You are on page 1of 13

‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫عزيز حليمة‬
‫ أستاذ التعليم العالي‬،‫د عبد الحميد هيمة‬.‫ أ‬:‫المشرف‬
‫مخبر النقد ومصطلحاته‬
‫جامعة قاصدي مرباح ورقلة‬

‫ملخص‬
‫نحاوليف هذه الورقة البحثية التعرض إلى أهم االتجاهات النقدية التي برزتيف النقد الجزائري الحديث منذ‬
‫الفترة التي اطلع فيها النقاد الجزائريون المحافظون على النهضة األدبية والنقدية اإلحيائية بالمشرق العربي‬
‫وما رافقتها من مالمح تجديديةيف اتجاهات النقد األدبي الجزائري على الرغم من تلك الضغوطات التي‬
‫ ثم‬،‫كانت مفروض ة على الميدان الثقافييف الجزائريف النصف األول من القرن العشرين من طرف المستعمر‬
‫نعرج إلى النصف الثاني لنقف على أهم االتجاهات السياقية التي برزتيف الساحة النقدية الجزائرية وصبت‬
‫ والتي كان لها دور كبيريف‬،‫اهتمامها بتاريخية األدب واجتماعيته وعالقته بنفسية مبدعه لتفسير النص األدبي‬
‫دفع عجلة الخطاب النقدي الجزائري الحديث نحو التقدم والتطور الحاصليف المشهد النقدي العالمي‬
.‫والعربي خاصة‬

Résumé
On vas essayer dans cette page de prendre les évolutions les plus importants dans la
critique qui ont apparu dans la critique Algérienne moderne dans la période que les
critiqueurs Algérienne ont lu sur la renaissance littéraire et la critique biologique au
Mexhrek El Arabi et les caractéristiques de la nouveauté sue les évolutions de la
critique littéraire Algérienne malgré les pressions qui ont été imposé sur le domaine
culturel dans l’Algérie dans la première maitre du vingtième siècle par le colonial
puis vers la deuxième maitre on a assisté sur l’évolutions contextuelles qui ont ap-
paru dans le cadre de la critique Algérienne. Ils fournissent ses intérêts sur son
histoire littéraire et sa relation avec la psychologie qui un grand rôle a encouragé le
discours de la critique Algérienne moderne vers le développement obtenu sur le
cadre de la critique internationale.

Abstract
In this paper, we will attempt to examine the most important critical trends that
have emerged in modern Algerian criticism since the time when the conservative
Algerian critics were acquainted with the literary and biographical critique of the
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫‪Arab Orient and the its accompanying features in the Algerian literary criticism,‬‬
‫‪despite the pressures exerted on the Cultural field in Algeria in the first half of the‬‬
‫‪twentieth century by the colonizer, and then lame to the second half to stand on the‬‬
‫‪most important contextual trends that emerged in the Algerian monetary arena and‬‬
‫‪focused their attention on the history of literature and social psychology creative to‬‬
‫‪interpret literary text which played a major role in advancing the Algerian critical‬‬
‫‪discourse towards the progress and development in the global and Arab monetary‬‬
‫‪scene in particular‬‬

‫مقدمة‬

‫شهد الخطاب النقدي الجزائري الحديث تحوالت كبيرة عكستها الظروف التاريخية‬
‫واالجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع الجزائري عبر تاريخه الحديث ‪ ،‬والتي جعلت‬
‫أغ لب الباحثينيف األدب الجزائري ونقده يعتمدون على التصنيف التاريخي التجاهات‬
‫النقد الجزائري الذي ساير الحركة األدبية منذ بداياتهايف مستهل القرن العشرين ‪،‬وأصبح‬
‫من الصعب على الباحثينيف النقد الجزائري الحديث تتبع مسيرتهيف خضم تلك التغيرات‬
‫المضطربة التي شهدتها الحياة األدبيةيف الجزائر بدءا من الفترة اإلحيائية لألدب الجزائري‬
‫على يد الرعيل األول الذين أسسوا الحركة الثقافية من رجال الحركة اإلصالحية‬
‫الجزائرية يف بداية العقد األول من القرن الماضي إلى غاية فترة السبعينيات‪ ،‬ونقف هنا‬
‫أمام إشكالية مهمة شدت أقالم الكثير من الباحثين تمثلتيف تصنيف اتجاهات النقد‬
‫الجزائري الحديث‪ ،‬ذلك أن أغلب الدراسات النقدية التي اعتمدت على التصنيف الذي‬
‫حدده الناقد يوسف وغليسييف كتابه النقد الجزائري المعاصر من الالنسونية إلى األلسنية‬
‫ببداية الستينيات من القرن العشرين ‪ ،‬و اعتبر كل حديث عن النقد قبل هذا التاريخ هو‬
‫حديث ‪ -‬خرافي ‪ -‬مستشهدا بالرؤية النقدية للناقد محمد مصايفيف كتابه النقد األدبي‬
‫الحديثيف المغرب العربي الذي نقد فيه مقالة الشاعر محمد سعيد الزاهري الذي صرح‬
‫بهايف جريدة الشهاب سنة ‪ 1926‬قائال ‪« :‬أعرض على أدبائنا وكتابنا الجزائريين هذه‬
‫القصيدة القصيرة‪... ،‬ولكنه تركها على ذلك واقترح على المهتمين بالشعر أن ينتقدوها‬
‫‪ ،‬لكن يبدو أنّ الناقدين وغليسي ومصايف قد أخطأيف فهم الزاهري الذي‬ ‫بإنصاف»‪1‬‬

‫أثبت من خالل موقفه هذا وجود حركة نقدية جزائرية معتبرة قبل فترة االستقالل‪ ″‬فقد‬

‫‪ 1‬محمد مصايف‪ :‬النقد األدبي الحديثيف المغرب‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪( ،‬دط)‪ ،1979 ،‬ص‪.17‬‬

‫‪148‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫حاول الزاهري أن يقدم مفهومه للنقد و تبيين دورهيف تمييز الظاهرة األدبية ‪،‬مع التأ كيد‬
‫على أخالقيات هذه العملية النقدية التي تقوم على أساس اإلنصاف"‪ 2‬األمر الذي أخفقيف ‬
‫تحديده الناقد مصايف حين جعل مفهوم النقد واحدايف مرحلتين متباينتين ‪ ،‬و رغم هذا‬
‫اإلجحافيف حق جهود النقاد األولين إال أن الدكتور عمار زايد حاول أن يبحث عن أثر‬
‫المنهج التاريخييف المقال الذي نشره الشيخ الزاهري بعنوان الدكتور طه حسين شعوبي‬
‫ماكر –وسنأتي على ذكرهيف متن المقال‪ -‬وهذا الجهد وغيره من األعمال النقدية قبل‬
‫االستقالل اعتبره الدكتور يوسف وغليسي –مجرد خرافة –وأكد أنّ سنة ‪1961‬م هي تاريخ‬
‫الميالد الرسمي للمناهج السياقيةيف الجزائر ‪،‬فاتخذ النقاد هذا التاريخ فريضة ال ترتضي‬
‫بديال وراحوا على ذمته يهمشون األعمال النقدية قبل فترة االستقالل ويعتمدون على‬
‫« ذلك التصنيف النمطي الذي توارثته الدراسات األكاديمية طالبا عن أستاذه بكثير‬
‫من اإلكراه الذي أنسى الباحث غايتهيف البحث عن مواطن اإلبداع والجماليف ‬
‫النقد األدبي الجزائري منذ بدايته فجاءت دراستهم حشدا لكثير من األسماء تحت‬
‫عناوين فضفاضة ال تسمن وال تغني من جوع وال تحترم خصوصيات الخطاب‬
‫النقدي الجزائري»‪،3‬‬

‫وتحاول إقصاء تلك التجارب التأصيلية للخطاب النقدي الجزائري قبل االستقالل والتي‬
‫أسهمتيف نقل العملية اإلبداعية من حال الركود إلى حال الحركة والنشاط‪.‬‬

‫إن هذا التحليل الموجز لمقالة الزاهري والذي أ قدمهيف هذه الورقة البحثية التي سأتناول‬

‫فيها اتجاهات النقد الجزائري الحديث حيث يصعب على كبقية النقاد والباحثين تحديد‬
‫بدايات الحركة النقدية ويفرض على الباحث أن يعتمد تقييما منصفا‪ ،‬وعليه فسَأقسم‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث كاآلتي‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬النقد األدبي الجزائري قبل االستقالل‬

‫تميزت المرحلة األولى من حياة الحركة النقديةيف الجزائر بانتكاسة األدب الذي انتكس معه‬
‫النقديف بداية القرن العشرين‬

‫‪ 2‬ينظر‪ :‬بلقاسم مالكية‪ :‬تصنيف االتجاهات النقديةيف الجزائر إشكالية النص أم إشكالية قراءة‪ ،‬مجلة مقاليد‪ ،‬جامعة‬
‫ورقلة‪ ،‬العدد ‪ ،3‬ديسمبر ‪ ،2012‬ص‪.251- 250‬‬
‫‪ 3‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.250‬‬

‫‪149‬‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫"وظن الكثير من المفكرين أن إعادة الحياة إلى جسم األدب من المستحيالت بعد‬
‫غفوة دامت خمسة قرون تحت نير العصر العثماني ‪...‬ولما هبت رياح الثقافة‬
‫الغربية على الشرق فأحيت مواته وأعادت الحياة للحركة الفكرية واألدبية ‪ ،‬فخاف‬
‫األدب العربي من هجمة الغرب أن تذوب شخصيته‬ ‫لفيف من األدباء على‬
‫واستيقظ رجال الفكر من سباتهم العميق وتنبه األدباء والشعراء إلى العصور الذهبية‬
‫لألدب العربي ونقده بمنظار المشتاق يستلهمون تراثه إلزاحة معالم الضعف‬
‫واالنحطاط وراحوا يدرسون القديم من أدب ونقد ثم ما لبثوا أن أخذوا باإلبداع‬
‫‪4‬‬
‫بعد اإلتباع"‬

‫في الحركة األدبية والنقديةيف البالد العربية‪ ،‬ولم تكن الحياة األدبية والنقديةيف الجزائر‬
‫بمنأى عن هذه التحوالتيف الفترة الممتدة بين الحربين –من أوائل العشرينيات إلى‬
‫األربعينيات –فقد شهدت هذه الحقبة انبعاث النهضة األدبية على يد ثلة من األدباء‬
‫الحركة اإلصالحية أمثال الشيخ بن باديس‪ ،‬محمد‬ ‫والشعراء الجزائريين من أعالم ورواد‬
‫السعيد ألزاهري‪ ،‬وأحمد سحنون‪ ،‬المبارك الميلي‪ ،‬والعربي التبسي‪ ،‬وإبراهيم أبو اليقضان‪،‬‬
‫والسنوسي‪ ،‬محمد العابد والجياللي‪ ،‬والبشير اإلبراهيمي‪ ،‬وأحمد ذياب وغيرهم‪ ،...‬ممن‬
‫ركزوايف آرائهم النقدية على الجانب اإلصالحي والتي نشرتيف العديد من الصحف‬
‫الوطنية وعلى رأسها – حسب رأي الناقد عبد المالك مرتاض ‪ -‬الشهاب والبصائر‪-‬‬
‫باعتبارهما األساس الحقيقي الذي أدى إلى قيام النهضة األدبية ومن ثم توافر المادة األولية‬
‫للعملية النقدية والتي اتسمتيف أغلبها بالطابع التقليدي اإلحيائي ليسيف الجزائر وحدها‬
‫بليف العالم العربي كله‪ ،‬ورغم ذلك االنقياد والتمسك نحو القديميف الساحة األدبية فقد‬
‫ظهر اتجاهان اثنانيف األدب ونقده‪ ،‬كان األول فيهما يدعو إلى المطابقةيف الشكل‬
‫والمضمون للتراث العربي القديم وكان هذا التيار المحافظ متعصبا لالتجاه التقليدي وفي‬
‫المقابل كان االتجاه اآلخر أكثر انفتاحا على المناهج النقدية الغربية والتي ساهمتيف دفع‬
‫وتيرة النقد‪.‬‬

‫وقد شكل االتجاه األول والذي يمكن أن نطلق عليه تسمية االتجاه االتباعي اإلحيائييف ‬
‫النقد الجزائري مرحلة انطالق النقد الجزائري الحديث ويمثله الشاعر الجزائري المحافظ‬
‫محمد سعيد الزاهري وهو من أبرز الشعراء االتباعيين اإلحيائيين المناصرين لالتجاه‬
‫التقليدييف األدب والنقد والمناهضين للتيار التجديدييف النقد األدبييف المشرق‪" ،‬فقد‬

‫‪ 4‬محمد التيونجي‪ :‬المعجم المفصليف األدب‪ ،‬دار الكتب العلمية بيروت –لبنان‪ ،‬ط‪ ،1999، 2‬ص‪.40، 39‬‬

‫‪150‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫هاجم طه حسين هجوما عنيفايف سنة ‪1933‬يف مقال بعنوان طه حسين شعوبي ماكر‪،‬‬
‫ودعا إلى حرق كتبه وطالب بتحريم إدخالها إلى الجزائر وال سيما كتابه الشعر الجاهلي"‪،5‬‬
‫إال أن الناقد عمار بن زايد حاول أن يبحث عن أثر المنهج التاريخييف هذا المقال و أقر‬
‫بأن « م حمد سعيد الزاهري حاول أن يربط بين موقف طه حسين من الظاهرة األدبية ككل‬
‫وبين عالقة هذه الثقافة بالتاريخ اإلسالمي والحضارة العربية » ‪ 6‬إال أن هذه الرؤية النقدية‬
‫للزاهري انحصرت يف الموروث الديني اإلصالحي فهو نقد إيديولوجي يهدف من خالله إلى‬
‫حماية الهوية ال عربية من الضياع‪ ،‬كما نعترف بأن هذه االلتفاتة النقدية الجادة قد حاول‬
‫من خاللها الزاهري أن يختبر مدى يقظة النقاديف تلك الفترةيف نقد الشعر يف مقاله الذي‬
‫صرح بهيف جريدة الشهاب سنة ‪ 1926‬قائال ‪:‬‬
‫«أعرض على أدبائنا وكتابنا الجزائريين هذه القصيدة القصيرة‪ ،‬وأرجوا من كل‬
‫أديب (قدر على نقدها) أن ينتقدها انتقادا أدبيا‪ ،‬وأن يرنا أنموذجا من هذا الفن‬
‫الجميل ‪،‬فن النقد الذي هو تمييز الخبيث من الطيب‪ ،‬والخطأ من الصواب‪،‬‬
‫والصحيح من الفاسد ‪ ،‬فإننا إذا عرفنا مقدرتهم وأغلب وجوه الكتابة إاليف النقد‬
‫األدبي ‪ ،‬قد صنعت هذه القصيدة وأنا قادر على تزييف كل بيت من أبياتها ‪...‬‬
‫‪7‬‬
‫ولكنه تركها على ذلك واقترح على المهتمين بالشعر أن ينتقدوها بإنصاف»‬

‫ألنه كان على دراية أن النقد الجزائري لم يعرف نقادا متخصصين يجعلون من النقد محور‬
‫اهتمامهم وليس من قبيل أن يعرض قصيدته ليحاكي شعراء العصر الجاهلي القديم حين‬
‫كانوا يعرضون أشعارهميف األسواق‪ ،‬بل عرضوها على النقاد ليؤكدوا أن النقد الجزائري‬
‫كان متواجدا بصورته الخاصة منذ مطلع القرن العشرين‪ ،‬فقد حاول الزاهري من خالل مقاله‬
‫أن يبرز أهمية‬
‫"الوعي بضرورة نقد أدبي بعد أن وجد األدب ‪ ،‬فالساحة النقدية ال يكتمل وجودها‬
‫إال بوجود النقد األدبي كما أنه نظر إلى النقد على أنه فن جميل مما يزيل النظرة‬
‫السلبية للنقد التي كثيرا ما عملت على إنكار أهميته وتهميش دوره واالنزعاج إن لم‬
‫نقل الخوف منه‪ ،‬باإلضافة إال تحديد عمل النقد بأنه عملية تمييز للظاهرة األدبية‪ ،‬مع‬
‫التأكيد على أخالقيات هذه العملية النقدية التي تقوم على أساس اإلنصاف األمر‬
‫الذي أخفقيف تحديده الناقد مصايف حين جعل مفهوم النقد واحدا‪ ،‬فقد أسقط‬

‫‪ 5‬قرين عبد الله‪ :‬النقد األدبي الحديث (مخطوط ما جستير)‪ ،‬جامعة حلب ‪ ،1987،‬ص‪.31‬‬
‫‪ 6‬عمار بن زايد‪ :‬النقد األدبي الحديثيف الجزائر‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1990 ،‬ص‪125‬‬
‫‪ 7‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث –اتجاهاته وخصائصه الفنية‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،3‬ص‪.125‬‬

‫‪151‬‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫مفهوم النقديف زمن إنجاز بحثهيف نهاية السبعينيات على مفهوم النقديف بداية‬
‫‪8‬‬
‫العشرينيات"‬

‫وبهذه النظرة النقدية التقليدية االتباعية النابعة من روح الزاهري المتشبعة بالحس الوطني‬
‫اإلصالحي التي استمدها من مبادئ الحركة اإلصالحية محاوال فك الحصاريف تلك الفترة‬
‫المضطربة عن األدب والنقد الجزائري ومحاولة إحياء وبعث أبجديات النقد لدى الشعراء‬
‫والنقاد الجزائريين آنذاك‪.‬‬

‫أما االتجاه الثانييف نقد فترة ما قبل االستقالل ويمكن أن نسميه االتجاه التجديدييف ‬
‫النقد الجزائري الذي تمثلته الجهود النقدية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية حين‬
‫انتعشت الحياة الثقافية على يد كوكبة من شعراء وأدباء جيل الخمسينيات أمثال (عبد‬
‫الله بن منصور ‪ ،‬بن ذياب‪ ،‬رضا حوحو ‪،‬وحمود رمضان‪ ،‬بن عاشور ‪...‬وغيرهم "من الذين‬
‫انكبوا على األدب العربي القديم واغترفوا من معينه ‪،‬ونهلوا من منابع الثقافة العربية من‬
‫المشرق والمغرب ‪،‬فضال عن تفتح بعضهم على الثقافة واألدب الغربيين"‪، 9‬كالشاعر حمود‬
‫رمضان الذي انطلق من واقع األدب الجزائري شاعرا إحيائيا لينتهي ناقد مجددايف ظل‬
‫تلك الظروف االستعمارية القاهرة ‪،‬ورأى أن من التخلف المحافظة على النماذج القديمة‪،‬‬
‫«فقد آمن رمضان حمود بفاعلية األدب الغربي وضرورتهيف بعث األدب الجزائري‬
‫وطبق نظريته هذه عمليا حين عمد إلى قطعة للشاعر الفرنسي الموني تحت عنوان‬
‫المنفي ّوعرّبها ليستفيد منها األدباء الذين ال يحسنون الفرنسية »‪،10‬‬

‫وقد تميزت مواقفه بالجرأة والصرامة النقديتينيف مجال التعامل مع النص الشعري‬
‫التراثي‪ ،‬فقد كان يدعو إلى التجديديف األدب الجزائري المبني على أساس يكاد يلتقي فيه‬
‫مع حرفية ما كان يدعو إليه العقاديف آرائه النقدية ‪« ،‬كما تعرض الناقد حمود رمضان‬
‫ألحمد شوقي بالنقد ولم يعتبره مجددا بل سلكهيف عداد المقلدين ويعترف بأن شوقي أحيا‬
‫الشعر ولكنه مع ذلك لم يأت بشيء جديد‪ ،‬أو سن طريقة ابتكرها من عنده خاصة به من‬
‫دون غيره‪ ،‬أو اخترع أسلوبا يالئم العصر الحاضر» ‪.11‬‬

‫‪ 8‬ينظر‪ :‬بلقاسم مالكية‪ :‬تصنيف االتجاهات النقديةيف الجزائر‪ ،‬ص‪.251‬‬


‫‪ 9‬في األدب العربي الحديث بالجزائر –الفنون األدبيةيف آثار اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬مطبعة الكاهنة‪ ،‬الجزائر‬
‫‪ ،2002،‬ص‪.22‬‬
‫‪ 10‬محمد ناصر‪ :‬الشعر الجزائري الحديث‪ ،‬ص‪.115‬‬
‫‪ 11‬أ قديد جمال‪ :‬تاريخانية النقد الجزائري‪ ،‬مجلة اآلفاق‪ ،‬جامعة سيدي بلعباس‪ ،‬ص‪.123‬‬

‫‪152‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬النقد األدبي الجزائري ما بعد االستقالل (النقد السياقي)‬

‫من الواضح أن أغلب الباحثين والنقاديف مسار الخطاب النقدي الجزائري الحديث يتفقون‬
‫على بداية المناهج السياقية التي أعلت سلطة المؤلف وجعلته يتربع على عرش اإلبداع‬
‫األدبي بوصفه يمتلك مفتاح فهم النص وتفسيره كانتيف بدايات السبعينيات من القرن‬
‫العشرين مع نشوة االستقالل وقد تأخر ظهورها مقارنة مع البلدان العربية‪ ،‬ويرجع ذلك‬
‫لطبيعة الظروف التاريخية أثناء االحتالل‪ ،‬ولعل من أهم األسباب التي ساعدت على ظهور‬
‫هذا االتجاه السياقييف النقد الجزائري انفجار تلك الثورة الفكرية التي حملت لواءها‬
‫أوروبا بالدرجة األولى ثم سرعان ما انتشرت عدواها إلى الوطن العربي ثم الجزائر رغبة من‬
‫النقاديف التخلص من تلك األحكام النقدية االنطباعية التي سادتيف مرحلة ما قبل‬
‫االستقالل‪ ،‬والسعي لجعل النقد علما لتفسير النصوص اإلبداعية وذلك بربط النص األدبي‬
‫بسياقاته الخارجية وتبيين العالقة بينه وبين مبدعه ومجتمعه وتاريخيه‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫برزت االتجاهات النقدية التاريخية واالجتماعية والنفسية التي مضت قدما على أ كتاف‬
‫النقاد الجزائريين الذين تفتحوا على نظريات النقد السياقية ‪،‬التي تولت مهمة الكشف عن‬
‫العالقة بين النص األدبي و مبدعه ومجتمعه وتاريخه وظروفه النفسية‪ ،‬ويأتييف مقدمة هذه‬
‫االتجاهات‪:‬‬

‫االتجاه التاريخييف النقد األدبي الجزائري الحديث‬

‫يعد المنهج التاريخي أولى معالم التأثر بالمناهج السياقيةيف الخطاب النقدي الجزائرييف ‬
‫بداية فتر ة السبعينيات من القرن العشرين ‪ ،‬فقد ازدهريف حضن الجامعات العربية على‬
‫أيدي أشهر النقاد العرب أمثال «مع شوقي ضيف وسهير القلماوي وعمر الدسوقييف مصر‪،‬‬
‫كما وجد العديد من‬ ‫تونس‪12»...‬‬ ‫وشكري فيصليف سوريا‪ ،‬ومحمد صالح الجابرييف ‬
‫النقاد الجزائريينيف هذا المنهج الذي استغرق حيزا كبيرا من خطاباتهم النقدية نموذجا‬
‫مثاليا لمحاكاة ظروف عصرهم خصوصا مع تنامي نشوة النصر الذي حققته الثورة الجزائرية‬
‫المباركة‪،‬‬
‫"وقد اعتبر الدكتور يوسف وغليسي المنهج التاريخي البوابة المنهجية األولى التي‬
‫فتح الخطاب النقدي الجزائري عيناه عليه‪ ،‬ابتداء من مطلع السبعينيات من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬واعتبر كل حديث عن النقد قبل هذا الفترة ‪-‬مجرد خرافة‪ ،-‬وحدد سنة‬

‫‪ 12‬يوسف وغليسي‪ :‬مناهج النقد األدبي‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ ،2010، 3‬ص‪.19‬‬

‫‪153‬‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫‪ 1961‬تاريخ ميالد المنهج التاريخييف النقد الجزائري وهي السنة التي ظهر فيها‬
‫الكتاب النقدي المشهوريف النقد التطبيقي للدكتور أبو القاسم سعدالله بعنوان ‪-‬‬
‫محمد العيد آل خليفة –رائد الشعر الجزائرييف العصر الحديث –سنة ‪1961‬م‪،‬‬
‫الذي تأثر فيه بمنهج سانت بيف التاريخي‪ ،‬وجمع فيه بين األدب والتاريخ ‪،‬فيقول‬
‫‪ :‬عكفت مدة على دراستها وربطها باألحداث والمناسبات التي قيلت فيها‪،13" ...‬‬

‫وقد تناوليف القسم األول من كتابه‪ :‬حياة الشاعر‪ ،‬بيئه‪ ،‬نشأته‪ ،‬ثقافته‪ ،‬وتجاربه‪ ،‬أمايف ‬
‫القسم الثاني فقد تناول شعره عبر تسعة فصول االجتماعي‪ ،‬السياسي‪ ،‬الذاتي‪ ،).....‬فيما‬
‫خصص القسم الثالث لنماذج من شعرية من ديوان الشاعر‪.‬‬

‫أما كتابه دراساتيف األدب الجزائري ‪،‬يف إطار نقد الشعر الجزائري الحديث فقد كانيف ‬
‫فيه مدين للروح التاريخية والثورية التي تمخض عنها‪« :‬فقد كتبت تحت ضغط الظروف‬
‫الثورية التي كانت تعيشها الجزائر»‪ 14‬مسلما بتاريخيته الظاهرة األدبية مقسما إياه ألطرها‬
‫التاريخية‪ ():‬شعر األجراس (‪ ،)1936-1925‬شعر البناء (‪ )45-36‬شعر الهدف (‪-45‬‬
‫‪ ،)54‬شعر الثورة (‪54‬وما بعدها)‪.‬‬

‫ثم تلت هذه الجهود النقدية التاريخيةيف مجال الشعر دراسات أخرى ألقطاب هذا المنهج‬
‫أمثال (عبد الله الركيبييف دراسته القصة الجزائرية القصيرة ‪ ،‬ومحمد ناصريف كتابه‬
‫الشعر الجزائري الحديث ‪،‬و صالح خرفييف رسالة ماجستير ( شعر المقاومة الجزائرية )‬
‫من جامعة القاهرة سنة ‪ ، 1966‬اعتمد فيها الخطاب الشعري مجرد وثيقة للتاريخ المقاومة‬
‫الجزائرية‪،‬و عبد الله حمادييف كتابه مدخل إلى الشعر اإلسباني المعاصر‪ ،‬ويحيى الشيخ‬
‫صالحيف كتابه ( شعر الثورة عند مفدي زكرياء)‪ ،‬أما عبد المالك مرتاضيف مؤلفاته( فنون‬
‫النثر األدبييف الجزائر‪ ،‬وكتاب فن المقاماتيف األدب العربي و كذا نهضة األدب العربي‬
‫المعاصريف الجزائر‪)..‬‬

‫أمايف سياق النقد التاريخي للخطاب السردي فقد قدم الناقد الدكتور عبد الله الركيبي‬
‫دراسة نقدية تاريخية يف كتابه القصة الجزائرية القصيرة سنة ‪ 1967‬لنيل شهادة الماجستير‬
‫من جامعة القاهرة على امتداد زمني ‪ 1962- 1928‬يقول فيها «اخترت المنهج الذي يجمع‬
‫بين النقد والتاريخ ألن األدب يتطور بتطور حياة اإلنسان والتاريخ يساعد على تحديد‬

‫‪ 13‬ينظر‪ :‬يوسف وغليسي‪ :‬النقد الجزائري المعاصر من الالنسونية إلى األلسنية‪ ،‬اصدارات رائعة ابداع الثقافية‪( ،‬دط)‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص‪.22:‬‬
‫‪ 14‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪154‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫‪ ،‬أمايف كتابه تطور النثر الجزائري الحديث ‪ :‬الذي أعلن فيه عن‬ ‫التطور»‪15‬‬ ‫مراحل هذا‬
‫انتمائه ا لتاريخييف النقد وقد خصص قسمه الرابعيف نقد فن المسرح الذي كان نصيبه‬
‫من الدراسات النقدية قليال و"اعتمديف نقده للمسرح الجزائري على النص المكتوب ألن‬
‫المسرح بغير نصوص يصبح الحكم عليه غير موضوعي ‪،‬فضال على اعتماده على مصدر مهم‬
‫‪16".‬‬ ‫يؤرخ للمسرح الجزائري هو مذكرات محي الدين بشتارزي‬

‫أما الدكتور محمد ناصر فقد ظل أمينا للرؤية التاريخيةيف نقده للشعر الجزائري الحديث‪ ،‬و‬
‫كان له باع كبيريف النقد الصحفي يف كتابه الصحف الجزائرية العربية الذي أصدره سنة‬
‫‪" 1980‬الذي أرّخ فيه للحركة الصحفية الجزائرية تاريخا علميا ‪ ،‬ويتمثل هذا المنهجيف ‬
‫ذكر عنوان الجريدة متبوعا باسم المدينة التي نشأت فيها والمدة التي عاشتها ‪،‬ثم يتحدث‬
‫عن الظروف التي أحاطت بنشأة الجريدة وعن االتجاه السياسي الذي كانت تعمليف ‬
‫إطاره"‪.17‬‬

‫االتجاه االجتماعييف النقد األدبي الجزائري الحديث‬

‫اتكأ المنهج النقدي االجتماعي على الفلسفية المادية الجدلية التي تنظر إلى األدب على أنه‬
‫انعكاس للمجتمع‪ ،‬وقد احتل النقد االجتماعي رقعة شاسعة من الكتابات النقدية الجزائرية‬
‫الحديثةيف فترة السبعينيات من القرن العشرين حين هيمنت اإليديولوجية االشتراكية على‬
‫الحياة الجزائرية واستطاع‬
‫« الجيل الذي واكب بداية الثورة االجتماعية ‪-‬الديمقراطية المتبعةيف الجزائر‬
‫تحت شعار الثورات الثالث وهي تنضوي تحت الثورة االشتراكيةيف ‪ ...‬العالم‬
‫وانكب هذا الجيليف البحث عن قاعدة ثقافية يمكن أن يجسد من خاللها‬
‫التغيرات األولى التي رأت النوريف الواقع‪...‬ألقى نظرة إلى الشعر التقليدي فلم يجد‬
‫إال الحماسة والمدح ‪،...‬وانطالقا من تعلمه اللغة المزدوج انكب على قراءة الفكر‬
‫‪18‬‬
‫االشتراكي العالمي لكي يصل إلى توضيح الرؤية لما يحدثيف وطنه »‬

‫‪ 15‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.25‬‬


‫‪ 16‬رابح طبجون‪ :‬مدارات الممارسة والتنظيريف نقد فن المسرح الجزائري من خالل أعمال الدكتور عبد الله الركيبي‪،‬‬
‫مجلة منتدى األستاذ‪ ،‬العدد ‪ 17‬جانفي ‪ 2016‬المدرسة العليا لألساتذة‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪.111‬‬
‫‪ 17‬ينظر‪ :‬محمد مصايف‪ ،‬النثر الجزائري الحديث‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الجزائر‪ ،‬د ط‪،1983،‬‬
‫‪.149-148-147‬‬
‫‪ 18‬ينظر‪ :‬محمد ساري‪ ،‬البحث عن النقد األدبي الجديد‪ ،‬دار الحداثة للطباعة‪ ،‬للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1984، 1‬ص‪.68، 67‬‬

‫‪155‬‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫وضمن هذه القراءة والرؤية الجديدة برزت أسماء نقدية معتبرة تحركت ضمن هذا الفضاء‬
‫االجتماعي المنهجي الجديد ‪ ،‬وشدّدت على ضرورة ربط النص األدبي بوسطه االجتماعي‪،‬‬
‫أمثال‪( :‬محمد مصايف‪ ،‬واألعرج واسيني و محمد ساري الذي حاول التنظير للبنوية‬
‫التكوينيةيف كتابه البحث عن النقد األدبي الجديد‪ ،‬وزينب األعوج‪ ،‬وعمر بن قنية ) مع‬
‫تحيز بعضهم للرؤية التاريخية ( عبد الله الركبي )‪ ،‬والرؤية االنطباعية ( مخلوف عامر‪،‬‬
‫محمد بوشحيط‪ ،‬عمر ازراج)‪ ،‬و بدأ الخطاب النقدي الجزائري يتفتح على الخطابات‬
‫اإليدي ولوجية الخارجية التي يمثلها ( لينين ‪،‬ماركس ) وأخرى أدبية نقدية ( جورج لوكاتش‪،‬‬
‫غولدمان ) وساعد على ذلك بعض الترجمات لألدب الثوري واالشتراكي كترجمة مرزاق‬
‫بقطاش لكتاب الرواية (لجورج لوكاتش) ‪.‬‬

‫ومن أبزر الدراسات النقدية الجزائريةيف إطار نقد اإلبداع السردي الجزائرييف فترة ما بعد‬
‫االستقالل والذي كان له نصيب األسد من الممارسة النقدية االجتماعيةيف الخطاب النقدي‬
‫الجزائري نذكر دراسة الناقد محمد مصايف الرائدة (الرواية العربية الجزائرية الحديثة بين‬
‫الواقعية وااللتزام)‬
‫"التي كان فيها اعتناقه للرؤية النقدية الواقعية نابع من إيمانه بالرسالة االجتماعية‬
‫لألدب ودوره النضالي الجماهيري الذي ينبغي أن يضطلع به‪ ،‬فهو يؤمن أن رسالة‬
‫األديب الجزائري رسالة مزدوجة فمن الجهة األولى ينتظر منه أن يكون لسان الطبقة‬
‫الكادحة‪ ،‬ومن جهة ثانية له أن يعمق االتجاه العقائدي الذي تعتنقه كما احتفت‬
‫دراساته بجهاز اصطالحي ( مصطلح اإللتزام‪ ،‬واألدب الهادف‪ ،‬ومصطلح البطل‬
‫اإليجابي ‪)...‬وتسير عليه هذه الطبقة"‪،19‬‬

‫كما وقفيف دراسته على تصنيف الرواية بحسب المالمح العامة لموضوعها ‪ (:‬الرواية‬
‫اإليديولوجية و تضمنت رواتي الالز والزلزال للطاهر وطار ثم الرواية الهادفة واشتملت‬
‫روايات نهاية األمس لعبد الحميد بن هدوقة ورواية الشمس تشرق على الجميع إلسماعيل‬
‫غموقات ورواية نار ونور لعبد الملك مرتاض والتي حكم عليها بأنها نزلت الدرج األدنى من‬
‫الجودة أن صاحبها قلل من موقف االلتزام ثم الرواية الواقعية التي صنف فيها رواتي ريح‬
‫الجنوب لعبد الحميد بن هدوقة ورواية طيور الظهيرة لمرزاق بقطاش‪ ،‬لينتهي إلى الرواية‬
‫التأملية الفلسفية‪ ،‬وتضمنت رواية الطموح لمحمد عرعار)‪.‬‬

‫‪ - 19‬يوسف وغليسي‪ ،‬النقد الجزائري المعاصر من الالنسونية إلى األلسنية‪ ،‬ص‪.46‬‬

‫‪156‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫أمايف إطار نقد الشعر فيعد الدكتور عبد الله الركيبي‪ -‬الذي أعلن مسبقا اعتناقه للمنهج‬
‫التاريخي‪ -‬من أبرز األقالم النقدية الجزائريةيف نقد الشعر الجزائري وفق المنهج االجتماعي‬
‫التاريخي‪ ،‬وقد صرح بذلكيف قوله‪:‬‬
‫«على أن اهتمامنا انصبيف تحليلنا للنصوص على الجانب االجتماعي‪ ،‬وركزنا‬
‫عليه وربطنا بين الشاعر وبيئته وبين المنشئ وجمهوره ‪..‬فألننا نؤمن بأن الشعر‬
‫نشاط إنساني يعكس ما يجرييف بيئة الشاعر من أحداث ووقائع ومفاهيم»‪،20‬‬

‫خاصةيف تلك الفترة التي "تسربت فيها األفكار االشتراكية إلى الشعر القومي ‪...‬بعد توالي‬
‫ا لنكسات والهزائم والسيما بعد النكسة‪ ،‬فإن موضوع المقاومة والفداء أصبح موضوع‬
‫الساعة يف شعر القضية الفلسطينية" ‪21‬وهذا ما تطرق إليهيف كتابه قضايا عربيةيف الشعر‬
‫الجزائري واألدب الشعبي والذي انتقى فيه نماذج شعرية تعكس مدى تفاعل الشاعر‬
‫الجزائري مع قضاياه العربية‪ ،‬وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي خصص لها دراسةيف ‬
‫كتابه‪ ،‬محاوال الوصول إلى أن تفاعل الشاعر الجزائري معها يوحي بإحساسه العميق‬
‫بعروبيته وقوميته‪ ،‬إال أن البنية الفنية تنعزل فيهيف صفحات محدودة من الكتاب‬

‫بينما أولى الناقد مخلوف بوكروحيف كتابه مالمح عن المسرح الجزائري دراسة تأسيسية‬
‫للنقد المسرحي الجزائري‬
‫"حين تمكن من ضغط جملة من المحاور والقضايا المسرحية الجديرة بالذكر‬
‫والمناقشة ‪ ،‬ورغم أن الناقد لم يصرح مباشر بالمنهج الذي تبناه فإننا تستطيع‬
‫استشفافه والجزم بأنه تضافر بين المنهجين االجتماعي والتاريخي بفضل جملة من‬
‫المعطيات والقرائن ‪،‬كإصراره على ربط المسرحية بالتحوالت الجذريةيف المجتمع‬
‫الجزائري سواء على الصعيد السياسي أو الفكري والثقافي ‪ ،‬وتركيزه أثناء دراسته‬
‫‪22.‬‬
‫لألعمال المختارة على األفكار والمضامين األيديولوجية"‬

‫‪ 20‬المرجع نفسه‪.43 ،‬‬


‫‪ 21‬الدكتوره سلمى الخضراء الجيوسي‪ ،‬االتجاهات والحركاتيف الشعر العربي الحديث‪ ،‬تر‪ :‬الدكتور عبد الواحد لؤلؤة‪،‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت لبنان‪ ،2001 ،‬ص‪.636‬‬
‫‪ 22‬ينظر‪ :‬صورية غجاتي‪ ،‬تجربة مخلوف بوكروحيف النقد المسرحي من المؤتلف إلى المختلف‪ ،‬مجلة مقاليد‪ ،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح ورقلة‪ ،‬العدد ‪ ،8‬جوان ‪ ،2015‬ص‪79‬‬

‫‪157‬‬
‫اتجاهات النقد الجزائري الحديث‬

‫االتجاه النفسانييف النقد األدبي الجزائري الحديث‬

‫استمد النقد النفساني رؤيته المنهجية من أصول الفلسفة الفرويدية التي ولجتيف اآلثار‬
‫األدبية ومبدعيها لتخلص إلى رؤى نقدية ساهمتيف توسيع رقعة النقد األدبي والتي تقوم‬
‫ولو‬ ‫النفسية»‪23‬‬ ‫أساسا على «دراسة ظواهر اإلبداعيف األدب والفن كتجليات للظواهر‬
‫اتجهنا صو ب الخطاب النقدي الجزائري فإنه يعسر البحث عن موقع النفسانية لجملة من‬
‫األسباب أهمها ‪:‬‬
‫"(قلة رصيد نقادنا من المفاهيم السيكولوجية‪ ،‬مع تأخر اعتماد الجامعات‬
‫الجزائرية لمقياس علم النفس األدبي‪ ،‬إضافة إلى أن صلة نقادنا بالنقد االجتماعي‬
‫قد تزامن مع غزو المناهج النسقيةيف الجزائر"‪،24‬‬

‫ورغم ذلك فقد ظهرت ثلة من الباحثين األكادميين الذين حاولوا اإلفادة من هذا المنهج‬
‫الذي اعتمد على المعارف النفسية عامة ومعارف مدرسة التحليل النفسي خاصة أمثال‪:‬‬
‫(عبد القادر فيدوحيف دراساته االتجاه النفسييف نقد الشعر العربي‪ ،‬والباحث سليم‬
‫بوفنداسةيف دراسته السيكولوجية لرواية بوجدرة‪ ،‬وأحمد حيدوشيف كتابه االتجاه‬
‫النفسييف النقد العربي الحديث‪ ،‬والدكتور محمد مقداد الذي درس ديوان أطلس‬
‫المعجزات للشاعر صالح خرفي دراسة سيكوعسكرية‪.‬‬

‫وفي سياق التحليل النفسي للشعر قدم الناقد عبد القادر فيدوح أطروحته التي عنونها‬
‫(االتجاه النفسييف نقد الشعر العربي) التي دعايف مطلعها إلى ضرورة «التعامل مع النص‬
‫األدبي وفق منظور سيكولوجي ليمنحنا النص قراءة خاصة من خالل استدعاء تجليات‬
‫ويسلط الضوء على أهم المفاهيم النظرية وآليات التحليل النفسي‬ ‫الجمعي»‪25‬‬ ‫الالوعي‬
‫المتعلقة باألثر األدبي‪ ،‬وإبراز أهمية القراءة النفسيةيف دراسة الشعر العربي يف قوله‪« :‬إن‬
‫استخدام نظريات التحليل النفسي بكاملها تتطلب مهارات علمية ليس بوسع أي باحث أن‬
‫يعكسها حرفيا على طبيعة النص‪ ،‬حتى ‪...‬أن فعل ذلك ال يخلو من التعسفيف حق األثر‬
‫»‪26‬‬ ‫األدبي الذي يستدعي منا فك رموزه مستعينا بمفاهيم التحليل النفسي قدر المستطاع‬

‫‪ - 23‬يوسف وغليسي‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫‪ 24‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫‪ 25‬عبد القادر فيدوح‪ :‬االتجاه النفسييف نقد الشعر العربي‪ ،‬اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق ‪ ،1993،‬المقدمة‪.‬‬
‫‪ 26‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪158‬‬
‫عزيز حليمة‬

‫وعلى ضوء ذلك اعتمد الناقد مبدأ التأويل الذي يشكل برأيه قاعدة لفهم األثر األدبي‬
‫واستنطاقه‪ ،‬وقد تربعت الدراسة على أربعة أبواب‪ (:‬تناوليف الباب األول التفسير‬
‫السيكولوجي لعملية اإلبداع‪ ،‬وتناوليف الباب الثاني الممارسة النفسيةيف النقد العربي‬
‫الحديث‪ ،‬ثميف الباب الثالث عرج إلى التشكيل الفني للقصيدة القديمة‪ ،‬لينتهي إلى باب‬
‫رابع خصصه لألبعاد النفسية لجمالية الصورةيف القصيدة الحديثة)‪.‬‬

‫كما ال يفوتنا أن ننوه بالجهود النقدية للناقد أحمد حيدوش الذي اختار النقد النفسي رغم‬
‫قلة المهتمين بهذا المجاليف الساحة النقدية الجزائرية وتطرق إلى أهم القضايا النقدية‬
‫تنظيرا وتطبيقا‪ ،‬ومن (كتاب االتجاه النفسييف النقد العربي الحديث‪،‬وكتاب شعرية المرأة‬
‫أنثوية القصيدة ‪ ،‬وكتاب إغراءات المنهج وتمنع الخطاب )‪ ،‬ويرى حيدوش "أن سانت بيف‬
‫هو أول من اهتم بالبحث عن السيرة النفسية للمؤلف يف النص األدبي وقد وسع هذا النقد‬
‫فيما بعد وطوريف فرنسا اعتمادا على أسس التحليل النفسي الفرويدي"‪ ،27‬وقد أولى‬
‫الناقد أهمية كبيرة للحلميف تحليل النص األدبي فيقول ‪«:‬األحالم أقوى دليل يؤكد وجود‬
‫الالوعي وثرائه»‪.28‬‬

‫أمايف إطار النقد النفسي للخطاب الروائي الجزائري فقد قدم الباحث سليم بوفنداسة‬
‫دراسته األكادمية بعنوان (عقدة أوديبيف روايات رشيد بوجدرة)‬
‫تستحق الذكر‪ ،‬فقد توزعت هذه‬ ‫" التي تعد أول ممارسة نقدية نفسانية جزائرية‬
‫الدراسة على قسمين‪ ،‬قسم نظري تناول فيه عقدة أوديب وخصوصيات الشخصية‬
‫المغاربية واألوديب المغاربي‪ ،‬ثم تناول سيكولوجية الفنان ‪،‬أما القسم الثاني‬
‫التطبيقي فقد عرف فيه منهج التحليل و تحديد الفئات ثم وضع الفئاتيف إطارها‬
‫العالئقي لينتهي إلى التفسير العام والخاص لدراسته‪ ،‬ويصليف األخير إلى أن‬
‫الروائي رشيد بوجدرة لم يحل عقدته األوديبة وأنه مصاب بمرض العصاب‪ ،‬وهي‬
‫النتيجة التي أقلقت لجنة المناقشة باعتبار عقدة أوديب مجرد فرضية وأنه ليس من‬
‫المعقول أن يلصق ببوجدرة مرضا نفسيا كالعصاب انطالقا من رواياته"‪،29‬‬

‫غير أن أغلب المصطلحات التي وظفها مستمدة من مصطلحات علم النفس‪.‬‬

‫‪ 27‬ينظر‪ :‬أحمد حيدوش‪ :‬االتجاه النفسييف النقد العربي الحديث‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬بن عكنون‪ ،‬دط‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 28‬ينظر‪ :‬المرجع نفسه‪،‬‬
‫‪ 29‬ينظر‪ :‬يوسف وغليسي‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.86 ،84،85‬‬

‫‪159‬‬

You might also like