You are on page 1of 16

‫رسالةٌٌ‬

‫مضان‬ ‫حٌ‬
‫إىلٌالرٌيصٌعىلٌاغتنامٌٌ حٌر ح ٌ‬

‫َك َت َب َها‬
‫الراجي َع ْف َو َر ِّبه‬

‫ش‬ ‫ب‬ ‫بد اهلل ِ‬


‫احل‬ ‫بن َع ِ‬
‫ِ‬ ‫َأيمن بن مم ِ‬
‫د‬
‫ْ ي‬
‫غفر اهلل له ولوالديه وللمسلمني‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪2‬‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل ذي اجلالل واإلكرام‪ ،‬والصالة والسالم عىل س ِّيد األنام‪ ،‬وعىل آله وصحبه الربرة الكرام‪،‬‬
‫ومن تبعهم إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فاعلم ـ أهيا احلريص عىل اغتنام رمضان ـ أن من توفيق اهلل لك‪ ،‬وإحسانه إليك‪ :‬أن َب َع َث فيك‬
‫فضل منه ورمحة‪ ،‬وإنعا ٌم منه و ِمنة‪ ،‬فتأمل‬
‫داعي الطاعة‪ ،‬وخلق يف نفسك الرغبة يف اخلري‪ ،‬وما ذلك إال ٌ‬
‫شكره عىل نعامئه‪.‬‬
‫يف آالئه‪ ،‬وأدم َ‬
‫واالجتهاد يف رمضان من سنن النبي عليه الصالة والسالم‪ ،‬فعن أم املؤمنني عائشة ريض اهلل عنها‬
‫ِ ِ‬ ‫َيت َِهد يف َغ ْ ِري ِه ‪َ ،‬و ِيف ال َع ْ ِ‬
‫األواخ ِر منْه َما ال َ ْ‬
‫َيت َِهد يف‬ ‫ْش َ‬ ‫َيت َِهد يف َر َم َض َ‬
‫ان َما الَ َ ْ‬ ‫هلل ‪ْ َ ‬‬ ‫قالت ‪ :‬ك َ‬
‫َان رسول ا ِ‬

‫َغ ْ ِري ِه(‪.)1‬‬


‫بجملة من األمور باختصار‬ ‫ٍ‬ ‫ومن ثم كانت هذه الرسالة تذكر ًة لنفيس وملن سأهلا من إخواين‬
‫خيتص برمضان‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالعمر ك ِّله‪ ،‬لكنه يتأكد يف شهر الصيام‪.‬‬ ‫وإَياز‪ ،‬منها ما ي‬
‫واهلل أسأل أن ينفع هبا كل َم ْن َق َر َأ َها‪ ،‬أو َس ِم َعها‪ .‬إنه سميع قريب‪.‬‬
‫اعلمٌـٌأخيٌالريصٌـٌأن‪ٌ:‬‬
‫ِ‬
‫األعامل وأجلها‪:‬‬ ‫أعظم‬ ‫‪‬‬
‫َ‬

‫هو اإلخالص هلل جل وعال‪ ،‬ﮋ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮊ [البينة‪ ، ]٥ :‬فلن َ‬


‫تنفع‬
‫العبد صلواته‪ ،‬وال قراءاته‪ ،‬وال اجتهاداته إذا مل تكن النية خالص ًة لوجه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫عن أيب هريرة ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( : ‬رب َص ِائ ٍم َح يظه ِم ْن ِص َي ِام ِه ْ‬
‫اجلوع َوا ْل َع َطش ‪َ ،‬ورب‬

‫َق ِائ ٍم َح يظه ِم ْن ِق َي ِام ِه الس َهر)) (‪.)2‬‬


‫ِ‬
‫ودعائك‪،‬‬ ‫وترضعك‪،‬‬ ‫فتذكر هذا ج ِّيدً ا عند خروجك للمسجد‪ ،‬وقراءتك للقرآن‪ ،‬وبكائك‪،‬‬
‫ي‬
‫وعمرتِك‪ ،‬وصدقتِك‪ ،‬بل ويف مجيع عبادتِك‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ح ‪.1111‬‬


‫(‪ )2‬رواه أمحد ‪ ،313/2‬والنسائي يف الكربى ‪ ،232/2‬وابن ماجه ح‪ ،1921‬والطرباين يف الكبري ‪ ،382/12‬وقال اهليثمي يف املجمع‬
‫‪ :091/3‬رجاله موثقون‪.‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪3‬‬

‫ٍ‬
‫بشء‪ ،‬وإنام ينفعك جتريدك العمل هلل ‪. ‬‬ ‫تلتفت إىل مدح الناس وثنائهم‪ ،‬فواهلل لن ينفعك‬ ‫فال‬
‫ْ‬
‫‪ ‬ثم اعلم أن رأس مالك هو فعل الفرائض‪ ،‬واملحافظة عليها‪ ،‬وترك املحارم‪ ،‬واالبتعاد عنها‪:‬‬
‫‪ ‬فاحرص‪:‬‬
‫عىلٌصالتكٌ ً ٌ‬
‫أول‪ ،‬فهي عمود دينك‪ ،‬متى أصلحتها أفلحت‪ ،‬ومتى أفسدهتا خرست‪.‬‬
‫أن َي ْل َقى اهللَ َت َع َاىل غد ًا م ْسلِ ًام ‪،‬‬ ‫فال ٌتفوتنَّك ٌصالة ٌاجلامعة‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪َ ، ‬ق َال‪َ :‬م ْن ََسه ْ‬
‫َش َع لِنَبِ ِّيكم ‪ -  -‬سنَ َن اهلدَ ى ‪َ ،‬وإّنن ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ْلي َحاف ْظ َع َىل هؤالَء الص َل َوات َح ْيث ينَا َدى ِهبِن‪َ ،‬فإن اهللَ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫سن َِن اهلدَ ى‪َ ،‬و َل ْو أنك ْم َصل ْيت ْم يف بيوتِكم ك ََام ي َص ِِّّل هذا املت َ‬
‫َل ِّل ِيف َب ْيته َل َ َ‬
‫َتكْت ْم سن َة نَبِ ِّيك ْم‪َ ،‬و َل ْو ت ََركْت ْم‬
‫َان الرجل يؤتَى ِبه‪،‬‬ ‫َعن َْها إال منَافِ ٌق م ْعلوم النِّ َف ِ‬
‫اق‪َ ،‬و َل َقدْ ك َ‬ ‫َ‬ ‫سنة نَبِ ِّيكم َل َض َل ْلت ْم‪َ ،‬و َل َقدْ َرأ ْيتنَا َو َما َيت َ‬
‫َلل‬
‫ني الرج َل ْ ِ‬
‫ني َحتى ي َقا َم يف الص ِّ (‪ .)1‬و’’معنى َهيادى‪ :‬أن يمسكه رجالن من جانبيه بعضديه‬ ‫َهيا َدى َب ْ َ‬

‫يعتمد عليهام‘‘ قاله اإلمام النووي ‪.)2( ‬‬

‫وتأمل يف حال السل ‪ ،‬فهذا سعيد بن املسيب ‪ ‬يقول‪(( :‬ما أذن املؤذن منذ ثالثني سنة إال‬

‫وأنا يف املسجد)) (‪.)3‬‬

‫وحافظ عىل خشوعها‪ ،‬والتذلل هلل فيها‪ ،‬فعن عامر بن ياَس ‪ ‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‪ ‬يقول ‪:‬‬
‫ب له إال ع ْْش صالته‪ ،‬تسعها‪ ،‬ثمنها‪ ،‬سبعها‪ ،‬سدسها‪ُ ،‬خسها‪ ،‬ربعها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الرجل لينرصف وما كت َ‬ ‫«إن‬

‫ثلثها‪ ،‬نِ ْصفها»(‪.)0‬‬

‫رمحهم اهلل إذا صلوا = صلوا صال َة مو ِّدع‪ ،‬مستشعرين وقوفهم بني يدي اهلل‪ .‬قال‬ ‫كان الس َل‬

‫رأيت منصور بن املعتمر ـ يصِّل = لقلت‪ :‬يموت الساعة!!)) (‪.)1‬وقال أبو‬


‫َ‬ ‫الثوري ‪( : ‬لو‬
‫عبدالرمحن األسدي ‪ : ‬قلت لسعيد بن عبدالعزيز‪ :‬يا أبا ممد ما هذا البكاء الذي َي ْع ِرض لك يف‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم ح‪.910‬‬


‫(‪َ )2‬شح صحيح مسلم ‪.119/1‬‬
‫(‪ )3‬سري أعالم النبالء ‪.221/0‬‬
‫(‪ )0‬أخرجه أبو داود‪ ،‬ح‪ ،129‬وغريه‪ ،‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪.019/1‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪4‬‬

‫الصالة؟! فقال‪ :‬يا ابن أخي‪ ،‬وما سؤالك عن ذلك؟ قلت‪ :‬لعل اهلل أن ينفعني به‪ .‬فقال‪( :‬ما قمت يف‬

‫صال ٍة إال مثلت يل جهنم) (‪.)1‬‬

‫مسجده عْشين سنة بعد قدومه من السفر‪ ،‬فلام كان يو ًما من‬ ‫ِ‬ ‫صىل أبو ز ْر َعة الرازي ‪ ‬يف‬
‫األيام َق ِدم عليه قو ٌم من أصحاب احلديث‪ ،‬فنظروا فإذا يف مرابه كتاب ٌة‪ ،‬فقالوا له‪ :‬كي يقول يف الكتابة‬
‫مت به؟!‪ .‬قال‪:‬‬‫يف املحاريب؟ فقال‪ :‬كرهه أقوام ممن مضوا‪ .‬فقالوا له‪ :‬هو ذا يف مرابك كتابة! َأ َو ما َعلِ َ‬
‫سبحان اهلل! ٌ‬
‫رجل يدخل عىل اهلل ‪ ، ‬ويدري ما بني يديه؟!(‪.)2‬‬
‫ٍ‬
‫كتابة يف مرابه منذ‬ ‫جعلته ال يدري عن‬ ‫ِ‬
‫شدة إقباله عىل الصالة‪ ،‬كي‬ ‫َ‬
‫رمحك اهلل ـ إىل‬ ‫فانظر ـ‬
‫عْشين سنة!!‪.‬‬
‫األول‪ .‬قال إبراهيم الت ْي ِم يي ‪( :‬إذا رأيت‬ ‫وال تكن ممن يتهاون يف تكبرية اإلحرام‪ ،‬والص‬

‫الرجل يتهاون يف التكبرية األوىل فاغسل يديك منه) (‪.)3‬‬

‫بني يديه يف الصالة‪ ،‬وموق‬ ‫قال اإلمام ابن القيم ‪( :‬للعبد بني يدي اهلل موقفان‪ :‬موق‬
‫ومل‬ ‫اآلخر‪ ،‬ومن استهان هبذا املوق‬ ‫األول‪ :‬ه ِّو َن عليه املوق‬ ‫بني يديه يوم لقائه‪ ،‬فمن قام بحق املوق‬

‫يو ِّفه حقه‪ :‬شدِّ د عليه ذلك املوق ) (‪.)0‬‬

‫وإياك أن تكون ممن حيرص عىل الَتاويح والقيام أكثر من حرصه عىل الصلوات املفروضة!!‪ ،‬فهو‬
‫حال من يبحث الربح‪ ،‬ويض ِّيع رأس املال‪.‬‬
‫أنٌتكونٌمنٌأبرٌالناسٌبوالديك‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ثان ًيا‪ٌ:‬احرصٌعىلٌ‬
‫ب إِ َىل ا ِ‬
‫هلل َت َع َاىل ؟ َق َال ‪ (( :‬الصالَة‬ ‫أي ال َع َم ِل َأ َح ي‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬ي‬ ‫فعن ابن مسعود ‪َ ، ‬ق َال ‪ :‬ق ْلت‪َ :‬يا‬
‫أي؟ َق َال ‪ِ :‬‬ ‫َع َىل و ْقتِها )) ق ْلت ‪ :‬ثم أي؟ َق َال ‪ (( :‬بِر ِ‬
‫متفق‬ ‫((اجل َهاد يف َس ِ‬
‫بيل اهللِ)) ٌ‬ ‫الوالدَ ْي ِن )) قلت ‪ :‬ثم ي‬
‫ي َ‬ ‫ي‬ ‫َ َ‬

‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪.30/8‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ دمشق ‪.32/38‬‬
‫(‪ )3‬حلية األولياء ‪.211/0‬‬
‫(‪ )0‬الفوائد ص‪.221/‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪5‬‬

‫َع َل ْي ِه(‪.)1‬‬
‫بغريه؟‪،‬‬ ‫كان يبرمها أحب إىل اهلل تعاىل من اجلهاد الذي فيه بذل النفس هلل‪ ،‬فكي‬ ‫فانظر كي‬
‫أي عمل عىل حساب بر الوالدين‪.‬‬ ‫فاحذر أن جتتهد يف ِّ‬
‫لطاعة‪ ،‬كع ْم ِر ٍة مستحبة ـ ‪ ،‬أو جلس ًة ـ ولو مع الصاحلني‬
‫ٍ‬ ‫واحذر أن تقدِّ م عىل والديك‪ :‬رحل ًة ـ ولو‬
‫فرص َفه عن‬ ‫ٍ‬
‫امرئ َ‬
‫فعل ذلك‪ ،‬وهو يظ ين أنه حيسن ص ْن ًعا‪ ،‬وإنام خذله الشيطان ـ والعياذ باهلل ـ ‪َ َ ،‬‬ ‫ـ ‪ ،‬فرب‬
‫أحب األعامل إىل اهلل بعد الصالة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وفضال عىل َف ْض ٍل‪ ،‬فَتاه‬
‫ً‬ ‫بارا بوالديه كل وقت‪ ،‬فإذا دخل رمضان زاد برا عىل ِّبر‪،‬‬ ‫فاملوفق من َ‬
‫كان ًّ‬
‫ِ‬
‫وولده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وزوجه‪،‬‬ ‫اشا يف وجوههام‪ ،‬مقدِّ ما هلام عىل ِ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫قاض ًيا حلاجاهتام‪َ ،‬ب ًّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بعيوب نفسك عن عيوب‬ ‫ْ‬
‫واشتغل‬ ‫أي ٌمٌسٌلٌم‪،‬‬ ‫حٌ‬
‫أنٌحتفظ ٌلسا حٌن ح ٌ‬
‫ك ٌمنٌالوقيعةٌيف ٌ ٌِّ‬ ‫ثال ًثا‪ٌ:‬احرصٌعىلٌ‬
‫غريك‪ ،‬فإن لك يف عيوب نفسك ش ْغ ًال‪.‬‬

‫تتساهل ـ ولو يف كلمة ـ‪ ،‬فربام َحبِ َط عملك وأنت ال تشعر‪ ،‬واستحرض ً‬


‫دائام أن اهلل‬ ‫َ‬ ‫واحذر أن‬

‫يسمع منك إال ما حيب‪ ،‬وتذكر قوله تعاىل‪ :‬ﮋﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﮊ [ق‪.]٨١ :‬‬ ‫ْ‬ ‫َي ْس َمعك‪ ،‬فال‬
‫عن َأيب هريرة ‪ : ‬أنه سمع النبي ‪ ‬يقول‪(( :‬إن ال َع ْبدَ َل َي َتكَلم بالكَلِ َم ِة َما َي َت َبني فِ َيها َي ِز يل ِ َهبا إِ َىل‬

‫ب)) متفق َع َل ْي ِه(‪.)2‬‬


‫ْش ِق واملَ ْغ ِر ِ‬ ‫ار أ ْب َعدَ ِمما َب ْ َ‬
‫ني املَ ْ ِ‬ ‫الن ِ‬

‫ومعنى ‪َ (( :‬ي َت َبني )) ي َفكِّر أّنا َخ ْ ٌري أم ال‪.‬‬


‫حي َف َظ ل ِ َسانَه َع ْن َمجي ِع الكَال ِم إِال‬ ‫أن َ ْ‬‫قال اإلمام النووي ‪’’ :‬ا ْع َل ْم أنه َينْ َب ِغي ل ِك ِّل مكَل ٍ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫فالسنة اإل ْم َساك َعنْه؛ ألَنه َقدْ َين َْج ير‬ ‫الم َوت َْركه ِيف املَ ْص َل َحة‪ ،‬ي‬ ‫است ََوى ال َك َ‬ ‫ال ًما َظ َه َر ْت فيه املَ ْص َل َحة‪ ،‬و َمتَى ْ‬
‫َك َ‬

‫َش ٌء ‘‘ (‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫وه‪ ،‬و َذل ِ َك كَثِ ٌري يف ال َعا َد ِة‪ ،‬والس َ‬
‫ال َكالَم املباح إِ َىل حرا ٍم َأو م ْكر ٍ‬
‫ال َمة ال َي ْعدهلَا َ ْ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫َ‬
‫مكروه ِه ومر ِمه‪.‬‬‫ِ‬ ‫كثريا إىل‬ ‫ِ‬
‫وصدق ‪ ،‬فقد رأينا أن الكال َم إذا خرج إىل فضول امل َباح = جر ً‬ ‫َ‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬البلاري ح‪ ،110‬مسلم ح ‪.81‬‬


‫(‪ )2‬البلاري ح‪ ،9112‬مسلم ح ‪.2288‬‬
‫(‪ )3‬رياض الصاحلني ص‪.192/‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪6‬‬

‫أثرا عظي ًام يف فساد القلب‪ ،‬والنظرة‬


‫راب ًعا‪ٌ:‬احرص ٌعىلٌحفظٌ ٌعينكٌمنٌالنظرٌإىلٌالرام؛ فإن له ً‬
‫سهم مسموم من سهام إبليس‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وتنظر العني‪ ،‬ثم حيصل‬
‫َ‬ ‫فال ت َْست َْج ِر َينك القنوات الفضائية‪ ،‬وال اخلطوات الشيطانية؛ فتزل القدم‪،‬‬
‫الندم‪ ،‬والسعيد من خاف مقا َم ر ِّبه‪ ،‬وّنى النفس عن اهلوى‪ ،‬وألز َمها بالتقوى‪.‬‬

‫طو ٌة من خطوا ِت الشيطان‪ ،‬وربام تالها خطوات‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ‬
‫والنظرة خ َ‬

‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﮊ [النور‪.]١٨ :‬‬

‫أهون الناظرين إليك‪ ،‬ﮋﭾ‬


‫َ‬ ‫دائام أن اهلل يراك‪ ،‬وأن عينَه ال تغيب عنك؛ فال جتع ْله‬
‫وتذكر ً‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ [النور‪، ]٠٣ :‬‬
‫ِ‬
‫نورا يف بصريته)‪.‬‬ ‫وصالح هلا‪ ،‬وقد قيل‪َ ( :‬م ْن َحف َظ َ‬
‫برصه‪ ،‬أورثه اهلل ً‬ ‫ٌ‬ ‫غض البرص فيه زكا ٌة للنفس‪،‬‬
‫ف ي‬
‫ستصغر الْش ِر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النظر ‪ ...‬ومعظم النار من م‬ ‫ِ‬
‫احلوادث َمبدَ َاها من‬ ‫ي‬
‫كل‬
‫وس وال َوت َِر‬ ‫قلب صاحبِها ‪َ ...‬فت َْك السها ِم بال َق ٍ‬ ‫فتكت يف ِ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫نظرة‬ ‫كم‬
‫وقوف عىل اخلَ ِ‬
‫طر‬ ‫ٌ‬ ‫الغ ِ‬
‫يد َم‬ ‫ني ِ‬‫عني يق ِّلبها ‪ ... ...‬يف َأ ْع ِ‬
‫واملرء ما دا َم ذا ٍ‬

‫برسور عا َد بالرضر‬ ‫ٍ‬ ‫رس مق َلتَه ما رض مهجتَه ‪ ... ...‬ال مرح ًبا‬ ‫َي ي‬
‫ور َع َل ْي ِه‬
‫ني ت ََرى َغ ْري املَْ ْقد ِ‬
‫َ‬ ‫رص‪َ ،‬فإِن ا ْل َع ْ َ‬
‫اقل إ ْط َال َق ا ْل َب َ ِ‬ ‫مفلح ‪’’ :‬و ْليح َذ ِر ا ْلع ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫قال اإلمام ابن‬
‫بشء منه‪َ ،‬ف ْل َي َت َفكر يف‬ ‫ٍ‬ ‫البدن والدِّ ي َن‪ ،‬فم ْن ابت َِّل‬ ‫َ‬ ‫َع َىل َغ ْ ِري َما ه َو َع َل ْي ِه‪ ،‬وربام َو َق َع من ذلك العشق‪ ،‬فيهلِك‬
‫وب النِّس ِ‬
‫اء‘‘(‪.)1‬‬ ‫عي ِ َ‬
‫ترك النظرة املحرمة خو ًفا من اهلل تعاىل = أورثه اهلل حالو َة العبادة‪ ،‬يقول اإلمام الغزايل‬ ‫ومن َ‬
‫ِ‬
‫النظر إىل ما ال يعنيه = َيد لذ ًة‬ ‫امتنع عن‬
‫َ‬ ‫‪’’ :‬وهذا َش ٌء جمر ٌب َعلِ َمه وحتق َقه من َع ِم َل به‪ ،‬أنه إذا‬

‫للعبادة وحالوة‪ ،‬وللقلب صفو ًة مل َيدْ ها قبل ذلك‘‘(‪.)2‬‬


‫ٌ‬

‫(‪ )1‬الفروع ‪.181/8‬‬


‫(‪ )2‬منهاج العابدين ص‪.193/‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪7‬‬

‫ك‪ ،‬فإن قطيع َتها من كبائر الذنوب‪.‬‬‫ذويٌرحٌ ح ٌ‬


‫حٌ‬ ‫خامسا‪ٌ:‬احرصٌعىلٌص حلةٌٌ‬
‫ً‬
‫وقد حيرم العبد من التوفيق بسبب قطيعته لرمحه؛ فإن اهلل َي ِصل من َو َص َل َر ِ َ‬
‫محه‪ ،‬ويقطع من َق َط َع‬
‫َر ِ َ‬
‫محه ـ والعياذ باهلل ـ ‪.‬‬
‫احبِ ِه ا ْلعقو َب َة ِيف‬
‫ْب َأجدَ ر َأ ْن يعج َل اهلل لِص ِ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِ‬
‫و َع ْن َأ ِيب َبك َْر َة ‪َ ‬ق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهلل ‪َ (( : ‬ما م ْن َذن ٍ ْ‬
‫الدي ْن َيا َم َع َما َيد ِخر َله ِيف ْاآل ِخ َر ِة ِم ْن ا ْل َب ْغ ِي َو َقطِي َع ِة الر ِح ِم)) (‪.)1‬‬
‫‪ ‬فهذه األمور جتبٌاملحافظةٌعليهاٌطولٌالعمر‪ٌ،‬لٌيفٌرمضانٌفحسب‪ ،‬وإنام حصل التوكيد عليها‬
‫دون غريها؛ لكثرة اخللل والتقصري فيها‪.‬‬
‫واسع من املستحبات يتسابق فيها املتسابقون‪ ،‬ويتنافس فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ميدان‬ ‫‪ ‬وأما ما زاد عليها‪ :‬فهو‬
‫املتنافسون‪ ،‬وقد رضب فيه سلفنا الصالح ‪ ‬األمثل َة الرائعة؛ ملا َعلِموا أن ِس ْل َع َة اهلل‬
‫س‪ ،‬والن ِفيس‪.‬‬
‫فضحوا من أجلها بالن ْف ِ‬
‫اجلنة‪ ،‬وأّنا غالية‪َ ،‬‬
‫السنن‪ٌ:‬قيامٌالليل‪ ،‬وهو أفضل الصالة بعد املكتوبة‪.‬‬
‫فمنٌ ُّ‬
‫عمر ‪ ‬عىل ِ‬
‫إثر رؤيا رآها‪:‬‬ ‫رسول اهلل ‪ ‬قال عن ِ‬
‫ابن َ‬ ‫َ‬ ‫دليل عىل َف ْض ِل صاحبِه؛ فإن‬ ‫وهو ٌ‬
‫ِ‬ ‫((نِ ْع َم الرجل َع ْبد اهلل َل ْو ك َ‬
‫َان ي َص ِِّّل م ْن الل ْي ِل))‪ .‬قال سامل ٌ ‪ :‬فكان عبد اهلل ـ يعني‪ :‬والدَ ه َ‬
‫ابن‬

‫عمر ـ ال ينام من الليل إال قلي ًال‪ .‬رواه الشيلان(‪.)2‬‬

‫نعم‬
‫بكونه َ‬ ‫قال احلافظ ابن حجر ‪( :‬فمقتضاه أن َم ْن كان ي ِّ‬
‫صِّل من الليل يوص‬

‫الرجل)(‪.)3‬‬

‫النبي ‪(( : ‬عليكم بقيام الليل‪ ،‬فإنه دأب الصاحلني قبلكم‪ ،‬وإن قيام الليل قربة إىل اهلل‪،‬‬
‫ي‬ ‫وقال‬

‫و َمنْ َها ٌة عن اإلثم‪ ،‬وتكفري للسيئات‪ ،‬و َم ْط َر َد ٌة للداء عن اجلسد)) (‪.)0‬‬


‫كل ٍ‬
‫ليلة َ‬
‫ثلث القرآن‪ ،‬ثم يقوم يف آخر الليل‪ ،‬فيقرأ‬ ‫وكيع ‪ ‬ال ينام حتى يقرأ جز َءه من ِّ‬ ‫كان‬
‫ٌ‬

‫يث َح َس ٌن َص ِحيح‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه الَتمذي ح‪ ،2111‬و َق َال‪َ :‬ح ِد ٌ‬
‫(‪ )2‬البلاري ح‪ ،1111‬مسلم ح‪.2012‬‬
‫(‪ )3‬الفتح ‪.9/3‬‬
‫(‪ )0‬أخرجه الَتمذي ح‪ ،3102‬وابن خزيمة ح‪ ،1131‬واحلاكم ‪ ،011/1‬وقال‪ :‬صحيح عىل َشط البلاري‪.‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪8‬‬

‫املفصل‪ ،‬ثم َيلس‪ ،‬فيأخذ يف االستغفار حتى يطلع الفجر(‪.)1‬‬


‫وكان َب ِق يي بن َم ْ َل ٍد ‪ ‬خيتم القرآن كل ليلة‪ ،‬يف ثالث عْشة ركعة‪ ،‬وكان يصِّل بالنهار مئة‬

‫ركعة‪ ،‬ويصوم الدهر(‪.)2‬‬


‫ينرصف‬ ‫كتب ملن قام مع اإلما ِم حتى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والرتاويحٌٌمنٌقيامٌالليلٌيفٌرمضان‪ ،‬ومن كرم اهلل وجوده أن َ‬
‫ول اهللِ ‪َ ‬ف َل ْم ي َص ِّل بِنَا َحتى َب ِق َي‬ ‫ليلة‪ ،‬يدل عىل ذلك‪ :‬حديث َأ ِيب َذر ‪َ ‬ق َال‪ :‬صمنَا م َع رس ِ‬
‫ْ َ َ‬ ‫ٍّ‬
‫أجر قيام ٍ‬
‫َ‬
‫اخلَ ِام َس ِة َحتى‬
‫اد َس ِة‪َ ،‬و َقا َم بِنَا ِيف ْ‬ ‫سبع ِمن الشه ِر‪َ ،‬ف َقام بِنَا حتى َذهب ثلث اللي ِل‪ ،‬ثم َمل يقم بِنَا ِيف الس ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ٌْ ْ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َش ْطر الل ْي ِل‪َ ،‬فق ْلنَا َله‪َ :‬يا َرس َ‬
‫ٌحتَّىٌ‬ ‫ول اهلل‪َ ،‬ل ْو نَف ْل َتنَا َبقي َة َل ْي َلتنَا َهذه؟ َف َق َال‪( :‬إنَّه حٌمن ٌ حقا حم حٌم حع ٌاْل حمام ح‬ ‫َذ َه َ‬
‫بٌ حلهٌق حيامٌ حلي حلةٌ‪)...‬احلديث(‪.)3‬‬
‫فٌكت ح‬
‫حين حَص ح‬
‫ٍ‬
‫ركعة يف الوتر حتى ينال هذا‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬
‫انرصاف اإلما ِم من ِ‬ ‫ينرصف قبل‬ ‫ي ٌبالريص ٌأال‬
‫َ‬ ‫ٌفحر ٌّ‬
‫ولذا ح‬
‫األجر‪.‬‬
‫يصِّل ما شاء‬
‫َ‬ ‫إمام ِه‪ ،‬وإما أن‬
‫وأما من كان له بقية ِور ٍد من الصالة‪ ،‬فإما أن يش َفع ِوتْره بعد سالم ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫وتره هذا‪ ،‬وال يوتِر أخرى(‪ ،)0‬وحكاه القايض عياض ‪ ‬عن أكثر العلامء(‪.)1‬‬
‫شف ًعا بعد ِ‬
‫ِ‬
‫مْشوعية أن ينقض ِوت َْره‪ ،‬بأن يصِّل ركع ًة بعد ذلك‪ ،‬ثم يصِّل شف ًعا ما‬ ‫وذهب بعض الفقهاء إىل‬
‫َ‬
‫شاء‪ ،‬ثم يوتر(‪ .)9‬وتفصيل ذلك وأدلته يف كتب الفقه‪.‬‬
‫اعلمٌأنٌالذنوبٌـٌأعاذينٌاهللٌوإياكٌـٌسببٌٌلٌرٌ حٌمانٌال ٌَّ‬
‫طاعة‪ٌ،‬وقيامٌٌالليلٌ‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫و‬

‫(‪ )1‬سري أعالم النبالء ‪.138/2‬‬


‫(‪ )2‬سري أعالم النبالء‪.222/13‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الَتمذي ح‪ ،819‬وقال‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )0‬ينظر‪ :‬املغني ‪ ،122/2‬معونة أويل النهى ‪ ،211/2‬كشاف القناع ‪.11/3‬‬
‫(‪ )1‬حكاه عنه اإلمام النووي رمحه اهلل يف املجموع ‪.20/0‬‬
‫نقض الوتر؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإن ذهب إليه‬‫(‪ )9‬وهو رواية عن اإلمام أمحد رمحه اهلل‪ ،‬قال اإلمام املوفق يف املغني ‪‘‘ :128/2‬وال ترى َ‬
‫وسعد وابن عمر وابن عباس وابن مسعود‪ ،‬وهو‬‫ٍ‬ ‫وروي عن عِّل وأسامة وأيب هريرة وعمر وعثامن‬ ‫ذاهب فأرجو؛ ألنه فعله مجاعة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫قول إسحاق’’‪.‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪9‬‬

‫ِ‬
‫الليل بذنب أحدثته ُخسة أشهر) (‪.)1‬‬ ‫الثوري رمحه اهلل‪( :‬ح ِر ْمت قيا َم‬
‫ي‬ ‫قال سفيان‬
‫السنحن‪ٌ:‬كثرةٌقراءةٌالقرآن‪ .‬ففيه حياة القلوب‪ ،‬وشفاء الصدور‪.‬‬
‫‪ ‬ومنٌ ُّ‬
‫[يونس‪:‬‬ ‫ﮋﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌ ﮍﮎﮏ ﮊ‬
‫‪.]٥٥‬‬
‫وما أسعدَ من َ‬
‫جعل ملدارسة القرآن نصي ًبا من ليله يف رمضان‪ ،‬كام كان النبي‪ ‬يفعل‪ ،‬عندما كان‬
‫يلقاه جربيل ‪ ‬كل ٍ‬
‫ليلة من رمضان‪ ،‬فيدارسه القرآن(‪.)2‬‬
‫كان اإلمام ممد بن إسامعيل البلاري(صاحب الصحيح) ‪ ‬خيتم يف رمضان يف النهار كل‬

‫يوم ختمة‪ ،‬ويقوم بعد الَتاويح كل ثالث ليال بلتمة(‪.)3‬‬


‫وتأم ْل يف ِ‬
‫قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺﮊ [ص‪،]١٢ :‬‬

‫ما قال‪( :‬ليقرؤوا)‪ ،‬أو (ليحفظوا)‪ ،‬بل قال‪ :‬ﮋﭶﮊ ‪ ،‬وقال سبحانه‪ :‬ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬

‫ﮖ ﮗ ﮊ [محمد‪.]١٢ :‬‬
‫كفيل لصاحبه بك ِّل خري‪ ،‬وأما‬
‫قال الثعالبي ‪( :‬اعلم رمحك اهلل تعاىل‪ :‬أن تد يبر القرآن ٌ‬

‫اهل َ ْذ َر َمة وال َع َج َلة‪ ،‬فتأثريها يف ال َق ْلب ضعي ٌ )(‪.)0‬‬

‫مترصا جدً ا ـ مما ي ِعني عىل تدبر القرآن‪.‬‬


‫ً‬ ‫تفسريا‬
‫ً‬ ‫والقراءة يف كتب التفسري ـ ولو كان‬
‫‪ ‬ومنٌالسنن‪ٌ:‬كثرةٌالذكر‪.‬‬
‫فبه تطمئن القلوب‪ ،‬وتنْشح الصدور‪ ،‬والذكر نوعان‪:‬‬
‫األول‪ :‬مقيدٌ بأوقات مصوصة‪ ،‬كأذكار الصلوات‪ ،‬والصباح واملساء‪ ،‬ودخول املسجد‪ ،‬واخلروج‬
‫منه‪ ،‬وأمثال ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬حلية األولياء ‪.11/1‬‬


‫(‪ )2‬كام جاء يف صحيح البلاري ح‪.9‬‬
‫(‪ )3‬سري أعالم النبالء‪.032/12‬‬
‫(‪ )0‬رواه مسلم ح‪.313‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪01‬‬

‫والثاين‪ :‬مطلق يف أي وقت‪ ،‬أي حال‪ ،‬كالتسبيح‪ ،‬والتهليل‪ ،‬والصالة عىل النبي‪ .‬واهلل ‪ ‬امتدح‬

‫أولئك ﮋ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮊ [آل عمران‪ .]٨٢٨ :‬وعن أم املؤمنني عائشة‬

‫‪ ‬قالت‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يذكر اهلل عىل كل أحيانه(‪.)1‬‬

‫تسبيحة(‪ ،)2‬وقيل أليب‬ ‫وعن عكرمة ‪ ‬أن أبا هريرة ‪ ‬كان يسبح كل يوم ثنتي عْشة أل‬

‫الدرداء ‪ - ‬وكان ال يفَت من الذكر ‪ :-‬كم تسبح يف كل يوم؟ قال‪ :‬مئة أل ‪ ،‬إال أن ختطئ األصابع(‪.)3‬‬

‫أي َلي َل ٍة َل ْي َلة ال َقدْ ِر َما أقول‬ ‫وعن عائشة ‪ ‬قال ‪ :‬ق ْلت ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أرأي َت ْ ِ‬
‫إن َعل ْمت ي‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َعنّي)) (‪.)0‬‬ ‫ب ال َع ْف َو َفا ْع‬ ‫ِ‬ ‫فِ َيها؟ َق َال ‪ (( :‬ق ِ‬
‫ويل ‪ :‬اللهم إن َك َعف ٌو‬
‫كريم حت ي‬
‫ٌ‬
‫تفوت عىل نفسك كثرة الصالة عىل النبي ‪ ‬كل وقت‪ ،‬وخاصة يوم اجلمعة‪ ،‬فعن أوس بن‬ ‫وال ِّ‬
‫الة فِ ِيه‪،‬‬
‫أوس ‪َ ، ‬ق َال ‪َ :‬ق َال رسول اهلل ‪ (( : ‬إن ِمن أ ْف َض ِل أي ِامكم يوم اجلمع ِة ‪َ ،‬فأكْثِروا َع َِّل ِمن الص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫التَك ْم َم ْعرو َض ٌة َع َِّل )) ‪َ .‬ق َال‪ :‬قالوا‪َ :‬يا رسول اهلل ‪َ ،‬وكَي َ ت ْع َرض َصالتنَا َع َل ْي َك َو َقدْ َأ َر ْم َت ؟!‬
‫َفإن َص َ‬
‫ض َأجساد األَنْبِي ِ‬
‫اء ))(‪. )1‬‬ ‫َ‬ ‫األر ِ ْ َ َ‬
‫يت ‪َ .‬ق َال ‪ (( :‬إن اهللَ َحر َم َع َىل ْ‬ ‫َق َال ‪ :‬يقول َبلِ َ‬
‫وفلرا أن اهلل جل وعال‬
‫ً‬ ‫الذاكر َش ًفا‬
‫َ‬ ‫فاحرص عىل الذكر بنوعيه‪ :‬تسعد يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬ويكفي‬

‫يذكره‪ .‬ﮋ ﯩ ﯪﮊ [البقرة‪ ،]٨٥١ :‬وذكر اإلمام ابن القيم ‪ ‬يف الوابل الص ِّيب للذكر نحو‬
‫مئة فائدة‪.‬‬
‫‪ ‬ومنٌالسنن‪ٌ:‬كثرةٌالصدقة‪.‬‬

‫حي ِسن إىل نفسه‪ .‬ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬


‫ظل صدقته يوم القيامة‪ ،‬و َم ْن َأ ْح َس َن فإنام ْ‬
‫واملؤمن يف ِّ‬

‫ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﮊ [آل عمران‪.]٢١ :‬‬

‫(‪ )1‬تفسري الثعالبي (‪.)292/2‬‬


‫(‪ )2‬سري أعالم النبالء ‪.911/2‬‬
‫(‪ )3‬سري أعالم النبالء ‪.308/2‬‬
‫(‪ )0‬رواه الَتمذي ح ‪ ،3111‬وقال‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )1‬رواه َأبو داود ح‪،1101‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪00‬‬

‫قال رسول اهلل ‪ ‬ملعاذ بن جبل ‪(( :‬أال أدلك عىل أبواب اخلري؟ الصوم جنة‪ ،‬والصدقة‬
‫ِ‬
‫جوف الليل))‪ ،‬ثم تال ‪ :‬ﮋﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫ِ‬
‫الرجل يف‬ ‫ت ْط ِفئ اخلطيئ َة كام ي ْط ِفئ املاء النار‪ ،‬وصالة‬

‫ﮗﮊ حتى إذا بلغ‪ :‬ﮋ ﮬﮊ [السجدة‪.)1( ]٨٥ :‬‬


‫ب نفسه أن يشبع وهم‬ ‫ِ‬
‫فهني ًئا ملن تذكر الفقراء واملساكني‪ ،‬واألرامل واليتامى واملحتاجني‪ ،‬فلم تَط ْ‬

‫جائعون‪ ،‬أو أن يأكل وهم يبحثون‪ .‬ﮋ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬

‫ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮊ [البقرة‪.]١٥١ :‬‬
‫كان رسول اهلل ‪ ‬أجود الناس‪ ،‬وكان أجود ما يكون يف رمضان‪.‬‬
‫السنحنٌيفٌرمضان‪ٌ:‬العمرة‪.‬‬
‫‪ ‬ومنٌ ُّ‬
‫ان تقيض َحج ًة ‪َ -‬أ ْو َحج ًة َم ِعي))‬
‫عن ابن عباس ‪ ‬أن النبي ‪َ ‬ق َال‪(( :‬فإن ع ْم َر ًة يف َر َم َض َ‬

‫متفق َع َل ْيه(‪.)2‬‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫خالية‬ ‫وإذا وفقك اهلل لالعتامر‪ :‬فعليك بالسنة يف كل ٍ‬
‫َشء‪ ،‬وال جتعلها جمرد حركات‪ ،‬وخطوات‪،‬‬
‫من اخلشوع واخلضوع والدعوات‪.‬‬
‫قال أبو احلباب‪ :‬سمعت اجلريري يقول‪ :‬أحرم أنس بن مالك ‪ ‬من ذات ِع ْر ٍق‪ ،‬قال‪ :‬فام سمعناه‬

‫متكلام إال بذكر اهلل حتى حل‪ ،‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬يا ابن أخي هكذا اإلحرام(‪.)3‬‬
‫ً‬
‫أزواجه‬ ‫النبي ‪ ‬العْش األواخر من رمضان‪ ،‬واعتك‬ ‫‪ ‬ومنٌالسنن‪ٌ:‬العتكاف‪ ،‬فقد اعتك‬
‫من بعده‪.‬‬
‫األصح عند الشافعية أن أقله‪:‬‬
‫ي‬ ‫مْشوع بكل وقت‪ ،‬وأفضله‪ :‬العْش األخرية من رمضان‪ .‬و‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫لبث ٍ‬
‫قدر يسمى عكو ًفا‪ ،‬يزيد عىل زمن الطمأنينة يف الركوع‪ ،‬وَيوز فيه الكثري والقليل‪ ،‬حتى ساع ًة أو‬

‫(‪ )1‬رواه الَتمذي ح ‪ ،2919‬وقال‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬


‫(‪ )2‬البلاري ح ‪ ،1190‬مسلم ح ‪.1219‬‬
‫(‪ )3‬طبقات ابن سعد ‪.21/1‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪02‬‬

‫حلظة(‪ ،)1‬وأقله عند احلنابلة عىل ما مشى عليه يف اإلقناع‪ :‬ساع ٌة(‪ ،)2‬وهو قول اإلمام ممد بن احلسن‬

‫‪ ‬يف النفل خاصة(‪ ،)3‬والساعة يف عرف الفقهاء‪ :‬جز ٌء من الزمان(‪ ،)0‬وعند اإلمام أيب حنيفة‬

‫‪ :‬يو ٌم(‪ ، )1‬واملشهور عند املالكية‪ :‬يو ٌم وليلة(‪ ،)9‬ولذا قال احلنابلة‪ :‬يستحب أال ينقص عن ذلك؛‬

‫وجا من اخلالف(‪.)1‬‬
‫خر ً‬
‫بعبادة ربك‪ ،‬وت ْقبِ َل عليه بك ِّليتِك‪ ،‬فكم من‬
‫ِ‬ ‫وإذا وفقك اهلل لالعتكاف‪ :‬فاحرص عىل أن تنشغل‬
‫فالن وفالن‪ ،‬وكأنام اعتكافه نزهة أليام‪ ،‬فال عجب‬ ‫يل وال َقال‪ ،‬فال تراه إال مع ٍ‬ ‫امرئ ضيع اعتكا َفه يف ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ٍ‬

‫أثرا‪ ،‬أو يذوق له حالوة‪.‬‬ ‫ِ‬


‫إن خرج من معتَكفه كام دخل من غري أن َيد لذلك ً‬
‫ب فيه يف مجيع األوقات‪ ،‬وور َد ي‬
‫احلث عىل‬ ‫وعىل ِّ‬
‫كل حال‪ ،‬فاملكث يف املسجد؛ للطاعة = َح َس ٌن م َرغ ٌ‬
‫مصوصة‪ ،‬كاملكث بعد صالة الفجر إىل ارتفاع الشمس قدر رمح بعد اإلَشاق‪ ،‬مع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫ذلك يف‬
‫َس ْب ِن َمال ِ ٍك ريض اهلل عنه َق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ‪َ (( :‬م ْن‬ ‫االشتغال بذكر اهلل‪ ،‬فعن َأن ِ‬

‫َت َله َك َأ ْج ِر َحج ٍة‬ ‫اع ٍة ثم َق َعدَ َي ْذكر اهللَ َحتى َت ْطل َع الش ْمس ثم َصىل َر ْك َعت ْ ِ‬
‫َني كَان ْ‬ ‫َصىل ا ْل َغدَ ا َة ِيف َ َ‬
‫مج َ‬
‫َوع ْم َر ٍة)) َق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهللِ صىل اهلل عليه وسلم ‪(( :‬تَام ٍة تَام ٍة تَام ٍة)) (‪.)8‬‬
‫‪ ‬ومنٌالسنن‪ٌ:‬كثرةٌالدعاء‪.‬‬
‫ي‬
‫ويبث فيها مهو َمه وآال َمه‪ ،‬ويطلب فيها‬ ‫ِ‬
‫العبد ور ِّبه‪ ،‬يشكو فيها أحزا َنه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫اتصال بني‬ ‫وهو حلظة‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬املجموع ‪ ،082/9‬منهاج الطالبني ص‪ ،181‬مغني املحتاج ‪ ،011/1‬وهو ظاهر كالم مجاعة من احلنابلة‪ .‬ينظر‪ :‬كشاف‬
‫القناع‪ 309/1‬ط‪ :‬العدل‪.‬‬
‫(‪ )2‬فاللحظة ال تسمى عكو ًفا‪ ،‬وجزم به اإلمام املوفق رمحه اهلل‪ .‬ينظر‪ :‬املغني ‪ ،023/0‬معونة أويل النهى ‪ ، 011/3‬كشاف القناع‬
‫‪ 319/1‬ط‪:‬العدل‪.‬‬
‫(‪ )3‬وعليه الفتوى عندهم‪ .‬ينظر‪ :‬االختيار ‪ ،121/1‬الدر امللتار مع حاشية ابن عابدين ‪ 022/3‬ط‪:‬دار املعرفة‪.‬‬
‫(‪ )0‬الدر امللتار مع حاشية ابن عابدين ‪022/3‬ط‪:‬دار املعرفة‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬االختيار ‪.121/1‬‬
‫(‪ )9‬ينظر‪ :‬الْشح الكبري مع حاشية الدسوقي ‪.111/1‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كشاف القناع ‪ 311/1‬ط‪:‬العدل‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه الَتمذي ح ‪ ،189‬وقال‪ :‬حسن غريب ‪.‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪03‬‬

‫م ْب َت َغاه‪ ،‬ويرجو بلو َغ ما يتمناه‪.‬‬

‫كريم‪ ،‬وقد وعد باإلجابة من دعاه ‪ ،‬فقال ـ وهو أصدق القائلني ـ ﮋ ﭝ ﭞ‬


‫ٌ‬ ‫واهلل سبحانه‬

‫ﭟ ﭠ ﭡ ﮊ [غافر‪ ، ]٠٣ :‬فكم من إنسان ضاقت عليه الدنيا‪ ،‬فلضع هلل‪ ،‬وانكرس واطرح بني‬
‫ذال هلل‪ ،‬ثم دعاه‪ ،‬م ْو ِقنًا أنه َي ْس َمعه‪ ،‬متح ِّق ًقا أنه سيجيبه‪ ،‬ففرج اهلل مهه‪،‬‬
‫يدي مواله‪ ،‬وفاضت عينه ًّ‬
‫وكش َ غمه‪ ،‬وأعطاه سؤله وأم َله‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪’’ : ‬الدعاء‪...‬من أقوى األسباب يف دفع املكروه‪ ،‬وحصول املطلوب‪،‬‬
‫عنه أثره ‪ :‬إما لضعفه يف نفسه‪ ،‬بأن يكون دعاء ال حيبه اهلل ملا فيه من العدوان‪ ،‬وإما‬ ‫ولكن قد يتلل‬
‫القلب وعدم إقباله عىل اهلل ومجعيته عليه وقت الدعاء‪ ،‬فيكون بمنزلة القوس الرخو جدً ا‪ ،‬فإن‬ ‫لضع‬
‫ور ْي ِن الذنوب‬
‫خروجا ضعي ًفا‪ ،‬وإما حلصول املانع من اإلجابة من أكل احلرام والظلم َ‬
‫ً‬ ‫السهم خيرج منه‬
‫عىل القلوب‪ ،‬واستيالء الغفلة والسهو واللهو‪ ،‬وغلبتها عليها‪ ،‬كام يف مستدرك احلاكم من حديث أيب‬
‫ٍ‬
‫غافل‬ ‫هريرة ‪ ‬عن النبي ‪( : ‬ادعوا اهلل وأنتم موقنون باإلجابة‪ ،‬واعلموا أن اهلل ال يقبل دعاء من قلب‬
‫ٍ‬
‫اله) (‪...)1‬‬

‫ومن اآلفات التي متنع ترتب أثر الدعاء عليه‪ :‬أن يستعجل العبد ويستبطئ اإلجابة‪ ،‬فيستحرس‬
‫غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه‪ ،‬فلام استبطأ كامله‪،‬‬
‫بذرا‪ ،‬أو غرس ً‬
‫ويدع الدعاء‪ ،‬وهو بمنزلة من بذر ً‬
‫وإدراكه تركه وأمهله‪ ،‬ويف البلاري من حديث أيب هريرة ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬يستجاب‬

‫ألحدكم ما مل يعجل‪ ،‬يقول‪ :‬دعوت فلم يستجب يل) (‪... )2‬‬

‫وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب ومجعيته بكليته عىل املطلوب‪ ،‬وصادف وقتًا من أوقات‬
‫اإلجابة الستة‪ ،‬وهي‪ :‬الثلث األخري من الليل‪ ،‬وعند األذان‪ ،‬وبني األذان واإلقامة‪ ،‬وأدبار الصلوات‬
‫ٍ‬
‫ساعة بعد العرص من‬ ‫املكتوبات‪ ،‬وعند صعود اإلمام يوم اجلمعة عىل املنرب حتى تقىض الصالة‪ ،‬وآخر‬
‫وانكسارا بني يدي الرب‪ً ،‬‬
‫وذال له‪ ،‬وترض ًعا‪ ،‬ورق ًة‪ ،‬واستقبل‬ ‫ً‬ ‫ذلك اليوم‪ ،‬وصادف خشو ًعا يف القلب‬

‫(‪ )1‬املستدرك ‪.911/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البلاري ح‪ ،1281‬ومسلم ح ‪.2131‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪04‬‬

‫الداعي ِ‬
‫القبلة‪ ،‬وكان عىل طهارة‪ ،‬ورفع يديه إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وبدأ بحمد اهلل والثناء عليه‪ ،‬ثم ثنى بالصالة‬
‫عبده ورسول ِ ِه ‪ ،‬ثم قدم بني يدي حاجته التوبة واالستغفار‪ ،‬ثم دخل عىل اهلل وألح عليه يف‬‫ممد ِ‬‫عىل ٍ‬

‫املسألة‪ ،‬ومتلقه‪ ،‬ودعاه رغب ًة ورهب ًة‪ ،‬وتوسل إليه بأسامئه وصفاته وتوحيده‪ ،‬وقدم بني يدي دعائه‬
‫صدقة‪ ،‬فإن هذا الدعاء ال يكاد ي َر يد أبدً ا‪ ،‬وال سيام إن صادف األدعية التي أخرب النبي ‪ ‬أّنا مظنة‬

‫اإلجابة‪ ،‬أو أّنا متضمنة لالسم األعظم‘‘ ا‪.‬هـ بطوله(‪.)1‬‬


‫قارصا عىل الليل‪ ،‬بل للنهار منه نصيب‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ ‬واعلم‪ :‬أن االجتهاد يف رمضان ليس‬
‫قال حييى بن سعيد القطان ‪(( :‬ما رأيت ً‬
‫رجال أفضل من سفيان لوال احلديث‪ ،‬كان يصِّل‬

‫ما بني الظهر والعرص واملغرب والعشاء صالة‪ ،‬فإذا سمع مذاكرة احلديث ترك الصالة وجاء)) (‪.)2‬‬
‫وقال عبد اهلل بن اإلمام أمحد بن حنبل ‪ : ‬كان أيب يصِّل يف كل يوم وليلة ثالثامئة ركعة فلام‬
‫مرض من تلك األسواط أضعفته‪ ،‬فكان يصِّل يف كل يو ٍم وليلة مائة وُخسني ركعة‪ ،‬وكان قرب‬
‫كل سبع ٍ‬
‫ليال سوى صالة‬ ‫ِ‬
‫سبعة أيام‪ ،‬وكانت له ختم ٌة يف ِّ‬ ‫الثامنني!!‪ ،‬وكان يقرأ يف ِّ‬
‫كل يو ٍم سب ًعا خيتم كل‬

‫النهار!! (‪.)3‬‬

‫حاهلم يف رمضان؟! ‪ ،‬وقد سبق أن البلاري ‪‬‬ ‫كانوا يفعلون هذا يف غري رمضان‪ ،‬فكي‬
‫كان خيتم يف ّنار رمضان كل يو ٍم ختمة‪.‬‬
‫َ‬
‫فراغه‬ ‫كثري من الناس‪ ،‬وشتان بني من َع َم َر‬
‫‪ ‬واعلم‪ :‬أن الفراغ نعمة عظيمة مغبون فيها ٌ‬
‫ِ‬
‫تالوة اآليات‪ ،‬وعامرة املساجد بالطاعات‪ ،‬أو سام ِع املحارضات‪ ،‬وبني من ضيعه يف القيل‬ ‫بالصلوات‪ ،‬و‬
‫والقال‪ ،‬ومشاهدة املسلسالت واملباريات‪ ،‬واالنشغال باالنَتنت‪.‬‬
‫أوقاتٌرمضانٌيفٌغريٌماٌيقربٌإىلٌالرحن‪ٌ،‬فإنامٌهيٌأيامٌمعدودات‪ٌ.‬‬
‫ِّ‬ ‫فإياكٌأنٌتض ِّي حٌعٌ‬
‫‪ ‬واعلم‪:‬‬
‫ضاعت عليه سنة‪َ ،‬ف ْض ًال عن أن تضيع عليه‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الصادق هو الذي يمتأل قلبه حرس ًة إن‬ ‫أن املؤم َن‬

‫(‪ )1‬اجلواب الكايف ص‪.11 ،2 ،9/‬‬


‫(‪ )2‬سري أعالم النبالء ‪.291/1‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق ‪.311/1‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪05‬‬

‫يعزي أخاه إذا فاتته صالة اجلامعة‪ ،‬وكان ابن عمر ‪ ‬إذا فاتته‬ ‫فريضة‪ ،‬وكان بعض السل‬

‫العشاء يف مجاعة أحيا بقية ليلته(‪.)1‬‬


‫ِ‬
‫فابك عىل عدم‬ ‫فابك عىل نفسك‪ ،‬وحترس عىل فواته‪ ،‬وإذا مل ِ‬
‫تبك‪ ،‬ومل تتحرس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خري‬
‫فإذا فاتك ٌ‬
‫ِ‬
‫خسارة من فاتته‪.‬‬ ‫وحترسك‪ ،‬فإن من عرف ِع َظ َم الطاعة‪ :‬عرف ِع َظ َم‬
‫بكائك ي‬

‫‪ ‬واعلم‪:‬‬
‫لتصيب‬
‫َ‬ ‫أن بعض العبادات (كالعمرة واالعتكاف ً‬
‫مثال) هلا فقه‪ ،‬فاحرص عىل تعلمه قبل فعله؛‬
‫السنة‪ ،‬وجتتنب املحظور‪.‬‬

‫‪ ‬واعلم‪:‬‬
‫ِ‬
‫وترك املحرمات ـ ولو داومت عليها حياتك ـ ؛ فإن َم ْن‬ ‫أنه َيب عليك املبادرة إىل ِ‬
‫فعل الواجبات‪،‬‬
‫قرص يف ذلك فهو عىل خطر‪ ،‬فال تتأخر يف التوبة‪ ،‬وال تتوانى يف اإلقالع عن الذنب‪ ،‬واجعل‬
‫رمضان نقط َة حتول يف حياتك‪.‬‬

‫‪ ‬وأما املستحبات واملندوبات‪ :‬فل ْذ منها ما ت ِطيق‪ ،‬مع املجاهدة للوصول إىل الكامالت‪ ،‬وعايل‬
‫الدرجات‪ ،‬فقد أخرج الشيلان يف صحيحيهام أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪َ (( :‬يا َأ ي َهيا الناس خذوا ِم ْن‬
‫األَ ْع َام ِل َما ت ِطيق َ‬
‫ون‪َ ،‬فإِن اهلل الَ َي َم يل َحتى َمت َ يلوا‪َ ،‬وإِن َأ َحب األَ ْع َام ِل إِ َىل اهلل َما َدا َم َوإِ ْن َقل)) (‪.)2‬‬

‫دائام‪:‬‬ ‫‪ ‬واستع ْن باهلل يف كل ِ‬


‫أمورك‪ ،‬وتذكر ً‬
‫قول اهلل تعاىل‪ :‬ﮋ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﮊ [الجاثية‪.]٨٥ :‬‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬تاريخ دمشق ‪.128/31‬‬


‫(‪ )2‬البلاري ح‪ ،1123‬ومسلم ح ‪.182‬‬
‫رسالةٌإىلٌالريصٌعىلٌاغتنامٌرمضانٌ‬
‫‪06‬‬

‫فعملك منفعته لك‪ ،‬وسيئتك مرضهتا عليك‪.‬‬

‫وقو َله تبارك وتعاىل‪ :‬ﮋ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬

‫فقري إىل رمحته ومغفرته‪.‬‬ ‫ﯾﮊ [محمد‪ .]٠١ :‬فاهلل ٌّ‬


‫غني عن فعلك الطاعة‪ ،‬أو تركك املعصية‪ ،‬لكنك ٌ‬
‫وقو َله جل وعال‪ :‬ﮋ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﮊ‬
‫ٍ‬
‫بتوفيق منه سبحانه ﮋ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﮊ‬ ‫[النور‪ .]١٨ :‬فام عملك واجتهادك إال‬
‫[هود‪.]١١ :‬‬

‫وهذا آخر هذه الرسالة‪ ،‬واهلل أسأل أن ينفع هبا‪ ،‬وَيعلها خالص ًة لوجهه الكريم‪ ،‬موجب ًة لرضوانه‬
‫حاز األجر‪ ،‬وقا َم‬
‫املقيم‪.‬وأسأله سبحانه أن يوفقني وإياك ملا حيبه ويرضاه‪ ،‬وأن َيعلنا ممن قام الشهر و َ‬
‫رمضان‪ ،‬وليل َة القدر‪ ،‬إيامنًا واحتسا ًبا‪ ،‬وممن يتعلم ويعمل‪ ،‬إنه أكرم مسؤول‪ ،‬وأجود مأمول‪ ،‬وصىل اهلل‬
‫وسلم وبارك عىل سيدنا ممد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫أخوكم‪ /‬أيمن بن مم ِد ِ‬
‫احل ْبش‬
‫رمضان ‪1031‬هـ ـ طيبة الطيبة‬
‫ٍ‬
‫مرات‪ ،‬آخرها يف ‪1032/8/22‬هـ‪.‬‬ ‫عت ِ‬
‫وزيدَ فيها‬ ‫ثم ر ِ‬
‫وج ْ‬

You might also like