Professional Documents
Culture Documents
1
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-حماور الدراسة
-مدخل وتقدمي للفلسفة السياسية وللعلوم املرتبطة هبا:
-3أرسطو :مفهوم الدولة :من العلوم النظرية إىل العلوم العملية .
-اثنيا-احملور الثاين :الفلسفة السياسية يف عصر النهضة -نظرايت احلق الطبيعي .
2
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-مراجعات عامة
-2أرسطوطاليس ،السياسة ،ترمجة أمحد لطفي السيد ،منشورات اجلمل ،بريوت .2009
-3نيكوال مكيافيللي ،األمري ،ترمجة أكرم مؤمن ،مكتبة ابن سينا ،القاهرة .2004
-4توماس هوبز ،اللفيااتن -األصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة ،ترمجة دايان حرب وبشرى صعب،
مراجعة وتقدمي رضوان السيد،دار الفارايب وهيئة أبو ظيب للثقافة والرتاث.2011 ،
-5جون لوك ،يف احلكم املدين،ترمجة ماجد فخري ،اللجنة الدولية لرتمجة الروائع ،بريوت .1959
-6البارون دي البريد -مونتيسكيو ،روح الشرائع،ترمجة عادل زعيرت ،مؤسسة هنداوي ،اململكة املتحدة،
.2017
-7جان جاك روسو ،العقد االجتماعي ،ترمجة عادل زعيرت ،مؤسسة هنداوي ،القاهرة .2012
-8فردريك هيجل ،أصول فلسفة احلق ،ترمجة إمام عبد الفتاح إمام ،املكتبة اهليجيلية املؤلفات ،مكتبة مدبويل،
القاهرة .1996
3
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
ترمجة حممود سيد أمحد ،مراجعة إمام عبد الفتاح إمام ،اجمللس األعلى للثقافة ،القاهرة .2005
-10مصطفى حسن النشار ،مدخل إىل الفلسفة السياسية واالجتماعية ،عمان ،دار املسرية ،بدون اتريخ.
-11علي عبود احملمداوي ،الفلسفة السياسية املعاصرة ،عمان ،دار اليازوي.2015 ،
4
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
""يقال ساس األمر سياسة ،مبعىن قام به ،وهو سائس كم قوم ساسة ،وسوس ،وسوسه القوم ،جعلوه يسوسهم،ن
والسوس ،الطبع واخللق ،فيقال الفصاحة من سوسه :أي من طبعه .فهذا أصل وضع السياسة يف اللغة ،مث رمست
أبهنا القانون املوضوع لرعاية اآلداب واملصاحل وانتظام األحوال"".
-أمحد بن علي املقريزي " املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلاثر ،بغداد ،1965ص .220
-يشتق فعل ساس والسياسة يف اللغة العربية من معاين :التعهد -والتكليف والتفويض والتدبري وإدارة الشؤون
العامة والوالية .وله صفة مستبطنة دينيا هي ( األمر ابملعروف والنهي عن املنكر).
-هناك قوال مأثورا يرد كثريا عند الفقهاء يف تعريف السياسة " :ما كان به الناس أقرب إىل الصالح ،وأبعد عن
الفساد".
"السياسة ما كان فعال يكون معه الناس أقرب إىل الصالح ،وأبعد عن الفساد ،وان مل يصنعه الرسول(ص) ،وال
نزل به وحي.
"-الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية ،مطبعة السنة احملمدية ،القاهرة ،1953ص .16
-تقع تعريفات علماء السياسة املعاصرين بني معاين- :مبادئ احلكم والقيادة-اإلدارة والتدبري-مث حقل الصراع
من أجل النفوذ والقوة ( السلطة).
السياسة هي " :األعمال واألحداث اليت تصنع حول مراكز اختاذ القرارات يف احلكومة".
5
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
" دراسة املؤسسات والعمليات والسلوكيات والعقائد السياسية بقصد استخراج قوانني وتعميمات تفسر خمتلف
الظواهر اليت يتمخض عنها العمل السياسي" .
-رمبا كان الرتاث الديين والفكري واملدين الصيين القدمي ،هو أول ما كتب يف علم الساسة.
-يعود هذا الرتاث لتعاليم وحكم الفيلسوف كونفشيوس ،مث بعده تلميذه منشيوس.
-يدرج كونفشيوس كل األنشطة والظواهر املرتبطة ابحلياة االجتماعية يف نطاق احلياة السياسية.انه ابلنسبة له
أنشطة سياسية غري مباشرة.
-اهتم كونفشيوس ابلتنشئة االجتماعية ،ابعتبارها عماد أتسيس اجملتمع السياسي املثايل .وانبنت تعاليمه على
األفكار اآلتية :
-3هذا نفسه ما تفيده العبارة املأثورة يف الرتاث اإلغريقي القدمي " :اإلنسان حيوان سياسي).
-السياسة يف الرتاث الفلسفي اليوانين هي فن إدارة وتدبري الدولة .ولكن الدولة اإلغريقية حتمل صفة خاصة
جدا ،من بني األمناط الدولتية القدمية ،هي نعت - :املدينة الدولة ( .أثينا وإسبارطة)
6
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يف هذا السياق السياسي واالجتماعي اشتغلت الفلسفة السياسية لدى تييوكيدديس و سقراط وأفالطون
وأرسطو .
-شهاب الدين ابن أيب الربيع " :سلوك املسالك يف تدبري املمالك".
-كانت السياسة يف العصور الوسطى املسيحية ممزوجة خبليط من اجلهاز املفاهيمي الذي يعود للفلسفة
اليواننية.كما كانت فلسفة يف الدين أكثر مما كانت فلسفة سياسية.
-متثلت الدولة املسيحية يف العصر الوسيط يف الكنيسة البابوية اليت خيضع هلا كل امللوك واحلكام داخل اإلمرباطورية
الرومانية
-حاول القديس أوغسطني يف كتابه الشهري ":مدينة هللا" تقدمي رؤية توفيقية بني العقل والنقل( الكتاب) ،أو بني
السلطتني :سلطة الالهوت وسلطة اإلمرباطور ،مقدما مرافعة قوية ضد اإلحلاد واهلرطقة.
7
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-لدى توما األكويين جند حتليال فلسفيا قواي للعالقة بني السلطتني ( الدينية والسياسية) ،وقد اهتدى توما
األكويين إىل مشروع توفيقي ينبين على براهني واستدالالت أرسطية،مدافعا عن أطروحة ترى أن القانون الديين،
يضم القانون الطبيعي .واعترب أن الدولة مسؤولة عن محاية القوانني من الشطط ،خدمة للناس ورعاية ملصاحلهم.بل
أن الدولة مسؤولة أيضا ابلنسبة له عن الرتبية وإشاعة الفضائل حتقيقا للقيم الدينية واإلنسانية العليا.. ..
-متيز علم السياسة يف عصر النهضة األوروبية إببعاد الالهوت كامال من دائرة السياسة ومؤسساهتا املختلفة .انه
االنفصال التام بني حقل الدين وحقل الدولة (.العلمانية) .
-جون بودان
-كان عامل السياسة الفرنسي الشهري :جون بودان ( )1596-1530أول من حنت مفهوم العلم أو العلوم
السياسية :
-جعل جون بودان من علم السياسة علما حصراي للقانون :الدولة واملؤسسات املختلفة.
-انصرف جون بودان إىل العناية ابلسلطة ومداراهتا واختصاصاهتا وحدودها :هكذا أصبح علم السياسة هو علم
القانون أو فقه القانون..
-يسري مونتيسكيو،وهو أشهر فيلسوف نظر لفكرة القانون ،يف كتابه الشهري ":روح القوانني" على منهجية جون
بودان يف اقتصاده اختصاص علم السياسة يف سن القوانني ورعايتها وتنفيذها طبق للمرجعية الدستورية.
-جبوار املدرسة القانونية ،منت مدرستان أخراين يف علم السياسة احلديث :
أوال -املدرسة التارخيية ،حبيث |أصبحت كل الظواهر السياسية مدروسة يف نطاق السريورة التارخيية
لتطورها.اعتمدت على معطيات التاريخ ،غري أن منهجيتها كانت وصفية وسردية دون أن تكون حتليلية.
اثنيا-املدرسة املؤسسية :وقد انشغلت بدراسة املؤسسات السياسية يف حد ذاهتا (األجهزة التنفيذية-احلكومة
وملحقاهتا -مؤسسات القضاء-املؤسسات التشريعية املختلفة....
8
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-عرفت أربعينيات ومخسينيات القرن العشرين ،ظاهرة ما يسمى ابلثورة السلوكية يف علم السياسة .ويف هذا
السياق الفكري والعلمي ،هيمنت املدرسة السلوكية ،وقد سعت اىل حتقيق األهداف اآلتية :
-1حترير علم السياسة من دائرة القانون ومقتضياته ،وابلتايل جعله ينفتح على ابقي العلوم اإلنسانية واالجتماعية(:
علم التاريخ -علم االقتصاد -علم االجتماع).....
-السعي إىل علمنة مناهج علم السياسة :االقتداء بنموذج العلوم الطبيعية..
-حتديد جمال االختصاص املتعلق ابلدراسات التابعة لعلم السياسة ،يف مجلة الظواهر السياسية القابلة للمعاينة
واملالحظة التجريبية (...حماولة عامل السياسة األمريكي الشهري ديفيد ايستون ( )1955وهو صاحب أشهر
مشروع نظرية سياسية )
-إهنا نوع من العلموية االختبارية وقد تلقت املدرسة السلوكية انتقادات خمتلفة ،وشهدت فعال مراجعات عميقة
هلويتها التجريبية املفرطة .فهل تنفصل الظواهر السياسية فعال عن نظام القيم وعن األخالق ؟ وهل ميكن تصور
وجود ظاهرة سياسية دون قاعدة أو خلفية فلسفية عميقة .؟ -ذلك هو الدرس الذي ساهم يف إشاعته وتقويته
فيلسوفان معاصران وخمتصان يف الفلسفة السياسية يف الوالايت املتحدة ،ومها :
-هل ميكن حتليل وفهم الظواهر واملؤسسات السياسية دون االرتكاز على أفالطون وأرسطو ومونتيسكيو وجون
لوك........
-يقدم لنا عامل السياسة اهلندي الشهري Varmaتعريفا عميقا للفلسفة السياسية :
""-إهنا توليد وتركيب اآلراء ،واملعلومات ،والتأمالت ،والبديهيات ،واالفرتاضات ،والقواعد ،والتعميمات
املتصلة بتوزيع واستخدام القوة يف اجملتمع"" .
9
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يتم يف كثري من األحيان اخللط بني "الفلسفة السياسية" و" االيديولوجيا" ،وهذا اخللط يعود إىل التمييز بني
الفلسفة السياسية "وعلم السياسة" .
-ال يقابل مفهوم الفلسفة السياسية مفهوم الفكر السياسي.فهذا األخري يتوجه مباشرة إىل زمن سياسي حمدد،
رغم أن الفلسفة السياسية بدورها تنشأ داخل فضاء سياسي معني.
-تعترب أعمال أفالطون وأرسطو السياسية أقدم النصوص اليت عاجلت مسائل الفلسفة السياسية .إهنما خالصة ما
يسمى ابلفلسفة السياسية الكالسيكية.
-غري أن الفلسفة الكالسيكية تضم أيضا أعمال الرواقيني ،إضافة إىل التعاليم السياسية آلابء الكنيسة
واالسكوالئيني يف العصور الوسطى.
10
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-ليو سرتاوس
"" مل يكن سقراط ابلتأكيد هو الفيلسوف األول ،وهذا يعين أن الفلسفة السياسية سبقتها الفلسفة .اذ أطلق
أرسطو على الفالسفة األوائل" أوالئك الذين حبثوا يف الطبيعة .".وهو مييزهم عن أوالئك الذين " حبثوا يف اآلهلة.".
املوضوع األول للفلسفة هو ابلتايل "الطبيعة" ،فما عساها أن تكون الطبيعة)..(.
يبدو أن الكلمة اليواننية للطبيعة (فيزيس) تعين أساسا "النمو" ،ومن مث فهي تعين أيضا ما ينمو فيه الشيء،
إهنا تعين لفظ "النمو".أي الطابع الذي ميتلكه شيء ما عندما يكتمل منوه ،أي عندما يستطيع أن يفعل ما
يستطيع أن يفعله أو يفعله بصورة أفضل....فاألشياء مثل األحذية أو الكراسي ال "تنمو" ،ولكنها تصنع ،فهي
ليست" ابلطبيعة" بل ابلصنعة أو "ابلفن" .ومن جهة أخرى هناك أشياء"ابلطبيعة" دون أن "تنمو"ن وحىت دون
أن خترج إىل حيز الوجود أبية طريقة .إذ يقال أهنا "ابلطبيعة" ألهنا ليست مصنوعة ،وألهنا " األشياء األوىل" اليت
خرجت منها أو عن طريقها ،كل األشياء الطبيعية األخرى إىل الوجود)...(.
ومع ذلك،فان الطبيعة إذا فهمت ،ال تعرف عن طريق الطبيعة .فالطبيعة جيب أن تكتشف .فالتوراة مثال
ليست فيها كلمة الطبيعة.إذ أن الكلمة املرادفة ""للطبيعة" يف التوراة هي شيء أقرب إىل "الطريقة" أو
"العادة"....وقد أصبح االختالف اجلذري بني هذه األنواع من "الطرق أو "العادات" موضع اهتمام عن طريق
اكتشاف الطبيعة .فقد أدى اكتشاف الطبيعة إىل انفصال "الطريقة" أو "العادة" عن "الطبيعة"( مبعىن النمو
فيزيس) من جهة ،واىل اخرتاع "القانون"( أو الناموس نوموس) والعرف من جهة أخرى ( )...إن ما هو طبيعي
يسبق ما هو وضعي أو عرف .إن التمييز بني الطبيعة والعرف أساسي للفلسفة السياسية الكالسيكية ،وحىت
ملعظم الفلسفات السياسية احلديثة ،كما ميكن أن نرى ببساطة يف التمييز بني احلق الطبيعي واحلق الوضعي.
عندما تكتشف الطبيعة وتفهم يف جوهرها ،على أهنا معارضة للقانون أو العرف ،فانه يصبح من املمكن بل
من الضروري إاثرة هذا السؤال :هل األشياء السياسية طبيعية .وإذا كانت كذلك ،فايل أي حد .إن السؤال نفسه
يتضمن أن القوانني تعد بوجه عام عدالة .ولذلك يكون املرء جمربا على أن يتساءل عما إذا كانت العدالة وضعية
11
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
فقط ،أو عما إذا كانت هناك أشياء عادلة بطبيعتها ،وهل القوانني وضعية فقط ،أو متتد جذورها يف الطبيعة؟ أال
جيب أن تكون القوانني "متفقة مع الطبيعة" ومع طبيعة اإلنسان بصفة خاصة إذا أريد هلا أن تكون قوانني صاحلة
؟ .وإذا كانت القوانني هي أساس اجملتمع السياسي أو هي من صنعه ،فهل اجملتمع السياسي نفسه موجود ابلطبيعة
؟ .لقد أفرتض مقدما يف حماوالت اإلجابة عن هذه التساؤالت أن هناك أشياء خرية ابلطبيعة ابلنسبة لإلنسان
بوصفه إنساان .ولذلك يهتم السؤال الدقيق بعالقة ما هو خري ابلطبيعة ابلنسبة لإلنسان من جهة ،وما هو عادل أو
حق من جهة أخرى .إن البديل البسيط هو :كل حق عرفني أو هناك حق طبيعي .وقد قدمت اإلجابتان
املتعارضتان وطورات قبل سقراط)...(.
إن سقراط حتول عن دراسة األشياء اإلهلية أو الطبيعية ،ووجه أحباثه حنو األشياء اإلنسانية ،أعىن إىل األشياء
العادلة ،واألشياء النبيلة ،واألشياء اخلرية ابلنسبة لإلنسان من حيث هو إنسان ،انه كان يتحدث ابستمرار عن ""
من هو التقي ،من هو عدمي التقوى ،من هو النبيل ،ومن هو الوضيع ،من هو العادل ومن هو الظامل،ما هو الوقار
وما هو اجلنون ،ما هي الشجاعة وما هو اجلنب،ما هي املدينة ،من هو السياسي( رجل الدولة) . ".....ويبدو أن
ورع سقراط هو الذي دفعه إىل التخلي عن دراسة األشياء اإلهلية أو الطبيعية( )...وقد اتبع سقراط حبوثه عن
طريق احملاداثت .وهذا يعين أنه بدأ من آراء يتمسك هبا الناس بوجه عام واليت هلا سلطة كبرية ،تلك اآلراء اليت
تقرها املدينة وقوانينها ،أي يقرها العرف املقدس بصورة كبرية .غري أن اآلراء اليت يتمسك هبا الناس بوجه عام
تناقض بعضها بعضا.ويصبح من الضروري ابلتايل جتاوز جمال اآلراء اليت يتمسك هبا الناس بوجه عام ،أو جمال
الرأي من حيث هو كذلك ،يف توجيه املعرفة .وألنه حىت آراء أهل الثقة ليست سوى آراء ،فقد اهتم سقراط أبن
ينصرف عن العرف ،أو القانون ويلجأ إىل الطبيعة ؛ أعىن أنه اهتم ابن يرتفع من القانون ويلجأ إىل الطبيعة .غري
أنه يبدو اآلن بصورة أكثر وضوحا من قبل أن الرأي ،أو العرف ،أو القانون ،حيتوي على حقيقة ،أو أنه ليس
جزافيا ،أو أنه طبيعي مبعىن ما
قد يقول املرء أن القانون-أي القانون البشري -يربهن ابلتايل على أنه يشري إىل القانون اإلهلي أو الطبيعي على
أنه أصله أو مصدره .ومع ذلك فان هذا يتضمن أن القانون البشري ،ألنه بدقة ال يتوحد مع القانون اإلهلي أو
الطبيعي ،ال يكون صادق أو عادال بصورة مطلقة ،فاحلق الطبيعي فقط ،أي العدالة ذاهتا ،أو "فكرة" أو "صورة"
12
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
العدالة ،هو الذي يكون عادال بصورة مطلقة .وعلى الرغم من ذلك فان القانون البشري؛ أي قانون املدينة ،ملزم
بصورة مطلقة للناس الذين خيضعون له شريطة أن يكون لديهم احلق أن يهجروا ملكيتهم؛ أعين شريطة أن يكون
خضوعهم لقوانني مدينتهم عن رضا وبصورة إرادية.
يظهر السبب الدقيق الذي يكمن وراء القول أبن سقراط هو مؤسس الفلسفة السياسية عندما ينظر املرء إىل
طابع املسائل اليت عاجلها يف حماداثته .لقد أاثر التساؤل" ماذا عساه أن يكون ؟" ،ملتفتا إىل كل شيء .واملقصود
من هذا السؤال أن يلقي ضوء على طبيعة نوع الشيء الذي يتحدث عنه ،أعين صورة الشيء أو طابعه؛
افرتض سقراط أن معرفة الكل هي فضال عن ذلك معرفة الطابع-الصورة،الطابع "اجلوهري" لكل شيء من
الكل ،من حيث أنه يتميز عن معرفة ذلك الذي ينشأ منه الوجود أو عن طريقه .فإذا كان الكل يتكون من أجزاء
خمتلفة من حيث اجلوهر ،فانه من املمكن على األقل أن ختتلف األشياء السياسية( أو األشياء البشرية) من حيث
اجلوهر عن األشياء الالسياسية ،أي أن األشياء السياسية تكون فئة بذاهتا وميكن ابلتايل دراستها بذاهتا .لقد أخذ
سقراط كما يبدو ،املعىن األويل "للطبيعة" بصورة جدية أكثر من أي واحد من سابقيه؛ فلقد أدرك أن " الطبيعة"
هي أساسا "صورة" أو "فكرة" .وإذا كان ذلك صحيحا ،فانه مل يتحول ببساطة عن دراسة األشياء الطبيعية ،
لكنه ابتكر نوعا جديدا من دراسة األشياء الطبيعية ،أعين نوعا من الدراسة تكون فيها الطبيعة ،مثال ،أو فكرة
العدالة ،أو احلق الطبيعي ،وابلتأكيد طبيعة النفس البشرية واإلنسان ،أكثر أمهية من دراسة الشمس مثال...
ال يستطيع املرء أن يفهم طبيعة اإلنسان إذا مل يفهم طبيعة اجملتمع البشري .ولقد افرتض سقراط ،وكذلك
أفالطون وأرسطو أن الصورة األك ثر كماال للمجتمع البشري هي املدينة(بوليس) .وتؤخذ املدينة اليوم عادة لتكون
مدينة الدولة اليواننية .بيد أنه ليس ضروراي ابلنسبة للفالسفة السياسيني الكالسيكيني أن املدينة كانت أكثر
شيوعا بني اليوانن من غري اليوانن .وابلتايل جيب على املرء أن يقول أن موضوع الفلسفة السياسية الكالسيكية
ليس املدينة-الدولة اليواننية ،وإمنا املدينة-الدولة بصفة عامة .وذلك يفرتض سلفا أن املدينة-الدولة صورة خاصة
من "الدولة".إهنا تفرتض ابلتايل مفهوم الدولة من حيث أنه يضم املدينة -الدولة بني صور أخرى من الدولة .ومع
ذلك ،فان الف لسفة السياسية الكالسيكية ينقصها مفهوم الدولة .فعندما يتحدث الناس اليوم عن "الدولة"" فإهنم
يفهمون "الدولة" عادة يف مقابل" اجملتمع" .وهذا التمييز كان غريبا على الفلسفة السياسية الكالسيكية .وال يكفي
13
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
القول أبن املدينة تضم كال من الدولة واجملتمع ،ألن مفهوم"املدينة" يسبق التمييز بني الدولة واجملتمع ،.ولذلك ال
يفهم املرء "املدينة ابلقول إن املدينة تشمل الدولة معا.إن املرادف احلديث ""للدولة" على مستوى فهم املواطن
هو" الوطن" .ألنه عندما يقول شخص ما مثال أن" الوطن يف خطر" فانه ال يقوم أيضا ،مع ذلك ،بتمييز بني
الدولة واجملتمع.
إن السبب يف اهتمام الفالسفة الكالسيكيني ابملدينة اهتماما رئيسيا هو أهنم مل يتجاهلوا الصور األخرى
للمجتمعات بوجه عام واجملتمعات السياسية بوجه خاص .إذ أهنم عرفوا القبيلة( أي األمة) ،كما عرفوا بناءات مثل
اإلمرباطورية الفارسية .لقد اهتموا أساسا ابملدينة ألهنم فضلوا املدينة على الصور األخرى للمجتمع بوجه عام
واجملتمعات السياسية بوجه خاص.....لقد اهتموا أساسا ابملدينة ألهنم فضلوا املدينة على الصور األخرى للمجتمع
السياسي .وقد يقال ان أسباب هذا التفضيل هي :أن القبائل ليست هلا مقدرة على حضارة أمسى ،وال تستطيع
جمتمعات كبرية للغاية أن تكون جمتمعات حرة .دعنا نتذكر أن مؤلفي " الواثئق الفدرالية" ال يزالون جمربين على
الربهنة على أنه من املمكن ابلنسبة جملتمع كبري أن يكون مجهوراي أو حرا .ودعنا نتذكر أيضا أن مؤلفي الواثئق
الفدرالية" أطلقوا على أنفسهم اسم " مجهوريني" .ويشري املذهب اجلمهوري إىل العهد القدمي الكالسيكي ،ويشري
ابلتايل إىل الفلسفة السياسية الكالسيكية""..
-اتريخ الفلسفة السياسية-اجلزء األول ( من ثيوكيديديس حىت اسبينوزا ،ترمجة حممود سيد أمحد ،مراجعة إمام عبد
الفتاح إمام ،اجمللس األعلى للثقافة ،مصر .2005ص.ص .26-20
-نص ملحق
-ديفيد بولوتن:
"" ثيو كيديديس*.انه مؤلف كتاب واحد وهو " حرب البيلوبونيز واألثينيني" .ال نتصور بوجه عام انه
فيلسوف سياسي..ال ألنه مل يستخدم على اإلطالق مصطلح الفلسفة السياسية فحسب ،بل ألنه يتحدث-على
14
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
األقل بوضوح -عن مسائلها العامة....انه مل يتحدث مطلقا عن نظام احلكم األفضل بصفة عامة...وعالوة على
ذلك ،فانه يقدم نتائج " حبثه عن احلقيقة" بوصفه تفسريا حلدث سياسي وحيد ،أي حرب العام السابع والعشرين
اليت أذل بواسطتها االسربطيون وحلفاؤهم اإلمرباطورية األثينية.هلذه األسباب مييل املرء إىل تصنيفه بوصفه مؤرخا.
وعلى خالف سلفه هريودوت ،فانه مل يستخدم إطالقا كلمة اتريخ( )..وهو ينظر ابلتايل إىل موضوعه على أنه
حدث معني يكشف احلقيقة الشاملة والدائمة )...(.ورمبا يكون من األفضل ابلتاي أن نتجه إىل نظرة فاحصة
للسمات األكثر متييزا لكتابه ،بدال من حماولة تصنيف فكره.
ختربان مجلة ثيوكيديديس االفتتاحية أبنه شرع يف الكتابة عن حرب البيلوبونيز من بدايتها؛ ألنه توقع أن تكون
حراب عظيمة .)...(.إننا نشعر بعظمة احلرب ألننا نشعر بوجودها .ويشتد هذا الشعور أبعد من ذلك عن طريق
إدخال ثيوكيديديس خطبا سياسية على حنو مباشر عن طريق املشاركني أنفسهم .ويبدو أننا نستمع املتحدثني
عندما يتنازعون ابسم العدالة أو يتوسلون إىل اآلهلة عندما يلجئون إىل حب احلرب أو النصر اجلليل ،وعندما
حيذرون من النتائج املرعبة لسياسات خاطئة (.)....
إن اخلطب املوجودة يف كتاب ثيوكيديديس جبديتها األخالقية وأمهيتها امللحة تطلب منا أن ننحاز إما معها أو
ضدها ،ومع ذلك جيب على كل قارئ أن يعجب من التناقض بني صراحة هذه اخلطب وصمت ثيوكيديديس
اخلاص...وال يعين هذا الصمت أنه ال يبايل ،أو أنه مل يعد يستجيب للناس ولألحداث ابالستحسان أو
االستهجان ألنه يشجعنا على أن نفعل ذلك .انه يبني ابألحرى أنه معلم سياسي ماهر ألن اجلدية األخالقية اليت
يغرسها فينا تبقى غري انضجة ،فهي ال تساعدان بصورة كافية على أن نطور خري جمتمعاتنا اليت حتتاج ابلضرورة إىل
تطوير ،إذا مل ترشده احلكمة السياسية أو مل يبلغ ذروة فيها.وابلتايل يطالبنا ثيوكيديديس ،بدال من أن خيربان عما إذا
كان يستحسن أو ال يستهجن سياسة معينة ،أبن نكون أحكامنا اخلاصة مث خنضعها لالختبار الذي متدان به
احلرب..وجيب علينا أن نتخذ موقفا خاصا بطريقة أو أخرى....ومن األمهية ابلتايل ،أن نزن أتثريها احلقيقي ونقوم
ابالستدالالت املناسبة فيما يتعلق حبكمتها
والواقع أن صمت ثيوكيديديس ال ميتد إىل مسائل خاصة فحسب ،مثل املسائل اليت ختص السياسة ،بل ميتد
أيضا ،وبصفة خاصة ،إىل مسائل عامة (...ال يعين ذلك عدم اكرتاثه)...ويشري ثيوكيديديس إىل إجابته اخلاصة
على هذه املسائل العامة ،عن طريق نقد وجهات النظر اخلاطئة لبعض القادة يف احلرب.....
15
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
يبدأ ثيوكيديديس ن بعد تفسريه االستهاليل لظهور احلضارة اليواننية وتطورها ،روايته عن احلرب نفسها أبن
يعرض أسباهبا .والسبب األكثر صدقا من وجهة نظره ،على الرغم من أنه أقل جتليا ووضوحا يف حديثه ،هو أن
الثينيني أجربوا االسربطيني على دخول احلرب ،عندما أصبحوا قوة أعظم أاثرت اخلوف يف نفوسهم.)...(.إننا
نستطيع أن نقدر بصورة مناسبة املوضوع األساسي لدراسة ثيوكيديديس للحرب؛ أعين العدالة ،أو العدالة يف
عالقتها ابإلجبار أبن نبدأ فقط من هذه الظواهر األكثر بساطة....ومع ذلك ،خيربان ثيوكيديديس أن تصميم
اسربطة على شن احلرب ،وحماولة سحق القوة األثينية وتدمريها ،مل حتض عليه اهتامات احللفاء املوجهة ضد أثينا
إال بقدر أقل مما حث عليه خوفها)...(..
حيثنا يثوكيديديس على أن نتصور الطاعون وكارثة صقلية ،إىل جانب اهلزمية النهائية ألثينا يف احلرب ،من
حيث أهنا صنوف من العقاب احملتومة لسلوكها املشني وظلمها...ومع ذلك ال يبدو ثيوكيديديس نفسه يشارك يف
هذا التفسري للحرب بوصفها عقوبة إهلية أو كونية ألثينا .وعلى الرغم من أنه رفض التأمل يف أسباب الطاعون،
فانه خيربان أبنه كان منتشرا يف إفريقيا وآسيا أيضا قبل أن حيل أبثينا ،ويسخر من سرعة تصديق أوالئك الذين
اعتقدوا أن مبلغا من مبلغي الوحي القدماء قد تنبأ به)...(.
لكن حىت بغض النظر عن مسألة ما الذي سبب املعاانة األثينية ،فانه كلما قرأ املرء ثيوكيديديس ،شعر بصورة
أقل أبن أثينا كانت تستحق املعاانة أو أهنا تناسبها .وبوجه عام ،إن استجابتنا األوىل للكتاب كله ليست االرتياح
ألن العدالة قد حتققت ،بل رمبا كان إىل حد كبري شعورا ابحلزن .وينشأ هذا احلزن بقدر كبري على األقل من
إحساس متزايد أبن هزمية أثينا ليست انتصارا للعدالة ،وإمنا العدالة ذاهتا هي من بني الضحااي الرئيسية للحرب.
(.)....
ويبني ثيوكيديديسن عن طريق تفسريه للعصور القدمية ،سواء يف اليوانن أو قربص ،وكذلك عن طريق وصفه
للقوى الناشئة يف مقدونيا وتراقيا أن مصري العدالة يف هذه احلرب كان هو نفسه مصريها من قبل ومصريها يف كل
مكان....وخيربان فضال عن ذلك أبن األشياء العنيفة مثل تلك اليت حدثت يف املدن إابن احلروب املدنية قد
حدثت من قبل ،وستحدث ابستمرار يف املستقبل ،طاملا وجدت الطبيعة البشرية نفسها...هذا التقرير الصلب عن
الطبيعة البشرية هو الصدى األكثر وضوحا عند ثيوكيديديس لوعده االفتتاحي أبن يكشف عن احلقيقة الشاملة
والدائمة اخلاصة ابلشؤون البشرية .والدرس األكثر وضوحا للعمل كله ،ابلنسبة للسياسي واآلخرين ابملثل هو يف
16
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
واقع األمر أن يالحظ املرء أنه طاملا بقي نوعنا ،فانه جيب علينا أن نعتمد على طبيعة بشرية تتغلب ابستمرار،
عندما تسنح هلا الفرصة على ألوان الردع اهلشة للقانون والعدالة).....(...
إن الذكر الوحيد للفلسفة يف عمل ثيوكيديديس هو اخلطبة اجلنائزية لبريكليس .ان بريكليس يثين على األثينيني
لتفلسفهم " بال ختنث " ،الذي يعين به بوضوح ،بدون الرجوع إىل احلياة السياسية .كما أنه يتحدث إبصرار عن
كرامة احلياة النشطة أو السياسية اليت تسمو على حياة الفراغ .غري أن بريكليس أخفق يف أن يفهم أن تفلسف
األثينيني يالزم نوعا من الرقة اخلاصة .ألن الناس ،أو على األقل الناس األكثر قدرة ،أجربهتم جدية اهتماماهتم
األخالقية والسياسية مبسألة صدق معتقداهتم العزيزة عليهم بصورة كبرية ،وابالجتاه يف هناية األمر حنو الفلسفة من
حيث إهنا خريهم األمسى .ولقد كان ثيو كيديديس هو الذي لديه قوة العقل ألن يقبل هذا اإلجبار ،وأن يفكر فيه
بدقة حىت فهمه بوضوح .وقد اكتسب قوة أبعد من هذا الفهم .ألنه من املنظور الذي بلغه ابلتايل ،استطاع أن
يستمر يف النظر إىل احلياة السياسية ،مبا فيها أهواهلا العظيمة ابإلضافة إىل صنوف مجاهلا ،هبذا الوضوح اهلادئ
والتأثري فيها أيضا ،عن طريق كتابته ،هبذا التوازن واإلنسانية"""....
*ثيوكيديديس من أعظم مؤرخي اليوانن ،وكان معروفا ابلدقة واملوضوعية يف هذا الكتاب الضخم :اتريخ حرب
البيلوبونيز اليت دارت بني أثينا وإسبارطة وقد استمرت من 431إىل 404قبل امليالد .وقد دارت بفعل الصراع
الشرس واملرير على ملكية اإلنتاج االقتصادي والسيطرة على املستعمرات.
17
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-ما العدل ؟
-1حبث يف العدالة
-4نقد شعراء آخرين ممن كانوا يف تطابق مع هومريوس شعر املأساة املضلل.
-6سقراط يعرف العدل أبنه وضع الرجل املناسب يف املكان املناسب ،وأن يربع الرجل يف عمله ،وأن ال يكون
جنداي وطبيبا ومزارعا وحارسا يف آن..
-8تعليم املوسيقى والرايضة واألدب لناشئتنا ،ومراقبة القصص اخليالية اليت لن نعلمها ألطفالنا ألهنا ستفسد
عقوهلم..
-9دحض ملا جاء يف قصائد هومريوس عن هللا ،وما هو إال خري حمض ،سبب كل خري ،ال يؤذي ،ال يضر ،وال
يصنع الشر ،بل هو موجد اخلري واألشياء اخلرية وليس الشر .ووجود الشر يبحث عنه يف مكان آخر ،وليس يف هللا
مطلقا ،وهو ليس بساحر ،وال يظهر أبشكال متعددة ،وال خيدع ،،بل هو اثلث يف جمد ربوبيته ،واحد وعينه
ابلذات غري قابل للتغيري ،وهو األكمل ،واألفضل ،وسبب الوجود واألحسن – ""...املرتجم
-1يعترب الكتاب الثاين من اجلمهورية تتمة للكتاب األول الذي دارت حماورته بني سقراط وبوليمارخوس وكان
موضوعها مفهوم العدل ابلذات.
18
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-2ملخص احملاورة أن بوليمارخوس يعطي تعريفه للعدل قائال" :إن العدل هو دفع الدين" .فينقض سقراط هذا
التعريف .مث يعرفه بوليمارخوس اثنية :انه نفع األصدقاء وضرر األعداء ،وعمل اخلري للصاحلني ،واألذى لألشرار.
ويدحض سقراط هذا التعريف للعدل.
-3يستلم تراسيماخوس احملاورة بعدئذ ،ويعرف العدل أنه ال شيء آخر سوى فائدة األقوى .وينقض سقراط هذا
التعريف للعدل ،بتعريفه للفنون ،وهو أن كل فن له غاية يقف عندها ،وهي كمال ذلك الفن .ومبا أن العدل فن
سام يف غايته وكماله ،كما كل الفنون األخرى ،جيب حسبانه فضيلة وخريا .وهلذا ،ال ميكن للعدل أن يكون فائدة
األقوى" -.عن املرتجم...
-ما العدل ؟
-الكتاب الثاين من اجلمهورية -أفالطون (347-427
-نص احملاورة
-)...( -كلوكون.. :دعين أسألك كيف سرتتب اخلريات ؟ أليس فيها ما نرحب به لغاايته اخلاصة ،وليس
لنتائجه ،وكمثل املتع واللذات اليت ال تؤذي وتفرحنا يف وقتها ،مع أنه ال شيء يتأتى منها ؟
-كلوكون :أال يوجد نوع اثن من اخلريات تلك ،كاملعرفة ،والصحة ،والنظر ،اليت تكون مرغوبة ليس بذاهتا فقط،
بل لنتائجها أيضا ؟
-سقراط :ابلتأكيد.
-كلوكون :أومل تدرك نوعا اثلثا منها ،كالتمارين الرايضية ،والعالجات الطبية؟ فالفن الطيب وكل تلك الصناعات
اليت يتم بواسطتها حتصيل املال تفعل لنا فعال حسنا لكننا نعتربها غري مقبولة؛ ولن خنتارها لغايتها اخلاصة ،لكن
لبعض النتائج أو املكافآت اليت تنساب منها ؟
19
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-سقراط :أضعه يف الطبقة األعلى بني تلك اخلريات ،والسعيد هو من يرغبها لنتائجها ،كما لغايتها اخلاصة.
-كلوكون :العديد من الرجال إذن هلم تفكري آخر؛ فهم يعتقدون أن العدل حمسوب من النوع املزعج ،بني اخلريات
اليت جيب مالحقتها لغاية ما أو جلوائز أو لسمعة محيدة ،لكنها يف أنفسها غري مقبولة ولذا جيب االبتعاد عنها.
-سقراط :اعرف.تلك أخالقيتهم يف التفكري .وهذا ما طرحه ومتسك به دائما تراسيماخوس ،عندما أدان العدل
وأثىن على الظلم...ن لكن يبدو أنين متعلم بطيء.
كلوكون )..( :سأتكلم عن طبيعة العدل أوال وعن أصله طبقا للنظرة العامة إليه .سأبني اثنيا أن كل الرجال الذين
ميارسون العدل ،إمنا ميارسونه ضد إرادهتم ،كضرورة ،وليس كخري .وسأحاول اثلثا أن أبني أن هناك سببا هلذه
الرؤاي ،أي أن حياة الظامل ،هي بعد كل ذلك ،أفضل ببعيد من حياة العادل...لكن يبقى أنين يف حرية عندما أمسع
أصوات ثراسيماخوس واآلخرين مرددة صداها يف أذين ومل أمسع مطلقا ،من اجلانب اآلخر حىت اآلن ،علو العدل
على الظلم مؤكدا من أي شخص وبطريقة مقنعة .أريد أن أمسع الثناء على العدل ابعتبار نفسه ،وسأكون مقتنعا
بعدها ،وأعتقد خملصا أنك أنت الشخص الذي سيتوىل هذا الشرح..فهل ستوافق على اقرتاحي؟
-سقراط :أوافق حقا؛ وال أتصور أي موضوع آخر أفضل سيتحاور بشأنه غالبا أي رجل ذي إدراك.
-كلوكون.. :سأبدأ ابلكالم كما اقرتحت عن طبيعة العدل وأصله .يقولون ،أن تفعل الظلم هو ابلطبيعة،خري،وأن
تقاسيه شر ،لكنه يوجد شر يف األول أكثر من اآلخر( .)..وما سن ابلقانون مسي قانونيا وعادال ،وهذا ما دعي
أصل وطبيعة العدل .فهو وسط أو اتفاق ،بني أفضل الكل ،الذي هو فعل الظلم بدون عقاب ،وأسوأه ،أال وهو
مقاساته بدون القدرة على الرد .والعدل نقطة وسط بني االثنني ،وهو مباح ليس كخري ،بل كشر أقل ،ويشرفه
الرجال الضعفاء الذي ال يقدرون على ممارسته)...( .
أما الذين ميارسون العدل ،فما يفعلون ذلك إال جربا ألهنم ال ميلكون القوة ليمارسوا الظلم .ويظهر ذلك جليا عند
ختيلنا شيئا من هذا النوع :إذا أعطينا القوة لكل من العادل والظامل لفعل ما يريدان ،مث راقبنا ورأينا كيف ستقودمها
الرغبة يف العمل .سنكتشف أن الفعل احلقيقي للرجلني يتقدم على الطريق عينه ،فيما يقيد كال منهما .انه الطريق
20
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
الذي تسلكه كل املخلوقات وابلغريزة ،كأنه خريها ،وتكون قوة القانون ضرورية إلجبارمها على احرتام املساواة
واحلرية اللتني نفرتض أنه ميكن إعطاؤمها هلما كاملتني يف شكل هكذا قوة ( .)....وسندع الرجل الظامل أن يفعل
النوع احلق من األخطاء ،وأن يهرب وال يكتشفن إذا كنا سنعلنه سيدا للظلم ،وستكون عالمة عجز إذا أكتشف،
ألن قمة الظلم أن يراك الناس عادال وحقيقتك العكس.)....(...
-أدايمنتوس (أخ كلوكون) .)..( :خيرب اآلابء واملعلمون أبناءهم دائما ،كلمات ميدحون فيها العدل وأن عليهم أن
يكونوا عادلني ،فنسأل ملاذا ؟ طبيعي ليس ألهنم يفضلون العدل على الظلم ،بل للسمعة احلسنة واألخالق ،على
أمل أن حيصل أوالدهم على بعض املناصب الرفيعة ويتزوجون ممن يريدون وما شابه ذلك .)..(...إن الصوت
العاملي للجنس البشري ،يعلن دائما أن الفضيلة والعدل شريفان ،غري أهنما حمزانن ومتعبان ،وأن مسرات الرذيلة
والظلم سهلة املنال ،ويدينها القانون والرـأي العام فقط)...(.....
-سقراط :جيب أن نبحث ،يف املكان األول وبشمولية يف طبيعة العدل والظلم ونكتشف احلقيقة ،اثنية عن
منافعهما اليت يتصل بعضها ببعض..إن البحث سيكون ذا طبيعة جدية وسيحتاج لعيون سليمة :لنفرتض وجود
شخص ضعيف البصر ،طلب منه أن يقرأ كلمات صغرية عن بعد،بينما الحظ آخر أن الكلمات عينها ،نقشت
يف مكان آخر بشكل أكرب...وميكنه أن يقرأ األحرف الكبرية ويتقدم إىل الصغرية بعدئذ ،سيظن هذا أنه قطعة
اندرة من احلظ السعيد
-أدايمنتوس :حقيقة متاما ،ولكن كيف ميكننا أن نطبق هذا الشرح عمليا يف حبثنا عن العدل ؟
-سقراط :سأخربك ،حيكى عن العدل ،وكما تعرف ،أنه فضيلة الفرد ،وفضيلة الدولة أحياان.
-ادايمنتوس :حقا.
-سقراط :يكون العدل على األرجح ،يف األوسع إذن أكثر غزارة ،ومكتشفا بسهولة أكثر .أفرتض لذلك ،أننا
سنبحث عن طبيعة العدل والظلم ،كما يظهران يف الدولة أوال ،ويف الفرد اثنيا ،متقدمني من األكرب إىل األصغر
ومقارنني بينهما.
21
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-سقراط :وإذا ختيلنا الدولة يف بداية تكوينها ،سنرى العدل والظلم يف عملية نشوئهما أيضا...وعندما تكتمل
الدولة فمن املمكن إجياد أمل أبن هدف حبثنا سيكتشف بسهولة أكثر..
-سقراط :تنبثق الدولة ،كما أتصورهن من حاجات اجلنس البشري؛ ال احد ميكنه البقاء بنفسه ،بل كلنا لدينا
عدة متطلبات .أميكن تصور أي أصل آخر للدولة .؟
-سقراط :ومبا أننا منتلك عدة احتياجات إذن ،فسنحتاج ألشخاص عديدين إلمدادان هبا .يؤخذ واحد كمساعد
لغرض ما ،وآخر لغرض آخر ،وعندما جيمع هؤالء الشركاء واملساعدون يف مسكن موحد معا ،سندعو هذا اجلسم
املأهول دولة)..(..
-سقراط :دعنا إذا نبين الدولة نظراي من البداية،ويظهر مع ذلكـ ،أن اخلالق احلقيقي هو الضرورة.
-سقراط :جيب أن نستنتج أبن كل األشياء تنتج بوفرة وسهولة أكثر وبنوعية أفضل عندما يعمل الرجل الواحد
شيئا واحدا وهو الشيء الطبيعي له ،ويصنعه يف الوقت الصحيح ،اتركا كل احلرف األخرى وشأهنا ()..
-أدايمنتوس :هذا حق ،فالدولة اليت حتتوي كل تلك األشياء ليست صغرية جدا
-سقراط :هناك يف املدينة إذن وضع اثن :انه إجياد املكان حيث ينتفي استرياد أي شيء والذي يكاد يكون
مستحيال تقريبا.
-أدايمنتوس :مستحيل
-سقراط :جيب إجياد طبقة أخرى من املواطنني الذين سيجلبون اإلمدادات الضرورية من مدينة أخرى)..(.
22
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-سقراط :سيحتاجون مكاان جتاراي حينئذ ،ومصرفا ألغراض التبادل ( .)..وهناك طبقة أخرى من اخلدم ....وهم
يسمون ،إذا مل أكن خمطئا األجراء..،
-ادايمنتوس :حقا.
-سقراط :أين هو العدل داخلها؟ وأين هو الظلم؟ ويف أية درجة دخال ؟
أدايمنتوس :من احملتمل أهنما دخال يف تعامل أوالئك املواطنني مع بعضهم البعض.ال أقدر أن أقرتح إمكان إجيادمها
يف أي مصدر آخر.
-سقراط :أجرؤ على القول أنك حمق فيما تقرتح(..دعنا نعترب اذن....ماذا سيكون طريقهم يف احلياة .ألن يشتغلوا
يف حمصول الذرة والنبيذ والثياب واألحذية ؟ .....
-سقراط :مل أنس ذلك حقا ،جيب أن نعطيهم مقبالت..ما الذي تريد احلصول عليه اي كلوكون ؟
-كلوكون :ماذا؟ عليك أن تعطيين األشياء العادية الالئقة للحياة .إن الذين يريدون الراحة معتادون على أن
يتمددوا على األرائك ويتناولون غذاءهم على الطاوالت ،وينبغي أن تكون لديهم صحون وحلوى يف الشكل
العصري
-سقراط :نعم ،أفهم اآلن .فالسؤال الذي تلفت نظري إليه ،ليس فقط كيف جيب خلق دولة ،بل كيف جيب
خلق دولة مرتفة .وقد ال يكون يف ذلك أذى ،ألننا بتمديد حبثنا لتلك الدولة ،سنكون أكثر قدرة ،على أية حال،
على رؤية كيفية نشوء الظلم والعدل السياسيني .ويف رأيي أن اجملتمع الصحي واحلقيقي للدولة ،هو اجملتمع الذي
وصفته سابقا.....
(""".)...............
23
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-أفالطون ،احملاورات الكاملة -اجمللد األول "" اجلمهورية"" ،الكتاب الثاين ،ترمجة شوقي داود ترماز ،أهللية للنشر
والتوزيع ،بريوت ،1993ص.ص .126-86
-أفالطون
-أفالطون مل يتحدث إلينا إطالقا ابمسه اخلاص؛ ألن جمموعة من الشخصيات هي اليت تتحدث فقط يف حماوراته.
وبصورة دقيقة ،ال وجود ابلتايل لتعاليم أفالطونية ؛ ففي الغالب هناك تعاليم األشخاص الذين هم الشخصيات
األساسية يف حماوراته .وليس من اليسري أن نقول ملاذا يسري أفالطون هبذه الطريقة.فرمبا كان يشك فيما إذا كان من
املمكن أن يكون هناك تعليم فلسفي مناسب ،ورمبا اعتقد أيضا -مثل أستاذه سقراط-أن الفلسفة هي يف النهاية
حتليل ملعرفة اجلهل.
-كان سقراط ابلفعل الشخصية الرئيسية يف معظم احملاورات األفالطونية .ويستطيع املرء أن يقول إن حماورات
أفالطون كلها هي أثر خالد حلياة سقراط أكثر من أن تكون تقدميا لتعاليم معينة...تبني كيف كان منهمكا يف
إيقاظ زمالئه ،وحاول توجيههم حنو احلياة الفاضلة اليت كان يعيشها هو.ومع ذلك مل يكن سقراط ابستمرار هو
الشخصية الرئيسة يف حماورات أفالطون ،ففي عد قليل منها مل يفعل شيئا سوى أن يستمع بينما يتحدث
اآلخرون .ويف حماورة واحدة ( وهي حماورة القوانني) مل يكن موجودا.وحنن نذكر هذه الوقائع الغريبة ،ألهنا تبني كم
يكون من الصعب التحدث عن تعاليم أفالطون.
-تشري كل حماورات أفالطون بصورة مباشرة ،كبرية أو قليلة ،إىل املسألة السياسية .ومع ذلك،ال يوجد سوى
ثالث حماورات تشري عن طريق عناوينها إىل أهنا خمصصة للفلسفة السياسية وهي "اجلمهورية" و"السياسي"
و"القوانني" .والتعاليم السياسية ألفالطون متاحة لنا بصورة أساسية عن طرق هذه األعمال الثالثة.
24
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يناقش سقراط يف حماورة اجلمهورية طبيعة العدالة مع عدد كبري إىل حد ما من املتحاورين...وبينما يتضح لنا
مكان احملادثة متاما ،فان الزمن ،أي السنة ،ال يتضح .ولذلك تنقصنا معرفة أكيدة ابلظروف السياسية اليت حدثت
فيها هذه احملادثة عن مبادئ السياسة .ومع ذلك فقد نفرتض أهنا حدثت يف حقبة من االحنطاط السياسي ألثينا،
وأن سقراط واحملاورين( أي الشقيقني كلوكون وأدمياتوس) اهتموا اهتماما عظيما هبذا التدهور والتفكري يف استعادة
الصحة السياسية .ومن املؤكد أن سقراط اقرتح اقرتاحات جذرية للغاية ختص اإلصالح...بيد أن هناك أيضا
إشارات طفيفة يف حماورة اجلمهورية إىل النتيجة اليت تقول :رمبا ينجح اإلصالح املرجو يف اخلطة السياسية ،أو أن
اإلصالح املمكن الوحيد هو إصالح اإلنسان الفرد..
-لكي يدافع سقراط عن قضية العدالة ،يتحول يف حديثه مع كلوكون وأدميانتوس ،إىل أتسيس املدينة .ان السبب
يف كون هذا اإلجراء ضروراي هو على النحو التايل :يعتقد أن العدالة هي احملافظة على القانون ،أو اإلرادة الصارمة
على إعطاء كل ذي حق حقه؛ أعين ما خيصه وفقا للقانون؛ ومع أنه يعتقد أيضا أن العدالة مفيدة وخرية؛ غري أن
طاعة القوانني أو إعطاء كل ذي حق حقهن وفقا للقانون ليس مفيدا بصورة اتمة ،ألن القوانني قد تكون سيئة
كان العدالة ال تكون ،ببساطة مفيدة إال عندما تكون القوانني خرية ،ويتطلب ذلك أن يكون احلكم الذي تصدر
منه القوانني خريا .إن العدالة ال تكون مفيدة متاما إال يف مدينة فاضلة.وفضال عن ذلك ،يتضمن إجراء سقراط أنه
ال يعرف مدينة فعلية فاضلة .وهذا هو السبب يف أنه كان جمربا على أتسيس مدينة فاضلة .انه يربر حتوله إىل
املدينة أبن العدالة ميكن أن تكتشف بسهولة يف املدينة أكثر مما تكتشف يف الفرد البشري ..ألن املدينة أكرب من
الفرد البشري ،ولذلك يلوح أبن هناك توازي بني املدينة والفرد ،أو بصورة أكثر دقة ،بني املدينة ونفس الفرد
البشري.
-ويتجه سقراط وـأصدقاؤه ،بعد أتسيس املدينة الفاضلة اليت تكون ،يف الغالب مكتملة ،إىل البحث عما إذا
كانت فيها عدالة أو ظلم ،وعما إذا كان اإلنسان الذي جيب أن يكون سعيدا ،ال بد أن ميتلك العدالة أو الظلم.
ويبحثون يف البداية عن الفضائل الثالث غري العدالة ( أعين احلكمة ،والشجاعة واالعتدال) .أما املدينة اليت
تؤسس وفقا للطبيعة ،فتكون احلكمة من خصائص احلكام ،من خصائص احلكام وحدهم؛ ألن احلكماء هم
ابلطبيعة القطاع األصغر يف أي مدينة ،وإذا مل يكونوا هم وحدهم قادة املدينة ،فان ذلك لن يكون خريا هلا..
25
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
"" -ال شك يف أن حماورات سقراط جليلة جدا مجعت إىل رشاقة األسلوب أصالة املعاين وسعة اخليال .ورمبا كان
عسريا أن يكون كل ما فيها حقا على السواء( .)...ال شك يف أن املرء حر يف أن خيلق ما يشاء من الفروض،
غري أنه ال ينبغي أن يدفع هبا إىل املمتنع"".ص.ص .149-148
"" -مذهب سقراط السياسي يف جمموعه ،ال هو دميقراطية وال أوليغرشية ،إمنا هو حكومة وسط تسمى مجهورية
ما دامت تتألف من كل املواطنني الذين حيملون أسلحة نفاذا كان يريد من هذا الدستور انه األكثر شيوعا يف
الدول املوجودة فرمبا كان غري خمطئ .لكنه يكون خمطئا إذ أنه يظن أنه يلي مباشرة الدستور الفاضل ،بل كثري من
الناس يستطيعون أن يؤثروا عليه بال تردد دستور لقدمونيا ،أو أي دستور آخر أدخل يف ابب األرستقراطية"....
ص.151.
26
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يناقش أرسطو عددا كبريا من الدساتري املعروفة يف عصره ،اىل جانب الدستور الذي عرضه أفالطون يف حماورة
القوانني والنظام اجلمهوري الذي بسط أركانه سقراط يف كتاب اجلمهورية .من أهم الدساتري اليت يناقشها أرسطو
الدساتري التالية :
-3دستور لقدميونيا
-4دستور كريت
-5دستور إسبارطة
-6دستور قرطاجنة
-انه يتوقف عند الدساتري ،سواء منها املوجودة والواقعية ،أي املطبقة يف بعض املدن والدول ،أو تلك اليت ختيلها
بعض الفالسفة والكتاب....
النص-
''كل دولة هي ابلبديهة اجتماع ،وكل اجتماع ال يتألف إال خلري مادام الناس أاي كانوا ال يعملون أبدا شيئا إال
وهم يقصدون إىل ما يظهر هلم أنه خري ،فبني إذن أن كل االجتماعات ترمي إىل خري من نوع ما ،وان أهم
اخلريات كلها جيب أن يكون موضوع أهم االجتماعات ،ذلك الذي يشمل األخر كلها ،وهذا هو الذي يسمى
ابلضبط الدولة أو االجتماع السياسي )...(.ص(.96-95الكتاب األول).
ملا أن غرضنا هو البحث بني االجتماعات السياسية كلها ،عن أيها ينبغي أن يؤثر الناس سادة أن خيتاروه
مبحض رغبتهم ،علينا أن ندرس معا نظام الدول اليت نعترب أهنا تتمتع ابلقوانني األحسن ما تكون ،والدساتري اليت
ختيلها بعض الفالسفة ،واقفني عند أشهرها ليس غري .وهبذا نكشف مها ينطوي عليه كل منها مما هو خري وقابل
للتطبيق ،ونبني يف الوقت عينه أننا إذا كنا نطلب نظاما سياسيا خمتلفا عن كل أوالئك فلسنا مدفوعني إىل هذا
27
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
البحث برغبة صلفة ابملباهاة بعقلنا ،بل يدفعنا إىل البحث ما يف الدساتري املوجودة من عيوب..الكتاب الثاين ص
.131
حينما تدرس طبيعة احلكومات املختلفة ونوعها اخلاص ،فأوىل املسائل هي العلم مباذا يعين ابلدولة .يف اللغة
العامية ،هذه الكلمة شديدة االلتباس .فالفعل الفالين يصدر من الدولة يف رأي البعض وهو يف رأي اآلخرين ليس
إال فعل أقلية أوليغرشية أو طاغية .ومع ذلك فالرجل السياسي واملقنن إمنا يقصدان يف أعماهلما إىل الدولة ليس
غري.واحلكومة ليست إال نظاما ما مفروضا على مجيع أعضاء الدولة.
لكن الدولة مبا هي ،ككل جمموع آخر اتم ومؤلف من أجزاء كثرية ،ليست إال اجتماع عناصر ،فينبغي
ابلبداهة أن يتساءل ابدئ األمر ما هو املواطن ،ما دام املواطنون مبا هم عدة ما هم (سوى) العناصر ذاهتا للدولة..
وعلى ذلك لنبحث أوال من الذي يسمى مواطنا وماذا يعين هذا االسم ؟ ()...
ال يكون املرء مواطنا مبحل اإلقامة وحده ،ألن حمل اإلقامة ميلكه أيضا األجانب املقيمون والعبيد .كذلك ال
يكون املرء مواطنا مبجرد حق املداعاة لدى القضاء مدعيا أو مدعى عليه .ألن هذا احلق ميكن أن خيول مبجرد
معاهدة جتارية..(....إن السمة املميزة للمواطن احلق على الوجه األمت ،إمنا هي التمتع بوظائف القاضي واحلاكم.
ومع ذلك فان وظائف احلكم ميكن أن تكون اترة مؤقتة حبيث ال يشغلها الفرد بعينه مرتني أبدا ،أو حمدودة تبعا
شكل آخر ،واترة عامة وبال حدود كوظائف القاضي وعضو اجلمعية العمومية ..(.يتغري املواطن ابلضرورة من
دستور إىل آخر .فاملواطن كما قد حددانه ،هو على اخلصوص مواطن الدميقراطية .وهذا ال يعين أنه ال ميكن أن
يكونه أيضا يف غريها ،لكنه ال يكونه ابلضرورة.)...(...
إن املواطن هو الفرد الذي ميكن أن يكون له يف اجلمعية العمومية ويف احملكمة صوت يف املداولة أاي كان مع
ذلك شكل الدولة اليت هو عضو فيها .وأعين وضعيا ابلدولة ،لفيفا من أانس من هذا القبيل ،ميلك كل ما يلزم
لسد حاجات املعيشة )...(...والواقع أنه ما دامت الدولة نوعا من االجتماع ،أي اجتماع أانس خاضعني لدستور
ما ،فإذا تغيري هذا الدستور وتعدلت صورته فينتج ضرورة أن الدولة ال تبقى هيما هي ،والشأن يف هذا كالشأن يف
اجلوقة اليت تظهر على التبادل يف امللهاة ويف املأساة ،فهي متغرية يف نظران ،مع أهنا يف الغالب تتألف من املمثلني
أنفسهم.)..(..
28
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
مسألة تتبع تلك املاضية ،هي أن تعرف هل هناك متاثل بني فضيلة الفرد على حدة وفضيلة املواطن أو مها
ختتلفان إحدامها عن األخرى .لعالج هذا البحث على طريقة منظمة ،ينبغي بدء أن حندد يف أنفسنا معىن فضيلة
املواطن.
املواطن كاملالح هو عضو مجاعة .ففي السفينة ،مع أن لكل خدمة خمتلفة أبن يكون الواحد جذافا واآلخر
رابان ،وهذا مساعدا وذاك مكلفا عمال آخر ،بني برغم تلك التسميات والوظائف اليت ابملعىن اخلاص فضيلة
خاصة لكل منهم .إهنم مجيعا يشرتكون مع ذلك يف حتصيل غاية مشرتكة وهي سالمة السفينة اليت يقومون هبا ،كل
فيما خيصه ،واليت يسعى كل واحد منهم إليها على السواء.
أعضاء الدولة يشبهون املالحني متاما .فعلى رغم اختالف وظائفهم ،فسالمة اجلماعة هي عملهم املشرتك.
واجلماعة هنا هي الدولة .ففضيلة املواطن تتعلق إذا ابلدولة من دون سواها .لكن نظرا إىل أن الدولة تكتسي صورا
متعددة ،فبني أن فضيلة املواطن يف كماهلا ،ال ميكن أن تكون واحدة.فان الفضيلة اليت جتعل املرء خريان هي على
العكس واحدة ومطلقة .ومن مثة هذه النتيجة الواضحة ،وهي أن فضيلة املواطن ،جيوز أن تكون فضيلة أخرى،
غري فضيلة الفرد على حدة.)...(..
أكثر من هذا :الدولة تتألف من عناصر متباينة ،وكما أن املوجود احلي يتكون أصال من نفس ومن جسم ،
وكما أن النفس تتألف من العقل ومن الغريزة ،وأن العائلة من الزوج والزوجة ،وامللكية من السيد والعبد ،كذلك كل
هذه العناصر توجد يف الدولة تصحبها أيضا عناصر أخر ليست أقل تغايرا.وذلك ما مينع ضرورة أن تكون فيها
وحدة فضيلة جلميع املواطنني ،كما أنه ال ميكن أن تكون وحدة وظيفة يف اجلوقات ،حيث عمل أحدهم رئيسي
واآلخر تبعي.
فحق إذن أن فضيلة املواطن والفضيلة مأخوذة على عمومها ،ليستا متماثلتني إطالقا .إذن من ميكن أن جتتمع
له هذه الفضيلة املزدوجة للمواطن الطيب والرجل الطيب ؟ لقد قلته :إمنا هو احلاكم احلقيق ابإلمرة اليت يقوم هبا
والذي هو فاضل وكيس معا .ألن الكياسة ليست أقل لزوما من الفضيلة لرجل الدولة )..( .
يف الدولة ليس األمر بعد بصدد سيد أو عبد ،فليس فيها إال سلطة تنفذ على أشخاص أحرار متساوين
ابملولد .وإذن فتلك هي السلطة السياسية اليت يؤهل نفسه هلا حاكم املستقبل ،أبن يطيع هو نفسه ابدئ األمر،
كما أن املرء يتعلم أمرة كتيبة أبن يكون جمرد فارس :ويتعلم أن يكون قائدا أبن ينفذ أوامر قائد ،وأن يقود سرية
29
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
من الرجالة أو فرقة من اجلند ،أبن خيدم جنداي يف هذه أو تلك .وإذا ،فعلى هذا املعىن ،يكون من احلق أن نؤيد
أن املدرسة الوحيدة احلقة لإلمرة هي الطاعة .)..(((..أما الفضيلة الوحيدة اخلاصة ابإلمرة فهي التبصر ،وأما سائر
ما سواها ،فهن ابلضرورة من املشرتك بني أوالئك الذين يطيعون وبني أوالئك الذين أيمرون .التبصر ليس البتة
فضيلة الرعية ،بل الفضيلة اخلاصة ابلرعية ،هي ثقة عادلة ابلرئيس .واملواطن الذي يطيع هو كصانع الومارات،
واملواطن الذي أيمر ،كالفنان الذي يستخدم اآللة.)....(...
مىت تقررت هذه األصول ،فأول مسألة تليها هي هذه .هل يوجد دستور واحد أو عدة دساتري سياسية ؟ وإذا
كانت عدة فما هو طبعها وعددها والفروق بينها ط الدستور هو هذا الذي يعني يف الدولة النظام املرتب جلميع
الوظائف ،لكن على اخلصوص ،الوظيفة اليت هلا السيادة ،وسيادة الدولة إمنا هي يف كل مكان للحكومة:
واحلكومة هي الدستور نفسه .نوضح هذا :مثال يف الدميقراطيات ،السيادة لألمة .ويف األوليغرشيات على عكس
ذلك ،ذلك أمنا هي ألقلية مؤلفة من األغنياء .ومن أجل ذلك ،يقال أن دساتري الدميقراطية واألوليغرشية خمتلفة يف
أصوهلا .ونطبق هذه التماييز على مجيع احلكومات األخرى..
يلزم بدءا ـأن نذكر هنا ما هو الغرض الذي نعنيه للدولة ،وما هي ضروب اخلالف اليت عرفناها للسلطات،
سواء ما ينطبق منها على الفرد ،وما ينطبق منها على احلياة العامة .يف بداية هذا الكتاب ،قلنا إذ نتكلم على
اإلدارة املنزلية وعلى سلطة السيد ،أن اإلنسان هو بطبعه ،كائن اجتماعي ،وأعين بذلك أن الناس ،حىت من غري
أية حاجة إىل التعاون املتبادل .ترغب رغبة ال تقهر يف عيشة اجلماعة.
وهذا ال مينع أن كل واحد منهم مدفوع مبصلحته اخلاصة ،وابلرغبة يف حتصيل حظه الفردي من السعادة اليت
ينبغي أن يلقاها .هذا هو على التحقيق غرض الكل جبمعهم ،وغرض كل واحد منهم على حدته .لكنهم جيتمعون
أيضا ،على األقل من أجل سعادة العيش وحدها .وان حب احلياة هذا ،هلو بال شك ،أحد كماالت
اإلنسانية..يرتبط املرء ابجلمعية السياسية ،حىت حني ال جيد فيها شيئا أكثر من العيشة ،إال أن يكون مبلغ الشرور
اليت تسببها جيعله يف احلق ال تطاق.)...(...
ويف السلطات العامة ،حينما تكون املساواة الكاملة للمواطنني هي القاعدة ،فلكل منهم احلق يف مباشرة
السلطة يف دوره .بدءا وهذا شيء طبيعي حمض ،أن اجلميع يرون هذا التناوب شرعيا متاما ،ويقرون لغريهم حق
الفصل بنفسه يف مصاحلهم ،كما أهنم أنفسهم فيما سبق ،قد فصلوا يف مصاحلهن لكن فيما بعد ،قد توحي املزااي
30
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
اليت تؤتيها السلطة وإدارة املرافق العامة إىل مجيع الرجال ،الرغبة يف أن يبقوا يف الوظيفة أبدا ،ولو أن استمرار اإلمرة
كان مستطيعا وحده بال ختلف أن يشفي مرضا يصيبهم ،ملا كانوا أحرص عليه ،منهم على االحتفاظ هبذه املرة،
بعد أن ذاقوا االستمتاع هبا..
فبديهي إذن أن الدساتري كلها اليت تقصد إىل املنفعة العامة ،هي صاحلة ألهنا تتوزع يف إقامة العدل .وكل
الدساتري اليت تقصد إىل املنفعة الشخصية للحاكمني ،وهي فاسدة القواعد ،ليست إال فسادا للدساتري الصاحلة،
فإهنا تشبه عن قرب ،سلطة السيد على العبد ،يف حني أن املدينة على ضد ذلك ،ليست إال مجاعة أانس
أحرار.)....(.
مىت كانت حكومة الفرد موضوعها املنفعة العامة ،فهي تسمى عادة ملوكية .وهبذا القيد نفسه تسمى حكومة
األقلية ،بشرط أال ترد إىل فرد واحد أرستقراطية ،ومسيت كذلك ،إما ألن السلطة هي يف أيدي األخيار ،وإما ألن
السلطة ال موضوع هلا إال اخلري األكرب للدولة وأفراد اجلماعة..وأخريا ،حني حتكم األكثرية ،وال غرض هلا إال
الصاحل العام ،فهذه احلكومة أتخذ تسمية خاصة ،،هي التسمية النوعية جلميع احلكومات ،فتسمى اجلمهورية....
"""
-ا أرسطو طاليس ،كتاب السياسة ،ترمجة أمحد لطفي السيد ،منشورات اجلمل ،بريوت ،2009الكتاب الثاين ،
ص.ص .207-131
-إذا كان أرسطو يدرس النظام االجتماعي بعد أن درس الفضيلة والسعادة فذلك ليتم ،كما قال هو نفسه "
فلسفة األشياء اإلنسانية" ،لكنه كثريا ما يعزب نظره عن املبادئ ليتجه إىل احلوادث .لقد كان أفالطون قد أسلم
قياده إىل العقل قبل كل شيء ليفهم الدولة وليقدرها قدرها .فكان يساءل العقل عن القوانني األساسية
للسلطان،كما كان يسأله عن أركان السعادة احلقة سواء بسواء .أما أرسطو ،فانه ،من دون أن يهمل العقل،
يسأله مع ذلك على حنو أقل يقظة وأقل اطمئناان ،بل هو يكل األمر أكثر إىل التاريخ .فمن مشاهدة احلوادث
اخلارجية والظواهر االجتماعية يستعري نظرايته كلها تقريبا .ص33.
31
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-لقد استخرج أفالطون انفع تعاليمه من البسيكولوجيا مطبقة على الساسة ،وعرف كيف ميضي مطمئنا من
الوعي امللحوظ على املسرح الضيق للفرد ،إىل الوعي على املسرح األوسع للمدينة .مل حيتذ أرسطو هذا املثل على
ما به من خصب )...(.بل آثر مشهد اجملتمع على مشهد الوعي....انه إذا كان أفالطون على األخص عقليا،
فان أرسطو قد كان على األخص اترخييا.ص34.
-بدءا يرجع إىل أرسطو اجملد يف أنه صنع السياسة كما صنع أجزاء الفلسفة األخرى فأسبغ عليها صورة علمية.
فان املبادئ بل أكرب النظرايت واألحداث االجتماعية كانت عند أفالطون من قبل ،ولكن كانت يف تلك
احملاورات العجيبة ،كما يكون يف احملاداثت ،حىت ا يف حماداثت الرجال األقوى امتيازا ،على حال اختالط
وتشويش ظاهري على األقل ،فجاء أرسطو فرتبها كلها وان مل يكن ليسلم هبا كلها.ص35.
-إن أرسطو هو من أسس العلم السياسي ابملعىن اخلاص على صورته احلقة ،كما أسس علم املنطق وعلم ما بعد
الطبيعة ،وعلى مستوى أقل رفعة من ذلك علم اخلطابة وعلم الشعر...وكثريا غريها .فيمكن أن يقال أن أرسطو
هو منظم العلم يف الزمن القدمي.. ،هو وحده الذي عرف ـأن يشيد آاثر تعليمية منتظمة.ص35...
-هو ال يرى كأفالطون أنه يستطيع بوجه ما أن خيلق دولة ويؤتيها صورهتا على ضوء عقله ومىن قلبه ،بل هو
يقبلها كما هي حسنة التأليف أو قبيحه ،ويبحث فيما هي عناصرها البسيطة غري القابلة للتحليل ،ويضع نظرية
هذه العناصر أألصلية على حسب األحداث اجللية املضبوطة اليت تقدمها له املشاهدة (..اطلع أرسطو على ما ال
يقل عن مائة ومخسني دستورا(...
-مزية أخرى تدعو إىل منط أرسطو .إن الفضل يرجع إليه يف أمن احتفظ لنا بتفاصيل شائقة وحيدة يف ابهبا ،هو
وحده الذي نقلها لنا من دول العصر القدمي...ومن دون مساعدة التاريخ اليت استخدمها ،كنا ال نزال أقل علما
مما حنن ابلنظام السياسي لكثري من الشعوب الشهرية.ص.41.
-ميكن االعتقاد ابن تلميذ سقراط(أفالطون) قد اغرتف من البسيكولوجيا أكثر مما اغرتف من التاريخ .أما
أرسطو فانه من أول كلمة ينفي كل لبس .ال يوجد إال ثالث حكومات ممكنة ،ألن السلطان ال ميكن بطبيعة
األشياء ذاهتا أن يكون إال يف يد فرد أو عدة أفراد أو يف أيدي اجلميع.
32
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-أرسطو كأفالطون أيضا جيعل لفساد احلكومات الثالث سببا أوحد وهو االستبدال غري الشرعي ملنفعة خاصة
ابملنفعة العامة .واىل هنا مل يزد التلميذ على أن اتبع أستاذه ونقل عنه .لكن هاك اإليضاح املنري الذي يسبغه على
تلك النظرية األساسية :انه يبني كيف تنطبق على التاريخ ،فيساءل اتريخ الشعوب عن األنواع املختلفة اليت تعرض
لكل واحدة من هذه احلكومات .يف الواقع .ص.42.
-إن علم السياسة يبدأ بدراسة اجملتمع والدولة ،مث جيتاز بعد ذلك كل األشكال اليت تكسوها الدولة ،وآخر حبوثه
إمنا هو البحث عن األسباب اليت تؤدي هبا والوسائل اليت حتفظها .وهنا أرسطو ليس أعلى من أفالطون فحسب،
بل هو أعلى من كل من خلفه إىل هذا اليوم ،فهو على اإلطالق غري منافس .)..(..ها هنا عمل العبقرية ،إمنا هو
أن جيمع يف نظرية مذهبية كل هذه األحداث اليت هي حقا متشاهبة يف ما بينها ،ولكن التاريخ قدمها مبعثرة ال
رابط بينها .رتب أرسطو واحدا واحدا ،كل أسباب الثورات وحدد عددها مقتصرا على العموميات أوسعها
وأضبطها معا ..مث إذ قد عدد هذه األسباب ،يبني كيف يعمل كل واحد منها على حسب املبادئ املختلفة
للحكومات .ص.44 .
-نظرية أخرى غاية من األمهية ،هي أيضا كلها لفيلسوف اسطاغريا ،هي نظرية السلطات الثالث .مييز أرسطو
يف السلطان العام ثالثة ضروب على حسبها يعمل :سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية .يشرح كل
واحدة منها على انفراد ،لكي يبني كم هو ضروري حلياة النظام ،أن تكون هذه السلطات متميزة بعضها عن بعض
،فال توضع أبدا يف يد واحدة بعينها .)...(.ومىت أجيد تقسيم هذه السلطات ،أجيد نظام الدولة كلها .ومتتاز
الدول على اخلصوص بعضها عن بعض ،ابالعتدال املتغاير هلذه العناصر الثالثة.
33
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
" من املعروف أن أوالئك الذين يسعون إىل نيل رضا أحد األمراء جيتهدون يف تقدمي اهلدااي الثمينة ذات
القيمة الغالية إليه .أو أهنم يهدونه أشياء يعلمون أهنا تدخل البهجة والسرور إىل نفسه ويسعد هبا ،وحيب رؤيتها.
وعلى هذا األساس جند أن غالب األمراء يقبلون هدااي تتمثل يف جياد أصيلة ،أو أسلحة مثينة ،أو ثياب موشاة
ابلذهب أو األحجار الكرمية ،وما شاهبها من حتف تليق مبكانتهم العظيمة.
ولكنين على أي حال ،أود أن أهدي مسوكم الكرمي شيئا متواضعا يدل على إخالصي لكم .ومل أجد فيما
أملك ،ما هو أغلى من معرفيت أبعمال ومنجزات عظماء الرجال .وهي معرفة اكتسبتها من خالل جتربة طويلة
مررت هبا ،وقد صاحبها العديد من األحداث ،إضافة إىل ما درسته حول ما حدث يف املاضي
وبعد تفكري عميق ،وبذل الكثري من اجلهد يف دراسة وأتمل منجزات العظماء ،أهدي مسوكم اليوم ،ما
توصلت إليه ممن نتائج ،وقد وضعتها يف هذا الكتاب الصغري""..
"" مل يكن نيقوال مكيافيللي جمرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية ،انه كان مشرتكا بقوة يف احلياة
السياسية املضطربة وغري املستقرة اليت مرت هبا مدينة" فلورنسا" يف الفرتة اليت عاش فيها".
"أصبح هذا الكتاب الصغري منذ ظهوره يف القرن السادس عشر ،مثار جدال كبري .كما أصبح مادة ضرورية
لدراسة علم السياسة يف عصر النهضة ..وهو على الرغم من اشتماله على عدد كبري من املبادئ واملفاهيم السياسية
الناضجة اليت اعتنقها مكيافيللي ،إال أنه ال يشمل كل آرائه السياسية".
-اسم مكيافيللي يف حد ذاته ال يرتبط أبي معىن طيب يف ذهن القارئ العريب العادي ،بل أن كثريا من القراء
العرب واملسلمني ،ال يعرفون عنه سوى أنه صاحب عبارة ":الغاية تربر الوسيلة.".
34
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-ارتبط اسم مكيافيللي واسم كتاب األمري ابلشرور كلها.ففي املسرح االجنليزي يقول شكسبري على لسان إحدى
شخصياته يف مسرحية " زوجات وندسور املرحالت" :ماذا..هل أان خمادع..هل أان مكيافيللي ؟. ".
-على الرغم من أن فرنسيس بيكون( وهو معاصر لشكسبري) حاول توضيح أن مكيافيللي يتناول األشخاص
كما هم ،وليس كما جيب أن يكونوا ،فان ذلك مل جيد نفعا...حىت أن امسه قد أصبح مرادفا للشر الذي ال ينافسه
سوى شخصية الشيطان مفستوفاليس يف مسرحية فاوست لغوته الشهرية....
-بشهادة كثري من املؤرخني ،يعترب كتاب مكيافيللي ،أول ما كتب يف علم السياسة احلديث.
"يعترب مكيافيللي مسؤوال ولو جزئيا ،عن اجلدل الذي اثر حول كتابه "األمري" عقب طباعته .فهو مل حياول تنظيم
أفكاره ،وال تفسري مصطلحاهتا ال تقليدية .كما أنه أخفق أيضا يف توضيح العالقة بني األمري اجلديد الذي سيصلح
اهليآت الفاسدة ،وبني النظام اجلمهوري الذي كان هو من الدعاة إليه.كما أنه قضى طوال حياته خملصا هلذا ا
النظام ومناداي به ومدافعا عنه'''.
ص.ص13-9.
-ماكيافيلي هو املفكر السياسي الوحيد الذي أصبح امسه شائعا يف االستخدام لتحديد نوع معني من
السياسة ،فهو نوع يوجد ويستمر يف الوجود بصورة مستقلة عن أتثريه ،أعين سياسة توجهها ابلتحديد اعتبارات
املنفعة اليت تستخدم كل الوسائل ،معتدلة أو مشينة ،حديدية أو سامة ،لتحقيق غاايهتا( .)....وإذا كانت هذه
الظاهرة قدمية مثل اجملتمع السياسي نفسه ،فلماذا تسمى ابسم ماكيافيلي الذي مل يفكر أو يكتب إال منذ فرتة
قصرية مضت ،أي حوايل 500سنة مضت.؟ .
لقد كان ماكيافيلي هو أول من يدافع عنها بصورة علنية ،يف كتب حتمل امسه على صدر صفحاهتا .لقد
جعلها ماكيافيلي بصورة علنية ممكنة التربير .وذلك يعين أن ما أجنزه سواء كان ممقوات أو حمل إعجاب ،ال ميكن
أن يفهم من م نظور السياسة نفسها ،أو من منظور اتريخ السياسة ،أو لنقل من منظور النهضة االيطالية ،وإمنا من
منظور الفكر السياسي وحده،أو الفلسفة السياسية ،أو اتريخ الفلسفة السياسية"".ص.430 .
35
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
""مل يهتم ماكيافيلي بكيف يعيش الناس لكي يصف هذه املسألة فحسب،بل ألن قصده ابألحرى أن يعلم
األمراء-بناء على معرفة كيف يعيش الناس -كيف ينبغي أن حيكموا ،وحىت كيف ينبغي أن يعيشوا .وبناء على
ذلك يكتب إن صح التعبري" أخالق" أرسطو من جديد .انه يسلم إىل حد ما أبن التعليم التقليدي صحيح ،أي
أن الناس جمربون على أن يعيشوا بصورة فاضلة ابملعىن األرسطي .بيد أنه ينكر أن احلياة بصورة فاضلة هي احلياة
بصورة سعيدة ،أو تفضي إىل السعادة"".ص.430 .
مكيافيللي - :تصدير "- :من نيكوال مكيافيللي إىل لورنزو ،االبن العظيم لبريو دي ميديشي " -نيكوال
''' كل الدول متارس السلطة وتسيطر على الشعوب .وهي إما مجهورايت أو ممالك .واملمالك إما أن تكون
وراثية وحكامها من أسرة واحدة وتستمر للحكم لسنوات طويلة .أو أهنا تكون ممالك حديثة النشأة مثل مملكة
ميالن يف عهد "فرانسيسكو سفورزا" .أو أن تكون قد انضمت حديثا كأجزاء جديدة ،تضاف إىل ممتلكات
األمري املوروثة مثل مملكة انبويل يف عهد ملك اسبانيا .واملمالك اليت تكتسب هبذه الطريقة إما أهنا كانت يف حوزة
أمري آخر ،أو أهنا كانت ممالك حرة مت ضمها ابلقوة إىل ملك األمري نفسهن أو إىل أمراء آخرين وآلت إليه من
بعدهم .أو أن القدر قد ساقها إليه ،أو أن يكون قد متكن من ذلك بسبب قدراته اخلاصة.
لن أحتدث هنا عن اجلمهورايت حيث تناولتها تناوال شامال يف كتاب آخر ،ولكين سأتناول هنا املمالك،
وسأتناول أنواعها املختلفة اليت سبق أن ذكرهتا وكيفية حكمها والسيطرة عليها.وأول ما نالحظه هو أن صعوبة
الوصول إىل عرش امللك يف مملكة وراثية اعتاد أهلها على األسرة احلاكمة أقل بكثري من صعوبة الوصول اىل العرش
يف املمالك اجلديدة .حيث ال يكفي جتنب األوضاع اليت كان يتبعها السلف والتحسب ألي طارئ .ويف مثل هذه
احلالة ،فان األمري وان كان ذا قدرات عادية ،فانه سيستطيع أن حيافظ على عرشه إال إذا اضطرته قوة غري عادية
36
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
شديدة إىل التخلي .وحىت إذا فقد عرشهن فانه مع أول خطأ بسيط من احملتل ،سيكون قادرا على استعادة
العرش..
وعندان يف ايطاليا مثال واضح على ذلك وهو الدوق "فرييرا" الذي استطاع صد غارات "البنادقة" عام 1484
وكذلك صد البااب" جوليوس" عام 1510ال لشيء سوى قدم أسرته يف هذه الدوقية .حيث أن األمري الشرعي
احملبوب من شعبه ( ،ذلك)الذي ال توجد له رذائل مفضوحة أمام الناس ،ال حيب شعبه أن يتخلص منه ،ومن
الطبيعي لشعبه أن يتمسك به .ومن الطبيعي أيضا أن يتناسى األسباب والدواعي البسيطة اليت تدعوه لتغيري
احلاكم ،حيث انه إذا حدث تغيري مفاجئ ،فانه سيفسح الطريق أمام تغيري آخر.
ال تكمن الصعاب حقا إال يف املمالك اجلديدة .فإذا كانت اململكة ليست جديدة ابلكامل ،أي أهنا مملكة
خمتلطة بعضها حديث ،واآلخر قدمي ،فان االضطراابت حتدث فيها بسبب الصعوابت الطبيعية اليت حتدث يف كل
املمالك اجلديدة ،وذلك ألن الناس يذعنون لسادهتم إبرادهتم على أمل حتسن أحواهلم .وهذا االعتقاد جيعلهم
حيملون السالح ضد حكامهم ،وهم يف ذلك خمدوعون ،حيث أثبتت التجارب فيما بعد ،أهنم يذهبون من سيئ
إىل أسوأ.)....( .
انك أيها األمري ستكون يف حاجة دائمة إىل حب الناس حىت تستطيع السيطرة على بالدهم مهما كانت قوة
جيوشك .وهذه هي األسباب اليت جعلت " لويس الثاين عشر" ملك فرنسا وعلى الرغم من قدرته على احتالل "
ميالن" بال مشاكل ،إال أنه سرعان ما فقد السيطرة عليها...(...
إن من يسيطر على أراض ويريد أن حيتفظ هبا ،ال بد أن يضع يف اعتباره أمرين :أوهلما القضاء على األسرة
احلاكمة السابقة قضاء مربما.واثنيهما عدم تغيري أي قوانني أو ضرائب خاصة هبذه البالد .وهبذه الطريقة ،ستصبح
جزء من االحتاد يف وقت قصري جدا ،وتصبح الدولة كياان واحدا...
ولكن عندما يكون شعب األراضي املنضمة حديثا يتحدث لغة خمتلفة وقوانينه وعاداته خمتلفة ،فان الصعوابت
اليت جيب التغلب عليها تصبح أكثر ،وتتطلب حظا وفريا وحنكة للتغلب عليها .وإحدى أفضل الطرق وأكثرها
أتثريا هي أن يقيم احلاكم اجلديد يف تلك األرض .وهذا سيجعل ملكيته هلا أكثر أمنا واستمرارا .وهذا ما فعله
األتراك يف بالد اإلغريق ( .)...وإذا أرادوا أن يكونوا خملصني له ،فإهنم سيجدون كثريا من األسباب ليحبوه .أما
إذا ظلوا يف وفائهم القدمي ،أو أهنم ينحازون ضد احلاكم اجلديد ،فان وجود األمري اجلديد قريبا منهم ،سيكون سببا
37
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
للردع واخلوف منه .كما أن إقامته ستجعل أي قوى خارجية هتاب حماولة غزو تلك الوالية .وكلما طالت مدة
إقامته فيها ،يصعب جدا جتريده منها..
والعالج اآلخر وهو أفضل ،يتمثل يف زرع املستعمرات يف عدة أماكن مميزة ابألرض املستعمرة ،ومن الضروري أن
نفعل ذلك ،أو أن حنتفظ بعدد كبري من القوات املسلحة يف نفس املكان. )...( .
كما أن احلاكم الذي حيكم إقليما أجنبيا كما أوضحت ،جيب أن جيعل من نفسه قائدا وحاميا جلريانه األقل
قوة منه ،ويسعى جاهدا إلضعاف األقوايء منهم .وأن حيذر أن يغزوهم أجنيب أقوى منه........ومن ال يستطيع
حتقيق ذلك سيواجه صعوابت ومشكالت ال حصر هلا..
وقد اتبع الرومان دائما هذه السياسة فيما سيطروا عليه من والايت .فقد أقاموا املستعمرات ,أقاموا عالقات
محيمة مع الدول الضعيفة اجملاورة دون السماح هلا مبزيد من القوة ،وأضعفوا الدول القوية ومل يسمحوا للحكام
األجانب ابلسيطرة عليها..
ويف كل هذه احلاالت ،سلك الرومان مسلك األمراء احلكماء الذين ال ينظرون إىل اضطراابت احلاضر فقط،
ولكن أيضا إىل ما سيقع منها يف املستقبل ،ويتأهبون له قبل وقوعه .فما ميكن التنبؤ به ،ميكن عالجه بسهولة.
أما إذا انتظران إىل أن تدامهنا املخاطر ،فسيصبح العالج متأخرا عن موعده وتستعصي العلة ،)....(..ذلك أن
احلرب إذا بدأت ،فال مفر منها ،وال ميكن أتجيلها إال ملا هو يف صاحل الطرف اآلخر'''.....)......(.....
-نيكوال مكيافيللي ،كتاب األمري ،ترمجة أكرم حمسن ،مكتبة ابن سينا ،القاهرة ،2004ص.ص .31-21
38
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-هوبز هو مرتجم الكتاب الشهري حول حرب البيلوبونيز ،املؤرخ احملرتف تيوكيديديس من اإلغريقية إىل االجنليزية
سنة .1628
-كان مغرما بكتاب إقليدس الكالسيكي :األصول يف الرايضيات واهلندسة منذ شبابه .وقد اعترب هوبز دائما أن
الرايضيات واهلندسة متثالن األساس لكل نظام فلسفي وفكري ،بل أيضا أساسا لألنظمة السياسية نفسها..
-عرض هوبز اإلطار العام لفلسفته يف ثالثة أجزاء .ويف سنة 1640كتب ":أصول القانون الطبيعي والسياسي،
وعندما ظهر الكتاب عام 1650 ،كان يف جزأين بعنوان :الطبيعة البشرية أو العناصر األساسية للسياسة
واجلسم السياسي.أما العمل ابلكامل فقد ظهر عام .1889
-يف العام 1640جلأ هوبز إىل فرنسا معتربا أن أمنه مهدد يف انكلرتا ،نظرا لوالئه للملكية ويف 1642نشر عمله
املسمى" :املواطن" .ويف ابريس ابلذات كتب كتابه الشهري :اللفيااتن أو املادة والشكل والقوة لدولة دينية
ومدنية".
-ويف سنة 1655و 1658نشر هوبز القسمني األولني األول والثاين من مذهبه الفلسفي عن " اجلسم" و
"اإلنسان".
-ما كان كتاب " اللفيااتن" هو كتاب هوبز الوحيد يف الشأن السياسي والعام ،لكنه صار أشهر كتبه ،واحد
أشهر الكتب يف مسألة السلطة والدولة يف القرون األخرية بعد "أمري" ماكيافيللي .وما كان هدف هوبز يف
39
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
الكتاب النظر يف أحوال السلطة واحلكم يف اجنلرتا وفرنسا يف ذلك العصر فقط ،بل كان يريد دراسة أفضل السبل
لتأسيس الدولة والشرعية على أساس فلسفي متني..
-على أن اقتناع هوبز القاطع أنه وجد "احلل النهائي" ملسألة الدولة ،يتجاوز أحوال العصر ،ودعاوي وميول كل
املعاصرين .لقد ذكران من قبل أن هوبز انشغل يف شبابه برتمجة كتاب املؤرخ تيوسيديديس عن احلروب
البيلوبونيزية..فرمبا تركت جتارب املؤرخ, ،أهوال تلك احلروب أتثريات يف تفكريه بشأن ضرورات االستقرار .مث انه
صرح فيما بعد أن كتاب تيوسيديديس نبهه إىل األخطار اليت ميكن أن تعرض الدميقراطية والدولة واجملتمع هلا.وهو
يذهب أحياان إىل أن تلك احلروب والتجارب األخرى ،أاثرت لديه شكوكا يف الطبيعة البشرية ذاهتا
-إن التجارب التارخيية واحلضارية ما كانت -حسب تصرحيه -هي اليت وهبته تلك القناعة العميقة حبتمية صحة
نظرته أو نظريته العامة ،بل الذي قاده إىل ذلك كتاب األصول إلقليدس ،أي احلتميات الرايضية واهلندسية ،شأن
ما حصل مع ديكارت قبله بثالثني سنة .فاهلندسة االقليدية هي املثال للعلم اليقيين ،ومن مسبقاهتا ومسلماهتا
تتبلور نظرية الدولة عنده...وألن الرايضيات هو علم البديهيات واملسلمات العقالنية والربهانية؛ فان نظريته للدولة
واملؤسسة يف نظره على ذلك العلم حرية أبن ترغم كل أحد على االقتناع هبا
-فإذا كانت اهلندسة قد صارت يف اعتبار هوبز" علم العلوم" ،فان كل الظواهر الطبيعية تعبري ميكانيكي عن
األجسام وحركتها .وحركات األجسام املدركة ابحلواس تتقابل وتتصادم فتحدث الظواهر والتكوينات .مث أن هذه
التحركات امليكانيكية ،هي اليت تنتج الدول واجملتمعات(..هذه األفكار اهلوبزية ال تظهر بوضوح يف اللفيااتن بل يف
كتابني فلسفيني سابقني - :اجلسم -واإلنسان.
-يف اعتقاد هوبز ،أنه من العامل الطبيعي وحتركات أجسامه ،حتدث ميكانيكيا التحركات اإلنسانية املنتجة ابلضرورة
للدولة واجملتمع .إن حرب اجلميع على اجلميع هي احلالة الطبيعية .وهذا هو األمر السابق على الدولة .فاإلنسان
الطبيعي حتركه دوافع الرغبة والطموح والتفوق على اآلخرين(لفيااتن الفصل الثالث عشر) فيلجأ للعنف والقتل
إلرضاء رغباته وغرائزه .وإذا قيل له :هل هذه فرضية أم واقع ؟ جييب ببساطة :إهنا احلالة الطبيعية ،أال ترون أنه
حىت يف مرحلة الدولة ،فان كل كيان يرتبص ابآلخر ،وحتركه حنو االصطدام به دوافع الشراهة واخلوف والطموح
وحب االستيالء.؟
40
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-ويف احلالة الطبيعية هذه ،ليست هناك مفاهيم للحق والباطل والعدل والظلم.بل الدافع الغالب غزيرة البقاء(
لفيااتن-الفصل الرابع عشر).وحبسب هذه احلالة؛ فان كل أحد يرى نفسه حمقا يف حركاته إلرضاء غرائزه ،وهذا
هو "القانون" السائد إن كان ميكن يف احلالة الطبيعية احلديث عن "القانون" .فالقاعدة لدى كل أحد :غريزة
البقاء ،ودوافع التفوق يف العيش والتصرف .إمنا الذي يبدو طبيعيا لكل إنسان عند تفاقم هذه األمور ،أن أحدا ال
يستطيع حتقيق األمن والعيش لنفسه مع استمرار املواجهة املميتة ضد كل اآلخرين.
-وما دام األمر كذلك يصبح ضروراي للبقاء ،البحث عن األمن من طريق السالم .ويتم ذلك عن طريق النقل
املتبادل للحقوق ،أو التنازل ابال تفاق بني الناس على التسليم ابلسلطة للحاكم أو صاحب السيادة ،حبيث يؤمن
كل لنفسه احلد األدىن الضروري للبقاء ،ليس من أجل التعاون مع اآلخرين ،بل بسبب اخلوف املتبادل بينهم (
لفيااتن –الفصل الرابع عشر).
-إن التمسك ابلعقد إذن أييت خوفا من هتديد احلياة واملنافع(لفيااتن-الفصل اخلامس عشر).وهذه هي أصول
القانون الطبيعي :حفظ احلياة واخلوف عليها إن جرى خرق العقد..ويف هذه احلالة ،أو هذا العقد ،ال جمال
للحديث عن حرية اإلرادة ،إذ ما دامت الدوافع اإلنسانية مدمرة ،فان الضرورات هي اليت صنعت العقد وليس
احلرية( لفيااتن-الفصل الواحد والعشرون).
-راجع فكرة العقد االجتماعي عند هوبز يف الصفحات 16-15-14من مقدمة رضوان السيد يف الكتاب .
"" نظر "هوبز" إىل فلسفته السياسية على أهنا جديدة متاما.وفضال عن ذلك أنكر أنه يوجد قبل عمله أي
فلسفة سياسية ،أو علم سياسي يستحق هذا االسم .لقد نظر إىل نفسه على أنه مؤسس الفلسفة السياسية
احلقيقية...لقد عرف ابلطبع أن هناك نظرية سياسية تدعي أهنا صحيحة وجدت منذ "سقراط" .بيد أن نظريته
كانت فيما يرى هوبز ،حلما بدل أن تكون علما .لقد نظر إىل سقراط وأتباعه على أهنم فوضويون يف أهنم انتقلوا
من قانون األرض ،أي القانون الوضعي إىل قانون أعلى وأمسى ،أي القانون الطبيعي؛ ولذلك شجعوا على فوضى
ال تتفق بتاات مع اجملتمع املدين .والقانون األعلى،أي القانون الطبيعي كما يرى "هوبز" من انحية أخرى ،أيمر ،إن
جاز التعبري ،بشيء واحد ،وبشيء واحد فقط ،وهو الطاعة املطلقة للسلطة صاحبة السيادة".
41
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-توماس هوبز
"""" إن السبب النهائي،والغاية ،وهدف البشر( التواقني بطبيعتهم إىل احلرية وممارسة السلطة على اآلخرين)،
من خالل فرض قيد على أنفسهم( والذي جيعلهم يعيشون يف إطار الدولة) ،يكمن يف التحسب ملا يضمن
42
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
احملافظة على أنفسهم وحتقيق املزيد من الرضا يف احلياة .وبعبارات أخرى ،يكمن هدفهم يف اخلروج من حالة احلرب
البائسة هذه اليت..،هي نتيجة ضرورية لألهواء الطبيعية اليت تسري البشر ،عند انتفاء قوة فعلية تنظم حياهتم،
وجتعلهم حيرتمون تنفيذ تعهداهتم التعاقدية خوفا من العقوبة ،كاحرتام قوانني الطبيعة.....
يف الواقع ،تشكل قوانني الطبيعة( العدالة ،اإلنصاف ،التواضع ،الرمحة )..،نقيضا لألهواء الطبيعية ،اليت حتملنا
على التحيز والغرور واالنتقام..وهذه القوانني هي موضع احرتام ألهنا تثري اخلوف .هذا وان االتفاقيات.ليست
سوى ألفاظ ،خالية من أية قوة تؤمن احلماية ألي كان.وعليه ،وبعيدا عن قوانني الطبيعة ،..وعند انعدام وجود
السلطة ،ا وان مل تكن قوية مبا يكفي لتوفري محايتنا ،قد يلجأ كل فرد إىل قواته اخلاصة بصورة مشروعة وأبسلوبه
اخلاص بغية محاية نفسه من اآلخرين.)....(.
ومهما كانت جمموعات األفراد كبرية ،إذا ما كانت أفعاهلا مسرية من أحكامها وغرائزها اخلاصة ،فهي لن
أتمل ،بواسطة عددها ،يف الدفاع أو احلماية ،أكان األمر بوجه عدو مشرتك،أم ضد اإلساءات اليت حتصل فيما
بينها)...( .
صحيح أن بعض الكائنات احلية على غرار النحل والنمل ،بعضها مع بعض اجتماعيا....؛ ومع ذلك ،ال
تسريها سوى ميوهلا وغرائزها اخلاصة؛ كما أهنا ال متلك القدرة على النطق اليت مبوجبها تستطيع إحداها أن تبلغ
األخرى ما تراه مناسبا للخري العام .فعلى سبيل املثال ،قد نرغب يف معرفة سبب عجز اجلنس البشري عن القيام
ابألمر عينه .،عن هذا التساؤل جنيب :
أوال ،إن البشر يف تنافس دائم حنو األجماد والكرامات ،على غري حالة تلك الكائنات؛ وابلتايل ،تظهر الرغبة والكره
على هذه القاعدة بني البشر ،وأخريا تظهر احلرب؛ لكن األمر ليس على هذا النحو مع تلك الكائنات.
اثنيا ،ال يوجد لديها فرق بني اخلري العام واخلري اخلاص ،ومبا أهنا مدفوعة طبيعيا حنو خريها اخلاص ،فهي تساهم
ابلتايل يف اخلري العام .على أن اإلنسان الذي يستمتع يف مقارنة نفسه ابآلخرين ،ال يستحسن سوى ما يفرقه
عنهم.
43
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
اثلثا ،إن هذه الكائنات اليت ال متلك( على غرار البشر) قدرة استخدام العقل ،ال ترى وال تستطيع أن ترى اخلطأ
يف إدارة شؤوهنا املشرتكة؛ بينما جيد عدد من الناس يف صفوف البشر أنفسهم أكثر وعيا وقدرة ،وأفضل من
اآلخرين يف تويل الشؤون العامة.....مما يؤدي إىل االنشقاق واحلرب األهلية.
رابعا ،إن هذه الكائنات ،وابلرغم من امتالكها القدرة على استخدام صوهتا إلظهار رغباهتا وميوهلا األخرى فيما
بينها ،حمرومة من فن التعبري هذا الذي ميكن البشر من إظهار اخلري حبلة الشر والشر حبلة اخلري؛ وبفضل ذلك،
يرفعون أو يقلصون احلجم الظاهر للخري أو الشر....
خامسا ،ال تستطيع الكائنات احملرومة من العقل التمييز بني اإلساءة والضرر .فطاملا أهنا يف وضعية مرحية ،فان
مثيالهتا ال هتددها.....
وأخريا ،إن رضا هذه الكائنات ألمر طبيعي ،بينما رضا البشر انتج عن اتفاقية ،وهو أمر مصطنع :ال عجب
ابلتايل أن يكون املطلوب شيئا آخر( إىل جانب االتفاقية) بغية جعل رضاهم مستقرا ومستمرا :هذا الشيء هو
السلطة املشرتكة اليت تؤمن انضباطهم وتوجههم حنو اخلري العام.
أما الوسيلة الوحيدة إلنشاء هذه السلطة املشرتكة ،القادرة على الدفاع عن البشر يف وجه اجتياحات الغرابء
واإلساءات املرتكبة حبق بعضهم ،ومحايتهم حىت يتمكنوا من االكتفاء والشعور ابلرضا بواسطة صناعتهم اخلاصة
ومثار أرضهم ،فتكمن يف مجع كل قوهتم وقدرهتم ابجتاه شخص أو جمموعة أشخاص ،تستطيع...حصر كافة
إرادهتم يف إرادة واحدة.)...(...من هنا يقوم كل منهم إبخضاع إرادهتم إلرادته ،وأحكامهم حلكمه.)....(....
هذا وان اجملموعة اجملتمعية على هذا النحو يف شخص واحد ،تدعى دولة ،ابللغة الالتينية ' سيفيتاس' .هذا هو
جيل هذا اللفيااتن الكبري ،أو ابألحرى....،هذا اإلله الفاين ،الذي ندين له ،ابلسالم والدفاع،وهو أدىن رتبة من
هللا ،هللا غري الفاين (.)....
يف هذا اإلله يكمن جوهر الدولة اليت هي( من ابب التعريف) شخص واحد ،ذات األعمال املنسوبة إىل
فاعل ،نتيجة االتفاقيات املتبادلة املعقودة بني كل عضو من اجملموعة الكربى ،بغية متكني هذا الشخص من ممارسة
القوة والوسائل املمنوحة من اجلميع....
44
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
أما الطرف املودع لديه هذا الشخص ،فيدعى ابحلاكم املطلق ،ويقال أبنه يتمتع ابلسلطة املطلقة وكل ما خيرج
عن نطاقه ،هو فرد من األفراد التابعني له "" )...(...ص.ص.181-175 .
"" إن القانون الطبيعي الذي يتوىل هللا احلكم من خالله على البشر ،فيعاقب مبوجبه من ينتهكون قوانينه ،جيب
أن ينشأ ليس عن فعل خلقه للبشر ومطالبته إايهم ابإلطاعة مبثابة عرفان على صنائعه ،بل بفعل سلطته اليت ال
تقاوم .لقد أظهرت سابقا كيف أن حق السلطة املطلقة ينجم عن العهد :فإظهار احلالة اليت ينجم فيها احلق ذاته
عن الطبيعة ،ال يتطلب أكثر من إظهار احلالة اليت لن جيوز فيها إلغاؤه على اإلطالق ""....ص.350 .
45
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-كتب ماجد فخري يف تقدمي ترمجة جون لوك ،يف احلكم املدين: ،
-ملا بلغ جون لوك الرابعة عشرة التحق مبدرسة وستمنستري يف لندن اليت كانت تغلب عليها النزعة الربوتستانتية
املتزمتة آنذاك فأقام فيها حىت سنة ،1652حيث نزح إىل أكسفورد ..وكانت تعصف أبكسفورد يف هذه الفرتة
رايح األهواء السياسية املتضاربة ويهيمن على جوها البلبلة واالضطراب ،من حيث الفنت واملؤامرات السياسية اليت
كان حيفل هبا اتريخ بريطانيا طيلة هذه احلقبة ويغلب على مناهجها التعليمية التقليد والرجعية ،ال سيما يف احلقل
الفلسفي .فالنزعة الفلسفية اليت كانت تغلب على أكسفورد آنذاك كانت النزعة املشائية( األرسطوطالية)) اليت
كان لوك شديد التربم هبا'' ،الضطراهبا وتوفرها على املفاهيم الغامضة واملسائل اليت ال طائل حتتها-.''.أ-
-مع أن لوك –أب املدرسة التجريبية الربيطانية -مل أيخذ مبذهب ديكارت العقلي ،إال أنه كان شديد اإلعجاب
أبسلوبه الواضح وثورته على الفلسفة التقليدية.
-يعترب لوك حبق مؤسس املدرسة التجريبية اليت أجنبت ،إىل جانب مؤلفنا،اثنني من أعظم املفكرين الربيطانيني مها
جورج بركلي
-1التأكيد على ضرورة استهالل مجيع املباحث الفلسفية '' ابلتحري على منشأ املعرفة البشرية وثبوهتا ومداها''.
وهو أساس علم املعرفة.
-2إنكار الفكر الفطرية أو املبادئ الكلية أو العامة املغروسة يف النفس ،اليت ذهب إليها أفالطون قدميا وديكارت
وأصحابه من معاصري لوك ،واثبات أن النفس ،قبل التجربة ،عبارة عن لوحة خالية مل يكتب عليها شيء.
46
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-3التشديد على التجربة أو االختبار ،كركن هام (بل قل الركن األول) من أركان املعرفة ،ومع أن لوك ال ينكر
الدور الكبري الذي يلعبه الفكر يف عملية اإلدراك ،إال أن مرد املعارف عنده ،آخر األمر إىل احلس.
-قد يضن أن ليس بني هذه الفلسفة النظرية والفلسفة السياسية عند لوك أي صلة ،والواقع أن مؤلفنا ،الذي كان
ينزع هذه النزعة التجريبية العلمية يف الشؤون النظرية ويتحاشى األخذ ابلعقائد اليت مل ينهض عليها دليل حسي أو
متصل ابحلس )...(.مل يكن ليأخذ ،وال غرو ،من اآلراء السياسية إال مبا كان منها متصال بواقع احلياة ومؤداي إىل
املنفعة واخلري اإلنسانيني.
-يعترب لوك من أملع املفكرين السياسيني قدميا وحديثا ،ومقالتيه يف احلكم املدين( أو السياسة) مها ،ابإلضافة إىل
رسالته يف التساهل(التسامح) الديين ،من أهم املصنفات السياسية وأبقاها أثرا.
-لقد قيل أن املقالتني يف احلكم املدين مها مبثابة تربير لثورة سنة ‘ 1688اجمليدة' وانتصارا للمبادئ السياسية اليت
كتبت هلا الغلبة على اثر فوز احلزب الربملاين على أنصار امللكية املطلقة( ).....وتقييد امللكية يف بريطانيا ابلقيود
الدستورية اليت ما زالت قائمة حىت اليوم .ويف كل ذلك شيء من الصحة وال شك .إال أن قصر أثر فلسفة لوك
السياسية على أت ييد حركة سياسية معينة ،يغض من شأهنا غضا كبريا وجيعل من مؤلفنا داعية سياسيا وحسب.
ومن ينظر يف األسس اليت تقوم عليها فلسفة لوك السياسية نظرا دقيقا ،يتحقق من خطورة املبادئ اليت يبين عليها
تلك الفلسفة وبعد غورها وفضله على فلسفة احلكم الدميقراطية اليت كتب هلا السيطرة على الفكر السياسي عامة
منذ أواسط القرن السابع عشر،واليت كرستها ثورات ثالث يف العاملني اجلديد والقدمي (.الثورة اجمليدة يف بريطانيا
سنة ،1688والثورة التحريرية يف أمريكا سنة ،1776والثورة الفرنسية الكربى سنة .1789
-يعاجل مؤلفنا أسس احلكم وأصوله يف املقالة الثانية املوسومة " :يف نشأة احلكم املدين الصحيح ومداه وغايته"".
إذ ملا بطل األصل اإلهلي للسلطة عنده ،فقد حتتم عليه أن يبحث عن أساس عقلي طبيعي للسلطة على
األرض...
-اإلنسان إذ يولد ،إمنا يولد على "الطور الطبيعي" ،وهو عند لوك -خالفا لتوماس هوبز -طور من احلرية
واملساواة التامتني بني مجيع البشر خيضعون فيه لسلطة العقل وسنة الطبيعة-.و-
47
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يعرتف لوك هنا ،مع ذلك ،أن "الطور الطبيعي" ال خيلو من آفات)...(..واىل ذلك يلحق ابلطور الطبيعي هذا
ثالث آفات:
-1انعدام قانون معروف اثبت تواضع عليه أبناء اجملتمع ،حيدد حقوق الفرد ومسؤولياته بوضوح،
-2انعدام حكم منصف ونزيه ،يقضي بينهم ويفصل يف خالفاهتم ،بناء على القانون ذاك......فلما كان البشر
مطبوعني على األثرة واألاننية ،استحال عليهم التجرد يف احلكم...
-هل الطور الطبيعي هذا طور اترخيي فعلي ،أم هو جمرد أسطورة أو فرضية يتذرع هبا دعاهتا لتربير نشوء احلكم
وأتسيس اجملتمعات؟ ال خيلو جواب لوك على هذا السؤال من بعد غور ،إذ مىت سلمنا أن الطور الطبيعي هو طور
يهيمن عليه العقل( ال القوانني الوضعية) ،لزم عن ذلك ضرورة عنده :
أوال -أن هذا الطور طور قائم أبدا وانه املنبع الذي تستمد منه القوانني الوضعية أصالتها.
اثنيا...-انه املعيار الذي تقاس به القوانني الوضعية نفسها ،إذن ،ويربر التمرد على واضعيها إذا ظلموا...
اثلثا -انه األساس الذي تبين عليه الدول املختلفة حقها مبعاقبة اخلارجني على قوانينها الوضعية من الغرابء..إذ من
الواضح أن قوانني دولة ما ال تلزم أبناء دولة أخرى.
رابعا (-وهي قضية ال خيصها لوك ابلذكر ،وان كان يلمح إليها يف عدة مواضع) هو أساس كل قانون دويل
يتصف أبي صفة من صفات الشرعية -.ز-
-إن الدولة( أو اجملتمع املدين مبعىن أدق) تنشأ عن تنازل املرء عن الصالحيات اليت كان يتمتع هبا يف الطور
الطبيعي .وتتلخص هذه الصالحيات عند لوك يف اثنتني :صالحية احملافظة على ذاته وعلى ذوات سائر البشر،
وفقا للسنة الطبيعية القاضية بضرورة بقاء النوع البشري ،وصالحية إنزال العقوابت ابخلارجني على تلك السنة.
وهو إذ يتنازل عن تلك الصالحيات ،يتخلى أيضا عن قسط من حريته الطبيعية ،لقاء املنافع اليت جينيها من
48
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
التحاقه ابجملتمع :وهي مؤازرة أبنائه جمتمعني له يف تنفيذ بنود السنة الطبيعية واالقتصاص من اجملرمني وكف أذاهم
عنه والتعاون على تبادل أسباب املعاش واألنس حبياة االجتماع واأللفة .ولكن ذلك ال يكسب اجملتمع( أو
السلطة التشريعية والتنفيذية فيه) حق االستبداد به أو تقييد حريته ،إال مبقدار ما يقتضيه اخلري العام ،وإال خرج عن
الغرض الذي وجد من أجله ،فكان للفرد حق التمرد عليه.
-سلطا الدولة إذن ال ختتلف يف جوهرها عن السلطات(او الصالحيات) اليت كانت للفرد يف ظل اجملتمع
الطبيعي ،وكل ما يف األمر أن الدولة(أو اجملتمع املدين) تصلح املساوئ اليت قد يتعرض هلا املرء حبكم أاننيته وأثرته،
يف تطبيق بنود السنة الطبيعية غلى أقرانه يف القضااي اليت تعنيه .وهذه السلطات هي سلطة التشريع العليا ،وسلطة
تنفيذ القوانني املوضوعة ،مث سلطة دفع العدوان اخلارجي وعقد املعاهدات واألحالف -ويدعوها لوك ابلسلطة
االحتادية ،بينما تعرف يف القانون الدويل اليوم ،ابلسلطة الدولية أو الدبلوماسية ،وهذه السلطات ينبغي أن تكون
منفصلة عند لوك :
-التشريعية هي السلطة العليا الوحيدة يف الدولة ،ألهنا تنبثق من إرادة الشعب مباشرة وتوجد من أجل التعبري عن
رغباته وحتقيق أهدافه .وليس فوقها إال سلطة واحدة :هي سلطة الشعب مبجموعه.......مث إهنا ملا وجدت من
أجل اخلري العام ،فقد استحال عليها اإلقدام على ما فيه إخالل ابخلري العام .وتلك قيود مجيع أشكال السلطة
عند مؤلفنا ،وهو يبسطها على الوجه التايل :
-أوال -ال حيق للسلطة العليا إهالك أبناء اجملتمع يف استعبادهم أو إفقارهم عمدا ،ألن ذلك يتناىف مع السنة
الطبيعية.
-اثنيا -ال حيق للسلطة العليا أن حتكم على أساس قوانني مرجتلة ،بل يتحتم عليها إقرار العدالة على أساس قوانني
قائمة ،يطبقها القضاة الشرعيون.
-اثلثا -ال حيق للسلطة العليا أن تغتصب شيئا من أمالك أي فرد من أفراد اجملتمع ،وذلك لقدسية امللكية عند
لوك ،وكون محايتها أحد األغراض الكربى اليت وجدت من أجلها الدولة
49
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-رابعا-ال حيق للسلطة التشريعية أن تتنازل عن صالحيات وضع القوانني ألي هيئة أخرى .وعلة ذلك عند
لوك،أن السلطة التشريعية إن هي إال سلطة تفويضية منبثقة عن الشعب .فللشعب وحده صالحية خلعها على
من اختار من األفراد أو الفئات.
-لعل من أهم املواضيع اليت يطرقها لوك يف املقالة الثانية واليت يبين عليها سلسلة من النتائج اخلطرية ،هي حق
الفرد ابمللكية ،الذي يعتربه من حقوق اإلنسان الطبيعية السابقة لقيام اجملتمع املدين .فدليل العقل ودليل الوحي
معا يؤيدان حق اإلنسان ابمتالك خريات األرض على سبيل الشراكة أو على سبيل التملك الفردي .فالكتاب
املقدس ينصص على أن هللا قد وهب األرض آلدم ولبنيه من بعده ،لتكون شركة بينهم ،إال أنه ال يعني نصيب كل
امرئ منها .فما هو املبدأ العقلي الذي يصبح أساسا هلذا التعيني ؟ .هنا يبسط لوك نظرية يف التملك لعلها من
أطرف النظرايت وأمهها ،تتفق من نواح عدة مع النظرية املتواطأ عليها يف االقتصاد الكالسيكي ،حىت والنظرية
املاركسية :وهي أن العمل هو أساس التملك الفعلي.
-وبناء على هذه النظرية يف امللكية ،يعترب لوك -شيمة أدام مسيث ( )1790-1723أيب االقتصاد
الكالسيكي ،وشيمة كارل ماركس ( )1883 -1818مؤلف كتاب الرأمسال املشهور وأيب االشرتاكية احلديثة-
أن العمل هو أساس قيم األشياء ومبدأ تفاوهتا ، )...(...وما الثروة عند لوك إال عبارة عن تراكم نتاج العمل
هذا -..م-ن-
-كان آلراء لوك السياسية أثر كبري على تطور الفكر السياسي واالقتصادي الالحق .فمذهبه يف "الطور الطبيعي"
و " العقد االجتماعي" ،حيكي من نواح عدة مذهب روسو الذي أتثر به وال شك؛ وخيتلف عن مذهب توماس
هوبز الذي يصف الطور الطبيعي أبنه طور من التناحر واخلصام الدائمني ،حيف به اخلوف من مجيع جوانبه.
كذلك بسطه لنظرية متيز السلطات احلكومية وانفصاهلا يعترب متهيدا ملذهب مونتيسكيو يف هذا املضمار ،وأساسا
من األسس اليت يرتكز عليها الدستور األمريكي .وأقواله يف العمل وامللكية هي من دعائم االقتصاد احلديث.
أما يف مضمار احلياة السياسية الفعلية ،فقد كان أثر جون لوك ابلغا جدا .فنظريته يف حقوق اإلنسان الطبيعية،
هي من أهم األسس الفلسفية اليت ترتكز عليها الواثئق الدستورية املعروفة ابسم شرعة حقوق اإلنسان ،واليت جرت
العادة منذ الثورة األمريكية سنة 1776والثورة الفرنسية سنة 1789على إدراجها يف الدساتري احلديثة– ''.س-
50
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
'' يقدم "" مقال يف الفهم البشري"" نفسه تعهدا ب ' التفكري يف ملكات التمييز عند اإلنسان ،فيما تستغل
يف التمييز بني األشياء اليت يتعني على اإلنسان التعامل معها .''.ومن خالل'' هذا النهج التارخيي الواضح''،
يطمح املقال إىل تقدمي '' تفسري للطرق اليت يتوصل هبا الفهم البشري إىل تلك املفاهيم اليت لدينا عن األشياء.''.
يهاجم لوك يف اجلزء األول من هذا العمل مبدأ األفكار الفطرية املتأصلة ،وهي األفكار اليت يولد هبا اإلنسان؛ فقد
كان لوك يرفض ابلفعل الرأي القائل أبن اإلنسان يولد ولديه أفكار أخالقية ودينية متأصلة ،كما رأينا يف كتابه'':
مقاالت حول قانون الطبيعية'' .وابلنظر إىل تنوع القيم األخالقية واملعتقدات الدينية يف اجملتمعات املختلفة اليت
كان على دراية هبا ،فانه مل تكن لديه أدىن صعوبة يف إثبات محاقة هذا الرأي''.
''-تسبب التهكم الذي تناول به لوك هذا املوضوع يف اهانة شديدة بني رجال الدين األجنليكانيني يف ذلك
الوقت ،وكان سببا رئيسيا لذيوع صيت لوك بوصفه مروجا لآلراء املخالفة للدين ،وأهم من ذلك يف املقال ككل
أن لوك رفض الرأي القائل أبن قدرة اإلنسان على فهم الطبيعة ،إمنا تعتمد أيضا على املعرفة املتأصلة بعدد من
مسلمات العقل مثل'' ما سيكون سيكون'' ( مقال قفي الفهم البشري) ،وكان ديكارت من معتنقي هذا الرأي
على سبيل املثال .ومبا أن معظم البشر....ليسوا على دراية أبي من تلك املسلمات ،فمن احلمق إذن أن ننعتهم
مبعرفة تلك املسلمات .إن اإلنسان يتوصل إىل فهم حقيقة تلك املسلمات بتجربة أمور معينة ،وملا كان اإلنسان
يعتمد حقا يف هذا الفهم على إعمال قدراته العقلية ،نفى هذا على اإلطالق فكرة أن معرفة تلك املسلمات
متأصلة يف اإلنسان''.
'' -تستعرض األجزاء الثالثة املتبقية من ''مقال يف الفهم البشري'' نظرية لوك احلامسة حول السبيل الذي يسلكه
اإلنسان للمعرفة ،وسبيله إىل تكوين معتقدات يرى أن من العقالين اإلميان هبا .يتناول أول هذه األجزاء تفسري
لوك لطبيعة األفكار بوصفها املوضوعات املباشرة الوحيدة للفكر البشري؛ ومن مث املوضوعات الوحيدة اليت يكون
لدى اإلنسان معرفة ' متعمقة' هبا( يقصد لوك بكلمة' فكرة' هو أي موضوع يستحوذ على فهم اإلنسان وتفكريه)
؛ ويدور اثين تلك األجزاء حول طبيعة الكلمات ،واللغة بوجه عام؛ بينما يلخص اجلزء الثالث نتائج اجلزأين
األولني يف نقاش جريء حول طبيعة املعرفة البشرية''.
51
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
''-املعرفة نفسها هي نوع من اإلدراك؛ إدراك '' ترابط أي من أفكاران وتوافقها ،أو اختالفها وتعارضها .''.فما
يدركه اإلنسان -بل حىت ما يفكر فيه -مباشرة ،يكون دائما أفكارا بعينها موجودة يف ذهنه .وأي استنتاجات
عامة حقيقية يتوصل إليها اإلنسان ال تصح إال بقدر ما تتفق معها عالقات أخرى بعينها يف الطبيعة ،أو يف فكر
أانس آخرين .واألفكار نفسها تكون مجيعها إما بسيطة وإما معقدة؛ فإذا كانت بسيطة ،فإهنا تكون مستمدة
مباشرة من احلواس ،بوصفها مداخل املعرفة؛ أما إذا كانت معقدة ،فإهنا تتشكل من خالل اجلمع العقلي الطوعي
ألفكار البسيطة''.
''-تنشأ كل املعرفة البشرية وتستمد يف هناية املطاف من التجربة ،إما من خالل مالحظة األشياء احملسوسة يف
العامل ،أو عن طريق إعمال اإلنسان لعقله ومتحيصه لألفكار اليت جتول فيه .يستطيع اإلنسان أن يفكر ويعرف
وحيكم بنفسه ،وال بد أن يفعل ذلك مبا أنه ال يستطيع يف هناية املطاف أن يضع ثقته يف آخرين ليتولوا هذا األمر
عنه .عقول األطفال عند امليالد تشبه الورقة البيضاء ،ومع أهنم يف البداية يتأثرون بوضوح ابلتأثري الفطري متاما
ألفكار بعينها من خالل احلواس ،فإهنم سرعان ما يشوهون أيضا بتعاليم الكبار اخلرافية وغري املنطقية يف أغلب
األحوال ،وحاملا تتشوه عقوهلم على هذا النحو ،حيث يفوق العرف يف قوته قوة الطبيعة ،فال سبيل إىل إصالح
هذا التشوه إال عن طريق اجلهد املتواصل الذي يستحثه احلب املتأصل لدى اإلنسان ملعرفة احلقيقة'''..
-جون دن ،جون لوك :مقدمة قصرية جدا ،ترمجة فايقة جرجس حنا ،مراجعة هبة عبد املوىل ،مؤسسة هنداوي،
الطبعة األوىل ،2016ص.ص.90-88 .
لكي ندرك طبيعة السلطة السياسية إدراكا صحيحا ونستبطنها من مصدرها األصلي ،ينبغي لنا أن نفحص
عن الوضع الطبيعي الذي جند البشر عليه :وهو وضع من احلرية التامة يف القيام أبعماهلم والتصرف أبمالكهم
52
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
وبذواهتم كما يرتئون ،ضمن إطار سلطة الطبيعة وحدها ،ودون أن حيتاجوا إىل إذن أحد أو يتقيدوا مبشيئة أي
إنسان.
وهو وضع من املساواة أيضا حيث تتكافأ السلطة والسيادة كل التكافؤ :فال يكون حظ أحد منهما أكثر من
حظ اآلخر.)....(.
ومع أن هذا الطور الطبيعي طور من احلرية ،فهو ليس طورا من اإلابحية .،فاإلنسان يف هذا الطور يتمتع حبرية
التصرف بشخصه وممتلكاته ،إال أنه ال يتمتع حبرية القضاء على حياته بل حىت على حياة املخلوقات اليت ميلكها،
ما مل يستدع ذلك غرض أشرف من جمرد احملافظة عليها .فللطور الطبيعي سنة خيضع هلا اجلميع .والعقل -وهو
تلك السنة -يعلم البشر مجيعا ،لو استشاروه ،أهنم مجيعا متساوون وأحرار ،فينبغي أن ال يوقع أحدهم ضررا حبياة
صاحبه أو صحته أو حريته أو ممتلكاته.)...(.
ولكي يرتدع كل امرئ عن التعدي على حقوق اآلخرين أو إيقاع الضرر هبم وحترتم السنة الطبيعية اليت ترمي
إىل إقرار السالم وبقاء النوع البشري ،فقد ترك أمر تنفيذ السنة الطبيعية هذه ،إابن هذا الطور ،لكل امرئ مبفرده..
إذ لو مل يكن مثة من يقوم على تنفيذ السنة الطبيعية حبماية األبرايء وردع املعتدين ،لكانت تلك السنة عبثا ،سيمة
سائر السنن اليت متت إىل شؤون البشر يف هذا العامل .)...(..حيث ال سلطة وال سيادة طبعا للواحد على
اآلخر.)...(..
أما الذين يزعمون أنه مل يوجد قط امرؤ يف ' طور طبيعي' ولن يوجد ،فإنين لن أكتفي مبعارضة قوهلم حبجة'
هوكر' احلصيف الذي يقول '' :إن القوانني اليت أشري إليها سالفا( أي قوانني الطبيعة وسننها) تلزم البشر إلزاما
مطلقا ،من حيث هم بشر ،حىت ولو مل يكن بينهم شركة صرحية أو اتفاق قطعي حول ما ينبغي فعله أو عدمه.
وملا كنا عاجزين مبفردان أن نوفر لذواتنا قدرا كافيا من األشياء الضرورية ملعيشتنا على الوجه الذي أرادته الطبيعة
لنا :أي معيشة تليق بكرامة اإلنسان ،فنحن مدفوعون بطبيعتنا أن ننشد االشرتاك والتعاون مع اآلخرين ،لكي
نصلح تلك النقائص والعيوب الكامنة فينا..ولقد كان هذا هو سبب أتلب البشر ،ابدئ ذي بدء ،يف 'جمتمعات
سياسية' (.)....
وملا كان البشر..أحرارا ومتساوين ومستقلني ابلطبع ،استحال حتويل أي إنسان عن هذا الوضع وإكراهه على
اخلضوع لسلطة إنسان آخر دون موافقته ،اليت يعرب عنها ابالتفاق مع أقرانه على أتليف مجاعة واحدة واالنضمام
53
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
إليها ،كي يتسىن هلم أن يعيشوا معا عيشة رخية آمنة مساملة ،أو يستمتعوا أبمواهلم وأيمتنوا شر من ليس من
أبنائها.)..(.
وهكذا فكل امرئ إمنا يلتزم بتعاقده مع اآلخرين على أتليف هيئة سياسية واحدة يف ظل حكومة واحدة،
اخلضوع لقرارات األكثرية والتقيد هبا أمام كل فرد من أفراد تلك اهليئة .وإال مل يكن هلذا العقد األصلي الذي جعل
منه ومنهم مجاعة واحدة معىن قط ،فال عقد حيث يكون املرء حرا ال تقيده إال القيود اليت كانت تربطه يف ''الطور
الطبيعي'')...(.
إذا كان املرء يف 'الطور الطبيعي' حرا ،على الوجه الذي وصفناه ،وإذا كان السيد املطلق على شخصه
وأمالكه ،ندا ألعظم األسياد ال خيضع لسلطة إنسان فقط ،فلم يتخلى عن حريته وسلطته تلك ويعنو لسلطة
أخرى ؟ واجلواب البديهي على ذلك أنه يتمتع هبذا احلق يف ' الطور الطبيعي' إال أن ممارسته له غري مضمون يف
مجيع األحوال ،ألنه معرض أبدا لسطوة اآلخرين .إذ ملا كان الكل أسيادا شيمته ،وكان كل إنسان ندا له ،ومعظم
البشر ال يرعون حرمة اإلنصاف والعدالة ،كان التمتع ابألمالك اليت ختصه يف هذا الطور ،غري مضمون أو مأمون.
وهذا ما جيعله على الرضي ابلتخلي عن ذلك الوضع ،احملفوف ابملخاوف واألخطار ،رغم احلرية اليت يتصف هبا.
فليس من العبث إذن أن يسعى راضيا لالنضمام إىل اجملتمع مع من احتدوا فيه أو أبدوا رغبتهم يف االحتاد من أجل
احملافظة على حياهتم وحرايهتم وأمالكهم -وهو ما أطلق عليه اسم '' :امللكية'' العام.
فالغرض الرئيسي األول إذن من احتاد الناس يف دولة ما والرضوخ لسلطة احلكومة هو احملافظة على أمالكهم إذ
يعوزهم يف الطور الطبيعي أمور عدة.)...(....
أوال"" -قانون معروف اثبت متواضع عليه مسلم به""-اثنيا "" حكم معروف غري متحيز يتمتع بصالحية الفصل
يف مجيع اخلالفات بناء على القوانني القائمة"" -اثلثا " السلطة الالزمة لدعم األحكام العادلة وتنفيذها كما
ينبغي.)...("".
ومع أن الناس يت نازلون عن احلرية واملساواة والسلطة التنفيذية اليت كانوا يتمتعون هبا يف 'الطور الطبيعي'ن إذ
ينضمون إىل اجملتمع ويعهدون هبا إليه كي يتصرف هبا الشارع كما يقتضي خري ذلك اجملتمع ،فال يعقل أن متتد
سلطة اجملتمع أو الشارع الذي نصبه اجملتمع ،إىل أبعد مما يقتضيه اخلري العام.....إذ ال يعقل أن يعمد خملوق عاقل
إىل تغيري وضعه طوعا ابختيار وضع أسوأ منه'''........
54
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-جون لوك ،يف احلكم املدنني ترمجة من األصل االجنليزي ماجد فخري ،اللجنة الدولية لرتمجة الروائع ،بريوت
،1959ص.ص .215-139
55
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-مل تالق فكرة احلد من السلطة امللكية إال أصداء واهية يف فرنسا خالل العقود الثالثة األوىل من القرن الثامن
عشر ،على الرغم التأثري الكبري واالجنذاب املالحظ لألفكار السياسية االجنليزية املتحررة من االستبداد واحلكم
املطلق.
-يعترب مونتيسكيو املفكر السياسي األقوى يف القرن الثامن عشر يف فرنسا .انه من مؤسسي الفكر الدستوري
احلديث .انه صاحب الكتاب الشهري ":روح الشرائع" أو "روح القوانني" ( ،)1728وهو مصدر عدد كبري من
املفاهيم السياسية املعاصرة واألفكار الدستورية املرتبطة هبا.
-يف سنة 1721أصدر الرسائل الفارسية وهي نقد قوي جدا لعادات الكنيسة وقيمها أبسلوب أديب يغلب عليه
اهلزل والنقد اجلارح.وتكتسي هذه الرسائل أمهيتها كذلك ،من حيث تعترب مصدرا مهما لتاريخ األفكار االجتماعية
والسياسية يف عصره.
-يف سنة 1728أصدر مونتيسكيو أتمالت يف أسباب عظمة الرومان واحنطاطهم ،وهو عمل اترخيي كبري.
-ال يدين مونتيسكيو امللكية يف حد ذاهتا كنظام سياسي ،فهي ابلنسبة له ،سلطة فرد قائمة على القوانني ،بل
يدين االستبداد القائم على التعسف .فمعظم دول عصره مل تكن يف نظره حتمل من امللكية غري االسم ،فقد كانت
أنظمة استبدادية.
" نقطة ضعف النظام امللكي تكمن ،ابلنسبة ملونتيسكيو يف عدم استقراره ،األمر الذي حيكم عليه دوما
ابالحنطاط ،أي ابلتحول إىل نظام استبدادي وإما إىل نظام مجهوري.
-يعترب مونتيسكيو أن التوازانت السياسية يف النظام امللكي دائما تتميز ابهلشاشة وال تعرف االستقرار أبدا.
-ال خيفي مونتيسكيو إعجابه ابلنظام السياسي االنكليزي.)..(...فاالنكليز كما يروي عنهم مونتيسكيو،
يرفضون االعرتاف بشرعية سلطة ال تعرف حدودا .وهو حيدثنا بتعاطف مماثل،عن اإلغريق القدامى الذين دفعهم
حبهم للحرية إىل اإلطاحة ابلطغاة واىل إقامة النظام اجلمهوري.
56
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-يصعب على قارئ الرسائل الفارسية حتديد شكل احلكم الذي حيظى إبيثار املؤلف :فهل هو من أنصار امللكية
اليت تعتمد القوانني أساسا هلا ،أم من أنصار امللكية اليت حيد التمثيل الشعيب ،من صالحياهتا ،أم من أنصار
اجلمهورية ؟ .لكن مثة أمرا واضحا وأكيدا ابملقابل :فهذا الكتاب مشبع من أوله إىل آخره.ابلكراهية لالستبداد.
ومفهوم احلرية هو املعيار األساسي ملؤلفه يف تقييمه للعالقات السياسية.
-يقف مونتيسكيو موقفا ال مباليا وريبيا من الدين املسيحي وعقائده .).....( .لكن...مونتيسكيو مل يوجه
هجاءه ونقده اجلارح اىل جوهر املذهب املسيحي بقدر ما وجهه إىل عيوب كنيسة الطقوس والشعائر :اكتناز
الثروات املادية من قبل الباابوات ،االجتار برباءات الغفران ،قسوة حماكم التفتيش ،جشع االكلريوس ورايئه
-التدين احلقيقي يف نظر مونتيسكيو هو تقيد اإلنسان بقوانني اجملتمع ،وقيامه بواجباته اإلنسانية،وإقدامه على
أعمال الرب واإلحسان ..ال تقيده بطقوس جيهل كل شيء عن معناها وعن سبب اختيارها..
-يف الرسائل يشري مونتيسكيو كثريا إىل مسالة التسامح الديين من زاوية مصلحة الدولة ويعترب أن تعدد األداين
مسألة مفيدة للنظام السياسي.فالتنافس فيما بينها ،سيؤدي ابملؤمنني إىل التقيد تقيدا صارما ابلقوانني املوضوعة
خلدمتهم ،واالمتناع عن كل ما من شأنه أن يضر بسمعة دينهم.
-يعترب روح الشرائع جمموعة ضخمة من احلكم واألقوال املأثورة املرهفة والثاقبة للغاية أحياان ،واملتناقضة أحياان
أخرى ..وقد مجعت يف كتب مقسمة إىل عدة فصول ،بعضها يشكل أحبااث صغرية....أما املواضيع فمتنوعة :فإىل
جانب الفصول املكرسة لقضااي نظرية الدولة الكربى ،هناك أخرى تبحث يف العقوابت ،يف هجر األطفال ،يف
بلوغ امللوك سن الرشد...،ويصعب على القارئ أحياان ،إدراك الصلة اليت جتمع بني فصل وآخر..وابإلمجال ،فان
مواضيع الكتاب مصنفة على حنو ملتبس وغري واضح ،على الرغم من تقسيماته وتفريعاته العديدة....وال عجب
ابلتايل أن يكون الباحثون قد اختلفوا يف حتديدهم للفكرة الرئيسية لكتاب روح الشرائع".
-يعلن مونتيسكيو يف مقدمة روح الشرائع أن اهلدف الذي وضعه لنفسه ليس توجيه النقد الالذع لألنظمة
القائمة لدى خمتلف األقوام ،بل شرحها وتفسريها .فعلى الرغم من التنوع الكبري للمؤسسات االجتماعية ،فان
ظهورها ليس عرضيا وال اعتباطيا .فكل ما يتحرك يف هذا العامل خيضع لقوانني اثبتة ،ال تتغري.
57
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-القوانني ،كما يقول مونتيسكيو "" :هي العالقات اإللزامية(الضرورية) املنبثقة عن طبيعة األشياء."".
-الواقع أن مونتيسكيو يصوغ فكرة وجود قوانني عامة ،تتحكم بظواهر الطبيعة واحلياة االجتماعية على حد
سواء ،بوضوح ودقة مل يعهدمها القرن الثامن عشر.
-حتت أتثري نظرية احلق الطبيعي السائدة يف عصره ،أضفى على القانون االجتماعي ،ال طابع العالقات اإللزامية
فحسب ،بل أيضا الطابع املعياري للحق الطبيعي.
-إن البشر ،كما يقول مونتيسكيو ،يسنون ألنفسهم قوانني ،لكن لديهم أيضا قوانني أخرى غري منبثقة عنهم:
قوانني الطبيعة السابقة على سن القوانني الوضعية....ويبدو واضحا هنا أن العالقات اإللزامية بني البشر ،واملنبثقة
عن طبيعة األشياء ،قد اكتسبت طابع املعايري األخالقية للحياة االجتماعية ،أي طابع العالقات اليت يفرتض فيها
أن تقوم يف احلياة االجتماعية .ومونتيسكيو الذي فاته التمييز بني التصورين اللذين يتضمنهما مصطلح" القانون
الطبيعي" ،يستخدمه للتعبري عن التصور األول اترة ،وعن التصور الثاين طورا. ".
-كان مونتيسكيو ،أسوة ابلعديد من معاصريه،يرى يف الكائن البشري ،ال اإلنسان االجتماعي كما يعرفه
التاريخ،بل اإلنسان اجملرد ،اإلنسان خارج التاريخ ،والذي وجد يف رأيهم قبل ظهور اجملتمع .وقد استخلصوا من
ذلك أن الكشف عن القوانني االجتماعية يقتضي دراسة احلالة الطبيعية وليس الوقائع التارخيية ،.ومن مث جيري
تطبيق املبادئ العامة..
.-غري أن مونتيسكيو ال يسلك هذه الطريق ،وان كان يسلم بوجوب هنج هذا املنهج،مفضال تركيز اهتمامه على
دراسة الوقائع التارخيية .فهو ال خيص احلالة الطبيعية مبكانة مميزة يف مؤلفاته .وما كانت االستنتاجات القائمة على
أساس مذهب احلق الطبيعي تتوافق البتة وميوله العلمية
-إن البشر ،خبروجهم عن احلالة الطبيعية ،يتخلون ،كما يقول مونتيسكيو ،عن استقالهلم الطبيعي ليعيشوا حتت
سلطة القوانني السياسية؛ يتخلون عن مشاعية اخلريات الطبيعية،ليعيشوا حتت سلطة القوانني املدنية ،أي قوانني
امللكية اخلاصة .وهذه القوانني تنبثق عن العقل :
58
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-تشكل فكرة التنوع احملتم للقوانني ،واحدة من األطروحات األساسية لنظرية مونتيسكيو .فهو على الرغم من
إقراره ابملقدمات املنطقية العامة ملذهب احلق الطبيعي واعرتافه بصحتها ،ينكر إمكانية تشييد نظام مشويل من "
القوانني الطبيعية" على أساسها .فالقوانني األقرب إىل الطبيعة يف كل حالة من احلاالت هي ،كما يؤكد جازما،
تلك اليت تنسجم أكثر مع الطابع املميز لألمة املعنية .إذ ال جيوز تقييم القوانني على ضوء املبادئ العامة فحسب،
بل ينبغي أن تؤخذ الظروف اخلاصة أيضا بعني االعتبار.
-مثة نقطة ضعف يف موقف مونتيسكيو النظري :إهنا تصوره ألشكال احلكم ،وأشكال احلكم ومؤسسات الدولة
والقوانني ،وكأهنا ظواهر تنمو وتتطور ابنتظام يف املكان ،خاضعة ،إن جاز التعبري ،للقوانني اجلغرافية ،يف حني ال
تستوقفه قوانني حتوهلا يف الزمان
-كل شكل من أشكال الدولة يبدو ،يف نظره ،شيئا فرداي ،يظهر ابنتظام عندما تتوافر بعض الشروط ،ليزول
ابنتظام مماثل يف إطار شروط أخرى .أما فكرة ترابط هذه األشكال ،بصفتها ظواهر تتجاوب مع أطوار متتالية من
تطور اجملتمع ،فإهنا غريبة عنه كليا.
-يضع مونتيسكيو العوامل الفيزايئية يف مقدمة العوامل احملددة لطبائع األمم،وابلتايل لقوانينها .وهذه العوامل
الفيزايئية هي -1 :املناخ -2.الطوبوغرافيا -3.األرض .وميكن القول أن فكرة الرتابط بني الظواهر االجتماعية
والوسط اجلغرايف ،الفيزايئي ،كانت حبد ذاهتا فكرة متقدمة يف عصره ،وذلك ال ابملقارنة مع الرؤية الالهوتية للعامل
فحسب ،بل أيضا ابملقارنة مع التصورات العقالنية اليت استنبطت قبليا الوجود االجتماعي من " خصائص
اإلنسان الطبيعية."".
-غري أن روح األمة ،يف نظر مونتيسكيو ،ال حتددها عوامل طبيعية فحسب .فاملعايري االجتماعية املستتبة لدى
قوم أو آخر تصبح بدورها قوة تؤثر يف روح األمة :كتب مونتيسكيو :
" ه نالك مجلة من األمور تتحكم ابلبشر :املناخ ،والدين ،والقوانني ،ومبادئ احلكم ،وعرب أحداث املاضي،
والعادات ،وما ينجم عنها من كيفيات خاصة يف تكوين العقلية العامة."".
59
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-تعود نظرية أتثري العوامل اجلغرافية على احلياة االجتماعية إىل أبقراط (ق الرابع ق.م).غري أهنا كبناء نظري قوي،
تعود إىل جان بودان يف كتاب يف اجلمهورية ،خالل القرن السادس عشر .وقد كان أتثريه قواي على آراء
مونتيسكيو يف هذا اإلطار...
-كان مونتيسكيو يف الواقع أبرز ممثلي مذهب املساومة السياسية ،إن مل نقل املمثل الكبري األوحد هلذا املذهب.
فقد كتب يقول '' :إن اخلري السياسي مثل اخلري األخالقي ،ينحصر دوما بني حدين .".والناس يتكيفون مع
املواقف الوسطية أبفضل مما يتكيفون مع املواقف املتطرفة ،وهلذا السبب ينبغي أ ':يتحلى املشرع بروح
االعتدال .".ويؤكد مونتيسكيو أنه قد كرس جوهر كتابه إلثبات هذه األطروحة والربهنة على صحتها....
-إن أتمالت مونتيسكيو حول روح الشعب ،والعوامل احملددة هلا ،وحول تنوع األشكال السياسية واالجتماعية،
متهد السبيل لتربيره لضرورة تكيف املشرع مع العالقات القائمة لدى كل شعب من الشعوب...وال يرتكز اهتمامه
على معرفة أي شكل من هذه األشكال هو األفضل ،بل على معرفة كيف ميكن احلصول على أفضل النتائج
ضمن هذه احلدود...
-وهلذا السبب نستطيع أن جند بيسر ،يف كمية املعلومات املذهلة اليت مجعها يف كتابه ،حججا تربر أنظمة
سياسية ابلغة التباين كاجلمهورية الدميقراطية ،وامللكية املعتدلة على الطراز االنكليزي ،والنظام االستبدادي الذي
يعتمد على طبقات مغلقة صاحبة امتيازات...
-مل يهتم مونتيسكيو ابلدين اهتماما خاصا .فالدين حبد ذاته مل يثر اهتمامه على اإلطالق .وهو ال ينظر إليه بعني
االهتمام إال بوصفه عامال اجتماعيا ،مفيدا أو مضرا ،أسوة ابلسياسة أو ابلتجارة .وينتمي مونتيسكيو إىل تلك
الفئة من الناس اليت ال تعتنق الدين السائد '':إال من قبيل الالمباالة ،على حد تعبريه''.
-يرى مونتيسكيو أنه ينبغي التحلي أبكرب قدر من التسامح إزاء الدايانت القائمة يف دولة من الدول .ويعلن
مونتيسكيو أن أتثري الدين على السلوك والعادات مسألة أكثر أمهية يف نظره من معرفة ما إذا كان هذا الدين قوميا
أو ال:.
"" إن العقائد األكثر صحة وقدسية قد تسفر عن أوخم العواقب ،إذا مل تربط مببادئ اجملتمع."".
60
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
حىت مسألة وجود هللا ،ال يطرحها مونتيسكيو إال من منظور داللتها االجتماعية .فهو ال يعري الرباهني الفلسفية
عن وجود هللا ابال،ويعلن ،نظري ما يفعل فولتري ،عن إميانه العميق أبن فكرة هللا ال غىن عنها للحفاظ على النظام،
وان اإلميان ابهلل مفيد"".
61
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
ومن قال ":إن قدرا أعمى أوجد مجيع املعلوالت اليت نبصرها يف العامل" ،يكون قد قال حماال عظيما ،فأي حمال
أعظم من قدر أعمى أحدث موجودات مدركة ؟ .
إذن ،يوجد عقل أويل ،والقوانني هي الصالت بني هذا العقل وخمتلف املوجودات ،وصالت هذه املوجودات
املختلفة فيما بينها.
وهلل صلة ابلكون خالقا وحافظا ،والقوانني اليت خلق مبقتضاها هي القوانني اليت حيفظ مبوجبها.وهللا يعمل وفق
هذه القواعد؛ ألنه يعلمها ،وهو يعلمها ،ألنه صنعها ،وهو صنعها لعالقتها حبكمته وقدرته.
ومبا أننا نرى بقاء دوام العامل املوجد حبركة املادة واخلايل من اإلدراك وجب أن تكون حلركاته قوانني اثبتة ،وإذا ما
أمكن تصور عامل غري هذا ،وجب أن تكون له قواعد اثبتة ،وإال تالشى .
وهكذا يفرتض التكوين ،الذي يلوح أنه عمل مرادي ( ()2تعسفي) ،قواعد اثبتة ثبات قدر املالحدة ،ومن
احملال أن يقال :إن اخلالق ميكنه أن يدبر العامل بغري هذه القواعد ،مادام العامل ال يدوم بغريها.
وهذه القواعد هي عالقة دائمة االستقرار ،ومجيع احلركات ،بني جرم متحرك وجرم آخر متحرك ،تتلقى وتزيد
وتزول وفق عالئق اجلرم والسرعة ،وكل فرد اطراد ،وكل حتول ثبات.
وقد يكون للموجودات اخلاصة املدركة قوانني وضعتها ،ولكن هلا أيضا قوانني مل تضعها ،وقد كانت املوجودات
املدركة ممكنة قبل أن تكون ،وقد كان هلا إذن عالئق ممكنة،ومن مث كانت هلا قوانني ممكنة ،وقد كانت توجد
عالئق ممكنة قبل وجود قوانني موضوعة ،فالقول بعدم وجود عدل أو جور غري ما أتمر به القوانني الوضعية أو
تنهى عنه ،هو قول بعدم تساوي مجيع أنصاف قطر الدائرة قبل رمسها.
62
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
ولذا ،جيب االعرتاف بوجود عالئق إنصاف أقدم من القانون الوضعي الذي شرعها ،وذلك مثال،أن من العدل
أن خيضع لقوانني جمتمعات الناس عند وجودها،وأنه إذا ما وجدت موجودات مدركة تلقت خريا من موجود آخر
وجب عليها أن تشكر له ذلك ،وأنه إذا ما خلق موجود مدرك موجودا مدركا ،وجب على املخلوق أن يقيم على
ما كان من خضوعه منذ أصله ،وأن املوجود املدرك إذا ما اعتدى على موجود مدرك ،فانه يستحق أن ينال مثلما
صنع من شر ،وهلم جرا...
ولكن جيب أن حيسن تدبري العامل املدرك كتدبري العامل الطبيعي؛ وذلك ألن العامل املدرك ،وان كانت له قوانينه
الثابتة بطبيعتها ،ال يتبعه ابستمرار كما يتبع العامل الطبيعي قوانينه؛ وذلك ألن املوجودات املدركة اخلاصة حمدودة
العقل بطبيعتها ،ومن مث تراها عرضة للخطأ ،مث إن من طبيعتها أن تسري بنفسها ،وهي ال تداوم إذن ،على إتباع
قوانينها الفطرية ،حىت إهنا ال تلزم دائما ما تتخذ من قوانني.
وال يعرف هل تسري احليواانت بقوانني احلركة العامة أو حبركة خاصة ،ومهما يكن من أمر ،فإهنا مل تكن مع
الرب على صلة أوثق مما عليه بقية العامل املادي ،وال ينفعها الشعور يف غري ما بينها من عالقة ،أو يف عالقتها مع
موجودات خاصة أخرى أو مع نفسها.
وهي حتافظ على كياهنا اخلاص وعلى جنسها مبيل إىل اللذة ،وهلا قوانني طبيعية الحتادها ابلشعور ،وليس هلا
قوانني وضعية مطلقا لعدم احتادها ابملعرفة مطلقا ،ومع ذلك ،فإهنا ال تتبع قوانينها إتباعا ال يتغري ،وأحسن منها
إتباعا لذلك ،النبااتت اليت ال نالحظ فيها معرفة وال شعورا.
وليس لدى احليواانت ما عندان من املتع العليا ،وعندها ما ليس لدينا،فليس لديها آمالنا أبدا ،ولكن ليس
عندها خماوفنا أبدا ،وهي نعاين املوت مثلنا ،ولكن من غري أن تعرفه ،حىت أن أكثرها حيفظ نفسه أحسن مما
حنفظ ،فهي ال تسيء استعمال شهواهتا مبقدار ما نسيء.
واإلنسان ،موجودا طبيعيا ،مسري بقوانني اثبتة كاألجرام األخرى ،واإلنسان ،موجودا مدركا ،ينقض بال انقطاع
ما شرع هللا من القوانني ،وهو يغري القوانني اليت يضعها بنفسه ،وعلى اإلنسان أن يدبر نفسه ،ومع ذلك فهو
كائن حمدود اإلدراك ،فهو عرضة للجهل واخلطأ كجميع األفهام القاصرة ،وما لديه من معارف ضعيفة يفقده
أيضا؛ أي :يكون موضعا أللف من األهواء مثل خملوق حساس ،وأمكن موجودا كهذا أن ينسى خالقه يف كل
حني ،فدعاه هللا إليه بقوانني الدين ،وأمكن موجودا كهذا أن يغفل عن نفسه يف كل حني ،فأيقظه الفالسفة
63
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
بقوانني األخالق ،وأمكن اإلنسان املفطور على العيش يف اجملتمع ،أن ينسى اآلخرين فيه ،فرده املشرتعون إىل
واجباته ابلقوانني السياسية واملدنية'''.....
-روح الشرائع ،ترمجة عادل زعيرت ،مؤسسة هنداوي ،اململكة املتحدة ،ص.ص.51-49 .
-يعترب الفيلسوف املاركسي املعاصر لويس ألتوسري أن مونتيسكيو مل يكن فقط من املراجع الفكرية التأسيسية اليت
قامت عليها األنوار ،وابلتايل الثورة الفرنسية فيما بعد سنة ،1789بل أيضا مؤسسا ملنهج جديد على أسس
ابستمولوجية جديدة .لقد امتلك مونتيسكيو يف نظره تصورا متقدما عن حقلي السياسة والتاريخ من منظور علمي
جتاوز به معاصريه.
'' هذا هو موضوع مونتيسكيو متاما حيث يقول عن روح الشرائع :
' إن هذا العمل يتخذ الشرائع موضوعا له وكذلك العادات والتقاليد املختلفة جلميع شعوب األرض .ميكن القول
أن هذا املوضوع واسع جدا ألنه يشمل كل الدساتري اليت تقبلها الناس .''.هذا اهلدف ابلضبط هو الذي مييزه عن
مجيع املؤلفني الذين حاولوا قبله جعل السياسة علما ،إذ مل يسبق أن جترأ أحد قبله على التفكري "" يف عادات كل
شعوب األرض وشرائعهم."".
إن اتريخ ''بوسويه'' يدعي الشمولية :لكن مشوليته تكمن يف القول أبن ''التوراة'' قالت كل شيء ،وأن التاريخ
كله يتعلق هبا ،كشجرة البلوط بثمرهتا .أما ابلنسبة للمنظرين أمثال''هوبز'' و''سبينوزا'' و'' غروتيوس'' فإهنم
"يقرتحون" ابألحرى فكرة علم لن يقيموه .إهنم ال يفكرون بكلية الوقائع العيانية بل ببعضها ( كشأن سبينوزا مع
الدولة اليهودية وإيديولوجيتها يف ' رسالة يف الالهوت والسياسة) ،أو أهنم يفكرون ابجملتمع عامة ،أو ب''اجملتمع
عموما'' مثل هوبز يف ' 'دي سيفا'' و''الليفيااتن'' ،وكحال سبينوزا نفسه يف ''املبحث السياسي''.
إهنم ال يضعون نظرية عن التاريخ الواقعي بل ينشئون نظرية عن ماهية اجملتمع .إهنم ال يفسرون جمتمعا خاصا
بعينه وال حقبة اترخيية ملموسة بعينها ،وال بوجه أوىل الكل االجتماعي والتارخيي .إهنم حيللون ماهية اجملتمع
ويقدمون منوذجا مثاليا وجمردا عنه .وميكننا القول :إن عملهم منفصل عن علم مونتيسكيو بنفس املسافة الفاصلة
64
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
بني الفيزيقا التأملية للديكارتيني والفيزيقا التجريبية للنيوتونيني .األوىل تبلغ مباشرة حقيقة كافة الوقائع الفيزيقية
املمكنة قبليا ،وذلك ابالستناد إىل ماهيات أو طبائع بسيطة ،واألخرى تنطلق من الوقائع مراقبة حتوالهتا
لتستخلص منها قوانني .إذن ،هذا التباين يف املوضوع يؤدي إىل ثورة يف املنهج .فان مل يكن مونتيسكيو هو أول
من قدم فكرة فيزيقا اجتماعية ،فهو أول من أراد إضفاء روح الفيزيقا اجلديدة عليها واالنطالق ليس من املاهيات
بل من الوقائع ،واستخالص القوانني من هذه الوقائع.
إننا نرى إذن يف آن واحد ما جيمع مونتيسكيو ابملنظرين الذين سبقوه وما مييزه عنهم .انه يشرتك معهم يف
املشروع نفسه :بناء العلم السياسي .لكنه خيتلف عنهم يف املوضوع ألنه ال يتنطح إلنشاء علم عن اجملتمع عموما،
بل لكل اجملتمعات املتجسدة يف التاريخ .وبسبب من هذه الواقعة ،فانه '' ال يتبع املنهج نفسه'' ،فلم يكن يريد
القبض على املاهيات ،بل اكتشاف القوانني .هذه الوحدة يف املشروع وهذا االختالف يف املوضوع واملنهج جيعالن
من مونتيسكيو الرجل الذي أعطى املتطلبات العلمية لسابقيه الشكل األكثر صرامة ودقة واخلصم األكثر تعنتا ل
'' جتريدهم'' يف الوقت نفسه.
إن مشروع إنشاء علم للسياسة والتاريخ يفرتض أوال أن السياسة والتاريخ ميكن أن يكوان موضوعا لعلم ،أي
يتضمننا ضرورة يود العلم اكتشافها .فالبد عندئذ من قلب الفكرة الريبية اليت ال ترى يف اتريخ اإلنسانية سوى
اتريخ أخطاءها وضالهلا ،وأنه إبمكان مبدأ وحيد توحيد تنوع العادات اهلائل والداعي لليأس :ضعف اإلنسان،
وأنه إبمكان سبب واحد إيضاح هذه الفوضى الالمتناهية :اختالل العقل اإلنساين ابلذات'' .
-لوي ألتوسري ،مونتيسكيو :السياسة والتاريخ ،ترمجة اندر ذكرى ،دار التنوير ،بريوت ،2006ص.ص -13
.15
-جاء يف مقدمة كتاب'' العقد االجتماعي'' بقلم املرتجم عادل زعيرت ما يلي :
-حني كان روسو ابنا للسابعة والثالثني( )1749نشرت أكادميية دجيون إعالن مسابقة يف موضوع "" :هل أدى
تقدم العلوم والفنون إىل إفساد األخالق ،أم إىل إصالحها ؟"" وكان صديقه ديدرو يف سجن فانسني وقتئذ
بسبب'' رسالته عن العميان'' ،فاطلع على ذلك اإلعالن حني ذهابه إىل زايرته ،فعن له يف الطريق أن يشرتك يف
املسابقة ،ويكلم ديدرو يف األمر فيشري عليه ابلتزام جانب إفساد العلوم والفنون لألخالق؛ ملا يف هذه من طرافة
وتوجيه نظر ،وملا ينطوي التزام جانب إصالحهما لألخالق من ابتذال.
-أعمل روسو ذهنه ومجع قواه ،وكتب يف املوضوع فأقام الدليل على أن العلوم والفنون أفسدت األخالق،
وأوجبت شقاء اإلنسان ،وادعى أن الرتف واحلضارة من نتائج العلوم والفنون ،وأهنما علة فساد األخالق؛ فقال
ابلرجوع إىل احلالة الطبيعية ،ومما ذهب إليه يف تلك الرسالة كون الثقافة أقرب إىل الشر منها إىل اخلري ،وكون
التفكري مناقضا لطبيعة اإلنسان ،وكون الفضيلة واألمانة والصدق ال أثر هلا يف غري احلال الطبيعية؛ حيث ال علوم
وال فنون ..وكتب روسو رسالته تلك بقلم حار وعاطفة جارفة ،فجاءت مبتكرة يف جمتمع بلغ الغاية يف املدنية،
خمالفة ملا عليه اجلمهور ،فنال روسو هبا اجلائزة.
-يعد روسو يف رسالته تلك كاحملامي الذي يلتزم طرفا واحدا يف املرافعات ،فيصعب تصديق جديته يف متثيل
دورهن ولذلك ال تتجلى أمهية رسالته يف اشتماهلا على مذهب اجيايب ،بل يف كوهنا مفتاحا لنشوء روسو الذهين،
ويف كوهنا مرحلة مؤدية إىل ''العقد االجتماعي'' .فالواقع أن هذه الرسالة حتتوي أصل مذهب روسو وعقيدته،
ومنها تعلم عداوته للرتف واملدنية ونظام الطبقات ،كما يعلم منها دفاعه عن احلرية.
-يف سنة 1753أعلنت أكادميية دجيون مسابقة أخرى عنواهنا '' :ما أصل التفاوت بني الناس؟ وهل أجازه
القانون الطبيعي ؟'' ويشرتك روسو يف املسابقة؛ ملا القى من جناح يف األوىل ،ولكنه مل ينل اجلائزة؛ لشدة محله على
االستبداد....
-تدل كلمة':الطبيعة' (يف املقال الذي شارك به روسو) على تطور كبري ،فال يعارض هبا روسو شرور اجملتمع
معارضة فارغة ،بل تنطوي على أمور اجيابية ،فرتى نصف ''أصل التفاوت'' يشتمل على وصف خيايل حلال
الطبيعة اليت يكون اإلنسان فيها حمصورا ضمن أضيق جمال مع قليل احتياج إىل أمثاله ،وقليل اكرتاث ملا وراء
احتياجات الساعة احلاضرة.
66
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-ويف هذه الرسالة يصرح روسو أبنه ال يفرتض وجود احلال الطبيعية فعال ،وإمنا يستحسن حاال من اهلمجية
متوسطة بني احلال الطبيعية واحلال االجتماعية حيافظ هبا الناس على البساطة ومنافع الطبيعة....ويظهر من
تعليقات روسو على منت الرسالة أنه ال يريد رجوع اجملتمع الفاسد احلاضر إىل حال الطبيعة ،وإمنا يعد اجملتمع أمرا
ال مفر منه مع فساده ....وهو يعلل هذا الفساد ابلتفاوت بني أفراد اجملتمع يف املعامالت واحلقوق ،فيتغىن
ابإلنسان الطبيعي الطاهر،ويقول بتلك احلال املتوسطة؛ حيث تسود املساواة...
-بدأ روسو هذه الرسالة مبناقشة حول طبيعة الدولة وإمكان التوفيق بني وجودها وحرية اإلنسان ،فرأى أن الدولة
هيئة هتدف إىل سعادة مجيع أعضاءها ،وجعل مجيع وجهات نظره يف اجلباية اتبعا هلذا اهلدف ،وذهب إىل أن
الكماليات وحدها هي ما جيب أن يكون اتبعا للضرائب....،
-مل تشتمل رسالة':االقتصاد السياسي' على كثري من مباحث االقتصاد املعروفة ،بل حتتوي آراء روسو السياسية
إمجاال ،وقد وضعها أايم عمت اجملاعة فرنسا ،فكان الفقراء ميوتون عن احتياج ،على حني يتمتع األغنياء أبطايب
النعم وضروب الرتف.وقسم 'االقتصاد السياسي' األول هو أكثر ما يستوقف النظر؛ فهو يهدم ما يبالغ فيه غالبا
من املقابلة بني الدولة واألسرة ،فيذهب إىل أن الدولة ليست ذات طبيعة أبوية ،وـأهنا تقوم على إرادة أعضائها
العامة.
-ظهر كتاب ':العقد االجتماعي' مع كتاب '':إميل'' سنة ،1762فدل بذلك على بلوغه الذروة من عمله،
والواقع أن ''العقد االجتماعي'' يشتمل عمليا على نظريته السياسية اإلنشائية كلها ،ويدل عنوانه على موضوعه،
ويسمى هذا الكتاب '' مبادئ احلقوق السياسية'' أيضا ،ويوضح هذا العنوان الثاين العنوان األول.
... -كان روسو جريئا يف كل ما أبداه فيه ،ويف هذا الكتاب محل روسو على الرق وعدم املساواة ،وانضل عن
حقوق اإلنسان وأقامها على طبيعة األمور .وقال إن هدف كل نظام اجتماعي وسياسي هو حفظ حقوق كل
فرد ،وان الشعب وحده هو صاحب السيادة .وكان يهدف إىل النظام اجلمهوري ،فتحقق هذا النظام ابلثورة
الفرنسية بعد ثالثني سنة حني أختذ '' العقد االجتماعي'' إجنيل هذه الثورة.
67
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
-مل يقل روسو حبكومات زمنه ملنافاهتا للطبيعة ،ويقوم مذهبه على كون اإلنسان صاحلا بطبيعته ،حمبا للعدل
والنظام ،فأفسده اجمل تمع وجعله ابئسا ،واجملتمع سيئ ألنه ال يساوي بني الناس واملنافع ،والتملك جائر؛ ألنه
مقتطع من امللك الشائع الذي جيب أن يكون خاصا ابإلنسانية وحدها ،فيجب أن يقضى على اجملتمع إذن ،وأن
يرجع إىل الطبيعة ،وهنالك يتفق الناس بعقد اجتماعي على إقامة جمتمع يرضى به اجلميع ،فيقيمون بذلك حكومة
متنح اجلميع ذات احلقوق ،فتقوم سيادة الشعب مقام سيادة امللك ،ويتساوى فيها الناس وتنظم الثروة والرتبية
والداينة...
-يف كتاب''إميل'' ظهر روسو الفيلسوف املريب جبانب روسو الفيلسوف االجتماعي ،وقد حاول روسو أن يكفر
يف كتاب 'إميل عن خطيئته جتاه أوالده...ويعد روسو هبذا الكتاب مؤسس الرتبية احلديثة ،ففيه ألقى دروسا ممتعة
يف تربية األطفال ومذاهب الرتبية والفضيلة واحلياة الزوجية.
وقد انل كتاب ''إميل( من بعد الصيت واألثر ما أصبح معه معول علماء الرتبية ،حىت أن الفيلسوف األملاين
كانط أتثر به كثريا ،وكانط حينما أخذ يطالعه ،أىب مغادرة منزله اىل نزهته اليومية قبل الفراغ من قراءته ،وكانط من
تعلم متسكه بنزهته تلكن وعدم عدوله عنها إال ألمر جلل.
-ألف روسو قصة حياته اخلاصة يف '':اعرتافاته'' ،فوضع اجلزء األول منها سنة ،1766وقد ظهر روسو يف هذا
الكتاب مثال القاضي املؤرخ العادل النزيه ،فلم يكتم شيئا من خطيئاته ومل يزد يف حسناته ،ومل تنشر هذه
االعرتافات إال بعد موته ،وعليها يعتمد يف ترمجة حياته...
-مل يعاجل روسو نظم الدول املوجودة ،خالفا ملا صنع مونتيسكيو وفولتري ،فبينما كان مونتيسكيو وفولتري ،اللذان
مها من أب ناء الطبقة العليا ،يقتصران على املطالبة ابإلصالح السياسي والديين وثلم شوكة االستبداد ،كان ابن
الساعي روسو ،كان ابن الشعب روسو ،الذي قضى شبااب قاسيا ،ينتهي آبالمه إىل ضرورة جتديد الدولة واجملتمع
جتديدا كليا ،ومن قول روسو '' :مل يهدف مونتيسكيو إىل معاجلة مبادئ احلق السياسي ،وإمنا كان يكتفي مبعاجلة
احلق الوضعي(القانون) للحكومة القائمة ،فال ميكن أن يبدو اختالف بني دراستني أكثر من هذا .''.ومن مث
يكون روسو قد متثل موضوعه خمتلفا عن موضوع ''روح الشرائع'' كل االختالف.
68
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
''(.)...لقد وجدت الثورة الفرنسية إجنيلها يف كتاابت روسو ،وقد أحدثت آراؤه الشبيهة ابجلنون يف آفات املدنية،
وتفضيله عيش املتوحشني على عيش املتمدنني ،جنوان فاض يف أحناء فرنسا وغمرها'''....
-النص :
''' أفرتض انتهاء الناس إىل النقطة اليت تغلبت عندها العوائق الضارة بسالمتهم يف احلال الطبيعية ،وذلك عن
مقاومة فيها ،على القوى اليت ميكن كل فرد أن يستعملها للبقاء يف هذه احلال ،وهنالك مل تقدر هذه احلال
االبتدائية على الدوام ،وكان اهلالك نصيب اجلنس البشري ،إذا مل يغري طراز حياته.
والواقع أن الناس ،إذا كانوا ال يستطيعون إنتاج قوى جديدة ،بل توحيد القوى القائمة وتوجيهها ،عاد ال يكون
لديهم وسائل للبقاء غري أتليفهم ،ابلتكتل ،مقدارا من القوى ميكنه أن يتغلب على املقاومة وحتريك هذه القوى
مبحرك واحد وتسيريها متوافقة.
وما كان هذا املقدار من القوى لينشأ إال ابتفاق أانس كثريين ،ولكن مبا أن قوة كل إنسان وحريته كانتا أوىل
الوسائل لسالمته ،فكيف يرهنهما من غري أن يضر نفسه وهبمل ما جيب من العناية بشخصه ؟ .إذا ما ردت هذه
املعضلة إىل موضوعي أمكن أن يعرب عنها ابلكلمات اآلتية؛ وهي'' :إجياد شكل لشركة جتري ،وحتمي -جبميع القوة
املشرتكة -شخص كل مشرتك وأمواله ،وإطاعة كل واحد نفسه فقط ،وبقاؤه حرا كما يف املاضي مع احتاده
ابجملموع ،فهذه هي املعضلة األساسية اليت حتل ابلعقد االجتماعي.
وشروط هذا العقد هي من التحديد بطبيعته ما جيعلها أقل تبديل ابطلة غري ذات عمل.وهي ،على ما حيتمل من
أنه مل ينطق هبا صراحة قط ،واحدة يف كل مكان ،مسلم معرتف هبا ضمنا يف كل مكان ،فإذا ما نقض امليثاق
االجتماعي اسرتجع كل واحد حقوقه األوىل واسرتد حريته الطبيعية اليت عدل عنها يف سبيل احلرية العهدية
الضائعة.
69
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
ويرد مجيع هذه الشروط ،املفهومة حقا ،إىل شرط واحد ،وهو بيع كل مشرتك مع مجيع حقوقه يف اجملتمع أبسره
بيعا شامال ،وذلك ،أوال ،أن الشرط متساو حنو اجلميع ما وهب كل واحد نفسه أبسرها ،وأنه ال مصلحة ألحد
يف جعل الشرط ثقيال على اآلخرين ما كان الشرط متساواي حنو اجلميع.
وإذا ما أقصي عن امليثاق االجتماعي،إذن ،ما ليس من جوهره ،حصر يف الكلمات اآلتية ،وهي '' :يضع كل
واحد منا شخصه ومجيع قوته شركة حتت إدارة اإلرادة العامة .وحنن نتلقى -كهيئة -كل عضو كجزء خفي من
اجملموع.''.
واآلن يؤدي عقد الشركة هذا إىل هيئة معنوية ألبية مؤلفة من أعضاء مبقدار أصوات اجمللس ،وذلك بدال من
الشخصية اخلاصة لكل متعاقد ،ومن ذلك العقد تنال هذه اهليئة وحدهتا وذاتيتها املشرتكة وحياهتا وإرادهتا ،وكان
يطلق اسم املدينة على هذا الشخص العام الذي يؤلف ،على هذا الوجه ،من احتاد مجيع اآلخرين ،فيسمى اليوم
'مجهورية' أو ' هيئة سياسية' ،وهي ما يسميه أعضاؤها ''دولة'' إذا كانت منفعلة ،و'سيدا' إذا كانت فاعلة،
و'سلطاان' إذا ما قيست أبمثاهلا .وأما املشرتكون فان اسم ''الشعب'' هو الذي حيملونه ألبيا ،ويسمون' مواطنني'
على وجه اخلصوص ،كمشرتكني يف السلطة ذات السيادة ،ويسمون 'رعاايه' عن خضوع لقوانني الدولة ،غري أن
بعض هذه األلفاظ خيتلط ببعض يف الغالب ،ويتخذ أحدها للتعبري عن آخر ،فيكفي أن يعرف متييز بعضها من
بعض عند استعماهلا مضبوطة متاما'''.ص.ص .39-37
-القانون:
70
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
'' ابمليثاق االجتماعي منحنا الوجود واحلياة للهيئة السياسية ،واآلن جيب علينا أن مننحها احلركة واإلرادة
ابالشرتاع؛ وذلك ألن العقد االبتدائي الذي أتلفت به هذه اهليئة والتحمت ،مل يعني بعد ،شيئا مما جيب أن يصنعه
للبقاء.
وما هو حسن مالئم للنظام هو هكذا بطبيعة األمور مستقال عن العهود البشرية ،وكل عدل أييت من هللا ،وهللا
وحده هو مصدره،ولكننا لو كنا نعرف أن نتلقاه من هذا املقام األعلى مل حنتج إىل حكومة ،وال إىل قوانني ،وال
ريب يف وجود عدل عام صادر عن العقل وحده ،غري أنه جيب أن يكون هذا العدل متبادال؛ ليكون مقبوال بيننا،
وإذا نظر إىل األمور من الناحية اإلنسانية وجدت قوانني العدل غري مؤثرة بني الناس من عدم وجود مؤيد طبيعي،
فهي جتعل من اخلبيث خريا ومن العادل سوء ،وذلك إذا ما راعاها هذا األخري جتاه مجيع العامل من غري أن يراعيها
أحد جتاهه ،فيجب إذن ،وجود عهود وقوانني لتوحيد ما بني احلقوق والواجبات ورد العدل إىل غايتهن وال أكون
يف احلال الطبيعية حيث كل شيء شائع ،مدينا بشيء ملن مل أعدهم بشيء وال أعرتف بشيء آلخر غري ما ال
يكون انفعا يل ،وال يكون األمر هكذا يف احلال املدنية حيث تعني مجيع احلقوق ابلقانون.
ولكن ما القانون يف آخر األمر إذن ؟ نداوم على الربهنة من غري أن نصل إىل اتفاق ما اكتفينا بربط أفكار
الهوتية هبذه الكلمة ،وحنن إذا ما عرفنا قانوان للطبيعة مل نقرتب من تعريف قانون للدولة.
كنت قد قلت انه ال يوجد إرادة عامة حول غرض خاص ،واحلق إن هذا الغرض اخلاص إما أن يكون داخل
الدولة أو خارجها ،فإذا كان خارج الدولة مل تكن اإلرادة الغريبة عنه عامة قط ابلنسبة إليه ،وإذا كان هذا الغرض
داخل الدولة ،عد جزء منها ،وهناك تقوم بني الكل وجزءه عالقة جتعلهما موجودين منفصلني ،فيكون اجلزء
أحدمها ويكون الكل هو اآلخر مع طرح هذا اجلزء منه ،بيد أن الكل مع طرح جزء ليس الكل مطلقا ،وما دامت
هذه العالقة موجودة يعود الكل غري موجود ،بل يوجد جزءان متفاواتن ،ومن مث تعود إرادة أحدمها غري عامة
ابلنسبة إىل اآلخر.
ولكن مجيع الشعب إذا ما سن يف سبيل مجيع الشعب ،مل ينظر إىل غري نفسهن فإذا ما تكونت عالقة حينئذ،
كان هذا بني وجهتني للغرض كامالن وذلك من غري تقسيم للكل ،وهنالك تكون املسألة اليت يسن حوهلا عامة
كاإلرادة اليت تسن ،وهذا العقد هو ما أمسيه قانوان.
71
جامعة محمد األول-الكلية المتعددة التخصصات-مسلك الفلسفة-السداسي الرابع-وحدة الفلسفة السياسية-
ذ.فريد لمريني-الموسم الجامعي2020-2019:
وعندما قلت أن غرض القوانني عام دائما أردت بذلك كون القانون يعد الرعية مجلة والقضااي جمردة ،فال
يكون اإلنسان فردا وال تكون القضية خاصة ،وهكذا ميكن القانون أن يقول يف احلقيقة بوجود امتيازات ،ولكنه ال
يستطيع أتن ينعم هبا على شخص ابمسه؛ وميكن القانون أن يقول بعدة طبقات من املواطنني وأن ينصص حىت
على صفات االنتساب إىل هذه الطبقات ،ولكنه ال يستطيع أن يعني هؤالء أو أوالئك األشخاص لينتسبوا إليها،
وميكن القانون أن يقول ابحلكومة امللكية واخلالفة الوراثية ،ولكنه ال يستطيع انتخاب ملك وال تعيني أسرة مالكة،
واخلالصة أن كل وظيفة ذات غرض خاص هي غري خاصة ابلسلطة االشرتاعية مطلقا.
وإننا بعد النظر إىل ذلك ،نرى من فوران أنه عاد ال ينبغي أن يسأل عمن حيق له وضع القوانني مادامت من
عمل اإلرادة العامة ،وال عن كون األمري فوق القوانني مادام عضوا للدولة ،وال عن كون القانون غري عادلن مادام
اإلنسان ال جيور على نفسه ،وال عن كيفية كون اإلنسان حرا وخاضعا للقوانني معا ،مادامت القوانني سجالت
لعزائمنا فقط.
وإذ جيمع القانون بني عمومية اإلرادة وعمومية الغرض ،كما يرى أيضا ،فان الرجل ،مهما كان شأهنن ال يعد
ما يؤمر به قانوان مطلقا ،وكذلك ال يعد قانوان ما أيمر به السيد حول موضوع خاص ،بل مرسوم ،وال يعد عمل
سيادة ،بل عمل حاكمية.
وأمسي مجهورية إذن ،كل دولة تدار بقوانني مهما كان شكل هذه اإلدارة ،وذلك ألن املصلحة العامة هي اليت
تسود هنالك ،وهنالك فقط .ويكون األمر العام حقيقة ،وكل حكومة شرعية مجهورية....
72