Professional Documents
Culture Documents
https://doi.org/10.31430/DKFO9579
القبول Accepted
2023-6-19
التعديل Revised
2023-5-15
التسلم Received
2023-4-5
مراجعة كتاب:
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
ليورغن هابرماس
Book Review
The Theory of Communicative Action in Two
Volumes
by Jürgen Habermas
* أستاذ الفلسفة المعاصرة في كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن زهر ،أكادير ،المغرب.
Associate Professor of Contemporary Philosophy at Ibn Zohr University, Agadir, Morocco.
chercheurhabermas2001@yahoo.fr
** أستاذ الفلسفة المعاصرة ،جامعة تونس.
Associate Professor of Contemporary Philosophy at the University of Tunis.
msknfth@yahoo.fr
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 194
مؤلفاته منذ ما يزيد على عقدين من الزمن .ونرى يستلزم تقديم كتاب نظرية الفعل التواصلي
أن هذه القراءة التركيبية ربما ستنبه القارئ العربي
ّ Theorie des kommunikativen
ألهمية الكتاب على نحو أفضل من قراءة أخرى ،)1981( Handelnsللفيلسوف األلماني يورغن
تعرض أفكار المؤلف بحسب كل فصل .ولتحقيق هابرماس ،Jürgen Habermasالصادر في
ذلك سنتعرض لموقع نظرية الفعل التواصلي في مجلدين ،عن المركز العربي لألبحاث ودراسة
برنامج هابرماس اإلبستيمولوجي؛ ليتوقف القارئ السياسات((( ،وضعه في السياق الفلسفي الذي
على أهمية الكتاب الذي ارتبط باسم "النظرية مفصليا في مسار هابرماسًّ جاء فيه لكونه كتا ًبا
النقدية" التي طورها هابرماس ،في مختلف الفلسفي .وقد بذل المترجم فتحي المسكيني
أيضا على المجاالت العلمية والفلسفية ،وليكون ً كبيرا لإلمساك بالقضايا األساسية التي ً جهدا
ً
ّبينة من منزلة هذا الكتاب في مشروعه الفلسفي منهجيا
ًّ تناولها الكتاب الذي اجتهد هابرماس فيه
العام قبل فترة الثمانينيات وما بعدها .وسنقف، حجاجي للمرافعة ،من
ّ بطريقة أ َبان فيها عن ن َفس
أو ًاًل ،على دواعي ترجمة هذا الكتاب وأهميته في أجل تطوير "نظرية الفعل التواصلي" ،في مطلع
ّ
ثانيا ،تولي ًفا متعل ًقا بأهم ثمانينيات القرن العشرين ،وذلك من خالل اعتماد
ثم نصوغً ،
السياق العربيّ .
مقاربة متعددة المباحث ،تجمع بين تخصصات
المشكالت الفلسفية التي تناولها ،وهي مشكالت
مختلفة من حقل العلوم اإلنسانية واالجتماعية.
تتطلب من القارئ العودة إلى الكتاب لمعرفة
الخطة المنهجية والحجاجية التي سلكها مؤلِّفه، ويكفي القول إن الكتاب نشرت حوله ،بعد
إلبراز أهمية البردايم التواصلي الذي ينتصر له، صدوره ،أكثر من 900من الدراسات والمتابعات
استنا ًدا إلى مكتسبات العلوم االجتماعية مع رواد النقدية ،وفي ذلك داللة على مدى النقاش الذي
ثم
علم االجتماع الحديث والمنعطف اللغويّ . أثاره بين مناصري النظرية النقدية ونقادها .ولهذا،
نقدم ،ثال ًثا ،بعض المالحظات عن الترجمة .وفي ّ سنقدم للقارئ فكر ًة عامة ،عن هذا الكتاب،
إثر ذلك ،نختم هذه القراءة ببعض الخالصات. قدمه هابرماس،استنا ًدا إلى المتن الفلسفي الذي ّ
مستفيدين من التراكم المعرفي الذي اكتسبناه من
ً
أوال :موقع نظرية الفعل ((( صدر عن سلسلة "ترجمان" في المركز العربي لألبحاث
التواصلي في برنامج ودراسة السياسات كتاب نظرية الفعل التواصلي في مجلدين؛
األول ذو عنوان فرعي :عقالنية الفعل والعقالنية االجتماعية،
هابرماسي اإلبستيمولوجي أما الثاني فعنوانه :في نقد العقل الوظيفي ،وهو ترجمة كاملة عن
ُيم ِّثل هابرماس ،أحد الوجوه الفلسفية البارزة في األلمانية ،باالستعانة بالترجمتين الفرنسية واإلنكليزية .وقد أنجز
نظرا
الترجمة فتحي المسكيني ،في مدة تجاوزت أربع سنواتً ،
تاريخ الفلسفة الغربية المعاصرة ،وهو فيلسوف إلى صعوبة المهمة ،ذلك أنّ نقل كتاب من حجم نظرية الفعل
تميز مشروعه الفلسفي ،بإعادة قراءة تاريخ معرفيا
ًّ التواصلي إلى اللسان العربي يتطلب جهدً ا ًّ
لغويا ،وإلما ًما
بالمتن الفلسفي لهابرماس والنظرية النقدية ،من جهة،
الفلسفة الغربية ،انطالقًا من العودة إلى إيمانويل والنظريات الفلسفية والسوسيولوجية واللسانية التي يحيل إليها
كانط ،)1804–1724( Immanuel Kantلتحيين هابرماس في بنائه الحجاجي من جهة ثانية .وأتوجه بالشكر
الجزيل للزميل رشيد بن بيه ،على المالحظات القيمة التي
هذا التاريخ ،وإبراز راهنية الفكر النقدي التنويري، تفضل بها ،وعلى مراجعته لهذه القراءة من حيث الشكل
أن مشروع الحداثة بالنسبة إليه لم على اعتبار ّ والمضمون.
195 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
لمنطلقات الفلسفة الماركسية التي تش ّكل الدعامة يكتمل((( .يضاف إلى ذلك أنه مشروع يقوم على
األساس للنظرية النقدية؛ إذ نالحظ اتساع الهوة مقدمات ومصادر معيارية خاصة به((( .وفي هذا
بينه وبين المدرسة النقدية ،وهذا ما بلوره في السياق ،سيعمل هابرماس على تطوير مشروع
مقالته "إعادة بناء المادية التاريخية" "Towards a"مدرسة فرانكفورت" ،على الرغم من االختالفات
"Reconstruction of Historical Materialism الجذرية بينه وبين مشروع الجيل األول الذي
رأسا على عقب ،ونادى التي قلب فيها الماركسية ً يمثله ماكس هوركهايمر Max Horkheimer
بضرورة االنتقال ،من بردايم الصراع ،Conflict ( ،)1973–1895وتيودور أدورنو Theodor
إلى بردايم التواصل (((Communicationالذي ،)1969–1903( Adornoوهربرت ماركوزه
يقوم على "أخالقيات المناقشة"((( في ُأفق بنا ِء ،)1979–1898( Herbert Marcuseوغيرهم؛
يعمه الحوار والتواصل .وقد مجتم ٍع ديمقراطيّ ، فيما يرتبط خاصةً بنقدهم الجذري للعقل
استفاد هابرماس في هذه الفترة ،من التداوليات األنواري ،وفيما يرتبط كذلك بتحميله مسؤولية
الكلية والنظرية الحجاجية(((.
الكوارث التي لحقت بالمجتمع األوروبي،
بعد عصر التنوير ،مثل الحرب العالمية األولى جعلت المقاربة التي اتبعها هابرماس ،في نظريته
( ،)1918–1914والحرب العالمية الثانية ( –1939التواصلية الداعية إلى تأسيس عقل تواصلي
بديل من "العقل األداتي" ،أو ما سماه "العقالنية ،)1945و"ظهور األنظمة الشمولية" ...إلخ.
لم يتفق هابرماس مع االنتقادات الجذرية للعقل ،التواصلية" ،Communicative Rationalityمنه
شرعيا لجيل مدرسة فرانكفورت الثاني. ًّ ممثاًل
ً رغم اعترافه بوجود جوانب سلبية ناتجة من العقل
األداتي .ولم يمنعه انتقاده ألسالفه ،ونخص بالذكر إ ّنه ،بالنظر إلى حسه الفلسفي النقدي ،يختلف
منهم هوركهايمر ،من تبني أفكار النظرية النقدية ،في فلسفته النقدية عن مارتن هايدغر Martin
وال سيما في كتاباته المبكرة ،مثل :التحول ،)1976–1889( Heideggerوفريدريش نيتشه
البنيوي للفضاء العمومي ( ،)1962والعلم والتقنية ،)1900–1844( Friedrich Nietzscheوالفالسفة
كـ "إيديولوجيا" ( ،)1968والمعرفة والمصلحة الفرنسيين ،الذين يمثلون جيل "فلسفة االختالف"،
( ،)1968وأزمة الشرعية ( ،)1973وغيرها .وفي وهذا ما برز في مراجعته النقدية لهؤالء في كتابه
مطلع سبعينيات القرن العشرين ووسطها ،الخطاب الفلسفي للحداثة ( ،)1985الذي وجه
((( محمد األشهب" ،هابرماس وإعادة بناء المادية التاريخية: وبالنظر إلى انفتاح هابرماس على الدراسات
من براديغم اإلنتاج إلى براديغم التواصل" ،مجلة األزمنة الحديثة، السياسية ،وفلسفة اللغة ،وعلم النفس التكويني
العدد ،)2020( 18–17ص .99–67
،Psychology Formativeأجرى مراجعة نقدية
((( ينظر :محمد األشهب ،أخالقيات المناقشة في فلسفة
التواصل لهابرماس ّ
(عمان :دار ورد األردنية للنشر والتوزيع، ((( يورغن هابرماس" ،الحداثة – مشروع لم يكتمل" ،ترجمة
.)2013 تبين ،مج ،1العدد ( 1صيف ،)2012 فتحي المسكينيُّ ،
((( ينظر مجمل المؤ َّلفات التي نشرت في هذا الكتاب بوصفها ص .196–183
أبحا ًثا مهدت لنظرية الفعل التواصلي: (3) Jürgen Habermas, Auch eine Geschichte der
Jürgen Habermas, Vorstudien und Ergänzungen zur Philosophie: Band 1: Die okzidentale Konstellation von
Theorie des kommunikativen Handelns, 3rd ed. (Berlin: –Glauben und Wissen (Berlin: Suhrkamp, 1985), pp. 390
Suhrkamp Verlag, 1995). 425.
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 196
وسياسية؛ هو ُي ِص ُّر على أنها نظرية نقدية للمجتمع. فيه انتقادات الذعة إلى ميشيل فوكو Michel
وبناء على ذلك ،كان يهدف من خالل محاكمته ً ،)1984–1926( Foucaultوجورج باطاي
للعقل الغربي ،في نظريته للحداثة والعقالنية ،)1962–1879( Georges Batailleوجاك دريدا
األداتية ،وإدخاله "نظرية التواصل" ،إلى وض ِع ،)2004–1930( Jacques Derridaوجان فرانسوا
تسمح بإمكانية
ُ قواعد لنظرية فلسفية واجتماعية ليوتار .)1998–1924( Jean–François Lyotard
التفكير في الظواهر المرضية للمجتمع الحديث؛ و ُيعد هذا الكتاب ،الذي منح هابرماس شهرة
من أجل تقويم هذا االعوجاج ،أو "التواصل منقطعة النظير في األوساط الفلسفية الفرنسية،
حول دون بناء مجتمع حداثي، الم َش َّوه" الذي َي ُ
(((
ُ تطويرا ألسس نظرية الفعل التواصلي ،انطالقًا من
ً
ديمقراطي ،يقوم على أساس التفاهم والتواصل. بد ًءا
وتحديدا ْ
ً تاريخ الفلسفة الغربية المعاصرة،
لقد تولد لدى هابرماس ،هذا الهاجس المتعلق من فريدريش هيغل –1770( Friedrich Hegel
بإشكالية التواصل من تفاعله مع المناقشات وصواًل إلى دريدا .وهي األسس التي ً ،)1831
السياسية والفكرية داخل الفضاء العمومي سبق لهابرماس أن تناولها في كتابه نظرية الفعل
الحديث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، التواصلي .وفي هذا الكتاب ،ظهر هابرماس
ومن الدوافع الشخصية لهذا االهتمام ،كما فصلها متمرسا بالنظريات السوسيولوجية الكبرى ً قار ًئا
في المحاضرة التي قدمها في طوكيو((( .وكما هو لدى ماكس فيبر ،)1920–1864( Max Weber
معروفُ ،ي َعد هابرماس من المناهضين للتجربة وتالكوت بارسونز –1902( Talcott Parsons
النازية .ففي كتاباته األولى ،وجه انتقادات قوية ،)1979وجورج هربرت ميد George Herbert
لهايدغر بخصوص ما عرف بـ "حالة هايدغر" في طور المفاهيم ، )1931–1863( Meadوقد ّ
(((
الفلسفة األلمانية .واستمر في مناهضته لفكر األساسية لنظريته ،مثل" :اإلجماع" ،و"االتفاق"،
المحافظين في أعماله المتأخرة. و"التفاهم" ،و"الفعل التواصلي" ،و"النسق"،
و"العالم المعيش" ،وهي مفاهيم سبق أن أشار
أن هذا األسلوب متتبع مسيرته الفلسفية ّسيجد ِّ َ
إليها في كتاباته الصادرة قبل فترة ثمانينيات القرن
خا ،في مشروعه الفلسفي وكتاباته ظل راس ًّ
العشرين ،مثل :العلم والتقنية كـ "إيديولوجيا"
السياسية إلى يومنا هذا .و ُتعد كتاباته في أواسط
الثمانينيات مرحلة مهمة في هذا السياق؛ وذلك ومنطق العلوم االجتماعية.
حين كتب الخطاب الفلسفي للحداثة ،والمقاالت وفضاًل عن ذلك ،لم يتوقف هابرماس في تصوره
ً
التي ساهمت ،في ظهور ما ُسمي "سجال النقدي على هذه المفاهيم التي تش ّكل النواة
المؤرخين" ،Historikersstreitوهو سجال الصلبة لنظريته التواصلية فحسب ،ألن نظريته
دار بينه وبين المؤرخين األلمان المحافظين ليست نظرية لغوية ،بل لها امتدادات اجتماعية
الذين أرادوا التطبيع مع التاريخ األلماني النازي.
ُعد الفصول الكبرى التي خصصها هابرماس لرواد ((( ت ّ
(8) Distorted Communication. معا ،والقضايا التي
ً المجلدين في الحديثة السوسيولوجيا
(9) Jürgen Habermas, Zwischen Naturalismus und تناولها ،والتي أعاد بناءها ،من منظور بردايم الفعل التواصلي،
Religion (Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag, 2009), أبرز تعبي ٍر عن هذا التأسيس لنظريته ،انطال ًقا من العلوم
pp. 15–27. االجتماعية.
197 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
وقد استفاد من نظريته في أخالقيات المناقشة. السجال ،نستحضر سجاالت إضافة إلى هذا ِّ
و ُت ّو َجت أبحاثه في هذا المجال بمؤلَّفات أخرى ،خاضها هابرماس مع مدارس ونظريات
عديدة ،مثل :الوعي األخالقي والفعل التواصلي، طابعا حوار ًّيا
ً فلسفية؛ ما أضفى على كتاباته
وأخالقيات المناقشة ،والحقيقة والتبرير .و ُتعد .Dialogiqueوفي هذا السياق ،نذكر سجاله مع
هذه المساهمة من المساهمات النوعية في تطوير الفلسفة الوضعية ،Positivismوالنظرية النسقية
السجال الفلسفي المتعلق بـ "العقل العملي" لنيكالس لوهمان –1927( Niklas Luhmann
Practical Reasonالكانطي في القرن العشرين؛ ،)1998والفلسفة التأويلية لهانز جورج غادامير
إذ نجد عودة قوية لهذه الفلسفة لدى رولز ،وآالن ،((1()2002–1900( Hans–Georg Gadamer
رونو ،Alain Renaultولوك فيري ،Luc Ferry وسجاله الكبير مع فالسفة ما بعد الحداثة
وإرنست توغندهات ،Ernst Tugendhatوآبل، ،Postmodern Philosophersوالحركة الطالبية
وهانز يوناس .)1993–1903( Hans Jonasفهذه اليسارية الراديكالية ،وكذلك مع ُرواد الفلسفة
النظرية لدى هابرماس تتأسس على المناقشة التحليلية ،Analytic Philosophyأمثال :جون
ٍ
أخالقية متفقٍ عليها؛ والحوار ،في ُأ ُفقِ بنا ِء معايير سورل ،John Searleوجون النجشو أوستن
من أجل المحافظة على تماسك المجتمع ،)1960–1911( John Langshaw Austin
واندماجه .وهذا االندماج بمنزلة الرهان األساسي وبول غرايس ،)1988–1913( Paul Grice
لنظرية الفعل التواصلي كما طورها هابرماس وأخيرا ،حواراته مع أبرز منظّري الفلسفة السياسية
ً
في كتابه العمدة نظرية الفعل التواصلي (في األمريكية ،مثل جون رولز –1921( John Rawls
المجلدين). ،)2002ورونالد دوركين Ronald Dworkin
(.((1()2013–1931
وإذا كان كانط قد انطلق من السؤال :كيف
يمكنني أن أعرف؟ وتساءل عن الشروط الضرورية لم يتوقف هابرماس ،في سياق تعميقه نظرية
فإن السؤال الهابرماسي هو عن الشروط للمعرفةّ ، الفعل التواصلي على المدارس اللغوية
الضرورية لتحقيق اندماج ممكن .وبعد هذه أيضا على فلسفة ً والسيكولوجية ،بل انفتح
المساهمة ،سيعمل على تطوير منطلقات النظرية األخالق الكانطية ،Kantian Ethicsعلى نحو
التواصلية في مجال الفلسفة السياسية؛ إذ خاص ،إلعادة بنائها في ضوء الفلسفة البينذاتية
سيستثمر أسس أخالقيات المناقشة في مقاربته بدياًل من الفلسفة
ً ،Intersubjectiveبوصفها
مسألةَ الديمقراطية التي صاغها في نظريته ،والتي نقاش فلسفي ،مع زميلهالذاتية .وكان له في ذلك ٌ
سماها بردايم الديمقراطية التشاورية(.((1
ّ كارل آطو آبل ،)2017–1922( Karl–Otto Apel
(12) Mohamed Lachhab, "Democratie deliberative et ( ((1ينظر :محمد األشهب ،فلسفة اللغة :قضايا التواصل
droits de l’homme chez Habermas," in: والتأويل والترجمة (أكادير :منشورات كلية اآلداب والعلوم
محمد األشهب [وآخرون]" ،مسارات العلم والحياة :في اإلنسانية.)2021 ،
التأسيس وااللتزام ،العلوم االجتماعية والتفكير في قضايا: ( ((1محمد األشهب" ،الحق في العدالة في الخطاب الفلسفي
السياسة ،الدولة ،السياسات" ،تنسيق حسن طارق وسعيد بنيس، المعاصر" ،في :محمد األشهب [وآخرون] ،ما العدالة؟
مجلة السياسات العمومية ،ج ،2العدد ( 21ربيع ،)2016شوهد معالجات في السياق العربي (الدوحة /بيروت :المركز العربي
في ،2023/4/10فيhttps://bit.ly/3ZNlzWv : لألبحاث ودراسة السياسات ،)2014 ،ص .163–107
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 198
حق إبداء الرأي في ٍ
مستقلة ّ أن لكل ٍ
ذات سنجد ّ وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه متتبعو هابرماس
القضايا المطروحة للنقاش في الفضاء العمومي. أن كتاب نظرية الفعل التواصلي سيظل أهم
المؤسسة على
َّ وفي ظل هذه العملية التواصلية مؤلَّف لديه في مسيرته الفلسفية ،إذا به يفاجئ
المناقشة العقالنية ،سيتكون الرأي العام .وإضافة يقل أهميةً
األوساط األكاديمية الفلسفية بكتاب ال ُّ
إلى األهمية التي أضحت تحتلها الديمقراطية في عن مؤلَّفاته السابقة ،هو :العيان َّية والصالحية
أن هابرماس الفضاء العمومي المعاصر ،سنجد ّ ( .)1992وقد حظي هذا الكتاب باهتمامٍ واس ٍع
َينظر إلى الديمقراطية باعتبارها السبيل األوحد أهم كتاب ق ُِّد َم في
الصعيد العالمي ،واع ُتبر ّ
على ّ
لحل المشكالت المتعلقة بالفرد والمجتمع. الفلسفة السياسية المعاصرة بعد كتاب نظرية في
العدالة لرولز .وهو في األصل تطوير لمحاضرات
أن مسيرة هابرماس الفلسفية ظن القارئ ّ كلّما ّ
قدمها عام 1986عنوانها "الحق واألخالق" .وفي ّ
تقل
قاربت نهايتها ،فوجئ بمؤلفات أخرى له ال ُّ
هذين الكتابين ،كشف هابرماس عن توجه فلسفي
أهمية عن مؤلّفاته السابقة .وهنا تجدر اإلشارة
آخر ،وذلك من خالل االعتماد على مرجعية
خصصه لتاريخ الفلسفة في إلى الكتاب الذي َّ
الفلسفة السياسية األميركية بالنسبة إلى رولز،
أيضا تاريخ الفلسفة :تركيبية ً مجلدين ،هذا
ودوركين ،وفرانك مشلمان .Frank Michalman
غربية لإليمان والمعرفة ،الذي لم ُي َق ِّدم فيه
(((1
إن االهتمام بالفلسفة السياسية الذي الزم ّ
خا للفلسفة بالمعنى الكالسيكي للكلمة، تاري ً
هابرماس ،بدايةً من كتابه التحول البنيوي للفضاء
أيضا ،كما عودنا ولم يكن فيه مؤر ًخا للفلسفة ً
وفيا له في منطلقات نظرية الفعل ظل ًّالعموميَّ ،
إن األمر يتعلق بتفلسف بعض المؤرخين ،بل ّ
التواصلي .ويمكن أن يالحظ القارئ تطوير
ينطلق من تاريخ الفلسفة يهدف إلى قراءة الفكر
هابرماس لمفاهيم العقالنية التواصلية في ارتباطها
تطور سيرورة التعلم الفلسفي الغربي ،وبيان كيفية ُّ الوثيق بمفاهيم الديمقراطية التشاورية ،والسلطة
من العصر المحوري Achsenzeitإلى النظرية
أيضا؛ باعتباره التواصلية ،والمجتمع المدني ً
عد هابرماس نفسه أحد ُروادها. النقدية التي ُي ُّ
فضاء
ً فضاء يتوسط الدولة والمجتمع ،وليس ً
قدمه هابرماس فإن تاريخ الفلسفة الذي ّ ولهذاّ ،
نقيضا لها فحسب .ولهذا، تماهيا مع الدولة ،أو ً
ً ُم
في هذا العمل ال ينفصل عن منظور تطوير نظرية
نرى في قراءتنا لكتاب نظرية الفعل التواصلي أنه
الفعل التواصلي التي وضع معالمها األساسية في
مؤسس للمفاهيم التي ستبنى عليها الفلسفة كتاب ِّ
المترجم.
الكتاب ُ السياسية لهابرماس الح ًقا ،بل فلسفته في الدين
يتبي ُن من خالل هذه النظرة البانورامية ألهم ّ أيضا.
التي ستظهر في كتاباته المتأخرة ً
مفاصل "نظرية الفعل التواصلي" لهابرماس ،في
إن مقاربة هابرماس لسؤال الديمقراطية ُتعد في ّ
أن فلسفته في التواصل وقتنا الراهن مقاربةً مهمة؛ ألنها ترتبط بأخالقيات مستوياتها المختلفةّ ،
الحوار والمناقشة .فهو يريد تأسيس ديمقراطية (ُ ((1يعتبر كتاب هابرماس األخير المتعلق بتاريخ الفلسفة
ؤرخ
تتويجا لهذا المسار الفلسفي الطويل .وهو عمل ال ُي ِّ ً على أساس جماعة مثالية للتواصل ،خالية من
للفلسفة ،بل يتفلسف فيه بنا ًء على تاريخ الفلسفة ،استنا ًدا إلى
مفهوم منطلقات "نظرية الفعل التواصلي" .صدر هذا الكتاب عام 2019 ٌ أيضا
إن مفهوم التشاور هو ً ثم ّ
أي هيمنةّ .
ّ
مركزي؛ ففي هذا البردايم التشاوري أو التداولي ،في جزأين؛ ويعد أضخم مؤ َّلف في مؤلفاته ك ّلها.
ّ
199 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
الكتاب فكرة "سيرورة التعلم" .Lernprozessمن معرفتهم بعالم الحياة الخاص بهم" (مج ،1
ومفهوم "التعلم" هو من المفاهيم المركزية في ص .)60
إن سيرورة التعلم ذاتنظرية الفعل التواصلي؛ إذ ّ
ثالثا :القضايا الكبرى لنظرية ً المنحى األفقي ،وليس العمودي ،نتعلم فيها من
بعضنا كيفية عقلنة كالمنا وسلوكنا وأفعالنا وقيمنا ،الفعل التواصلي
أن العقالنية األساسية التي ينظّر لها
على أساس ّ
هابرماس في عمله هذا هي "عقالنية تواصلية" .1عالم الحياة باعتباره خلفية لسيرورة
التعلّ م
غايتها تحقيق التفاهم بين المعنيين بالقضايا
يكتسي مفهوم "عالم الحياة" ،أو "العالم موضوع النقاش في الفضاء العمومي.
المعيش" ،أهمية كبيرة في نظرية الفعل (((1
إن نظرية الفعل التواصلي التواصلي؛ باعتبارها نظرية نقدية في المجتمع، وباختصار ،يمكن القول ّ
هي نظرية في التعلم .والمساهمة األساسية هدفها تعزيز لُحمة التواصل والتفاعل واالندماج
له في الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته ،بين األطراف المتفاعلة في المجتمع .و ُتعد
بحسب ما ذهب إلى ذلك أكسل هونيث Axelعملية عقلنة عالم الحياة من المداخل األساسية
أن ،Honnethتكمن في الخطوة األساسية التي قام
لعقلنة سيرورة التطور االجتماعي .ونرى ّ
بها من أجل تحويل مقدمات نظريته في التواصل
وأن التطرف تصاعد الخطابات اليمينية الشعبويةّ ،
إلى نظرية في المجتمع عبر إقحامه مفهوم "عالم
ضروبه الدينية والعرقية واللغوية في بمختلف ُ
إن
الحياة" أو "العالم المعيش" (مج ،1ص ّ .)60
العالمين العربي واإلسالمي ،وحتى في العالم
تعرض لعملية التعرية والتآكل،هذا العالم الذي ّ
تعبير عن التشوهات التي ٌ إاّل
الغربي ،ما هما ّ
بسبب هيمنة األنساق أو المنظومات االقتصادية
أصابت "العالم المعيش" ،باعتباره العالم المشترك
والسلطات المختلفة التي جعلت العقالنية
بين المنتمين إلى الجماعة(.((1
األداتية تهيمن على حساب العقالنية التواصلية،
هو ما يريد تصحيحه هابرماس عن طريق إعادة ومن منطلق أهمية هذا المفهوم في نظرية الفعل
االعتبار للعالم المعيش؛ بالنظر إلى أنه الخلفية التواصليُ ،يعد البحث في العلوم االجتماعية
مدخاًل إلى كشف األعطاب التي تعرقل عقلنة ً الثقافية واالجتماعية التي يتحقق التعلم في
سع أفقه ومساره .وهذه هي أهم عملية تواصل صحي داخل المجتمع .ومن شأن إطارها ،وي َّت ُ
المكتسبات التي يمكن لعالم االجتماع لدينا البحث الميداني في فرضيات هذه األعطاب أن
االشتغال بها؛ لمزيد من الفهم لعالمنا المعيش يساعد صاحب القرار على اتخاذ مبادرات قادرة
من أجل "عقلنته" ،والبحث عن مكامن القوة فيه.
غالبا ما تُترجم بطريقتين مختلفتين ،لكن هذا االختالف ً (((1
"إن أعضاء مجتمع ما ،كما بين ذلك هبرماس ال يفسد المعنى المقصود .فالمترجم المغربي إسماعيل
المصدق في كل ترجماته ألعمال إدموند هوسرل Edmund في الخطوة النسقية الثانية من حجاجه (الباب
،)1938–1859( Husserlأو هايدغر ،يترجمها بـ "العالم
السادس ،الفصل الثاني) ال يكتفون بنقل قناعاتهم
يفضل المسكيني ترجمتها بـ "عالم الحياة".
المعيش" ،بينما ّ
جيد لثنائية الخلفية فحسب ،بل هم في ثنايا مسارات التعلّم
( ((1ينظر :المجلد الثاني من الكتاب ،ففيه تفصيل ّ
أيضا في الوقت نفسه النسق (أو المنظومة) والعالم المعيش (أو عالم الحياة). يوسعون ً مفر منها إنما ّ التي ّ
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 202
أمس الحاجة أن واقعها ،في ّ
لسانها ،فال ريب في ّ يحد من أمراض على تحقيق "اندماج صحي"ّ ،
إلى تأسيس نظري لمقاربة هذا النوع من التفكير المجتمع الحديث .فعملية التعلم ،التي ُتعد
الساعي لتمتين ُعرى المجتمع التعددي ،استنا ًدا مفهو ًما مركز ًّيا في النظرية النقدية ،تجري في إطار
إلى مفهوم الفعل التواصلي. التفاعل مع "العالم المعيش"؛ باعتبارها خلفية
مشتركة بين أعضاء المجتمع ،وهي عملية مزدوجة
بناء
إن تبني هابرماس لمفهوم العقل ،بوصفه ً ّ
تتعلق المرحلة األولى منها بتعلم الذات في
أن العقل التواصلي الهابرماسياجتماعياُ ،يفهم منه ّ
ً
عالقتها بذاتها .أما المرحلة الذاتية ،فهي تتعلق
عقل منفتح
عقاًل متمرك ًزا حول الذات بل هو ٌليس ً
بتعلم الذات من اآلخر( .((1ويستثمر هابرماس
على عقول وثقافات أخرى .وعلى الرغم مما ُكتب
التعلم في أفكار متعلقة بالديمقراطية والتربية
فإن
عن مركزية فلسفة التواصل لدى هابرماسّ ،
والتقدم والمناقشة والتواصل؛ إذ يكاد القارئ
األمر األساسي بالنسبة إلينا هو التمييز الذي يفتح
إن نظرية هابرماس هي نظرية في التعلم؛ يقول ّ
ُأف ًقا لآلخر للمساهمة في محتوى القيم الكونية،
أي يمكن قراءة متن نظريته النقدية في ضوء هذا
أن كلوتوسيع إمكاناتها التأويلية ،على أساس ّ
المفهوم المركزي(.((2
حق المشاركة في ذلك من منطلق المعنيين لهم ُّ
ثقافاتهم؛ لكونها تشتمل على ما يكفي من فإذا كان الحافز من وراء "نظرية العقالنية" التي
المضامين المعرفية والقيمية التي يمكنها المساهمة
يطورها هابرماس في نظرية الفعل التواصلي هو
ٍ
مكتمل. غير
في بناء "الكونية" ،باعتبارها مشرو ًعا َ
المهم في
الفعل الموجه بالتفاهم ،باعتباره الجانب ُ
وهذا التصور ،الذي نجده عند الفيلسوف البنيني
نظريته االجتماعية ،فإن واقع الحال اليوم يؤكد،
بولين هونتوندجي ((2(Pauline Hontondjiالذيبعد مرور أربعين عا ًما على نشر الكتاب ،أنه ُكتب
عما يسميه "الكونية النقدية" ،يمكن تعزيزه يدافع ّ
باألمس؛ إذ يكفي أن ينظر المرء في وتيرة تصاعد
في الفكر العربي المعاصر ،من خالل تلقيه علىتيارات اليمين المتطرف في ألمانيا نفسها ،ليدرك
جيد ،واستثمار البعد المعياري الكامن في نحو ّ
التحدي الذي تواجهه المجتمعات األوروبية،
كتاب نظرية الفعل التواصلي بجزأيه.
والمجتمع األلماني على وجه الخصوص؛ على
نحو أصبحت فيه الديمقراطية "تأكل أبناءها"،
مشروعا غير
ً .2الحداثة بوصفها
ثم يدرك قيمة نظرية الفعل التواصلي ومن ّ
مكتمل وأهميتها الثقافية
الساعية لبناء التفاهم على الفعل التواصلي.
ال تنفصل ترجمة هذا المشروع عن الهاجس الذي
أما واقع حال الدول العربية التي ُنقل الكتاب إلى
يراود المسكيني وبعض الباحثين العرب بشأن
( ((1ينظر :الفصل المخصص لهربرت ميد في المجلد الثاني
(21) Pauline Hontondji, "Construire l’ universel: un défi من الكتاب.
transculturel," Methode (s): Africain Review of Social
Sciences Methodology, vol. 2, no. 1–2: Epistemological
( ((2ينظر مادة سيرورة (أو عملية التعلم) كما وردت في
Fractures in a Globalized World: Normalizations, Debates الكتاب الذي ُخ ّصص ألهم المفاهيم الفلسفية التي طورها
–and Alternatives in the Social Sciences (2017), pp. 160 هابرماس في نظريته النقدية:
161; Franziska dubgen & Stefan Skupien, African & David S. Owen, "Learning Processes," in: Amy Allen
Philosophy as Critical Universalism (Switzerland: Eduardo Mendieta (eds.), The Cambridge Habermas
Palgrave Macmillan, 2019). Lexicon (Cambridge: Cambridge University Press, 2019).
203 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
األقل يخوضون في نقاشات عقيمة حولها ،إلى أن مشروع الحداثة غير المنجز؛ إذ سبق للمسكيني
المخرجات نفسها يتجاوزهم الزمن ،وتفرض هذه ُ أن ترجم مقالة هابرماس "الحداثة – مشروع لم
فإن الحداثة المتعلقة بدمقرطة الحياة
بقوة الواقعّ ، يكتمل"( ((2التي تندرج في السياق نفسه ،والتي
السياسية ،واالجتماعية ،وعقلنة السلوك الثقافي، تعكس كذلك الهاجس نفسه الذي يحرك هذا
فإن أهمية الكتاب تزال تراوح مكانها .ولهذا ّ
ال ُ الباحث تألي ًفا وترجمة .فتعريبه للكتاب قد كان
تتم ّثل في تصور جيد متعلق بأهمية عقلنة الثقافة عن وعي بأهمية "سؤال الحداثة" ،و"العقلنة"
في تطور المجتمع ،وقد تمكن هابرماس في كتابه ورهاناتها ،في سبيل إيجاد طرائق للنهوض
هذا من بسط تصور ماكس فيبر بخصوص هذه بالمجتمعات العربية ،التي ال تزال تعيش
المسألة؛ وال سيما في الفصل "نظرية ماكس فيبر التخلف ،واالستبداد ،وموق ًفا مترد ًدا من الحداثة،
في العقلنة" (مج ،1ص .)374–279 بوصف ذلك مشرو ًعا ال ينفصل فيه الثقافي
والسياسي عن االقتصادي ،والتقني ،والعلمي.
.3العقالنية الغربية وسؤال الحداثة دائما رهان المثقف العربي فالحداثة ُبرمتها ظلَّت ً
المقصود بالعقالنية في هذا السياق هو "العقالنية إنترجمةً وتألي ًفا .ومن هذا المنطلق ُيمكن القول ّ
الغربية" ،بطبيعة الحال ،وكيفية تطور العقل رهان المسكيني في ترجمته ال يخرج عن رهاناته
جيدا
ً الغربي ،ولهذا نجد هابرماس قد حرص األخرى وهو يكتب عن "سؤال الحداثة وأخواتها".
مستعماًل في ذلك أدوات
ً على تتبع مسار تطورها تهم
فالكتاب الذي ترجمه يطرح قضايا راهنة ّ
منهجية ،ورؤية نقدية ،إلعادة بناء مفهومها، القارئ العربي الساعي لبناء "مجتمع حداثي"
وخاصة التلقي الذي حظي به فيبر في هذه معقلن يقطع مع كثير من المظاهر التقليدانية التي
العقالنية ،منذ كارل ماركس –1818( Karl Marx تعرقل مسيرة التحديث والحداثة(.((2
وصواًل إلى جورج لوكاتش György ً ،)1883 فإذا كان مسار التحديث ،بالمعنى التقني ،هو
،)1971–1885( Lukácsوأدورنو وهوركهايمر، تجهيز البنى التحتية واالنفتاح على مكتسبات
تلق طغى عليه طابع "التشيؤ" و"فلسفة وهو ٍّ أي مقاومة تذكر –"الحداثة التقنية" من دون ّ
الوعي" .تلك هي الخالصة األساسية التي توصل على عكس ما كنا نعيه ساب ًقا – بحيث كان بعض
إليها هابرماس بعد قراءته النقدية لعقالنية فيبر يحرمون كل مستجدات الحداثة ،أو على الفقهاء ّ
في المجلد األول .ولتجاوز هذا المأزق الذي
عرفته العقالنية الغربية ،سيوظّف هابرماس ُع َّدته ( ((2هابرماس" ،الحداثة مشروع – لم يكتمل" ،ص .196–183
ينظر ً
أيضا ،ترجمة أخرى للمقالة نفسها ،في :يورغن هابرماس،
المنهجيةُ ،مستعي ًنا بالبردايمات الكالسيكية لعلم "الحداثة مشروع غير منجز" ،ترجمة جورج تامر ،مراجعة جورج
االجتماع ،كما جرى تطويرها مع ميد وإميل كتورة ،في :يورغن هابرماس ،الحداثة وخطابها السياسي
(بيروت :دار النهار للنشر ،)2002 ،ص .35–15
دوركهايم –1858( David Émile Durkheim
( ((2ينظر :الفصل الثامن المتعلق بالحداثة لدى فيبر،
مؤس َسي بردايم جديد م َّهد
،)1917باعتبارهما ِّ والفصول األخرى المتعلقة بالعقالنية ،والعقلنة االجتماعية،
لهابرماس إعادة صياغة مفارقات العقالنية الغربية، والتشيؤ ،وهي قضايا متشابكةُ ،يراهن هابرماس فيها على إعادة
بناء خطاب "العقالنية الغربية" ،وكيفية تلقي الغرب ،خاصة
في إطار مفاهيم تنطلق من الفعل التواصلي األلمان ،لنظرية فيبر ،فالعقالنية التواصلية هي في صلب فكرة
والفلسفة البينذاتية ،Intersubjectivityوليس من إعادة بناء مشرع الحداثة الغربية.
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 204
ند ًيا مشار ًكا في
فلسفة الوعي أو الفلسفة الذاتية ،عالو ًة على قلب تواصلية" تجعل من اآلخر طرفًا ِّ
العالقة التي هيمنت على الفلسفة الذاتية التي عملية بناء الحقيقة؛ من خالل االعتراف بحقه في
كانت قائمة على نموذج "ذات – موضوع" إلى رفع ادعاءات صالحيته ،والمنافحة عنها من دون
تعصب للرأي الذاتي.
ّ نموذج آخر قائم على ثنائية "ذات – ذات".
عبر فيه هابرماس ،فيإن هذا المشروع هو الذي َّ ّ هذه العالقة الجديدة من شأنها أن توسع فهمنا
الطبعة الثالثة من كتاب نظرية الفعل التواصلي، للعقالنية التواصلية التي تختلف عن "العقالنية
عن المقاومة التي تعرض لها من لدن أنصار األداتية" المستندة إلى النموذج األول .وقد وجد
فلسفة الوعي بقوله" :لقد تم الدفاع عن فلسفة سندا في
هابرماس في ميد ونظريته االجتماعية ً
شرع فيه ،وعلى الوعي ضد تغيير البراديغم الذي ّ جهتعميق تصوره التواصلي للعقالنية والفعل المو ّ
وجه الخصوص تمت المنافحة عن التصور معينة؛ من أجل تحقيق االندماج وف ًقا لمعايير ّ
الفينومينولوجي لعالم الحياة )،(Lebenswelt االجتماعي" :إن تغيير البراديغم الذي بدأ يتبلور
وذلك ضد المحاولة الرامية إلى إعادة صياغته مع علم النفس االجتماعي لدى ميد هو – في
باالستناد إلى نظرية في التواصل" (مج ،1 أهمية ،ألنه يفسح النظر أمام مفهومسياقنا – ذو ّ
ظل هابرماس مدي ًنا لآلباء َّ ص .)67وقد تواصلي عن العقالنية" (مج ،2ص .)29وحتى
المؤسسين للسوسيولوجيا في هذا المشروع ّ أثناء انتقاد "المنظومة" أو "النسق" في المجلد
بالنظر إلى التحول الذي أحدثوه في البردايم الذي فإن الهاجس الذي الزمه في الكتاب كلّه الثانيّ ،
تصورا آخر عن "العقالنية
ً قدم تحو ٌل ّ
يهمه ،وهو ّ يوحي بإعادة بناء خطاب العقالنية الغربية ،في
الفيبرية" التي تعتبر نظرية الفعل التواصلي بمنزلة أفق إتمام "مشروع الحداثة" باعتباره مشرو ًعا غير
توسي ٍع لها ،من خالل تجاوز "العقل األداتي مكتمل .وهي المهمة التي استمر فيها في كتاباته
إلى مجال تواصلي أرحب يستوعب أعطاب أيضا؛ مثل الخطاب الفلسفي للحداثة الالحقة ً
قوم اعوجاجات التواصل العقالنية األداتية ،و ُي ِّ الذي يعتبر دفا ًعا عن "الحداثة الغربية" ضد
شوه .فكل هؤالء ساهموا ،على نحو أو آخر، الم َّ
ُ أصوات "ما بعد الحداثة".
في التحرر من معضالت فلسفة الوعي .ومن
كأن هابرماس يكمل ما بدأه في "نظرية الفعل ّ
خالل تأسيس ميد علم االجتماع على نظرية في
التواصلي"؛ لكن ذلك انطالقًا من تاريخ الفلسفة،
التواصل ،وتأسيس دوركهايم نظرية في التضامن
إن
وليس من كالسيكيات علم االجتماع .ولهذا؛ ْ
المجتمعي ،فإنهما ساهما في تنزيل نظرية فيبر
حضر في نظرية الفعل التواصلي فالسفة وعلماء
في العقالنية من خالل إحداث دمج بين اإلدماج
اجتماع من أمثال دوركهايم وفيبر وبارسونز
االجتماعي والمنظومات القائمة في المجتمع،
فإن هيغل وهايدغر ونيتشه ودريدا
وماركس وميدّ ،
ُتقيم الصلة بين اإلدماج االجتماعي واإلدماج في
وباطاي وفوكو ،سيحضرون بقوة في كتاب
المنظومة" (مج ،2ص .)23
الخطاب الفلسفي للحداثة .هذه النظرية التي
دافع عنها ضد "فلسفة الوعي" ،في كل برنامجه وقد انطلق هابرماس ،إلنجاز ما خطط له في هذا
جينيالوجيا في مسألة
ً اإلبستيمولوجي الهادف إلى تأسيس "فلسفة الكتاب ،الذي ُيعتبر كتا ًبا
205 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
في المجتمع ،والوصول إلى السلطة ...إلخ، العقل والعقالنية والعقلنة في الفكر الغربي
إن هدفها هو تحقيق التفاهم واإلجماع بين بل ّ خص بهَّ الحديث والمعاصر ،من تأ ّمل تمهيدي
المعنيين به في الفضاء العمومي؛ لتخفيف حدة العقالنية في علم االجتماع من الناحية النظرية؛
التوتر بين الفاعلين ،وبناء مجتمع يتسع للجميع. وذلك ألهمية هذا المبحث في تناول مسألة
ولهذاُ ،يمكن أن نفهم هذا الميل إلى مبحث علم العقالنية ،مقارنةً بمباحث علمية أخرى مثل
ثم، إن خصوصية علم ثم ّ علوم السياسة واالقتصادّ .
االجتماع الذي يوفر هذه اإلمكانية .ومن ّ
االجتماع بالنسبة إليه تكمن في تناوله الشمولي
سينتقل هابرماس ،بعد تخصيص الفصل األول
بداًل من التركيز على ما هو فرعي فيه. للمجتمع ً
لتحديد مفهوم العقالنية وتطورها ومساهمتها في
عبر عنه في قوله" :إن السوسيولوجيا وهذا ما ّ
نشأة العلم الحديث ،إلى شرح االقتران الداخلي
هي الوحيدة من فروع العلوم االجتماعية
بينها وبين نظرية المجتمع .ولن يتحقق هذا
التي حافظت على صلة بمشاكل المجتمع
إاّل باستحضار األهمية
االقتران ،بطبيعة الحالّ ، أيضا على الدوام نظريةً بكامله ،فقد ظلت ً
التي يمكن أن تؤديها النظرية الحجاجية في صقل ص مسائل العقلنة في المجتمع ،وبذلك لم ُت ْق ِ
قدرات الذوات القادرة على الكالم والفعل، ) ،(Rationalisierungوال أعادت تعريفها،
وممارسة الفعل التواصلي في الفضاء العمومي وال قطعتها إلى أحجام صغيرة كما فعلت
المشترك بينها. تخصصات أخرى [ ]...إن السوسيولوجيا
خصصان كما األنثروبولوجيا الثقافية هما َت ُّ
والمطّلع على نظرية الفعل التواصلي لهابرماس
في مواجهة مع الطيف الكامل (ganzen
الاّلحقة المتعلقة
في هذا الكتاب ،وفي الكتابات ّ
) Spektrumلتجليات الفعل االجتماعي ،وليس
بالوعي األخالقي والفعل التواصلي ،وبتوضيحاته
نسبيا التيًّ مع أنماط الفعل الواضحة المعالم
المرتبطة بأخالقيات المناقشة ،يدرك األهمية يمكن ارتسامها بوصفها تلوينات من الفعل
الكبرى لنظرية الحجاج في نظرية الفعل التواصلي العقالني بمقتضى غاية ما )"(zweckrational
فضاًل
ً التي يشغلها االهتمام بالمنطق الصوري، (مج ،1ص .)85
عن المنطق الحجاجي الذي يرتكز على دراسة
استنا ًدا إلى هذا التناول الشمولي لعلم االجتماع
األفعال الكالمية وكيفية اشتغالها في الحقل
المتعلق بالفعل االجتماعيُ ،يفهم السبب الذي
المطّلع على خبايا هذه النظرية،
إن ُثم ّ
التداوليّ .
جعل هابرماس يعيد بناء نظرية العقالنية من منطلق
والكتب السابقة له ،يدرك بسهولة العالقة الوطيدة
إن رهانه
الدرس السوسيولوجي الحديث؛ إذ ّ
بين هذا الكتاب واألبحاث التي قدمها هابرماس اإلبستيمولوجي هو تأسيس نظرية في التواصل،
عن التداوليات الكلية ،ونظرية األفعال اللغوية في باعتبارها نظرية في المجتمع؛ تسعى للكشف
ارتباطها بنظرية الحجاج .وفي سياق اإلشكالية عن الطاقات الكامنة في العالقات التواصلية
نفسها المتعلقة بالعقالنية ،تناول هابرماس انطالقًا من خلفية عالم الحياة .فالعقالنية التي
السمات التي تميز الفهم األسطوري والفهم ينشدها هابرماس ال تنحصر في "العقالنية
الحديث للعالم. الغائية" الساعية للزيادة في اإلنتاج ،أو التحكم
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 206
بداًل من "المعرفي" ،ونجد "العلوم العرفانية" ً رابعا :مالحظات بخصوص
ً
بداًل من "العلوم المعرفية"؛ إذ على الرغم من ً ترجمة بعض المفاهيم
جدا ،فإنها على أن كلمة "المعرفية" ليست دقيقة ًّ ّ
ال يمكن الدخول في نقاش ،في هذا الحيز ،مع
األقل ربما كانت أقرب إلى ذهن القارئ العربي
المترجم حول ترجمة بعض المفاهيم التي ال شك
معينة في من كلمة "العرفانية" التي لها حمولة ّ أنها تطرح صعوبة حقيقية في نقلها إلى اللسان
أيضا "النزعة الريفية"،
التصوف اإلسالمي .ونجد ً
العربي؛ وذلك بالنظر إلى التباعد الموجود بين
مقاباًل لـ ً ،Provinzialismus
بداًل من ً بوصفها
اللغتين األلمانية والعربية من جهة ،وبالنظر إلى
"النزعة اإلقليمية" .فمصطلح "اإلقليمي" أكثر
طبيعة اإلشكاليات التي خاض فيها هابرماس،
داللة على النزعة المحلية واالنغالق والتمركز
والتي يصعب إيجاد مقابل لها في السياق العربي
من مصطلح "الريفي" الذي له ملمح "جغرافي"
إن ُندرة الترجمات ألعمالثم ّ
من جهة أخرىّ .
مرتبط بمجال الطبيعة والفالحة أكثر من ارتباطه
هابرماس من لدن أهل االختصاص في الفلسفة
بمجال الفكر واالنتماء .أ ّما "أخالقيات الدعوة"،
تراكما في مجال ترجمة أعماله،
ً األلمانية لم تُحقق
فهو مفهوم ذو ُحمولة دينية دعوية كما هو معروف
على عكس ما نجده في الترجمات اإلنكليزية
أن "الدعوة" لدى في العالم اإلسالمي ،في حين ّ
والفرنسية واإلسبانية .ولهذا ،يمكن أن نتصور
فيبر ال تتعلق بهذا المعنى ،بل بالعمل الذي رفعته
الصعوبات الكبيرة التي واجهت المسكيني في
الكنيسة البروتستانتية إلى درجة العبادة؛ وهذا
المهم.
ّ تعريب هذا الكتاب
موجود في اإلسالم نظر ًّيا ،وقد أشار المترجم إلى
فإن
ذلك .لكن حينما نقول "أخالقيات الدعوة"ّ ، واستنا ًدا إلى تجربة المسكيني في ترجمة بعض
أن فيبر يضع سلسلة من يظن ّ
القارئ العربي ر ّبما ّ نصوص هايدغر ،ونيتشه وكانط ،نجد أن خوضه
األخالقيات التي ينبغي أن ي ّتصف بها ممارس استمرار
ٌ في ترجمة كتاب ما لهابرماس هو
الدعوة إلنجاح مهمته الدعوية .ومثل هذا اللبس للترجمات السابقة التي را َكم فيها تجربة ذات
حري بالمترجم أن يزيله؛ ألن القارئ قد ال تكونّ بعد ألي أهمية كبيرة .وهي تجربة لم تخضع ُ
فضلله مرجعية فيبرية حتى يعرف القصد .ولهذا ُي َّ دراسة نقدية للحكم عليها على نحو أو آخر.
أن نختار العبارات المتداولة اليوم في الثقافة ومن هذا المنطلق ،فإننا لن نخوض في الترجمة
العربية اإلسالمية؛ حتى ال تلتبس على القارئ. النقدية؛ ألن مثل هذا األمر يحتاج إلى بحث
يصح في كلمة "فداء" مقابل كلمة ّ واألمر نفسه أن القارئ الذي ُيقبلمستقل ،لكننا نشير إلى ّ
أن أقرب كلمة متداولة في هذا ،Erlösungغير ّ على قراءة هذا الكتاب يجد مفاهيم جديدة فيها
طبعا عقيدة السياق هي كلمة "الخالص" ،ومنها ً اجتها ٌد ،لكن عدم ُألفته إ ّياها تجعله إزاء بعض
أن الفداء الخالص .Erlösungslehreال ريب ّ يتعود حمولتها الداللية .ومن
الصعوبات إلى أن ّ
يقدم
أن الذي ّ هو خالص ،ولكن المتداول ّ "الس ّنة
بين المفاهيم التي نجدها في الترجمة عبارة ُ
كبشا للفداء يكون ذلك منه بهدف الخالص، ً مقاباًل لكلمة ،Sittlichkeit
ً األخالقية" ،بوصفها
أن المسيح فدى اآلخرين وفي هذا السياق ُيذكر ّ بداًل من "الحياة األخالقية" ،أو "األخالق ً
بنفسه ليحقق لهم الخالص .ولهذا كان األحرى االجتماعية" .ونجد كذلك "العرفاني" Kognitiv
207 بتكلا تاعجارم
نظرية الفعل التواصلي (المجلدان )2-1
االكتفاء بالدالالت البسيطة والمتداولة التي تفي لألبحاث" التي ستأتي الح ًقا في كل من الفلسفة
بداًل من اقتراح مقابالت جديدة ال تكون األخالقية ،والسياسية ،وفلسفة الدين.
بالغرض ً
داللتها واضحة .وهذا األمر يحضر في كثير
ُيعد كتاب نظرية الفعل التواصلي بمنزلة "تدريب
من االقتراحات؛ إذ تكون أمام المترجم إمكانية
حواري" بين هابرماس ومختلف المدراس
ميسورة لترجمة مصطلح بمصطلح آخر متداول،
السوسيولوجية الحديثة والمعاصرة ،مثل مدرسة
لكنه قد يختار االجتهاد في مفاهيم ربما تطرح
دوركهايم ،وفيبر ،وميد ،وبارسونز ،وماركس،
لبسا لدى القارئ العربي خاصة. ً
ولوهمان ،إلى جانب نظريات فلسفة اللغة،
والتداوليات ،والنظريات الحجاجية .وهو حوار
م َّكن هابرماس ،من إعادة بناء خطاب العقالنية خاتمة
يم ّثل كتاب نظرية الفعل التواصلي مرافعة الغربية في أفق التصدي لما يسميه "أمراض
فلسفية عن الحداثة الغربية من أجل بعث الروح الحداثة الغربية" .وعلى مستوى فلسفة الدين
فإن الكتابفيها من جديد ،بعد تعرض خطابها النتقادات التي تحظى براهنية كبرى اليومّ ،
أيضا مساهمة نوعية في مسار هابرماس إن هذا الكتابُ ،يعد ً رواد ما بعد الحداثةّ .
قوية من ّ
أيضا .فالمتتبع لمساره الفلسفي ،يجد أ ّنه سبق ً وإن كان ال يحمل أي كلمة تحيل مباشرة إلى
فكرة "الحداثة" ،فإنه في األصل دفا ٌع عن العقل له أن ناقش "سؤال الدين" في كتابات سابقة عن
تصور نظرية الفعل التواصلي ،لكن النقاش تعمق أكثر باعتباره أهم مقومات الحداثة الغربية .لكن ّ
هابرماس للعقل والعقالنية اختلف عن سابقيه فأكثر في الفصول التي خصصها للمسألة الدينية
بإعادة صياغة مشروع العقالنية الغربية في ضوء من خالل استحضاره دوركهايم وميد ،وخاصة
مفاهيم الفعل التواصلي والعقالنية التواصلية ،في مسألة إضفاء الطابع اللغوي على المقدس.
بداًل من االرتباط بمفهوم العقالنية الغائية األداتية ولهذا ،نرى أن عودة هابرماس إلى فلسفة الدين،
ً
بعدا من أبعاد في أبحاثه المتأخرة بعد أحداث 11سبتمبر ،2001 التي ال ينكر أهميتها ،باعتبارها ً
العقالنية الغربية .ويعكس كتاب نظرية الفعل ومناقشته "عودة الدين" في الفضاء العمومي،
التواصلي الجهد الفلسفي المكثف لهابرماس ،وتناوله كيفية تدبير المقدس بين المتدينين
طوال أكثر من ثالثة عقود من االشتغال بأهم والعلمانيين ،يش ّكل كلّه امتدا ًدا لخريطة الطريق
البردايمات الفلسفية واإلنسانية واالجتماعية التي التي أعلن عنها في كتاب نظرية الفعل التواصلي،
حاول ،استنا ًدا إلى مقاربات متعددة المباحث ،وخاصة تصور طبيعة العالقة بين "العالم المعيش"
عما ورد في نظريةتصورا نقد ًّيا للمجتمع ،وهو و"النسق" ،وهي عالقة مختلفة ّ
ً أن يستخرج منها
أاّل تكون قائمة علىتصور حقق به منزلةً له في الفضاء الثقافي لوهمان النسقية؛ إذ ينبغي ّ
األلماني ،وفي نظرية مدرسة فرانكفورت النقدية ،االنفصال ،بل على التفاعل .وتكمن أهمية مقاربة
تصور جعل منه فيلسوف الفضاء العمومي هابرماس كذلك في َ
ج ْمعه بين مقاربة ميد ومقاربة ثم إنه ّ ّ
أن كتابه م ّثل دوركهايم ،بحكم تركيزهما على العالم المعيش والعقل التواصل .وإضافةً إلى ّ
جا لألبحاث السابقة في سنوات الستينيات والعمليات التفاعلية القائمة على اللغة والمعايير تتوي ً
أيضا بمنزلة "خريطة طريق والرموز ،ومقاربة لوهمان ً
أيضا القائمة على النظر والسبعينيات ،فهو ً
العدد - 45المجلد Issue 45 - Volume 12 / 12
صيف Summer 2023 208
إلى المجتمع بوصفه نس ًقا يتألف من عدة أنساق مؤسس على مستويين متكاملين :العالم المعيش
وتركيبا بين المقاربتين ،خلص في نظريته والنسق.
ً فرعية.
تصور للمجتمع
ّ المتعلقة بالفعل التواصلي إلى
References المراجع
العربية
األشهب ،محمد [وآخرون] .ما العدالة؟ معالجات في السياق العربي .الدوحة /بيروت :المركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات.2014 ،
________" .مسارات العلم والحياة :في التأسيس وااللتزام ،العلوم االجتماعية والتفكير في قضايا:
السياسة ،الدولة ،السياسات" .تنسيق حسن طارق وسعيد بنيس .مجلة السياسات العمومية .ج ،2
العدد ( 21ربيع .)2016فيhttps://bit.ly/3ZNlzWv :
________ .المجتمع والدين والسياسة .أكادير :منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية.2021 ،
األشهب ،محمد" .هابرماس وإعادة بناء المادية التاريخية :من براديغم اإلنتاج إلى براديغم التواصل".
مجلة األزمنة الحديثة .العدد .)2020( 18–17
المسكيني ،فتحي .اإليمان الحر أو ما بعد الملة :مباحث في فلسفة الدين .الرباط :مؤمنون بال حدود،
.2018
هابرماس ،يورغن .الحداثة وخطابها السياسي .بيروت :دار النهار للنشر.2002 ،
________" .الحداثة – مشروع لم يكتمل" .ترجمة فتحي المسكيني .تب ّين .مج ،1العدد ( 1صيف
.)2012
األجنبية
Dubgen, Franziska & Stefan Skupien. African Philosophy as Critical Universalism.
Switzerland: Palgrave Macmillan, 2019.
Habermas, Jürgen. Auch eine Geschichte der Philosophie: Band 1: Die okzidentale
Konstellation von Glauben und Wissen. Berlin: Suhrkamp, 1985.
______. Zwischen Naturalismus und Religion. Frankfurt am Main: Suhrkamp Verlag,
2009.
Hontondji, Pauline. "Construire l’ universel: un défi transculturel." Methode (s): Africain
Review of Social Sciences Methodology. vol. 2, no. 1–2: Epistemological Fractures in
a Globalized World: Normalizations, Debates and Alternatives in the Social Sciences
(2017).