى األسس األكلى‬
‫لتحقيق االستقبلؿ الكطني‪.‬‬
‫كفي نياية ىذا المقاؿ نخُمص إلى جممة مف النتائج نكجزىا فيما يمي‪:‬‬
‫أف التعاطف المصرؼ‪ ،‬بمستكييو الرسمي كالشعبي كاف شامبل مختمف الجكانب‪ ،‬اإلعبلمية‪،‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫الدبمكماسية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬كالثقافية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬كاالقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬أىمية المساندة اإلعبلمية المصرية لكفاح الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬فبالرغـ مف اختبلؼ تكجيات‬
‫مختمف ىذه الصحف‪ ،‬إال أنيا اتفقت عمى ضركرة تقديـ الدعـ لمشعب التكنسي في نضالو ضد االستعمار‬
‫األكربي كسياستو‪.‬‬
‫تجسدت المساندة الدبمكماسية المصرية الرسمية أكثر بعد تأسيس جامعة الدكؿ العربية‪ ،‬كاحتضاف‬
‫‪ّ -‬‬
‫مصر لمقرىا‪ ،‬األمر الذؼ زاد مف الكزف الدبمكماسي كالسياسي لمصر إقميميا كدكليا‪ ،‬كىك ما أشعر‬
‫مسؤكلييا بثقل الميمة الممقاة عمى عاتقيا‪ ،‬كفي مقدمتيا الدفاع عف األقطار العربية‪ ،‬عمى رأسيا دكؿ‬
‫المغرب العربي التي ال تزاؿ تئف تحت كطأة االحتبلؿ‪ ،‬عبر نقل قضيتيا إلى المحافل الدكلية‪ ،‬كىك ما‬
‫تحقق فعبل مع القضية التكنسية‪ ،‬بعد تمادؼ السمطات االستعمارية في سياستيا العدائية ىناؾ‪.‬‬
‫‪ -‬كفي الشق السياسي لـ ّتدخر مصر أؼ جيد في تقديـ مساعدتيا لمكطنييف التكنسييف؛ حيث كانت‬
‫القاىرة قاعدة خمفية‪ ،‬كمبلذا آمنا ليـ لمكاصمة النضاؿ الكطني؛ حيث سمحت القاىرة لقادة الحركة الكطنية‬
‫التكنسية رفقة الزعماء الجزائرييف‪ ،‬كالمغربييف‪ ،‬بإنشاء ىيئات كطنية‪ ،‬أك فتح فركع لؤلحزاب المغاربية بيا‪،‬‬
‫مف أجل تنسيق الجيكد‪ ،‬كتنظيـ نشاطيـ الكطني‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 13 :‬فيفرؼ ‪.1947‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪ 24 :‬فيفرؼ ‪.1948‬‬
‫‪198‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬أما ثقافيا‪ ،‬فقد كانت البصمة المصرية عمى نضاؿ الحركة الكطنية كاضحة لمعياف‪ ،‬بحيث مّثمت القاىرة‬
‫قبمة لمطمبة التكنسييف لمكاصمة دراستيـ‪ ،‬كتككينيـ‪ ،‬مف ثمة مباشرة العمل كالنشاط الكطني مف أف أجل‬
‫الدفاع عف قضيتيـ الكطنية‪ ،‬كما لـ يتخّمف المثقفكف المصريكف عف تقديـ يد المساعدة لمشعب التكنسي‬
‫في مكاجيتو لبلستعمار‪ ،‬بعدما اتضحت ليـ عدالة القضية التكنسية‪ ،‬نتيجة النشاط الدؤكب الذؼ كاف يقكـ‬
‫بو قادة الحركة الكطنية التكنسية في مصر‪.‬‬
‫تعداه إلى تخصيص مساعدات اجتماعية‬‫‪ -‬لـ يقتصر التأييد المصرؼ عمى الجكانب اآلنفة الذكر‪ ،‬بل ّ‬
‫كاقتصادية لفائدة التكنسييف‪ ،‬رغـ الكضع الصعب الذؼ كانت تعيشو مصر آنذاؾ‪ ،‬كيتجّمى ذلؾ عمى سبيل‬
‫المثاؿ ال الحصر في المساعدة المادية التي قدميا الممؾ فاركؽ‪ ،‬كالحككمة المصرية‪ ،‬فضبل عف مختمف‬
‫شرائح الشعب المصرؼ إلى الشعب التكنسي بعد المجاعة التي ضربت تكنس سنة ‪.1947‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أ‪ -‬المصادر‪:‬‬
‫‪ -1‬الوثائق األرشيفية‪:‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬تكنس‪ ،‬شريط رقـ‪ ،R 984 :‬رقـ ‪ ،2892‬ممف‬
‫حكؿ الكطنييف المغاربة في مصر‪ 03 ،‬مارس ‪ 17-1947‬سبتمبر ‪.1947‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،595 :‬ممف ‪ ،01‬رقـ ‪ ،27‬ممف‬
‫حكؿ نشاط كطنيي شماؿ إفريقيا بباريس كالقاىرة‪ ،‬مكتب المغرب العربي‪ ،‬جانفي ‪-1947‬نكفمبر ‪.1949‬‬
‫‪ -‬أرشيف ك ازرة الخارجية الفرنسية بالمعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬شريط رقـ‪ ،979 :‬رقـ ‪ ،)4( 1889‬ممف حكؿ‬
‫نشاطات زعماء شماؿ إفريقيا بمصر‪ ،‬أفريل ‪ -1946‬ديسمبر ‪1949.‬‬
‫‪ -2‬الصحف والمجالت‪:‬‬
‫‪ -‬اإلخكاف المسممكف‪.1947 ،1946 :‬‬
‫‪ -‬اإلرادة‪.1948 ،1934 :‬‬
‫‪ -‬األىراـ‪.1947 ،1930 :‬‬
‫‪ -‬البصائر‪.1950 ،1949 :‬‬
‫‪ -‬الببلغ‪.1947 :‬‬
‫‪ -‬الزىرة‪.1948 ،1947 :‬‬
‫‪ -‬السياسة‪.1947 :‬‬
‫‪ -‬الصباح‪.1951 :‬‬
‫‪ -‬الفتح‪1349 ،1930 ،1929 :‬ق‪.‬‬
‫‪ -‬المصرؼ‪.1950،1951 ،1947 :‬‬
‫‪ -‬المقطـ‪1947. :‬‬
‫‪ -3‬مؤلفات قادة الحركة الوطنية‪:‬‬
‫‪199‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬ثامر الحبيب‪ :‬ىذه تكنس‪ ،‬دط‪ ،‬مطبعة الرسالة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -‬الرشيد إدريس‪ :‬في طريق الجميكرية‪ -‬مذكرات‪ ،-‬دط‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪.2001 ،‬‬
‫‪ -‬بكرقيبة الحبيب‪ :‬بكرقيبة بمساف بكرقيبة (محاضرات بكرقيبة بمعيد الصحافة عف تاريخ الحركة الكطنية‪ :‬حياتي‪ ،‬آرائي‪،‬‬
‫جيادؼ)‪ ،‬إعداد كمراجعة كتعميق‪ :‬عبد الجميل بكقرة‪ ،‬تقديـ‪ :‬سعيد بحيرة‪ ،‬ط‪ ،1‬دار آفاؽ‪-‬برسبكتيف لمنشر‪ ،‬تكنس‪.2015 ،‬‬
‫‪ -‬بكرقيبة الحبيب‪ :‬بيف تكنس كفرنسا (كفاح مرير طيمة ربع قرف في سبيل التعاكف الحر)‪ ،‬دط‪ ،‬المطبعة الرسمية‪ ،‬تكنس‪،‬‬
‫دس‪.‬‬
‫‪ -‬الطاىر عبد هلل‪ :‬الحركة الكطنية التكنسية‪ ،‬رؤية شعبية قكمية جديدة ‪ ،1956 -1830‬دار المعارؼ لمطباعة كالنشر‪،‬‬
‫تكنس‪ ،‬دت‪.‬‬
‫ب‪ -‬المراجع‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتب بالمغة العربية‪:‬‬
‫‪ -‬إبراىيـ عبد هلل‪ :‬شركؽ كغركب (نافذة عمى تاريخ النضاؿ الكطني)‪ ،‬ج‪ ،01‬دط‪ ،‬مؤسسة سعيداف لمطباعة كالنشر‪،‬‬
‫سكسة‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -‬إسماعيل نجكػ‪ :‬حككمة الكفد األخيرة ‪ ،1952-1950‬دط‪ ،‬الييئة المصرية العامة لمكتاب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مصر‪.2015 ،‬‬
‫‪ -‬بمقاسـ دمحم‪ :‬كحدة المغرب العربي فكرة ككاقعا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار البصائر الجديدة لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪.2013 ،‬‬
‫‪ -‬بف الحاج عثماف الشريف البشير‪ :‬أضكاء عمى تاريخ تكنس الحديث ‪ ،1924-1881‬ط‪ ،1‬دار بكسبلمة لمنشر كالتكزيع‪،‬‬
‫تكنس‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -‬الجندؼ أنكر‪ :‬تاريخ الصحافة اإلسبلمية‪ ،‬ج‪( ،2‬الفتح‪ ،‬محب الديف الخطيب‪ ،)1948-1926 :‬دار األنصار‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫دت‪.‬‬
‫‪ -‬الحافظة عمي‪ :‬االتجاىات الفكرية عند العرب في عصر النيضة ‪ ،1914-1798‬اإلتجاىات الدينية‪ ،‬السياسية‪،‬‬
‫االجتماعية كالعممية‪ ،‬األىمية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬بيركت‪.1987 ،‬‬
‫‪ -‬حمزة عبد المطيف‪ :‬قصة الصحافة العربية في مصر (منذ نشأتيا إلى منتصف القرف العشريف)‪ ،‬مطبعة المعارؼ‪ ،‬بغداد‪،‬‬
‫‪.1967‬‬
‫‪ -‬الزمرلي الصادؽ‪ :‬تكنس في عيد المنصف باؼ ‪ 1943-1942‬بيف الرجاء كخيبة األمل‪ ،‬تقديـ كتعريب‪ :‬حمادؼ‬
‫الساحمي‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -‬الساحمي حمادؼ‪ :‬فصكؿ في التاريخ كالحضارة‪ ،‬ط‪ ،01‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬لبناف‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬سعد هلل أبك القاسـ‪ :‬الحركة الكطنية الجزائرية ‪ ،1930-1900‬ج‪ ،02‬ط‪ ،03‬الشركة الكطنية لمنشر كالتكزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.1983‬‬
‫‪ -‬سعد هلل أبك القاسـ‪ :‬بحكث في التاريخ العربي اإلسبلمي‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،‬دت‪.‬‬
‫عماف‪،‬‬
‫‪ -‬الشكابكة أحمد فيد بركات‪ :‬دمحم رشيد رضا كدكره في الحياة الفكرية كالسياسية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار عمار لمنشر كالتكزيع‪ّ ،‬‬
‫‪.1989‬‬
‫‪ -‬صارؼ أحمد‪ :‬شخصيات كقضايا مف تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬تقديـ الدكتكر أبك القاسـ سعد هلل‪ ،‬دط‪ ،‬المطبعة العربية‪،‬‬
‫غرداية‪ ،‬الجزائر‪.2004 ،‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬ضيف هلل دمحم‪ :‬الطمبة التكنسيكف كمخاضات الكطف في منتصف القرف العشريف‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة تكنس لمنشر‪ ،‬تكنس‪،‬‬
‫‪.2016‬‬
‫‪ -‬العايب معمر‪ :‬مؤتمر طنجة المغاربي‪ ،‬دراسة تحميمية‪ ،‬تقييمية‪ ،‬دط‪ ،‬دار الحكمة لمنشر‪ ،‬الجزائر‪.2010 ،‬‬
‫‪ -‬عزباكؼ عبد هلل‪ :‬الحركة السياسية المصرية‪-‬األحزاب السياسية‪-‬النشكء كالتطكر‪ ،‬مركز زايد لمتنسيق كالمتابعة‪ ،‬اإلمارات‬
‫العربية المتحدة‪.2002 ،‬‬
‫‪ -‬العدكؼ أحمد‪ :‬رشيد رضا اإلماـ المجاىد‪ :‬المؤسسة المصرية العامة لمتأليف كاألخبار كالنشر‪ ،‬الدار المصرية لمتأليف‬
‫كالتكجيو‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪-‬كرك أبك القاسـ دمحم‪ :‬طو حسيف كالمغرب العربي‪ ،‬مؤسسات بف عبد هلل لمنشر كالتكزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬تكنس‪.2001 ،‬‬
‫‪ -‬المستيرؼ سعيد‪ :‬المنصف باؼ (الحكـ كالمنفى)‪ ،‬ترجمة‪ :‬ىشاـ القركؼ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار األقكاس لمنشر‪ ،‬تكنس‪.1991 ،‬‬
‫‪ -‬المراكشي دمحم الصالح‪ :‬تفكير دمحم رشيد رضا مف خبلؿ مجمة المنار(‪ ،)1935-1898‬الدار التكنسية لمنشر‪ ،‬تكنس‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫‪ -‬المغربي حسيف‪ :‬محي الديف القميبي‪ ،‬الدار التكنسية لمنشر‪.1968 ،‬‬
‫‪ -‬المكني عبد الكاحد‪ :‬فرحات حشاد المؤسس الشاىد‪ ،‬القائد الشييد‪ ،‬ط‪ ،1‬تقديـ‪ :‬حسيف العباسي‪ ،‬دار صامد لمنشر‬
‫كالتكزيع‪ ،‬صفاقس‪ ،‬تكنس‪.2012 ،‬‬
‫‪ -‬مكاعدة دمحم‪ :‬دمحم الخضر حسيف حياتو كآثاره‪ ،‬الدار التكنسية لمنشر‪ ،‬تكنس‪ ،‬دت‪.‬‬
‫‪ -‬آيت مييكب عمي‪ :‬بنزرت كاالستعمار‪ -‬بحث في السياسة االستعمارية كالحركة الكطنية في جية بنزرت ‪-1924‬‬
‫‪ ،1956‬دط‪ ،‬المعيد العالي لتاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬جامعة منكبة‪ ،‬تكنس‪.2014 ،‬‬
‫‪ -2‬المقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬حمد هلل مصطفى حسف‪ :‬أصداء المقاكمة المسمحة التكنسية ضد االحتبلؿ الفرنسي في الصحافة المصرية (‪-1945‬‬
‫‪ ،)1957‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،26‬العدداف ‪ ،94-93‬ماؼ ‪ ،1999‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬حمد هلل مصطفى حسف‪ :‬أصداء المقاكمة المسمحة التكنسية ضد االحتبلؿ الفرنسي في الصحافة المصرية ‪-1945‬‬
‫‪ ، 1957‬أعماؿ الندكة الدكلية السابعة حكؿ‪ :‬المقاكمة المسمحة في تكنس في القرنيف التاسع عشر كالعشريف المنعقدة أياـ‬
‫‪ 18‬ك ‪ 19‬ك ‪ 20‬نكفمبر ‪ ،1993‬منشكرات المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬تكنس ‪.1995‬‬
‫‪ -‬الدقي نكر الديف كآخركف‪ :‬تنظيـ الحكـ بتكنس في فترة الحماية الفرنسية ‪ ،1956-1881‬سمسمة كثائق كنصكص مف‬
‫تاريخ تكنس المعاصر‪ ،‬عدد ‪ ،3‬المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬جامعة تكنس األكلى‪ ،‬تكنس‪.1998 ،‬‬
‫‪ -‬الساحمي حمادؼ‪ :‬كثيقة حكؿ نشأة الحزب الحر الدستكرؼ التكنسي‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،9‬العدد ‪-27‬‬
‫‪ /28‬ديسمبر ‪ ،1982‬مطبعة االتحاد التكنسي لمشغل‪ ،‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬الشابي عمي‪ :‬صمة النخبة التكنسية بجماؿ الديف األفغاني كدكرىـ في حركة العركة الكثقى‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،11/10‬جانفي ‪ ،1978‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬شمبي دمحم الحبيب‪ :‬خمفيات مؤتمر االستقبلؿ ‪ 26‬رمضاف ‪ 23 /1365‬أكت ‪ ،1946‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة‬
‫‪ ،8‬العدد ‪ ،24-23‬نكفمبر ‪ ،1981‬تكنس‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬ضيف هلل دمحم‪ :‬الطمبة الزيتكنيكف كالدستكر الجديد ‪ ،1952-1950‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،9‬العدد ‪،68-67‬‬
‫أكت ‪ ،1992‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬عبيد خالد‪ :‬صدػ مسألة المنصف باؼ في أكساط الكطنييف التكنسييف بمصر‪ ،‬مجمة ركافد‪ ،‬العدد ‪ ،03‬المعيد األعمى‬
‫لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬منكبة‪ ،‬تكنس‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬العبلقي عبد الكريـ‪ :‬النخبة الزيتكنية كأىل الكتاب في عيد الحماية‪ ،‬أعماؿ الندكة الدكلية الحادية عشر حكؿ‪ :‬الزيتكنة‬
‫الديف كالمجتمع كالحركات الكطنية في المغرب العربي‪ ،‬تكنس‪ 06-05 ،‬ماؼ ‪ ،2002‬ط‪ ،02‬تكنس‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬العبلني عمية‪ :‬حقائق جديدة عف األزمة اليكسفية البكرقيبية كمفاكضات االستقبلؿ ‪ 1956-1955‬مف خبلؿ بعض‬
‫الشيادات الحية‪ ،‬المجمة التاريخية‪ ،‬السنة ‪ ،26‬العدداف ‪ ،94-93‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪ ،‬ماؼ ‪.1999‬‬
‫‪ -‬بف فرج عبيد خالد‪ :‬الخبلؼ البكرقيبي‪ -‬الثامرؼ بمصر كتداعياتو‪ :‬نحك الرؤية اليكغرطية لمتاريخ البكرقيبي ‪-1947‬‬
‫‪ ،1950‬ج‪ ،2‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬العدداف‪ ،103-102 :‬مارس ‪ ،2001‬منشكرات مؤسسة التميمي لمبحث العممي‬
‫كالمعمكمات‪ ،‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪.‬‬
‫ظـ الطمبة التكنسييف ذكؼ األصكؿ الزيتكنية في مصر‪ :‬بيف حمـ التجسيـ كعكائق الظرفية‬
‫‪ -‬بف فرج عبيد خالد‪ :‬محاكالت تن ّ‬
‫‪ ، 1952-1948‬أعماؿ الندكة الدكلية الحادية عشر حكؿ الزيتكنة‪ :‬الديف كالمجتمع كالحركات الكطنية في المغرب العربي‪،‬‬
‫تكنس ‪ 05‬ك ‪ 06‬ماؼ ‪ ،2002‬ط‪ ،2‬منشكرات المعيد األعمى لتاريخ الحركة الكطنية‪ ،‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬بكقرة عبد الجميل‪ :‬كيف كتب السياسيكف التاريخ قراءة نقدية في بعض ما كتب عف بكرقيبة كبف يكسف‪ ،‬المجمة‬
‫التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،26‬العدداف‪ ،94-93 :‬زغكاف‪ ،‬تكنس‪ ،‬ماؼ ‪.1999‬‬
‫‪-‬كرك أبك ال قاسـ‪ :‬رحمة دمحم الخامس إلى طنجة كصداىا في الصحافة التكنسية‪ ،‬طنجة في التاريخ المعاصر ‪-1800‬‬
‫‪ ، 1956‬كمية اآلداب كالعمكـ االنسانية‪ ،‬جامعة دمحم الخامس‪ ،‬الرباط‪ ،‬جامعة عبد الممؾ السعدؼ‪ ،‬دار النشر العربي‬
‫اإلفريقي‪ ،‬القاىرة‪ ،‬الرباط‪.1991 ،‬‬
‫‪ -‬مناصرية يكسف‪ :‬الشيخ المفكر صالح الشريف المفكر اإلسبلمي (‪ ،)1919-1859‬حكلية المؤرخ‪ ،‬العدد األكؿ‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ -‬بف ميبلد أحمد‪ :‬كثائق عف مؤتمر ليمة القدر ‪ 27‬رمضاف ‪ ،1365‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،8‬العدد ‪،24-23‬‬
‫نكفمبر ‪ ،1981‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬كارده المنجي‪ :‬جذكر الحركة اليكسفية‪ ،‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪ ،9‬العدد ‪ ،68-67‬أكت ‪ ،1992‬زغكاف‪،‬‬
‫تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬بكيحي سالـ‪ :‬العبلقات بيف عماؿ تكنس كمصر مف ‪ 1945‬إلى ‪ ،1958‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة‪ ،16 :‬العدد‪:‬‬
‫‪ ،54-53‬جكيمية ‪ ،1989‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -‬بف يكسف عادؿ‪ :‬النخبة التكنسية كالحركة الكطنية الجزائرية ‪ ،1962-1927‬المجمة التاريخية المغربية‪ ،‬السنة ‪،30‬‬
‫العدد ‪ ،109‬جانفي ‪ ،2003‬تكنس‪.‬‬
‫‪ -3‬الرسائل الجامعية‪:‬‬
‫‪ -‬أحمد النكر سنية‪ :‬الصراع البكرقيبي اليكسفي في الصحافة التكنسية‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬فتحي القاسمي‪ ،‬جامعة‬
‫تكنس‪ ،‬السنة الجامعية‪.2014/2013 :‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬دراكؼ ادمحم‪ :‬الجزائر كالجامعة اإلسبلمية ‪ ،1924-1876‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬مكلكد عكيمر‪ ،‬قسـ التاريخ‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪.2008/2007 ،‬‬
‫‪ -‬سالـ غادة‪ :‬اليكية في الفكر المغاربي الحديث مف خبلؿ ثبلث نماذج‪ :‬عبلؿ الفاسي كعمي الحمامي كالرشيد إدريس‪،‬‬
‫رسالة مقدمة لنيل شيادة الماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬فتحي القاسمي‪ ،‬جامعة تكنس‪ ،‬السنة الدراسية‪.2015/2014 :‬‬
‫‪ -‬السكيح عمي‪ :‬الكطنيكف التكنسيكف كمصر (‪ ،)1956-1952‬رسالة مقدمة لنيل شيادة الماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬د‪ /‬حمزة‬
‫رؤكؼ‪ ،‬جامعة تكنس‪ ،‬السنة الجامعية‪.1996/1995 :‬‬
‫‪ -‬طبابي حفيع‪ :‬الحزب الدستكرؼ القديـ ‪ ،1938-1934‬مذكرة مقدمة لنيل شيادة الكفاءة في البحث‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عمي‬
‫المحجكبي‪ ،‬الجامعة التكنسية‪ ،‬السنة الجامعية‪.1986/1985 :‬‬
‫‪ -‬عبيد خالد‪ :‬مكتب المغرب العربي بالقاىرة ‪ ،1949-1947‬رسالة مقدمة لنيل شيادة الكفاءة في البحث‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عمي‬
‫المحجكبي‪ ،‬جامعة تكنس األكلى‪.1989 ،‬‬
‫‪ -‬قدادرة شايب‪ :‬الحزب الدستكرؼ التكنسي الجديد كحزب الشعب الجزائرؼ ‪ 1954-1934‬دراسة مقارنة‪ ،‬رسالة دكتكراه‪،‬‬
‫إشراؼ‪ :‬عبد الرحيـ سكفالي‪ ،‬جامعة قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬السنة الجامعية‪.2007/2006 :‬‬
‫‪ -‬كردؼ زىرة‪ :‬الحبيب ثامر ‪ ،1949 -1909‬رسالة ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬حسيف رؤكؼ حمزة‪ ،‬جامعة ‪ 09‬أفريل ‪،1938‬‬
‫السنة الجامعية‪.2005/2004 :‬‬
‫‪ -‬مرجي عبد الحميـ‪ :‬قضايا تحرير المغرب العربي عند دمحم البشير اإلبراىيمي كعبلؿ الفاسي ‪ ،1962-1919‬رسالة‬
‫ماجستير‪ ،‬إشراؼ‪ :‬عبد هلل مقبلتي‪ ،‬جامعة المسيمة‪2015./2014 ،‬‬
‫‪ -4‬الكتب بالمغة الفرنسية‪:‬‬
‫‪- Bach-Hamba Mohammed; Le Peuple Algéro-Tunisien et La France, reedition préparé et‬‬
‫‪présentée par; Mahmoud Abd elmoula fondation Beit Al-hikma- Carthage, Tunisie, 1991.‬‬
‫‪- Julien Charles André; et La Tunisie devint indépendance…1951-1957, les éditions Jeune‬‬
‫‪Afrique, Paris, France, 1985.‬‬
‫‪ Martin Jean François; Histoire de la Tunisie contemporaine de Ferry à Bourguiba 1881-‬ــ‬
‫‪1956, L' Harmattan, France, 1993.‬‬

‫‪203‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫سياسة الفاطميين العسكرية في بالد المغرب ما بين ‪358 -296‬ىـ‪968-909 /‬م‬


‫‪The military policy of the Fatimids in the Maghreb between‬‬
‫‪296- 358 AH / 909-968 CE‬‬
‫دة‪ .‬فاطمة بميواري‬
‫أستاذة التاريخ اإلسبلمي‬
‫قسـ التاريخ‪ ،‬كمية اآلداب كالعمكـ االجتماعية‬
‫جامعة السمطاف قابكس – سمطنة ُعماف‬
‫‪fatmabe@squ.edu.om‬‬
‫الممخص‪:‬‬
‫ييدؼ ىذا البحث إلى عرض سياسة الفاطمييف العسكرية في ببلد المغرب‪ ،‬حيث سػعكا إلػى تقكيػة جيػازىـ‬
‫العسػػكرؼ منػػذ أف كضػػع أبكعبػػد هلل الػػداعي قكاعػػد قيػػاـ الدكلػػة فػػي القيػػركاف فػػي سػػنة ‪296‬ىػػ‪909/‬ـ‪ ،‬حيػػث‬
‫ش ػػكل أساسػ ػػو عمػ ػػى قاعػ ػػدة قكيػ ػػة‪ .‬كمػ ػػا حػ ػػرص عمػ ػػى تككينػ ػػو عمػ ػػى مختمػ ػػف الفنػ ػػكف كالميػ ػػارات العسػ ػػكرية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫كقد أكلت الدكلة الفاطمية عند تثبيت سمطتيا في ببلد المغرب اىتماما كبي ار بالجيش البرؼ‪ ،‬كبنفس األىمية‬
‫اىتمت بقكاتيػا البحريػة كذلػؾ بقصػد حمايػة كيانيػا السياسػي‪ ،‬كبػث األمػف الػداخمي كصػد حركػات خصػكميا‬
‫ف ػػي ال ػػداخل كالخ ػػارج‪ ،‬كاخض ػػاع المن ػػاطق البعي ػػدة كاإلقميمي ػػة‪ ،‬ى ػػذا زي ػػادة عم ػػى ميم ػػة األس ػػطكؿ الحربي ػػة‬
‫كالتجارية بيف ببلد المشػرؽ كالمغػرب‪ ،‬إذ كػاف البحػر األبػيض المتكسػط مركػ از لمنشػاط التجػارؼ العػالمي فػي‬
‫تمؾ الحقبة التاريخية‪.‬‬
‫كترتكػػز إشػػكالية ىػػذا البحػػث حػػكؿ أسػػاليب السػػمطة الفاطميػػة الدخيمػػة عمػػى بػػبلد المغػػرب فػػي تكػػكيف قػػكة‬
‫عسػػكرية أرىبػػت بيػػا القريػػب كالبعيػػد‪ ،‬بػػل نقمػػت بيػػا عػػرش حكميػػا مػػف بػػبلد المغػػرب إلػػى مصػػر فػػي سػػنة‬
‫‪358‬ىـ‪968/‬م‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬الفاطميكف؛ ببلد المغرب؛ العسكرية؛ الجيش البرؼ؛ األسطكؿ‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This research aims to present the military policy of the Fatimids in the Maghreb‬‬
‫‪countries, where they have sought to strengthen their military apparatus since‬‬
‫‪Abu Abdullah, the Shiite, laid the foundations for the creation of the state in‬‬
‫‪Kairouan in the year 296 AH / 909AD, who formed his foundation on a solid‬‬
‫‪foundation and was keen to train him in various martial arts and contemporary‬‬
‫‪skills.‬‬
‫‪The Fatimid State paid great attention to the army and also took care of its navy‬‬
‫‪in order to protect its political entity, to diffuse internal security and to repel the‬‬
‫‪204‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪movements of its adversaries at home and abroad , and to subject remote and‬‬
‫‪regional regions, this adds to the mission of the military and commercial fleet‬‬
‫‪between the Levant and Morocco, just like the Mediterranean. A hub for global‬‬
‫‪business activity during this historic time.‬‬
‫‪The problem of this research is based on the methods of intruding Fatimid‬‬
‫‪authority on the countries of the Maghreb in the formation of a military force‬‬
‫‪that terrorized the near and distant, but transferred the throne of its rule from the‬‬
‫‪countries of the Maghrib to Egypt in the year 358 AH / 968 AD.‬‬
‫‪Key words: Fatimids, Maghreb countries, Military, Land Army, and Fleet.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إف المتعارؼ عميو عبر الزمف أف القكة العسكرية في أؼ دكلة كيفما كاف معتقدىا‪ ،‬ىي األساس‬
‫الذؼ يحفع كيانيا داخميا كخارجيا‪ ،‬كالدكلة الفاطمية إحدػ النماذج التي سعت إلى تقكية جيازىا العسكرؼ‬
‫منذ أف كضع أبكعبد هلل الداعي قكاعد قياميا في القيركاف في سنة ‪296‬ىػ‪909/‬ـ‪ ،‬الذؼ شكل أساسيا‬
‫عمى قاعدة قكية كما حرص عمى تككينيا عمى مختمف الفنكف كالميارات العسكرية المعاصرة(‪.)1‬‬
‫لقد اىتـ الفاطميكف بتقكية كتنمية الجيكش‪ ،‬فأخذ عددىا يتزايد سنة بعد أخرػ‪ .‬ككانت فصائل‬
‫قبيمة كتامة النكاة األساسية كاألكلى حيف انضمكا إلى دعكة أبي عبد هلل الداعي في أرض كتامة(‪ .)2‬كلقد‬
‫أكلت الخبلفة الفاطمية اىتماما كبي ار بالجيش البرؼ كبنفس األىمية اىتمت بقكاتيا البحرية كذلؾ بقصد‬
‫حماية كيانيا السياسي‪ ،‬كبث األمف الداخمي كصد حركات خصكميا في الداخل كالخارج‪ ،‬كاخضاع‬
‫المناطق البعيدة كاإلقميمية(‪ ،)3‬ىذا زيادة عمى ميمة األسطكؿ الحربية كالتجارية بيف ببلد المشرؽ‬
‫(‪.)4‬‬
‫كالمغرب‪ ،‬إذ كاف البحر األبيض المتكسط مرك از لمنشاط التجارؼ العالمي في تمؾ الحقبة التاريخية‬

‫(‪ )1‬ابف حماد‪ :‬أخبار مموك بني عبيد‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عبد الحميـ عكيس‪ ،‬دار الصحكة‪ ،‬القاىرة‪1980 ،‬ص‪ .37‬ابف عذارػ‪:‬‬
‫البيان المغرب في أخبار بالد المغرب واألندلس‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬تكنس‪ ،2013 ،‬ج‪ ،1‬ص‪Dachraoui .171‬‬
‫‪Ferhat : Le califate Fatimide au Maghreb 296-363/909-973 Histoire politique et‬‬
‫‪institution, Tunis, 1981, p218.‬‬
‫(‪ )2‬ابف حماد‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .38-37‬ابف عذارؼ ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.168‬‬
‫(‪ )3‬القاضي النعماف‪ :‬االفتتاح الدعوة‪ ،‬الشركة التكنسية لمتكزيع‪ ،‬تكنس‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪،1986 ،‬‬
‫ص‪ .38‬ابف األثير الشيباني‪ :‬الكامل في التاريخ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبك الفداء عبد هلل القاضي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪،1987 ،‬‬
‫ج‪ ،6‬ص‪.446‬‬
‫‪Dachraoui (F) : Op; cit, p365.‬‬
‫(‪ )4‬أرشيبالدر لكيس‪ :‬القوى البحرية والتجارية في حوض البحر األبيض المتوسط‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد دمحم عيسى‪ ،‬دمحم شفيق‬
‫غرباؿ‪ ،‬مؤسسة فرنكميف لمطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪ ،1960 ،‬ص‪.30-7‬‬
‫‪205‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمما ال شؾ فيو أف المؤسس األكؿ لمجيش الفاطمي في ببلد المغرب ىك أبك عبد هلل الداعي‬
‫كقد أكلى اىتماما كبي ار في الجانب العسكرؼ‪ ،‬كذلؾ حيف التقى بالعناصر الكتامية في أكؿ لقاء لو بيـ‬
‫سأليـ عف خبرتيـ في حمل السبلح(‪ .)1‬كأخذ ىذا الجيش في االزدياد بمركر الزمف‪ ،‬كلما كثر أصبح في‬
‫حاجة إلى نظاـ خاص فقسمو أبك عبد هلل الشيعي إلى فرؽ ككتائب حتى يككف بيف فصائمو نظاـ في‬
‫العمل كتنسيق في الحركة‪.‬‬
‫كقد أكرد القاضي النعماف مؤرخ الدكلة الفاطمية‪ ،‬في شأف ىذا النظاـ نصا أكضح فيو جيكد‬
‫الداعي في قكلو‪..." :‬قسـ كتامة أسباعا كجعل لكل سبع منيا عسك ار كقدـ عميو مقدما كأطمق بكل مكضع‬
‫داعيا كسمى المقدميف كالدعاة "المشايخ" كاف كاف فييـ مف لـ يبمغ السف‪ ،)2( )...‬كما يمكف استنتاجو مف‬
‫ىذا النص المقدـ ىك تنظيمات أبى عبد هلل الداعي العسكرية األكلى داخل قبيمة كتامة‪ ،‬كلكف مما أثير‬
‫بيف الباحثيف ىك سر تقسيمو ألفراد كتامة أسباعا‪ ،‬فيل الداعي راعى في ذلؾ رم از لؤلئمة اإلسماعيميف‬
‫السبعة المستكريف اقتداء بنضاليـ أـ ىك ارعى في ذلؾ التكزيع الجغرافي لببلد كتامة ىذا زيادة عمى أنو‬
‫قسـ أتباعو إلى سبعة أقساـ كقدـ عمى كل قسـ مقدما بمثابة قائد عسكرؼ كجعل إلى جانبو داعيا‪ ،‬كىك‬
‫مسؤكؿ سياسي‪ ،‬كلـ تكضح المصادر التاريخية أييما كانت لو المكانة العميا كاف كانا متساكييف في‬
‫المقب‪ .‬كما تمتع كل منيما بحرية التصرؼ في حدكد نطاؽ تخصصو‪.‬‬
‫لقد اىتـ أبك عبد هلل الداعي بالناحية السياسية كالعسكرية عمى السكاء‪ ،‬حيث كانت ميمة الدعاية‬
‫السياسية تمييدا لمعمميات العسكرية عند كل اقتحاـ لمدينة ما‪ .‬كما أنو سمؾ ىذا األسمكب الثنائي العسكرؼ‬
‫كالدعائي منذ كصكلو أراضي كتامة(‪ ،)3‬إلى أف دخل رقادة(‪ ،)4‬فبل غرك أف ىذا الداعي أدرؾ أف نجاح‬
‫العمميات العسكرية يتطمب منو تمييد السبيل دعائيا في المنطقة‪ ،‬التي يريد فتحيا كبذلؾ استطاع أف‬
‫يكتسح المدف كالقرػ كيستكلى عمييا(‪ ،)5‬حيث كانت كتامة تستجيب لدعكتو كتنقاد إليو‪ ،‬فكاف سيفو البتار‬
‫الذؼ قاتل بو خصكمو‪ ،‬كانتصر عمييـ بالرغـ مف كثرتيـ كتنكعيـ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ابف األثير‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ .446‬القاضي النعماف‪ :‬االفتتاح‪ ،‬ص‪.38‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.125-124‬‬
‫(‪ )3‬إف كجكد بعض خصكـ أبي عبد هلل الشيعي بيف الكتامييف أنفسيـ كالذيف لـ يقتنعكا بمذىبو‪ ،‬فرض عميو أف يربى أتباعو‬
‫تربية خاصة‪ ،‬سياسيا كعسكريا حتى يتمكف مف مكاجية خصكمو عف طريق المكاجية تارة كبالجاسكسية‪ .‬تارة أخرػ صالح‬
‫مرمكؿ‪ :‬تاريخ الشرق الجزائري‪ ،‬مجمة األصالة‪ ،‬عدد ‪ 64‬سنة ‪ ،1978‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )4‬النعماف‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .246-‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.216‬‬
‫(‪ )5‬ابف األبار القضاعي‪ :‬الحمة السيراء‪ ،‬تحقيق حسيف مؤنس‪ ،‬القاىرة – ‪ ،1963‬ج‪ ،1‬ص‪ .191‬تقي الديف المقريزؼ‪:‬‬
‫اتعاظ الحنفا بأخبار األئمة الفاطمييف الخمفا‪ ،‬تحقيق‪ :‬جماؿ الديف الشياؿ‪ ،‬القاىرة ‪ ،1967 ،‬ج‪ ،1‬ص‪.350-349‬‬
‫‪206‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمما ال شؾ فيو أف في مقدمة األسباب التي جعمت ىذه القبيمة تتصرؼ بتفاف كاخبلص كصبر‬
‫في القتاؿ‪ ،‬قكة شخصية أبى عبد هلل الداعي‪ ،‬كما امتاز بو مف دىاء سياسي كعسكرؼ استغميا لصالح‬
‫دعكتو‪ .‬ككاف في دعاياتو ال قتالية يستدؿ بالقرآف حينا كبالحديث حينا آخر مع اإلشادة بقبيمة كتامة‪ ،‬كالتي‬
‫ليا ماض مجيد(‪ .)1‬فأحسف الضرب عمى الكتر الحساس‪ ،‬يستقطبيا حكلو(‪ ،)2‬فدخل تحت امرتو طبقات‬
‫مف الناس منيـ مف أراد بذلؾ كجو هلل‪ ،‬كطمب ثكابو كأخمص لو‪ ،‬كآثر بما عنده كمنيـ مف أراد بذلؾ الديف‬
‫كالدنيا كأف يدرؾ حظو مف اآلخرة كاألكلى‪ ،‬كمنيـ مف دخل في ذلؾ يبتغي بو الفخر كالشرؼ كالذكر‬
‫الرياسة كمنيـ مف صار إليو خكفا‪ ،‬كتقية كمداراة(‪.)3‬‬
‫(‪)4‬‬
‫كذلؾ إلثارة‬ ‫ككثي ار ما كعد أبك عبد هلل أنصاره بذىب القيركاف كما في قصكر بني األغمب‬
‫حماسيـ ككجو مف الدعاية كاثارة حب الغنـ عندىـ(‪ .)5‬كقد كاف مف نزاىتو‪ ،‬كأمانتو فييـ ما عممكه كعظـ‬
‫في أعينيـ أف أتبع فييـ قكاعد اإلسبلـ مف أنصاؼ المظمكـ كمعاقبة المخالف منيـ كنبذه عف الجماعة‬
‫حتى يخمص التكبة(‪ ،)6‬ككل ىذه الدكافع جعمت أىالي الببلد ينخرطكف أفكاجا إلى أف أصبح عدد ىذا‬
‫الجيش الذؼ دخل بو مدينة األربس في فصل الربيع سنة ‪296‬ىػ‪909/‬ـ‪ -‬مائتي ألف‪ ،‬كقد ازداد عدده‬
‫عند دخكلو رقادة نحك ثبلثمائة ألف بيف فارس كراجل(‪.)7‬‬
‫كما صكرت المصادر اإلسماعيمية ما يدؿ عمى عنف عمميات الجيش الفاطمي ليذه المرحمة‪ ،‬إذ‬
‫عف افتتاح األربس أف دخميا الفاطميكف بالسيف فقتمكا بيا مف الخمق ماال‬ ‫(‪)8‬‬
‫كرد عف القاضي النعماف‬
‫يحصى‪ ،‬كانيبكا ما بيا‪ .‬كما أكد ذات الحقيقة ابف حماد (‪ )9‬عف مدػ كحشية ىذا الجيش كسفكو لمدماء‪،‬‬

‫‪Marcel ,Peyrouton:Histoire générale du Maghreb: Algérie—Maroc—Tunisie; des‬‬


‫‪Origines à Nos Jours, Éditions Albin Michel. 1966. P86.‬‬
‫(‪ )1‬المقريزؼ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .57‬أحمد مختار العبادؼ‪ :‬سياسة الفاطميين نحو المغرب واألندلس‪ :‬صحيفة‬
‫معيد الدراسات اإلسبلمية في مدريد مجمد ‪ ،5‬عدد‪ .2-1‬سنة ‪ ،1957‬ص‪.195‬‬

‫(‪ )2‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.127‬‬


‫(‪ )3‬القاضي النعماف‪ :‬اإلفتاح‪ ،‬ص‪.118-117‬‬
‫(‪)4‬المقريزؼ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.87‬‬
‫(‪ )5‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.150‬‬
‫(‪ )6‬القاضي النعماف‪ :‬المصدر السابق ص‪.123-122‬‬
‫(‪ )7‬المصدر نفسو‪ ،‬ص ‪ .141‬ابف األثير‪ :‬المصدر السابق ج‪ ،6‬ص‪ .150 .131-130‬ابف حماد‪ :‬المصدر السابق‪،‬‬
‫ص‪.20‬‬
‫(‪ )8‬االفتتاح‪ :‬ص‪.232‬‬
‫(‪ )9‬أخبار ممكؾ بني عبيد‪ ،‬ص‪.21-20‬‬
‫‪207‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كلك لـ يكف صاحبو إسماعيميا التيـ بالتحيز كالتحامل‪ .‬في حيف ذكر ابف عذارؼ أف أبا عبد هلل الداعي‬
‫كاف يحذر جنده مف نيب كل مف رقادة كالقيركاف‪ ،‬برغـ كعده ليـ بإطبلؽ أيدييـ فييا‪ ،‬حتى جاءه بعض‬
‫زعماء كتامة يحتجكف عمى ذلؾ‪ ،‬كيذكركنو بالكعكد‪ ،‬فتمى عمييـ قكؿ هلل تعالى "كآخركف لـ تقدركا عمييا‬
‫كأضاؼ قائبل‪" :‬ىي القيركاف فقبمكا قكلو كسممكا ألمره"(‪.)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫قد أحاط هلل ليا"‬
‫كأف تنظيـ ال جيش في عيد أبى عبد هلل الداعي لـ يكف يعتمد فيو عمى ديكاف فيك يكتفي بضرب‬
‫مكعد المقاء مع شيكخ القبائل(‪ ،)3‬كيحذرىـ مف أنيـ ال يتخمفكا عف مكاعيدىـ(‪ .)4‬كقد اتخذت "ايكجاف"‬
‫القاعدة األساسية التي انطمق منيا أكلى عمميات ىذه الدكلة العسكرية‪ ،‬كما كانت مرك از لبث الدعكة في‬
‫مختمف أنحاء المغرب كبيا تجمعت قكة البربر مف قبيمة كتامة(‪ ،)5‬فكانت مرك از استراتيجيا بقصد السيطرة‬
‫عمى ممرات جباؿ األطمس الشرقية كذلؾ حتى يككف عمى أىبة االستعداد في خكض المعارؾ في إفريقية‬
‫كفي أؼ ظرؼ زمني(‪ .)6‬فقد تطمع أبك عبد هلل الداعي إلى فتح بعض المناطق اليامة كالمدف الرئيسية‬
‫التي كثي ار ما ىدت قاعدتو األساسية‪ .‬فشرع بفتح بعض المدف معتمدا في فتحيا عمى الجاسكسية‪ ،‬كالتي‬
‫كانت تشكل عنص ار ىاما في إنجاح العمميات العسكرية‪ .‬كما حاكؿ معيا سياسة األرض المحركقة حيف‬
‫أخذ يقمع مزارع أىميا حتى يضعفيـ اقتصاديا‪ ،‬كيضيق عمييـ الحصار(‪.)7‬‬
‫كقد كانت قكات أبى عبد هلل الداعي قد تقدمت في الفنكف العسكرية‪ ،‬فأصبحت تعرؼ فف الحصار‬
‫كتستخدـ اآلالت البلزمة لو‪ ،‬كالمبلحع أف أبا عبد هلل فضل أف يتكجو في فتكحاتو األكلى شرقا نحك‬
‫عاصمة بني األغمب إلدراكو خطر بني األغمب عميو(‪ .)8‬كتجنب النكاحي الغربية خشية أف يقع بيف شقى‬
‫رحا األغالبة مف الشرؽ كالرستمييف كبني مدرار مف الغرب‪.‬‬

‫(‪ )1‬سكرة الفتح‪ ،‬اآلية رقـ ‪.21‬‬


‫(‪ )2‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.150‬‬
‫(‪ )3‬القاضي النعماف‪ :‬ا المصدر السابق ‪ ،‬ص‪.173‬‬
‫(‪ )4‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.138‬‬
‫(‪ )5‬القاضي النعماف‪ :‬ا المصدر السابق‪ :‬ص ‪ .136-135‬ابف حماد‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .10‬ابف األثير‪ :‬المصدر‬
‫السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.130 -128‬‬
‫(‪ )6‬محمكد إسماعيل عبد الرازؽ‪ :‬السياسة األغالبة الخارجية‪ ،‬القاىرة ‪ ،1972،‬ص‪.257-256‬‬
‫(‪ )7‬النعماف‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .179-178‬ابف خمدكف‪ :‬كتاب العبر كديكاف المبتدأ كالخبر‪ ،‬بيركت‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ص‪ .35‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.141‬‬
‫‪(8) Golvin (L) : Le Maghrib Central à l’époque des Zerides, Paris 1957., pp 51-52.‬‬

‫‪208‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعندما كاف أبك عبد هلل يقكد الجيكش أثناء المعارؾ ينادؼ مناديو في الرجاؿ "ياخيل هلل‬
‫اركبكا"‪.‬كما اتخذ لقكاتو شعارات كآيات قرآنية كثيرة تتناسب مع دعكتو الدينية(‪ ،)1‬ككتب عمى أفخاذ الخيل‬
‫"الممؾ هلل" ك"كتب في بنكده" سييزـ الجمع كيكلكف الدير"(‪.)2‬‬
‫كحيف اعتمى الميدؼ الخبلفة برقادة كأمسؾ بزماـ أمكر دكلتو استبد بيا مما كاف لذلؾ أثره داخل‬
‫عناصر بناة الدكلة فاتسعت الخبلفات بيف الميدؼ كىؤالء الذيف حاكال قمب ىذا النظاـ الجديد كالتخمص‬
‫مف الميدؼ غير أف تدبير ىذا األخير كاف أسرع فأكدػ بحياة ىؤالء جميعا كبخاصة أبا عبد هلل الداعي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬كتعدػ أثر ذلؾ النزاع إلى أكساط الجيش فترمد بعض أصحاب أبى عبد هلل الداعي‬ ‫كأخاه أبا العباس‬
‫عمى الميدؼ‪ ،‬ككانكا مف أكساط قبيمة كتامة‪ .‬كقد اعتبر ىذا التمرد األكؿ مف نكعو في تاريخ الحركة‬
‫اإلسماعيمية في ببلد المغرب بعد قياـ خبلفتيـ فيو‪ .‬كما أف نشاط الجيش قد تزايد منذ بداية حكـ الميدؼ‬
‫فباإلضافة إلى نشاطو في الداخل‪ ،‬قاـ بتكثيف الحمبلت العسكرية خارج ببلد المغرب نحك مصر بخاصة‪،‬‬
‫فبدت ميمة ىذا الجيش مزدكجة المياـ داخميا كخارجيا منذ أف ثبتت قكاعده األكلى(‪.)4‬‬
‫كقد حظي أفراد الجيش كاألسطكؿ الفاطمي بامتيازات كرعاية طيمة عيد كل خمفاء المرحمة‬
‫المغربية مف حيث المنح كالمرتبات كاإلقطاعات‪ ،‬كلقد كانت األمكاؿ التي أغدقت عمى الجيش أثناء فتحو‬
‫لمصر صكرة لما كاف المعز يسبغو مف صبلت كأرزاؽ ككساء عمى أكلياءه كعبيده‪ .‬كما أف الفاطمييف‬
‫اىتمكا باإلنفاؽ عمى ذكييـ حيف يمكتكا بعض األفراد في الحركب‪ ،‬فقد كاف المعز لديف هلل يتعيد بالتكفل‬
‫عمى األسر التي تفقد أفرادىا(‪،)5‬كذلؾ حتى ال يرػ عمييـ أثر فقدانيـ عمى ذكييـ‪.‬‬
‫كالمبلحع أف خمفاء ىذه الدكلة عرفكا الضرب عمى الكتر الحساس عند إثارة حماس جندىـ‬
‫بإغداقيـ باألمكاؿ‪ ،‬ككما أنيـ عرفكا كيف يداككف ذلؾ االنفصاـ كالشغب الذؼ كثي ار ما كاف يحدث بيف‬
‫(‪)6‬‬
‫مما أدػ إلى اليزيمة أحيانا‪ ،‬فكاف المعز لديف هلل يتعيد إلى جنده بتكزيع اليبات كالعطايا‬ ‫فصائل الجند‬

‫(‪ ) 1‬كذكر ابف حماد أنو حيف دخل أبك عبد هلل الداعي رقادة كاف بيف يديو رجل يق أر "ىك الذؼ أخرج الذيف كفركا مف أىل‬
‫الكتاب مف ديارىـ ألكؿ الحشر‪" .‬اآلية ‪ 2‬مف صكرة الدخاف‪ .‬أخبار ممكؾ بني عبيد‪ ،‬ص‪.20-19‬‬
‫(‪ )2‬سكرة القمر‪ :‬اآلية رقـ ‪.45‬‬
‫(‪ )3‬ابف األثير‪ :‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.134‬‬
‫(‪ )4‬القمقشندؼ‪ :‬صبح األعشى في صناعة اإلنشاء ج‪ -13 .5-3‬القاىرة ‪ ،1922‬ج‪ ،5‬ص‪.182‬‬
‫(‪ )5‬النعماف‪ :‬المجالس والمسايرات‪ ،‬تحقيق‪ :‬الحبيب الفقي‪ ،‬كابراىيـ شبكح‪ ،‬كدمحم اليعبلكؼ‪ ،‬دار المنتظر‪ ،‬بيركت‪،1996 ،‬‬
‫ج‪ ،1‬كرقة ‪.27-26‬‬
‫(‪ ) 6‬لقد رجح بعض المؤرخيف ىزيمة الجيكش الفاطمية عند اقتحاميا لئلسكندرية في سنة ‪302‬ىػ‪916/‬ـ في عيد حكـ‬
‫الميدؼ إلى خبلؼ القائـ العاـ أبك القاسـ كقائد األسطكؿ حباسة بف يكسف أف تمؾ الجيكش دخمت اإلسكندرية كانصرفت‬
‫‪209‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كالعطايا جزاء إخبلصيـ لو(‪ .)1‬كما كاف أفراد الجيش الفاطمي في عيد ىذا الخميفة يتقاضكف مرتبات‬
‫عالية‪ ،‬ىذا زيادة عمى ظاىرة اإلقطاع العسكرؼ التي تفشت في عيده‪ .‬فقاؿ "ابف أبى دينار" في ىذا الشأف‬
‫أف أعطى المعز لجنده مف ألف دينار إلى عشريف ألف دينار حتى عماىـ بالعطاء(‪ ،)2‬كىـ في ىذا ال‬
‫يختمفكف عف األسم كب الذؼ سار في العالـ اإلسبلمي آنذاؾ‪ ،‬إذ جعل أبك عبد هلل لكل فرقة مف فرقة‬
‫السبع ديكانا‪ ،‬أؼ بيت ماؿ لمحرب تأتيو األمكاؿ التي ينفق منيا عمى الجيش عف طريق الغنائـ‪ ،‬كالتي‬
‫كانت عمى أثر االنتصارات في المعارؾ‪ ،‬كبخاصة عند إسقاط حكـ الدكؿ المستقمة قبل تأسيس دكلتيـ‪،‬‬
‫مف الركائز األكلى لبيت الماؿ الفاطمي‪.‬‬
‫ىذا إلى جانب مداخيل أخرػ التي سنيا أبك عبد هلل الداعي مثل ضريبة الفطرة كاليجرة(‪ ،)3‬كقد‬
‫جعل ىذه األمكاؿ بيف أيدؼ المشايخ‪ .‬كظل الحاؿ عمى ضكء ما ذكر‪ ،‬أف ىذا الديكاف رصدت لو أمكاؿ‬
‫فاقت ما كاف يصرؼ عمى أكجو اإلنفاؽ األخرػ كذلؾ حتى يستطيع أف يؤدؼ دكره في الحفاظ عمى‬
‫األمف الداخمي كالتصدؼ لكل ىجكـ أجنبي عمى التخكـ(‪.)4‬كما اعتمدت الدكلة الفاطمية في نظاـ الجندية‬
‫(‪)5‬‬
‫مخالفا لدكر األغالبة الذيف اىتمكا‬ ‫عمى عنصر المكالي منذ عيد الميدؼ‪ ،‬ككاف ليـ فيو دكر حسف‬

‫عنيا عمى التك بسبب خبلفات أفراد جنده‪ :‬راجع الطبرؼ‪ :‬تاريخ الرسل والمموك‪ ،‬القاىرة ‪،1939‬ج‪ ،8‬ص‪ .257‬عريب بف‬
‫سعد‪ :‬صمة تاريخ الطبرؼ‪ ،‬القاىرة دار االستقامة ‪1358‬ىػ‪1939/‬ـ‪.‬‬
‫ص‪.37‬‬
‫(‪ )1‬النعماف‪ :‬المصدر السابق‪.165 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابف أبى دينار‪ :‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬تحقيق دمحم شماـ تكنس‪ ،1967 ،‬ص‪.64‬‬

‫(‪ )3‬النعماف‪ :‬االفتتاح‪ ،‬ص‪ ،109-108‬ص‪ .189‬المقريزؼ‪ :‬االتعاظ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .210‬جكذر‪ :‬سيرة جوذر‪ :‬سيرة األستاذ‬
‫جكذر تحقيق دمحم عبد الياؼ شعيرة‪ ،‬كدمحم كامل حسف‪ ،‬القاىرة‪1954 ،‬ص‪.167 ،56‬‬
‫(‪ ) 4‬كانت عممية اإلنفاؽ عمى الجيش الفاطمي أثناء مطاردة أبى يزيد الخارجي مثاال إلى ما كصل بو حاؿ الخزائف المالية‪،‬‬
‫فقاؿ عنيا ابف األثير كانت خالية مف الصفراء كالبيضاء‪ .‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.158-150‬‬
‫(‪ )5‬ابف الخطيب‪ :‬أعمال اإلعالم فبمن بويع قبل االحتالم من مموك اإلسالم – نشر أحمد مختار العبادؼ كدمحم إبراىيـ –‬
‫الكتاني تحت عنكاف تاريخ المغرب في العصر الكسيط – دار البيضاء‪ ،1964 ،‬ج‪ ،3‬ص‪.51‬‬
‫‪Vonderheyden (M) : La berberie orientale sous la dynastie de Benou Larlab, Paris 1927,‬‬
‫‪p197.‬‬
‫‪210‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ففي عيد الخميفة المعز لديف هلل قل االىتماـ‬ ‫بتجنيد العنصر العربي كتكليتو المراكز العميا في الجيش‬
‫بالعنصر العربي فتغمب العنصر الصقمبي في مناصب قيادة الجيكش الفاطمية(‪.)2‬‬
‫كبتتبع نظاـ الجيش في عيد الخميفة المعز لديف هلل تجده ال يختمف في تككينو عف العيكد‬
‫السابقة‪ ،‬فينالؾ جند في حالة استعداد دائـ كعمى أىبة خكض المعارؾ في أؼ ظرؼ في الداخل أك‬
‫الخارج‪ ،‬كجند مف المتطكعيف كانكا يمبكف نداء المعز ابتغاء الكسب الكافر كطمعا في النيب كالسمب(‪.)3‬‬
‫ككما أسمفنا سابقا‪ ،‬أف ىؤالء الخمفاء كانكا يتخذكف مف األمكاؿ كاليبات كسيمة لجذب األنصار إلييـ خدمة‬
‫لمصا لحيـ السياسية كالعسكرية‪ ،‬كىذا ما يفسر سبب انقياد جيكش الفاطمييف ليـ كالتفاني في طاعة‬
‫رؤسائيـ‪.‬‬
‫كبالمثل‪ ،‬أكلت األقاليـ التابعة لمجياز المركزؼ اىتماما بالغا بالميداف العسكرؼ‪ ،‬فقد كانت عمى‬
‫أىبة االستعداد لخكض نداء العسكرية‪ ،‬إذ تطمب األمر الدفاع ككبح جماع الثائريف عمى الحكـ‬
‫الفاطمي(‪ .)4‬فقد كجدت بعض المقاطعات التي لعبت دك ار كبي ار في النشاط العسكرؼ في دكره الداخمي‬
‫كالخارجي معا‪ .‬ككثي ار ما اعتبرت بعض مدنيا قبلعا كحصكنا منيعة إلخماد حركات التمرد ضد الدكلة‬
‫الفاطمية فقد كانت قاعدتا تييرت كميزاب‪ ،‬مف أىـ المراكز االستراتيجية لمراقبة خصكميـ الزناتييف بصفة‬
‫خاصة‪.‬‬
‫كما يمفت النظر في نظاـ الحكـ الفاطمي ىك طابعو العسكرؼ بالدرجة األكلى كأف مثل ىذا النظاـ‬
‫كاف أيضا عمى مستكػ المدف كاألقاليـ‪ ،‬فالدكلة لـ تضع فاصبل بيف الكظائف اإلدارية في الحاضرة‬
‫كالمدف‪ ،‬بل أف المقاطعة كانت صكرة مصغرة لعاصمة الخبلفة كعمما أف الفاطمييف قد اىتمكا عند‬
‫تأسيسيـ لقكاتيـ البرية عمى العناصر المحمية مف قبائل كتامة طيمة مرحمتيـ المغربية‪ ،‬فعممكا عمى تكثيق‬
‫عبلقتيـ بيذه القبيمة كاسترضائيا لخدمة مصالحيـ‪ ،‬إذ كاف الكتاميكف في طميعة العناصر التي أحرزت‬
‫امتيازات حيث أكلكىـ المناصب اإلدارية كالعسكرية بخاصة(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬حسف إبراىيـ حسف‪ ،‬طو أحمد شرؼ‪ :‬المعز لدين هللا الفاطمي‪ ،‬القاىرة‪ ،1948 ،‬ص‪.176-135‬‬
‫(‪ )2‬القمقشندؼ‪ :‬صبح األعشى في صناعة اإلنشاء‪ ،‬القاىرة ‪،1922‬ج‪ ،3‬ص‪ .345‬ابف تغرػ بردؼ‪ :‬النجوم الزاىرة في‬
‫مموك مصر والقاىرة‪ ،‬القاىرة ‪ ،1963،‬ج‪ ،4‬ص‪.80‬‬
‫(‪)3‬حسف إبراىيـ حسف كطو أحمد شرؼ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.179-176‬‬
‫‪Dachraoui Ferhat : Le califate Fatimide au Maghreb 296-363/909-973 Histoire‬‬
‫‪politique et institution Tunis 1981, p.p. 37-38.‬‬
‫‪(4) Dachraoui (F) : Op cit, p355.‬‬
‫(‪ )5‬القاضي النعماف‪ :‬االفتتاح‪ ،‬ص‪.303-302‬‬
‫‪211‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بذؿ خمفاء ىذه الدكلة كل ما في كسعيـ لممحافظة عمى عبلقتيـ التقميدية بالكتامييف كي يستغمكا‬
‫إمكانياتيـ القتالية في ضرب خصكميـ داخميا كخارجيا فضبل عف بسط النفكذ‪ ،‬ككما أنيـ لعبكا الدكر‬
‫األساسي في أحداث تاريخ الفاطمييف في ببلد المغرب في المجاؿ العسكرؼ بالدرجة األكلى‪ ،‬كيعكد إلييـ‬
‫الفضل األكبر في تمؾ االنتصارات‪ ،‬التي أحرزكىا في ببلد المغرب كفي السيطرة عمى مصر كالشاـ(‪.)1‬‬
‫إلى جانب أنيا أدت دك ار أساسيا في القضاء عمى حركة أبى يزيد مخمد بف كيداد اإلباضي في سنة‬
‫‪336‬ىػ‪948 /‬ـ‪ ،‬سكاء في الدفاع عف الميدية أك في فؾ الحصار عف القيركاف كسكسة كغيرىا في المدف‬
‫التي استكلى عمييا(‪ .)2‬كقد خاطبيـ القائـ حتى يثير حماسيـ في قتاؿ ىذا الثائر قائبل "فأنتـ كحكارػ‬
‫عيسى بف مريـ‪ ،‬كأنصار دمحم (ملسو هيلع هللا ىلص) يا أبناء المياجريف كاألنصار األكليف السابقيف المقربيف"(‪ .)3‬كما‬
‫خاطبيـ المنصكر أيضا في سنة ‪336‬ىػ‪948/‬ـ حيف أعمف عف كفاة القائـ بأمر هلل بقكلو "يا أىل دعكتنا‬
‫يا أنصار دكلتنا يا كتامة‪ ...‬الميـ أني أصبحت راضيا عف كتامة العتصاميـ بحبمؾ كصبرىـ عمى‬
‫البأساء كالضراء في جنبؾ تعبدا لنا كاعترافا بفضمنا كارادة لما افترض هلل عمى العباد لنا"(‪.)4‬‬
‫في حيف أنو في زمف حكـ المعز لديف هلل تغير كضعيا فذكرت صك ار عف مياجمتو اياىـ‬
‫كيصفيـ بأبشع الصكر كذلؾ مف خبلؿ جكابو عمى خطاب كجيو إليو جكذر بشأف نزاع بيف رجل كتامي‬
‫يدعى كبيع بف مكات كبيف ككيل لجكذر عمى ضيعة فتغمب الكتامي عمييا‪ ،‬فاستأذنو جكذر في دفع ما‬
‫دعاه الكتامي فأجابو المعز بقكلو‪" :‬فبلف يككف العدؿ منؾ فييـ أكلى مف أف يككف مف ىؤالء السفمة ك هلل‬
‫يثمر لؾ مف خير ما ترضاه"(‪.)5‬‬
‫فبل غرك أف ىذا التصريح يدؿ عمى أف الكتامييف فقدكا المكانة التي طالما تمتعكا بيا مف العيكد‬
‫السابقة(‪ .)6‬كأف المعز كضع نصب عينيو مبدأ االستفادة مف أؼ عنصر تكفرت فيو مميزات الكفاءة‬
‫كاإلخبلص لمدكلة الفاطمية كالدعكة اإلسماعيمية‪.‬‬
‫كقد أحدث المعز تغيي ار في سياسة تجنيد الجيش أف أفسح المجاؿ لغير الكتامييف ليمعبكا دكرىـ‬
‫فيو كقدميـ عمى الكتامييف‪ ،‬فجعفر بف فبلح الكتامي‪ ،‬جعمو المعز تحت قيادة جكىر الصقمي إذ كاف‬

‫(‪)1‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .188-181‬مكسى لقباؿ‪ :‬أسرة ابن فالح الكتامة‪ ،‬مجمة كمية اآلداب‪ ،‬عدد ‪2‬‬
‫سنة ‪ ،1970‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )2‬ابف األثير‪ :‬الكامل‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.305-303‬‬
‫(‪ )3‬سيرة جكذر‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫(‪ )4‬المصدر نفسو‪ ،‬ص‪.59‬‬


‫(‪ )5‬نفسو‪ ،‬ص‪.122‬‬
‫(‪ )6‬مرمكؿ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.108‬‬
‫‪212‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المعز يقصد بيذا التصرؼ تضييق المجاؿ أماـ جعفر الكتامي‪ ،‬فعندما كتب جعفر الكتامي مف الشاـ إلى‬
‫المعز بدكف مراجعة جكىر‪ ،‬غضب منو الخميفة المعز‪ ،‬كأعاد خطابو مختكما لـ يقرأه كأمر أف يكاتبو في‬
‫المرة القادمة بكاسطة جكىر قائبل لو‪" :‬لقد أخطأت الرأؼ‪ ...‬نحف أنقذناؾ ىناؾ مع قائدنا جكىر فاكتب إليو‬
‫(‪)1‬‬
‫كال شؾ أف ىذا الرد قاس‪،‬‬ ‫فيما كصل منؾ إلينا عمى يده‪ ...‬كلكنا ال نستفيد جكى ار مع طاعتو لنا"‬
‫(‪)2‬‬
‫كبخاصة أنو كاف لقائد عسكرؼ المع كجعفر بف فبلح‪ .‬أما أف عيف المعز يكسف بف زيرؼ الصنياجي‬
‫عمى ببلد المغرب دكف أف يختار شخصية كتامية لدليل عمى مدػ تخكفو مف العناصر الكتامية‪.‬‬
‫كاشتير العنصر الصنياجي ضمف عناصر الجيش الفاطمي‪ ،‬كيرجع الفضل في تكطيد رابطة‬
‫قبيمة صنياجة بالفاطمييف بدكف شؾ إلى زعيميا زيرؼ بف مناد كمكاقفو العسكرية إلى جانب الدكلة‬
‫الفاطمية(‪ ،)3‬في حربيا لحركة أبى يزيد الخارجية(‪.)4‬‬
‫كقد يبدك أف المصمحة المشتركة‪ ،‬كانت العامل الرئيس في ىذا التقارب كانضكاء قبيمة صنياجة‬
‫تحت لكاء الفاطمييف حتى يصدكا بيـ قبائل زناتة بخاصة(‪ .)5‬كظير ىذا التضامف كالتآزر حيف قدـ زيرؼ‬
‫(‪)6‬‬
‫مما دفع ىذا األخير إلى الخمع عميو‪ ،‬كعقد لو باسمو عمى قكمو‬ ‫بف مناد عكنا ماديا كعسكريا لممنصكر‬
‫قكمو كمف اتصل بيـ مف البربر كذلؾ سنة ‪335‬ىػ‪947/‬ـ(‪ .)7‬كارتفع شأف ىذه القبيمة أيضا في عيد‬
‫المعز أف ساىمت مساىمة فعالة إلى جانبو عند خركجو إلى المغرب حيث ظيرت بو اتجاىات مضادة‬
‫لمحكـ الفاطمي في سنة ‪342‬ىػ‪ .)8(954/‬كلمع نجـ زعيـ ىذه القبيمة زيرؼ بف مناد حينما دخل مع جكر‬
‫الصقمي المغرب في سنة ‪347‬ىػ‪358/‬ـ‪ ،‬كقد أبمى ببلء حسنا في القضاء عمى الثائريف بو‬

‫(‪ )1‬المقريزؼ‪ :‬الخطط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.378‬مكسى لقباؿ‪ :‬أسرة بف فبلح الكتامية‪ ،‬ص‪.40-37‬‬
‫(‪ )2‬المقريزؼ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.378‬‬
‫(‪ )3‬ابف األثير‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.354‬‬
‫(‪ )4‬ابف خمدكف‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.313‬‬
‫(‪ )5‬ككانت قبيمة صنياجة تجاكر قبيمة زناتة مف الشرؽ‪ ،‬كاتسمت عبلقاتيما بالطابع العدائي بسبب كجكد احتكاؾ عسكرؼ‬
‫بينيما باستمرار مف اجل تكسيع النفكذ‪ .‬راجع االصطخرؼ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .36‬اإلدريسي‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.61‬‬
‫ابف خمدكف‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.203‬‬
‫(‪ )6‬لقد اشترؾ زيرؼ بف مناد الصنياجي بعسكره إلى جانب الفاطمييف كدخل في طاعتيـ عند مكضع حمزة‪ .‬الداعي‬
‫إدريس‪ :‬أخبار الخمفاء الفاطميين في بالد المغرب – القسم الخاص من كتاب عيون األخبار‪ ،‬تحقيق‪ :‬دمحم اليعبلكؼ‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪ ،1985 ،‬ص‪ .430‬ابف خمدكف‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.313‬‬
‫(‪ )7‬ابف حماد‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )8‬ابف األثير‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ .354‬ابف أبى دينار‪ :‬المؤنس‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫‪213‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إلػػى جانػػب قػكاتيـ البريػػة‪ ،‬أكلػػى الفػػاطميكف اىتمامػػا شػػديدا بقػكاتيـ البحريػػة فػػي مػػرحمتيـ المغربيػػة(‪ ،)1‬بعػػد‬
‫فػتحيـ جزيػرة صػقمية‪ ،‬كجعميػا قاعدةألسػطكؿ كبيػر يحقػق تنفيػذ مشػاريعيـ البحريػة‪ ،‬إذ اسػتيل األسػطكؿ‬
‫الفػاطمي نشػاطو المبكػر فػي حػكض المتكسػط الغربػي بػدعـ مػف الخميفػة الفػاطمي عبيػد هلل الميػدؼ عنػد‬
‫تأسيسػو عاصػمة دكلتػو الميديػة عمػى السػاحل بعػد اسػتقرار ممكػو فػي بػبلد المغػرب‪ ،‬كبسػط سػيطرتو عمػى‬
‫الجيػات السػاحمية‪ ،‬كتمكنػو مػف غػزك جنػكب فرنسػا كمػدف مػف صػقمية فأصػبح األسػطكؿ الفػاطمي متحكمػاً‬
‫بميػاه البحػر األبػيض المتكسػط ‪ ،‬مشػكبل خطػ ار حقيقيػا عمػى األسػاطيل البيزنطيػة؛ إذ ضػاعف مػف غزكاتػو‬
‫عمييا مف مكانئ المغرب كثغكره؛ محققا النصر في رد غزكات الركـ‪.‬‬
‫كازدادت البحرية الفاطمية خػبلؿ القػرف ال اربػع اليجػرؼ ‪10/‬ـ فػي بػبلد المغػرب قػكة كعػددا كمسػكت بناصػية‬
‫الحػػكض الغربػػي لمبحػػر المتكسػػط‪ ،‬كقػػد تظػػافرت عكامػػل عديػػدة فػػي تقكيػػة األسػػطكؿ الفػػاطمي منيػػا المكقػػع‬
‫الجغرافي الياـ لببلد المغرب‪ ،‬الذؼ يستمزـ أسطكال بحريا قكيا؛ إذ كانت سكاحمو مف طنجة غربػا إلػى خمػيج‬
‫برقػة شػرقا عػامرة بػالمكانئ البحريػة‪ ،‬كفػي مقدمػة ذلػؾ الميديػة كالسكسػة كتػكنس كبكنػة‪ .‬كاسػتطاعت الدكلػة‬
‫الفاطميػة الناشػئة فػي كقػت قياسػي أف تتبػكأ تمػؾ المنزلػة العاليػة فػي تػاريخ البحريػة العربيػة بسػبب نشػأتيا‬
‫كترعرعيا في بيئة بحرية خالصة‪ .‬ضف إلى ذلؾ أف الفاطمييف قضكا عمػى دكلػة األغالبػة ككرثػكا اسػطكليا‬
‫البحػرؼ‪ ،‬الػذؼ كػاف يقػكد الحمػبلت العسػكرية فػي عػرض الحػكض الغربػي لمبحػر المتكسػط باسػـ الجيػاد‪،‬‬
‫كبخاصػة عنػد فػتحيـ لصػقمية سػنة ٕٕٔ ق ‪ ٧ٕ٢/‬ـ لتصػبح منػذ ذلػؾ الحػيف إحػدػ أىػـ القكاعػد اليامػة‬
‫النطبلؽ الجيكش اإلسبلمية محققا انتصارات ليزاؿ تاريخ البحرية في ىذه الجية يذكرىا‪.‬‬
‫كبما أف االىتماـ باألسطكؿ يقتضي االىتماـ بمكازمو أيضا‪ ،‬فجعل الفاطميكف في أىـ المكانئ دك ار‬
‫لصناعة السفف كاألسمحة الحربية‪ ،‬كذلؾ أنيـ أماـ عدكيف بحرييف قكييف البيزنطية كاألمكية في األندلس‪،‬‬
‫كعرؼ ىذا الشريط الساحمي بالثغكر(‪ ،)2‬كلذا أنشئت مصمحة فرعية تابعة لقيادة البحر تعرؼ بكالية الثغكر‬
‫الثغكر يتكالىا قائد خبير بأمكر البحر لو النظر في مختمف المحارس كالقبلع البحرية‪ .‬كقد كثرت ىذه‬
‫المحارس كالثغكر‪ ،‬مثل سبتة مميمة ككىراف كجزائر بني مزغنة كبجاية كجيجل كسكيكدة كبكنة كبنزرت‬
‫كتكنس كسكسة كالميدية كسفاقس كقابس كطرابمس كبنغازؼ(‪ .)3‬كما اتخذ الفاطميكف نظاـ أبراج المراقبة‬
‫عمى طكؿ الساحل كذلؾ لنقل األخبار عف طريق استخداـ النار المشتعمة فكؽ القمـ(‪ .)4‬كىذا يمثل درجة‬

‫(‪ )1‬أحمد المختار العبادؼ ك السيد عبد العزيز سالـ‪ :‬تاريخ البحرية اإلسبلمية‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )2‬البكرؼ‪ :‬المغرب‪ ،‬ص ‪.85-82-65-64-55-37‬‬
‫(‪ )3‬اإلدريسي‪ :‬كصف إفرقية‪ ،‬ص‪ .83-62‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.84‬‬
‫(‪ )4‬ارشبالدر لكيس‪ :‬القكػ البحرية‪ ،‬ص‪.254‬‬
‫‪214‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مف الكعي الكامل بما يتطمبو النشاط البحرؼ‪ ،‬فضبل عف استعماؿ الحماـ الزاجل لنفس الغرض بيف ىذه‬
‫الثغكر عند إرساؿ كاستقباؿ األخبار العسكرية(‪.)1‬‬
‫عندما أحكـ عبيد هلل الميدؼ أمكر دكلتو اىتـ بالمسالؾ البحرية حتى يؤمف دكلتو مف الغزكات‬
‫الخارجية‪ ،‬فأضاؼ إلى البحرية اإلسبلمية قكة جديدة سيطرت عمى غربي البحر المتكسط‪ ،‬كلـ يكف ييدؼ‬
‫فقط لصد ىجكـ األمـ النصرانية بقدر ما كاف يحترس مف قكة أمكؼ األندلس‪ ،‬التي تعتبر ىي األخرػ قكة‬
‫ليا كزنيا في تمؾ األرجاء كالمعاصرة لدكلة الفاطمييف‪.‬‬
‫كقد فرض ىذا الخميفة الفاطمي بسرعة مذىمة إرادتو بإخضاع أكبر عدد مف األقاليـ المغربية‬
‫لسمطتو‪ ،‬حيف تمكف مف تككيف جيش قكؼ كخزينة حرب يستطيع بيما استئناؼ العمميات الحربية نحك ببلد‬
‫المشرؽ(‪ .)2‬كما أنشأ الميدؼ عاصمتو الميدية متخذا إياىا قاعدة ألسطكلو‪ ،‬كبنى ترسانة بحرية لبناء‬
‫السفف‪ ،‬إذ لـ يكف الميدؼ ييدؼ إلى اختيار مكاف ساحمي لببلد المغرب األدنى حتى استقر عمى مكاف‬
‫يتكسط أجزاء دكلتو(‪ .)3‬ككاف الميدؼ بيذا االختيار شديد الثقة بقدرتو في السيطرة عمى البحار كخكض‬
‫العمميات الحربية‪.‬‬
‫ككانت عممية بناء الحكاضر عمى السكاحل قد عرفيا العيد اإلسبلمي‪ ،‬ككاف الغرض منيا ىك‬
‫بناء حصف منيع تدار فيو كل أمكر الدكلة‪ ،‬كىك في ذلؾ يشكل قاعدة حربية محكمة البناء كمع تطكر‬
‫العمراف بما فيو الحياة االقتصادية كاالجتماعية تتحكؿ مف قاعدة عسكرية إلى مدينة شاممة لمعناصر‬
‫الحضارية‪ .‬كأف الفاطمييف قد كرثكا أسطكال بحريا قكيا مف األغالبة‪ ،‬فقد كاف مف الصعب جدا عمى دكلتو‬
‫حديثة النشأة‪ ،‬كفي ظركؼ صعبة أف تككف مثل ذلؾ األسطكؿ القكػ بإمكانياتو‪ ،‬كالذؼ شف حمبلتو عمى‬
‫مصر منذ كقت مبكر في سنة ‪301‬ىػ‪915/‬ـ بقيادة أبى القاسـ –ابف الميدؼ‪ .)4(-‬ككانت ىذه الحممة‬
‫برية كبحرية‪ ،‬إذ تمكف مف دخكؿ اإلسكندرية سنة ‪302‬ىػ‪916/‬ـ‪.‬‬
‫كقد تكاصمت تمؾ الحمبلت عمى مصر سنة ‪306‬ىػ‪920/‬ـ‪ ،‬ككاف في أغمبيا برية كبحرية معا‬
‫ككاف لمكتامييف دكر فييا‪ .‬كما كجيكا حمبلتيـ أيضا ضد ببلد الركـ طيمة مرحمتيـ المغربية‪ ،‬كقد كانت‬

‫(‪ )1‬دمحم صابر دياب‪ :‬سياسة الدكؿ اإلسبلمية في حكض البحر المتكسط مف أكائل القرف الثاني اليجرؼ حتى نياية العصر‬
‫الفاطمي ط‪ 1‬القاىرة ‪ ،1973‬ص‪.107‬‬

‫‪(2) Laroui Abdallah : L’histoire du Maghreb- Un essai de synthèse, Paris 1975.‬‬

‫‪, VI, p120.‬‬


‫(‪ )3‬التجاني‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.321-320‬‬

‫(‪ )4‬ابف األثير‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪ .147‬ابف خمدكف‪ :‬العبر‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪39-38‬‬
‫‪215‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تكجيت‬ ‫مع بداية عيد الميدؼ الذؼ انطمقت حمبلتو مف الميدية كمف صقمية‪ .‬ففي سنة ‪315‬ىػ‪929/‬ـ‬
‫حممة بحرية مف الميدية بقيادة صابر الفتى عدتيا أربعة كأربعكف مركبا نحك صقمية كشنت غاراتيا عمى‬
‫مدنيا فقتمت منيـ خمقا كثيرا‪ ،‬كغنمت كأعادت الكرة في السنة التالية بقيادة صابر الفتى‪ ،‬فافتتح أماكف عدة‬
‫في الجزيرة‪ ،‬كما أجبر بعضيا عمى الصمح‪ ،‬كدفع الجزية مف أمكاؿ الديباج كثياب(‪ ،)2‬كتكررت ىذه‬
‫الحمبلت ككثي ار ما كانت تنقمب بالظفر كالغنيمة‪.‬‬
‫كبذلؾ فقد سف الميدؼ إلى خمفو سنة تكجيو الحمبلت البحرية مف الميدية فأضحى األسطكؿ‬
‫الفاطمي صكلة في الجزء الغربي لمبحر المتكسط في عيده‪ ،‬كلـ يكف ألكركبا سمطاف عميو خبلؿ القرف‬
‫الرابع اليجرؼ‪ ،‬فكاف بح ار عربيا‪ ،‬ككاف ال بد لمف يريد أف يقضى لنفسو أم ار أف يكسب كد العرب‪ ،‬كيبدك‬
‫أف اىتماـ الفاطمييف قد تزايد مع تمرسيـ في ميداف المبلحة البحرية‪ ،‬ففي عيد الخميفة الثاني القائـ بأمر‬
‫ هلل استفحل خطر الفاطمييف عمى األساطيل البيزنطية ؛إذ ضاعف األسطكؿ الفاطمي مف حمبلتو ضدىـ‬
‫مف الثغكر كالمكانئ المغربية كالمكانئ صقمية(‪ ،)3‬ككثي ار ما تعكد عمييا بالنصر‪.‬‬
‫كقد أشاد شعراء الفاطمييف بقكة األسطكؿ كبخاصة في عيد الخميفة القائـ بأمر هلل فكصفكه‬
‫بأعذب الشعر(‪ ،)4‬بينما قل نشاطو في عيد المنصكر ضد ببلد الركـ كذلؾ بسبب انشغالو بالقضاء عمى‬
‫ثكرة أبى يزيد في ببلد المغرب كما ترتب عنيا مف اضطرب في األكضاع العامة‪.‬‬
‫كمما تقدـ يتبيف لنا مدػ عناية الفاطمييف بأمكرىـ البحرية كمدػ سيطرتيـ الكاممة عمى الجزء‬
‫الغربي لمبحر المتكسط كتضييقيـ الخناؽ عمى األساطيل البيزنطية مف جية كالقكة البحرية األندلسية مف‬
‫جية أخرػ‪ ،‬إذ امتدت سيطرتيـ ما بيف جبل طارؽ إلى بيركت(‪ ،)5‬كقد كانت عناية الخميفة المعز في ىذا‬

‫(‪ )1‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.192‬‬


‫(‪ )2‬المصدر نفسو‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.193‬‬
‫(‪ )3‬المقريزؼ‪ :‬االتعاظ‪،‬ج‪ ،1‬ص‪ .108‬القاضي النعماف‪ :‬االفتتاح‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫(‪ )4‬قاؿ عمى ابف األيادؼ في ذلؾ (كافر)‪.‬‬
‫أعجب ألسطكؿ اإلماـ محمػد كلحسنو كزمانو المستغرب‬
‫يبدك لعيف الناظر المتعجب‬ ‫ليست بو األمكاج أحسف منظر‬
‫أحمد بف دمحم المقرؼ التممساني‪ :‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحساف عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيركت ‪،‬‬
‫‪ ،1968‬ج‪.58 ،4‬دمحم يعمك‪ :‬شعراء معاصرون لمدولة الفاطمية‪ :‬حكليات الجامعية عدد ‪ ،10‬ص‪ .95‬كما بعدىا سنة‬
‫‪.1973‬‬
‫(‪ ) 5‬السيد عبد العزيز سالـ‪ :‬كمختار العبادؼ‪ :‬تاريخ البحرية اإلسبلمية ‪ ،‬دار النيضة العربية ‪ ،‬بيركت‪ ،1969 ،‬ص‪-76‬‬
‫‪.77‬‬
‫‪216‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المجاؿ أكثر مف سمفو‪ ،‬كذلؾ نظ ار لميدكء النسبي الذؼ عرفتو ببلد المغرب في عيده‪ ،‬مما دفعو لبلىتماـ‬
‫باألسطكؿ‪ ،‬فاتخذ مف مدينة الميدية كسكسة كمرسى الخزر كغيرىا مرافئ لمتحرؾ‪.‬‬
‫كال نبالغ إذا ما قمنا أف المعز استطاع أف يجعل مف غربي البحر المتكسط بحيرة فاطمية ألف‬
‫أسطكلو أخذ زماـ المبادرة دائما في اليجكـ عمى الخصـ في عقر داره‪ ،‬إذ ىاجـ أساطيل األمكييف في‬
‫األندلس كالبيزنطييف في صقمية‪ ،‬كأرغميـ عمى دفع الجزيرة بعد الصمح كاليدنة(‪ .)1‬كما أف اىتماـ المعز‬
‫باألسطكؿ البحرؼ بدا كاضحا حيث أراد أف يجعل مف حاضرتو المنصكرية ميناء ثالثا مف حيث األىمية‬
‫با لنسبة إلى الميدية كسكسة فقد نقل صاحب كتاب المجالس كالمسايرات قكؿ الخميفة المعز بيذا الشأف‪:‬‬
‫"لئف امتد بنا المقاـ ىا ىنا – أؼ في المنصكرية‪ -‬لنجريف البحر بحكلو هلل كقكتو إلينا في خميج حتى‬
‫تككف مراكبنا تحط كتقمع بحضرتنا" (‪.)2‬‬
‫كاف النشاط البحرؼ لـ يقتصر في ببلد المغرب عمى مكاجية األخطار الخارجية بل استعمل أيضا‬
‫في مقاكمة الحركات المضادة داخميا(‪ ،)3‬كتمكيف النفكذ الفاطمي في أرض المغرب‪ ،‬بحيث ساىمت‬
‫األساطيل في إخماد حركات محمية منيا حركة طرابمس سنة ‪300‬ىػ‪911/‬ـ‪ ،‬كالتي استطاع أبك القاسـ‬
‫كلي العيد أف يخضع ىذه المدينة ثانية إلى الكالء الفاطمي كذلؾ في ضربو الحصار عمييا بحريا(‪ ،)4‬كقد‬
‫أخمدت ثكرة أبى يزيد بدقة الخطة الحربية البحرية حيف استغل الفاطميكف المدف الساحمية لئليقاع منيا(‪.)5‬‬
‫منيا(‪ .)5‬ككاف حصار مدينة سكسة أثناء ىذه الثكرة مف أشد حصار عرفتو المنطقة خبلؿ ىذه الحقبة‬
‫الزمنية‪ ،‬إذ أف المنصكر بعث باألساطيل مف الميدية إلى سكسة مشحكنة بالمد مع رشيق الكاتب كلما‬
‫كصمت المؤف كاألقكات إلى أىل سكسة اشتدت عزائميـ في مقاكمة خطر أبى يزيد بف مخمد بف كيداد‪،‬‬
‫فتمكنكا مف إيقاع اليزيمة بو(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬ابف حكقل‪ :‬صكرة األرض‪ ،‬ص‪ .94‬حسف إبراىيـ حسف كطو أحمد شرؼ‪ :‬المعز لدين هللا‪ ،‬ص‪ .184‬قضية اقريطش‬
‫في عيد المعز‪ .‬نشر فرحات دشراكؼ‪ :‬حكليات الجامعة التكنسية عدد ‪ ،2‬سنة ‪ ،1965‬ص‪.28‬‬
‫(‪ )2‬النعماف‪ :‬المجالس كالمسايرات‪.530 ،‬‬
‫‪(3) Golvin;L : Op cit, p52.‬‬
‫(‪ )4‬الداعي إدريس‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪ .30-28‬ابف عذارػ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.168‬‬
‫(‪ ) 5‬ذكر صاحب كتاب أخبار ممكؾ بني عبيد أف المنصكر كتب إلى أبى يعقكب ابف خميل فأتاه بخمس كعشريف مركبا‬
‫كصل بيا إلى مرسى الدجاج كتمادؼ عمى حصاره ألبى يزيد كمحاربتو‪ ،‬ابف حماد‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )6‬الداعي إدريس‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.357‬‬
‫‪217‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كلقد اعتمد الجيش الفاطمي في ببلد المغرب عمى أساليب قتالية تقميدية كذلؾ حينما كاف قميل‬
‫العدد مف تكسيع نطاؽ عممو في البداية كي يفرؽ عنو قكات الخصـ فاتبع أسمكب الكر كالفر(‪ .)1‬كعندما‬
‫تطكرت مختمف األسمحة كتكفرت لديو‪ ،‬أصبح يسمؾ في قتالو أسمكب المكاجية كالحصار كحفر الخنادؽ‬
‫كتقسيـ الجيش عند القتاؿ إلى فرؽ‪ ،‬كبذلؾ برىف عف مدػ فيمو لبلستراتيجية العسكرية كلما اشتد ساعد‬
‫‪.‬‬
‫ىذه الدكلة في كل المياديف تطكر معيا األجيزة العسكرية‬
‫كما تنكعت األسمحة الثقيمة في عيد الفاطمييف مف المجنيقات كالدبابات التي تستعمل لنقب‬
‫األسكار كاقتحاـ مراكز العدك أك محاصرتو(‪ ،)2‬كمف أسمحة الحصار أيضا الستائر كاألبراج(‪ .)3‬أما األسمحة‬
‫الخفيفة التي استعمميا الجيش الفاطمي فإنيا متنكعة ككانت في مقدمتيا السيكؼ‪ ،‬كىي أنكاع منيا‬
‫المسقكلة كتعرؼ بالصماـ‪ ،‬كالمحدبة(‪ .)4‬كأيضا تكفرت الدركع كالتركس لمكقاية مف ضربات العدك(‪،)5‬‬
‫كأنشأ الفاطميكف مصانع حربية لصنع ىذه األسمحة في المدف الرئيسية مثل الميدية كالقيركاف كصبرة(‪.)6‬‬
‫كما لـ يعتمد الفاطميكف في حركبيـ عمى حد السبلح بل تنكعت كسائميـ في صد خصكميـ‪،‬‬
‫كفق مقدمتيا سبلح الحرب النفسية في كثير مف معاركيـ داخميا كخارجيا‪ ،‬كذلؾ في بث البمبمة كاثارة‬
‫الشككؾ بيف صفكؼ الخصـ‪.‬كما استعمل الفاطميكف أيضا عنصر الماؿ في حركبيـ مف أجل شراء الذمـ‬
‫كتفريق الصفكؼ‪ ،‬كمعرفة أسرارىا كلبلطبلع عمى جكانب قكتو كضعفو مثل ما فعل المنصكر حياؿ ثكرة‬
‫أبى يزيد فقد اعتمد عمى الماؿ بالدرجة األكلى(‪ ،)7‬كاستعمل المعز أيضا أسمكب التخذيل كزرع البمبمة بيف‬
‫صفكؼ الخصـ حيث قضى عمى ثكرة الخكارج الكىابية سنة ‪358‬ىػ‪969/‬ـ بفضل الرشكة كالدس بيف‬
‫جماعة قبيمة مزاتة(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬القاضي المصدر السابق‪ ،‬النعماف‪ :‬االفتتاح‪ ،‬ص‪.102-101-100‬‬


‫(‪ )2‬الداعي إدريس‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.360‬‬
‫(‪ )3‬ماجد‪ ،‬نظم الفاطميين ورسوميم في مصر ‪ ،‬القاىرة ‪ ،1953‬ج‪ ،1‬ص‪ .218‬أحمد المختار العبادؼ كالسيد عبد‬
‫العزيز سالـ‪ :‬تاريخ البحرية اإلسبلمية‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫(‪)4‬عبد المنعـ ماجد‪ :‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .211‬حسف إبراىيـ حسف كطو أحمد شرؼ‪ :‬المعز لديف هلل‪ ،‬ص‪.158‬‬
‫(‪ )5‬أحمد المختار العبادؼ كالسيد عبد العزيز سالـ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )6‬البكرؼ‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .25‬المقريزؼ‪ :‬الخطط‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .289‬االتعاظ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .90‬المقدسي‪ :‬المصدر‬
‫السابق‪ ،‬ص‪ .226‬ابف حكقل‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪ .84‬التجاني‪ :‬رحمتو‪ ،‬ص‪.323-322‬‬
‫(‪ )7‬الداعي إدريس‪ :‬المصدر السابق‪.367 ،‬‬
‫(‪ )8‬الدرجيني‪ :‬طبقات االباضية‪ :‬ج‪.337 ،1‬‬
‫‪218‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كخبلصة القكؿ‪ ،‬أف سياسة الفاطمييف العسكرية ال يمكف أف نفصميا عف المياديف األخرػ‪ ،‬فحيف‬
‫كضعكا قكاعد جيازىـ العسكرؼ ضاعفكا مف نشاطيـ الحربي محميا كخارجيا‪ ،‬كما لـ يقتصر دكره في رد‬
‫اليجكمات فقط بل حاكلكا كسب مراكز جديدة‪ ،‬ككاف ىدؼ الفاطمييف مف ىذه السياسة تككيف إمبراطكرية‬
‫قكية ذات قكاعد عسكرية برية كبحرية ألخذ زماـ المبادرة عند التكسع كحماية سمطانيـ مف كل خطر بعيد‬
‫كاف أك قريب‪.‬‬
‫كىذه السياسة جعمتيـ يكلكف عناية كبيرة بتنمية قكاتيـ البرية كأساطيميـ البحرية عمى السكاء‪ ،‬مف‬
‫حيث تدريبيـ عمى مختمف فنكف القتاؿ المعاصرة كتييئتيـ تييئة جيدة مف العدد كالعدة‪ ،‬فضبل عف‬
‫أغداقيـ باألمكاؿ كاليبات كاقطاعيـ اإلقطاعات الكاسعة بقصد بعث ركح الحماس في نفكسيـ‪ ،‬كمما ال‬
‫شؾ فيو أف مثل ىذه المجيكدات تتطمب أمكاال كثيرة األمر الذؼ جعل الفاطمييف يعممكف عمى تنكيع‬
‫مكاردىـ المالية‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع الحديثة‪:‬‬
‫‪ -1‬المصادر‪:‬‬
‫(‪ )1‬ابف أبى دينار‪ :‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬تحقيق دمحم شماـ تكنس‪.1967 ،‬‬
‫(‪ )2‬ابف األبار القضاعي‪ :‬الحمة السيراء‪ ،‬تحقيق حسيف مؤنس‪ ،‬القاىرة – ‪.1963‬‬
‫(‪ )3‬ابف األثير الشيباني‪ :‬الكامل في التاريخ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبك الفداء عبد هلل القاضي‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪،‬‬
‫‪.1987‬‬
‫(‪ )4‬ابف الخطيب‪ :‬أعمال اإلعالم فبمن بويع قبل االحتالم من مموك اإلسالم – نشر أحمد مختار العبادؼ كدمحم‬
‫إبراىيـ – الكتاني تحت عنكاف تاريخ المغرب في العصر الكسيط – دار البيضاء‪.1964 ،‬‬
‫(‪ )5‬ابف تغرػ بردؼ‪ :‬النجوم الزاىرة في مموك مصر والقاىرة‪ ،‬القاىرة ‪.1963،‬‬
‫(‪ )6‬ابف حماد‪ :‬أخبار مموك بني عبيد‪ ،‬تحقيق‪ ،‬عبد الحميـ عكيس‪ ،‬دار الصحكة‪ ،‬القاىرة‪.1980 ،‬‬
‫(‪ )7‬ابف خمدكف‪ :‬كتاب العبر كديكاف المبتدأ كالخبر‪ ،‬بيركت‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬ابف عذارػ‪ :‬البيان المغرب في أخبار بالد المغرب واألندلس‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬تكنس‪.2013 ،‬‬
‫(‪ )9‬تقي الديف المقريزؼ‪ :‬اتعاظ الحنفا بأخبار األئمة الفاطمييف الخمفا‪ ،‬تحقيق‪ :‬جماؿ الديف الشياؿ‪ ،‬القاىرة‪.1967 ،‬‬
‫جكذر‪ :‬سيرة جوذر‪ :‬سيرة األستاذ جكذر تحقيق دمحم عبد الياؼ شعيرة‪ ،‬كدمحم كامل حسف‪ ،‬القاىرة‪،‬‬ ‫(‪)01‬‬
‫‪.1954‬‬
‫الداعي إدريس‪ :‬أخبار الخمفاء الفاطميين في بالد المغرب – القسم الخاص من كتاب عيون األخبار‪،‬‬ ‫(‪)11‬‬
‫تحقيق‪ :‬دمحم اليعبلكؼ‪ ،‬دار الغرب اإلسبلمي‪ ،‬بيركت‪.1985 ،‬‬
‫الطبرؼ‪ :‬تاريخ الرسل والمموك‪ ،‬القاىرة ‪،1939‬ج‪ ،8‬عريب بف سعد‪ :‬صمة تاريخ الطبرؼ‪ ،‬القاىرة دار‬ ‫(‪)12‬‬
‫االستقامة ‪1358‬ىػ‪1939/‬ـ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫القاضي النعماف‪ :‬االفتتاح الدعوة‪ ،‬الشركة التكنسية لمتكزيع‪ ،‬تكنس‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪،‬‬ ‫(‪)13‬‬
‫الجزائر‪.1986 ،‬‬
‫‪ :...............‬المجالس والمسايرات‪ ،‬تحقيق‪ :‬الحبيب الفقي‪ ،‬كابراىيـ شبكح‪ ،‬دمحم اليعبلكؼ‪ ،‬دار‬ ‫(‪)14‬‬
‫المنتظر‪ ،‬بيركت‪.1996 ،‬‬
‫القمقشندؼ‪ :‬صبح األعشى في صناعة اإلنشاء‪ ،‬القاىرة ‪.1922‬‬ ‫(‪)15‬‬
‫‪ -2‬المراجع والمقاالت الحديثة‪:‬‬
‫أحمد بف دمحم المقرؼ التممساني‪ :‬نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب‪ ،‬تحقيق‪ :‬إحساف عباس‪ ،‬دار‬ ‫(‪)16‬‬
‫صادر‪ ،‬بيركت‪.1968 ،‬‬
‫أحمد مختار العبادؼ‪ :‬سياسة الفاطميين نحو المغرب واألندلس‪ :‬صحيفة معيد الدراسات اإلسبلمية‬ ‫(‪)17‬‬
‫في مدريد مجمد ‪ ،5‬عدد‪ .2-1‬سنة ‪.1957‬‬
‫أرشيبالدر لكيس‪ :‬القوى البحرية والتجارية في حوض البحر األبيض المتوسط‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد دمحم‬ ‫(‪)18‬‬
‫عيسى‪ ،‬دمحم شفيق غرباؿ‪ ،‬مؤسسة فرنكميف لمطباعة كالنشر‪ ،‬القاىرة‪.1960 ،‬‬
‫حسف إبراىيـ حسف‪ ،‬طو أحمد شرؼ‪ :‬المعز لدين هللا الفاطمي‪ ،‬القاىرة‪.1948 ،‬‬ ‫(‪)19‬‬
‫السيد عب د العزيز سالـ‪ :‬كمختار العبادؼ‪ :‬تاريخ البحرية اإلسبلمية‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،‬بيركت‪،‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫‪.1969‬‬
‫عبد المنعـ ماجد‪ ،‬نظم الفاطميين ورسوميم في مصر‪ ،‬القاىرة ‪.1953‬‬ ‫(‪)21‬‬
‫دمحم صابر دياب‪ :‬سياسة الدول اإلسالمية في حوض البحر المتوسط من أوائل القرن الثاني اليجري‬ ‫(‪)22‬‬
‫حتى نياية العصر الفاطمي ط‪ 1‬القاىرة‪.1973 ،‬‬
‫دمحم يعمك‪ :‬شعراء معاصرون لمدولة الفاطمية‪ :‬حكليات الجامعية عدد ‪ ،10‬ص‪ .95‬كما بعدىا سنة‬ ‫(‪)23‬‬
‫‪.1973‬‬
‫محمكد إسماعيل عبد الرازؽ‪ :‬سياسة األغالبة الخارجية‪ ،‬القاىرة ‪.1972،‬‬ ‫(‪)24‬‬
‫مكسى لقباؿ‪ :‬أسرة ابن فالح الكتامة‪ ،‬مجمة كمية اآلداب‪ ،‬عدد ‪ 2‬سنة ‪1970.‬‬ ‫(‪)25‬‬
‫‪-3‬المراجع األجنبية‪:‬‬
‫)‪(26‬‬ ‫‪Dachraoui Ferhat : Le califate Fatimide au Maghreb 296-363/909-973‬‬
‫‪Histoire politique et institution Tunis 1981.‬‬
‫)‪(27‬‬ ‫‪Golvin (L) : Le Maghrib Central à l’époque des Zerides, Paris 1957.‬‬
‫)‪(28‬‬ ‫‪Laroui Abdallah : L’histoire du Maghreb- Un essai de synthèse, Paris 1975.‬‬
‫)‪(29‬‬ ‫;‪Marcel,Peyrouton:Histoire générale du Maghreb: Algérie-Maroc-Tunisie‬‬
‫‪des Origines à Nos Jours, Éditions Albin Michel. 1966. P86.‬‬
‫)‪(30‬‬ ‫‪Vonderheyden (M) : La berberie orientale sous la dynastie de Benou‬‬
‫‪Larlab, Paris 1927.‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫سكان مدينة القدس الشريف (البمدة القديمة) ‪1948-1900‬م‬


‫)‪The population of the Holy City of Jerusalem(Old Town‬‬
‫‪1900-1948.‬‬
‫د‪ .‬مروان دمحم االقرع‬
‫دكتىراة فً انتارٌخ انعثًاًَ‪ ،‬جايعت انًالٌا‪ ،‬وسارة انتعهٍى انعانً‪ ،‬فهسطٍٍ‪،‬‬
‫‪Dr. Marwan Mohammad alaqra‬‬
‫‪marwanaqra@gmail.com‬‬
‫الممخص‬
‫تدكر ىذه المقالة حكؿ سكاف مدينة القدس (البمدة القديمة) مف بداية القرف العشريف في عاـ ‪1900‬ـ‬
‫الى عاـ ‪1948‬ـ تاريخ خركج االحتبلؿ اإلنجميزؼ كتكلي المممكة األردنية الياشمية الحكـ عمى المدينة‪،‬‬
‫حيث تناكلت أصكؿ سكاف المدينة كحدكد البمدة القديمة كحاراتيا كعدد سكانيا خبلؿ تمؾ الفترة الزمنية‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬القدس‪ ،‬البمدة القديمة‪ ،‬اإلحصاء‪ ،‬الدكلة العثمانية‪.‬‬
‫‪ABSTRACT‬‬
‫‪This article revolves around the residents of the city of Jerusalem (the Old Town) from the‬‬
‫‪beginning of the 20th century (1900 - 1948 AD), the period of the left of the British‬‬
‫‪occupation; then the Hashemite Kingdom of Jordan taking over the city, It addressed the‬‬
‫‪origins of the population of the city, the borders of the old town besides its quarters and its‬‬
‫‪people during that period.‬‬
‫‪KEYWORDS: Jerusalem, Old town, Statistic, Ottoman Empire‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫يعكد السكاف في القدس إلى أصكؿ متنكعة‪ ،‬إذ كاف لؤلكضاع المتغيرة في المدينة أثر كبير في ىذا‬
‫التنكع الذؼ جعل السكاف يفدكف إلييا مف مختمف بقاع األرض‪ ،‬فأىمية المدينة الدينية جعمتيا محط أنظار‬
‫جميع أبناء الديانات السماكية‪ ،‬فكانت مكاناً محبباً لمسكف كلمحياة بالرغـ مف كجكد صعكبات كثيرة كنقص‬
‫المياه كتردؼ الحالة األمنية في كثير مف األحياف‪.‬‬
‫كلقد حرص المسممكف عمى زيارة المدينة لكجكد المسجد األقصى فييا؛ ألنيا أكلى القبمتيف كثالث‬
‫الحرميف كمف المساجد التي تشد الرحاؿ إلييا كحدثت فيو حادثة اإلسراء كالمعراج التي ربطت بيف المسجد‬
‫الحراـ كالمسجد األقصى‪ ،‬كىذا يفسر كجكد مسمميف مف مختمف المناطق اإلسبلمية في المدينة حتى أف‬
‫الطرؽ الصكفية الرئيسة كانت حريصة عمى كجكد مراكز صكفية ليا في المدينة‪ ،‬فكانت تستقطب‬
‫الصكفييف مف المغرب‪ 1‬كاليند‪ 1‬كأسيا الصغرػ‪ 2‬كأفغانستاف‪ 3‬ككثير منيـ استقر في المدينة‪ ،‬كليـ فييا‬

‫‪1‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،378‬القدس‪1889 – 1883 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪221‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫زكايا كحارات عرفت باسميـ‪ ،4‬كمما يذكر أف المسمميف كانكا يحرصكف عند أدائيـ الحج كالعمرة أف يأتكا‬
‫إلى المسجد األقصى كينطمقكا منو‪.‬‬
‫كأما النصارػ فكانكا يفدكف إلييا؛ لزيارة األماكف المقدسة عندىـ‪ ،‬كلقد حاكلكا احتبلليا كنجحكا في‬
‫ذلؾ كاستمركا في حكميا ‪ 88‬عاما إلى أف استطاع صبلح الديف األيكبي استرجاعيا منيـ‪ ،‬كظمكا‬
‫يحاكلكف احتبلليا إلى أف نجح اإلنجميز في ذلؾ بعد طرد العثمانييف في عاـ ‪1917‬ـ‪.‬‬
‫ككانت كل طائفة نصرانية تحرص عمى أف يككف ليا كجكد قكؼ في المدينة حتى تحافع عمى مكانتيا‬
‫كزعامتيا الدينية فمذلؾ نجد أف جميع الطكائف النصرانية كاف ليا أتباع ككنائس فييا‪ ،‬كالكثير ممف يفدكف‬
‫إلى المدينة يبقكف فييا كنكع مف إثبات الكجكد كلرعاية األماكف المقدسة التابعة ليـ‪.5‬‬
‫كبالنسبة إلى الييكد الذيف اشترط المسممكف عمى النصارػ عدـ سكنيـ لممدينة معيـ عند فتح‬
‫المسمميف لممدينة‪ ،‬فقد تسممكا بشكل فردؼ كبقي ليـ كجكد قميل‪ ،‬كتغير ىذا الحاؿ مع نشأة الحركة‬
‫الصييكنية التي دعت ييكد العالـ إلى القدكـ إلى المدينة كاستعمار فمسطيف كأرجعكا األمر إلى أسباب‬
‫دينية تكراتية‪ ،‬ك ّادعكا أف فمسطيف أرض الميعاد حيث كعدىـ هلل بيا؛ فمذلؾ أنشأكا بعض المستعمرات‬
‫خارج المدينة‪ ،‬كاشتركا بعض البيكت داخل المدينة‪ 6‬كاستغمكا حاجة السكاف كاصبلحات الدكلة العثمانية‬
‫التي سمحت لؤلجانب بالتممؾ في مناطقيا‪.‬‬
‫كأدػ قربيا مف الجزيرة العربية إلى جعل القبائل العربية تفد إلييا كتستقر فييا‪ ،‬كما أدػ كقكعيا‬
‫عمى مقربة مف الطريق التجارؼ الذؼ يربط بيف ببلد الشاـ بمصر ككقكعيا بمحاذاة طريق قافمة الحج‬
‫الشامي بيف دمشق كالحجاز‪ ،‬أدت ىذا العكامل إلى جعل المدينة مكاناً جاذباً لمسكاف كشجعت عمى‬
‫استقرار مجمكعات متنكعة منيـ عمى مر العصكر كاألزمنة‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،364‬القدس‪1875 – 1874 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫‪2‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،384‬القدس‪1897 – 1891 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.159‬‬
‫‪3‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،383‬القدس‪1895 – 1890 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫‪4‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ ،‬القدس‪ ،378 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫‪5‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،360‬القدس‪1873 – 1871 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.253‬‬
‫‪6‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬القدس‪ ،364 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪7‬‬
‫رافق‪ ،‬عبد الكريم‪ .‬فمسطين في عيد العثمانيين‪ .‬ط‪ .1‬دمشق‪ :‬مطبعة الميتديف‪1984 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.918‬‬
‫‪222‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كأدػ االحتبلؿ الصميبي لفمسطيف إلى حدكث تغير كبير في السكاف حيث قاـ الصميبيكف بقتل عدد‬
‫كبير مف سكاف المدينة‪ ،‬كقامكا بإحبلؿ سكاف فرنجة مكانيـ حيث بقي ىذا األمر إلى أف قاـ صبلح الديف‬
‫بتحرير المدينة كطرد السكاف الفرنجة منيا حيث اشترط عمييـ العكدة إلى بمدانيـ التي جاءكا منيا كسكف‬
‫القدس عدد كبير ممف كاف معو في جيشو‪.‬‬
‫كأظيرت السجبلت كالكثائق العثمانية كصفاً مختمفاً لمف سكف المدينة خبلؿ فترة الدراسة فكانت أحيانا‬
‫تصف السكاف باألىالي‪ 1‬كىذا الكصف كاف ينطبق عمى المسمميف كالنصارػ كالييكد الذيف كانكا مكجكديف‬
‫في المدينة منذ القدـ كأحيانا كانت تصفيـ بالمتكطنيف‪ . 2‬ككانت تقصد بيذا الكصف الذيف سكنكا المدينة‬
‫كعاشكا فييا مف جنسيات مختمفة‪ ،‬كفي العادة كانكا مف الييكد الذيف كانكا يحممكف جنسيات أكركبية‬
‫كأمريكية‪ 3‬كأحيانا كانت تقكؿ عف السكاف أنيـ مكجكدكف في المدينة عف طريق المسافرة كىذا األمر‬
‫خاص بالزكار كالحجاج كالتجار‪ 4‬كالمكظفيف الذيف يقيمكف فييا لفترة زمنية بسيطة تنتيي مع انتياء ما‬
‫جاؤكا ألجمو‪.‬‬
‫البمدة القديمة‬
‫تبمغ مساحة المدينة ‪ 871‬ألف ـ‪2‬؛ كىي مربعة الشكل‪ ،‬كمكجكدة داخل السكر الذؼ أعاد بنائو‬
‫السمطاف العثماني سميماف القانكني‪ ،5‬كتقع المدينة عمى منطقة جبمية مرتفعة‪ ،‬كيحيط بيا أكدية سحيقة مف‬
‫مف ثبلث جيات "الشرقية كالجنكبية كالغربية"‪ ،‬كمحاطة مف جميع الجيات بسكر مرتفع‪ ،‬كىذا جعل مسألة‬
‫تكسع المدينة أم ار في غاية الصعكبة‪ .‬كمنذ أكاسط القرف التاسع عشر كانت المدينة محصكرة داخل‬
‫النطاؽ الجغرافي الذؼ كاف لو أثر كبير في ضيق مساحتيا‪ ،‬كزاد مف صعكبة األمر كجكد سكر يحيط بيا‬
‫مف جميع الجيات يحتكؼ عمى سبع بكابات‪ :‬مف الشرؽ باب األسباط‪ ،‬كمف الشماؿ باب الساىرة كالعمكد‪،‬‬
‫كمف الشماؿ الغربي الباب الجديد‪ ،‬كمف الغرب باب الخميل‪ ،‬كمف الجنكب باب النبي داكد كباب المغاربة‪،‬‬
‫ككانت ىذه األبكاب تفتح عند بزكغ الفجر كتغمق عند غركب الشمس‪ ،‬كتتككف المدينة مف حارات كاف‬

‫‪1‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ ،‬القدس‪ ،383 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪2‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ ،‬القدس‪ ،383 ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.112‬‬
‫‪3‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،382‬القدس‪1891 – 1890 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.215‬‬
‫‪4‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،369‬القدس‪1880 – 1879 ،‬ـ‪ ،‬جمعية احياء التراث‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪5‬العارؼ‪ .‬المفصل في تاريخ القدس‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.190‬‬
‫‪223‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪5‬‬
‫يطمق عمييا "محبلت" كىذه الحارات ىي‪ :‬باب العامكد‪ 1‬كباب حطة‪ 2‬كالشرؼ‪ 3‬كالمغاربة‪ 4‬كباب السمسمة‬
‫كالكاد‪ 6‬كالنصارػ‪ 7‬كاألرمف‪ 8‬كالييكد‪ 9‬ك سيدنا داككد عميو السبلـ‪ ،10‬كظل ىذا األمر سائدا إلى أف بدأ‬
‫بدأ الناس يبنكف خارج السكر منذ العاـ ‪1858‬ـ‪ ،‬ككاف البناء في الجية الغربية في المدينة حيث تـ تنفيذ‬
‫‪ 24‬مشركعا عمرانيا‪ ،‬كمف األبنية التي بنيت في ىذه الفترة المجمع الركسي المعركؼ بالمسككبية كتـ بناء‬
‫كنائس كمدارس كمستشفيات كفنادؽ كقنصميات كبيكت‪ .‬كيبلحع أف معظـ النشاط العمراني الذؼ كجد في‬
‫ىذه الفترة كانت تقكـ بو الكنائس الغربية كالجمعيات الصييكنية‪ ،‬كتمثل ببناء المساكف السكنية مف أجل‬
‫استقباؿ المياجريف الجدد الذيف تدفقكا عمى المدينة‪ .‬كامتد ىذا األمر إلى شماؿ المدينة‪ ،11‬حيث أسست‬
‫في ىذه الفترة عدد مف الحارات التي كانت تنقسـ إلى قسميف‪ :‬قسـ خاص بالييكد الذيف أسسكا عدد مف‬
‫المستكطنات خارج المدينة مف أجل استقباؿ العدد المتزايد مف المياجريف الذيف قدمكا مف مختمف مناطق‬
‫العالـ كمف ىذه المستكطنات‪ :‬قكمبانية بيت إسرائيل‪12،‬كقكمبانية مايو شعاريـ‪ ،13‬كقكمبانية البخارية‪،14‬‬

‫‪1‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،361‬القدس‪1874 – 1873 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫‪2‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،373‬القدس‪1885 – 1883 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫‪3‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .364.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.254‬‬
‫‪4‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،368‬القدس‪1878- 1877 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.117‬‬
‫‪5‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،407‬القدس‪1912 – 1909 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.129‬‬
‫‪6‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .397.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.108‬‬
‫‪7‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .388.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.73‬‬
‫‪8‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،392‬القدس‪1899 – 1898 ،‬ـ ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.133‬‬
‫‪9‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .392.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.10‬‬
‫‪10‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .390.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.121‬‬
‫‪11‬‬
‫شكلش‪ ،‬الكزاندر‪ .‬تحوالت جذرية في فمسطين ‪1882 -1856‬م‪ .‬ترجمة كامل جميل العسمي‪ .‬ط‪ .2‬عماف‪ :‬الجامعة‬
‫األردنية‪1993 ،‬ـ‪ ،‬ص‪.147-146‬‬
‫‪12‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.126‬‬
‫‪13‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.72‬‬
‫‪14‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.72‬‬
‫‪224‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كرامكت‪ ،1‬كقكمبانية المجر‪ 2‬التي كانت تقع خارج المدينة مف جية باب العامكد‪ ،‬كقكمبانية مشكنكت‪،‬‬
‫كالراحمية‪ ،3‬كالمنتفيكرؼ‪ ،4‬كاليعقكبية‪ 5‬التي تقع خارج السكر مف جية باب الخميل‪ .6‬كأما القسـ الثاني فكاف‬
‫فكاف مف أجل استيعاب الزيادة السكانية حيث أصبحت حارات المدينة داخل السكر ال تتسع لعدد السكاف‬
‫‪12‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪10‬‬
‫كزاكية سيدنا داككد‬ ‫كالثكرؼ‬ ‫المتزايد حيث أنشئت حارات الشيخ جراح‪ 7‬كالشفا‪ 8‬كالمص اررة‪ 9‬كالمنشية‬
‫‪16‬‬
‫داككد‪ 12‬كالمسعكدية‪ 13‬كباب الساىرة‪ 14‬كالمحكمة‪ 15‬كالحبس‬
‫كالشماعة‪ 17‬كمأمف هلل‪ 18‬كالبقعة‪19‬كالشرافية‪ 20‬كالطالبية‪.21‬‬

‫‪1‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.46‬‬
‫‪2‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.16‬‬
‫‪3‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.73‬‬
‫‪4‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،402‬القدس‪1908 – 1907 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪5‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .402.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.46‬‬
‫‪6‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.113‬‬
‫‪7‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .397.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.199‬‬
‫‪8‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .397.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.197‬‬
‫‪9‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .397.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.199‬‬
‫‪10‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.93‬‬
‫‪11‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .400.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.95‬‬
‫‪12‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،405‬القدس‪1912 – 1908 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪13‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .405.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.39‬‬
‫‪14‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .405.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.64‬‬
‫‪15‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .409.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.84‬‬
‫‪16‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .414.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.85‬‬
‫‪17‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .414.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.12‬‬
‫‪18‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .414.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.115‬‬
‫‪19‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .409.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.20‬‬
‫‪20‬‬
‫سجبلت المحكمة الشرعية‪ .‬القدس‪ .409.‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.11‬‬
‫‪21‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،415‬القدس‪1922 – 1915 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪225‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كأما الجية الشرقية كالجنكبية فصعكبة التضاريس لـ تجعل األمر ممكنا‪ ،‬إذ تـ ىذا التكسع في البناء؛‬
‫ليمبي حاجة السكاف المتزايدة‪ ،‬كبذلؾ أصبحت بكابات المدينة تفتح ليل نيار‪.1‬‬
‫رسم توضيحي ‪ :1‬مدينة بيت المقدس عام ‪1850‬م‪.2‬‬

‫في ىذا الرسـ تظير الطبيعة السكانية التي كانت مكجكدة في المدينة في العاـ ‪1850‬ـ حيث المكف‬
‫األصفر الذؼ يشمل المسمميف كالنصارػ كالمكف األزرؽ الذؼ يشمل حارة الييكد التي لـ تكف تتجاكز ‪%5‬‬
‫مف مساحة مدينة بيت المقدس العثمانية‪.‬‬
‫تعداد السكان‬
‫تعد ىذه الفترة الزمنية التي عايشتيا المدينة مف أىـ الفترات التي كاف ليا دكر بارز في رسـ الصكرة‬
‫المستقبمية التي آلت إلييا أكضاع المدينة‪ ،‬فعدد السكاف في العادة يخضع لعدد مف المحددات المكضكعية‬
‫التي تتحكـ في طبيعة عدد السكاف مف حيث الزيادة كالنقص‪ ،‬كفي ىذه الدراسة ال يمكف لمباحث إخضاع‬
‫ىذه المحددات المكضكعية لبياف عدد السكاف؛ بسبب كجكد كثير مف اإلشكاليات التي فرضتيا األىمية‬
‫الدينية لبيت المقدس عند أتباع األدياف السماكية الثبلثة؛ بل إف ىذا األمر يتعدػ في كثير مف األحياف‬
‫إلى أتباع الديف الكاحد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫العارؼ‪ .‬المفصل في تاريخ القدس‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.174‬‬
‫‪2‬‬
‫مصطفى‪ ،‬كليد‪ .‬القدس سكاف كعمراف ‪ 1850‬إلى ‪1996‬ـ‪ .‬ط‪ .1‬القدس‪ :‬مركز القدس لؤلعبلـ كاالتصاؿ‪1997 ،‬ـ‪.‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫‪226‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كتكجد إحصائيات عديدة قامت بيا جيات متعددة مثل الجيات الرسمية العثمانية‪ ،‬كبعض القنصميات‬
‫األجنب ية كبعض الرحالة‪ ،‬كما يبلحع في ىذه اإلحصائيات تبايف العدد فييا بشكل كبير‪ ،‬كزيادة عدد‬
‫السكاف بشكل كبير جدا بحيث يستحيل خضكع ىذا اإلحصاء إلى العكامل الطبيعية في عدد السكاف‪ ،‬كىذا‬
‫األمر لو عبلقة باالستعمار الصييكني الذؼ ركز عمى مدينة بيت المقدس حيث ازداد عدد الييكد في‬
‫فمسطيف إلى ثبلثة أضعاؼ عما كاف عميو منذ عاـ ‪1874‬ـ ‪1‬كذلؾ لما تمثمو المدينة مف قيمة تاريخية‬
‫كدينية قامت عميو معظـ الفرضيات الصييكنية في أحقيتيـ التاريخية في فمسطيف‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اإلحصاء العثماني‪:‬‬
‫كانت الدكلة العثمانية تعتمد في إحصائيا لمسكاف عمى إحصاء عدد الخانات "البيكت" كىذا األمر‬
‫يرجع إلى الضرائب كفرضيا عمى السكاف كبسبب ىذا األمر ىناؾ شككؾ تثار حكؿ صحة ىذه‬
‫اإلحصائيات بسبب تيرب السكاف مف إحصائيـ بسبب الضرائب التي كانت تفرض عمييـ كالتجنيد‬
‫اإلجبارؼ الذؼ كانكا يساقكف إلى الحركب المشتعمة التي كانت الدكلة العثمانية تخكضيا في مختمف‬
‫مناطق الدكلة‪.‬‬
‫‪ : -1‬إحصاء عام ‪1872‬م‪.‬‬
‫يعد اإلحصاء السكاني الشامل الذؼ قامت بو الدكلة العثمانية في عاـ ‪1872-1871‬ـ مف أىـ‬
‫اإلحصائيات الرسمية التي شممت كل فمسطيف كيرجع إلييا الباحث‪ ،‬حيث كرد ىذا اإلحصاء في سالنامة‬
‫كالية سكرية التي كانت المدينة تتبع إداريا ليا‪ ،‬كقد اعتمد ىذا اإلحصاء عمى الخانات كبيف عدد الخانات‬
‫بالنسبة لمطكائف المختمفة‪.2‬‬

‫‪1‬‬
‫مناع‪ ،‬عادؿ‪ ،‬تاريخ فمسطيف في أكاخر العيد العثماني ‪1918 – 1700‬ـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1999‬ـ‪.222 ،‬‬
‫‪ 2‬سالنامة والية سورية‪ ،‬ع ‪ ،1289‬إسطنبول‪ ،‬دار سعادات‪1871،‬م ‪ ،‬ص‪.149‬‬
‫‪227‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫جدول ‪ :1‬اإلحصاء السكاني العثماني في عام ‪1872‬م‬

‫عدد السكاف‬ ‫العدد "الخانات"‬ ‫المجمكعة‬


‫‪6150‬‬ ‫‪1025‬‬ ‫المسممكف‬
‫‪1794‬‬ ‫‪299‬‬ ‫الركـ‬
‫‪1074‬‬ ‫‪179‬‬ ‫البلتيف‬
‫‪1050‬‬ ‫‪175‬‬ ‫األرمف‬
‫‪106‬‬ ‫‪18‬‬ ‫الكاثكليؾ‬
‫‪96‬‬ ‫‪16‬‬ ‫البركتستانت‬
‫‪264‬‬ ‫‪44‬‬ ‫األقباط‬
‫‪42‬‬ ‫‪7‬‬ ‫السرياف‬
‫‪3780‬‬ ‫‪630‬‬ ‫الييكد‬

‫كيبمغ عدد الخانات في ىذا اإلحصاء ‪ 2393‬خانة كلقد تباينت اآلراء حكؿ العدد الصحيح الذؼ‬
‫تتضمنو كل خانة كلقد ذكر الكزاندر شكلش في كتابو "تحكالت جذرية" ىذه التباينات بيف بعض المؤرخيف‬
‫حيث ذكر بعضيـ بأف الرقـ ‪ 5‬ىك الرقـ الصحيح لمتكسط عدد األسر في ذاؾ الكقت‪ ،‬كذكر بعضيـ‬
‫الرقـ ‪ 4‬كىذا رقـ منخفض لمتكسط عدد األسر في تمؾ الفترة‪ ،‬كرجح شكلش الرقـ ‪ 6‬كاعتبره األقرب الذؼ‬
‫يراعي متكسط عدد األسر في تمؾ الفترة‪ ،1‬كعميو فاف االعتماد عمى نظرية شكلش في حساب متكسط عدد‬
‫السكاف بالنسبة لمخانات يظير أف عدد سكاف بيت المقدس حسب ىذا اإلحصاء يبمغ ‪ 14358‬نسمة‪.‬‬
‫كيمكف تقسيـ العدد إلى ثبلث مجمكعات رئيسة‪:‬‬
‫جدول ‪ :2‬عدد سكان بيت المقدس في عام ‪1872‬م‬
‫العدد "سكاف"‬ ‫العدد "خانة"‬ ‫المجمكعة‬ ‫الرقـ‬
‫‪6150‬‬ ‫‪1025‬‬ ‫المسممكف‬ ‫‪1‬‬
‫‪4428‬‬ ‫‪738‬‬ ‫المسيحيكف‬ ‫‪2‬‬
‫‪3780‬‬ ‫‪630‬‬ ‫الييكد‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫شكلش‪ ،‬تحكالت جذرية في فمسطيف ‪1882 -1856‬ـ‪ ،‬مرجع سابق‪.37-36 ،‬‬
‫‪228‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كتبمغ نسبة المسمميف كفق ىذا اإلحصاء ‪ %42.83‬كالمسيحييف ‪ %30.84‬كالييكد ‪.%26.33‬‬


‫‪ -2‬إحصاء ‪:1879‬‬
‫كفي احصاء سكاني صادر عف مأمكر تحرير أمبلؾ كنفكس قدس شريف بمغ عدد سكاف المدينة مع‬
‫القرػ المحيطة بيا ‪ 27787‬نسمة منيـ ‪ 21608‬مف المسمميف اليف شكمكا ‪ %77.76‬مف مجمكع‬
‫عدد السكاف ك ‪ 6179‬نسمة مف النصارػ كالييكد الذيف بمغكا ‪ %22.24‬مف مجمكع السكاف‪.1‬‬

‫‪ -3‬كفي إحصاء عاـ ‪1905‬ـ كالذؼ قامت بو الدكلة العثمانية كسجل في دفتر النفكس كانت أعداد‬
‫السكاف كفق الجدكؿ اآلتي‪:2‬‬
‫جدول ‪ :3‬عدد سكان بيت المقدس في عام ‪1905‬م‪.‬‬
‫العدد‬ ‫المجمكعة‬ ‫الرقـ‬
‫‪11000‬‬ ‫المسممكف‬ ‫‪1‬‬
‫‪8000‬‬ ‫المسيحيكف‬ ‫‪2‬‬
‫‪13400‬‬ ‫الييكد‬ ‫‪3‬‬

‫كبمغ مجمكع السكاف كفق ىذا اإلحصاء ‪ 32400‬شخص‪ ،‬كىذا العدد يزيد بنسبة تفكؽ الزيادة‬
‫الطبيعية بشكل كبير جدا‪ ،‬فبل يمكف تفسيره بزيادة اليجرة الييكدية إلى المدينة كحسب‪ ،‬ألف الزيادة شممت‬
‫أيضا المسمميف كالنصارػ‪ ،‬كلكف يمكف تفسيرىا بشمكؿ اإلحصاء المناطق الييكدية المحيطة في المدينة‬
‫كالتي كانت في فترات زمنية سابقة خارج التعدادػ‪ ،‬كجاء في نفس الدفتر أف عدد سكاف قضاء القدس ‪111‬‬
‫ألف نسمة منيـ ‪ 68‬الف مسمـ ك ‪ 29‬الف نصراني ك ‪ 14‬ييكدؼ‪ 3‬كىذه االعداد تبيف أف عدد الييكد‬
‫يشمل مدينة القدس كما حكليا مف مستعمرات كأحياء‪.‬‬
‫كيعتبر اإلحصاء العثماني الرسمي دقيقا إلى حد ما حيث شرعت الدكلة العثمانية منذ بداية‬
‫الخمسينيات مف القرف التاسع عشر في تعييف مكظف عرؼ بمأمكر النفكس‪ ،‬ككانت ميمتو باإلضافة إلى‬
‫تعداد السكاف منح أذكنات السفر كتسجيل الكفيات بحسب األصكؿ المتبعة بالدكلة‪ ،4‬كاىتمت بو ألنو‬

‫‪1‬‬
‫أكراؽ قصر يمدز العمكمية‪ ،‬إسطنبكؿ‪y.prk.um.4.3. ،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪‎‬صالحية‪ ،‬دمحم عيسى‪ ،‬مدينة القدس السكاف األرض ‪1948 -1858‬ـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مركز الزيتكنة لمدراسات كاالستشارات‪،‬‬
‫ط‪2009 ،1‬ـ‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫‪3‬‬
‫دفتر مسكدة النفكس‪ ،‬أرشيف دكلة أسرائيل‪ ،‬دفتر ‪ ،1،2‬ص ‪.269-1‬‬
‫‪4‬‬
‫نكفل‪ ،‬نعمة هلل أفندؼ‪ .‬الدستور‪ .‬ط‪ .1‬بيركت‪ :‬المطبعة األدبية‪1883 ،‬ـ ‪ ،1‬ص‪.404‬‬
‫‪229‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يترتب عميو التزامات مالية كاجبة الجباية كالتحصيل كالسداد كىذا األمر جعل الجيات الرسمية حريصة‬
‫كل الحرص عمى تسجيل العدد الحقيقي لمسكاف كذلؾ حتى ال يتيرب أحد مف الضرائب كالجزية التي‬
‫كانت تفرض عمى الييكد كالمسيحييف‪.1‬‬
‫إف التبايف بيف اإلحصاءات العثمانية المختمفة كعدـ خضكعيا لمزيادة في النمك الطبيعي لمسكاف‪،‬‬
‫يجعمنا نبحث عف األسباب التي أدت إلى حدكث ىذا التبايف بعد استقرار الحالة األمنية في المدينة‬
‫كقضاء الدكلة العثمانية عمى حاالت التمرد كىجمات البدك‪ ،‬كتحسف األكضاع الصحية لمسكاف‪ ،‬كحتى مع‬
‫تدفق الييكد كزيادة اليجرة إلى المدينة مف مختمف دكؿ العالـ ال تجعل ىذا األمر طبيعيا؛ ألف ىناؾ تباينا‬
‫في العدد بالنسبة لممسمميف كالنصارػ‪ ،‬فالتبايف قد يفسر بسبب التجنيد اإلجبارؼ الذؼ فرضتو الدكلة عمى‬
‫المسمميف حيث اضطركا إلى اليركب مف المدينة أثناء حمبلت التجنيد إلى القرػ المجاكرة‪ ،‬كىناؾ أيضا‬
‫تفشي الرشكة لدػ مكظفي الدكلة العثمانية الذؼ استغمو األغنياء مف أجل التيرب مف التجنيد اإلجبارؼ‬
‫كذلؾ عف طريق عدـ تسجيل أسمائيـ في دفتر النفكس العثماني‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اإلحصاء اإلنجميزي‪:‬‬
‫كبعد االحتبلؿ االنجميزؼ لممدينة قامت سمطات االحتبلؿ في عاـ ‪1922‬ـ بإجراء إحصاء سكاني‬
‫شامل لجميع مدف فمسطيف حيث سعت مف خبللو الى تكريس الكجكد الييكدؼ كضغطت عمى المسمميف‬
‫كالنصارػ لمتطبيع مع الييكد‪ ،2‬قسمت حككمة االحتبلؿ المدينة الى بمدة قديمة كبمدة جديدة كجاء عدد‬
‫السكاف في البمدة القديمة عمى النحك اآلتي‪:3‬‬
‫جدول ‪ :4‬عدد سكان بيت المقدس في عام ‪1922‬م‪.‬‬
‫المجمكع‬ ‫إناث‬ ‫ذككر‬ ‫المجمكعة‬
‫‪9345‬‬ ‫‪4186‬‬ ‫‪5159‬‬ ‫المسممكف‬
‫‪7262‬‬ ‫‪3453‬‬ ‫‪3809‬‬ ‫النصارػ‬
‫‪5639‬‬ ‫‪2966‬‬ ‫‪2673‬‬ ‫الييكد‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الدركز‬
‫‪22247‬‬ ‫‪10605‬‬ ‫‪11642‬‬ ‫المجمكع‬

‫‪1‬‬
‫صالحية‪ ،‬مدينة القدس السكاف األرض ‪1948 -1858‬ـ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫‪2‬‬
‫الزعيـ‪ ،‬إبراىيـ‪" ،‬جيكد مسممي كمسيحي القدس في التصدؼ لممشركع الصييكني‪1988-1917 ،‬ـ"‪ ،‬مجمة المقدمة‪،‬‬
‫‪ ،2016 ،3954-2289‬ص‪.118‬‬
‫‪3‬‬
‫إحصاء نفكس فمسطيف لسنة ‪1922‬ـ‪ ،‬حككمة فمسطيف‪ ،‬جامعة النجاح الكطنية نابمس‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪230‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يظير في ىذا اإلحصاء أف المسمميف كانكا يمثمكف العدد األكبر مف السكاف بما يعادؿ ‪%42‬‬
‫كالنصارػ جاءكا بالمرتبة الثانية بنسبة ‪ %32.64‬كاما الييكد فبمغت نسبتيـ ‪ %25.34‬كىذا اإلحصاء‬
‫قريب بشكل كبير الى اإلحصاء العثماني الذؼ جرػ في عاـ ‪1872‬ـ كىك يؤكد أف سكاف المدينة قاكمكا‬
‫االغراءات كبقكا في مدينتيـ كمنازليـ عمى الرغـ مف كل التسييبلت التي قامت بيا سمطات االحتبلؿ‬
‫اإلنجميزؼ‪.‬‬
‫في عاـ ‪1931‬ـ قامت قكات االحتبلؿ اإلنجميزؼ بعمل إحصاء سكاني شامل لمدف كقرػ فمسطيف‬
‫كافة‪ ،‬كفرقت في ىذا اإلحصاء بيف سكاف البمدة القديمة في بيت المقدس كبيف االحياء الجديدة كما في‬
‫إحصاء عاـ ‪1922‬ـ كأظيرت ىذه األرقاـ زيادة عدد السكاف المسمميف كنقصاف الييكد كالنصارػ‪.‬‬
‫جدول ‪ :5‬عدد السكان في عام ‪1931‬م‪.1‬‬
‫المجمكع‬ ‫عدد االناث‬ ‫عدد الذككر‬ ‫المجمكعة‬
‫‪12201‬‬ ‫‪5543‬‬ ‫‪6658‬‬ ‫المسمميف‬
‫‪7759‬‬ ‫‪3831‬‬ ‫‪3928‬‬ ‫النصارػ‬
‫‪5222‬‬ ‫‪2718‬‬ ‫‪2504‬‬ ‫الييكد‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الديني‬
‫‪25183‬‬ ‫‪12092‬‬ ‫‪13091‬‬ ‫المجمكع‬

‫تبمغ نسبة المسمميف في ىذه اإلحصاء ‪ %48.5‬مف نسبة السكاف في المدينة كبينما تبمغ نسبة‬
‫النصارػ ‪ %30.8‬مف عدد السكاف كالييكد يشكمكف ‪ %20.7‬فقط‪ ،‬كعند مقارنة ىذا اإلحصاء مع‬
‫إحصاء ‪1872‬ـ الذؼ قامت بو الدكلة العثمانية كالذؼ شمل جميع مناطق فمسطيف نجد تقارب كبير بيف‬
‫اإلحصائيف فنسبة المسمميف في ‪1872‬ـ كانت ‪ %43‬أصبحت في ىذا التعداد ‪ %48.5‬كىذا االمر‬
‫يتماش ى مع طبيعة المسمميف الذيف تزداد نسبة المكاليد عندىـ كيبيف تمسؾ المسمميف في السكف في‬
‫مدينتيـ عمى الرغـ مف كل اإلجراءات كالعراقيل التي كانت تضعيا سمطات االحتبلؿ اإلنجميزؼ‪.‬‬
‫كفي عاـ ‪1947‬ـ كاف عدد سكاف البمدة القديمة ‪ 36‬الف نسمة ‪-‬كفق ما جاء في تقرير رفعو‬
‫االنجميز الى األمـ المتحدة – حيث بمغ العرب( المسممكف كالنصارػ) ‪ 33600‬كيمثمكف ‪ %93.3‬مف‬

‫‪1‬‬
‫إحصاء نفكس فمسطيف لسنة ‪1931‬ـ‪ .‬حككمة فمسطيف‪ ،‬جامعة النجاح الكطنية‪ ،‬نابمس‪ .‬ص‪.40‬‬
‫‪231‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫السكاف كالييكد ‪ 2400‬كيمثمكف ‪ %6.7‬مف السكاف‪ 1‬كىذه النسبة ىي األقل مف بيف جميع السنكات‬
‫بالنسبة لمييكد الذيف كانكا يفضمكف العيش في أماكف أكثر امنا كرغدا مف البمدة القديمة‪ ،‬كأدػ احتداـ‬
‫الصراع بيف الفمسطينييف كالييكد الى انكماش عدد السكاف نظ ار الى كجكد اغمبية عربية كعدـ قدرة قكات‬
‫االحتبلؿ اإلنجميزؼ عمى تكفير الحماية ليـ‪.‬‬
‫كمف المبلحع أف ىناؾ خمط مقصكد بيف البمدة القديمة كبيف المستعمرات الييكدية التي كانت‬
‫مكجكدة خارج السكر كاف ىناؾ إحصاءات حاكلت زيادة عدد السكاف الييكد كجعمتيـ أغمبية السكاف‪ ،‬مع‬
‫أف الكاقع الحياتي كالمعيشي الذؼ كاف سائدا في تمؾ الفترة يشير إلى غير ذلؾ‪ ،‬حيث إف المؤلف‬
‫الصييكني (أشير جنسبيرج) أشار إلى التكزيع السكاني كعدـ صدؽ االدعاءات الصييكنية مف أف فمسطيف‬
‫أرض خالية مف السكاف‪ ".‬انقضت أربعة أعكاـ عمى كتابة تمؾ العبارة‪ :‬أرض ببل شعب‪ ،‬كلكف حتى مف‬
‫كتبيا أصبح مرغما اآلف ليعترؼ بأف فمسطيف بحد ذاتيا مأىكلة بالسكاف‪ ،‬بل إف كثافة السكاف في قضاء‬
‫القدس ضعف كثافة السكاف في الكاليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إذ تبمغ ‪ 52‬نسمة في الميل المربع‪ ،‬كال‬
‫تتجاكز نسبة الييكد بينيـ ‪ ،%25‬عمينا أف نحضر أنفسنا إلخراج القبائل العربية منيا بالسيف‪ ،‬كما فعل‬
‫أجدادنا مف قبل كاال اضطررنا إلى التعايش مع مشكمة كجكد نسبة كبيرة مف الغرباء بيننا أغمبيـ دمحميكف‪،‬‬
‫كقد اعتادكا بغضنا عمى مر القركف"‪ ،2‬كلكف مع ىزيمة الدكلة العثمانية في الحرب العالمية األكلى تغيرت‬
‫النظرة كأصبحت الطريق معبدة إلنشاء كطف لمييكد في فمسطيف‪.3‬‬
‫إف التبايف الكبير بيف مختمف اإلحصائيات يدؿ عمى عمق المشكمة في دراسة عدد سكاف المدينة‬
‫كبيانيا خبلؿ تمؾ الحقبة الزمنية‪ ،‬فمعظـ اإلحصائيات ليا أىداؼ استعمارية حاكلت التقميل مف عدد‬
‫المسمميف كالمبالغة في عدد الييكد كىذا األمر يتكافق مع العبلقة التي كانت تربطيـ مع الحركة‬
‫الصييكنية التي حاكلت م ار اًر أف تركج لفكرة (أف أرضاً ببل شعب لشعب ببل أرض)‪ ،‬كىذا األمر اصطدـ‬
‫مع الكاقع الذؼ ّبيف بكل كضكح كجبلء أف فمسطيف كانت عامرة بالسكاف كالحياة‪ ،‬كبعد فشميـ في تمرير‬
‫ىذا األمر لجأكا إلى االدعاء أف الييكد كانكا يمثمكف األغمبية في المدينة‪ ،‬كاعتمدكا عمى إحصائيات تفيد‬
‫بيذا األمر‪ ،‬كقامكا بالتركيج لو كالتشكيؾ بصحة اإلحصاءات الرسمية العثمانية التي كانت ترسـ صكرة‬
‫مغايرة لما ذىبكا إليو‪ ،‬كيصف الكزاندر شكلش ىذه اإلحصائيات بأنيا معطيات رقمية مضحكة‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫العارؼ‪ .‬المفصل في تاريخ القدس‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.430‬‬
‫‪2‬صباغ‪ ،‬كاركؿ‪ .‬فمسطيف تاريخ شخصي‪ .‬ط‪ .1‬القاىرة‪ :‬المركز القكمي لمترجمة‪2015 ،‬ـ‪ .‬ص‪.121‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Nor, Mohd Roslan." PERANCANGAN ZIONIS KE ARAH PEMBENTUKAN NEGARA‬‬
‫‪.ISRAEL". Jurnal Usluddin, 30, 2009. p234‬‬
‫‪4‬‬
‫شكلش‪ .‬تحكالت جذرية في فمسطيف ‪1882-1856‬ـ‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص‪.51‬‬
‫‪232‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعند الحديث عف عدد سكاف مدينة القدس فإننا نتحدث عف البمدة القديمة التي تقع داخل السكر‪،‬‬
‫كعف الحارات الجديدة التي تأسست خارج السكر مع بداية القرف العشريف مف أجل تمبية احتياجات السكاف‬
‫الذيف لـ تعد المدينة داخل السكر تتسع ليـ‪ ،‬حيث أسست حارات الشفا كالمص اررة كالشيخ جراح كالمنشية‬
‫كالشيخ سعد كالثكرؼ كزاكية سيدنا نبي هلل داككد كالمسعكدية كمأمف هلل كالشماعة كالمحكمة‪ ،‬ككانت ىذه‬
‫الحارات مبلصقة ألسكار المدينة‪ ،‬كأسست لتمبية الزيادة الطبيعية لمسكاف ككاف يسكنيا مكاطنكف‬
‫عثمانيكف‪ ،‬ككاف التعداد السكاني العثماني يدخل ىذه الحارات ضمنو‪.‬‬
‫أما المستكطنات الييكدية التي كانت تقع قرب مف المدينة‪ ،‬ككانت تضـ ييكداً مف جنسيات‬
‫مختمفة كانت الدكلة العثمانية تتعامل معيـ بنكع مف البلمباالة حيث لـ تدخميـ ضمف التعداد‪ ،‬كلـ تتخذ‬
‫ضدىـ أية إجراءات عمما أنيـ كانكا يحممكف جنسيات دكؿ أخرػ‪ ،‬ككاف المكجكدكف فييا ييكدا‪ ،‬كلـ يكجد‬
‫معيـ مسممكف أك نصارػ‪ ،‬كمف األسباب التي أدت إلى كجكد ىذه المستكطنات في المدينة ضعف‬
‫الجياز اإلدارؼ العثماني حيث كانت الرشكة منتشرة‪ ،‬فكانكا يدفعكف لممسئكليف المحمييف مقابل السككت‬
‫كالتغاضي عف كجكدىـ كعف شرائيـ لؤلراضي كاقامة البيكت‪.‬‬
‫كبناء عمى ىذا األمر يمكف فيـ التبايف الكبير بيف التعداد الرسمي لمدكلة العثمانية الذؼ كاف‬
‫ً‬
‫يعترؼ فقط بداخل المدينة كاألحياء المرتبطة بو‪ ،‬كبيف اإلحصاءات األخرػ التي أدخمت المستكطنات‬
‫الييكدية في التعداد ككانت تيدؼ إلى زيادة عدد السكاف الييكد كجعميـ أغمبية السكاف‪ ،‬فمساحة حارة‬
‫الييكد داخل أسكار المدينة لـ تكف تتجاكز ‪ %5‬مف مساحة المدينة كمف الميـ ذكره أف السعة اإلجمالية‬
‫لممدينة في أقصى طاقاتيا ىي ‪ 40‬الف‪ ،‬كمف خبلؿ ىذه األمر نستطيع أف نفيـ المبالغة الكبيرة التي كاف‬
‫يقكـ بيا الييكد في زيادة أعدادىـ حيث أدعى بف أرييو أف عددىـ كاف داخل أسكار المدينة في عاـ‬
‫‪1916‬ـ حكالي‪ 16‬ألف ييكدؼ‪ ،‬كىذا العدد ال يمكف أف حقيقي ألف السعة الحقيقية لحارة الييكد ال يمكف‬
‫أف تبمغ مقدار ىذا العدد بأؼ صكرة مف الصكر‪.1‬‬
‫لقد راعت الدكلة الترتيب اإلدارؼ السائد في تمؾ الفترة كاعتبرت سكاف المدينة كياناً مستقبلً بذاتو عف‬
‫بقية المناطق فمذلؾ لـ تدخل قرػ القدس في تعداد المدينة مع العمـ أف بعضيا مف ناحية جغرافية أقرب‬
‫مف كثير مف المستكطنات كقرية سمكاف كالطكر التي احتفظت باستقبلليتيا اإلدارية كتميزىا السكاني ككاف‬
‫يكجد ليا مخاتير مستقميف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مصطفى‪ ،‬كليد‪ .‬القدس سكان وعمران من ‪1996 – 1850‬م‪ .‬ط‪ .1‬مركز القدس لئلعبلـ كاالتصاؿ‪ :‬القدس‪1997 ،‬ـ‪،‬‬
‫ص‪.38‬‬
‫‪233‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كأما بخصكص نسبة السكاف النصارػ فكانت تبمغ في عاـ ‪1872‬ـ ‪ %31‬بقيت كما ىي في ىذا التعداد‬
‫كىذا االمر يتماشى مع كاقع السكاف النصارػ الذيف انتقل بعضيـ الى السكف الى مناطق أخرػ‪ ،‬كاما‬
‫الييكد فكانكا في إحصاء ‪1872‬ـ يشكمكف ما نسبتو ‪ %26‬مف مجمكع السكاف أصبحكا في ىذا التعداد‬
‫‪ % 20.7‬كىذا االمر يتماشى مع الكاقع الذؼ كاف مكجكدا في البمدة القديمة حيث قمة الخدمات كالرعايا‬
‫الصحية حيث انتقل عدد كبير منيـ الى السكف في المستعمرات الييكدية خارج المدينة‪.‬‬
‫عند دراسة الكاقع السكاني في مدينة بيت المقدس يجد الباحث كـ ىائل مف المعمكمات المتناقضة كحكؿ‬
‫ىذا االمر كأسبابو يقكؿ أنطكنيكس جكرج في كتابو يقضة العرب" إف المؤرخ الذؼ يعمد لدراسة مشكمة‬
‫فمسطيف يجدىا محاطة بصعكبات خاصة‪ ،‬كأكلى الصعكبات أف المادة غزيرة جدًا مشتتة جداً‪ ،‬كثانيتيا‬
‫أنيا متضاربة متناقضة إلى حد كبير‪ ،‬كثالثة أف نسبة كبيرة منيا تبدك لدػ الفحص األكؿ مبلئمة مبشرة‬
‫بالخير فإذا بيا عندما تتنخل قائمة عمى افتراضات باطمة كمعمكمات مشككؾ فييا‪ ،‬كأخي اًر فإف االنفعاالت‬
‫التير أثارتيا فمسطيف قد ساعدت كثي اًر عمى إبياـ الحقيقة حتى أصبحت الكقائع مغمفة في ضباب‬
‫العكاطف كالخرافات كالدعايات‪ ،‬كىك ضباب كثيف يكاد المرء يعجز عف اختراقو"‪.1‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المصادر العربية‪.‬‬
‫إحصاء نفوس فمسطين لسنة ‪1922‬م‪ ،‬حككمة فمسطيف‪ ،‬جامعة النجاح الكطنية نابمس‪.‬‬
‫إحصاء نفوس فمسطين لسنة ‪1931‬م‪ .‬حككمة فمسطيف‪ ،‬جامعة النجاح الكطنية‪ ،‬نابمس‪.‬‬
‫أنطكنيكس‪ ،‬جكرج‪ .‬يقظة العرب تاريخ حركة العرب القومية‪ .‬ترجمة ناصر الديف األسد‬
‫كاحساف عباس‪ .‬ط‪ .8‬بيركت‪ :‬دار العمـ لممبلييف‪.1987 ،‬‬
‫أوراق قصر يمدز العمومية‪ ،‬إسطنبكؿ‪.y.prk.um.4.3 ،‬‬
‫رافق‪ ،‬عبد الكريـ‪ .‬فمسطين في عيد العثمانيين‪ .‬ط‪ .1‬دمشق‪ :‬مطبعة الميتديف‪1984 ،‬ـ‪.‬‬
‫دفتر مسودة النفوس‪ ،‬مركز التاريخ الفمسطيني‪ ،‬دفتر ‪.2،1‬‬
‫الزعيـ‪ ،‬إبراىيـ‪" ،‬جيود مسممي ومسيحي القدس في التصدي لممشروع الصييوني‪-1917 ،‬‬
‫‪1988‬م"‪ ،‬مجمة المقدمة‪.2016 ،3954-2289 ،‬‬
‫سالنامة والية سورية‪ ،‬ع ‪ ،1289‬إسطنبكؿ‪ ،‬دار سعادات‪1871،‬ـ‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،360‬القدس‪1873 – 1871 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث‬
‫كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،361‬القدس‪1874 – 1873 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت المقدس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أنطكنيكس‪ ،‬جكرج‪ .‬يقظة العرب تاريخ حركة العرب القكمية‪ .‬ترجمة ناصر الديف األسد كاحساف عباس‪ .‬ط‪ .8‬بيركت‪ :‬دار‬
‫العمـ لممبلييف‪ .1987 ،‬ص‪.512-511‬‬
‫‪234‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،364‬القدس‪1875 – 1874 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،368‬القدس‪1878- 1877 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،369‬القدس‪1880 – 1879 ،‬ـ‪ ،‬جمعية احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،373‬القدس‪1885 – 1883 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،378‬القدس‪1889 – 1883 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،382‬القدس‪1891 – 1890 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،383‬القدس‪1895 – 1890 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،384‬القدس‪1897 – 1891 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،392‬القدس‪1899 – 1898 ،‬ـ ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،402‬القدس‪1908 – 1907 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،405‬القدس‪1912 – 1908 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،407‬القدس‪1912 – 1909 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫سجالت المحكمة الشرعية‪ ،‬ع ‪ ،415‬القدس‪1922 – 1915 ،‬ـ‪ ،‬مؤسسة احياء التراث كالبحكث االسبلمية‪ ،‬بيت‬
‫المقدس‪.‬‬
‫صالحية‪ ،‬دمحم عيسى‪ ،‬مدينة القدس السكان األرض ‪1948 -1858‬م‪ ،‬بيركت‪ ،‬مركز الزيتكنة لمدراسات كاالستشارات‪،‬‬
‫ط‪2009 ،1‬ـ‪.‬‬
‫صباغ‪ ،‬كاركؿ‪ .‬فمسطين تاريخ شخصي‪ .‬ط‪ .1‬القاىرة‪ :‬المركز القكمي لمترجمة‪2015 ،‬ـ‪.‬‬
‫شكلش‪ ،‬الكزاندر‪ .‬تحوالت جذرية في فمسطين ‪1882 -1856‬م‪ .‬ترجمة كامل جميل العسمي‪ .‬ط‪ .2‬عماف‪ :‬الجامعة‬
‫األردنية‪1993 ،‬ـ‪.‬‬
‫مصطفى‪ ،‬كليد‪ .‬القدس سكان وعمران ‪ 1850‬إلى ‪1996‬م‪ .‬ط‪ .1‬القدس‪ :‬مركز القدس لؤلعبلـ كاالتصاؿ‪1997 ،‬ـ‪.‬‬
‫مناع‪ ،‬عادؿ‪ ،‬تاريخ فمسطين في أواخر العيد العثماني ‪1918 – 1700‬م‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة الدراسات الفمسطينية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1999‬ـ‪.‬‬
‫مصطفى‪ ،‬كليد‪ .‬القدس سكان وعمران من ‪1996 – 1850‬م‪ .‬ط‪ .1‬مركز القدس لئلعبلـ كاالتصاؿ‪ :‬القدس‪1997 ،‬ـ‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫نكفل‪ ،‬نعمة هلل أفندؼ‪ .‬الدستور‪ .‬ط‪ .1‬بيركت‪ :‬المطبعة األدبية‪1883 ،‬ـ ‪.1‬‬
‫ثانيا‪ :‬المراجع االجنبية‪.‬‬
‫‪- Nor, Mohd Roslan." PERANCANGAN ZIONIS KE ARAH PEMBENTUKAN NEGARA‬‬
‫‪ISRAEL". Jurnal Usluddin, 30, 2009. p234‬‬

‫‪236‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫القطاع المحفوظ وسبل التنمية في السياحية المستدامة الجزائر‬


‫‪sectors safeguarded as tools for sustainable tourism development in Algeria‬‬
‫الباحث الثاني‪ :‬األستاذ الدكتكر دمحم المطفى فيبلح‬ ‫الباحث األكؿ‪ :‬األستاذ ارمكلي ببلؿ‬
‫أستاذ العميـ العالي‬ ‫أستاذ باحث في مجاؿ دراسة المراكز كالمدف التاريخية القديمة‬
‫جامعة الجزائر ‪02‬‬ ‫جامعة الجزائر ‪ 02‬معيد اآلثار‬
‫‪irmoulib@gmail.com‬‬ ‫‪mfilahmos@gmail.com‬‬
‫الممخص‪:‬‬
‫يعد تراثا عمرانيا كل ما شيده اإلنساف مف مدف كقرػ كأحياء كمباف مع ما تتضمنو مف فراغات كمنشئات‬
‫ليا قيمة تاريخية أك عمرانية أك عممية أك ثقافية أك كطنية ‪،‬كاف امتد تاريخيا إلى فترة متأخرة ‪ ،‬كتشمل‬
‫مباني التراث العمراني القصكر كالمباني التاريخية كالقرػ كالتجمعات الحضرية كالريفية كاألحياء التراثية‬
‫‪،‬كمراكز المدف القديمة ‪،‬كيدخل في ذالؾ القبلع كاألبراج الدفاعية ‪،‬كالمساجد كاألسبمة كالمدارس كالحمامات‬
‫كما يشبييا مف مباف كاف تأسيسيا مرتبطا بأحداث تاريخية اك دينية أك اجتماعية أك اقتصادية أك أمنية أك‬
‫سياسية ‪ .‬كل ىذه األنماط كالطرز المعمارية نجدىا في الجزائر محمية بمكجب القانكف ‪ 98- 04‬المؤرخ‬
‫في ‪ 15‬جكاف ‪ 1998‬ـ أيف يعرؼ كيشرع طرؽ الحفاظ عمييا كسبل حمايتيا كفي األخير استحداثيا في‬
‫شكل قطاع محفكظ ‪ ،‬كمنذ ‪2005‬ـ تـ استحداث عشرة قطاعات محفكظة في الجزائر مف بينيا قصبة‬
‫الجزائر ‪،‬ىذه األخيرة التي صنفت تراثا عالميا منذ ‪ 1992‬ـ ‪ .‬كمف خبلؿ بحثنا ىذا سنحاكؿ اف نسمط‬
‫الضكء عمى القطاعات المحفكظة كتبياف سبل الحفاظ عمييا كاعادة تأىيميا ‪،‬ككيفية االستفادة منيا سياحيا‪،‬‬
‫بإعتبار حفع التراث كدعامة لمتنمية السياحية‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬المراكز التاريخية‪ ،‬الحفع‪ ،‬التنمية السياحية‪ ،‬االستدامة‪ ،‬القطاع المحفوظ‬
‫‪summary‬‬
‫‪The historic centers, these urban areas that survived the debacle of post-‬‬
‫‪industrial urbanization, represent the material expressions of the diversity of‬‬
‫‪societies throughout history and around the world. Witnesses of the past,‬‬
‫‪reflections of the cultural identity of societies, but rare, non-reproducible, they‬‬
‫‪are today considered as a heritage that needs to be protected for future‬‬
‫‪generations, but also to allow the harmonious development of current societies.‬‬
‫‪to better exploit its historic centers Algeria has set up a system for the protection‬‬
‫‪and enhancement of its centers by classification as safeguarded sectors and‬‬
‫‪follows as economic centers of heritage.‬‬
‫‪Keywords:‬‬
‫‪Historical centers, conservation, tourism development, sustainability.‬‬
‫‪safeguarded sectors.‬‬
‫‪237‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫المراكز التاريخية‪ ،‬ىذه التجمعات العمرانية التي تعاني مف الزحف العمراني كالصناعي ‪،‬حاممة لمتعبير‬
‫المادية كالتنكع الثقافي عبر التاريخ كالعالـ ‪،‬شاىدة عمى الماضي كعاكسة لميكية الثقافية لممجتمعات لكف‬
‫غالبا ما تككف ىذه التحكالت غير قابمة إلعادة اإلنتاج‪.‬اليكـ تعد المراكز التاريخية كتراث بحاجة لمحفع‬
‫كالحماية مف أجل األجياؿ القادمة‪ ،‬أيضا مف اجل تنمية متناغمة لممجتمعات الحالية‪.‬‬
‫كلفترات طكيمة كانت ىذه المراكز ميممة نظ ار لعدـ تكيفيا مع المتطمبات الكظيفية كالكاقع االجتماعي‬
‫لمنصف الثاني مف القرف العشريف كما اعتبرت كمدف عاجزة كمتخمفة غير مرغكب فييا ‪،‬اليكـ نجدىا تمفت‬
‫االنتظار بفعل الكعي التراثي المتنامي المتعمق أساسا بالحنيف الى الماضي ‪،‬الحاجة الى االرتباط باألصل‬
‫كاليكية في عالـ ال يعترؼ إال بما ىك جديد ‪،‬كيدفع بالمصالح العمكمية الى تسطير سياسات لؤلحياء‬
‫كاعادة التأىيل ‪،‬التي تيدؼ الى الحفع كالتثميف كاصبلح صكرة ىذه المراكز التراثية ‪ .‬إف مف أسباب‬
‫حماية ىذه المدف رغبة المبلييف مف السكاح زيارتيا ‪،‬كما أنيا مف بيف أىداؼ الميتميف بالتراث كاليكية‬
‫كالتاريخ ‪.‬‬
‫في مكاجية التجديدات الحاصمة في مجاؿ السياحة الثقافية ‪،‬تمثل السياحة بالنسبة الى ىذه المدف تكجيات‬
‫لمتنمية ال مثيل ليا ‪،‬كما أصبح أصحاب القرار في اإلدارة المحمية يعكلكف عمييا نظ ار لممردكدية السريع‬
‫ليذا القطاع‪ ،‬الذؼ يساعد في تنشيط االقتصاد ‪،‬لذا يخصص لو إمكانيات جد ميمة لغرض إعادة االعتبار‬
‫لتراثيـ كالتعريف باليكية الثقافية كطابعيا المتميز كالمنفرد ‪،‬التي يمكف تقديميا كمنتج سياحي كسط السكؽ‬
‫العالمية ‪.‬ككمصدر لمسياسات العمرانية كالتراثية كالعائدات كمناصب الشغل المحمية ‪،‬كتعد أيضا مؤش ار‬
‫لمتنمية االقتصادية كاالجتماعية ‪،‬كما ليا تأثيرات عميقة عمى الحياة العمرانية كتحكالت في النسيج‬
‫العمراني‪.‬‬
‫إذا كانت تأثيرات السياحة يمكف مبلحظتيا عمى الكظائف العمرانية لممدينة ‪،‬فمف المؤكد اف لدييا تأثيرات‬
‫عمى العمراف نفسو ‪،‬مف اجل اإلجابة لطمبات السياح المتعمقة باألصالة كالجذكر كالماضي فنحف بحاجة‬
‫الى عرض مدف بميزاتيا األصيمة ‪،‬أؼ تقديـ الصكرة اك الشكل القديـ ليا ‪،‬ذلؾ بإعادة بنائيا كفق النمط‬
‫القديـ‪.‬إذا فالمدينة لـ تعد مجرد قيمة متحفية يمكف تحكيميا الى <منتج ثقافي> كالتي خسرت رأس ماليا‬
‫االجتماعي أليكياتي ‪،‬الميجكرة مف طرؼ سكانيا ‪،‬فالمدينة ال تككف ليا قيمة إال إذا كانت غنية‬
‫بالنشاطات كاإلسيامات الحية ‪،‬كتككف مكانا لعيش كاستقرار الساكنة المحمية ‪.‬كبيف اليجر الذؼ يضر بيا‬
‫كثي ار كالنجاح الذؼ يخنقيا ‪،‬كبيف المدف التي تعرؼ تجديدا مستم ار كلكف تناقصا في عدد السكاف ‪،‬يمكننا‬
‫أف نطرح تساؤال عف مستقبل المدف التاريخية ‪ .‬كيف يمكننا تنمية سياحة يمكنيا أف تمعب دك ار محددا في‬
‫‪238‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عممية الحفاظ عمى االقتصاد المحمي دكف المساس بأصالة النسيج التراثي الخاص بالمدف كاالضطرار الى‬
‫كيف يمكف التكفيق بيف عممية الحفاظ كالحماية‬ ‫تعكيضو بآخر اصطناعي ‪،‬اك غير قابمة لمتعكيض‬
‫لمتراث العمراني كتنمية كتطكير المدينة ألداء كظائفيا مف أجل اإلجابة لبلحتياجات السكاف أكثر منيا‬
‫كيف نربط بيف التدفق السياحي كمستكػ معيشة الساكنة المحمية ‪.‬في المناطق التي يعتمد فيو‬ ‫لمسياح‬
‫االقتصاد عمى السياحة المبنية عمى التراث ‪،‬نجد تأثي ار كبي ار لمسياحة عمى التراث ‪،‬ما يستدعي التحكـ‬
‫الجيد في السياحة كتعامبل جذريا يكمف في التحكـ في أسس التسيير كالتخطيط ‪ .‬باعتبارىا محكر لؤلدب‬
‫المخصص لمتنمية السياحية أخذت االستدامة تشق طريقيا اليكـ في أنماط التنمية السياحية المعمكؿ بيا‬
‫عالميا ‪،‬كما أصبح يعتمد عمييا في مجاؿ المحيط الحضرؼ ‪،‬لذا يمكننا طرح إشكالية متعمقة بالعناصر‬
‫التي يجب أخذىا بعيف االعتبار مف أجل تنمية سياحية مستدامة في المدف التاريخية ك بالتالي تأميف‬
‫كضكح العممية السياحية كحفع التراث العمراني ‪.‬ىذه الكرقة البحثية تيدؼ الى تقديـ حمكؿ لئلشكالية‬
‫التالية ‪ :‬كيف نسجل مدينة تاريخية في مخطط لمسياحة المستدامة مف خبلؿ استحداثيا كقطاع محفكظ ‪.‬‬
‫في البداية نتحدث عف المفاىيـ األساسية المتعمقة بالمكضكع ‪ PPSMVSS‬المخطط الدائـ لحفع‬
‫كاستصبلح القطاع المحفكظ ‪،‬المدف التاريخية ‪،‬السياحة ‪،‬االستدامة ‪،‬كيسمح لنا تكضيح تركيب ىذه‬
‫المفاىيـ كضع اإلشكالية العامة لمسياحة في المدف التاريخية ‪،‬ثـ نقترح فرضيات متعمقة بتنمية سياحية‬
‫متكازنة كمتناغمة في كسط ىذه المدف ‪ .‬اف الفحص المقارف يسمح لنا بمبلحظة اإلستراتيجية السياحية‬
‫كالتراثية كتحديد المشاكل التي تعيق التأسيس السياحي داخل المدف التاريخية ‪،‬كمبلحظتنا تساىـ في الربط‬
‫بيف العناصر األساسية التي يجب االعتماد عمييا في تطكير التنمية السياحية المستدامة ‪.‬‬
‫اإلشكالية السياحية لممدن التاريخية ‪:‬‬
‫لقد كانت المدف التاريخية الحاممة لمتراث العمراني الفني كالغني كالتنكع مع بداية القرف ‪ 20‬مربكطة بشكل‬
‫ال مفر منو مع السياحة ‪،‬ىذا الكاقع المتعدد األبعاد االيجابية أكثر منيا كالسمبية كاف بإمكاف السياحة اف‬
‫تمعب فييا دكر األحياء أك إحداث الفكضى ‪.‬كتعد التنمية السياحية المبنية عمى الشركط األساسية‬
‫لبلستدامة الكسيمة الكحيدة لرفع المردكدية كبتكاليف أقل لممدينة‪.‬‬

‫‪ :‬إشكالية المدن التاريخية‬ ‫أ‪-‬‬


‫قبل الحديث عف السياحة نجد مف الميـ تكضيح اإلشكالية العامة لممدينة التاريخية كأىميتيا ‪.‬‬
‫إف مفيكـ "المدينة التاريخية"ليس لو قابمية معترؼ بيا كتحتاج الى بعض التكضيحات ‪،‬كمف خبلؿ‬
‫المفاىيـ المتداكلة عف التراث الحضرؼ كسنرػ في البداية المعاني التي تحمميا كمف بعد نحدد اإلشكالية‬

‫‪239‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المتعمقة مباشرة بالمدينة التاريخية ‪،‬مع تكضيح العبلقة الربطة بيف الحفع كالتنمية ‪،‬كمف ثـ ندرس أبعاد‬
‫عممية الحفع مف كجية نظر سياسية كتقنية ‪.‬‬
‫‪ -1‬من التراث الى المركز الحضري القديم ‪:‬‬
‫ما ىي األسباب التي تؤدؼ الى إعطاء مدينة ما قيمة تراثية‬ ‫ماذا نعني بمصطمح المدينة التاريخية‬
‫لئلجابة عمى ىذه التساؤالت البد مف تكضيح مفيكـ التراث بصفة عامة‪،‬‬ ‫كأىمية تستدعي الحفاظ عمييا‬
‫ثـ في إطار نسق البناء العمراني ‪.‬‬
‫‪ 1-1‬التراث ‪،‬مفيوم مركب في تطو ار مستم ار ‪:‬‬
‫التراث مفيكـ مركب عرؼ تطك ار كبي ار عبر الزمف حيث نجده في معناه العاـ يضـ مجمكعة مف‬
‫الممتمكات كالمعارؼ الحاممة لمقيـ المعترؼ بيا كالمحافع عمييا ‪،‬مف أجل نقميا في النياية الى األجياؿ‬
‫القادمة ‪.‬كىك مبني عمى أساسيف ىما ‪ :‬الممكية كالنقل ‪،‬كانطبلقا مف معناه العاـ "ميراث الجد"عرؼ التراث‬
‫تطك ار ايف أصبح تراثا لمجمكعة أثنية أك أمة الى غاية تحكلو الى ميراث لئلنسانية جمعاء ‪.‬إف التراث‬
‫يكشف عف أحكاـ عمى القيـ التاريخية البارزة حسب الحقب التاريخية ‪،‬حسب البمداف كالمجتمعات ‪،‬كلكي‬
‫يصبح ممتمؾ ما تراثا يجب أف يأخذ حي از في الكعي الجماعي لمجمكعة أثنية إنسانية حيث تحكز ممكيتو‬
‫أك تتبناه‪ ،‬بالتالي تعطيو قيمة كتتحمل مسؤكلية حفظو ‪.‬ىذا ما يجعل مف التراث بناءا أك تركيبة اجتماعية‪،‬‬
‫كالنظرة التي يحمميا المجتمع لو ىي التي تعطيو مقاما خاصا ‪،‬ما يضفي عميو شرعية قانكنية (حماية)أك‬
‫قيمة نقدية فالتراث حامل لمقيـ التاريخية ‪ ،‬الفنية ‪ ،‬الثقافية ‪،‬يضفييا عميو المجتمع ‪.‬ككشاىد مادؼ عمى‬
‫تاريخ مجتمع ما ‪،‬صكرة ليكيتو ‪،‬يسمح لممجتمعات لتمثيل ىذا التراث أماـ المجتمعات األخرػ كحتى‬
‫التكحد رغـ االختبلفات مع اآلخريف ‪.‬ككمؤشر لمكعي الجماعي التراث يعد "معمما واشارة تعبر عن‬
‫اليوية"‪ ،1‬كلد مف ثقافة مجتمع ما مف معتقداتو ‪،‬إيديكلكجيتو كتأثيراتو الركحية ‪،‬فيك ميراث ىذه الجماعة‬
‫كيظير كممتمؾ البد مف الحفاظ عميو كتمديد كجكده مف أجل األجياؿ القادمة ‪،‬اك اضمحبللو كفنائو‬
‫كذىابو طي النسياف ‪.‬‬
‫كحسب فرانسكا شكؼ* ‪Choay Françoise‬فإف مفيكـ التراث تطكر عبر الزمف متخذا ثبلث تكجيات‪:‬‬
‫التكجو األكركبي الذؼ أصبح عالمي ‪،‬التكجو الميتـ بالمعالـ الكبيرة كمف ثـ أدخل المعالـ الصغيرة لمعمارة‬
‫كالمجمكعات الحضرية ‪،‬كتكجو آخر أخذ في إدماج ما أنتجتو اإلنساف الى غاية الفترة الحديثة ‪.‬كبعدما‬
‫كاف مفيكـ التراث في القرف ‪ 21‬ال يعنى إال بالمعالـ التاريخية ‪،‬فقد تكسع ىذا المفيكـ ليشمل المباني‬
‫كالمكاقع الطبيعية كالتحف الفنية كالممتمكات الغير المادية ‪،‬المغات كالخبرات ‪،‬كالحرؼ التقميدية ‪....‬الخ‬
‫‪ 2 -1‬من التراث ألمعممي الى التراث العمراني الحضري ‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Dominique Audrerie,Questions sur le patrimoine, éditions Confluences, Bordeaux, 2003‬‬
‫‪240‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كما أشرنا إليو سابقا مف أكثر االتجاىات التي اتخذىا التراث في تطكره مفيكمو ‪،‬االتجاه الذؼ انتقل مف‬
‫دراسة المعالـ الكبيرة كشكاىد معزكلة ‪ ،‬المعالـ التاريخية الى العناية أكثر بالتجمعات كالمراكز الحضرية‬
‫كالمكاقع ‪ ،‬كقد مرت ‪ 400‬سنة منذ ظيكر مفيكـ "المعمم التاريخي" كصكال الى "المدينة التاريخية "ىذه‬
‫األخيرة كاف عمييا االنتظار كل ىذا الكقت لتصبح محل اعتبار كتراث يجب المحافظة عميو بشكل كمي‬
‫(مجمكع) ىذا التراث الذؼ يعد غير قابل لئلنتاج مع مجمكع معالمو كمحيطو المككف لو ‪.1‬‬
‫إف الحاجة الى حفع كصيانة التحف الفنية كلدت عمى ما يبدك مع فترة النيضة كاإلحياء في إيطاليا‪،‬‬
‫خبلؿ ىذه الفترة تطكرت فكرة االىتماـ بآثار الماضي كالمتمثمة أساسا في المباني كالتحف الفنية الركمانية‬
‫القديمة ‪،‬ىنا تـ تسجيل ميبلد فكرة المعمـ التاريخي الذؼ ترجـ مف خبلؿ القمق المتعمق بمعالـ الماضي‬
‫كالمباني كالتحف الفنية كضركرة الحفاظ عمييا نظ ار لقيمتيا الجمالية ‪،‬كغالبا ما كانت مباني دينية ‪.‬كلـ‬
‫يظير المفيكـ الحديث لمتراث إال بعد الثكرة الفرنسية كظير معيا االىتماـ بحفع الثركات العمكمية‬
‫كممتمكات الشعب ‪.‬لقد تطكر االىتماـ بالتراث الحضرؼ العمراني مع التحكالت كالتكسعات العمرانية خبلؿ‬
‫الثكرة الصناعية في أكركبا كانطمق معيا نشاط التعمير ‪2‬ىذا المفيكـ قاـ مف جية بإظيار ارتباط المجتمع‬
‫بالمعالـ التاريخية‪ ،‬كمف جية أخرػ التفكير كايجاد حمكؿ مف أجل خمق مساحات جديدة لمتعمير‪ .‬كمع‬
‫بداية القرف ‪ 20‬عرؼ ظيكر نظرية حفع التراث مندمجا مع المحيط العمراني كليس كمعمـ معزكؿ ‪ ،‬كقد‬
‫ظيرت ىذه النظرية مع ج‪.‬جيوفانوني‪ G.Givannoni‬الذؼ قاـ بإدماج التراث المبني في نسق عاـ‬
‫لمتييئة اإلقميـ ‪ ،‬فالنسبة لو فإف العناصر التراثية ال تعيش بصفة معزكلة بل يجب دمجيا في المكقع‪،‬‬
‫كعرؼ ىذا النسق بميزاتو كاستعماالتو ‪،‬كما أسس جيكفانكني نظريتو عمى ثبلث أسس ‪:‬فكل قطعة عمرانية‬
‫حضرية يجب دمجيا في مخطط لمتييئة اإلقميـ ‪،‬كالتي ترمز الى حياتو الحاضرة فالمعمـ ال يمكف التعامل‬
‫معو بشكل منعزؿ دكف حكاشيو دكف االيطار المبني الذؼ ينتمي إليو ‪،‬فالمجمكعات الحضرية تستدعي‬
‫تعامبل خاصا كطرؽ معينة في مجاؿ الحفع كالترميـ ‪،‬عكس التي تخصص لممعالـ ‪3‬بالنسبة لو تعد‬
‫المدينة التاريخية معمما في حد ذاتيا كفي نفس الكقت ىي عبارة عف نسيج حي ‪،‬كىذا يعكد الى العبلقة‬
‫المتبادلة بيف قيمتيا المتحفية كالقيمة اإلستعماالتية ‪.‬إذا فالتراث الحضرؼ يتـ فيمو مف خبلؿ دراستو في‬
‫مجمكعو إضافة الى محيطو ككظيفتو كمكاف لمعيش ‪،‬فمعنى "التراث الحضرؼ"ليس مجمكعة مف المعالـ‬
‫المدركسة بمعزؿ‪ ،‬لكف المجمكعة الحضرية ىي شكل كفضاء حضرؼ‪ ،‬ىي طريقة جديدة لمنظر كدراسة‬
‫كحفع المجمكعات القديمة كاليدؼ منيا الحفاظ عمى التاريخ‪ ،‬الفف‪ ،‬الحياة الحاضرة ‪ ،‬كيعرؼ جيكفانكني‬
‫حماية التراث الحضرؼ كعممية حفع لمعبلقات النسقية المنتجة لمتحف الفنية كالفف الحضرؼ ‪،‬ىذه النظرية‬
‫‪1‬‬
‫‪Françoise Choay, l allegorie du patrimoine, Seuil, Paris, 1992‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Françoise Choay,op.cit .p 12‬‬
‫‪241‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تعد اليكـ أساسا لسياسة القطاعات المحفكظة في الجزائر ‪ .‬أما عمى المستكػ العالمي فإف ىذا االتجاه‬
‫نحك االىتماـ بنسق المعالـ نجده تـ تأطيره في معاىدة أثينا منذ سنة‪1931‬ـ "توصي المعاىدة خالل‬
‫عمميات بناء المباني احترام الميزة الفيزيونومية لممدن خاصة محيط المعالم القديمة ‪،‬وىذا األخير‬
‫يستدعي عناية خاصة ‪،‬كالمجموعات والمناظر التي يجب الحفاظ عمييا "‪. 1‬في سنة ‪ 1964‬جاء تعريف‬
‫المعالـ التاريخية في معاىدة أثينا (المعاىدة الدكلية المتعمقة بحفع كصيانة كترميـ المكاقع كجاء في‬
‫اإلعبلف «تعزف انًعانى انتارٌخً بأَها كم إَشاء هُذسً يعًاري يُفزد أو يجًىع ٌقىو شاهذا عهى‬
‫حضارة يعٍُت أو عهى تطىر هاو أو حادثت تارٌخٍت »‪،2‬أما منظمة اإلككمكس ‪ ICOMOS‬مف جيتيا فقد‬
‫قامت بترسيـ مفيكـ «المدينة التاريخية» سُت‪، 1986‬أٌٍ أعهٍ عٍ ضزورة انحفاظ عهٍها ‪،‬واعتبزها‬
‫بًثابت وثٍقت تارٌخٍت ‪،‬يعبزة عٍ انقٍى انخاصت بانحضاراث انحضزٌت انتقهٍذٌت ‪. 3‬‬
‫‪ 3-1‬تحديد التراث الحضري والتعرف عميو ‪:‬‬
‫كنتطرؽ ىنا الى كيفية تحديد التراث الحضرؼ ف الى اؼ فترة زمنية يمكننا الرجكع مف أجل اعتبار مدينة‬
‫في الحقيقة ال‬ ‫كيف يمكف معرفة حدكد المساحة الكاجب الحفاظ عمييا‬ ‫ما تاريخية أك نسيج عمراني‬
‫كجكد ألجكبة عمى ىذه التساؤالت نظ ار لمتغيرات الحاصمة في مفيكـ التراث كىذا بفعل تغير الحدكد‬
‫الزمنية باستمرار ‪،‬فحدكد المساحة الكاجب حفظيا يمكف اف تتغير كىذا بفعل القيمة التاريخية المعطاة‬
‫لمختمف الطبقات كالحقب التاريخية ‪،‬خاصة مراحل التطكر(التكسع) الحضرؼ األكثر حداثة ‪،‬كيتعمق األمر‬
‫باالعتبارات الثقافية كالتقنية كالتي ليا تداعيات سياسية بحتة‪ .‬إف المدينة التاريخية تظـ بيف طياتيا كاقعا‬
‫حضريا جد مختمف في بعض األحياف نجده متعارضا في خصائصو التاريخية ‪،‬الثقافية ‪،‬كالمساحية‬
‫فيمكنيا أف تضـ طبقات معمارية تعكد لفترات مختمفة ‪،‬كما يمكننا أف نجد داخميا شركخا ‪،‬تقطعا يمثل‬
‫الخط األساسي في ىكيتيا كأخرػ تعبر عف «التصدعات» انتً تؤدي انى تذهىرها يثم انفزاغاث انتً‬
‫سببتها االنييارات اك عمميات التنمية الحديثة ‪،‬مثل شق الطرقات كعمميات التجديد الفاشمة ‪....‬إلخ ‪.‬كعند‬
‫الحديث عف المدف التاريخية عامة نتحدث عف«المركز التاريخي» ىذا األخير نجده غالبا ما يعتبر‬
‫المحكر األصمي لمنسيج العمراني ‪،‬ىذا ما يجعمنا نقارف بيف مركز تاريخي كاألحياء كالضكاحي ‪.‬‬
‫‪ 4-1‬المدينة التاريخية دعامة لميوية ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Charte d Athènes : pour la restauration des Monuments historiques, première congres international des‬‬
‫‪UNESCO,ICOMOS , 1931 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Charte de Venise ,lleCongrès international des architectes et techniciennes des monuments‬‬
‫‪Historiques ,UNESCO. ICOMOS.1964.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Charte internationale pour la sauvegarde des villes historiques, Adoptée par L’Assemblée Générale‬‬
‫‪d’ICOMOS à Washington D.C., octobre 1987‬‬
‫‪242‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إف المدينة التاريخية بصفتيا تراثا فيي حاممة لمقيـ المتعمقة بصفة خاصة بالتعابير ذات الصمة باليكية‬
‫‪،‬ىذه القيـ أيضا تصدر بالدرجة األكلى مف إنفرادىا بطابع فيزيائي كتعابير معمارية ‪،‬فنية كجمالية نجدىا‬
‫في مكاد البناء كالتقنيات المستعممة ‪،‬ككذا تناغـ األحجاـ فييا كاأللكاف ما يعطييا طابعا خاصا كصكرة‬
‫منفردة في نفكس الناس‪ .‬كذلؾ تعد المدف التاريخية حاممة لمقيـ التاريخية التي كرثتيا عف تعاقب‬
‫الحضارات ‪،‬كىي تعد مصد ار لممعارؼ عف األزمنة الفارطة كىي حاممة لآلثار التاريخية لمعديد مف الحقب‬
‫التاريخية كما تساىـ في دعـ معارفنا لتاريخ التطكر الثقافي ‪.‬لكف ىذه القيـ تساىـ أيضا في ترسيخ الذاكرة‬
‫الجماعية كالقدرة عمى تحديد جذكر المجتمع المحمي كرمكز التاريخ الخاصة لممدينة نفسيا مثل ‪ :‬الساحات‬
‫العمكمية المباني التي كانت مسرحا ألحداث تاريخية ‪،‬فيي تعد شكاىد عمى ماضي المدينة كسكانيا‬
‫كمعمما لميكية مف جية أخرػ نجد أف االستعماؿ االجتماعي لمساحات كتنظيميا الفيزيائي تعطييا رمزية‬
‫خاصة ‪،‬كتعد ىذه الساحات ممكية جماعية الف ميداف مستعمل يكميا كىك إطار لمتعابير كممر دائـ ‪،‬كل‬
‫ىذه العناصر تعطي ىكية خاصة لممدينة يمكف تمييزىا عف باقي الكطف كالعالـ ‪.‬‬
‫‪ -2‬المراكز الحضرية القديمة ‪،‬من الحفع الى التنمية ‪:‬‬
‫رغـ نمك الكعي المفاجئ تجاه مستقبل األحياء القديمة اليكـ إال اف العديد منيا يعاني مف عدة مشاكل ما‬
‫يستدعي إعادة النظر في إستراتيجيات الحماية المعمارية المتخذة ‪،‬كنطرح سؤاال حكؿ التسيير الحضرؼ‬
‫ليامف أجل فيـ جذكر األسباب التي تدفع الى حفع المراكز التاريخية ‪،‬كالمخاطر كالدعـ المالي الذؼ‬
‫يمكف المخاطرة بو في عممية تنميتيا ‪،‬يجب في البداية فيـ خصكصيات المراكز التاريخية «الشرخ» الذؼ‬
‫يميزىا عف باقي التجمع العمراني ‪.‬‬
‫‪ 1-2‬تراث نادر‪ ،‬معبر‪ ،‬ال يمكن تعويضو‪ ،‬في طريق الزوال ‪:‬‬
‫لقد تطرقنا الى خصائص التراث الحضرؼ الذؼ يبرر قيمتو لكف ما ىي األسباب التي تدفعنا الى الحفاظ‬
‫عميو لنعد أكال الى ما تطرؽ إليو جيكفانكني ‪ ،‬الذؼ قدـ االختبلفات األساسية بيف المدف القديمة كالمدينة‬
‫الحديثة «تنفرد المدينة القديمة بحدكدىا كمقياسيا مخططاتيا الصغير كالفراغات ‪،‬نمط الحياة فييا‬
‫المخصص فقط لمراجميف ‪،‬التزامف المكجكد بيف عناصرىا المبنية أيف نجد عبلقة ترابطية بينيا كالنسق‬
‫المكحد ‪،‬كالعكس في التعمير الحديث حيث يمتاز بالحيكية كقدراتو عمى التكسع الغير محدكد ‪،‬كما أف‬
‫مقياس مخططاتيا نجده أكبر كشكارعيا كاسعة في نسيجو ‪،‬السرعة في الريتـ المتعمق بنشاطيا أالتصاالتي‬
‫الذؼ تدمجو في نطاؽ إقميمي كليس محمي فقط »‪ 1‬اف عممية التعمير اليكـ ال تعتمد عمى نفس القكاعد‬

‫‪1‬‬
‫‪Christian Queffelec, «le fonctionnement des Centres anciens : Questions urbaines, Soules, économiques, et‬‬
‫‪techniques » in secteurs sauvegardes ZPPAUP,et PLUpatrimoniaux , Actes du séminaire de chinan du 19-20-21‬‬
‫‪janvier 2006 .‬‬
‫‪243‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المعتمدة سابقا ‪،‬ما يكضح كجكد االختبلفات الفيزيائية المادية التي يمكننا مبلحظتيا اليكـ بيف المحاكر‬
‫التاريخية كباقي المنطقة العمرانية ‪.‬قديما كانت المدينة عكس الريف «كشكل مغمق مشفر كمتضامف‬
‫‪1‬‬
‫مجمكعة مف المباني كمكانا تتركز فيو كل الكظائف الحضرية‬ ‫كمثالي ‪،‬نظاما معقدا مف العبلقات»‬
‫كالتجارية ‪،‬القانكنية ‪،‬التربكية كالدينية ‪....‬الخ كاليكـ نجد أف‬ ‫‪:‬الكظيفة السكنية ‪،‬اإلدارية ‪،‬السياسية‬
‫مصطمح المدينة استبدؿ بالتجمعات الحضرية كالفضاء الحضرؼ ‪،‬كالحقيقة اف التعمير الحديث يتجاىل‬
‫كميا كل ميزات المدينة القديمة ‪ .2‬كمف جية أخرػ في أيامنا نجد أف اليندسة المعمارية نمطية كالتعمير‬
‫ال يعيف األماكف فيك مكحد كيتطكر كينمك دكف تكقف ‪.‬كيكضح أليكساندر ميمسنيكس ىذا المشكل كيبرر‬
‫أىمية الحفاظ عمى المراكز الحضرية «أف اليكـ مدينة ما عف أخرػ ليس ليس المناطق ذات األكلكية‬
‫لمتعمير أك مناطق التييئة األكلية ال حتى القطع المكحدة كلكف تمؾ النسبة المؤكية ‪ %1.2‬مف مساحتيا‬
‫المعمرة ىي مف تبيف الفرؽ كفي الكحدة العمرانية ىذا الفارؽ أصبح قيمة تراثية تستحق الحفع »‬
‫‪ 2-2‬تراث يواجو العديد من التحديات ‪:‬‬
‫يبدك أف حفع المراكز التاريخية الحضرية أصبح حتميتا البد منيا لكنيا تكاجو تحديات كبيرة ‪،‬فعبر كامل‬
‫التراب الكطني ‪،‬كفي العالـ نجد أف المراكز التاريخية تمتمؾ خصائص كاشكاليات متشابية ‪،‬كالتي يمكف‬
‫مبلحظتيا في طبيعة األنسجة القديمة مثل مكرفكلكجيا كثافتو المساحة المبنية مشكمة أنماطا تعكد في‬
‫الكثير مف األحياف الى القركف الكسطى ‪،‬كميزة انعداـ التيكية كعدـ كصكؿ أشعة الشمس إلييا لكثرة‬
‫الشكارع كضيقيا ‪،‬رداءة المنازؿ ‪،‬غياب المساحات الخضراء كالمساحات الحرة ‪،‬كبصفة عامة المراكز‬
‫التاريخية غير مكيفة لمحياة الحديثة كىذا ما يفسر تخمي السكاف عنيا ‪،‬كىذا ما يدفع أصحاب القرار‬
‫المحمييف تحت ضغط الكاقع الجديد االجتماعي كالمتطمبات الكظائفية بعد الحرب العالمية ‪ 2‬الى التخمي‬
‫عف األحياء القديمة التي تعرضت لميدـ اك اإلزالة ‪،‬فقد عرفت العديد مف المدف ىدـ أحياء بأكمميا (حي‬
‫الالىـ أسفل قصبة الجزائر) كىذا العتبارىا عاجزة كفاقدة لمحيكية كاألىمية ‪،‬ما أدػ الى التخمي عنيا كلـ‬
‫تظير سياسات إعادة التأىيل إال مع بداية السبعينات ‪.‬‬
‫أف األخطار التي تيدد المدف التاريخية ال تتعمق فقط بما ييدد بعدىا الفيزيائي لكف الجانب االجتماعي‬
‫أيضا كاالقتصادؼ كالكظيفي كفي عامة المدف نجد النسيج الحضرؼ تأثر بميكانزمات لمتدىكر إضافة الى‬
‫عكامل أخرػ منيا ‪:‬‬
‫‪ -‬فقداف تكازف الكظائف مثل الكظائف المؤسساتية كاالقتصادية ‪،‬الثقافية التي ميزت نمك ىذه المدف‬
‫منذ زمف بعيد ‪،‬ىذه الكظائف نجدىا قد انتقمت الى مباني جديدة خارج المركز ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Alexander Melissions, «le plan de sauvegarde : une démarche d architecteur, et d urbanisme» in loi Malraux 40‬‬
‫‪bougie pour éclaire l avenir, Actes du colloque de bayonne du 27.28.29 mars 2003.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Françoise Choay–op.cit p12.‬‬
‫‪244‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬فقداف التفاعل االجتماعي ‪،‬مع تمركز طبقة سكانية ذات الدخل المحدكد أما العائبلت ذات الدخل‬
‫المتكسط يمكنيا االنتقاؿ الى الضكاحي ‪،‬فيبقى إال األشخاص المسنيف كالعائبلت الصغيرة ‪.‬‬
‫‪ -‬غياب ىياكل الخدمات العمكمية ‪،‬كاليياكل القاعدية كصعكبة التنقل تساىـ في التدىكر العمراني‬
‫سكء الحفع كصيانة المباني السكنية أدػ الى تقمص الكظيفة السكنية ‪.‬‬
‫ففي السابق كانت ىذه المراكز أماكف لمتفاعل االجتماعي كالتبادؿ كالتدفق االقتصادؼ كالتجارؼ ‪،‬أما اليكـ‬
‫أصبحت نمطية بعيدة كميمشة عف النشاط العمراني غير قابمة لمتطكر ‪،‬كال مكاف لمبناء الجديد كفي ىذا‬
‫السياؽ نجد أف تسكيو المراكز عف طريق التشييد الجديد يككف دائما جماليا كمحفزه يككف متطمبات‬
‫اإلسكاف كاإلدارة السياسية كتكجيات التنمية االقتصادية ‪.‬‬
‫‪ 3-2‬الحفع كمؤشر لمتنمية ‪:‬‬
‫إف الجزء األكبر مف أسباب تدىكر التراث الحضرؼ نجده اجتماعي ‪،‬فعممية الحفع نجد أنيا تيدؼ مف‬
‫جية الى صيانة التراث الحضرؼ كالذؼ يعد ناد ار اليكـ كمف جية أخرػ نجدىا تيدؼ الى تحسيف شركط‬
‫حياة السكاف ‪،‬عف طريق تحسيف إطار الحياة كالكظائف السكنية كنكعية المحيط الحضرؼ ‪،‬كىذا عف‬
‫طريق تدعيـ كتقكية دكر المراكز التاريخية داخل المدينة كتدعيـ كظائفيا االقتصادية ىذا ما يكضح‬
‫العبلقة القكية بيف الحفع كالتنمية ‪.‬كبالعكدة الى مصطمح التنمية لـ يتـ تعريفو تعريفا دقيقا كمقبكال الى‬
‫غاية اليكـ ‪،‬فيك مركب ال يزاؿ مبيما ففي بعض األحياف يتـ ربطو بعممية تحسيف االيطار المعيشي‬
‫لمسكاف كغالبا ما يخمط بالتقدـ كالتحسف االقتصادؼ ككذلؾ مع العدالة االجتماعية ‪....‬إلخ ‪.‬فيك ال يقتصر‬
‫عمى تحسيف (كمي )بسيط فيك يستدعي الجانب (نكعي )‪ ،‬إذا كيف يمكف لعممية حفع التراث أف تككف‬
‫لقد رأينا ىذه النقطة فالتراث الحضرؼ‬ ‫عامبل ميما في تحسيف سعادة اإلنساف ‪،‬السعادة االجتماعية‬
‫لممدف التاريخية معترؼ بو كحامل لمقيـ (التاريخية ‪،‬اليكياتية ‪،‬الجمالية ‪،‬الفنية ‪)..‬ليذا يعد كمؤشر لسعادة‬
‫األشخاص ‪،‬حامل ليكية السكاف ‪،‬مؤشر لمتبلحـ االجتماعي ‪،‬كما يمكنو تحسيف نكعية الحياة التنشيط‬
‫الحضرؼ ‪،‬كفي األخير نجد أف قيمتو االقتصادية أصبح معترؼ بيا اليكـ ‪،‬فيك يسمح بتطكير نشاطات‬
‫تعتمد عمى تثمينو كخمق مناصب شغل مباشرة كغير مباشرة ‪،‬كليذا يمعب التراث دك ار ميما في التنمية‬
‫البشرية كالحضرية كىذا انطبلقا مف االعتراؼ بكل مككناتو االجتماعية الثقافية كاالقتصادية ‪.‬كاليكـ نجد‬
‫انو مباشرة بعد حصكؿ المدينة التاريخية عمى صفة اك القيمة التراثية يمكف اعتباره ىذه القيمة "كثركة"‬
‫يمكنيا تكجيو التنمية الحضرية ‪،‬السياسات الداعمة لحفع كاعادة االعتبار لمتراث ‪،‬فتساىـ في التنمية‬
‫االقتصادية كاالجتماعية مثميا مثل الحركية االقتصادية ‪،‬كمف المؤكد أف المدينة التاريخية ال يمكف "الحفاظ‬
‫عمييا" "كحمايتيا كتحفة فنية أك معمـ ‪،‬فيي ذات طبيعة نشطة كما أف قيمتيا التراثية مرتبطة بقدرتيا عمى‬
‫تطكير مميزات جديدة مع الحفاظ عمى ىكيتيا ‪،‬فالحفاظ عمى التراث الحضرؼ يتـ فقط عف طريق‬
‫‪245‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫"الصيانة "ك"الترميـ "لكف يستدعي "إعادة التأىيل " "إعادة االعتبار" فيي ال تحتاج الى تدخبلت عمى‬
‫خصائصيا المعمارية كالمساحية لممباني كالمحيط ‪ .‬لذا يجب إدماج عممية حفع التراث بسياسات التسيير‬
‫الحضرؼ كىذا لمكصكؿ الى إعادة تكظيف المعالـ مف أجل إحيائيا كىك دكر ال يجب أف يمس بقيمتيا‬
‫الفنية كالتراثية ‪.‬كما يقكؿ سيرج فيو«إف التراث ليس عبارة عف رخاـ فقط كحجارة كال ألياؼ زجاجية فيك‬
‫أكثر مف محتكاه ‪،‬كمحتكاه ىك ما ينشطو ‪،‬فيك الحياة الحضرية في كل شمكليتيا كتركيبتو التي تجعمو‬
‫‪1‬‬
‫يحيى كيتطكر»‬
‫‪ -3‬سياسات وأدوات الحفع ‪:‬‬
‫كيف يمكننا الحفاظ عمى التراث مع مراعاة مصالح األشخاص الذيف يعيشكف داخل ىذه التجمعات‬
‫الحضرية اف الحفع يكاجو بعض العراقيل متعمقة بالسياسة مف خبلؿ إدارة المنتخبيف مف جية كمف جية‬
‫أخرػ األدكات التي يمكف كضعيا في خدمة ىذه العممية ‪.‬‬
‫‪ 1- 3‬البعد السياسي لمحفع ‪:‬‬
‫«اف مف الشركط األساسية لحماية حقيقية لمتراث نجد اعتراؼ السمطات بالتراث التاريخي المشترؾ أيف‬
‫يككف مستقبمو محككـ مف طرؼ ىؤالء المنتخبيف ‪،‬مع اعترافيـ بالفائدة العامة لحفع التراث »‪2.‬اف حفع‬
‫المدينة التاريخية كليد الكعي بقيمتو التراثية كعامة ظير بفضل دكر المفكريف كالعمماء كفي األخير‬
‫السياسييف كالسمطات العمكمية ‪،‬كالمحمية في إطار البلمركزية ‪،‬فدكرىـ ىك تحديد التراث كاالعتراؼ بقيمتو‬
‫كتكفير األجيزة كسياسات الحفع كالتثميف كاإلدماج في سياسات متعمقة بالتنمية الحضرية ‪.‬ليذا الغرض‬
‫نجد أنو مف أجل حفع التراث يجب حمايتو «االيطار القانكني »كاعطائو صفة تراثية ‪،‬كدعمو عف‬
‫طريق إعطائو صفة قانكنية يسيل ربط العبلقة بيف السياسة التراثية كالسياسة الحضرية ‪،‬ككضع جياز‬
‫لمتسيير كالتنظيـ حيز الخدمة ‪.‬‬
‫‪ 2-3‬أجيزة وأدوات في خدمة الحفع ‪:‬‬
‫يكجد العديد مف أنكاع األنظمة كالبرامج المكجكدة عمى المستكػ المحمي كالعالمي اليادفة الى حفع المعالـ‬
‫التاريخية كدعـ حفظيا ‪،‬فمعظـ الدكؿ لدييا قكانينيا كأنظمتيا ‪،‬نجد منظمة اليكنسكك نشطة في ىذا المجاؿ‬
‫عف طريق قائمتيا لمتراث العالمي لئلنسانية ‪،‬فالحصكؿ عمى أيطار قانكني (حماية)(عمى المستكػ المحمي‬
‫كالعالمي) بالنسبة لممدف التاريخية يعد ميما ‪،‬ألنو يسيل حفظيا مع إعطائيا مدخبل الى الدعـ المالي‬
‫المخصص لمترميـ كتسيير المعالـ ‪،‬كسمفيات إضافة الى الدعـ التقني ‪.‬في معظـ الدكؿ نجد أف القكانيف‬

‫‪1‬‬
‫‪Serge Viau, « Non, le patrimoine n’est pas que de marbre…, ou de pierre » in Tourisme urbain et patrimoine,‬‬
‫‪Les cahiers de la section française de l’Icomos, Aix en Provence, 7-8 mars 1991‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Patrimoine, centres historiques, développement local. La coopération franco-roumaine, Simetria éditions,‬‬
‫‪2007‬‬
‫‪246‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المتعمقة بحماية التراث الخاص بالمعالـ التاريخية فييا مكاد مخصصة لممجمكعات الحضرية (في الجزائر‬
‫نجد القانون ‪ 04-98‬لحماية التراث‪ ،‬خصص فصمو الثالث لممجموعات الحضرية والريفية ويوضح‬
‫استحداثيا في شكل قطاع محفكظ ) ليذا نجد أف عممية حفع كتثميف النسيج التاريخي في العديد مف الدكؿ‬
‫يتـ بكاسطة األدكات كسياسات التعمير فقط كالتييئة العمرانية ‪ ،‬فيذه األجيزة كاألدكات ليا دكر محكرؼ في‬
‫حفع التراث ‪.‬في ىذا يجمع دانيال بيني ‪ Danièle Pini‬ميندس في التعمير ‪،‬ثبلث أنكاع أساسية مف‬
‫األجيزة كالتقنيات الخاصة بالحفع منيا المخططات ‪،‬البرامج «المشاريع المعقدة» كالتدخبلت الدقيقة ‪:‬‬
‫«مخططات الحفع» كىي خاصة بالقطاعات الحضرية أقل تكسعا أك المدينة التاريخية في‬ ‫‪‬‬
‫مجمكعيا فيتـ تحديد تراثيا الحضرؼ كأجزائو اعتمادا عمى قيمتو التاريخية كدرجة أصالة النسيج الحضرؼ‬
‫‪،‬كما يحدد التحكيبلت المسمكح بيا كالممنكعة في ىذا النسيج أك المساحات العامة كالخضراء كالطرؽ‬
‫‪،‬فمثل ىذه المخططات تضعيا السمطات العمكمية ‪،‬كفي بعض الدكؿ نجد أنيا كضعت قكانيف خاصة‬
‫بحماية التجمعات الحضرية كالريفية ‪،‬كىي حالة الجزائر مع القطاعات المحفكظة المنبثقة عف القانكف‬
‫‪ 04-98‬كمخططاتيا لمحفع كاالستصبلح كاعادة االعتبار ‪.‬‬
‫«البرامج» ك «المشاريع المركبة» كىي تستيدؼ حفع كتثميف بعض أجزاء أك عناصر مف تراث‬ ‫‪‬‬
‫المدينة التاريخية مع أىداؼ متعددة إقميمية أك مدمجة لكف يتـ تحديدىا مثل عممية إحياء بعض األحياء‪.‬‬
‫«مشاريع التدخل » عمى عناصر التراث كتمثل نكع مف األجيزة المتعمقة بجميع العمميات داخل‬ ‫‪‬‬
‫حدكد الحفع (تراث مصنف أـ ال ) كيتعمق األمر بعمميات دقيقة تيدؼ الى تجديد مبنى أك معمـ تاريخي‬
‫(عممية ترميـ جامع كتشاكة كقصر حساف باشا بقصبة الجزائر) ‪،‬كذلؾ ترميـ منظر شارع ما كيقرر كيطبق‬
‫مف طرؼ صاحب المشركع الذؼ يككف سمطة عامة أك خاصة كسكاء كاف العممية كبيرة اك صغيرة فيي‬
‫محدكدة كلكف ليا نتائج إيجابية عمى عممية الحفع الكمية ‪.‬‬
‫ب‪ : -‬السياحة بين األمل والواقع ‪.‬‬
‫ال يكجد اليكـ أدنى شؾ في العبلقة بيف السياحة كالمدف التاريخية ‪،‬فالتطكر االجتماعي الديمكغرافي لدكؿ‬
‫العالـ ‪،‬كتحسف مستكػ المعيشة كتقمص ساعات العمل يقابميا اتساع فت ارت الراحة كتطكر كسائل النقل‬
‫‪،‬كل ىذا أعطى لمصناعة السياحية دفعا قكيا ‪،‬فأصبحت السياحة ليست فقط كسيمة لميرب مف ضغكطات‬
‫العمل كلكنو يظير أيضا رغبة في إشباع الرغبات الثقافية ‪،‬كتعد زيارة معمـ تاريخي أك مكقع شاىد حي‬
‫عمى تاريخ اإلنسانية كسيمة مثالية لئلشباع ىذه الرغبات ‪.‬‬
‫‪ -1‬طبيعة السياحة في المدن التاريخية ‪:‬‬

‫‪247‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لقد جذبت المدف التاريخية السياح منذ القدـ ‪،‬كىذا لما لدييا مف كسائل الجذب السياحي فيي أماكف ثقافية‬
‫بالفطرة ‪،‬كىي تكفر بالمناسبة كل المصادر كالفرص كالمساحات الفضاءات الحضرية فيي تعتبر ككجيات‬
‫مفضمة لمسياحة الثقافية ‪،‬لكف ما ىي السياحة الثقافية ما ىي خصائصيا في المدف التاريخية‬
‫‪ 1-1‬السياحة القافية ‪ :‬الثقافة بكصفيا «مجمكعة مف التركيبات االجتماعية كالتظاىرات الفنية الدينية‬
‫الفكرية التي تعرؼ مجتمع ما مقارنة باألخرػ»‪1‬كلفترة زمنية طكيمة كانت مف المحفزات األساسية لمسفر‬
‫كبداية مف سنكات ‪ 1930‬كمع االنفتاح السياحي ‪،‬ىذه األخيرة تكقفت عف ككنيا مربكطة متعمقة‬
‫باالكتشاؼ كالنشاطات الثقافية ‪،‬حيث ظيرت أنماط أخرػ خبلؿ النصف الثاني مف القرف ‪ .20‬كمف‬
‫خبلؿ التغيرات المبلحظة حديثا في تطكر الطمب عمى السياحة العالمية كانتقاليا مف شكميا التقميدؼ‬
‫متمثبل في العطل (الشكاطئ ‪،‬التشمس ) الى السفر مف أجل التعمـ ‪،‬االكتشاؼ ‪،‬الثقافة ‪.‬كفي سنكات‬
‫السبعينات كفي خضـ التطكر الحاصل في مفيكـ التراث كسياساتو التراثية كالثقافية ‪،‬عرفت ىذه األخيرة‬
‫انفتاحا كبي ار في الدكؿ الغربية منيا التظاىرات الثقافية مثل السنة األكركبية لمتراث سنة ‪ 1975‬كالتي‬
‫سكؽ ليا مف طرؼ الصحافة ككانت ىذه التظاىرات محفزات لمكعي التراثي الشعبي ‪ .‬كالحقيقة انو تكجد‬
‫العديد مف التعاريف الخاصة بالسياحة الثقافية كمنيا التعريف الذؼ قدمو كمكد أكريقات دؼ كمكزك‬
‫‪«Claude Origet du Cluzeau‬ىك تنقل (اقمو ليمة) بدافع أساسو تكسيع اآلفاؽ ‪،‬البحث عف معارؼ‬
‫كأحاسيس عبر استكشاؼ تراث ما اك إقميـ كبشكل أكسع يمكف أف يشمل األنكاع األخرػ لمسياحة‬
‫(الرياضية ‪،‬الجبمية) »‪2‬ىذا التعريف يظير مختمف أنكاع السياح الميتـ بالسياحة ‪،‬فمف جية نجد الذيف‬
‫يسافركف بدافع أساسي لمثقافة ‪،‬كىـ زبائف عامة محفزيف جدا كميتميف فيـ يختاركف بدقة التظاىرات‬
‫كأماكف الزيارة ‪،‬كمف جية أخرػ الزبائف المكسمييف يدفعيـ الفضكؿ أيف تعتبر الثقافة بالنسبة ألييـ مجرد‬
‫تركيح عف النفس ‪،‬كغالبا ما يختاركف السياحة الرياضية كالجبمية لبلسترخاء لكف يدعمكف رحبلتيـ‬
‫بمشتقات الثقافة ‪،‬ىذه المشتقات التي ييتـ بيا السياح تدكر حكؿ التراث المادؼ كالغير المادؼ المعبر عف‬
‫اليكية ‪،‬الركحية ‪،‬كيعطينا ‪. Origet du Cluzeau‬القائمة ‪:‬‬
‫األماكف المقدسة كمكاقع التراث المادؼ ‪،‬المباني كالمكاقع المصنفة ‪،‬المتاحف ‪،‬أماكف الذاكرة‬ ‫‪‬‬
‫كالمكاقع األثرية كما قبل التاريخ ‪،‬كالحرؼ ‪،‬المدف ‪،‬القرػ ‪ ،‬الريف ‪.‬‬
‫التراث الغير المادؼ ‪ :‬الميرجانات ‪،‬التظاىرات الدينية كالحفبلت التاريخية ‪،‬المعارض كالحفبلت‬ ‫‪‬‬
‫المحمية ‪،‬األسكاؽ ‪. 3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Le Petit Larousse, 1993‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Claude Origet du Cluzeau, Le tourisme culturel, Presses universitaires de France, coll. Que sais-je, Paris, 2007‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Claude Origet du Cluzeau, op. cit. p 24‬‬
‫‪248‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ 2-1‬السياحة داخل المدن التاريخية ‪ :‬سياحة ثقافية من نوع حضري‬


‫عند الحديث عف السياحة داخل المدف التاريخية يجب عمى فكائد كدالئل ىذا النكع ‪،‬كىي تختمف حبس‬
‫الحجـ كخصائص المدينة ‪،‬ففي بعض األحياف ىذا النكع مف السياحة كميما كانت خصائص المدينة فيك‬
‫مرتبط أساسا بتراثيا الثقافي الذؼ يعد جد جذاب لمسياح ‪،‬كحسب بحث شمل ‪ 20‬مدينة تاريخية سنة‬
‫‪ 1991‬في إطار برنامج بحث بعنكاف «مف الفف الى تدفق السياح»قامت بو جامعة البندقية كاليكنسكك‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬فالتراث المعمارؼ كالمعممي الذؼ‬ ‫بمدينة البندقية ‪،‬تمثل الثقافة الحافز األساسي لزكار المدف التاريخية‬
‫يعبر عف صكرة المدينة يعد القاعدة األساسية لمسياحة داخل ىذه المدف ‪،‬إضافة الى مختمف أماكف‬
‫الزيارات الثقافية منيا (المتاحف ‪،‬قاعات العرض) كالتظاىرات مثل الميرجانات كالحفبلت ‪،‬فيي محفزات‬
‫سياحية إضافة الى محيط المدينة كاطار الحياة فييا ‪.‬‬
‫‪ -2‬السياحة مصدر ثروة لممدن التاريخية ‪ :‬مع تجدد السياحة الثقافية اكتشفت المدف التاريخية تراثيا‬
‫كعرفت أف تثمينو أصبح محك ار أساسيا في إستراتيجيات التنمية االقتصادية‬
‫‪ 1-2‬الجذب السياحي ‪،‬محفز لسياسة التعمير والتراث ‪:‬‬
‫إف الفائدة الكبيرة لمتراث الثقافي في المناطق التاريخية مف خبلؿ التنشيط كالتظاىرات الثقافية ىك تنكيع‬
‫االقتصاد لمعديد مف المدف ‪،‬فقد أصبح أصحاب القرار المحمييف أكثر كعيا باألفضمية كالتنافسية التي‬
‫تكفرىا عممية التسكيق كنشر اليكية الثقافية لؤلقاليـ كالخاصية الفريدة لما يمكنيـ تقديمو كمنتج سياحي‬
‫لمسكؽ العالمية ‪،‬ليذا يختاركف الترميـ كاعادة االعتبار لتراثيـ الثقافي لجذب زبائف لمسياحة ‪،‬كيخصصكف‬
‫جيكدا جبارة لخمق صكرة بعد التثميف ‪.‬إذا فالسياحة أصبحت مؤش ار حاف از لمسياسات التعميرية ‪،‬كنشاط‬
‫البمديات ما يسمح بإعادة اكتشاؼ المدينة ‪.‬إف اليدؼ االسمي «إعادة االعتبار»لمتراث المعمارؼ الحضرؼ‬
‫ىك تقديـ معمـ ما أك مجمكعة مف المعالـ لمعامة ‪،‬فعممية إعادة االعتبار تعتمد عمى السياسات األكلية‬
‫لمصيانة كالترميـ كاعادة التأىيل ‪،‬كعمى العكس مف ىذه األخيرة فعممية إعادة االعتبار ال تقترح نفس‬
‫األىداؼ كال تستدعي نفس الكسائل إلتماميا ‪.‬إذا فحفع التراث مف أجل السياح اك السكاف يرتكز عمى‬
‫خطة مختمفة ففي حالة االنفتاح عل السياحة يمزمنا تصميما آخر لمفضاءات االستقباؿ كحظائر السيارات‬
‫‪...‬الخ ‪.‬‬
‫‪ 2-2‬التنمية السياحية ‪،‬مؤشر لممردودية االقتصادية واالجتماعية‪:‬‬
‫إف الرغبة في استقباؿ السياح يستدعي كضع ىياكل قاعدية مكيفة كخدمة عمكمية ذات نكعية ‪،‬ىذا بعني‬
‫بصفة عامة تحسيف الطرؽ ككسائل النقل العامة ‪..‬الخ كالكل متعمق بعمميات التجديد الحضرؼ كاعادة‬

‫‪1‬‬
‫‪Jan Van Der Borg, « La gestion du tourisme dans les villes historiques » in G. Cazes et F. Potier, Le tourisme‬‬
‫‪et la ville : expériences européennes, L’Harmattan, Paris, 1998‬‬
‫‪249‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫التييئة لممساحات العمكمية‪ ،‬إعادة تأىيل المباني‪ ،‬حفظو كاعادة االعتبار لو ‪،‬كذلؾ تحسيف معيشة الساكنة‬
‫كل ىذا يسمح بإعادة الحياة ليذه األحياء الميجكرة ‪ .‬إف السياحة تستدعي عمميات الصيانة التي تمس‬
‫العديد مف القطاعات النشطة ‪،‬كما تساىـ في التنمية االقتصادية كالرفع مف رأس ماؿ المدينة كاإلقميـ‪،‬‬
‫كمف جية أخرػ نجد اف السائح يفضل اقتناء األشياء المصنكعة محميا ‪،‬صناعات تقميدية ‪.‬في األخير‬
‫نجد اف تزايد اىتماـ السياح بالمدينة يمكنو اف يعزز إحساس الفخر لدػ الساكنة المحمية بيذا التراث‬
‫كبالتالي إحساس االنتماء الى المجتمع ‪.‬‬
‫‪ -3‬التأثير القوي لمسياحة عمى المدن التاريخية ‪:‬‬
‫إف التأثير الذؼ تفرضو السياحة ينتج عنو تأثيرات متنكعة خاصة منيا التي تصاحب المكاسـ ‪،‬فالبنية‬
‫المكرفكلكجبة لممدف التاريخية كالطبيعة العمرانية الجذابة كاالستعماؿ المفرط لمسيارات الفردية كالجماعية‬
‫يساىـ في تضخيـ الصعكبات في التنقل ‪،‬كقد أثبتت األبحاث حكؿ السياحة في ىذه المدف المتعمقة بحركة‬
‫المركر أماكف التكقف ‪،‬تعد لدػ المسيريف مف األسباب المباشرة التي تعيق السياحة لذا يتـ تقميص حركة‬
‫المركر خبلؿ مكاسـ السياحة ‪،‬ما ينقص مف عدد الداخميف كالكصكؿ الى الخدمات ‪،‬كمف العكامل األخرػ‬
‫التمكث ‪.‬‬
‫‪ 1-3‬التأثير االقتصادي والوظائفي ‪:‬‬
‫لمدة طكيمة مف التكاليف التي يمكف لممدينة التاريخية تدفعيا نجد أنيا مربكطة باقتصادىا الحضرؼ كأداء‬
‫كظائفيا ‪،‬فبالنسبة القتصادىا الحضرؼ يتمثل في الزكاؿ المتنامي لمنشاطات االقتصادية ذات المردكدية‬
‫التي ال يمكنيا احتماؿ السياحة كالتي يعتمد اقتصادىا عمى ىذه األخيرة كىك خطر ‪،‬إما ما يخص كظائفيا‬
‫فالمشكل كاحد حيث نجد النشاطات التقميدية ميمشة كمدفكعة نحك الضكاحي ‪،‬ىذا ما شرحو كل مف باكلك‬
‫‪1Der BorgPaolo Costa et Jan Van‬ىذه الظاىرة التي تحدد التنافس كالقيمة المالية لممساحات المساحات‬
‫مابيف أف المردكدية كالتجديد مترابطة كالكظائف التي تعتمد عمييا مف الكسائل كالدعـ المالي الخاص‬
‫بالقيمة النقدية النفعية أيف يتـ تركيزىا في حيف اف التي ليس ليا دعـ يتـ دفعيا نحك الضكاحي ‪ .‬السياحة‬
‫تغير بشكل جذرؼ خصائص المدينة ما يعد إشكالية ال ف المدينة تميز بخصائصيا ككظائفيا التي تؤمنيا‬
‫(سكنية ‪،‬تجارية ‪،‬سياسية ‪،‬مالية ‪...‬إلخ )‬
‫ج‪ :-‬فوائد تأسيس سياحة مستدامة في المدن التاريخية‬
‫‪ -1‬تطبيق مفيوم التنمية المستدامة عمى السياحة ‪:‬‬
‫ما ىي المبادغ األساسية لمتنمية المستدامة لماذا يجب تنمية السياحة بطريقة مستدامة‬

‫‪1‬‬
‫‪Paolo Costa et Jan Van Der Borg « Maîtriser le tourisme dans les villes d’art », in Tourisme et culture, Cahier‬‬
‫‪Espaces n°37, Editions touristiques européennes, Paris, juin 1994‬‬
‫‪250‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫في سنكات السبعينات تطرؽ المجتمع العممي الى األخطار الناجمة عف أنماط اإلنتاج كاالستيبلؾ لدػ‬
‫المجت معات الصناعية ‪ ،‬ما أدػ الى نمك الكعي العالمي لؤلخطار الكبيرة التي تنجر عف مكاصمة ىذه‬
‫الممارسات ‪،‬االستنزاؼ المستمر لمثركات الطبيعية التي تعتمد عمييا المجتمعات الحديثة ما ييدد المحيط‬
‫‪،‬تناقص التنكع البيكلكجي ‪،‬التغيرات المناخية ‪،‬كل ىذا دفع الى ضركرة إيجاد أنماط أخرػ لئلنتاج‬
‫كاالستيبلؾ االجتماعي كالتفكير في إشكالية االستم اررية البعيدة المدػ لمتنمية ‪،‬ىذا ما يأخذنا الى مفيكـ‬
‫التنمية المستدامة الذؼ جاء في تقرير بركندتبلند‪«2:98 Brundtland‬القدرة على االستجابة لحاجيات‬
‫الحاضر دون المساس بقدرة األجيال القادمة على االستجابة لحاجياتها»‪. 1‬إف ىدؼ التنمية المستدامة ىك‬
‫تحقيق حياة أحسف لئلنساف اعتمادا عمى مصادر تككف مستمرة في المستقبل كالحاضر ‪،‬فيي مبنية عمى‬
‫مبدأ التسيير العقبلني لممكارد في العالـ كالعدالة في التكزيع ‪ ،‬كالقضاء عمى الفركؽ بيف دكؿ الشماؿ‬
‫كالجنكب ‪،‬كالحد مف ارتفاع نسبة الفقر في العالـ ‪.‬لقد أسست فكرة االستدامة عمى ثبلث محاكر ‪:‬التنمية‬
‫االقتصادية ‪،‬العدالة االجتماعية كحفع المحيط ‪،‬كنعني بيا التكازف كاالستم اررية االقتصادية االجتماعية‬
‫كالمحيط ‪.‬‬
‫االستم اررية االقتصادية ىي إشكالية مرد كدية جميع األنشطة االقتصادية‪ ،‬كىي قدرة الشركات‬ ‫‪‬‬
‫عمى االستم اررية عمى المدػ البعيد‪.‬‬
‫االستم اررية االجتماعية ‪،‬تستدعي احتراـ حقكؽ اإلنساف ‪ ،‬تكازف العرض لمجميع داخل المجتمع ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫استم اررية المحيط تعني حفع كتسيير المكارد الخاصة ذات األىمية لحياة اإلنساف ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ 2-1‬العالقة الخاصة بين السياحة والتنمية المستدامة ‪:‬‬
‫إف السياحة ىي نشاط يمكف اف يككف لو تأثير إيجابي عمى التنمية المستدامة نمكف ىذا يتطمب تخطي‬
‫بعض التحديات ‪،‬ففي البداية يجب األخذ بعيف االعتبار البعد الحقيقي لمسياحة ‪.‬مع أكثر مف ‪ 547‬أكرك‬
‫كمدخكؿ لسنة ‪ 2015‬ما يعادؿ ‪ %16‬مف الناتج الخاـ العالمي ‪ 2PIB‬تعتبر السياحة الصناعة األكلى‬
‫عالميا ‪،‬فقد أثبتت القدرة عمى التطكر المستمر كالمتناغـ منذ سنكات الخمسينات فيي القطاع األكثر حيكية‬
‫في العالـ ‪،‬باعتبارىا المركز التجارؼ العالمي األكؿ ‪،‬فيي تكفر أكثر مف ‪ 75‬مميكف منصب شغل مباشر‬
‫حسب تدير برنامج األمـ المتحدة‪ 3‬إذا فالسياحة تحافع عمى عبلقة خاصة مع المحيط كالمجتمعات مف‬
‫جية ألنيا تعتمد عمى الجذب كالنشاطات المتعمقة بالمحيط الطبيعي ‪،‬كالتراث التاريخي الثقافي ‪،‬كمف‬

‫‪1‬‬
‫‪Notre Avenir à Tous, Rapport de la Commission mondiale sur l’environnement et le développement‬‬
‫‪de l’ONU, Avril 1987‬‬
‫‪2‬‬
‫‪OMT, Faits Saillants du tourisme 2006, publication de l’OMT, disponible sur www.world-‬‬
‫‪tourism.org‬‬
‫‪3‬‬
‫‪OMT, Faits Saillants du tourisme 2006op cit.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Vers un tourisme durable. Guide à l’usage des décideurs.Organisation Mondiale du Tourisme, Madrid, 2006‬‬
‫‪251‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫جية أخرػ تفرز تذبذبات متعددة بيف الزكار كالساكنة المستقبمة كالمحيط المحمي ‪.‬في األخير باعتبار‬
‫السياحة قطاعا معقدا لمنشاطات فيك بصفة خاصة يصعب تخطيطو كتسييره فيك يتطمب تدخل العديد مف‬
‫القطاعات (النقل ‪،‬الفندقة ‪،‬اإلطعاـ ‪،‬الترفيو ‪،‬التجارة ‪،‬الحرؼ التقميدية ‪،‬الفبلحة ‪....‬إلخ)‬
‫‪ -2‬التنمية السياحية المستدامة ‪،‬مفاىيم ومبادئ ‪:‬‬
‫مف المنطقي أف نجد السياحة تدخل في حقل التفكير كالعمل نحك تنمية مستدامة ‪،‬كبكتيرة متسارعة نجد اف‬
‫مصطمح االستدامة مربكط مع السياحة باختصار(السياحة في بعدىا التنمكؼ المستداـ)‬
‫‪ 1-2‬ما ىي السياحة المستدامة ؟‬
‫في الحقيقة ال يكجد تعريف عالمي معترؼ بو لمسياحة المستدامة ‪،‬لكف يمكننا تكييف التعريف الذؼ جاء‬
‫في تقرير بروندتالند لبلستدامة ما يعطينا ىذا التعريف " نكع مف السياحة التي تستجيب لبلحتياجات‬
‫الحالية لمسياح كالصناعة السياحية كالساكنة المحمية ‪،‬دكف المساس بقدرة األجياؿ القادمة عمى االستجابة‬
‫الحتياجاتيا ‪،‬ما يعني أنيا سياحة ذات قابمية اقتصادية كلكنيا ال تأثر عمى المكارد التي يعتمد عمييا‬
‫‪1‬‬
‫المستقبل ‪،‬خاصة منيا المحيط الفيزيائي كالعبلقات المتكازنة ‪،‬كالتكازف االجتماعي لممجتمعات المحمية‬
‫كحسب تعريف المنظمة العالمية لمسياحة ‪" OMT‬مبادغ تنمية كمنيجية تسيير السياحة المستدامة يمكف‬
‫تطبيقيا عمى جميع أنماط السياحة في جميع الكجيات السياحية ‪،‬كىي مبادغ التنمية المستدامة الخاصة‬
‫بالجكانب المحيطية ‪،‬االقتصادية الثقافية لمتنمية السياحية التي تيدؼ الى إيجاد التكازف بيف ىذه األبعاد‬
‫‪2‬‬
‫الثبلثة مف أجل تأميف إستم ارريتو عمى المدػ البعيد "‬
‫‪ 2-2‬األىداف التوجييية ومبادئ السياحة المستدامة ‪:‬‬
‫حكؿ األىداؼ الثبلثة لمتنمية المستدامة كالممتثمة في االستم اررية االقتصادية ‪،‬العدالة في التكزيع ‪،‬التبلحـ‬
‫االجتماعي كحفع المحيط قامت المنظمة العالمية لمسياحة ‪ OMT‬كبرنامج األمـ المتحدة لممحيط بتحديد‬
‫‪ 12‬ىدفا عمميا مف أجل مساعدة مسيرؼ السياحة عمى كضع أسس سياحية مستدامة ‪:‬‬
‫االستم اررية االقتصادية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫النجاح كالغنى عمى المستكػ المحمي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نكعية الشغل ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العدالة االجتماعية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫‪John Swarbrooke « SustainableTourism Management » in D. Policarpo, Recherche sur les indicateurs pour‬‬
‫‪un tourisme durable : une méthode de choix et de définition d’indicateurs pour un développement touristique‬‬
‫‪durable, dans les pays en développement, Mémoire de recherche, Ecole des Hautes Etudes en Sciences Sociales,‬‬
‫‪2000-2001‬‬
‫‪2‬‬
‫‪OMT/PNUE, Vers un tourisme durable. Guide à l’usage des décideurs. Programme des Nations Unies pour‬‬
‫‪l’environnement et Organisation Mondiale du Tourisme, Madrid, 2006‬‬
‫‪252‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رضي الزكار‬ ‫‪‬‬


‫الرقابة المحمية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫رفاىية في معيشة الساكنة المحمية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الغنى الثقافي ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫األصالة كالفيزيائية ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫التنكع البيكلكجي‬ ‫‪‬‬
‫االستغبلؿ العقبلني لممكارد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫نظافة المحيط ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪1‬‬
‫الشكل ‪ : 1‬العبلقة بيف األىداؼ ‪ 12‬كأسس التنمية المستدامة‬

‫القطاع المحفوظ وادي ميزاب –تجربة جزائرية ناجحة‪-‬‬ ‫د‪-‬‬


‫‪ -1‬وادي ميزاب قطاع محفوظ)‪)2005‬وتراث عالمي منذ ‪: 1985‬‬
‫‪ -1-1‬القطاع المحفوظ كأداة لتسيير عمميات حفع القصور الصحراوية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬مفيوم القطاع المحفوظ ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪OMT/PNUE, Vers un tourisme durable. Guide à l’usage des décideurs. Op. cit. p 36‬‬
‫‪253‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يعد القطاع المحفكظ مف األشكاؿ الجديدة التي تضاؼ الى أنظمة حفع التراث الثقافي العقارؼ في‬
‫الجزائر حيث يمكف اف تخضع الممتمكات الثقافية العقارية ألحد أنظمة الحماية المخصصة ليا كىي‬
‫التسجيل في قائمة الجرد اإلضافي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التصنيف‬ ‫‪-‬‬
‫االستحداث في شكل "قطاع محفوظ"‬ ‫‪-‬‬
‫كقد خصص الفصل الثالث مف القانكف ‪ 98-04‬المتعمق بحماية التراث لمقطاعات المحفكظة ‪،‬حيث‬
‫جاء تعريفيا في المادة ‪ 41‬مف ىذا القانكف كتالي ‪":‬تقام في شكل قطاع محفوظ المجموعات العقارية‬
‫الحضرية أو الريفية مثل القصبات والمدن والقصور والقرى والمجمعات السكنية التقميدية المتميزة بغمبة‬
‫المنطقة السكنية فييا والتي تكتسي ‪،‬بتجانسيا ووحدتيا المعمارية والجمالية ‪،‬أىمية تاريخية أو‬
‫معمارية أو فنية أو تقميدية من شأنيا أن تبرر حمايتيا واصالحيا واعادة تأىيميا وتثمينيا "‪ .1‬أما‬
‫المادة ‪ 42‬فقد أكضحت كيفية إنشائيا كمف ىي الجيات المتدخمة في ىذه العممية كىذا كفق مرسكـ يتخذ‬
‫بناءا عمى تقرير مشترؾ بيف الكزراء المكمفيف بالثقافة كالداخمية كالجماعات كالبيئة التعمير كاليندسة‬
‫المعمارية‪ ،‬كما يمكف أف تقترحيا الجماعات المحمية أك الحركة الجمعكية عمى كزير الثقافة ‪،‬كتنشأ‬
‫القطاعات المحفكظة عقب استشارة المجنة الكطنية لمممتمكات الثقافية‪ ،‬كيزكد القطاع المحفكظ بمخطط‬
‫دائـ لمحماية كاالستصبلح يحل محل مخطط شغل األراضي كمف بيف الشركط الكاجب تكفرىا مف أجل‬
‫االستحداث في شكل قطاع محفكظ أف يفكؽ عدد سكانيا خمسيف ألف نسمة (‪. )50.000‬‬

‫المادة ‪ 41‬من القانون ‪. 98-04‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪254‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫الشكل‪ :02‬مكقع كادؼ ميزاب‬
‫ب‪ -‬تسيير القطاع المحفوظ وتطبيق مخططو ‪:‬‬
‫قبل سنة ‪ 2011‬كانت المؤسسة التي أككل إلييا إعداد المخطط الدائـ لحفع كاستصبلح القطاع‬
‫المحفكظ كالسير عمى ضماف تطبيق كاحتراـ ما جاء فيو ‪،‬ىي مديريات الثقافة الكاقع فييا القطاع‬
‫المحفكظ كىذا التنظيـ الذؼ كاف معمكؿ بو (المرسوم التنفيذي رقم ‪ 324-03‬المؤرخ في ‪5‬أكتوبر‬
‫‪ )2003‬كمع بداية ‪ 2011‬عرؼ ظيكر مؤسسة ثقافية جديدة خاصة بالقطاعات المحفكظة كذلؾ بعد‬
‫تعديل المادة ‪ 17‬مف المرسكـ السابق الذكر الذؼ عكضت بمكجبو مديرية الثقافة (مرسوم تنفيذي رقم‬
‫‪ 01-11‬المؤرخ في ‪5‬يناير ‪ ) 2011‬كىي عبارة عف مؤسسة عمكمية ذات طابع إدارؼ تتمتع‬
‫بالشخصية المعنكية كاالستقبلؿ انًانً ‪، 2‬وتتًثم انًهًت انزئٍسٍت نهىكانت فً ضًاٌ تُفٍذ انًخطط انذائى‬
‫‪3‬‬
‫نحفع واستصالح انقطاعاث انًحفىظت وتقًٍٍها‬
‫‪ ‬الديكاف الكطني لحماية كادؼ ميزاب كترقيتو ‪:‬نشأت ىذه المؤسسة سنة‪ 1970‬تحت اسـ"كرشة‬
‫الدراسات كالترميـ لكادؼ ميزاب ‪،‬كبعد ترقيتيا أصبحت " الديكاف الكطني لحماية كادؼ ميزاب‬
‫كترقيتو "كيعمل تحت كصاية ك ازرة الثقافة‪.‬‬
‫‪ -2‬المخطط الدائم لحفع واستصالح القطاعات المحفوظة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعريف ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ديكاف حماية كادؼ ميزاب كترقيتو ‪،‬دليل المكاقع كالمعالـ التاريخية ‪.2012.‬‬
‫‪2‬‬
‫المادة االكلى مف المرسكـ التنفيذؼ رقـ ‪ 01-11‬المتضمف إنشاء الككالة الكطنية لمقطاعات المحفكظة كتحديد تنظيميا‬
‫كسيرىا ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المادة الرابعة مف نفس المرسكـ ‪.‬‬
‫‪255‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يعد المخطط الدائـ لحفع كاستصبلح القطاعات المحفكظة ‪le Plan Permanant de (PPSMVSS‬‬
‫)‪ Mise en Valeur des Secteurs Sauvegardés‬بمثابة أداة لتسيير كحماية التراث الثقافي‬
‫المبني كالحضرؼ ‪،‬كىك ييدؼ الى الحفاظ عمى القيـ التاريخية ‪،‬الثقافية المعمارية اليندسية كما أنو‬
‫يعكض المخطط التكجييي لمتييئة كالتعمير ‪، POS‬كمف أجل تكضيح كيفية إعداد ىذا المخطط كد ارستو‬
‫كمحتكاه كتنفيذ محتكاه جاء المرسوم التنفيذي رقم ‪ 324-03‬كنص تطبيقي لممادة ‪ 45‬مف القانكف‬
‫‪ ، 98-04‬كفي إطار احتراـ األحكاـ المتعمقة بالمخطط التوجييي لمتييئة والتعمير يحدد المخطط الدائـ‬
‫بالنسبة لممجمكعات العقارية الحضرية أك الريفية المنشأة في شكل قطاع محفكظ ‪ ،‬القكاعد العامة‬
‫كارتفاقات استخداـ األرض التي يجب أف‪ ،‬تتضمف اإلشارة الى العقارات التي ال تككف محل ىدـ أك تعديل‬
‫أك التي فرض عمييا اليدـ أك التعديل ‪،‬كما يحدد الشركط المعمارية التي يتـ عمى أساسيا المحافظة عمى‬
‫العقارات كاإلطار الحضرؼ ‪،‬كما ينص المخطط عمى إج ارءات خاصة لمحماية كالسيما المتعمقة‬
‫بالممتمكات الثقافية العقارية المسجمة في قائمة الجرد اإلضافي ‪،‬أك في انتظار التصنيف أك المكجكدة‬
‫‪1‬‬
‫داخل القطاع المحفكظ ‪.‬‬
‫‪ -2‬مراحل دراسة واعداد المخطط ‪:‬‬
‫يمكف أف تقترح الجماعات المحمية (البمدية كالكالية) أك الحركة الجمعكية عمى كزير الثقافة ‪،‬كتنشأ‬
‫القطاعات المحفكظة عقب استشارة المجنة الكطنية لمممتمكات الثقافية ‪،‬كيزكد القطاع المحفكظ بمخطط‬
‫دائـ لمحماية كاالستصبلح يحل محل مخطط شغل األراضي‪ ،‬كبإخطار مف الكزير المكمف بالثقافة يقكـ‬
‫كالي الكالية المعنية بالقطاع المحفكظ بطمب مداكلة في المجمس الشعبي الكالئي مف أجل إعداد المخطط‬
‫الدائـ لحفع استصبلح القطاع المحفكظ ‪،‬كبعد المداكلة يقكـ الكالي بإعبلـ رئيس البمدية الكاقع بيا القطاع‬
‫المحفكظ ‪.‬‬
‫كبعد ‪ 15‬يكـ مف نياية المشاكرات كبناء عمى تقرير مف مدير الثقافة يقكـ الكالي بتحديد قائمة المعنييف‬
‫باستشارتيـ عند القياـ بعممية إعداد المخطط ‪،‬كيعمق القرار بمقر البمديات المعنية ‪ .‬ينظـ مدير الثقافة‬
‫بالتعاكف مع رؤساء البمديات المعنية جمسات لمتشاكر خبلؿ كامل مراحل إعداد المخطط كمف ثـ تتـ‬
‫المصادقة عميو بمداكلة في المجمس الشعبي الكالئي ‪،‬حيث يبمغ الكالي مختمف المصالح اإلدارية المعنية‬
‫‪2‬‬
‫‪،‬حيث تميل مدة ‪ 30‬يكـ مف أجل إبداء رأييا كمبلحظاتيا‬
‫كيمر إعداد المخطط بثبلث مراحل ميمة ىي ‪:‬‬

‫‪ 1‬المادة ‪ 02‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪324-03‬‬


‫‪2‬‬
‫المادة ‪ 06-05-04- 03‬من نفس المرسوم التنفيذي‬
‫‪256‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ ‬المرحمة األولى ‪:‬كىي مرحمة التشخيص كعند الضركرة التدابير اإلستعجالية ‪.‬‬
‫‪ ‬المرحمة الثانية ‪ :‬وىي مرحمة تحميل تاريخي كتيبكلكجي كمشركع تمييدؼ لممخطط الدائـ لحفع‬
‫كاستصبلح القطاع المحفكظ ‪.‬‬
‫‪ ‬المرحمة الثالثة ‪ :‬كىي مرحمة إعداد الصيغة النيائية لممخطط الدائـ لحفع كاستصبلح القطاع‬
‫المحفكظ‬
‫‪ -3-‬محتوى المخطط ‪:‬‬
‫يتككف المخطط مف‬
‫أ‪ -‬التقرير التقديمي ‪:‬يكضح الكضعية الحالية لمقطاع المحفكظ كأىـ قيمو الفنية كالتاريخية كالمعمارية‬
‫كالحضرية كاالجتماعية ‪.‬‬
‫ب‪-‬االئحة التنظيمية ‪ :‬كتحدد ىذه البلئحة القكاعد العامة كارتفاقات استخداـ األرض ‪.‬‬
‫كتتمثل الكثائق البيانية كمختمف المخططات التي تحدد محيط القطاع كحدكده‬ ‫ج‪ -‬المالحق ‪:‬‬
‫‪،‬كضعية الحفع التي تبيف درجة كطبيعة كأسباب تمف المباني كالمناطق غير المبنية ‪.‬‬

‫الصكرة ‪ :01‬قصكر كادؼ‬


‫ميزاب‬

‫‪257‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪1‬‬
‫انشكم ‪;30‬انًخطط انذائى نحفع وإستصالح انقطاع انًحفىظ نىادي يٍشابانقصىر انذاخهت فً يجال انحفع‬

‫الخاتمة ‪:‬‬
‫اف مف األسباب التي تعيق المدف التاريخية في تنمية سياحة مستدامة نجد الجيل بقدراتيا السياحية كعدـ‬
‫اإللماـ بتأثيرات كفيـ ميكانيزمات دكرة الحياة السياحية كقكانينيا ‪،‬ما ينجر عنو ق اررات خاطئة تؤدؼ الى‬
‫تضخيـ المشاكل األصمية ‪،‬إذا غياب التنظيـ العاـ ينتج عنو تأثير عمى المحيط الحضرؼ ‪ .‬فقد حاف‬
‫الكقت لمتفكير في سياحة قميمة التأثير‪ ،‬كاستبداؿ طريقة التسيير التقميدية المبنية عمى االتصاالت‪،‬‬
‫فالسياحة تستمزـ التفكير كالتخطيط مع االىتماـ بالتركيبة المعقدة ليا كالعبلقة مع المحيط‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫الصكرة ‪:02‬االسكاؽ التجارية بكادؼ ميزاب‬

‫‪1‬دٌىاٌ حًاٌت وادي يٍشاب وتزقٍته ‪َ،‬فس انًزجع ‪.‬‬


‫‪ 2‬أرشٍف انصىر نذٌىاٌ حًاٌت وتزقٍت وادي يٍشاب ‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫التوصيات ‪:‬‬
‫‪ ‬تأسيس التنمية عمى مقاربة شاممة متعددة االختصاصات المتعمقة بالسياحة‬
‫‪ ‬التنمية المتناغمة كالمستدامة لمسياحة ال تتحقق اال بسياسة شاممة تعتمد عمى الكاقع الحضرؼ‬
‫كتعدد الكظائف ‪،‬كادماج مختمف الفاعميف ‪.‬‬
‫‪ ‬تسيير النكعية كدعامة لمسياحة المستدامة فيي تجمع بيف البحث عف التنافسية كاالستدامة ‪.‬‬
‫‪ ‬تطكير إستراتيجية مكحدة في مجاؿ النكعية يعد كسيمة لممساىمة في تحسيف صكرة المدينة ‪.‬‬
‫جدول االشكال والصور ‪:‬‬
‫انعُىاٌ‬ ‫انزقى‬
‫انشكم رقى ‪ 12‬العبلقة بيف األىداؼ ‪ 12‬كأسس التنمية المستدامة‬
‫انشكم رقى ‪ 13‬مكقع كادؼ ميزاب‬
‫انًخطط انذائى نحفع وإستصالح انقطاع انًحفىظ نىادي يٍشاب انقصىر انذاخهت فً يجال انحفع‬ ‫انشكم رقى ‪14‬‬
‫انصىرة رقى ‪ 12‬قصكر كادؼ ميزاب‬
‫انصىرة رقى ‪ 13‬االسكاؽ التجارية بكادؼ ميزاب‬

‫المصادر والمراجع ‪:‬‬


‫المغة العربية ‪:‬‬
‫ديكاف حماية كادؼ ميزاب كترقيتو ‪،‬دليل المكاقع كالمعالـ التاريخية ‪.2012.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أرشيف الصكر لديكاف حماية كترقية كادؼ ميزاب‬ ‫‪.2‬‬
‫المادة ‪ 41‬مف القانكف ‪98-04‬‬ ‫‪.3‬‬
‫المادة االكلى مف المرسكـ التنفيذؼ رقـ ‪ 01-11‬المتضمف إنشاء الككالة الكطنية لمقطاعات المحفكظة كتحديد‬ ‫‪.4‬‬
‫تنظيميا كسيرىا‬
‫المادة ‪ 02‬مف المرسكـ التنفيذؼ رقـ ‪324-03‬‬ ‫‪.5‬‬
‫المغةاالجنبية ‪:‬‬
‫‪1.‬‬ ‫‪Alexander Melissions, «le plan de sauvegarde : une démarche d architecteur, et d‬‬
‫‪urbanisme» in loi Malraux 40 bougie pour éclaire l avenir, Actes du colloque de bayonne du‬‬
‫‪27.28.29 mars 2003‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Claude Origet du Cluzeau, Le tourisme culturel, Presses universitaires de France, coll.‬‬
‫‪Que sais-je, Paris, 2007‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Christian Queffelec, «le fonctionnement des Centres anciens : Questions urbaines,‬‬
‫‪Soules, économiques, et techniques » in secteurs sauvegardes ZPPAUP, et PLU patrimoniaux‬‬
‫‪, Actes du séminaire de chinan du 19-20-21 janvier 2006 .‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Dominique Audrerie, Questions sur le patrimoine, éditions Confluences, Bordeaux,‬‬
‫‪2003‬‬

‫‪259‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

5. Françoise Choay, l allegorie du patrimoine, Seuil, Paris, 1992


6. Jan Van Der Borg, « La gestion du tourisme dans les villes historiques » in G. Cazes
et F. Potier, Le tourisme et la ville : expériences européennes, L’Harmattan, Paris, 1998
7. John Swarbrooke « SustainableTourism Management » in D. Policarpo, Recherche sur
les indicateurs pour un tourisme durable : une méthode de choix et de définition d’indicateurs
pour un développement touristique durable, dans les pays en développement, Mémoire de
recherche, Ecole des Hautes Etudes en Sciences Sociales, 2000-2001
8. Paolo Costa et Jan Van Der Borg « Maîtriser le tourisme dans les villes d’art », in
Tourisme et culture, Cahier Espaces n°37, Editions touristiques européennes, Paris, juin 1994
9. Serge Viau, « Non, le patrimoine n’est pas que de marbre…, ou de pierre » in
Tourisme urbain et patrimoine, Les cahiers de la section française de l’Icomos, Aix en
Provence, 7-8 mars 1991
10. Charte d Athènes : pour la restauration des Monuments historiques, première congres
international des UNESCO,ICOMOS , 1931 .
11. Charte de Venise ,lleCongrès international des architectes et techniciennes des
monuments Historiques ,UNESCO. ICOMOS.1964.
12. Charte internationale pour la sauvegarde des villes historiques, Adoptée par
L’Assemblée Générale
d’ICOMOS à Washington D.C., octobre 1987
13. Notre Avenir à Tous, Rapport de la Commission mondiale sur l’environnement et le
développement
14.de l’ONU, Avril 1987
15. OMT, Faits Saillants du tourisme 2006, publication de l’OMT, disponible sur
www.world-tourism.org
16. OMT/PNUE, Vers un tourisme durable. Guide à l’usage des décideurs. Programme
des Nations Unies pour
l’environnement et Organisation Mondiale du Tourisme, Madrid, 2006
17. Patrimoine, centres historiques, développement local. La coopération franco-
roumaine, Simetria éditions 2007
18. Vers un tourisme durable. Guide à l’usage des décideurs.Organisation Mondiale du
Tourisme, Madrid, 2006
19. Le Petit Larousse, 1993

260
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫معركة مرج األسقف (بوزن) ‪249‬ىـ‪863 /‬م‬


‫(الدوافع ‪ -‬األىمية)‬
‫‪Battle of the Maraj Alasqif (Poson) 249A.H/863A.D‬‬
‫)‪(Motives-Importance‬‬
‫د‪ .‬خميس أحمد أرحومو‬
‫أستاذ مساعد ‪ -‬قسم التاريخ ‪ -‬كمية اآلداب ‪ -‬جامعة طبرق‪ -‬ليبيا‬
‫‪Eail: kbootruba@yahoo.com‬‬
‫ممخص البحث‬
‫كانت الصراعات كالحركب ىي النمط األكثر شيكعا في العبلقات بيف الشرؽ كالغرب‪ ،‬كيقف‬
‫مكضكع ىذا البحث حكؿ أحد تمؾ الشكاىد التي كقعت في لقاء بيف كيانيف سياسييف أحدىما مثل الغرب‬
‫كىك اإلمبراطكرية البيزنطية‪ ،‬كاآلخر مثل الشرؽ كىك الخبلفة العباسية اإلسبلمية‪.‬‬
‫كاف ىذا المقاء سنة ‪249‬ق‪863 /‬ـ في معركة عرفت باسـ مرج األسقف ‪ Poson‬كعمى الرغـ‬
‫مف َّقمة المعمكمات الكاردة بيف طيات المصادر حكؿ أحداث ىذه المعركة إالَّ أف ىذا األمر لـ يقف حائبل‬
‫دكف الخكض في تفاصيل ىذه المكقعة الميمة‪ .‬كلعل الغمكض الذؼ خيـ عمييا كاف السبب الكامف خمف‬
‫اختيارنا ليا كمكضكع بحث نيدؼ مف خبللو الكشف عف تفاصيل األحداث كمجرياتيا‪ ،‬كتسميط الضكء‬
‫عمى أىـ النتائج المباشرة كغير المباشرة التي أسفرت عنيا منكىيف عمى اعتمادا في سبيل ذلؾ عمى‬
‫المنيج التاريخي السردؼ التحميمي المقارف‪.‬‬
‫كقد كصمت ىذه الدراسة إلى نتائج عدة ىي‪:‬‬
‫أف ىذه الدراسة أكضحت مجريات األحداث العسكرية ألحدػ المعارؾ ذات األىمية في الصراع‬
‫المحتد بيف الدكلتيف كمدػ التنافس عمى السيادة كالسيطرة بينيما‪ .‬كتتبيف أىمية ىذه المعركة مف حيث‬
‫المشابية في نتائجيا كآثارىا لتمؾ المعارؾ الكبرػ‪ ،‬كمعركة بكاتييو التي أكقفت تقدـ القكات اإلسبلمية إلى‬
‫حيف في أكركبا‪ ،‬ككذلؾ أكقفت معركة مرج األسقف تقدـ القكات اإلسبلمية في آسيا‪.‬‬
‫كما تشابيت مع نتائج معركة اليرمكؾ التي أنتصر فييا المسممكف‪ ،‬حيث إف نتيجتيا فرضت عمى‬
‫اإلمبراطكرية البيزنطية المنيزمة كضع المدافع ال المياجـ‪ ،‬كىذا ما حدث عقب ىذه الكاقعة حيث منحت‬
‫نتيجتيا القدرة لمقكات البيزنطية المنتصرة في اليجكـ كأكقفت غارات المسمميف البرية عمى بيزنطة كجعمتيـ‬
‫في مكضع الدفاع ال اليجكـ‪.‬‬
‫تبيف مف خبلؿ ىذه الدراسة أف انتصار بيزنطة في ىذه المعركة كاف فعبل نقطة تحكؿ في الصراع‬
‫بيف الشرؽ كالغرب‪ ،‬حيث إنيا شكمت منعطفا جديدا في العبلقات بيف الدكلتيف اإلسبلمية كالبيزنطية‪،‬‬

‫‪261‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫كأثرت بشكل مباشر في كفتي ميزاف القكػ بينيما فرجحت كفة القكات البيزنطية عمى كفة قكات الخبلفة‬
.‫اإلسبلمية‬
‫نتيجة أخرػ ىي إف ما أسفرت عنو ىذه المعركة شكل نقطة اإلفاقة التي شيدتيا قكات‬
‫اإلمبراطكرية البيزنطية في عيد األسرة المقدكنية التي أعقبت األسرة العمكرية في حكـ اإلمبراطكرية‬
.‫فبادرت باليجكـ عمى الثغكر اإلسبلمية‬
‫كأيضاً مف خبلؿ تتبع سير األحداث السابقة كالبلحقة لمجريات معركة مرج األسقف يتبيف عمق‬
‫ ككذلؾ السياسي كمحاكلة كبل الطرفيف بسط النفكذ عمى أكبر مساحة لبلستئثار‬،‫ذلؾ الصراع األيديكلكجي‬
.‫بمكارد ىذه المساحة كذات الكقت لنشر الفكر الديني كضـ أكثر عدد إليو سكاء باعتناقو أك مناصرتو‬
.‫الخبلفة اإلسبلمية‬،‫ االمبراطكرية البيزنطية‬،‫ معركة مرج األسقف‬:‫الكممات المفتاحية‬
Abstract
The conflicts, war is a pattern most common in the relations between the East
and West, hence the subject of this research one of the evidence for that conflict
between , the West, "Byzantine Empire" and the East "caliphate Abbasid" The
both sides met in a battle in 249 Ah / 863AD, known as a battle of Maraj
Alasqif (Poson ) despite the lack of information about the battle in the sources,
However, this has not deterred the writer to highlight this topic as well as show
importance of this battle . Perhaps this is the reason behind my selection of this
topic as subject of research, this study aims to disclosure of event details and
highlight the most important results direct and indirect. This paper depend in the
historical narrative analytical comparative. This study led to several results :
The study indicated a military action as well as an important battle that
happened between the east and the West and shows how to compete on
sovereignty and control between them. Firstly, Importance of this battle that the
similarity of its results to other a great battles, for instance the battle of Poitiers
that stopped the Islamic conquest in Europe, likewise the battle of Poson
stopped the progress of Islamic army in Asia. A similarity also to the battle of
Yarmuk which the Muslims gained a victory over the Byzantine Empire , as the
result they put the Byzantine Empire in position of defender instead of attacker,
likely that's what happened after the the battle of Maraj Alasqif( Poson) where
the Byzantine victory stopped the Muslims raids. Secondly, this study provides
a clear evidence that this battle was actually a turning point in the conflict
between the East and West, where it is formed a turn for a new in the relations
between the two-state namely the Islamic caliphate and Byzantine empire , and
influenced directly in the balance of power in the region by the superiority
forces Byzantine over the forces caliphate Islamic. Thirdly, this battle from a
point of departure forces Byzantine Empire in the era of the Macedonian family
262
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪to attack the Islamic region . Finally, through track progress of past events and‬‬
‫‪subsequent of battle of Poson I found that it's represent in a depth the conflict‬‬
‫‪ideological and political as well as the both parties tried to control the larger‬‬
‫‪area to have an advantage of the resources of that area and to spread religious‬‬
‫‪thought.‬‬
‫‪Keywords; Battle of Meadow Bishop - Byzantine Empire - Islamic Caliphate.‬‬
‫المقدمة‬
‫مثمت الصراعات كالحركب نمطا مف أنماط العبلقات بيف الشرؽ كالغرب في العصر الكسيط ‪،‬‬
‫كيبدك ىذا ظاى ار لجميع الميتميف بيذا الشأف كالمتتبعيف ألحداث تمؾ الفترة؛ حيث كانت الصراعات ىي‬
‫السمة الغالبة عمى طبيعة تمؾ العبلقة‪ ،‬كال يكجد في الحقيقة تفسير كاضح محدد يمكف التعاطي معو عمى‬
‫أنو سببا لتغمب ىذا األسمكب دكف غيره؛ إالّ احتماؿ أف يككف ناتجا عف تضارب مصالح أك اختبلؼ‬
‫أيديكلكجي بيف الطرفيف‪ ،‬كعدـ قدرة تمؾ األطراؼ أف صح التعبير عمى إيجاد قكاسـ مشتركة في غالب‬
‫األحياف تمكنيـ مف الكصكؿ لتكافق مادؼ أك فكرؼ عمى حد سكاء‪ ،‬فمجئكا مف ثـ إلى فرض إرادتيـ‬
‫مسخريف في سبيل تحقيقيا كل ما كانكا يمتمككنو مف عدة كعتاد‪ ،‬كفي غمرة مجريات األحداث التاريخية‬
‫ما يؤكد ذلؾ‪ ،‬فيذه المعركة التي نحف بصدد تناكليا يمكف أف تككف أحد الشكاىد لما نرمي إليو‪ ،‬فمقد‬
‫حدثت بيف كيانيف سياسييف يمثل كل منيما طرفا مف أطراؼ الصراع "الغربي ‪ -‬الشرقي" كيقصد بيما‬
‫اإلمبراطكرية البيزنطية‪ ،‬كالخبلفة اإلسبلمية المتاف خاضتا العديد مف المعارؾ ضد بعضيما البعض طيمة‬
‫فترة كجكدىما‪.‬‬
‫كعمى الرغـ مما تمثمو ىذه المعركة مف أىمية إال أف الكثير مف الغمكض قد خيـ عمى تفاصيميا‬
‫كال نعمـ سببا بعينو يكمف خمف عدـ تناكؿ معظـ المؤرخيف البيزنطييف ألحداثيا بشكل كاضح كصريح‬
‫كغيرىا مف المعارؾ التي نشبت بيف القكات البيزنطية كقكات الخبلفة اإلسبلمية‪ ،‬إالَّ ما كاف يكنو مؤرخي‬
‫بيزنطة كالذيف كاف غالبيـ مف مؤرخك الكنيسة كمف الفريق الداعـ لما ُعرؼ في التاريخ باأليقكنات أؼ‬
‫عبادة الصكر‪ ،‬لقائد المعركة أك اإلمبراطكر الذؼ تنسب إليو كىك المنتمي إلى األسرة العمكرية المعادية‬
‫لؤليقكنات‪.‬‬
‫كذلؾ يبدك أف المؤرخيف المسمميف لـ يكف لدييـ كثير الحماس أيضاً لذكر تفاصيل ىذه المعركة‬
‫فاكتفكا باإلشارة إلييا في أحداث السنكات التي تناكلكىا كلـ يفردكا ليا مساحة كبيرة كما كاف دأبيـ في‬
‫تناكؿ مثل ىذه األحداث الميمة‪.‬‬
‫كلعل معرفة أسباب كقكع ىذه المعركة كاف الدافع الختيار ىذا المكضكع‪ ،‬فالكقكؼ عمى أىـ نتائج‬
‫ىذه المعركة المباشرة كغير المباشرة ىي اليدؼ مف ىذا البحث رغـ َّقمة المصادر كشح المعمكمات‬

‫‪263‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الكاردة عف ىذه المكقعة‪ ،‬منكىيف عمى أتباعنا في سبيل الكصكؿ إلى ذلؾ عمى المنيج التاريخي السردؼ‬
‫التحميمي المقارف‪.‬‬
‫قبل الحديث عف مجريات ىذه الكاقعة نجد مف األىمية بمكاف أف نسمط الضكء عمى الحياة‬
‫السياسية التي كانت تعيشيا اإلمبراطكرية البيزنطية تحت حكـ األسرة العمكرية‪ ،‬كالخبلفة اإلسبلمية التي‬
‫كانت تمثميا األسرة العباسية‪ .‬كذلؾ لكي يتبيف كيتضح لممتتبع البيئة السياسية التي كانت عمييا الدكلتاف‬
‫قبل نشكب المعركة بينيما‪.‬‬
‫األحوال السياسية في اإلمبراطورية البيزنطية والخالفة العباسية قبيل المعركة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلمبراطورية البيزنطية‪:‬‬
‫عانت اإلمبراطكرية البيزنطية مف صراعات طاؿ أمدىا حكؿ المشكمة الدينية المتمثمة في عبادة‬
‫(‪)1‬‬
‫شغمتيا عف الكثير مف األمكر األخرػ الميمة لمدكلة فأضعفت مركزىا فيما تبقى ليا مف‬ ‫اإليقكنات‬
‫ممتمكات في جنكب ايطاليا كأسيمت في تعميق الخبلؼ كاالنشقاؽ بيف الكنيسة الشرقية كالغربية مف جية‬
‫كبيف اإلمبراطكر كالبابكية في ركما مف جية أخرػ‪ ،‬كانقسـ بسبب ىذا الخبلؼ المجتمع المسيحي إلى‬
‫مناصر كمناىض لذلؾ االعتقاد منذ زمف اإلمبراطكر ليك الثالث االيسكرؼ ‪Leo III The Isaurian‬‬
‫(‪741-717‬ـ) الذؼ تزعـ المعسكر البلإيقكني كآثار ضدىا حربا مقدسة كانت عمى حد قكؿ ثيكفانس‬
‫(‪)2‬‬
‫أكثر "انعداما لمرحمة" ‪ ،‬أما الطرؼ األخر فقد تزعمو بادغ األمر بابا القسطنطينية جرمانكس‬

‫(‪ )1‬ىي عبادة التماثيل كالصكر كيرػ البعض أف ظيكر ىذه الحركة كاف ناجما عف تأثر اإلمبراطكر ليك الثالث بالديانة‬
‫الييكدية كاإلسبلمية المتيف تحرماف عبادة الصكر كخاصة بعد أف أصدر الخميفة األمكؼ يزيد بف عبد الممؾ (‪724-720‬ـ)‬
‫مرسكمو الذؼ نص عمى إزالة كافة الصكر المكجكدة في الكنائس داخل ببلد اإلسبلـ‪ ،‬إضافة إلى حدكث ظاىرة طبيعية‬
‫تمثمت في اندالع بركاف في بحر ايجة سنة ‪726‬ـ فسر عمى انو غضب اليي بسبب عبادة األيقكنات؛ كنشير إلى كجكد‬
‫أصل في اعتراض البلايقكنييف عمى األيقكنات في الكتاب المقدس المسيحي حيث كرد فيو" اليكف لؾ آلية أخرػ أمامي‪ .‬ال‬
‫تصنع لؾ تمثاال منحكتا كال صكرة ما مما في السماء مف فكؽ كما في األرض مف تحت كما في الماء مف تحت األرض‪.‬‬
‫ال تسجد ليف كال تعبدىف‪ .‬ألني أنا الرب إليؾ إلو غيكر ‪ = "..‬سفر الخركج اإلصحاح العشركف‪.‬‬
‫‪Theophanes: the Chronicle, trans. Cyril Mango and Roger Scott, Clarendon press.‬‬
‫;‪Oxford,1997, pp. 555‬‬
‫نقفكر‪ :‬التاريخ المختصر‪769-602‬ـ‪ ،‬ترجمة ىانئ عبد اليادؼ البشير‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار النيضة العربية‪ ،2007،‬ص ‪-95‬‬
‫‪.96‬‬
‫‪Vasiliev, A. A:" The Iconoclastic Edict of the Caliph Yazid II, A. D. 72" , DOP,‬‬
‫‪vol.9(1956)pp.25-26.‬‬
‫‪(2)Theophanes: Op Cit, p. 559.‬‬
‫‪264‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪730-715( Germanus‬ـ) مع غالبية الرىباف ‪ ،‬كالكثير مف العامة كالنساء‪ ،‬كاضطرب المجتمع‬
‫البيزنطي كأضحى العداء كالكره بيف الطرفيف ساف ار جميا‪ ،‬كلعل في الركاية المتعمقة باألحداث التي أعقبت‬
‫أكامر اإلمب ارطكر ليك الثالث سنة ‪726‬ـ تبياف لذلؾ‪ ،‬إذ قضت تعميماتو بضركرة إنزاؿ أيقكنة السيد‬
‫المسيح المكجكدة عمى مدخل القصر اإلمبراطكرؼ‪ ،‬كبما أف ىذه األيقكنة تحظى بمكانة خاصة لدػ عامة‬
‫(‪)2‬‬
‫الجميكر الذيف قامكا بقتل بعض القائميف عمى إزالة ىذه الصكرة ‪ ،‬كانت ردة فعل اإلمبراطكر االنتقامية‬
‫التي راح ضحيتيا الكثير تعكس مدػ حدة الخبلؼ كاالنقساـ الديني بيف الطرفيف‪ ،‬خصكصا أف مناصرؼ‬
‫عبادة الصكر اعتبركا مف ُقتل منيـ في تمؾ األحداث شيداء(‪.)3‬‬
‫ظل الصراع البلأيقكني مستم ار طيمة عيد األسرة االيسكرية (‪813 -717‬ـ)‪ ،‬كاألسرة العامكرية‬
‫(‪867-820‬ـ) مع تبايف مستكياتو مف حيث القكة كالضعف‪ ،‬فالمتتبع ليذه القضية يجد أنيا اشتدت في‬
‫عيد بعضيـ كعمى كجية الخصكص الرجاؿ منيـ مثل ليك الثالث كقسطنطيف الخامس‪ConstantineV‬‬
‫(‪775-741‬ـ) كثيكفميس ‪842-829( Theophilus‬ـ) في حيف أف األمر اختمف زمف النساء المكاتي‬
‫كف مع عبادة الصكر كىف اإلمبراطكرة ايريف ‪802-797 ( Irene‬ـ)‪ ،‬كاإلمبراطكرة ثيكدك ار ‪Theodora‬‬
‫(‪856-842‬ـ) التي تكلت العرش ككصية عمى ابنيا ميخائيل الثالث ‪867-856( Michael III‬ـ) عقب‬
‫كفاة أبيو سنة ‪842‬ـ ككاف أكؿ أعماليا ىك عقد مجمع ديني سنة ‪843‬ـ كضعت بمكجبو حدا ليذه‬
‫المشكمة التي استمرت ما يربك عف القرف مف الزماف كذلؾ منذ سنة (‪843-736‬ـ)(‪.)4‬‬
‫كلـ تكف القضية البلأيقكنية التي عانت منيا اإلمبراطكرية البيزنطية كىددت استقرارىا كأمنيا ىي‬
‫فقط المشكمة الكحيدة أماميا بل داىميا الكثير مف المخاطر الخارجية التي أرقت مضجعيا كتسببت في‬
‫إرىاقيا كضع فيا كأدػ بيا إلى خكض غمار حركب طكيمة ضد أكلئؾ الطامعيف في االستيبلء عمى إرثيا‬
‫الحضارؼ كالمادؼ كالبمغار كالركس كالصقالبة كالمسمميف كغيرىـ‪ ،‬كعمى الرغـ مما شكمتو ىذه العناصر‬
‫مف ضغط شديد عمى اإلمبراطكرية‪ ،‬إال أف المسمميف كانكا يمثمكف في تمؾ الفترة أكبر خطر كاجيتو‬
‫اإلمبراطكرية‪ ،‬كذلؾ ألنيـ منذ تأسيس دكلتيـ كانطبلؽ حركة الفتكحات اإلسبلمية التكسعية عمى حساب‬
‫الكيانات السياسية المعاصرة كالمجاكرة ليـ كالتي مف بينيا اإلمبراطكرية البيزنطية الكاقعة إلى جية الغرب‬

‫‪(1)Vasiliev A. A. : History of the Byzantine Empire 324- 1454, Madison, 1952, p.253.‬‬
‫‪)2( Theophanes:, Op Cit, p. 559-560, See also Ostrogorsky G.: History of the Byzantine State,‬‬
‫‪Translate Joan Hussy,Rutgers University press, New Jersey, 1957. P.162, Vasiliev: History of‬‬
‫‪the Byzantine Empire, p.252.‬‬
‫‪(3) Theophanes: Op Cit, pp.559-560.‬‬
‫‪(4)Vasiliev: History of the Byzantine Empire , p. 254, See also, Ostrogorsky G: Op Cit, p.195.‬‬
‫‪265‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫منيـ تمكنكا مف االستيبلء عمى ببلد الشاـ كمصر كأسيا الصغرػ‪ ،‬بل أزداد الخطر اإلسبلمي عمى النفكذ‬
‫(‪)1‬‬
‫البيزنطي بعد اىتماـ المسمميف بسبلح البحرية ‪ ،‬كامتبلكيـ ألسطكؿ قكؼ استطاعكا بفضمو االستيبلء‬
‫عمى العديد مف الجزر التي كانت تابعة لئلمبراطكرية مف بينيا جزيرة كريت التي استكلكا عمييا سنة‬
‫‪827‬ـ كجزيرة صقمية التي سقطت عاصمتيا سيراكك از سنة ‪831‬ـ(‪.)2‬‬
‫كعمى الرغـ مف المحاكالت الكثيرة التي بذلت زمف اإلمبراطكر ميخائيل الثاني كاإلمبراطكر‬
‫ثيكفيمكس السترجاع ما خسرتو اإلمبراطكرية مف مكاقع‪ ،‬إال أف جيكدىـ لـ تكمل بالنجاح‪ ،‬حيث كاف‬
‫المسممكف كعمى الرغـ مف تفرقيـ عمى جانب مف القكة مكنتيـ مف الدفاع كلك إلى حيف عف تمؾ الجزر‪،‬‬
‫كقبل االسترساؿ في ىذا الجانب نسمط الضكء عمى الخبلفة اإلسبلمية كيما نقف عمى أىـ المراحل التي‬
‫كاف ليا دك ار بار از في مجريات األحداث‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الخالفة اإلسالمية‪:‬‬
‫كأؼ كياف سياسي مرت الخبلفة اإلسبلمية بأطكار متباينة في القكة كالضعف ككاف أكج تماسكيا‬
‫كقكتيا إباف الخبلفة الراشدة (‪40-11‬ق‪661-632 /‬ـ) كأكائل الخبلفة األمكية (‪132-41‬ق‪-661/‬‬
‫‪950‬ـ) التي أسسيا معاكية بف أبي سفياف( ‪60-41‬ق‪680-661 /‬ـ) ثـ جدد تأسيسيا مركاف بف الحكـ‬
‫(‪)3‬‬
‫(‪65 -64‬ق‪685-684 /‬ـ) ‪ ،‬إالَّ أف الحسد بيف األسرة الحاكمة كسكء سمكؾ العماؿ كاألمراء كعمى‬
‫كجو الخصكص أكلئؾ الذيف ىـ بعيدكف عف مركز الخبلفة في دمشق كما نتج عف ظمميـ مف ردة فعل‬

‫(‪ )1‬لـ يمتمؾ المسممكف أسطكالً بحرياً حتى زمف الخميفة عثماف‪ ،‬كذلؾ الف الخميفة عمر كاف يرفض حمل المقاتميف في‬
‫البحر مخافة عمييـ كلذا أمر معاكية عندما طمب منو اإلذف لمغزك في البحر لتمؾ المناطق الساحمية التي تيدد الحدكد‬
‫اإلسبلمية آنذاؾ ‪ ،‬أف يحصف الثغكر كيرـ حصكنيا رافضا لطمبو ‪ ،‬كلما جاء عثماف كافق عمى طمب معاكية‪ ،‬كمنذ ذلؾ‬
‫الحيف بدأ المسممكف في االىتماـ باألسطكؿ البحرؼ بعد أف خاضكا معركة ذات الصكارؼ سنة ‪34‬ىػ ‪ ،‬الطبرؼ‪ ،‬أبك جعفر‬
‫دمحم بف جرير‪ :‬تاريخ األمـ كالممكؾ تاريخ الطبرؼ‪ ،‬عماف‪ ،‬بيت األفكار الدكلية‪ ،‬بدكف تاريخ‪ ،‬ص‪739‬؛الببلذرؼ‪،‬أحمد بف‬
‫يحيى بف جابر‪ :‬البمداف كفتكحيا كأحكامو‪ ،‬تحقيق سييل زكار‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الفكر لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪،1992 ،‬‬
‫ص‪.150-149‬‬
‫‪(2) Bury: A History of the Eastern Roman Empire from the fall of Irene to the Accession of‬‬
‫‪Basil I 802-867A.D, London, 1912, pp.289, 304.‬‬
‫أنظر أيضا أسمت غنيـ‪ :‬تاريخ اإلمبراطكرية البيزنطية ‪ ،1453-324‬اإلسكندرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،1990 ،‬‬
‫ص‪.68-66‬‬
‫(‪ )3‬انظر أبك الفداء إسماعيل بف كثير‪ :‬البداية كالنياية‪ ،‬تحقيق رياض عبد الحميد مراد كدمحم حساف عبيد‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪،‬‬
‫دار ابف كثير لمطباعة كالنشر‪ ،2010،‬الجزء ‪.8-7‬‬
‫‪266‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مف قبل السكاف كاستغبلؿ ذلؾ األمر مف قبل دعاة العباسييف ‪ ،‬أسيـ في إسقاط األسرة المركانية‬
‫(‪)2‬‬
‫الذيف ثبتكا دعائـ‬ ‫األمكية مف الحكـ كانتقمت الخبلفة إلى بني العباس(‪923-132‬ق‪1517-750/‬ـ)‬
‫حكميـ عمى كافة الرقعة التي كاف يسيطر عمييا األمكيكف باستثناء األندلس التي تمكف عبد الرحمف بف‬
‫معاكية (‪172-113‬ق‪788-731/‬ـ) أحد أحفاد مركاف بف الحكـ مف االستئثار بيا(‪.)3‬‬
‫عمى أية حاؿ استمرت سياسة الخبلفة اإلسبلمية عيد األسرة العباسية مع اإلمبراطكرية البيزنطية‬
‫عمى ما كانت عميو زمف الخمفاء السابقيف كأف اختمفت نسبيا‪ ،‬حيث اتسمت سياستيـ بحرب مفتكحة‬
‫يتخمميا فترات قصيرة مف السبلـ كاليدكء‪ ،‬ككانت لعكامل الضعف كالقكة دك ار كبي ار في رسـ تمؾ السياسة‪،‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كما أف كفة الميزاف لتمؾ الحركب غالبا ما جاءت في صالح المسمميف ‪ ،‬غير أف كثرة الفتف كالثكرات‬
‫التي عصفت بالخبلفة العباسية ناىيؾ عف انتشار ظاىرة االستئثار مف بعض الكالة بما تحت أيدييـ مف‬

‫(‪ )1‬أبك عبد هلل الذىبي‪ :‬دكؿ اإلسبلـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة العالمية لممطبكعات‪،1985 ،‬ص ‪ .74-73‬انظر أيضا‪ :‬أمينة‬
‫بيطار‪ :‬تاريخ العصر العباسي‪ ،‬ط‪ ،4‬دمشق‪ ،‬منشكرات جامعة دمشق‪ ،1997 ،‬ص ‪.12، 10‬‬
‫(‪ )2‬عبد الرحمف السيكطي‪ :‬تاريخ الخمفاء‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار ابف حزـ لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،2003 ،‬ص ‪.205-204‬‬
‫(‪ )3‬السيكطي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪207‬؛ أبك الحسف عمي بف الحسيف بف عمي المسعكدؼ‪ :‬التنبيو كاألشراؼ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار‬
‫صادر‪ ،1893 ،‬ص‪.331 -323‬‬
‫(‪ )4‬أمينة بيطار‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.216، 191-190 ،189-188‬‬
‫(‪ )5‬مف أخطر ىذه الفتف كأشيرىا ‪:‬‬
‫‪ -1‬الفتنة بيف األميف كالمأمكف‪ ،‬كىي التي نشبت سنة ‪198 -195‬ىػ‪813 -810 /‬ـ بسبب كراثة عرش الخبلفة بعد كفاة‬
‫ىاركف الرشيد الذؼ جعل ابنو األميف خميفة مف بعده‪ ،‬ثـ أكصى بالعيد البنو األخر المأمكف كمف بعده المعتصـ‪ ،‬إال أف‬
‫التنافس بيف األخكة مف جية كبيف حزبي العرب كالفرس مف جية أخرػ‪ ،‬أدػ إلى نشكب الحرب اثر إعبلف األميف الذؼ‬
‫يمثل الحزب العربي البيعة البنو مكسى بدؿ المأمكف الذؼ يمثل حزب الفرس‪ ،‬كاستمرت رحى الحرب لمدة ثبلث سنكات‬
‫خسر في نيايتيا األميف حياتو كتكلى المأمكف الخبلفة = اليعقكبي‪ ،‬أحمد بف ابي يعقكب بف جعفر بف كىب بف كاضح‪:‬‬
‫تاريخ اليعقكبي‪ ،‬تحقيق عبد األمير مينا‪ ،‬بيركت‪ ،‬منشكرات مؤسسة األعممي لممطبكعات‪ 387 ،383/2 ،1993 ،‬كما‬
‫يمييا؛ ابف العبرؼ‪ ،‬أبك الفرج جماؿ الديف‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ترجمة اسحق أرممة‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الشرؽ‪ ،1986 ،‬ص‪21.‬‬
‫‪ -2‬بابؾ الخرمي‪ :‬صاحب مذىب المزدكية‪ ،‬كىك مذىب إباحي‪ ،‬ظير أمر بابؾ ىذا سنة ‪210‬ىػ‪816/‬ـ‪ ،‬زمف خبلفة‬
‫المأمكف ككثر أتباعو كاستمرت ثكرتو حكالي عشركف سنة‪ ،‬اضطربت بسببيا أحكاؿ الخبلفة كالرعية‪ ،‬إال أف الخميفة‬
‫المعتصـ استطاع أف يضع حدا لو كيقضي عمى فتنتو حينما أرسل إليو قائد جيكشو االفشيف‪ ،‬الذؼ تمكف مف ىزيمتو‬
‫كصمبو عمى أسكار سامراء عمى أثر معركة فاصمة سنة ‪222‬ىػ‪837 /‬ـ= ابف العبرؼ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪31،27‬؛ اليعقكبي‪،‬‬
‫مرجع سابق‪2/419 ،‬؛ البمخي‪ ،‬أحمد بف سيل‪ :‬كتاب البدء كالتاريخ‪ ،‬تحقيق خميل عمراف المنصكر‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العممية‪ ،300-2/298 ،1997 ،‬الدينكرؼ‪ ،‬أبك حنيفة‪ :‬األخبار الطكاؿ‪ ،‬دكف مكاف‪ ،‬دكف تاريخ‪ ،‬ص ‪.260‬‬
‫‪267‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مدف كأقاليـ كحصكليـ عمى شبو استقبلؿ عف السمطة المركزية التي كانت ىي ذاتيا محل أطماع ألكلئؾ‬
‫الكالة كذلؾ ابتداء مف عيد الخميفة المنتصر(‪248-247‬ق‪262-261 /‬ـ) الذؼ تآمر مع األتراؾ عمى‬
‫(‪)1‬‬
‫قتل كالده الخميفة المتككل سنة ‪247‬ق‪861/‬ـ ‪ ،‬كما ترتب عمى ذلؾ مف فتح الباب أماـ تحكـ األتراؾ‬
‫فيو‪ ،‬كفي غالب مف أتى مف الخمفاء مف بعده كلـ يتكقف األمر عمى جنس األتراؾ فقط إنما تعداىـ إلى‬
‫العديد مف األعراؽ األخرػ التي تمكنت مف السيطرة عمى غالبية الخمفاء في تمؾ الفترة كالتحكـ في‬
‫شخصيـ‪ ،‬كمف ثـ االستحكاذ عمى السمطة في الدكلة كتسخير ذلؾ لتحقيق طمكحات كأمجاد شخصية‬
‫كتككيف أسر حاكمة بشكل مباشر أك عف طريق الييمنة عمى الخمفاء مثل األسرة الطاىرية في خراساف‬
‫(‪)2‬‬
‫(‪259-207‬ق‪872-820 /‬ـ) ‪ ،‬كاألسرة الصفارية التي قامػت عمى أنقاضيا (‪290-253‬ق‪-867/‬‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كغيرىا‪،‬‬ ‫( ‪296 -184‬ق‪909-800/‬ـ)‬ ‫‪903‬ـ) ‪ ،‬كاألغمبيػة التي نشػأت في أفريقيػػا حكالي سنػة‬
‫كل ذلؾ أثر بشكل أك بأخر في إرىاؽ الدكلة كاضعافيا بسبب التنافس الذؼ نمى بيف أمراء ىذه األسر‬
‫الطامعيف كما دار بينيـ مف صراع حكؿ مناطق بسط النفكذ‪.‬‬
‫كعمى ىذا األساس يمكف كضع تصكر عاـ لمحاؿ التي كانت عمييا الدكلة اإلسبلمية أباف فترة‬
‫كقكع المعركة حيث أختل تكازف الخبلفة نتيجة لسيطرة األتراؾ عمى الخمفاء‪ ،‬كانقساـ الجيش كالناس بيف‬
‫مناصر لمخميفة كمعاد لو طمعا في أمكاؿ األتراؾ أك خكفا مف سطكتيـ‪ .‬أما عمى الجانب اآلخر تمكف‬
‫اإلمبراطكر ميخائيل الثالث ‪ Michael III‬سنة ‪856‬ـ مف التفرد بحكـ اإلمبراطكرية بعد اف تخمص مف‬

‫(‪ )1‬ابف الكردؼ‪ ،‬زيف الديف عمر بف المظفر‪ :‬تاريخ ابف الكردؼ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪.1/220 ،1996 ،‬‬
‫(‪)2‬الطاىرية كىي تنسب إلى طاىر بف الحسيف أحد قادة المأمكف كالذؼ تمكف مف ىزيمة جيكش األميف كالقضاء عميو‬
‫فاستعممو المأمكف عمى خراساف كأعماليا كعمى الشرطة في بغداد كتكارث أبناؤه كاليتو حتى قضى عمييـ كعمى سمطانيـ‬
‫الصفريكف= أنظر إلى‪ :‬مسككيو‪ ،‬أبك عمي أحمد بف دمحم بف يعقكب‪ :‬تجارب األمـ كتعاقب اليمـ‪ ،‬تحقيق سيد كسركؼ حسف‪،‬‬
‫بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪ 3/392 ،2003،‬كما يمييا‪.‬‬
‫(‪ )3‬الصفارية كىي تنسب إلى يعقكب كأخيو عمرك بف الميث المذاف كانا يعمبلف في الصفر بسجستاف‪ ،‬حيث التحق يعقكب‬
‫برجل كاف يقكد متطكعيف لمقاتمة الخكارج يدعى صالح المطكعي كقد أبمى معو ببلء حسنا حتى جعمو في مقاـ الخميفة‬
‫عنو‪ ،‬كبعد كفاتو تكلى أمر المتطكعيف رجل آخر يدعى درىـ الذؼ استمرت مكانة يعقكب عنده عمى ما كانت عميو زمف‬
‫صالح إلى أف قبض عمى درىـ ىذا مف قبل أمير خراساف فتكلى األمر مف بعده يعقكب كعظـ أمره = انظر إلى ‪ ،‬ابف‬
‫األثير‪ ،‬أبك الحسف عمي بف دمحم بف دمحم بف عبد الكريـ بف عبد الكاحد الشيباني ‪ :‬الكامل في التاريخ‪ ،‬تحقيق دمحم يكسف‬
‫الدقاؽ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪6/193 ،1987 ،‬؛ مسككيو‪ :‬مرجع سابق‪.4/207 ،‬‬
‫(‪ )4‬األغالبة كىي تنسب إلى إبراىيـ بف األغمب الذؼ كاله الرشيد عمى إفريقيا سنة ‪184‬ىػ‪800 /‬ـ = الطبرؼ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪1676‬؛ ابف الجكزؼ‪ ،‬أبك الفرج عبد الرحمف بف عمي بف دمحم‪ :‬المنتظـ في تاريخ الممكؾ كاألمـ‪ ،‬تحقيق دمحم عبد القادر‬
‫عطا كمصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬دكف تاريخ‪.9/92 ،‬‬
‫‪268‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كصاية كالدتو تيكدك ار ‪856-842( Theodora‬ـ) كشقيقاىا براداس ‪ Bardas‬كبتركناس ‪.)1(Petronas‬‬


‫كما أف سيطر ميخائيل الثالث عمى مقاليد العرش في اإلمبراطكرية كرسخت قدماه في الحكـ حتى‬
‫قاـ برفقة خااله برداس كبتركناس سنة ‪245‬ق‪859/‬ـ بقيادة حممة عسكرية نحك سمساط كاقتربكا مف آمد‬
‫ثـ خرجكا مف الثغكر الجزرية كنيبكا بعض القرػ كأسركا حكالي عشرة أالؼ شخص كرجعكا مف حيث‬
‫أتكا‪ ،‬كعمى الرغـ مف خركج عمر بف عبد هلل األقطع أمير ممطيو خمفيـ إال انو لـ يتمكف مف المحاؽ‬
‫بيـ(‪.)2‬‬
‫كعظـ اإلمب ارطكر البيزنطي ىذا االنتصار كأمر بنقش خمسة نقكش تجسده كتحفع مفاخره عمى‬
‫أسكار قمعة أنقره عند ترميميا(‪.)3‬‬
‫كلـ تتكقف األعماؿ الحربية بيف اإلمبراطكرية البيزنطية كالخبلفة اإلسبلمية سكػ مدة قصيرة ساد‬
‫فييا السبلـ كتبادؿ الطرفاف فييا فداء أسراىـ في شير مارس سنة ‪860‬ـ كما أف دخل صيف ذات السنة‬
‫حتى عزـ اإلمبراطكر ميخائيل الثالث عمى غزك المسمميف فخمف نسيتاس اكريفاس عمى القسطنطينية‪،‬‬
‫كاتجو إلى الشرؽ كلكف كقبل أف يبدأ عممياتو العسكرية بشكل قكؼ كصمت إليو األخبار مف قبل نائبو في‬
‫القسطنطينية تحمل األنباء عف الخطر الركسي الذؼ بات ييدد العاصمة‪ ،‬مما اضطره إلى العكدة كترؾ‬
‫قسـ كبير مف جيشو في آسيا الصغرػ كبصعكبة بالغة تمكف مف دخكؿ القسطنطينية حيث انضـ إلى‬
‫جنكده المدافعيف عنيا(‪.)4‬‬
‫عمـ عمر أمير ممطية بعكدة اإلمبراطكر إلى عاصمتو لمكاجية ما يحدؽ بيا مف أخطار‪ ،‬فقاد‬
‫حممة كاسعة كناجحة حيث تمكف خبلليا مف أسر أكثر مف سبعة أالؼ كاسترد كل ما كقع تحت يد‬
‫(‪)5‬‬
‫ميخائيل الثالث قبل عكدتو ‪ ،‬كال يعني ىذا أف عمر كاف يخشى جيش اإلمبراطكر كال يرغب في‬

‫‪)1( Alexander P. Kazhdan : Oxford Dictionary of Byzantium , New York, Oxford, 1991., V.2,‬‬
‫‪P.1364.‬‬
‫انظر أيضاً‪ :‬دمحم دمحم مرسي الشيخ‪ :‬تاريخ اإلمبراطكرية البيزنطية‪ ،‬ط‪ ،3‬دكف مكاف‪ ،1993 ،‬ص‪.180 ،178-177‬‬
‫(‪ )2‬الطبرؼ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1914‬‬
‫أنظر ايضا‬
‫‪Bury: Op Cit, p. 279, Warren Treadgold: A history of the Byzantine state and Society,‬‬
‫‪California, Stanford Junior University, 1997,p.451, Ostrogorsky G: Op Cit, p. 201.‬‬
‫(‪ )3‬فازيمييف‪ :‬العرب كالركـ‪ ،‬ترجمة دمحم عبدا ليادؼ شعيرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،1934 ،‬ص‪.207-206‬‬
‫(‪Bury: Op Cit, p. 281, also Warren Treadgold: Op Cit,,p.451.( )4‬‬
‫فازيمييف المرجع السابق‪ ،‬ص‪.214‬‬
‫(‪ )5‬فازيمييف المرجع السابق‪ ،‬ص‪214‬‬
‫‪269‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مكاجيتو إنما تزامف رجكع األخير مع استكماؿ استعدادات األمير لمحرب‪ ،‬كذلؾ ألف أمير ممطية كاف مف‬
‫قادة الصكائف كالشكاتي كىي حمبلت عرفت منذ زمف عمر بف الخطاب كازدادت أىمية كنشاطا زمف‬
‫معاكية بف أبي سفياف كمف جاء بعده‪ ،‬كقد عرفت بيذا االسـ لثبات مكعد خركجيا مف كل عاـ‪،‬‬
‫فالصكائف تمؾ التي تخرج في فصل الصيف كيبدأ تكقيتيا مف منتصف شير يكليك كحتى منتصف شير‬
‫سبتمبر كالشكاتي كىي التي تخرج في فصل الشتاء كيبدأ خركجيا مف آخر شير فبراير كحتى أكائل شير‬
‫(‪)1‬‬
‫كىي مف أىـ ثغكر‬ ‫مارس ككاف يتعيد بيذه الحمبلت أمراء الثغكر التي مف بينيا ممطية إمارة عمر‬
‫الخبلفة اإلسبلمية أماـ البيزنطييف كلذا اىتـ بيا الخمفاء بشكل خاص فأمر مف بينيـ الخميفة أبكجعفر‬
‫المنصكر (‪158-136‬ق‪774-753 /‬ـ) سنة ‪139‬ق‪756/‬ـ بتجديد بناؤىا كجعل فييا حامية كبيرة يربك‬
‫عدد جنكدىا عمى أربعة أالؼ مقاتل كذلؾ لحمايتيا مف محاكالت البيزنطييف االستيبلء عمييا ألىمية‬
‫مكقعيا ككثرة خيراتيا(‪.)2‬‬
‫ميما كاف مف أمر‪ ،‬انطمق الجيش البيزنطي إلى الشرؽ بعد كصكؿ األنباء عف تحركات‬
‫المسمميف‪ ،‬فعبر الطريق المؤدؼ إلى منطقة الفرات العميا مرك ار بانق ار كسباستيا حيث استقر في دازيمكف ‪-‬‬
‫التي مني فييا ثيكفميس بيزيمة كبيرة عمى يد االفشيف‪ -‬في انتظار كصكؿ أمير ممطية الذؼ كاف متجيا‬
‫إلى أماسيا(‪.)3‬‬
‫ككاف عمى األمير أف يسمؾ في سبيل الكصكؿ إلى أماسيا احد طريقيف‪ ،‬األكؿ أف يتجو شماال‬
‫إلى دازيمكف ثـ ينحرؼ إلى الغرب عمى طريق غزيكرا‪ ،‬أك الطريق الثاني الذؼ يذىب باتجاه الغرب إلى‬
‫فيريس(بكلكس) ثـ سيبا ستكبميس ( سكلك سيراؼ) كزيبل‪ ،‬كمنيا إلى أماسيا‪ ،‬إالَّ أف الطريق األكؿ كاف مف‬
‫الصعب المركر منو لكجكد فرقة مف الجيش البيزنطي في أحد الحصكف القريبة مف دازيمكف‪ ،‬تمنع األمير‬
‫مف المركر مف ىذا الجانب‪ ،‬كلذا كاف مف الطبيعي أف يسمؾ الطريق الثاني إال أف ىذا األمر أيضا لـ يتـ‬
‫بيذه الصكرة حيث إف عمر أظير عبقرية عالية اعترؼ بيا العدك قبل الصديق حيف غير بشكل نيائي‬
‫كمفاجئ طريقو إلى أماسيا رغـ المخاطر التي قد تكاجيو أثناء مسيره بالجيش بيف الدركب الجبمية‪ ،‬فقاـ‬

‫(‪ )1‬الطبرؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪692‬؛ قدامو بف جعفر‪ :‬الخراج كصناعة الكتابة‪ ،‬تحقيق دمحم حسيف الزبيدؼ‪ ،‬العراؽ‪ ،‬دار‬
‫الرشيد لمنشر‪ ،1981 ،‬ص ‪ ،193-192‬كذلؾ أفراح أحمد القططي‪ :‬الثغكر الشامية في العيد األمكؼ (‪132-41‬ق‪/‬‬
‫‪749-661‬ـ) رسالة ماجستير قسـ التاريخ كاآلثار‪ ،‬كمية اآلداب‪ ،‬الجامعة اإلسبلمية‪ ،‬غزة‪،2016 ،‬ص‪.80 ،79‬‬
‫(‪)2‬ابف حكقل‪ ،‬ابك القاسـ النصيبي‪ :‬كتاب صكرة األرض‪ ،‬بيركت‪ ،‬منشكرات دار مكتبة الحياة‪1992 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪166‬؛‬
‫الببلذرؼ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .222-221‬كذلؾ كي لسترنج‪ :‬بمداف الخبلفة الشرقية‪ ،‬ترجمة بشير فرنسيس كككركيس عكاد‪،‬‬
‫بغداد‪ ،‬انتشارات الشريف الرضى‪،1954،‬ص ‪.153-152‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) (Bury: Op Cit, p.281.‬‬
‫‪270‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بعبكر تبلؿ ‪ Akdagh‬التي انحدرت بو عمى دازيمكف كتمكف مف االستيبلء عمى تشكناريكف التي تمثل‬
‫مكقع استراتيجي كميـ كىك يقع بالقرب مف مكاف كجكد الجيش البيزنطي‪ ،‬حيث نشبت معركة بيف‬
‫الطرفيف انتيت بيزيمة اإلمبراطكر الذؼ لـ ينج بنفسو إالَّ بصعكبة بالغة فمجأ إلى تل أنزكف كتمت‬
‫محاصرتو لساعات مف قبل جنكد األمير غير أف َّقمة المياه كالمؤف دفعتيـ إلى االنسحاب كترؾ‬
‫اإلمبراطكر(‪.)1‬‬
‫أعقبت صائفة عمر عدة صكائف منيا ما قاده كصيف التركي سنة ‪248‬ق‪861/‬ـ حيث تمكف‬
‫في ىذه الحممة مف فتح أحد حصكف الدكلة البيزنطية‪ ،‬كيذكر الطبرؼ إنو كاف يسمى فركرية‪ ،‬كذلؾ الحممة‬
‫التي قادىا جعفر بف دينار سنة ‪249‬ق‪862/‬ـ كافتتح فييا أيضاً حصنا آخر لـ يذكر اسمو(‪.)2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كبعد تمؾ اإلنجازات قاـ األمير عمر بقيادة حممة عسكرية كاسعة تكغل بيا في ببلد البيزنطييف‬
‫فقاـ بتخريب أرميناؾ‪ ،‬كتقدـ حتى بمغ ساحل البحر األسكد‪ ،‬حيث تمكف مف االستيبلء عمى ميناء مدينة‬
‫أميسكس أكبر المكانئ الكاقعة عمى ساحل آسيا الصغرػ في كبادككيا‪ ،‬األمر الذؼ كاف لو شديد األثر‬
‫عمى البيزنطييف إذ ما أف كصمت أخبار انتصارات األمير إلى مسامع اإلمبراطكر حتى قاـ عمى الفكر‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اختمف حكؿ قيادتو ففي حيف ذكر الطبرؼ ‪َ ،‬‬
‫إنو أؼ اإلمبراطكر كاف مف يتكلى‬ ‫بتجييز جيش كبير‬
‫(‪)6‬‬
‫مفادىا إنو أسند قيادة الجيش إلى خالو بتركناس‪ ،‬ككضع تحت‬ ‫القيادة جاءت ركاية أكردىا فازيميف‬
‫إمرتو كافة القكات األسيكية كأضاؼ إلييا أيضا األكربية‪ .‬كفي الجانب اآلخر كاف عمر قد استكلى عمى‬
‫أمسيكس‪ ،‬كىناؾ كصمت إليو األخبار عف تمؾ التجييزات الكبيرة التي قاـ بيا اإلمبراطكر كتكليتو‬
‫لبتركناس عمى رأس جيش متجيا إلى الشرؽ‪ ،‬كعمى الرغـ مف نصح قادة الجيش لؤلمير بالرجكع مف‬
‫ذات الطريق الذؼ جاء منو‪ ،‬إالَّ أنو رفض ذلؾ كأصر عمى مكاصمة تنفيذ خططو التي خرج مف أجميا‪،‬‬

‫‪)1(Ibid, p.282.‬‬
‫(‪ )2‬الطبرؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪692‬؛‬
‫(‪ )3‬اليعقكبي‪ ،‬مرجع سابق‪.461/2 ،‬‬
‫أنظر ايضا‪Warren Treadgold: Op Cit, p.452.‬‬
‫(‪ )4‬فازيميف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220-219‬‬
‫(‪ )5‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1936‬‬
‫(‪ )6‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.220‬‬
‫‪271‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫فانطمق مف أمسيكس عبر طريق يكصمو إلى الضفة الغربية لنير ىاليس لكي يصل إلى بكزف‪ ،‬كفي‬
‫المقابل قرر بتركناس قطع الطريق أمامو‪ ،‬فاستكلى عمى المنطقة الكاقعة بيف بحيرة تاتا كنير ىاليس(‪.)1‬‬
‫كما قامت مجمكعة أخرػ مف قكاتو المككنة مف اآلرميناؾ كبكفبلجينية كغيرىـ بإغبلؽ طريق‬
‫العكدة عمى عمر بعد مركره مف الناحية الشمالية‪ ،‬في ذات الكقت أغمقت قكة أخرػ مف جيكش األناضكؿ‬
‫ككبادككيا معززة بقكات أخرػ طريق الجنكب كالجنكب الشرقي‪ ،‬زامف ىذا التقدـ مف جية الغرب لقكات‬
‫بتركناس الرئيسية‪ ،‬حيث نشب القتاؿ بينو كبيف قكات األمير حكؿ االستيبلء عمى َّتمة تمتاز بمكقع‬
‫استراتيجي يمنح أفضمية في القتاؿ لمف يسيطر عميو‪ ،‬كتمكف باتركناس مف ىزيمة عمر كالسيطرة عمى‬
‫التمة(‪.)2‬‬
‫قمة تمؾ َّ‬
‫كىنا يمكف تصكر الحاؿ التي أصبح عمييا أمير ممطية كقكاتو‪ ،‬فيك محاصر مف جية الشماؿ‬
‫(‪)3‬‬
‫كالجنكب الشرقي كيتعرض ليجكـ القكات البيزنطية البالغ عددىا خمسكف ألفاً ‪ ،‬مف جية الغرب تمؾ‬
‫القكات المتمركزة عمى قمة التمة‪ ،‬بحيث صارت أعمى مف قكات األمير التي أصبحت عرضة ألسيـ‬
‫كرماح البيزنطييف‪.‬‬
‫كعمى ىذا كبعد أف بمغ اليأس مف األمير في إخراج قكاتو مف ذلؾ المأزؽ كرأػ نفسو قد نفذت منو‬
‫كل السبل لـ يجد أمامو بدا مف اليجكـ عمى بتركناس الذؼ انقض عميو بكل قكاتو حيث أسفر ذلؾ عمى‬
‫مقتل عمر كغالبية مف معو كلـ ينج مف بينيـ إالَّ ابنو كعدد قميل جدا مف الفرساف‪ ،‬الذيف تعرضكا ىـ‬
‫أيضا ليجكـ آخر مف القكات التي كانت تساند الجيش الرئيسي لبيزنطة كأخذكا أسرػ كسممكا إلى‬
‫بتركناس(‪.)4‬‬
‫ىذا النصر الكبير الذؼ حققو الجيش البيزنطي آثار حفيظة األمير عمي بف يحيى الذؼ كصمت‬
‫إليو األنباء كىك في طريق عكدتو مف أرمينيا متجيا إلى ميافارقيف‪ ،‬فقرر مكاجية الجيش البيزنطي في مف‬
‫معو مف الجند كخاصة بعد أف عمـ أنيـ أباحكا حرـ المسمميف عمى الحدكد الجزرية‪ ،‬فتقابل الجيشاف في‬
‫مكقعة عرفت باسـ مارتيربكليس‪ ،‬حيث دارت الدائرة عمى األمير يحيي الذؼ استشيد كمعو حكالي‬
‫أربعمائة مف رجالو(‪.)5‬‬

‫‪(1) Bury: Op Cit, p.282.‬‬


‫‪(2) Ibid: p.283-284‬‬
‫(‪ )3‬الطبرؼ‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1936‬‬
‫(‪ )4‬فازيميف‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.224-223‬‬
‫(‪)5‬الطبرؼ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1936‬‬
‫‪272‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كعمى الرغـ مف االنتصار الذؼ حققو الجيش البيزنطي ظمت الحدكد في آسيا الصغرػ بيف‬
‫الدكلتيف عمى ما ىي عميو إذ ما استثنينا بعض الحصكف التي تمكف المسممكف فيما بعد مف إسقاطيا‬
‫كضميا إلى أمبلكيـ حيث رسخت أقداميـ في قبادكقيا شرؽ نير ىاليس(‪.)1‬‬
‫كقد أسفرت ىذه المعركة عمى نتائج عدة منيا‪:‬‬
‫‪ -‬أف ىذه اليزيمة التي مني بيا المسممكف كما انتيت إليو مف قتل قائدىـ األمير عمر بف عبد هلل‬
‫عدىا البيزنطيكف كعمى األخص اإلمبراطكر ميخائيل الثالث ثأ ار لما لحق بو كبأبيو اإلمبراطكر‬
‫األقطع‪َّ ،‬‬
‫ثيكفميس مف ىزائـ ساحقة عمى يد المسمميف‪.‬‬
‫‪ -‬مجد اإلمبراطكر ىذا االنتصار كأُلفت مف أجمو أنشكدة تـ أنشادىا في الساحة العامة في‬
‫(‪)2‬‬
‫العاصمة‪ ،‬ذكر منيا "احتفل بمكت األمير في ساحة المعركة" ‪ ،‬كذلؾ ألنو أمر نادر الحدكث في‬
‫الحرب مع المسمميف‪.‬‬
‫‪ -‬تكقفت الغارات اإلسبلمية البرية عمى بيزنطة‪.‬‬
‫لـ ينعـ اإلمبراطكر بيذا االنتصار كلـ يشار إليو بالبناف مف ِقيل رجاؿ الدكلة التابعيف لمكنيسة‬
‫كمعتقدىا المخالف لئلمبراطكر البلأيقكني‪ ،‬بل كأىمل جل المؤرخيف الحديث بالتفصيل عف ىذه المعركة ك‬
‫ىذا االنتصار العظيـ لبيزنطة عمى القكات اإلسبلمية‪ ،‬كلعل ذلؾ يرجع سببو إلى أف غالبيتيـ كانكا مف‬
‫مناصرؼ عبادة األيقكنات‪ ،‬كاكتفى بعضيـ باإلشارة إلييا‪ ،‬كما أف المؤرخيف المسمميف لـ يتناكلكا بإسياب‬
‫كما تعكدنا عمييـ تفاصيل ىذه المعركة بل اكتفكا باإلشارة إلى ذكرىا مف حيث الزمف كاألطراؼ كالمكاف‬
‫كالنتيجة فقط كمركا عمييا مركر الكراـ‪ ،‬كيبدك ذلؾ كاف بسبب خسارة الجيش اإلسبلمي كاستشياد أميره‬
‫أحد رمكز الجياد المدافعيف عف الثغكر اإلسبلمية في تمؾ الفترة(‪.)3‬‬
‫قامت فتنة داخمية في الخبلفة اإلسبلمية أدت إلى إجبار الخميفة المستعيف عمى‬
‫ْ‬ ‫عمى أية حاؿ‬
‫التخمي عف الخبلفة فكلي مف بعده المعتز كذلؾ سنة ‪252‬ق‪866 /‬ـ(‪.)4‬‬

‫انظر ايضا السيد الباز العريني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.303-302‬‬


‫‪Bury, Op Cit, p.284.‬‬
‫(‪ )1‬السيد الباز العريني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.304‬‬
‫‪)2(Bury, Op Cit, p.284, see also Vasiliev: Op Cit, V1,p.277.‬‬
‫(‪ )3‬يذكر الطبرؼ أنيما أؼ عمر بف عبد هلل األقطع كعمي بف يحيى اآلرمني" ككانا نابيف مف أنياب المسمميف‪ ،‬شديدا‬
‫بأسيما‪ ،‬عظيما غناؤىما عنيـ في الثغكر التي ىما بيا" = الطبرؼ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1936‬‬
‫(‪ )4‬الطبرؼ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 1969‬كما يمييا‪.‬‬
‫‪273‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كما أنو بعد أربعة سنكات كبعد مأدبة عشاء كليمة شراب قاـ باسيل كىك سائس خيل اإلمبراطكر ثـ‬
‫(‪)1‬‬
‫نديمو باغتياؿ ميخائيل الثالث في ‪ 23‬أك ‪ 24‬سبتمبر سنة ‪867‬ـ كأصبح ىك اإلمبراطكر بعده ‪ ،‬كما‬
‫أف تييأت لو الظركؼ المكاتية لمحاربة المسمميف كبعد تحقيقو النتصار حاسما عمى البيالصة حتى زحف‬
‫نحك الشرؽ كتمكف ‪ 873‬ـ مف االستيبلء عمى زبطرة كسميساط كأف لقي ىزيمة كبيرة عمى يد المسمميف‬
‫حيف حاكؿ االستيبلء عمى حصف ممطية‪ .‬كلـ تكف ىذه الحممة إالَّ بداية لسمسمة مف الحمبلت البيزنطية‬
‫عمى األطراؼ الشرقية(‪.)2‬‬
‫الخاتمة‬
‫يمكف القكؿ إف ىذه الدراسة أكضحت مجريات األحداث العسكرية ألحد المعارؾ ذات األىمية‬
‫في الصراع المحتد بيف الدكلتيف كمدػ التنافس عمى السيادة كالسيطرة بينيما‪ .‬كتتبيف أىمية ىذه المعركة‬
‫مف حيث المشابية في نتائجيا كآثارىا لتمؾ المعارؾ الكبرػ‪ ،‬كمعركة بكاتييو التي أكقفت تقدـ القكات‬
‫اإلسبلمية إلى حيف في أكركبا‪ ،‬ككذلؾ أكقفت معركة مرج األسقف تقدـ القكات اإلسبلمية في آسيا‪.‬‬
‫كما تشابيت مع نتائج معركة اليرمكؾ التي أنتصر فييا المسممكف‪ ،‬حيث إف نتيجتيا فرضت عمى‬
‫اإلمبراطكرية البيزنطية المنيزمة كضع المدافع ال المياجـ‪ ،‬كىذا ما حدث عقب ىذه الكاقعة حيث منحت‬
‫نتيجتيا القدرة لمقكات البيزنطية المنتصرة في اليجكـ كأكقفت غارات المسمميف البرية عمى بيزنطة كجعمتيـ‬
‫في مكضع الدفاع ال اليجكـ‪.‬‬
‫تبيف مف خبلؿ ىذه الدراسة إف انتصار بيزنطة في ىذه المعركة كاف فعبل نقطة تحكؿ في الصراع‬
‫بيف الشرؽ كالغرب‪ ،‬حيث إنيا شكمت منعطفا جديدا في العبلقات بيف الدكلتيف اإلسبلمية كالبيزنطية‪،‬‬
‫كأثرت بشكل مباشر في كفتي ميزاف القكػ بينيما فرجحت كفة القكات البيزنطية عمى كفة قكات الخبلفة‬
‫اإلسبلمية‪.‬‬
‫نتيجة أخرػ ىي إف ما أسفرت عنو ىذه المعركة شكل نقطة اإلفاقة التي شيدتيا قكات‬
‫اإلمبراطكرية البيزنطية في عيد األسرة المقدكنية التي أعقبت األسرة العمكرية في حكـ اإلمبراطكرية‬
‫فبادرت باليجكـ عمى الثغكر اإلسبلمية‪.‬‬
‫كأيضا مف خبلؿ تتبع سير األحداث السابقة كالبلحقة لمجريات معركة مرج األسقف يتبيف عمق‬
‫ذلؾ الصراع األيديكلكجي‪ ،‬ككذلؾ السياسي كمحاكلة كبل الطرفيف بسط النفكذ عمى أكبر مساحة لبلستئثار‬
‫بمكارد ىذه المساحة كذات الكقت لنشر الفكر الديني‪ ،‬كضـ أكثر عدد إليو سكاء باعتناقو أك مناصرتو‪.‬‬

‫‪(1)Ostrogorsky G: Op Cit, p.206.‬‬


‫‪(2)Ibid: p.211.‬‬
‫‪274‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫‪ -‬ابف األثير‪ ،‬أبك الحسف عمي بف دمحم بف دمحم بف عبد الكريـ بف عبد الكاحد الشيباني ‪ :‬الكامل في التاريخ‪ ،‬تحقيق دمحم يكسف‬
‫الدقاؽ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪.1987 ،‬‬
‫أسمت غنيـ‪ :‬تاريخ اإلمبراطكرية البيزنطية ‪ ،1453-324‬اإلسكندرية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪.1990 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬أفراح أحمد القططي‪ :‬الثغكر الشامية في العيد األمكؼ( ‪132-41‬ق‪749-661 /‬ـ) رسالة ماجستير قسـ التاريخ كاالثار‪،‬‬
‫كمية اآلداب‪ ،‬الجامعة اإلسبلمية‪ ،‬غزة‪.2016 ،‬‬
‫‪ -‬أمينة بيطار‪:‬تاريخ العصر العباسي‪ ،‬ط‪ ،4‬دمشق‪ ،‬منشكرات جامعة دمشق‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬أكماف‪ :‬اإلمبراطكرية البيزنطية‪ ،‬ت مصطفى طو بدر‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬مصر‪.1953،‬‬
‫‪ -‬البمخي‪ ،‬أحمد بف سيل‪ :‬كتاب البدء كالتاريخ‪ ،‬تحقيق خميل عمراف المنصكر‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪.1997 ،‬‬
‫‪ -‬الببلذرؼ‪،‬أحمد بف يحيى بف جابر‪ :‬البمداف كفتكحيا كأحكامو‪ ،‬تحقيق سييل زكار‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الفكر لمطباعة كالنشر‬
‫كالتكزيع‪1992 ،‬‬
‫‪ -‬ابف الجكزؼ‪ ،‬أبك الفرج عبد الرحمف بف عمي بف دمحم‪ :‬المنتظـ في تاريخ الممكؾ كاألمـ‪ ،‬تحقيق دمحم عبد القادر عطا‬
‫كمصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،‬دكف تاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬أبك الحسف عمي بف الحسيف بف عمي المسعكدؼ‪ :‬التنبيو كاألشراؼ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار صادر‪.1893 ،‬‬
‫‪ -‬حسنيف دمحم ربيع‪ :‬دراسات في تاريخ الدكلة البيزنطية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار النيضة الغربية‪.1983 ،‬‬
‫‪ -‬ابف حكقل‪ ،‬ابك القاسـ النصيبي‪ :‬كتاب صكرة األرض‪ ،‬بيركت‪ ،‬منشكرات دار مكتبة الحياة‪.1992 ،‬‬
‫‪ -‬الدينكرؼ‪ ،‬أبك حنيفة‪ :‬األخبار الطكاؿ‪ ،‬دكف مكاف‪ ،‬دكف تاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬السيد الباز العريني‪ :‬الدكلة البيزنطية‪1081-323‬ـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار النيضة العربية لمطباعة كالنشر‪.1982 ،‬‬
‫‪ -‬الطبرؼ‪ ،‬أبك جعفر دمحم بف جرير‪ :‬تاريخ األمـ كالممكؾ تاريخ الطبرؼ‪ ،‬عماف‪ ،‬بيت األفكار الدكلية‪ ،‬بدكف تاريخ‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمف السيكطي‪ :‬تاريخ الخمفاء‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار ابف حزـ لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪.2003 ،‬‬
‫‪ -‬أبك عبد هلل الذىبي‪ :‬دكؿ اإلسبلـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة األعممي لممطبكعات‪1985 ،‬‬
‫‪ -‬ابف العبرؼ‪ ،‬أبك الفرج جماؿ الديف‪ :‬تاريخ الزماف‪ ،‬ترجمة اسحق أرممة‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الشرؽ‪.1986 ،‬‬
‫‪ -‬فازيمييف‪ :‬العرب كالركـ‪ ،‬ترجمة دمحم عبدا ليادؼ شعيرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.1934 ،‬‬
‫‪ -‬أبك الفداء إسماعيل بف كثير‪ :‬البداية كالنياية‪ ،‬تحقيق رياض عبد الحميد مراد كدمحم حساف عبيد‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪ ،‬دار ابف كثير‬
‫لمطباعة كالنشر‪.2010،‬‬
‫‪ -‬قدامو بف جعفر‪ :‬الخراج كصناعة الكتابة‪ ،‬تحقيق دمحم حسيف الزبيدؼ‪ ،‬العراؽ‪ ،‬دار الرشيد لمنشر‪ ،1981 ،‬ص ‪-192‬‬
‫‪.193‬‬
‫‪ -‬كي لسترنج‪ :‬بمداف الخبلفة الشرقية‪ ،‬ترجمة بشير فرنسيس كككركيس عكاد‪ ،‬بغداد‪ ،‬انتشارات الشريف الرضى‪.1954،‬‬
‫‪ -‬دمحم دمحم مرسي الشيخ‪ :‬تاريخ اإلمبراطكرية البيزنطية‪ ،‬ط‪ ،3‬دكف مكاف‪.1993 ،‬‬
‫‪ -‬مسككيو‪ ،‬أبك عمي أحمد بف دمحم بف يعقكب‪ :‬تجارب األمـ كتعاقب اليمـ‪ ،‬تحقيق سيد كسركؼ حسف‪ ،‬بيركت‪ ،‬دار الكتب‬
‫العممية‪.2003،‬‬
‫‪ -‬نقفكر‪ :‬التاريخ المختصر‪769-602‬ـ‪ ،‬ترجمة ىانئ عبد اليادؼ البشير‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار النيضة العربية‪.2007،‬‬

‫‪275‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

.1996 ،‫ دار الكتب العممية‬،‫ بيركت‬،‫ تاريخ ابف الكردؼ‬:‫ زيف الديف عمر بف المظفر‬،‫ ابف الكردؼ‬-
‫ منشكرات‬،‫ بيركت‬،‫ تحقيق عبداألمير مينا‬،‫ تاريخ اليعقكبي‬:‫ أحمد بف ابي يعقكب بف جعفر بف كىب بف كاضح‬،‫ اليعقكبي‬-
.1993 ،‫مؤسسة األعممي لممطبكعات‬
- Alexander P. Kazhdan : Oxford Dictionary of Byzantium , New York, Oxford, 1991.
- Bury: A History of the Eastern Roman Empire from the fall of Irene to the Accession of
Basil I 802-867A.D, London, 1912.
- Ostrogorsky G.: History of the Byzantine State, Translate Joan Hussy,Rutgers University
press, New Jersey, 1957.
- Theophanes: the Chronicle, trans. Cyril Mango and Roger Scott, Clarendon press.
Oxford,1997.
- Vasiliev A. A. : History of the Byzantine Empire 324- 1454, Madison, 1952.
- Vasiliev, A. A:" The Iconoclastic Edict of the Caliph Yazid II, A. D. 72" , DOP, vol.9(1956).
- Warren Treadgold: A history of the Byzantine state and Society, California, Stanford Junior
University, 1997.

276
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫التشريعات العقارية الفرنسية في الجزائر(‪ )4381-4334‬جريمة استعمارية‬


‫‪French real estate legislaition in algeria (1984-1870)colonial crime‬‬
‫أ‪ .‬براي فتحي‬
‫مخبر الدراسات كالبحث في الثكرة الجزائرية‬
‫جامعة دمحم بكضياؼ كالية المسيمة ‪ -‬الجزائر‬
‫االيميل الشخضي‪braiensc@yahoo.fr :‬‬
‫الممخص‪:‬‬
‫تصبك ىذه المحاكلة الى استقراء الكاقع االستعمارؼ الفرنسي في الجزائر خبلؿ فترة الحكـ العسكرؼ ك‬
‫الجرـ منذ كطأة اقداـ جيش حممتيأرض الكطف سنة ‪ .2941‬ك لـ يسمـ مف سمككاتو‬ ‫الذؼ اتسـ بفعل ُ‬
‫غير مف كاقع الممكية العقارية بما يخدـ مصالحو غير‬
‫اإلجرامية ال اإلنساف ك ال القيـ ك ال األرض فراح ُي َ‬
‫آبو بمدػ ارتباط الفرد الجزائرؼ بأرضو مما نجـ عف تمؾ التشريعات حاالت األسى ك البؤس ك فقداف‬
‫الرحـ االجتماعي في المجتمع الجزائرؼ ‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪:‬المسألة العقارية – الجرائـ االقتصادية – التشريعات العقارية – جرائـ االستعمار –‬
‫جرائـ العقار ‪.‬‬
‫‪Abstracte :‬‬
‫‪This attemp taimed athigh lighting on the French colonial policy in‬‬
‫‪Algeria.during the military reign which was characterized by a criminals‬‬
‫‪cenesince the first arrival of itsarmyat the port of sidi fradjin 1830.neither man‬‬
‫‪and values nor land had kept from not being affected by the colonial legislations‬‬
‫‪.thus the French colonial policy had worked to change land property issues to‬‬
‫‪serve it sinterests with out takingin to account the strong relationship between‬‬
‫‪the Algerian individual and his land that led to a lot of cases of misery and‬‬
‫‪poverty in the Algerian society.‬‬
‫– ‪Key words : real estate issue – economic crimes – real estate legislation‬‬
‫‪colonial crimes- real estate crimes.‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫إف ايماف منظرؼ المدرسة االستعمارية بفكرة " المجاؿ الشاغر لشماؿ إفريقيا ‪"LESPACE VIDE‬‬
‫جعمتيـ ينفذكف آلية االستيطاف بجميع أصنافو‪ .‬إذ عممت اإلدارة االستعمارية عمى تكفير األراضي‬

‫تتمحكر ىذه الفكرة حكؿ شغكر شماؿ افريقيا مف حيث المجاؿ الجغرافي ك التككيف السياسي ك الكينكنة البشرية‪ .‬ك احقية‬ ‫‪1‬‬

‫فرنسا في ممئو عف طريق االستعمار ك االستيطاف‪.‬‬


‫‪277‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لممعمريف بمختمف الطرؽ ك األساليب ‪.‬فكاف الستخداـ القكة العسكرية الحع األكفر‪ ،‬تمثل ذلؾ في عمميات‬
‫التقتيل ك اليدـ ك المصادرة ك سمب الممتمكات‪.‬‬
‫ك كانت األرض ك ىي رمز ىكية لمجزائرؼ محكر السياسة الفرنسية غداة االحتبلؿ ك حتى نياية مرحمة‬
‫الحكـ العسكرؼ فقد سنت جممة مف القكانيف ك الق اررات ىدفت في ظاىرىا إلى تقنيف سكؽ العقار ك في‬
‫حقيقتيا إنما جاءت لتشرد العائبلت ك تسيل مف االنتقاؿ إلى حاالت العكز االجتماعي ك االقتصادؼ كما‬
‫كاف ليا بالغ األثر عمى بنية المجتمع الجزائرؼ ك مف ثمة فإننا نطرح التساؤؿ التالي‪ :‬إلى أؼ حد يمكننا‬
‫ك يتضمف استفيامات فرعية ىي‪ :‬ما مكقف السمطة‬ ‫اعتبار التشريعات العقارية جريمة استعمارية‬
‫الفرنسية مف الممكية العقارية ثـ ما المكانة التي احتمتيا المسألة العقارية فيسياسات الحكاـ العسكرييف ك‬
‫ما الحيز الذؼ احتمتو قضية العقار الجزائرؼ ضمف أعماؿ المجنة االفريقية ك ما التشريعات التي يمكف‬
‫اعتبارىا جريمة استعمارية خبلؿ الفترة المدركسة ثـ إلىأؼ حد يمكف اعتبار ق اررالسيناتكسككنسيمت‬
‫(‪ )senatus consulte2974‬جريمة في حق العقار ك المجتمع‬
‫تيدؼ ىذه الكرقة إلى تقديـ نماذج لتشريعات عقارية في إطار سياسة استعمارية ارتجالية‬
‫تصنف قانكنيا جرائـ استعمارية نتيجة ما أفرزتو مف تغيير عمى الصعيديف االقتصادؼ ك االجتماعي‪.‬‬
‫ظفنا المنيج التاريخيالكصفي الذؼ يتناسب مع بناء المكضكع في‬
‫كلتقديـ معالجة ليذه االستفيامات ك َ‬
‫جزئو المتعمقبالسرد التاريخي لكقائع التشريع العقارؼ‪ .‬غير أف المنيج التحميمي لجئنا لو في مكاطف البحث‬

‫عف تجريـ التشريع ك تطبيقاتو التي حكلت المجتمع الجزائرؼ الى أفراد بؤساء فقدكا َ‬
‫الل ُُحمة بفقداف‬
‫رابطتيـ ‪.‬‬
‫كحاكلنا تقديـ إجابة ليذه التساؤالت كفق المحاكر التالية‪:‬‬
‫المحور األول ‪:‬مكقف السمطة االستعمارية مف الممكية العقارية (خبلؿ مرحمة التردد‪)2945-2941‬‬
‫‪ -2‬فكضى السياسات ك إجراـ الممارسات‬
‫‪ -3‬المسألة العقارية في أجندة المجنة اإلفريقية‬
‫المحور الثاني‪:‬الترسانة القانكنية العقارية (خبلؿ مرحمة ‪)2981-2945‬‬
‫‪ -2‬التشريع بغرض التطكيع‪.‬‬
‫‪ -3‬السيناتكسككنسيمت ك تكريس منطق التفتيت‪.‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬التداعيات السمبية لمتشريعات العقارية‬
‫‪ -2‬تفكيؾ بنية المجتمع الجزائرؼ ‪.‬‬
‫‪ -3‬مف التفقير إلى التيجير ‪.‬‬
‫كخاتمة ضمناىا أىـ النتائج ك التكصيات‪.‬‬
‫‪278‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المحور األول ‪ :‬موقف االستعمار من طبيعة الممكية العقارية (خالل مرحمة التردد‪)4334-4331‬‬
‫ك‬ ‫اتبعت إدارة االحتبلؿ سياسة اتسمت بالق اررات العشكائية تجاه المسألة العقارية الجزائرية‬
‫عممت عمى تسخير الممتمكات لصالح االستعمار ك انجر عنيا في النياية تحكؿ الجزائرؼ الى خماس‬
‫في أرضو ك أجير في ممكو‪.‬‬
‫‪ -4‬فوضى السياسات‪ 1‬و إجرام الممارسات‪:‬‬
‫كشف االستعمار عف نكاياه العدكانية ضد الجزائرييف ك ممتمكاتيـ منذ الكىمة األكلىمبلحتبلؿ فرغـ تعيداتو‬
‫الصريحة في معاىدة االستسبلـ (‪ )2941/18/16‬باحتراـ حرية السكاف ك ديانتيـ ك ممتمكاتيـ إال أنيا‬
‫" ‪..‬تبقى‬ ‫اعتبرتماجاء في المعاىدة بيف الطرفيف" مجرد لعبة حرب"‪2‬ك قد كرد في نص المعاىدة‬
‫ممارسة الديانة الدمحمية حرة ك لف يناؿ مف حرية السكاف مف جميع الطبقات ك ال مف ديانتيـ ك ممتمكاتيـ‬
‫‪3‬‬
‫ك تجارتيـ ك صناعتيـ ‪ ...‬إف القائد العاـ يتعيد بشرفو "‬
‫تثبت األدلة التاريخية بما ال يدع مجاال لمشؾ أف فرنسا ممثمو في إدارتيا االستعمارية "مارست سياسة‬
‫مجردة مف كل القيـ اإلنسانية"‪ 4‬ك اعتبرت أف االرض ىي محكر اىتماـ سياستيا االستعمارية ك عبر عف‬
‫ذلؾ الجنراؿ كمكزيل في كممة ألقاىا بمناسبة كصكؿ كفد المستكطنيف األكركبييف إلى الجزائر "عميكـ أف‬
‫‪5‬‬
‫تعممكا أف ىذه القكة العسكرية التي تحت إمرتنا ما ىي إال كسيمة ثانكية"‬
‫لقد عمت الفكضى أرجاء المناطق التي كطأتيا أقداـ رجاؿ دكبرمكف(‪ )débormoune‬ك كمكزيل‬
‫)‪ (klozel‬ك غيرىـ مف قادة الجيش الذيف ُمنحت ليـ خبلؿ ىذه الفترة كامل الصبلحيات في إصدار‬
‫التعميمات ك الق اررات التي مف شأنيا أف تحفع األمف ك االستقرار ك لـ تسمـ أمبلؾ الجزائرييف مف‬

‫نستعمل ىذا الكصف الذؼ دلت عميو مرحمتو‪ ،‬حيث كانت جميع السمطات بيد الحاكـ العسكرؼ‪ ،‬الذؼ لو الحرية في‬ ‫‪1‬‬

‫اختيار السياسة المناسبة‪ ،‬غير أف تتالييـ دكف أف يحقق منيـ أحدا بقاءه أكثر مف سنة كاحدة دليل قاطع عمى فكضى‬
‫ديبكرمكف(جكانسبتمبر‪،)2941‬‬ ‫ىـ‪:‬‬ ‫جنراالت‬ ‫‪16‬‬ ‫خبلليا‬ ‫كحكـ‬ ‫التردد(‪)2945-2941‬‬ ‫مرحمة‬
‫كمكزيل(سبتمبر‪2941‬فيفرؼ‪ ،)2942‬دكركفيقك(ديسمبر‪2942‬مارس‪ ،)2944‬إقزاؿ(ديسمبرجكيمية‪ ،)2944‬فكاردؿ(جكيمية‬
‫‪-2944‬جكيمية‪.)2945‬‬
‫أبك القاسـ سعد هلل‪ ،‬الحركة الكطنية الجزائرية‪ ،‬ج‪ ،2‬القسـ‪ ،2‬المؤسسة الكطنية لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،2::3 ،‬ص ‪.77‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬لبلطبلع عمى معاىدة االستسبلـ كاممةينظر‪ :‬مكلكد قاسـ نايت بمقاسـ‪ ،‬شخصية الجزائر الدكلية كىيبتيا العالمية قبل‬
‫‪ ،2941‬ج‪ ،3‬دار البعث لمطباعة ك النشر‪،‬قسنطينة‪ ،2:91 ،‬ص‪.394‬‬
‫‪4‬صالح حيمر‪ ،‬السياسة العقارية الفرنسية في الجزائر(‪ ،)2:41-2941‬أطركحة دكتكراه عمكـ‪ ،‬جامعةباتنة‪ ،‬غير‬
‫منشكرة‪ ،3125/ 3124،‬ص ‪.4:‬‬
‫‪5‬عمار قميل‪ ،‬ممحمة الجزائر الجديدة‪ ،‬دار البعث لمطباعة كالنشر‪ ،‬ج‪ ،2‬د ت‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪279‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المصادرات ك اإلعتداءاتك المضاربات حتى غدكا كما صكرىـ أحد المؤرخيف " أصبح الجزائريكف خماسيف‬
‫‪1‬‬
‫غرباء في ببلدىـ ال يتمتعكف بأبسط الحقكؽ "‬
‫فبالنسبة النتشار المضاربات العقارية يرجع غالب المؤرخيف أسبابيا إلى الطرؼ الجزائرؼ الذؼ آمف‬
‫بفكرة الغزك الفرنسي العابر أؼ بمعنى اعتقاد الجزائرييف في استرجاع ممتمكاتيـ بعد جبلء الفرنسييف ذلؾ‬
‫اف الحممة تقتصر عمى تأديب الداؼ فقط‪.‬‬
‫ك تتمثل المضاربة في بيع العقارات بثمف بخس لؤلكركبييف ك مف ثمة يسعى األكركبيكف بدكرىـ إلى‬
‫بيعيا لتحقيق فائدة أكبر "غير أف ىذا التفسير مجاؼ لمحقيقة"‪ 2‬فارتباط الجزائرؼ بأرضو عميق فيي ال‬
‫تمثل مكردا اقتصاديا فحسب بل ليا أكثر مف رمز" فيي مف جانب اخر تمثل اليكية ك عنكاف كجكد دائـ‬
‫‪3‬‬
‫الفمككر الشعبي عمى االرتباط الكثيق باألرض حتى كرد في االمثمة‬‫لممتمسكيف بيا" ك كثي ار ما دؿ َُ ُ‬
‫"األرض اخت العرض" فيي بيذا المعنى تأخذ مف الشرؼ الذؼ ال ُيباع كال ُيشترػ‪،‬ك قد صكرلنا فرحات‬
‫عباس في كتابو ‪ -‬ليل االستعمار‪ -‬نماذج ىؤالء المضاربيف األكركبييف" الذمة ليـ كال ضمير مجبكليف‬
‫عمى الشجاعة ك المغامرة‪ ...‬مكلعيف بحب الدراىـ ك الدنانير فانتشركا كالببلء المستطير متكالبيف عمى‬
‫بيع العقارات ك شرائيا ك شاطرىـ في تياتفيـ عمى األرباح حتى بعض األشخاص المحترميف متكالبيف‬
‫تكالب الجياع عمى القصاع يبيعكف ك يشتركف خطفا ك نيبا سرقا ك سمبا ال ديف ليـ إال األرباح الباىضة‬
‫‪4‬‬
‫يي ُميـ كيف أتت ك مف أيف أتت"‪.‬‬
‫ال ُ‬
‫كال شؾ أف حالة الفكضى التي عرفتيا الجزائر غداة االحتبلؿ مع انشغاؿ السمطات االستعمارية‬
‫بالتقتيل ك التيديـ ك المصادرات دكف عناية بالتشريع العقارؼ‪ 5‬أذكى حمى المضاربات ك حينما حاكلت‬
‫االدارة االستعمارية تدارؾ األمر ك فكرت جديا في كضع حد ليذه الفكضى كجدت نفسيا تكرطت في لعبة‬
‫التشريع فباإلضافة الى القرار المتعمق بإنشاء قطاع الدكميف (‪ )2941/1:/19‬أصدرت السمطة‬
‫االستعمارية جممة مف الق اررات المتعمقة بتنظيـ السكؽ العقارية " أقل ما يقاؿ عنيا أنيا ق ار ارت ارتجالية أك‬
‫اعتباطية تفتقر لمحكمة "‪6‬ذلؾ أنيا أفرزت حالة مأساكية لمجزائرييف سكاف الحضر الذيف فقدكا مكارد رزقيـ‬

‫‪1‬شارؿ ركبير اجيركف‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬ترجمة عيسى عصفكر‪ ،‬ط‪ ،2‬منشكرات عكيدات‪ ،‬بيركت‪ ،2:93 ،‬ص‪.53‬‬
‫‪2‬حيمرصالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫أحميدة عميراكؼ‪ ،‬محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬ط‪ ،3‬دار اليدػ‪ ،‬عيف مميمة‪ ،‬الجزائر‪ ،3115 ،‬ص‪.51‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬فرحات عباس‪ ،‬ليل االستعمار‪ ،‬حرب الجزائر ك ثكرتيا‪ ،‬ترجمة أبك بكر رحاؿ‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬الدمحمية‪ ،‬المغرب‪ ،‬دت‪ ،‬ص‬
‫‪.:6‬‬
‫‪5‬حيمرصالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪6‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪280‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫رزقيـ فمسيـ العكز ك التشرد كأما بخصكص سكاف الريف بأحكاز العاصمة ك المناطق التي تـ ضميا‬
‫الى سمطة االحتبلؿ فقد تحكلكا إلى أجراء في أمبلكيـ ‪.‬كل ذلؾ جراء الشركط التعجيزية الكاردة في‬
‫الق اررات التشريعية األكلى ك حتى ‪ 2945‬فمقد كاف شعارىـ "أف العربي في نظرىـ ماىك إال حيكاف مخمكؽ‬
‫ك ىك ممتمئ بالتعصب االسبلمي ك ال يمكف كقفو عند حده إال بالقكة"‪ 1‬كبيذا الشعار تفنف المعمركف‬
‫كسمطتيـ االستعمارية في تطبيقو ‪،‬حتى كصل الجزائريكف إلى ما كصفيـ بو‪ "LESPéS‬األىالي‬
‫المجردكف مف أمبلكيـ بدكف أؼ تعكيض بمغ بيـ الشقاء الى حد التسكؿ "‪ 2‬إف ىذا الكصف الدقيق عمى‬
‫لساف شاىد مف أىل االستعمار لدليل قاطع عمى اإلجراءات التعسفية التي قامت بيا االدارة االستعمارية‬
‫عف طريق نصكصيا القانكنية ك تشريعاتيا العقارية ك ىك ما يدفعنا إلى القكؿ بإجراميتيا ك ىك ما يؤكده‬
‫أحد الباحثيف القانكنييف بقكلو " مف جرائـ االستعمار الفرنسي التي تحرميا األعراؼ اإلنسانية اإلعتداءات‬
‫التي كقعت عمى األعياف ك الممتمكات المدنية حيث تـ تجريد السكاف مف أراضييـ ك أمبلكيـ ك مساكنيـ‬
‫ك محبلتيـ إما بالقكة أك باستعماؿ قكانيف عقارية جديدة "‪.3‬‬
‫ك مما يؤكد فكضى السياسات العقارية االستعمارية في ىذه الفترة ىي إصدار القرار ثـ الغاؤه في مدة ك‬
‫جيزة ك مثاؿ ذلؾ قرار‪18‬ماؼ‪ 2943‬الذؼ نص عمى منع انتقاؿ األمبلؾ العقارية مف المسمميف الى‬
‫النصارػ بعنابة ك في مقاطعة قسنطينة ك لكف سرعاف ما تـ الغاؤه بمكجب قرار ‪ 19‬ماؼ ‪2944‬يضاؼ‬
‫لكل ذلؾ قرار المقتصد المدني بتاريخ ‪ 2944/14/12‬الذؼ تضمف أم ار لكل المبلؾ ك الحائزيف بتقديـ‬
‫عقكد ممكية األراضي التي بأيدييـ لدػ مديرية أمبلؾ الدكلة ضمف أجل محدد مع إمكانية ضميا ألراضي‬
‫الدكلة في حالة عدـ القياـ باإلجراء‪ .‬ك مع استحالة تطبيقو ميدانيا‪4‬كجدت اإلدارة االستعمارية نفسيا مجبرة‬
‫‪5‬‬
‫مجبرة عمى الغائو في العاـ المكالي ك ذلؾ بكاسطة قرار ‪.2945-18-37‬‬

‫‪1‬عمار بكحكش‪ ،‬التاريخ السياسي لمجزائر مف البداية كلغاية ‪ ،2:73‬دار الغرب االسبلمي‪ ،‬ط‪ ،2::8 ،2‬ص ‪.215‬‬
‫‪2‬نقبل عف حيمر صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪3‬سمير شكقي‪ ،‬جرائـ االحتبلؿ الفرنسي في الجزائر عمى ضكء األعراؼ االنسانية‪ ،‬مجمة العمكـ االنسانية‪ ،‬جامعة أـ‬
‫البكاقي‪ ،‬العددالرابع‪ ،‬ديسمبر ‪ ،3126‬ص ‪.29‬‬
‫‪ 4‬يمكف أف تفسر ىذه االستحالة بعدـ فيـ االدارة االستعمارية لكاقع الممكية العقارية كبنية المجتمع في الجزائرقبل االحتبلؿ‪،‬‬
‫لممزيد ينظر‪ :‬عمرؼ الطاىر‪ ،‬الصدمةاالستعمارية‪ ،‬مكتبة إقرأ‪ ،‬قسنطينة‪.311: ،‬‬
‫‪5‬حيمر صالح‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.6:‬‬
‫‪281‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إف حمكؿ سمطة االحتبلؿ محل السمطة المحمية في البداية مر عف طريق حرب دامية اكمت األخضر‬
‫ك اليابس ك في ظل نظاـ حكـ عسكرؼ سعى إلى بسط السيطرة ك كقكع الجزائر تحت االستعمار‪1‬ك في‬
‫مرحمة تميزت بعدـ احتراـ الشريعة ك التذبذب عف طريق إصدار قرارات متسرعة ك الغاءىا بشكل‬
‫اعتباطي ك تجمت مظاىر ذلؾ في اغتصاب األراضي الصالحة لمزراعة ك االستيطاف كل ىذا يعد في‬
‫نظر القانكف جريمة ‪.‬‬
‫ك خبلؿ ىذه المرحمة( مرحمة التردد ‪)2945-2941‬الزالت السمطة الفرنسية االستعمارية في‬
‫الجزائر لـ تقرر بعدما إذا ستحتفع بالجزائر كمستعمرة فرنسية أـ ال‪ .‬ك ىل ستكاصل االحتبلؿ الشامل أـ‬
‫سيقتصر تكاجدىا عمى المناطق التي كصمتيا إلى غاية سنة ‪ 2945‬ك مف أجل إيجاد حل ليذا االشكاؿ‬
‫فكرت في إنشاء لجنة تعمل عمى تقييـ الكضع ك اقتراح آليات مف شأنيا اف تضيئ طريق الخطة‬
‫االستعمارية ‪.‬عمى األقل كاف ىذا السبب الظاىر في تشكيل المجنة ك في العنصر التالي سنعرض‬
‫اىتمامات المجنة بقضية األرض‪.‬‬
‫‪ -3‬المسالة العقارية في أجندة المجنة األفريقية‪:‬‬
‫تشكمت المجنة االفريقية بأمر ممكي في ‪ 2943-23-23‬بميمة أساسية تتمثل في إثبات جدكػ االحتبلؿ‬
‫ك ما الفائدة مف ذلؾ‬ ‫مف خبلؿ االجابة عمى سؤاؿ رئيسي ‪:‬ىل تحتفع فرنسا بالجزائر اـ تتخمى عنيا‬
‫ك قد عممت المجنة في الجزائر خبلؿ النصف االكؿ لسنة ‪ 2945‬بزيا ارتيا لعدة مناطق غزاىا الجيش‬
‫الفرنسي ك استكلى عمييا مثل الجزائر مدينة ‪،‬عنابة‪ ،‬مستغانـ ‪.‬كما استمعت ايضا لمجزائرييف ك‬
‫عمى ذلؾ اعدت تقارير مختمفة المكاضيع حكؿ الجزائر في جزئيف بمجمكع حكالي الف صفحة‪ 2‬ناؿ منيا‬
‫مكضكع العقار حظا كبي ار فمف خبلؿ تقاريرىا يتضح أنيا تناكلت األكقاؼ بمختمف انكاعيا ك كذا االمبلؾ‬
‫العامة قبل االحتبلؿ ك بعده ك امبلؾ الدكلة ك غيرىا ك اف كاف السبب الرئيسي في تشكميا ىك محاكلة‬
‫االجابة عف السؤاؿ امكانية االحتفاظ بالجزائر ضمف امبلؾ فرنسا اال اف مناقشات اعضاءىا ك تقاريرىـ‬
‫حاكلت ايجاد طرؽ االحتفاظ بالجزائر ك احتبلليا كاممة ك استعمارىا ك استغبلليا ك لـ يككنكا يناقشكف‬
‫اصبل تمؾ االمكانية‪.‬‬
‫ك عمى أية حالة فقد أتمت المجنة تقاريرىا حكؿ الممكية فعددت الممكية العقارية بانيا تمؾ الممكيات التي‬
‫كانت لمحككمة القديمة ك البايمؾ ك تمؾ المخصصة لمعيكف ك الجنكد االنكشارية ك اصرت ىذه المجنة‬

‫‪ 1‬يشيرالمؤرخ سعدؼ بزياف "أف كممة استعمارفي حد ذاتيا جريمة ضد االنسانية‪ ،‬دكنما البحث في أساليبو كعف‬
‫نتائجو"ينظر‪:‬سعدؼ بزياف ‪ ،‬جرائـ فرنسا في الجزائر‪ ،‬دار ىكمة‪ ،‬الجزائر‪ ، 3116 ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪2‬عيسى يزير‪ ،‬السياسة الفرنسية تجاه الممكية العقارية في الجزائر‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬غيرمنشكرة‪ ،‬قسـ التاريخ‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،311: ،‬ص‪.37‬‬
‫‪282‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ضركرة التعرؼ عمى باقي امبلؾ الدكلة في اقميـ الجزائر ك ضركرة بسط االدارية االستعمارية عمييا ك‬
‫اعترفت في ذات الكقت اف ىذه االمبلؾ قد بمغت في الداخل مدف الجزائر ك ىراف عنابة ‪ 942‬ما بيف‬
‫منزؿ ك بناية صناعية منيا‪ 326‬استغمت كثكنات ك مصالح عمكمية ك استكلى عمى بعضيا االخر بعض‬
‫‪1‬‬
‫المكظفيف المدنييف ك العسكرييف‪.‬‬
‫ك أعدت المجنة تقارير اخرػ حكؿ الممكيات العقارية فتحدثت عف مؤسسة بيت الماؿ ك مكة ك المدنية ك‬
‫الممتمكات البايميكية لمحككمة التركية القديمة ك لمخكاص االتراؾ اك الجزائرييف ك كانت في كل تقاريرىا‬
‫ىذه تقدـ اقتراحات حكؿ تسيير ىذه الممتمكات اك البحث عف طريقة لمراقبتيا اك التدخل فييا بطريقة ما‪.‬‬
‫ك ىذا ييدؼ الى تدعيـ االستيطاف باالستفادة مف دخل ىذه الممكيات ك قررت أنو" إذا أردنا إعادة‬
‫االعتبار لكل مؤسسة حتى تصبح كميا لمجالية المسممة يجب اف نبحث عف طريقة تمكف السمطة الفرنسية‬
‫‪2‬‬
‫مف التدخل حتى ك اف كانت لممارسة الرقابة عمييا ‪".‬‬
‫كعالجت المجنة أيضا الكسائل الكفيمة بتشجيع االستعمار ك رأت القاعدة األساسية في ىذا‬
‫ىي "إيجاد معمريف مرتبطيف باألرض عف طريق الممكية بحيث ال يتخمكف عنيا بمجرد الشعكر بالخطر ك‬
‫يشتغمكف عمييا لمدة طكيمة مع اقناعيـ بذلؾ ك مف جية أخرػ يستطيع المعمر استغبلؿ كل أرس مالو‬
‫‪3‬‬
‫الذؼ يجمبو إلقامتو ك لزراعتو ك اف يحدث مشركعو تنمية كبيرة "‬
‫ك لقد أكصت المجنة باحتبلؿ الجزائر كامبل ك جعميا أمبلكا فرنسية ك قد تأكد ذلؾ في التقرير النيائي‬
‫الذؼ قدمتو لمحككمة فقد جاء فيو أف عمى فرنسا اف تحتفع بالجزائر ك أال تبقى المدف الساحمية فقط بل‬
‫الكاجب عمييا جعل تمؾ المدف مراكزاأمامية إلمداد الجيش بضركرات حمبلت عسكرية تكسيعية في داخل‬
‫‪4‬‬
‫الببلد إلخضاع كامل الببلد لمسيطرة الفرنسية ‪.‬‬
‫ما يتضح مف جممة تقارير المجنة االفريقية أف المسالة العقارية احتمت مركز اىتماميا ك كانت فحكػ‬
‫النتيجة التي تقدمت بيا المجنة تتمثل في دعـ االستعمار ك االحتفاظ باألرض الجزائرية ترجـ ذلؾ في‬
‫قرار‪ 2945/18/33‬القاضي باعتبار الجزائر ارضا فرنسية ك جزءا ال يتج أز منيا‪.‬‬

‫‪RAPPORT SUR LA "1LA COMMAISSION D AFRIQUE.PROCES VRBEAU ET RAPPORT‬‬


‫‪TOM1 ,IMP ROYAL,PARIS,1834,P01."DOMAINE PUBLIQUE‬‬
‫‪2‬رابح كنتكر‪ ،‬أكقاؼ مدينة البميدة ك السياسة الفرنسية في المصادرة ك االستيبلء عمى الممكية"حكليةالمؤرخ‪ ،‬اتحاد المؤرخيف‬
‫الجزائرييف‪ ،‬ص‪.388‬‬
‫‪3‬‬
‫‪LA COMMAISSION D AFRIAUE,OP.CIT,P03.‬‬
‫‪4‬ابك القاسـ سعد هلل‪ ،‬محاضرات في تاريخ الجزائر بداية االحتبلؿ‪ ،‬المؤسسة الكطنية لمنشر ك التكزيع‪ ،‬ط‪ ،4‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،2:93‬ص ‪.21:‬‬
‫‪283‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المحور الثاني‪:‬الترسانةالقانونية العقارية( خالل مرحمة الحكم العسكري‪)4381-4334‬‬


‫صدر قرار االلحاؽ‪ 2945-18-33‬ك قد نص عمى أف الجزائر أرض فرنسية ك بذلؾ طكت صفحة فرنسا‬
‫صفحة التردد حكؿ مصير الجزائر فمضت قدما في تجسيد سياستيا ك تقنيف تشريعاتيا لتأكيد فكرتيا ك‬
‫‪1‬‬
‫ىكذا نبأ ىذا المرسكـ "عمى اغتصاب االرض الجزائرية"‬
‫‪ -2‬التشريع بغرض التطويع‪:‬‬
‫في ىذه المرحمة بعد اف تـ الحاؽ الجزائر رسميا بفرنسا عممت عمى تسخير االرض في خدمة المعمر ك‬
‫ذلؾ عف طريق سف ق اررات تعمل عمى حجز اك مصادرة االرض لخدمة المصالح االستعمارية ‪.‬‬
‫إ ف الغرض مف ىذه النماذج المقدمة ىك محاكلة قراءتيا ضمف السياسات التعسفية مف طرؼ االدارة‬
‫االستعمارية ك العمل عمى تضيمنيا بأركاف الجريمة ضمف االعماؿ االجرامية لبلستعمار نتيجة ما القاه‬
‫ك التشرد ‪.‬‬ ‫الفرد الجزائرؼ مف قطع ألرزاقو ك بترألكصالو االجتماعية مما انجر عنو حاالت البؤس‬
‫لقد صدر القرار ‪ 2951-23-12‬الذؼ كقعو الككنت فالي ك القاضي بالمصادرة ألجل الصالح العاـ‬
‫ك ىك القرار الذؼ استقاد منو الجنراؿ بيجك لتطبيق سياستو التعسفية االجرامية تجاه القبائل فقد صرح في‬
‫‪" 2952-15-29‬بأف الكسيمة الكحيدة لكضع نياية لمقاكمة الجماىير الشعبية ىي التخريب ك التدمير ك‬
‫‪3‬‬
‫ك المحراث "‬ ‫مصادرة االراضي"‪2‬ك ىك صاحب الشعار االستعمارؼ "يجب احتبلؿ الجزائر بالسيف‬
‫لقد سنت فرنسا مجمكعة مف القكانيف التي استطاعت بيا حشد أكبر قدر مف المساحة منذ تطبيق‬
‫ك‬ ‫المرسكميف ‪ 2957-2955‬فقد استيدفت مف خبلليا تجريد االىالي مف أراضييـ بمختمف الذرائع‬
‫االساليب ضمف المرسكـ االكؿ ‪ 2955‬سيكلة انتقاؿ االراضي الزراعية لمككلكف ك قضى بانتزاع كل‬
‫االراضي غير المستغمة‪ 4‬أما المرسكـ الثاني‪ 2957‬فقد أقر بأف االراضي الغير مزركعة ك التي ال يممؾ‬
‫اصحابيا سندات ممكية فإنيا تحكؿ الى ممكية الدكلة "إف عدـ زراعة األراضي يككف سببا كافيا النتزاع‬
‫‪5‬‬
‫ممكيتيا ككضعيا تحت تصرؼ المصمحة العامة‪".‬‬

‫‪1‬عدة بف داىة‪ ،‬االستيطاف ك الصراع حكؿ ممكية االرض اباف االحتبلؿ الفرنسي‪ ،‬دار االمة‪ ،‬الجزائر‪ ،3123 ،‬ص ‪.417‬‬
‫‪2‬محفكظ قداش ك جيبللي صارؼ‪،‬الجزائر في التاريخ‪ ،‬ج‪ ،6‬منشكرات الككالة الكطنية لمنشر ك االشيار‪ ،‬الجزائر‪،2:9: ،‬‬
‫ص‪.251‬‬
‫‪3‬نعيمة حاجي‪ ،‬أراضي العرش في القانكف الجزائرؼ‪ ،‬دار اليدػ ‪ ،‬الجزائر‪ ،3121 ،‬ص‪.5:‬‬
‫الغالي غربي‪ ،‬االحتبلؿ الفرنسي لمجزائر‪ ،‬الدكافع كاألسباب‪ ،‬المركز الكطني لمدراسات ك البحث في الحركة الكطنية كثكرة‬ ‫‪4‬‬

‫أكؿ نكفمبر‪ ،2:65‬الجزائر‪ ،‬د ت ‪ ،‬ص ‪.2:7‬‬


‫تكك ُُف التخمف في الجزائر‪ ،‬الشركة الكطنية لمنشر كالتكزيع ‪ ،‬الجزائر‪ ،2:8: ،‬ص‪.38‬‬
‫عبد المطيف بف اشنيك ‪َ ،‬‬
‫‪5‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫جدير بالذكر أف مرسكـ ‪ 2956-18-32‬قد سمح لمعسكريف بحجز االراضي في حالة حدكث اؼ نشاط‬
‫عبرعف تنفيذه بيجك بقكلو ‪ ":‬اف الحرب التي سنقكـ بيا ليست حربا تعتمد‬
‫عدائي لمكجكد الفرنسي ك قد َ‬
‫عمى طمقات البنادؽ ك انما ىي اف نحرـ العرب مف مكاردىـ التي تنتجيا أرضيـ اذىبكا اذف كاقطعكا‬
‫القمح ك الشعير‪1"...‬ك ىك نفس المنيج الذؼ عبر عنو في أحد خطبو لجنكده بقكلو ‪":‬إف ميمتكـ أف‬
‫‪2‬‬
‫تمنعكا العرب مف أف يبذركا أك يحصدكا أك يزرعكا "‬
‫مما سبق يمكننا أف نستنتج أف السمطة االستعمارية تفننت في تعذيب الجزائرييف نفسيا ك اجتماعيا ك‬
‫اقتصاديا ‪.‬إنيا كما كصفيا أحد رجاالت القانكف جكداف‪ GODIN‬مشخصا ىذه السياسة"إنيا نظرية السمب‬
‫‪3‬‬
‫ك النيب "‪.‬‬
‫‪ -2‬السيناتوس كونسيمت وتكريس منطق التفتيت ‪:‬‬
‫يعتبر القرار المشيخي ؿ ‪ 33‬افريل ‪ 2974‬منعرجا حاسما في تاريخ الممكية العقارية بالجزائر لما نتجت‬
‫مف اثار بميغة الخطكرة عمى مستقبل البنية االقتصادية ك االجتماعية لئلنساف الجزائرؼ فيك اجراء تشريعي‬
‫‪4‬‬
‫ذك أبعاد سياسية عميقة ‪.‬‬
‫ك قد َسف ىذا األخير بيدؼ تطكير القكانيف المتعمقة بتنظيـ األحكاؿ الشخصية ك حيازة االرض ك قد‬
‫جاءت لتحقيق األىداؼ التي كضعت ألجميا المكاتب العربية فيي ترمي الي تفتيت المجتمع الجزائرؼ‬
‫بالقضاء عمى الخمية األساسية فيو ك ىي القبيمة ك العمل عمى دمجو في المجتمع الفرنسي ك سمخو عمى‬
‫أحكالو الشخصية االسبلمية ك إبعاده عف قيمتو الحضارية‪5‬كما كاف ييدؼ الى تحطيـ الشعب الجزائرؼ‬
‫اقتصاديا ك اجتماعيا ‪.‬‬
‫لقد عرؼ الجزائريكف باألنفة ك االعتزاز ك القدرة القتالية فازدادت فرنسا في العمل جادة لتغيير سمككيـ‬
‫القتالي ك ذلؾ بتحكيميـ الى مبلؾ االراضي ك في غياب امكانات خدمتيا يصبحكف فقراء فاقديف الصمة‬
‫التي كانت تربطيـ بالقبيمة ك ىي االرض‪.‬‬

‫دمحم خير فارس‪ ،‬تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬دار الشرؽ ‪ ،‬سكريا‪ ،2:8: ،‬ص‪.365‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسو‪ ،‬الصفحة نفسيا‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫دمحم عيساكؼ‪ ،‬نبيل شكيخي‪ ،‬الجرائـ الفرنسية في الج ازئر أثناء الحكـ العسكرؼ‪ ،2982-2941‬مؤسسة كنكز الحكمة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫الجزائر‪ ،3123 ،‬ص‪.241‬‬


‫عدة بف داىة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.447‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬ناصر الديف سعيدكني‪ ،‬الجزائر منطمقات ك افاؽ‪ ،‬مقاربات لمكاقع الجزائرؼ مف خبلؿ قضايا ك مفاىيـ تاريخية‪ ،‬دار الغرب‬
‫الغرب االسبلمي‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫‪285‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ك مع اف الككلكف ظمكا يحتفظكف بحقيـ في االستفادة مف قانكف ‪ 2962‬الذؼ يبيح ليـ التعامل مع‬
‫‪1‬‬
‫إال أف‬ ‫الدكاكير ك يسمح ليـ بحق انتزاع االراضي مف اصحابيا اال انيـ جزعكا ليذا القرار ك تنكركا لو‬
‫مرامي االمبراطكر كانت تيدؼ مف خبلؿ ىذا القرار إلى تحقيق ثبلث غايات ‪:‬‬
‫الغاية االكلى ‪ :‬طمأنة الجزائرييف الذيف شعركا بالخطر ييددىـ مف جراء عمميات اغتصاب االراضي ك‬
‫تجميع سكاف االرياؼ في مساحات معينة ‪.‬‬
‫الغاية الثانية‪ :‬االعتراؼ بحق الممكية لمجزائرييف ك امكانية احداث ممكية فردية لمعرب تدريجيا اؼ‬
‫الجزائرييف‪.‬‬
‫الغاية الثالثة‪ :‬اف المادة ‪ 17‬مف القرار المشيخي ‪ 2974-15-33‬قد رفعت الحضر الذؼ كاف مضركبا‬
‫عمى الصفقات العقارية بيف الجزائرييف ك االكركبييف بمقتضى المادة ‪ 25‬مف قانكف ‪ 27‬جكاف ‪2962‬‬
‫االمر الذؼ سمح لمككلكف بالشراء ‪.‬‬
‫ك الداعي الى اصدار ىذه المادة القانكنية ىك ضماف أمف الككلكف حتى ال يغامركا بأنفسيـ داخل القبائل‬
‫ك بالتالي يعرقمكف النشاطات العسكرية ضد القبائل المتمردة ك الثائرة السيما في المناطق العسكرية الف‬
‫المناطق المدنية قد ضمنت فييا المادة ‪ 25‬مف قانكف‪ 2962*17*27‬الحق لؤلكركبييف في شراء اراضي‬
‫الحبكس ‪،‬كما اف عممية المتاجرة باألمبلؾ العقارية فيما بيف الجزائرييف ستتـ كفق اجراءات اسبلمية ك كفق‬
‫القانكف المدني في جميع الحاالت االخرػ ‪.‬‬
‫ك اعتبرت المادة ‪ 15‬مف ىذا القانكف امبلكا تابعة لمدكلة جميع العقارات التي كانت تدعى بأمبلؾ‬
‫االحراش ك الغابات ك عمى اية حاؿ فاذا كانت التشريعات الخادعة قد مكنت الدكلة الفرنسية مف االستبلء‬
‫عمى امبلؾ الدكلة العثمانية باعتبارىا تحل محميا في الجزائر ك بالتالي بيا الحق في الحد مف ممكية‬
‫القبائل فاف ممارسة تحديد ممكيات القبائل ال تعدك اف تككف تكريسا لبلستعمار ك تجسيدا ليبصكره‬
‫االجرامية التي تعدت الى مس القيـ‪.‬‬
‫إف الفكر السياسي خبلؿ تمؾ الفترة قد تضمنتو ك عبرت عنو التشريعات العقارية السالف ذكرىا ك التي‬
‫كانت مرتبطة اكثق ارتباط مف غير تمييز بيف انماط ممكيتيا ك بعبارة اخرػ فاف التشريعات العقارية قد‬
‫‪2‬‬
‫ساعدت كثي ار عمى تقكية اليجرة ك االستيطاف ك تأييدىا ك تأكيده‪.‬‬

‫‪1‬بف عدة بف داىة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.449‬‬


‫المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.447‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪286‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كحد مف تأثير زعمائيا ك أرسىقاعدة لمقطيعة مع النظاـ العقارؼ‬


‫ك بالتالي فاف ىذا القرار قد فتت القبائل َ‬
‫السائد في الجزائر‪.‬ك استثمر المعمركف سذاجة كطيبة ك أمية الجزائرييف في بداية االحتبلؿ عف طريق‬
‫الشراء مستغميف فقر الجزائرييف‪.‬‬
‫المحور الثالث ‪ :‬التداعيات السمبية لمتشريعات العقارية‬
‫ال يختمف اثناف حكؿ مسألة االىتماـ البالغ الذؼ أكلتو السمطة االستعمارية الفرنسية في الجزائر خبلؿ‬
‫فترة تكاجدىا لمسألة العقار ‪ ،‬كما أف االختبلؼ يضمحل أيضا حكؿ النتائج الكارثية ليا عمى المجتمع‬
‫الجزائرؼ ك التي تجمت في تفكيؾ بنيتو االجتماعية ك ظيكر حاالت الفقر ك التيجير‪.‬‬
‫‪ -4‬تفكيك بنية المجتمع الجزائري‪:‬‬
‫تعددت أىداؼ السمطة االستعمارية الفرنسية في الجزائر ‪ ،‬ك تنكعت عمى إثر ذلؾ استراتيجياتيا المطبقة ‪،‬‬
‫ك كاف إخضاع القبائل الثائرة أمر مف األكلكيات ك مع صعكبة ذلؾ‪ ،‬اىتدت الى تفتيت القبيمة ‪،‬ىذه‬
‫األخيرة التي أدركت اإلدارة االستعمارية أىميتيا ك" أنيا العامل األساسي الذؼ يحفع التكازف االجتماعي ك‬
‫االقتصادؼ لممجتمع الجزائرؼ‪1،‬ك تجسد التفتيت القبمي مف خبلؿ تفتيت الممكية الجامعية لمممكية العقارية‬
‫عف طريق أكؿ إجراء تمثل في تطبيق قانكف السيناتكسككنسيمت (‪ )sénateurconsulte‬لعاـ ‪،2974‬‬
‫الذؼ فجر القبيمة التي كانت الخمية األساسية التي يشد بعضيا البعض بصمة كثيقة خاصة صمة الدـ ‪،‬‬
‫كحل عكامل كحدتيا‪ ،‬كما أف البنية االجتماعية في الريف تحطمت أيضا بفعل سقكط عائبلت األشراؼ‬ ‫َ‬
‫التي مارست نفكدىا لفترة طكيمة ‪ ،‬ك بسقكطيا ك تفتت ممكيتيا لؤلرض يمكف بالتالي التحكـ فييا كبسيكلة‬
‫فقد كتب أحد مؤرخييـ "‪ ...‬إذف فنحف نكاجو أفرادا منعزليف ‪ ،‬ك نتيجة ليذا فإننا دكف كسطاء نستطيع‬
‫تبميغ نياتنا ‪ ،‬ك تنفيذ أمرنا أك تقدير حاجات الناس"‪2.‬عمى الرغـ مف التشكىات التي مست القبيمة جراء‬
‫ك تراجع دكر القبيمة في البنية االجتماعية ‪ ،‬بقيت األسرة كمؤسسة‬ ‫الممنيجة‬
‫السياسات الفرنسية ُ‬
‫اجتماعية تقكـ بدكرىا في صيانة القيـ ك األخبلقية ك الدينية فأصبحت العائمة بؤرة تتجمع فييا القيـ‬
‫‪3‬‬
‫االجتماعية ك التقميدية ك منقذ لممككنات األخبلقية ك الدينية لممجتمع‪.‬‬

‫‪1‬عمرؼ الطاىر‪ ،‬دكر بنى المجتمع الجزائرؼ في مقاكمة االستعمار‪ ،‬مذكرة ماجستير غير منشكرة ‪ ،‬جامعة األمير عبد‬
‫القادر‪ ،‬قسـ التاريخ ‪ ،‬قسنطينة‪ ،2:::-2::9 ،‬ص ‪.332‬‬
‫أجيركف شارؿ ركبير‪ ،‬الجزائريكف المسممكف كفرنسا‪ ،‬تر ـ حاج مسعكد‪ ،‬ك أ بكمي‪ ،‬دار الرائد لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪،3118 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.4:4‬‬
‫عمرؼ الطاىر ‪ ،‬دكر بنى المجتمع الجزائرؼ‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.334‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪287‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمع إدراؾ السمطة االستعمارية الفرنسية في الجزائر ألىمية القبيمة كمككف ىاـ لممجتمع ‪،‬إذ تمثل حجر‬
‫عثره في طريق تنفيذ سياساتيا لتفكيؾ المجتمع‪ ،‬ك قد عمل مرسكـ ‪ 2974‬دك ار ميما في تحقيق‬
‫‪2‬‬
‫ذلؾ‪.1‬فبمكجبو تقطعت أرض القبيمة إلى دكاكير ك بمديات‪ ،‬ك أصبح لكل دكار قائد متكاضع ك غريب "‬
‫‪ -2‬من التفقير إلى التيجير‪:‬‬
‫كاف لمتشريعات العقارية الفرنسية في الجزائر بالغ األثر في خمخمة التكازنات االجتماعية ك االقتصادية‬
‫داخل المجتمع الجزائرؼ‪ ،‬ك ىذا مف خبلؿ تفتيت أراضي العرش ‪ ،‬كتعميـ الممكية الفردية ‪ ،‬فضبل عف‬
‫تشجيع المبادالت النقدية ‪ ،‬ك ىذا ما ساىـ في إقحاـ االقتصاد الجزائرؼ في دائرة الرأسمالية‪ ،‬كىك األمر‬
‫الذؼ ترتب عنو انعكاسات ك خيمة عمى مجتمع الجزائر المستعمرة‪.‬‬
‫كما أدػ تطبيق القكانيف العقارية إلى تجريد الجزائرييف مف أراضييـ ‪ ،‬ك كضعيا في خدمة االستيطاف‬
‫األكركبي‪ ،‬إما عف طريق البيع أك منح االمتياز‪ ،‬فقد أشارت إحدػ الدراسات أف ما بيف ‪ %26‬إلى‬
‫‪ %31‬مف البيكع التي تمت بيف األىالي ك المعمريف ‪ ،‬لـ تكف نزيية تماما‪ ،‬ك ىك ما دفع بأحد الكتاب‬
‫الفرنسييف إلى القكؿ ‪ " :‬عمميات سمب األمبلؾ التي مارسيا االستيطاف في الجزائر‪ ،‬كانت ك ستبقى‬
‫‪3‬‬
‫جريمة في حق شعب بأسره"‪.‬‬
‫استيدفت السياسة العقارية تجريد الجزائرييف مف أراضييـ ‪ ،‬ك حرمانيـ مف كسائل العيش الكريـ‪ ،‬أؼ درجة‬
‫أف الفبلح الجزائرؼ لـ يعد يممؾ قطعة أرضية تكفر لو الحاجيات الضركرية فحسب ‪ ،‬بل تعدػ األمر إلى‬
‫‪4‬‬
‫انعداـ تكفر بضعة أمتار لبناء مسكف يأكؼ عائمتو المشردة‪.‬‬
‫ك عميو يمكف القكؿ أف التشريعات العقارية لـ تكف تيدؼ إلى تنظيـ المسألة العقارية ‪ ،‬ك إنما كانت أداة‬
‫قانكنية استخدمت لتقنيف عمميات نزع الممكية التي كانت تمارسيا اإلدارة االستعمارية ‪ ،‬ىذه األخيرة تتحمل‬
‫‪5‬‬
‫مسؤكلية الفقر ك الحرماف الذؼ أصبح يعيشو الجزائرؼ‪.‬‬
‫بعدما ضاقت السبل بالجزائرييف في مكاجية سياسة تنكيل استعمارية لجؤكا إلى اليجرة ‪ ،‬ككانت لعممية‬
‫المصادرة الجماعية لؤلراضي دكر كبير في عممية التيجير‪ ،‬التي تمت عمى المستكػ الداخمي مف الريف‬

‫أبك القاسـ سعد هلل‪ ،‬الحركة الكطنية الجزائرية‪ ،‬ص ‪.224‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬أحميدة عميراكؼ‪ ،‬قضايا مختصرة في تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬دار اليدػ لمطباعة ك النشر‪ ،‬عيف مميمة ‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪ ،3115‬ص ‪.29‬‬
‫‪4‬صالح حيمر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.417‬‬
‫‪5‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫‪288‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الى المدينة بحثا عف مناصب شغل ك ظركؼ أفضل‪ ،‬بينما عمى المستكػ الخارجي تنكعت أسبابيا‬
‫كأىدافيا ك لكف العامل الرئيسي فييا مصادرة األراضي‪ ،‬ك االستغبلؿ السمبي لممسألة العقارية في الجزائر‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫يمكننا مف خبلؿ دراستنا مكضكع التشريعات العقارية االستعمارية كجريمة استعمارية أف نخمص الى‪:‬‬
‫أكال ‪ -‬تميزت مرحمة التردد ‪ 2945-2941‬بفكضى كبيرة تجمت في شيكع المضاربات العقارية‬
‫كانتشار االستيطاف الحر ك الرسمي ك انتياج سياسة السمب ك النيب ك الحجز ك المصادرات كل ذلؾ‬
‫اثر سمبا عمى المجتمع الجزائرؼ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬عممت كل التشريعات العقارية عمى الغاء الكينكنة الجزائرية بكل خصائصيا كاحبلؿ قكانيف‬
‫تخدـ مصالح الكجكد االستعمارؼ الفرنسي‪.‬‬
‫ثالثا ‪ -‬حظيت المسألة العقارية باىتماـ المجنة االفريقية (‪ )2944‬ك خمصت إلى تأكيد إلحاؽ الجزائر‬
‫بفرنسا بقرار ‪.2945-18-33‬‬
‫رابعا ‪ -‬ألغت القكانيف الفرنسية العقارية مظاىر التكافل االجتماعي لممجتمع الجزائرؼ ك الذؼ كاف‬
‫يضمنو الكقف مف جية‪.‬ك بنية المجتمع في طبيعة الممكية مف جية اخرػ( القبيمة)‪.‬‬
‫خامسا ‪ -‬تحكؿ الجزائرؼ الى خماس في أرضو ك أجير في أمبلكو ك فقدانو الرحـ االجتماعي‬
‫كظيكر مبلمح العكز ك البؤس إنما ىي سياسة إجرامية استعمارية‪.‬‬
‫سادسا ‪ -‬عممت التشريعات العقارية عمى أف يضرب الفقر أطنابو في عمق المجتمع الجزائرؼ ‪ ،‬مف‬
‫خبلؿ الممارسات العقارية المشبكىة التي تمت بيف األىالي ك المعمريف‪.‬‬
‫سابعا ‪ -‬إف شيكع العقكد العقارية الربكية ك األكجو الغير شرعية لممضاربات ك تسييل انتقاؿ األراضي‬
‫قصرا‪.‬‬
‫طكعا أك ً‬
‫محاؿ إقامتيـ إما ً‬
‫َ‬ ‫مف األىالي لممعمريف ساىمت مجتمعة في انتقاؿ األفراد مف‬
‫كما يمكننا أف نضمف الكرقة البحثية ىذه جممة مف التكصيات نكرد أىميا فيما يمي‪:‬‬
‫ثامنا ‪ -‬ضركرة االىتماـ بالبحث الثنائي جنبا الى جنب بيف المؤرخ كرجل القانكف حتى تتـ اعادة قراءة‬
‫التاريخ الكطني في قكالب حقكقية قانكنية مف شأنيا أف تديف االستعمار في سياستو اإلجرامية‪.‬‬
‫تاسعا ‪ -‬أال يتكقف العمل في سياؽ جرائـ االستعمار عمى تجريـ أفعالو بالتعذيب الجسدؼ فقط‪.‬بل‬
‫محاكلة جادة لتتبع سياستو االجرامية منذ ‪.2941‬ك في جميع المياديف‪.‬‬
‫عاش ار ‪ -‬التعزيز مف حظكظ االلتقاء بيف األكاديمييف في االختصاصات التي مف شأنيا أف تضفي‬
‫الجديد عمى مكضكع تجريـ االستعمار الفرنسي في الجزائر‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المراجع‪:‬‬
‫‪1. LA COMMAISSION D AFRIQUE.PROCES VRBEAU ET RAPPORT"RAPPORT‬‬
‫‪SUR LA DOMAINE PUBLIQUE"TOM1 ,IMP ROYAL,PARIS,1834,P01.‬‬
‫القاسـ‬ ‫أبك‬ ‫‪.3‬‬
‫سعد هلل‪ ،‬الحركة الكطنية الجزائرية‪ ،‬ج‪ ،2‬القسـ‪ ،2‬المؤسسة الكطنية لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪.2::3 ،‬‬
‫‪ .4‬ابك القاسـ سعد هلل‪ ،‬محاضرات في تاريخ الجزائر بداية االحتبلؿ‪ ،‬المؤسسة الكطنية لمنشر ك التكزيع‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫الجزائر‪.2:93 ،‬‬
‫‪ .5‬أجيركف شارؿ ركبير‪ ،‬الجزائريكف المسممكف كفرنسا‪ ،‬تر ـ حاج مسعكد‪ ،‬ك أ بكمي‪ ،‬دار الرائد لمكتاب‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.3118‬‬
‫‪ .6‬أحميدة عميراكؼ‪ ،‬قضايا مختصرة في تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬دار اليدػ لمطباعة ك النشر‪ ،‬عيف مميمة ‪،‬‬
‫الج ازئر‪.3115 ،‬‬
‫‪ .7‬أحميدة عميراكؼ‪ ،‬محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬ط‪ ،3‬دار اليدػ‪ ،‬عيف مميمة‪ ،‬الجزائر‪.3115 ،‬‬
‫‪ .8‬رابح كنتكر‪ ،‬أكقاؼ مدينة البميدة ك السياسة الفرنسية في المصادرة ك االستيبلء عمى الممكية"حكلية المؤرخ‪ ،‬اتحاد‬
‫المؤرخيف الجزائرييف‪.‬‬
‫‪ .9‬سعدؼ بزياف ‪ ،‬جرائـ فرنسا في الجزائر‪ ،‬دار ىكمة‪ ،‬الجزائر‪.3116 ،‬‬
‫‪ .:‬سمير شكقي‪ ،‬جرائـ االحتبلؿ الفرنسي في الجزائر عمى ضكء األعراؼ االنسانية‪ ،‬مجمة العمكـ االنسانية‪ ،‬جامعة‬
‫أـ البكاقي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ديسمبر ‪.3126‬‬
‫‪ .21‬شارؿ ركبير اجيركف‪ ،‬تاريخ الجزائر المعاصر‪ ،‬ترجمة عيسى عصفكر‪ ،‬ط‪ ،2‬منشكرات عكيدات‪ ،‬بيركت‪.2:93 ،‬‬
‫‪ .22‬صالح حيمر‪ ،‬السياسة العقارية الفرنسية في الجزائر(‪ ،)2:41-2941‬أطركحة دكتكراه عمكـ‪ ،‬جامعةباتنة‪ ،‬غير‬
‫منشكرة‪.3125/ 3124،‬‬
‫تكك ُُف التخمف في الجزائر‪ ،‬الشركة الكطنية لمنشر كالتكزيع ‪ ،‬الجزائر‪.2:8: ،‬‬
‫‪ .23‬عبد المطيف بف اشنيك ‪َ ،‬‬
‫‪ .24‬عدة بف داىة‪ ،‬االستيطاف ك الصراع حكؿ ممكية االرض اباف االحتبلؿ الفرنسي‪ ،‬دار االمة‪ ،‬الجزائر‪.3123 ،‬‬
‫‪ .25‬عمار بكحكش‪ ،‬التاريخ السياسي لمجزائر مف البداية كلغاية ‪ ،2:73‬دار الغرب االسبلمي‪ ،‬ط‪.2::8 ،2‬‬
‫‪ .26‬عمار قميل‪ ،‬ممحمة الجزائر الجديدة‪ ،‬دار البعث لمطباعة كالنشر‪ ،‬ج‪ ،2‬الجزائر‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .27‬عمرؼ الطاىر‪ ،‬الصدمة االستعمارية‪ ،‬مكتبة إقرأ‪ ،‬قسنطينة‪.311: ،‬‬
‫‪ .28‬عمرؼ الطاىر‪ ،‬دكر بنى المجتمع الجزائرؼ في مقاكمة االستعمار‪ ،‬مذكرة ماجستير غير منشكرة ‪ ،‬جامعة األمير‬
‫عبد القادر‪ ،‬قسـ التاريخ ‪ ،‬قسنطينة‪.2:::-2::9 ،‬‬
‫‪ .29‬عيسى يزير‪ ،‬السياسة الفرنسية تجاه الممكية العقارية في الجزائر‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬غيرمنشكرة‪ ،‬قسـ التاريخ‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪.311: ،‬‬
‫‪ .2:‬الغالي غربي‪ ،‬االحتبلؿ الفرنسي لمجزائر‪ ،‬الدكافع كاألسباب‪ ،‬المركز الكطني لمدراسات ك البحث في الحركة‬
‫الكطنية كثكرة أكؿ نكفمبر‪ ،2:65‬الجزائر‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ .31‬فرحات عباس‪ ،‬ليل االستعمار‪ ،‬حرب الجزائر ك ثكرتيا‪ ،‬ترجمة أبك بكر رحاؿ‪ ،‬مطبعة فضالة‪ ،‬الدمحمية‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫دت‪.‬‬
‫‪ .32‬محفكظ قداش ك جيبللي صارؼ‪،‬الجزائر في التاريخ‪ ،‬ج‪ ،6‬منشكرات الككالة الكطنية لمنشر ك االشيار‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2:9:‬‬
‫‪ .33‬دمحم خير فارس‪ ،‬تاريخ الجزائر الحديث‪ ،‬دار الشرؽ ‪ ،‬سكريا‪.2:8: ،‬‬
‫‪ .34‬دمحم عيساكؼ‪ ،‬نبيل شكيخي‪ ،‬الجرائـ الفرنسية في الج ازئر أثناء الحكـ العسكرؼ‪ ،2982-2941‬مؤسسة كنكز‬
‫الحكمة‪ ،‬الجزائر‪.3123 ،‬‬
‫‪ .35‬مكلكد قاسـ نايت بمقاسـ‪ ،‬شخصية الجزائر الدكلية كىيبتيا العالمية قبل ‪ ،2941‬ج‪ ،3‬دار البعث لمطباعة ك‬
‫النشر‪ ،‬قسنطينة‪.2:91 ،‬‬
‫‪ .36‬ناصر الديف سعيدكني‪ ،‬الجزائر منطمقات ك افاؽ‪ ،‬مقاربات لمكاقع الجزائرؼ مف خبلؿ قضايا ك مفاىيـ تاريخية‪،‬‬
‫دار الغرب االسبلمي‪.‬بيركت‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪ .37‬نعيمة حاجي‪ ،‬أراضي العرش في القانكف الجزائرؼ‪ ،‬دار اليدػ ‪ ،‬الجزائر‪.3121 ،‬‬

‫‪291‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫دور الجامعة في تنمية قيم المواطنة لدى الطالب‬


‫(جامعة طبرق أنموذجا)‬
‫‪The role of the university in developing the students citizenship values‬‬
‫‪Tobruk University as a model‬‬
‫د‪.‬جالل بزاًَ انذايً‬
‫‪Jalal Barrani Aldami‬‬
‫عضك ىيأة تدريس بقسـ الخدمة االجتماعية ‪ -‬كمية اآلداب – جامعة طبرؽ ‪ -‬ليبيا‬
‫البريد االلكتركني ‪jaalaladami@yahoo.com‬‬
‫ك‬
‫د‪.‬عبدالفتاح بالعيد ىكدج حفالش‬
‫‪Abdulfatah Baleid Houdaj‬‬
‫عضك ىيأة تدريس بقسـ عمـ االجتماع ‪ -‬كمية اآلداب – جامعة طبرؽ – ليبيا‬
‫البريد االلكتركني‬
‫‪aabdelfatah2017@gmailcom‬‬
‫الممخص‬
‫ىدفت ىذه الدرسة التعرؼ إلى مستكػ دكر جامعة طبرؽ في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطبلب‪.‬‬
‫حيث استخدـ الباحثاف المنيج الكصفي التحميمي‪ ،‬كلتحقيق ىدؼ الدراسة أعدت استمارة استبياف‪ ،‬اشتممت‬
‫عمى (‪ )39‬فقرة‪ .‬كتككنت عينة الدراسة مف ‪ 60‬طالبا كطالبة مف كمية اآلداب‪ ،‬ممف يدرسكف في العاـ‬
‫الجامعي ‪ ،2020/2019‬كأظيرت الدراسة أف مفيكـ المكاطنة لدػ الطبلب ىك أف يعرؼ الفرد ما لو مف‬
‫حقكؽ كما عميو مف كاجبات‪ ،‬كأظيرت النتائج أيضا أف المقررات الدراسية ليا دكر في تنمية قيـ المكاطنة‬
‫ألنيا تعكد الطمبة عمى استخداـ األسمكب العممي في حل المشكبلت‪ ،‬كما اف لعضك ىيأة التدريس دكر‬
‫في تنمية قيـ المكاطنة مف خبلؿ تكعية الطبلب بالتحديات التي تكاجو المجتمع كطرؽ التغمب عمييا‪ .‬كفي‬
‫ضكء النتائج أكصى الباحثاف بمجمكعة مف التكصيات أبرزىا أف يسكد األساليب المتبعة في الجامعة‬
‫الحب كمشاعر التعاطف الكجداني كالتعاكف كاإلحساس بالمسؤكلية تجاه الطمبة ليساعد ذلؾ عمى نمك‬
‫الذات لمطبلب كتحقيقيا‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬دكر الجامعة‪ ،‬تنمية‪ ،‬المكاطنة‪.‬‬
‫‪Abstract:‬‬
‫‪This study aimed to identify the level of Tobruk University’s role in developing‬‬
‫‪citizenship values from the students' point of view. Where the researchers used‬‬
‫‪the descriptive analytical method, and to achieve the goal of the study, a‬‬
‫‪questionnaire was prepared, which included (39) items. The sample of the study‬‬

‫‪292‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪consisted of 60 students from the Faculty of Arts who are studying in the‬‬
‫‪academic year 2019/2020, The study showed that the concept of citizenship‬‬
‫‪among students is that the individual knows what rights and duties he has. In‬‬
‫‪light of the results, the researchers recommended a set of recommendations, the‬‬
‫‪most prominent of which is that the methods used in the university prevail over‬‬
‫‪love, feelings of emotional sympathy, cooperation and a sense of responsibility‬‬
‫‪towards students to help this self-development and students' achievement.‬‬
‫‪Key words: University role, developing, citizenship‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫شيدت العقكد األخيرة مف القرف الماضي أحداثاً متبلحقة كتطكرات سريعة جعمت عممية التغيير‬
‫أم اًر حتمياً في معظـ دكؿ العالـ‪ ،‬كقد انتاب القمق المجتمعات مف ىذا التغير السريع‪ ،‬كلذلؾ ازداد اىتماـ‬
‫المجتمعات الحديثة بالتربية لممكاطنة‪ ،‬كاخذ يستحكذ عمى عناية المفكريف كالعامميف في المجاؿ التربكؼ‪،‬‬
‫كخاصة في العقد األكؿ مف القرف الحادؼ كالعشريف الذؼ اتسـ باختبلؼ القيـ كقكاعد السمكؾ كتنامي‬
‫العنف كتفكؾ العبلقات كتشابؾ المصالح‪.‬‬
‫كيعد مكضكع المكاطنة مف المكضكعات التي تفرض نفسيا بقكة عمى ساحة االىتماـ‪ ،‬خاصة عند‬
‫معالجة ابعاد التنمية البشرية‪ ،‬في ضكء المتغيرات المتسارعة في الزمف المعاصر‪ ،‬كقد برزت الحاجة إلى‬
‫االىتماـ بم نابع تنمية المكاطنة كمصادر غرسيا في ضكء متغيرات العصر المتسارعة ككقاية ضد سمبية‬
‫الكثير مف القضايا التي تمر بيا البمداف العربية بشكل عاـ كليبيا عمى كجو الخصكص‪.‬‬
‫كقد أفرزت تمؾ التغيرات ظكاىر متعددة‪ ،‬كظاىرة البطالة كاإلرىاب كالتطرؼ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اإلنخراط في الجماعات المسمحة كالتعدؼ عمى أمبلؾ الدكلة‪ ،‬كال شؾ أف ىذه المشكبلت ستؤدؼ بدكرىا‬
‫إلى اإلظطرابات النفسية كاالجتماعية كعدـ االستقرار في جميع مناحي الحياة كعمى كافة المستكيات‪،‬‬
‫فضبلً عف ظيكر خمل في بنية قيـ المكاطنة‪ ،‬إذ أدػ ذلؾ إلى ظيكر عقبات أماـ التنمية بمجاالتيا‬
‫المتعددة‪ ،‬لذا أصبحت الحاجة ممحة لتعزيز قيـ المكاطنة لدػ افراد المجتمع‪ ،‬كالعمل عمى تنميتيا‪ ،‬كاخذ‬
‫‪1‬‬
‫السبل الكفيمة بمكاجية ىذه التحديات‪.‬‬
‫كبما أف الجامعة تمثل أرقى حمقات كمراحل التعميـ التي يمر بيا الطالب بما تكفره مف خبرات‬
‫كمياـ كأنشطة تعميمية كمجاالت لمتفاعل حيث أنيا تمثل قمة اليرـ التعميمي كتيدؼ إلى إعداد األفراد‬
‫بصكرة منتظمة كمكجية لمحياة‪ ،‬كلذلؾ فالتعميـ العالي كبمستكياتو المختمفة يناؿ كثي ار مف العناية كاالىتماـ‬
‫في معظـ الدكؿ المتقدمة كالنامية عمى حد سكاء كذلؾ لمدكر الميـ الذؼ يمعبو في إعداد الطمبة بمستكػ‬

‫‪ -‬تيسير دمحم الخكالدة‪ ،‬دكر عضك ىيئة التدريس في الجامعات األردنية في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطمبة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجامعة األردنية‪ ،‬مجمة دراسات‪ ،‬مجمد ‪ ،40‬ممحق ‪ ،2013 ،3‬ص ‪.1160‬‬


‫‪293‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العصر بتزكيدىـ بأرقى المعارؼ كالميارات التي تساعد في تككيف مستقبميـ بركح اإلقداـ كالتفاعل‬
‫‪1‬‬
‫كالتكافق‪.‬‬
‫فالجامعة تسيـ في تككيف شخصية الطالب كبناء معارفو كمياراتو المعرفية كالسمككية‪ ،‬حيث يبداء‬
‫طالب الجامعة في ىذه المرحمة باالعتماد عمى نفسو‪ ،‬كاتخاذ قرراتو سكاء أكاف عمى المستكػ الشخصي أـ‬
‫عمى مستكػ الجامعة‪ .‬كعمى الجامعة العمل عمى تنمية ميارات طمبتيا بكافة مستكياتيـ‪ ،‬كجعميـ اعضاء‬
‫فاعميف في المجتمع‪ ،‬كتقكيـ سمككيـ الكطني كتعكيدىـ عمى المشاركة اإليجابية في األنشطة الكطنية‬
‫‪2‬‬
‫الداعمة لعممية التنمية‪ ،‬كالعمل عمى تنمية العبلقات االجتماعية بيف الطمبة كالمجتمع‪.‬‬
‫كألىمية المكضكع كنظ اًر لكجكد ظكاىر سمبية عديدة في مجتمعنا الميبي تتناقض مع قيـ المكاطنة‬
‫مف ىدر لمماؿ العاـ‪ ،‬كتخريب لممتمكات الدكلة كالسطك عمييا‪ ،‬كالتعصب القبمي‪ ،‬كالبلمباالة في أداء‬
‫العمل‪ ،‬كعدـ اكماؿ المشاريع الكطنية حسب المتفق عميو مع الدكلة‪ ،‬كل تمؾ األسباب تحفز البحاث عمى‬
‫البحث كالتقصي عمى دكر المؤسسات التعميمية بصفة عامة كالجامعة بصفة خاصة في تنميتيا لقيـ‬
‫المكاطنة لدػ طبلبيا‪ ،‬فيك مكضكع جدير أف يبحث كيدرس في كل مدينة مف كطننا خاصة في ظل‬
‫التحديات السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية التي تمر بيا الببلد‪.‬‬
‫كيأتي ىذا البحث مكمل لمدراسات التي سبقتو في ىذا المجاؿ؛ ليناقش دكر الجامعة في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة لدػ طبلبيا بميبيا‪.‬‬
‫‪ -1‬مشكمة الدراسة‪:‬‬
‫أف ما يحدث في بعض الدكؿ العربية مف أىماؿ مف لمتعميـ كبناء االقتصاد السميـ‪ ،‬كعدـ مكاجية‬
‫الكثير مف الظكاىر اليدامة‪ ،‬كصراع عمى السمطة‪ ،‬كنزاعات مسمحة يعطينا مؤشر إلى كجكد أزمة عميقة‬
‫في عبلقة المكاطف بالدكلة‪ ،‬كذلؾ راجع إلى عدـ قدرة ىذه الدكؿ في تنمية ركح الكطنية‪ ،‬كغرس قيـ‬
‫المكاطنة في افراد المجتمع كخاصة الشباب منيـ ألنو كبدكف أدنى شؾ ىـ الفئة التي يعكؿ عمييا أؼ‬
‫مجتمع في عممية التنمية بكافة جكانبيا‪ 3.‬فعندما ينخفض الشعكر بالكطنية كيحدث خمل في بنية قيـ‬
‫المكاطنة فإنيا بحق تعد مف المشكبلت التي تيدد مستقبل الكطف عمى المدػ البعيد‪.‬‬

‫‪ -‬نجية بكيرؼ‪ ،‬فطيمة طكباؿ‪ ،‬مفيكـ المكاطنة لدػ الطمبة الجامعييف دراسة ميدانية بجامعة سطيف‪ ،‬إصدارات المركز‬ ‫‪1‬‬

‫الديمقراطي العربي المانيا برليف‪ ،2019 ،‬ص ‪.48‬‬


‫‪ -‬عبدالسبلـ العكامرة‪ ،‬دمحم الزبكف‪ ،‬دكر الجامعات األردنية الرسمية في تعزيز تربية المكاطنة كعبلقتيا بتنمية االستقبللية‬ ‫‪2‬‬

‫الذاتية لدػ طمبة كميات العمكـ التربكية مف كجية نظرىـ‪ ،‬مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث‪ ،‬المجمد ‪ ،28‬العدد ‪،2014 ،1‬‬
‫ص ص ‪.193-190‬‬
‫‪ -‬ىكيدا عدلي‪ ،‬قيمة المكاطنة لدػ الجامعات العربية‪ ،‬مجمة إضافات‪ ،‬العدد ‪ ،2017 ،37‬ص ‪.18‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪294‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كبمأف المناخ الجامعي يشكل اإلطار الذؼ ينمك فيو الطالب‪ ،‬كيكتسب منو خبراتو‪ ،‬كينيل معارفو‪،‬‬
‫كيكتسب قيمو كاتجاىاتو كأنماط سمككو‪ ،‬فإذا كاف ىذا المناخ صحيا مشبعا بقيـ المكاطنة‪ ،‬قائما عمى‬
‫المشاركة الجماعية كالتعاكف‪ ،‬كاالحتراـ‪ ،‬مشجعا عمى التفكير الناقد كاإلبداع‪ ،‬فإنو يؤدؼ إلى تنمية قيـ‬
‫‪1‬‬
‫المكاطنة كالشعكر بالكالء تجاه الكطف‪.‬‬
‫كبالنظر إلى الدكؿ المتقدمة نجدىا تعتمد عمى إسياـ فئة الشباب مف خبلؿ استثمار قيمة‬
‫المشاركة كركح المكاطنة القكية لدييـ فكاف ليـ الدكر الكبير في تطكر أكطانيـ‪ ،‬حيث تمثل الجامعة البيئة‬
‫المناسبة لتفعيل قيـ المكاطنة لدييـ ‪ ،‬فالجامعة تؤثر عمى سمكؾ الطبلب‪ .‬كمف ناحية أخرػ فإف المكاطنة‬
‫لف تظير عمى ىذا النحك إال عندما تتكفر مقكماتيا متمثمة في تمتع جميع أطرافيا بحقكقيـ مقابل أداء‬
‫‪2‬‬
‫الكاجبات المطمكبة منيـ‪.‬‬
‫كفي ظل الظركؼ الراىنة لمببلد اصبحت الحاجة كبيرة إلى تقديـ رؤية حقيقية لدكر الجامعة في‬
‫تنمية قيـ المكاطنة لدػ طمبة الجامعة القادرة عمى مكاجية التغيرات السريعة التى يمر بيا المجتمع‪ .‬كمف‬
‫خبلؿ الطرح السابق السابق لمشكمة الدراسة‪ ،‬يمكف أف نصكغ تساؤليا الرئيس‪ ،‬الذؼ مؤداه‪ :‬مادكر‬
‫الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب‬
‫‪ -2‬أىمية الدراسة‪:‬‬
‫تكتسب الدراسة أىميتيا مف أىمية المكضكع الذؼ تتناكلو كالمتعمق بقيـ المكاطنة كخاصة في ظل‬
‫التغيرات المتسارعة في كافة نكاحي الحياة‪ ،‬كما تكتسبيا أيضاً مف األىمية البالغة لممرحمة العمرية التي‬
‫تتكجو إلييا الدراسة الحالية كىي مرحمة الشباب‪ ،‬حيث تتناكؿ طمبة الجامعات‪ ،‬كىـ مف فئات المجتمع‬
‫الميمة‪ ،‬باعتبارىـ الثركة األىـ ألؼ دكلة أك شعب‪ ،‬كالمقكـ المحكرؼ لؤلمف كالتنمية‪ ،‬كيبني عمييا المجتمع‬
‫آماال كبيرة في التقدـ كالنيكض‪ ،‬كالمحاؽ بركب الحضارة‪ .‬إضافة إلى ذلؾ قد تفيد ىذه الدراسة الجيات‬
‫ذات العبلقة مف أعضاء ىيئة تدريس كادارة الجامعة بما تتكصل إليو مف نتائج كتكصيات يأمل الباحثاف‬
‫مف خبلليا تنمية كتعزيز قيـ المكاطنة لدػ الطبلب‪.‬‬
‫‪ -3‬أىداف الدراسة‪:‬‬
‫‪ -1‬التعرؼ عمى مفيكـ المكاطنة لدػ طبلب الجامعة‪.‬‬
‫‪ -2‬التعرؼ عف دكر المقررات الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ طبلب الجامعة‪.‬‬

‫‪ -‬أمل بدر الدكيمة‪ ،‬قيـ المكاطنة لدػ طمبة جامعة الككيت كعبلقتيا ببعض المتغيرات‪ ،‬المجمة التربكية‪ ،‬الككيت‪ ،‬المجمد‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،29‬العدد ‪ ،2015 ،114‬ص‪.64‬‬


‫‪ -‬نجية بكيرؼ‪ ،‬فطيمة طكباؿ‪ ،‬مفيكـ المكاطنة لدػ الطمبة الجامعييف دراسة ميدانية بجامعة سطيف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.48‬‬
‫‪295‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -3‬التعرؼ عمى دكر عضك ىيأة التدريس في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطبلب‪.‬‬
‫‪ -4‬التعرؼ عمى دكر األنشطة الجامعية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب‪.‬‬
‫‪ -5‬التعرؼ عمى معكقات دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب‪.‬‬
‫‪ -6‬التعرؼ عمى اإلجراءات المقترحة مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة لدػ طبلبيا‪.‬‬

‫‪ -4‬تساؤالت الدراسة‪:‬‬
‫‪ -1‬ما مفيكـ المكاطنة لدؼ طبلب الجامعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬ما دكر المقررات الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ طبلب الجامعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬ما دكر عضك ىيأة التدريس في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطبلب ‪.‬‬
‫‪ -4‬ما دكر األنشطة الجامعية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب ‪.‬‬
‫‪ -5‬ما معكقات دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب ‪.‬‬
‫‪ -6‬ما اإلجراءات المقترحة مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة لدػ طبلبيا ‪.‬‬

‫‪ -5‬مصطمحات الدراسة‪:‬‬
‫المواطنة‪:‬‬
‫المواطنة ُلغة مف كطف‪ ،‬كأكطف كىك المنزؿ الذؼ يعيش فيو اإلنساف‪ ،‬كمحمو الذؼ يأكؼ إليو‬
‫حل فيو‪ ،‬كأقاـ بو‪ ،‬كالكطف ‪ :‬منزؿ اإلقامة‪ ،‬كالجمع‬ ‫كاتخذه سكناً يقيـ فيو‪ ،‬ككطف بالمكاف َيطف كأكطف ‪َّ :‬‬
‫‪1‬‬
‫أكطاف‪ ،‬كأكطف أقاـ‪ ،‬كأطنو ككطنو كاستكطنو ‪:‬اتخذه كطناً‪.‬‬
‫كيعرفيا قامكس عمـ االجتماع أنيا مكاف أك عبلقة اجتماعية تقكـ بيف فرد طبيعي كمجتمع‬
‫سياسي (دكلة) كمف خبلؿ ىذه العبلقة يقدـ الطرؼ األكؿ الكالء‪ ،‬كيتكلى الطرؼ الثاني الحماية‪ ،‬كتتحدد‬
‫ىذه العبلقة بيف الفرد كالدكلة عف طريق القانكف‪.‬‬
‫القيم‪:‬‬
‫مجمكعة مف المعايير كاألحكاـ العامة التي تتسـ بالثبات كاالستقرار كتتفق مع التكجيات العقيدية‬
‫كاألخبلقية‪ ،‬كالتي يسعى‪ ،‬المربكف إلى غرسيا في كجداف الطمبة‪ ،‬كتمثل النمكذج الذؼ يجب أف تمتزـ بو‬
‫‪2‬‬
‫الطبلب تحقيقا لؤلىداؼ التعميمية‪.‬‬

‫‪ -‬ابف منظكر‪ ،‬ابي الفضل دمحم‪ ،‬لساف العرب) تحقيق عامر حيدر(‪ ،‬ج ‪ ، 13‬بيركت ‪ ،‬دار الكتب العممية‪ ،2003 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.451‬‬
‫‪ -‬ماىر أحمد مصطفى‪ ،‬دكر األنشطة البلصفية في تنمية قيـ طمبة المرحمة األساسية مف كجية نظر معممييـ‬ ‫‪2‬‬

‫بمحافظات غزة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كمية التربية‪ ،‬جامعة األزىر‪ ،‬غزة‪ ،2010 ،‬ص‪.12‬‬
‫‪296‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫قيم المواطنة‪:‬‬
‫ىي مجمكعة مف المكجيات السمككية المؤثرة في شخصية الطالب فتجعمو إيجابياً ممتزماً أخبلقياً في‬
‫‪1‬‬
‫إنتمائو إلى كطنو‪.‬‬
‫كىي مجمكعة القيـ التي تعكس مدػ ارتباط الفرد بكطنو كأمتو كالعالـ مف حكلو‪ ،‬كتسيـ في‬
‫إعداده ليككف مكاطناً صالحاً يسمؾ السمكؾ الذؼ يرتقي بالمجتمع كمنيا المسئكلية كالمشاركة كالتعايش مف‬
‫اآلخريف كالحرية‪ ،‬كتعد مرجعاً رئيسياً لمحكـ عمى سمككو تجاه المجتمع الذؼ يعيش فيو بأنو سمكؾ حسف‬
‫‪2‬‬
‫أـ سيء‪ ،‬صحيحاً أـ خطأ‪ ،‬مفيداً أك غير مفيد‪.‬‬
‫‪ -6‬الدراسات السابقة‪:‬‬
‫أكالً‪ :‬الدراسات العربية‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة الشويحا ‪ 2003‬بعنكاف درجة المكاطنة لدػ طبلب الجامعات األردنية كالتي ىدفت إلى‬
‫معرفة درجة تمثل طمبة الجامعات األردنية لمفاىيـ المكاطنة‪ ،‬ك التعرؼ إلى أثر كل مف الجنس‪،‬‬
‫كالمستكػ التعميمي لمكالديف كنكع المدرسة التي تخرج منيا‪ ،‬كنكع الجامعة التي يدرس فييا‪ ،‬كمستكاه‬
‫الدراسي‪ ،‬كتحصيمو األكاديمي حيث تككنت عينة الدراسة مف ‪ 1866‬طالبا كطالبة‪ ،‬كقد أظيرت النتائج‬
‫أف تمثل الطمبة لمفاىيـ المكاطنة كانت غير إيجابية بنسبة ‪ 62%‬كمكاقف أفراد العينة اتجاه الكحدة‬
‫الكطنية بنسبة ‪ ،70%‬كالمسؤكلية ‪ 66.4%‬كالمشاركة كالتضامف ‪ ،65%‬كالكاجبات كالمساكاة ‪،63%‬‬
‫كاالعتزاز ‪ ،62.3%‬كأظيرت النتائج عدـ تحديد مكاقف الطمبة اتجاه قضايا المكاطنة كالمساكاة كالمشاركة‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪ -1‬دراسة الشرقاوي ) ‪ ( 2005‬بعنكاف كعي طبلب الجامعة ببعض قيـ المكاطنة دراسة ميدانية‪ ،‬ىدفت‬
‫إلى الكقكؼ عمى مستكػ كعي طبلب التعميـ الجامعي بقيـ المكاطنة في مصر‪ ،‬مثل قيمة حب الكطف‪،‬‬
‫كاالنتماء‪ ،‬كالكالء‪ ،‬كالحرية كالمشاركة الجماعية‪ ،‬كمدػ تأثير ىذا الكعي بمجمكعة مف المتغي ارت كالجنس‬
‫كاإلقامة كالتخصص كمستكػ تعميـ األب كاألـ كلتحقيق ذلؾ استخدـ الباحث أداة البحث المتمثمة في‬
‫استبانة لقياس مدػ كعي طبلب الجامعة ببعض قيـ المكاطنة‪ .‬كقد أكضحت نتائج الد ارسة الميدانية أنو‬
‫بالرغـ مف كعي طبلب الجامعة بقيـ ألمكاطنة فإف ىناؾ قصك ار في دكر الجامعة في أداء ىذا الكعي ‪.‬‬
‫كقدمت الد ارسة رؤية مقترحة لتفعيل دكر التعميـ الجامعى في انماء قيـ المكاطنة كتأكيد اليكية المصرية‬

‫‪ -‬نجبلء دمحم السيد‪ ،‬تنمية قيـ المكاطنة لطبلب التعميـ الثانكؼ العاـ في ضكء التحكالت السياسية المعاصرة لممجتمع‬ ‫‪1‬‬

‫المصرؼ‪ ،‬جامعة بكر سعيد‪ ،‬مجمة كمية التربية‪ ،‬العدد السادس عشر ‪ ،2014‬ص ‪.754‬‬
‫‪ -‬إبراىيـ عبد الفتاح إبراىيـ‪ ،‬دكر مناىج التاريخ في المرحمة المتكسطة في تعزيز المكاطنة ‪ " .‬مؤتمر الكحدة ا لكطنية‬ ‫‪2‬‬

‫‪..‬ثكابت كقيـ ‪ ،‬جامعة اإلماـ دمحم بف سعكد اإلسبلمية‪ ،2013 ،‬ص ‪.2927‬‬
‫‪297‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لدػ طبلبيا مف خبلؿ المناىج الجامعية كالمناخ الجامعى‪ ،‬كأسمكب أداء أعضاء ىيئة التدريس كاألنشطة‬
‫‪1‬‬
‫الجامعية كغير ذلؾ‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة الياجري ) ‪ ( 2007‬بعنكاف درجة تمثل طمبة جامعة الككيت لقيـ المكاطنة كدكر الجامعة في‬
‫تنميتيا‪،‬كىدفيا التعرؼ إلى درجة تمثل طمبة جامعة الككيت لقيـ المكاطنة‪ ،‬كدكر الجامعة في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة لدػ طمبتيا‪ ،‬كتككنت عينة الدراسة مف ) ‪ ( 711‬طالباً كطالبة‪ ،‬كلتحقيق أىداؼ الدراسة استخدـ‬
‫الباحث االستبانو لجمع البيانات‪ ،‬كتكصمتالدراسة إلى إف درجة تمثل طمبة جامعة الككيت لقيـ المكاطنة‬
‫كانت مرتفعة‪ ،‬كفي جميع أبعادىا‪ ،‬حيث جاء بعد الكالء بالمرتبة األكلى ثـ بعد االنتماء بالمرتبة الثانية‪،‬‬
‫كحل بعد الديمقراطية بالمرتبة الثالثة كبينت عدـ كجكد فركؽ ذات داللة إحصائية في درجة تمثل طمبة‬
‫جامعة الككيت لقيـ المكاطنة تعزػ لمتغيرات‪ :‬الجنس كالسنة الدراسية كالجنسية )كأشارت إلى كجكد فركؽ‬
‫ذات داللة إحصائية تعزػ لمتغير الكميات‪ ،‬كلصالح طمبة الكميات اإلنسانية ‪.‬كبينت النتائج أيضاً أف دكر‬
‫جامعة الككيت في تنمية قيـ المكاطنة لدػ طمبتيا‪ ،‬كفي جميع أبعاده كاف مرتفعاً ككاف أعمى دكر لمجامعة‬
‫في تنمية الديمقراطية لدػ طمبتيا‪ ،‬في حيف كاف أدنى دكر لمجامعة في تنمية االنتماء لدػ طمبتيا‪.2‬‬
‫‪ -3‬دراسة أبو حشيش ‪ 2010‬كعنكانيا دكر كميات التربية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ طمبتيا‪ ،‬كىدفت‬
‫الدراسة لمتعرؼ إلى الكاقع الذػ تقكـ بو كميات التربية فى تنمية قيـ المكاطنة لدؼ الطمبة كالعامميف‪ ،‬كما‬
‫إذا كانت ىناؾ فركؽ بيف أفراد العينة تعزػ إلى الجامعة التي يدرسكف فييا‪ .‬كاستخدمت الدراسة المنيج‬
‫الكصفي التحميمي‪ ،‬كقد أبرزت نتائج الدراسة ك جكد فركؽ بيف آراء عينة الدراسة في تنمية أبعاد االستبانة‬
‫لقيـ المكاطنة‪ ،‬حيث كاف دكر المناخ الجامعي قميبل بينما كاف الدكر كبي ار لممقرات الدراسية كأما بالنسبة‬
‫لدكر األستاذ الجامعي فقد انحصرت ما بيف المتكسط كالعالي ككذلؾ لدكر األنشطة الطبلبية‪ ،‬كما كانت‬
‫ىناؾ فركؽ في دكر كميات التربية في تنمية قيـ المكاطنة بيف الجامعة اإلسبلمية كاألقصى لصالح كمية‬
‫‪3‬‬
‫التربية في جامعة األقصى‪.‬‬
‫‪ -4‬دراسة القحطاني ‪ 2010‬كىدفت إلى معرفة مستكػ تمثل قيـ المكاطنة لدػ الشباب في جامعات‬
‫المممكة العربية السعكدية كدرجة إسياميا في تعزيز السبلمة كاألمف الكقائي كالكشف عف المعكقات التي‬

‫‪ -‬مكسى عمي الشرقاكؼ‪ ،‬كعي طبلب الجامعة ببعض قيـ المكاطنة‪ ،‬مجمة دراسات في التعميـ الجامعي‪ ،‬العدد‪ ،9‬مركز‬ ‫‪1‬‬

‫تطكير التعميـ الجامعي‪ ،‬جامعة عيف شمس‪.2005 ،‬‬


‫‪ -‬فيصل عايض الياجرؼ‪ ،‬درجة تمثل طمبة جامعة الككيت لقيـ المكاطنة كدكر الجامعة في تنميتيا‪ ،‬رسالة ماجستير‬ ‫‪2‬‬

‫منشكرة جامعة عماف العربية لمد ا رسات العميا‪.2007 ،‬‬


‫‪ -‬بساـ ابكحشيش‪ ،‬دكر كميات التربية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة المعمميف بمحافظات غزة‪ ،‬مجمة جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫االقصى‪ ،‬المجمد ‪ ،14‬العدد‪ ،2010 ،1‬ص‪.250‬‬


‫‪298‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تحد مف ممارسة الشباب أك الجامعات لقيـ المكاطنة‪ ،‬كمعرفة مقكمات تفعيل ممارسة قيـ المكاطنة في‬
‫الكاقع لدػ ىؤالء الشباب كقد أجريت الدراسة عمى عينة عشكائية مف الطمبة السعكدييف مف جامعات‬
‫اإلماـ دمحم بف سعكد اإلسبلمية كجامعة الممؾ عبد العزيز كجامعة الممؾ فيد لمبتركؿ كالمعادف كجامعة‬
‫الممؾ خالد كجامعة تبكؾ‪ ،‬كتككنت العينة مف ‪ 384‬طالباً‪ ،‬كتكصمت الدراسة إلى أف ىناؾ إرتفاع في‬
‫قيمة المشاركة كأف غالبية المبحكثيف أجمعكا عمى أف قيمة المشاركة مف قيـ المكاطنة تسيـ في تعزيز‬
‫األمف‪ ،‬ككجكد بعض المعكقات تحد مف إمكانية ممارسة قيـ المكاطنة عمى الكضع المطمكب منيا عدـ‬
‫‪1‬‬
‫تناسب الدخل مع غبلء المعيشة كارتفاع األسعار كالبطالة كانتشار الكاسطة كغيرىا‪.‬‬
‫‪ -5‬دراسة داوود ) ‪ ( 2011‬بعنكاف دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة "دراسة ميدانية‬
‫بجامعة كفر الشيخ"‪ ،‬ىدفيا التعرؼ إلى مفيكـ المكاطنة‪ ،‬كالمككنات األساسية لممكاطنة‪ ،‬كالكقكؼ عمى‬
‫دكر جامعة كفر الشيخ في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة‪ ،‬كالتكصل إلى مقترحات لتفعيل دكر الجامعة‬
‫في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة‪ ،‬كلتحيق ىدؼ الدراسة استخدمت االستبانة كقد استخدمت الد ا رسة‬
‫المنيج الكصفي‪ ،‬كتكصمت الد ارسة لعدد مف النتائج منيا ‪:‬اف دكر االستاذ الجامعي في تنمية قيـ المكاطنة‬
‫جاءت بدرجة متكسطة كضعيفة‪ ،‬عدـ كجكد فركؽ بيف متكسطات عينة الدراسة في استجاباتيـ لدكر‬
‫الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة تعزػ إلى اختبلفيـ في الكمية‪ ،‬باستثناء المحكر المتعمق بالمناىج الدراسية‬
‫فأنو تكجد فركؽ لصالح الكميات اإلنسانية‪ ،‬كعدـ كجكد فركؽ تعزػ إلى اختبلفيـ في الجنس‪.2‬‬
‫‪ -6‬دراسة العوامرة والزبون ‪ ،2014‬كعنكانيا دكر الجامعات األردنية الرسمية في تعزيز تربية المكاطنة‬
‫كعبلقتيا بتنمية االستقبللية الذاتية لدػ طمبة كميات العمكـ التربكية مف كجية نظرىـ‪ ،‬كتككف مجتمع‬
‫الدراسة مف جميع طمبة مرحمة البكالكريكس في كميات العمكـ التربكية في الجامعات األردنية الرسمية‬
‫(األردنية‪ ،‬اليرمكؾ‪ ،‬مؤتة) كالبالغ عددىـ ‪ ،6929‬كقد تـ تطكير أداة لتحقيق ىدؼ الدراسة‪ ،‬كقد تكصمت‬
‫الدراسة إلى كجكد دكر لمجامعات األردنية الرسمية في تعزيز مفاىيـ تربية المكاطنة لدػ طمبة كميات‬
‫العمكـ التربكية في محكر الحقكؽ‪ ،‬كالكاجبات كالمشاركة كاحتراـ القانكف كالعدالة‪ ،‬كأف أعمى درجات المكافقة‬
‫جاءت عمى مجاؿ العدالة‪ ،‬ثـ مجاؿ الكاجبات في الترتيب الثاني‪ ،‬بينما جاء مجاؿ احتراـ القانكف‬

‫‪ -‬عبد هلل القحطاني‪ ،‬قيـ المكاطنة لدػ الشباب كاسياميا في تعزيز األمف الكقائي‪ ،‬رسالة دكتكراه غير منشكرة‪ ،‬جامعة‬ ‫‪1‬‬

‫نايف العربية لمعمكـ األمنية‪ ،‬الرياض‪.2010 ،‬‬


‫‪ -‬عبد العزيز احمد داككد‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة دراسة ميدانية بجامعة كفر الشيخ‪ ،‬المجمة‬ ‫‪2‬‬

‫الدكلية لؤلبحاث التربكية‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬العدد‪ ،2011 ،30‬ص‪.282‬‬
‫‪299‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بالترتيب الثالث‪ ،‬كجاء مجاؿ الحقكؽ بالترتيب الرابع كجاء في المرتبة األخيرة مجاؿ المشاركة‪ ،‬ككجكد‬
‫‪1‬‬
‫عبلقة إيجابية بيف تربية المكاطنة كتنمية االستقبللية الذاتية‪.‬‬
‫‪ -7‬دراسة تيسير الخوالدة ‪ 2017‬كعنكانيا دكر عضك ىيئة التدريس في الجامعات األردنية في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة مف كجية نظر الطمبة‪ ،‬كىدفت ىذه الدراسة التعرؼ إلى الفركؽ في مستكػ الدكر تبعاً لمتغيرات‬
‫جنس الطالب‪ ،‬كالجامعة‪ ،‬كالكمية‪ ،‬كمستكػ الدراسة‪ ،‬كتككنت عينة الدراسة مف ‪ 928‬طالبا كطالبة‪ ،‬ممف‬
‫يدرسكف في الجامعات األردنية‪ ،‬كأظيرت الدراسة أف مستكػ دكر عضك ىيئة التدريس في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة كاف متكسطاً بصكرة عامة كفي المجاالت كافة‪ ،‬كأظيرت النتائج أيضا كجكد فركؽ ذات داللة‬
‫إحصائية تعزػ لمتغيرات‪ :‬جنس الطالب لصالح الذككر‪ ،‬كلمتغير الجامعة لصالح الجامعات الخاصة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كلمتغير الكميات لصالح الكميات اإلنسانية‪ ،‬كلمتغير مستكػ الدراسة لصالح طمبة السنة األكلى‪.‬‬
‫‪ -8‬دراسة حمدي احمد عمر ‪ 2017‬بعنكاف دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كتمثميا لدػ الطبلب‬
‫في ظل تحديات العكلمة ‪:‬دراسة ميدانية لعينة مف طمبة جامعتي أسيكط كسكىاج كىدفت الدراسة إلى‬
‫التعرؼ عمى دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كالتعرؼ عمى درجة تمثل ىذه القيـ لدػ طبلبيا ككعييـ‬
‫بأثر تحديات العكلمة في مفيكـ كأبعاد المكاطنة‪ ،‬كلتحقيق ذلؾ تـ إعداد استبانو اشتممت عمى ‪ 79‬فقرة‪،‬‬
‫كطبقت عمى عينة مككنة مف ‪ 1065‬منيـ ‪ 648‬طالباً‪ ،‬ك ‪ 417‬طالبة في الفصل الدراسي الثاني مف‬
‫العاـ الجامعي ‪ ، 2015 2016‬كتكصمت إلى أف الجامعة تساىـ بدرجة كبيرة في تنمية قيـ المكاطنة‪،‬‬
‫كأف درجة تمثل طمبة جامعة أسيكط كسكىاج لقيـ المكاطنة كانت مرتفعة‪ ،‬كما أنو ال تكجد فركؽ عند‬
‫‪3‬‬
‫مستكػ الداللة ‪ 0.05‬في درجة تمثل الطمبة لقيـ المكاطنة تعزػ لمتغير العمر كنكع الكميات‪.‬‬
‫الدراسات األجنبية‪:‬‬
‫‪ -1‬دراسة )‪ )Hanray 2007‬ىدفت الدراسة إلى التعرؼ عمى تأثير الجامعة في تعميـ الطبلب حقكؽ‬
‫ككاجبات المكاطنة كأدكارىـ في المجتمع االمريكي‪ ،‬كاعتمدت الدراسة عمى المنيج الكصفي‪ ،‬كتكصمت إلى‬
‫مجمكعة مف النتائج أىميا أف ممارسة الطبلب لؤلنشطة داخل الجامعة كاشتراكيـ في حكارات كمناقشات‬
‫مع األساتذة كاشتراكيـ في قضايا كمشكبلت المجتمع كفيـ المكضكعات االجتماعية كالسياسية داخل‬

‫‪ -‬عبدالسبلـ العكامرة‪ ،‬دمحم الزبكف‪ ،‬دكر الجامعات األردنية الرسمية في تعزيز تربية المكاطنة كعبلقتيا بتنمية االستقبللية‬ ‫‪1‬‬

‫الذاتية لدػ طمبة آليات العمكـ التربكية مف كجية نظرىـ‪ ،‬مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث‪ ،‬العدد ‪ ،1‬المجمد ‪.2014 ،28‬‬
‫‪ -‬تيسير الخكالدة‪ ،‬دكر عضك ىيئة التدريس في الجامعات األردنية في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطمبة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دراسات‪ ،‬العمكـ التربكية‪ ،‬المجّمد ‪ ، 40‬ممحق‪.2013 ، 3‬‬


‫‪ -‬حمدؼ احمد عمر‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كتمثميا لدػ الطبلب في ظل تحديات العكلمة‪ ،‬مجمة جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫الشارقة لمعمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،1‬المجمد ‪.2017 ،14‬‬


‫‪300‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الجامعة كخارجيا كاعدادىـ لمتعامل مع التحديات التي تكاجييـ في الحياة كتعميميـ األسمكب الديمقراطي‬
‫‪1‬‬
‫الذؼ ساىـ في غرس كتدعيـ قيـ المكاطنة لدييـ‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة ‪ 2006 Calvert‬تناكؿ فييا دكر الجامعة في تعميـ الطبلب األمريكييف السياسة كتنمية‬
‫إحساسيـ بالمكاطنة كتحمل المسؤكلية‪ ،‬كقد تكصمت إلى مجمكعة مف النتائج منيا أف الجامعة‪ ،‬في‬
‫أنشطتيا كمشركعاتيا التى تتيحيا لمطبلب‪ ،‬تساعدىـ في تنمية القدرة عمى التعبير كابداء اآلراء‪ ،‬كتسيـ‬
‫في ارتباطيـ بالجامعة كتشعرىـ باألىمية كالتقدير لدييـ‪ ،‬كأف ذلؾ مف شأنو زيادة كعييـ بحقكقيـ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫كالتزاميـ بكاجباتيـ مما يعزز قيـ المكاطنة لدييـ‪.‬‬
‫التعقيب عمى الدراسات السابقة‪:‬‬
‫أشارت الدراسات كالبحكث بصكرة مباشرة أكغير مباشرة إلى الحاؿ أكالكضع العاـ الذؼ تعيشو‬
‫المكاطنة في ىذا العصر‪ ،‬كالتي أكد عدد مف الباحثيف أنيا تعيش في حالة أزمة‪ ،‬سكاء عمى المستكػ‬
‫المحمي أك العربي أك العالمي السيما في دكؿ العالـ الثالث‪ ،‬كيتضح ذلؾ مف بعض الدراسات السابقة‬
‫العربية كاالجنبية منيا‪.‬‬
‫كنجد أف كل دراسة مف الدراسات السابقة قد تناكلت كصف جانب أك قيمة معينة أك مشكمة‬
‫اجتماعية محددة كربطتيا بتنمية قيـ المكاطنة بيدؼ معرفة اأالسباب كمف ثـ إيجاد الحمكؿ المناسبة لياا‪،‬‬
‫كىذه ى ي نقطة التقاء كتكافق بيف ىذه الدراسات كالدراسة الحالية‪ ،‬كما استفاد الباحثاف مما بينتو ىذه‬
‫الدراسات مف تعريفات متعددة كدقيقة لممفاىيـ كاممصطمحات الكاردة في ىذه الدراسة كمفيكـ المكاطنة كقيـ‬
‫المكاطنة‪ ،‬إضافة اللطبلع عمى المراجع المباشرة المتخصصة‪ ،‬مما مكف الباحثاف مف تحديد الييكل العاـ‬
‫لئلطار النظرؼ لمدراسة‪ ،‬إضافة إلى االستفادة منيا في بناء كصياغة االستبانة‪ .‬كقد تميزت الد ارسة‬
‫الحالية عف الد راسات السابقة باعتبارىا تناكلت بالد راسة ستة أبعاد‪ ،‬كألنيا تناكلت طمبة جامعة طبرؽ‬
‫الميبية كىي جامعة حديثة تحع بد ارسة مف ىذا النكع‪ ،‬كتعد الد ارسة األكلى في الجامعة في حدكد عمـ‬
‫الباحثاف‪.‬‬
‫مفيوم المواطنة‪:‬‬

‫‪ -‬شاه زاد رمضاف‪ ،‬دكر الجامعات األىمية في أقميـ ككردستاف في تدعيـ قيـ المكاطنة لطمبتيا‪ ،‬مجمة قو الؼ زانست‬ ‫‪1‬‬

‫العممية‪ ،‬الجامعة المبنانية الفرنسية‪ ،‬أربيل العراؽ‪ ،‬العدد ‪ ،5‬المجمد ‪ ،2017 ،2‬ص ‪.640‬‬
‫‪- Calvert, R . E. )2006(.To Restore American Democracy Political Education and the‬‬
‫‪2‬‬

‫‪modern university. New York : Rowman & Littlefield publishers, Inc, P. 29-44‬‬
‫‪301‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫نسبيا‪ ،‬كلكنيا كمضمكف قديـ قدـ المجتمعات البشرية‬


‫يمكف القكؿ أف المكاطنة مفيكـ حديث ً‬
‫‪1‬‬
‫نفسيا‪ ،‬كيتضح ذلؾ مف خبلؿ التعاريف التالية‪:‬‬
‫عمميا في شتى المجاالت االقتصادية‬
‫ً‬ ‫‪ -‬المكاطنة ىي ممارسة حية يمارسيا المكاطف عمى أرض الكاقع‬
‫كاالجتماعية كالسياسية كالثقافية‪ ،‬فكل مكاطف لو نفس الحقكؽ كعميو نفس الكاجبات‪ ،‬كلكل مكاطف الحق‬
‫في إدارة الدكلة‪ ،‬كىذه المكاطنة ليست عشكائية كلكنيا تتـ كفق الدستكر‪ ،‬كتمثل المكاطنة القاعدة األساسية‬
‫التي تنطمق منيا الديمق ارطية‪.‬‬
‫‪ -‬المكاطنة ىي الصفة التي تحدد حقكؽ المكاطف ككاجباتو تجاه كطنو كفًقا لميزاف العدالة االجتماعية‬
‫كالمساكاة أماـ القانكف‪ ،‬كما تقكـ عمى قاعدة الكالء كاالنتماء لمكطف‪ ،‬كالعمل عمى خدمتو في أكقات السمـ‬
‫كالحرب‪.‬‬
‫‪ -‬المكاطنة ىي تعبير عف صفة الفرد الذؼ يعرؼ حقكقو كمسئكلياتو تجاه المجتمع الذؼ يعيش فيو‪،‬‬
‫كيشارؾ بفاعمية في اتخاذ الق ا ر ا رت كحل المشكبلت التي تكاجو المجتمع‪ ،‬كىي كذلؾ تعبير عف دكر‬
‫الدكلة في تحقيق العدالة كالمساكاة بيف جميع افراد المجتمع دكف تفرقة بينيـ بسبب المكف كالجنس أك‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫‪ -‬المكاطنة تعني تعبير عاطفي سمككي لؤلؼ ا رد يعكس حبيـ ككالئيـ لكطنيـ كأمتيـ ‪ ،‬يقكـ عمى أساس‬
‫إدراكيـ أنيـ جزء مف ىذا الكطف ليـ حقكؽ كعمييـ كاجبات‪.‬‬
‫‪ -7‬أبعاد المواطنة‪:‬‬
‫‪ -1‬البعد المعرفي‪ :‬تمثل المعرفة عنص اًر جكىرياً في نكعية المكاطف الذؼ تسعى إليو مؤسسات المجتمع‪،‬‬
‫كال يعني ذلؾ بأف الفرد األمي ليس مكاطناً يتحمل مسئكلياتو كيديف بالكالء لمكطف‪ ،‬كانما المعرفة كسيمة‬
‫تتكفر لممكاطف لبناء مياراتو ككفاءاتو التي يحتاجيا‪ ،‬كما أف التربية الكطنية تنطمق مف ثقافة الناس مع‬
‫‪2‬‬
‫األخذ في االعتبار الخصكصيات الثقافية لممجتمع‪.‬‬
‫‪ -2‬البعد السياسي‪ :‬كذلؾ يتطمب تكفير مجمكعة مف الحقكؽ أىميا ‪:‬الحق في الحياة كالحرية كالسبلمة‬
‫البدنية كعدـ التعرض لبلسترقاؽ أك االستعباد كالتعذيب أك القبض التعسفي أك النفي كحق التقاضي أماـ‬
‫محاكـ مستقمة كالتمتع بحرمة المسكف كالمراسبلت كبحياة شخصية كأسرية كعدـ المساس بالشرؼ أك‬
‫السمعة كالحق في الحصكؿ عمى جنسية كالتنقل بحرية كاختيار محل اإلقامة كتجريـ االضطياد كالحق في‬

‫‪ -‬قاسـ بف عائل الحربي‪ ،‬تنمية المكاطنة لدػ طمبة الجامعات السعكدية‪ ،‬مجمة كمية التربية‪ ،‬جامعة األزىر‪ ،‬العدد ‪176‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪،‬الجزء األكؿ‪ ،2017 ،‬ص‪.21‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪302‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الممكية كحرية العقيدة كالتفكير كالضمير كممارسة الشعائر كاالنضماـ إلى أحزاب سياسية كجماعات مدنية‬
‫‪1‬‬
‫سممية كالمشاركة في إدارة شؤكف الببلد كتقمد الكظائف العامة‪.‬‬
‫‪ -3‬البعد السموكي‪ :‬إف المكاطنة ال تتكقف عمى المفاىيـ كالقكانيف عمى أىميتيا‪ ،‬لكنيا أيضاً تعني أك‬
‫تتضمف أبعاداً سمككية تتعمق بالدكلة كسمككيا اتجاه المكاطنيف كتتعمق بسمكؾ المكاطف نفسو اتجاه نفسو‬
‫كاآلخريف‪ ،‬مف حيث ما يتكجب عميو القياـ بو اتجاه دكلتو كاتجاه مجتمعو بككنو مكاطناً‪ ،‬كىذا يندرج في‬
‫نطاؽ الكاجبات التي ينص عمييا القانكف أك التي تممييا العادات الحميدة‪ .‬فالمكاطنة تعتبر صفة المكاطف‬
‫‪2‬‬
‫المحدد الحقكؽ كالكاجبات‪ ،‬كالعارؼ لحقكقو‪ ،‬كالممتزـ بكاجباتو كالمتميز بكالئو لمكطف‪.‬‬
‫‪ -8‬مقومات المواطنة‪:‬‬
‫تمثل المكاطنة األساس في عممية تحقيق االندماج الكطني بيف كافة أطياؼ أفراد المجتمع‪ ،‬كما‬
‫أنيا تشكل جكىر بل حجر الزاكية في بناء الدكلة الديمقراطية‪ ،‬كعمى ىذا األساس يتضح أف لممكاطنة‬
‫‪3‬‬
‫مقكمات تتمخص فيما يمي‪:‬‬
‫‪ -1‬مف أىـ مقكمات المكاطنة اكتماؿ نمك الدكلة مف خبلؿ قدرتيا كامتبلكيا لمثقافة القائمة عمى المشاركة‬
‫المجتمعية كالمساكاة أماـ القانكف‪.‬‬
‫‪ -2‬أىمية كجكد قناعة فكرية كقبكؿ نفسي كالتزاـ سياسي كذلؾ ضمف تكافق مجتمعي عمى عقد اجتماعي‬
‫يتـ بمقتضاه اعتبار المكاطنة مصدر الحقكؽ كمناط الكاجبات بالنسبة ألطراؼ المكاطنة دكف تمييز ديني‬
‫أك عرقي أك مذىبي أك خبلفو عمى أف تضبط المكازنة بيف إحقاؽ الحقكؽ‪ ،‬كتحديد المسؤكليات مف خبلؿ‬
‫قانكف عاـ يتـ الرجكع إليو في جميع األحكاؿ‪.‬‬
‫‪ -3‬تطػكير نظػاـ القػيـ فػي المجتمػع بمػا يحقػق الفيػـ الصػحيح لؤلمػكر كيصػنع التماسػؾ كالكئػاـ‬
‫كالػتبلحـ االجتمػػاعي مػع نبػػذ كافػػة أسػاليب كممارسػػات التمػايز االجتمػاعي المخػػالف لؤلعػراؼ‬
‫المحمية كالدكلية فضبل عف مخالفتو لمنظـ الشرعية كالدينية‪.‬‬
‫‪ -4‬ضػركرة تػكفر المعمكمػات المتعمقػة بػالخطط كالمشػاريع الكطنيػة كالميزانيػات المعػدة لػذلؾ بكػل‬
‫شػفافية كحيػػاد كعمنيػة لكافػػة المػكاطنيف لتػػتـ المحاسػبة كالمراقبػػة كتحمػل المسػػؤكلية االجتماعيػػة‬

‫المية طالة‪ ،‬كيينة سبلـ‪ ،‬التكنكلكجيات الحديثة لئلعبلـ كاالتصاؿ كتأثيرىا عمى قيـ المكاطنة‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‬ ‫‪1‬‬

‫لمدراسات االستراتيجية كالسياسية كاالقتصادية‪ ،‬برليف‪ ،2019 ،‬ص ‪.146‬‬


‫‪ -‬عبد هلل بف بخيت صفرار‪ ،‬دكر شبكات التكاصل االجتماعي في ترسيخ قيـ المكاطنة مف كجية نظر الشباب الجامعي‬ ‫‪2‬‬

‫العماني‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشكرة‪ ،‬جامعة الشرؽ األكسط‪ ،2017 ،‬ص‪.41‬‬ ‫ُ‬
‫‪ - 3‬يكسف حديد‪ ،‬نعيـ بكعمكشة‪ ،‬المكاطنة في الجزائر بيف داللة المفيكـ كتحديات الكاقع‪ ،‬المركز الديمقراطي العربي‬
‫لمدراسات االستراتيجية كالسياسية كاالقتصادية‪ .‬برليف_ ألمانيا‪،2019 ،‬‬
‫‪303‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كاإلقبػػاؿ عمػػى المشػػاركة الجماعيػة لخدمػػة الػػكطف فػػي جميػػع الظػػركؼ كاألكقػػات‪ ،‬كصػكال إلػػى‬
‫المكاطنة المفتكحة التي ال تستثني أحدا‪.‬‬
‫‪ -5‬أىميػة تكػاتف جميػع مككنػات المجتمػع‪ ،‬ككافػة فئػات كشػرائح المجتمػع لكػي تشػكل منظكمػة‬
‫كاحدة تتكامل كتتعاكف مع بعضيا البعض لتعميق كتربية معنى المكاطنة لدػ الجميع‪.‬‬
‫‪ -6‬رفػع مسػتكػ المشػاركة كمسػاندة المػكاطنيف لمدكلػة فيمػا يخػص إدارة شػؤكف الػكطف كتحقيػق‬
‫طمكحػػات الجميػػع بنػػاء عمػػى الػػكعي الناضػػج لؤلفػراد‪ ،‬كاكسػػابيـ المعػػارؼ كالميػػارات البلزمػػة‬
‫لمكاجية مختمف مظاىر التخمف كالتبعية لمغير‪.‬‬
‫‪ -9‬قيم المواطنة‪:‬‬
‫تعػػد معرفػػة قػػيـ المكاطنػػة مػػف األمػػكر الميمػػة كالجكىريػػة التػػي تسػػاعد فػػي تجسػػيدىا‬
‫كتطبيقيػا عمػى أرض الكاقػع‪ ،‬كمػف ثػـ معرفػة تقييميػا‪ ،‬لػذلؾ تتميػز قػيـ المكاطنػة بأنيػا أساسػية‬
‫كضػركرية إلكتمػاؿ المفيػكـ‪ ،‬فتعػددت مككناتيػا تبعػا لمتصػنيفات التػي كضػعيا البػاحثكف‪ ،‬كسػكؼ‬
‫نحاكؿ استعراض أىـ قيـ المكاطنة كما يمي‪:‬‬
‫‪ -1‬المساواة‪ :‬تعرؼ المساكاة‪ ،‬بأنيا حالة التماثل بيف األفراد في المجتمع أماـ القانكف بصرؼ النظر عف‬
‫‪1‬‬
‫المكلد أك الطبقة االجتماعية‪ ،‬أك العقيدة الدينية‪ ،‬أك الثركة‪ ،‬أك العقار‪ ،‬أك الفكر‪ ،‬أك المينة‪ ،‬أك التعميـ‬
‫‪ -2‬األنتماء والوالء‪ :‬يعرؼ االنتماء بأنو الحالة التي يشكل فييا الفرد جزءا مف بنية اجتماعية معينة أك‬
‫جماعة محددة‪ ،‬كيعني إحساس الفرد أك المكاطف بأنو جزء مف الكل‪ ،‬كيؤكد االنتماء حضكر مجمكعة مف‬
‫األفكار كالقيـ‪ ،‬كاألعراؼ كالتقاليد التي تتغمغل في أعماؽ الفرد‪ ،‬فيحيا بيا كتحيا بو حتى تتحكؿ إلى كياف‬
‫محسكس‪ ،‬فيك يشكل جذكر اليكية االجتماعية‪ ،‬كمف لكازـ المكاطنة االنتماء لمكطف‪ ،‬كىك شعكر داخمي‪،‬‬
‫يجعل المكاطف يعمل بحماس كاخبلص لبلرتقاء بكطنو كلمدفاع عنو‪ ،‬أك ىك إحساس تجاه أمر معيف يبعث‬
‫عمى الكالء لو‪ ،‬كمف مقتضيات االنتماء أف يفتخر الفرد بالكطف كالدفاع عنو كالحرص عمى سبلمتو كىك‬
‫يرتبط بمفاىيـ مكازية كاليكية كالشخصية الكطنية‪ ،‬التي ترتكز أساسا عمى حب الكطف‪ ،‬كالدفاع عنو في‬
‫كل الظركؼ كاألحكاؿ‪ ،‬أما الكالء فيك مف الطاعة كالخضكع لسمطة ما‪ ،‬كىك جكىر االلتزاـ كيدعـ اليكية‬
‫‪2‬‬
‫الذاتية كيقكؼ الجماعة‪ ،‬كتأييد الفرد لجماعتو يشير إلى مدػ االنتماء إلييا‪.‬‬

‫‪ -‬إبراىيـ ناصر‪ ،‬المكاطنة ‪ .‬دار مكتبة الرائد العممية لمنشر‪ ،‬عماف‪ ،2003 ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬بمعسمة فتيحة‪ ،‬دكر المدرسة الجزائرية في تنشئة الفرد عمى قيـ المكاطنة‪ ،‬بحث منشكر في مجمة أماراباك األكاديمية‬ ‫‪2‬‬

‫األمريكية العربية لمعمكـ كالتكنكلكجيا‪ ،‬العدد ‪ ،25‬مجمد ‪ ،2017 ،8‬ص ‪.24‬‬


‫‪304‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -3‬التكافل االجتماعي‪ :‬لقد جاء اإلسبلـ بفمسفة دينية مقدسة تقكـ عمى إستبداؿ الفردية كاالستبدادية بقيـ‬
‫التعاكف كالتكاتف كالشكرػ كالمشاركة بيدؼ تحقيق سعادة الفرد كاإلنسانية جمعاء‪ ،‬عبر تحمل الجميع‬
‫مسئكلية ذلؾ دكف إستثناء‪ ،‬فاإلسبلـ يدعك إلى التآزر كالتعاكف في كل ما مف شأنو تحقيق الصالح العاـ‬
‫في جميع المياديف االقتصادية كالسياسية كاألمنية كالعممية كغيرىا‪ ،‬مما يساىـ في جعل الكطف رم از لمعدؿ‬
‫كالمساكاة كالعزة كالمنعة‪.‬‬
‫كالتكافل االجتماعي ال يتكقف فقط عمى الجانب المادؼ بل تمتد مظمتو لتشمل جكانب كثيرة كمتعددة مثل‬
‫المشكرة كالنصيحة كالكد كا لمشاركة في األفراح كاألحزاف كغيرىا‪ ،‬كمف ىنا فإنو يجب عمى كل فرد أف‬
‫يككف لو دك ار إيجابيا كمؤث ار في المجتمع فيعمل عمى حل مشكبلت مجتمعو المزمنة كالفقر‪ ،‬كالبطالة‪،‬‬
‫كغيرىا‪ ،‬كالتي تحتاج إلى التكافل مف أجل القضاء عمييا كالحد منيا‪.‬‬
‫كيتضمف التكافل االجتماعي بيف أبناء الكطف مجمكعة مف قيـ المكاطنة التي تتعمق بالتأكيد عمى أىمية‬
‫العمل بركح الفريق في إنجاز المياـ المختمفة كتجكيد األداء‪ ،‬كضركرة مشاركة الفرد في تحقيق أىداؼ‬
‫الجماعة كالمجتمع‪ ،‬كالمشاركة في حل مشكبلت المجتمع كالنيكض بو‪ ،‬كتشجيع العمل التطكعي مف أجل‬
‫‪1‬‬
‫اآلخريف‪ ،‬مع غرس قيمة حب العمل كتقدمو‪.‬‬
‫‪ -4‬الديمقراطية‪ :‬يتجسد المدخل الديمقراطي لممكاطنة مف خبلؿ احتراـ المكاطنيف لحقكؽ اآلخريف كالدفاع‬
‫عف حقكقيـ‪ ،‬كاف يمارس المكاطنكف حقكقيـ بحرية‪ ،‬كىذه الحقكؽ تتمثل في الميارات التفاعمية كتشمل‬
‫‪2‬‬
‫ميارات االتصاؿ كالتعاكف التي يحتاجيا الفرد لممارسة العمل المدني كالسياسي‪.‬‬
‫‪ -5‬المسؤولية‪ :‬المسؤكلية ىي استعداد الفرد لمقياـ بما يككل إليو مف كاجبات في المكاقف المختمفة‪،‬‬
‫كالمسؤكلية بيذا المعنى تؤكد عمى الجانب السمككي كالزاـ الفرد بما يككل إليو مف أعماؿ‪ ،‬كالمسؤكلية‬
‫استعداد فطرؼ‪ ،‬فيي تبدأ مع أكلى خطكات الفرد‪ ،‬فالفرد يعيش عضكاً في أسرة يككف فييا مسؤكالً‪ ،‬إذ تبدأ‬
‫مسؤكليتو عف ذاتو تـ تتجو إلى مجتمعو الصغير‪ ،‬إلى األسرة فالمدرسة التي يتكاجد فييا ثـ الجامعة‪،‬‬
‫كالمسؤكلية بيذا تعبر عف محصمة استجابات الفرد لقيامو بدكر محدد نحك نفسو كأسرتو كمجتمعو‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫كمعرفتو لحقكقو ككاجباتو مف خبلؿ المكاقف التي يتعرض إلييا‪.‬‬

‫‪ -‬يكسف دمحم سميـ‪ ،‬المكاطنة في الفكر التربكؼ اإلسبلمي كدكر كميات التربية بغزة في تدعيميا مف كجية نظر طمبتيا‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫رسالة ماجستير‪ ،‬كمية التربية‪ ،‬الجامعة اإلسبلمية بغزة‪ ،2009 ،‬ص‪.49‬‬


‫‪ -‬منيغد احمد‪ ،‬الشباب الجامعي الجزائرؼ بيف تحديات المكاطنة كىشاشة المنظكمة القيمية‪ ،‬المجمة الجزائرية لدراسات‬ ‫‪2‬‬

‫السكسيكلكجية‪ ،‬العدد ‪ ،2018 ،6‬ص ص ‪.156 -155‬‬


‫‪ -‬حسنية عبدالمقصكد‪ ،‬المسؤكلية االجتماعية دليل عمل‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.2002 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪305‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -6‬التسامح وقبول اآلخر‪ :‬التسامح يعني القبكؿ كاالحتراـ كالتقدير لمتنكع الثرؼ لثقافات عالمنا ألشكاؿ‬
‫التعبير كلمصفات اإلنسانية كميا‪ ،‬كيتعزز ىذا التسامع بالمعرفة كاالنتاج كاإلتصاؿ كحرية الفكر الضمير‬
‫كالمعتقد‪ ،‬كىك ليس كاجباً أخبلقياً فحسب‪ ،‬كانما ىك كاجب سياسي كقانكني أيضاً‪ ،‬كالتسامح ىك الفضيمة‬
‫التي تيسر قياـ السبلـ‪ ،‬كيسيـ في إحبلؿ ثقافة السبلـ محل ثقافة الحرب‪ ،‬كىك ال يعني التساىل اك‬
‫التنازؿ‪ ،‬بل ىك اتخاذ مكقف إيجابي فيو إقرار بحق اآلخريف في التمتع بحقكؽ اإلنساف‪ ،‬كحرياتو األساسية‬
‫‪1‬‬
‫المعترؼ بيا عالمياً‪.‬‬
‫‪ -10‬الجامعة كمؤسسة لتعميم المواطنة‪:‬‬
‫إف تربية المكاطنة ىي حصيمة مجمكعة مف الجيكد التي تقكـ بيا مؤسسات المجتمع الرسمية‪،‬‬
‫كغير الرسمية‪ ،‬التعميمية كغير التعميمية‪ ،‬كأنو ال يمكف تعمميا بشكل كمي في الكتب‪ ،‬كالمقررات الدراسية‪،‬‬
‫ألنيا تعتمد بالدرجة األكلى عمى الممارسات‪ ،‬كالتطبيقات التي تتـ داخل المؤسسة التربكية‪ ،‬أك خارجيا‬
‫كتربية المكاطنة عممية مستمرة‪ ،‬تقتضي العمل بشكل دائـ عمى تككيف المكاطف‪ ،‬كتنمية كعيو بنظاـ‬
‫حقكقو‪ ،‬ككاجباتو‪ ،‬كترسيخ سمككو كتطكير مستكػ مشاركتو في دينامية المجتمع الذؼ ينتمي إليو فالتربية‬
‫عمى المكاطنة في جكىرىا تربية عمى المسؤكلية‪ ،‬إذ مف المفترض أف تجعل المكاطف مسؤكالً كمشاركاً‬
‫بشكل فعاؿ في مجتمعو‪ ،‬كانطبلقا مف طبيعة الجامعة بشكل عاـ‪ ،‬التي تعد مؤسسة عممية‪ ،‬كتربكية‪،‬‬
‫كتعميمية‪ ،‬كتنمكية‪ ،‬تتجو األنظار إلييا في إعداد األطر المؤىمة عمميا‪ ،‬انطبلقاً مف دكرىا في غرس قيـ‪،‬‬
‫كمعتقدات المجتمع في نفكس الطبلب‪ ،‬كتككيف اتجاىات إيجابية تجاىيا‪ ،‬كل ذلؾ يحدث عمى اعتبار أف‬
‫‪2‬‬
‫ىؤالء الطبلب ثركة الكطف‪ ،‬ككسيمة التنمية الشاممة كغايتيا‪.‬‬
‫كيتحدد دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة مف خبلؿ خمق مناخ أك بيئة تعميمية مناسبة تشجع‬
‫الطمبة عمى اكتساب ىذه القيـ‪ ،‬كيتحدد ىذا الدكر مف خاؿ أستاذ الجامعة الذؼ يجب أف يككف قدكة حسنة‬
‫أماـ الطمبة كقيامو بدكر المربي الفاضل الذؼ تتجسد في شخصيتو تمؾ القيـ‪ ،‬كيككف أقرب إلى‬
‫الديمقراطية‪ ،‬كيككف عبلقات كدية بينو كبيف الطمبة‪ ،‬يحترميـ كيسمح ليـ بالتعبير عف رأييـ بحرية‪،‬‬
‫دكر ميما كبار از في تنمية قيـ المكاطنة في الكميات مف خبلؿ تجسيد‬
‫بجانب ذلؾ تمعب األنشطة الطبلبية ًا‬
‫ركح التعاكف كالعمل التطكعي كالتسامح كالعدؿ كالمساكاة كالمشاركة‪ ،‬كقبل ذلؾ يأتي دكر المقررات‬
‫كالخطط الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب بما تتضمنو مف محتكػ معرفي كمكاقف تسيـ‬

‫‪ -‬سامي فتحي عمارة‪ ،‬دكر أستاذ الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لمكاجية تحديات اليكية الثقافية‪ ،‬مجمة مستقبل التربية‬ ‫‪1‬‬

‫العربية‪ ،‬العدد ‪ ،64‬المجمد ‪ ،2010 ،17‬ص ص ‪.58-57‬‬


‫‪ -‬دمحم تركك‪ ،‬قيـ المكاطنة الكاجب تكافرىا في مناىج كمية التربية مف كجية نظر أعضاء الييئة التدريسية‪ ،‬مجمة اتحاد‬ ‫‪2‬‬

‫الجامعات العربية لمتربية كعمـ النفس‪ ،‬العدد‪ ،1‬مجمد ‪ ،2016 ،14‬ص‪.180‬‬


‫‪306‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إسياما كبي ار في ىذا الجانب‪ ،‬فإف الكعي بقيـ المكاطنة لدؼ الشباب الجامعي ينعكس في شكل أك بأخر‪،‬‬
‫كما يتمثل في سعي الطبلب إلى تحمل مسئكلياتيـ داخل المناخ الجامعي مف خبلؿ مشاركات إيجابية في‬
‫مناقشة األىداؼ كحرية التعبير‪ ،‬كالتخطيط لؤلنشطة الطبلبية‪ ،‬كأف يستطيع الطبلب العمل بشكل تعاكني‬
‫في كضع األكلكيات كاتخاذ الق اررات مع مف ييتمكف بشئكف حياتيـ‪ ،‬كمف ثـ يمكف أف تمعب الجامعات‬
‫دك اًر بار اًز في تنمية قيـ المكاطنة لدؼ طبلبيا‪ ،‬إذا ما تكافرت ليا سبل االستثمار الكاعي إلمكانات الحياة‬
‫‪1‬‬
‫الجامعية مف مناىج دراسية كأنشطة طبلبية كىيئة تدريس كاعية‪.‬‬
‫كىناؾ عدة مبررات تجعل مف الجامعة مؤسسة لتنمية كتعزيز قيـ المكاطنة كيمكف إيجازىا فيما‬
‫يمي‪:‬‬
‫‪ -1‬إف الجامعة تمثل بنية اجتماعية ككسطاً ثقافياً لو تقاليده كاىدافو كفمسفتو كقكانينو التي كضعت‬
‫لتتفق مع أىداؼ كفمسفة المجتمع الكبير كالتي ىي جزء منو‪.‬‬
‫‪ -2‬تُعد الجامعة مف المؤسسات الرسمية التي تكضفيا السمطة السياسية في سبيل نشر القيـ العميا‬
‫التي تبتغييا لدػ طبلبيا‪.‬‬
‫‪ -3‬إف المقررات الدراسية يدرسيا التبلميذ كافة كلذلؾ تُعد أداة ىامة لتحقيق التكاصل الفكرؼ‬
‫كالتماسؾ االجتماعي في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬ربط الطبلب بنشاطات كطنية كنشاطات تمثل األدكار في جكانب مختمفة مف المسؤليات‬
‫المدنية‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -5‬تنظيـ برامج أعماؿ تطكعية كاجتماعية مختمفة لخدمة الكطف كالمكاطف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫أىداف الجامعة من تنمية قيم المواطنة‪:‬‬
‫‪ -1‬إكساب الطالب سمات المكاطنة الفاعمة حتى يتمكف مف المشاركة كاإلسياـ الجاد في خدمة المجتمع‬
‫المحمي بشكل خاص ككطنو بشكل عاـ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعزيز مفيكـ االنتماء الصادؽ لمكطف لدػ الطالب بما ال يتناقص مع كالءه لكطنو‪.‬‬

‫‪ -‬حمدؼ أحمد عمر‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كتمثميا لدػ الطبلب في ظل تحديات العكلمة‪ ،‬مجمة جامعة‬ ‫‪1‬‬

‫الشارقة لمعمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،1‬المجمد‪ ،2017 ،14‬ص‪.76‬‬


‫‪ -‬عبدالعظيـ أحمد عبدالعظيـ‪ ،‬التنشئة عمى المكاطنة‪ ،‬بحث مقدـ لجائزة الممؾ عبد العزيز لمبحكث العممية في قضايا‬ ‫‪2‬‬

‫الطفكلة كالتنمية في الكطف العربي‪ ،‬ص ‪.29‬‬


‫‪ -‬حكرية زىاج‪ ،‬دكر األستاذ في تنمية قيـ المكاطنة لدػ تبلميذ التعميـ المتكسط‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشكرة‪ ،‬جامعة‬ ‫‪3‬‬

‫زياف عاشكر الجمفة‪ ،2017 ،‬ص ص ‪.30-29‬‬


‫‪307‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -3‬تكعية الطالب بطبيعة عبلقتو مع اآلخريف مف حكلو كتدريبو عمى الكفاء لكطنو‪.‬‬
‫‪ -4‬تبصير الطالب بحقكقو ككاجباتو تجاه كطنو الصغير بصكرة خاصة ككطنو العالمي الكبير بصكرة‬
‫عامة‪.‬‬
‫‪ -5‬تنمية القيـ كاالتجاىات التي يحتاجيا الطالب ليككف مسؤكال كصالحا كتتـ مف خبلؿ إكسابو احتراـ‬
‫الذات كاحتراـ اآلخريف كالمساكاة كالكرامة كالمشاركة المسؤكلة‪.‬‬
‫‪ -6‬تنمية الميارات اليادفة لممشاركة المجتمعية الفعالة كيتـ ذلؾ مف خبلؿ ميارات االتصاؿ كتبادؿ‬
‫المعمكمات كاألفكار كالحكار كالتفكير الناقد كالتطكع كالعمل مع اآلخريف‪.‬‬
‫‪ -11‬اإلجراءات المنيجية لمدراسة‪:‬‬
‫منيج الدراسة‪:‬‬
‫استخدـ الباحثاف المنيج الكصفي التحميمي‪ ،‬كىك المنيج الذؼ مف خبللو يمكف كصف الظاىرة‬
‫مكضكع الدراسة كتحميل بياناتيا‪ ،‬كبياف العبلقات بيف مككناتيا كاآلراء التي تطرح حكليا‪ ،‬كالعمميات التي‬
‫تتضمنيا كاآلثار التي تحدثيا‪ ،‬ككذلؾ ألىمية ىذا المنيج في مثل ىذا النكع مف الدراسات‪ ،‬حيث سنقكـ‬
‫مف خبلؿ ىذه الدراسة بكصف كتحميل كتفسير دكر جامعة طبرؽ في تنمية قيـ المكاطنة في ظل الظركؼ‬
‫الراىنة لمببلد‪ ،‬دكف أؼ تدخل مف الباحثاف في مجرياتيا‪.‬‬
‫مجتمع وعينة الدراسة‪:‬‬
‫تألف مجتمع الدراسة األصمي مف طبلب كمية اآلداب جامعة طبرؽ كالبالغ عددىـ ‪ 1150‬طالباً‬
‫كطالبة المقيديف بيذه الكمية كفقاً إلحصائية التقرير السنكؼ لكمية اآلداب لسنة ‪ ،2020 / 2019‬كيرجع‬
‫اجتماعيا‬
‫ً‬ ‫اختيار الباحثاف لعينة الطبلب‪ ،‬حيث يمثمكف أىـ شرائح المجتمع تفاعبلً مع قضايا المجتمع‬
‫كسياسيا‪ ،‬كقد تـ اختيار عينة عشكائية بسيطة ممثمة مف مجتمع الدراسة بكاقع ‪ %5‬مف جممة‬
‫ً‬ ‫اقتصاديا‬
‫ً‬ ‫ك‬
‫ٍ‬
‫طالب كطالبة مف‬ ‫مجتمع الدراسة األصمي‪ ،‬كذلؾ لكبر حجـ المجتمع األصمي‪ ،‬حيث بمغ حجميا ‪60‬‬
‫مختمف التخصصات بالكمية‪.‬‬
‫أداة الدراسة‪:‬‬
‫لغػرض تحقيػق أىػداؼ الد ارسػة كاإلجابػة عػف أسػئمتيا تػـ االعتمػاد عمػى أداة جمػع البيانػات‬
‫اسػػتمارة االسػػتبياف مكجيػػة لطمبػػة كميػػة اآلداب‪ ،‬حيػػث تػػـ إعػػداد كبنػػاء االسػػتمارة كذلػػؾ مػػف خػػبلؿ ‪:‬‬
‫االط ػ ػػبلع عم ػ ػػى العدي ػ ػػد م ػ ػػف الم ارج ػ ػػع كاألدبي ػ ػػات النظري ػ ػػة كالد ارس ػ ػػات الس ػ ػػابقة ذات الص ػ ػػمة بالمكض ػ ػػكع ‪،‬‬
‫ثػ ػػـ تػ ػػـ جمػ ػػع األفكػ ػػار كاألسػ ػػئمة مػ ػػف المصػ ػػادر السػ ػػابقة‪ ،‬باإلضػ ػػافة إلػ ػػى مجمكعػ ػػة أخػ ػػرػ مػ ػػف األسػ ػػئمة‬
‫كضػ ػػعيا الباحثػ ػػاف‪ ،‬كتػ ػػـ تقسػ ػػيـ االسػ ػػتمارة إلػ ػػى عػ ػػدة عناصػ ػػر رئيسػ ػػية تتضػ ػػمف مجمكعػ ػػة مػ ػػف األسػ ػػئمة‪،‬‬
‫كقػ ػػد صػ ػػيغت عنػ ػػاكيف تمػ ػػؾ العناصػ ػػر فػ ػػي ضػ ػػكء أىػ ػػداؼ الد ارسػ ػػة‪ ،‬ثػ ػػـ تػ ػػـ صػ ػػياغة األسػ ػػئمة فػ ػػي شػ ػػكميا‬
‫‪308‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫النيػائي‪ ،‬كمراجعتيػا‪ ،‬حيػث تككنػت االسػتمارة فػي صػكرتيا النيائيػة مػف ‪ 39‬فقػرة مكزعػة عمػى ىسػتة‬
‫أبعػاد ىػي مفيػكـ المكاطنػة‪ ،‬كدكر عضػك ىيػأة التػدريس‪ ،‬كالمقػػررات الد ارسػية‪ ،‬كاألنشػطة الجامعيػة‪،‬‬
‫كمعكقات دكر الجامعة‪ ،‬كاإلجراءات المقترحة مف قبل الجامعة‪.‬‬
‫مجاالت الدراسة‪:‬‬
‫‪ -‬المجاؿ المكاني‪ :‬مدينة طبرؽ‪.‬‬

‫‪ -‬المجاؿ البشرؼ‪ :‬طبلب كمية اآلداب بجامعة طبرؽ‪.‬‬

‫‪ -‬المجاؿ الزمني‪ :‬استغرؽ جمع المادة الميدانية الفترة مف ‪ 2020/ 01/ 13‬إلى ‪02/ 04‬‬
‫‪.2020/‬‬

‫‪ -12‬مناقشة نتائج أسئمة الدراسة‪:‬‬


‫جدول رقم (‪ )1‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب مفيوم المواطنة‬
‫الدالالت‬
‫الترتيب‬ ‫اإلحصائية‬ ‫الفقرات‬ ‫ـ‬
‫‪%‬‬ ‫ؾ‬
‫‪4‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪18‬‬ ‫عبلقة بيف الفرد كالدكلة‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪56.66‬‬ ‫‪34‬‬ ‫أف يعرؼ الفرد ما لو مف حقكؽ كما عميو مف كاجبات‬ ‫‪2‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫مجمكعة مف القيـ التي تعكس أنتماء الطالب لكطنو‬ ‫‪3‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬ ‫االنفتاح عمى الثقافات األخرػ‬ ‫‪4‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪33.33‬‬ ‫‪20‬‬ ‫اإليماف بالكحدة الكطنية‬ ‫‪5‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪21.66‬‬ ‫‪13‬‬ ‫االتصاؼ بالقيـ األخبلقية الحميدة‬ ‫‪6‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪36.66‬‬ ‫‪22‬‬ ‫المسئكلية االجتماعية تجاه االفراد كاألسرة كالمجتمع‬ ‫‪7‬‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لمفيكـ المكاطنة ىك أف يعرؼ الفرد ما لو مف حقكؽ كما عميو‬
‫مف كاجبات بنسبة ‪ ،%56.66‬كيمييا المسئكلية االجتماعية تجاه االفراد كاألسرة كالمجتمع كذلؾ بنسبة‬
‫‪ ،%36.66‬ثـ جاءت عبارة اإليماف بالكحدة الكطنية كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%33.33‬كيمي ذلؾ الذيف‬
‫عبركا عمى أف مفيكـ المكاطنة ىكعبلقة بيف الفرد كالدكلة بنسبة ‪ ،%30‬ثـ جاءت عبارة االتصاؼ بالقيـ‬
‫األخبلقية الحميدة في المرتبة الخامسة بنسبة ‪ ،%21.66‬كيمييا مف عبركا عمى أف مفيكـ ىك مجمكعة‬

‫‪309‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مف القيـ التي تعكس أنتماء الطالب لكطنو بنسبة ‪ ،%20‬في حيف جاءت االنفتاح عمى الثقافات األخرػ‬
‫بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %10‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫كمف خبلؿ العرض السابق لمنسب المئكية يمكف القكؿ أف مفيكـ المكاطنة لدػ عينة الدراسة مرتبط‬
‫بطبيعة العبلقة العضكية التي تربط ما بيف الفرد كالكطف الذؼ يكتسب جنسيتو ‪ ،‬ك ما تفرضو ىذه العبلقة‬
‫أك الجنسية مف حقكؽ ك ما يترتب عمييا مف كاجبات تنص عمييا القكانيف ك األعراؼ‪ ،‬ك تتحقق بيا‬
‫مقاصد حياة مشتركة يتقاسـ خيراتيا الجميع‪ .‬كما يمكف تأكيده أف المكاطنة كمفيكـ عرؼ عدة تحكالت‬
‫لكي يصل إلى ما ىك عميو كبالرغـ مف تعدد المفاىيـ التي تناكلت كحاكلت أف تحدد لو إطا ار عاما‬
‫لتعريفو‪ ،‬فاإلحساس بالمكاطنة كسمكؾ يترجـ في الكاقع ليس باألمر السيل خاصة في ظل الظركؼ التي‬
‫يعيشيا المجتمع اليكـ‪ ،‬كبالرغـ مف أف الدكلة تسعى جاىدة كفي مختمف المجاالت لتعزيز مفيكـ المكاطنة‬
‫خاصة لدػ الشباب إال أف المعكقات كثيرة‪ ،‬كىك ما يتطمب مف مختمف مؤسسات الدكلة كالمجتمع المدني‬
‫إعطاء المكاطنة الكثير مف اإلىتماـ كالبحث في محاكلة لترسيخ قيميا لدىالطالب بشكل خاص كالمكاطف‬
‫بشكل عاـ‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب دور المقررات الدراسية في تنمية قيم المواطنة‬
‫الدالالت‬
‫الترتيب‬ ‫اإلحصائية‬ ‫الفقرات‬ ‫م‬
‫‪%‬‬ ‫ك‬
‫‪7‬‬ ‫‪8.33‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪ 1‬تبرز دكر مؤسسات المجتمع المدني في التنمية‬
‫‪1‬‬ ‫‪70‬‬ ‫‪ 2‬تعكد الطمبة عمى استخداـ األسمكب العممي في حل المشكبلت ‪42‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪28.33‬‬ ‫‪17‬‬ ‫تعزز مبدأ العدؿ كالمساكاة بيف الطبلب‬ ‫‪3‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬ ‫تنمي قدرة الطالب في التعبير عف رايو بحرية‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪18.33‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪ 5‬تعمل عمى غرس قيـ المشاركة السياسية لدػ الطبلب‬
‫‪2‬‬ ‫‪38.33‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪ 6‬تسيـ في تنمية القدرات االبداعية لمطالب‬
‫‪3‬‬ ‫‪33.33‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪ 7‬تيتـ باكساب التبلميذ اليكية الكطنية كاالرتباط بالكطف‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لدكر المقررات الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة ىك تعكد الطمبة‬
‫عمى استخداـ األسمكب العممي في حل المشكبلت بنسبة ‪ ،%70‬كيمييا تسيـ في تنمية القدرات االبداعية‬
‫لمطالب كذلؾ بنسبة ‪ ،%38.33‬ثـ جاءت عبارة تيتـ باكساب التبلميذ اليكية الكطنية كاالرتباط بالكطف‬

‫‪310‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%33.33‬كيمي ذلؾ الذيف عبركا عمى أنيا تعزز مبدأ العدؿ كالمساكاة بيف الطبلب‬
‫بنسبة ‪ ،%28.33‬ثـ جاءت عبارة تعمل عمى غرس قيـ المشاركة السياسية لدػ الطبلب في المرتبة‬
‫الخامسة بنسبة ‪ ،%18.33‬كيمييا مف عبركا عمى أنيا تنمي قدرة الطالب في التعبير عف رايو بحرية‬
‫بنسبة ‪ ،%10‬في حيف جاءت تبرز دكر مؤسسات المجتمع المدني في التنمية بأقل نسبة حيث بمغت‬
‫‪ %8.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫كتدؿ ىذه النسب عمى أف درجة دكر المقررات الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة جاءت مرتفعة‪ ،‬كيرجع‬
‫الباحثاف ىذه النتيجة إلى درجة االىتماـ الكبيرة بالمقررات الدراسية كتزكيدىا بالمفاىيـ كالقيـ الكطنية التي‬
‫تعزز مفيكـ المكاطنة لدػ الطمبة‪ ،‬كىذا يعني أف المقررات الدراسية تمعب دك ار ىاما كجيد في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة لدػ طبلب الجامعات‬
‫جدول رقم (‪ )3‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب لدور عضو ىيأة التدريس في تنمية قيم المواطنة من‬
‫وجية نظر الطالب‬
‫الدالالت‬
‫الترتيب‬ ‫اإلحصائية‬ ‫الفقرات‬ ‫م‬
‫‪%‬‬ ‫ك‬
‫‪13.3‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪8‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫أساليبو ديمقراطية في التعامل مع الطبلب‬
‫‪4‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪9‬‬ ‫يحترـ استقبللية الطالب‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫يشجع طبلبو عمى تدعيـ اليكية الكطنية‬ ‫‪3‬‬
‫‪36.6‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪22‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬ ‫ينمي ركح المشاركة السياسية لدػ الطبلب‬
‫‪7‬‬ ‫‪8.33‬‬ ‫‪5‬‬ ‫يحترـ آراء طبلبو كلك كانت مخالفة لرأيو‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬ ‫يشجع طبلبو عمى النقد اإليجابي البناء‬ ‫‪6‬‬
‫‪38.3‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪23‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫يكعي الطبلب بالتحديات التي تكاجو المجتمع كطرؽ التغمب عمييا‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لدكر عضك ىيأة التدريس في تنمية قيـ المكاطنة ىك تكعية‬
‫الطبلب بالتحديات التي تكاجو المجتمع كطرؽ التغمب عمييا بنسبة ‪ ،%38.33‬كيمي ذلؾ اسيامو في‬

‫‪311‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫تنمية ركح المشاركة السياسية لدػ الطبلب كذلؾ بنسبة ‪ ،%36.66‬ثـ تمتيا تشجيعو لطبلبو عمى تدعيـ‬
‫اليكية الكطنية كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%20‬كيمي ذلؾ الذيف عبركا عمى أنو يحترـ استقبللية الطالب بنسبة‬
‫‪ ،%15‬ثـ يمي ذلؾ أساليبو الديمقراطية في التعامل مع الطبلب بنسبة ‪ ،%13.33‬كيمييا يشجع طبلبو‬
‫عمى النقد اإليجابي البناء بنسبة ‪ ،%10‬في حيف جاءت يحترـ آ ارء طبلبو كلك كانت مخالفة لرأيو بأقل‬
‫نسبة حيث بمغت ‪ %8.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫كيتضح مف العرض السابق أف مستكػ دكر عضك ىيئة التدريس في الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كاف‬
‫حاض اًر كىذا يعطينا مؤش اًر بأف األستاذ الجامعي ىك األساس في غرس كتنمية قيـ المكاطنة لدػ الطالب‬
‫الفعاؿ كالتأثير الذؼ يقكـ بو فيك ركيزة أساسية حيث يكسبيـ مختمف القيـ التي‬
‫الجامعي مف خبلؿ الدكر ّ‬
‫تعمل عمى المحافظة عمى تماسؾ المجتمع‪.‬‬
‫كأذا كاف ىناؾ تقصير مف قبل األستاذ الجامعي بالدكر المتكقع أك المأمكؿ في تنمية قيـ المكاطنة لدػ‬
‫الطبلب‪ ،‬فإف ذلؾ قد يككف راجع إلى أنو مطالب بإكماؿ مق ار رت كبساعات دراسية محدكدة فيضطر إلى‬
‫حصر محاضراتو في مفردات المقرر‪ ،‬إضافة إلى الظركؼ السياسية التي تمر بيا الببلد في الكقت‬
‫الحالي‪ ،‬مف عدـ االستقرار كالتدىكر في الحياة االقتصادية كالسياسية‪ ،‬كانعداـ األمف التي انعكست بدكرىا‬
‫عمى األستاذ الجامعي كأدت إلى انشغالو باألمكر االقتصادية كاألمنية أكثر مف تركيزه عمى دكره في تنمية‬
‫قيـ المكاطنة‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )4‬يوضح توزيع أفراد العينة لدور األنشطة الجامعية في تنمية قيم المواطنة لدى الطالب‬
‫الدالالت اإلحصائية‬
‫الترتيب‬ ‫الفقرات‬ ‫م‬
‫‪%‬‬ ‫ك‬
‫‪3‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪33‬‬ ‫تساىـ االنشطة الطبلبية في تنمية قيـ الحكار‬ ‫‪1‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪18.33‬‬ ‫‪11‬‬ ‫تعزز األنشطة قيـ المشاركة السياسية لدػ الطبلب‬ ‫‪2‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪36‬‬ ‫تيتـ األنشطة بقضايا المجتمع‬ ‫‪3‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪21‬‬ ‫تعطي األنشطة حرية االختيار الكامل لمطبلب‬ ‫‪4‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪76.66‬‬ ‫‪46‬‬ ‫تعزز األنشطة العمل بركح الجماعة لدػ الطبلب‬ ‫‪5‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪43.33‬‬ ‫‪26‬‬ ‫تطمق األنشطة العناف لمطبلب لؤلبداع كالتفكؽ‬ ‫‪6‬‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لدكر األنشطة الجامعية في تنمية قيـ المكاطنة ىك أنيا تعزز‬
‫العمل بركح الجماعة لدػ الطبلب بنسبة ‪ ،%76.66‬كيمي ذلؾ تيتـ األنشطة بقضايا المجتمع كذلؾ‬

‫‪312‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بنسبة ‪ ،%60‬ثـ يمييا تساىـ االنشطة الطبلبية في تنمية قيـ الحكار كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%55‬كيمي ذلؾ‬
‫تطمق األنشطة العناف لمطبلب لؤلبداع كالتفكؽ بنسبة ‪ ،%43.33‬ثـ يمي ذلؾ تعطي األنشطة حرية‬
‫االختيار الكامل لمطبلب بنسبة ‪ ،%35‬في حيف جاءت تعزز األنشطة قيـ المشاركة السياسية لدػ‬
‫الطبلب بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %18.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫يرػ الباحثاف أف الجامعة يفترض أف تكفر إمكانيات مادية كتنظيمية كبشرية‪ ،‬يكفي بشكل كبير‪،‬‬
‫كيساعدىا عمى تقديـ أنشطة طبلبية كأكاديمية متنكعة‪ ،‬بما يمبي احتياجات الطمبة كيشبع رغباتيـ‬
‫المختمفة‪ ،‬كبما يساعد عمى تحقيق النمك المتكامل لشخصياتيـ‪ ،‬بمعنى آخر أف تككف لدػ الجامعة رؤية‬
‫مستقبمية لتنمية المكاطنة لدػ طمبتيا مف خبلؿ ممارسة األنشطة الطبلبية‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )5‬يوضح توزيع أفراد العينة لمعوقات دور الجامعة في تنمية قيم المواطنة‬
‫الدالالت‬
‫الترتيب‬ ‫اإلحصائية‬ ‫الفقرات‬ ‫م‬
‫‪%‬‬ ‫ك‬
‫‪3‬‬ ‫‪66.66‬‬ ‫‪40‬‬ ‫ضعف معرفة الطبلب بالحقكؽ كالكاجبات تجاه الجامعة‬ ‫‪1‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪38.33‬‬ ‫‪23‬‬ ‫عدـ التنسيق بيف الجامعة كمؤسسات المجتمع‬ ‫‪2‬‬
‫‪6‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫عدـ مساىمة الطبلب في االعماؿ التطكعية‬ ‫‪3‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪48‬‬ ‫عدـ عقد دكرات تدريبة كتأىيمية لمطبلب داخل الجامعة‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪26.66‬‬ ‫‪16‬‬ ‫ضعف تمكيل الجامعة لؤلنشطة الطبلبية‬ ‫‪5‬‬
‫عدـ اتباع طرؽ تدريس حديثة لتنمية كدعـ ميارات‬ ‫‪6‬‬
‫‪70‬‬ ‫‪42‬‬
‫‪2‬‬ ‫المكاطنة لدػ الطبلب‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لمعكقات دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة ىك عدـ عقد‬
‫دكرات تدريبة كتأىيمية لمطبلب داخل الجامعة بنسبة ‪ ،%80‬كيمي ذلؾ عدـ اتباع طرؽ تدريس حديثة‬
‫لتنمية كدعـ ميارات المكاطنة لدػ الطبلب كذلؾ بنسبة ‪ ،%70‬ثـ تمتيا ضعف معرفة الطبلب بالحقكؽ‬
‫كالكاجبات تجاه الجامعة كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%66.66‬كيمي ذلؾ عدـ التنسيق بيف الجامعة كمؤسسات‬
‫المجتمع بنسبة ‪ ،%38.33‬ثـ يمي ذلؾ ضعف تمكيل الجامعة لؤلنشطة الطبلبية بنسبة ‪ ،%26.66‬في‬
‫حيف جاءت عدـ مساىمة الطبلب في االعماؿ التطكعية بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %20‬مف عينة الدراسة‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كىذه النسب تؤكد عمى أف نقص الدكرات التدريبية سبباً ميماً في ضعف امتبلؾ الطبلب لميارات‬
‫المكاطنة‪ ،‬كقد ترجع تمؾ النتيجة إلى نقص المكارد المالية لدػ الجامعة لعقد الدك ارت التدريبية‪ ،‬أك عدـ‬
‫كجكد خطط لدػ الجامعة لتدريب الطبلب عمى مثل تمؾ الميارات لذلؾ رأت عينة الدراسة أف عقد دكرات‬
‫تدريبية لتأىيل الطبلب لمتعامل مع المشكبلت يمثل معكؽ لدكر الجامعة في تنمية ميارات المكاطنة لدػ‬
‫الطبلب‪ .‬إضافة إلى عدـ اتباع طرؽ تدريس حديثة لتنمية كدعـ ميارات المكاطنة لدػ الطبلب كجيميـ‬
‫بحقكقيـ ككاجباتيـ تجاه جامعتيـ تُعد مف المعكقات التي تحد مف قياـ الجامعة بدكرىا في تنمية قيـ‬
‫المكاطنة كأيضاً مسؤكليات ككاجبات أعضاء التدريس كمناخ األداء الجامعي بشكل عاـ لو تأثير عمى‬
‫غرس قيـ المكاطنة في نفكس الطبلب‪.‬‬
‫جدول رقم (‪ )6‬يوضح توزيع أفراد العينة حسب اإلجراءات المقترحة من قبل الجامعة لتنمية قيم‬
‫المواطنة لدى طالبيا‬
‫الدالالت‬
‫الترتيب‬ ‫اإلحصائية‬ ‫الفقرات‬ ‫م‬
‫‪%‬‬ ‫ك‬
‫‪21.6‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪13‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪6‬‬ ‫إجراء البرامج التثقيفية مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة‬
‫‪6‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪ 2‬إنشاء معسكرات كشفية مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة‬
‫‪36.6‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪22‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪6‬‬ ‫تكعية الطبلب بمخاطر العكلمة عمى الفرد كاألسرة كالمجتمع‬
‫‪68.3‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪41‬‬
‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫عمل زيارات ميدانية لمؤسسات المجتمع المختمفة‬
‫‪3‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ 5‬تنمية ثقافة المحافظة عمى الممتمكات العامة‬
‫‪ 6‬العمل عمى إصدار مجمة جامعية تتناكؿ أحداث المجتمع محمياً‬
‫‪3.33‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪5‬‬ ‫كدكلياً‬

‫يتضح مف الجدكؿ السابق أف أعمى نسبة لئلجراءات المقترحة مف قبل الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ‬
‫طبلبيا ىك عمل زيارات ميدانية لمؤسسات المجتمع المختمفة بنسبة ‪ ،%68.33‬كيمي ذلؾ تكعية الطبلب‬
‫بمخاطر العكلمة عمى الفرد كاألسرة كالمجتمع كذلؾ بنسبة ‪ ،%36.66‬ثـ تمتيا تنمية ثقافة المحافظة عمى‬

‫‪314‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الممتمكات العامة كذلؾ بنسبة مئكية ‪ ،%30‬كيمي ذلؾ إجراء البرامج التثقيفية مف قبل الجامعة لتنمية قيـ‬
‫المكاطنة بنسبة ‪ ،%21.66‬ثـ يمي ذلؾ العمل عمى إصدار مجمة جامعية تتناكؿ أحداث المجتمع محمياً‬
‫كدكلياً بنسبة ‪ ،%3.33‬في حيف جاءت إنشاء معسكرات كشفية مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة‬
‫بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %0‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫كيرجع الباحثاف ىذا الضعف في دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة إلى تدىكر األكضاع األمنية‬
‫كالسياسية التي يعيشيا المجتمع الميبي‪ ،‬كحيث إف الجامعات ىي صكرة مصغرة عف المجتمع‪ ،‬كحيث إف‬
‫المجتمع يعيش حالة مف الفكضى العارمة خاصة في ظل التغييرات السياسية‪ ،‬فإف ذلؾ ينعكس بالضركرة‬
‫عمى كضع الجامعة‪ ،‬كبالتالي يؤثر عمى المناخ السائد فييا‪ ،‬كلعل األحداث المؤسفة التي تشيدىا بعض‬
‫جامعاتنا في اآلكنة األخيرة بيف الفترة كاألخرػ‪ ،‬تؤكد النتائج الخاصة بيذا البعد كتدعميا‪ ،‬فقد جاءت‬
‫متناغمة مع ما تشيده بعض الجامعات مف مشكبلت عديدة أثرت عمى ىدكء كاستقرار المناخ الجامعي‪.‬‬
‫نتائج الدراسة‪:‬‬
‫‪ -1‬اتضح أف أعمى نسبة لمفيكـ المكاطنة ىك أف يعرؼ الفرد ما لو مف حقكؽ كما عميو مف كاجبات‬
‫بنسبة ‪ ،%56.66‬في حيف جاءت االنفتاح عمى الثقافات األخرػ بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %10‬مف عينة‬
‫الدراسة‪.‬‬
‫‪ -2‬بينت النتائج أف أعمى نسبة لدكر المقررات الدراسية في تنمية قيـ المكاطنة ىك تعكد الطمبة عمى‬
‫استخداـ األسمكب العممي في حل المشكبلت بنسبة ‪ ،%70‬في حيف جاءت تبرز دكر مؤسسات المجتمع‬
‫المدني في التنمية بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %8.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫‪ -3‬تكصمت الدراسة إلى أف أعمى نسبة لدكر عضك ىيأة التدريس في تنمية قيـ المكاطنة ىك تكعية‬
‫الطبلب بالتحديات التي تكاجو المجتمع كطرؽ التغمب عمييا بنسبة ‪ ،%38.33‬في حيف جاءت يحترـ‬
‫آراء طبلبو كلك كانت مخالفة لرأيو بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %8.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫‪ -4‬بينت النتائج أف أعمى نسبة لدكر األنشطة الجامعية في تنمية قيـ المكاطنة ىك أنيا تعزز العمل بركح‬
‫الجماعة لدػ الطبلب بنسبة ‪ 76.66‬في حيف جاءت تعزز األنشطة قيـ المشاركة السياسية لدػ الطبلب‬
‫بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %18.33‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫‪ -5‬يتضح مف النتائج أف أعمى نسبة لمعكقات دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة ىك عدـ عقد دكرات‬
‫تدريبة كتأىيمية لمطبلب داخل الجامعة بنسبة ‪ ،%80‬في حيف جاءت عدـ مساىمة الطبلب في االعماؿ‬
‫التطكعية بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %20‬مف عينة الدراسة‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -6‬تكصمت الدراسة إلى أف أعمى نسبة لئلجراءات المقترحة مف قبل الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ‬
‫طبلبيا ىك عمل زيارات ميدانية لمؤسسات المجتمع المختمفة بنسبة ‪ ،%68.33‬في حيف جاءت إنشاء‬
‫معسكرات كشفية مف قبل الجامعة لتنمية قيـ المكاطنة بأقل نسبة حيث بمغت ‪ %0‬مف عينة الدراسة‪.‬‬
‫التوصيات‪:‬‬
‫‪ -‬إعادة النظر في المقررات الدراسية الجامعية كصياغتيا في ضكء فمسفة كاضحة بحيث يتـ ربطيا‬
‫بالمجتمع كمشكبلتو كما يجرؼ فيو مف أحداث كما يستجد مف تغي ارت حتى يككف الخريج عمى‬
‫صمة كثيقة بما يدكر في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬أف تككف سمككيات األساتذة كالمسئكليف بالجامعة عمى درجة عالية مف األداء كالكفاءة كالعممية‬
‫كالتربكية‪ ،‬حيث يتكقف عمييا مدػ اكتساب الطمبة لمشاعر الكطنية‪.‬‬
‫‪ -‬أف يسكد األساليب المتبعة في الجامعة الحب كمشاعر التعاطف الكجداني كالتعاكف كاإلحساس‬
‫بالمسؤكلية تجاه الطمبة ليساعد ذلؾ عمى نمك الذات لمطبلب كتحقيقيا‪.‬‬
‫‪ -‬تقكية العبلقة بيف الجامعة كالمجتمع المحمي مف خبلؿ إشراؾ الطبلب في أنشطة ذات طابع‬
‫اجتماعي مثل المشاركة في الجمعيات الخيرية كمؤسسات المجتمع المدني مثل حقكؽ اإلنساف أك‬
‫غيره ككذلؾ المشاركة في االحتفاالت الكطنية أك النشاط الذؼ يخدـ الحفاظ عمى البيئة‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة عدد اّلنشاطات كالفعاليات التي تنظـ عمى مستكػ الجامعة كالتي تيدؼ إلى تنمية ميارات‬
‫التكاصل اّالجتماعي‪ ،‬كمشاركة أّعضاء ىيأة اّلتدريس إلى جانب الطبلب فييا‪.‬‬
‫المقترحات‪:‬‬
‫‪ -‬إجراء عدة دراسات بحيث تتناكؿ كل دراسة دكر كل مف المقررات الدراسية كعضك ىيأة التدريس‬
‫كاألنشطة الجامعية عمى حدة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطبلب‪.‬‬
‫المراجع‬
‫‪ -1‬الخكالدة‪ ،‬تيسير دمحم‪ ،‬دكر عضك ىيئة التدريس في الجامعات األردنية في تنمية قيـ المكاطنة مف كجية نظر الطمبة‪،‬‬
‫الجامعة األردنية‪ ،‬مجمة دراسات‪ ،‬مجمد ‪ ،40‬ممحق ‪.2013 ،3‬‬
‫‪ -2‬بكيرؼ‪ ،‬نجية‪ ،‬طكباؿ‪ ،‬فط يمة‪ ،‬مفيكـ المكاطنة لدػ الطمبة الجامعييف دراسة ميدانية بجامعة سطيف‪ ،‬إصدارات المركز‬
‫الديمقراطي العربي المانيا برليف‪2019. ،‬‬
‫‪ -3‬العكامرة‪ ،‬عبدالسبلـ‪ ،‬الزبكف‪ ،‬دمحم‪ ،‬دكر الجامعات األردنية الرسمية في تعزيز تربية المكاطنة كعبلقتيا بتنمية االستقبللية‬
‫الذاتية لدػ طمبة كميات العمكـ التربكية مف كجية نظرىـ‪ ،‬مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث‪ ،‬المجمد ‪ ،28‬العدد ‪.2014 ،1‬‬
‫‪ -4‬عدلي‪ ،‬ىكيدا‪ ،‬قيمة المكاطنة لدػ الجامعات العربية‪ ،‬مجمة إضافات‪ ،‬العدد ‪2017. ،37‬‬
‫‪ -5‬الدكيمة‪ ،‬أمل بدر‪ ،‬قيـ المكاطنة لدػ طمبة جامعة الككيت كعبلقتيا ببعض المتغيرات‪ ،‬المجمة التربكية‪ ،‬الككيت‪ ،‬المجمد‬
‫‪ ،29‬العدد ‪2015. ،114‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -7‬ابف منظكر‪ ،‬ابي الفضل دمحم‪ ،‬لساف العرب )تحقيق عامر حيدر(‪ ،‬ج ‪ ، 13‬بيركت ‪ ،‬دار الكتب العممية‪.2003 ،‬‬
‫‪ -8‬مصطفى‪ ،‬ماىر أحمد‪ ،‬دكر األنشطة البلصفية في تنمية قيـ طمبة المرحمة األساسية مف كجية نظر معممييـ‬
‫بمحافظات غزة‪ ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬كمية التربية‪ ،‬جامعة األزىر‪ ،‬غزة‪.2010 ،‬‬
‫‪ -9‬السيد‪ ،‬نجبلء دمحم‪ ،‬تنمية قيـ المكاطنة لطبلب التعميـ الثانكؼ العاـ في ضكء التحكالت السياسية المعاصرة لممجتمع‬
‫المصرؼ‪ ،‬جامعة بكر سعيد‪ ،‬مجمة كمية التربية‪ ،‬العدد السادس عشر ‪2014.‬‬
‫‪ -10‬إبراىيـ‪ ،‬ع بد الفتاح إبراىيـ‪ ،‬دكر مناىج التاريخ في المرحمة المتكسطة في تعزيز المكاطنة " ‪ .‬مؤتمر الكحدة ا‬
‫لكطنية ‪..‬ثكابت كقيـ ‪ ،‬جامعة اإلماـ دمحم بف سعكد اإلسبلمية‪2013. ،‬‬
‫‪ -11‬الشرقاكؼ‪ ،‬مكسى عمي‪ ،‬كعي طبلب الجامعة ببعض قيـ المكاطنة‪ ،‬مجمة دراسات في التعميـ الجامعي‪ ،‬العدد‪،9‬‬
‫مركز تطكير التعميـ الجامعي‪ ،‬جامعة عيف شمس‪.2005 ،‬‬
‫‪ -12‬الياجرؼ‪ ،‬فيصل عايض‪ ،‬درجة تمثل طمبة جامعة الككيت لقيـ المكاطنة كدكر الجامعة في تنميتيا‪ ،‬رسالة ماجستير‬
‫منشكرة جامعة عماف العربية لمد ا رسات العميا‪.2007 ،‬‬
‫‪ -13‬داككد‪ ،‬عبد العزيز احمد‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة دراسة ميدانية بجامعة كفر الشيخ‪،‬‬
‫المجمة الدكلية لؤلبحاث التربكية‪ ،‬جامعة اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬العدد‪2011. ،30‬‬
‫‪ -14‬ابكحشيش‪ ،‬بساـ‪ ،‬دكر كميات التربية في تنمية قيـ المكاطنة لدػ الطمبة المعمميف بمحافظات غزة‪ ،‬مجمة جامعة‬
‫االقصى‪ ،‬المجمد ‪ ،14‬العدد‪.2010 ،1‬‬
‫‪ -15‬القحطاني‪ ،‬عبد هلل‪ ،‬قيـ المكاطنة لدػ الشباب كاسياميا في تعزيز األمف الكقائي‪ ،‬رسالة دكتكراه غير منشكرة‪،‬‬
‫جامعة نايف العربية لمعمكـ األمنية‪ ،‬الرياض‪.2010 ،‬‬
‫‪ -16‬العكامرة‪ ،‬عبدالسبلـ‪ ،‬دمحم الزبكف‪ ،‬دكر الجامعات األردنية الرسمية في تعزيز تربية المكاطنة كعبلقتيا بتنمية‬
‫االستقبللية الذاتية لدػ طمبة آليات العمكـ التربكية مف كجية نظرىـ‪ ،‬مجمة جامعة النجاح لؤلبحاث‪ ،‬العدد ‪ ،1‬المجمد ‪،28‬‬
‫‪2014.‬‬
‫‪ -18‬عمر‪ ،‬حمدؼ احمد‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كتمثميا لدػ الطبلب في ظل تحديات العكلمة‪ ،‬مجمة جامعة‬
‫الشارقة لمعمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،1‬المجمد ‪.2017 ،14‬‬
‫‪ 19‬ػ رمضاف‪ ،‬شاه زاد‪ ،‬دكر الجامعات األىمية في أقميـ ككردستاف في تدعيـ قيـ المكاطنة لطمبتيا‪ ،‬مجمة قو الؼ زانست‬
‫العممية‪ ،‬الجامعة المبنانية الفرنسية‪ ،‬أربيل العراؽ‪ ،‬العدد ‪ ،5‬المجمد ‪2017. ،2‬‬
‫‪ -20‬الحربي‪ ،‬قاسـ بف عائل‪ ،‬تنمية المكاطنة لدػ طمبة الجامعات السعكدية‪ ،‬مجمة كمية التربية‪ ،‬جامعة األزىر‪ ،‬العدد‬
‫‪، 176‬الجزء األكؿ‪.2017 ،‬‬
‫‪ – 21‬طالة‪ ،‬المية‪ ،‬سبلـ‪ ،‬كيينة‪ ،‬التكنكلكجيات الحديثة لئلعبلـ كاالتصاؿ كتأثيرىا عمى قيـ المكاطنة‪ ،‬المركز الديمقراطي‬
‫العربي لمدراسات االستراتيجية كالسياسية كاالقتصادية‪ ،‬برليف‪.2019 ،‬‬
‫‪ – 22‬صفرار‪ ،‬عبد هلل بف بخيت‪ ،‬دكر شبكات التكاصل االجتماعي في ترسيخ قيـ المكاطنة مف كجية نظر الشباب‬
‫العماني‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشكرة‪ ،‬جامعة الشرؽ األكسط‪2017. ،‬‬ ‫الجامعي ُ‬
‫‪ -23‬ناصر‪ ،‬إبراىيـ‪ ،‬المكاطنة ‪ .‬دار مكتبة الرائد العممية لمنشر‪ ،‬عماف‪2003. ،‬‬

‫‪317‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -24‬بمعسمة‪ ،‬فتيحة‪ ،‬دكر المدرسة الجزائرية في تنشئة الفرد عمى قيـ المكاطنة‪ ،‬بحث منشكر في مجمة أماراباؾ األكاديمية‬
‫األمريكية العربية لمعمكـ كالتكنكلكجيا‪ ،‬العدد ‪ ،25‬مجمد ‪2017. ،8‬‬
‫‪25‬ػ سميـ‪ ،‬يكسف دمحم‪ ،‬المكاطنة في الفكر التربكؼ اإلسبلمي كدكر كميات التربية بغزة في تدعيميا مف كجية نظر طمبتيا‪،‬‬
‫رسالة ماجستير‪ ،‬كمية التربية‪ ،‬الجامعة اإلسبلمية بغزة‪.2009 ،‬‬
‫‪ -26‬احمد‪ ،‬منيغد‪ ،‬الشباب الجامعي الجزائرؼ بيف تحديات المكاطنة كىشاشة المنظكمة القيمية‪ ،‬المجمة الجزائرية‬
‫لدراسات السكسيكلكجية‪ ،‬العدد ‪ ،2018 ،6‬ص ص ‪156. -155‬‬
‫‪ -27‬عبدالمقصكد‪ ،‬حسنية‪ ،‬المسؤكلية االجتماعية دليل عمل‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.2002 ،‬‬
‫‪ – 28‬عمارة‪ ،‬سامي فتحي‪ ،‬دكر أستاذ الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة لمكاجية تحديات اليكية الثقافية‪ ،‬مجمة مستقبل‬
‫التربية العربية‪ ،‬العدد ‪ ،64‬المجمد ‪.2010 ،17‬‬
‫‪ – 29‬تركك‪ ،‬دمحم‪ ،‬قيـ المكاطنة الكاجب تكافرىا في مناىج كمية التربية مف كجية نظر أعضاء الييئة التدريسية‪ ،‬مجمة اتحاد‬
‫الجامعات العربية لمتربية كعمـ النفس‪ ،‬العدد‪ ،1‬مجمد ‪2016. ،14‬‬
‫‪ -30‬عمر‪ ،‬حمدؼ أحمد‪ ،‬دكر الجامعة في تنمية قيـ المكاطنة كتمثميا لدػ الطبلب في ظل تحديات العكلمة‪ ،‬مجمة جامعة‬
‫الشارقة لمعمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ،‬العدد‪ ،1‬المجمد‪.2017 ،14‬‬
‫‪ – 31‬عبدالعظيـ‪ ،‬أحمد عبدالعظيـ‪ ،‬التنشئة عمى المكاطنة‪ ،‬بحث مقدـ لجائزة الممؾ عبد العزيز لمبحكث العممية في‬
‫قضايا الطفكلة كالتنمية في الكطف العربي‪.‬‬
‫‪ -32‬زى اج‪ ،‬حكرية‪ ،‬دكر األستاذ في تنمية قيـ المكاطنة لدػ تبلميذ التعميـ المتكسط‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشكرة‪،‬‬
‫جامعة زياف عاشكر الجمفة‪2017. ،‬‬
‫‪ -33‬حديد‪ ،‬يكسف حديد‪ ،‬بكعمكشة‪ ،‬نعيـ‪ ،‬المكاطنة في الجزائر بيف داللة المفيكـ كتحديات الكاقع‪ ،‬المركز الديمقراطي‬
‫العربي لمدراسات االستراتيجية كالسياسية كاالقتصادية‪ .‬برليف _ألمانيا‪.2019 ،‬‬

‫‪318‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫نظرية العقد االجتماعي – مفيوميا وموقف الفكر اإلسالمي منيا‬


‫‪Social contract theory - Its concept and the position of Islamic‬‬
‫‪thought on it‬‬
‫أ‪ .‬ـ‪ .‬د‪ .‬عمر محمكد حسيف السامرائي‬
‫كمية اإلماـ األعظـ الجامعة – بغداد‪ ،‬العراؽ‬
‫‪Omar Mahmoud Hussein Al-Samarrai‬‬
‫البريد االلكتروني‪alsamrayyalshykhmr@gmail.com :‬‬
‫الممخص‬
‫كمف كااله ؛ كبعد ‪:‬‬
‫الحمد هلل كالصبلة كالسبلـ عمى سيدنا دمحم رسكؿ هلل كعمى آلو كصحبو َ‬
‫فيتمخص البحث في اآلتي‪:‬‬‫َّ‬
‫‪ .1‬العقد االجتماعي‪ :‬بمقتضاه يتنازؿ كل فرد في المجتمع عف بعض إطبلقات حقكقو كحرياتو لمجماعة‬
‫التي ينتمي إلييا‪ ،‬كالتي تجسدىا الدكلة‪ ،‬مقابل تنظيـ ىذه الدكلة لممارسة تمؾ الحقكؽ كالحريات بيف‬
‫جميع األفراد كحمايتيا ليا ‪.‬‬
‫‪ .2‬تظير أىميَّة المكضكع في ككنو يتناكؿ نظرية فكرية سياسية ِمف كبرػ النظريات التي ساعدت‬
‫الحضارة الغربية عمى النيكض ِمف رقدتيا إبَّاف القركف الكسطى – المظممة ‪ ،-‬إذ استطاع الغرب ِمف‬
‫التخمف‪ ،‬كغيرىا ِمف أنكاع االنحطاط التي كانت تحيط بو ِمف‬
‫التخمص ِمف الظمـ كالطغياف ك ُّ‬
‫َ‬
‫ُّ‬ ‫خبلليا‬
‫ِق َبل سمطة الكنيسة‪ ،‬كفي مناحي الحياة شتى‪.‬‬
‫تضمف المبحث األول ‪ :‬التعريف بمحددات‬ ‫َّ‬ ‫‪ .3‬اشتممت خطة المكضكع عمى‪ :‬مقدمة ‪ ،‬ومبحثين‪:‬‬
‫أما المبحث الثاني ‪ :‬ففي نشأة نظرية (العقد االجتماعي) وموقف الفكر اإلسالمي منيا ‪.‬‬
‫العنوان ‪َّ .‬‬
‫مت إلييا أثناء كتابة البحث‪،‬‬
‫تكص ُ‬ ‫‪ .4‬كضعنا في نياية البحث خاتمة ‪ :‬تشتمل عمى ّ‬
‫أىـ النتائج التي َّ‬
‫كمنيا‪:‬‬
‫ب‪ .‬تعتبر نظرية (العقد االجتماعي) أكؿ طريق إلى الديمقراطية في الغرب‪ ،‬فيي أكؿ مرحمة ِمف‬
‫مراحل العممانية ‪ ،‬كتسمى بػ(العممانية الجزئية) قبل الكصكؿ إلى العممانية الشاممة التي بدكرىا‬
‫مرت بثبلث مراحل كىي‪ :‬مرحمة التحديث‪ ،‬ثـ الحداثة‪ ،‬ثـ ما بعد الحداثة ‪.‬‬
‫أف الفرد البشرؼ ال يممؾ في االعتبار مف‬ ‫ث‪ .‬الكاقع يثبت خطأ ىذه النظرية ِمف نكاح َّ ِ‬
‫أىميا‪َّ :‬‬
‫عدة ّ‬
‫أما في ىذه‬
‫حدده الشرع لو‪ ،‬إذ الشارع األقدس مبدأ السمطات كالكاليات‪َّ ،‬‬ ‫األفعاؿ كاألعياف إالّ ما ّ‬
‫ٍ‬
‫نقص‬ ‫كمعمكـ عند العقبلء ما يحمل البشر ِمف‬
‫ٌ‬ ‫الميمة ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫النظرية فالفرد البشرؼ ىك َمف يحمل ىذه‬
‫المشرع الحكيـ ‪ ،‬ىذا باإلضافة إلى تصكرىا الخيالي لمعقد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ال يستطيعكف تجاكزه ‪ ،‬كأخذ دكر‬
‫ذلؾ العقد الذؼ ال يستطيع أصحاب النظرية إثباتو تاريخياً‪ ،‬فيك عقد كىمي لجأ الكتَّاب‬
‫‪319‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫ أك‬،‫إما ىركباً ِمف المكاجية الصريحة لمسمطات الحاكمة آنذاؾ‬


َّ ،‫السياسيكف األكائل إلى افتراضو‬
‫تخل ِمف بعض‬ َّ
ُ ‫ كلكف – الحق يقاؿ – عمى عبلتيا لـ‬، ‫ عمى اختبلؼ بيف أصحابيا‬- ‫تزلفاً ليا‬
ُّ
. ‫ذكرت في ىذا البحث‬
ْ ‫الفكائد التي‬
:‫الكممات المفتاحية‬
.‫ تقدـ األمـ‬، ‫ إبداع‬،‫ نظرية‬،‫العقد االجتماعي‬
Abstract
Praise be to God, and may blessings and peace be upon our master
Muhammad, the Messenger of God, his family and companions, and who is
his family. And after:
The research is summarized in the following:
1. The social contract: according to which every individual in society waives
some of the releases of his rights and freedoms to the group to which he
belongs, and which the state embodies, in exchange for organizing this state
to exercise those rights and freedoms among all individuals and protect
them.
2. The importance of the subject appears in the fact that it deals with a
political intellectual theory, one of the major theories that helped Western
civilization to rise from its recession during the Middle Ages - the dark -
because the West was able to get rid of injustice, tyranny and backwardness,
and other types of degradation that were surrounding it before The authority
of the Church, and in various walks of life.
3. The subject plan included: introduction and two topics: The first topic
included: definition of title determinants. The second topic: In the
emergence of the theory (the social contract) and the position of Islamic
thought on it.
4. We put a conclusion at the end of the research: it includes the most
important results that I reached while writing the research, including:
a. The theory (the social contract) is the first path to democracy in the West,
as it is the first stage of secularism, and it is called (partial secularism)
before reaching universal secularism which in turn went through three
stages: the stage of modernization, then modernity, then post-modernity.
B. In fact, this theory proves wrong in several ways, the most important of
which is that the human individual has no consideration in terms of actions
and objects except what is defined by the law for him, as the Holy Street is
the principle of powers and states, but in this theory the human individual is
the one who carries this task, and it is known to the wise that what carries
Human beings from a deficiency they cannot overcome, and take the role of
the wise legislator, in addition to its fanciful conception of the contract, a
320
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪contract that theorists cannot prove historically, it is a fictitious contract that‬‬


‫‪the early political writers resorted to assuming, either as an escape from the‬‬
‫‪open confrontation of the ruling authorities at that time, or the slander Her -‬‬
‫‪the difference between their owners, but - truth be told - as is not without‬‬
‫‪some of the benefits mentioned in this research.‬‬
‫‪Praise be to God in the beginning and in the end, and may God bless our‬‬
‫‪master Muhammad and his family and companions.‬‬
‫‪key words: The Social Contract, A theory , creativity, advancement of‬‬
‫‪nations‬‬
‫المقدمة‬
‫األتماف األكمبلف عمى الرحمة الميداة لمعالميف‪ ،‬سيدنا‬ ‫ِ‬
‫رب العالميف‪ ،‬كالصبلة كالسبلـ‬
‫َّ‬ ‫الحمد هلل ّ‬
‫كمف كااله إلى يكـ الديف ؛ كبعد ‪:‬‬
‫دمحم‪ ،‬كعمى آلو كصحبو َ‬
‫لمتخمص ِمف العصكر الكسطى‬ ‫أىـ نظرية قاـ عمييا الفكر السياسي الغربي ُّ‬
‫فتعد (العقد االجتماعي) َّ‬
‫حيث نادػ بيا بعض الفبلسفة أمثاؿ ‪ :‬أفبلطكف‪،‬‬
‫(المظممة) ‪ ،‬كتعكد أصكليا إلى ما قبل القركف الكسطى ُ‬
‫ك ِمف بعده بككاناف كىكبز كجكف لكؾ ‪ ،‬كصكالً إلى (جاف جاؾ ركسك) الذؼ نضجت كآتت أ ُ‬
‫ُكَميا عمى‬
‫لمتخمص ِمف الحكـ‬
‫كحث عمى المضي ُقدماً عمى كفقيا ؛ ُّ‬
‫ُ‬ ‫أتميا في كتابو (في العقد االجتماعي) َّ‬
‫يديو‪ ،‬فقد َّ‬
‫أف ال سمطة لمشعب سكػ الخضكع كاالذعاف آلراء أرباب‬ ‫(الحق اإلليي) ‪ ،‬ك ْ‬
‫ّ‬ ‫الكنسي القائـ عمى أساس‬
‫الكنائس التي ىي بالضركرة – حسب معتقدىـ – نابعة ِمف تعاليـ الرب ‪ ،‬فالعقد االجتماعي بمقتضاه‬
‫يتنازؿ كل فرد في المجتمع عف بعض إطبلقات حقكقو كحرياتو لمجماعة التي ينتمي إلييا‪ ،‬كالتي تجسدىا‬
‫الدكلة‪ ،‬مقابل تنظيـ ىذه الدكلة لممارسة تمؾ الحقكؽ كالحريات بيف جميع األفراد كحمايتيا ليا‪ ،‬كىكذا‬
‫تحكلت ىذه الحقكؽ كالحريات الطبيعية إلى حقكؽ مدنية ال يسمح بالخركج عمييا؛ حيث تحمييا سمطة‬
‫ض ِّـ َّ‬
‫البد ‪ -‬لنا‬ ‫ِ‬
‫المجتمع (الدكلة)‪ ،‬كىك األساس الذؼ قامت عميو الدكلة الحديثة في الغرب ‪ ،‬كفي ىذا الخ َ‬
‫األىميَّة أال كىي‪ :‬ما مكقف الفكر اإلسبلمي ِمف ىذه النظرية‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫‪ِ -‬مف الكقكؼ عمى نقطة بالغة‬
‫أىمية الموضوع وسبب اختياره ‪:‬‬
‫َّ‬
‫تظير أىميَّتو في ككنو يتناكؿ نظرية فكرية سياسية ِمف كبرػ النظريات التي ساعدت الحضارة‬
‫الغربية عمى النيكض ِمف رقدتيا إبَّاف القركف الكسطى – المظممة ‪ ،-‬فنظرية (العقد االجتماعي) تعتبر‬
‫التخمف ‪ ،‬كغيرىا ِمف‬
‫التخمص ِمف الظمـ كالطغياف ك ُّ‬
‫َ‬
‫ُّ‬ ‫ِمف أىـ النظريات التي استطاع الغرب ِمف خبلليا‬
‫أنكاع االنحطاط التي كانت تحيط بو ِمف ِق َبل سمطة الكنيسة‪ ،‬كفي مناحي الحياة شتى‪.‬‬
‫فإنو يتناكؿ – أيضاً – مكقف الفكر اإلسبلمي ِمف ىذه النظرية ‪ ،‬كىل ىي تتكافق‬‫ك ِمف جية أخرػ َّ‬
‫مع تعاليـ الديف اإلسبلمي كحضارتو أـ ال‬

‫‪321‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ِ‬
‫المتأنية؛ بغية التعرؼ عمى‬ ‫أما سبب اختيارؼ لو فيك َّ‬
‫أف مثل ىذه المكضكعات تحتاج إلى الكقفة‬ ‫َّ‬
‫ّ‬
‫ما َليا كما عمييا‪ ،‬كىل باإلمكاف نقميا إلى المجتمعات اإلسبلمية إلى غير ذلؾ ‪.‬‬
‫خطة الموضوع ‪:‬‬
‫اشتممت عمى‪ :‬مقدمة ‪ ،‬وفييا‪ :‬أىمية المكضكع ‪ ،‬كسبب اختياره ‪ ،‬كخطة المكضكع ‪.‬‬
‫ومبحثين ‪ ،‬كىما كاآلتي ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬التعريف بمحددات العنوان ‪ .‬وفيو مطمبان ‪:‬‬
‫المطمب األكؿ ‪ :‬مفيكـ نظرية (العقد االجتماعي) ‪.‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬تعريف الفكر اإلسبلمي لغة كاصطبلحاً ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬نشأة نظرية (العقد االجتماعي) وموقف الفكر اإلسالمي منيا ‪ .‬وفيو مطمبان‪:‬‬
‫المطمب األكؿ‪ :‬نشأة نظرية (العقد االجتماعي) كأبرز المؤسسيف ليا ‪.‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬مكقف الفكر اإلسبلمي منيا ‪.‬‬
‫تكصم ُت إلييا أثناء كتابة البحث ‪.‬‬
‫أىـ النتائج التي َّ‬
‫وخاتمة ‪ :‬كتشتمل عمى ّ‬
‫المبحث األكؿ‬
‫التعريف بمحددات العنكاف‬
‫كفيو مطمباف‪:‬‬
‫المطمب األكؿ‬
‫مفيكـ نظرية (العقد االجتماعي)‬
‫العقد لغ ًة ‪:‬‬
‫احٌد َيُد ُّؿ َعَمى َشٍّد‪َ ،‬كِشَّد ِة‬ ‫العْقد كيقابمو باإلنجميزية (‪ )Contract‬مصدر لمفعل (عَقد)‪ ،‬كىك أَصل ك ِ‬
‫ْ ٌ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫َع ِقُدهُ َعْقداً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كثُك ٍؽ‪ ،‬كاَِلي ِو تَرِجع َفركع اْلب ِ ُّ ِ ِ‬
‫كد‪َ .‬ك َعَق ْد ُت اْل َح ْب َل أ ْ‬ ‫اب ُكم َيا‪ .‬م ْف َذل َؾ َعْقُد اْلِب َناء‪َ ،‬كاْل َج ْم ُع أ ْ‬
‫َعَق ٌاد َك ُعُق ٌ‬ ‫َ ْ ْ ُ َْ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اؿ هللُ ‪ : ‬يا أيُّها انذيه آمنىا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كد؛ َق َ‬ ‫َكَقد ْان َعَق َد‪َ ،‬كِتْم َؾ ى َي اْل ُعْق َدةُ ‪َ ،‬ك َعاَق ْدتُ ُو م ْث ُل َع َ‬
‫اى ْدتُ ُو‪َ ،‬ك ُى َك اْل َعْقُد َكاْل َج ْم ُع ُعُق ٌ‬
‫يف‪َ ،‬ك ِم ْن ُو َق ْكُل ُو ‪ : ‬ونكه يؤاخذكم مبا عقدجُّم األميان‪‬‬ ‫أوفىا بانعقىد‪[ ‬المائدة‪ ، ]1 :‬كاْل َعْقُد‪َ :‬عْقُد اْل َي ِم ِ‬
‫َ‬
‫ام ُو(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كب ُو َكاِ ْب َر ُ‬
‫اح ‪َ ،‬كُك ّل َش ْيء ‪ُ :‬ك ُج ُ‬
‫الن َك ِ‬
‫[المائدة‪َ ، ]89 :‬ك ُعْق َدةُ ّ‬
‫العقد اصطالحاً‪:‬‬
‫العقد في االصطبلح الشرعي يطمق عمى معنييف‪:‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬العيف‪ ،‬الفراىيدؼ‪ ، 140 /1 ،‬مادة (عقد) ؛ كمعجـ مقاييس المغة‪ ،‬أحمد ابف فارس‪ ، 88 /4 ،‬مادة (عقد) ‪.‬‬
‫‪322‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أف يفعمو ىك‪ ،‬أك يعقد عمى غيره فعمو‬‫األول‪ :‬المعنى العام‪ :‬كىك كل ما يعقده (يعزمو) الشخص ْ‬
‫كل كاحد ِمف‬ ‫ام ِو إياه ‪ ،‬كعمى ذلؾ فيسمى البيع كالنكاح كسائر عقكد المعاكضات عقكداً؛ َّ‬
‫ألف َّ‬ ‫عمى ِ‬
‫كجو إلز ِ‬
‫ِ‬
‫كسمي اليميف عمى المستقبل عقداً؛ َّ‬
‫ألف الحالف ألزـ نفسو عمى الكفاء‬ ‫طرفي العقد ألزـ نفسو الكفاء بو ‪ّ ،‬‬
‫أف يعمل في خدمة شخص‬ ‫عقد يمتزـ بمكجبو شخص ْ‬ ‫بما حمف عميو ِمف الفعل أك الترؾ ‪ .‬كعقد العمل‪ٌ :‬‬
‫ألف معطييا قد ألزـ نفسو الكفاء بيا‪ ،‬ككذا كل ٍ‬
‫شرط‬ ‫آخر لقاء أجر(‪ . )1‬ككذلؾ العقد ‪ :‬العيد كاألماف؛ َّ‬
‫لئلنساف عمى نفسو في شيء يفعمو في المستقبل فيك عقد ‪ ،‬ككذلؾ النذكر كما جرػ مجرػ ذلؾ‪ ،‬ك ِمف ىذا‬
‫اإلطبلؽ العاـ قكؿ اآللكسي في تفسير قكلو تعالى‪ :‬أوفىا بانعقىد‪[ ‬المائدة‪ ، ]1 :‬حيث قاؿ‪(( :‬المراد بيا ما‬
‫كعقد عمييـ ِمف التكاليف كاألحكاـ الدينية ‪ ،‬كما يعقدكنو فيما‬
‫عباده َ‬
‫جميع ما ألزمو هلل – تعالى ‪َ -‬‬
‫َ‬ ‫يعـ‬
‫ُّ‬
‫بينيـ ِمف عقكد األمانات ‪ ،‬كالمعامبلت‪ ،‬كنحكىما َّ‬
‫مما يجب الكفاء بو))(‪. )2‬‬
‫والمعنى اآلخر‪ :‬المعنى الخاص‪ :‬كبيذا المعنى يطمق العقد عمى ما ينشأ عف إرادتيف؛ لظيكر أثره الشرعي‬
‫في المحل‪ ،‬قاؿ الجرجاني‪(( :‬العقد‪ :‬ربط أجزاء التصرؼ باإليجاب كالقبكؿ))(‪ ،)3‬كالعقد‪ :‬الربط بيف‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫كبلميف‪ ،‬أك ما يقكـ مقاميما عمى كجو ينشأ عنو أثره الشرعي‬
‫لعل األقرب إلى دراستنا ىك تعريف العقد بالمعنى العاـ َّ‬
‫بأنو ‪ :‬اتفاؽ بيف طرفيف يمتزـ فيو كل‬ ‫ك َّ‬
‫البد فيو ِمف إيجاب كقبكؿ‪ ،‬كعقد البيع‪ ،‬كالزكاج‪ ،‬كغير ذلؾ(‪. )5‬‬
‫تـ االتفاؽ عميو‪ ،‬ك َّ‬
‫منيما تنفي َذ ما َّ‬
‫مفيوم مصطمح (الع ْقد االجتماعي) ‪:‬‬
‫مصطمح (العقد االجتماعي) الذؼ يقابمو باإلنجميزية (‪ : )social contract‬يعتبر ِمف أبرز‬
‫النظريات التي تبمكرت كفقيا العممانية الغربية الحديثة كالتي جاءت بعد مخاض عسير شيده المجتمع‬
‫ِ‬
‫الغربي السيما في القركف الكسطى (المظممة) ؛ ك ّ‬
‫ألىميَّة ىذه النظرية بيف أكساط المفكريف كالسياسييف فقد‬
‫عرفيا كفق فيمو كتعبيره ‪ ،‬ك ِمف ىذه التعريفات ‪:‬‬ ‫شيدت تعر ٍ‬
‫يفات َّ‬
‫عدة ‪ ،‬إذ كل َّ‬

‫(‪ )1‬المعجـ الكسيط‪ ،‬إبراىيـ مصطفى‪ ،‬كآخركف ‪. 614 /2 ،‬‬


‫(‪ )2‬ركح المعاني‪ ،‬أبك الثناء اآللكسي ‪. 223 /3 ،‬‬
‫(‪ )3‬التعريفات‪ ،‬الجرجاني‪ ،‬ص ‪ ، 153‬كينظر‪ :‬دستكر العمماء (جامع العمكـ في اصطبلحات الفنكف)‪ ،‬القاضي األحمد‬
‫نكرؼ‪. 238 /2 ،‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬معجـ المصطمحات كاأللفاظ الفقيية‪ ،‬د‪ .‬محمكد عبد الرحمف‪. 519 – 518 /2 ،‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬معجـ لغة الفقياء‪ ،‬دمحم ركاس قمعجي‪ ،‬كصادؽ حامد قنيبي‪ ،‬ص ‪ ، 317‬كالقامكس الفقيي‪ ،‬د‪ .‬سعدؼ أبك‬
‫حبيب ‪ ،‬ص ‪. 255‬‬
‫‪323‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫االجتماعية‪ ،‬كبمقتضاىا‬
‫ّ‬ ‫األساسية في الحياة‬
‫ّ‬ ‫عرفيا األستاذ أحمد مختار َّ‬
‫بأنيا ‪(( :‬جممة االتفاقات‬ ‫َّ‬
‫نفسو كقكاه تحت إرادة المجتمع))(‪. )1‬‬
‫اإلنساف َ‬
‫ُ‬ ‫يضع‬
‫تدؿ عمى جميع ما تحممو في طياتيا ؛‬
‫ىذا التعريف لنظرية (العقد االجتماعي) يعطي صكرة قد ال ُّ‬
‫أف ىذه النظرية ىي أصل متيف ترجع إليو البلدينية التي نشأت في أحضاف المجتمع‬ ‫إذ ِمف المعمكـ َّ‬
‫تعبر عف انتقاؿ مبدأ السيادة ِمف السماء ‪ :‬الحكـ بػ(الحق اإلليي)(‪ ،)2‬إلى األرض‪ :‬الحكـ‬
‫الغربي كالتي ِّ‬
‫عمى أساس (العقد االجتماعي) ‪.‬‬
‫كعرفيا بعض الباحثيف ‪ :‬بأنَّيا ((اتفاؽ يكتبو حكماء المجتمع أك عقبلئو أك بعض النخب المختمفة‬
‫َّ‬
‫أف‬
‫إما ْ‬
‫بيدؼ بناء مجتمع متكامل أساسو العدؿ كالمساكاة ‪ .‬كىذا االتفاؽ ىك في الحقيقة عقد اجتماعي‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫أف يككف عقداً حككمياً؛ أؼ‪ :‬االتفاؽ ُ‬
‫الم َبرـ بيف‬ ‫يككف عقداً سياسياً اجتماعياً ؛ ّ‬
‫يكضح نشأة المجتمع‪ ،‬كا َّما ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عميو العبلقة بيف طرفي‬ ‫أف تككف‬‫الحكاـ كالمحككميف‪ ،‬أك يعتبره البعض َّأن ُو أساس صال ٌح ل َما َي ِجب ْ‬‫ُ‬
‫إف النظريات االتفاقية أك ما تسمى‬‫كعمق عمى ىذا التعريف قائبلً ‪َّ (( :‬‬ ‫السمطة ِمف حكاـ كمحككميف)) ‪َّ ،‬‬
‫)‬‫‪3‬‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫العقدية أك ما تسمى بنظريات العقد االجتماعي أك النظريات الديمقراطية؛ تقكـ عمى أساس أف السمطة‬
‫ِ‬
‫الحاكـ ال تككف مشركعو إال إذا استندت إلى رضا‬ ‫مصدرىا الشعب‪ .‬كىى عمى كجو العمكـ ترػ أف ُسمطة‬
‫ً‬
‫(‪)4‬‬
‫الشعب)) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬معجـ المغة العربية المعاصرة ‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬أحمد مختار‪. 1527 /2 ،‬‬
‫(‪ )2‬حق الممكؾ اإلليي‪ :‬ىك مفيكـ ديني سياسي يستمد ِمف خبللو الممكؾ الذيف يحكمكف بسمطة مطمقة شرعيَّتَيـ ِمف الديف‬
‫أف أصل السمطة‬ ‫أؼ نكع ِمف العصياف كالخركج عمييـ ذنباً بحق هلل ‪ ، ‬كبخبلصة ىك مفيكـ يعني‪َّ :‬‬
‫‪ ،‬كيعتبركف َّ‬
‫يستمد شرعيَّتَو ِمف هلل ‪ ‬مباشرة ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫في أكركبا ككاف قائماً عمى َّ‬
‫أف الممؾ‬ ‫كيقرىا الديف‪ ،‬كقد اشتير ىذا المفيكـ‬
‫ديني‪ُّ ،‬‬
‫اإلليي ِمف السماء‪ ،‬كما ال يحق لممحككميف محاكمة الممؾ كمقاضاتو فيذا‬
‫أف تنازعو في حِّقو‬ ‫كال يحق ِّ‬
‫ألؼ قكة أرضية ْ‬
‫ِمف شؤكف هلل ‪ ‬حسب المفيكـ‪ .‬كقد َّ‬
‫تـ التخّمِي عف المفيكـ عقب الثكرة في بريطانيا (‪1689 – 1688‬ـ)‪،‬‬
‫تـ التخمي عنو تماماً في أكركبا كاألمريكيتيف‬
‫أف َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫كنجاح الثكرة الفرنسية كاألمريكية قمل مف جاذبية ىذا المفيكـ إلى ْ‬
‫في القرف العشريف ‪ .‬ينظر‪ :‬القامكس السياسي‪ ،‬أحمد عطية هلل ‪ ،‬ص ‪ 470 ، 318‬؛ ككيكيبيديا ‪ ،‬مكقع الكتركني‪،‬‬
‫عنكاف الرابط‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/( :‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬دمحم فرج ‪ ،‬مقالة في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات‪ ،‬عنكاف‬ ‫‪3‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظريات العقد االجتماعي التي ّ‬
‫الرابط‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com) :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬المصدر نفسو ‪.‬‬
‫‪324‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مؤسس عمى االفتراض َّ‬


‫أف‬ ‫كلعل أقرب تعريف إلى مفيكميا ىك تعريفيا َّ‬
‫بأنيا ‪(( :‬تجريد عقبلني َّ‬ ‫َّ‬
‫أف المجتمع عبارة عف تعاقد بيف مثل ىذه الذكات ‪ ،‬ك َّ‬
‫أف شرعي َة الدكلة‬ ‫حرة ‪ ،‬ك َّ‬
‫مزكدة بأداة َّ‬
‫الفرد ىك ذات َّ‬
‫قائم ٌة عمى ىذا التعاقد ‪ ،‬كليس عمى اإلرادة السماكية))(‪. )1‬‬
‫قامت عميو ىذه النظرية ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بيذا التعريف يمكف االقتراب مف المدلكؿ الحقيقي الذؼ ْ‬
‫المطمب الثاني‬
‫تعريف الفكر اإلسالمي لغ ًة واصطالحاً‬
‫الفكر لغةً‪:‬‬
‫متفكر ‪ ،‬ك ُّ‬
‫التفكر معناه ‪ :‬التأمل(‪ ،)2‬كالفكر يحتمل معنييف ‪:‬‬ ‫اسـ ل ُّ‬
‫ٌ‬
‫األكؿ‪ :‬قد يراد بو المعنى المصدرؼ كىك حركة العقل ‪ ،‬أؼ‪ :‬التفكير ‪.‬‬
‫كاآلخر‪ :‬قد ُيراد بو المعنى الحاصل بالمصدر ‪ ،‬كىك القضايا الناتجة عف ىذه الحركة كغيرىا ‪ ،‬كبيذا‬
‫المعنى يككف الفكر نتاجاً ُّ‬
‫لمتفكر(‪. )3‬‬
‫الفكر اصطالحاً ‪:‬‬
‫يعتبر الفكر طريقاً إلى العمـ ؛ إذ العمـ ‪ :‬ىك إدراؾ األشياء عمى ما ىي عميو في الكاقع بدليل(‪.)4‬‬
‫أما الفكر ‪ :‬فيك ترتيب أمكر معمكمة لمتأدؼ إلى مجيكؿ‪ ،‬كترتيب الصغرػ كالكبرػ ليتكصل بو إلى‬ ‫ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫تأمل في‬
‫ّ‬ ‫أك‬ ‫نظر‬ ‫إلى‬ ‫يحتاج‬ ‫ال‬
‫ك‬ ‫‪،‬‬ ‫القطع‬‫ك‬ ‫اليقيف‬ ‫يفيد‬ ‫فالعمـ‬ ‫‪،‬‬ ‫معرفة النتيجة التي كانت مجيكلة‬
‫كىبو هلل ‪‬‬
‫ُ‬ ‫أما الفكر فيك قضايا مجيكلة في األصل استخرجيا اإلنساف بكاسطة العقل الذؼ‬ ‫الغالب ‪ّ ،‬‬
‫لو‪.‬‬
‫تعريف مصطمح الفكر اإلسالمي‪:‬‬
‫لقي مصطمح (الفكر اإلسبلمي) جدالً كاسعاً بيف الباحثيف حكؿ مفيكمو ‪ ،‬كال يمكننا – في ٍ‬
‫بحث‬
‫ألف المكضكع سيحتاج إلى تطكيل ال داعي لو ‪ ،‬كعمى ىذا فسنقتصر عمى‬‫كيذا – الخكض في غماره ؛ َّ‬
‫بعض التعريفات لو ‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المجتمع المدني – دراسة نقدية ‪ ،‬عزمي بشارة ‪ ،‬ص ‪. 245‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬لساف العرب ‪ ،‬ابف منظكر ‪ ، 211 /11 ،‬مادة (فكر) ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬تأميف الفكر اإلسبلمي ‪ ،‬عطية صقر ‪( ،‬مكسكعة فتاكػ دار اإلفتاء المصرية ‪ -‬المجمس األعمى لمشؤكف‬
‫اإلسبلمية ‪ -‬كفتاكػ لجنة الفتكػ باألزىر ‪1997 -‬ـ _ رقـ المكضكع ‪. ) 83‬‬
‫‪4‬‬
‫مكرـ ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬
‫( ) الفكر اإلسبلمي بيف العقل كالكحي كأثره في مستقبل اإلسبلـ ‪ ،‬د‪ .‬عبد العاؿ سالـ ّ‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬التعريفات ‪ ،‬الجرجاني‪ ،‬ص ‪. 217‬‬
‫‪325‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫فو بعض المشايخ بأنو ‪(( :‬مجمكعة العمكـ كالمعارؼ القائمة عمى أُسس كمكازيف إسبلمية ‪ ،‬أك‬ ‫عر ُ‬‫َّ‬
‫ىك‪ :‬نتاج التفكير اإلسبلمي الممتزـ باألسس كالضكابط اإلسبلمية))(‪. )1‬‬
‫بقكلو ‪(( :‬مصطمح الفكر اإلسبلمي ِمف المصطمحات الحديثة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كعرفو الدكتكر محسف عبد الحميد‬ ‫ّ‬
‫كىك يعني كل ما أنتج فكر المسمميف منذ مبعث رسكؿ هلل ‪ ‬إلى اليكـ في المعارؼ الككنية العامة‬
‫يعبر عف اجتيادات العقل اإلنساني في تفسير‬ ‫المتصمة باهلل ‪ -‬سبحانو كتعالى ‪ -‬كالعالـ كاإلنساف‪ ،‬كالذؼ ِّ‬
‫عقيدة كشريع ًة كسمككاً))(‪. )2‬‬
‫ً‬ ‫تمؾ المعارؼ العامة في إطار المبادغ اإلسبلمية‬
‫المبحث الثاني‬
‫نشأة نظرية (العقد االجتماعي) وموقف الفكر اإلسالمي منيا‬
‫وفيو مطمبان‪:‬‬
‫المطمب األول‬
‫نشأة نظرية (العقد االجتماعي) وأبرز المؤسسين ليا‬
‫المفكريف في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعيدة ‪ ،‬كاستخدميا الكثير مف ُ‬ ‫ظيرت فكرة العقد كأساس لنشأة الدكلة ُمن ُذ فترة زمنية َ‬
‫لمحكاـ ‪.‬‬
‫المطمق ُ‬ ‫السمطاف ُ‬‫تأييد أك ُمحارَبة ُ‬
‫المجتمع السياسي؛ بيدؼ السير عمى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فعند اإلغريق ظيرت فكرة (العقد االجتماعي) كأساس لنشأة ُ‬
‫َّ‬ ‫ِِ‬
‫ص عمى الحقكؽ‬‫مصالح ِيـ ‪ ،‬كلممحافظة عمى حقكِق ِي ْـ الطبيعية‪ ،‬كال يتقيد األفراد بالقانكف إال إذا كاف َيُن ْ‬
‫الطبيعية ِ‬
‫كيتف ْق معيا(‪. )3‬‬
‫أما عند المسمميف ؛ فقد نادت الحضارة اإلسبلمية بالعقد االجتماعي – عمى اختبلؼ بينيـ كبيف‬
‫َّ‬
‫الغرب في المضمكف ‪ ،-‬فابف خمدكف – مثبلً – يرػ‪ :‬أ َّف االجتماع اإلنساني ضركرؼ‪ ،‬كا َّف البشر ال‬
‫يمكف حياتيـ ككجكدىـ َّإال باجتماعيـ كتعاكنيـ عمى تحصيل قكتيـ كضركراتيـ‪ ،‬كاذا اجتمعكا ؛ دعت‬
‫الضركرة إلى المعاممة كاقتضاء الحاجات ‪ ،‬كا َّف الطبيعة البشرية قد فطرت عمى الظمـ كالعدكاف‪ ،‬فيحاكؿ‬
‫أف يعتدؼ عمى أخيو ‪ ،‬كأف ينتزع منو ما في يده ‪ ،‬فيقع التنازؿ المفضي إلى المقاتمة كاليرج كسفؾ‬
‫كل ْ‬
‫الدماء ؛ كليذا استحاؿ بقاء الجماعة فكضى دكف حاكـ يدفع بعضيـ عف بضع‪ ،‬كاحتاجكا ِمف أجل ذلؾ‬

‫(‪ )1‬فتاكػ الشبكة اإلسبلمية – المفتي ‪ :‬لجنة الفتكػ ‪ ،‬رقـ الفتكػ ‪ – 15514‬تاريخ الفتكػ ‪ 11( :‬صفر ‪1423‬ىػ) بإشراؼ‬
‫د‪ .‬عبد هلل الفقيو ‪. 3043 /3 ،‬‬
‫(‪ )2‬الفكر اإلسبلمي تقكيمو كتجديده ‪ ،‬د‪ .‬محسف عبد الحميد ‪ ،‬ص ‪. 7‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬العقد االجتماعي ‪ -‬األسس النظرية كأبرز المن ِّ‬
‫‪3‬‬
‫ظريف ‪ ،‬مكي عبد المجيد ‪ ،‬بحث في مجمة أىل البيت – عمييـ‬
‫السبلـ ‪ ،-‬العدد (‪. )1‬‬
‫‪326‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫إلى الكازع‪ ،‬كىك كاحد منيـ يككف لو عمييـ الغمبة كالسمطاف‪ ،‬كاليد القاىرة ؛ حتى ال يصل ٌ‬
‫أحد إلى غيره‬
‫بعدكاف‪ ،‬كىذا ىك معنى الممؾ(‪. )1‬‬
‫بشكل ك ِ‬
‫اضح َّإال مع بداية النيضة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظيكرىا في زمف قديـ ‪-‬؛ لـ تتبمكر‬ ‫َّإال َّأنيا ‪ -‬عمى الرغـ ِمف‬
‫أف معظـ أصحاب ِ‬
‫ىذه‬ ‫األكركبية ِعندما سادت العقبلنية كحل لمسمطة السياسية ؛ إذ عمى الرغـ ِمف َّ‬
‫أف اتفاقاً قد كقع بيف األفراد لمخركج ِمف الحياة الفطرية إلى‬ ‫النظرية انطمقكا ِمف ِفكرة مفترضة ك ِ‬
‫احدة ‪ ،‬كىي َّ‬ ‫ُ‬
‫المجتمع السياسي؛ أؼ‪ :‬الدكلة‪ ،‬فتبمكرت كتـ صياغتُيا‪،‬‬
‫الحياة المنظمة ؛ كىذا كاف األساس في نشأة ُ‬
‫شكل كاض ٍح عمى يد الفبلسفة ‪ :‬تكماس ىكبز ‪ ،‬كجكف لكؾ‪ ،‬كجكف جاؾ ركسك‪ ،‬كىذا‬ ‫كابرُاز مضمكِنيا ب ٍ‬
‫األخير ىك الذؼ أفردىا بالتأليف ‪.‬‬
‫أف (العقد االجتماعي) يقكـ عمى ِفكرتيف أساسيتيف‪:‬‬
‫لقد اتفق ىؤالء الثبلثة عمى َّ‬
‫األولى‪ :‬تعني َّ‬
‫أف ىناؾ حالة فطرَّية بدائية عاشيا األفراد منذ فجر التاريخ ‪.‬‬
‫ىذه الحياة األكلى لتحقيق مصالحيـ؛ كليذا فقد اتفقكا فيما‬ ‫واألخرى‪ :‬تظير في شعكر األفراد بعدـ كفاية ِ‬
‫ظـ ليـ‬ ‫بمقتضى (عقد اجتماعي) ُين ِّ‬ ‫ِ‬
‫أف يتعاقدكا عمى الخركج مف ىذه الحياة الفطرية البدائية ُ‬ ‫يبنيـ عمى ْ‬
‫ُ‬
‫حياة مستقرة ؛ أؼ‪ :‬تعاقدكا عمى إنشاء دكلة ؛ كبذلِؾ انتقمكا ِمف الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ‪َّ ،‬إال َّ‬
‫أف‬
‫ِ‬
‫المشاركة في العقد ‪،‬‬ ‫يعيشيا األفراد قبل العقد ‪ ،‬كاألطراؼ‬
‫تصكُرهُ الخاص لمحياة التي كاف ُ‬ ‫ُّ‬ ‫لو‬
‫كل فقيو ُ‬
‫َّ‬
‫كمضمكف ىذا العقد ‪ ،‬كاآلثار المترِتّبة عنو (‪. )2‬‬
‫نفصل بعض الشيء عف مفيكـ نظرية (العقد االجتماعي) عند (جكرج بككاناف)‬ ‫ِ‬
‫كاتماماً لمفائدة ّ‬
‫ك(ىكبز) ك(جكف لكؾ) ك(جاف جاؾ ركسك) ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬العقد االجتماعي عند جورج بوكانان(‪:)3‬‬
‫أكد جكرج بككاناف في رسالتو (الحكـ الشرعي في إسكتمندا) نظرية العصكر الكسطى القائمة َّ‬
‫بأف‬
‫كل مجتمع يرتكز عمى عقد اجتماع‬ ‫المصدر الكحيد لمسمطة السياسية ‪ -‬بعد هلل ‪ - ‬ىك الشعب ‪ ،‬ك َّ‬
‫أف َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تاريخ ابف خمدكف‪ 54 /1 ،‬؛ كمقدمة ابف خمدكف‪ ،‬ص ‪. 187‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬دمحم فرج ‪ ،‬مقاؿ في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات‪ ،‬عنكاف‬ ‫‪2‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظريات العقد االجتماعي التي ّ‬
‫الرابط‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com) :‬‬
‫(‪ )3‬جكرج بككاناف‪ ،‬كلد عاـ (‪1506‬ـ)‪ ،‬كدرس في باريس‪ ،‬كخدـ العمـ في فرنسا كاسكتمندا ‪ ،‬كفي ىذه الثانية أكدعو السجف‬
‫الكارديناؿ بيتكف‪ ،‬فيرب إلى بكردك‪ ،‬كقاـ ىناؾ بتدريس البلتينية ‪ ،‬كرأس إحدػ الكميات في ككامبرا‪ ،‬كسجنتو محكمة‬
‫التفتيش اإلسبانية لسخريتو ِمف األخكة (في فرقة دينية)‪ ،‬كعاد إلى فرنسا‪ ،‬ثـ اسكتمندا حيث تكلى تعميـ مارؼ ممكة‬
‫رئيساً لمجمعية العامة (‪1567‬ـ)‪ ،‬كأداف مارؼ ببل ىكادة كال رحمة في كتابو (كشف‬ ‫اسكتمندا عاـ (‪1562‬ـ)‪ِّ ،‬‬
‫كعيف‬
‫قصة الحضارة ‪ِ ،‬كؿ كايرؿ ديكرانت‪. 202 /28 ،‬‬ ‫النقاب عف حكـ مارؼ) ‪ .‬ينظر‪:‬‬
‫‪327‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أف تحكـ‬ ‫أف إلرادة األغمبية ٍ‬


‫بحق ْ‬ ‫ضمني؛ يقكـ عمى التزامات كقيكد متبادلة بيف المحككميف كالحكاـ‪ ،‬ك َّ‬
‫يقرىا ممثمك الشعب‪ ،‬ك َّأنو يمكف ٍ‬
‫بحق – أيضاً ‪ -‬مقاكمة‬ ‫أف يخضع لمقكانيف التي ُّ‬‫أف الممؾ يجب ْ‬ ‫الكل‪ ،‬ك َّ‬
‫الطاغية ‪ ،‬أك عزلو ‪ ،‬أك قتمو ‪ .‬كقد شجب البرلماف االسكتمندؼ كتاب بككاناف‪ ،‬كأحرقتو جامعة أكسفكرد ‪،‬‬
‫بأف بككاناف ىك العبقرؼ الكحيد الذؼ أنجبتو إسكتمندا (‪. )1‬‬
‫كلكف كاف لو أثر شديد ‪ ،‬حتى قاؿ بعضيـ‪َّ :‬‬
‫ثانياً ‪ :‬العقد االجتماعي عند توماس ىوبز(‪:)2‬‬
‫أف ىناؾ‪ ،‬أك كاف ىناؾ إطبلقاً‪( ،‬قانكف‬ ‫َن َب َذ ىكبز نظرية فقياء الركماف كفبلسفة المسيحية في َّ‬
‫طبيعي) بمعنى‪ :‬قكانيف الصكاب كالخطأ‪ ،‬مؤسسة عمى طبيعة اإلنساف بكصفو (حيكاناً عاقبلً)‪ .‬كسمَّ َـ َّ‬
‫بأف‬
‫الحياة البدائية – أؼ‪ :‬الحياة قبل التنظيـ االجتماعي ‪ -‬كانت ببل قانكف‪ ،‬عنيفة مخيفة‪ ،‬قذرة كريية ‪،‬‬
‫أف حياة اإلنساف تنطمق ِمف منطمق أساس ىك التنافس الذػ يدفع اإلنساف إلى‬ ‫كحشية فقيرة ‪ ،‬فيك يرػ َّ‬
‫تحصيل أكبر قدر ِمف المذة كالسعادة لمحفاظ عمى حياتو ‪ ،‬فغريزة الحفاظ عمى الحياة ىي التي تجعل‬
‫أف تؤدؼ إلى ىذا اليدؼ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنساف يكافح ِمف أجل تحقيقيا حتى المكت متبعاً في ذلؾ َّ‬
‫كل كسيمة يمكف ْ‬
‫سكاء كانت ىذه الكسيمة ُخُمقية أك غير ُخُمقية ‪ ،‬فيذه ىي حالة الطبيعة األكلى عند ىكبز(‪ ،)3‬كتمؾ الحالة‬
‫تؤدؼ حتماً إلى حالة حرب الجميع ضد الجميع ماداـ كل إنساف عدك كل إنساف آخر‪ ،‬ال يبغي َّإال‬
‫مصمحتو الخاصة ‪ ،‬كمنفعتو الشخصية كحسب ‪ ،‬كلقد امتازت حياة اإلنساف في تمؾ الحالة الطبيعية َّ‬
‫بأنيا‬
‫أف األفراد يقتربكف في قكتيـ؛‬
‫كانت منعزلة كفقيرة ككحشية‪ ،‬فأصبح اإلنساف ذئباً ألخيو اإلنساف ‪ ،‬كبما َّ‬
‫أف يضع حداً ليذا الصراع ؛ كلذلؾ فسكؼ يظمُّكف في حالة خكؼ كترُّقب ؛ حرصاً‬ ‫فمف يستطيع أحدىـ ْ‬
‫عمى حقكقيـ الطبيعية ‪ ،‬كفى ىذه الحالة يمتنع التعاكف ‪ ،‬كال يمكف قياـ أيَّة صناعة ‪ ،‬أك تجارة ‪ ،‬أك عمـ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ألف الخكؼ الدائـ كعدـ الثقة كخطر المكت يعكؽ قياـ أ ِّؼ مجتمع أك حضارة‬
‫أك فف؛ َّ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬قصة الحضارة ‪ِ ،‬كؿ كايرؿ ديكرانت‪. 203 – 202 /28 ،‬‬
‫(‪ )2‬تكماس ىكبز ‪ ،‬فيمسكؼ إنجميزؼ‪ ،‬كلد عاـ (‪1588‬ـ)‪ ،‬التحق بكمية مجدلف في أكسفكرد‪ ،‬كلـ يجد في الفمسفة التي‬
‫كتعرؼ بطريق مباشر عمى اآلداب اإلغريقية‬ ‫تدرس ىناؾ َّإال قميبلً َّ‬
‫مما يركقو ‪ ،‬فتسمى بقراءات خارج المنيج المقرر‪َّ ،‬‬
‫كالبلتينية‪ .‬كفي (‪1610‬ـ) طاؼ بأرجاء القارة ‪ ،‬كعند عكدتو اشتغل لبعض الكقت سكرتي اًر لفرنسيس بيككف‪ ،‬كبرز أقكػ‬
‫تأثير لفمسفة ىكبز في ماديتو ‪ .‬كسرت أفكار ىكبز ِمف الجماعات المفكرة إلى طبقات المينييف كرجاؿ األعماؿ‪ ،‬ك ِمف‬
‫مؤلفاتو ‪( :‬لفياثاف) أك (شكل المادة) ‪ ،‬ك(سمطة الككمنكلث الكنسية كالمدنية) ‪( ،‬ت‪1679 :‬ـ) ‪ .‬ينظر‪ :‬قصة الحضارة‪،‬‬
‫ِكؿ كايرؿ ديكرانت ‪ – 3 /34 ،‬كما بعدىا ؛ كالمكسكعة العربية العالمية ‪ ،‬لمجمكعة ِمف الباحثيف ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬قصة الحضارة ‪ِ ،‬كؿ كايرؿ ديكرانت‪ – 13 /34 ،‬كما بعدىا ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬كل ما تريد معرفتو عف نظرية (العقد االجتماعي) ‪ ،‬د‪ .‬دمحم عجبلف ‪ ،‬مقاؿ في مكقع (‪https://maktaba-‬‬
‫?‪ . )amma.com/‬نقبلً مف‪ :‬السياسة بيف النظرية كالتطبيق‪ :‬األستاذ دمحم عمي دمحم ‪ ،‬كاألستاذ عمي عبد المعطي دمحم ‪،‬‬
‫ص ‪. 128‬‬
‫‪328‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كلما كاف كل إنساف حريصاً عمى تحقيق مصالحو ‪ ،‬تكلدت لدػ الجميع ضركرة التعاقد عمى‬
‫المصالح المشتركة ‪ ،‬كعدـ الصراع َّإال في الحدكد المعقكلة ‪ ،‬فمكال خكؼ الناس ِمف بعضيـ َل َما ظيرت‬
‫فكرة التعاقد كأحسف كسيمة لبث الطمأنينة بيف النفكس األنانية في تصرفاتيا ‪ ،‬كأصبح اإلنساف بمقتضى‬
‫التعاقد ُمْم َزماً بالكفاء ؛ مخافة َّأال يحترـ اآلخركف العقد الذؼ بينو كبينيـ ‪ ،‬فالخكؼ إذف ىك أساس التعاقد‪،‬‬
‫مرده خكؼ الناس بعضيـ ِمف بعض ‪ ،‬كالخكؼ المشترؾ – أيضاً ‪ -‬ىك أساس القياـ‬ ‫كالخضكع لمعقد ُّ‬
‫بالكاجبات كااللتزامات ‪ ،‬كتأدية الحقكؽ المفركضة ‪ .‬فيجتمع عدد ِمف الناس كيتفقكف عمى اختيار حاكـ أك‬
‫ىيئة حاكمة ؛ تمارس سمطتيا ‪ ،‬كتنيي حالة الحرب الشاممة ‪ ،‬كبمقتضى ىذا العقد يتنازؿ الجميع عف‬
‫إرادتيـ إلرادة الحاكـ ‪ ،‬فيككف لو بمقتضى ىذا العقد السمطة المطمقة لعمل كل ما يراه صالحاً لرعاياه ‪.‬‬
‫إذف فالعقد االجتماعي عند ىكبز ىك اتفاؽ األفراد فيما بينيـ عمى التنازؿ عف حقكقيـ المطمقة لشخص‬
‫كل فرد شارؾ في إقامة العقد‪ ،‬كىك تنازؿ أبدؼ ال رجعة فيو ‪ ،‬كال يعتبر‬ ‫ِ‬
‫أف يتصرؼ باإلنابة عف ّ‬ ‫يستطيع ْ‬
‫أف‬
‫الحاكـ طرفاً في العقد ؛ ألنو بيف رعايا كرعايا‪ ،‬كليس بيف حاكـ كرعايا ‪ ،‬كتبعاً لذلؾ ال يستطيع الحاكـ ْ‬
‫أف البعض قد يحاكؿ الفكاؾ ِمف ىذا العقد‬ ‫ألنو لـ يشارؾ في إقامتو ‪َّ ،‬إال َّ‬
‫يرتكب أ َّؼ خر ٍؽ لمعقد ؛ َّ‬
‫كيحد ِمف حريتيـ التي كانكا‬
‫ُّ‬ ‫العتقادىـ َّأنيـ اضطركا إلى دخكلو اضط ار اًر ‪ ،‬ك َّأنو يناقض طبيعتيـ ‪،‬‬
‫أف العقد البد لو ِمف قكة ؛ تمزـ الجميع‬
‫يتمتعكف بيا في حالة الطبيعة األكلى‪ .‬كفي ىذه الحالة يرػ ىكبز َّ‬
‫فإف العقد لف يككف سكػ كممات جكفاء بدكف معنى‬ ‫باحتراـ كتنفيذ بنكده ؛ َّ‬
‫ألنو إذا لـ تتكافر ىذه القكة ‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫يسمييا ىكبز العمبلؽ أك التنيف(‪. )1‬‬
‫كاقعي ‪ ،‬كالشخص الذؼ تتكافر لو ىذه القكة ىك الدكلة التي ّ‬
‫ِ‬
‫مؤلفو (التنيف) كالذؼ يعتبره الباحثكف ب َّأن ُو قد قدـ حبلً لِبناء ِنظاـ‬ ‫لقد جاءت أفكار ىكبز في‬
‫جتمع المدني كالدكلة الحديثة‪َّ ،‬إال أنَّ ُو كاف‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬
‫اجتماعي يتحكؿ باألفراد مف الحالة الطبيعية البلنظامية إلى ُ‬
‫حبلً ديكتاتكرياً(‪. )2‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬العقد االجتماعي عند جون لوك(‪:)3‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬المصدر نفسو ؛ كنحك فمسفة السياسة ‪ -‬النظـ كالنظريات كالمذاىب السياسية أصكليا كتطكرىا التاريخي‪ ،‬األستاذ‬
‫عبد الفتاح غنيمة ‪ ،‬ص ‪. 183‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬مقالة في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات ‪ ،‬دمحم فرج ‪ ،‬عنكاف‬ ‫‪2‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظرية العقد االجتماعي التي ّ‬
‫الرابط‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com) :‬‬
‫(‪ )3‬جكف لكؾ ‪ ،‬فيمسكؼ إنجميزؼ‪ ،‬كلد سنة (‪1632‬ـ)‪ ،‬أثَّرت كتاباتو في عمـ السياسة كالفمسفة‪ ،‬كيعد أحد كبار ممثمي‬
‫النزعة التجريبية اإلنجميزية‪ ،‬جاء بعد ىكبز كبيككف‪ ،‬ككاف أعمق منيما في تكضيح المذىب الحسي كالدفاع عنو؛‬
‫عيمو في العصر الحديث ‪ ،‬درس الطب‪ ،‬كنشر رسالة صغيرة في التشريح (‪1668‬ـ)‪ ،‬كانتُخب‬ ‫أف ُي ْد َعى ز َ‬
‫فاستحق ْ‬
‫َّ‬
‫كصنف فييا كتباً‪ ،‬منيا‪:‬‬ ‫عصره ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عضكاً بالجمعية الممكية ‪ ،‬كساىـ في جميع الحركات الفكرية التي كاف يضطرب بيا‬
‫‪329‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أ َّكد جكف لكؾ عمى ضركرة الفصل بيف الكنيسة كالدكلة ؛ أل َّف ىدؼ الدكلة الحياة األرضية‪ ،‬كىدؼ‬
‫الكنيسة الحياة السماكية ‪ ،‬كنحف إذ نكلد ف ِممؾ الكطف ال ِممؾ الكنيسة ‪ ،‬كال ندخل فييا َّإال طكعاً ‪َّ ،‬‬
‫كلما‬
‫أف تراعي العقيدة الدينية في التشريع‪،‬‬
‫كاف المجتمع المدني غير قائـ عمى مصالح الكنيسة ؛ فميس لمدكلة ْ‬
‫أف يستمتع بجميع ما يعترؼ بو لمغير ِمف حقكؽ‪،‬‬ ‫كال محل لمقكؿ بدكلة مسيحية ؛ إذ مبدأ الدكلة َّ ٍ‬
‫لكل ْ‬
‫أف ّ‬
‫أف تجيز جميع أنكاع العبادة الخارجية‪ ،‬كتدع الكنيسة تحكـ نفسيا بنفسيا فيما يتعمق‬
‫فيجب عمى الدكلة ْ‬
‫بالعقيدة كالعبادة كفقاً لمقكانيف العامة‪ ،‬فتسكد الحرية جميع نكاحي المجتمع المدني‪ ،‬كما كينبغي العمل عمى‬
‫سيادة الحرية في إطار تأكيده عمى قياـ المجتمع المدني‪ ،‬كما َّأيد ِ‬
‫الممكية الخاصة باعتبارىا حق مكفكؿ‬
‫لمجميع‪ ،‬كىي حق طبيعي ؛ يقكـ أساساً عمى العمل كليس ُّ‬
‫التممؾ أك الحيازة فقط ‪ ،‬فيك عكس ىكبز الذؼ‬
‫بأف حالة الفطرة – أؼ‪ :‬الحالة الطبيعية ‪ -‬تحكميا األىكاء كالغرائز كاألنانية ‪ ،‬كيترتَّب عمى ىذا ْ‬
‫بأف‬ ‫يرػ َّ‬
‫أف يتنازؿ األفراد عف ك ِّل حقكِق ِيـ لمحاكـ الذؼ تككف لو السمطة‬ ‫أف يت َّـ عمى أساس ْ‬ ‫رأػ َّ‬
‫أف التعاُقد يجب ْ‬
‫يحك ُميا العقل؛ لذلؾ َّ‬
‫فإف األفراد ال‬ ‫بأف حياة األفراد في الحالة الطبيعية ُ‬ ‫أما جكف لكؾ فإنَّو يرػ َّ‬
‫المطمقة ‪َّ .‬‬
‫الم َبرـ مع الحاكـ عف ك ِّل حقكِق ِيـ الطبيعية َّإال بالقدر البلزـ لكفالة الصالح العاـ ‪.‬‬
‫يتنازلكف في العقد ُ‬
‫ِ‬
‫إخبللو بشركط العقد (‪. )1‬‬ ‫حق مقاكمة الحاكـ كفسخ العقد في حالة‬ ‫كأجاز جكف لكؾ لؤلفراد َّ‬
‫سكد فييا المساكاة ‪ ،‬كالخير‪،‬‬
‫أف الحياة البدائية كانت ت ُ‬‫كبناء عمى ىذا فنظرية جكف لكؾ ترػ‪ :‬ب َّ‬ ‫ً‬
‫أف أفراد الجماعة أبرمكا العقد لممحافظة عمى استم اررية ىذا الكضع الذؼ كانكا ينعمكف بو‪ ،‬ك َّ‬
‫أف‬ ‫كالسعادة‪ ،‬ك َّ‬
‫ُبرَـ بيف طرفيف ىما أفراد المجتمع ِمف جية كبيف الحاكـ ِمف جية أُخرػ‪ ،‬ككاف مضمكف ىذا‬ ‫ىذا العقد أ ِ‬
‫التنازؿ عف القدر الضركرؼ ِمف حقكِقيـ الطبيعية ؛ إلقامة السمطة ‪ ،‬مع االحتفاظ بباقي الحقكؽ‬‫ُ‬ ‫العقد ىك‬
‫التي يجب عمى الحاكـ حمايتيا‪ ،‬كعدـ المساس بيا‪ ،‬فكانت اآلثار كالنتائج عف ىذا العقد ىي تقييد سمطة‬
‫الحاكـ بما يكفل تمتُّع األفراد بحقكقيـ الطبيعية الباقية التي لـ يتنازلكا عنيا‪ .‬كعميو فإذا كاف جكف لكؾ‬
‫برَـ بيف األفراد ؛ لينتقمكا ِمف‬
‫يتفق مع ىكبز في تأسيس المجتمع السياسي عمى (العقد االجتماعي) الذؼ أُ ِ‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫الحياة البدائية إلى حياة الجماعة ‪ ،‬إال َّأن ُو يختمف معو في كصف الحياة الفطرية كالنتائج التي تكصل‬
‫إلييا ‪ .‬كأما الحرية الشخصية فمعناىا ‪ :‬أف ليس ىناؾ سيادة طبيعية ألحد عمى آخر‪ ،‬فسمطة األب‬

‫(خكاطر في الجميكرية الركمانية) ك(في الحككمة المدنية) ‪ .‬ينظر‪ :‬تاريخ الفمسفة الحديثة‪ ،‬يكسف كرـ‪ ،‬ص ‪– 141‬‬
‫كما بعدىا ؛ كالمكسكعة العربية العالمية ‪ ،‬لمجمكعة مف الباحثيف‪ ،‬ص‪. 2 – 1‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬مقالة في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات ‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظرية العقد االجتماعي التي ّ‬
‫)‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com‬‬
‫‪330‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫حر‪ ،‬فيي كاجب طبيعي أكثر منيا سمطة‪،‬‬ ‫أعطيت لو لكي يربي االبف‪ ،‬كيجعل منو إنساناً؛ أؼ‪ :‬كائناً ّاً‬
‫كىي مؤقتة ‪ ،‬كال تشبو في شيء سمطة السيد عمى العبد‪ ،‬كتفقد بسكء االستعماؿ كالتقصير(‪.)1‬‬
‫كىكذا نشاىد استخداـ لكؾ نفس المنيجية السابقة ليكبز‪َّ ،‬إال َّأنو اختمف معو في ككف الحالة‬
‫التحمل)‪ ،‬كليا‬
‫ُّ‬ ‫األصمية مع انعداـ القكانيف فييا فإَّنيا تحتكؼ عمى أسس أخبلقية‪ ،‬كبالتالي فيي (ممكنة‬
‫أمثمة كاقعية‪ ،‬كليست (افتراضية) كما ىك الحاؿ عند ىكبز‪ .‬كما اختمف معو – أيضاً ‪ -‬في معارضتو‬
‫حق مقاكمة السمطة الغاشمة‪ ،‬انطبلقاً ِمف مبدأ الدفاع عف‬ ‫لمبدأ (السمطة المطمقة)‪ ،‬فرأػ َّ‬
‫أف الفرد لو ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫النفس‬
‫رابعاً ‪ :‬العقد االجتماعي عند جان جاك روسو (‪:)3‬‬
‫يرػ ركسك‪َّ :‬‬
‫أف الحياة البدائية قبل العقد كاف يسكدىا الخير كالسعادة كالمساكاة ‪ ،‬كيتمتع فييا األفراد‬
‫بالحرية كاالستقبلؿ‪ ،‬كنظ اًر ِلفساد الطبيعة كظيكر الممكيات الخاصة كاإلخبلؿ بالحقكؽ الطبيعية لؤلفراد ؛‬
‫احده‪ ،‬كاألفراد ِ‬
‫بصفت ِيـ‬ ‫كليذا اتفق األفراد فيما بينيـ عمى إبراـ عقد اجتماعي‪ ،‬بيف مجمكع األفراد ككحدة ك ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حقكقو الطبيعية لمجمكع‬ ‫الفردية‪ ،‬كالجميع ُيمثل أطراؼ العقد‪ ،‬كمضمكف ىذا العقد ىك ُ‬
‫تنازؿ ُكل فرد عف‬
‫األفراد الذيف تُمثميـ اإلرادة العامة‪ ،‬مع احتفاظيـ بالحقكؽ كالحريات المدنية‪ ،‬كآثار ِ‬
‫كنتائج ىذا العقد ىي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫نكجو قكانا نحك أنفسنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاكـ بسمطة مقي َدة ‪ ،‬كعميو احتراـ إرادة المجمكع ‪ .‬كقاؿ ركسك‪ :‬بدالً مف أف ِ‬ ‫تمتُع‬
‫ُ‬
‫فكل ك ِ‬
‫احد‬ ‫دافع عنا‪ُ ،‬‬ ‫تحكمنا نحف الجماعة‪ ،‬كيككف ذلِؾ كفقاً لقكانيف ِ‬
‫عادلو تحمينا كتُ ِ‬ ‫فمنضميا في قكة ُعميا ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬تاريخ الفمسفة الحديثة ‪ ،‬يكسف بطرس كرـ ‪ ،‬ص ‪ 152 - 151‬؛ كالفمسفة السياسية مف أفبلطكف إلى ماركس‪،‬‬
‫د‪ .‬أميرة حممي مطر‪ ،‬ص ‪ – 65‬كما بعدىا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬كيكيبيديا ‪ ،‬المكسكعة الحرة ‪ ،‬عنكاف الرابط ‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/( :‬‬
‫(‪ )3‬جاف جاؾ ركسك‪ :‬أحد الفبلسفة‪ ،‬كأديب‪ ،‬كتربكؼ‪ ،‬كعالـ طبيعة‪ ،‬كعالـ سياسة‪ ،‬كلد في مدينة جنيف بسكيس ار عاـ‬
‫(‪1712‬ـ) ‪ ،‬ككانت أسرتو ِمف أصل بركتستانتي فرنسي‪ ،‬أخذ َّ‬
‫يتردد عمى الفبلسفة ‪ ،‬كفي صيف (‪1749‬ـ) ق أر في‬
‫أف أكاديمية ديجكف تعرض لممسابقة ىذه المسألة‪( :‬ىل عاكنت الفنكف كالعمكـ عمى تصفية األخبلؽ )‬
‫إحدػ الصحف َّ‬
‫فاىتزت نفسو كجاشت فييا األفكار‪ ،‬كخطر لو الجكاب بالسمب‪ ،‬كشرع يكتب كقدـ لؤلكاديمية ما كتب كأحرز الجائزة ‪،‬‬
‫كىذا أصل كتابو األكؿ (مقاؿ في العمكـ كالفنكف) الذؼ طيَّر صيتو في أرجاء أكركبا حتى لقد كتب إليو ممؾ بكلندا ‪،‬‬
‫كبعدىا نشر كتابيف‪ :‬أحدىما (العقد االجتماعي) كاآلخر (إميل في التربية) ‪ ،‬كقد ساعدت فمسفة ركسك في تشكيل‬
‫األحداث السياسية ؛ التي أدت إلى قياـ الثكرة الفرنسية‪ .‬حيث أثرت أعمالو في التعميـ كاألدب كالسياسة ‪ ،‬خدـ ركسك‬
‫أميناً لمسفير الفرنسي في البندقية خبلؿ عامي (‪1744 - 1743‬ـ)‪( .‬ت‪1778 :‬ـ) ‪ .‬ينظر‪ :‬تاريخ الفمسفة الحديثة ‪،‬‬
‫يكسف كرـ ‪ ،‬ص ‪ – 200‬كما بعدىا ؛ ككيكيبيديا (المكسكعة الحرة) ‪ ،‬مكقع الكتركني‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬
‫(‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫‪331‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ِ‬
‫الحاكـ في ىذه‬ ‫كيضعيا تحت التكجيو األسمى لئلرادة العامة‪ ،‬كأف‬ ‫ِمنا يعطى المجمكع نفسو ككل ِ‬
‫قكتو‬
‫ُ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫كعميو االلتزاـ بحدكد الككالة ‪.‬‬ ‫الحالة ليس طرفاً في العقد كىك ُمجرد ككيل عف الجماعة‬
‫الحريات المدنية استبدلت ِبتمؾ‬ ‫فقد األطراؼ حقكَقيـ كحر ِ‬
‫يات ِيـ؛ َّ‬ ‫لتنازؿ ال ي ِ‬
‫ألف الحقكؽ ك ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫كأف ىذا ا ُ‬
‫تنازؿ عنيا لئلرادة العامة‪ ،‬كالحككمة ال تقكـ عمى أساس تعاُقد بينيا كبيف المكاطنيف‪ ،‬كاَّنما‬ ‫الم َ‬
‫الطبيعية ُ‬
‫َّ‬
‫يستردىا‪،‬‬ ‫أف‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫لو الحق ْ‬‫السمطات ‪ ،‬كالذؼ ُ‬ ‫ىي ىيئة مف المكاطنيف ُمكمَفو مف قبل صاحب السمطة بمباشرة ُ‬
‫أف الدكلة التي تتأسس بمكجب ىذا‬ ‫فإن ُو لِ ُك ِّل ىذا يرػ ركسك ب َّ‬
‫يمنحيا إلى أشخاص آخريف‪ .‬كبالتالي َّ‬ ‫كأ ْف َ‬
‫مارس قي اًر عمى الفرد‪ ،‬بل تصبح أساساً لمحرية الحقيقية‪ .‬فالعقد تأسيس لئلرادة العامة التي‬ ‫العقد ال تُ ِ‬
‫ىناؾ ما يمنع ِمف إحبلؿ‬ ‫َ‬ ‫تفكض السمطة السياسية في التعبير عنيا‪ ،‬كاذا لـ يكف التعبير مبلئماً فميس‬
‫يجعل ىذا الحل َيتَّسـ بالطابع الديمقراطي في َح ِّل مشكمة النظاـ‬ ‫طة سياسية جديدة ‪ ،‬كىك ما َ‬ ‫ُسم َ‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫بأف ركسك قد لجأ إلى استخداـ العقد االجتماعي بطريَقة تختمِف اختبلفا تاماً عف لكؾ‬ ‫كي ِ‬
‫مكف القكؿ‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫العميا التي يدعك ليا‬ ‫ِ‬ ‫كىكبز‪ ،‬فكاف أكثر شعبي ًة ِمف لكؾ‪ ،‬كأكثر ُّ‬
‫المثُل ُ‬
‫كانت ُ‬ ‫تقيداً بالمبادغ مف ىكبز فقد َ‬
‫فمف‬ ‫ىي الديمقراطية المباشرة كالمساكاة التامة‪ ،‬كاتجيت أفكاره إلى إعادة بناء النظاـ االجتماعي كالسياسي‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫أجل تنظيـ الحياة االجتماعية كالسياسية ألفراد المجتمع ؛ لجأ ركسك إلى بناء القكة ‪ ،‬أك النسق الطبيعي‬
‫ِ‬
‫قد َـ‬ ‫أف يطمب ِمف األفراد الخضكع الكامل لو‪ ،‬كبذلؾ يمتزـ ُّ‬
‫بأف ُي ّ‬
‫كل مكاطف ْ‬ ‫في المجتمع‪ ،‬حتى يستطيع ْ‬
‫عتبر قي اًر‪ ،‬كاَّنما‬ ‫كل ما تطمبو ِمنو‪ِ ،‬‬
‫كيؤكد ركسك عمى َّ‬
‫أف الحضكر الكامل لمدكلة في حياة الفرد ال ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫لمدكلة َّ‬
‫يقترب ِمف الديمقراطية الشعبية المباشرة‬ ‫ُ‬
‫يعتبر أساساً ضركرياً لحريتو‪ .‬كاجماالً ‪ :‬لقد قدـ ركسك َّ‬
‫حبلً‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫الديمقرطية‪ ،‬كىي الفكرة التي ظمت‬ ‫ا‬ ‫لمشكمة بناء النظاـ السياسي ‪ ،‬كىكذا عمل ركسك عمى تسكيغ فكرة‬
‫مستيجنة عمى امتداد قركف مف الفبلسفة منذ عيد أفبلطكف كأرسطك إلى ركسك مرك اًر بػ (الفارابي) ك‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ .‬كصيغة العقد التي افترضيا ركسك كطبيعتو تحمل في ثناياىا إلى جانب الحرية ‪ ،‬المساكاة‬ ‫(ىكبز)‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬نحك فمسفة السياسة‪ ،‬األستاذ عبد الفتاح غنيمة ‪ ،‬ص ‪ 179‬؛ ككيكيبيديا ‪ ،‬المكسكعة الحرة ‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬
‫(‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬في العقد االجتماعي‪ ،‬جاف جاؾ ركسك‪ ،‬ص ‪ – 93‬كما بعدىا ؛ كقصة الحضارة ‪ِ ،‬كؿ كايرؿ ديكرانت‪/38 ،‬‬
‫‪. 62 /39 ، 156 – 155‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬في العقد االجتماعي‪ ،‬جاف جاؾ ركسك‪ ،‬ص ‪ – 95‬كما بعدىا ؛ كحقيقة التنكير‪ ،‬دمحم إبراىيـ مبركؾ‪ ،‬بحث في‬
‫مجمة البياف الصادرة عف المنتدػ اإلسبلمي‪ ،‬العدد (‪ ، )21‬ص ‪ 204‬؛ كتيارات الفكر الفمسفي ِمف القركف الكسطى‬
‫حتى العصر الحديث ‪ ،‬أندريو كريسكف‪ ،‬ص ‪. 246‬‬
‫‪332‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أنفسيـ إلى المجتمع ‪ ،‬يعكدكف إلى نقطة الصفر ‪ ،‬فتتحقق المساكاة التامة‬ ‫ِ‬ ‫التامة ؛ َّ‬
‫بردىـ َ‬‫ألف األفراد ّ‬
‫أف اتحادىـ يككف كامبلً باإلطبلؽ ال يسمح بأية أفضمية ألػ فرد (‪. )1‬‬
‫بينيـ‪ ،‬كما َّ‬
‫عبر عف طبيعة عصره‬ ‫كل فيمسكؼ ِمف فبلسفة العقد االجتماعي‪ ،‬إلى جانب ككنو َّ‬ ‫كالكاقع َّ‬
‫أف َّ‬
‫كحاجاتو خير تعبير؛ َّ‬
‫فإف كبلً منيـ ‪ -‬أيضاً ‪ -‬قد ساىـ بنصيب في بمكرة مبلمح الفكر التحررؼ؛ بما‬
‫يحممو ِمف دفاع عف الحرية الفردية ‪:‬‬
‫فقد مثَّل ىكبز مرحمة التحالف مع السمطة الزمنية ؛ ِمف أجل القضاء عمى سمطة الكنيسة التي‬
‫كانت إحدػ المعكقات األساسية في إرساء دعائـ النظاـ الجديد ‪ ،‬فتطمبت طبيعة ىذه المرحمة القضاء‬
‫المعكقة ‪ ،‬فتعتبر ىذه المرحمة األكلى ِمف تاريخ الميبرالية ‪ ،‬فقاـ ىكبز بتأييد سمطة الممؾ‬
‫ِ‬
‫ّ‬ ‫عمى ىذه السمطة‬
‫أف تخضع لسمطة الحاكـ‪ ،‬إذ كجكد سمطتيف‬ ‫في مقابل القضاء عمى سمطة الكنيسة التي رأػ َّأنو َّ‬
‫البد ْ‬
‫حاكمتيف يؤدؼ إلى القضاء عمى السمطة كمية كانتشار الفكضى‪.‬‬
‫الطبقة‬ ‫كقد مثَّل جكف لكؾ مرحمة الحد ِمف السمطة الزمنية ؛ لصالح البرجكازية الناشئة ‪ ،‬أك‬
‫‪ ،‬التي‬ ‫الكسطى‪ ،‬فدافع عف مطالب أصحابيا ِمف خبلؿ كتاباتو حكؿ النظاـ الدستكرؼ‪ ،‬كالحياة النيابية‬
‫الطبقة‬ ‫ص سمطة الحاكـ ‪ ،‬كتُقِّم ُل ِمف صبلحياتو المطمقة ؛ كذلؾ لصالح الطبقة الناشئة ‪ ،‬كىي‬ ‫ِ‬
‫تُقّم ُ‬
‫الكسطى‪.‬‬
‫اإلرادة‬ ‫تحكؿ إلى الشعب؛ كذلؾ ِمف خبلؿ نظريتو عف‬ ‫أما جاف جاؾ ركسك فقد مثَّل مرحمة ال ُّ‬
‫َّ‬
‫العامة‪ ،‬فبل سمطة عنده تعمك عمى سمطة اإلرادة العامة ‪ ،‬فيي ال تُباع كال تُشترػ‪ ،‬كغير قابمة لمتقسيـ‪،‬‬
‫كما َّأنيا معصكمة ِمف الخطأ كما القانكف َّإال فعل اإلرادة العامة (‪. )2‬‬
‫ىذا ىك مضمكف نظرية (العقد االجتماعي) الذؼ نشأ كتبمكرت معالمو في العاَلـ الغربي‪ ،‬ك ِمف ثَ َّـ‬
‫أصبح مطبَّقاً عمى أرض الكاقع في أرجاء العاَلـ الغربي‪ ،‬إذ جميع السياسات التي جاءت بعدىا فيي مبنية‬
‫ركاد ىذا الشأف‪ ،‬كحتى اإلعبلف العالمي لحقكؽ‬ ‫عمى كفق ما َّ‬
‫خطتو أنامل ىؤالء الفبلسفة الذيف ُي َعُّدكف َّ‬
‫اإلنساف َّ‬
‫فإف نظرية (العقد االجتماعي) كاف ليا األثر الكبير في ظيكره خبلؿ الثكرة الفرنسية عاـ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كل ما تريد معرفتو عف نظرية (العقد االجتماعي) ‪ ،‬د‪ .‬دمحم عجبلف ‪ ،‬مقاؿ في مكقع (‪https://maktaba-‬‬
‫?‪ . )amma.com/‬نقبلً ِمف ‪ :‬السياسة بيف النظرية كالتطبيق ‪ ،‬لؤلستاذ دمحم عمي دمحم ‪ ،‬كاألستاذ عمي عبد المعطي‬
‫دمحم‪ ،‬ص ‪. 167 ، 62‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬كل ما تريد معرفتو عف نظرية (العقد االجتماعي) ‪ ،‬د‪ .‬دمحم عجبلف ‪ ،‬مقاؿ في مكقع (‪https://maktaba-‬‬
‫?‪. )amma.com/‬‬
‫‪333‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أف القانكف ىك التعبير عف اإلرادة‬


‫أف السيادة لؤلُ َّمة‪ ،‬ك َّ‬ ‫(‪1789‬ـ)‪ ،‬كما تبعو ِمف إعبلنات ‪ ،‬فقد َّ‬
‫نص عمى َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫العامة‬
‫المطمب الثاني‬
‫موقف الفكر اإلسالمي منيا‬
‫لقيت نظرية (العقد االجتماعي) جدالً كاسعاً بيف طبقات المفكريف كالسياسييف في العالـ أجمع منذ‬
‫ظيكرىا كالى يكمنا ىذا ‪ ،‬كقد كاف ىذا الجدؿ ناتجاً عف اختبلؼ طبائعيـ كتكجياتيـ كأيدكلكجياتيـ‪،‬‬
‫كل ما تحممو باطل ‪ ،‬ككذلؾ‬ ‫عما تحممو ىذه النظرية ِمف سمبيات كايجابيات ‪ ،‬إذ ىي ليست َّ‬
‫ككذلؾ َّ‬
‫العكس ‪ِ ،‬‬
‫فمف إيجابياتيا تمؾ الصيحة الجريئة التي استيل بيا جاف جاؾ ركسك كتابو بيا ‪(( :‬كلد اإلنساف‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ .‬كاتيـ الدكلة القائمة بتدمير تمؾ الحرية ‪ ،‬كاقترح‬ ‫ح اًر كىك في كل مكاف ىك اآلف يرسف في األغبلؿ))‬
‫بديبلً عنيا "إيجاد شكل مف المجتمع يدافع عف شخص كل عضك فيو كعف متاعو كيحمييما بكل ما أكتي‬
‫مف قكة مجمكعة ‪ ،‬مجتمع يظل اإلنساف فيو رغـ اتحاده مع الجميع يطيع نفسو فقط‪ ،‬كيبقى ح اًر كما كاف‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مف قبل‬
‫جم ًة لممجتمع األكركبي؛‬ ‫ِ‬
‫ظيكرىا فكائد َّ‬ ‫إف نظرية العقد االجتماعي قد َّ‬
‫حققت في بدء‬ ‫كالحق يقاؿ َّ‬
‫المطمق‪ ،‬ك َّأيدت حقكؽ الشعكب‪ ،‬ككضعت ّ‬
‫حداً لطغياف الطبقة الحاكمة‬ ‫َّ‬
‫ألنيا كقفت في كجو نظاـ الحكـ ُ‬
‫كطبقة النببلء‪ ،‬كيبقى ليا الفضل في تقديـ أساس أيديكلكجي لقياـ السمطة‪ ،‬كالقضاء عمى االستبداد ‪،‬‬
‫كزكدت الفكر‬
‫الحكـ كالسياسة ‪َّ ،‬‬‫أسيمت ىذه النظرية بكضع أُسس كأشكاؿ مختمفة لنظاـ ُ‬ ‫َ‬ ‫كعمى ىذا فقد‬
‫الميتميف بقضايا السياسة كأنماط الحككمات‬ ‫السياسي بتاريخ عميق‪ ،‬إذ أصبحت مصد اًر أساسياً لجميع ُ‬
‫كتطكرىا(‪ ،)4‬فيذا الكبلـ الجميل يمِثّل حقائق فكرية ؛ يؤيدىا اإلسبلـ – المتمِثّل بالكحي اإلليي كبالفكر‬
‫يؤيِدىا كل فطرة سميمة ككل عقل سميـ‪ ،‬فيي أىداؼ عامة ال تختمف‬ ‫اإلسبلمي ‪ ،-‬باإلضافة إلى َّأنو ّ‬
‫حكليا المبادغ السماكية كغير السماكية َّإال في حاالت نادرة ‪ ،‬كلكف ىناؾ سمبيات كثيرة ال يمكف السككف‬
‫عنيا ‪ ،‬نابع ٌة ِمف جكىر ىذه النظرية ‪ ،‬كأخرػ نتجت في المجتمعات التي أخذت بيذه النظرية ‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
‫َّأنيا نتجت عف تطبيق ىذه النظرية عمى أرض الكاقع‪ .‬ك ِمف ِّ‬
‫أىـ ىذه السمبيات ما يأتي‪:‬‬

‫( ) ينظر‪ :‬العقد االجتماعي ‪ -‬األسس النظرية كأبرز المن ِّ‬


‫‪1‬‬
‫ظريف ‪ ،‬مكي عبد المجيد ‪ ،‬بحث في مجمة أىل البيت – عمييـ‬
‫السبلـ ‪ ،-‬العدد (‪ ، )1‬ص ‪ – 388‬ويا بعذها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في العقد االجتماعي ‪ ،‬لركسك‪ ،‬ص ‪. 23‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬قصة الحضارة ‪ِ ،‬كؿ كايرؿ ديكرانت ‪. 282 /39 ،‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬مقالة في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات ‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظريات العقد االجتماعي التي ّ‬
‫)‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com‬‬
‫‪334‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫أوالً ‪ :‬رؤية توماس ىوبز ِّ‬


‫تشجع عمى الدكتاتورية ‪:‬‬
‫ِ‬
‫تشجع عمى الدكتاتكرية بشكل صريح ‪ ،‬فيك عندما منح‬ ‫كما َّ‬
‫قدمنا في المطمب السابق َّ‬
‫فإف فحكاىا ّ‬
‫سمطات مطمقة لمحاكـ عمى حساب الشعب؛ فيك يدعك إلى االستبداد‪ ،‬كىذا تحميل مكضكعي إلى ما ذىب‬
‫ِ‬
‫الحاكـ ليس طرفاً في‬ ‫إليو بفكرتو التي تفسر نشأة الدكلة‪ ،‬فيذه فكرة ليست ديمقراطية‪ ،‬فيرػ ىكبز َّ‬
‫أف‬
‫ألنو قبل كجكد الدكلة تكجد الجماعة أك مجمكعة األفراد دكف الحاكـ‪َّ ،‬‬
‫أما بعد قياـ الدكلة ؛ فمف‬ ‫العقد؛ َّ‬
‫تنحل بمجرد قياـ الدكلة ‪َّ .‬‬
‫إف ىكبز يدعك إلى دعـ الممكية المطمقة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يككف ىناؾ َّإال الحاكـ؛ َّ‬
‫ألف الجماعة‬
‫حد ِ‬
‫ذاتيا‬ ‫ِ‬
‫باعتبارىا في نظره ‪ ،‬أكثر الحككمات استق ار اًر كنظامية‪ ،‬كىك بذلؾ ال ييدؼ إلى دعـ الممكية في ّ‬
‫أف يككف مصدر القانكف ليس النظاـ االجتماعي؛ كاَّنما سمطة‬ ‫بقدر ما ييدؼ إلى دعـ حككمة قكية‪ ،‬ك ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحاكـ‬
‫إذف فيي تناقض تعاليـ اإلسبلـ؛ فيك ال يقر ىذه النظرية التي تمنح الحاكـ حق االستبداد بالحكـ؛‬
‫ألف هلل ‪ ‬يقكؿ لرسكلو ‪ : ‬فذكِّز إوَّما أوث مُذكِّز ﯣ نسثَ عهيهم بِمُصَيْطِز‪[ ‬الغاشية] ‪ ،‬كقاؿ ‪: ‬‬
‫َّ‬

‫‪‬وما أوث عهيهِم جببَّار‪[ ‬ؽ‪.)2(]45 :‬‬


‫ثانياً‪ :‬ىذه النظرية خيالية ال تستند إلى الو ِّاقع وغير صحيحة ِّمن الناحية القانونية واالجتماعية‪:‬‬
‫أف األساس التعاقدؼ لنشأة الدكلة كالسمطة‬ ‫إذ ِمف خبلؿ ما تقدـ في المطمب السابق يتضح َّ‬
‫جماع ًة ِمف الجماعات‬
‫َ‬ ‫فيد َّ‬
‫بأف‬ ‫السياسية أساس افتراضي كغيبي‪ ،‬فالتاريخ ال يعطينا مثبلً كاحداً كاقعياً ؛ ُي ُ‬
‫أف ىذه النظريات التعاقدية خيالية ‪ ،‬كال تستند إلى الك ِاقع ‪ ،‬فمـ‬ ‫قد نشأت بكاسطة العقد ‪ ،‬ك ِمف ُىنا يتَّضح َّ‬
‫ِ‬
‫المنطق ال‬ ‫ثمو‪ ،‬كما َّأنيا غير صحيحة ِمف الناحية القانكنية ألف‬ ‫أف التاريخ ينبئ عف قياـ ِم ِ‬‫أحد ‪َّ :‬‬
‫يُقل ٌ‬
‫قبل إبرامو‪ ،‬ك ِمثل‬ ‫أف األصل أف تككف ُىناؾ قاعدة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قانكنيو تُقرر القكه الممزمة لمعقد َ‬
‫َ‬ ‫ُيساند ىذه النظريات إذ َ‬
‫ىذه النظرية غير صحيحة ِمف الناحية‬ ‫كجكدىا إال في مجتمع منظـ‪ .‬كما أف ِ‬ ‫ِ‬ ‫مكف تصكر‬ ‫ِ‬
‫ىذه القاعدة ال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نشىء المجتمع المن َّ‬ ‫أف عقدىـ االجتماعي ىك الذؼ ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ظـ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ألف أصحاب ىذه النظريات يركف َّ َ‬ ‫االجتماعية ؛ َّ‬
‫أف اإلنساف كاف في ُعزلة قبل نشأة الجماعة ‪ ،‬كىذا الفرض غير صحيح ؛ َّ‬
‫ألف‬ ‫ض َّ‬ ‫فيذه النظريات ِ‬‫ِ‬
‫تفتر ُ‬
‫قيـ ُسمطاناً رىيباً كاإلرادة‬ ‫اإلنساف كائف اجتماعي‪ ،‬كما َّ ِ‬
‫الحكـ المطمق‪ ،‬أك تُ ُ‬
‫أف ىذه النظريات أبرزت ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬أثر نظرية العقد االجتماعي في فمسفة التربية ‪ :‬لمدكتكر محمكد عمي دمحم ‪ ،‬بحث في مجمة اتحاد الجامعات‬
‫ِ‬
‫تفسر‬
‫العربية لمتربية كعمـ النفس ‪ ،‬العدد (‪ )1‬عاـ (‪2009‬ـ) ‪ ،‬مجمد (‪ ، )9‬ص ‪ 93‬؛ كنظريات العقد االجتماعي التي ّ‬
‫الرابط‪:‬‬ ‫عنكاف‬ ‫‪،‬‬ ‫كالمجتمعات‬ ‫الدكؿ‬ ‫أحكاؿ‬ ‫مكقع‬ ‫في‬ ‫مقالة‬ ‫‪،‬‬ ‫الدكلة‬ ‫أصل‬
‫)‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفقو االسبلمي كأدلتو ‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬كىبة الزحيمي‪. 6214 /8 ،‬‬
‫‪335‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العامة(‪ ،)1‬كىكبس كركسك – كا ْف اختمفا في المبدأ – متفقاف عمى َّ‬


‫أف اإلنسانية اجتازت دك اًر طبيعياً مطمقاً‬
‫أف تدخل في الحياة االجتماعية‪ ،‬كتنشئ الحككمة‪ ،‬كتمؾ فرضية باطمة ؛ إذ الحقيقة أ َّف‬ ‫ِ ِ‬
‫كل القيكد قبل ْ‬
‫مف ّ‬
‫ِ‬
‫اإلنسانية لـ تعرؼ ىذه الحياة الطبيعية أبداً ؛ كاَّنما عاشت مف البدء ً‬
‫حياة اجتماعي ًة ساذج ًة ؛ تتمثل في‬
‫القبيمة‪ ،‬كاألسرة ‪ ،‬كالجماعة‪ ،‬كىذا الذؼ يراه العمماء المحدثكف مطابق لِما جاء في الكتب السماكية(‪. )2‬‬
‫أف ىذا العقد الكىمي لجأ الكتَّاب السياسيكف األكائل إلى افتراضو َّ‬
‫إما ىركباً‬ ‫كيرػ بعض الباحثيف َّ‬
‫أف‬
‫أما بعد ْ‬‫ِمف المكاجية الصريحة لمسمطات الحاكمة آنذاؾ ‪ ،‬أك تزُّلفاً ليا ‪ -‬عمى اختبلؼ بيف أصحابيا‪َّ .‬‬
‫كبمغت درج ًة ال بأس بيا ِمف الكعي السياسي؛ فمـ يعد‬
‫ْ‬ ‫تخمصت الشعكب ِمف عبادة الممكؾ كرجاؿ الديف‪،‬‬
‫َّ‬
‫ىناؾ ما يدعك إلى افتراض نظريات ال أساس ليا تاريخياً‪ .‬كانطبلقاً مف ذلؾ كجد عمـ السياسة الحديث‬
‫بغيتو المنشكدة في كاتب آخر يتجمى بنظرة عصرية إلى األمكر‪ ،‬كا ْف كاف كجكده التاريخي سابقاً لمشاىير‬
‫النظريات األخرػ ذلؾ ىك نيقكال ميكيافيممي الذؼ أطمق عميو لقب أكؿ المحدثيف‪ ،‬كيعد كتابو األمير‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مصدر اإللياـ في العصر الحديث بالنسبة لمحكاـ كالمفكريف السياسييف عمى حد سكاء‬
‫المشرعون‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ثالثاً‪ :‬مناقضة لمدين اإلسالمي في جعميا األفراد ىم‬
‫فاإلسبلـ ال يقر جعل األُ َّمة مصدر السمطة التشريعية؛ َّ‬
‫ألف التشريع هلل ‪ ‬كحده ‪ ،‬كاألُ َّم ُة كحدىا‬
‫صاحبة الخبلفة في األرض في تنفيذ أحكاـ الشريعة‪ ،‬كالخميفة كأعكانو كقضاتو ككبلء عف األُ َّمة في أمكر‬
‫إف أساء ‪،‬‬
‫حق ُنصحو كتكجييو كتقكيمو ْ‬‫الديف كفي إدارة شؤكنيا بحسب شريعة هلل ‪ ‬كرسكلو ‪ ، ‬كليا ُّ‬
‫سمطانو ِمف األُ َّمة بعقد البيعة أك الككالة‪ ،‬كيككف مصدر السيادة حينئذ ىك‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يستمد‬ ‫إف انحرؼ‪ ،‬فيك‬
‫كعزلو ْ‬
‫األُ َّمة ( ِّ‬
‫المككل األصمي)‪ ،‬ال الككيل النائب عنيا‪ .‬كاألُ َّمة في المجتمع المسمـ أك الديمقراطية اإلسبلمية‬

‫مبنية عمى ٍّ‬


‫حق إنساني ناشئ‬ ‫ممتزمة بالقانكف السماكؼ كاألخبلقي َّ‬
‫كمقيدة بمبادئو‪ ،‬فالسيادة في اإلسبلـ َّ‬
‫عف جعل شرعي؛ كبذلؾ تككف األُ َّمة كالشريعة معاً ىما صاحبا (السيادة) في الدكلة اإلسبلمية ‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
‫أف السيادة األصمية هلل – تعالى ‪ ،-‬فيرجع إليو في األمر كالنيي‪ ،‬كالسيادة العممية مستمدة ِمف الشعب‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫الحل كالعقد أصحاب الرأؼ كاالجتياد في ضكء مبادغ الشريعة‪ ،‬ك ِمف جانب آخر فقد‬ ‫ّ‬ ‫أىل‬ ‫الذؼ ِّ‬
‫يعيف َ‬
‫انبنى عمى ىذه النظرية َّأنيا لـ تمنع االستبداد‪ ،‬كا ْف أخذت صفة الديمقراطية؛ كذلؾ َّ‬
‫ألف بعض الحكاـ‬
‫استبدكا بالسمطة ِّ‬
‫متذرعيف بأنَّيـ يمثمكف إرادة الشعب المقدسة (‪ .)4‬قاؿ المرحكـ األستاذ عبد الكىاب خبلؼ‪:‬‬

‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬مقالة في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات ‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫( ) ينظر‪ :‬نظريات العقد االجتماعي التي ّ‬
‫)‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com‬‬
‫(‪ )2‬في سبيل االصبلح ‪ :‬لؤلستاذ عمي الطنطاكؼ‪ ،‬بحث في مجمة الرسالة ‪ ،‬العدد (‪ ، )221‬ص ‪. 24‬‬
‫(‪ )3‬العممانية ‪ -‬نشأتيا كتطكرىا كآثارىا في الحياة اإلسبلمية المعاصرة ‪ :‬د‪ .‬سفر الحكالي‪ ،‬ص ‪. 225‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الفقو االسبلمي كأدلتو ‪ ،‬أ‪ .‬د‪ .‬كىبة الزحيمي‪. 6215 – 6214 /8 ،‬‬
‫‪336‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(( كىذه الرياسة العميا مكانتيا مف الحككمة اإلسبلمية مكاف الرياسة العميا مف أية حككمة دستكرية؛ ألف‬
‫الخميفة يستمد سمطانو مف األمة الممثمة في أكلي الحل كالعقد‪ ،‬كيعتمد في بقاء ىذا السمطاف عمى ثقتيـ بو‬
‫كنظره في مصالحيـ‪ ،‬كليذا قرر عمماء المسمميف أف لؤلمة خمع الخميفة لسبب يكجبو‪ ،‬كاف أدػ إلى الفتنة‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫احتمل أدنى المضرتيف))‬
‫مشرعاً ‪ ،‬كعمى الرغـ ِمف َّأنو مجتيد َّإال‬
‫إذف فجياز التشريع ليس ىك جياز التنفيذ ‪ ،‬كاإلماـ ليس ِّ‬
‫َّأنو ال يعدك ككنو كاحداً ِمف المجتيديف‪ ،‬كىك منِّفذ لمشريعة كالقانكف في الجكىر كاألساس‪ ،‬ككما يقكؿ‬
‫فإف اإلماـ ال يممؾ َّأية مقدرة عمى تحكير القانكف‪ ،‬بل ىك مضطر إلى تطبيقو‬ ‫المستشرؽ الفرد جيكـ‪َّ :‬‬
‫بحذافيره ‪ .‬فيك منِّفذ ‪ ،‬كاإلمامة في الحقيقة‪ ،‬ىي رئاسة السمطة التنفيذية (‪ . )2‬كفي ىذا المقاـ تأتي كممة‬
‫كلكني منفذ))(‪ ،)3‬كتأتي صياغة القاضي عبد الجبار المحددة لمطابع‬ ‫ِ‬
‫عمر بف عبد العزيز‪(( :‬لست بقاض‪ّ ،‬‬
‫أف اإلماـ َّإنما يحتاج إليو لتنفيذ ىذه األحكاـ الشرعية‪ ،‬نحك إقامة‬
‫التنفيذؼ لسمطات اإلماـ‪ ،‬يقكؿ‪(( :‬اعمـ َّ‬
‫الحد ‪ ،‬كحفع بيضة البمد‪ ،‬كسد الثغكر‪ ،‬كتجييش الجيكش‪ ،‬كالغزك‪ ،‬كتعديل الشيكد‪ ،‬كما يجرؼ ىذا‬
‫المجرػ))(‪ ،)4‬فيذه حدكد اإلماـ بمكجب (العقد االجتماعي) ‪.‬‬
‫أف تككف سمطة األُ َّمة في إعبلف (‪1789‬ـ) سمطة مطمقة ‪ ،‬كىك ما نجده كاضحاً‬ ‫كمف الطبيعي إذف ْ‬
‫األمة)؛ فالنص يجعل األمة كائناً سياسياً قائماً بذاتو‪،‬‬
‫في المادة الثالثة منو ‪( :‬السمطة تكمف جكىرياً في ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫يستمد سمطتو مف نفسو ال مف خارج‪ ،‬أؼ ىك يجعميا كائناً مطمقاً‪ .‬إنيا إرادة مطمقة‬
‫ّ‬
‫تم تطبيق فصل الدين عن السياسة والمجتمع‪:‬‬ ‫بناء عمى النقطة السابقة فقد َّ‬
‫رابعاً ‪ً :‬‬
‫فمف عظيـ ما بني عمى ىذه النظرية إغفاليا لدكر الديف في تكجيو المجتمع‪ ،‬كجعمت الديف عامبلً‬ ‫ِ‬
‫ِمف العكامل التي تعكؽ الرجكع إلى الحالة الطبيعية السكية ‪ ،‬فاتَّيـ ركسك األدياف َّ‬
‫بأنيا ىي التي سببت‬
‫ىذا الفصل ‪ ،‬إذ يرػ أ َّف الشعكب القديمة كانت تعبد الممكؾ‪ ،‬ككاف لكل دكلة ُ‬
‫ممكيا كالييا في الكقت‬
‫نفسو‪ ،‬فكانت السياسة كالديف شيئاً كاحداً‪ ،‬كلكف األدياف فصمت بيف العالـ المادؼ كالعالـ الركحي‪ ،‬فيي‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬السياسة الشرعية‪ :‬األستاذ عبد الكىاب خبلؼ ‪ ،‬ص ‪. 65‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬القانكف كالمجتمع ‪ ،‬دافيد دؼ سانتيبلنا‪ ،‬ترجمة‪ :‬جرجيس فتح هلل ‪ ،‬ص‪. 426‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مسند الدارمي‪ :‬أبك دمحم الدارمي (ت‪255 :‬ىػ) ‪ ، 402 /1 ،‬برقـ (‪ ،)477‬كقاؿ عنو محِّقق الكتاب األستاذ‬
‫حسيف أسد ‪(( :‬إسناده جيد)) ‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شرح األصكؿ الخمسة‪ ،‬القاضي عبد الجبار‪ ،‬ص ‪. 750‬‬
‫(‪ )5‬حقكؽ االنساف في فمسفة الثكرة الفرنسية ‪ :‬د‪ .‬أحمد باسل نكر الديف الرفاعي‪ ،‬بحث في مجمة جامعة أُـ القرػ‪ ،‬العدد‬
‫(‪ – 355 /1 ،)19‬كما بعدىا ‪ .‬كاإلعبلف منشكر في مكقع كيكي مصدر االلكتركني‪ ،‬عنكاف الرابط‪:‬‬
‫(‪. )https://ar.wikisource.org/wiki‬‬
‫‪337‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تتعمق بالعالـ الركحي كال تشرع لممجتمع السياسي‪ ،‬فمماذا ال يككف ليذا المجتمع ديف سياسي خاص‬
‫!!! ‪.‬‬
‫إذف فالغرض ِمف فكرة (العقد االجتماعي) كاضح لمعياف؛ فيي تيدؼ إلى استبداؿ (المصمحة‬
‫كتحل (عبادة المجتمع) ممثبلً في‬
‫ُّ‬ ‫االجتماعية) أك (الرابطة النفعية لؤلفراد) بػ(األخبلؽ) ك(النظـ الدينية) ‪،‬‬
‫جسمت الثكرة الفرنسية الفكرة‬
‫الكطف‪ ،‬أك القكـ‪ ،‬محل (عبادة هلل ‪ ،)‬كىكذا بتأثير ىذا الفكر البلديني َّ‬
‫الفمسفية القديمة بإقامة مجتمع يرفض القيـ كاألخبلؽ الدينية ‪ ،‬كيجعل العبلقات النفعية المحضة ىي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الرباط المقدس الكحيد‬
‫خامساً‪ :‬إغفاليا لدور الدين اإلسالمي في البناء الحضاري وعمى جميع األصعدة ‪:‬‬
‫يؤخذ عمى نظرية (العقد االجتماعي) َّأنيا لـ يذكر فييا فضل الديف اإلسبلمي كتعاليمو في‬
‫مما َ‬ ‫َّ‬
‫إف َّ‬
‫التطكر كالرقي الذؼ دعا إليو السيما عمى الصعيد السياسي‪ ،‬كمبدأ المساكاة ‪ ،‬كالشكرػ‪ ،‬كالعدؿ كلك عمى‬
‫النفس‪ ،‬كغير ذلؾ ِمف المبادغ السامية‪ ،‬بل احتكرتيا لنفسيا‪ ،‬فالعممانية الغربية عادة ما تحتكر حقكؽ‬
‫أف الناس جميعاً ِمف آدـ كحكاء ‪،‬‬
‫أف اإلسبلـ أعمف منذ خمسة عشر قرناً َّ‬‫اإلنساف كالحرية كالمساكاة مع َّ‬
‫ك َّأنو ال فرؽ بيف األجناس البشرية ‪ ،‬ك َّ‬
‫أف ىذه التفرقة جاىمية منتنة ‪ ،‬كأعطى لمناس حرية االعتقاد ‪ ،‬كحرية‬
‫العبادة ‪ ،‬كالعمل كحرية التجارة كالسكف ‪ ،‬كحرية الرأؼ ‪ ،‬كلـ يتدخل َّإال في قضايا محدكدة مثل السخرية‬
‫أما النقاش المكضكعي فيك مفتكح‪ ،‬كحرية القكؿ السياسية محترمة‪،‬‬ ‫ِمف الديف‪ ،‬أك ا ُّ‬
‫لتيجـ عمى النبي ‪َّ ، ‬‬
‫كجُد ِم ْف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اىًدا َل ْـ َي َرْح َرائ َح َة اْل َجنَّة َكاِ َّف ِر َ‬
‫يح َيا تُ َ‬ ‫كاالعتداء عمى اآلخريف مرفكض ‪ ،‬قاؿ ‪َ (( : ‬م ْف َقتَ َل ُم َع َ‬
‫يف َعاماً))(‪.)3‬‬ ‫م ِس ِ ِ‬
‫يرة أ َْرَبع َ‬
‫َ َ‬
‫يردُده ‪ ،‬في الكقت الذؼ نجد‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫كطبقتو في الحرية ال نجد َمف ّ‬ ‫إف ما نجحت فيو حضارتنا اإلسبلمية َّ‬
‫ِ‬
‫كأنيا صناعة غربية لـ‬ ‫كيحمُد فيما قالو مفكرك العالـ الغربي ‪ ،‬حتى تظير الفكرة ك َّ‬ ‫ّ‬ ‫فيو أعبلماً قكياً ِّ‬
‫يسب ُح‬
‫بأف شعارات الثكرة الفرنسية فشمت في تطبيق الحرية؛ أؼ‪:‬‬ ‫تعرفيا البشرية ‪ ،‬في الكقت الذؼ صار معمكماً َّ‬
‫استبدت في كثير ِمف المكاقف حتى قاؿ قائميـ‪ :‬كـ ِمف جرائـ ارتكبت باسـ الحرية ‪ .‬كيشيد‬ ‫ظممت ك َّ‬
‫لصحة ىذا القكؿ ما نتج عف كثيقة االستقبلؿ األمريكي التي لـ تعط األمريكييف السكد حق االنتخابات َّإال‬
‫بعد أكثر ِمف مئتي سنة مع كبلميا الجميل عف المساكاة(‪. )4‬‬
‫أن جاء النتاج غير سميم‪:‬‬
‫سادساً ‪ :‬إعطاء مفيوم خاطئ لمحرية نتج عنو ْ‬

‫(‪ )1‬في العقد االجتماعي ‪ ،‬ركسك‪ ،‬ص ‪ – 163‬كما بعدىا ‪.‬‬


‫(‪ )2‬العممانية ‪ -‬نشأتيا كتطكرىا كآثارىا في الحياة اإلسبلمية المعاصرة ‪ ،‬د‪ .‬سفر الحكالي‪ ،‬ص‪. 172 – 171‬‬
‫(‪ )3‬أخرجو البخارؼ في صحيحو‪ ،‬كتاب بدء الكحي‪ ،‬باب إثـ َمف قتل معاىداً بغير جرـ‪ ، 120/4 ،‬برقـ (‪.)3166‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬عجز العقل العمماني‪ ،‬عيد الدكيييس‪ ،‬ص ‪. 134 – 133‬‬
‫‪338‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ِ‬
‫إ َّف الحرية الحقيقية مقيدة بضكابط ؛ فميس مف الحرية ْ‬
‫أف يفعل اإلنساف ما يشاء في كقتو ‪ ،‬أك مالو‪،‬‬
‫أف ينحرؼ اإلنساف أخبلقياً‪ ،‬كليس ِمف الحرية أ ْف تمبس المرأة أك الرجل ما‬ ‫ِ‬
‫أك أقكالو‪ ،‬كليس مف الحرية ْ‬
‫يشاؤكف ‪ ...‬الخ ‪ ،‬فيذه ليست حرية بل فكضى كفساد ‪ ،‬قاؿ الدكتكر إبراىيـ مدككر‪(( :‬ليس معنى الحرية‬
‫أف‬
‫أف تعامل الناس بما تحب ْ‬ ‫أف تخرج عمى القانكف ‪ ،‬ك ِمف أبسط ضكابطيا ْ‬ ‫أف تسيء إلى العدالة ‪ ،‬أك ْ‬ ‫ْ‬
‫أف نسمـ ‪ -‬أيضاً ‪ِ -‬مف‬ ‫ِ‬
‫أف َن ْسَمـ مف المؤثرات الخارجية فحسب ‪ ،‬بل ْ‬ ‫يعاممكؾ بو ‪ ،‬كليست الحرية في ْ‬
‫المؤثرات الداخمية ‪ ،‬فنقاكـ الميكؿ كاألىكاء ‪ ،‬كنب أر ِمف الضغائف كاألحقاد ‪ ،‬كتمؾ ىي حرية الحكيـ))(‪. )1‬‬
‫إف ىذا المفيكـ الخاطئ لمحرية ؛ ترتَّب عميو ابتداع ديف كضعي أساسو ظاىرة طبيعية في البشر‪،‬‬
‫َّ‬
‫كليست حتمية في حياتيـ‪ ،‬كىي شيكانية اإلباحية‪ ،‬كشبيات الحسبانية ‪ ،‬بينما غرائز الحق كالجماؿ كالخير‬
‫ِ‬
‫كج ُييا لمتي ىي أقكـ؛ فجعمكا ظاىرة‬‫أكثر‪ ،‬كىداية الشرع كالعقل كتعكيضات الشرع تَُك ِازُف بيف الغرائز كتُ ّ‬
‫الشيكة الحيكانية كالحسبانية الجنكنية (كىما ظاىرتاف جزئيتاف ال حتميتاف) حقاً طبيعياً بنكا عميو الديف‬
‫العْقد أصبحت‬
‫الكضعي دستك اًر كقانكناً بنظرية (الحق القانكني)‪ ،‬كنفذكه بنظرية (العقد االجتماعي) ؛ كبيذا َ‬
‫السيادة لمقانكف ال أحد يستطيع الخركج عنو ‪ ،‬كأصبحت مخالفة القانكف جريمة كبرػ بإجماع قسرؼ؛‬
‫قتضى (العقد االجتماعي)‪ ،‬كأصبحت الحرية قيمة مع َّأنيا مكضكع‬ ‫فرضو التصكيت غير الصادؽ عمى ُم َ‬
‫تحكـ فيو القيمة‪ ،‬ىذا باإلضافة إلى الرأسمالية المقيتة التي ترتبت عمييا ‪ ،‬فقد أبرز آدـ سميث (الميبرالية‬
‫تدخل ِمف الدكلة‪ .‬فقد َّ‬
‫تككَنت الديمقراطية‬ ‫االقتصادية) كىي الحرية المطمقة في الماؿ دكف تقييد أك ُّ‬
‫كالرأسمالية ِمف خبلؿ ىذه الميبرالية ‪ ،‬فيي ركح المذىبيف كأساس تككينيا‪ ،‬كىي مستكحاة ِمف شعار الثكرة‬
‫الفرنسية (دعو يعمل)‪َّ ،‬‬
‫فتكدست الثركات‪ ،‬كىذه في الحرية االقتصادية (دعو يمر) في الحرية السياسية(‪.)2‬‬
‫سابعاً‪ :‬انطالقة ىذه النظرية ِّمن مبدأ كفري إلحادي‪:‬‬
‫أف الناس في أكؿ أمرىـ كانكا يعيشكف‬‫تصكر َّ‬
‫إذ جكىر ىذه النظرية – كما ذكرنا آنفاً ‪ -‬يقكـ عمى ُّ‬
‫منظمة‪ ،‬فمـ يكف ليـ تشريع يحكميـ كال دكلة أك مؤسسة تن ِّ‬
‫ظـ‬ ‫حياتيـ الفطرية البدائية‪ ،‬ككانت حياة غير َّ‬
‫أف الناس في طكر الحق ِمف حياتيـ احتاجكا إلى التشريع الحاكـ‪ ،‬كالدكلة‬ ‫معامبلتيـ كترعى شؤكنيـ‪ ،‬ك َّ‬
‫التي تنظـ أمكر حياتيـ‪ ،‬كأنيـ ألجل ذلؾ عقدكا فيما بينيـ عقداً إلقامة السمطة التي تحكميـ كتنظـ‬
‫بناء‬
‫شؤكنيـ كمعامبلتيـ‪ ،‬كتحفع عمييـ ما بقي مف حقكقيـ كحرياتيـ‪ ،‬كالسمطة حسب ىذا التصكر قامت ً‬
‫إما َّأنيا‬ ‫عمى اإلرادة الشعبية ؛ لذلؾ كاف الشعب ىك صاحب السيادة ‪ ،‬يعني ذلؾ‪َّ :‬‬
‫أف ىذه النظرية َّ‬
‫ككأنيـ كجدكا ِمف غير خالق ليـ‪ ،‬ك َّأنيـ كجدكا ىكذا غير َّ‬
‫منظميف‪ ،‬بغير شريعة ىادية‪ ،‬أك‬ ‫ُ‬ ‫تصكرت الناس َّ ُ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬في الفمسفة اإلسبلمية – منيج كتطبيقو ‪ :‬د‪ .‬إبراىيـ مدككر‪. 158 /2 ،‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الميبرالية ‪ -‬نشأتيا كمجاالتيا ‪ ،‬عبد الرحيـ بف صمايل السممي‪ ،‬ص ‪ – 12‬كما بعدىا ‪.‬‬
‫‪339‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الخْمق‪،‬‬
‫مجرد َ‬‫قانكف حاكـ‪ .‬كا َّما َّأنيا تعترؼ بكجكد خالق‪ ،‬لكف الخالق ‪ -‬في ىذه النظرية ‪ -‬ال فعل لو َّإال َّ‬
‫أف يرسل ِمف عنده رسبلً إلى الناس ؛ تعّمِ ُم ُيـ‪ ،‬كترشدىـ‪ ،‬كتيدييـ‪ ،‬كتأمرىـ بالخير‪ ،‬كتنياىـ عف‬ ‫أما ْ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫كمعامبلتيـ؛ فيذا ما ال كجكد لو في ىذه النظرية‪ .‬كلك كاف ذلؾ مكجكداً فييا ما‬ ‫ظـ شؤ َ‬
‫كنيـ‪،‬‬ ‫الشر‪ ،‬كتن ِّ‬
‫احتاجكا إلى ىذا العقد الذؼ عقدكه ‪ ،‬إذف أصبح ِمف المعمكـ المقطكع بو َّأنيا تناقض القرآف الكريـ‪ ،‬فالقرآف‬
‫يخبرنا َّ‬
‫أف هلل – تعالى ‪ -‬خمق آدـ ‪ ‬أكؿ الناس‪ ،‬ثـ أىبطو ىك كزكجو إلى األرض‪ ،‬كأنزؿ إليو الشريعة‬
‫كتبو ؛ ليداية الناس‪،‬‬ ‫كي َن ِّزُؿ َ‬
‫أف هلل ‪ ‬لـ يزؿ يرسل رسَمو ‪ُ ،‬‬ ‫أف يعمل بيا ىك كأكالده ‪ ،‬ك َّ‬
‫التي أمره ْ‬
‫كارشادىـ‪ ،‬كتنظيـ شئكنيـ‪ ،‬كمعامبلتيـ‪ ،‬قاؿ تعالى‪ :‬ونقد بَعَثْنا يف كمِّ أُمَّةٍ رسىالً أنْ اعبدوا اهللَ واجحنبىا انطاغىتَ‬

‫فمنهم مَّهْ هَدَي اهللُ ومنهم مَّهْ حقَّثْ عهيهِ انضالنة فسريوا يف األرضِ فاوظزوا كيف كان عاقبة املكذِّبني‪[ ‬النحل‪/‬‬

‫‪ ، ]36‬كقاؿ تعالى‪ :‬وإنْ مِه أُمَّةٍ إنَّا خال فيها وذيز‪[ ‬فاطر‪ ، ]24 /‬كقاؿ تعالى عف النار‪  :‬جكاد جَمَيَّزُ مِه انغيظ‬

‫كهَّما أُنقي فيها فىجٌ سأهلم خَزَوحُها أمل يأجِكم وذيز ﯗ قانىا بهً قد جاءوا وذيزٌ فكذَّبنا وقهنا ما وزَّلَ اهللُ مِه شيء إنْ أوحم إنَّا‬

‫يف ضاللٍ كبري ‪[ ‬الممؾ] ‪ ،‬كغير ذلؾ ِمف اآليات في ىذا المعنى‪ ،‬فأيف إذف ىذه الحياة الفطرية البدائية‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫التي لـ يكف فييا تشريع حاكـ ! كما تقكؿ ىذه النظرية‬
‫وثامناً‪َّ :‬أنيا ِّ‬
‫تشج ُع عمى القومية والوطنية والنفعية لممجتمع الذي يعيش فيو فقط‪:‬‬
‫((أكحت نظرية (العقد االجتماعي) إلى الناس بفكرة جديدة ىي الكطنية‪ ،‬أك القكمية‪ ،‬إذ َّ‬
‫أف العقد‬
‫يككف بيف اإلنساف كالمجتمع الذؼ يعيش فيو‪ ،‬كتتفق مصالحو مع مصالح الفرد كرغباتو‪ ،‬ال مع مجتمع‬
‫قكةُ الصمة الدينية بو‪ ،‬فيي تيدؼ إلى نزع كالء الفرد ِمف الكنيسة‪ ،‬كاعطائو لمدكلة‪،‬‬
‫آخر بعيد ميما كانت َّ‬
‫يحل َّ‬
‫محميا ركابط كطنية‪ ،‬كما َّأنيا جعمت القيمة العميا لممصمحة المادية‬ ‫كالى قطع الركابط الدينية ؛ ل َّ‬
‫المثُل أك الفضائل التي‬
‫الدنيكية التي بسببيا تـ إبراـ العقد ‪ ،‬كليست لمممككت الذؼ تبشر بو المسيحية ‪ ،‬أك ُ‬
‫يعدىا أغمى ما يممؾ))(‪ . )2‬كىذا ما نجده كاضحاً في المجتمع الغربي اليكـ ‪ ،‬فما تعيشو‬ ‫كاف المجتمع ُّ‬
‫أف صار مكشكفاً‬ ‫التكجيات العنصرية حياؿ الكافديف عمييا لـ يعد مجيكالً بعد ْ‬‫ُّ‬ ‫فرنسا اليكـ – مثبلً ‪ِ -‬مف‬
‫بما كتب عنو ِمف أبحاث كدراسات ككتابات صحفية متكالية ‪ ،‬ىذا كقد حاكلت بشتى الطرؽ إشاعة لغتيا‬
‫ط اًر فرانكفكنية(‪)3‬؛ لتخمفيا في سياستيا ‪ ،‬كاشاعة ثقافتيا ِمف بعدىا كالتي مازالت أمينة‬
‫كفكرىا‪ ،‬كاصطنعت أُ ُ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حقيقة الديمقراطية ‪ ،‬دمحم شاكر الشريف ‪ ،‬ص ‪. 5‬‬


‫(‪ )2‬العممانية ‪ -‬نشأتيا كتطكرىا كآثارىا في الحياة اإلسبلمية المعاصرة ‪ :‬سفر الحكالي‪ ،‬ص ‪. 215‬‬
‫(‪ )3‬الفرانككفكنية بالفرنسية )‪ : (La Francophonie‬ىي منظمة دكلية لمدكؿ الناطقة بالمغة الفرنسية (كمغة رسمية أك لغة‬
‫منتشرة ‪ ،‬كالحككمات‪ ،‬تضـ المنظمة إلى غاية ديسمبر ‪ 2014‬عمى ‪ 80‬بمداً كحككمة‪ 57 :‬عضكا ك‪ 23‬مراقبا‪ .‬يعكد‬
‫‪340‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عمى رسالتيا‪ ،‬كما برحت تتقدـ لبلنتخابات في بمدانيا بتكجيياتيا الفرانكفكنية ‪ .‬المظاىر العنصرية حياؿ‬
‫المسمميف في فرنسا‪:‬‬
‫‪ -1‬ما تنشره الصحف اليمينية مف تحقير لؤلجانب كتخكيف كاثارة لمرعب مف المسمميف الذيف‬
‫يصكركف زك اًر بأنيـ إرىابييف كمعاديف لمديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -2‬التخكيف مف تزايد المسمميف الذيف ستؤدؼ زيادتيـ في زعميـ إلى أسممة أكركبا عبر تزايد‬
‫ىجراتيـ‪ ،‬يقكؿ (لكباف) ‪ :‬إننا ال نريد أف نعيش في المستقبل الذؼ نرػ فيو الفرنسي يشحذ عمى أبكاب‬
‫المساجد الفرنسية يكـ الجمعة‪.‬‬
‫‪ -3‬إصدار قكانيف تحد اليجرة! باإلضافة إلى ظيكر القيكد التي تعكؽ اإلقامة ىناؾ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الغمظة التي يعامل بيا الكافدكف في المطارات كالمكانئ كالتي بمغت إلى حد إقامة سجكف‬
‫خاصة لمكافديف‪.‬‬
‫‪ -5‬المضايقة لمممتزميف مف المسمميف عند ظيكر السمات اإلسبلمية عمييـ‪ ،‬كال يغيب عف الباؿ‬
‫معاناة الطفمتيف المسممتيف كطردىما مف المدرسة حينما لبستا المباس المحتشـ حتى كصمت مسألتيما إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫المحاكـ الفرنسية‪ ،‬بينما ال يتخذ نفس اإلجراء ضد (الراىبات) البلتي يمبسف نفس المباس تقريباً‬
‫تاسعاً ‪َّ :‬أنيا مخالفة لمبدأ الشورى الذي جاء بو الدين اإلسالمي‪:‬‬
‫طِّبق في صدر اإلسبلـ‪َّ ،‬‬
‫كلكف المناديف بنظرية (العقد‬ ‫أف ُ‬
‫لقد نجح مفيكـ (الشكرػ) أيَّما نجاح يكـ ْ‬
‫االجتماعي) ال يؤمنكف بيذا ؛ إذ يركف َّأنيا تختمف اختبلفاً فمسفياً كمفارقاً لمديمكقراطية‪ ،‬بذريعة‪َّ :‬‬
‫أف‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الشكرػ أبعد ما تككف عف (العقد االجتماعي) كالمشاركة الشعبية الكاسعة‪ ،‬فيي ليست إال تدبير أىل ّ‬
‫الحل‬
‫ضيقة ِمف كبار القكـ كالمؤل ‪ ،‬كقد فاتيـ (ميثاؽ المكاطنة) أك (العقد االجتماعي‬ ‫كالعقد‪ ،‬كىـ طبقة ِّ‬
‫تضم َنتو الكثيقة المشيكرة في كتب السيرة بػ(صحيفة المدنية) كالتي تعتبر بحق أكؿ ميثاؽ‬ ‫َّ‬ ‫الكطني) الذؼ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كيؤصل لعيكد كمكاثيق المكاطنة المشتركة‪ ،‬في إطار التنكع الديني‬ ‫ّ‬ ‫لممكاطنة في التاريخ البشرؼ؛ ّ‬
‫يقنف‬
‫تضم َنتو تمؾ الصحيفة ِمف قيـ كمبادغ ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫مما‬
‫كالثقافي؛ ك َّ‬
‫أف المكاطنيف عمى اختبلؼ انتماءاتيـ الدينية كالعرقية أُ َّم ٌة كاحدةٌ ِمف دكف الناس‪.‬‬‫‪َّ .1‬‬

‫كضع مصطمح الفرنكفكنية إلى الجغرافي الفرنسي أكنسيـ ركككلك‪ ،‬كقد حدده عاـ ‪ 1880‬بأنو مجمكع األشخاص‬
‫الرابط‪:‬‬ ‫عنكاف‬ ‫‪،‬‬ ‫كيكيبيديا‬ ‫ينظر‪:‬‬ ‫‪.‬‬ ‫عديدة‬ ‫مكاضيع‬ ‫في‬ ‫الفرنسية‬ ‫المغة‬ ‫تستعمل‬ ‫التي‬ ‫كالبمداف‬
‫(‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فرنسا كالنزعة العنصرية في تكجياتيا إلى متى ‪ ،‬أحمد عبد العزيز أبك عامر‪ ،‬بحث في مجمة البياف الصادرة‬
‫عف المنتدػ اإلسبلمي‪ ،‬العدد (‪ )92‬ص ‪. 58‬‬
‫‪341‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫لكل مكاطف ‪.‬‬‫ِ‬ ‫‪ .2‬ك َّ‬


‫أف الحرية الدينية مكفكلة ّ‬
‫ِ‬
‫رد العدكاف‪ ،‬كحفع سيادة األكطاف ‪.‬‬ ‫‪ .3‬ك َّأنيـ جميعاً مسؤكلكف عف ّ‬
‫أف عمييـ النصح كالبر فيما ليس فيو إثـ ‪.‬‬ ‫‪ .4‬ك َّ‬
‫أف الجار كالنفس ‪ ،‬غير مضار في أَ ْمِن ِو ككرامتو ‪.‬‬ ‫‪ .5‬ك َّ‬
‫تشكل بتكامميا المنطمق األساس لعقد المكاطنة في نظاـ اإلسبلـ كشرعتو ‪ ،‬الذؼ ِّ‬
‫يؤكد‬ ‫فيذه القكاعد ِّ‬
‫أف المكاطنيف عمى اختبلؼ انتماءاتيـ الدينية كالقكمية كالعرقية َّإنما ىـ أُ َّم ٌة كاحدةٌ ؛ تتساكػ مصالحيـ ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أف أمنيـ كاحد ‪ ،‬كمصيرىـ كاحد ‪ِ ،‬مف غير تمايز كال تفاضل بينيـ َّإال‬ ‫كتتكامل حقكقيـ ككاجباتيـ‪ ،‬ك َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالعمل الصالح‬
‫َّ‬
‫إف ميثاؽ المكاطنة (العقد االجتماعي الكطني) في اإلسبلـ يقكـ عمى ما يأتي‪:‬‬
‫أ‪ .‬ديف الدكلة ‪ :‬اإلسبلـ (ديف األكثرية) القرآف الكريـ كالسنة النبكية المطيرة ىما المصدر األساس‬
‫كالكحيد لمنطمقات كثكابت الشريعة اإلسبلمية‪ ،‬كاإلسبلـ ىك أساس اليكية الثقافية كالحضارية لممجتمع‪.‬‬
‫ب‪ .‬عقد اإليماف ‪ :‬كىك لمجميع كذلؾ بإنفاذ شريعتو ‪ -‬سبحانو كتعالى ‪ -‬في تحقيق مصالح‬
‫المكاطنيف‪ ،‬كاقامة العدؿ بينيـ كصكف كرامتيـ ‪ ،‬كتكفير أسباب رزقيـ كأمنيـ كاستقرارىـ‪.‬‬
‫ت‪ .‬عقد األداء ‪ :‬كىك عقد بيف الحاكـ كالمحككميف ِمف المسمميف ‪ ،‬يمتزـ الجميع بمكجبو بإنفاذ ما‬
‫اتفقت عميو إ اردة األمة ‪ِ ،‬مف قيـ كمبادغ كنظـ كأعراؼ كتقاليد ‪ ،‬مثل ‪ :‬الدستكر كغيره في إطار عقد‬
‫اإليماف كما تضمنو ِمف ثكابت كمنطمقات ‪ ،‬كالعمل معاً عمى تحقيق مصالح الناس كصكف الببلد كأمنيا‬
‫كاستقرارىا كسيادتيا ‪.‬‬
‫كىذا يعني كيؤكد بكضكح ما يمي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أف هلل تعالى ‪ :‬عمى أساس مف ( عقد اإليماف ) ىك المصدر الكحيد لثكابت كمنطمقات التشريع‬
‫في المجتمع المسمـ ( مجتمع األكثرية)‪.‬‬
‫‪ .2‬أف الحاكـ عمى أساس مف ( عقد اإليماف )‪،‬كالتزاماً بعقد (األداء) ‪ :‬مسؤكؿ أماـ هلل – تعالى‪،‬‬
‫كمسؤكؿ أماـ الشعب عف التزاـ كتطبيق شريعة اإلسبلـ كالتزاـ كانفاذ ما اتفقت عميو إرادة األمة مف مكاثيق‬
‫كنظـ (الدستكر كغيره )‪ ،‬كالعمل بأمانة كاخبلص عمى إقامة العدؿ بيف الناس جميعاً ‪.‬‬
‫‪ .3‬أف الشعب عمى أساس مف (عقد اإليماف) كالتزاماً بما ينص عميو (عقد األداء ) كيتناقص مع‬
‫مكاثيق عقد اإليماف كعقد األداء كمطالب كذلؾ بتحمل مسؤكلياتو في إعانة الحاكـ (كلي األمر) كبذؿ‬

‫المفصل‬
‫َّ‬ ‫‪ :‬نصر بف دمحم الصنقرؼ‪ ،‬منشكر ضمف مجمكعة بحكث في مكسكعة‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلسبلـ كالغرب شقاؽ أـ كفاؽ‬
‫في الرد عمى الحضارة الغربية‪ ،‬جمع‪ :‬عمي بف نايف الشحكد ‪ – 190 /1 ،‬كما بعدىا‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫النصح كالمشكرة لو بما يعينو عمى أداء ميامو كمسؤكلياتو ككاجباتو ‪،‬كفق عقد اإليماف كعقد األداء ‪،‬كبما‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يحقق مصالح المكاطنيف كأمف الببلد كسيادتيا كارتقاءىا‬
‫الخاتمة‬
‫تكصمنا إليو ِمف نتائج في نظرية (العقد‬ ‫في نياية المطاؼ ال يسعنا – ىنا – َّإال ْ‬
‫أف نذكر بعض ما َّ‬
‫االجتماعي)‪ ،‬كىي كاآلتي‪:‬‬
‫‪ .1‬تعتبر نظرية (العقد االجتماعي) أكؿ طريق إلى الديمقراطية في الغرب ‪ ،‬فيي أكؿ مرحمة ِمف مراحل‬
‫العممانية ‪ ،‬كتسمى بػ(العممانية الجزئية) قبل الكصكؿ إلى العممانية الشاممة التي بدكرىا مرت بثبلث‬
‫مراحل كىي‪ :‬مرحمة التحديث‪ ،‬ثـ الحداثة‪ ،‬ثـ ما بعد الحداثة ‪.‬‬
‫‪ .2‬أسيمت ىذه النظرية في تطكر المذىب الفردؼ‪ ،‬بإقرار كجكد حريات كحقكؽ طبيعية سابقة عمى‬
‫المجتمع المنظـ‪ ،‬يجب عمى السمطة عدـ االعتداء عمييا‪ .‬كما أسيمت في كضع الضمانات الدستكرية‬
‫كالسياسية خبلؿ القرنيف الثامف عشر كالتاسع عشر‪ .‬كعمكماً فقد جاءت الثكرة الفرنسية معتمدة عمى‬
‫مبادغ المذىب الفردؼ الحر‪ .‬فأصدرت كثيقة إعبلف حقكؽ اإلنساف كالمكاطف سنة (‪1789‬ـ)‪،‬‬
‫متضمنة النص عمى الحرية كالمساكاة كالممكية كحق األمف كحق مقاكمة الظمـ‪.‬‬
‫أف الفرد البشرؼ ال يممؾ في االعتبار مف األفعاؿ‬ ‫‪ .3‬الكاقع يثبت خطأ ىذه النظرية ِمف نكاح َّ ِ‬
‫أىميا‪َّ :‬‬
‫عدة ّ‬
‫أما في ىذه النظرية فالفرد‬
‫حدده الشرع لو‪ ،‬إذ الشارع األقدس مبدأ السمطات كالكاليات‪َّ ،‬‬
‫كاألعياف إالّ ما ّ‬
‫نقص ال يستطيعكف‬ ‫ٍ‬ ‫كمعمكـ عند العقبلء ما يحمل البشر ِمف‬
‫ٌ‬ ‫الميمة ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫البشرؼ ىك َمف يحمل ىذه‬
‫شرع الحكيـ ‪ ،‬ىذا باإلضافة إلى تصكرىا الخيالي لمعقد‪ ،‬ذلؾ العقد الذؼ ال‬ ‫تجاكزه ‪ ،‬كأخذ دكر الم ِّ‬
‫يستطيع أصحاب النظرية إثباتو تاريخياً‪ ،‬فيك عقد كىمي لجأ الكتَّاب السياسيكف األكائل إلى افتراضو‪،‬‬
‫إما ىركباً ِمف المكاجية الصريحة لمسمطات الحاكمة آنذاؾ‪ ،‬أك تزُّلفاً ليا ‪ -‬عمى اختبلؼ بيف‬ ‫َّ‬
‫ذكرت في ىذا البحث ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫تخل ِمف بعض الفكائد التي‬ ‫َّ‬
‫أصحابيا‪ ،‬كلكف – الحق يقاؿ – عمى عبلتيا لـ ُ‬
‫املصادر واملراجع‬
‫‪ -‬بعد كتاب هللا ‪: ‬‬
‫‪ .1‬أثر نظرية العقد االجتماعي في فمسفة التربية ‪ ،‬د‪ .‬محمكد عمي دمحم ‪ ،‬بحث في مجمة اتحاد الجامعات العربية لمتربية‬
‫كعمـ النفس‪ ،‬العدد (‪ )1‬عاـ (‪2009‬ـ) ‪ ،‬مجمد (‪. )9‬‬
‫‪ :‬نصر بف دمحم الصنقرؼ‪ ،‬بحث كضعو الباحث عمي بف نايف الشحكد ضمف مجمكعة‬ ‫‪ .2‬اإلسبلـ كالغرب شقاؽ أـ كفاؽ‬
‫المفصل في الرد عمى الحضارة الغربية‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بحكث في مكسكعة‬

‫‪ :‬نصر بف دمحم الصنقرؼ‪ ،‬بحث كضعو الباحث عمي بف نايف الشحكد ضمف‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اإلسبلـ كالغرب شقاؽ أـ كفاؽ‬
‫المفصل في الرد عمى الحضارة الغربية ‪. 208 – 207 /1 ،‬‬
‫َّ‬ ‫مجمكعة بحكث في مكسكعة‬
‫‪343‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمف عاصرىـ ِمف ذكؼ الشأف األكبر)‪ :‬عبد الرحمف بف‬


‫‪ .3‬تاريخ ابف خمدكف (ديكاف المبتدأ كالخبر في تاريخ العرب كالبربر َ‬
‫دمحم بف دمحم‪ ،‬ابف خمدكف‪ ،‬أبك زيد‪ ،‬كلي الديف الحضرمي اإلشبيمي (ت‪808 :‬ىػ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬خميل شحادة ‪ ،‬دار الفكر –‬
‫بيركت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1408( ،‬ىػ ‪1988 -‬ـ) ‪.‬‬
‫‪ .4‬تاريخ الفمسفة الحديثة ‪ :‬يكسف بطرس كرـ (ت‪1959 :‬ـ)‪ ،‬مكتبة الدراسات الفمسفية ‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪.‬‬
‫‪ .5‬تأميف الفكر اإلسبلمي ‪ ،‬عطية صقر ‪ ،‬مكسكعة فتاكػ دار اإلفتاء المصرية ‪ -‬المجمس األعمى لمشؤكف اإلسبلمية ‪،‬‬
‫كفتاكػ لجنة الفتكػ – باألزىر‪1997( ،‬ـ) رقـ المكضكع (‪. )83‬‬
‫‪ .6‬التعريفات‪ :‬عمي بف دمحم بف عمي الزيف الشريف الجرجاني (ت‪816 :‬ىػ)‪ ،‬ضبطو كصححو جماعة ِمف العمماء بإشراؼ‬
‫الناشر‪ ،‬دار الكتب العممية – بيركت‪ ،‬الطبعة األكلى (‪1403‬ىػ ‪1983-‬ـ) ‪.‬‬
‫‪ .7‬تفسير اآللكسي (ركح المعاني في تفسير القرآف العظيـ كالسبع المثاني)‪ :‬شياب الديف محمكد بف عبد هلل الحسيني‬
‫اآللكسي (ت‪1270 :‬ىػ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمي عبد البارؼ عطية‪ ،‬دار الكتب العممية – بيركت‪ ،‬الطبعة األكلى‪1415( ،‬ىػ) ‪.‬‬
‫‪ .8‬تيارات الفكر الفمسفي ِمف القركف الكسطى حتى العصر الحديث ‪ :‬أندريو كريسكف‪ ،‬ترجمة‪ :‬نياد رضا ‪ ،‬منشكرات بحر‬
‫المتكسط – بيركت‪ ،‬الطبعة الثانية‪1982( ،‬ـ) ‪.‬‬
‫‪ .9‬الجامع الصحيح المختصر ِمف أُمكر رسكؿ هلل ‪ ‬كسننو كأيامو (صحيح البخارؼ)‪ :‬دمحم بف إسماعيل بف إبراىيـ‪ ،‬أبك‬
‫عبد هلل البخارؼ‪( ،‬ت‪256 :‬ىػ)‪ ،‬دار الشعب – القاىرة ‪ ،‬الطبعة األكلى‪1407( ،‬ىػ ‪1987 -‬ـ) ‪.‬‬
‫حقكؽ االنساف في فمسفة الثكرة الفرنسية ‪ :‬د‪ .‬أحمد باسل نكر الديف الرفاعي‪ ،‬بحث في مجمة جامعة أُـ القرػ‪،‬‬ ‫‪.10‬‬
‫العدد (‪. )19‬‬
‫حقيقة التنكير‪ -‬ما ىك التنكير الغربي كىل نحتاج إليو ‪ :‬دمحم إبراىيـ مبركؾ‪ ،‬بحث في مجمة البياف الصادرة عف‬ ‫‪.11‬‬
‫المنتدػ اإلسبلمي‪ ،‬العدد (‪. )21‬‬
‫حقيقة الديمقراطية ‪ :‬دمحم بف شاكر الشريف‪ ،‬مكتبة المشكاة ‪( ،‬د ‪ .‬ط) ‪( ،‬د ‪ .‬ت) ‪.‬‬ ‫‪.12‬‬
‫دستكر العمماء (جامع العمكـ في اصطبلحات الفنكف)‪ :‬القاضي عبد النبي بف عبد الرسكؿ األحمد نكرؼ‪َّ ،‬‬
‫عرب‬ ‫‪.13‬‬
‫عباراتو الفارسية‪ :‬حسف ىاني فحص‪ ،‬دار الكتب العممية – بيركت ‪1421( ،‬ىػ ‪2000 -‬ـ) ‪.‬‬
‫السياسة الشرعية في الشئكف الدستكرية كالخارجية كالمالية ‪ :‬األستاذ عبد الكىاب خبلؼ (ت‪1375 :‬ىػ)‪ ،‬دار القمـ‬ ‫‪.14‬‬
‫(‪1408‬ىػ ‪1988 -‬ـ) ‪.‬‬
‫شرح األصكؿ الخمسة ‪ :‬قاضي القضاة عبد الجبار بف أحمد ‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الكريـ عثماف‪ ،‬مكتبة كىبة –‬ ‫‪.15‬‬
‫مصر‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1416( ،‬ىػ ‪1996 -‬ـ) ‪.‬‬
‫عجز العقل العمماني‪ :‬عيد الدكيييس‪ ،‬الطبعة األكلى‪1420( ،‬ىػ ‪2000 -‬ـ) ‪.‬‬ ‫‪.16‬‬
‫العقد االجتماعي ‪ -‬األسس النظرية كأبرز المن ِّ‬
‫ظريف ‪ ،‬مكي عبد المجيد ‪ ،‬بحث في مجمة أىل البيت – عمييـ‬ ‫‪.17‬‬
‫السبلـ ‪ ،-‬العدد (‪. )1‬‬
‫العممانية ‪ -‬نشأتيا كتطكرىا كآثارىا في الحياة اإلسبلمية المعاصرة ‪ :‬سفر الحكالي‪ ،‬دار اليجرة ‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫العيف‪ :‬الخميل بف أحمد بف عمرك بف تميـ ‪ ،‬أبك عبد الرحمف الفراىيدؼ البصرؼ (ت‪170 :‬ىػ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬ميدؼ‬ ‫‪.19‬‬
‫المخزكمي‪ ،‬د‪ .‬إبراىيـ السامرائي‪ ،‬دار كمكتبة اليبلؿ ‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫فتاكػ الشبكة اإلسبلمية ‪ ،‬المفتي‪ :‬لجنة الفتكػ ‪ ،‬رقـ الفتكػ (‪ ،)15514‬تاريخ الفتكػ (‪ 11‬صفر ‪1423‬ىػ)‬ ‫‪.20‬‬
‫بإشراؼ د‪ .‬عبد هلل الفقيو ‪.‬‬
‫فرنسا كالنزعة العنصرية في تكجياتيا إلى متى ‪ :‬أحمد عبد العزيز أبك عامر‪ ،‬بحث في مجمة البياف الصادرة عف‬ ‫‪.21‬‬
‫المنتدػ اإلسبلمي‪ ،‬العدد (‪. )92‬‬
‫الز َحْيمِي ‪ -‬أستاذ كرئيس قسـ الفقو اإلسبلمي كأصكلو بكمية‬ ‫الفقو اإلسبلمي ك َّ‬
‫أدلتُ ُو ‪ :‬أ‪ .‬د‪ .‬كىبة بف مصطفى ُّ‬ ‫‪.22‬‬
‫الشريعة جامعة دمشق ‪ ،-‬دار الفكر – دمشق‪ ،‬سكريا ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪.‬‬
‫مكرـ‪ ،‬مؤسسة الرسالة –‬
‫الفكر اإلسبلمي بيف العقل كالكحي كأثره في مستقبل اإلسبلـ ‪ :‬د‪ .‬عبد العاؿ سالـ ّ‬ ‫‪.23‬‬
‫عماف‪ ،‬الطبعة الثانية‪1412( ،‬ىػ ‪1992 -‬ـ) ‪.‬‬
‫بيركت ‪ ،‬دار البشير – ّ‬
‫الفكر اإلسبلمي تقكيمو كتجديده ‪ :‬د‪ .‬محسف عبد الحميد ‪ ،‬مطبعة الخمكد – بغداد ‪ ،‬كمكتبة دار األنبار‪-‬‬ ‫‪.24‬‬
‫الرمادؼ‪ ،‬الطبعة األكلى‪1408( ،‬ىػ ‪1987 -‬ـ) ‪.‬‬
‫الفمسفة السياسية مف أفبلطكف إلى ماركس‪ ،‬د‪ .‬أميرة حممي مطر‪ ،‬دار المعارؼ – مصر‪ ،‬الطبعة الخامسة‬ ‫‪.25‬‬
‫(‪1995‬ـ) ‪.‬‬
‫في العقد االجتماعي ‪ :‬جاف جاؾ ركسك‪ ،‬ترجمة ‪ :‬عادؿ زعيتر‪ ،‬مطبعة مؤسسة ىنداكؼ لمتعميـ كالثقافة – مصر‪،‬‬ ‫‪.26‬‬
‫(‪2012‬ـ) ‪.‬‬
‫في الفمسفة اإلسبلمية – منيج كتطبيقو ‪ :‬د‪ .‬إبراىيـ مدككر‪ ،‬مكتبة االسكندرية‪1436( ،‬ىػ ‪2015 -‬ـ) ‪.‬‬ ‫‪.27‬‬
‫في سبيل االصبلح ‪ :‬لؤلستاذ عمي الطنطاكؼ‪ ،‬بحث في مجمة الرسالة ‪ ،‬العدد (‪. )221‬‬ ‫‪.28‬‬
‫القامكس السياسي‪ :‬أحمد عطية هلل ‪ ،‬القاىرة ‪ -‬مصر ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1968( ،‬ـ) ‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫القامكس الفقيي لغ ًة كاصطبلحاً ‪ :‬الدكتكر سعدؼ أبك حبيب‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬دمشق – سكرية‪ ،‬الطبعة الثانية‬ ‫‪.30‬‬
‫(‪1408‬ىػ ‪1988 -‬ـ) ‪.‬‬
‫القانكف كالمجتمع‪ :‬دافيد دؼ سانتيبلنا‪ ،‬ترجمة‪ :‬جرجيس فتح هلل ‪ ،‬طبعة بيركت ضمف مجمكعة أبحاث عنكانيا‬ ‫‪.31‬‬
‫(تراث اإلسبلـ)‪ ،‬عاـ (‪1972‬ـ) ‪.‬‬
‫ديكرانت ‪( ،‬ت‪1981 :‬ـ)‪ ،‬تقديـ‪ :‬الدكتكر محيي الديف صابر‪ ،‬ترجمة‪ :‬الدكتكر زكي‬
‫كايرؿ َ‬ ‫قصة الحضارة ‪ِ :‬كؿ‬ ‫‪.32‬‬
‫دار الجيل ‪ -‬بيركت ‪ ،‬كالمنظمة العربية لمتربية كالثقافة كالعمكـ – تكنس‪1408( ،‬ىػ ‪-‬‬ ‫نجيب محمكد ‪ ،‬كآخركف‪،‬‬
‫‪1988‬ـ) ‪.‬‬
‫كل ما تريد معرفتو عف نظرية (العقد االجتماعي) ‪ ،‬د‪ .‬دمحم عجبلف ‪ ،‬مقاؿ في مكقع (‪https://maktaba-‬‬ ‫‪.33‬‬
‫?‪. )amma.com/‬‬
‫لساف العرب‪ :‬دمحم بف مكرـ بف منظكر األفريقي المصرؼ (ت‪711 :‬ىػ)‪ ،‬دار صادر‪ -‬بيركت ‪.‬‬ ‫‪.34‬‬
‫الميبرالية ‪ -‬نشأتيا كمجاالتيا ‪ ،‬عبد الرحيـ بف صمايل السممي‪( ،‬د ‪ .‬ط) ‪( ،‬د ‪ .‬ت) ‪.‬‬ ‫‪.35‬‬
‫المجتمع المدني – دراسة نقدية ‪ :‬عزمي بشارة ‪ ،‬مركز دراسات الكحدة العربية ‪ -‬بيركت‪1998( ،‬ـ) ‪.‬‬ ‫‪.36‬‬
‫مسند الدارمي المعركؼ بػ(سنف الدارمي)‪ :‬عبد هلل بف عبد الرحمف بف الفضل‪ ،‬أبك دمحم الدارمي التميمي‬ ‫‪.37‬‬
‫السمرقندؼ‪( ،‬ت‪255 :‬ىػ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسيف سميـ أسد الداراني‪ ،‬دار المغني لمنشر كالتكزيع – السعكدية‪ ،‬الطبعة األكلى‪،‬‬
‫(‪1412‬ىػ ‪2000 -‬ـ) ‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫معجـ المغة العربية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت‪1424 :‬ىػ) بمساعدة فريق عمل‪ ،‬عالـ‬ ‫‪.38‬‬
‫الكتب‪ ،‬الطبعة األكلى‪1429( ،‬ىػ ‪2008 -‬ـ) ‪.‬‬
‫معجـ المصطمحات كاأللفاظ الفقيية‪ :‬د‪ .‬محمكد عبد الرحمف عبد المنعـ ‪ -‬مدرس أصكؿ الفقو بكمية الشريعة‬ ‫‪.39‬‬
‫كالقانكف ‪ -‬جامعة األزىر‪ ،‬دار الفضيمة ‪.‬‬
‫المعجـ الكسيط‪ :‬إبراىيـ مصطفى‪ ،‬كآخركف‪ ،‬تحقيق‪ :‬مجمع المغة العربية‪ ،‬دار الدعكة ‪.‬‬ ‫‪.40‬‬
‫معجـ لغة الفقياء ‪ :‬دمحم ركاس قمعجي‪ ،‬كحامد صادؽ قنيبي‪ ،‬دار النفائس لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬الطبعة‬ ‫‪.41‬‬
‫الثانية‪1408( ،‬ىػ ‪1988 -‬ـ) ‪.‬‬
‫معجـ مقاييس المغة‪ :‬أحمد بف فارس بف زكريا‪ ،‬أبك الحسيف‪( ،‬ت‪395 :‬ىػ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبدالسبلـ دمحم ىاركف‪ ،‬دار‬ ‫‪.42‬‬
‫الجيل – بيركت‪1420( ،‬ىػ ‪1999 -‬ـ) ‪.‬‬
‫مقدمة ابف خمدكف‪ :‬عبد الرحمف بف دمحم ابف خمدكف الحضرمي‪ ،‬دار القمـ – بيركت‪1984( ،‬ـ)‪.‬‬ ‫‪.43‬‬
‫المكسكعة العربية العالمية ‪ ،‬لمجمكعة ِمف الباحثيف‪( ،‬د ‪ .‬ط) ‪( ،‬د ‪ .‬ت) ‪.‬‬ ‫‪.44‬‬
‫نحك فمسفة السياسة ‪ -‬ا ُّلن ُ‬
‫ظـ كالنظريات كالمذاىب السياسية أصكليا كتطكرىا التاريخي‪ :‬األستاذ عبد الفتاح غنيمة‬ ‫‪.45‬‬
‫‪ ،‬دار الفنكف العممية ‪ -‬االسكندرية ‪1986( ،‬ـ) ‪.‬‬
‫ِ‬
‫تفسر أصل الدكلة ‪ ،‬دمحم فرج ‪ ،‬مقاؿ في مكقع أحكاؿ الدكؿ كالمجتمعات‪ ،‬عنكاف‬
‫نظريات العقد االجتماعي التي ّ‬ ‫‪.46‬‬
‫الرابط‪. )https://ahwalaldoalwalmogtmat.blogspot.com) :‬‬
‫كيكيبيديا (المكسكعة الحرة) ‪ ،‬مكقع الكتركني ‪ ،‬عنكاف الرابط ‪. )https://ar.wikipedia.org/wiki/( :‬‬ ‫‪.47‬‬

‫‪346‬‬
ISSN 2412 – 3501 2020 ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان‬

‫أىم مراحل تطور الفكر الجغرافي‬


The most important stages of the development of
geographical thought
‫ دمحم كلد عبد هلل كلد دمحم المصطفى‬.‫د‬
‫ كمية اآلداب كالعمكـ االنسانية‬،‫قسـ الجغرافيا‬
‫ مكريتانيا‬،‫جامعة نكاكشكط‬
mdms4659@yahoo.fr
‫الممخص‬
، ‫ظل اإلنساف منذ آالؼ السنيف ك ىك يفكر في كل ما بحكلو مف أجل تكفير المأكل ك الممبس ك المأكػ‬
‫ مما يتطمب جيكد‬، ‫لذلؾ فاف الفكر الجغرافي كاف جزءا مف ىذا ينضاؼ اليو تكزيع السكاف كأنشطتيـ‬
‫كبيرة ال سيما في االزمنة القديمة مف أجل تكفير تمؾ المعمكمات كبناء عمييا لمعرفة األرض ك تضاريسيا‬
، ‫ كأكؿ مف أىتـ بيذا المجاؿ‬. ‫ كقد تطمب ذلؾ آالؼ السنيف‬،‫كتفسير ىذه الظاىرات الجغرافية كغيرىا‬
‫ ككاف لكل منيما ما يميز حضارتو في ىذا المجالي الفكرؼ‬.‫ المصريكف ك البابميكف ك اليكنانيكف‬،‫االغريق‬
.‫ حسب أىمية مكقع الحضارة ك ما إلى ذلؾ‬.‫ك المعرفي ك في الكشكؼ الجغرافية‬
.‫ االتجاىات‬،‫ رسـ الخرائط‬، ‫ االكتشافات‬، ‫ البيانات القياسية‬، ‫ األرض‬:‫الكممات المفتاحية‬
Summary;
Since thousand years ago, the human being remained thinking of his
surrounding in order to provide food, clothes and shelter. Therefore, the
geography thought was a part of portion of this subject as long as the
distribution of the population and their activities, which demanded great efforts.
Principally, in the ancient times which provided more interested information.
They based on that information which gave knowledge about the earth and its
relief and the explanations of this geographical phenomenon and other. This has
taken thousands of years. However, the first to care about this field were the
Hellenization, Egyptian, Babylonians and Greeks. Each of these for mentioned
interpretations has his civilization which distinguished him from the other in this
intellectual and knowledgeable field as well as geographic discoveries. This
studying changed according to the importance of the site of geographical
civilization and other resources
Keywords/ Earth, Measuring data, discoveries, mapping, directions
‫المقدمة‬
‫ الذؼ أخذ بما أممتو الحاسة الجغرافية في المكاف عمى‬،‫حينما يستشعر الجغرافي كنو كماىية االجتياد العقبلني‬
،‫ كما تصبك إليو مف تفاعبلت بيف اإلنساف كاألرض‬، ‫ ك الذؼ فجر االىتماـ المكضكعي بالجغرافية‬.‫األرض‬

347
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫خدمة لئلنساف مف أجل اإلنساف كتطكير البحث المكضكعي اليادؼ‪ ،‬حينيا نتبيف مسيرة الفكر الجغرافي التي‬
‫صاحبت اإلنساف في كل مكاف كزماف ك ىك تراكده الرغبة كيطالعو الرجاء في تقصي الحقائق كنقط التحكؿ التي‬
‫شيدىا الفكر الجغرافي ‪ ،‬كحركة الفكر الجغرافي في مسيرتيا السكية كاتجاىيا الصحيح رتيبة كمتأنية كمستمرة في‬
‫التطكر كالمكضكعية في كل مرحمة مف مراحل ىذا التحرؾ البناء‪ ،‬كيرجع الفضل في ذلؾ إلى األعبلـ الجغرافييف‬
‫القدامى ك ىـ يتحممكف مسئكلية تكسيع كتعميق المعرفة الجغرافية‪ .‬كمنذ أف كجد اإلنساف عمى كجو األرض كىك‬
‫يحاكؿ التعرؼ عمى بيئتو كامكاناتيا‪ ،‬كنظ اًر لتنقل اإلنساف مف مكاف آلخر كلحاجاتو الضركرية ( كالمأكل‬
‫كالمشرب كالمأكػ ) كاف البد أف يسعى لتكفيرىا‪ ،‬كىذه أمكر تتطمب معرفة المنطقة التي يعيش فييا‪ ،‬كالعبلقات‬
‫المكانية بينيا كبيف المناطق األخرػ‪ ،‬كالعبلقات المكانية جزء مف عمـ الجغرافيا‪.‬‬
‫كقد حاكؿ اإلنساف تفسير كجكد الظاىرات الطبيعية التي تحيط بو كتنتشر حكلو كىذه التفسيرات اعتمدت عمى‬
‫الخياؿ فجاءت نكعاً مف الخرافات كاالعتقادات الغريبة‪.‬‬
‫كلقد اعتمد التفكير الجغرافي منذ أقدـ العصكر عمى دعامتيف أساسيتيف ىما‪:‬‬
‫األكلى – تتعمق بالفمؾ كاألجراـ السماكية التي الحظيا اإلنساف كاستدؿ بيا في أسفاره‪.‬‬
‫الثانية – إدراؾ العبلقات المكانية التي يسرت الكشف الجغرافي‪.‬‬
‫كظمت ىاتاف الدعامتاف حتى مطمع العصكر الحديثة حينما اتسعت آفاؽ المعرفة الجغرافية كامتدت أطرافيا إلى‬
‫مجاالت جديدة‪.‬‬
‫استغرقت معرفة اإلنساف في سطح الكرة األرضية كنظاـ التكزيع السكاني آالؼ السنيف كمئات األجياؿ‪ ،‬كخريطة‬
‫العالـ ال تي ظيرت لنا في الكقت الحاضر في صكرة مكتممة كناجحة قد أدت أطكار مختمفة استطاع إنشائيا أف‬
‫يقكـ الرحالة في مجيكدات كبيرة لمعرفة أىـ معالميا التضاريسية كاكتشاؼ جباليا كىضابيا كسيكليا‪.‬‬
‫كفي األزمنة القديمة حينما كاف الترحاؿ كاالنتقاؿ أم ار صعبا يقتضي كثير مف العناء كالجيد كقد كاف ىناؾ‬
‫القميل مف الرجاؿ أك المغامريف أك المسافريف الذيف يتمكنكا مف المغامرة كالذىاب إلى العديد مف المناطق البعيدة‪،‬‬
‫كذلؾ لرغبة االستكشاؼ كجمع المعمكمات كالقصص التي تتعمق في بعض السكاف كالشعكب المختمفة‬
‫كالمخمكقات الغريبة التي تعيش في تمؾ المن اطق كغيرىا ‪.‬‬
‫كيف كصل إلينا الفكر الجغ ارفػي‪:‬‬
‫في االكديسا التي كتبيا ىكمر في بداية األلف األكؿ قبل الميبلد يظير لنا بكضكح نكع المعمكمات التي احتكت‬
‫عمييا تمؾ القصص‪ ،‬فبطل ىذا الكتاب ىك أكد يسيكس‪ .‬فقد رحل مدة تصل عشرة أعكاـ زار خبلليا عدد مف‬
‫الببلد التي يسكنيا مخمكقات غريبة‪ .‬كاف احد ىذه األماكف التي زارىا الحع أف النيار بيا مشمس كجميل غير‬
‫أف الميل قصير جدا لدرجة راعي الغنـ حينما يعكد مع غركب الشمس قد زالو شركقيا‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كبالمثل قصص ألف ليمة كليمة التي كرد ذكرىا بكصف شيق كممزكج بكثير مف العجائب لسبع رحبلت كاف‬
‫بطميا السند باد البحرؼ الذؼ زار العديد مف البمداف‪.‬‬
‫كمف ىذه القصص التي ميزت الكتابات األكلى‪ .‬المناطق كاألماكف الغريبة التي شاىدىا الرحالة األكائل‪.‬‬
‫ككاف مف الصعب أف نفرؽ بيف الحقيقة كالخياؿ كاف نفرؽ بينيما‪ ،‬الف األمر كاضح في نفس الكقت‪.‬‬
‫فقد كاف الرحاؿ في حاجو لقياس شيئيف ىما‪:‬‬
‫أػ المسافة مف مكاف آلخر‪.‬‬
‫ب ػ تحديد االتجاه أك االتجاىات المختمفة فمثبل ‪ :‬أياـ ىكمر قد أشار إلى المسافات البحرية كعدد األياـ التي‬
‫يقضييا المسافريف في البحر ‪ ...‬في حيف ظير في العرب كثي ار مف الكحدات القياسية غير الدقيقة أك مثبل "‬
‫المرحمة " ك " المنزلة " كغيرىا مف تمؾ القياسات‪.‬‬
‫أىم حضارات الفكر الجغرافي ومراحل الكشوف الجغرافية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الفكر الجغرافي عند اإلغريق ‪:‬‬
‫كفعبلً فقد تمت المعمكمات الجغرافية كتطكرت في عيد اإلغريق‪ ،‬فقد قاؿ أرسطك (‪ 322-384‬ؽ‪.‬ـ ) بكركية‬
‫األ رض‪ ،‬كبرىف عمى كركيتيا بدليل أف ظميا عمى القمر الناتج مف الخسكؼ يتخذ الشكل المستدير(‪ .)1‬كعرؼ‬
‫ىيكاتيكس (‪ 500‬ؽ‪.‬ـ ) يكمئذ بأنو أبك الجغرافية‪ ،‬إذ يمثل كتابو" دكراف األرض " أكؿ محاكلة لكصف العالـ‬
‫المعركؼ آنذاؾ كصفاً منظماً‪ .‬لما كاف استرابكف أشير الجغرافييف القدماء (‪ 58‬ؽ‪.‬ـ ‪25 -‬ـ ) إذ قاـ برحبلت‬
‫متعددة ‪ ،‬ضمف نتائجيا في سبعة عشر مجمداً‪ ،‬ككصف المناطق التي زارىا عمى أنيا أقاليـ مختمفة لكل منيا‬
‫شخصية متميزة‪ ،‬كعمى ىذا فقد عرؼ الجغرافيا كعرفيا بأنيا دراسة لؤلقاليـ المختمفة ‪" .‬‬
‫كقد نالكا شيرة كاسعة بسبب مكانتيـ العممية كمنزلتيـ الحضارية ‪ ،‬حيث أنيـ نبذكا الفكر األسطكرؼ كأحمكا مكانو‬
‫النظرة العممية لمعالـ كالمجتمع ك استغرقت العمكـ اإلغريقية ستة قركف قبل الميبلد إلى عاـ ‪ 322‬ؽ ـ ‪ ،‬عاـ‬
‫مكت أرسطك كتسمى بالعصر اليميني ‪.‬‬
‫وقد مر الفكر الجغرافي اإلغريقي بمرحمتين ‪:‬‬
‫أػ المرحمة الكصفية‪ :‬جمعت عدد مف الكتاب نذكر منيـ طالي ك أنا كسميندر‪ ،‬ك ىيكانيكس ‪ ،‬كىيركدت ‪،‬‬
‫افبلطكف كارسطك ‪ ،‬ك االسكندر االكبر‪.‬‬
‫ككاف طاليس اكؿ فبلفسة اليكناف ‪ ،‬كىك مف اصل فنيقي ‪ ،‬رحل الى مصر حيث تعمـ اليندسة كالفمؾ ‪،‬‬
‫مما مكنو مف التنبؤ بكسكؼ الشمس قبل حدكثو‪ .....‬كمف آرائو كأعمالو الفمكية كالجغرافية‪.‬‬
‫‪ -‬أف القمر يعكس اشعة الشمس ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫شاكر خصباؾ ‪ ،‬تطكر الفكر الجغرافي‪ ،‬مكتبة الفبلح‪ ،‬الككيت‪1986 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪349‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬ال حع انحرافات االنيار‪ ،‬كما درس فيضاف النيل ‪ ،‬ككجد نظاما جديدا لتقدير الضرائب عمى‬
‫االراضي الزراعية بعد انحسار الفيضاف ‪.‬‬
‫‪ -‬تأثر برككب البحر حيث ظف اف الرياح المكسمية ىي المسبب في اعاقة النير عف اف يصب في‬
‫‪1‬‬
‫البحر‪.‬‬

‫بػ مرحمة المشاىدة كالقياس‪ :‬كتسمى ىذه الفترة بالعصر اليمينسي ‪ ،‬كقد كتب ايراتكستيف مكضكغات في الفمؾ‬
‫كالجغرافيا ‪ ،‬كمف اىتماماتو الفكرية تقدير محيط االرض ‪ ،‬كاف كاف قد سبقو مف قبل ارسطك كارشيمدس ‪ ،‬كقدر‬
‫ايراستكف محيط األرض بحكالي ‪ 250‬ألف استاديا‪ ،‬كقد بنى فكرتو عمى قياس المسافة بيف نقطتيف تقعاف عمى‬
‫خط زكاؿ كاحد‪ .‬فإذا كانت درجتي عرض المكانيف اصبح في اليسير حساب طكؿ الدرجة الكاحدة كبالتالي‬
‫‪2‬‬
‫معرفة طكؿ محيط االرض‪.‬‬
‫ككانت اإليراتكستيف اىتماماتو الكارتكجرافية؛ إذ رسـ خريطة دقيقة لمعالـ كاف كانت قد حكت بعض‬
‫األخطاء ميا‪:‬‬
‫‪ ‬اإلمتداد الطكلي لمجزر البريطانية في محاذات ساحل غرب أكركبا‪.‬‬
‫‪ ‬االمتداد الشرقي لميند‪.‬‬
‫‪ ‬جعل بحر قزكيف بح ار مفتكحا كمتصبل بالحيط‪.‬‬
‫‪ ‬جعل ليبيا مغمقة ناحية الجنكب‪.‬‬
‫‪ ‬باإلضافة إلى ذلؾ كاف اإليراتكستيف اىتماماتو بتقكيـ البداف كالرياح كاتجاىاتيا‪.‬‬
‫‪2‬ـ الفكر الجغرافي في حضارة مصر القديمة‬
‫ظيرت ىذه الحضارة األصمية الميمة في كادؼ النيل كالسيما في القسـ األسفل منو خبلؿ اإللف الرابع ؽ‪.‬ـ‬
‫كاستمرت حتى القرف الخامس الميبلدؼ‪ .‬كبذلؾ يككف عمرىا أطكؿ عمر عاشتو حضارة قديمة ‪.‬‬
‫كتمتاز الحضارة المصرية بأنيا نشأت مف األطكار البدائية كلـ تشتق مف حضارة سابقة ليا ‪ .‬كبذلؾ فيي تكازؼ‬
‫الحضارة السكمرية في كادؼ الرافديف ‪ .‬مف حيث طبيعة النشأة كاألسس التي قامت عمييا الحضارة ‪ .‬فالمحفزات‬
‫الطبيعية في كل مف القطريف متشابية مف حيث التأثير كالنتائج ‪ .‬إال أنيا تختمف عف الحضارة السكمرية التي‬
‫اشتقت منيا عدة حضارات فرعية بعد مكتيا كقد ماتت قبل الحضارة المصرية بما ال يقل عف ألفي عاـ ‪ .‬كال‬

‫‪1‬‬
‫عيسى عمى ابراىيـ ‪ ،‬الفكر الجغرافي ك الكشكؼ الجغرافية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬مصر ‪ ،2000‬ص‬
‫‪.29‬‬
‫‪2‬‬
‫نفس المرجع ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪350‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يعرؼ ليا حضارات تنتسب إلييا بصمة البنكة ‪ .‬كانما استمرت في الحياة عم اًر طكيبلً يكاد يككف شاذاً بالنسبة إلى‬
‫الحضارات األخرػ ‪.‬‬
‫كالحضارة المصرية بمركزىا العاـ تمثل صرحاً ىائبلً ال يقل مكانة كمتانة عف صرح الحضارة العراقية ( كما أف‬
‫آثارىا تعتبر مالية كلما كاف الديف في مصر القديمة منظماً تنظيماً سامياً فإف مكقف المصرييف القدماء كمكانتيـ‬
‫في الحياة كانت كذلؾ مرتبطة كمنظمة ‪ .‬كيتضح مظير ذلؾ في صكرتيف ىما تشييد األىراـ الذؼ تطمب‬
‫بالضركرة مقاييس غاية في الدقة ‪ .‬ثـ نظاـ الرؼ الذؼ تطمب فناً كميارة كفضبلً عف ذلؾ كمو كانت لممصرييف‬
‫القدماء لغة مكتكبة كمتطكرة بدرجة كبيرة ) ‪.‬‬
‫( كىكذا نشأت في مصر عكامل خمق كيانيا كتككيف شخصيتيا منذ القدـ ‪ .‬فنظاـ النير كتنظيـ المجتمع‬
‫كالتجانس البشرؼ كالقاعدة األرضية اليائمة بمقياس ذلؾ العصر‪ .‬مع قكة إنتاج كاكتفاء ذاتي ‪ .‬فضبلً عف قياـ‬
‫الصحراء مف حكليا بالحماية ليذا النظاـ ) ‪ .‬إما تطكر الحضارة المصرية فقد ظير منذ ما قبل األسرات كىذه‬
‫الفترة تقابل عصر فجر السبلالت في العراؽ منذ ثبلثة أالؼ سنة قبل الميبلد ‪.‬‬
‫فبعد أف تعمـ المصريكف الزراعة كتقدمكا في ىذا الفف كترككا مناطق الكاحات إلى شكاطئ النيل بدأ الجفاؼ يحل‬
‫في ربكع الشرؽ األدنى منذ نياية العصكر الحجرية القديمة ‪ .‬حيث كانت الجماعات البشرية تتجو في استيطانيا‬
‫بالتدريج مف مناطق الكاحات كمف المناطق التي يعتمد إركاؤىا عمى المطر إلى قرب كدياف األنيار العظيمة ‪.‬‬
‫ككاف اإلنساف في ىذه المرحمة مزكداً ببعض الخيرات التي اىتدػ إلييا في العصكر السابقة‪ .‬كلكف عندما استقر‬
‫بالقرب مف ضفاؼ النيل يبدأ يستغل اإلمكانيات الطبيعية المتكفرة لو في بيئتو الجديدة‪ .‬فتحكؿ إلى استخداـ مياه‬
‫الرؼ كجفف بعض المناطق التي كانت تغمرىا مياه الفيضاف كحدد مكاسـ الفيضاف كضبط اإلركاء كالسدكد ‪.‬‬
‫كنتجت عف ىذا التفاعل بيف المصرييف كبيئتيـ الحضارة الراقية التي ظيرت في كادؼ النيل ‪.‬‬
‫ىذه المقدمة التي تناكلنا فييا إشارات كاضحة عف تطكر الحضارة المصرية بكافة أسسيا كمنيا األسس العممية‬
‫كفي مقدمتيا الفكر الجغرافي ‪ .‬بنيت عمى قكاعد متعددة كمف أبرزىا الجكانب اآلتية ‪-:‬‬
‫أ ـ خمق األرض‬
‫اشرنا في المقدمة العامة الى الجكانب المشتركة التي قامت عمييا المعارؼ البشرية في الحضارات القديمة ‪.‬‬
‫كأكدنا إف مكضكع خمق األرض كالككف بصكرة عامة مف األمكر التي شغمت اإلنساف منذ إف كجد عمى سطح‬
‫األرض ‪.‬‬
‫كفي ىذا الجانب ركزت الحضارة المصرية القديمة عمى فكرة خمق األرض كشكميا ‪ .‬كتقكـ الفكرة المصرية‬
‫القديمة لخمق األرض عمى أساس أف الكجكد جمعية بما فيو األرض كالسماء قد نشأ مف المحيط األزلي الذؼ‬
‫يعتبر بداية لكل خمق ‪ .‬كاف إلو الشمس الذؼ كانكا يعرفكنو باسـ (( أمكف رع )) ‪ Amonra‬كلد مف زىرة ((‬
‫لكتس )) كانت نامية عمى سطح المحيط ‪ .‬باعتبار أف الماء ىك أساس كل شيء كأصل كل خمق ‪ .‬ثـ ارتفع‬
‫‪351‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بار اًز مف المحيط كقاـ بخمق الو اليكاء المسمى ((شك)) ‪ Shu‬ثـ جعمو يقكـ بفصل أختو (نكف) السماء عف‬
‫أخييا (كب) األرض ‪.‬‬
‫كاما تصكرىـ لشكل األرض فقد تصك ار األرض عمى شكل مستطيل يمتد باتجاه شماؿ جنكبي كتشبو قاع صندكؽ‬
‫طكيل غير أف سطحيا إما مستك أك مقعر ‪ .‬كعمى طكؿ ىذا المستطيل يجرؼ نير النيل في حكض ضحل ‪ .‬أما‬
‫بالنسبة لمشمس ‪ .‬فقد كانت مف بيف اإللية المصرية المعظمة التي جعمكىا أعظـ اإللية كقد خصصكا العبادة‬
‫(اإللو الشمس ) أضخـ معا بدىـ ‪ .‬كاليرـ يعده البعض رم اًز مقدساً لمشمس كقد دعكا ىذا اإللو باسـ (رع) كرمزكاً‬
‫لو كذلؾ بصكرة مختصرة لصقر طائر في السماء ‪.‬‬
‫كاما تفسيرىـ لحركة الشمس كاختفائيا ليبلً ‪ .‬فيقكـ عمى أساس أف الشمس في حركتيا تمر مخترقة الجباؿ التي‬
‫عمى حافة األرض ثـ تتحكؿ الى قارب ليمي كتطفك منسابة عمى طكؿ نير آخر مف النيل في مقابل السماء اك‬
‫المجرػ السماكؼ كحينئذ تبحث عنيا الشياطيف لتكقفيا كتحكؿ دكف حركتيا كلكف دكف جدكػ كفي نفس الكقت‬
‫يبتيج بيا المكتى كيينئكف بيا المكتى كيينئكف أنفسيـ لزيارتيا إياىـ ‪.‬‬
‫ب ـ األفق الجغرافي ‪:‬‬
‫اتسع األفق الجغرافي في الحضارة المصرية نتيجة لطبيعة المكقع الذؼ تحتمو مصر ‪ .‬فإشرافيا عمى البحر‬
‫المتكسط كالبحر األحمر كاقترابيا مف قارة آسيا كارتباطيا بقارة افريقية ككنيا تمثل الزاكية الشمالية الشرقية لمقارة‬
‫كاف لكل ذلؾ أثره في اتساع األفق الجغرافي ‪.‬‬
‫لقد جمعت بيف اإلشراؼ عمى البحار كاتساع حدكدىا عمى اليابس األمر الذؼ ىيأ ليا فرصة االتصاؿ بالعالـ‬
‫الخارجي ‪ .‬كما أف الكضع السياسي كنضكج فكرة الدكلة منذ عصكر قديمة كتعرضيا لمغزكات الخارجية كغزكىا‬
‫الدكؿ المجاكرة ‪ . .‬زاد مف دائرة األفق الجغرافي ‪ .‬فعندما غ از اليكسكس مصر عاـ ‪ 1788‬ؽ‪.‬ـ كحكمكا الببلد‬
‫مدة قرنيف أؼ حتى عاـ ‪ 1580‬ؽ‪.‬ـ كتـ إخراجيـ مف قبل أخر أمراء السبللة السابعة عشر ‪ .‬كقياـ السبللة‬
‫الثامنة عشر كتأسيس اإلمبراطكرية المصرية التي طاردت اليكسكس الى ببلد الشاـ كضمتيا إلييا ‪.‬‬
‫لقد سادت أكضاع جديدة في الشرؽ األدنى ‪ .‬انمحت فييا جميع الحكاجز في العالـ القديـ كاتصمت الشعكب‬
‫ببعضيا كدخمت في عبلقات مباشرة كتككنت بيف الدكؿ صبلت دبمكماسية ىي األكلى مف نكعيا دخمت الحضارة‬
‫في طكر عالمي كتميز ىذا الطكر بأتساع العبلقات كنتج عف ذلؾ اتصاؿ بيف حضارات الشرؽ القديـ كترتب‬
‫عمى ذلؾ انتشار المغة البابمية التي أصبحت لغة المراسبلت كبذلؾ تييأت فرصة ألتساع األفق الجغرافي‬
‫المصرؼ حيث كجدت مراسبلت بيف ممكؾ الكشييف كممكؾ مصر ‪ .‬كخاصة تمؾ الرسائل المتبادلة بيف يكرنا‬
‫بكرياش ممؾ الكشييف كفرعكف مصر (( أمنكفس )) الرابع (أؼ اخناتكف )‬
‫كمف أىـ األعماؿ التي قدمتيا الحضارة المصرية تتعمق بتكسيع األفق الجغرافي عف طريق‬
‫الكشكؼ الجغرافية ‪ .‬ىك ذلؾ المشركع الذؼ تبناه الممؾ ( نخاك ) في القرف السادس قبل الميبلد كييدؼ الى‬
‫‪352‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الط كاؼ حكؿ القارة األفريقية ‪ .‬كقد أنجزت ىذه الرحمة بمساعدة المبلحيف الفينيقييف حيث خرجت السفف المصرية‬
‫مف شماؿ البحر األحمر كعادت الى مصر عف طريق جبل طارؽ كقد استغرقت ىذه الرحمة مدة ثبلث سنكات ‪.‬‬
‫كمف الذيف أيدكا ىذه الرحمة كأشاركا إلييا المؤرخ اليكناني ىيركدكتس ‪ Hera dotes‬كفي العصر الحديث حاكؿ‬
‫احد البحارة النركيجييف أثبات أف المصرييف القدماء ىـ الذيف كصمكا الى العالـ الجديد ‪ ،‬أما في مجاؿ رسـ‬
‫الخرائط فاف الدكر الذؼ احتمتو مصر في مجاؿ الفكر الجغرافي ال يتناسب مع درىا في مجاؿ الخارطة فمع اف‬
‫مصر القديمة تقدمت في مجاؿ المساحة التفصيمية كأستخدـ األساليب اليندسية لمعرفة مساحة األراضي الزراعية‬
‫إال اف دكرىا في رسـ الخرائط ال يتناسب مع تقدميا العممي كفي ىذه المجاالت ‪ .‬كمع ذلؾ فأف النصكص‬
‫التاريخية كبعض النقكش عمى جدراف المعابد تكضح اف المصرييف القدماء‬
‫رسمكا خرائط ألرض مصر تظير األكدية كالجباؿ مثل بردية تكرينك المعركفة ببردية الذىب ‪.‬‬
‫كقد اعتمدت الخرائط المصرية عمى عمميات مساحية دقيقة كذلؾ مف اجل حساب الضرائب التي تأخذىا‬
‫الدكلة مف الفبلحيف الذيف يستأجركف األرض ألف ممكية األرض تعكد لمدكلة ‪.‬‬
‫كاذا أردنا مقارنة الخ ارئط التي كجدت في مصر فإنيا تقارف مع عدد الخرائط الكثيرة التي كجدت في‬
‫الحضارة العراقية القديمة كيعكد سبب ذلؾ الى المادة التي كانت ترسـ عمييا الخرائط المصرية كالتي كانت ترسـ‬
‫عمى كرؽ البردؼ في حيف نقشت الخرائط العراقية عمى الطيف المفخكر كحفظت في المعابد األمر الذؼ ساعد‬
‫عمى بقائيا فترة طكيمة ‪.‬‬
‫كأقدـ خارطة كجدت في مصر ىي لكحة منجـ الذىب التي يعكد تاريخيا الى سنة ‪ 1320‬ؽ‪.‬ـ كتعتبر‬
‫أقدـ خارطة مرسكمة عمى كرؽ البردؼ تكضح مكقع أحد مناجـ الذىب في منطقة النكبة كقد ظير فييا أىـ معالـ‬
‫المنطقة مف مباف كطرؽ كانيار كجباؿ ‪ .‬كمع ذلؾ فمـ يتكصمكا الى اختراع الخارطة بمعناىا المعركؼ ‪.‬‬
‫عمم الفمك في الحضارة المصرية ‪:‬‬
‫تكفرت لمحضارة المصرية مقكمات كدكافع ساعدت عمى تقدـ المعرفة الفمكية فسماء مصر الصافية كانبساط‬
‫الصحراء بجانب الكادؼ أمكر تدعك اإلنساف لمتابعة الظكاىر الطبيعية كفي مقدمتيا حركة الشمس كالقمر‬
‫كالككاكب السيارة كالنجكـ في السماء ‪.‬‬
‫أما بخصكص الدكافع فكانت الحياة االقتصادية القائمة عمى الزراعة كالمرتبطة بنير النيل كراء االىتماـ بمقكمات‬
‫المعرفة الفمكية ‪ .‬فمنذ القدـ ربط المصريكف بيف ارتفاع مناسيب نير النيل كتعامد الشمس كانتقاليا الظاىرؼ الى‬
‫الشماؿ ‪ .‬أؼ أنيا كانت تقترب بتعامدىا مف مراكز الحضارة القريبة مف مدار السرطاف مركز تعامد الشمس‬
‫صيفاً ‪ .‬فكاف الربط بيف اقتراب الشمس كزيادة مياه النيل دافعا فمكيا يدعكىـ لمتابعة الشمس كمعرفة الكقت الذؼ‬
‫ستعكد فيو الى تعامدىا ‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ككاف ىذا التكافق بيف الشمس كالنيل مدعاة لتقديس الشمس ‪ .‬فقدست الشمس كعبدت تحت اسـ اإللو (رع)‬
‫كافتدػ النيل بعركستو السنكية التي كانت تزؼ إليو في كل مكسـ فيضاف سنكؼ بعد اف يتـ اختيارىا مف أجمل‬
‫نساء مصر ‪.‬‬
‫كقد ترتب عمى معرفة مكسـ فيضاف النيل القياـ بمحاكالت لتحديد الكقت كمعرفة فصكؿ السنة‬
‫مستعينيف بحركة النجكـ كمكاعيد ظيكرىا كقادىـ األمكر الى كضع التقكيـ المرتبط بالشمس منذ كقت مبكر ‪.‬‬
‫فقامكا بتقسيـ السنة الى اثني عشر شي اًر كقسمكا كل شير الى ثبلثة ( دياكيف ) كأضافكا الى مجمكع أياميـ‬
‫خمسة أياـ كالتي تمثل األعياد ‪ .‬ككانت سنتيـ تبدأ منذ ظيكر النجـ سكثييف ( الشعرؼ اليمانية ) قبل شركؽ‬
‫الشمس حيث يرتبط ظيكره بالفيضاف السنكؼ لنير النيل ‪.‬‬
‫كمف معارفيـ الفمكية أنيـ قامكا بتقسيـ منطقة كاسعة عمى طكؿ خط االستكاء ست كثبلثيف قسماً يشمل كل منيا‬
‫أسطح النجكـ كمجمكعاتيا اك أجزاء مف ىذه المجمكعات مما يتمكف رصد ظيكره كل عشرة أياـ متعاقبة ‪.‬‬
‫كتمتاز المعرفة الفمكية في حضارة مصر باستمرارىا كديمكمتيا فكؽ األرض المصرية حتى في‬
‫الفترات التي فقدت فييا مصر سيادتيا عمى أرضيا ففي عيد البطالسة كمنذ بداية القرف الثالث قبل الميبلد كلمدة‬
‫خمسة قركف تمت ذلؾ ‪ .‬كاف الدكر الفمكي لمحضارة المصرية مستم اًر ‪ .‬كتمثل في المدينة اإلسكندرية حيث بدأت‬
‫سمسة مف األرصاد الفمكية في تمؾ المدينة كمنيا ‪-:‬‬
‫‪ .1‬تعييف مكاقع اإلجراـ السماكية الى درجة كبيرة مف الدقة ‪.‬‬
‫‪ .2‬قياس أبعاد الشمس كالقمر بطريقة جديدة مف نكعيا تعتمد عمى زاكية القمر مع الشمس عندما يككف في‬
‫الربع األكؿ‪.‬‬
‫‪ .3‬قياس طكؿ محيط األرض عف طريق رصد الشمس في مدينتي اإلسكندرية ك أسكاف ‪.‬‬
‫‪ .4‬محاكلة تفسير التغيير في أبعاد الشمس كالقمر عف األرض ‪.‬‬
‫كبعد ذلؾ قمت الدراسات الفمكية في مصر كاستمرت حتى القرف الثامف‪ .‬حيف قاـ العرب بإعادة المركز لؤلبحاث‬
‫الفمكية مف جديد عندما برزت الدراسات الفمكية العربية مف جديد كبدأت مصر تمارس دكرىا الفمكي ضمف أطار‬
‫الدكلة العربية اإلسبلمية‪.‬‬
‫ال يمكف اف نحدد تاريخا معينا نعده البداية االكلى لتطكر الفكر الجغرافي حسبنا المعرفة الجغرافية تتمثل في‬
‫معرفة االنساف لؤلرض كما يحيط بيا فيذه بدأت منذ اف بدا االنساف محاكلة التأمل بكعي كادارؾ في الظكاىر‬
‫الطبيعية المحيطة بو كالبحث عف امكانية البيئة كمحاكلة استغبلليا كايجاد السبل الستثمارىا ‪.‬‬
‫عند ذلؾ يمكف الربط بيف بداية الفكر الجغرافية كبداية تمؾ المرحمة حينئذ يمكف القكؿ اف الفكر الجغرافي‬
‫قديـ قدـ التاريخ البشرؼ اال انو كاف محددا بسبب محدكدية حركة االنساف كمف ىذا كصف الفكر الجغرافي بانو‬

‫‪354‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ذك مكاني محدكد ففي االدكار مف حياتو كاف قطر دائرة بيئتو يساكؼ المسافة التي يقطعيا اك يراىا في حياتو‬
‫اليكميو اك العامة لذلؾ يمكف التأكد عمى اف بيئة االنساف االكؿ كانت محدكدة‪.‬‬
‫كتأتي ىذه المحدكدية نتيجة عكامل كثيرة منو منيا كفاية مقكمات البيئة لمعيشة االنساف بسبب قبمة عدده كما‬
‫اف معرفتو بظركؼ البيئات البعيدة كانت محدكدة كيمكف كضعيا بانيا ذات طابع يمتاز بالسيكلة اذ ارتاد‬
‫االنساف االكؿ المناطق السيمة كاآلمنة لمبحث عف مصادر رزقو كادامو حياتو متجنبا المناطق ذات الطابع‬
‫القاسي ‪.‬‬
‫ففي العصكر القديمة التي عرفت بالعصكر الحجرية كالتي استغرقت الجزء االعظـ مف حياة االنساف حيث‬
‫شغمت العصكر الحجرية القديمة كحدىا زىاء ‪ %98‬مف حياة البشر‪ .‬كاف االنساف فييا يعيش عمى الجمع‬
‫كااللتقاط كالقنص كالصيد كىك بذلؾ يشبو الجماعات البدائية التي تعيش في الكقت الحاضر في بعض اجزاء‬
‫العالـ كالتي تمكنت قبل اف تتكصل الى معرفة الكتابة مف عمل بعض الرسكـ البسيطة اك الخرائط عمى قطع‬
‫الجمد اك عمى الرماؿ لبياف بعض الدركب كالمسالؾ التي يتبعكنيا في المكاسـ الصيد كالقنص‪ .‬كما انيـ قامكا‬
‫بتصكير بعض المظاىر الطبيعية كاألنيار كالجباؿ كاالشجار كالبحيرات عمى جدراف الكيكؼ‪.‬‬
‫كقد حدثت ظكاىر طبيعية في ىذه المرحمة كاف ليا أثر كبي ار في حياة االنساف فقد حدت ازماف جميدية قاسية‬
‫اشتد فييا البرد كغطتو طبقات الجميد الزاحفة شماؿ أكربا إلى ما بعد جباؿ االلب فانيزـ االنساف الى البقاع‬
‫الجنكبية مف االرض كالتجا الى الكيكؼ اتقاء الزميرير القاسي‪.‬‬
‫ككاف يفصل بيف عصر جميدؼ كاخر فترة يتبدؿ فييا المناخ كيتراجع الجميد الى الشماؿ ككاف كمما حصل‬
‫عصر جميدؼ في أكربا كامريكا الشمالية ظير في الشرؽ االدنى كفي افريقية كغيرىا مف البقاع االسيكية الجنكبية‬
‫زمف تكثر فيو االمطار كالرطكبة كقد سميت مثل ىذه االزماف بعصكر الممطرة كقد كثرت االمطار كعمت حتى‬
‫جزيرة العرب كمنطقة الصحارؼ في افريقية مما مكف االنساف كالحيكاف مف اف يعيش فييا‪ .‬اما الفترات بيف‬
‫العصكر الجميدية في أكربا فكاف يقابميا في انحاء الشرؽ االدنى عصكر جفاؼ كنحف نعيش في اكاخر فترة‬
‫جفاؼ‪.‬‬
‫كمف المؤكد اف تككف معرفة االنساف قد بدأت مع النبات قبل الحيكاف ألف النبات يمتاز عف الحيكاف بقمو‬
‫مقاكمتو لئلنساف فعرؼ االنساف االكؿ االشجار المثمرة في منطقتو كعرؼ مكاسـ اثمارىا كعرؼ النباتات الحكلية‬
‫كمكاسـ نمكىا كىذه الخطكة زادت في معرفتو فاتخذ مف حرفة الجمع اساسا لمعيشتو كتقكـ ىذه الحرفة عمى اسا‬
‫جمع الجذكر االشجار كثمارىا كما ينمك فييا كيككف صالحا لطعامو ‪ .‬كعندما تقدمتو معرفة االنساف كزادت‬
‫قابميتو انتقل لمتابعة الحيكاف فاصبح يمارس حرفة الصيد مبتدئا بالحيكاف البطيئة الحركة كالقميمة المقاكمة‬
‫كاألغناـ األمر الذؼ تطمب اف ينتقل الى مناطق اخرػ فادػ ذلؾ إلى تكسيع افقو الجغرافي كزادت معمكماتو‬
‫كعندما انتقل االنساف مف حرفة الجمع الى حرفة الزراعة منذ أكاخر‬
‫‪355‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫العصر الحجرؼ تبدلت اسميب عيشو فتحكؿ الى منتج بعد اف كاف مستيمكا فقط فتعمـ حراثة االرض كزرعا‬
‫بالحبكب التي كاف يجمعيا في العصر السابق كانتقالو الى حرفة الزراعة فرض عميو االستقرار في منطقة معينو‬
‫طيمة المكسـ الزراعي االمر الذؼ دعاه لبلىتداء الى بناء البيكت الثابتة كتأسيس المراكز الحضارية كحصيمة‬
‫الفكر الجغرافي بدعامتيو كانت نتاجا لجميع الحضارات القديمة منيا كالحديثة كلذلؾ احتكػ الفكر الجغرافي عمى‬
‫الركابط مشتركة بيف جكانب المعرفة المختمفة لمفكر الجغرافي كىذا يعد ذاتو يعد مؤش ار يدعـ ككف الفكر الجغرافي‬
‫نتاجا عالميا برزت فيو بعض الحضارات دكف غيرىا تبعا لما تسير ليا مف معارؼ استخدمتيا في مجاؿ تطكير‬
‫ىذا الفكر فتباينت مراكزىا تبعا لتبايف استخداـ تمؾ المعارؼ كجاء اشتراؾ الحضارات القديمة في جكانب متعددة‬
‫مف المعرفة الجغرافية كالتي يمكف ايجازىا بالنقاط االتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬االىتمام بخمق االرض ‪:‬‬
‫تمثل االرض الدعامة االكلى التي بني عمييا الفكر الجغرافي فجميع الحضارات اىتمت بمكضكع خمق‬
‫االرض كعبلقتيا بالدعامة الثانية التي تتمثل في السماء كما فييا‪ .‬كخاصة الشمس كالقمر كالنجكـ كقد انعكس‬
‫ىذا االىتماـ عمى حياة ىذه الحضارات الدينية كاالجتماعية كاالقتصادية كقد ظل االنساف طكيبل يؤمف بصحة‬
‫شيئيف فييا يختص باألرض كالشمس االكؿ االرض التي يعيش عمييا تمثل مركز الككف كالثاني اف الشمس تدكر‬
‫حكؿ االرض كمف دراستنا التفصيمية الفكر الجغرافي في مراكز الحضارة ستبرز لنا قضية اىتماـ الفكر بمكضكع‬
‫خمق االرض‪.‬‬
‫‪ -2‬االىتمام برسم الخرائط ‪:‬‬
‫ما مف شؾ في أف البابمييف ىـ اآلباء الشرعيكف لعمـ الخرائط فقد اتخذ ىذا العمـ عمى أيدييـ خطكاتو األساسية‪،‬‬
‫فرسمكا خرائط لؤلرض كلمدف معينة تشمل عمى معالـ باتت أساسية في صناعة الخرائط ىي مقياس الرسـ كاتجاه‬
‫الخريطة كالمظاىر الطبغرافية ‪.‬‬
‫كمف ىنا فاف حاجة االنساف لمعرفة االماكف كالكشف عف الجديد كانت تمثل ىدفا كاضحا اعتمده الفكر‬
‫الجغرافي في جميع الحضارات القديمة كلذلؾ فقد اىتمت الحضارات جميعا بمكضكع الخرائط كالتي تمثل المؤشر‬
‫الذؼ يمكف استدالؿ مف خبللو عمى مكقع المكاف كالعمماء ال يستبعدكف اىتداء الحضارات القديمة الى معرفة‬
‫الخرائط فقد كصف بعض الرحالة المحدثيف محاكالت قديمة لدػ الشعكب البدائية لرسـ الخرائط كما ىي الحاؿ‬
‫مثبل عند الينكد الحمر كاالسكيمك كبعض سكاف جزر المحيط اليادؼ مما يؤيد ذلؾ أف كثي ار مف الشعكب‬
‫كالقبائل المكغمة في البدائية كالسيما مف الصياديف المتجكليف كالمبلحيف قد عرؼ عنيـ أنيـ قامكا برسـ خرائط (‬
‫كركية ) ككانت ىذه الخرائط ذات قيمو المكتشفيف ‪.‬‬
‫كقد برزت الخارطة كأساس لمعرفة الفكر الجغرافي في الحضارات القديمة ففي الحضارة العراقية القديمة كانت‬
‫خرائط مسح االراضي كقياسيا كتخطيطاتيا معركفة عمى درجة مف الدقة ‪ .‬كمف الخرائط القديمة التي برزت في‬
‫‪356‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الفكر الجغرافي العراقي القديـ خارطة مدينة أ كمة ( تل جكفة ) كخارطة مدينة لكش ( تمك ) كخارطة مدينة نفر‬
‫كالتي سنشير الييا بالتفصيل في مجاؿ بحثنا لمحضارة العراقية‪.‬‬
‫الخريطة ‪ :1‬العالم المعروف عند األقدمين‬

‫المصدر‪ :‬رينيو كمكزييو‪ ،‬تطكر الفكر الجغرافي ‪ ،‬ترجمة عبد الرحمف حميدة‪ ،‬دار الفكر‪ .1985 ،‬دمشق ‪ ،‬سكريا‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪357‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الشكل (‪ :)02‬خارطة األرض حسب أكصاؼ ىكميركس‪.‬‬

‫المصدر‪ :‬نفس المرجع السابق الذكر‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪358‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الخريطة(‪ )03‬لساف بيتكس‬

‫‪ -3‬معرفة قياس الزمن ‪:‬‬


‫يمكف اف تعد ظاىرة تعاقب الميل كالنيار مف اكؿ الكسائل التي استخدمكا االنساف لقياس الزمف تبله تبايف‬
‫حركة القمر الشيرية كتغير الفصكؿ كل ىذه الظكاىر دفعتو لمبحث عف معرفة الكسيمة التي بمكجبيا يتـ تحديد‬
‫عبلمات الزمنية بيف تمؾ الظكاىر لبلحتياط ليا‪.‬‬
‫كاىتـ االنساف بالنجكـ اىتماما كبي ار حتى كصل الى درجة عبادتيا كقادة تمؾ لمعرفة عمـ الفمؾ كقد استعممت‬
‫االقكاـ القديمة كسائل متعددة لتحديد الزمف كتقسيمو كمف ىذه الكسائل المزكلو الشمسية نيا ار كالساعة المائية أك‬
‫الرممية ليبل كأكؿ المحاكالت التي جرت كانت في العصر البابمي عندما قسمكا اليكـ الى ( ‪ ) 12‬قسما كل قسـ‬
‫يساكؼ ساعة مضاعفة مف ساعاتنا قسمكا الساعة ‪ 30‬جزء كل جزء يساكؼ أربع دقائق مف دقائقنا كقد جاءنا ىذا‬
‫التقسيـ منذ السبللة األكدية حكالي ‪ 2400‬ؽ‪.‬ـ كقسـ المصريكف كبل مف النيار كالميل الى اثني عشر قسما اؼ‬
‫اف الساعة المصرية تساكؼ نصف الساعة العراقية ككذلؾ استخدمكا الظل لحساب الساعات النيارية كالماء‬
‫لحساب الساعات الميمية‪.‬‬
‫كقد عرؼ كل مف البابمييف كالمصرييف الفرؽ في اطكاؿ الميل كالنيار بالنسبة لمفصكؿ حتى اف بعض المصرييف‬
‫تكصمكا الى كضع نسبة ‪ 12 : 14‬لطكؿ ليالي الشتاء الى الصيف كما اف البابمييف كالمصرييف قامكا بتقسيـ‬

‫‪359‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫السماء الى المناطق كدكنكا اثباتا بأسماء النجكـ كصنفكا النجكـ الى ابراج كمجمكعات كربطكا بينيا كبيف معرفة‬
‫الزمف‪.‬‬
‫‪ -4‬قياس المسافات‬
‫اعتمد اإلنساف األكؿ في قياس المسافة عمى حركتو الخاصة المقاسة بطكؿ أقدامو كذ ارعو كخطكاتو كلذلؾ‬
‫كانت المسافات تختمف حسب اختبلؼ طكؿ الخطكات كطكؿ األقداـ كما انيـ استخدمكا الزمف في قياس‬
‫المسافات فعرفكا سرعة اإلنساف كالحيكاف كمقدار ما يقطع كل منيما في اليكـ حتى أصبحت ىذه الكسيمة شائعة‬
‫في معظـ الحضارات القديمة اف تزايد حاجة االنساف بعد نشكء الحضارة في كل مف العراؽ كمصر الى تدكيف‬
‫المعامبلت كالشؤكف التجارية المتعمقة بالمعابد كالمباني العامة دعا الى التكحيد المكازيف كالمكاييل كالقياسات‬
‫كابتداع طريقة لمعد كالقكاعد لحساب المعامبلت ككانت بداية ىذه االمكر في عصكر ما قبل التاريخ كيظف اف‬
‫البشر اسس طريقة عدة عمى عدد االصابع يديو كلذلؾ اتخذ معظـ البشر طريقة العد العشرية كلكف السكمرييف‬
‫استعممكا الطريقة الستينية كاستخدـ سكاف العراؽ كحدة المقاييس الطكلية منذ عصر فجر السبلالت كالتي عرفت‬
‫ب ( الكار ) الذؼ يساكؼ ‪ 20‬قدما اك ‪ 6‬امتار‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة االتجاه ‪:‬‬
‫مف أكؿ الظكاىر التي استخدميا اإلنساف لمعرفة االتجاه ىي الشمس فعف طريقيا تمكف مف تحديد الجيات‬
‫األساسية فالجية التي تشرؽ منيا الشمس كالجية التي تغرب فييا كانت أكؿ الجيات التي اىتدػ إلييا اإلنساف‬
‫ثـ قسـ اعمى الشيء ما بيف الشرؽ كالغرب فسماه شماال كأسفل الشيء ما بيف الشرؽ كالغرب فسماه جنكبا‪.‬‬
‫كعمى ىذا األساس اىتدػ اإلنساف إلى معرفة الجيات االساسية نيا ار كبقيت مشكمة الجيات ليبل كخاصة في‬
‫الميالي غير المقمرة فنتيجة لحركة االرض كتغير المكقع الظاىرؼ لمنجكـ تظير مشكمة تحديد االتجاه كاضحة‬
‫كتبدك المسالة اكثر تعقيدا في البحار كالصحارؼ كقد استعانت معظـ الحضارات القديمة بظاىرة ثبكت اتجاه‬
‫الرياح كاستعماليا في تحديد االتجاه ككذلؾ استعانت ببعض النجكـ التي تبدك ثابتة بالنسبة لحركة االرض كمنيا‬
‫النجـ القطبي الذؼ اشارات اليو معظـ الحضرات في نصف الكرة الشمالي ( الف نجكـ القبة السماكية في نصف‬
‫الكرة الشمالي تختمف عف النجكـ القيمة السماكية في نصف الكرة الجنكبي )‪.‬‬
‫ىذه االسس الفكرية التي اشرنا الييا سابقا كالتي تشابيت في معظـ الحضارات القديمة كالتي تمثل قاعدة ميمة‬
‫لممعرفة الجغرافية باعتبارىا احدػ المعارؼ االساسية كاالصمية التي عرفيا االنساف معتمدا عمى بيئتو التي امدتو‬
‫بالمحفزات الطبيعية فأثارت فيو البحث عف الكسائل التي مف شانيا اف تقف في كجو تمؾ المحفزات فسبقت‬
‫غيرىا في الفكر الجغرافي‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كمع أف الفكر الجغرافية يمثل نتاجا عالميا ساىمت فيو معظـ األمـ إال أف بعض المجمكعات البشرية قدمت‬
‫أكثر مف غيرىا لمفكر الجغرافي العالمي كىذا ما سكؼ نتطرؽ اليو مف خبلؿ استعراض دكر تمؾ الشعكب‬
‫كمساىمتيا في المعرفة الجغرافية التي اعتمد عمييا الفكر الجغرافي العالمي في حاضره‪.‬‬
‫‪3‬ـ الفكر الجغرافي عند الفينيقيون ‪ :‬استكطنت الفينيقيكف البحر المتكسط كأسسكا العديد مف المدف مثل قرطاجة‬
‫كصيدا كصكر‪ .‬ظيركا كأمة تجارية في سنة ‪ 1600‬قبل الميبلد‪.‬‬
‫كاشترككا مع اإلغريق في ظيكر أعبلـ مف أىميـ ‪:‬‬
‫ىيبارككس ( عاش في أكاسط القرف الثاني قبل الميبلد ) حيث ىك مف ابتكر نظاـ دكائر العرض كأطمق عمييا‬
‫لمحالة‬ ‫اسـ ‪ Kalimata‬كالتي اشتقت منيا كممة ‪ Climate‬أؼ المناخ نظ اًر لما تشير أليو دكائر العرض‬
‫المناخية بشكل عاـ ‪ .‬كاف يعتقد أف األرض مركز الككف كاف الشمس كبقية الككاكب تدكر حكليا‪. 1.‬‬
‫ايراتكستينيز الذؼ قدر محيط األرض بطريقة رياضية دقيقة كذلؾ ( في عاـ ‪ 240‬ؽ‪.‬ـ‪ ) .‬حيث تكصل‬
‫بحساباتو إلى أف محيط األرض ىك( ‪ 39348‬كـ ) ‪ ،‬كىك قريب جداً مف الرقـ الصحيح لمحيط األرض كىك(‬
‫‪ 40075‬كـ ) ‪.‬استطاع ايراتكستينيز حساب محيط األرض عندما الحع أف أشعة الشمس في يكـ ‪ 21‬يكنيك‬
‫تتعامد عمى مدينة أسكاف القريبة مف مدار السرطاف كقت الزكاؿ ‪ ،‬في حيف تككف أشعة الشمس مائمة عف‬
‫الكضع العمكدؼ عمى مدينة اإلسكندرية بمقدار ‪ ْ7,2‬في نفس اليكـ ( شكل رقـ ‪ . ) 1‬ككجد أف المسافة بيف‬
‫المدينتيف تبمغ حكالي ‪ 787‬كـ ‪ .‬كقد أكجد طكؿ الدرجة في محيط األرض باآلتي‪:‬‬
‫‪ 109,3= 7,2÷787‬كـ‬
‫إذف محيط األرض= ‪ 39348 = 360×109,3‬كـ تقريباً كىك قريب جداً مف‬
‫محيط األرض كىك‪ 40075‬كمـ‬

‫‪1‬‬
‫الفرا‪ ،‬ك دمحميف ‪ ،‬المدخل إلى عمـ الجغرافيا ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬دار المريخ ‪ . 1982،‬ص ‪. 15 - 3 .‬‬

‫‪361‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫شكل رقـ (‪ )01‬طريقة حساب اريستكتينيز لمحيط األرض‪.‬‬


‫المصدر‪ :‬عبد هلل اصر الكليعي‪ ،‬المدخل الى الجغرافيا الطبيعية ك البشرية ‪ ،‬الرياض ‪ ،2006 ،‬ص ‪. 17‬‬
‫‪4‬ـ الفكر الجغرافي الروماني‪ :‬اقتبسكا الحضارة كالعمكـ مف اإلغريق الفينقييف كمف عممائيـ ‪ :‬نذكر اسماء‬
‫جغرافية يمكف اإلشارة إلييا بصكرة عابرة منيا ميبل ‪ Mela‬كسينيكا ‪ Seneca‬كبميني‪ Bliny .‬كسترابك الممقب‬
‫بأبك الجغرافيا ‪ .‬دكف أعمالو الجغرافية في ‪ 17‬مجمد سجل مشاىداتو كأسفاره ‪ .‬كمف األشياء التي تكصل إلييا‬
‫كجكد مناطق معتدلة فكؽ الجباؿ في المناطق االستكائية ‪.‬‬
‫بطميمكس أكؿ مف حاكؿ كضع أسس عممية لمجغرافيا في كتابو " المدخل إلى عمـ الجغرافيا " حيث يعتبر ىمزة‬
‫الكصل بيف الجغرافيا القديمة كالحديثة‪.‬‬
‫‪5‬ـ الفكر الجغرافي ببالد ما بين النيرين‪ :‬اىتمكا ىؤالء بالدراسات الفمكية فقد بنى البابميكف األبراج لمتابعة‬
‫كدراسة األجراـ السماكية كتسجيل الخسكؼ كالكسكؼ ‪ ،‬ككضعكا تقكيماً قمرياً كالشير ‪ 29‬يكـ ك‪ 30‬يكـ بالتتابع‬
‫كالسنة بذلؾ ‪ 354‬يكـ كعند الضركرة ‪ 13‬شي اًر في السنة‪.‬كما أنيـ ابتكركا النظاـ الستيني أؼ أف الساعة ‪60‬‬
‫دقيقة كالدقيقة ‪ 60‬ثانية‪.‬‬
‫فف الخرائط ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫قكائـ البيانات الجغرافية ‪.‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫كقد قامت صراعات بيف السكمرييف المتحضريف كالبدك المتنقميف عبر الصحراء ‪ ،‬كيكصف البدك قديما بأنيـ (‬
‫القكـ الذيف ال يعرفكف البيكت كال يزرعكف القمح )‪ ،‬كقد أطمقكا عمييـ اسـ سكمر (كي ػ اف ػ جي‪، )ki-en- gi ،‬‬
‫((التي تعني حرفيا (ببلد سيد آحراش القصب))‪ ،‬كقد مارس السكمريكف الزراعة كتربية الماشية ‪،‬كاىتمكا بالنقل‬
‫السيما المدف الكاقعة في الفرات كتطكير كسائمو ك اتصل سكمر بالصكماؿ كعدف ‪ ،‬كقد تمكف سرجكف‬

‫‪362‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪2585‬ؽ‪.‬ـ‪ .‬مف تأسي المممكة المتحدة سكمر كأكاد‪ ،‬كلـ يتمكف مف السيطرة بل أتى بعده حمكرابي ‪ 2286‬ؽ‪.‬ـ‪،‬‬
‫كسيطر عمى جميع ببلد ما بيف النيريف ‪.‬‬
‫‪7‬ـ الفكر الجغ ارفي الوسيط عند العرب ‪:‬‬
‫امتد امبراطكرية العرب االسبلمية مف المحيط االطمنطي كمف افريقيا الشرقية كحتى آسيا الكسطى كسرعاف ما‬
‫تفككت ىذه االمبراطكرية بعد قرف كنصف مف الفتح كحمت محميا الكحدة الدينية بدال مف الكحدة السياسية فكانت‬
‫رحبلت الحج كالعبلقات التجارية كراء معرفة بقاء ببلد االسبلـ كفي القرف ‪10‬ـ كاف العرب ينشركف مؤسساتيـ‬
‫عمى طكؿ الساحل االفريقي الشرقي أؼ مف البحر االحمر كحتى مصب نير الزامبيزؼ كلـ يفت العرب كشف‬
‫العالـ القديـ التقميدؼ ككاف منيـ العديد مف االعبلـ الجغرافييف مف أمثاؿ ‪:‬‬
‫ابف حكقل الذؼ طاؼ بالعالـ اإلسبلمي ثبلثيف سنة كألف كتاب " المسالؾ كالممالؾ" في القرف الرابع اليجرؼ ‪.‬‬
‫ك أبا عبد هلل دمحم بف دمحم الطنجي الممقب باسـ " ابن بطوطة " في القرف ‪14‬ـ كىك أمير الرحالة العرب بحق‬
‫حيث قطع في رحبلتو ‪ 175‬ألف ميل بعد أف خرج مف كطنو قاصداً بيت هلل الحراـ ألداء فريضة الحج كلـ يكف‬
‫يعتقد انو لف يعكد إلى بمده إالّ بعد مضي ثبلثيف عاماً قضاىا في اإلسفار كالترحاؿ‪ ،‬ككتب مشاىداتو بكتاب‬
‫سماه " تحفة األنظار في غرائب األمصار كعجائب اإلسفار "‪ ،‬كاإلدريسي في القرف ‪12‬ـ ‪.‬‬
‫كقد كاف دكر الفكر الجغرافي في الرحبلت الثبلثة ‪:‬‬
‫‪2‬ػ رحمة العمـ ‪3‬ػ رحمة التجكؿ كالطكاؼ‬ ‫‪1‬ػ رحمة الحج‬
‫كىذا معناه اف االسبلـ (الدكلة ) قد كضعت الرحمة البرية كالرحمة البحرية في مكانتو االفضل كالتي كاف معيا‬
‫التطكر االقتصادؼ كالسياسي كالحضارؼ ‪ ،‬كرحمة الجياد في سبيل هلل كل ىذه خدمة لئلنساف كتطكيره مع‬
‫احباط الكفر كرفضو ‪ ،‬بل كانت الرحمة االسبلمية الجغرافية تحرر الناس مف كل داء‪ .‬مف أجل تأميف االسبلـ‬
‫كالمسمميف كال يعفى المسمـ القادر منيا أك مف تجييزىا كتمكيميا احتسابا لكجو هلل ‪ ،‬كحينما تشاىد الرؤية‬
‫الجغرافية التي تمفت النظر كاكتساب الميارات (عف رحمة البيركني إلى اليند )‪. 1‬‬
‫كاليدؼ االساسي عند العرب كالمسمميف ىك تحقيق الفكر كتعزيز االجتياد الجغرافي كاالنفتاح عمى الرؤية‬
‫الجغرافية كاالطبلع عمى الكاقع الجغرافي‬
‫إذ يمكف تصنيف ما كتبو العرب عمى النحك التالي ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ارجع كتاب االسبلـ كالفكر الجغرافي‪ ،‬ككذلؾ أدب الرحمة عند العرب ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الفمك ‪ :‬كمف اشير المسمميف الفمكييف دمحم بف مكسى الخكارزمي ( النصف األكؿ مف القرف التاسع الميبلدؼ )‬
‫كىك مف اكبر عمماء الرياضيات كمبتكر عمـ الجبر كىك احد فمكيي المأمكف ‪.‬كيرجع كتابو " صكرة األرض " إلى‬
‫القرف الثالث اليجرؼ كالذؼ قسـ العالـ فيو إلى سبعة أقاليـ كذلؾ كفق درجات العرض ‪.‬‬
‫فن الخرائط ‪ ،‬مثل خريطة الخكارزمي التي بينت حدكد األقاليـ السبعة كأكضح عمييا مجرػ نير النيل‪ .‬كخارطة‬
‫العالـ لئلدريسي المرسكمة عمى دائرة عظيمة الحجـ مف الفضة كخريطة ابف حكقل المبسطة ‪.‬‬
‫المعاجم الجغرافية العربية ‪ ،‬مثل "معجـ البمداف " لياقكت الحمكؼ المكلكد سنة ( ‪1179‬ـ ) كيعد مكسكعة‬
‫جغرافية كبيرة سجمت كصفاً لممدف كالبمدات المختمفة ‪ .‬ك" تقكيـ البمداف " الذؼ كضعو أبك الفدا المكلكد سنة‬
‫‪ 1273‬ـ ‪ ،‬الذؼ قسـ العالـ إلى مناطق جغرافية دكف االعتماد عمى دكائر العرض‪.‬‬
‫الفكر الجغرافي الحديث ‪:‬‬
‫شيد النصف الثاني مف القرف التاسع الميبلدؼ البداية الحقيقية لمجغرافيا الحديثة ‪.‬كيرػ البعض أف عصر‬
‫الجغرافيا الحقيقية بدأ في أكائل القرف التاسع عشر الميبلدؼ عمى يد العالـ األلماني اسكندر ىمبكلت الذؼ قاـ‬
‫برحبلت عديدة في أمريكا الكسطى كالجنكبية كالذؼ أكضح في دراستو قكة العبلقة بيف اإلنساف كالطبيعة ‪.‬‬
‫المدارس الجغرافية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المدرسة الحتمية أك البيئية ‪ :‬حيث ترػ ىذه المدرسة أف األرض أك البيئة تتحكـ إلى حد كبير في‬
‫اإلنساف كسمككو كنشاطو ‪ ،‬كاف لممناخ كالطبيعة سمطاناً كبي اًر عمى اإلنساف ‪.‬كمف أنصار ىذه المدرسة العالـ‬
‫األلماني ىمبكلت كمس سامبل األمريكية ‪ ،‬كيرػ أنصار ىذه المدرسة أك ما يطمق عمييـ " البيئيكف " اف‬
‫الجغرافيا ىي دراسة تأثيرات الظركؼ الطبيعية في اإلنساف كنشاطو ‪.‬‬
‫‪ -2‬مدرسة التحكـ البشرؼ أك مبدأ اإلمكانية أك االختيارية أك االحتمالية ‪ :‬كترػ ىذه المدرسة بأف اإلنساف سيد‬
‫ما حكلو كانو يممؾ إمكانات التغيير إف أراد ذلؾ ‪ .‬إف اإلنساف عامل جغرافي ايجابي يساىـ في تعديل سطح‬
‫األرض فبل تكجد بقعة مف األرض إال كلئلنساف بصمة فييا ‪ .‬كمف أنصار ىذه المدرسة العالـ الفرنسي فيداؿ‬
‫دؼ الببلش ‪.‬‬
‫‪ -3‬المدرسة اإلقميمية ‪ :‬كتتمخص ىذه المدرسة في اثر البيئة عمى اإلنساف كالتفاعل بيف الظركؼ الطبيعية‬
‫كالبشرية‪ .‬كمف أنصار ىذه المدرسة العالـ األمريكي برستكف جيمس كالذؼ قاؿ بأف الجغرافيا اإلقميمية " تختص‬
‫بدراسة الركابط كالعبلقات بيف مختمف الظاىرات لكي تبرز شخصيات األقاليـ مف خبلؿ إظيار أكجو التشابو‬
‫كاالختبلفات بينيا " ‪.‬‬
‫ككما ذكر سابقاً باف الجغرافيا تنقسـ إلى قسميف رئيسييف‪ ،‬الجغرافيا الطبيعية كالجغرافيا البشرية فمكل نكع العديد‬
‫مف الفركع ‪ ،‬فتنقسـ الجغرافيا الطبيعية إلى الفركع التالية ‪:‬‬
‫الجيمكرفكلكجيا ‪ :‬كىي دراسة مظاىر سطح األرض مع دراسة طرؽ تككينيا ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪364‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ب‪ -‬الجغرافيا المناخية ‪ :‬كتيتـ بدراسة حاالت الجك مف خبلؿ اخذ متكسطات عناصر المناخ مف ح اررة‬
‫كضغط جكؼ كرياح كمطر ‪.‬‬
‫ج ػ الجغرافيا الحيكية كدراسة أنماط النبات كتكزيع الحيكانات البرية كارتباطيا بالظركؼ الجغرافية‪.‬‬
‫دػ جغرافية البحار كالمحيطات فتيتـ في عبلقتيا باليابس كدراسة الخصائص الطبيعية لمياه البحار كالمحيطات ‪.‬‬
‫أما الجغرافيا البشرية فتنقسـ إلى فركع متعددة أىميا ‪:‬‬
‫جغرافية السكاف‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬جغرافية السكف ‪.‬‬
‫جػ ػ الجغرافيا االقتصادية ‪.‬‬
‫دػ الجغرافيا السياسية ‪.‬‬
‫التطورات الحديثة في الجغرافيا ‪:‬‬
‫االتجاه الكمي ‪.‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫ب‪ -‬التصكير الجكؼ كاالستشعار عف بعد ‪.‬‬
‫ج ػ نظـ المعمكمات الجغرافية ‪.‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫لقد تعرفنا عمى طبيعة الفكر الجغرافي كتطكره‪ ،‬عف طريق استعراض التاريخ الجغرافي‪ ،‬ك أىـ الحضارات‬
‫التي كاكبت ذلؾ التطكر‪ .‬كخير المناىج التي اتبعت الطريقة التاريخية في فيـ الجغرافيا ىك منيج‬
‫الجغرافي األلماني الفرد ىتنز ‪ ، Alfred Hettner‬الذؼ يعد أنو ال بد مف الرجكع إلى الفكر الجغرافي‬
‫كالمنيج الجغرافي‪.‬‬
‫إف أىـ ما جاءت بو الحضارات مف معرفة األرض ك قياس الزمف ك المسافات ك معرفة االتجاىات كرسـ‬
‫الخرائط كخريطة (لساف بيتكس) كغيرىا‪ ،‬كاف ميـ لمكاكبة تمؾ التحكالت المعرفية‪.‬‬
‫فقد استخدـ أكؿ شيء لمعرفة االتجاه ىي الشمس فعف طريقيا تمكف مف تحديد الجيات األساسة فالجية‬
‫التي تشرؽ منيا الشمس كالجية التي تغرب فييا كانت اكؿ الجيات التي اىتدػ الييا االنساف ليتطكر فكره‬
‫كلـ يكف العرب ك المسمميف بمعزؿ عف ىذه األفكار ك محاكلة تطكرىا مف خبلؿ رحبلت الحج ك غيرىا ‪،‬‬
‫كمع أف الفكر الجغرافي يمثل نتاجا عالميا ساىمت فيو معظـ األمـ إال أف بعض المجمكعات البشرية‬
‫قدمت أكثر مف غيرىا لمفكر الجغرافي العالمي كىذا ما تـ التطرؽ إليو مف خبلؿ استعراض دكر تمؾ‬
‫الشعكب كمساىمتيا في المعرفة الجغرافية التي اعتمد عمييا الفكر الجغرافي العالمي قديما ك حديثا‪.‬‬
‫المراجع المعتمدة‪:‬‬
‫‪ -‬الف ار ‪ ،‬ك دمحميف ‪ ،‬المدخل إلى عمـ الجغرافيا ‪ ،‬الرياض ‪ ،‬دار المريخ ‪. 1982،‬‬
‫‪365‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪ -‬رينيو كمكزييو‪ ،‬تطكر الفكر الجغرافي ‪ ،‬ترجمة عبد الرحمف حميدة‪ ،‬دار الفكر‪ .1985 ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -‬عبد هلل اصر الكليعي‪ ،‬المدخل الى الجغرافيا الطبيعية ك البشرية ‪ ،‬الرياض ‪.2006 ،‬‬
‫‪ -‬عيسى عمى ابراىيـ ‪ ،‬الفكر الجغ ارفي ك الكشكؼ الجغرافية‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬اإلسكندرية ‪،‬‬
‫مصر ‪2000‬‬
‫‪ -‬شاكر خصباؾ ‪ ،‬تطكر الفكر الجغرافي‪ ،‬مكتبة الفبلح‪ ،‬الككيت‪1986 ،‬ـ‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫زراعة الزيتون والصناعات القائمة عميو ببالد الشام في العيد الممموكي‬


‫(‪ 648‬ىـ‪1250/‬م ‪ 923 -‬ىـ‪1516 /‬م)‬
‫د‪ .‬يوسف إبراىيم الزاممي‬
‫قسـ التاريخ‪ ،‬كمية اآلداب‬
‫جامعة األقصى‪ ،‬فمسطيف‬
‫‪y-zamlay@hotmail.com‬‬
‫ممخــص‬
‫اىػػتـ أىػػل الشػػاـ بز ارعػػة الزيتػػكف منػػذ القػػدـ‪ ،‬كتعػػكد زراعتػػو لمعيػػد اليكنػػاني كالركمػػاني‪ ،‬كلبركػػة ىػػذه‬
‫الشػػجرة أصػػبحت جػػزء مػػف حيػػاة أىػػل الشػػاـ كاىتمامػػاتيـ‪ ،‬فكانػػت زراعتػػو عمػػى نطػػاؽ كاسػػع فػػي معظػػـ بػػبلد‬
‫الشاـ ‪ ،‬كقامت عمى زراعة الزيتكف بعػض الصػناعات مثػل صػناعة الزيػت‪ ،‬كصػناعة الصػابكف‪ ،‬كأصػبحت‬
‫ىذه مف الحرؼ الميمة لدػ أىل الشاـ‪ ،‬كاىتـ سبلطيف المماليؾ بيػذه الز ارعػة كأشػرفكا عمييػا بشػكل مباشػر‬
‫حتى أصبحت مف أىـ مصادر الدخل لدكلة المماليؾ‪.‬‬
‫الكممات المفتاحية‪ :‬زيتكف‪ -‬صناعة‪ -‬صابكف‪ -‬زراعة‪ -‬معاصر – زيت ‪ -‬أسعار‬
‫‪Abstract‬‬
‫‪The people of sham were interested in olives trees planted since ago .‬‬
‫‪And its planting refers to Greek and rowans age , For this tree useful its became‬‬
‫‪part of people of sham and their interesting .‬‬
‫‪So its planting was in wide areas in the most of Al sham countries . so appears‬‬
‫‪on its planting some industrial works such as oil industry and soaps important to‬‬
‫‪the people of sham .‬‬
‫‪So the sultans of Mamalik interested to this planting and they supervised on it‬‬
‫‪directly .‬‬
‫‪Until it's became the most important so were income to the Al mamalik country .‬‬
‫‪Keywods/ Olive – Making – soap- Farming – contemporary – oil - Rates‬‬
‫مقدمة‪ :‬تعتبر شجرة الزيتكف مف األشجار المباركة ألىميتيا الكبرػ مف الناحيتيف الغذائية كاالقتصادية‪،‬‬
‫مصدر ىاـ مف مصادر استخراج الزيت كصناعة الصابكف‪ ،‬كزيت الزيتكف لو فك ٌ‬
‫ائد طبيةٌ كبيرةٌ كرد‬ ‫ٌ‬ ‫فيي‬
‫ذكره في األحاديث النبكية بأنو يشفي مف ٍ‬
‫كثير مف األمراض(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬معبل‪،‬جميل ‪ ،‬كعبد الحناف الحمكة‪،‬زراعة الزيتكف في سكريا‪ ،‬دمشق ‪1955‬ـ‪،‬ص‪.46‬زيكد‪،‬دمحم ‪،‬حالة ببلد الشاـ‬
‫األقتصادية منذ العيد الطكلكني حتى نياية العيد الفاطمي‪،‬ص‪،201‬د‪.‬ف‪،‬د‪.‬ـ‪1987‬ـ‪.‬‬
‫‪367‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كلقد اىتـ أىل الشاـ بزراعة شجر الزيتكف كاىتمكا بو اىتماماً كبي اًر خاص ًة انو ال يحتاج مف الفبلح جيداً‬
‫كبي اًر لمعناية بو‪ ،‬حيث تحرث األرض حكؿ شجرة الزيتكف مرتيف أك ثبلث مرات في العاـ‪ ،‬كتقميميا مرة كل‬
‫ثبلث أك أربع سنكات(‪ ،)1‬كما إف شجرة الزيتكف ال تحمل ثما اًر كفيرة إال عاماً بعد عاـ (‪ ،)2‬كىي تتحمل قمة‬
‫(‪.)3‬‬
‫المياه‬
‫كالمشيكر عند أىل الفبلحة أف شجرة الزيتكف تعمر ثبلثة آالؼ عاـ ‪ ،‬كيبدأ مكسـ جني الزيتكف في ببلد‬
‫(‪)4‬‬
‫الشاـ في شير تشريف الثاني‬
‫كقد غطت أشجار الزيتكف مساحات كبيرةٌ مف ببلد الشاـ حتى قيل أنيا كجدت بيا منذ زمف سيدنا عيسى‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ضرب بكثرة‬‫عميو السبلـ ‪ ،‬ككانت فمسطيف مف المراكز الرئيسة لزراعتو في العصكر اإلسبلمية ‪.‬كقد ُ‬
‫زيتكف فمسطيف المثل‪ ،‬فقيل‪" :‬مثل بمد فمسطيف في كثرة الزيتكف"(‪ ،)7‬كقيل‪" :‬ثبلث غبلت في ثبلثة بمداف‬

‫(‪ )1‬النابمسي‪،‬عبد الغني بف اسماعيل(ت‪1143‬ىػ‪1730/‬ـ) ‪،‬المبلحة في عمـ الفبلحة‪،‬مخطكط مصكر مف مكتبة‬


‫الككنجرس رقـ ‪،84‬مجمكعة الشرؽ األدني ‪،‬كيكجد عنو نسخة بمكتبة مركز الكثائق كالمخطكطات بالجامعة االردنية‬
‫ميكركفمـ رقـ‪،468‬ص‪.291‬‬
‫(‪ )2‬القزكيني‪،‬عجائب المخمكقات كغرائب المكجكدات‪،‬تحقيق فاركؽ سعد‪،‬دار اآلفاؽ الجديدة‪،‬بيركت‪،1981‬ص‪.291‬‬
‫(‪ )3‬القزكيني‪،‬عجائب‪،‬ص‪ .291‬النابمسي‪،‬المبلحة‪،‬ص‪39‬‬
‫(‪ )4‬مجيكؿ(مف القرف الثامف‪/‬الرابع)‪،‬مفتاح الراحة الىل الفبلحة‪،‬تحقيق كدارسة دمحم عيسى صالحية‪،‬إحساف صدقي‬
‫العمد‪،‬المجمس الكطني لمثقافة كالفنكف كاالداب‪-‬قسـ التراث العربي‪،‬الككيت‪،‬ط‪1404،1‬ىػ‪1984/‬ـ‪،‬ص‪.191‬األشبيمي‪،‬دمحم بف‬
‫حجاج‪ ،‬المقنع في عمـ الفبلحة ‪،‬تحقيق صبلح جرار‪،‬جابر ابكصفية‪،‬تدقيق عبد العزيز الدكرؼ‪،‬مجمع المغة العربية‬
‫األردني‪،‬د‪.‬ـ‪، ،1989‬ص‪.56-54‬‬
‫(‪)5‬البػػدرؼ أبػػي الفػػداء عبػػد هلل بػػف دمحم البػػدرؼ المصػػرؼ‪،‬نزىة األنػػاـ فػػي محاسػػف الشػػاـ‪ ،‬المكتبػػة العربيػػة‪ ،‬بغػػداد‪ ،‬المطبعػػة‬
‫السمفية بمصر‪1341،‬ىػ‪،‬ص‪.212‬‬
‫(‪ .D.M Varisco: Zaytun, Encyclopedia of Islam, vo.11, p.487 )6‬نقبل عف‪:‬أبكشمالة‪،‬شريف ‪،‬فمسطيف‬
‫تحت الحكـ العباسي المباشر ‪264 -132‬ىػ‪878 -750 /‬ـ" ‪ ،‬أطركحة ماجستير غير منشكرة‪ ،‬كمية اآلداب‪ ،‬قسـ التاريخ‬
‫كاآلثار‪ ،‬الجامعة اإلسبلمية – غزة‪1432(،‬ىػ‪2011/‬ـ)‪ ،‬ص‪.137‬‬
‫(‪ )7‬الدينكرؼ‪ :‬عبد هلل بف مسمـ‪ :‬المعاني الكبير في أبيات المعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬المستشرؽ سالـ الكرنككؼ ‪ ،‬كعبد الرحمف ابف‬
‫يحيى بف عمي اليماني (‪1313‬ىػ‪1386-‬ىػ)‪ ،‬مطبعة دائرة المعارؼ العثمانية ‪ -‬حيدر آباد الدكف باليند‪،‬ج‪ ،1‬ص‪.170‬‬
‫العزيزؼ‪،‬الميمبي‪ :‬المسالؾ كالممالؾ‪،‬جمع كتعميق كحكاشي تيسير خمف‪،‬د‪.‬ت‪ .‬ص‪ .85‬كماؿ الديف عمر بف أحمد ابف‬
‫العديـ ت‪809‬ىػ‪1456/‬ـ‪،‬بغية الطمب في تاريخ حمب‪12،‬ج‪ ،‬تحقيق سييل زكار‪،‬ط‪ ،1‬دار الفكر بيركت‪1988،‬ـ ‪،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪.60‬‬
‫‪368‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫متساكيات‪ :‬الزيتكف بفمسطيف‪ ،‬كالتمر بالبصرة‪ ،‬كاألرز باألىكاز"(‪،)1‬ككاف أىل فمسطيف يقكلكف‪ :‬أف الزيت‬
‫كالزيتكف في ببلدىـ يفكؽ في كثرتو سائر البمداف(‪.)2‬‬
‫كمف اىتماـ أىل ببلد الشاـ بشجرة الزيتكف كزراعتيا أنيا كانت تدر عمييـ أرباحاً طائمة لدرجة أف زراعتيا‬
‫(‪.)3‬‬
‫كقاـ عمييا معاصر الزيت‬ ‫كانت متطكرة قبيل العيد المممككي خاصة في مدف القدس كالخميل كنابمس‬
‫(‪.)4‬‬
‫التي كانت منتشرة في أغمب القرػ التي تكثر فييا أشجار الزيتكف‬
‫(‪.)5‬‬
‫ككاف الفبلحكف في ىذه الفترة يجنكف ثمار الزيتكف عف طريق جد األشجار بالعصي‬
‫ض قد‬ ‫ض(‪ ،)6‬كالتمقيط؛ لكف كاف ُيفضل طريقة التمقيط؛ ألف َّ‬
‫النْف َ‬ ‫ككذلؾ كاف يتـ جني الزيتكف بطريقة َّ‬
‫النْف َ‬
‫(‪.)7‬‬
‫يفقأ العيكف‪ ،‬كيكسر غصكف الشجرة المباركة‬
‫أماكن زراعة الزيتون في الشام‪:‬‬
‫اىتـ أىل الشاـ بزراعة شجر الزيتكف منذ أياـ اليكناف كأصبحت جزءاً مف حياتيـ ‪ ،‬كألىمية ىذه الشجرة‬
‫يف * َك َى َذا اْلَبَمِد‬ ‫طِ ِ ِ‬
‫كر سين َ‬ ‫الزْيتُك ِف * َك ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫يف ك َّ‬
‫اقسـ المكلي عز كجل بيا في كتابو العزيز في قكلو تعالى "َ كالتّ َ‬
‫يف "(‪ ،)8‬كانتشرت زراعة الزيتكف في اغمب قرؼ الشاـ حيث أكد العمرؼ عمى كفرة زراعتو في الشاـ‬ ‫ْاأل َِم ِ‬

‫(‪ )1‬التكحيدؼ‪،‬ابف حياف‪ :‬البصائر كالذخائر‪،‬تحقيق كداد القاضي‪،‬دار صادر‪،‬بيركت‪،‬ط‪،1‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.186‬‬
‫(‪ )2‬ابف الفقيو‪،‬أحمد بف دمحم اليمذاني ‪،‬البمداف ‪،‬مطبعة ليدف‪1302،‬ـ‪ ، :‬ص‪.166‬‬
‫‪(3)Benvenisti ,M.,The Crusaders ,pp.161,447، Prawer,J. ,The Latin,p.362.Benvenisti ,M.The‬‬
‫‪,M.The Crusaders.,p.224.‬‬
‫‪(4)prawer,J. ,The Latin,p.361.‬‬
‫(‪ )5‬البيشاكؼ‪،‬سعيد‪ ،‬الممتمكات الكنسية في مممكة بيت المقدس الصميبية (‪1291-1099‬ـ‪690-492/‬ىػ )‪،‬دار المعرفة‬
‫الجامعية ‪،‬األسكندرية مصر‪1989،‬ـ‪،‬ص‪.427‬‬
‫(‪ )6‬ابف أنس‪ ،‬مالؾ بف أنس بف مالؾ‪ :‬المدكنة‪ ،‬دار الكتب العممية‪1415( ،‬ىػ‪1994/‬ـ)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.470‬‬
‫(‪)7‬الطبرؼ‪،‬دمحم بف يحي بف جرير الطبرؼ‪،‬تحقيق دمحم أبك الفضل إبػراىيـ‪،‬ط‪،2‬نشػر دار المعارؼ‪،‬مصر‪،‬سػنة‪1967‬ـ‪ :‬تػاريخ‪،‬‬
‫ج‪ ،7‬ص‪. 206‬الببلذرؼ‪،‬أحم ػػد ب ػػف يح ػػي ب ػػف ج ػػابر البغ ػػدادؼ‪،‬تحقيق س ػػييل زكار‪،‬ري ػػاض زركم ػػي‪،‬ط‪،1‬دار الفك ػػر‪ :‬أنس ػػاب‬
‫األشػ ػ ػراؼ‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪، .411‬اب ػ ػػف كثي ػ ػػر‪ ،‬إس ػ ػػماعيل ب ػ ػػف عم ػ ػػر‪،‬ت ‪774‬ىػ ػ ػػ‪1372/‬ـ‪،‬البداي ػ ػػة كالنياي ػ ػػة‪، ،‬مكتب ػ ػػة المع ػ ػػارؼ‪،‬‬
‫بيركت‪.‬د‪.‬ط‪،‬د‪.‬ت‪.‬‬
‫‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ . 385‬الزمخشرؼ‪ ،‬محمكد بف عمرك‪ :‬ربيع األبرار كنصكص األخيار‪ ،‬بيركت‪ ،‬مؤسسة األعممي‪1412( ،‬ىػ)‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬ص‪.242‬‬
‫(‪ )8‬سكرة البمد اية ‪.3-1‬‬
‫‪369‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫بقكلو "كبالشاـ الزيتكف الكثير كمنو يحمل إلى كثير مف الببلد"(‪ .)1‬كتركزت زراعتو في المناطق الجبمية ‪،‬‬
‫فكانت رساتيق بيت المقدس كميا أشجار زيتكف تنبت بغير ماء ‪ ،‬كالخيرات بيا كثيرة كرخيصة ‪ ،‬كفييا‬
‫أرباب عائبلت يممؾ الكاحد منيـ خمسيف ألف مف زيت الزيتكف يحفظكنيا في اآلبار كاألحكاض‬
‫كيصدركنيا إلى أطراؼ العالـ (‪ ،)2‬أما عف مناطق تكزيع تمؾ الشجرة المباركة‪ ،‬فنجد أنيا كانت منتشرًة في‬
‫في "سائر جباؿ فمسطيف كسيميا"(‪" ،)3‬كمدف سكاحل فمسطيف منيا‪ :‬عسقبلف كأرسكؼ كيافا‪...‬بيا شجر‬
‫الزيتكف‪ ،‬كالكركـ كثيرة جدا "(‪.)4‬‬
‫كتُعد القدس كجباليا(‪ ،)5‬كخاصة طكر زيتا‪ ،‬كقرية العازرية(‪ ،)6‬مف أشير مناطق زراعة الزيتكف في‬
‫فمسطيف(‪ ،)7‬كقد أُطمق عمى أحد جباؿ القدس اسـ جبل الزيتكف ربما لكثرة ما زرع عميو مف أشجار‬

‫(‪)1‬العمػػرؼ‪ ،‬أحمػػد بػػف يحيػػى بػػف فضػػل هلل القرشػػي العػػدكؼ‪ ،‬شػػياب الػػديف ( ت ‪749‬ى ػػ‪1348/‬ـ)‪ ،‬مسػػالؾ األبصػػار ‪،‬نشػػر‬
‫المجمع الثقافي‪ ،‬أبك ظبي‪،‬ط‪ 1423 ،1‬ىػ ‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.428‬‬
‫(‪)2‬ناصر خسرك‪ ،‬سفرنامو‪،‬رحمة ناصر خسرك الي لبناف كفمسطيف كمصر كالجزيرة العربية في القرف الخامس اليجرؼ‪،‬نقميػا‬
‫اليجرؼ‪،‬نقميا الي العربية ‪،‬د‪.‬يحي الخشاب‪،‬دار الكتاب الجديد‪،‬بيركت‪،‬ط‪1970، 2‬ـ ‪،‬ج‪،1‬ص‪.56-55‬‬
‫(‪ )3‬اإلصطخرؼ‪،‬ابرىيـ بف إسحاؽ بف دمحم الفارسي(ت‪346‬ق‪957-‬ـ)‪ ،‬المسالؾ كالممالؾ‪، ،‬تحقيق دمحم جابر‬
‫الحسيني‪،‬مراجعة دمحم شفيق غرباؿ‪،‬الجميكرية العربية المتحدة ‪ ،‬ك ازرة الثقافة كاإلرشاد القكمي‪1318‬ق‪1961/‬ـ‪ :‬ص‪.58‬‬

‫(‪)4‬اإلدريسػػي‪ ،‬أبػػك عبػػد هلل دمحم بػػف عبػػد هلل بػػف إدريػػس ( ت‪56‬ى ػػ‪1166/‬ـ)‪ :‬نزىػػة المشػػتاؽ فػػي اخت ػراؽ االفػػاؽ ( اسػػطكانة‬
‫مكتبة التاريخ كالحضارة ‪ ،‬االصدار الثالث ) ج‪ ،1‬ص‪. 364‬‬
‫(‪ )5‬خسرك‪ :‬سفر نامو‪ ،‬ص‪ .55‬البكرؼ‪ ،‬أبك عبيد‪ :‬المغرب في ذكر ببلد إفريقية كالمغرب‪ ،‬مف كتاب " المسالؾ كالممالؾ"‪،‬‬
‫كالممالؾ"‪ ،‬تحقيق دكسبلف‪ ،‬مكتبة المثنى – بغداد‪ -‬ط (‪1376‬ىػ‪1957 /‬ـ)‪ ،‬ص ‪ .193‬بكركيبة‪ ،‬رشيد‪ :‬الدكلة الحمادية‪،‬‬
‫تاريخيا كحضارتيا‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية‪1397( ،‬ىػ‪1977 /‬ـ)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .466‬المنجـ‪ ،‬إسحاؽ بف‬
‫الحسيف‪ :‬آكاـ المرجاف في ذكر المدائف المشيكرة في كل مكاف‪ ،‬بيركت‪ ،‬عالـ الكتب‪1408 ( ،‬ىػ)‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫(‪ )6‬اإلدريسػػي‪ :‬نزىػػة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ .357‬العميمػػي‪ ،‬مجيػػر الػػديف الحنبمػػي (ت‪ 927‬ى ػػ‪1520/‬ـ)‪،‬األنػػس الجميػػل بتػػاريخ القػػدس‬
‫كالخميل‪،،‬تحقيق عدناف يكنس عبد المجيد نباتة‪،‬نشر مكتبة دنديس‪،‬عماف‪ ،‬سنة‪1420‬ىػ‪1999/‬ـ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.75‬‬
‫(‪)7‬المقدسي ‪،‬شمس الديف ابي عبد هلل دمحم بف احمد المعركؼ بالبيشارؼ (ت‪387‬ق‪997/‬ـ) ‪،‬أحسف التقاسيـ في معرفة‬
‫األقاليـ‪ ،‬كضع مقدمتو كىكامشو كفيارسو دمحم مخزكـ‪،‬نشر دار إحياءالتراث‪،‬العربي‪،‬بيركت‪،‬سنة‪1408‬ق‪1987/‬ـ‪،‬ص‪،167‬‬
‫‪.179‬‬
‫‪370‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الزيتكف(‪ ،)1‬كقد كصف ياقكت كادؼ مكسى بأنو " كاد حسف كثير الزيتكف "(‪ ،)2‬كما كاف في َع ّك َة " غابة‬
‫زيتكف"(‪.)3‬‬
‫ككصفت الخميل بأف فييا "الزيتكف كثير"(‪ ،)4‬كينطبق القكؿ نفسو عمى عسقبلف(‪ .)5‬كعد السخاكؼ الزيتكف‬
‫ُ‬
‫الزيتكف في الخميل مف الفاكية فذكر أف" أغمب فكاكييا الزيتكف" ‪ .‬كما زرع الزيتكف في صفد ‪ ،‬ككذلؾ‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫ككذلؾ الرممة(‪ ،)8‬كقد تحصف جكىر الصقمي القائد العبيدؼ بزيتكف الرممة‪ ،‬بعدما الحقو أفتكيف(‪ ،)9‬في‬
‫داللة عمى كجكد غابات كثيفة مف أشجار الزيتكف في الرممة‪ ،‬يتسنى لجيش بأكممو االحتماء بيف‬
‫أغصانيا‪.‬‬
‫كيعكد زراعتو في القدس إلي العيديف الركماني كاإلسبلمي‪ ،‬كتشير نتائج المسح العثماني‬
‫سنة‪963‬ىػ‪1555/‬ـ أف الزيتكف زرع في قرػ كمزارع القدس بشكل كثيف مثل قرية قمكنيا كالعازرية كلفتا‬
‫كدير أبك ثكر كطبمية كبيت طمما كسنجل كبيت صفافا(‪ ،)10‬كما كجد سكقاً خاصا بالزيت في القدس عرؼ‬
‫بسكؽ الزيت(‪ ،)11‬ككاف يزرع في قرية كفر كفا(‪ ،)1‬كمف كثرة اىتماـ أىل الشاـ بالزيتكف أنيـ جعمكا بداية‬

‫(‪ )1‬ابف حكقل‪،‬أبي القاسـ دمحم(ت‪400‬ق)‪ :‬صكرة األرض‪،‬نشر مكتبة دار الحياة بيركت‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.159‬‬

‫(‪ )2‬ياقكت ‪ ،‬ياقكت بف عبد هلل الحمكؼ ‪( ،‬ت‪626‬ىػ‪1228/‬ـ) معجـ البمداف‪ ،‬دار الفكر‪،‬بيركت‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ .346‬كانظر‪:‬‬
‫البغدادؼ‪ :‬صفي الديف عبد المؤمف بف عبد الحق ابف شمائل القطيعي الحنبمي‪(،‬ت‪739 :‬ىػ‪1339/‬ـ) مراصد االطبلع عمى‬
‫ّ‬
‫أسماء األمكنة كالبقاع‪ ،‬بيركت‪،‬دار الجيل‪ 1412( ،‬ىػ‪1991/‬ـ)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1418‬‬
‫(‪ )3‬المقدسي‪ :‬أحسف التقاسيـ‪ ،‬ص‪.162‬‬
‫‪4‬‬
‫( ) ناصر‪،‬خسرك‪ :‬سفر نامو‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫‪5‬‬
‫( ) المصدر نفسو‪ .‬ص‪.73‬‬

‫(‪)6‬السخاكؼ‪،‬دمحم بف عبدالرحمف بف دمحم بف أبي بكر بف عثماف بف دمحم شمس الديف أبك الخير (ت‪:‬‬
‫‪902‬ىػ‪1497/‬ـ)‪:‬البمدانيات‪ ،‬تحقق‪:‬حساـ بف دمحم القطاف‪ ،‬السعكدية‪ ،‬دار العطاء‪ ،‬ط‪1422 ،1‬ىػ‪2001/‬ـ‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫(‪)7‬شيخ الربكة‪ ،‬شمس الديف أبي عبد هلل دمحم أبي طالب األنصارؼ ‪ ،‬نخبة الدىر في عجائب البر كالبحر‪ ،‬تحقيق ميراف‪،‬‬
‫بطرسبرغ‪ ،‬ط‪1935 ،1‬ـ‪.‬ص‪.211‬‬
‫(‪)8‬ناصر‪ ،‬خسرك‪ :‬سفر نامو‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪)9‬المقريزؼ‪ ،‬أبك العباس تقي الديف أحمد بف عمي بف عبد القادر الحسيني العبيدؼ(ت‪845:‬ق‪1441/‬ـ)‪ :‬اتعاظ الحنفاء‬
‫بأخبار األئمة الفاطمييف الخمفاء‪ ،‬تحقيق‪:‬الجزء ‪ :1‬حققو‪ :‬جماؿ الديف الشياؿ‪ ،‬الجزء ‪ :3 ،2‬حققو د دمحم حممي دمحم أحمد‪،‬‬
‫أستاذ التاريخ اإلسبلـ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.241‬‬
‫(‪) 10‬كقفيػػة خاصػػكي سػػمطاف فػػي بيػػت المقػػدس‪ ،‬رسػػالة دكتػػكراة غيػػر منشكرة‪،‬د ارسػػة كتحميػػل الطالب‪،‬غسػػاف محيبش‪،‬مقدمػػة‬
‫لجامعة عيف شمس بالقاىرة‪1425،‬ق‪2004/‬ـ‪،‬ص‪.29-28‬‬
‫(‪ )11‬العميمي‪،‬األنس الجميل‪،‬ج‪،2‬ص‪.304‬‬
‫‪371‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫مكسـ قطافو عيداً سمكه بعيد الزيتكف(‪ ،)2‬أما الخميل فاف أغمب الزراعة فييا مف الزيتكف" كيعطي أىل‬
‫الخميل الضيكؼ كالمسافريف كالزائريف الخبز كالزيتكف" (‪ ،)3‬كتركزت زراعتو بكثرة في كالية الشاغكر خاصة‬
‫شاغكر عرابة بدليل كفرة انتاجيا مف الزيت(‪ ،)4‬كتكثر زراعة شجر الزيتكف في مدف سكاحل فمسطيف‬
‫كخاصة عسقبلف كأرسكؼ(‪ ،)5‬كمدينة سرميف غنية بالبساتيف كأكثر شجرىا الزيتكف كبيا يصنعكف الصابكف‬
‫األجرؼ كيصدر منيا إلى مصر كالشاـ (‪ ،)6‬ك مدينة نابمس مدينة كثيرة األشجار مطردة األنيار مف أكثر‬
‫ببلد الشاـ زيتكنا كمنيا يحمل الزيت إلى مصر كدمشق(‪ ،)7‬كأكد المقدسي عمى أىمية زراعة الزيتكف في‬
‫نابمس التي انتشرت في معظـ قراىا بقكلو"نابمس في الجباؿ كثيرة الزيتكف"(‪ ،)8‬كأشار شيخ الربكة الدمشقي‬
‫أف نابمس خصيا هلل بالشجرة المباركة كىي الزيتكف (‪ ،)9‬بينما يذكر العميمي أف"معظـ األشجار بضكاحييا‬
‫سميت بعسكر الزيتكف‬ ‫الزيتكف"(‪ ،)10‬كمف قرؼ نابمس المشيكرة بزراعة الزيتكف قرية عسكر كلكثرتو بيا‬
‫كقاؿ المقدسي أف ساحات احد المساجد في عكا غرست‬ ‫(‪)12‬‬
‫(‪ ،)11‬ككذلؾ كادؼ الزيتكف بالقرب مف نابمس‬
‫بشجر الزيتكف كأف الزيت الذؼ عصر مف زيتكف ىذا الكرـ كاف يكفي إلضاءة المسجد(‪ ،)13‬كمف القرػ‬
‫التي اشتيرت بيذه الزراعة اليامة لدرجة أف معاصر الزيت في الشاـ انتشرت بشكل كاسع قرية زبيدة كىي‬

‫(‪)1‬يكىاف يكدنغ‪ ،‬بيركيارت‪ ،‬رحبلت بيركيارت‪،‬القسـ الخاص في سػكرية الجنكبيػة‪ ،‬ترجمػة أنػكر عرفػات‪،‬ج‪،2‬منشػكرات دائػرة‬
‫الثقافة كالفنكف بك ازرة الثقافة كاإلعبلـ‪ ،‬المطبعة األردنية‪،‬عماف‪1969،‬ـ‪،‬ص‪.67‬‬
‫(‪)2‬ابػف الكردؼ‪،‬سػراج الػديف ت(‪ 852‬ى ػ = ‪1457‬ـ )‪،‬عجائػػب البمػداف‪،‬مف خػػبلؿ مخطكط‪،‬خريػػدة العجائػب كفريػػدة الغ ارئػػب‪،‬‬
‫تحقيق كتعميق كتقديـ ‪،‬أنػكر محمكد زنا‪،‬جامعة عيف شمس‪،‬ص ‪.49،48،47‬‬
‫(‪)3‬ناصر خسرك‪ ،‬سفرنامو ج‪،1‬ص‪.73‬‬
‫(‪)4‬طو ثمجي الطراكنة‪،‬مممكة صفد في عيد المماليؾ‪،‬نشر دار اآلفاؽ الجديدة بيركت ط‪1982 ،1‬ـ‪،‬ص‪166‬‬
‫(‪ )5‬اإلدريسي‪،‬نزىة المشتاؽ‪،‬ج‪،1‬ص‪. 364‬‬
‫(‪)6‬ابف بطكطة‪ ،‬دمحم بف عبد هلل بف دمحم المكاتي أبكعبد هلل( ت ‪703‬ىػ‪1303/‬ـ)‪،‬تحفة النظار في غرائب االمصار كعجائب‬
‫االسفار‪ ،‬تحقيق د‪.‬عمي المنتصر الكتاني‪،‬ط‪،4‬نشر مؤسسة الرسالة‪1405،‬ق‪،‬ج‪ 1‬ص‪.85‬‬
‫(‪)7‬ابف بطكطة‪ ،‬رحمة ‪،‬ج‪،1‬ص‪.80‬‬
‫(‪)8‬المقدسي‪،‬أحسف التقاسيـ ‪،‬ج‪،1‬ص‪.174‬‬
‫(‪)9‬شيخ الربكة‪،‬نخبة الدىر‪،‬ص‪.200‬‬
‫(‪)10‬العميمي‪،‬األنس الجميل ج‪،2‬ص‪.75‬‬

‫(‪)11‬ياقكت‪،‬معجـ البمداف‪،‬ج‪،4‬ص‪.123‬‬
‫(‪ )12‬النابمسي ‪،‬عبد الغني إسماعيل ‪،‬الحقيقة كالمجاز فػي رحمػة بػبلد الشػاـ كمصػر كالحجػاز‪،‬تحقيق ريػاض عبػد الحميػد‪،‬دار‬
‫المعرفة‪،‬دمشق ط‪1،1989‬ـ ‪،‬ص‪.306‬‬

‫(‪)13‬أحسف‪،‬التقاسيـ‪،‬ج‪،1‬ص‪.163‬‬
‫‪372‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫عمى طرؼ جبل األحص في نقرة بني أسعد حيث كصفت أنيا في" ظبلؿ شجر الزيتكف كالدليل أنو ما مف‬
‫قرية في نقرة بني أسد إال كفييا أثر معصرة لمزيت كالحجر الذؼ كاف يعصر بيا"(‪ ،)1‬كمعرة النعماف كانت‬
‫كانت كبيرة كعامرة كثيرة المباني كاألسكاؽ ال يكجد بأرضيا كال في نكاحييا ماء جار كال عيف كاغمب‬
‫أرضيا الرماؿ‪ ،‬ككاف يشرب أىميا مف تجميع مياه األمطار‪ ،‬غنية بالكثير مف أشجار الزيتكف كالكركـ‬
‫كالتيف كالفستق كالجكز كنحك ذلؾ(‪ ،)2‬كأما مدينة طرابمس الشاـ فيي مدينة كبيرة عمييا سكر مف الحجر‬
‫منيع كليا رساتيق كأككار كضياع جميمة كبيا الكثير مف شجر الزيتكف(‪ ،)3‬كأنطاكية مف المدف التي تقع‬
‫شماؿ الشاـ كاف يزرع فييا الزيتكف بكثافة لدرجة أف الحنطة كالشعير كانت تزرع تحت شجر الزيتكف في‬
‫قراىا المتصمة(‪ ،)4‬كأشارت أحد الدراسات الحديثة أف شجر الزيتكف كاف منتش اًر في أرباض دمشق ‪ ،‬ككاف‬
‫في حمص عمى ما تبيف مف الحفريات التي أُجريت أف بيا شجر زيتكف كثير بدليل ما كجد مف معاصره‬
‫ككانت كفر سكسية قرية‬ ‫التي لـ يبقى ليا زيتكف تعصر منو‪.‬كاشتير في القديـ زيتكف الطفيمة كالشكبؾ‬
‫(‪)5‬‬

‫مف قرػ دمشق غنية بالزيتكف‪ ،‬كأشار النعيمي أنو بقرية كفرسكسية معصرة لمزيتكف (‪ ،)6‬كبيت لحـ يزرع‬
‫فييا الزيتكف بكثرة في الجباؿ‪ ،‬كذكر أنيا قرية ممدنة تقع بيف جباؿ كثيفة بأشجار الزيتكف (‪ ،)7‬كذكبطياس‬
‫كانت قرية عمى باب حمب بيف النيرب كبابمي‪ ،‬كقد ذكرىا البحترؼ كغيره بأشعاره‪ .‬كقاؿ أبك بكر الصنكبرؼ‬
‫يتشكؽ إلييا كىك بالصالحية‪ :‬إني طربت إلى زيتكف بطياس ‪ ...‬بالصالحية‪ ،‬بيف الكرد كاآلس(‪ ،)8‬كالرممة‬
‫تعتبر أغنى مناطق الشاـ بالزيتكف بدليل انو كاف فييا أرباب عائبلت يممؾ الكاحد منيـ خمسيف ألف مف‬
‫زيت الزيتكف يحفظكنيا في اآلبار كاألحكاض كيصدركنيا إلى أطراؼ العالـ(‪ ،)9‬كأشار كرد عمي إلي أف‬
‫الزيتكف أفضل الشجر كأعمو في مختمف المناطق‪ .‬كىك يكثر في جزيف كالمختارة كالشكيفات كزغرتة‬

‫(‪)1‬ابف العديـ‪،‬بغية الطمب‪،‬ج‪،1‬ص‪.68‬‬


‫(‪)2‬اإلدريسي‪،‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ اآلفاؽ ج‪،2‬ص‪.652‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسو ‪،‬ج‪،1‬ص‪.372‬‬
‫(‪)4‬ياقكت ‪،‬معجـ البمداف‪،‬ج‪،1‬ص‪.267‬‬
‫محمد‪ُ ،‬ك ْرد َعمي ت ‪1372‬ىػ‪1952/‬ـ‪ ،‬خطط الشاـ‪ ،‬نشر مكتبة النكرؼ‪،‬دمشق‬
‫(‪)5‬دمحم بف عبد الرزاؽ بف َّ‬
‫‪ 1403‬ىػ‪1983/‬ـ‪ ،‬ج‪،4‬ص‪.150‬‬
‫(‪)6‬النعيمي ‪،‬عبد القادر بف دمحم ت ‪978‬ىػ‪1570 /‬ـ‪،‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬تحقيق إبراىيـ شمس الديف‪ 2 ،‬جزء‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪1410 ،‬ىػ‪.‬ج‪،1‬ص‪.13‬‬
‫(‪)7‬اإلدريسي‪،‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ اآلفاؽ ج‪،1‬ص‪.363‬‬
‫(‪)8‬يػػاقكت‪،‬معجـ البمػػداف ج‪،1‬ص‪، 450‬ج‪،3‬ص‪ .390‬الغػػزؼ كام ػػل بػػف حسػػيف بػػف دمحم ب ػػف مصػػطفى البػػالي الحمب ػػي‪ ،‬ت‬
‫‪1351‬ىػ‪1932/‬ـ‪،‬نشر دار القمـ‪ ،‬حمب ط‪1419 ،2‬ىػ‪ ،‬ج‪،1‬ص‪.68‬‬
‫(‪)9‬ناصر خسرك‪،‬سفرنامو ج‪،1‬ص‪.56‬‬
‫‪373‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كالككرة‪ ،‬كفي الغكطة كالمرج‪ ،‬كضكاحي طرابمس كفي طرطكس كصافيتا كجبمة كالبلذقية كالباير كفي‬
‫أرباض أنطاكية‪ ،‬كفي السكيدية كالقصير ككردطاغ‪ ،‬كيقل حكؿ حمب كالباب كسمقيف كادلب ‪ ،‬كقد اشتير‬
‫في الجنكب زيت الرامة كما اشتير زيتكف جباؿ نابمس كالقدس كسيكؿ ّلد كالرممة ‪ .‬كينبت الزيتكف في‬
‫البعل مف األرض كال يسقى إال في الغكطة كالمرج كفي القرػ القريبة مف البادية(‪ ،)1‬أما إقميـ الجباؿ‬
‫فيدخل فيو جباؿ الكرؾ كالصمت كعجمكف كقممكف كجبل الشيخ كلبناف كلبناف الشرقي كالنصيرية كاألقرع‪،‬‬
‫كيجكد فيو الزيتكف كالكرـ كالتيف كالمكز كالصنكبر كالسرك كالفستق البرؼ ككثير مف األشجار المثمرة (‪،)2‬‬
‫أما عف طرؽ زراعة الزيتكف فيك يزرع قطعة مف أصكؿ جذعو في أربعينية الشتاء كيثمر مع الخدمة‬
‫كاالعتناء بعد سبعة أعكاـ كيدرؾ في أيمكؿ‪ ،)3( .‬كما أشاد العمرؼ بتجارة زيت الزيتكف بيف الشاـ كاليمف‬
‫بقكلو"كال يكجد بيا الزيت (اليمف) كال الزيتكف إال أف ُجمِ َب مف الشاـ"(‪.)4‬‬
‫أنواع الزيتون في الشام‪:‬‬
‫اشػػتيرت بػػبلد الشػػاـ بإنتػػاج أن ػكاع مختمفػػة مػػف الزيتػػكف فكثػػرت أصػػنافو‪ ،‬كمػػف أشػػيرىا فػػي دمشػػق الػػداف‬
‫كاألخضػ ػػر أك المصػ ػػعبي كالجمػ ػػط كالتفػ ػػاحي‪ ،‬كأشػ ػػيرىا فػ ػػي لبنػ ػػاف الصػ ػػكرؼ كالشػ ػػامي كالمصػ ػػرؼ كالشػ ػػتكؼ‬
‫كالعيركن ػ ػػي كب ػ ػػيض الحم ػ ػػاـ كالبم ػ ػػدؼ‪ .‬كأعمي ػ ػػا ف ػ ػػي البلذقي ػ ػػة الخض ػ ػػيرؼ كالطم ارن ػ ػػي كقم ػ ػػب الطي ػ ػػر‪ ،‬كف ػ ػػي‬
‫اإلسكندركنة القرماني كالخمخالي كالرماني كالتفاحي ‪...‬الخ(‪ ،)5‬كشجرة الزيتكف األخضر أك المصعبي كبيػرة‬
‫كبي ػرة أحػػد طرفييػػا حػػاد يبمػػغ طكليػػا ‪ 32‬ميميمت ػ اًر كعرضػػيا ‪ 24‬ميميمت ػ اًر‪ ،‬كىػػي تقطػػف خض ػراء كتكػػبس كال‬
‫تعصػػر السػػتخراج زيتيػػا‪ .‬كثمػرة الجمػػط كبيػرة مسػػتطيمة سػػكداء تشػػبو ثمػرة الػػبمح شػػكبلً كطكليػػا ‪ 35‬ميميمت ػ اًر‬
‫كعرضيا ‪ 25‬ميميمت اًر ‪ ،‬كىذا الصنف أغمى األصػناؼ كأجكدىػا مكبكسػاً كينػدر عصػره السػتخراج زيتػو منػو‬
‫(‪ ،)6‬كذكر في حمب مف شجر الزيتكف نكعاف زيتي لمزيػت كخبلخمػي يحمػى بالمػاء أك بػالقبل كالكمػس كيؤكػل‬
‫فقط ‪ .‬كأكثر زيتكف بساتيف حمػب مػف الخبلخمػي كقممػا يسػمـ مػف الصػقيع ‪ .‬كمعظػـ النػكع األكؿ فػي منطقػة‬

‫(‪)1‬كرد عمي‪ ،‬خطط الشاـ‪،‬ج‪،4‬ص‪.179‬‬


‫(‪)2‬القمقشػػندػ‪ ،‬أحمػػد بػػف عبػػد هلل ( ت ‪ 821‬ىػ ػ ‪1418 /‬ـ)‪:‬صػػبح األعشػػى فػػي صػػناعة االنشػػا‪ ،‬تحقيػػق دمحم حسػػيف شػػمس‬
‫ال ػ ػ ػ ػ ػ ػػديف‪ ، ،‬دار الكت ػ ػ ػ ػ ػ ػػب العممي ػ ػ ػ ػ ػ ػػة‪ ،‬بيركت‪.‬ش ػ ػ ػ ػ ػ ػػرحو كعم ػ ػ ػ ػ ػ ػػق عمي ػ ػ ػ ػ ػ ػػو كقاب ػ ػ ػ ػ ػ ػػل نصكص ػ ػ ػ ػ ػ ػػو‪،‬نبيل خال ػ ػ ػ ػ ػ ػػد الخطي ػ ػ ػ ػ ػ ػػب ط‪1‬‬
‫‪1407،‬ػ‪،1987‬ج‪،4‬ص‪.91-90‬العمرؼ‪،‬مسالؾ‪،‬ج‪،3‬ص‪ .428‬كردعمي‪،‬خطط الشاـ‪،‬ج‪،4‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )3‬الغزؼ‪،‬نير الذىب في تاريخ حمب‪،‬ج‪،1‬ص‪.107‬‬
‫(‪)4‬العمرؼ‪،‬مسالؾ األبصار‪،‬ج‪،4‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )5‬كردعمي‪،‬خطط الشاـ‪،‬ج‪،4‬ص‪.179‬‬
‫(‪)6‬المرجع نفسو‪،‬ج‪،4‬ص‪.179‬‬
‫‪374‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كّميس كىك أجكد أنكاعو ثـ في القصير ثـ في سمقيف ثـ فػي إدلػب فأرمنػاز ككفػر تخػاريـ كمػرعش(‪ ،)1‬كأشػار‬
‫الغزؼ انو يكجد اآلف في جبل ليمكف كثير مف أصكؿ شجر الزيتكف الذؼ لػو فػركع ضػئيمة ال يزيػد ارتفاعيػا‬
‫عمػػى قػػدر قامػػة اإلنسػػاف‪ ،‬كىػػي غيػػر مثم ػرة كفػػي ىػػذا الجبػػل أيضػػا أطػػبلؿ معاصػػر لعصػػر زيػػت الزيتػػكف‪،‬‬
‫كأحكاض منقكرة في الصػخر إلحػراز الزيػت‪ ،‬ممػا يػدؿ عمػى أف ىػذا الجبػل كػاف كطنػا لمزيتػكف مػدة عصػكر‬
‫طكيمة(‪ ،)2‬ككما أف لمزيتكف أنكاع فالزيت الشامي لو أنػكاع منػو مػا يسػمي الركػابي كىػك منسػكب إلػى الركػاب‬
‫كىػي اإلبػػل‪ ،‬كقيػػل ىػػك اسػـ مكضػػع بػػالقرب مػػف المدينػة ذىػػب بعضػػيـ إلػػى أف الزيػت الركػػابي منسػػكب إلػػى‬
‫ىػػذا المكضػػع ‪ ،‬كقػػاؿ يػػاقكت كأراه كىم ػاً ألف تمػػؾ الن ػكاحي قميمػػة الزيػػت إنمػػا يجمػػب إلييػػا مػػف الشػػاـ عمػػى‬
‫الركاب فيك منسكب إلى الركاب كىك اإلبل(‪.)3‬‬
‫العوامل المؤثرة عمى زراعة الزيتون في الشام‪:‬‬
‫فػػي سػػنة ‪339‬ق‪950/‬ـ كقػػع ثمػػج كجميػػد لػػـ يػػر مثمػػو حتػػى جمػػد الفػرات كمشػكا عميػػو ‪ ،‬ككانػػت القػػدكر عمػػى‬
‫النػػار يجمػػد أعبلىػػا ‪ ،‬كيػػبس شػػجر الزيتػػكف بػػالمعرة ككفػػر طػػاب(‪ ،)4‬كفػػي سػػنة‪ 757‬ق‪1335/‬ـ كقػػع حريػػق‬
‫عظػػيـ بػػببلد السػػاحل‪ ،‬كأ ارضػػي كسػػركاف مػػف بػػبلد الشػػاـ‪ ،‬عػػـ مػػف بػػبلد طػرابمس إلػػى معاممػػة بيػػركت‪ ،‬أتمػػف‬
‫كثي اًر مف الكحش كاألمتعة كشجر الزيتكف‪ .‬ككاف ذلؾ مف العجائب إذ أف كرقػة مػف شػجرة سػقطت فػي بيػت‬
‫فاحترؽ جميع ما فييا‪ ،‬كاستمرت ثبلثة أياـ‪ ،‬ثـ كقع مط اًر فأطفػأه(‪ ،)5‬أمػا فػي سػنة‪896‬ىػػ‪1490/‬ـ فقػد كقػع‬
‫ػج كثيػر‪ ،‬كاسػػتمر إلػى نصػف النيػػار‪ ،‬فحصػل فػي األسػػطحة نحػك ذراع‪ ،‬كتكسػر بػػذلؾ‬‫بدمشػق كمػا حكليػػا ثم ٌ‬
‫كثير مف األشػجار‪ ،‬سػيما أشػجار الزيتػكف‪ ،‬ككػاف الحطػب قػد غػبل سػعره كبمػغ قنطػار اليػابس منػو إلػى نحػك‬
‫الثبلثيف درىماً‪ ،‬كاستمر الثمج في بعض الطرؽ كغيرىا نحك عشريف يكماً‪ ،‬ككاف آخػره بمدينػة زرع‪ ،‬كمدينػة‬
‫حم ػػاة (‪ ،)6‬كفػ ػػي سػػػنة ‪858‬ى ػ ػػ‪1458/‬ـ ف ػػي أكؿ المحػ ػػرـ كثػ ػػر البػ ػػرد كالجمي ػػد كالػ ػػثمج كخم ػػت الجكامػ ػػع مػػػف‬

‫(‪)1‬الغزؼ‪،‬نير الذىب في تاريخ حمب‪،‬ج‪،1‬ص‪107‬‬


‫(‪)2‬المصدر نفسو‪،‬ج‪،1‬ص‪.44‬‬
‫(‪)3‬معجـ البمداف ج‪،3‬ص‪63‬‬
‫(‪)4‬ابف الكردؼ‪ ،‬عمر بف مظفر بف عمر بف دمحم ابف أبي الفكارس‪ ،‬أبك حفص‪ ،‬زيف الديف المعرؼ الكندؼ (ت‬
‫‪749‬ىػ‪ )1348/‬تاريخ ابف الكردؼ‪،‬نشر دار الكتب العممية ‪ -‬لبناف –بيركت ط‪1417 ،1‬ىػ ‪1996/‬ـ ‪،‬ج‪،1‬ص‪.274‬‬
‫(‪ )5‬المقريزؼ‪،‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ‪ ،‬تحقيق دمحم عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت‪1997،‬ـ‪،‬‬
‫ج‪،4‬ص‪.229‬‬
‫(‪)6‬ابف طكلكف‪ ،‬شمس الديف دمحم بف عمي بف خماركيو الدمشقي الصالحي الحنفي (ت ‪953‬ىػ‪1546/‬ـ)‪ ،‬مفاكية الخبلف‬
‫في حكادث الزماف‪ ،‬كضع حكاشيو‪ :‬خميل المنصكر‪،‬نشر دار الكتب العممية‪ ،‬بيركت ‪ -‬لبناف‪،‬ط‪ 1418 ،1‬ىػ‬
‫‪1998/‬ـ‪،‬ج‪،1‬ص‪.112‬‬
‫‪375‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫المصابيح ألنيا كسرت مف الجمد‪ ،‬كجعل عكضيا السرج ‪ .‬كمشى النػاس عمػى الفػرات العظمػى ‪ ،‬كقيػل إف‬
‫الدجمة أيضا جمدت كيبس شجر الزيتكف كالتػيف كالرمػاف كالنػارنج ‪ ،‬كبيػع مػاء الػكرد فػي الػكرؽ ألنػو جمػد ‪،‬‬
‫ككذلؾ الخل‪ ،)1(.‬كمف العكامل التي أثرت عمى تجارة الزيت في الشاـ الحركب ‪ ،‬ففي عيد المعظـ ُخرب‬
‫سكر بيت المقدس خكفاً مف استيبلء الفرنج عميو بعد مشكرة مػف أشػار بػذلؾ أف الفػرنج إذا تمكنػكا مػف ذلػؾ‬
‫جعمكه كسيمة إلى أخذ الشاـ جميعو ‪ ،‬فشرع في تخريب السكر فيرب منو أىمػو خكفػاً مػف الفػرنج أف ييجمػكا‬
‫عمػػييـ لػػيبلً أك نيػػا اًر كتركػكا أمػكاليـ كأثػػاثيـ كتمزقػكا فػػي الػػببلد كػػل ممػػزؽ ‪ ،‬حتػػى قيػػل إنػػو بيػػع القنطػػار مػػف‬
‫الزي ػػت بعشػ ػرة د ارى ػػـ كرط ػػل النح ػػاس بنص ػػف درى ػػـ ‪ ،‬كض ػػج الن ػػاس كابتيمػ ػكا إل ػػى هلل عن ػػد الص ػػخرة كف ػػي‬
‫األقصى (‪.)2‬‬
‫الصناعات القائمة عمى الزيتون‪:‬‬
‫صناعة الزيت‪:‬‬
‫شجرة الزيتكف شجرة مباركة كالبركة تكمف في زيتيا ‪ ،‬لذلؾ ذكرىا المكلي عز كجل في كتابو العزيز فقاؿ ‪:‬‬

‫اجػ ُة َكأََّن َيػػا َك ْكَكػ ٌ‬


‫ػب‬ ‫اجػ ٍػة ُّ‬
‫الز َج َ‬ ‫اح فػػي ُز َج َ‬
‫ػكرِه َك ِم ْشػ َػك ٍاة ِفييػػا ِمصػػباح اْل ِمصػػب ِ‬ ‫ض مثَػ ُػل ُنػ ِ‬‫ات ك ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫َ ْ َ ٌ‬ ‫األر َ‬ ‫السػ َػم َاك َ‬ ‫ػكر َّ‬ ‫َّللاُ ُنػ ُ‬
‫" َّ‬
‫كر َعَمى ُن ٍ‬
‫كر‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍِ‬ ‫د ِرؼ يكَقد ِمف شج ٍرة مبارك ٍة زيت ٍ‬
‫يء َكَل ْك َل ْـ تَ ْم َس ْس ُو َن ٌار ُن ٌ‬
‫كنة ال َش ْرقيَّة َكال َغ ْربيَّة َي َك ُاد َزْيتُ َيا ُيض ُ‬ ‫ُ ّ ُ ُ ْ َ َ َ َُ َ َ َُْ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ػاس ك َّ ِ ِ‬ ‫َّللاُ األمثَػ َ ِ ِ‬ ‫َيي ِػدؼ َّ ِ ِِ‬
‫ػيـ "(‪ ،)3‬كخطػكات عصػػر الزيتػػكف‬ ‫َّللاُ ب ُكػ ّػل َش ْػيء َعمػ ٌ‬ ‫ػاؿ ل َّمنػ َ‬ ‫ض ِػر ُب َّ ْ‬ ‫ػاء َكَي ْ‬
‫َّللاُ لُنػػكره َمػ ْػف َي َشػ ُ‬ ‫ْ‬
‫كالتػػالي‪ :‬أكالً سػػحق الزيتػػكف بأسػػطكانة مػػف حجػػر يػػديرىا بغػػل داخػػل كعػػاء مسػػتدير مػػف حجػػر‪ .‬ثاني ػاً كػػبس‬
‫الزيتػكف المسػػحكؽ لتفريػػق الزيػػت عػػف الثفػل كذلػػؾ بمكػػبس عػػادؼ أك مكػػبس مػائي‪ .‬تفريػػق الزيػػت عػػف المػػاء‬
‫كالعناصر المختمطة بو كذلؾ بترؾ العصير يركؽ فيفترؽ الزيػت الصػافي ألنػو يطفػك عمػى كجػو العصػير‪.‬‬
‫أمػػا الثفػػل فيػػك يسػػحق كيك ػبس فيخػػرج منػػو زيػػت أسػػكد يسػػميو الدمشػػقيكف زيػػت الجفػػت يسػػتعمل فػػي صػػنع‬
‫الصػػابكف(‪ ،)4‬وانتشػػرت المعاصػػر فػػي الشػػاـ ‪ ،‬ففػػي دمشػػق كجػػدت معص ػرة عنػػد مسػػجد معمػػق عػػف يسػػار‬
‫الػػداخل مػػف بػػاب تكمػػا يعػػرؼ بػػالنكرؼ(‪ ،)5‬ككػػذلؾ معص ػرة لمزيػػت بقػػرب دار ابػػف الميتػػار النص ػراني عنػػد‬

‫(‪)1‬سبط ابف العجمي‪ ،‬أحمد بف إبراىيـ بف دمحم بف خميل‪ ،‬مكفق الديف‪ ،‬أبك ذر (ت ‪884‬ىػ‪1479/‬ـ)‪،‬كنكز الذىب في تاريخ‬
‫حمب‪،‬نشر دار القمـ‪ ،‬حمب‪،‬ط‪ 1417 ،1‬ىػ‪،‬ج‪،2‬ص‪.263‬‬
‫(‪)2‬ابف كثير‪،‬البداية ‪،‬ج‪،13‬ص‪.83‬‬
‫(‪)3‬سكرة النكر‪ ،‬اية‪.35‬‬
‫(‪)4‬كردعمي‪،‬خطط الشاـ‪،‬ج‪،4‬ص‪.191-190‬‬
‫(‪)5‬النعيمي‪،‬الدارس ‪،‬ج‪،2‬ص‪.248‬‬
‫‪376‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬كمػػف خػػبلؿ االطػػبلع عمػػى بعػػض السػػجبلت العثمانيػػة المتػػكفرة أكػػدت عمػػى انتشػػار معاصػػر‬ ‫المسػػجد‬
‫الزيػػت فػػي بػػبلد الشػػاـ بشػػكل كبيػػر جػػداً كأشػػارت سػػجبلت محكمػػة يافػػا الشػػرعية الػػى كجػػكد ثمػػاف معاصػػر‬
‫لمزيت في مدينة الرممػة كثبلثػة معاصػر فػي قريػة قكلػة كمعصػرة فػي قريػة المديػو (‪ ،)2‬ككػذلؾ مػف المعاصػر‬
‫المشػػيكرة فػػي مدينػػة الرممػػة معصػرة حنػػا أيػػكب التػػي تقػػع بػػالقرب مػػف مقػػاـ الشػػيخ الميمػػار ‪ ،‬كتشػػتمل عمػػى‬
‫‪ ،‬كمعصرة تقع داخل قصبة الرممة شرؽ دار مكسى بف الياس ابك‬ ‫(‪)3‬‬
‫ثبلث عقكد معقكدة بالمكنة كاألحجار‬
‫(‪)4‬‬
‫زبانػػة ‪ ،‬كدار عيسػػى بػػف اليػػاس الحسػػيف ‪ ،‬كحػػكش خػػرب جػػارؼ بكقػػف جػػامع الزيتكنػػة كغربػػو كجميػػع بػػد‬
‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬كمػػا تكجػػد فػػي الرممػػة معصػرة الخكاجػػا ككرنيمػػكس بػػف الخكاجػػا يعقػػكب‬ ‫الزيػػت مػػع الػػدار التػػي تقػػع فكقػػو‬
‫رئػػيس محمػػة الػػركـ بالرممػػة التػػي تضػػـ معصػرة زيػػت داخػػل قصػػبة الرممػػة مككنػػة مػػف طػػابقيف سػػفمي كعمػػكؼ‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ .‬كمػػف المعاصػػر المشػػيكرة بالرممػػة معص ػرة لمصػػطفى بػػف عبػػد ال ػرحمف قػػادؽ‬ ‫كبئػػر زيػػت كبئػػر مػػاء‬
‫بالمحمػػة الش ػرقية ‪ ،‬كمعص ػرة طالػػب فػػي محمػػة المفتػػي كىػػي تابعػػة لكسػػيمة بنػػت طالػػب كزى ػرة بنػػت طالػػب ‪،‬‬
‫ككػػذلؾ معص ػرة ابػػي اليػػدػ فػػي محمػػة البيشػػاكية كمعص ػرة كػػرـ البيػػر لعبػػد المجيػػد ابػػي اليػػدػ ‪ ،‬كمعص ػرة‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ ،‬ككانػػت صػػناعة كتجػػارة الزيػػت متقدمػػة فػػي الشػػاـ ففػػي‬ ‫أبػػيطط فػػي محمػػة المفتػػي لعبػػد المطيػػف التػػاجي‬
‫سػػنة ‪896‬ى ػػ‪1490/‬ـ ظيػػرت كظيٌفػػة يباشػػر صػػاحبيا عمميػػة بيػػع الزيػػت ك ترتيبػػو ك يقضػػي ببيػػع الزيػػت‬
‫المتحصل مف جبل نابمس عمػى أىػل القػدس مػف المسػمميف كالييػكد كالنصػارػ ‪ ،‬كبمػغ سػعر كػل قنطػار مػف‬
‫الزيػػت خمسػػة عشػػر دينػػا اًر ذىبػاً ‪ ،‬كالسػػبب فػػي ضػػبط عمميػػة بيػػع الزيػػت أف مجمكعػػة مػػف أىػػل السػػكؽ سػػنة‬

‫(‪ )1‬ابف عساكر ‪،‬أبي القاسـ عمي بف الحسف ابف ىبة هلل عبد هلل الشافعي ( ت‪571‬ىػ‪1175/‬ـ)‪،‬تػاريخ مدينػة دمشػق‪،‬تحقيق‬
‫محػػب الػػديف أبػػي سػػعيد عم ػر بػػف غ ارمػػة العمرؼ‪،‬نشػػر دار الفكػػر‪ ،‬بيػػركت ‪،‬سػػنة‪1995‬ـ ‪،‬ج‪،2‬ص‪ .299‬النعيمػػي‪ ،‬الػػدارس‬
‫ج‪،2‬ص‪.246‬‬
‫(‪)2‬س ش ياف ػػا(‪)29‬ص‪.324‬المكس ػػكعة الفمس ػػطينية‪ ،‬القس ػػـ الع ػػاـ‪،‬ج‪،2‬ص‪ .487‬ال ػػدباغ‪ ،‬مـــراد مصطفي‪،‬مكس ػػكعة ببلدن ػػا‬
‫فمسطيف‪،‬ط‪ ،1‬دار اليدؼ‪ ،‬كفر قرع‪2000،‬ـ‪،‬ج‪،1‬ص‪.286‬‬
‫(‪)3‬س ش يافا(‪)25‬ص‪. 18،16،46‬‬
‫(‪)4‬ا لبػػد ‪:‬ىػػي معص ػرة معػػدة لعصػػر الزيػػت كاسػػتخراجو‪ ،‬كالبػػد يتػػألف مػػف مسػػاحة مػػف األرض ذات بنػػاء مسػػتكفي كمسػػاحة‬
‫سػػماكية معػػدة لنشػػر الزيتػػكف قبػػل عص ػره ‪،‬كيطمػػق عميػػو عامػػة الناس"المسػػطاح"‪.‬ينظر سػػميـ المبيض‪،‬كقفيػػة مكسػػى باشػػا آؿ‬
‫رضكاف‪،‬سنة‪،1081‬نشر مكتبة ابف سينا‪،‬القاىرة‪2000‬ـ‪،‬ص‪.157‬‬
‫(‪)5‬س ش يافا(‪)170‬ص‪.297‬‬
‫(‪)6‬س ش يافا(‪)62‬ص‪.70‬‬
‫(‪)7‬س ش يافا(‪)24‬ص‪.143‬س ش يافػا(‪)26‬ص‪.157‬الطراكنة‪،‬دمحم‪،‬قضػاء يافػا فػي العيػد العثمػاني د ارسػة اداريػة اقتصػادية‬
‫اجتماعية(‪1333-1281‬ق‪1914-1864/‬ـ)‪،‬ط‪1‬ك ازرة الثقافة ‪،‬عماف‪-‬األردف‪1421،‬ق‪2000/‬ـ‪،‬ص‪.590‬‬
‫‪377‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫‪890‬ىػ‪1484/‬ـ تبلعبكا بأسعاره فسػار يضػبط ك يػكزع عمػى التجػار فػي مدينػة القػدس كالرممػة كالخميػل (‪،)1‬‬
‫كبمغ مف جكدة الزيت الذؼ ينتج في ببلد الشاـ ك منيا فمسطيف أف المماليؾ كانكا يقدمكنو عمى شكل ىدايا‬
‫الطيػب‬
‫كما فعل السمطاف جقمق مع ممػؾ الحبشػة سػنة ‪ 847‬ىػػ‪1443 /‬ـ حيػث قػدـ لػو زلعتػيف مػف الزيػت ّ‬
‫(‪.)2‬‬

‫صناعة الصابون‪:‬‬
‫كمف الصناعات المترتبة عمى صناعة الزيت صناعة الصابكف كىك مف الصناعات المتقدمة فػي‬
‫الشاـ حيث كجد لو أماكف خاصة لمصناعة كالبيع ‪ ،‬كما ىك الحاؿ في حمػب حيػث يكجػد درب الصػبانة‬
‫بػػو مطػػابخ لمصػػابكف عديػػدة تزيػػد عمػػى عشػريف ‪ ،‬كذلػػؾ لكثػرة أشػػجار الزيتػػكف بمعاممػػة حمػػب ‪ ،‬كقػػد كػػاف‬
‫األحػص كثيػػر أشػػجار الزيتػػكف ألنػؾ إذا خرجػػت منػػو إلػػى قريػة بػػابمي ثػػـ أخػػذت فػي الرابيػػة المطمػػة عمػػى‬
‫بػابمي تػدخل فػي أشػجار الزيتػكف كالتػيف ‪ ،‬كلػذلؾ قػػل قريػة مػف قػرػ األحػص إال كبيػا معصػرة لمزيتػػكف ‪،‬‬
‫كبحمػػب سػػكؽ يبػػاع فيػو الصػػابكف يحمػػل منػػو كػػل يػػكـ أحمػػاؿ عديػػدة إلػػى ناحيػػة الػػركـ كالعجػػـ كغيرىمػػا‪.‬‬
‫كفي معاممة حمب كفي قراىا عدة مطابخ لمصابكف أيضاً كالجميع يجمب إلى ىذا السكؽ كيبػاع(‪ ،)3‬كمػف‬
‫كمف األماكف الشييرة القديمة لصناعة الصابكف قرية مرتيف كانت بمدة عظيمة قبل عمار إدلػب ‪ ،‬فييػا‬
‫عدة عيكف ماء عذب ككاف فييا كثير مف شجر الزيتكف كيػذكر أنػو كػاف يكجػد فييػا سػت عشػرة مصػبنة‬
‫(‪ ،)4‬كمػػف الجػػدير بالػػذكر أف مػػديف إدلػػب كانػػت تصػػنع الصػػابكف ككػػاف ُيصػ ّػدر منيػػا إلػػي ممالػػؾ الػػركـ‬
‫كالعراؽ كديار بكر ‪ ،‬ككاف يباع في اليكـ منيا ماال يباع في غيرىا في شير كامل(‪ ،)5‬كنجد أف انتشػار‬
‫ػدد كبيػػر مػػف السػػكاف‪،‬‬‫انتشػػار الزيتػػكف فػػي الشػػاـ لعػػب دك اًر فػػي زيػػادة إنتػػاج الصػػابكف الػػذؼ َع ِمػ َػل فيػػو عػ ٌ‬
‫صدر إلى المػدف المجػاكرة مثػل ‪ :‬يافػا التػي كػاف بيػا تجػارة كبيػرة لمصػابكف حيػث كػاف يػرد إلييػا‬ ‫ككاف ُي ّ‬

‫(‪)1‬العميمي ‪،‬األنس ‪،‬ج‪،2‬ص‪ 356‬ػ ص‪.358‬‬


‫(‪)2‬السخاكؼ‪ ،‬دمحم بف عبد الرحمف بف عثماف (ت‪902‬ق)‪،‬التبر المسبكؾ في ذيػل السػمكؾ‪(،‬مخطكط كقػف عمػى طبعػو احمػد‬
‫زكػػي بؾ‪،‬المطبعػػة األميريػػة بب ػكالؽ مصػػر ‪1896‬ـ‪ ،‬ص‪ .71‬ينظػػر‪ :‬يكسػػف غكانمػػة‪ ،‬التػػاريخ الحضػػارؼ لشػػرقي األردف فػػي‬
‫العصر المممككي‪،‬ط‪ ،2‬دار الفكر العربي لمنشر كالتكزيع‪،‬عماف‪1982،‬ـ‪،‬ص‪.110‬‬
‫(‪ )3‬سبط ابف العجمي‪،‬كنكز الذىب‪،‬ج‪،1‬ص‪.515‬‬
‫(‪)4‬الغزؼ‪،‬نير الذىب في تاريخ حمب‪،‬ج‪،1‬ص‪403‬‬
‫(‪)5‬ابػػف العػػديـ ‪،‬كمػػاؿ الػػديف عمػػر بػػف احمػػد بػػف ىبػػة هلل (ت‪660‬ى ػػ‪1261/‬ـ )الكصػػمة إلػػي الحبيػػب فػػي كصػػف الطيبػػات‬
‫كالطيب‪،‬تحقيق سممى محجكب كدرية الخطيب‪،‬معيد التراث العممي العربي‪1986،‬ـ جزءاف‪،‬ص‪.725-724‬‬
‫‪378‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫م ػػف مدين ػػة الق ػػدس ‪ ،‬كمني ػػا يص ػ ّػدر إل ػػى مص ػػر كال ػػببلد المختمف ػػة (‪ ،)1‬إل ػػي جان ػػب ى ػػذا كان ػػت ص ػػناعة‬
‫الصابكف تحتاج إلي كميات كبيرة مف مادة "البكتاس" التػي تسػتخدـ فػي تمػؾ الصػناعة كقػد أطمػق عمييػا‬
‫الػػبعض مػػادة الصػػكدا الكاكيػػة ‪ ،‬كقػػد انػػدىش الرحالػػة بيركيػػارت "عنػػدما كجػػد نسػػاء البػػدك داخػػل الخيػػاـ‬
‫لكحدىف ‪ ،‬فأُخبر أف الرجاؿ قد ذىبكا ليبيعكا "رصاد الصابكف" الذؼ يجمعو ىؤالء البدك مػف الجبػاؿ فػي‬
‫الصػػحراء ‪ ،‬ك كػػاف ى ػؤالء البػػدك يبيعػػكف مػػا يحصػػمكف عميػػو فػػي كػػل مػػف القػػدس كغ ػزة كالرممػػة ‪ ،‬كمػػف‬
‫المػرجح أنػػو كػػاف ألىػػل الرممػػة خبػرة فػػي صػػناعة الصػػابكف حيػػث كػػاف يسػػتعيف بيػػـ أىػػل بيػػت المقػػدس ‪،‬‬
‫كىذا يدؿ عمى أف المدينة كثرت فييا مصانع الصابكف التي استكعبت كل األيدؼ العاممة (‪ ،)2‬كقػد ظػل‬
‫أىػػل األردف حتػػى عيػػد قريػػب يرسػػمكف الفػػائض مػػف الصػػكدا إلػػى أس ػكاؽ نػػابمس كغ ػزة السػػتخدامو فػػي‬
‫صػػناعة الصػػابكف(‪ ،)3‬ككجػػد فػػي الشػػاـ مػػادة األش ػػناف التػػي تسػػتخدـ فػػي صػػناعة الصػػابكف ككػػاف لي ػػا‬
‫طكاحيف خاصة بيا في دمشق(‪َ ،)4‬ك ُعّيف عمى ىذه الطكاحيف أمناء ُذكر منيـ عمر بف سػعيد التممسػاني‬
‫ككاف أمينا بدمشق في طاحكف أشناف (‪ ،)5‬كمما يؤكد تقػدـ صػناعة الصػابكف فػي مدينػة الرممػة مػا ذكػره‬
‫المؤرخ العميمي"ُ يضبط الزيت كيرمى عمى أربابو كىـ التجار الذيف يصنعكف الصابكف بالقدس الشػريف‬
‫ك مدينة الرممة " (‪ ،)6‬كقد ذكر المقدسي أف الصابكف مف بيف السػمع التػي كانػتُ تصػدر مػف مػدف الشػاـ‬
‫ك غيرىا حيث قاؿ‪ " :‬يرتفػع مػف فمسػطيف الزيػت ك القطػيف ك الزبيػب كالخػركب كالمبلحػـ ك الصػابكف ك‬
‫الفكط ك مف بيػت المقػدس الجػبف كالقطػف ك الزبيػب كالتفػاح ‪ ...‬ك القناديػل ك اإلبػر مػف أريحػا ‪ ...‬كمػف‬
‫النيل كالتمكر" (‪.)7‬‬
‫بيساف َ‬
‫كػذلؾ اشػتيرت بػبلد الشػاـ بصػػناعة الصػابكف األصػفر المطيػب بمػاء الػػكرد‪ ،‬كذلػؾ بأخػذ لػكح مػف الصػػابكف‬
‫كقطعو بسكيف قطعا رقيقة ثـُ يرش عميو ماء الكرد َكُيعجف بو كيترؾ لػيبل حتػى يختمػر‪ ،‬كيبسػط عمػى طبػق‬

‫(‪)1‬العميمػػي ‪ ،‬األنػػس ‪،‬ج‪،2‬ص‪ . 54،356،365‬عمػػي السػػيد عمي‪:‬القػػدس فػػي العصػػر المممػػككي‪،‬ط‪،1‬دار الفكػػر لمد ارسػػات‬
‫كالنشر‪،‬القاىرة‪ ،‬سنة‪ 1986‬ـ‪،‬ص‪.199‬‬
‫(‪ ،)2‬بيركيارت‪ ،‬رحبلت ‪،‬ج‪ 2‬ص ‪.127، 82، 81‬‬
‫(‪)3‬المرجع نفسو‪.‬نفس الجزء كالصفحة‪.‬‬
‫(‪)4‬ابػػف العمػػاد ‪،‬عبػػد الحػػي بػػف احمػػد العكبػػرؼ الدمشػػقي الحنبمػػي (ت‪189‬ى ػػ‪804/‬ـ)‪،‬شػػذرات الػػذىب فػػي أخبػػار مػػف ذىػػب‪،‬‬
‫‪،‬تحقي ػ ػ ػػق عب ػ ػ ػػد الق ػ ػ ػػادر االرن ػ ػ ػػاؤكط كمحم ػ ػ ػػكد االرناؤكط‪،‬نش ػ ػ ػػر دار اب ػ ػ ػػف كثي ػ ػ ػػر‪ ،‬دمش ػ ػ ػػق‪،‬ط‪ 1‬س ػ ػ ػػنة‪1985‬ـ‪،‬ج‪،5‬ص‪.341‬‬
‫النعيمي‪،‬الدارس‪،‬ج‪،2‬ص‪.264‬‬
‫(‪)5‬ابف حجر‪ ،‬احمد بف عمي العسقبلني (ت‪852‬ىػ‪1448/‬ـ) الدرر الكامنة في أعيػاف المائػة الثامنػة‪،‬تحقيق دمحم عبػد المعيػد‬
‫المعيد ضاف‪،‬نشر مجمس دائرة المعارؼ‪،‬اليند ‪،‬ج‪، 4‬ص‪.196‬‬
‫(‪)6‬العميمي‪ ،‬األنس ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪356‬‬
‫(‪ )7‬أحسف التقاسيـ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪163‬‬
‫‪379‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫كيختـ بخاتـ خشب‪ ،‬كيكضع في قكالب نحاسية ‪ ،‬كيكضع بينػو كبػيف القالػب خػرؽ رقيقػة ثػـ يممػئ ثػـ يتػرؾ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬ككػػذلؾ اسػػتخدـ زيػػت‬ ‫عمػى ظيػػر منخػػل حتػى يجػػف كيخػػتـ أيضػا ‪ ،‬كبعػػد جفافػػو يضػاؼ لػػو مػػاء الػكرد‬
‫الزيتكف في عبلج بعض األمراض الجمديػة ‪ ،‬فػذكر الغػزؼ أف عػبلج بعػض الحبػكب الجمديػة كػاف يػتـ بػاف‬
‫تمس ىذه الحبكب بقمـ نيترات الفضة حتى يتأكد ظيكرىا ‪ ،‬ثـ تمس مسا لطيفا في كل عشرة أيػاـ مػرة إلػى‬
‫أف تتقرح‪ ،‬كحينئذ تغسل مػرتيف فػي النيػار بمػاء زىػر البمسػاف كتنشػف كتطمػى بزيػت الزيتػكف أك دىػف المػكز‬
‫إلى أف تبرأ‪ ،)2( .‬كذكر ابف بطكطة عند زيارتو لسرميف أف أىميا كانكا يستخدمكف الصابكف المطيب لغسػل‬
‫األيدؼ كيصبغكنو بالحمرة كالصفرة (‪.)3‬‬
‫استخدام الزيت في طعام أىل الشام‪:‬‬
‫يعتبػػر زيػػت الزيتػػكف مػػف ارقػػي كأشػػيى المػػأككالت عنػػد أىػػل الشػػاـ‪ ،‬فكػػانكا يسػػتخدمكنو فػػي إعػػداد طعػػاميـ ‪،‬‬
‫فاشػػتيرت مدينػػة الخميػػل باسػػتخداـ زيػػت الزيتػػكف فػػي طيػػي األطعمػػة كتقديمػػو لمضػػيكؼ كالمسػػافريف‪ ،‬حيػػث‬
‫كجػػدت ىػػذه العػػادة منػػذ أيػػاـ إب ػراىيـ الخميػػل عميػػو السػػبلـ ‪ ،‬فكػػاف يقػػدـ لمضػػيف أك المسػػافر رغيف ػاً مسػػتدي اًر‬
‫كطبق ػاً مػػف العػػدس المطبػػكخ بالزيػػت حتػػي السػػاعة(‪ ،)4‬ككػػذلؾ يقػػدـ أىػػل الخميػػل ضػػيافة دائمػػة مػػف العػػدس‬
‫بالزيػػت لكػػل مػػف يػػأتي كيحضػػر عنػػدىـ مػػف الفقػراء(‪ ،)5‬ككػػاف فػػي نػػابمس طبػػاخكف لمعػػدس كالبيسػػار كيقمػػكف‬
‫الفكؿ المنبكت بالزيت كيصمقكنو كيباع مع الزيتكف(‪.)6‬‬
‫دور المماليك في إدارة تجارة الزيت في الشام‪:‬‬
‫احتكػػر سػػبلطيف المماليػػؾ تجػػارة الزيػػت فػػي بػػبلد الشػػاـ كعينػكا مػػف قػػبميـ مػػف يقػػكـ باإلشػراؼ عمػػى الزيتػػكف‬
‫كالزيػت كرميػو عمػػى التجػار بأسػعار تحػػددىا الدكلػة ‪ ،‬فحصػل أف رمػػى السػيفي عػبلف الزيػػت المتحصػل مػػف‬
‫جبل نابمس عمى اىل القدس كالخميل كالرممػة كغػزة ‪ ،‬فمػـ يتضػرر فػي تمػؾ السػنة احػد مػف تجػار تمػؾ الػببلد‬
‫كلكف الخسارة كانت عمى الفقراء حيث بيع الزيت بأقل مف نصف السػعر فكانػت الخسػارة كبيػرة ‪ ،‬كالػى ىػذا‬

‫(‪)1‬ابف العديـ‪ ،‬الكصمة إلي الحبيب في كصف الطيبات كالطيب‪،‬ص‪.725-724‬‬


‫(‪)2‬الغزؼ‪،‬نير الذىب في تاريخ حمب‪،‬ج‪،1‬ص‪.191‬‬
‫(‪)3‬رحمة ابف بطكطة‪ ،‬ج‪،1‬ص‪. 86‬‬
‫(‪)4‬ناصر خسرك‪،‬سفرنامو ‪،‬ج‪،1‬ص‪. 73‬‬
‫(‪)5‬العميمي‪،‬األنس الجميل ج‪،1‬ص‪.47‬‬
‫(‪)6‬المقدسي‪،‬أحسف التقاسيـ ج‪،1‬ص‪.167‬‬

‫‪380‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫يشير العميمي بقكلػو ‪:‬انػو فػي سػنة ‪899‬ىػػ‪1493/‬ـ‪ ،‬كرد السػيفي عػبلف مػف قبػل السػمطاف كيحمػل مرسػكـ‬
‫شػريف برمػي الزيػت المتحصػل مػف جبػل نػابمس عمػى أىػل القػدس الشػريف ك الخميػل كغػزة كالرممػة عمػى مػا‬
‫جرت بو العادة في السػنكات السػابقة‪ ،‬فرمػى عمػييـ كػل قنطػار بالكيػل الرممػي (كحػدة مكيػاؿ منسػكبة لمدينػة‬
‫الرممػػة) بخمسػػة عشػػر دينػػا اًر ذىبػاً‪ ،‬فالػػذؼ رمػػي عمػػى أىػػل القػػدس كأىػػل الخميػػل تسػػعمائة قنطػػار كعمػػى أىػػل‬
‫الرممػػة مائتػػا قنطػػار‪ ،‬كحصػػل ألىػػل تمػػؾ الػػببلد الرفػػق مػػف األميػػر جػػاف بػػبلط النائػػب فإنػػو تمطػػف بيػػـ كلػػـ‬
‫يحصل منو ضرر ألحد منيـ‪ .‬ككاف تضرر الفقراء مف ذلؾ لكثرة الخسارة في بيعو فإف كل قنطار بخمسػة‬
‫(‪)1‬‬
‫ككػاف الرمػي‬ ‫عشر دينا اًر ككمفتو نحك دينار‪ ،‬فبيع بتسعة دنانير فما دكنيا‪ ،‬فكانػت الخسػارة نحػك النصػف‬
‫يختمف مف منطقة الى منطقة كمف فترة الى اخرػ فكاف الرمي ألىػل القػدس كالخميػل فػي الجمػاديف كالىػل‬
‫الرممة في رجب كشػعباف ‪ ،‬ككػاف التجػار ُيمزمػكف بػالرمي حسػب مػا تقػرره الدكلػة فحصػل بػذلؾ ضػرر كبيػر‬
‫ألىػػل القػػدس ‪ ،‬كىػػذا أدػ ب ػدكره الػػى حػػدكث فتنػػة بػػيف نائػػب القػػدس كغػزة كأكػػد ىػػذا العميمػػي بقكلػػو‪ :‬ككػػاف‬
‫الرمي عمى أىل القدس كالخميل في الجماديف كعمى أىل الرممة فػي رجػب كشػعباف ثػـ كرد مرسػكـ السػمطاف‬
‫إلػػى األميػػر جػػاف بػػبلط فػػي شػػير ش ػكاؿ بػػأف يرمػػى عمػػى أىػػل القػػدس مػػف الزيػػت ثبلثمائػػة قنطػػار بالسػػعر‬
‫المتقدـ ذكره ‪ ،‬فطمب التجار كالناس كألزميـ بأخذ الزيت ككتب إلى كاشفو بالرممة يطمب التجار بػأف يرمػي‬
‫اء فأُحضركا كأُلزمكا بذلؾ كحصل ألىل القدس كالرممة ضرر مف أخذ الزيت ‪ ،‬ثـ رمي‬
‫عمييـ مف الزيت جز ً‬
‫عمييـ مرة ثانية فتضرر الناس لذلؾ كحصمت فتنة بيف نائب القدس كنائب غزة بسػبب الزيػت (‪ ،)2‬كميػزت‬
‫الدكلػػة المممككيػػة بػػيف التجػػار الػػذيف يبيعػػكف الزيػػت فػػي االس ػكاؽ لمعامػػة كبػػيف تجػػار الزيػػت المسػػتخدـ فػػي‬
‫صناعة الصابكف ‪ ،‬فيذه الفئة مف التجار كانت تجبرىـ الدكلػة عمػى اخػذ الزيػت بأسػعار مرتفعػة الػى درجػة‬
‫استخداـ القكة إللزاميـ بذلؾ ‪ ،‬كحضر إلى القدس السيفي قانصكه يحمل مرسكـ األمير اقبردؼ الدكادار في‬
‫الزيػػت المتحصػػل مػػف جبػػل نػػابمس عمػػى التجػػار المعتػػاديف بعمػػل الصػػابكف كػػل قنطػػار بخمسػػة عشػػر دينػػار‬
‫ذىبػػا بعػػد أف خػػتـ عمػػى مػػا اشػػتركه‪ ،‬كنػػكدؼ فػػي البمػػد باألمػػاف لمع ػكاـ كاف الزيػػت ال يأخػػذه إال تجػػاره فمػػف‬
‫النػػاس مػػف لػػـ يصػػدؽ ىػػذه المنػػادات كخ ػرج ىاربػػا‪ ،‬كمػػنيـ مػػف اطمػػأف‪ ،‬ثػػـ شػػرع قانصػػكه فػػي كتابػػة أسػػماء‬
‫التجار كمف لو عادة بعمل الصابكف حتى اطمأف النػاس‪ ،‬كشػرع يقػبض عمػييـ كاحػداً بعػد كاحػد مػف التجػار‬
‫كغيرىـ ‪ ،‬كيمزميـ بشراء الزيػت عمػى حكػـ مػا فعػل بيػـ فػي سػنة ‪896‬ىػػ‪1490/‬ـ ‪ ،‬أمػا األميػر جػاف بػبلط‬
‫فقد اعتنى بأىل القدس كتمطف بيـ فمـ يقع فػييـ الظمػـ كمػا تقػدـ فػي زمػف دقمػاؽ ‪ ،‬ككػاف الزيػت المرسػكـ‬
‫برميو عمى أىل القدس كبمد الخميل ألف كخمسمائة قنطار ‪ ،‬مف ذلؾ مائة كستكف قنطا ار مختصة بأىل بمد‬

‫(‪)1‬العميمي‪ ،‬األنس الجميل ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪356‬‬


‫(‪)2‬المصدر نفسو‪،‬ج‪،2‬ص‪. 373‬‬
‫‪381‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الخميػػل كالبػػاقي عمػػى أىػػل القػػدس‪ ،‬كرمػػي عمػػى أىػػل غ ػزة ألػػف قنطػػار ثػػـ رمػػي عمػػى أىػػل الرممػػة جانب ػاً مػػف‬
‫الزيػػت كضػػيق عمػػييـ بالضػػرب كالحػػبس‪ ،‬كسػػافر السػػيفي قانصػػكه مػػف مدينػػة القػػدس بالمػػاؿ المقبػػكض بعػػد‬
‫صػػبلة الجمعػػة بعػػد إقامتػػو بيػػا أربعػػيف يكمػػا(‪ ،)1‬كقػػد شػػممت ىػػذ اإلجػراءات كػػل فئػػات التجػػار مػػف المسػػمميف‬
‫كأىػػل الذمػػة دكف تفريػػق ‪ ،‬كفػػي أكؿ شػػير ربيػػع اآلخػػر عػػاـ ‪889‬ىػ ػ حضػػر السػػيفي قانصػػكه مػػف مخػػيـ‬
‫األميػػر اقبػػردؼ الػػدكادار الكبيػػر بمرسػػكمو برمػػي الزيػػت المتحصػػل مػػف جبػػل نػػابمس عمػػى أىػػل بيػػت المقػػدس‬
‫الخاص كالعاـ مف المسمميف كالييكد كالنصارػ كل قنطار بخمسػة عشػر دينػا اًر ذىبػاً ‪ ،‬كاسػتمر األمػر عمػى‬
‫ذلػؾ إلػػى سػػنة تسػعيف كثمانمائػػة ‪ ،‬فتكسػػط بعػض تجػػار السػػكؽ فػي أمػره فصػػار يضػبط الزيػػت كيرمػػى عمػػى‬
‫أربابو كىـ التجار الذيف يصنعكف الصابكف بالقدس الشريف كمدينة الرممة كيدفع ليػـ بقػدر معػيف مػف غيػر‬
‫تعرض إلى أحد غير مف يصنع الصابكف كحضر(‪.)2‬‬
‫كمػػف صػػكر ىػػذه االج ػراءات العقابيػػة التػػي اسػػتخدميا المماليػػؾ ضػػد اربػػاب الزيػػت كجمػػع ثمنػػو مػػا‬
‫حصل مع أىل بيت المقدس انو في نفس السنة أمر السمطاف بعض المماليؾ بخدمػة األميػر دكاد ار كبيػر‬
‫لمحضػكر إلػػى جبػل نػػابمس فيحضػر كيضػػبط الزيػت كيبيعػػو ألربابػػو كيقػبض ثمنػػو ‪،‬فممػا كػػاف فػي ىػػذه السػػنة‬
‫حضػػر األميػػر الػػدكادار مػػف القػػاىرة كقصػػد بيػػع الزيػػت ألربابػػو عمػػى مػػا جػػرت بػػو العػػادة مػػف سػػنة تسػػعيف ‪،‬‬
‫فسػػعى دقمػاؽ فػػي رميػػو عمػػى جميػػع أىػػل بيػػت المقػػدس لينػػتقـ مػػنيـ ‪ ،‬فممػػا حضػػر السػػيفي قانصػػكه فػػي أكؿ‬
‫ربيع اآلخر كجمس مع دقماؽ بدار النيابة طمب أىل القدس ِبأُسرىـ َكَكتَ َب أسماءىـ في قكائـ ‪ ،‬كعػيف عمػى‬
‫كػػل إنسػػاف قنػػاطير معينػػة كأمػػرىـ بشػراء الزيػػت كػػل قنطػػار بخمسػػة عشػػر دينػػا اًر ‪ ،‬كرسػػـ عمػػى النػػاس كشػػدد‬
‫عمييـ كضربيـ ضرباً مؤلماً ‪ ،‬كشرع يحمل كػل كاحػد فػكؽ طاقتػو كمػف لػـ يطعػو ضػربو حتػى يكػاد ييمػؾ ‪،‬‬
‫كمػػف غػػاب ىجػػـ عمػػى منزلػػو كأخػػذ مالػػو مػػف األمتعػػة ‪ ،‬كمػػف لػػـ يكجػػد لػػو أمتعػػة أحضػػر زكجتػػو كض ػربيا‬
‫كسجنيا حتى تدفع ما عمي زكجيا ‪ ،‬فيتؾ كثير مف المحرمات ‪ ،‬كمف لـ يظفػر بزكجتػو احضػر مػف يكػكف‬
‫مف أقاربو ‪ ،‬فإف لـ يكجد لو قريب أحضر مف يككف مف جيرانو ‪ ،‬حتى أنػو طمػب شخصػاً فمػـ يجػده ‪ ،‬فقػاؿ‬
‫ألعكانػو أحضػركا زكجتػػو فقيػل لػػو أنيػا اختفػػت ‪ ،‬فقػاؿ انظػػركا مػف يكػػكف مػف أقاربػػو ‪ ،‬فقيػل لػػيس لػو ق اربػػة ‪،‬‬
‫فقاؿ انظركا جيرانو فقيل أف جيرانو قد اختفكا ‪ ،‬فقاؿ انظركا مف يككف جمس عنػده كحدثػو فأحضػر األعػكاف‬
‫رجػبلً كقػػالكا أف ىػػذا جمػػس فػػي كقػػت عمػػى حانكتػػو ‪ ،‬كتحػػدث معػػو ‪ ،‬فػػأمر دقمػػاؽ ذلػػؾ الرجػػل أف يػػدفع ثمػػف‬
‫ضػرب ذلػؾ الرجػل‬ ‫الزيت المعيف عميو ‪ ،‬فقاؿ لو لما ‪ ،‬قاؿ ألنؾ جمست عنده في كقت كتحػدثت معػو ‪ ،‬ثػـ ُ‬
‫إلػػى أف اخػػذ منػػو مػػا عمػػى الغائػػب ‪ ،‬كمثػػل ىػذه الحكايػػة كثيػػر ‪ ،‬ككقػػع مػػا ىػػك أفحػػش منيػػا كأشػػنع ‪،‬كاسػػتمر‬

‫(‪)1‬العميمي‪ ،‬األنس الجميل‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.365-366‬‬


‫(‪)2‬المصدر نفسو‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.365-366‬‬
‫‪382‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الحػػرـ شػػير ربيػػع اآلخػػر بكمالػػو(‪ ،)1‬تشػػير ىػػذا النصػػكص التػػي‬


‫النػػاس فػػي الضػػرب كالترسػػيـ كالمحنػػة كىتػػؾ ُ‬
‫ذكرىػػا العميمػػي الػػى أىميػػة تجػػارة الزيتػػكف فػػي بػػبلد الشػػاـ حيػػث أف الدكلػػة المممككيػػة احتكػػرت ىػػذه التجػػارة‬
‫كأشرفت عمييا بشكل مباشر ‪ ،‬كعينت مف يقكـ باإلشراؼ عمى الزيتكف كالزيػت كالصػناعات القائمػة عميػو ‪،‬‬
‫كحػػددت لػػذلؾ أسػػعار ممزمػػة ككانػػت تسػػتخدـ بعػػض األحيػػاف القػػكة كالػػبطش إلل ػزاـ التجػػار بيػػذه االسػػعار ‪،‬‬
‫فحصل لمناس بذلؾ محنة شديدة كىتؾ لمحرـ‪.‬‬
‫أسعار الزيت‪:‬‬
‫اختمفت أسعار الزيت مف سنة إلي سنة كذلؾ حسب خصكبة المكسػـ ففػي سػنة‪669‬ىػػ‪1300/‬ـ بمػغ رطػل‬
‫‪ ،‬كفي أكاسط القرف شيدت ىذه األسعار في دمشق قفزات متتاليػة مػف ‪ 2‬الػى‪ 41‬درىػـ‬ ‫(‪)2‬‬
‫الزيت ‪ 6‬دراىـ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬كفػي نفػس‬ ‫في خريف ‪775‬ىػ‪ 1347/‬ـ(‪ )3‬كفي جبل لبناف بمغ سعره ‪ 24‬درىماً عاـ ‪748‬ىػػ‪1348/‬ـ‬
‫المكس ػػـ ك ػػاف س ػػعر زي ػػت الس ػػيرج يس ػػاكؼ س ػػعر زي ػػت الزيت ػػكف ف ػػي ك ػػل م ػػف دمش ػػق كجب ػػل لبن ػػاف ‪ ،‬كيرج ػػع‬
‫المؤرخكف أسباب الغبلء إلي تأخر تساقط األمطػار فػي السػنة ‪747‬ىػػ‪1347/‬ـ كتعػرض بػبلد الشػاـ لمكجػة‬
‫جفاؼ قكية ‪ ،‬كفي عاـ‪798‬ق‪1398 /‬ـ بمغ سعر رطل زيت الزيتكف في دمشػق بالسػعر نفسػو الػذؼ كػاف‬
‫(‪)5‬‬
‫عميو في أكاسط القرف كىك ستة د ارىـ‪.‬‬
‫كفػػي القػػرف الثػػامف اليجػػرؼ تبػػيف أف ثمػػف رطػػل الزيػػت كػػاف ال ي ػزاؿ يتمحػػكر حػػكؿ السػػعر نفسػػو فػػي القػػرف‬
‫السابق كىك خمسة دراىـ ‪ ،‬كأشار العميمي الذؼ عاصر تمؾ الفترة في القدس أنو ُرمػي عمػى سػكاف المدينػة‬
‫قنطػػار الزيػػت ب ‪ 15‬دينػػار فكػػانكا يأخذكنػػو كيبيعكنػػو بػ ػ‪ 250‬درىػػـ ( ح ػكالي ‪ 5‬دنػػانير ) فيكػػكف الرطػػل ب‬
‫‪ 2.5‬درىـ تقريبا ‪ /‬الدينار ‪ 50‬درىـ ) فبمغت الخسارة أكثر مف الثمثيف(‪ ،)6‬كحدث األمر مرة ثانية في عاـ‬
‫‪900‬ىػ فرمي عمى سكاف القدس كالخميل ‪ 900‬قنطار كغزة كالرممة ‪ 200‬قنطار بسػعر ‪ 15‬دينػار لمقنطػار‬

‫(‪)1‬المصدر نفسو ‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.357‬‬


‫(‪)2‬المقريزؼ‪،‬السمكؾ‪ ،‬ج‪،2‬ص‪365-366‬‬
‫(‪)3‬ابف كثير‪،‬البداية كالنياية‪ ،‬ج‪،14‬ص‪22‬‬
‫(‪ )4‬اسطفاف الدكييي (ت‪1115‬ىػ‪1704/‬ـ )‪،‬تاريخ األزمنة‪،‬تحقيق بطرس فيد ‪ ،‬دار لحد خاطر‪،‬بيركت‪ ،‬ص‪.176‬‬
‫(‪)5‬ابف قاضي شيبة‪ ،‬تقي الديف أبي بكر بف احمد (ت‪851‬ىػ‪1447/‬ـ) تاريخ ‪،‬تحقيق عدناف دركيش‪،‬المجمد األكؿ ‪،‬الجزء‬
‫الثالث‪،‬المعيد العممي الفرنسي لمدارسات العربية بدمشق‪1977‬ـ‪،‬ص‪.652‬‬
‫(‪)6‬العميمي‪،‬األنس الجميل ج‪،2‬ص‪365-366‬‬
‫‪383‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫الكاحػػد ‪ 0‬الرطػػل ب ػ ‪ 15‬دينػػار أؼ حػكالي ‪ 7.5‬درىػػـ ) ككمفتػػو دينػػار كاحػػد(‪ ،)1‬ثػػـ ارتفػػع سػػعر زيػػت الزيتػػكف‬
‫(‪. )2‬‬
‫عاـ ‪924‬ىػ مف ‪ 12‬درىـ إلى ‪ 20‬درىـ حتى في مكسمو‬
‫الخاتمة‬
‫مف خبلؿ ىذه الدراسة تبيف لنا االتي‪:‬‬
‫‪ ‬زراعة الزيتكف كانت منتشرة بشكل كبير في ببلد الشاـ بسبب مبلئمة الظركؼ المناخية كالجغرافية‬
‫الصالحة لتمؾ الزراعة‪.‬‬
‫‪ ‬انتشار معاصر الزيت بالقرب مف مناطق زراعة الزيتكف حتى يسيل نقمو كعصره بأقل التكاليف‪.‬‬
‫‪ ‬تطكر الصناعات القائمة عمى زيت الزيتكف كخاصة صناعة الصابكف كالتحف الخشبية كاستخدامو‬
‫كعبلج لبعض األمراض الجمدية ككذلؾ صناعة الصابكف الممكف كالمطيب‪.‬‬
‫‪ ‬تطػػكر تجػػارة الزيػػت بػػيف بػػبلد الشػػاـ كبعػػض األقطػػار االخػػرػ مثػػل مصػػر كالػػيمف كبػػبلد الحجػػاز‬
‫صدر إلى أسكاقيا‪.‬‬ ‫كأكركبا حيث كاف ُي ّ‬
‫‪ ‬اسػػتخداـ زيػػت الزيتػػكف بشػػكل كاسػػع عنػػد أىػػل الشػػاـ فػػي األطعمػػة خػػبلؿ العيػػد المممػػككي كتقديمػػو‬
‫لمضيكؼ كالمسافريف‪.‬‬
‫‪ ‬احتكار سبلطيف المماليؾ لتجارة الزيت في ببلد الشاـ كجعميا مكرداً رئيساً مف مكارد الدكلة كطبقكا‬
‫نظاـ الرمي عمى التجار‪.‬‬
‫‪ ‬كػػاف سػػعر الزيػػت يحػػدد حسػػب خصػػكبة المكسػػـ فػػاذا كػػاف المكسػػـ خصػػباً كػػاف سػػعره مناسػػباً كفػػي‬
‫متناكؿ الجميع ‪ ،‬كاذا كاف المكسـ جافاً ارتفع سعره كاليشتريو إال المكسريف‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أوال ‪ /‬المصادر ‪:‬‬
‫(‪ )1‬القرآف الكريـ ‪.‬‬
‫االدريسي ( ابك عبد هلل دمحم بف عبد هلل بف ادريس ‪ ،‬ت ‪1166 / 556‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )2‬نزىة المشتاؽ في اختراؽ االفاؽ ( اسطكانة مكتبة التاريخ كالحضارة ‪ ،‬االصدار الثالث ) ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ج‪. 2‬‬
‫االشبيمي ( أحمد بف دمحم ابف حجاج ‪ ،‬حياً ‪464‬ىػ ‪1071 /‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )3‬المقنع في عمـ الفبلحة ‪ ،‬تحقيق صبلح جرار ‪ ،‬جابر ابك صفية ‪ ،‬تدقيق عبد العزيز الدكرؼ ‪ ،‬مجمع المغة العربية‬
‫األردني ‪ ،‬د‪.‬ـ ‪1989 ،‬ـ ‪.‬‬
‫البدرؼ ( ابك البقاء عبد هلل بف دمحم البدرؼ المصرؼ الدمشقي ‪ ،‬ت‪847‬ىػ ‪1489/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )4‬نزىة االناـ في محاسف الشاـ ‪ ،‬المكتبة العربية ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬المطبعة السمفية بمصر ‪1341 ،‬ىػ ‪.‬‬

‫(‪)1‬المصدر نفسو‪،‬ج‪،2‬ص‪. 373‬‬


‫(‪)2‬ابف طكلكف‪،‬مفاكية الخبلف‪،‬ج‪،2‬ص‪.68-42‬‬
‫‪384‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫ابف بطكطة ( دمحم بف عبد هلل بف دمحم المكاتي ابك عبد هلل ‪ ،‬ت‪703‬ىػ ‪1303/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )5‬تحفة النظار في عجائب االمصار كعجائب االسفار ‪ ،‬تحقيق عمي المنتصر الكتاني ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪1405‬ىػ ‪،‬‬
‫ج‪. 1‬‬
‫البغدادؼ ( صفي الديف عبد المؤمف بف عبد الحق ابف شمائل القطيعي الحنبمي ‪ ،‬ت‪739‬ىػ ‪1339/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )6‬مراصد االطبلع عمى اسماء االمكنة كالبقاع ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬دار الجيل ‪1412( ،‬ق ‪1991 /‬ـ ) ‪ ،‬ج‪.3‬‬
‫البكرؼ ( ابك عبيدة عبد هلل بف عبد العزيز البكرؼ ‪ ،‬ت‪487‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )7‬المغرب في ذكر ببلد افريقية كالمغرب ‪ ،‬مف كتاب المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬تحقيق دكسبلف ‪ ،‬مكتبة المثنى ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ط‬
‫‪1376‬ق ‪1957 /‬ـ ‪.‬‬
‫الببلذرؼ ( أحمد بف يحيى بف جابر البغدادؼ ‪ ،‬ت‪279‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )8‬انساب االشراؼ ‪ ،‬تحقيق سييل زكار ‪ ،‬كرياض زركمي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت ‪1417‬ق ‪1996 /‬ـ ‪ ،‬ج‪. 8‬‬
‫ابف حجر العسقبلني ( ابك الفضل احمد بف عمي بف حجر العسقبلني ‪ ،‬ت‪852‬ق‪1448/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )9‬الدرر الكامنة مف أعياف المائة الثامنة ‪ ،‬تحقيق دمحم عبد المعيد ضاف ‪ ،‬نشر مجمس دائرة المعارؼ ‪ ،‬اليند ‪،‬ج‪.4‬‬
‫ابف حكقل ( ابي القاسـ دمحم بف عمي بف حكقل البغدادؼ المكصمي ‪ ،‬ت‪400‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )10‬صكرة األرض ‪ ،‬نشر مكتبة دار الحياة ‪ ،‬بيركت ‪1992 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫ابف حياف التكحيدؼ ( عمي بف دمحم بف العباس ‪ ،‬ت‪400‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )11‬البصائر كالذخائر ‪ ،‬تحقيق كداد القاضي ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪ ، 1‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪. 7‬‬
‫الدينكرؼ ( ابك دمحم عبد هلل بف مسمـ بف قتيبة ‪ ،‬ت ‪276‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )12‬المعاني الكبير في ابيات المعاني ‪ ،‬تحقيق المستشرؽ سالـ الكرنككؼ ‪ ،‬عبد الرحمف بف يحيى بف عمي اليماني ‪،‬‬
‫مطبعة دار المعارؼ العثمانية ‪ ،‬حيدر أباد ‪ ،‬الدكف باليند ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫الزمخشرؼ ( جار هلل دمحم بف عمرك ‪ ،‬ت‪583‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )13‬ربيع األبرار كنصكص االخيار ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬مؤسسة األعممي ‪1412 ،‬ق ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫سبط ابف العجمي ( احمد بف ابراىيـ بف دمحم بف خميل مكفق الديف ‪ ،‬ابك ذر ‪ ،‬ت‪884‬ق‪1479/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )14‬كنكز الذىب في تاريخ حمب ‪ ،‬نشر دار القمـ ‪ ،‬حمب ‪ ،‬ط‪1417 ، 1‬ق ‪.‬‬
‫السخاكؼ ( دمحم بف عبد الرحمف بف دمحم بف ابي بكر ‪ ،‬ت‪902‬ق‪1497/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )15‬البمدانيات ‪ ،‬تحقيق حساـ بف دمحم القطاف ‪ ،‬السعكدية ‪ ،‬دار العطاء ‪ ،‬ط‪1422 ، 1‬ق‪2001/‬ـ ‪.‬‬
‫(‪ )16‬التبر المسبكؾ في ذيل السمكؾ ( مخطكط كقف عمى طبعة أحمد زكي بؾ ‪ ،‬المطبعة االميرية ببكالؽ ‪ ،‬مصر‬
‫‪1896‬ـ ‪.‬‬
‫س‪ :‬ش ‪ ،‬يافا ‪. 26 ، 24 ، 72 ، 170 ، 25 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫شيخ الربكة ( شمس الديف ابي عبد هلل دمحم بف ابي طالب االنصارؼ الدمشقي ‪ ،‬ت‪727‬ق‪1327/‬ـ )‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )17‬نخبة الدىر في عجائب البر كالبحر ‪ ،‬تحقيق ميراف ‪ ،‬بطرسبرغ ‪ ،‬ط‪1935 ، 1‬ـ ‪.‬‬
‫االصطخرؼ ( ابراىيـ بف اسحاؽ بف دمحم الفارس ‪ ،‬ت‪346‬ق‪957/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪385‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪ )18‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬تحقيق دمحم جابر الحسيني ‪ ،‬مراجعة دمحم شفيق غرباؿ ‪ ،‬الجميكرية العربية المتحدة ‪ ،‬ك ازرة‬
‫الثقافة كاالرشاد القكمي ‪1418 ،‬ق‪1961/‬ـ ‪.‬‬
‫الطبرؼ ( دمحم بف يحيى بف جرير الطبرؼ ‪ ،‬ت‪310‬ق‪923/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )19‬تاريخ األمـ كالرسل ‪ ،‬تحقيق دمحم ابك الفضل ابراىيـ ‪ ،‬ط‪ ، 2‬نشر دار المعارؼ بمصر ‪ ،‬سنة ‪1967‬ـ ‪،‬ج‪.7‬‬
‫ابف طكلكف ( شمس الديف دمحم بف عمي بف خماركية الدمشقي الصالحي الحنفي ‪ ،‬ت‪953‬ق‪1546/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )20‬مفاكية الخبلف في حكادث الزماف ‪ ،‬كضع حكاشيو ‪ ،‬خميل المنصكر ‪ ،‬نشر دار الكتب العممية ‪ ،‬لبناف ‪ ،‬بيركت ‪،‬‬
‫ط‪1418 ، 1‬ق‪1998/‬ـ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ج‪. 2‬‬
‫ابف العديـ ( كماؿ الديف عمر بف أحمد ‪ ،‬ت‪660‬ق‪1261/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )21‬بغية الطمب في تاريخ حمب ‪ ،‬تحقيق سييل زكار ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت ‪1988 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫(‪ )22‬الكصمة إلى الحبيب في كصف الطيبات كالطيب ‪ ،‬تحقيق سممى محجكب كدرية الخطيب ‪ ،‬معيد التراث العممي‬
‫العربي ‪1986‬ـ ‪.‬‬
‫العزيزؼ ( الحسف بف احمد الميمبي ‪ ،‬ت‪380‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )23‬المسالؾ كالممالؾ ‪ ،‬جمع كتعميق كحكاشي تيسير خمف ‪ ،‬د‪.‬ت ‪.‬‬
‫ابف عساكر ( ابك القاسـ عمي بف الحسف بف ىبو هلل عبد هلل الشافعي ‪ ،‬ت‪571‬ق‪1175/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )24‬تاريخ مدينة دمشق ‪ ،‬تحقيق محب الديف ابي سعيد عمر بف غرامة العمرؼ ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت ‪1995 ،‬ـ ‪،‬‬
‫ج‪. 2‬‬
‫ابف العماد ( عبد الحي ابف أحمد العكبرؼ الدمشقي الحنبمي ‪ ،‬ت‪189‬ق‪804/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )25‬شذرات الذىب في أخبار مف ذىب ‪ ،‬تحقيق عبد القادر االرناؤكط كمحمكد االرناؤكط ‪ ،‬نشر دار ابف كثير ‪،‬‬
‫دمشق ‪ ،‬ط‪1985 ، 1‬ـ ‪ ،‬ج‪. 5‬‬
‫العميمي ( مجير الديف الحنبمي ‪ ،‬ت‪927‬ق‪1520/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )26‬االنس الجميل بتاريخ القدس كالخميل ‪ ،‬تحقيق عدناف يكنس عبد المجيد نباتو ‪ ،‬نشر مكتبة دنديس ‪ ،‬عماف ‪،‬‬
‫‪1420‬ق‪1999/‬ـ ‪ ،‬ج‪. 2‬‬
‫العمرؼ ( أحمد بف يحيى بف فضل هلل القرشي العدكؼ شياب الديف ‪ ،‬ت‪749‬ق‪1348/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )27‬مسالؾ االبصار ‪ ،‬نشر المجمع الثقافي ‪ ،‬ابك ظبي ‪ ،‬ط‪1423 ، 1‬ق ‪ ،‬ج‪. 3‬‬
‫ابف الفقيو ( أحمد بف دمحم بف اسحاؽ بف ابراىيـ اليمذاني ابك بكر ‪ ،‬ت نحك ‪340‬ق‪951/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )28‬البمداف ‪ ،‬مطبعة ليدف ‪1302 ،‬ـ ‪.‬‬
‫ابف قاضي شيبة ( تقي الديف ابي بكر بف أحمد ‪ ،‬ت‪851‬ق‪1447/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )29‬تاريخ ابف قاضي شيبة ‪ ،‬تحقيق عدناف دركيش ‪ ،‬المعيد العممي الفرنسي لمدراسات العربية بدمشق ‪1977 ،‬ـ‪.‬‬
‫القزكيني ( زكريا بف دمحم بف محمكد القزكيني ‪ ،‬ت‪682‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )30‬عجائب المخمكقات كغرائب المكجكدات ‪ ،‬تحقيق فاركؽ سعد ‪ ،‬دار االفاؽ الجديدة ‪ ،‬بيركت ‪1981‬ـ ‪.‬‬
‫القمقشندؼ ( أحمد بف عمي بف احمد الفزارؼ القاىرؼ ‪ ،‬ت‪821‬ق‪1418/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪386‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪ )31‬صبح االعشى في صناعة االنشا ‪ ،‬تحقيق دمحم حسيف شمس الديف ‪ ،‬عمق عميو كقابل نصكصو نبيل خالد‬
‫الخطيب ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪1407 ، 1‬ق‪1987/‬ـ ‪،‬ج‪. 4‬‬
‫ابف كثير ( اسماعيل بف عمر ‪ ،‬ت‪774‬ق‪1372/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )32‬البداية كالنياية ‪ ،‬نشر مكتبة المعارؼ ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،‬د‪.‬ت ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ج‪. 13‬‬
‫مالؾ بف انس ( مالؾ بف انس بف مالؾ بف عامر االصبحي المدني ‪ ،‬ت‪179‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )33‬المدكنة ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪1415 ،‬ق‪1994/‬ـ ‪ ،‬ج‪. 3‬‬
‫مجيكؿ ( مف القرف الثامف ‪ /‬الرابع ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )34‬مفتاح الراحة ألىل الفبلحة ‪ ،‬تحقيق كدراسة دمحم عيسى صالحية ‪ ،‬احساف صدقي العمد ‪ ،‬المجمس الكطني لمثقافة‬
‫كالفنكف كاآلداب ‪ ،‬قسـ التراث العربي ‪ ،‬الككيت ‪ ،‬ط‪1404 ، 1‬ق‪1984/‬ـ ‪.‬‬
‫المقدسي ( شمس الديف ابي عبد هلل دمحم بف أحمد المعركؼ بالبيشارؼ ‪ ،‬ت‪387‬ق‪997/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )35‬احسف التقاسيـ في معرفة االقاليـ ‪ ،‬كضع مقدمتو كىكامشو كفيارسو دمحم مخزكـ ‪ ،‬نشر دار احياء التراث العربي ‪،‬‬
‫بيركت ‪1408 ،‬ق‪1987/‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫المقريزؼ ( ابك العباس تقي الديف أحمد بف عمي بف عبد القادر الحسيني العبيدؼ ‪ ،‬ت‪845‬ق‪1441/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )36‬اتعاظ الحنفا بأخبار األئمة الفاطمييف الخمفاء ‪ ،‬تحقيق الجزء ‪ 1‬جماؿ الديف الشياؿ ‪ ،‬كالجزء ‪ 2،3‬دمحم حممي دمحم‬
‫أحمد ج‪ ، 1‬ج‪ ، 2‬ج‪. 3‬‬
‫(‪ )37‬السمكؾ لمعرفة دكؿ الممكؾ ‪ ،‬تحقيق دمحم عبد القادر عطا ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪1997 ، 1‬ـ ‪.‬‬
‫المنجـ ( اسحاؽ بف الحسيف ‪ ،‬ت في القرف ‪4‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )38‬آكاـ المرجاف في ذكر المدائف المشيكرة في كل مكاف ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬عالـ الكتب ‪ ،‬طبعة ‪1408‬ق ‪.‬‬
‫النابمسي ( عبد الغني بف اسماعيل ‪ ،‬ت‪1143‬ق‪1730/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )39‬المبلحة في عمـ الفبلحة ‪ ،‬مخطكط مصكر مف مكتبة الككنجرس رقـ ‪ ، 84‬مجمكعة الشرؽ االدني ‪ ،‬كيكجد عنو‬
‫نسخة بمكتبة مركز الكثائق كالمخطكطات بالجامعة االردنية ‪ ،‬ميكركفمـ رقـ ‪. 468‬‬
‫(‪ )40‬الحقيقة كالمجاز في رحمة ببلد الشاـ كمصر كالحجاز ‪ ،‬تحقيق رياض عبد الحميد ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬دمشق ط‪، 1‬‬
‫‪1989‬ـ ‪.‬‬
‫ناصر خسرك ( ابك معيف الديف ناصر خسرك الحكيـ القبادياني المركزؼ ‪ ،‬ت‪481‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )41‬سفر نامة ‪ ،‬رحمة ناصر خسرك إلى لبناف كفمسطيف كمصر كالجزيرة العربية في القرف الخامس اليجرؼ ‪ ،‬نقميا‬
‫إلى العربية ‪ ،‬يحيى الخشاب ‪ ،‬نشر دار الكتاب الجديدة ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪1970 ، 2‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫النعيمي ( عبد القادر بف دمحم النعيمي الدمشقي ‪ ،‬ت‪978‬ق‪1570/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )42‬الدارس في تاريخ المدارس ‪ ،‬تحقيق ابراىيـ شمس الديف ‪ ،‬دار الكتب العممية ‪ ،‬بيركت ‪1410 ،‬ق ‪،‬ج‪ ، 1‬ج‪.2‬‬
‫ابف الكردؼ ( عمر بف مظفر بف عمر بف دمحم ابف ابي الفكارس ابك حفص زيف الديف المعرؼ الكندؼ ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ت‪749‬ق‪1348/‬ـ ) ‪.‬‬
‫(‪ )43‬تاريخ ابف الكردؼ ‪ ،‬نشر دار الكتب العممية ‪ ،‬لبناف ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪1417 ، 1‬ق‪1996/‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫ابف الكردؼ ( سراج الديف ابي حفص عمر بف المظفر بف الكردؼ الحفيد ‪ ،‬ت‪852‬ق ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪387‬‬
‫‪ISSN 2412 – 3501‬‬ ‫مجمة الدراسات التاريخية واالجتماعية العدد الثالث واألربعون جوان ‪2020‬‬

‫(‪ )44‬عجائب البمداف ‪ ،‬مف خبلؿ مخطكط خريدة العجائب كفريدة الغرائب ‪ ،‬تحقيق كتعميق كتقديـ ‪ ،‬انكر دمحم زناتي ‪،‬‬
‫جامعة عيف شمس ‪.‬‬
‫ياقكت الحمكؼ ( شياب الديف ياقكت بف عبد هلل الحمكؼ الركمي البغدادؼ ‪ ،‬ت‪626‬ق‪1228/‬ـ ) ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪ )45‬معجـ البمداف ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ج‪ ، 3‬ج‪. 5‬‬

‫ثانيا ‪ /‬المراجع ‪:‬‬


‫اسطفاف الدكييي البطريارؾ االنطاكي ( ت‪1115‬ق‪1704/‬ـ ) ‪ .‬تاريخ األزمنة ‪ ،‬تحقيق بطرس فيد ‪ ،‬دار لحد‬ ‫‪‬‬
‫خاطر‪ ،‬بيركت ‪.‬‬
‫بيركيارت ‪ ،‬يكىاف يكدنغ ‪ ،‬رحبلت بيركيارت ‪ ،‬القسـ الخاص في سكرية الجنكبية ‪ ،‬ترجمة انكر عرفات ‪ ،‬منشكرات‬ ‫‪‬‬
‫دائرة الثقافة كالفنكف بك ازرة الثقافة كاالعبلـ ‪ ،‬المطبعة االردنية ‪ ،‬عماف ‪1969‬ـ ‪ ،‬ج‪. 2‬‬
‫جميل معبل ‪ ،‬كعبد الحناف الحمك ‪ ،‬زراعة الزيتكف في سكريا ‪ ،‬دمشق ‪1955‬ـ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫رشيد بكركبية ‪ ،‬الدكلة الحمادية ‪ ،‬تاريخيا كحضارتيا ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ديكاف المطبكعات الجامعية ( ‪1397‬ق‪1977/‬ـ ) ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ج‪. 1‬‬
‫سعيد البيشاكػ ‪ ،‬الممتمكات الكنسبة في مممكة بيت المقدس الصميبية ‪1291-1099 ،‬ـ ‪690-492 /‬ق ‪ ،‬دار‬ ‫‪‬‬
‫المعرفة الجامعية االسكندرية ‪ ،‬مصر ‪1989 ،‬ـ ‪.‬‬
‫سميـ المبيض ‪ ،‬كقفية مكسى باشا آؿ رضكاف ‪ ، 1081‬نشر مكتبة ابف سينا ‪ ،‬القاىرة ‪2000‬ـ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫شريف ابك شمالة ‪ ،‬فمسطيف تحت الحكـ العباسي المباشر ( ‪264-132‬ق‪878-750/‬ـ ) أطركحة ماجستير غير‬ ‫‪‬‬
‫منشكرة ‪ ،‬كمية اآلداب ‪ ،‬قسـ التاريخ كاآلثار ‪ ،‬الجامعة االسبلمية ‪ ،‬غزة (‪1432‬ق‪2011/‬ـ )‬
‫طو ثمجي الطراكنة ‪ ،‬مممكة صفد في عيد المماليؾ ‪ ،‬نشر دار اآلفاؽ الجديدة ‪ ،‬بيركت ‪ ،‬ط‪1982 ، 1‬ـ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عمي السيد عمي ‪ ،‬القدس في العصر المممككي ‪ ،‬نشر دار الفكر لمدراسات كالنشر ‪ ،‬القاىرة ‪1986 ،‬ـ ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الغزؼ ‪ ،‬كامل بف حسيف بف دمحم مصطفى البالي الحمبي ( ت‪1351‬ق‪1932/‬ـ ) ‪ .‬نير الذىب في تاريخ حمب ‪ ،‬نشر‬ ‫‪‬‬
‫دار القمـ ‪ ،‬حمب ‪ ،‬ط‪1419 ، 2‬ق ‪ ،‬ج‪. 1‬‬
‫غساف محيبش ‪ ،‬كقفية خاصكي سمطاف في بيت المقدس ‪( ،‬دراسة كتحميل ) ‪ ،‬رسالة دكتكراة غير منشكرة ‪ ،‬جامعة‬ ‫‪‬‬
‫عيف شمس ‪ ،‬القاىرة ‪1425 ،‬ق‪2004/‬ـ ‪.‬‬
‫دمحم احمد زيكد ‪ ،‬حالة ببلد الشاـ االقتصادية مف العيد الطكلكني حتى نياية العيد الفاطمي ‪ ،‬د‪.‬ف ‪ ،‬د‪.‬ـ ‪1987‬ـ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫دمحم الطراكنة ‪ ،‬قضاء يافا في العيد العثماني ‪ ،‬دراسة ادارية اقتصادية اجتماعية ‪1333-1281‬ق‪1914-1864/‬ـ ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ط‪ ، 1‬ك ازرة الثقافة ‪ ،‬عماف – االردف ‪1421 ،‬ق‪2000/‬ـ ‪.‬‬
‫دمحم كرد عمي ‪( ،‬ت‪1372‬ق‪1952/‬ـ ) ‪ .‬خطط الشاـ ‪ ،‬نشر مكتبة النكرؼ ‪ ،‬دمشق ‪1403 ،‬ق‪1983/‬ـ ‪ ،‬ج‪. 4‬‬ ‫‪‬‬
‫مصطفى مراد الدباغ ‪ ،‬مكسكعة ببلدنا فمسطيف ‪ ،‬دار اليدػ ‪ ،‬كفر قرع ‪2000 ،‬ـ ‪ ،‬ج‪. 1‬‬ ‫‪‬‬
‫يكسف غكانمة ‪ ،‬التاريخ الحضارؼ لشرؽ االردف في العصر المممككي ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار الفكر العربي لمنشر كالتكزيع ‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫عماف ‪1982‬ـ ‪.‬‬
‫المكسكعة الفمسطينية ‪ ،‬القسـ العاـ ‪ ،‬الجزء الثاني ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Prawer , j. , the latin . Benvenisti , M , The , Benvenisti , M. , The Crusaders, crsaders.‬‬

‫‪388‬‬

You might also like