Professional Documents
Culture Documents
Abbas, في البحث عن مشترك إنساني كوني
Abbas, في البحث عن مشترك إنساني كوني
brill.com/jie
الخلاصة
تثير هذه الورقة البحثية سؤالات (الدين ،والأخلاق ،والتواصل) ،لدى أنموذجين من نماذج الفكر،
أحدهما يمثل السياق الفكري الغربي الحداثي وهو هابرماس ،والآخر يمثل السياق الإسلامي وهو المفكر
لٌ من هابرماس
المغربي طه عبد الرحمن .وتسعى هذه الورقة للإجابة على تساؤل مؤ َدّاه :كيف أشكل ك ّ
وعبد الرحمن سؤالات (الديني والأخلاقي والتواصلي) على محك الحداثة لبلوغ أفق كوني قيمي؟ فالحداثة
ل منهما في مقاربتها،
تظل مشترك ًا بين كلا المفكرين على الرغم من الاختلاف في منطلقات وأدوات ك ّ ٍ
فإذا كانت الحداثة لدى هابرماس مشروعًا وميراث ًا تنويري ًا لم يكتمل بعد من حيث التجسيد ،ومن ثم فإن
بلوغ المجتمع ما بعد العلماني (الذي يعيد للدين موقعه فى الفضاء العام ،ويتجاوز العقل الأداتي وحالة التشيؤ
لإنسان الحداثة) ربما يعد ضرورة بنظر هابرماس لتجاوز أعطاب الحداثة ،وعلى الجانب الآخر ،يطرح عبد
الرحمن نموذجه الإسلامي للحداثة ليتحدث عن روح الحداثة كمشترك إنساني يتجاوز واقع الحداثة الغربي
الذي أثبت إفلاسه بنظره ،ومن ث ََم ّ فالتأسيس لحداثة إسلامية ذات بُعد روحي كبديل للحداثة الغربية
ذات التوجه المادي يع ُ ّد ضرورة وجودية للذات العربية والإسلامية بنظر طه ،لاسيما وأن الحداثة لديه
إمكانات متعددة وليست إمكان ًا واحدًا.
ٌ
الكلمات المفتاحية
Abstract
This paper deals with the themes of religion, ethics, and communication in two differ-
ent models of thought: one of Jürgen Habermas and the other of Ṭāhā ʿAbd al-Raḥmān.
Habermas’ model stems from the context of modern Western thought, while the
model of the Moroccan thinker ʿAbd al-Raḥmān is rooted in the Islamic context. The
main research question of this article is: How do Habermas and ʿAbd al-Raḥmān give
substance to the issues of religion, ethics and communication in light of modernity
in order to reach universal values? Modernity is a central theme in the work of both
thinkers, even though they depart from different premises and use distinct methodolo-
gies in their approach. For Habermas modernity is an enlightenment legacy and an
incomplete project, and subsequently the realization of the post-secular society (that
gives religion back its position in public sphere, which transcends the instrumental
mind and the state of reification of the modern human). This is, in Habermas’ view,
a necessity to overcome the defects of modernity. ʿAbd al-Raḥmān on the other hand,
presents his Islamic model of modernity by speaking about the spirit of modernity as
a common human denominator that transcends the reality of Western modernity,
which has proven to be bankrupt in ʿAbd al-Raḥmān’s view. Therefore it is, according to
ʿAbd al-Raḥmān, an existential necessity for the Arabic and Islamic self to establish an
Islamic modernity with a spiritual dimension as an alternative to Western modernity
that is materialistically oriented, especially because modernity can take many differ-
ent shapes, and not just one.
Keywords
تقديم
لٌ من :طه عبد الرحمن و يورغين هابرماس على ضرورة استشكال الحداثة ومحاولة ربما اتفق ك ّ
تجاوز أعطابها ،بحثًا عن أفق حداثي ير ُدّ للذات البشر ية اعتبارها و يحفظ كينونتها و يكفل لها
التواصل والعيش المشترك مع الذوات الأخرى ،فإذا كانت الحداثة لدى هابرماس مشروعًا
وميراث ًا تنويري ًا لم يكتمل بعد من حيث التجسيد ،وإذا كان بلوغ المجتمع ما بعد العلماني (الذي
يعيد للدين موقعه فى الفضاء العام ،ويتجاوز العقل الأداتي وحالة التشيؤ لإنسان الحداثة) ،يعد
ضرورة بنظر هابرماس لتجاوز أعطاب الحداثة ،فإن عبد الرحمن في المقابل يطرح أنموذجه
الإسلامي للحداثة ليستشرف روح الحداثة كمشترك إنساني يتجاوز واقع الحداثة الغربية الذي أثبت
إفلاسه بنظر طه ،و يحاول التأسيس لحداثة إسلامية ذات بُعد روحي كبديل للحداثة الغربية ذات
إمكانات متعددة وليست إمكان ًا واحدًا ،ومن ث َم
ٌ التوجه المادي ،ولاسيما أن الحداثة لدى طه
فحضور الذات العربية والإسلامية بخصوصيتها ضرورة وجودية في هذا الأفق الحداثي.
وقد وقع الاختيار على كل من هابرماس وعبد الرحمن تحديد ًا لاعتبارات عدة ،منها:
اشتراكهما في البحث عن المشترك الإنساني والانفتاح على الحوار والاتصال أو المناقشة والمحاججة
لبلوغ أفق حداثي من جهة ،ولكثافة ورصانة إنتاجهما الفكري في مقاربة واستشكال ما هو
ديني وتواصلي وأخلاقي على محك الحداثة للوصول لمشترك إنساني من جهة ثانية ،فضلًا عن
انتمائهما لنسقين فكر يين متغايرين (أحدهما غربي هابرماس ،والآخر إسلامي عبد الرحمن) ،وهذا
الاختلاف القائم بين رؤيتهما هو ما يُضفي التنوع والاختلاف ويتيح لنا الوقوف على جوانب
مختلفة فى مقاربتهما لتلك التساؤلات.
أما المغزى وراء مناقشة ثلاثية “الديني ،والأخلاقي ،والتواصلي” لدى كل من طه وهابرماس،
فتتمثل في صعوبة فصل أسئلة الدين ،والأخلاق ،والتواصل لدى كلا المفكرين هابرماس وعبد
الرحمن عن محاولة كل منهما لبلوغ أفق كوني والبحث عن مشترك إنساني قيمي مثالي روحي
بديل ًا لإنسان الحداثة المادي المتشيئ ،على الرغم من الاختلاف في منطلقات وأدوات كل
منهما .كما يصعب فصل هذه التساؤلات عن بعضها ،بل إن الإجابات التي قدمها كلا المفكرين
لهذه التساؤلات تسري في سائر مؤلفاتهما وعطائهما الفكري ،ومن ث َم فعملية الفصل في مقاربة
هذه الأسئلة إنما تأتي لضرورات البحث وتعميق الحفر في الإنتاج الفكري لدى كل واحد منهما
على حدة ،على أن نستجمع شتات تلك التساؤلات بربطها بمآلات ا�لكوني والبحث عن المشترك
الإنساني كغاية – بنظرنا – راودت كلا المفكرين عند إثارة تلك التساؤلات.
وعلى هذا الأساس فإن رهان هذا البحث هو التثبت من فرضية مؤداها أن “هناك علاقة بين
مقاربة أسئلة الديني والأخلاقي والتواصلي لدى كل من هابرماس وعبد الرحمن ومحاولة بلوغ أفق
حداثي كوني قيمي ”.وربما يفرض التثبت من افتراض كهذا الإجابة على سؤال ا�لكيفية ،أي
لٌ من هابرماس وعبد الرحمن أسئلة َ (الديني والأخلاقي والتواصلي) على م ِّ
حك كيف أشكل ك ّ
الحداثة لبلوغ أفق كوني قيمي؟ ولعل المنهج الأكثر ملائمة ً من وجهة نظرنا للتثبت من افتراض
كهذا والإجابة على التساؤل البحثي المثار هو منهج المقارنة ،لما يوفره هذا المنهج من إمكان
الوقوف على آلية استشكال كلا المفكرين لتلك التساؤلات في سياق الحداثة ،وأوجه الاتفاق
والاختلاف بينهما في مقاربة تلك التساؤلات.
وبناء ً على ما سبق فإن الورقة تنقسم إلى أربعة محاور وخاتمة بحيث يتناول المحور الأول:
السياق الحداثي ،ويتناول المحور الثاني :سؤال الدين لدى هابرماس وعبد الرحمن ،ويتعرض المحور
الثالث :لسؤال الأخلاق لدى هابرماس وعبد الرحمن ،ويبحث المحور الرابع :سؤال التواصل لدى
هابرماس وعبد الرحمن ،وأخير ًا تأتى الخاتمة للوقوف على خلاصات بحث تلك المحاور.
ربما تُع ُ ّد الحداثةكسياق فكري وموقف معرفي واحدة ً من المشتركات والمفترقات في الوقت نفسه
ل من :طه عبد الرحمن وهابرماس ،فكلاهما اشترك في مقاربة الحداثة وقضاياها وق َ ّدم رؤىً
بين ك ّ ٍ
حك الحداثة سواء ً في دلالتها أو آليات
نقدية ً لتجاوز أعطابها� ،لكنهما في الوقت ذاته افترقا على م ِّ
مقاربتها أو حتى في غاية كل منهما من نقد مآلاتها.
والحداثة كمرادف للتحديث بنظر هابرماس تعب ِّر عن “تحديث الموارد وتحو يلها إلى رؤوس
أموال ،ونمو القوى الإنتاجية ،وز يادة إنتاجية العمل كما يشير إلى إنشاء سلطات السياسة المركز ية
وتشكيل هو يات قومية ،ويشير أيضًا إلى نشر حقوق المشاركة السياسية ،وأشكال العيش المدني
والتعليم العام ،وأخيرا يشير إلى علمنة القيم والمعايير” (هابرماس ،)9 ،1995وهي بهذا المعنى تنهض
على قدمين :أحدهما مادي والآخر معنوي ،إلا أنها صارت عرجاء بتضخيم ما هو مادي على
حساب ما هو روحي ومعنوي وقيمي ،وهي – أي الحداثة – كذلك تقتضي بنظر هابرماس فصلًا
لما هو قيمي ومعياري عما هو ميتافيز يقي ،وهي بهذا المعنى مشروعٌ لم يكتمل بعد ،وقد مرت
بأزمات وانتكاسات وانتهت إلى انحرافات .وعلى الرغم من هذا النقد الذي وجهه هابرماس
للحداثة إلا أنه لم يُسَل ِ ّم ،بعكس معاصر يه ،بانتهاء حقبة الحداثة للانتقال إلى ما بعدها ،وهو بذلك
يخالف عدد ًا من روّاد مدرسة فرانكفورت (رغم كونه أحد أبرز ممثليها المعاصرين) فوجه
انتقادات لاذعة لكل من :دريدا وفوكو وليوتار وجون رولز وغيرهم في شأن تعاملهم مع فلسفة
الحداثة .وتركزت استراتيجية هابرماس في الرد على خصومه المابعد حداثيين على نقد مصادرهم
أول ًا من ديكارت إلى كانط ومن هيجل إلى نيتشه وهيدغر ،وثانيا في نقد تشويههم للمصادر التي
استندوا إليها في فهمهم للحداثة ،وثالثا على النقد الذي يلاحق انتقاداتهم لمفاهيم الحداثة الأساسية،
والتي تمثلت في نقدهم للعقل ولطبيعة المجتمع والدولة الحديثة وكذا تسامحهم مع الميتافيز يقا
واللاعقل وهذا ما يتناقض مع مفاهيم الحداثة لدى هابرماس (هابرماس 1.)170 ،1995
وسعى هابرماس في مختلف أعماله إلى الدفاع عن الحداثة ،من أجل إعادة بنائها وفهمها،
وإبراز مكامن قوتها وتجاوز نقاط ضعفها معتبر ًا أن الخلل إنما يكمن في فهمها وفهم ملابساتها
وإشكالياتها ،وتمثلت باكورة الدفاع الهابرماسي عن الحداثة في مقالته التي عنونها بـ“الحداثة مشروع
غير مكتمل 2”،ثم في كتابه “الخطاب الفلسفي للحداثة” ( )Habermas 1988bكما حاول من
خلال َ
مؤل ّفه “نظر ية الفعل التواصلي” ( )Habermas 1984تقديم وصفة علاجية لتجاوز حالة
الانسداد في عقل الحداثة الغربية ،بقبول التعددية الثقافية والعرقية والدينية ،عبر تعزيز الحر يات
العامة والفردية في إطار احترام الخصوصية الثقافية لسائر الأقليات.
وفي مقابل مقاربة هابرماس للحداثة على النحو السابق تأتي مقاربة طه عبد الرحمن ،والتي ربما
يبدو للناظر أنها تغاير ما طرحه هابرماس كليًا (في شأن الحداثة) ،فالحداثة بنظر طه إمكانات
متعددة وليست إمكان ًا واحدًا ،والواقع الحداثي الغربي ذاته شاهد على هذا التعدد سواء ً على
مستوى الأقطار (فثمة :حداثة فرنسية ،وأخرى أمريكية ،وثالثة ألمانية …) ،أو على مستوى
المجالات (حداثة سياسية ،وحداثة اقتصادية ،وحداثة اجتماعية) ،بل قد تتفاوت درجات
الحداثة داخل القطر الواحد ،وعليه يرى طه إمكان بل ضرورة وجود حداثة عربية إسلامية
متمايزة عما سواها .وإذا كان هابرماس قد عمد إلى نقد روّاد ما بعد الحداثة واعتبر الحداثة
مشروعًا لم يكتمل بعد ،فإن عبد الرحمن قد عمد إلى نقد الحداثيين العرب الذين “يؤ ّوِلون إذا
ككون إذا فككوا … سواء أصاب في ذلك أم أخطأ” أ َ ّول غيرهم و يحفرون إذا حفروا ،و يف َ ّ
(عبد الرحمن )12 ،1999منتقدًا بذلك حالة الخضوع لهيمنة الفكر الواحد والارتهان لسطوة الأمر
الواقع ،وهذا ما أ َدّى بهم إلى تقليد الحداثة الغربية تقليدًا أض َر ّ بإنسانيتهم وهويتهم الحضار ية،
وجعلهم يفكرون على مقاسات غيرهم ،و يضعون الحواشي على أفكار انتزعت من سياقات لا تمت
لواقعهم بصلة .وقد شرع طه في تقديم البديل الحداثي العربي الإسلامي بولوج التراث للوقوف
1فكرة الحداثة في حقيقتها لدى هابرماس تشير إلى كل لحظة تار يخية تغيير ية عاشتها البشر ية ،وربما يتفق
فهم هابرماس للحداثة على هذا المنوال مع تصور عبد الرحمن بشأن اعتبار الحداثة ليست قاصرة على
الغرب ،ومن ث َم إمكان تعدد الحداثات ،يقول هابرماس “إن فكرة (الحديث) ليست بالفكرة حديثة
العهد ،فقد استخدمت في وضعيات تار يخية متعددة لتفصل بين ادعاءات حقبة ما عن نفسها وبين
ادعاءات الحقبة التي سبقتها” (يُنظر :هاو .)226 ،2005
2مقالة لهابرماس في 1980بعنوان “ ”،Modernity: An Unfinished Projectوقد أعيد طبعه في 1997
بواسطة Seyla Benhabibو.Maurizio Passerin d’Entrèves
على ملامح هذا البديل وأسسه ،وقد سبق هذا التأسيس عملية ُ هد ٍم للأسس والمبادئ التي انبنت
عليها الحداثة الغربية في سؤال الأخلاق أعقبه بناء للبديل الإسلامي في عدد من مؤلفاته على
رأسها روح الحداثة الذي وضع فيه أسس الحداثة الإسلامية المأمولة وفق ثلاثية :مبدأ الرشد،
ومبدأ النقد ،ومبدأ الشمول .وهذه الروح الحداثية امتداد لما طرحه طه في عدد من مؤلفاته مثل:
تجديد المنهج في تقويم التراث ،والمنطق والنحو الصوري ،وفي أصول الحوار وتجديد علم الكلام،
والفلسفة والترجمة ،واللسان والميزان ،كما سرت تلك الروح الحداثية كذلك في مؤلفات الحق
الإسلامي في الاختلاف الفكري ،وسؤال العمل وروح الدين ،بحيث يمكن اختزال هذا الإنتاج
الوقت في شكلها الدوغمائي (حرب .)26 ،1995في مقابل موقف هابرماس على هذا النحو من
الحداثة والعقلانية ،فإنه يمكن اختصار موقف عبد الرحمن من الحداثة بأنه موقف من العقل
والعقلانية الغربية وكذلك العقلانية العربية المقلِّدة .وعلى هذا الأساس وضع طه ثلاثيته التراتبية
من العقلانية ،والتي تحرك بها تفاضليًا أو تراتبيًا بدءًا من العقلانية الم َجر ّدة وبيان قصورها وضيق
حدودها ،إلى العقلانية المس َ ّدد َة وبيان نفع مقاصدها ،وصولا إلى العقلانية َ
المؤي ّدة وبيان نجاعة
وسائلها ،وعلى هذا الأساس التراتبي تقع العقلانية الغربية (الم َجر ّدة) في أدنى سلم العقلانية بنظر
طه ،ومن ث َم ينبغي تجاوزها وتجاوز مزالقها لصالح عقلانية أخرى يقترحها طه تُعر َف بالعقلانية
المؤي ّدة وهي عقلانية تجمع بين نفع المقاصد ونجاعة الوسائل ،ولا يتأتى لصاحب هذه العقلانيةَ
ذلك إلا بدوام الاشتغال بال� ل�ه والتغلغل فيه ،وهي من ث َم تنتهي إلى عقلانية عرفانية صوفية
تزكو ية تصل النظر بالعمل أو تماهي بينهما( .عبد الرحمن .)76 ،2000
�لكن هذا الاستنكار من طه لواقع الحداثة الغربية وأساسها المعرفي لا يعنى الانصراف عن
الاستمداد منها ومن معينها الفكري ،سواء ً على المستوى المنهاجي أو الأداتي أو المفاهيمي ،فالحضور
الحداثي في طروحات طه يظل جليًا و يكفي أن ننظر – على سبيل المثال – إلى فهرست كتابه
ظ ِرين الغربيين، فقه الفلسفة وإلى متنه لندرك ندرة أسماء المن ّ
ظ ِرين العرب في مقابل أسماء المن ّ
وفق تصنيف طه ،و بخاصة في الفصل الثاني حيث ناقش نظر يات الترجمة لدى فالتر بنيامين
ظ ِر عربي،
وهيدغر وغادامير ودريدا وأندر يو بنجامين وأنطوان برمان ولا نجد اسمًا واحدًا لمن ّ
بل إن عبد الرحمن في نقاشه هذا للنظر يات الأجنبية لا يكاد يخرج في تلخيص محتواها عن
المعتاد في الترجمات التحصيلية والتوصيلية بالمرة؛ فهو في تلخيصه لنظر يات هيدغر وغادامير
ودريدا يستخدم نفس الألفاظ المعتادة ،مثل :الترجمة التحر يفية والترجمة التحقيقية ،والتأو يل،
والتجربة ،والحقيقة ،والتراث ،والجدل ،والتاريخ ،واللعب ،والاختلاف ،والتأجيل ،والحضور،
والآثار (عبد الرحمن .)136–103 ،1996
وبناء ً على منجزات الثورة اللغو ية والمنطقية في اللسانيات الغربية الحديثة حاول طه عبد
الرحمن رد الاعتبار لعلوم المنطق في اللسان والميزان أو التكوثر العقلي ففي الباب الثاني منه
تعرض عبد الرحمن للمبادئ التي تضبط العملية التخاطبية (كمبدأ التعاون الذي صاغه جريس،
ومبدأ التأدب الذي صاغه روبين لاكوف ،ومبدأ التوجه الذي وضعه بنلوب براون …) تحليلًا
ونقدًا واستيعاب ًا ،ومن ث َم قدم بديل ًا من التراث الإسلامي (والذي تمثل في مبدأ الصدق)
فاطلاع طه عبد الرحمن على قضايا التراث واطلاعه على البحث اللساني الحداثي الغربي في
ن م َ ّكناه من طرح بديله في العملية التخاطبية بعد أن كشف عن آلياتها وقواعدها ومقاصدها
آ ٍ
مستلهم ًا ذلك كله من نظر يات الغربيين �لكنه استلهام تأصيلي بحيث ينتهي إلى إبراز الخصوصية
ل من أصول التراث أو يجعل المنقول مأصول ًا (كاده .)190–188 ،2014
و يصل المنقول بأص ٍ
وعليه ،فإن المنطق الذي يكمن خلف الحضور الحداثي في طرح عبد الرحمن هو منطق التجاوز
ومحاولة طرح البديل الذي ينطلق من الخصوصية العربية الإسلامية بعيدًا عن طروحات من
أسماهم بالمقلِّدة من الحداثيين العرب3.
والحاصل أن كلا المقاربتين (مقاربة هابرماس ،ومقاربة طه) للحداثة على الرغم من تباينهما
في كنه الحداثة ودلالتها وصيرورتها ومقاربتها بروح نقدية ،إلا أنهما في ذات الوقت اتفقتا على
كونها – أي الحداثة – لا تزال قائمة ً بروحها المتمردة (كما لدى طه) ،أو بمعطياتها الفكر ية
حيْد َ عنها (كما لدى هابرماس) .والحداثة كذلك لديهما سياق معرفي أثار أسئلة الديني،
والتي ِ
والأخلاقي ،والتواصلي كما الإنساني .وهو ما يمكن الوقوف عليه تباعًا في النقاط التالية.
تتعدد وتتنوع آليات مقاربة سؤال الدين في مختلف السياقات الفكر ية بحسب زوايا النظر له ،فإذا
كانت مقاربة سؤال الدين في السياق الإسلامي شهدت حالة من التنوع بتنوع وتعدد مذاهبه
ومشاربه الفكر ية والفلسفية ،فإن تلك المقاربات في السياق الإسلامي تغاير مقاربته في السياق
الحداثي الغربي حيث تتنوع سرديات استشكال الدين والديني في سياق الحداثة ربما لسيولتها
وتعدديتها والنسبية المطلقة التي لازمت مقارباتها ،فما يقدمه السوسيولوجي لمقاربة سؤال الدين
يغاير ما يقدمه الأنثربولوجي ،سواء على مستوى المفاهيم النظر ية أو الطرائق المنهاجية في دراسة
المعتقدات الدينية والممارسات المرتبطة بها بل إن مقاربة الديني واستشكاله تختلف وتتباين بين
ل كل من هابرماس وطه عبد
الأنثربولوجيين أنفسهم وكذا بين السوسيولوجيين .فكيف أَ شك َ َ
ل الدين؟ وما هي أمداء تأثره بسياق الحداثة ،وأمداء تأثيره في الأخلاقي والتواصلي
الرحمن سؤا َ
وا�لكوني لدى هابرماس وطه؟
على الرغم من أن هابرماس كانت لديه عقدة مع فلسفة “المابعديات” (ما بعد الحداثة،
ما بعد الفلسفة ما بعد الفن) إلا أن هابرماس عاد ليتبنى خطاب “المابعد” في إثارته لسؤال
الدين ،فالمجتمع ما بعد العلماني بنظر هابرماس هو ذلك المجتمع الذي يتصالح مع الدين� ،لكن
ذلك التصالح يأتي بعد عقلنة الدين أو بالأحرى استنطاق عقلانيات الدين ومضامينه الإنسانية
التي يمكن أن تحد من الظواهر العنفي ّة والامتداد الأصولي ،بحيث يقبل الدين و يغير بنيوي ًا في
3قدم طه عبد الرحمن بديله الحداثوي في مؤلفه روح الحداثة ،وحاول من خلال هذا َ
المؤل ّف تجاوز
واقع الحداثة الغربية أو التطبيق الغربي للحداثة إلى روحها التي تقترن بالإبداع بعيدًا عن التقليد ،ومن
ث َم حاول طه الانطلاق من مسلمات المجال التداولي الإسلامي لتقديم بديل حداثي إسلامي ،وقد بنى
هذا البديل على ثلاثة مبادئ“ :مبدأ الرشد ”الذي يتكون من ركنيين هما :الاستقلال والإبداع ،و“مبدأ
النقد” والذي يتكون هو أيضًا من ركنين هما :التعقيل والتفضيل ،وأخيرا ً “مبدأ الشمول” الذي يتكون
هو الآخر من ركنيين هما :التوسع والتعميم (عبد الرحمن .)68–23 ،2006
آلية تعاملَه ليتقبل الخارج عن نصه (هابرماس .)127 ،2006فما هو موقع الدين في المشروع
الهابرماسي؟ وهل ظل هذا الموقع ثابتًا أم لحقته تغييرات؟ هل تخلى هابرماس عن الحداثة لصالح
الدين أم ثمة رؤ ية هابرماسية خاصة تدمج بينهما؟ وما علاقة سؤال الديني بالأخلاقي والتواصلي
والإنساني في الطرح الهابرماسي؟
اتسم موقع الدين في المقاربة الهابرماسية بنوع من الديناميكية ،وقد عبر عن هذه الديناميكية
فيليب بورتييه من خلال تمييزه بين ثلاث مراحل للديني في فكر هابرماس :بحيث تمتد المرحلة
الأولى من نتاجات هابرماس المبكرة إلى حدود الثمانينات ،والتي تميزت بنقده لعالم الإيمان،
حيث ظل ينظر إلى الدين كنوع من الاستلاب ،وهو الموقف الذي تأثر فيه بالفلسفة الماركسية
كما أ َ ّولها وحافظ عليها منظرو مدرسة فرانكفورت النقدي ّة ،أي كأداة توظف في المجال السياسي
لخدمة أهداف أيديولوجية .بينما تمتد المرحلة الثانية ،من 1985إلى حدود سنة ،2000
حين رأى هابرماس أن الدين ضرورة وجودية ،كما أقر بذلك في “الفكر الما بعد ميتافيز يقي”
( ،)1988cإذ بات بنظره آنئ ٍذ أنه لا يمكن الاستغناء عن الدين في الحياة العادية .ومثلت هذه
المرحلة بداية َ مراجعة ٍ لموقف هابرماس من الدين بعد انفتاحه على المنعطف اللغوي الجديد
الذي دشنته الفلسفة اللغو ية ،والاعتراف بالوظيفة المحور ية للغة في إنتاج الخطاب وتداوله.
أما المرحلة الثالثة ،فتبدأ مع الألفية الثالثة ،حيث َ
مؤل ّفه (مستقبل الطبيعة البشر ية :نحو نسالة
ليبرالية) ،وفي هذه المرحلة لم يعد الدين في نظر هابرماس شأن ًا خاصًا ينحصر في الفضاء الخاص
بالفرد ،وإنما أصبح شأن ًا عموميًا .وخلال هذه المرحلة سعى هابرماس إلى صوغ ومأسسة المجتمع
ما بعد العلماني ،حيث يأخذ الدين مكانته الطبيعية في الفضاء السياسي العمومي .وت َو ّج هذه
المرحلة بكتابه بين النزعة الطبيعية والدين ،حيث خصص فصلًا كامل ًا للدين في الفضاء العمومي
(رشيد .)56–55 ،2014
حك ربما َ
مث ّلت المرحلة الأخيرة قمة َ النضج الهابرماسي في مقاربة سؤال الدين باستشكاله على م ِّ
الحداثة بمناوأته للخطاب الحداثي الذي يقولب الدين ضمن البعد الروحي للحياة فحسب ،ويبعده
عن الإدارة السياسية للوسط العمومي ،فالتسامح أساس الثقافة الديمقراطية بنظر هابرماس ،ومن
ث َم لا ينبغي فقط أن يتسامح المؤمنون إزاء اعتقادات الآخرين ،بل من واجب العلمانيين غير
المتدينين أن يثمِّنوا قناعات مواطنيهم الذين يحركهم داف ٌع دينيٌ ،وهذا التسامح والقبول بالتعددية
الثقافية داخل مجتمعات ما بعد العلمانية بنظر هابرماس كفيل بكبح جماح العنف المتنامي من
قبل الأصوليات الدينية في العالم المعاصر ،وهو ما يفرض إذابة الفوارق بين الفر يقين أو إلغاء
الحدود بتعبير هابرماس ،يقول“ :الحدود بين حجج علمانية وحجج دينية هي بكل الأحوال حدود
غير قابلة للاستمرار ،ولذلك فإن إقامة حدود لا يمكن الاعتماد عليها ،وهي مهمة يجب فهمها بمثابة
لٌ منهما منظور َ الفر يق الآخر” (هابرماس
عمل تعاوني يفرض على الفر يقين القائمين أن يتقبل ك ّ
.)132 ،2006
الدين كذلك وفق المقاربة الهابرماسية وطيد الصلة بالأخلاق ،فقيم العدالة والمساوة ،وغيرها
من القيم التي مثلت لاحق ًا فلسفة حقوق الإنسان ،تجد جذورها بنظر هابرماس في المرجعيات
الدينية وا�لكتب المقدسة ،فهي امتداد واستثمار للإرث الديني ممثل ًا في الأخلاق اليهودية
الخاصة بالعدل ،والأخلاق المسيحية الخاصة بالمحبة .وما تتركه الأديان العالمية بنظر هابرماس
هو نظم أخلاقي ّة شاملة ( .)Habermas 1974, 91–94الديني كذلك في فلسفة هابرماس
يرتبط بالتواصلي ،ففي ظل العودة القو ية للديني داخل الفضاء العمومي ،فإن أية مصالحة مرتقبة
تظل رهينة ً للاعتراف بالآخر والتواصل معه ،ولا يحقّ للعلماني ّين بنظر هابرماس إنكار حقّ
المتديّنين في الإسهام في المناقشات العامّة بلغتهم الديني ّة وأداء حقوقهم في المواطنة بهذه الطر يقة
( ،)Habermas 2008, 113وربما يمكن تجلية هذه العلائق (أي علاقة الديني بالأخلاقي
والتواصلي) في نقاط متقدمة في هذه الورقة.
�لكن الأهم بنظرنا في هذا المضمار التوكيد على أن الدين في رؤ ية هابرماس مجرد أنموذج
لفهم الميتافيز يقي ،وليس الفهم الأوحد ولا النهائي للميتافيز يقي ،فهابرماس لم يتحلل من العلمنة
ليتبنى الديني ،فالتصور الهابرماسي كما يرفض تغييب الديني عن المجال العام يرفض كذلك فكرة
َ
الأحقّ والأوحد َ ،و يعطى كذلك معنى أوحد للحياة ويمسك الدين الأوحد الذي يجعل شرعته
بيده زمام المعايير والحساب على ما ينتج عن خرقها .فالقبول بالدين في التصور الهابرماسي يظل
رهينًا بوظائفية الدين (أي بالدور الوظائفي الذي يؤديه الدين في المجال العام) ،والذي يختصره
هابرماس – بحسب كلام الوائلي – في أمرين ،أولهما :أن الدين يوفر للبشر العزاء والسلوان إزاء
حط من قيمةمظالم القدر القاسية ،وكثير ًا ما علمهم أن يرضوا بقسمتهم وأن يبقوا سلبيين ،إذ ي ُ ّ
النجاح الدنيوي و يغري المؤمنين بوعد البركة الأبدية في الآخرة ،لاسيما مع خيبة الأمل تجاه عدم
وفاء الحداثة الليبرالية بوعودها .أما الأمر الآخر :فيتمثل فيما يمكن للدين أن يواجهه من نزعة ٍ
استهلاكية ٍ وأداتية ٍ تهيمن على سلوك المجتمعات العلمانية من خلال إشاعته قيم ًا بديلة ً مثل (قيم
المحبة ،والتضامن ،والتقوى …) ،بحيث تقف قبالة قيم التنافس وا�لكسب والتلاعب… ،فتشجع
البشر على التعامل مع بعضهم البعض بوصفهم غايات وليس مجرد وسائل (الوائلي .)18 ،2015
وعليه فنظرة هابرماس إلى الدين في حقيقتها هي نظرة ٌ اختزالي ّة ( )reductionistلا تختلف
كثير ًا عن روئ َ غيره من المعاصرين له أو المتقدّمين عليه قليل ًا من أمثال :كانط ،وفرويد،
ودوركهايم ،وكارل ماركس ،وجيمز جورج فريزر .والسمة المشتركة بين هذه النظر ي ّات والآراء
وتغض الطرف بل تلغي جوهر
ّ الاختزالية أنّها تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاجتماعي ّة من الدين،
الدين في ح ّد ذاته وكونه وحيًا منزّل ًا ،وربما تقرنه بالأسطورة والخرافة والتوهمات .إلا إن الموقف
الهابرماسي من الدين يظل الأقل راديكالية والأكثر برجماتية في التعامل مع الدين ،فالإنسان
ل مشكلاته الحياتية بعيدًا عن الدين والمفاهيم الميتافيز يقي ّة:
المعاصر بنظر هابرماس لا يمكنه ح ّ
ن هذا العقل الحديث سوف يتعل ّم فقط عندما يستطيع توضيح علاقته بالوعي الدين ّي المعاصر”
“إ ّ
(.)Habermas 2010, 17
على الجانب الآخر تأتي المقاربة الطاهائية للدين انطلاقًا من رؤيته الائتمانية وفلسفته التكاملية
التي اشتغلت على رأب كل فصل أقامته الرؤ ية الحداثية ووصل كل قطع أحدثته الرؤ ية العلمانية.
فعمدت الرؤ ية الطاهائية إلى الوصل بين الروح والجسد في الكيان الإنساني ،والوصل بين الغيب
والشهادة في الوجود ا�لكوني والإنساني ،والوصل كذلك بين الوجود المرئي للإنسان ووجوده غير
المرئي/الغيبي ،للتحرك في وجود أرحب مما َ
ضي ّقته الرؤ ية العلمانية المتطرفة بعد أن نست الوجود
َ
وضي ّقته .فالإنسان بنظر طه يوجد في العالم غير المرئي للإنسان وأطلق أربابها مقولات اختزلته
غير المرئي (الغيبي) بروحه كما يوجد بجسده في العالم المرئي أو عالم الشهادة ولا يزال يرتحل من
أحدهما إلى الآخر موسع ًا وجوده ومستدعيًا ذاكرته الأصلية التي فُط ِر َ عليها ،والتي تحمل أصل
الدين ومعاني الألوهية والوحدانية (عبد الرحمن .)26–25 ،2012
وعلى خلاف المقاربة الوظائفية التي قدمها هابرماس للدين تأتي المقاربة العقدية والروحية
ق في رؤ ية
ج روحي وأخلاقي أو أف ٌ الأخلاقية في الوقت نفسه لدى طه ،فالدين بنظر طه إنما هو نه ٌ
العالم وتدبيره ،يتحقق باشتغال الإنسان بتن ُز ّله من عالم الغيب على عالم الشهادة أو العالم المرئي ،وهو
ما يعني التشهيد أو التديّن ،وهو لدى طه حقيقة فطر ية مركوزة في الإنسان .إذ إنه كائن حي ذو
طبيعة مزدوجة ومتعدية لا قاصرة ،بحيث يحيا في عالم المرئيات و يوجد فيه ببدنه وروحه ،و يحيا
كذلك في عالم الغيبيات ويتواجد فيه بروحه ،ومن ث َم يجد هذا الإنسان نفسه موصول ًا بالغيبي
ل يأتيه (عبد الرحمن .)41–39 ،2012
ك وفع ٍ
ل سلو ٍ
صلت َه بالمرئي في ك ّ ِ
ومقاربة طه لسؤال الدين والتدين تنهض على ما أسماه بـ“مبدأ الفطرة ”،ومقتضى هذا المبدأ
أن “قدرة الإنسان على التشهيد – تحقيق التدين – تأتى من كونه خ ُلِق ،أ َ ّول ما خ ُلِق ،على
هيئة تحفظ سابق صلاته بعالم الغيب ،بحيث تَحم ِل روحه قوة خاصة أشبه بذاكرة سابقة على
ذاكرته التي يم�لكها في العالم المرئي ،وهذه القوة الروحية التي تحفظ ذكر يات عالم الغيب – أو
قل هذه الذاكرة الغيبية أو الأصلية – اختصت في الإسلام بمصطلح الفطرة” (عبد الرحمن
.)52–51 ،2012
فالدين وفق ًا لهذه المقاربة إنما هو استجابة لاشعور ية لذاكرة أصلية تحمل في روح الإنسان
ذكر يات عن حقائق غيبية يسعي دوم ًا لتبين وجوه حضورها في عالم الشهادة .ولهذا لا يمكن
للدين – وفق ًا لمقاربة طه – أن يكون أمرًا طارئًا يعرض للإنسان متى توافرت الإرادة وتهيأت
الأسباب شأن العادة المكتسبة ،بل لابد أن يكون حقيقة ملازمة له لا يقدر على الانفكاك
عنها ،فكما لا يُتَصَور وجود الإنسان بلا ذاكرة أصلية أو بلا فطرة فكذلك لا يُتَصَور وجوده بلا
دين أو بلا تشهيد ،ومن ث َم يأتي التدين وفق ًا لمقاربة طه كسلوك فطري غير كسبي ،فسلوكيات
الإنسان وتصرفاته إنما تصدر عن ذاكرته الأصلية أو الغيبية وإن تباينت في تحقيق التشهيد تبع ًا
لتباين أنماط التدين (عبد الرحمن .)53–51 ،2012
ولما كان الإنسان المعاصر – بنظر طه – قد ابتعد عن ذلك الميثاق الذى شهده قبل الخلق
وعن الفطرة “فطرة الدين ”،فإنه أصبح بلا قلب حي ومن كان بلا قلب حي كان معدود ًا من
الأموات ،فالإنسان المعاصر الذى ليس له نور ٌ من الدين عبارة ٌ عن إنسان ميت (عبد الرحمن
،)14 ،2017وحياة هذا الإنسان بنظر طه تكون باستبدال الحالة العقدية التي بنيت على التعاقد
الاجتماعي في الرؤ ية الغربية لإخراج الإنسان من “حالة الطبيعة” إلى الحالة المدنية ،بصرف
ظ ِري العقد الاجتماعي لـ“حالة الطبيعة ”،فبعضهم رأى أنها حالة صراع
النظر عن تباين تحديد من ّ
الجميع ضد الجميع ومن ث َم جاء التعاقد لنقل الإنسان من تلك الحالة إلى حالة الأمن والسلام،
ق طبيعية ٍ َ
معر ّضة والبعض الآخر رأى أن تلك الحالة – أي حالة الطبيعة – كانت حالة حقو ٍ
للهضم والانتهاك ،ومن ث َم يكون التعاقد قد أخرج الإنسان إلى الحالة التي يظفر فيها بضمانات
لتلك الحقوق ،فيما رأى آخرون أن التعاقد جاء لتوكيد حالة الحياد القيمي للإنسان فلا هو
ب�خي ِّر ولا بشرير ،فيكون هذا التعاقد قد نقله إلى الحالة التي يكتسب فيها القيم المدنية .كل هذه
النظر يات والتفسيرات التي قررها منظرو العقد الاجتماعي ،والتي خرجت من أفق يقصر
الوجود الإنساني على العالم المادي لا يمكن قبولها في نظر عبد الرحمن الائتماني الذى ينبني على
ازدواجية الوجود الإنساني ،بمعنى أن الإنسان يوجد في “عالم الملك” بجسده ،وكذا يوجد في
“عالم الم�لكوت” بروحه ،ومن ث َم فإن حياة الإنسان أو إحياءه من وجهة نظر طه مرهون بتجاوز
“النظر ية الع َقدية” إلى ما يسميه طه بـ“النظر ية الميثاقية” والتي ترى بأن ثم َة مواثقة حصلت في عالم
الم�لكوت بين الإنسان وخالقه وليس بين الإنسان والإنسان كما هو في “النظر ية العقدية” ومن ث َم
فهي مواثقة روحيةكانت على هيئة ميثاقين أولهما“ :ميثاق الإشهاد” الذى أقر فيه الإنسان بربوبية
خالقه لما تجلى له بأسمائه الحسنى والآخر“ :ميثاق الائتمان” الذي حمل بموجبه أمانة القيم التي تجلت
بها هذه الأسماء .ومن ث َم فالحياة التي تقترحها النظر ية الميثاقية الطاهائية إنما هي في حقيقتها عودة
للحالة الأصلية حالة الفطرة “فطرة الدين” بعد أن نكث الإنسان المعاصر “إنسان الحداثة” في ميثاقه
وقصر وجوده على “عالم الملك” (عبد الرحمن .)19–14 ،2017
وعليه فالدين وفق ًا لتلك المقاربة يغاير ربما كليًا ما طرحه هابرماس ،فالدين لدى طه يتجاوز
حد الوظيفية التي قرنها هابرماس بالديني إلى الحاجيات الضرور ية التي لا غنى للإنسان عنها،
والتي يستجيب لها بصورة لاشعور ية ،وهذه الاستجابة اللاشعور ية إنما تأتي بدورها استجابة
لنزوع إنساني صوب الميثاق الذي أخذه ال� ل�ه على بني آدم في عالم الذرة .والدين كذلك وفق ًا
لمقاربة طه إنما ي ُراد به الدين الإسلامي “دين التوحيد ”،بخلاف رؤ ية هابرماس التي جعلت مركز
اشتغالها الرؤ ية الإنجيلية والتوراتية ،وانتهت إلى اعتبارهما مجرد رؤى وتصورات للميتافيز يقي لا
تعبر بالضرورة عن الحقيقة .على الرغم من هذه الفوارق بين مقاربة طه وهابرماس للدين إلا
أنهما عادا ليتفقا على صلة الديني بالأخلاقي والتواصلي كما ا�لكوني ،وهو ما يمكن الوقوف عليه
من خلال السطور الباقية في هذا البحث.
سؤال الأخلاق واحد من أكثر الأسئلة التي أ َرّقت الفكر الغربي (الديني واللاديني) كما العربي/
الإسلامي سواء ً في تحديد مرجعية الأخلاق أو كنهها أو مجال اشتغالها أو في استتباع علائقها بما
هو سياسي وما هو اقتصادي أو اجتماعي ،ومن ث َم يتسع سؤال الأخلاق ويتشعب بقدر اتساع
بأي من قطاعاته (أي قطاعات
ساحة الفكر نفسها ،وزاو ية مقاربة الباحث لعلاقة الأخلاقي ٍ
ل من :طه وهابرماس سؤال الأخلاق؟ وكيف جرى مقاربته على ل كُ ٌ
الفكر) .فكيف أَ شّ ك َ َ
الأخص في علاقته بما هو ديني وتواصلي وإنساني/كوني؟
تُعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لحظة فارقة في مشروع هابرماس ،حيث إنها شكلت
تحول ًا وانعطافًا في تصوره عامة وفي تصوره الأخلاقي خاصة ،وقد عبر عن هذا التحول في مناسبة
تلقيه جائزة السلام الألمانية التي أقيمت في كنيسة باول في فرانكفورت حيث تحدث هابرماس
عن الذعر الذي خلفته عمليات الحادي عشر من أيلول وانزعاجه من التسطيح الثقافي الذي
سببه انتشار وسائل الاعلام وانحطاط الثقافة النقدية التي تحولت الى ثرثرة عاطفية منفلتة ،ودعا
إلى ضرورة طرح قضايا ذات أهمية كبيرة ترتبط “بالشعور الأخلاقي” الذي يمكن التعبير عنه في
لغة دينية (بورادوري .)127 ،2013
ففلسفة الأخلاق عند هابرماس تطرح أسئلة على مستو يين أولهما :جمعي والآخر :فردي ،فعلى
المستوى الجمعي تطرح تساؤلات حول :كيف نتعارف ونعرف أنفسنا كأفراد ينتمون إلى جماعة
أخلاقية وعلى أي مبادئ تقوم حياتنا؟ وعلى المستوى الفردي تطرح أسئلة من قبيل :من أنا؟
وما المبادئ التي أخضع لها؟ ومن يمتلك المشروعية لوضع المعايير الأخلاقية؟
َ
الكلي ّة ”،وهي تلك التي تنهض على مبدئي :المناقشة وقد راهن هابرماس على “الأخلاق
وا�لكونية ،وكلاهما يتكامل مع الآخر ،إذ المناقشة والتواصل المبني على أساس من المساواة بين
كافة أطراف الحوار ،يؤول بنظر هابرماس إلى الوصول لاتفاق وإجماع عقلاني ومن ث َم صوغ
معايير لأخلاق كونية يتفق عليها الكافة (الأشهب .)136 ،2014
َ
الكلي ّة للأخلاق دافع ًا للتعو يل على الأخلاق الكانطية إذ اعتبرها وقد مثلت مقاربة هابرماس
هابرماس إرثا لا يمكن التفر يط فيه ومن ث َم ظلت بمثابة الخيط الناظم لنظريته الأخلاقية ككل
حيث عكف بعد تحيينها وتجديدها على تكييفها مع متطلبات العصر ،لذا نجد هابرماس يلزم
الذوات المتحاورة بالقواعد الصور ية من أجل الوصول إلى إجماع عقلاني ،وهذا ما استمده
هابرماس من النظر يات الحجاجية لأندل تولفينغ حيث قارن بين هذه النظر ية في المحاججة وبين
الأمر المطلق لكانط وتوصل إلى هذه العلاقة حيث “يأخذ إجراء المحاججة الأخلاقية في أخلاقيات
المناقشة المكان الذي تحتله مقولة الأمر المطلق في الأخلاق الكانطية” (جمال ،)221 ،2017
وعلى غرار تأكيد كانط على الكلية الأخلاقية في “ميتافيز يقيا الأخلاق” معتبر ًا أن الكائنات
العاقلة تسمى أشخاصًا لأن طبيعتها تقودها وتوجهها بصفتها غايات في ذاتها “أي باعتبارها شيئا
لا يمكن استخدامه كمجرد وسيلة فحسب ،وإنما هي شيء يمثل حدًا في مواجهة كل ما يحلو لي
من تصرفات و يكون موضع احترامي” (الجمال ،)46 ،2004على نفس هذه الوتيرة الكانطية
صار هابرماس للتوكيد على الكلية الأخلاقية معتبر ًا إمكان التوصل إلي معايير أخلاقية كلية
تتسم بالقبول والرضا العام عبر نقاش عقلاني .كما تأثر هابرماس في مقاربته للأخلاق بهيجل،
َ
الكلي ّة الأخلاقية ،في مؤلفه دين الشعب حيث “اتخذ فهيجل – بنظر هابرماس – هو من َ
وسّ ع
العقل التواصلي شكلًا مثاليًا لجماعتين تار يخيتين هما :المدينة الإغريقية والجماعات المسيحية الأولى”
(الجيوشي ،)30–29 ،1995أي أن هيجل بنظر هابرماس كشف في مؤلفه هذا عن دخول
التعارض بين :العلم والإيمان لحقل الفلسفة .وإذا كان هابرماس قد تأثر بكل من كانط وهيجل
في مقاربته للأخلاق على النحو السابق فإنه قد سعى لتطوير الكلية الأخلاقية من خلال صياغته
لنظر ية الفعل التواصلي وأخلاقيات المناقشة ،وهو ما يمكن الوقوف عليه في ثنايا تناولنا للفعل
التواصلي لدى هابرماس في نقطة لاحقة.
في مقابل تلك الرؤ ية الهابرماسية تنبني مقاربة طه لسؤال الأخلاق 4على محورين أولهما :النقد
المزدوج للتصورين الغربي والإسلامي لفلسفة الأخلاق وثانيهما :محاولة تقديم البديل الأخلاقي أو
الائتماني كما يحلو لطه تسميته .فالتصور الأخلاقي الذي يتبناه طه تصور تكاملي يقوم على منطق
الوصل فلا انفصال بين الدين والأخلاق لديه ،كما ليس ثمة انفصال بين العمل والنظر ،أو بين
القول والفعل ،أو بين الدين والسياسة .وعلى هذا الأساس جاء نقد طه لتصور فلاسفة الغرب
للأخلاق فبينما تباينت مواقفهم على ثلاثة مناحي أولها :ذلك المنحى الذي جعل من الأخلاق
تابعة للدين استناد ًا إلى مبدأ “الإيمان بالإله” ومبدأ “إرادة الإله ”،والثاني :جعل من الدين تابع ًا
للأخلاق استناد ًا إلى مبدأ كانط فى “الإرادة ال�خ َي ّرة ”،والثالث :رأى أنه ليس أي ًا من الطرفين
تابع ًا للآخر استناد ًا إلى مبدأ هيوم في أنه “لا وجوب من الوجود” (عبد الرحمن ،)56 ،2000
4يشكل سؤال الأخلاق هاجسًا يؤرق طه عبد الرحمن إلى درجة أن المقولات الأخلاقية ،إبداعا ونقدا
وتجديدا ،تكاد ت�خترق مشروعه كله .و يعسر أن تجد كتابا لطه أو دراسة ليس فيها إشارة إلى الارتباط
الوثيق بين الأخلاق وبقية القطاعات العلمية المتعددة التي يشتغل عليها طه .ويمكن ملاحقة المقاربة
الأخلاقية في الإنتاج الفكري لـطه عبد الرحمن في عدد من مؤلفاته مثل :سؤال الأخلاق :مساهمة في
النقد الأخلاقي للحداثة الغربية ،بؤس الدهرانية :النقد الأخلاقي لفصل الأخلاق عن الدين ،وشرود ما
بعد الدهرانية ،وسؤال العنف ،ومن الإنسان الأبتر إلى الإنسان ا�لكوثر ،ودين الحياء بأجزائه الثلاثة.
َ
والشاهدي ّة الإلهية َ
للآمري ّة الإلهية قام طه بنقد هذه التصورات الثلاثة ،والتي رأى فيها إنكار ًا
في آنٍ.
فالتصور الأول القائل بتبعية الأخلاق للدين والقائم على مبدأ “الإيمان بالإله” ومبدأ “إرادة
الإله ”،وهو تصور تبناه عدد من مفكري الغرب الأخلاقيين ،كما هو شأن القديس أوغسطين،
والقديس توماس الأكويني وغيرهما ،وقد ورثوا هذا التصور عن فلاسفة اليونان .اعتبر طه هذا
التصور مقدوح ًا فيه لأنه مبني على تعدد الآلهة ومن ث َم تعدد الإرادات الإلهية والآمرية الإلهية
مما ينتهي بالأخلاق إلى نسبيتها لا إطلاقياتها كما ينبغي أن تكون (عبد الرحمن .)35–31 ،2000
أما التصور الكانطي والذي انبنى على استتباع معكوس للاستتباع السابق للأخلاق ،حيث جاء
الدين وفق هذا التصور تابع ًا للأخلاق ،كما صرح بذلك كانط في مؤلفه (الدين في حدود مجرد
حتاج إلى كائ ٍن أسمى وأعلى منه �لكي يعرف هذا الإنسان واجب َه،
العقل) واعتبر الإنسان غير َ م ٍ
ومن ث َم فالأخلاق وفق هذا التصور الكانطي لا تحتاج مطلق ًا إلى الدين ،بل تكتفي بذاتها بفضل
العقل الخالص .وهو تصور اعتبره طه كذلك مقدوح ًا فيه ،ورأى أن كانط لم يضع مقولاته
وتصوراته الأخلاقية إلا عن طر يق المقايسة والمبادلة بعد أن جعل العقل جوهرًا وأح َ ّ
ل الإنسان
موض َع الإله ،يقول طه“ :فقد أخذ كانط مفهوم العقل بدل مفهوم الإيمان ،ومفهوم الإرادة
الإنسانية بدل مفهوم الإرادة الإلهية ،ومفهوم الحسن المطلق للإرادة بدل مفهوم الإحسان
المطلق للإله ،ومفهوم الأمر القطعي بدل مفهوم الأمر الإلهي ،ومفهوم التجريد بدل مفهوم
التنز يه ،ومفهوم احترام القانون بدل مفهوم محبة الإله ،ومفهوم التشر يع الإنساني للذات بدل
مفهوم التشر يع الإلهي للغير ،ومفهوم ال�خير الأسمى بدل مفهوم النعيم ،ومفهوم مم�لكة الغايات
بدل مفهوم الجنة” (عبد الرحمن .)104 ،2000أما نقد طه عبد الرحمن للتصور الهيومي 5القائل
باستقلالية الأخلاق عن الدين ،والمبني على مبدأ “لا وجوب من الوجود ”،فقد جاء هذا النقد
– أي نقد طه – لتمييز هيوم بين القضايا ال�خبر ية الوجودية والقضايا الوجوبية باعتباره يروم إلى
الفصل بين ال�خبر في الدين والقيمة الأخلاقية .في حين أن كل ممارسة علمية وعقلانية بنظر طه
محكومة بقيم ومقاصد يحملها الإنسان من حيث هي تعبير عن رؤ ية للعالم (6)Weltanschauung
ومن ث َم فلا داعي للادعاء بأن القيم مفصولة عن الأنشطة الإنسانية الحسية أو العقلية .و يترتب
على هذا أن هيوم شأنه شأن كانط لم يقم بإنشاء مفهومه للأخلاق أو بالأحرى الدين الطبيعي
إلا بواسطة المقابسات من النصوص المقدسة وتأو يلاتها اللاهوتية (عبد الرحمن .)33 ،2000
فكل ما أسنده هيوم لما أسماه بـ“الحس الأخلاقي” إنما هو بنظر طه يستوعبه ما جاء به الدين باسم
“الفطرة” بما هي مفهوم مبثوث في سائر النصوص المقدسة” (عبد الرحمن .)46 ،2000
ونقد طه للرؤ ية الأخلاقية الغربية على النحو السابق إنما جاء من منطلق أَ شك َلَت ِه ُ لعلاقة
الأخلاق بالدين ،ودعوته لتأسيس الأخلاق على الدين وليس العكس حيث رأى أن فصل
الأخلاق عن الدين كما شاع لدى أرباب الرؤ ية الغربية قد انبنى بالأساس على مبادئ التوجه
إلى الإنسان عوض التوجه إلى الإله ،والتوسل بالعقل بدل الأخلاق ،والتعلق بالدنيا بدل
الآخرة ،وهو ما سماه في روح الحداثة بـ“المروق“ نتيجة إنكار الدهرانيين لآمرية الإله” (عبد
الرحمن ،)100 ،2006وفي شرود ما بعد الدهرانية سمى هذا الفصل – أي بين الأخلاق والدين
– بـ“الشرود” حيث التمرد على إشهاد الإله على أعمال الإنسان ،وهو ما يعني تجاوز رتبة المروق
إلى رتبة الخروج من الأخلاق بالكلية .واعتبر كلتا الصورتين (المروق والشرود) من صور
“الدنيانية” الجامعة لوجوه الانفصالات عن الدين .فالحداثة بنظر طه قامت بأخطر عملية انتزاع
لقطاعات الحياة من الدين ،وأبرزها الأخلاق .وهو العزل الذي اختار له اسم الدهرانية (وهي
النظر للأخلاق بمعزل عن ال� ل�ه) أي نزع الأخلاق عن لباسها الروحي وجعلها بلباس زمني ،وهي
بذلك – أي الدهرانية – أخت للع َلمانية (بفتح العين) ،بما هي فصل للسياسة عن الدين .وأيضًا
أخت للع ِلمانية (بكسر العين) ،بما هي فصل للعلم عن الدين ،إذ كلها بنات للدنيانية ،التي يراها
آفات تحرمه آدميته” (عبد الرحمن
ٍ والزجّ به في
ِ تصور ًا بائس ًا لرؤ ية العالم ،تنتهي إلى ضياع الإنسان
.)15 ،2016
لم يقتصر نقد طه للتصور الأخلاقي على النقد الموجه للنموذج الغربي ،بل تعداه إلى النموذج
الإسلامي ،حيث عمد إلى نقد التصور الإسلامي (الكلامي والفلسفي والفقهي/الأصولي)
للأخلاق .فالمتكلمون والفلاسفة المسلمون الذين تذبذبوا بين القول بتبعية الدين للأخلاق والقول
باستقلال الأخلاق عن الدين ،إنما جاء موقفهم القلق بنظر طه لانسياقهم إلى التفكير في هذه
العلاقة وفق مقتضيات المنقول اليوناني .أما الفقهاء والأصوليون الذين جعلوا الأخلاق تابعة
للدين وجعلوا منها رتبة ً لا تتعدي رتبة َ المصالح ا�لكمالية ،فإنهم بنظر طه قد خالفوا المنطق السليم
في فهم حقيقة الدين ،إذ الأخلاق بنظره أَ ولى برتبة المصالح الضرور ية من غيرها ،فما ينبغي لدين
إلهي – ناهيك عن الإسلام – أن يقدم الاهتمام بشئون الحياة المادية للإنسان على الاهتمام
بكيفيات الارتقاء بحياته الروحية ،والتي مدارها على الأخلاق 7.فالدين والأخلاق بنظر طه شيء
واحد “فلا دين بغير أخلاق ولا أخلاق بغير دين” (عبد الرحمن .)52–51 ،2000
7والجدير بالملاحظة في هذا الصدد أن نقد طه للفقهاء في اعتبار الأخلاق يقع في المرتبة التحسينية أو
التكميلية تعرض بدوره للنقد ،ومن تلك الانتقادات التي وجهت لطه في هذا الصدد ،نقد الخطيب
والذي رأى أن الأخلاق بنظر الفقهاء متفاوتة في الرتبة ،خصوصا إذا ربطنا الأخلاق بالأحكام
وبعد نقد عبد الرحمن المزدوج للتصورين :الأخلاقيين الغربي والإسلامي ومن منطق التكامل
لا التجزيء والوصل لا الفصل ،والجمع بين العقل والشرع ،وبين العقل والقلب وبين العقل
والحس ،جاء جواب عبد الرحمن على سؤال الأخلاق في لباس ائتماني حاول فيه صاحبه
تجاوز ما أسماه بـ“الضرر الخلقي لحضارة اللوغوس ”،وتأسيس حضارة يكون فيها السلطان
لـ“الإيتوس( ”،أي الخلق) بضم الخاء ،بحيث تتحدد فيها حقيقة الإنسان ،لا بعقله أو بقوله ،وإنما
بخلقه أو فعله (عبد الرحمن .)146 ،2000
وقد بنى طه عبد الرحمن الجواب الائتماني لسؤال الأخلاق على عدد من الأركان والمبادئ
حيث عدد طه أركان نظر يـته الأخلاقية والتي سماها بـ “نظر ية التعبد” في سؤال الأخلاق في
ثلاثة أركان ،أولها :ركن “الميثاق الأول والأخلاق ا�لكونية ”،ومقتضاه أن الإنسان قد تعهد أمام
ال� ل�ه سبحانه وتعالى يوم خاطبه﴿ :أَ لَسْتُ ب ِر َبِّك ُم﴾ (الاَعراف )172 :فأجاب﴿ :بَلى﴾ .وهذا التعهد
الإنساني هو الميثاق الذي أخذه الشارع من العقلاء؛ وبهذا الميثاق تزود الإنسان بالأخلاق التي
تحميه من التزلزل ،وهي ذات طبيعة كونية من حيث خصائصها ،وهي كذلك أخلاق مؤسسة
من لدن الشرع لعلو رتبته على العقل واستغنائه عنه ،وبهذا الركن يجمع طه بين العقل والشـرع.
أما الركن الثاني“ :شق الصدر والأخلاق العميقة ”،فيبنيه طه على الحادثة التار يخية لشق صدر
ن تطهير ية وتزكو ية ليجمع بين القلب والعقل ،و يخلص من ذلك إلى
النبي ،وما تستدعيه من معا ٍ
أن الأخلاق الإسلامية أخلاق عميقة لأنّها أخلاق تطهير وتزكية لا تجميل ،وتأهيل لا تثبيط،
وتجديد لا تقليد .أما الركن الثالث“ :تحو يل القبلة والأخلاق الحركية ”،وهو الذي يتعلق بالجمع
بين العقل والحـس ،ويتفـرع عنـه أن الأخلاق الإسلامية أخلاق حركية؛ لأنّها أخلاق إشارة
لا عبارة ،وانفتاح لا انغلاق ،واجتماع لا انقطاع (عبد الرحمن .)159–142 ،2000
أما المبادئ التي ارتكز عليها الجواب الائتماني لسؤال الأخلاق فقد بسطها طه فى بؤس
الدهرانية حيث عدد خمسة مبادئ ينبني عليها أنموذجه الأخلاقي وهي( :مبدأ الشاهدية ،ومبدأ
الآياتية ،ومبدأ الإيداعية ،ومبدأ الفطر ية ،ومبدأ الجمعية) .فجعل طه من “مبدأ الشاهدية الإلهية”
أصل التخلق الإنساني ،فلولا شهادة الإله لهذه الأعمال وشهادته عليها لما تم للإنسان ت ُخل ّقٌ ،ناهيك
عن كمال التخلق ،وأما “مبدأ الآياتية” فمقتضاه أن اتصال الدين بالعالم عبارة عن اتصال آيات،
لا اتصال ظواهر ،والمبدأ الثالث هو “مبدأ الإيداعية” و يقصد به أن الأشياء ودائع عند الإنسان،
و يقتضي ذلك منا أن ننسب الأشياء إلى بارئها وشاهدها نسبة مطلقة ،وإلا فلا أقل من أن
ننسبها إليه قبل أن ننسبها إلى أنفسنا ،والمبدأ الرابع هو “مبدأ الفطر ية” ومقتضاه أن الأخلاق
الفقهية الخمسة ،وحكم أصول الأخلاق يختلف عن مكارمها ،وكذا تختلف المكارم نفسها بين درجتي
إلزام النفس بها وقطع الوعد بفعلها وبين أن تعرى عن وعد أو التزام .ولذا فإن تصور طه اعتبار
الفقهاء أن الأخلاق في المرتبة التحسينية أو التكميلية تصور يشوبه عدم الدقة في فهم كلام الفقهاء
(الخطيب .)256–255 ،2011
كل ّه أخلاق، مأخوذة من الفطرة ،والمبدأ الخامس هو “مبدأ الجمعية” ومقتضاه أن الدين المنز َل ُ
وذلك لأن إنسانية الإنسان لا تتحقق بعقلانيته المجردة ،وإنما بأخلاقيته المس َ ّددة ،ولم يَنز ِل الدين
إلا �لكي يرتقى بهذه الإنسانية بفضل كمال التخلق .وهذه المبادئ الخمسة قادرة بنظر طه على
“إخراج الإنسان المؤتمن من مشقة التخلق إلى متعة التخلق ،ومن ضيق الظواهر وانفصالها إلى
سعة الآيات واتصالها ،ومن التسلط على الأشياء إلى الترفق بها ،ومن التخلق الظاهر إلى أصوله
في أغوار الباطن ،ومن تخليق الإنسان لذاته بعضًا إلى تخليقها كلًا ،باطنًا وظاهرًا؛ وبهذا تنتقل
هذه القيم الأخلاقية إلى رتبة القيم الجمالية” (عبد الرحمن .)108–93 ،2014
ومقاربة طه على النحو السابق لسؤال الأخلاق ربما تغاير كليًا مقاربة هابرماس ،سواء من
حيث منطلقاتها التأسيسية أو من حيث كنهها أو مبادئها التأسيسية ،أو حتى من حيث الغايات
التي ترنو إليها� ،لكن ربما تظل الأنسنة وا�لكونية مشترك ًة ما بين طه وهابرماس في مقاربتهما
لسؤال الأخلاق ،فالأصل في الإنسانية لدى عبد الرحمن هو الأخلاقية وليس العقلانية ،أي أن
الإنسانية أساسها الأخلاق وليس العقل ،دون أن يفيد ذلك حدوث الانفصال بين العقل والخُلق
في الإنسان أو القول بعدم حاجة الإنسان للعقل .وفى هذا المضمار يقول طه “:إن الإنسان،
بقدر ما يزداد أخلاقية ،يزداد إنسانية ،ولا نقول إن الإنسان بقدر ما يزداد عقلانية يزداد
إنسانية” (عبد الرحمن .)58 ،2013هذا وقد دفع منطق الوصل لدى طه وتداخلات الأخلاق
والحس والعقل إلى تعميق النظر في مستو يات هذه التداخلات ،ليستنتج بأن “الأخلاق هي
الميزة الإنسانية الأولى أي التي يكون بها الإنسان إنسانا” (عبد الرحمن )14 ،2000وأن “قوة
الخُلق وليست قوة العقل هي التي تميز الإنسان عن الحيوان” (عبد الرحمن ،)209 ،2002بل إن
وجود الإنسان ليس متقدم ًا على وجود الأخلاق وإنما مصاحب لوجودها .ويستدعي هذا بنظر
طه إنشاء نظر ية أخلاقية يكون من أصولها مبدأ الجمع بين شروط الأخلاقية وشروط الإنسانية،
فتتحقق عالمية الإنسان بالأخلاق ،وتجنبه هذه الخاصية الأخلاقية كذلك خطر استرقاق العلم
ُ
وتشي ّئه أو ما يسميه طه بـ“الاسترقاقية” (عبد الرحمن .)65 ،2000 المادي للإنسان
�لكن ربما يظل الانتقال إلى ا�لكوني على مستوى الأخلاق مشكِلًا لدى طه ،حيث يظل
المنظور الأخلاقي البديل الذي يطمح طه إلى تشييده إنما يستقي مقوماته من داخل المجال
ل من الأحوال ،بناء على
التداولي الإسلامي الذي يرفض عبد الرحمن أن يفكر خارجه بأي حا ٍ
قناعة مبررة راسخة لديه بأنه ليس هناك أقدر من الدين الإسلامي على تقديم أخلاق أكمل قيمة
وأكثر حركية ،تعد عصارة ما حققه من تراكم ناتج من خاتميته وتتميمه لمكارم الأخلاق (عبد
الرحمن .)63 ،2013وهو ما يعني في نهاية المطاف أن الانتقال إلى ما هو كوني الاندماج على
المستوى القيمي إنما هو مرهون ومشروط بالخصوصية القيمية أو إحياء نظا ٍم للقيم خاص بالسياق
الإسلامي يستمد مقوماته من عقلانية إيمانية تكفل لها النصوص الدينية المؤسسة يقينيتها وتعرج
بها نحو اللامتناهي وتمنحها عمق ًا ليس له مثيل في أخلاق التناهي التي تحصر ذاتها في أفق سطحي
يورثها التذبذب وعدم الاستقرار .فأخلاق الدين في نظر طه هي الأصل ،وما الرؤى الأخلاقية
الغربية في حقيقة أمرها إلا فروع اقتبست مقوماتها من الدين على نحو مباشر أو غير مباشر ،ث َم
عمدت إلى تور ية اقتباسها وإخراجه عن وصفه الديني الأصلي؛ لأنه قد ثبت ،بما لا يدع مجال ًا
للشك ،أن الهو ية الإنسانية هي في أساسها وفي حقيقتها هو ية دينية (عبد الرحمن .)149 ،2000
فهل أمكن الانتقال إلى ما هو كوني ومشترك إنساني باقتراح التواصل والمناقشة كما هو لدى
هابرماس؟ أو تجاوز ما هو قومي أو إثني أو ديني إلى ما هو إنساني باقتراح التقريب التداولي كما
هو لدى عبد الرحمن؟
إذا كانت صيغة “التواصل” هي الأبرز في مشروع هابرماس ،فإن “التداولية” أو بالأحرى
“التقريب التداولي” يمثل المقابل الذي ربما يؤدي نفس الغرض في المشروع الفكري لطه عبد
الرحمن لتعو يل كل من هابرماس وطه على الحجاج والمناقشة كممارسة فكر ية وآلية لإدارة أي
حوار ،وكذا على اللغةكأداة ووعاء للفكر وممكن من ممكنات التواصل الفعال بين الذوات ،وأيضًا
لتعو يلهما على الأخلاق كمعيار يجب الالتزام به في ثنايا الحوار وعمليات الحجاج .فكيف جرى
توظيف هذه الثلاثية (الحجاج/المناقشة ،اللغة ،الأخلاق) في كلا المشروعين؟ وما مدى إمكانية
الانتقال بهذه الثلاثية في كلا المشروعين من المحلي إلي ا�لكوني للبحث عن المشترك الإنساني؟
انبنت مقاربة هابرماس للتواصل على ركيزتين :الأولى هي العقل التواصلي ،والثانية هي اللغة،
فـهابرماس الذي ظل مهووسًا بأن “الحداثة مشروع لم يكتمل بعد” وأن العقلانية أو العقل
الأداتي الذي يعد ركيزة أساسية لمشروع الحداثة قد أشهر إفلاسه بانتهائه إلى حالة من التشيؤ،
فإنه رأى كذلك في العقل التواصلي بديلًا لهذا العقل الأداتي ،فالعقل التواصلي بنظر هابرماس
“يتجاوز العقلانية الغربية التي أعطت أولو ية مطلقة للعقل الغائي والتي تهدف إلى تحقيق مصالح
وغايات معينة ،فهذا العقل يُبنى على فعل خل ّاق يقوم على الاتفاق وبعيدًا عن الضغط والتعسف
وهدفه بلورة إجماع يعبر عن المساواة داخل فضاء عام ينتزع فيه الفرد جانبًا من ذاتيته ويدمجها
في المجهود الجماعي الذي يقوم بالتفاهم والتواصل العقلي” ( ،)Habermas 1984, 10فالعقل
التواصلي الذي يقترحه هابرماس يستلزم نسق ًا اجتماعيًا ديمقراطيًا يشمل الجميع ولا يستبعد أحدًا،
وهدفه ليس الهيمنة بل الوصول إلى التفاهم .وقد حاول هابرماس في صياغته للعقل التواصلي أن
يستلهم تحليل ماكس فيبر ( )Max Weberلتطور العقلانية الهادفة وتضاؤل عقلانية القيمة في
ظل التحديث ،وهو التحليل الذى ارتبط عند فلاسفة مدرسة فرانكفورت من هوركهايمر إلى
8وهي النظر ية التي تنطلق مما يسمى بفلسفة اللغة الطبيعية التي طرحها فتجنشتاين في مؤلفه بحوث فلسفية
حيث استحالة الفصل بين الدلالة والتركيب والتداول ،وقد طور كل من جون سيرل وجون أوستن
نظر ية فتجنشتاين واقترحا معايير جديدة لتصنيف أفعال الكلام.
فاللغة لدى هابرماس إضافة إلى كفايتها اللغو ية (التركيبية والصوتية والدلالية) فإنها كذلك
تعد أساسا للتواصل كما للتفاهم والتفاعل والبحث عن المشترك يقول“ :الجملة المصاغة جيدًا من
الناحية النحو ية تستجيب لشروط المعقولية ،وعلى من يشارك في التواصل أن يكون مستعدًا
للتفاهم بالتعبير في كل مرة عن ادعاءات الحقيقة والصدق والدقة ،ومفترضًا بشكل متبادل أن
هذه الادعاءات م�حترمة ،ومن ث َم فإن الجمل تكون موضوع تحليل لساني بينما أفعال الكلام تكون
موضوع تحليل تداولي” ( ،)Habermas 1988c, 368فإذا كان البحث اللساني يهتم بتراكيب
الجمل فإن التداول بنظر هابرماس يتجاوز وصف شيء ما بواسطة جملة معينة ،والتعبير عن قصد
المتكلم ،إلى إقامة علاقة تداولية بين المتكلم والمستمع ،وهذه العلاقة التداولية تُدار وفق ما أسماه
هابرماس بـ“أخلاقيات المناقشة”.
وأخلاقيات المناقشة على نحو ما سبق إنما هي في حقيقتها امتداد للفعل التواصلي ،وقد ارتأى
هابرماس أنها تنهض على مبدأين :المبدأ الأول هو المبدأ (ميم) أي “مناقشة ”،و يعني قبول كل
المشاركين الدخول في مناقشة عملية يمكنها ادعاء الصلاحية ،يضاف إليه المبدأ (كاف) أي
“ا�لكونية ”،والذي يفترض توافر أربعة معايير (المعقولية ،والحقيقة ،والصواب ،والصدقية)،
بحيث تحظى هذه المعايير بموافقة الجميع دون ضغط أو إكراه وتسهل عملية تحمل النتائج والتأثيرات
الناجمة عنها من طرف جميع الأشخاص المعنيين .و يُعد مبدأ ا�لكونية هذا الذي صاغه هابرماس
كقاعدة حجاجية بديلًا للأمر المطلق لكانط ،فعوض أن يحاول هابرماس فرض قواعد بعينها على
الآخرين والتي أراد لها أن تصبح كونية ،رأى أنه “يجب أن أخضع قاعدتي �لكي يفحصوها
بالمناقشة ويمنحوني ادعاءات صلاحيتها ا�لكونية ” (.)Habermas 1986, 88–89
إذا كان سؤال التواصل لدى هابرماس على النحو السابق يعول على العقل التواصلي واللغة
وأخلاقيات المناقشة للانتقال إلى ا�لكوني والبحث عن المشترك الإنساني ،فإن الأمر لدى طه
عبد الرحمن ربما يغاير ذلك نوعًا ما ،حيث انشغل طه عبد الرحمن بـ“مشروعية الاختلاف” أي ًا
كان هذا الاختلاف فلسفيًا أو فكري ًا باعتباره حق ًا يوجبه التنوع الثقافي والحضاري ،ومن ث َم
للرؤ ية العربية والإسلامية كما للغربية الحق في إبراز خصوصيتها وفرادتها المتمثلة في طرائق النظر
ل�لكون والإنسان .أما الذات التي تذوب تدر يجيًا في ذات الآخر باقتباس مفاهيمه وأدواته
وقضاياه بغية تحديث الذات ،بحيث تنتهي إلى النظر إلى الذات بعين الغير ،والنظر للغير بعين
الغير كذلك ،هذه الذات بنظر طه تمتلك هو ية مائعة أو سائلة أو مغتربة أو قلقة (عبد الرحمن
.)158 ،2006والخصوصيات الماثلة في واقع الفكر بنظر طه تمثل جسد ا�لكونية ،فالمعاني ا�لكونية
في صوغها ونقلها تلبس لباس الخصوصية ،أي أنها تتكلم لغة مخصوصة ،وتُنّطَقْ في مجتمع خاص.
ن تلبس لباس الخصوصيات المختلفة ،والحقيقة
ومن ث َم فا�لكونية وفق هذا التصور عبارة عن معا ٍ
ا�لكونية ليست إلا مجموعة خصوصيات متضافرة فيما بينها ،أو منظورات مختلفة لشيء واحد لا
يمكن أن ندركه في ذاته من حيث هو مستقل عن هذه المنظورات الخاصة ،وإنما ندركه من
خلال هذه الخصوصيات التي تتوارد عليه (عبد الرحمن .)118–117 ،2013
وانطلاقًا من فهم طه ل�لكونية على النحو السابق تأتي مقاربته لسؤال التواصل وصوغه لنظريته
في التداول على أساس وجود مجالات تداولية متجاورة ومتعددة ،فثمة مجال تداولي لكل أمة
وبمراعاته تحافظ على كيانها وأصالتها ،إلا أن هذا المجاـل يكـون بنظر طه عرضـة للاختـراق مـن
قبـل أفكاـر وثقافات وافـدة مـن مجاـلات أخـرى ،و�لكـي تـتم المحافظـة علـى خصوصـية هـذا
المجاـل مـن المسخ أو التشو يه لابد مـن عمليـة تكييـف لتلـك الأفكاـر الوافـدة مـع هـذا المجاـل
الأصـلي ،وهذه العملية يسميها طه عبد الرحمن بـ“التقريب التداولي ”،وهو ذلـك الإجراء الذي به
يتم وصل المنقول بالمأصول أو جعل المنقول نفسه مأصول ًا (عبد الرحمن .)237 ،1994فالتقريب
ظ ِر
التداولي بهذا المعنى يعد مرادفًا للتواصل بين المجالات التداولية ،إلا أن هذا التواصل الذي يُن َ ّ
له طه يعد مقيدًا ومشروطًا بإفادة وإخصاب مجال التداول الأصلي (أي العربي الإسلامي الذي
ينتمي إليه طه) ،فرؤ ية طه على هذا النحو والتي جعلت من مجال التداول بمقتضياته (اللغو ية
والعقدية والمعرفية) ركيزة لها ،وبنت هذا المجال على أساس مبدأ التفضيل ،إذ “ليس في جميع
الأمم أمة ُأوتيت من صحة العقيدة وبلاغة اللسان وسلامة العقل مثلما أوتيت أمة العرب،
تفضيل ًا من ال� ل�ه” (عبد الرحمن ،)252 ،1994وهذا التصور القائم على المركز ية الثقافية ،من
شأنه تقو يض إمكان الانتقال من المحلي ل�لكوني ،أو حتى إمكان التلاقح بين المجالات التداولية
والتأسيس للمفاضلة بين الثقافات والحضارات ،بحيث يقدس أنموذج ًا ثقافيًا على آخر ،و يجعل
من هذا الأنموذج غير قابل للجدل ،ومصدر ًا للأحكام والمعارف والقيم ،وهي نظرة أحادية
خصوصية قومية تقوم على تزكية الخلاف ،وعلى التعصب الـذي يحيل إلى نـوع من الوثوقية
التي تغلق باـب الـحـوار والمناقشة .كما أن التقريب التداولي الخارجي الذي يقترحه طه كإجراء
للتفاعل مع المجالات التداولية الأخرى والثقافات الوافدة ،يظل يجعل من مجال التداول الأصلي
(العربي الإسلامي) ومقتضياته (اللغو ية والعقدية والمعرفية) ،مرجع ًا يحاكَم عليها الوافد .وهو ما
يفضي بالضرورة إلى مجالات تداولية متصارعة لا متلاقحة.
وعلى الرغم من مفارقة طه عبد الرحمن لهابرماس في مقاربة سؤال التواصل إلا أنهما يتفقان
على إعطاء الأولو ية للحجاج والمناقشة والحوار واللغة كأداة للتواصل بين المتحاورين للوصول
للحقيقة .فكل منهما أعطى معنى مماثلا للحقيقة كونها نتاج ًا لتبادل البراهين والحجج بين المتحاورين.
فهابرماس ومن أجل صياغة مفهومه للفاعلية التواصلية وللمجال العمومي اضطر إلى إعادة النظر
في مسألة الحقيقة فالحقيقة بنظره ليست معطى جوهري ًا سابق ًا على الوجود الانساني ،وإنما هي
نتاج لعملية تبادل البراهين والحجج وهي بذلك تتويج لاتفاق ذي طبيعة اجتماعية ،وهذا ما يسميه
هابرماس بـ“النظر ية الإجماعية للحقيقة ”،حيث تغدو الحقيقة نتاج ًا للتداول العمومي والنقاش
العام والإجماع الذي ينتج عن هذا التداول ( ،)Habermas 1988aومن هنا يدعو هابرماس
إلى التواضع في الإعلان عن الموقف لأن ذلك من شروط الحوار ،والاعتراف بإمكان الوقوع
في الخطأ مبدأ من مبادئ النقاش العمومي ،فلا شيء معفي من السؤال والنقد والمناقشة ،وكل
الموضوعات إنما تكتسب شرعيتها من خلال المناقشات العمومية التي تتيح الوصول إلى الحقيقة
الإجماعية ( .)Habermas 1988a, viأما طه عبد الرحمن فالحقيقة لديه لم تختلف كثير ًا عما ذكر
هابرماس ،فالحوار لدى طه ينزل منزلة الحقيقة ،وإذا كان الأصل في الكلام من جهة مضمونه
هو الحقيقة ،فكذلك الأصل فيه من جهة قائله هو الحوار .و يقول طه في حوارات من أجل
المستقبل“ :إن طر يق الوصول إلى الحق ليس واحدًا ،وإنما طرق شتى لا ح ّد لها” معتبر ًا إن
“الحق هو نفسه على خلاف الرأي السائد ،ليس ثابتًا لا يتغير ،بل أصله أن يتغير ويتجدد ،وما
كان في أصله متجدد ًا ،فلابد من أن يكون الطر يق الموصل إليه متعدد ًا ،ومتى و ُجد التعدد
في الطرق ،فثمة حاجة إلى قيام حوار بين المتوسلين بها” (عبد الرحمن � .)8–7 ،2011لكن
هذه السردية الحوار ية التي دعمها طه ورأى فيها ضرورة لحياة العقل وتوسعته وتعميق مداركه،
وتقليص الخلاف بين المتحاورين ،لا تعني أن ثمة تغير ًا جذري ًا طرأ على موقف طه من مناقشة
إشكال التراث والتقريب التداولي أو جدلية التراث مع الوافد ،إذ التراث بنظره “كل متكامل
لا يقبل التفرقة بين أجزائه ،ووحدة مستقلة لا يقبل التبعية لغيره” (عبد الرحمن ،)30 ،2011فما
أنجزه طه في حوارات من أجل المستقبل – فيما يخص إشكال التراث – هو تأكيد وتوضيح
وتلخيص لما أنجزه في تجديد المنهج في تقويم التراث ،فـ(العقيدة واللغة والمعرفة) تمثل مقتضيات
ومحددات للمجال التداولي العربي الإسلامي وتمثل في نفس الوقت مظاهر الإنتاجية فيه ،وما هو
منقول عن الغير ،ينبغي أن يخضع لتحو يلات تصحيحية حتى يصبح متلائمًا مع مقتضيات المجال
التداولي العربي الإسلامي (عبد الرحمن .)30–29 ،2011
يمكن الوقوف على عدد من النتائج التي أفضت إليها مقاربة أسئلة الديني والأخلاقي والتواصلي
لدى كل من الفيلسوف الألماني هابرماس والفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن ،في اشتغالهما على
الحداثة نقدًا وتمحيصً ا ،بحثًا عن المشترك الإنساني لبلوغ أفق كوني يسوده التسامح.
أول ًا :في بحث هابرماس لدور الدين في الفضاء العمومي ع َ ّد هابرماس القبول بالمختلف الديني
وترسيخ ثقافة التسامح والقبول بالتعددية الثقافية أساسًا للوصول لأخلاق كونية ،واعتبر ذلك
المخرج الوحيد لمشكلة العنف والإقصاء التي توجه من طرفي الدينيين والعلمانيين .أما عن موقع
الدين لدى طه فإن النزوع للدين بنظره سلوك فطري لاشعوري مغروز في الذات البشر ية وفق
منطق المواثقةكما سماه طه (أي الميثاق الإلهي الذي أخذه ال� ل�ه على عباده في عالم الذر) .والتطرف
والعنف بنظر طه لا يرتبط بالديني ،بل بالفهم المنغلق والمتشدد للديني.
ثانيًا :في بحث جدلية الديني والأخلاقي نجد طه عبد الرحمن لا يعتد بغير الأخلاق المستلهمة
من الدين (الإسلامي تحديد ًا كونه يجمع بين َشرطي الأخلاقية والإنسانية)؛ كونها – أي
الأخلاق الإسلامية – في اعتقاده ،هي الوحيدة القادرة على إمدادنا برؤ ية أكمل قيمة وأكثر
حركة ،وفي المقابل نجد هابرماس ورغم توكيده على علاقة الديني بالأخلاقي ،إلا أنه لم ينشغل
بسؤال الأخلاق في بعده الميتافيز يقي ،بل في بعده التواصلي ،ومن ث َم دشن ما اصطلح عليه
بـ“أخلاقيات النقاش ”.وهو ما شكل منعطف ًا بارز ًا في تفكيره ،ضمن كتابه الوعي الأخلاقي
والفعل التواصلي ،وفيه بَيّنَ أن هدفه هو توظيف منطق الفعل التواصلي لبلورة نظر ية الفعل
التواصلي انطلاقا من أخلاقيات النقاش أو الحجاج.
ثالثًا :رغم انشغال طه بالتمركز على الذات العربية والإسلامية وتراثها استمداد ًا لآلياته وأدواته
وتشغيلًا لها في تداوليته ،ورغم اختلاف تلك التداولية عن تواصلية هابرماس ،وافتراقهما في
المنطلقات بل وحتى في الغايات إلا أنهما اشتركا في الآليات ،فإذا كانت تداولية طه تنبني على
عقلانية عملية وترى فيها مخرج ًا من مأزق الذات العربية الإسلامية ومنفذًا لبلوغ حداثة ذات
نكهة إسلامية (ومن ث َم فالمنحى الذي يقترحه عبد الرحمن هو أقرب إلى منحي أسلمة الحداثة).
فإنه على الجانب الآخر تنبني تواصلية هابرماس على عقلانية تواصلية والتي يرى فيها مخرج ًا
ومنقذًا للحداثة بعد إقراره بأنها مشروع لم يكتمل بعد( ،ومن ث َم فمشروع هابرماس جاء لإحياء
الحداثة ورد الاعتبار لها من دون تجاوزها كما فعل أصحابه من رواد مدرسة فرانكفورت)،
كذلك نجد كلتا المقاربتين انبنتا على إعطاء دور تأو يلي وتداولي للغة يتجاوز الإطار الوصفي،
حت ّم َ على
وينتقل بها من كونها مجرد أداة للتواصل إلى اعتبارها “آلية” لإنتاج الخطاب ،وهذا ما َ
كلتا المقاربتين استثمار مجالات اللغة الثلاثة :التركيب ،والدلالة ،والتداول ،وتوظيف آليات
الاستدلال الحجاجية والمنطقية.
رابع ًا :لقد نحت كلتا المقاربتين في أشكلتهما للديني والتواصلي والأخلاقي إلى بلوغ أفق
كوني وتبحثان في المشترك الإنساني ،رغم تباين رؤيتيهما حول ما هو كوني وآلية بلوغه ،فمقاربة
هابرماس ترى أنه يمكن التوصل إلى المعايير الأخلاقية عبر نقاش حر عقلاني ،تبحث فيه نتائج
كل معيار من تلك المعايير الأخلاقية انطلاقًا من خاصيته الكلية ،أي القبول والرضا العام عن
طر يق الإقناع العقلي لا القوة والقسر ،وهو الأمر الذي يكشف بجلاء عن انحيازه للحداثة ودفاعه
عنها ،إذ إن الحداثة تستدعي أن يقوم النظام الأخلاقي على أساس عقلاني� .لكن ربما يظل بلوغ
غايةكهذه أقرب للمثال منها للواقع ،إذ كيف يمكننا مجرد التفكير بنظام أخلاقي ينطبق على جميع
البشر بشتى مشاربهم وأنماط حياتهم؟.
على الجانب الآخر تأتي مقاربة طه لتنطلق من بؤرة إسلامية فالنظام الأخلاقي الإسلامي
هو الأقوم بنظر صاحب التداولية (طه) ،وقد بدا هذا الانحياز من خلال تقسيم طه للزمن
الأخلاقي إلى ثلاث دوائر :تاريخ الأخلاق اليهودية ،وتاريخ الأخلاق المسيحية ،وتاريخ الأخلاق
الإسلامية ،معتبر ًا أن الزمن الإسلامي يبقى بمنزلة الزمن الأخلاقي الذي تتحقق فيه ظاهرة الحداثة
والذي يتم ّم ما نقص في سابق الأزمان من المكارم ،باعتبار أن “الطور الخاتم من تحقق الميثاق
الأول أعقل الأطوار جميعا؛ فلما كان مضمون هذا الميثاق هو الجمع بين العقل و الشرع .لم يحصل
تمام هذا الجمع إلا مع الطور الخاتم من أطواره” (عبد الرحمن .)168 ،2000وقد رهن طه عبد
الرحمن تحقيق ا�لكونية الأخلاقية بتبني المنظور الأخلاقي الإسلامي دون سواه ،وكان هاجسه
على الدوام جعل الخصوصية الأخلاقية الإسلامية أخلاقًا كونية تبسط رداءها على العالم بأسره
من منطلق أن لا عقلانية أسمى من عقلانية الإسلام (عبد الرحمن )162 ،2000وأنه “ليس في
جميع الأمم ،أمة أوتيت من صحة العقيدة وبلاغة اللسان وسلامة العقل مثلما أوتيت أمة العرب،
تفضيلًا من ال� ل�ه” (عبد الرحمن )252 ،1993وعليه فإن إصرار طه عبد الرحمن على أن يجعل من
خلفيته الدينية الإسلامية بداية حتمية في مناقشة مختلف القضايا الراهنة ،بما في ذلك المشكلات
الأخلاقية ،يجعل الوصول إلى مشترك كوني في الأخلاق أمرًا صعبًا إن لم يكن متعذًرا ،وتبقى
ا�لكونية المشتركة التي يدعو إليها طه في حقيقتها خصوصية تتوق إلى أن تصير كونية بدعوتها
الآخر إلى تبني قيمها ومبادئها ،وفق قناعة ترى أخلاقَ الغير لا تصلح لأن تصبح كونية بسبب
قصور العقل الذي قامت عليه وبسبب طبيعتها اللائكية وفي المقابل يرفع من قدر الذات ويبالغ
في إعلاء قيمها .وربما لا يخفى أن تصور ًا كهذا يعد على الأقل بنظر الحداثيين والتنوير يين إقصاء
لكافة المنظومات الأخلاقية التي تبتعد عن ديانة التوحيد (اليهودية ،والمسيحية ،والإسلامية).
ومن ث َم لا يمكن بهذا الإقصاء تمرير الفكر الأخلاقي الإسلامي من المحلي ل�لكوني ،ومن ث َم يتعذر
أو تتعثر محاولة بلوغ أفق كوني لدى طه كما تعثرت لدى هابرماس.
وبناء ً على ما سبق فإن ما يمكن الحديث عنه لدى كل من طه وهابرماس ليست مقاربة لما
هو أخلاقي وقيمي كإطار “ل�لكوني ”،وإنما هي أقرب إلى مجرد مسعى التوافق حول إطار قيمي
“للتعايش” ونبذ العنف والدور الذي يمكن أن يقوم به الدين في هذا المضمار كمصدر للقيم
والأخلاق.
المصادر والمراجع
أبو ،سليم“ .2004 .الأسس الطبيعية والفلسفية لعلم الأخلاق ”،ترجمة :عبد الحميد فهمي الجمال.
مجلة ديوجين .61–42 :172
الأشهب ،محمد عبد السلام .2014 .مناظرة هابرماس ورولز ،دراسة ضمن “سؤال العدالة في
الفلسفة السياسية ”.تحرير :محمد المصباحي .الرباط :كلية الآداب والعلوم الانسانية ،سلسلة
ندوات ومناظرات ،رقم .179
بورادوري ،جيوفانا .2013 .الفلسفة في زمن الإرهاب :حوارات مع يورغين هابرماس وجاك
دريدا ،ترجمة :خلدون النبواني .بيروت :المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
جمال ،خن .2017 .إشكالية الحداثة والفعل الفلسفي في الفكر الغربي المعاصر يورغين هابرماس
نموذج ًا .رسالة دكتوراه ،كلية العلوم الاجتماعية ،قسم الفلسفة ،جامعة وهران .2
حرب ،علي“ .1995 .من العقلانية النقدية إلى نقد العقلانية ”،مجلة دراسات عربية .31–19 :8
الخطيب ،معتز“ .2011 .البعد الأخلاقي والقيمي للفقه الإسلامي ”.في :ندوة سؤال الأخلاق
والقيم في عالمنا المعاصر .266–249 ،الرباط :الرابطة المحمدية للعلماء.
رشيد ،العلوي .2014 .الشر ،والدين وخطاب الحداثة :دراسات في الفلسفة السياسية المعاصرة.
بغداد :دار نيبور.
عبد الرحمن ،طه .1993 .تجديد المنهج في تقويم التراث .الدار البيضاء :المركز الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه .1996 .الفلسفة والترجمة .بيروت :المركز الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه .1999 .فقه الفلسفة :القول الفلسفي ،كتاب المفهوم والتأثيل .الدار البيضاء:
المركز الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه .2000 .سؤال الأخلاق :مساهمة فى النقد الأخلاقي للحداثة .بيروت :المركز
الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه“ .2002 .رؤ ية علمية لتجديد مقاصد الشر يعة ”.مجلة قضايا إسلامية معاصرة
.231–208 :18
عبد الرحمن ،طه .2006 .روح الحداثة :المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية .بيروت :المركز
الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه .2011 .حوارات من أجل المستقبل .بيروت :الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
عبد الرحمن ،طه .2012 .روح الدين :من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية .الدار البيضاء :المركز
الثقافي العربي.
عبد الرحمن ،طه .2013 .الحوار أفقا للفكر .بيروت :الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
عبد الرحمن ،طه .2014 .بؤس الدهرانية :النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين .بيروت:
الشبكة العربية للأبحاث والنشر.
عبد الرحمن ،طه .2016 .شرود ما بعد الدهرانية :النقد الائتماني للخروج من الأخلاق .بيروت:
المؤسسة العربية للفكر والإبداع.
عبد الرحمن ،طه .2017 .دين الحياء :من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني ،ج .1بيروت :المؤسسة
العربية للفكر والإبداع.
كاده ،ليلي“ .2014 .الاستلزام الحواري في الدرس اللساني الحديث طه عبد الرحمن نموذج ًا ”.مجلة
الممارسات اللغو ية .194–165 :)3(3
.هابرماس ،يورغين .1995 .القول الفلسفي للحداثة ،ترجمة :فاطمة الجيوشي .دمشق :منشورات
وزارة الثقافة.
هابرماس ،يورغين .2006 .مستقبل الطبيعة الإنسانية نحو نسالة ليبرالية ،ترجمة :جورج كتوره.
بيروت :المكتبة الشرقية.
هاو ،آلن .2005 .النظر ية النقدية مدرسة فرنكفورت ،ترجمة :ثامر ديب .دمشق :منشورات
وزارة الثقافة سور يا.
:” مؤمنون بلا حدود. “جدلية الدين والحق عند هابرماس.2015 . عامر عبد زيد،الوائلي
https://mominoun.com/pdf1/2015-04/5526716ad161d2067271407.pdf.
Habermas, Jürgen. 1974. “On Social Identity.” Telos 19: 91–103.
Habermas, Jürgen. 1984. The Theory of Communicative Action, vol. 1, Reason and the
Rationalization of Society, translated by Thomas McCarthy. Boston: Beacon.
Habermas, Jürgen. 1986. Morale et communication: conscience morale et activité com-
municationnelle, translated by Christian Bouchindhomme. Paris: Flammarion.
Habermas, Jürgen. 1987a. Théorie de l’agir communicationnel, 2 vols. Paris: Fayard.
Habermas, Jürgen. 1987b. The Theory of Communicative Action, vol. 2, Lifeworld and
System. Cambridge: Polity.
Habermas, Jürgen. 1988a. L’Espace public. Paris: Payot.
Habermas, Jürgen. 1988b. Le discours philosophique de la modernité: Douze conférances,
translated by Christian Bouchindhomme and Rainer Rochlitz. Paris: Gallimard.
Habermas, Jürgen. 1988c. On the Logic of the Social Sciences, translated by Shierry
Weber Nicholson and Jerry A. Stark. Cambridge: Polity.
Habermas, Jürgen. 1992. De l’éthique de la discussion, translated by Mark Hunuadi.
Paris: Flammarion.
Habermas, Jürgen. 1993. La pensée postmétaphysique, translated by Rainer Rochlitz.
Paris: Armand Colin.
Habermas, Jürgen. 1998. “What is universal pragmatics?” IEEE Transactions on
Professional Communication 41(2): 143–145.
Habermas, Jürgen. 2006. “Religion in the Public Sphere.” European Journal of Philosophy
14(1): 1–25.
Habermas, Jürgen. 2007. “Modernity: An Unfinished Project.” In Contemporary
Sociological Theory, edited by Craig J. Calhoun et al., 444–450. Malden, MA:
Blackwell.
Habermas, Jürgen. 2008. Between Naturalism and Religion. Cambridge: Polity.
Habermas, Jürgen. 2010. An Awareness of What Is Missing: Faith and Reason in a
Post-Secular Age. Cambridge: Polity.
Passerin d’Entrèves, Maurizio and Seyla Benhabib, eds. 1997. Habermas and the
Unfinished Modernism Project: Critical Essays on the Philosophical Discourse of
Modernity, Cambridge, MA: MIT Press.