You are on page 1of 72

‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬

‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬حماضرات يف الفلسفة السياسية‬

‫‪-‬ذ‪ .‬فريد ملريين‬

‫‪1‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬حماور الدراسة‬
‫‪ -‬مدخل وتقدمي للفلسفة السياسية وللعلوم املرتبطة هبا‪:‬‬

‫‪-‬اإلطار االبستمولوجي والتارخيي‬

‫‪ -‬أوال‪ -‬احملور األول ‪ :‬الفلسفة السياسية يف العصر اليوانين‬

‫‪-1‬ثيوكيديديس ‪ :‬احلرب وأخالق السياسة‬

‫‪-2‬أفالطون وميتافيزيقا املدينة ‪ :‬مفهوم اجلمهورية‬

‫‪ -3‬أرسطو‪ :‬مفهوم الدولة‪ :‬من العلوم النظرية إىل العلوم العملية ‪.‬‬

‫‪-‬اثنيا‪-‬احملور الثاين‪ :‬الفلسفة السياسية يف عصر النهضة‪ -‬نظرايت احلق الطبيعي ‪.‬‬

‫‪-1‬نيكوال ماكيفيللي ‪ :‬الدولة القوية وأخالقها‬

‫‪ -2‬توماس هوبز‪ :‬اللفيااتن صاحب السلطة املطلقة‪.‬‬

‫‪-‬اثلثا‪ -‬احملور الثالث ‪ :‬فلسفة األنوار والفلسفة السياسية احلديثة‬

‫‪ -1‬جون لوك‪ :‬احلقوق السياسية واحلقوق املدنية‬

‫‪ -2‬مونتيسكيو ‪ :‬قانون الشرائع والقوانني‬

‫‪ -3‬جان جاك روسو‪ :‬نظرية العقد االجتماعي‬

‫‪-‬رابعا‪ -‬احملور الرابع‪ :‬حنو الفلسفة السياسية املعاصرة‪.‬‬

‫‪ -1‬فريدريش هيغل‪ :‬فلسفة احلق‬

‫‪2‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-2‬برتراند راسل‪ :‬السياسة واألخالق‬

‫‪ -3‬جون ستيوارت ميل‪ :‬احلرية يف عصر الليربالية‬

‫‪ -‬مراجعات عامة‬

‫‪ -‬قائمة ألهم املصادر والدراسات املرجعية ‪:‬‬


‫‪ -1‬أفالطون‪ ،‬احملاورات الكاملة‪ ،‬اجمللد األول‪:‬اجلمهورية‪ ،‬ترمجة شوقي داود ترماز‪ ،‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،‬بريوت‬
‫‪.1994‬‬

‫‪ -2‬أرسطوطاليس‪ ،‬السياسة‪ ،‬ترمجة أمحد لطفي السيد‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬بريوت ‪.2009‬‬

‫‪-3‬نيكوال مكيافيللي‪ ،‬األمري‪ ،‬ترمجة أكرم مؤمن‪ ،‬مكتبة ابن سينا‪ ،‬القاهرة ‪.2004‬‬

‫‪ -4‬توماس هوبز‪ ،‬اللفيااتن‪ -‬األصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة‪ ،‬ترمجة دايان حرب وبشرى صعب‪،‬‬
‫مراجعة وتقدمي رضوان السيد‪،‬دار الفارايب وهيئة أبو ظيب للثقافة والرتاث‪.2011 ،‬‬

‫‪ -5‬جون لوك‪ ،‬يف احلكم املدين‪،‬ترمجة ماجد فخري‪ ،‬اللجنة الدولية لرتمجة الروائع‪ ،‬بريوت ‪.1959‬‬

‫‪ -6‬البارون دي البريد‪ -‬مونتيسكيو‪ ،‬روح الشرائع‪،‬ترمجة عادل زعيرت‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،‬اململكة املتحدة‪،‬‬
‫‪.2017‬‬

‫‪ -7‬جان جاك روسو‪ ،‬العقد االجتماعي‪ ،‬ترمجة عادل زعيرت‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،‬القاهرة ‪.2012‬‬

‫‪-8‬فردريك هيجل‪ ،‬أصول فلسفة احلق‪ ،‬ترمجة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬املكتبة اهليجيلية املؤلفات‪ ،‬مكتبة مدبويل‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1996‬‬

‫‪ -9‬ليو سرتاوس‪،‬جوزيف كروبسي‪ ،‬اتريخ الفلسفة السياسية‪،‬‬

‫‪-‬اجلزء األول‪ :‬من ثيوكيديديس إىل سبينوزا‬

‫‪ -‬اجلزء الثالث‪ :‬من جون لوك اىل هيدجر‬

‫‪3‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫ترمجة حممود سيد أمحد‪ ،‬مراجعة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬القاهرة ‪.2005‬‬

‫‪ -10‬مصطفى حسن النشار‪ ،‬مدخل إىل الفلسفة السياسية واالجتماعية‪ ،‬عمان‪ ،‬دار املسرية‪ ،‬بدون اتريخ‪.‬‬

‫‪-11‬علي عبود احملمداوي‪ ،‬الفلسفة السياسية املعاصرة‪ ،‬عمان‪ ،‬دار اليازوي‪.2015 ،‬‬

‫‪4‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬مدخل ‪ :‬األصول املعجمية واالصطالحية واملفاهيمية‬

‫‪ -‬الفلسفة السياسية والعلوم السياسية‬

‫‪ -‬يقول املقريزي ‪:‬‬

‫""يقال ساس األمر سياسة‪ ،‬مبعىن قام به‪ ،‬وهو سائس كم قوم ساسة‪ ،‬وسوس‪ ،‬وسوسه القوم‪ ،‬جعلوه يسوسهم‪،‬ن‬
‫والسوس‪ ،‬الطبع واخللق‪ ،‬فيقال الفصاحة من سوسه ‪ :‬أي من طبعه‪ .‬فهذا أصل وضع السياسة يف اللغة‪ ،‬مث رمست‬
‫أبهنا القانون املوضوع لرعاية اآلداب واملصاحل وانتظام األحوال‪"".‬‬

‫‪-‬أمحد بن علي املقريزي " املواعظ واالعتبار بذكر اخلطط واآلاثر‪ ،‬بغداد ‪ ،1965‬ص ‪.220‬‬

‫‪ -‬يشتق فعل ساس والسياسة يف اللغة العربية من معاين ‪ :‬التعهد‪ -‬والتكليف والتفويض والتدبري وإدارة الشؤون‬
‫العامة والوالية ‪.‬وله صفة مستبطنة دينيا هي ( األمر ابملعروف والنهي عن املنكر‪).‬‬

‫‪ -‬هناك قوال مأثورا يرد كثريا عند الفقهاء يف تعريف السياسة ‪ " :‬ما كان به الناس أقرب إىل الصالح‪ ،‬وأبعد عن‬
‫الفساد‪".‬‬

‫‪-‬اإلمام ابن القيم اجلوزية يقول يف السياسة ابملفهوم الشرعي ‪:‬‬

‫"السياسة ما كان فعال يكون معه الناس أقرب إىل الصالح‪ ،‬وأبعد عن الفساد‪ ،‬وان مل يصنعه الرسول(ص)‪ ،‬وال‬
‫نزل به وحي‪.‬‬

‫‪"-‬الطرق احلكمية يف السياسة الشرعية‪ ،‬مطبعة السنة احملمدية‪ ،‬القاهرة ‪ ،1953‬ص ‪.16‬‬

‫‪ -‬تقع تعريفات علماء السياسة املعاصرين بني معاين‪- :‬مبادئ احلكم والقيادة‪-‬اإلدارة والتدبري‪-‬مث حقل الصراع‬
‫من أجل النفوذ والقوة ( السلطة)‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف ألفريد دي غريزاي (‪: )1956‬‬

‫السياسة هي ‪" :‬األعمال واألحداث اليت تصنع حول مراكز اختاذ القرارات يف احلكومة‪".‬‬

‫‪5‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬ويليام بلوم (‪ )1965‬تعين السياسة ‪:‬‬

‫"العمليات االجتماعية املتميزة ابلصراع والتعاون يف ممارسة القوة‪" .‬‬

‫‪ -‬السياسة كعلم‪ ،‬يقول أوسكار ايبيل( ‪ ،)1972‬هي ‪:‬‬

‫" دراسة املؤسسات والعمليات والسلوكيات والعقائد السياسية بقصد استخراج قوانني وتعميمات تفسر خمتلف‬
‫الظواهر اليت يتمخض عنها العمل السياسي‪" .‬‬

‫‪ -‬رمبا كان الرتاث الديين والفكري واملدين الصيين القدمي‪ ،‬هو أول ما كتب يف علم الساسة‪.‬‬

‫‪-‬يعود هذا الرتاث لتعاليم وحكم الفيلسوف كونفشيوس‪ ،‬مث بعده تلميذه منشيوس‪.‬‬

‫‪ -‬يدرج كونفشيوس كل األنشطة والظواهر املرتبطة ابحلياة االجتماعية يف نطاق احلياة السياسية‪.‬انه ابلنسبة له‬
‫أنشطة سياسية غري مباشرة‪.‬‬

‫‪ -‬اهتم كونفشيوس ابلتنشئة االجتماعية‪ ،‬ابعتبارها عماد أتسيس اجملتمع السياسي املثايل‪ .‬وانبنت تعاليمه على‬
‫األفكار اآلتية ‪:‬‬

‫‪-1‬حتتاج أنظمة احلكم إىل تربية سياسية سليمة‪.‬‬

‫‪ -2‬ليس هناك سياسة بدون مقومات أخالقية مبدئية‪ ( .‬السياسة واألخالق)‪.‬‬

‫‪ -3‬هذا نفسه ما تفيده العبارة املأثورة يف الرتاث اإلغريقي القدمي ‪ " :‬اإلنسان حيوان سياسي‪).‬‬

‫‪.‬املدينة ‪-‬السياسة ‪- Politics- Polis‬‬

‫‪ -‬السياسة يف الرتاث الفلسفي اليوانين هي فن إدارة وتدبري الدولة‪ .‬ولكن الدولة اإلغريقية حتمل صفة خاصة‬
‫جدا‪ ،‬من بني األمناط الدولتية القدمية‪ ،‬هي نعت ‪- :‬املدينة الدولة‪ ( .‬أثينا وإسبارطة)‬

‫‪6‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬يف هذا السياق السياسي واالجتماعي اشتغلت الفلسفة السياسية لدى تييوكيدديس و سقراط وأفالطون‬
‫وأرسطو ‪.‬‬

‫‪-‬من املنظور اإلسالمي ‪:‬‬

‫‪ -‬الفلسفة السياسية من املنظور اإلسالمي هي فلسفة دينية يف نفس الوقت‪.‬‬

‫‪-‬هؤالء بعض األعالم الذين اشتغلوا يف هذا الباب ‪:‬‬

‫‪ -‬املاوردي ك "األحكام السلطانية‪".‬‬

‫‪ -‬اجلويين ‪ " :‬غياث األمم يف التياث الظلم"‬

‫‪-‬حممد ابن االسكايف‪ " :‬لطف التدبري يف سياسة امللك"‬

‫‪-‬عبد امللك الثعاليب ‪ " :‬حتفة الوزراء‬

‫‪-‬أبو حامد الغزايل ‪ " :‬الترب املسبوك يف نصيحة امللوك‪".‬‬

‫‪ -‬شهاب الدين ابن أيب الربيع‪ " :‬سلوك املسالك يف تدبري املمالك‪".‬‬

‫‪-‬من القرن اخلامس إىل الثالث عشر امليالديني‪:‬‬

‫‪ -‬كانت السياسة يف العصور الوسطى املسيحية ممزوجة خبليط من اجلهاز املفاهيمي الذي يعود للفلسفة‬
‫اليواننية‪.‬كما كانت فلسفة يف الدين أكثر مما كانت فلسفة سياسية‪.‬‬

‫‪-‬حتولت السياسة إىل أحد فروع علم الالهوت‬

‫‪ -‬متثلت الدولة املسيحية يف العصر الوسيط يف الكنيسة البابوية اليت خيضع هلا كل امللوك واحلكام داخل اإلمرباطورية‬
‫الرومانية‬

‫‪ -‬حاول القديس أوغسطني يف كتابه الشهري ‪ ":‬مدينة هللا" تقدمي رؤية توفيقية بني العقل والنقل( الكتاب)‪ ،‬أو بني‬
‫السلطتني ‪ :‬سلطة الالهوت وسلطة اإلمرباطور‪ ،‬مقدما مرافعة قوية ضد اإلحلاد واهلرطقة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬لدى توما األكويين جند حتليال فلسفيا قواي للعالقة بني السلطتني ( الدينية والسياسية)‪ ،‬وقد اهتدى توما‬
‫األكويين إىل مشروع توفيقي ينبين على براهني واستدالالت أرسطية‪،‬مدافعا عن أطروحة ترى أن القانون الديين‪،‬‬
‫يضم القانون الطبيعي‪ .‬واعترب أن الدولة مسؤولة عن محاية القوانني من الشطط‪ ،‬خدمة للناس ورعاية ملصاحلهم‪.‬بل‬
‫أن الدولة مسؤولة أيضا ابلنسبة له عن الرتبية وإشاعة الفضائل حتقيقا للقيم الدينية واإلنسانية العليا‪.. ..‬‬

‫‪ -‬متيز علم السياسة يف عصر النهضة األوروبية إببعاد الالهوت كامال من دائرة السياسة ومؤسساهتا املختلفة‪ .‬انه‬
‫االنفصال التام بني حقل الدين وحقل الدولة‪ (.‬العلمانية) ‪.‬‬

‫‪-‬جون بودان‬

‫‪-‬كان عامل السياسة الفرنسي الشهري‪ :‬جون بودان (‪ )1596-1530‬أول من حنت مفهوم العلم أو العلوم‬
‫السياسية ‪:‬‬

‫‪ -‬جعل جون بودان من علم السياسة علما حصراي للقانون ‪ :‬الدولة واملؤسسات املختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬انصرف جون بودان إىل العناية ابلسلطة ومداراهتا واختصاصاهتا وحدودها‪ :‬هكذا أصبح علم السياسة هو علم‬
‫القانون أو فقه القانون‪..‬‬

‫‪-‬يسري مونتيسكيو‪،‬وهو أشهر فيلسوف نظر لفكرة القانون‪ ،‬يف كتابه الشهري ‪ ":‬روح القوانني" على منهجية جون‬
‫بودان يف اقتصاده اختصاص علم السياسة يف سن القوانني ورعايتها وتنفيذها طبق للمرجعية الدستورية‪.‬‬

‫‪ -‬جبوار املدرسة القانونية‪ ،‬منت مدرستان أخراين يف علم السياسة احلديث ‪:‬‬

‫أوال‪ -‬املدرسة التارخيية‪ ،‬حبيث |أصبحت كل الظواهر السياسية مدروسة يف نطاق السريورة التارخيية‬
‫لتطورها‪.‬اعتمدت على معطيات التاريخ‪ ،‬غري أن منهجيتها كانت وصفية وسردية دون أن تكون حتليلية‪.‬‬

‫اثنيا‪-‬املدرسة املؤسسية‪ :‬وقد انشغلت بدراسة املؤسسات السياسية يف حد ذاهتا (األجهزة التنفيذية‪-‬احلكومة‬
‫وملحقاهتا‪ -‬مؤسسات القضاء‪-‬املؤسسات التشريعية املختلفة‪....‬‬
‫‪8‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬عرفت أربعينيات ومخسينيات القرن العشرين‪ ،‬ظاهرة ما يسمى ابلثورة السلوكية يف علم السياسة‪ .‬ويف هذا‬
‫السياق الفكري والعلمي‪ ،‬هيمنت املدرسة السلوكية‪ ،‬وقد سعت اىل حتقيق األهداف اآلتية ‪:‬‬

‫‪-1‬حترير علم السياسة من دائرة القانون ومقتضياته‪ ،‬وابلتايل جعله ينفتح على ابقي العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪(:‬‬
‫علم التاريخ‪ -‬علم االقتصاد‪ -‬علم االجتماع‪).....‬‬

‫‪-‬السعي إىل علمنة مناهج علم السياسة‪ :‬االقتداء بنموذج العلوم الطبيعية‪..‬‬

‫‪-‬حتديد جمال االختصاص املتعلق ابلدراسات التابعة لعلم السياسة‪ ،‬يف مجلة الظواهر السياسية القابلة للمعاينة‬
‫واملالحظة التجريبية‪ (...‬حماولة عامل السياسة األمريكي الشهري ديفيد ايستون (‪ )1955‬وهو صاحب أشهر‬
‫مشروع نظرية سياسية )‬

‫‪ -‬إهنا نوع من العلموية االختبارية وقد تلقت املدرسة السلوكية انتقادات خمتلفة‪ ،‬وشهدت فعال مراجعات عميقة‬
‫هلويتها التجريبية املفرطة‪ .‬فهل تنفصل الظواهر السياسية فعال عن نظام القيم وعن األخالق ؟ وهل ميكن تصور‬
‫وجود ظاهرة سياسية دون قاعدة أو خلفية فلسفية عميقة‪ .‬؟ ‪ -‬ذلك هو الدرس الذي ساهم يف إشاعته وتقويته‬
‫فيلسوفان معاصران وخمتصان يف الفلسفة السياسية يف الوالايت املتحدة‪ ،‬ومها ‪:‬‬

‫ليو سرتاوس ( ‪-Léo Strauss )1973-1899‬‬

‫‪-Eric Voegelin‬إيريك فوغلني (‪)1985-1901‬‬

‫‪ -‬هل ميكن حتليل وفهم الظواهر واملؤسسات السياسية دون االرتكاز على أفالطون وأرسطو ومونتيسكيو وجون‬
‫لوك‪........‬‬

‫‪ -‬يقدم لنا عامل السياسة اهلندي الشهري ‪ Varma‬تعريفا عميقا للفلسفة السياسية ‪:‬‬

‫‪ ""-‬إهنا توليد وتركيب اآلراء‪ ،‬واملعلومات‪ ،‬والتأمالت‪ ،‬والبديهيات‪ ،‬واالفرتاضات‪ ،‬والقواعد ‪ ،‬والتعميمات‬
‫املتصلة بتوزيع واستخدام القوة يف اجملتمع‪"" .‬‬

‫‪9‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬يتم يف كثري من األحيان اخللط بني "الفلسفة السياسية" و" االيديولوجيا"‪ ،‬وهذا اخللط يعود إىل التمييز بني‬
‫الفلسفة السياسية "وعلم السياسة" ‪.‬‬

‫‪ -‬ال يقابل مفهوم الفلسفة السياسية مفهوم الفكر السياسي‪.‬فهذا األخري يتوجه مباشرة إىل زمن سياسي حمدد‪،‬‬
‫رغم أن الفلسفة السياسية بدورها تنشأ داخل فضاء سياسي معني‪.‬‬

‫‪ -‬هكذا كان سقراط األثيين رائدا ومؤسسا للفلسفة السياسية‬

‫‪ -‬تعترب أعمال أفالطون وأرسطو السياسية أقدم النصوص اليت عاجلت مسائل الفلسفة السياسية‪ .‬إهنما خالصة ما‬
‫يسمى ابلفلسفة السياسية الكالسيكية‪.‬‬

‫‪-‬غري أن الفلسفة الكالسيكية تضم أيضا أعمال الرواقيني ‪ ،‬إضافة إىل التعاليم السياسية آلابء الكنيسة‬
‫واالسكوالئيني يف العصور الوسطى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬نشأة الفلسفة السياسية الكالسيكية‬

‫‪-‬ليو سرتاوس‬

‫"" مل يكن سقراط ابلتأكيد هو الفيلسوف األول‪ ،‬وهذا يعين أن الفلسفة السياسية سبقتها الفلسفة‪ .‬اذ أطلق‬
‫أرسطو على الفالسفة األوائل" أوالئك الذين حبثوا يف الطبيعة‪ .".‬وهو مييزهم عن أوالئك الذين " حبثوا يف اآلهلة‪.".‬‬
‫املوضوع األول للفلسفة هو ابلتايل "الطبيعة" ‪ ،‬فما عساها أن تكون الطبيعة‪)..(.‬‬

‫يبدو أن الكلمة اليواننية للطبيعة (فيزيس) تعين أساسا "النمو"‪ ،‬ومن مث فهي تعين أيضا ما ينمو فيه الشيء‪،‬‬
‫إهنا تعين لفظ "النمو"‪.‬أي الطابع الذي ميتلكه شيء ما عندما يكتمل منوه‪ ،‬أي عندما يستطيع أن يفعل ما‬
‫يستطيع أن يفعله أو يفعله بصورة أفضل‪....‬فاألشياء مثل األحذية أو الكراسي ال "تنمو"‪ ،‬ولكنها تصنع‪ ،‬فهي‬
‫ليست" ابلطبيعة" بل ابلصنعة أو "ابلفن"‪ .‬ومن جهة أخرى هناك أشياء"ابلطبيعة" دون أن "تنمو"ن وحىت دون‬
‫أن خترج إىل حيز الوجود أبية طريقة‪ .‬إذ يقال أهنا "ابلطبيعة" ألهنا ليست مصنوعة‪ ،‬وألهنا " األشياء األوىل" اليت‬
‫خرجت منها أو عن طريقها‪ ،‬كل األشياء الطبيعية األخرى إىل الوجود‪)...(.‬‬

‫ومع ذلك‪،‬فان الطبيعة إذا فهمت‪ ،‬ال تعرف عن طريق الطبيعة‪ .‬فالطبيعة جيب أن تكتشف‪ .‬فالتوراة مثال‬
‫ليست فيها كلمة الطبيعة‪.‬إذ أن الكلمة املرادفة ""للطبيعة" يف التوراة هي شيء أقرب إىل "الطريقة" أو‬
‫"العادة"‪....‬وقد أصبح االختالف اجلذري بني هذه األنواع من "الطرق أو "العادات" موضع اهتمام عن طريق‬
‫اكتشاف الطبيعة‪ .‬فقد أدى اكتشاف الطبيعة إىل انفصال "الطريقة" أو "العادة" عن "الطبيعة"( مبعىن النمو‬
‫فيزيس) من جهة‪ ،‬واىل اخرتاع "القانون"( أو الناموس نوموس) والعرف من جهة أخرى (‪ )...‬إن ما هو طبيعي‬
‫يسبق ما هو وضعي أو عرف‪ .‬إن التمييز بني الطبيعة والعرف أساسي للفلسفة السياسية الكالسيكية‪ ،‬وحىت‬
‫ملعظم الفلسفات السياسية احلديثة‪ ،‬كما ميكن أن نرى ببساطة يف التمييز بني احلق الطبيعي واحلق الوضعي‪.‬‬

‫عندما تكتشف الطبيعة وتفهم يف جوهرها‪ ،‬على أهنا معارضة للقانون أو العرف‪ ،‬فانه يصبح من املمكن بل‬
‫من الضروري إاثرة هذا السؤال‪ :‬هل األشياء السياسية طبيعية‪ .‬وإذا كانت كذلك‪ ،‬فايل أي حد‪ .‬إن السؤال نفسه‬
‫يتضمن أن القوانني تعد بوجه عام عدالة‪ .‬ولذلك يكون املرء جمربا على أن يتساءل عما إذا كانت العدالة وضعية‬
‫‪11‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫فقط‪ ،‬أو عما إذا كانت هناك أشياء عادلة بطبيعتها‪ ،‬وهل القوانني وضعية فقط‪ ،‬أو متتد جذورها يف الطبيعة؟ أال‬
‫جيب أن تكون القوانني "متفقة مع الطبيعة" ومع طبيعة اإلنسان بصفة خاصة إذا أريد هلا أن تكون قوانني صاحلة‬
‫؟‪ .‬وإذا كانت القوانني هي أساس اجملتمع السياسي أو هي من صنعه‪ ،‬فهل اجملتمع السياسي نفسه موجود ابلطبيعة‬
‫؟‪ .‬لقد أفرتض مقدما يف حماوالت اإلجابة عن هذه التساؤالت أن هناك أشياء خرية ابلطبيعة ابلنسبة لإلنسان‬
‫بوصفه إنساان ‪.‬ولذلك يهتم السؤال الدقيق بعالقة ما هو خري ابلطبيعة ابلنسبة لإلنسان من جهة‪ ،‬وما هو عادل أو‬
‫حق من جهة أخرى‪ .‬إن البديل البسيط هو ‪ :‬كل حق عرفني أو هناك حق طبيعي‪ .‬وقد قدمت اإلجابتان‬
‫املتعارضتان وطورات قبل سقراط‪)...(.‬‬

‫ما الذي نعنيه إذن ابلقول إن سقراط هو مؤسس الفلسفة السياسية ؟‬

‫إن سقراط حتول عن دراسة األشياء اإلهلية أو الطبيعية‪ ،‬ووجه أحباثه حنو األشياء اإلنسانية‪ ،‬أعىن إىل األشياء‬
‫العادلة‪ ،‬واألشياء النبيلة‪ ،‬واألشياء اخلرية ابلنسبة لإلنسان من حيث هو إنسان‪ ،‬انه كان يتحدث ابستمرار عن ""‬
‫من هو التقي‪ ،‬من هو عدمي التقوى‪ ،‬من هو النبيل‪ ،‬ومن هو الوضيع‪ ،‬من هو العادل ومن هو الظامل‪،‬ما هو الوقار‬
‫وما هو اجلنون‪ ،‬ما هي الشجاعة وما هو اجلنب‪،‬ما هي املدينة‪ ،‬من هو السياسي( رجل الدولة)‪ . ".....‬ويبدو أن‬
‫ورع سقراط هو الذي دفعه إىل التخلي عن دراسة األشياء اإلهلية أو الطبيعية(‪ )...‬وقد اتبع سقراط حبوثه عن‬
‫طريق احملاداثت‪ .‬وهذا يعين أنه بدأ من آراء يتمسك هبا الناس بوجه عام واليت هلا سلطة كبرية‪ ،‬تلك اآلراء اليت‬
‫تقرها املدينة وقوانينها‪ ،‬أي يقرها العرف املقدس بصورة كبرية‪ .‬غري أن اآلراء اليت يتمسك هبا الناس بوجه عام‬
‫تناقض بعضها بعضا‪.‬ويصبح من الضروري ابلتايل جتاوز جمال اآلراء اليت يتمسك هبا الناس بوجه عام‪ ،‬أو جمال‬
‫الرأي من حيث هو كذلك‪ ،‬يف توجيه املعرفة‪ .‬وألنه حىت آراء أهل الثقة ليست سوى آراء‪ ،‬فقد اهتم سقراط أبن‬
‫ينصرف عن العرف‪ ،‬أو القانون ويلجأ إىل الطبيعة ؛ أعىن أنه اهتم ابن يرتفع من القانون ويلجأ إىل الطبيعة‪ .‬غري‬
‫أنه يبدو اآلن بصورة أكثر وضوحا من قبل أن الرأي‪ ،‬أو العرف‪ ،‬أو القانون‪ ،‬حيتوي على حقيقة‪ ،‬أو أنه ليس‬
‫جزافيا‪ ،‬أو أنه طبيعي مبعىن ما‬

‫قد يقول املرء أن القانون‪-‬أي القانون البشري‪ -‬يربهن ابلتايل على أنه يشري إىل القانون اإلهلي أو الطبيعي على‬
‫أنه أصله أو مصدره‪ .‬ومع ذلك فان هذا يتضمن أن القانون البشري‪ ،‬ألنه بدقة ال يتوحد مع القانون اإلهلي أو‬
‫الطبيعي‪ ،‬ال يكون صادق أو عادال بصورة مطلقة‪ ،‬فاحلق الطبيعي فقط‪ ،‬أي العدالة ذاهتا‪ ،‬أو "فكرة" أو "صورة"‬

‫‪12‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫العدالة‪ ،‬هو الذي يكون عادال بصورة مطلقة‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فان القانون البشري؛ أي قانون املدينة‪ ،‬ملزم‬
‫بصورة مطلقة للناس الذين خيضعون له شريطة أن يكون لديهم احلق أن يهجروا ملكيتهم؛ أعين شريطة أن يكون‬
‫خضوعهم لقوانني مدينتهم عن رضا وبصورة إرادية‪.‬‬

‫يظهر السبب الدقيق الذي يكمن وراء القول أبن سقراط هو مؤسس الفلسفة السياسية عندما ينظر املرء إىل‬
‫طابع املسائل اليت عاجلها يف حماداثته‪ .‬لقد أاثر التساؤل" ماذا عساه أن يكون ؟"‪ ،‬ملتفتا إىل كل شيء‪ .‬واملقصود‬
‫من هذا السؤال أن يلقي ضوء على طبيعة نوع الشيء الذي يتحدث عنه‪ ،‬أعين صورة الشيء أو طابعه؛‬

‫افرتض سقراط أن معرفة الكل هي فضال عن ذلك معرفة الطابع‪-‬الصورة‪،‬الطابع "اجلوهري" لكل شيء من‬
‫الكل‪ ،‬من حيث أنه يتميز عن معرفة ذلك الذي ينشأ منه الوجود أو عن طريقه‪ .‬فإذا كان الكل يتكون من أجزاء‬
‫خمتلفة من حيث اجلوهر‪ ،‬فانه من املمكن على األقل أن ختتلف األشياء السياسية( أو األشياء البشرية) من حيث‬
‫اجلوهر عن األشياء الالسياسية‪ ،‬أي أن األشياء السياسية تكون فئة بذاهتا وميكن ابلتايل دراستها بذاهتا‪ .‬لقد أخذ‬
‫سقراط كما يبدو‪ ،‬املعىن األويل "للطبيعة" بصورة جدية أكثر من أي واحد من سابقيه؛ فلقد أدرك أن " الطبيعة"‬
‫هي أساسا "صورة" أو "فكرة"‪ .‬وإذا كان ذلك صحيحا‪ ،‬فانه مل يتحول ببساطة عن دراسة األشياء الطبيعية ‪،‬‬
‫لكنه ابتكر نوعا جديدا من دراسة األشياء الطبيعية‪ ،‬أعين نوعا من الدراسة تكون فيها الطبيعة‪ ،‬مثال‪ ،‬أو فكرة‬
‫العدالة‪ ،‬أو احلق الطبيعي‪ ،‬وابلتأكيد طبيعة النفس البشرية واإلنسان‪ ،‬أكثر أمهية من دراسة الشمس مثال‪...‬‬

‫ال يستطيع املرء أن يفهم طبيعة اإلنسان إذا مل يفهم طبيعة اجملتمع البشري‪ .‬ولقد افرتض سقراط‪ ،‬وكذلك‬
‫أفالطون وأرسطو أن الصورة األك ثر كماال للمجتمع البشري هي املدينة(بوليس)‪ .‬وتؤخذ املدينة اليوم عادة لتكون‬
‫مدينة الدولة اليواننية‪ .‬بيد أنه ليس ضروراي ابلنسبة للفالسفة السياسيني الكالسيكيني أن املدينة كانت أكثر‬
‫شيوعا بني اليوانن من غري اليوانن‪ .‬وابلتايل جيب على املرء أن يقول أن موضوع الفلسفة السياسية الكالسيكية‬
‫ليس املدينة‪-‬الدولة اليواننية‪ ،‬وإمنا املدينة‪-‬الدولة بصفة عامة‪ .‬وذلك يفرتض سلفا أن املدينة‪-‬الدولة صورة خاصة‬
‫من "الدولة"‪.‬إهنا تفرتض ابلتايل مفهوم الدولة من حيث أنه يضم املدينة‪ -‬الدولة بني صور أخرى من الدولة‪ .‬ومع‬
‫ذلك‪ ،‬فان الف لسفة السياسية الكالسيكية ينقصها مفهوم الدولة‪ .‬فعندما يتحدث الناس اليوم عن "الدولة"" فإهنم‬
‫يفهمون "الدولة" عادة يف مقابل" اجملتمع"‪ .‬وهذا التمييز كان غريبا على الفلسفة السياسية الكالسيكية‪ .‬وال يكفي‬

‫‪13‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫القول أبن املدينة تضم كال من الدولة واجملتمع‪ ،‬ألن مفهوم"املدينة" يسبق التمييز بني الدولة واجملتمع‪ ،.‬ولذلك ال‬
‫يفهم املرء "املدينة ابلقول إن املدينة تشمل الدولة معا‪.‬إن املرادف احلديث ""للدولة" على مستوى فهم املواطن‬
‫هو" الوطن"‪ .‬ألنه عندما يقول شخص ما مثال أن" الوطن يف خطر" فانه ال يقوم أيضا‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬بتمييز بني‬
‫الدولة واجملتمع‪.‬‬

‫إن السبب يف اهتمام الفالسفة الكالسيكيني ابملدينة اهتماما رئيسيا هو أهنم مل يتجاهلوا الصور األخرى‬
‫للمجتمعات بوجه عام واجملتمعات السياسية بوجه خاص‪ .‬إذ أهنم عرفوا القبيلة( أي األمة)‪ ،‬كما عرفوا بناءات مثل‬
‫اإلمرباطورية الفارسية‪ .‬لقد اهتموا أساسا ابملدينة ألهنم فضلوا املدينة على الصور األخرى للمجتمع بوجه عام‬
‫واجملتمعات السياسية بوجه خاص‪.....‬لقد اهتموا أساسا ابملدينة ألهنم فضلوا املدينة على الصور األخرى للمجتمع‬
‫السياسي‪ .‬وقد يقال ان أسباب هذا التفضيل هي ‪ :‬أن القبائل ليست هلا مقدرة على حضارة أمسى‪ ،‬وال تستطيع‬
‫جمتمعات كبرية للغاية أن تكون جمتمعات حرة‪ .‬دعنا نتذكر أن مؤلفي " الواثئق الفدرالية" ال يزالون جمربين على‬
‫الربهنة على أنه من املمكن ابلنسبة جملتمع كبري أن يكون مجهوراي أو حرا‪ .‬ودعنا نتذكر أيضا أن مؤلفي الواثئق‬
‫الفدرالية" أطلقوا على أنفسهم اسم " مجهوريني"‪ .‬ويشري املذهب اجلمهوري إىل العهد القدمي الكالسيكي‪ ،‬ويشري‬
‫ابلتايل إىل الفلسفة السياسية الكالسيكية‪""..‬‬

‫‪-‬اتريخ الفلسفة السياسية‪-‬اجلزء األول ( من ثيوكيديديس حىت اسبينوزا‪ ،‬ترمجة حممود سيد أمحد‪ ،‬مراجعة إمام عبد‬
‫الفتاح إمام‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر ‪ .2005‬ص‪.‬ص ‪.26-20‬‬

‫‪ -‬نص ملحق‬

‫(‪- Thucydidis ( 460-395-400 av Jésus‬‬

‫‪ -‬يف جذور الفلسفة السياسية اليواننية‪ :‬ثيوكيديديس‬

‫‪ -‬ديفيد بولوتن‪:‬‬
‫"" ثيو كيديديس*‪.‬انه مؤلف كتاب واحد وهو " حرب البيلوبونيز واألثينيني"‪ .‬ال نتصور بوجه عام انه‬
‫فيلسوف سياسي‪..‬ال ألنه مل يستخدم على اإلطالق مصطلح الفلسفة السياسية فحسب‪ ،‬بل ألنه يتحدث‪-‬على‬

‫‪14‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫األقل بوضوح‪ -‬عن مسائلها العامة‪....‬انه مل يتحدث مطلقا عن نظام احلكم األفضل بصفة عامة‪...‬وعالوة على‬
‫ذلك‪ ،‬فانه يقدم نتائج " حبثه عن احلقيقة" بوصفه تفسريا حلدث سياسي وحيد‪ ،‬أي حرب العام السابع والعشرين‬
‫اليت أذل بواسطتها االسربطيون وحلفاؤهم اإلمرباطورية األثينية‪.‬هلذه األسباب مييل املرء إىل تصنيفه بوصفه مؤرخا‪.‬‬
‫وعلى خالف سلفه هريودوت‪ ،‬فانه مل يستخدم إطالقا كلمة اتريخ(‪ )..‬وهو ينظر ابلتايل إىل موضوعه على أنه‬
‫حدث معني يكشف احلقيقة الشاملة والدائمة‪ )...(.‬ورمبا يكون من األفضل ابلتاي أن نتجه إىل نظرة فاحصة‬
‫للسمات األكثر متييزا لكتابه‪ ،‬بدال من حماولة تصنيف فكره‪.‬‬

‫ختربان مجلة ثيوكيديديس االفتتاحية أبنه شرع يف الكتابة عن حرب البيلوبونيز من بدايتها؛ ألنه توقع أن تكون‬
‫حراب عظيمة‪ .)...(.‬إننا نشعر بعظمة احلرب ألننا نشعر بوجودها‪ .‬ويشتد هذا الشعور أبعد من ذلك عن طريق‬
‫إدخال ثيوكيديديس خطبا سياسية على حنو مباشر عن طريق املشاركني أنفسهم‪ .‬ويبدو أننا نستمع املتحدثني‬
‫عندما يتنازعون ابسم العدالة أو يتوسلون إىل اآلهلة عندما يلجئون إىل حب احلرب أو النصر اجلليل‪ ،‬وعندما‬
‫حيذرون من النتائج املرعبة لسياسات خاطئة (‪.)....‬‬

‫إن اخلطب املوجودة يف كتاب ثيوكيديديس جبديتها األخالقية وأمهيتها امللحة تطلب منا أن ننحاز إما معها أو‬
‫ضدها‪ ،‬ومع ذلك جيب على كل قارئ أن يعجب من التناقض بني صراحة هذه اخلطب وصمت ثيوكيديديس‬
‫اخلاص‪...‬وال يعين هذا الصمت أنه ال يبايل‪ ،‬أو أنه مل يعد يستجيب للناس ولألحداث ابالستحسان أو‬
‫االستهجان ألنه يشجعنا على أن نفعل ذلك‪ .‬انه يبني ابألحرى أنه معلم سياسي ماهر ألن اجلدية األخالقية اليت‬
‫يغرسها فينا تبقى غري انضجة‪ ،‬فهي ال تساعدان بصورة كافية على أن نطور خري جمتمعاتنا اليت حتتاج ابلضرورة إىل‬
‫تطوير‪ ،‬إذا مل ترشده احلكمة السياسية أو مل يبلغ ذروة فيها‪.‬وابلتايل يطالبنا ثيوكيديديس‪ ،‬بدال من أن خيربان عما إذا‬
‫كان يستحسن أو ال يستهجن سياسة معينة‪ ،‬أبن نكون أحكامنا اخلاصة مث خنضعها لالختبار الذي متدان به‬
‫احلرب‪..‬وجيب علينا أن نتخذ موقفا خاصا بطريقة أو أخرى‪....‬ومن األمهية ابلتايل‪ ،‬أن نزن أتثريها احلقيقي ونقوم‬
‫ابالستدالالت املناسبة فيما يتعلق حبكمتها‬

‫والواقع أن صمت ثيوكيديديس ال ميتد إىل مسائل خاصة فحسب‪ ،‬مثل املسائل اليت ختص السياسة‪ ،‬بل ميتد‬
‫أيضا‪ ،‬وبصفة خاصة‪ ،‬إىل مسائل عامة‪ (...‬ال يعين ذلك عدم اكرتاثه)‪...‬ويشري ثيوكيديديس إىل إجابته اخلاصة‬
‫على هذه املسائل العامة‪ ،‬عن طريق نقد وجهات النظر اخلاطئة لبعض القادة يف احلرب‪.....‬‬

‫‪15‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫يبدأ ثيوكيديديس ن بعد تفسريه االستهاليل لظهور احلضارة اليواننية وتطورها‪ ،‬روايته عن احلرب نفسها أبن‬
‫يعرض أسباهبا‪ .‬والسبب األكثر صدقا من وجهة نظره‪ ،‬على الرغم من أنه أقل جتليا ووضوحا يف حديثه ‪ ،‬هو أن‬
‫الثينيني أجربوا االسربطيني على دخول احلرب‪ ،‬عندما أصبحوا قوة أعظم أاثرت اخلوف يف نفوسهم‪.)...(.‬إننا‬
‫نستطيع أن نقدر بصورة مناسبة املوضوع األساسي لدراسة ثيوكيديديس للحرب؛ أعين العدالة‪ ،‬أو العدالة يف‬
‫عالقتها ابإلجبار أبن نبدأ فقط من هذه الظواهر األكثر بساطة‪....‬ومع ذلك‪ ،‬خيربان ثيوكيديديس أن تصميم‬
‫اسربطة على شن احلرب‪ ،‬وحماولة سحق القوة األثينية وتدمريها‪ ،‬مل حتض عليه اهتامات احللفاء املوجهة ضد أثينا‬
‫إال بقدر أقل مما حث عليه خوفها‪)...(..‬‬

‫حيثنا يثوكيديديس على أن نتصور الطاعون وكارثة صقلية ‪ ،‬إىل جانب اهلزمية النهائية ألثينا يف احلرب‪ ،‬من‬
‫حيث أهنا صنوف من العقاب احملتومة لسلوكها املشني وظلمها‪...‬ومع ذلك ال يبدو ثيوكيديديس نفسه يشارك يف‬
‫هذا التفسري للحرب بوصفها عقوبة إهلية أو كونية ألثينا‪ .‬وعلى الرغم من أنه رفض التأمل يف أسباب الطاعون‪،‬‬
‫فانه خيربان أبنه كان منتشرا يف إفريقيا وآسيا أيضا قبل أن حيل أبثينا‪ ،‬ويسخر من سرعة تصديق أوالئك الذين‬
‫اعتقدوا أن مبلغا من مبلغي الوحي القدماء قد تنبأ به‪)...(.‬‬

‫لكن حىت بغض النظر عن مسألة ما الذي سبب املعاانة األثينية‪ ،‬فانه كلما قرأ املرء ثيوكيديديس‪ ،‬شعر بصورة‬
‫أقل أبن أثينا كانت تستحق املعاانة أو أهنا تناسبها‪ .‬وبوجه عام‪ ،‬إن استجابتنا األوىل للكتاب كله ليست االرتياح‬
‫ألن العدالة قد حتققت‪ ،‬بل رمبا كان إىل حد كبري شعورا ابحلزن‪ .‬وينشأ هذا احلزن بقدر كبري على األقل من‬
‫إحساس متزايد أبن هزمية أثينا ليست انتصارا للعدالة‪ ،‬وإمنا العدالة ذاهتا هي من بني الضحااي الرئيسية للحرب‪.‬‬
‫(‪.)....‬‬

‫ويبني ثيوكيديديسن عن طريق تفسريه للعصور القدمية‪ ،‬سواء يف اليوانن أو قربص‪ ،‬وكذلك عن طريق وصفه‬
‫للقوى الناشئة يف مقدونيا وتراقيا أن مصري العدالة يف هذه احلرب كان هو نفسه مصريها من قبل ومصريها يف كل‬
‫مكان‪....‬وخيربان فضال عن ذلك أبن األشياء العنيفة مثل تلك اليت حدثت يف املدن إابن احلروب املدنية قد‬
‫حدثت من قبل‪ ،‬وستحدث ابستمرار يف املستقبل‪ ،‬طاملا وجدت الطبيعة البشرية نفسها‪...‬هذا التقرير الصلب عن‬
‫الطبيعة البشرية هو الصدى األكثر وضوحا عند ثيوكيديديس لوعده االفتتاحي أبن يكشف عن احلقيقة الشاملة‬
‫والدائمة اخلاصة ابلشؤون البشرية‪ .‬والدرس األكثر وضوحا للعمل كله‪ ،‬ابلنسبة للسياسي واآلخرين ابملثل هو يف‬

‫‪16‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫واقع األمر أن يالحظ املرء أنه طاملا بقي نوعنا‪ ،‬فانه جيب علينا أن نعتمد على طبيعة بشرية تتغلب ابستمرار‪،‬‬
‫عندما تسنح هلا الفرصة على ألوان الردع اهلشة للقانون والعدالة‪).....(...‬‬

‫إن الذكر الوحيد للفلسفة يف عمل ثيوكيديديس هو اخلطبة اجلنائزية لبريكليس‪ .‬ان بريكليس يثين على األثينيني‬
‫لتفلسفهم " بال ختنث "‪ ،‬الذي يعين به بوضوح‪ ،‬بدون الرجوع إىل احلياة السياسية‪ .‬كما أنه يتحدث إبصرار عن‬
‫كرامة احلياة النشطة أو السياسية اليت تسمو على حياة الفراغ‪ .‬غري أن بريكليس أخفق يف أن يفهم أن تفلسف‬
‫األثينيني يالزم نوعا من الرقة اخلاصة‪ .‬ألن الناس‪ ،‬أو على األقل الناس األكثر قدرة‪ ،‬أجربهتم جدية اهتماماهتم‬
‫األخالقية والسياسية مبسألة صدق معتقداهتم العزيزة عليهم بصورة كبرية‪ ،‬وابالجتاه يف هناية األمر حنو الفلسفة من‬
‫حيث إهنا خريهم األمسى‪ .‬ولقد كان ثيو كيديديس هو الذي لديه قوة العقل ألن يقبل هذا اإلجبار‪ ،‬وأن يفكر فيه‬
‫بدقة حىت فهمه بوضوح‪ .‬وقد اكتسب قوة أبعد من هذا الفهم ‪ .‬ألنه من املنظور الذي بلغه ابلتايل‪ ،‬استطاع أن‬
‫يستمر يف النظر إىل احلياة السياسية‪ ،‬مبا فيها أهواهلا العظيمة ابإلضافة إىل صنوف مجاهلا‪ ،‬هبذا الوضوح اهلادئ‬
‫والتأثري فيها أيضا‪ ،‬عن طريق كتابته‪ ،‬هبذا التوازن واإلنسانية‪"""....‬‬

‫‪ -‬يف كتاب " اتريخ الفلسفة السياسية"‪ ،‬ص‪.‬ص ‪.61-27‬‬

‫*ثيوكيديديس من أعظم مؤرخي اليوانن‪ ،‬وكان معروفا ابلدقة واملوضوعية يف هذا الكتاب الضخم‪ :‬اتريخ حرب‬
‫البيلوبونيز اليت دارت بني أثينا وإسبارطة وقد استمرت من ‪ 431‬إىل ‪ 404‬قبل امليالد‪ .‬وقد دارت بفعل الصراع‬
‫الشرس واملرير على ملكية اإلنتاج االقتصادي والسيطرة على املستعمرات‪.‬‬

‫** الكتاب ترمجه فيلسوف السياسة توماس هوبز‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬ما العدل ؟‬

‫‪ -‬الكتاب الثاين من اجلمهورية‪ -‬أفالطون (‪)347-427‬‬


‫""‪ -‬ملخص أفكار الكتاب ‪:‬‬

‫‪-1‬حبث يف العدالة‬

‫‪-2‬كلوكون وأدايمنتوس أخوا أفالطون‪ ،‬حياوران سقراط يف معىن العدل‪.‬‬

‫‪-3‬نقد هلومريوس‪ ،‬وملا جاء يف كتابيه الشهريين‪ :‬اإللياذة واألوديسة‪.‬‬

‫‪-4‬نقد شعراء آخرين ممن كانوا يف تطابق مع هومريوس شعر املأساة املضلل‪.‬‬

‫‪ -5‬البدء يف تعريف حاجيات الدولة األساسية‪ ،‬والنظر إىل العدل يف الدولة‬

‫‪ -6‬سقراط يعرف العدل أبنه وضع الرجل املناسب يف املكان املناسب‪ ،‬وأن يربع الرجل يف عمله‪ ،‬وأن ال يكون‬
‫جنداي وطبيبا ومزارعا وحارسا يف آن‪..‬‬

‫‪-7‬حمبة العلم هي حمبة احلكمة‪ ،‬اليت هي الفلسفة‪.‬‬

‫‪ -8‬تعليم املوسيقى والرايضة واألدب لناشئتنا‪ ،‬ومراقبة القصص اخليالية اليت لن نعلمها ألطفالنا ألهنا ستفسد‬
‫عقوهلم‪..‬‬

‫‪ -9‬دحض ملا جاء يف قصائد هومريوس عن هللا‪ ،‬وما هو إال خري حمض‪ ،‬سبب كل خري‪ ،‬ال يؤذي‪ ،‬ال يضر‪ ،‬وال‬
‫يصنع الشر‪ ،‬بل هو موجد اخلري واألشياء اخلرية وليس الشر‪ .‬ووجود الشر يبحث عنه يف مكان آخر‪ ،‬وليس يف هللا‬
‫مطلقا‪ ،‬وهو ليس بساحر‪ ،‬وال يظهر أبشكال متعددة‪ ،‬وال خيدع‪ ،،‬بل هو اثلث يف جمد ربوبيته‪ ،‬واحد وعينه‬
‫ابلذات غري قابل للتغيري‪ ،‬وهو األكمل‪ ،‬واألفضل‪ ،‬وسبب الوجود واألحسن‪ – ""...‬املرتجم‬

‫‪ -1‬يعترب الكتاب الثاين من اجلمهورية تتمة للكتاب األول الذي دارت حماورته بني سقراط وبوليمارخوس وكان‬
‫موضوعها مفهوم العدل ابلذات‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -2‬ملخص احملاورة أن بوليمارخوس يعطي تعريفه للعدل قائال‪" :‬إن العدل هو دفع الدين"‪ .‬فينقض سقراط هذا‬
‫التعريف‪ .‬مث يعرفه بوليمارخوس اثنية ‪ :‬انه نفع األصدقاء وضرر األعداء‪ ،‬وعمل اخلري للصاحلني‪ ،‬واألذى لألشرار‪.‬‬
‫ويدحض سقراط هذا التعريف للعدل‪.‬‬

‫‪ -3‬يستلم تراسيماخوس احملاورة بعدئذ‪ ،‬ويعرف العدل أنه ال شيء آخر سوى فائدة األقوى‪ .‬وينقض سقراط هذا‬
‫التعريف للعدل‪ ،‬بتعريفه للفنون‪ ،‬وهو أن كل فن له غاية يقف عندها‪ ،‬وهي كمال ذلك الفن‪ .‬ومبا أن العدل فن‬
‫سام يف غايته وكماله‪ ،‬كما كل الفنون األخرى‪ ،‬جيب حسبانه فضيلة وخريا‪ .‬وهلذا‪ ،‬ال ميكن للعدل أن يكون فائدة‬
‫األقوى"‪ -.‬عن املرتجم‪...‬‬

‫‪ -‬ما العدل ؟‬
‫‪ -‬الكتاب الثاين من اجلمهورية‪ -‬أفالطون (‪347-427‬‬

‫‪ -‬نص احملاورة‬

‫‪ -)...( -‬كلوكون‪.. :‬دعين أسألك كيف سرتتب اخلريات ؟ أليس فيها ما نرحب به لغاايته اخلاصة‪ ،‬وليس‬
‫لنتائجه‪ ،‬وكمثل املتع واللذات اليت ال تؤذي وتفرحنا يف وقتها‪ ،‬مع أنه ال شيء يتأتى منها ؟‬

‫‪-‬سقراط ‪ :‬أوافقك التفكري‪ ،‬هناك نوع كهذا‪.‬‬

‫‪-‬كلوكون‪ :‬أال يوجد نوع اثن من اخلريات تلك‪ ،‬كاملعرفة ‪ ،‬والصحة‪ ،‬والنظر‪ ،‬اليت تكون مرغوبة ليس بذاهتا فقط‪،‬‬
‫بل لنتائجها أيضا ؟‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬ابلتأكيد‪.‬‬

‫‪-‬كلوكون‪ :‬أومل تدرك نوعا اثلثا منها‪ ،‬كالتمارين الرايضية‪ ،‬والعالجات الطبية؟ فالفن الطيب وكل تلك الصناعات‬
‫اليت يتم بواسطتها حتصيل املال تفعل لنا فعال حسنا لكننا نعتربها غري مقبولة؛ ولن خنتارها لغايتها اخلاصة‪ ،‬لكن‬
‫لبعض النتائج أو املكافآت اليت تنساب منها ؟‬

‫‪19‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬هذا النوع الثالث موجود‪ ،‬ولكن ملاذا السؤال ؟‬

‫كلوكون ‪ :‬أريد أن أعرف‪ ،‬يف أي نوع من األنواع الثالثة تضع العدل ؟‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬أضعه يف الطبقة األعلى بني تلك اخلريات‪ ،‬والسعيد هو من يرغبها لنتائجها‪ ،‬كما لغايتها اخلاصة‪.‬‬

‫‪-‬كلوكون‪ :‬العديد من الرجال إذن هلم تفكري آخر؛ فهم يعتقدون أن العدل حمسوب من النوع املزعج‪ ،‬بني اخلريات‬
‫اليت جيب مالحقتها لغاية ما أو جلوائز أو لسمعة محيدة‪ ،‬لكنها يف أنفسها غري مقبولة ولذا جيب االبتعاد عنها‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬اعرف‪.‬تلك أخالقيتهم يف التفكري‪ .‬وهذا ما طرحه ومتسك به دائما تراسيماخوس‪ ،‬عندما أدان العدل‬
‫وأثىن على الظلم‪...‬ن لكن يبدو أنين متعلم بطيء‪.‬‬

‫كلوكون‪ )..( :‬سأتكلم عن طبيعة العدل أوال وعن أصله طبقا للنظرة العامة إليه‪ .‬سأبني اثنيا أن كل الرجال الذين‬
‫ميارسون العدل‪ ،‬إمنا ميارسونه ضد إرادهتم‪ ،‬كضرورة‪ ،‬وليس كخري‪ .‬وسأحاول اثلثا أن أبني أن هناك سببا هلذه‬
‫الرؤاي‪ ،‬أي أن حياة الظامل‪ ،‬هي بعد كل ذلك‪ ،‬أفضل ببعيد من حياة العادل‪...‬لكن يبقى أنين يف حرية عندما أمسع‬
‫أصوات ثراسيماخوس واآلخرين مرددة صداها يف أذين ومل أمسع مطلقا‪ ،‬من اجلانب اآلخر حىت اآلن‪ ،‬علو العدل‬
‫على الظلم مؤكدا من أي شخص وبطريقة مقنعة‪ .‬أريد أن أمسع الثناء على العدل ابعتبار نفسه‪ ،‬وسأكون مقتنعا‬
‫بعدها‪ ،‬وأعتقد خملصا أنك أنت الشخص الذي سيتوىل هذا الشرح‪..‬فهل ستوافق على اقرتاحي؟‬

‫‪ -‬سقراط ‪ :‬أوافق حقا؛ وال أتصور أي موضوع آخر أفضل سيتحاور بشأنه غالبا أي رجل ذي إدراك‪.‬‬

‫‪-‬كلوكون‪.. :‬سأبدأ ابلكالم كما اقرتحت عن طبيعة العدل وأصله‪ .‬يقولون‪ ،‬أن تفعل الظلم هو ابلطبيعة‪،‬خري‪،‬وأن‬
‫تقاسيه شر‪ ،‬لكنه يوجد شر يف األول أكثر من اآلخر(‪ .)..‬وما سن ابلقانون مسي قانونيا وعادال‪ ،‬وهذا ما دعي‬
‫أصل وطبيعة العدل‪ .‬فهو وسط أو اتفاق‪ ،‬بني أفضل الكل‪ ،‬الذي هو فعل الظلم بدون عقاب‪ ،‬وأسوأه‪ ،‬أال وهو‬
‫مقاساته بدون القدرة على الرد‪ .‬والعدل نقطة وسط بني االثنني‪ ،‬وهو مباح ليس كخري‪ ،‬بل كشر أقل‪ ،‬ويشرفه‬
‫الرجال الضعفاء الذي ال يقدرون على ممارسته‪)...( .‬‬

‫أما الذين ميارسون العدل‪ ،‬فما يفعلون ذلك إال جربا ألهنم ال ميلكون القوة ليمارسوا الظلم‪ .‬ويظهر ذلك جليا عند‬
‫ختيلنا شيئا من هذا النوع ‪ :‬إذا أعطينا القوة لكل من العادل والظامل لفعل ما يريدان‪ ،‬مث راقبنا ورأينا كيف ستقودمها‬
‫الرغبة يف العمل‪ .‬سنكتشف أن الفعل احلقيقي للرجلني يتقدم على الطريق عينه‪ ،‬فيما يقيد كال منهما‪ .‬انه الطريق‬
‫‪20‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫الذي تسلكه كل املخلوقات وابلغريزة‪ ،‬كأنه خريها‪ ،‬وتكون قوة القانون ضرورية إلجبارمها على احرتام املساواة‬
‫واحلرية اللتني نفرتض أنه ميكن إعطاؤمها هلما كاملتني يف شكل هكذا قوة (‪ .)....‬وسندع الرجل الظامل أن يفعل‬
‫النوع احلق من األخطاء‪ ،‬وأن يهرب وال يكتشفن إذا كنا سنعلنه سيدا للظلم‪ ،‬وستكون عالمة عجز إذا أكتشف‪،‬‬
‫ألن قمة الظلم أن يراك الناس عادال وحقيقتك العكس‪.)....(...‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس (أخ كلوكون) ‪ .)..( :‬خيرب اآلابء واملعلمون أبناءهم دائما‪ ،‬كلمات ميدحون فيها العدل وأن عليهم أن‬
‫يكونوا عادلني‪ ،‬فنسأل ملاذا ؟ طبيعي ليس ألهنم يفضلون العدل على الظلم‪ ،‬بل للسمعة احلسنة واألخالق‪ ،‬على‬
‫أمل أن حيصل أوالدهم على بعض املناصب الرفيعة ويتزوجون ممن يريدون وما شابه ذلك‪ .)..(...‬إن الصوت‬
‫العاملي للجنس البشري ‪ ،‬يعلن دائما أن الفضيلة والعدل شريفان‪ ،‬غري أهنما حمزانن ومتعبان‪ ،‬وأن مسرات الرذيلة‬
‫والظلم سهلة املنال‪ ،‬ويدينها القانون والرـأي العام فقط‪)...(.....‬‬

‫‪-‬سقراط ‪ :‬جيب أن نبحث‪ ،‬يف املكان األول وبشمولية يف طبيعة العدل والظلم ونكتشف احلقيقة ‪ ،‬اثنية عن‬
‫منافعهما اليت يتصل بعضها ببعض‪..‬إن البحث سيكون ذا طبيعة جدية وسيحتاج لعيون سليمة ‪ :‬لنفرتض وجود‬
‫شخص ضعيف البصر‪ ،‬طلب منه أن يقرأ كلمات صغرية عن بعد‪،‬بينما الحظ آخر أن الكلمات عينها‪ ،‬نقشت‬
‫يف مكان آخر بشكل أكرب‪...‬وميكنه أن يقرأ األحرف الكبرية ويتقدم إىل الصغرية بعدئذ‪ ،‬سيظن هذا أنه قطعة‬
‫اندرة من احلظ السعيد‬

‫‪ -‬أدايمنتوس‪ :‬حقيقة متاما‪ ،‬ولكن كيف ميكننا أن نطبق هذا الشرح عمليا يف حبثنا عن العدل ؟‬

‫‪-‬سقراط ‪ :‬سأخربك‪ ،‬حيكى عن العدل‪ ،‬وكما تعرف‪ ،‬أنه فضيلة الفرد‪ ،‬وفضيلة الدولة أحياان‪.‬‬

‫‪-‬ادايمنتوس‪ :‬حقا‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬أو ليست الدولة أوسع من الفرد؟‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬إهنا كذلك‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬يكون العدل على األرجح‪ ،‬يف األوسع إذن أكثر غزارة‪ ،‬ومكتشفا بسهولة أكثر‪ .‬أفرتض لذلك‪ ،‬أننا‬
‫سنبحث عن طبيعة العدل والظلم‪ ،‬كما يظهران يف الدولة أوال‪ ،‬ويف الفرد اثنيا‪ ،‬متقدمني من األكرب إىل األصغر‬
‫ومقارنني بينهما‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬اقرتاح ممتاز‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬وإذا ختيلنا الدولة يف بداية تكوينها‪ ،‬سنرى العدل والظلم يف عملية نشوئهما أيضا‪...‬وعندما تكتمل‬
‫الدولة فمن املمكن إجياد أمل أبن هدف حبثنا سيكتشف بسهولة أكثر‪..‬‬

‫‪-‬ادايمنتوس‪ :‬نعم‪ ،‬بسهولة أكثر وأبعد (‪.)..‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬تنبثق الدولة‪ ،‬كما أتصورهن من حاجات اجلنس البشري؛ ال احد ميكنه البقاء بنفسه‪ ،‬بل كلنا لدينا‬
‫عدة متطلبات‪ .‬أميكن تصور أي أصل آخر للدولة‪ .‬؟‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬ال ميكن تصور أي أصل آخر‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬ومبا أننا منتلك عدة احتياجات إذن‪ ،‬فسنحتاج ألشخاص عديدين إلمدادان هبا‪ .‬يؤخذ واحد كمساعد‬
‫لغرض ما‪ ،‬وآخر لغرض آخر‪ ،‬وعندما جيمع هؤالء الشركاء واملساعدون يف مسكن موحد معا‪ ،‬سندعو هذا اجلسم‬
‫املأهول دولة‪)..(..‬‬

‫‪-‬سقراط ‪ :‬دعنا إذا نبين الدولة نظراي من البداية‪،‬ويظهر مع ذلكـ‪ ،‬أن اخلالق احلقيقي هو الضرورة‪.‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬حقا (‪)..‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬جيب أن نستنتج أبن كل األشياء تنتج بوفرة وسهولة أكثر وبنوعية أفضل عندما يعمل الرجل الواحد‬
‫شيئا واحدا وهو الشيء الطبيعي له‪ ،‬ويصنعه يف الوقت الصحيح‪ ،‬اتركا كل احلرف األخرى وشأهنا (‪)..‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬هذا حق‪ ،‬فالدولة اليت حتتوي كل تلك األشياء ليست صغرية جدا‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬هناك يف املدينة إذن وضع اثن‪ :‬انه إجياد املكان حيث ينتفي استرياد أي شيء والذي يكاد يكون‬
‫مستحيال تقريبا‪.‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬مستحيل‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬جيب إجياد طبقة أخرى من املواطنني الذين سيجلبون اإلمدادات الضرورية من مدينة أخرى‪)..(.‬‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬سيشرتون ويبيعون بوضوح‬

‫‪22‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬سيحتاجون مكاان جتاراي حينئذ‪ ،‬ومصرفا ألغراض التبادل (‪ .)..‬وهناك طبقة أخرى من اخلدم ‪....‬وهم‬
‫يسمون ‪ ،‬إذا مل أكن خمطئا األجراء‪..،‬‬

‫‪-‬ادايمنتوس‪ :‬حقا‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬أتكون دولتنا اتمة وكاملة اآلن‪ ،‬اي أدايمنتوس ؟‬

‫‪-‬أدايمنتوس‪ :‬أعتقد ذلك‪.‬‬

‫‪-‬سقراط ‪ :‬أين هو العدل داخلها؟ وأين هو الظلم؟ ويف أية درجة دخال ؟‬

‫أدايمنتوس‪ :‬من احملتمل أهنما دخال يف تعامل أوالئك املواطنني مع بعضهم البعض‪.‬ال أقدر أن أقرتح إمكان إجيادمها‬
‫يف أي مصدر آخر‪.‬‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬أجرؤ على القول أنك حمق فيما تقرتح(‪..‬دعنا نعترب اذن‪....‬ماذا سيكون طريقهم يف احلياة‪ .‬ألن يشتغلوا‬
‫يف حمصول الذرة والنبيذ والثياب واألحذية ؟ ‪.....‬‬

‫‪-‬كلوكون مقاطعا‪ :‬ولكنك مل تعطهم مقبالت لوجباهتم‪.‬؟‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬مل أنس ذلك حقا‪ ،‬جيب أن نعطيهم مقبالت‪..‬ما الذي تريد احلصول عليه اي كلوكون ؟‬

‫‪-‬كلوكون‪ :‬ماذا؟ عليك أن تعطيين األشياء العادية الالئقة للحياة‪ .‬إن الذين يريدون الراحة معتادون على أن‬
‫يتمددوا على األرائك ويتناولون غذاءهم على الطاوالت‪ ،‬وينبغي أن تكون لديهم صحون وحلوى يف الشكل‬
‫العصري‬

‫‪-‬سقراط‪ :‬نعم‪ ،‬أفهم اآلن‪ .‬فالسؤال الذي تلفت نظري إليه‪ ،‬ليس فقط كيف جيب خلق دولة‪ ،‬بل كيف جيب‬
‫خلق دولة مرتفة‪ .‬وقد ال يكون يف ذلك أذى‪ ،‬ألننا بتمديد حبثنا لتلك الدولة‪ ،‬سنكون أكثر قدرة‪ ،‬على أية حال‪،‬‬
‫على رؤية كيفية نشوء الظلم والعدل السياسيني‪ .‬ويف رأيي أن اجملتمع الصحي واحلقيقي للدولة‪ ،‬هو اجملتمع الذي‬
‫وصفته سابقا‪.....‬‬

‫(‪""".)...............‬‬

‫‪23‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬أفالطون‪ ،‬احملاورات الكاملة‪ -‬اجمللد األول "" اجلمهورية""‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬ترمجة شوقي داود ترماز‪ ،‬أهللية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بريوت ‪ ،1993‬ص‪.‬ص ‪.126-86‬‬

‫‪ -‬أفالطون‬

‫‪-‬بقلم ليو شرتاوس‬


‫‪-‬وصلت إلينا مخس وثالثون حماورة وثالث عشرة رسالة على أهنا كتاابت أفالطونية‪.‬‬

‫‪-‬أفالطون مل يتحدث إلينا إطالقا ابمسه اخلاص؛ ألن جمموعة من الشخصيات هي اليت تتحدث فقط يف حماوراته‪.‬‬
‫وبصورة دقيقة‪ ،‬ال وجود ابلتايل لتعاليم أفالطونية ؛ ففي الغالب هناك تعاليم األشخاص الذين هم الشخصيات‬
‫األساسية يف حماوراته‪ .‬وليس من اليسري أن نقول ملاذا يسري أفالطون هبذه الطريقة‪.‬فرمبا كان يشك فيما إذا كان من‬
‫املمكن أن يكون هناك تعليم فلسفي مناسب‪ ،‬ورمبا اعتقد أيضا‪ -‬مثل أستاذه سقراط‪-‬أن الفلسفة هي يف النهاية‬
‫حتليل ملعرفة اجلهل‪.‬‬

‫‪ -‬كان سقراط ابلفعل الشخصية الرئيسية يف معظم احملاورات األفالطونية‪ .‬ويستطيع املرء أن يقول إن حماورات‬
‫أفالطون كلها هي أثر خالد حلياة سقراط أكثر من أن تكون تقدميا لتعاليم معينة‪...‬تبني كيف كان منهمكا يف‬
‫إيقاظ زمالئه ‪ ،‬وحاول توجيههم حنو احلياة الفاضلة اليت كان يعيشها هو‪.‬ومع ذلك مل يكن سقراط ابستمرار هو‬
‫الشخصية الرئيسة يف حماورات أفالطون‪ ،‬ففي عد قليل منها مل يفعل شيئا سوى أن يستمع بينما يتحدث‬
‫اآلخرون‪ .‬ويف حماورة واحدة ( وهي حماورة القوانني) مل يكن موجودا‪.‬وحنن نذكر هذه الوقائع الغريبة‪ ،‬ألهنا تبني كم‬
‫يكون من الصعب التحدث عن تعاليم أفالطون‪.‬‬

‫‪ -‬تشري كل حماورات أفالطون بصورة مباشرة‪ ،‬كبرية أو قليلة‪ ،‬إىل املسألة السياسية‪ .‬ومع ذلك‪،‬ال يوجد سوى‬
‫ثالث حماورات تشري عن طريق عناوينها إىل أهنا خمصصة للفلسفة السياسية وهي "اجلمهورية" و"السياسي"‬
‫و"القوانني"‪ .‬والتعاليم السياسية ألفالطون متاحة لنا بصورة أساسية عن طرق هذه األعمال الثالثة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬يناقش سقراط يف حماورة اجلمهورية طبيعة العدالة مع عدد كبري إىل حد ما من املتحاورين‪...‬وبينما يتضح لنا‬
‫مكان احملادثة متاما‪ ،‬فان الزمن‪ ،‬أي السنة‪ ،‬ال يتضح‪ .‬ولذلك تنقصنا معرفة أكيدة ابلظروف السياسية اليت حدثت‬
‫فيها هذه احملادثة عن مبادئ السياسة‪ .‬ومع ذلك فقد نفرتض أهنا حدثت يف حقبة من االحنطاط السياسي ألثينا‪،‬‬
‫وأن سقراط واحملاورين( أي الشقيقني كلوكون وأدمياتوس) اهتموا اهتماما عظيما هبذا التدهور والتفكري يف استعادة‬
‫الصحة السياسية‪ .‬ومن املؤكد أن سقراط اقرتح اقرتاحات جذرية للغاية ختص اإلصالح‪...‬بيد أن هناك أيضا‬
‫إشارات طفيفة يف حماورة اجلمهورية إىل النتيجة اليت تقول‪ :‬رمبا ينجح اإلصالح املرجو يف اخلطة السياسية‪ ،‬أو أن‬
‫اإلصالح املمكن الوحيد هو إصالح اإلنسان الفرد‪..‬‬

‫‪ -‬لكي يدافع سقراط عن قضية العدالة‪ ،‬يتحول يف حديثه مع كلوكون وأدميانتوس‪ ،‬إىل أتسيس املدينة‪ .‬ان السبب‬
‫يف كون هذا اإلجراء ضروراي هو على النحو التايل ‪ :‬يعتقد أن العدالة هي احملافظة على القانون‪ ،‬أو اإلرادة الصارمة‬
‫على إعطاء كل ذي حق حقه؛ أعين ما خيصه وفقا للقانون؛ ومع أنه يعتقد أيضا أن العدالة مفيدة وخرية؛ غري أن‬
‫طاعة القوانني أو إعطاء كل ذي حق حقهن وفقا للقانون ليس مفيدا بصورة اتمة‪ ،‬ألن القوانني قد تكون سيئة‬
‫كان العدالة ال تكون‪ ،‬ببساطة مفيدة إال عندما تكون القوانني خرية‪ ،‬ويتطلب ذلك أن يكون احلكم الذي تصدر‬
‫منه القوانني خريا‪ .‬إن العدالة ال تكون مفيدة متاما إال يف مدينة فاضلة‪.‬وفضال عن ذلك‪ ،‬يتضمن إجراء سقراط أنه‬
‫ال يعرف مدينة فعلية فاضلة‪ .‬وهذا هو السبب يف أنه كان جمربا على أتسيس مدينة فاضلة‪ .‬انه يربر حتوله إىل‬
‫املدينة أبن العدالة ميكن أن تكتشف بسهولة يف املدينة أكثر مما تكتشف يف الفرد البشري‪ ..‬ألن املدينة أكرب من‬
‫الفرد البشري‪ ،‬ولذلك يلوح أبن هناك توازي بني املدينة والفرد ‪ ،‬أو بصورة أكثر دقة‪ ،‬بني املدينة ونفس الفرد‬
‫البشري‪.‬‬

‫‪ -‬ويتجه سقراط وـأصدقاؤه ‪ ،‬بعد أتسيس املدينة الفاضلة اليت تكون‪ ،‬يف الغالب مكتملة‪ ،‬إىل البحث عما إذا‬
‫كانت فيها عدالة أو ظلم‪ ،‬وعما إذا كان اإلنسان الذي جيب أن يكون سعيدا‪ ،‬ال بد أن ميتلك العدالة أو الظلم‪.‬‬
‫ويبحثون يف البداية عن الفضائل الثالث غري العدالة ( أعين احلكمة‪ ،‬والشجاعة واالعتدال)‪ .‬أما املدينة اليت‬
‫تؤسس وفقا للطبيعة‪ ،‬فتكون احلكمة من خصائص احلكام‪ ،‬من خصائص احلكام وحدهم؛ ألن احلكماء هم‬
‫ابلطبيعة القطاع األصغر يف أي مدينة‪ ،‬وإذا مل يكونوا هم وحدهم قادة املدينة‪ ،‬فان ذلك لن يكون خريا هلا‪..‬‬

‫‪ -‬أنظر نص ليو سرتاوس من ص ‪ -98‬إىل ص ‪.102‬‬

‫‪25‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬كتب أرسطو يف كتاب السياسة معلقا على احملاورات السقراطية ‪:‬‬

‫‪"" -‬ال شك يف أن حماورات سقراط جليلة جدا مجعت إىل رشاقة األسلوب أصالة املعاين وسعة اخليال‪ .‬ورمبا كان‬
‫عسريا أن يكون كل ما فيها حقا على السواء(‪ .)...‬ال شك يف أن املرء حر يف أن خيلق ما يشاء من الفروض‪،‬‬
‫غري أنه ال ينبغي أن يدفع هبا إىل املمتنع‪"".‬ص‪.‬ص ‪.149-148‬‬

‫‪ "" -‬مذهب سقراط السياسي يف جمموعه‪ ،‬ال هو دميقراطية وال أوليغرشية‪ ،‬إمنا هو حكومة وسط تسمى مجهورية‬
‫ما دامت تتألف من كل املواطنني الذين حيملون أسلحة نفاذا كان يريد من هذا الدستور انه األكثر شيوعا يف‬
‫الدول املوجودة فرمبا كان غري خمطئ‪ .‬لكنه يكون خمطئا إذ أنه يظن أنه يلي مباشرة الدستور الفاضل‪ ،‬بل كثري من‬
‫الناس يستطيعون أن يؤثروا عليه بال تردد دستور لقدمونيا‪ ،‬أو أي دستور آخر أدخل يف ابب األرستقراطية‪"....‬‬
‫ص‪.151.‬‬

‫‪ -‬أرسطو‪ :‬السياسة وأسس اجلمهورية‬

‫‪26‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬يناقش أرسطو عددا كبريا من الدساتري املعروفة يف عصره‪ ،‬اىل جانب الدستور الذي عرضه أفالطون يف حماورة‬
‫القوانني والنظام اجلمهوري الذي بسط أركانه سقراط يف كتاب اجلمهورية‪ .‬من أهم الدساتري اليت يناقشها أرسطو‬
‫الدساتري التالية ‪:‬‬

‫‪-1‬دستور فلياس اخللقيدوين‬

‫‪ -2‬دستور أبوداموس امللطي‬

‫‪-3‬دستور لقدميونيا‬

‫‪ -4‬دستور كريت‬

‫‪ -5‬دستور إسبارطة‬

‫‪-6‬دستور قرطاجنة‬

‫‪ -‬انه يتوقف عند الدساتري‪ ،‬سواء منها املوجودة والواقعية‪ ،‬أي املطبقة يف بعض املدن والدول‪ ،‬أو تلك اليت ختيلها‬
‫بعض الفالسفة والكتاب‪....‬‬

‫النص‪-‬‬

‫''كل دولة هي ابلبديهة اجتماع‪ ،‬وكل اجتماع ال يتألف إال خلري مادام الناس أاي كانوا ال يعملون أبدا شيئا إال‬
‫وهم يقصدون إىل ما يظهر هلم أنه خري‪ ،‬فبني إذن أن كل االجتماعات ترمي إىل خري من نوع ما‪ ،‬وان أهم‬
‫اخلريات كلها جيب أن يكون موضوع أهم االجتماعات‪ ،‬ذلك الذي يشمل األخر كلها‪ ،‬وهذا هو الذي يسمى‬
‫ابلضبط الدولة أو االجتماع السياسي‪ )...(.‬ص‪(.96-95‬الكتاب األول)‪.‬‬

‫ملا أن غرضنا هو البحث بني االجتماعات السياسية كلها‪ ،‬عن أيها ينبغي أن يؤثر الناس سادة أن خيتاروه‬
‫مبحض رغبتهم‪ ،‬علينا أن ندرس معا نظام الدول اليت نعترب أهنا تتمتع ابلقوانني األحسن ما تكون‪ ،‬والدساتري اليت‬
‫ختيلها بعض الفالسفة‪ ،‬واقفني عند أشهرها ليس غري‪ .‬وهبذا نكشف مها ينطوي عليه كل منها مما هو خري وقابل‬
‫للتطبيق‪ ،‬ونبني يف الوقت عينه أننا إذا كنا نطلب نظاما سياسيا خمتلفا عن كل أوالئك فلسنا مدفوعني إىل هذا‬
‫‪27‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫البحث برغبة صلفة ابملباهاة بعقلنا‪ ،‬بل يدفعنا إىل البحث ما يف الدساتري املوجودة من عيوب‪..‬الكتاب الثاين ص‬
‫‪.131‬‬

‫حينما تدرس طبيعة احلكومات املختلفة ونوعها اخلاص‪ ،‬فأوىل املسائل هي العلم مباذا يعين ابلدولة‪ .‬يف اللغة‬
‫العامية‪ ،‬هذه الكلمة شديدة االلتباس‪ .‬فالفعل الفالين يصدر من الدولة يف رأي البعض وهو يف رأي اآلخرين ليس‬
‫إال فعل أقلية أوليغرشية أو طاغية‪ .‬ومع ذلك فالرجل السياسي واملقنن إمنا يقصدان يف أعماهلما إىل الدولة ليس‬
‫غري‪.‬واحلكومة ليست إال نظاما ما مفروضا على مجيع أعضاء الدولة‪.‬‬

‫لكن الدولة مبا هي ‪،‬ككل جمموع آخر اتم ومؤلف من أجزاء كثرية‪ ،‬ليست إال اجتماع عناصر‪ ،‬فينبغي‬
‫ابلبداهة أن يتساءل ابدئ األمر ما هو املواطن‪ ،‬ما دام املواطنون مبا هم عدة ما هم (سوى) العناصر ذاهتا للدولة‪..‬‬
‫وعلى ذلك لنبحث أوال من الذي يسمى مواطنا وماذا يعين هذا االسم ؟ (‪)...‬‬

‫ال يكون املرء مواطنا مبحل اإلقامة وحده‪ ،‬ألن حمل اإلقامة ميلكه أيضا األجانب املقيمون والعبيد‪ .‬كذلك ال‬
‫يكون املرء مواطنا مبجرد حق املداعاة لدى القضاء مدعيا أو مدعى عليه‪ .‬ألن هذا احلق ميكن أن خيول مبجرد‬
‫معاهدة جتارية‪..(....‬إن السمة املميزة للمواطن احلق على الوجه األمت‪ ،‬إمنا هي التمتع بوظائف القاضي واحلاكم‪.‬‬
‫ومع ذلك فان وظائف احلكم ميكن أن تكون اترة مؤقتة حبيث ال يشغلها الفرد بعينه مرتني أبدا‪ ،‬أو حمدودة تبعا‬
‫شكل آخر‪ ،‬واترة عامة وبال حدود كوظائف القاضي وعضو اجلمعية العمومية‪ ..(.‬يتغري املواطن ابلضرورة من‬
‫دستور إىل آخر‪ .‬فاملواطن كما قد حددانه‪ ،‬هو على اخلصوص مواطن الدميقراطية‪ .‬وهذا ال يعين أنه ال ميكن أن‬
‫يكونه أيضا يف غريها‪ ،‬لكنه ال يكونه ابلضرورة‪.)...(...‬‬

‫إن املواطن هو الفرد الذي ميكن أن يكون له يف اجلمعية العمومية ويف احملكمة صوت يف املداولة أاي كان مع‬
‫ذلك شكل الدولة اليت هو عضو فيها‪ .‬وأعين وضعيا ابلدولة‪ ،‬لفيفا من أانس من هذا القبيل‪ ،‬ميلك كل ما يلزم‬
‫لسد حاجات املعيشة‪ )...(...‬والواقع أنه ما دامت الدولة نوعا من االجتماع‪ ،‬أي اجتماع أانس خاضعني لدستور‬
‫ما ‪ ،‬فإذا تغيري هذا الدستور وتعدلت صورته فينتج ضرورة أن الدولة ال تبقى هيما هي‪ ،‬والشأن يف هذا كالشأن يف‬
‫اجلوقة اليت تظهر على التبادل يف امللهاة ويف املأساة‪ ،‬فهي متغرية يف نظران‪ ،‬مع أهنا يف الغالب تتألف من املمثلني‬
‫أنفسهم‪.)..(..‬‬

‫‪28‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫مسألة تتبع تلك املاضية‪ ،‬هي أن تعرف هل هناك متاثل بني فضيلة الفرد على حدة وفضيلة املواطن أو مها‬
‫ختتلفان إحدامها عن األخرى‪ .‬لعالج هذا البحث على طريقة منظمة‪ ،‬ينبغي بدء أن حندد يف أنفسنا معىن فضيلة‬
‫املواطن‪.‬‬

‫املواطن كاملالح هو عضو مجاعة‪ .‬ففي السفينة‪ ،‬مع أن لكل خدمة خمتلفة أبن يكون الواحد جذافا واآلخر‬
‫رابان‪ ،‬وهذا مساعدا وذاك مكلفا عمال آخر‪ ،‬بني برغم تلك التسميات والوظائف اليت ابملعىن اخلاص فضيلة‬
‫خاصة لكل منهم‪ .‬إهنم مجيعا يشرتكون مع ذلك يف حتصيل غاية مشرتكة وهي سالمة السفينة اليت يقومون هبا‪ ،‬كل‬
‫فيما خيصه‪ ،‬واليت يسعى كل واحد منهم إليها على السواء‪.‬‬

‫أعضاء الدولة يشبهون املالحني متاما‪ .‬فعلى رغم اختالف وظائفهم‪ ،‬فسالمة اجلماعة هي عملهم املشرتك‪.‬‬
‫واجلماعة هنا هي الدولة‪ .‬ففضيلة املواطن تتعلق إذا ابلدولة من دون سواها‪ .‬لكن نظرا إىل أن الدولة تكتسي صورا‬
‫متعددة‪ ،‬فبني أن فضيلة املواطن يف كماهلا‪ ،‬ال ميكن أن تكون واحدة‪.‬فان الفضيلة اليت جتعل املرء خريان هي على‬
‫العكس واحدة ومطلقة‪ .‬ومن مثة هذه النتيجة الواضحة‪ ،‬وهي أن فضيلة املواطن‪ ،‬جيوز أن تكون فضيلة أخرى‪،‬‬
‫غري فضيلة الفرد على حدة‪.)...(..‬‬

‫أكثر من هذا‪ :‬الدولة تتألف من عناصر متباينة‪ ،‬وكما أن املوجود احلي يتكون أصال من نفس ومن جسم ‪،‬‬
‫وكما أن النفس تتألف من العقل ومن الغريزة‪ ،‬وأن العائلة من الزوج والزوجة‪ ،‬وامللكية من السيد والعبد‪ ،‬كذلك كل‬
‫هذه العناصر توجد يف الدولة تصحبها أيضا عناصر أخر ليست أقل تغايرا‪.‬وذلك ما مينع ضرورة أن تكون فيها‬
‫وحدة فضيلة جلميع املواطنني‪ ،‬كما أنه ال ميكن أن تكون وحدة وظيفة يف اجلوقات‪ ،‬حيث عمل أحدهم رئيسي‬
‫واآلخر تبعي‪.‬‬

‫فحق إذن أن فضيلة املواطن والفضيلة مأخوذة على عمومها‪ ،‬ليستا متماثلتني إطالقا‪ .‬إذن من ميكن أن جتتمع‬
‫له هذه الفضيلة املزدوجة للمواطن الطيب والرجل الطيب ؟ لقد قلته‪ :‬إمنا هو احلاكم احلقيق ابإلمرة اليت يقوم هبا‬
‫والذي هو فاضل وكيس معا‪ .‬ألن الكياسة ليست أقل لزوما من الفضيلة لرجل الدولة ‪)..( .‬‬

‫يف الدولة ليس األمر بعد بصدد سيد أو عبد‪ ،‬فليس فيها إال سلطة تنفذ على أشخاص أحرار متساوين‬
‫ابملولد‪ .‬وإذن فتلك هي السلطة السياسية اليت يؤهل نفسه هلا حاكم املستقبل‪ ،‬أبن يطيع هو نفسه ابدئ األمر‪،‬‬
‫كما أن املرء يتعلم أمرة كتيبة أبن يكون جمرد فارس‪ :‬ويتعلم أن يكون قائدا أبن ينفذ أوامر قائد‪ ،‬وأن يقود سرية‬

‫‪29‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫من الرجالة أو فرقة من اجلند‪ ،‬أبن خيدم جنداي يف هذه أو تلك‪ .‬وإذا ‪ ،‬فعلى هذا املعىن‪ ،‬يكون من احلق أن نؤيد‬
‫أن املدرسة الوحيدة احلقة لإلمرة هي الطاعة‪ .)..(((..‬أما الفضيلة الوحيدة اخلاصة ابإلمرة فهي التبصر‪ ،‬وأما سائر‬
‫ما سواها‪ ،‬فهن ابلضرورة من املشرتك بني أوالئك الذين يطيعون وبني أوالئك الذين أيمرون‪ .‬التبصر ليس البتة‬
‫فضيلة الرعية‪ ،‬بل الفضيلة اخلاصة ابلرعية‪ ،‬هي ثقة عادلة ابلرئيس‪ .‬واملواطن الذي يطيع هو كصانع الومارات‪،‬‬
‫واملواطن الذي أيمر‪ ،‬كالفنان الذي يستخدم اآللة‪.)....(...‬‬

‫مىت تقررت هذه األصول‪ ،‬فأول مسألة تليها هي هذه‪ .‬هل يوجد دستور واحد أو عدة دساتري سياسية ؟ وإذا‬
‫كانت عدة فما هو طبعها وعددها والفروق بينها ط الدستور هو هذا الذي يعني يف الدولة النظام املرتب جلميع‬
‫الوظائف‪ ،‬لكن على اخلصوص ‪ ،‬الوظيفة اليت هلا السيادة‪ ،‬وسيادة الدولة إمنا هي يف كل مكان للحكومة‪:‬‬
‫واحلكومة هي الدستور نفسه‪ .‬نوضح هذا‪ :‬مثال يف الدميقراطيات‪ ،‬السيادة لألمة‪ .‬ويف األوليغرشيات على عكس‬
‫ذلك‪ ،‬ذلك أمنا هي ألقلية مؤلفة من األغنياء‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬يقال أن دساتري الدميقراطية واألوليغرشية خمتلفة يف‬
‫أصوهلا‪ .‬ونطبق هذه التماييز على مجيع احلكومات األخرى‪..‬‬

‫يلزم بدءا ـأن نذكر هنا ما هو الغرض الذي نعنيه للدولة ‪ ،‬وما هي ضروب اخلالف اليت عرفناها للسلطات‪،‬‬
‫سواء ما ينطبق منها على الفرد‪ ،‬وما ينطبق منها على احلياة العامة‪ .‬يف بداية هذا الكتاب‪ ،‬قلنا إذ نتكلم على‬
‫اإلدارة املنزلية وعلى سلطة السيد‪ ،‬أن اإلنسان هو بطبعه‪ ،‬كائن اجتماعي‪ ،‬وأعين بذلك أن الناس‪ ،‬حىت من غري‬
‫أية حاجة إىل التعاون املتبادل‪ .‬ترغب رغبة ال تقهر يف عيشة اجلماعة‪.‬‬

‫وهذا ال مينع أن كل واحد منهم مدفوع مبصلحته اخلاصة‪ ،‬وابلرغبة يف حتصيل حظه الفردي من السعادة اليت‬
‫ينبغي أن يلقاها‪ .‬هذا هو على التحقيق غرض الكل جبمعهم‪ ،‬وغرض كل واحد منهم على حدته‪ .‬لكنهم جيتمعون‬
‫أيضا‪ ،‬على األقل من أجل سعادة العيش وحدها‪ .‬وان حب احلياة هذا‪ ،‬هلو بال شك‪ ،‬أحد كماالت‬
‫اإلنسانية‪..‬يرتبط املرء ابجلمعية السياسية‪ ،‬حىت حني ال جيد فيها شيئا أكثر من العيشة‪ ،‬إال أن يكون مبلغ الشرور‬
‫اليت تسببها جيعله يف احلق ال تطاق‪.)...(...‬‬

‫ويف السلطات العامة‪ ،‬حينما تكون املساواة الكاملة للمواطنني هي القاعدة‪ ،‬فلكل منهم احلق يف مباشرة‬
‫السلطة يف دوره‪ .‬بدءا وهذا شيء طبيعي حمض‪ ،‬أن اجلميع يرون هذا التناوب شرعيا متاما‪ ،‬ويقرون لغريهم حق‬
‫الفصل بنفسه يف مصاحلهم‪ ،‬كما أهنم أنفسهم فيما سبق‪ ،‬قد فصلوا يف مصاحلهن لكن فيما بعد‪ ،‬قد توحي املزااي‬

‫‪30‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫اليت تؤتيها السلطة وإدارة املرافق العامة إىل مجيع الرجال‪ ،‬الرغبة يف أن يبقوا يف الوظيفة أبدا‪ ،‬ولو أن استمرار اإلمرة‬
‫كان مستطيعا وحده بال ختلف أن يشفي مرضا يصيبهم‪ ،‬ملا كانوا أحرص عليه‪ ،‬منهم على االحتفاظ هبذه املرة‪،‬‬
‫بعد أن ذاقوا االستمتاع هبا‪..‬‬

‫فبديهي إذن أن الدساتري كلها اليت تقصد إىل املنفعة العامة‪ ،‬هي صاحلة ألهنا تتوزع يف إقامة العدل‪ .‬وكل‬
‫الدساتري اليت تقصد إىل املنفعة الشخصية للحاكمني‪ ،‬وهي فاسدة القواعد‪ ،‬ليست إال فسادا للدساتري الصاحلة‪،‬‬
‫فإهنا تشبه عن قرب‪ ،‬سلطة السيد على العبد‪ ،‬يف حني أن املدينة على ضد ذلك‪ ،‬ليست إال مجاعة أانس‬
‫أحرار‪.)....(.‬‬

‫مىت كانت حكومة الفرد موضوعها املنفعة العامة‪ ،‬فهي تسمى عادة ملوكية‪ .‬وهبذا القيد نفسه تسمى حكومة‬
‫األقلية‪ ،‬بشرط أال ترد إىل فرد واحد أرستقراطية‪ ،‬ومسيت كذلك‪ ،‬إما ألن السلطة هي يف أيدي األخيار‪ ،‬وإما ألن‬
‫السلطة ال موضوع هلا إال اخلري األكرب للدولة وأفراد اجلماعة‪..‬وأخريا‪ ،‬حني حتكم األكثرية‪ ،‬وال غرض هلا إال‬
‫الصاحل العام‪ ،‬فهذه احلكومة أتخذ تسمية خاصة‪ ،،‬هي التسمية النوعية جلميع احلكومات‪ ،‬فتسمى اجلمهورية‪....‬‬
‫"""‬

‫‪-‬ا أرسطو طاليس‪ ،‬كتاب السياسة‪ ،‬ترمجة أمحد لطفي السيد‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬بريوت ‪ ،2009‬الكتاب الثاين ‪،‬‬
‫ص‪.‬ص ‪.207-131‬‬

‫‪ -‬ابرتليمي سانت هيلري ‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كان أرسطو يدرس النظام االجتماعي بعد أن درس الفضيلة والسعادة فذلك ليتم‪ ،‬كما قال هو نفسه "‬
‫فلسفة األشياء اإلنسانية"‪ ،‬لكنه كثريا ما يعزب نظره عن املبادئ ليتجه إىل احلوادث‪ .‬لقد كان أفالطون قد أسلم‬
‫قياده إىل العقل قبل كل شيء ليفهم الدولة وليقدرها قدرها‪ .‬فكان يساءل العقل عن القوانني األساسية‬
‫للسلطان‪،‬كما كان يسأله عن أركان السعادة احلقة سواء بسواء‪ .‬أما أرسطو‪ ،‬فانه‪ ،‬من دون أن يهمل العقل‪،‬‬
‫يسأله مع ذلك على حنو أقل يقظة وأقل اطمئناان‪ ،‬بل هو يكل األمر أكثر إىل التاريخ‪ .‬فمن مشاهدة احلوادث‬
‫اخلارجية والظواهر االجتماعية يستعري نظرايته كلها تقريبا ‪.‬ص‪33.‬‬

‫‪31‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬لقد استخرج أفالطون انفع تعاليمه من البسيكولوجيا مطبقة على الساسة‪ ،‬وعرف كيف ميضي مطمئنا من‬
‫الوعي امللحوظ على املسرح الضيق للفرد‪ ،‬إىل الوعي على املسرح األوسع للمدينة‪ .‬مل حيتذ أرسطو هذا املثل على‬
‫ما به من خصب‪ )...(.‬بل آثر مشهد اجملتمع على مشهد الوعي‪....‬انه إذا كان أفالطون على األخص عقليا‪،‬‬
‫فان أرسطو قد كان على األخص اترخييا‪.‬ص‪34.‬‬

‫‪ -‬بدءا يرجع إىل أرسطو اجملد يف أنه صنع السياسة كما صنع أجزاء الفلسفة األخرى فأسبغ عليها صورة علمية‪.‬‬
‫فان املبادئ بل أكرب النظرايت واألحداث االجتماعية كانت عند أفالطون من قبل‪ ،‬ولكن كانت يف تلك‬
‫احملاورات العجيبة‪ ،‬كما يكون يف احملاداثت ‪ ،‬حىت ا يف حماداثت الرجال األقوى امتيازا‪ ،‬على حال اختالط‬
‫وتشويش ظاهري على األقل‪ ،‬فجاء أرسطو فرتبها كلها وان مل يكن ليسلم هبا كلها‪.‬ص‪35.‬‬

‫‪ -‬إن أرسطو هو من أسس العلم السياسي ابملعىن اخلاص على صورته احلقة‪ ،‬كما أسس علم املنطق وعلم ما بعد‬
‫الطبيعة‪ ،‬وعلى مستوى أقل رفعة من ذلك علم اخلطابة وعلم الشعر‪...‬وكثريا غريها‪ .‬فيمكن أن يقال أن أرسطو‬
‫هو منظم العلم يف الزمن القدمي‪.. ،‬هو وحده الذي عرف ـأن يشيد آاثر تعليمية منتظمة‪.‬ص‪35...‬‬

‫‪ -‬هو ال يرى كأفالطون أنه يستطيع بوجه ما أن خيلق دولة ويؤتيها صورهتا على ضوء عقله ومىن قلبه‪ ،‬بل هو‬
‫يقبلها كما هي حسنة التأليف أو قبيحه‪ ،‬ويبحث فيما هي عناصرها البسيطة غري القابلة للتحليل‪ ،‬ويضع نظرية‬
‫هذه العناصر أألصلية على حسب األحداث اجللية املضبوطة اليت تقدمها له املشاهدة‪ (..‬اطلع أرسطو على ما ال‬
‫يقل عن مائة ومخسني دستورا‪(...‬‬

‫‪ -‬مزية أخرى تدعو إىل منط أرسطو‪ .‬إن الفضل يرجع إليه يف أمن احتفظ لنا بتفاصيل شائقة وحيدة يف ابهبا‪ ،‬هو‬
‫وحده الذي نقلها لنا من دول العصر القدمي‪...‬ومن دون مساعدة التاريخ اليت استخدمها‪ ،‬كنا ال نزال أقل علما‬
‫مما حنن ابلنظام السياسي لكثري من الشعوب الشهرية‪.‬ص‪.41.‬‬

‫‪ -‬ميكن االعتقاد ابن تلميذ سقراط(أفالطون) قد اغرتف من البسيكولوجيا أكثر مما اغرتف من التاريخ‪ .‬أما‬
‫أرسطو فانه من أول كلمة ينفي كل لبس‪ .‬ال يوجد إال ثالث حكومات ممكنة‪ ،‬ألن السلطان ال ميكن بطبيعة‬
‫األشياء ذاهتا أن يكون إال يف يد فرد أو عدة أفراد أو يف أيدي اجلميع‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬أرسطو كأفالطون أيضا جيعل لفساد احلكومات الثالث سببا أوحد وهو االستبدال غري الشرعي ملنفعة خاصة‬
‫ابملنفعة العامة‪ .‬واىل هنا مل يزد التلميذ على أن اتبع أستاذه ونقل عنه‪ .‬لكن هاك اإليضاح املنري الذي يسبغه على‬
‫تلك النظرية األساسية‪ :‬انه يبني كيف تنطبق على التاريخ‪ ،‬فيساءل اتريخ الشعوب عن األنواع املختلفة اليت تعرض‬
‫لكل واحدة من هذه احلكومات‪ .‬يف الواقع‪ .‬ص‪.42.‬‬

‫‪ -‬إن علم السياسة يبدأ بدراسة اجملتمع والدولة‪ ،‬مث جيتاز بعد ذلك كل األشكال اليت تكسوها الدولة‪ ،‬وآخر حبوثه‬
‫إمنا هو البحث عن األسباب اليت تؤدي هبا والوسائل اليت حتفظها‪ .‬وهنا أرسطو ليس أعلى من أفالطون فحسب‪،‬‬
‫بل هو أعلى من كل من خلفه إىل هذا اليوم‪ ،‬فهو على اإلطالق غري منافس‪ .)..(..‬ها هنا عمل العبقرية‪ ،‬إمنا هو‬
‫أن جيمع يف نظرية مذهبية كل هذه األحداث اليت هي حقا متشاهبة يف ما بينها‪ ،‬ولكن التاريخ قدمها مبعثرة ال‬
‫رابط بينها‪ .‬رتب أرسطو واحدا واحدا‪ ،‬كل أسباب الثورات وحدد عددها مقتصرا على العموميات أوسعها‬
‫وأضبطها معا‪ ..‬مث إذ قد عدد هذه األسباب‪ ،‬يبني كيف يعمل كل واحد منها على حسب املبادئ املختلفة‬
‫للحكومات‪ .‬ص‪.44 .‬‬

‫‪ -‬نظرية أخرى غاية من األمهية‪ ،‬هي أيضا كلها لفيلسوف اسطاغريا‪ ،‬هي نظرية السلطات الثالث‪ .‬مييز أرسطو‬
‫يف السلطان العام ثالثة ضروب على حسبها يعمل‪ :‬سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية‪ .‬يشرح كل‬
‫واحدة منها على انفراد‪ ،‬لكي يبني كم هو ضروري حلياة النظام‪ ،‬أن تكون هذه السلطات متميزة بعضها عن بعض‬
‫‪ ،‬فال توضع أبدا يف يد واحدة بعينها‪ .)...(.‬ومىت أجيد تقسيم هذه السلطات‪ ،‬أجيد نظام الدولة كلها‪ .‬ومتتاز‬
‫الدول على اخلصوص بعضها عن بعض‪ ،‬ابالعتدال املتغاير هلذه العناصر الثالثة‪.‬‬

‫‪-‬نيكوال مكيافيللي( ‪) 1527-1469‬‬

‫‪33‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬جاء يف تصدير كتاب األمري ما يلي‪:‬‬

‫" من املعروف أن أوالئك الذين يسعون إىل نيل رضا أحد األمراء جيتهدون يف تقدمي اهلدااي الثمينة ذات‬
‫القيمة الغالية إليه‪ .‬أو أهنم يهدونه أشياء يعلمون أهنا تدخل البهجة والسرور إىل نفسه ويسعد هبا‪ ،‬وحيب رؤيتها‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس جند أن غالب األمراء يقبلون هدااي تتمثل يف جياد أصيلة‪ ،‬أو أسلحة مثينة‪ ،‬أو ثياب موشاة‬
‫ابلذهب أو األحجار الكرمية‪ ،‬وما شاهبها من حتف تليق مبكانتهم العظيمة‪.‬‬

‫ولكنين على أي حال‪ ،‬أود أن أهدي مسوكم الكرمي شيئا متواضعا يدل على إخالصي لكم‪ .‬ومل أجد فيما‬
‫أملك‪ ،‬ما هو أغلى من معرفيت أبعمال ومنجزات عظماء الرجال‪ .‬وهي معرفة اكتسبتها من خالل جتربة طويلة‬
‫مررت هبا‪ ،‬وقد صاحبها العديد من األحداث‪ ،‬إضافة إىل ما درسته حول ما حدث يف املاضي‬

‫وبعد تفكري عميق‪ ،‬وبذل الكثري من اجلهد يف دراسة وأتمل منجزات العظماء‪ ،‬أهدي مسوكم اليوم‪ ،‬ما‬
‫توصلت إليه ممن نتائج‪ ،‬وقد وضعتها يف هذا الكتاب الصغري‪""..‬‬

‫‪ -‬جاء يف مقدمة املرتجم‪:‬‬

‫"" مل يكن نيقوال مكيافيللي جمرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية‪ ،‬انه كان مشرتكا بقوة يف احلياة‬
‫السياسية املضطربة وغري املستقرة اليت مرت هبا مدينة" فلورنسا" يف الفرتة اليت عاش فيها‪".‬‬

‫"أصبح هذا الكتاب الصغري منذ ظهوره يف القرن السادس عشر‪ ،‬مثار جدال كبري‪ .‬كما أصبح مادة ضرورية‬
‫لدراسة علم السياسة يف عصر النهضة‪ ..‬وهو على الرغم من اشتماله على عدد كبري من املبادئ واملفاهيم السياسية‬
‫الناضجة اليت اعتنقها مكيافيللي‪ ،‬إال أنه ال يشمل كل آرائه السياسية‪".‬‬

‫‪-‬يتناول مكيافيللي أخالقيات السياسة وهو شيء مل يسبق أحد إليه‪.‬‬

‫‪-‬اسم مكيافيللي يف حد ذاته ال يرتبط أبي معىن طيب يف ذهن القارئ العريب العادي‪ ،‬بل أن كثريا من القراء‬
‫العرب واملسلمني‪ ،‬ال يعرفون عنه سوى أنه صاحب عبارة ‪ ":‬الغاية تربر الوسيلة‪.".‬‬

‫‪34‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬ارتبط اسم مكيافيللي واسم كتاب األمري ابلشرور كلها‪.‬ففي املسرح االجنليزي يقول شكسبري على لسان إحدى‬
‫شخصياته يف مسرحية " زوجات وندسور املرحالت"‪ :‬ماذا‪..‬هل أان خمادع‪..‬هل أان مكيافيللي ؟‪. ".‬‬

‫‪-‬على الرغم من أن فرنسيس بيكون( وهو معاصر لشكسبري) حاول توضيح أن مكيافيللي يتناول األشخاص‬
‫كما هم‪ ،‬وليس كما جيب أن يكونوا‪ ،‬فان ذلك مل جيد نفعا‪...‬حىت أن امسه قد أصبح مرادفا للشر الذي ال ينافسه‬
‫سوى شخصية الشيطان مفستوفاليس يف مسرحية فاوست لغوته الشهرية‪....‬‬

‫‪-‬بشهادة كثري من املؤرخني‪ ،‬يعترب كتاب مكيافيللي‪ ،‬أول ما كتب يف علم السياسة احلديث‪.‬‬

‫"يعترب مكيافيللي مسؤوال ولو جزئيا‪ ،‬عن اجلدل الذي اثر حول كتابه "األمري" عقب طباعته‪ .‬فهو مل حياول تنظيم‬
‫أفكاره‪ ،‬وال تفسري مصطلحاهتا ال تقليدية‪ .‬كما أنه أخفق أيضا يف توضيح العالقة بني األمري اجلديد الذي سيصلح‬
‫اهليآت الفاسدة‪ ،‬وبني النظام اجلمهوري الذي كان هو من الدعاة إليه‪.‬كما أنه قضى طوال حياته خملصا هلذا ا‬
‫النظام ومناداي به ومدافعا عنه‪'''.‬‬

‫ص‪.‬ص‪13-9.‬‬

‫‪ -‬كتب ليو سرتاوس ‪:‬‬

‫‪-‬ماكيافيلي هو املفكر السياسي الوحيد الذي أصبح امسه شائعا يف االستخدام لتحديد نوع معني من‬
‫السياسة‪ ،‬فهو نوع يوجد ويستمر يف الوجود بصورة مستقلة عن أتثريه‪ ،‬أعين سياسة توجهها ابلتحديد اعتبارات‬
‫املنفعة اليت تستخدم كل الوسائل‪ ،‬معتدلة أو مشينة‪ ،‬حديدية أو سامة‪ ،‬لتحقيق غاايهتا(‪ .)....‬وإذا كانت هذه‬
‫الظاهرة قدمية مثل اجملتمع السياسي نفسه‪ ،‬فلماذا تسمى ابسم ماكيافيلي الذي مل يفكر أو يكتب إال منذ فرتة‬
‫قصرية مضت‪ ،‬أي حوايل ‪ 500‬سنة مضت‪.‬؟ ‪.‬‬

‫لقد كان ماكيافيلي هو أول من يدافع عنها بصورة علنية‪ ،‬يف كتب حتمل امسه على صدر صفحاهتا‪ .‬لقد‬
‫جعلها ماكيافيلي بصورة علنية ممكنة التربير ‪ .‬وذلك يعين أن ما أجنزه سواء كان ممقوات أو حمل إعجاب‪ ،‬ال ميكن‬
‫أن يفهم من م نظور السياسة نفسها‪ ،‬أو من منظور اتريخ السياسة‪ ،‬أو لنقل من منظور النهضة االيطالية‪ ،‬وإمنا من‬
‫منظور الفكر السياسي وحده‪،‬أو الفلسفة السياسية‪ ،‬أو اتريخ الفلسفة السياسية‪"".‬ص‪.430 .‬‬

‫‪35‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫""مل يهتم ماكيافيلي بكيف يعيش الناس لكي يصف هذه املسألة فحسب‪،‬بل ألن قصده ابألحرى أن يعلم‬
‫األمراء‪-‬بناء على معرفة كيف يعيش الناس‪ -‬كيف ينبغي أن حيكموا‪ ،‬وحىت كيف ينبغي أن يعيشوا‪ .‬وبناء على‬
‫ذلك يكتب إن صح التعبري" أخالق" أرسطو من جديد‪ .‬انه يسلم إىل حد ما أبن التعليم التقليدي صحيح‪ ،‬أي‬
‫أن الناس جمربون على أن يعيشوا بصورة فاضلة ابملعىن األرسطي‪ .‬بيد أنه ينكر أن احلياة بصورة فاضلة هي احلياة‬
‫بصورة سعيدة‪ ،‬أو تفضي إىل السعادة‪"".‬ص‪.430 .‬‬

‫‪-‬األنواع املختلفة للحكومات وطرق إقامتها‬

‫مكيافيللي ‪ - :‬تصدير ‪"- :‬من نيكوال مكيافيللي إىل لورنزو‪ ،‬االبن العظيم لبريو دي ميديشي "‬ ‫‪-‬نيكوال‬
‫''' كل الدول متارس السلطة وتسيطر على الشعوب‪ .‬وهي إما مجهورايت أو ممالك‪ .‬واملمالك إما أن تكون‬
‫وراثية وحكامها من أسرة واحدة وتستمر للحكم لسنوات طويلة‪ .‬أو أهنا تكون ممالك حديثة النشأة مثل مملكة‬
‫ميالن يف عهد "فرانسيسكو سفورزا"‪ .‬أو أن تكون قد انضمت حديثا كأجزاء جديدة‪ ،‬تضاف إىل ممتلكات‬
‫األمري املوروثة مثل مملكة انبويل يف عهد ملك اسبانيا‪ .‬واملمالك اليت تكتسب هبذه الطريقة إما أهنا كانت يف حوزة‬
‫أمري آخر‪ ،‬أو أهنا كانت ممالك حرة مت ضمها ابلقوة إىل ملك األمري نفسهن أو إىل أمراء آخرين وآلت إليه من‬
‫بعدهم‪ .‬أو أن القدر قد ساقها إليه‪ ،‬أو أن يكون قد متكن من ذلك بسبب قدراته اخلاصة‪.‬‬

‫لن أحتدث هنا عن اجلمهورايت حيث تناولتها تناوال شامال يف كتاب آخر‪ ،‬ولكين سأتناول هنا املمالك‪،‬‬
‫وسأتناول أنواعها املختلفة اليت سبق أن ذكرهتا وكيفية حكمها والسيطرة عليها‪.‬وأول ما نالحظه هو أن صعوبة‬
‫الوصول إىل عرش امللك يف مملكة وراثية اعتاد أهلها على األسرة احلاكمة أقل بكثري من صعوبة الوصول اىل العرش‬
‫يف املمالك اجلديدة‪ .‬حيث ال يكفي جتنب األوضاع اليت كان يتبعها السلف والتحسب ألي طارئ‪ .‬ويف مثل هذه‬
‫احلالة‪ ،‬فان األمري وان كان ذا قدرات عادية‪ ،‬فانه سيستطيع أن حيافظ على عرشه إال إذا اضطرته قوة غري عادية‬

‫‪36‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫شديدة إىل التخلي‪ .‬وحىت إذا فقد عرشهن فانه مع أول خطأ بسيط من احملتل‪ ،‬سيكون قادرا على استعادة‬
‫العرش‪..‬‬

‫وعندان يف ايطاليا مثال واضح على ذلك وهو الدوق "فرييرا" الذي استطاع صد غارات "البنادقة" عام ‪1484‬‬
‫وكذلك صد البااب" جوليوس" عام ‪ 1510‬ال لشيء سوى قدم أسرته يف هذه الدوقية‪ .‬حيث أن األمري الشرعي‬
‫احملبوب من شعبه‪ ( ،‬ذلك)الذي ال توجد له رذائل مفضوحة أمام الناس‪ ،‬ال حيب شعبه أن يتخلص منه ‪ ،‬ومن‬
‫الطبيعي لشعبه أن يتمسك به‪ .‬ومن الطبيعي أيضا أن يتناسى األسباب والدواعي البسيطة اليت تدعوه لتغيري‬
‫احلاكم‪ ،‬حيث انه إذا حدث تغيري مفاجئ‪ ،‬فانه سيفسح الطريق أمام تغيري آخر‪.‬‬

‫ال تكمن الصعاب حقا إال يف املمالك اجلديدة‪ .‬فإذا كانت اململكة ليست جديدة ابلكامل‪ ،‬أي أهنا مملكة‬
‫خمتلطة بعضها حديث‪ ،‬واآلخر قدمي‪ ،‬فان االضطراابت حتدث فيها بسبب الصعوابت الطبيعية اليت حتدث يف كل‬
‫املمالك اجلديدة‪ ،‬وذلك ألن الناس يذعنون لسادهتم إبرادهتم على أمل حتسن أحواهلم‪ .‬وهذا االعتقاد جيعلهم‬
‫حيملون السالح ضد حكامهم‪ ،‬وهم يف ذلك خمدوعون‪ ،‬حيث أثبتت التجارب فيما بعد ‪ ،‬أهنم يذهبون من سيئ‬
‫إىل أسوأ‪.)....( .‬‬

‫انك أيها األمري ستكون يف حاجة دائمة إىل حب الناس حىت تستطيع السيطرة على بالدهم مهما كانت قوة‬
‫جيوشك‪ .‬وهذه هي األسباب اليت جعلت " لويس الثاين عشر" ملك فرنسا وعلى الرغم من قدرته على احتالل "‬
‫ميالن" بال مشاكل‪ ،‬إال أنه سرعان ما فقد السيطرة عليها‪...(...‬‬

‫إن من يسيطر على أراض ويريد أن حيتفظ هبا‪ ،‬ال بد أن يضع يف اعتباره أمرين ‪ :‬أوهلما القضاء على األسرة‬
‫احلاكمة السابقة قضاء مربما‪.‬واثنيهما عدم تغيري أي قوانني أو ضرائب خاصة هبذه البالد‪ .‬وهبذه الطريقة‪ ،‬ستصبح‬
‫جزء من االحتاد يف وقت قصري جدا‪ ،‬وتصبح الدولة كياان واحدا‪...‬‬

‫ولكن عندما يكون شعب األراضي املنضمة حديثا يتحدث لغة خمتلفة وقوانينه وعاداته خمتلفة‪ ،‬فان الصعوابت‬
‫اليت جيب التغلب عليها تصبح أكثر‪ ،‬وتتطلب حظا وفريا وحنكة للتغلب عليها‪ .‬وإحدى أفضل الطرق وأكثرها‬
‫أتثريا هي أن يقيم احلاكم اجلديد يف تلك األرض‪ .‬وهذا سيجعل ملكيته هلا أكثر أمنا واستمرارا‪ .‬وهذا ما فعله‬
‫األتراك يف بالد اإلغريق (‪ .)...‬وإذا أرادوا أن يكونوا خملصني له‪ ،‬فإهنم سيجدون كثريا من األسباب ليحبوه‪ .‬أما‬
‫إذا ظلوا يف وفائهم القدمي‪ ،‬أو أهنم ينحازون ضد احلاكم اجلديد‪ ،‬فان وجود األمري اجلديد قريبا منهم‪ ،‬سيكون سببا‬

‫‪37‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫للردع واخلوف منه‪ .‬كما أن إقامته ستجعل أي قوى خارجية هتاب حماولة غزو تلك الوالية‪ .‬وكلما طالت مدة‬
‫إقامته فيها‪ ،‬يصعب جدا جتريده منها‪..‬‬

‫والعالج اآلخر وهو أفضل‪ ،‬يتمثل يف زرع املستعمرات يف عدة أماكن مميزة ابألرض املستعمرة‪ ،‬ومن الضروري أن‬
‫نفعل ذلك‪ ،‬أو أن حنتفظ بعدد كبري من القوات املسلحة يف نفس املكان‪. )...( .‬‬

‫كما أن احلاكم الذي حيكم إقليما أجنبيا كما أوضحت‪ ،‬جيب أن جيعل من نفسه قائدا وحاميا جلريانه األقل‬
‫قوة منه‪ ،‬ويسعى جاهدا إلضعاف األقوايء منهم‪ .‬وأن حيذر أن يغزوهم أجنيب أقوى منه‪........‬ومن ال يستطيع‬
‫حتقيق ذلك سيواجه صعوابت ومشكالت ال حصر هلا‪..‬‬

‫وقد اتبع الرومان دائما هذه السياسة فيما سيطروا عليه من والايت‪ .‬فقد أقاموا املستعمرات‪ ,‬أقاموا عالقات‬
‫محيمة مع الدول الضعيفة اجملاورة دون السماح هلا مبزيد من القوة‪ ،‬وأضعفوا الدول القوية ومل يسمحوا للحكام‬
‫األجانب ابلسيطرة عليها‪..‬‬

‫ويف كل هذه احلاالت ‪ ،‬سلك الرومان مسلك األمراء احلكماء الذين ال ينظرون إىل اضطراابت احلاضر فقط‪،‬‬
‫ولكن أيضا إىل ما سيقع منها يف املستقبل‪ ،‬ويتأهبون له قبل وقوعه‪ .‬فما ميكن التنبؤ به‪ ،‬ميكن عالجه بسهولة‪.‬‬
‫أما إذا انتظران إىل أن تدامهنا املخاطر‪ ،‬فسيصبح العالج متأخرا عن موعده وتستعصي العلة‪ ،)....(..‬ذلك أن‬
‫احلرب إذا بدأت‪ ،‬فال مفر منها‪ ،‬وال ميكن أتجيلها إال ملا هو يف صاحل الطرف اآلخر‪'''.....)......(.....‬‬

‫‪ -‬نيكوال مكيافيللي‪ ،‬كتاب األمري‪ ،‬ترمجة أكرم حمسن‪ ،‬مكتبة ابن سينا‪ ،‬القاهرة ‪ ،2004‬ص‪.‬ص ‪.31-21‬‬

‫‪38‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬توماس هوبز ( ‪)1679-1588‬‬


‫‪ -‬انه خريج األكسفورد وقد كان مغرما ابللغات القدمية كاليواننية والالتينية‪ ،‬إضافة إىل شغفه الشديد‬
‫ابلرايضيات‪ .‬وقد تنقل كثريا طيلة حياته بني اجنلرتا وايطاليا وفرنسا وقد كان معاصرا بل صديقا قريبا من ديكارت‬
‫أثناء إقامته يف فرنسا‪.‬بل كتب مالحظات عميقة على كتاب ديكارت يف ‪":‬التأمالت"‪ .‬ويف فلورنسا ابيطاليا‪،‬‬
‫تعرف هوبز على غاليليو‪..‬‬

‫‪-‬هوبز هو مرتجم الكتاب الشهري حول حرب البيلوبونيز‪ ،‬املؤرخ احملرتف تيوكيديديس من اإلغريقية إىل االجنليزية‬
‫سنة ‪.1628‬‬

‫‪ -‬كان مغرما بكتاب إقليدس الكالسيكي‪ :‬األصول يف الرايضيات واهلندسة منذ شبابه‪ .‬وقد اعترب هوبز دائما أن‬
‫الرايضيات واهلندسة متثالن األساس لكل نظام فلسفي وفكري‪ ،‬بل أيضا أساسا لألنظمة السياسية نفسها‪..‬‬

‫‪-‬عرض هوبز اإلطار العام لفلسفته يف ثالثة أجزاء‪ .‬ويف سنة ‪ 1640‬كتب ‪ ":‬أصول القانون الطبيعي والسياسي‪،‬‬
‫وعندما ظهر الكتاب عام ‪ 1650 ،‬كان يف جزأين بعنوان ‪ :‬الطبيعة البشرية أو العناصر األساسية للسياسة‬
‫واجلسم السياسي‪.‬أما العمل ابلكامل فقد ظهر عام ‪.1889‬‬

‫‪-‬يف العام ‪ 1640‬جلأ هوبز إىل فرنسا معتربا أن أمنه مهدد يف انكلرتا‪ ،‬نظرا لوالئه للملكية ويف ‪ 1642‬نشر عمله‬
‫املسمى‪" :‬املواطن" ‪ .‬ويف ابريس ابلذات كتب كتابه الشهري ‪ :‬اللفيااتن أو املادة والشكل والقوة لدولة دينية‬
‫ومدنية"‪.‬‬

‫‪ -‬ويف سنة ‪ 1655‬و ‪ 1658‬نشر هوبز القسمني األولني األول والثاين من مذهبه الفلسفي عن " اجلسم" و‬
‫"اإلنسان"‪.‬‬

‫‪-‬كتب رضوان السيد يف مقدمة كتاب اللفيااتن ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬ما كان كتاب " اللفيااتن" هو كتاب هوبز الوحيد يف الشأن السياسي والعام‪ ،‬لكنه صار أشهر كتبه‪ ،‬واحد‬
‫أشهر الكتب يف مسألة السلطة والدولة يف القرون األخرية بعد "أمري" ماكيافيللي‪ .‬وما كان هدف هوبز يف‬

‫‪39‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫الكتاب النظر يف أحوال السلطة واحلكم يف اجنلرتا وفرنسا يف ذلك العصر فقط‪ ،‬بل كان يريد دراسة أفضل السبل‬
‫لتأسيس الدولة والشرعية على أساس فلسفي متني‪..‬‬

‫‪-‬على أن اقتناع هوبز القاطع أنه وجد "احلل النهائي" ملسألة الدولة‪ ،‬يتجاوز أحوال العصر‪ ،‬ودعاوي وميول كل‬
‫املعاصرين‪ .‬لقد ذكران من قبل أن هوبز انشغل يف شبابه برتمجة كتاب املؤرخ تيوسيديديس عن احلروب‬
‫البيلوبونيزية‪..‬فرمبا تركت جتارب املؤرخ‪, ،‬أهوال تلك احلروب أتثريات يف تفكريه بشأن ضرورات االستقرار‪ .‬مث انه‬
‫صرح فيما بعد أن كتاب تيوسيديديس نبهه إىل األخطار اليت ميكن أن تعرض الدميقراطية والدولة واجملتمع هلا‪.‬وهو‬
‫يذهب أحياان إىل أن تلك احلروب والتجارب األخرى‪ ،‬أاثرت لديه شكوكا يف الطبيعة البشرية ذاهتا‬

‫‪ -‬إن التجارب التارخيية واحلضارية ما كانت‪ -‬حسب تصرحيه‪ -‬هي اليت وهبته تلك القناعة العميقة حبتمية صحة‬
‫نظرته أو نظريته العامة‪ ،‬بل الذي قاده إىل ذلك كتاب األصول إلقليدس‪ ،‬أي احلتميات الرايضية واهلندسية‪ ،‬شأن‬
‫ما حصل مع ديكارت قبله بثالثني سنة‪ .‬فاهلندسة االقليدية هي املثال للعلم اليقيين‪ ،‬ومن مسبقاهتا ومسلماهتا‬
‫تتبلور نظرية الدولة عنده‪...‬وألن الرايضيات هو علم البديهيات واملسلمات العقالنية والربهانية؛ فان نظريته للدولة‬
‫واملؤسسة يف نظره على ذلك العلم حرية أبن ترغم كل أحد على االقتناع هبا‬

‫‪-‬فإذا كانت اهلندسة قد صارت يف اعتبار هوبز" علم العلوم"‪ ،‬فان كل الظواهر الطبيعية تعبري ميكانيكي عن‬
‫األجسام وحركتها‪ .‬وحركات األجسام املدركة ابحلواس تتقابل وتتصادم فتحدث الظواهر والتكوينات‪ .‬مث أن هذه‬
‫التحركات امليكانيكية‪ ،‬هي اليت تنتج الدول واجملتمعات‪(..‬هذه األفكار اهلوبزية ال تظهر بوضوح يف اللفيااتن بل يف‬
‫كتابني فلسفيني سابقني ‪- :‬اجلسم‪ -‬واإلنسان‪.‬‬

‫‪-‬يف اعتقاد هوبز‪ ،‬أنه من العامل الطبيعي وحتركات أجسامه‪ ،‬حتدث ميكانيكيا التحركات اإلنسانية املنتجة ابلضرورة‬
‫للدولة واجملتمع‪ .‬إن حرب اجلميع على اجلميع هي احلالة الطبيعية‪ .‬وهذا هو األمر السابق على الدولة‪ .‬فاإلنسان‬
‫الطبيعي حتركه دوافع الرغبة والطموح والتفوق على اآلخرين(لفيااتن الفصل الثالث عشر) فيلجأ للعنف والقتل‬
‫إلرضاء رغباته وغرائزه‪ .‬وإذا قيل له ‪ :‬هل هذه فرضية أم واقع ؟ جييب ببساطة ‪ :‬إهنا احلالة الطبيعية‪ ،‬أال ترون أنه‬
‫حىت يف مرحلة الدولة‪ ،‬فان كل كيان يرتبص ابآلخر‪ ،‬وحتركه حنو االصطدام به دوافع الشراهة واخلوف والطموح‬
‫وحب االستيالء‪.‬؟‬

‫‪40‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬ويف احلالة الطبيعية هذه‪ ،‬ليست هناك مفاهيم للحق والباطل والعدل والظلم‪.‬بل الدافع الغالب غزيرة البقاء(‬
‫لفيااتن‪-‬الفصل الرابع عشر)‪.‬وحبسب هذه احلالة؛ فان كل أحد يرى نفسه حمقا يف حركاته إلرضاء غرائزه‪ ،‬وهذا‬
‫هو "القانون" السائد إن كان ميكن يف احلالة الطبيعية احلديث عن "القانون"‪ .‬فالقاعدة لدى كل أحد‪ :‬غريزة‬
‫البقاء‪ ،‬ودوافع التفوق يف العيش والتصرف‪ .‬إمنا الذي يبدو طبيعيا لكل إنسان عند تفاقم هذه األمور‪ ،‬أن أحدا ال‬
‫يستطيع حتقيق األمن والعيش لنفسه مع استمرار املواجهة املميتة ضد كل اآلخرين‪.‬‬

‫‪ -‬وما دام األمر كذلك يصبح ضروراي للبقاء‪ ،‬البحث عن األمن من طريق السالم‪ .‬ويتم ذلك عن طريق النقل‬
‫املتبادل للحقوق‪ ،‬أو التنازل ابال تفاق بني الناس على التسليم ابلسلطة للحاكم أو صاحب السيادة‪ ،‬حبيث يؤمن‬
‫كل لنفسه احلد األدىن الضروري للبقاء‪ ،‬ليس من أجل التعاون مع اآلخرين‪ ،‬بل بسبب اخلوف املتبادل بينهم (‬
‫لفيااتن –الفصل الرابع عشر)‪.‬‬

‫‪-‬إن التمسك ابلعقد إذن أييت خوفا من هتديد احلياة واملنافع(لفيااتن‪-‬الفصل اخلامس عشر)‪.‬وهذه هي أصول‬
‫القانون الطبيعي ‪ :‬حفظ احلياة واخلوف عليها إن جرى خرق العقد‪..‬ويف هذه احلالة‪ ،‬أو هذا العقد‪ ،‬ال جمال‬
‫للحديث عن حرية اإلرادة‪ ،‬إذ ما دامت الدوافع اإلنسانية مدمرة‪ ،‬فان الضرورات هي اليت صنعت العقد وليس‬
‫احلرية( لفيااتن‪-‬الفصل الواحد والعشرون)‪.‬‬

‫‪ -‬راجع فكرة العقد االجتماعي عند هوبز يف الصفحات ‪ 16-15-14‬من مقدمة رضوان السيد يف الكتاب ‪.‬‬

‫‪ -‬كتب ليو سرتاوس عن هوبز ‪:‬‬

‫"" نظر "هوبز" إىل فلسفته السياسية على أهنا جديدة متاما‪.‬وفضال عن ذلك أنكر أنه يوجد قبل عمله أي‬
‫فلسفة سياسية‪ ،‬أو علم سياسي يستحق هذا االسم‪ .‬لقد نظر إىل نفسه على أنه مؤسس الفلسفة السياسية‬
‫احلقيقية‪...‬لقد عرف ابلطبع أن هناك نظرية سياسية تدعي أهنا صحيحة وجدت منذ "سقراط"‪ .‬بيد أن نظريته‬
‫كانت فيما يرى هوبز ‪،‬حلما بدل أن تكون علما‪ .‬لقد نظر إىل سقراط وأتباعه على أهنم فوضويون يف أهنم انتقلوا‬
‫من قانون األرض‪ ،‬أي القانون الوضعي إىل قانون أعلى وأمسى‪ ،‬أي القانون الطبيعي؛ ولذلك شجعوا على فوضى‬
‫ال تتفق بتاات مع اجملتمع املدين‪ .‬والقانون األعلى‪،‬أي القانون الطبيعي كما يرى "هوبز" من انحية أخرى‪ ،‬أيمر ‪ ،‬إن‬
‫جاز التعبري‪ ،‬بشيء واحد‪ ،‬وبشيء واحد فقط‪ ،‬وهو الطاعة املطلقة للسلطة صاحبة السيادة"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬اتريخ الفلسفة السياسية‪ ،‬ص‪.‬ص ‪.431-430‬‬

‫‪ -‬توماس هوبز‬

‫‪-‬يف أسباب نشوء الدولة وتعريفها‬


‫"" إن الطبيعة( أي الفن الذي صنع به هللا العامل وحيكمه) يقلدها فن اإلنسان‪ ،‬كما يقلد أشياء كثرية أخرى‪،‬‬
‫إىل حد إمكانية صنع حيوان اصطناعي‪ .‬ومبا أننا نرى أن احلياة ليست إال حركة لألطراف تكمن بدايتها يف قسم‬
‫رئيسي ما يف داخلها‪ ،‬فلماذا ال ميكننا القول أن لكل اآلالت( اليت تتحرك ذاتيا بواسطة زنربكات‪ ،‬وعجالت كما‬
‫تفعل الساعة( حياة اصطناعية ؟ ‪ .‬إذ ما هو القلب‪ ،‬ان مل يكن زنربكا‪ ،‬وما هي األعصاب إن مل تكن أواترا‬
‫متعددة‪ ،‬وما هي املفاصل إن مل تكن عجالت كثرية‪ ،‬حترك اجلسم كله‪ ،‬متاما كما أرادها الصانع ؟ ‪ ..‬من جهته‪،‬‬
‫يذهب الفن إىل أبعد من ذلك‪ ،‬فيقلد اإلنسان‪ ،‬ذلك العمل العقالين والفائق االمتياز للطبيعة‪ .‬ذلك أنه بواسطة‬
‫الفن‪ ،‬خيلق ذلك اللفيااتن الضخم املدعو مجهورية‪ ،‬أو دولة ابلالتينية‪ ،‬والذي ليس سوى إنسان اصطناعي‪ ،‬وان‬
‫كان يتمتع بقامة وقوة أضخم من تلك اليت يتمتع هبا اإلنسان الطبيعي الذي من أجل محايته والدفاع عنه‪ ،‬مت‬
‫خلقه؛ وفيه تشكل السيادة روحا اصطناعية للدولة‪ ،‬فهي تعطي احلياة واحلركة للجسم كله‪ ،‬ويكون القضاة وغريهم‬
‫من مسؤويل القضاء والتنفيذ مفاصل اصطناعية‪ .‬أما الثواب والعقاب( اللذان حيركان كل مفصل وعضو مرتبط‬
‫مبقعد السيادة ليؤدي واجبه( فهما األعصاب اليت تقوم ابلعمل نفسه يف اجلسم الطبيعي‪ .‬إن ثراء كل األعضاء‬
‫وغناهم مها القوة‪ ،‬وسالمة الشعب هي شأنه‪ ،‬واملستشارون الذين يشريون إليه بكل األشياء اليت حيتاج أن يعرفها‬
‫هم الذاكرة‪ ،‬واملساواة والقوانني هي عقل وإرادة اصطناعيان‪ ،‬والوائم هو الصحة‪ ،‬والعصيان هو املرض‪ ،‬واحلرب‬
‫األهلية هي املوت‪ .‬وأخريا فان املواثيق واملعاهدات اليت بواسطتها صنعت أجزاء هذا اجلسم السياسي يف البداية‪،‬‬
‫ومجعت‪ ،‬ووحدت متاثل عبارة ' ليكن' أو ' فلنصنع اإلنسان'‪ ،‬اليت لفظها هللا يف التكوين‪"").........( .‬‬
‫ص‪.‬مقدمة ص‪.‬ص‪..18-17 .‬‬

‫"""" إن السبب النهائي‪،‬والغاية‪ ،‬وهدف البشر( التواقني بطبيعتهم إىل احلرية وممارسة السلطة على اآلخرين)‪،‬‬
‫من خالل فرض قيد على أنفسهم( والذي جيعلهم يعيشون يف إطار الدولة)‪ ،‬يكمن يف التحسب ملا يضمن‬

‫‪42‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫احملافظة على أنفسهم وحتقيق املزيد من الرضا يف احلياة‪ .‬وبعبارات أخرى‪ ،‬يكمن هدفهم يف اخلروج من حالة احلرب‬
‫البائسة هذه اليت‪..،‬هي نتيجة ضرورية لألهواء الطبيعية اليت تسري البشر‪ ،‬عند انتفاء قوة فعلية تنظم حياهتم‪،‬‬
‫وجتعلهم حيرتمون تنفيذ تعهداهتم التعاقدية خوفا من العقوبة‪ ،‬كاحرتام قوانني الطبيعة‪.....‬‬

‫يف الواقع‪ ،‬تشكل قوانني الطبيعة( العدالة‪ ،‬اإلنصاف‪ ،‬التواضع‪ ،‬الرمحة‪ )..،‬نقيضا لألهواء الطبيعية‪ ،‬اليت حتملنا‬
‫على التحيز والغرور واالنتقام‪..‬وهذه القوانني هي موضع احرتام ألهنا تثري اخلوف‪ .‬هذا وان االتفاقيات‪.‬ليست‬
‫سوى ألفاظ ‪ ،‬خالية من أية قوة تؤمن احلماية ألي كان‪.‬وعليه‪ ،‬وبعيدا عن قوانني الطبيعة‪ ،..‬وعند انعدام وجود‬
‫السلطة‪ ،‬ا وان مل تكن قوية مبا يكفي لتوفري محايتنا‪ ،‬قد يلجأ كل فرد إىل قواته اخلاصة بصورة مشروعة وأبسلوبه‬
‫اخلاص بغية محاية نفسه من اآلخرين‪.)....(.‬‬

‫ومهما كانت جمموعات األفراد كبرية‪ ،‬إذا ما كانت أفعاهلا مسرية من أحكامها وغرائزها اخلاصة‪ ،‬فهي لن‬
‫أتمل‪ ،‬بواسطة عددها‪ ،‬يف الدفاع أو احلماية‪ ،‬أكان األمر بوجه عدو مشرتك‪،‬أم ضد اإلساءات اليت حتصل فيما‬
‫بينها‪)...( .‬‬

‫صحيح أن بعض الكائنات احلية على غرار النحل والنمل‪ ،‬بعضها مع بعض اجتماعيا‪....‬؛ ومع ذلك‪ ،‬ال‬
‫تسريها سوى ميوهلا وغرائزها اخلاصة؛ كما أهنا ال متلك القدرة على النطق اليت مبوجبها تستطيع إحداها أن تبلغ‬
‫األخرى ما تراه مناسبا للخري العام‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ ،‬قد نرغب يف معرفة سبب عجز اجلنس البشري عن القيام‬
‫ابألمر عينه‪ .،‬عن هذا التساؤل جنيب ‪:‬‬

‫أوال‪ ،‬إن البشر يف تنافس دائم حنو األجماد والكرامات‪ ،‬على غري حالة تلك الكائنات؛ وابلتايل‪ ،‬تظهر الرغبة والكره‬
‫على هذه القاعدة بني البشر‪ ،‬وأخريا تظهر احلرب؛ لكن األمر ليس على هذا النحو مع تلك الكائنات‪.‬‬

‫اثنيا‪ ،‬ال يوجد لديها فرق بني اخلري العام واخلري اخلاص‪ ،‬ومبا أهنا مدفوعة طبيعيا حنو خريها اخلاص‪ ،‬فهي تساهم‬
‫ابلتايل يف اخلري العام‪ .‬على أن اإلنسان الذي يستمتع يف مقارنة نفسه ابآلخرين‪ ،‬ال يستحسن سوى ما يفرقه‬
‫عنهم‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫اثلثا‪ ،‬إن هذه الكائنات اليت ال متلك( على غرار البشر) قدرة استخدام العقل‪ ،‬ال ترى وال تستطيع أن ترى اخلطأ‬
‫يف إدارة شؤوهنا املشرتكة؛ بينما جيد عدد من الناس يف صفوف البشر أنفسهم أكثر وعيا وقدرة‪ ،‬وأفضل من‬
‫اآلخرين يف تويل الشؤون العامة‪.....‬مما يؤدي إىل االنشقاق واحلرب األهلية‪.‬‬

‫رابعا‪ ،‬إن هذه الكائنات‪ ،‬وابلرغم من امتالكها القدرة على استخدام صوهتا إلظهار رغباهتا وميوهلا األخرى فيما‬
‫بينها‪ ،‬حمرومة من فن التعبري هذا الذي ميكن البشر من إظهار اخلري حبلة الشر والشر حبلة اخلري؛ وبفضل ذلك‪،‬‬
‫يرفعون أو يقلصون احلجم الظاهر للخري أو الشر‪....‬‬

‫خامسا‪ ،‬ال تستطيع الكائنات احملرومة من العقل التمييز بني اإلساءة والضرر‪ .‬فطاملا أهنا يف وضعية مرحية‪ ،‬فان‬
‫مثيالهتا ال هتددها‪.....‬‬

‫وأخريا‪ ،‬إن رضا هذه الكائنات ألمر طبيعي‪ ،‬بينما رضا البشر انتج عن اتفاقية‪ ،‬وهو أمر مصطنع ‪ :‬ال عجب‬
‫ابلتايل أن يكون املطلوب شيئا آخر( إىل جانب االتفاقية) بغية جعل رضاهم مستقرا ومستمرا ‪ :‬هذا الشيء هو‬
‫السلطة املشرتكة اليت تؤمن انضباطهم وتوجههم حنو اخلري العام‪.‬‬

‫أما الوسيلة الوحيدة إلنشاء هذه السلطة املشرتكة‪ ،‬القادرة على الدفاع عن البشر يف وجه اجتياحات الغرابء‬
‫واإلساءات املرتكبة حبق بعضهم‪ ،‬ومحايتهم حىت يتمكنوا من االكتفاء والشعور ابلرضا بواسطة صناعتهم اخلاصة‬
‫ومثار أرضهم‪ ،‬فتكمن يف مجع كل قوهتم وقدرهتم ابجتاه شخص أو جمموعة أشخاص‪ ،‬تستطيع‪...‬حصر كافة‬
‫إرادهتم يف إرادة واحدة‪.)...(...‬من هنا يقوم كل منهم إبخضاع إرادهتم إلرادته‪ ،‬وأحكامهم حلكمه‪.)....(....‬‬
‫هذا وان اجملموعة اجملتمعية على هذا النحو يف شخص واحد‪ ،‬تدعى دولة‪ ،‬ابللغة الالتينية ' سيفيتاس'‪ .‬هذا هو‬
‫جيل هذا اللفيااتن الكبري‪ ،‬أو ابألحرى‪....،‬هذا اإلله الفاين‪ ،‬الذي ندين له‪ ،‬ابلسالم والدفاع‪،‬وهو أدىن رتبة من‬
‫هللا‪ ،‬هللا غري الفاين (‪.)....‬‬

‫يف هذا اإلله يكمن جوهر الدولة اليت هي( من ابب التعريف) شخص واحد‪ ،‬ذات األعمال املنسوبة إىل‬
‫فاعل‪ ،‬نتيجة االتفاقيات املتبادلة املعقودة بني كل عضو من اجملموعة الكربى‪ ،‬بغية متكني هذا الشخص من ممارسة‬
‫القوة والوسائل املمنوحة من اجلميع‪....‬‬

‫‪44‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫أما الطرف املودع لديه هذا الشخص‪ ،‬فيدعى ابحلاكم املطلق‪ ،‬ويقال أبنه يتمتع ابلسلطة املطلقة وكل ما خيرج‬
‫عن نطاقه‪ ،‬هو فرد من األفراد التابعني له‪ "" )...(...‬ص‪.‬ص‪.181-175 .‬‬

‫"" إن القانون الطبيعي الذي يتوىل هللا احلكم من خالله على البشر‪ ،‬فيعاقب مبوجبه من ينتهكون قوانينه‪ ،‬جيب‬
‫أن ينشأ ليس عن فعل خلقه للبشر ومطالبته إايهم ابإلطاعة مبثابة عرفان على صنائعه‪ ،‬بل بفعل سلطته اليت ال‬
‫تقاوم ‪ .‬لقد أظهرت سابقا كيف أن حق السلطة املطلقة ينجم عن العهد‪ :‬فإظهار احلالة اليت ينجم فيها احلق ذاته‬
‫عن الطبيعة‪ ،‬ال يتطلب أكثر من إظهار احلالة اليت لن جيوز فيها إلغاؤه على اإلطالق‪ ""....‬ص‪.350 .‬‬

‫‪ -‬جون لوك ( ‪: ) 1704 -1632‬‬


‫‪ -‬جون لوك وفلسفته السياسية‬

‫‪45‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬كتب ماجد فخري يف تقدمي ترمجة جون لوك‪ ،‬يف احلكم املدين‪: ،‬‬

‫‪ -‬ملا بلغ جون لوك الرابعة عشرة التحق مبدرسة وستمنستري يف لندن اليت كانت تغلب عليها النزعة الربوتستانتية‬
‫املتزمتة آنذاك فأقام فيها حىت سنة ‪ ،1652‬حيث نزح إىل أكسفورد ‪..‬وكانت تعصف أبكسفورد يف هذه الفرتة‬
‫رايح األهواء السياسية املتضاربة ويهيمن على جوها البلبلة واالضطراب‪ ،‬من حيث الفنت واملؤامرات السياسية اليت‬
‫كان حيفل هبا اتريخ بريطانيا طيلة هذه احلقبة ويغلب على مناهجها التعليمية التقليد والرجعية‪ ،‬ال سيما يف احلقل‬
‫الفلسفي‪ .‬فالنزعة الفلسفية اليت كانت تغلب على أكسفورد آنذاك كانت النزعة املشائية( األرسطوطالية)) اليت‬
‫كان لوك شديد التربم هبا‪'' ،‬الضطراهبا وتوفرها على املفاهيم الغامضة واملسائل اليت ال طائل حتتها‪-.''.‬أ‪-‬‬

‫‪ -‬مع أن لوك –أب املدرسة التجريبية الربيطانية‪ -‬مل أيخذ مبذهب ديكارت العقلي‪ ،‬إال أنه كان شديد اإلعجاب‬
‫أبسلوبه الواضح وثورته على الفلسفة التقليدية‪.‬‬

‫‪ -‬يعترب لوك حبق مؤسس املدرسة التجريبية اليت أجنبت‪ ،‬إىل جانب مؤلفنا‪،‬اثنني من أعظم املفكرين الربيطانيني مها‬
‫جورج بركلي‬

‫( ‪ )1753 -1685‬وديفيد هيوم ‪ )1776 -1711‬الفيلسوف السكتلندي الذي اشتهر بشكوكيته‬


‫املطلقة‪،‬قامت هذه املدرسة تناوئ املدرسة العقلية اليت وضع ديكارت( ‪ . )1650 -1595‬وميكن القول أن‬
‫املشادة بني هاتني املدرستني استمرت على أشدها‪ ،‬حىت قيام امانويل كانط ( ‪ )1804 -1724‬الذي عمل‬
‫على التوفيق بينهما توفيقا رائعا‪ .‬ورغم بعض مآخذ كانط على فيلسوفنا( جون لوك)‪ ،‬فهو يسند إليه شرف السبق‬
‫إىل إاثرة مشكلة املعرفة‪ ،‬ووضع أسس علم املعرفة‪ ،‬الذي طبع الفلسفة احلديثة كلها بطابعه‪– ''.‬ج‪-‬‬

‫‪ -‬يتلخص مذهب لوك يف املعرفة ابلبنود الكربى التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬التأكيد على ضرورة استهالل مجيع املباحث الفلسفية '' ابلتحري على منشأ املعرفة البشرية وثبوهتا ومداها‪''.‬‬
‫وهو أساس علم املعرفة‪.‬‬

‫‪ -2‬إنكار الفكر الفطرية أو املبادئ الكلية أو العامة املغروسة يف النفس‪ ،‬اليت ذهب إليها أفالطون قدميا وديكارت‬
‫وأصحابه من معاصري لوك‪ ،‬واثبات أن النفس‪ ،‬قبل التجربة‪ ،‬عبارة عن لوحة خالية مل يكتب عليها شيء‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -3‬التشديد على التجربة أو االختبار‪ ،‬كركن هام (بل قل الركن األول) من أركان املعرفة‪ ،‬ومع أن لوك ال ينكر‬
‫الدور الكبري الذي يلعبه الفكر يف عملية اإلدراك‪ ،‬إال أن مرد املعارف عنده‪ ،‬آخر األمر إىل احلس‪.‬‬

‫‪ -‬قد يضن أن ليس بني هذه الفلسفة النظرية والفلسفة السياسية عند لوك أي صلة‪ ،‬والواقع أن مؤلفنا‪ ،‬الذي كان‬
‫ينزع هذه النزعة التجريبية العلمية يف الشؤون النظرية ويتحاشى األخذ ابلعقائد اليت مل ينهض عليها دليل حسي أو‬
‫متصل ابحلس‪ )...(.‬مل يكن ليأخذ‪ ،‬وال غرو‪ ،‬من اآلراء السياسية إال مبا كان منها متصال بواقع احلياة ومؤداي إىل‬
‫املنفعة واخلري اإلنسانيني‪.‬‬

‫‪ -‬يعترب لوك من أملع املفكرين السياسيني قدميا وحديثا‪ ،‬ومقالتيه يف احلكم املدين( أو السياسة) مها‪ ،‬ابإلضافة إىل‬
‫رسالته يف التساهل(التسامح) الديين‪ ،‬من أهم املصنفات السياسية وأبقاها أثرا‪.‬‬

‫‪ -‬لقد قيل أن املقالتني يف احلكم املدين مها مبثابة تربير لثورة سنة ‪‘ 1688‬اجمليدة' وانتصارا للمبادئ السياسية اليت‬
‫كتبت هلا الغلبة على اثر فوز احلزب الربملاين على أنصار امللكية املطلقة(‪ ).....‬وتقييد امللكية يف بريطانيا ابلقيود‬
‫الدستورية اليت ما زالت قائمة حىت اليوم‪ .‬ويف كل ذلك شيء من الصحة وال شك‪ .‬إال أن قصر أثر فلسفة لوك‬
‫السياسية على أت ييد حركة سياسية معينة‪ ،‬يغض من شأهنا غضا كبريا وجيعل من مؤلفنا داعية سياسيا وحسب‪.‬‬
‫ومن ينظر يف األسس اليت تقوم عليها فلسفة لوك السياسية نظرا دقيقا‪ ،‬يتحقق من خطورة املبادئ اليت يبين عليها‬
‫تلك الفلسفة وبعد غورها وفضله على فلسفة احلكم الدميقراطية اليت كتب هلا السيطرة على الفكر السياسي عامة‬
‫منذ أواسط القرن السابع عشر‪،‬واليت كرستها ثورات ثالث يف العاملني اجلديد والقدمي‪ (.‬الثورة اجمليدة يف بريطانيا‬
‫سنة ‪ ،1688‬والثورة التحريرية يف أمريكا سنة ‪ ،1776‬والثورة الفرنسية الكربى سنة ‪.1789‬‬

‫‪ -‬يعاجل مؤلفنا أسس احلكم وأصوله يف املقالة الثانية املوسومة‪ " :‬يف نشأة احلكم املدين الصحيح ومداه وغايته""‪.‬‬
‫إذ ملا بطل األصل اإلهلي للسلطة عنده‪ ،‬فقد حتتم عليه أن يبحث عن أساس عقلي طبيعي للسلطة على‬
‫األرض‪...‬‬

‫‪-‬اإلنسان إذ يولد‪ ،‬إمنا يولد على "الطور الطبيعي"‪ ،‬وهو عند لوك‪ -‬خالفا لتوماس هوبز‪ -‬طور من احلرية‬
‫واملساواة التامتني بني مجيع البشر خيضعون فيه لسلطة العقل وسنة الطبيعة‪-.‬و‪-‬‬

‫‪47‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬يعرتف لوك هنا‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أن "الطور الطبيعي" ال خيلو من آفات‪)...(..‬واىل ذلك يلحق ابلطور الطبيعي هذا‬
‫ثالث آفات‪:‬‬

‫‪-1‬انعدام قانون معروف اثبت تواضع عليه أبناء اجملتمع‪ ،‬حيدد حقوق الفرد ومسؤولياته بوضوح‪،‬‬

‫‪ -2‬انعدام حكم منصف ونزيه‪ ،‬يقضي بينهم ويفصل يف خالفاهتم‪ ،‬بناء على القانون ذاك‪......‬فلما كان البشر‬
‫مطبوعني على األثرة واألاننية‪ ،‬استحال عليهم التجرد يف احلكم‪...‬‬

‫‪-3‬انعدام سلطة قادرة على تنفيذ أحكام القانون بصرامة وإنصاف‪.‬‬

‫‪ -‬ما حقيقة 'الطور الطبيعي' ؟‬

‫‪-‬هل الطور الطبيعي هذا طور اترخيي فعلي‪ ،‬أم هو جمرد أسطورة أو فرضية يتذرع هبا دعاهتا لتربير نشوء احلكم‬
‫وأتسيس اجملتمعات؟ ال خيلو جواب لوك على هذا السؤال من بعد غور‪ ،‬إذ مىت سلمنا أن الطور الطبيعي هو طور‬
‫يهيمن عليه العقل( ال القوانني الوضعية)‪ ،‬لزم عن ذلك ضرورة عنده ‪:‬‬

‫أوال‪ -‬أن هذا الطور طور قائم أبدا وانه املنبع الذي تستمد منه القوانني الوضعية أصالتها‪.‬‬

‫اثنيا‪...-‬انه املعيار الذي تقاس به القوانني الوضعية نفسها‪ ،‬إذن‪ ،‬ويربر التمرد على واضعيها إذا ظلموا‪...‬‬

‫اثلثا‪ -‬انه األساس الذي تبين عليه الدول املختلفة حقها مبعاقبة اخلارجني على قوانينها الوضعية من الغرابء‪..‬إذ من‬
‫الواضح أن قوانني دولة ما ال تلزم أبناء دولة أخرى‪.‬‬

‫رابعا‪ (-‬وهي قضية ال خيصها لوك ابلذكر‪ ،‬وان كان يلمح إليها يف عدة مواضع) هو أساس كل قانون دويل‬
‫يتصف أبي صفة من صفات الشرعية‪ -.‬ز‪-‬‬

‫‪ -‬مفهوم الدولة‪ :‬سلطات الدولة وحدودها‬

‫‪ -‬إن الدولة( أو اجملتمع املدين مبعىن أدق) تنشأ عن تنازل املرء عن الصالحيات اليت كان يتمتع هبا يف الطور‬
‫الطبيعي‪ .‬وتتلخص هذه الصالحيات عند لوك يف اثنتني‪ :‬صالحية احملافظة على ذاته وعلى ذوات سائر البشر‪،‬‬
‫وفقا للسنة الطبيعية القاضية بضرورة بقاء النوع البشري‪ ،‬وصالحية إنزال العقوابت ابخلارجني على تلك السنة‪.‬‬
‫وهو إذ يتنازل عن تلك الصالحيات‪ ،‬يتخلى أيضا عن قسط من حريته الطبيعية‪ ،‬لقاء املنافع اليت جينيها من‬
‫‪48‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫التحاقه ابجملتمع ‪ :‬وهي مؤازرة أبنائه جمتمعني له يف تنفيذ بنود السنة الطبيعية واالقتصاص من اجملرمني وكف أذاهم‬
‫عنه والتعاون على تبادل أسباب املعاش واألنس حبياة االجتماع واأللفة‪ .‬ولكن ذلك ال يكسب اجملتمع( أو‬
‫السلطة التشريعية والتنفيذية فيه) حق االستبداد به أو تقييد حريته‪ ،‬إال مبقدار ما يقتضيه اخلري العام‪ ،‬وإال خرج عن‬
‫الغرض الذي وجد من أجله‪ ،‬فكان للفرد حق التمرد عليه‪.‬‬

‫‪ -‬سلطا الدولة إذن ال ختتلف يف جوهرها عن السلطات(او الصالحيات) اليت كانت للفرد يف ظل اجملتمع‬
‫الطبيعي‪ ،‬وكل ما يف األمر أن الدولة(أو اجملتمع املدين) تصلح املساوئ اليت قد يتعرض هلا املرء حبكم أاننيته وأثرته‪،‬‬
‫يف تطبيق بنود السنة الطبيعية غلى أقرانه يف القضااي اليت تعنيه‪ .‬وهذه السلطات هي سلطة التشريع العليا‪ ،‬وسلطة‬
‫تنفيذ القوانني املوضوعة‪ ،‬مث سلطة دفع العدوان اخلارجي وعقد املعاهدات واألحالف‪ -‬ويدعوها لوك ابلسلطة‬
‫االحتادية‪ ،‬بينما تعرف يف القانون الدويل اليوم‪ ،‬ابلسلطة الدولية أو الدبلوماسية‪ ،‬وهذه السلطات ينبغي أن تكون‬
‫منفصلة عند لوك ‪:‬‬

‫‪ -‬التشريعية هي السلطة العليا الوحيدة يف الدولة‪ ،‬ألهنا تنبثق من إرادة الشعب مباشرة وتوجد من أجل التعبري عن‬
‫رغباته وحتقيق أهدافه‪ .‬وليس فوقها إال سلطة واحدة‪ :‬هي سلطة الشعب مبجموعه‪.......‬مث إهنا ملا وجدت من‬
‫أجل اخلري العام‪ ،‬فقد استحال عليها اإلقدام على ما فيه إخالل ابخلري العام‪ .‬وتلك قيود مجيع أشكال السلطة‬
‫عند مؤلفنا‪ ،‬وهو يبسطها على الوجه التايل ‪:‬‬

‫‪ -‬أوال‪ -‬ال حيق للسلطة العليا إهالك أبناء اجملتمع يف استعبادهم أو إفقارهم عمدا‪ ،‬ألن ذلك يتناىف مع السنة‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫‪-‬اثنيا‪ -‬ال حيق للسلطة العليا أن حتكم على أساس قوانني مرجتلة‪ ،‬بل يتحتم عليها إقرار العدالة على أساس قوانني‬
‫قائمة‪ ،‬يطبقها القضاة الشرعيون‪.‬‬

‫‪-‬اثلثا‪ -‬ال حيق للسلطة العليا أن تغتصب شيئا من أمالك أي فرد من أفراد اجملتمع‪ ،‬وذلك لقدسية امللكية عند‬
‫لوك‪ ،‬وكون محايتها أحد األغراض الكربى اليت وجدت من أجلها الدولة‬

‫‪49‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬رابعا‪-‬ال حيق للسلطة التشريعية أن تتنازل عن صالحيات وضع القوانني ألي هيئة أخرى‪ .‬وعلة ذلك عند‬
‫لوك‪،‬أن السلطة التشريعية إن هي إال سلطة تفويضية منبثقة عن الشعب‪ .‬فللشعب وحده صالحية خلعها على‬
‫من اختار من األفراد أو الفئات‪.‬‬

‫‪ -‬لعل من أهم املواضيع اليت يطرقها لوك يف املقالة الثانية واليت يبين عليها سلسلة من النتائج اخلطرية‪ ،‬هي حق‬
‫الفرد ابمللكية‪ ،‬الذي يعتربه من حقوق اإلنسان الطبيعية السابقة لقيام اجملتمع املدين‪ .‬فدليل العقل ودليل الوحي‬
‫معا يؤيدان حق اإلنسان ابمتالك خريات األرض على سبيل الشراكة أو على سبيل التملك الفردي‪ .‬فالكتاب‬
‫املقدس ينصص على أن هللا قد وهب األرض آلدم ولبنيه من بعده‪ ،‬لتكون شركة بينهم‪ ،‬إال أنه ال يعني نصيب كل‬
‫امرئ منها‪ .‬فما هو املبدأ العقلي الذي يصبح أساسا هلذا التعيني ؟‪ .‬هنا يبسط لوك نظرية يف التملك لعلها من‬
‫أطرف النظرايت وأمهها‪ ،‬تتفق من نواح عدة مع النظرية املتواطأ عليها يف االقتصاد الكالسيكي‪ ،‬حىت والنظرية‬
‫املاركسية ‪ :‬وهي أن العمل هو أساس التملك الفعلي‪.‬‬

‫‪ -‬وبناء على هذه النظرية يف امللكية‪ ،‬يعترب لوك‪ -‬شيمة أدام مسيث ( ‪ )1790-1723‬أيب االقتصاد‬
‫الكالسيكي‪ ،‬وشيمة كارل ماركس ( ‪ )1883 -1818‬مؤلف كتاب الرأمسال املشهور وأيب االشرتاكية احلديثة‪-‬‬
‫أن العمل هو أساس قيم األشياء ومبدأ تفاوهتا‪ ، )...(...‬وما الثروة عند لوك إال عبارة عن تراكم نتاج العمل‬
‫هذا‪ -..‬م‪-‬ن‪-‬‬

‫‪ -‬كان آلراء لوك السياسية أثر كبري على تطور الفكر السياسي واالقتصادي الالحق‪ .‬فمذهبه يف "الطور الطبيعي"‬
‫و " العقد االجتماعي"‪ ،‬حيكي من نواح عدة مذهب روسو الذي أتثر به وال شك؛ وخيتلف عن مذهب توماس‬
‫هوبز الذي يصف الطور الطبيعي أبنه طور من التناحر واخلصام الدائمني‪ ،‬حيف به اخلوف من مجيع جوانبه‪.‬‬
‫كذلك بسطه لنظرية متيز السلطات احلكومية وانفصاهلا يعترب متهيدا ملذهب مونتيسكيو يف هذا املضمار‪ ،‬وأساسا‬
‫من األسس اليت يرتكز عليها الدستور األمريكي‪ .‬وأقواله يف العمل وامللكية هي من دعائم االقتصاد احلديث‪.‬‬

‫أما يف مضمار احلياة السياسية الفعلية‪ ،‬فقد كان أثر جون لوك ابلغا جدا‪ .‬فنظريته يف حقوق اإلنسان الطبيعية‪،‬‬
‫هي من أهم األسس الفلسفية اليت ترتكز عليها الواثئق الدستورية املعروفة ابسم شرعة حقوق اإلنسان‪ ،‬واليت جرت‬
‫العادة منذ الثورة األمريكية سنة ‪ 1776‬والثورة الفرنسية سنة ‪ 1789‬على إدراجها يف الدساتري احلديثة‪– ''.‬س‪-‬‬

‫‪50‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬حول كتاب جون لوك‪ '' :‬مقال يف الفهم البشري‪''.‬‬

‫‪ -‬كتب جون دن ما يلي ‪:‬‬

‫'' يقدم "" مقال يف الفهم البشري"" نفسه تعهدا ب ' التفكري يف ملكات التمييز عند اإلنسان‪ ،‬فيما تستغل‬
‫يف التمييز بني األشياء اليت يتعني على اإلنسان التعامل معها‪ .''.‬ومن خالل'' هذا النهج التارخيي الواضح''‪،‬‬
‫يطمح املقال إىل تقدمي '' تفسري للطرق اليت يتوصل هبا الفهم البشري إىل تلك املفاهيم اليت لدينا عن األشياء‪.''.‬‬
‫يهاجم لوك يف اجلزء األول من هذا العمل مبدأ األفكار الفطرية املتأصلة‪ ،‬وهي األفكار اليت يولد هبا اإلنسان؛ فقد‬
‫كان لوك يرفض ابلفعل الرأي القائل أبن اإلنسان يولد ولديه أفكار أخالقية ودينية متأصلة‪ ،‬كما رأينا يف كتابه‪'':‬‬
‫مقاالت حول قانون الطبيعية''‪ .‬وابلنظر إىل تنوع القيم األخالقية واملعتقدات الدينية يف اجملتمعات املختلفة اليت‬
‫كان على دراية هبا‪ ،‬فانه مل تكن لديه أدىن صعوبة يف إثبات محاقة هذا الرأي‪''.‬‬

‫‪ ''-‬تسبب التهكم الذي تناول به لوك هذا املوضوع يف اهانة شديدة بني رجال الدين األجنليكانيني يف ذلك‬
‫الوقت‪ ،‬وكان سببا رئيسيا لذيوع صيت لوك بوصفه مروجا لآلراء املخالفة للدين‪ ،‬وأهم من ذلك يف املقال ككل‬
‫أن لوك رفض الرأي القائل أبن قدرة اإلنسان على فهم الطبيعة‪ ،‬إمنا تعتمد أيضا على املعرفة املتأصلة بعدد من‬
‫مسلمات العقل مثل'' ما سيكون سيكون'' ( مقال قفي الفهم البشري)‪ ،‬وكان ديكارت من معتنقي هذا الرأي‬
‫على سبيل املثال‪ .‬ومبا أن معظم البشر‪....‬ليسوا على دراية أبي من تلك املسلمات‪ ،‬فمن احلمق إذن أن ننعتهم‬
‫مبعرفة تلك املسلمات‪ .‬إن اإلنسان يتوصل إىل فهم حقيقة تلك املسلمات بتجربة أمور معينة‪ ،‬وملا كان اإلنسان‬
‫يعتمد حقا يف هذا الفهم على إعمال قدراته العقلية‪ ،‬نفى هذا على اإلطالق فكرة أن معرفة تلك املسلمات‬
‫متأصلة يف اإلنسان‪''.‬‬

‫‪ '' -‬تستعرض األجزاء الثالثة املتبقية من ''مقال يف الفهم البشري'' نظرية لوك احلامسة حول السبيل الذي يسلكه‬
‫اإلنسان للمعرفة‪ ،‬وسبيله إىل تكوين معتقدات يرى أن من العقالين اإلميان هبا‪ .‬يتناول أول هذه األجزاء تفسري‬
‫لوك لطبيعة األفكار بوصفها املوضوعات املباشرة الوحيدة للفكر البشري؛ ومن مث املوضوعات الوحيدة اليت يكون‬
‫لدى اإلنسان معرفة ' متعمقة' هبا( يقصد لوك بكلمة' فكرة' هو أي موضوع يستحوذ على فهم اإلنسان وتفكريه)‬
‫؛ ويدور اثين تلك األجزاء حول طبيعة الكلمات‪ ،‬واللغة بوجه عام؛ بينما يلخص اجلزء الثالث نتائج اجلزأين‬
‫األولني يف نقاش جريء حول طبيعة املعرفة البشرية‪''.‬‬

‫‪51‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ ''-‬املعرفة نفسها هي نوع من اإلدراك؛ إدراك '' ترابط أي من أفكاران وتوافقها‪ ،‬أو اختالفها وتعارضها‪ .''.‬فما‬
‫يدركه اإلنسان‪ -‬بل حىت ما يفكر فيه‪ -‬مباشرة‪ ،‬يكون دائما أفكارا بعينها موجودة يف ذهنه‪ .‬وأي استنتاجات‬
‫عامة حقيقية يتوصل إليها اإلنسان ال تصح إال بقدر ما تتفق معها عالقات أخرى بعينها يف الطبيعة‪ ،‬أو يف فكر‬
‫أانس آخرين‪ .‬واألفكار نفسها تكون مجيعها إما بسيطة وإما معقدة؛ فإذا كانت بسيطة‪ ،‬فإهنا تكون مستمدة‬
‫مباشرة من احلواس‪ ،‬بوصفها مداخل املعرفة؛ أما إذا كانت معقدة‪ ،‬فإهنا تتشكل من خالل اجلمع العقلي الطوعي‬
‫ألفكار البسيطة‪''.‬‬

‫‪ ''-‬تنشأ كل املعرفة البشرية وتستمد يف هناية املطاف من التجربة‪ ،‬إما من خالل مالحظة األشياء احملسوسة يف‬
‫العامل‪ ،‬أو عن طريق إعمال اإلنسان لعقله ومتحيصه لألفكار اليت جتول فيه‪ .‬يستطيع اإلنسان أن يفكر ويعرف‬
‫وحيكم بنفسه‪ ،‬وال بد أن يفعل ذلك مبا أنه ال يستطيع يف هناية املطاف أن يضع ثقته يف آخرين ليتولوا هذا األمر‬
‫عنه‪ .‬عقول األطفال عند امليالد تشبه الورقة البيضاء‪ ،‬ومع أهنم يف البداية يتأثرون بوضوح ابلتأثري الفطري متاما‬
‫ألفكار بعينها من خالل احلواس‪ ،‬فإهنم سرعان ما يشوهون أيضا بتعاليم الكبار اخلرافية وغري املنطقية يف أغلب‬
‫األحوال‪ ،‬وحاملا تتشوه عقوهلم على هذا النحو‪ ،‬حيث يفوق العرف يف قوته قوة الطبيعة ‪ ،‬فال سبيل إىل إصالح‬
‫هذا التشوه إال عن طريق اجلهد املتواصل الذي يستحثه احلب املتأصل لدى اإلنسان ملعرفة احلقيقة‪'''..‬‬

‫‪ -‬جون دن‪ ،‬جون لوك‪ :‬مقدمة قصرية جدا‪ ،‬ترمجة فايقة جرجس حنا‪ ،‬مراجعة هبة عبد املوىل‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪،‬‬
‫الطبعة األوىل ‪ ،2016‬ص‪.‬ص‪.90-88 .‬‬

‫‪ -‬جون لوك – نص‬

‫‪ -‬يف الطور الطبيعي والطور السياسي‬


‫كتب جون لوك يف كتابه ‪ " :‬مقالتني يف احلكم املدين ‪:‬‬

‫لكي ندرك طبيعة السلطة السياسية إدراكا صحيحا ونستبطنها من مصدرها األصلي‪ ،‬ينبغي لنا أن نفحص‬
‫عن الوضع الطبيعي الذي جند البشر عليه‪ :‬وهو وضع من احلرية التامة يف القيام أبعماهلم والتصرف أبمالكهم‬

‫‪52‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫وبذواهتم كما يرتئون‪ ،‬ضمن إطار سلطة الطبيعة وحدها‪ ،‬ودون أن حيتاجوا إىل إذن أحد أو يتقيدوا مبشيئة أي‬
‫إنسان‪.‬‬

‫وهو وضع من املساواة أيضا حيث تتكافأ السلطة والسيادة كل التكافؤ‪ :‬فال يكون حظ أحد منهما أكثر من‬
‫حظ اآلخر‪.)....(.‬‬

‫ومع أن هذا الطور الطبيعي طور من احلرية‪ ،‬فهو ليس طورا من اإلابحية‪ .،‬فاإلنسان يف هذا الطور يتمتع حبرية‬
‫التصرف بشخصه وممتلكاته‪ ،‬إال أنه ال يتمتع حبرية القضاء على حياته بل حىت على حياة املخلوقات اليت ميلكها‪،‬‬
‫ما مل يستدع ذلك غرض أشرف من جمرد احملافظة عليها‪ .‬فللطور الطبيعي سنة خيضع هلا اجلميع‪ .‬والعقل‪ -‬وهو‬
‫تلك السنة‪ -‬يعلم البشر مجيعا‪ ،‬لو استشاروه‪ ،‬أهنم مجيعا متساوون وأحرار‪ ،‬فينبغي أن ال يوقع أحدهم ضررا حبياة‬
‫صاحبه أو صحته أو حريته أو ممتلكاته‪.)...(.‬‬

‫ولكي يرتدع كل امرئ عن التعدي على حقوق اآلخرين أو إيقاع الضرر هبم وحترتم السنة الطبيعية اليت ترمي‬
‫إىل إقرار السالم وبقاء النوع البشري‪ ،‬فقد ترك أمر تنفيذ السنة الطبيعية هذه‪ ،‬إابن هذا الطور‪ ،‬لكل امرئ مبفرده‪..‬‬
‫إذ لو مل يكن مثة من يقوم على تنفيذ السنة الطبيعية حبماية األبرايء وردع املعتدين‪ ،‬لكانت تلك السنة عبثا‪ ،‬سيمة‬
‫سائر السنن اليت متت إىل شؤون البشر يف هذا العامل‪ .)...(..‬حيث ال سلطة وال سيادة طبعا للواحد على‬
‫اآلخر‪.)...(..‬‬

‫أما الذين يزعمون أنه مل يوجد قط امرؤ يف ' طور طبيعي' ولن يوجد‪ ،‬فإنين لن أكتفي مبعارضة قوهلم حبجة'‬
‫هوكر' احلصيف الذي يقول ‪'' :‬إن القوانني اليت أشري إليها سالفا( أي قوانني الطبيعة وسننها) تلزم البشر إلزاما‬
‫مطلقا‪ ،‬من حيث هم بشر‪ ،‬حىت ولو مل يكن بينهم شركة صرحية أو اتفاق قطعي حول ما ينبغي فعله أو عدمه‪.‬‬
‫وملا كنا عاجزين مبفردان أن نوفر لذواتنا قدرا كافيا من األشياء الضرورية ملعيشتنا على الوجه الذي أرادته الطبيعة‬
‫لنا‪ :‬أي معيشة تليق بكرامة اإلنسان‪ ،‬فنحن مدفوعون بطبيعتنا أن ننشد االشرتاك والتعاون مع اآلخرين‪ ،‬لكي‬
‫نصلح تلك النقائص والعيوب الكامنة فينا‪..‬ولقد كان هذا هو سبب أتلب البشر‪ ،‬ابدئ ذي بدء‪ ،‬يف 'جمتمعات‬
‫سياسية' (‪.)....‬‬

‫وملا كان البشر‪..‬أحرارا ومتساوين ومستقلني ابلطبع‪ ،‬استحال حتويل أي إنسان عن هذا الوضع وإكراهه على‬
‫اخلضوع لسلطة إنسان آخر دون موافقته‪ ،‬اليت يعرب عنها ابالتفاق مع أقرانه على أتليف مجاعة واحدة واالنضمام‬

‫‪53‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫إليها‪ ،‬كي يتسىن هلم أن يعيشوا معا عيشة رخية آمنة مساملة‪ ،‬أو يستمتعوا أبمواهلم وأيمتنوا شر من ليس من‬
‫أبنائها‪.)..(.‬‬

‫وهكذا فكل امرئ إمنا يلتزم بتعاقده مع اآلخرين على أتليف هيئة سياسية واحدة يف ظل حكومة واحدة‪،‬‬
‫اخلضوع لقرارات األكثرية والتقيد هبا أمام كل فرد من أفراد تلك اهليئة‪ .‬وإال مل يكن هلذا العقد األصلي الذي جعل‬
‫منه ومنهم مجاعة واحدة معىن قط‪ ،‬فال عقد حيث يكون املرء حرا ال تقيده إال القيود اليت كانت تربطه يف ''الطور‬
‫الطبيعي''‪)...(.‬‬

‫إذا كان املرء يف 'الطور الطبيعي' حرا‪ ،‬على الوجه الذي وصفناه‪ ،‬وإذا كان السيد املطلق على شخصه‬
‫وأمالكه‪ ،‬ندا ألعظم األسياد ال خيضع لسلطة إنسان فقط‪ ،‬فلم يتخلى عن حريته وسلطته تلك ويعنو لسلطة‬
‫أخرى ؟ واجلواب البديهي على ذلك أنه يتمتع هبذا احلق يف ' الطور الطبيعي' إال أن ممارسته له غري مضمون يف‬
‫مجيع األحوال‪ ،‬ألنه معرض أبدا لسطوة اآلخرين‪ .‬إذ ملا كان الكل أسيادا شيمته‪ ،‬وكان كل إنسان ندا له‪ ،‬ومعظم‬
‫البشر ال يرعون حرمة اإلنصاف والعدالة‪ ،‬كان التمتع ابألمالك اليت ختصه يف هذا الطور‪ ،‬غري مضمون أو مأمون‪.‬‬
‫وهذا ما جيعله على الرضي ابلتخلي عن ذلك الوضع‪ ،‬احملفوف ابملخاوف واألخطار‪ ،‬رغم احلرية اليت يتصف هبا‪.‬‬
‫فليس من العبث إذن أن يسعى راضيا لالنضمام إىل اجملتمع مع من احتدوا فيه أو أبدوا رغبتهم يف االحتاد من أجل‬
‫احملافظة على حياهتم وحرايهتم وأمالكهم‪ -‬وهو ما أطلق عليه اسم‪ '' :‬امللكية'' العام‪.‬‬

‫فالغرض الرئيسي األول إذن من احتاد الناس يف دولة ما والرضوخ لسلطة احلكومة هو احملافظة على أمالكهم إذ‬
‫يعوزهم يف الطور الطبيعي أمور عدة‪.)...(....‬‬

‫أوال‪"" -‬قانون معروف اثبت متواضع عليه مسلم به""‪-‬اثنيا "" حكم معروف غري متحيز يتمتع بصالحية الفصل‬
‫يف مجيع اخلالفات بناء على القوانني القائمة""‪ -‬اثلثا " السلطة الالزمة لدعم األحكام العادلة وتنفيذها كما‬
‫ينبغي‪.)...("".‬‬

‫ومع أن الناس يت نازلون عن احلرية واملساواة والسلطة التنفيذية اليت كانوا يتمتعون هبا يف 'الطور الطبيعي'ن إذ‬
‫ينضمون إىل اجملتمع ويعهدون هبا إليه كي يتصرف هبا الشارع كما يقتضي خري ذلك اجملتمع‪ ،‬فال يعقل أن متتد‬
‫سلطة اجملتمع أو الشارع الذي نصبه اجملتمع‪ ،‬إىل أبعد مما يقتضيه اخلري العام‪.....‬إذ ال يعقل أن يعمد خملوق عاقل‬
‫إىل تغيري وضعه طوعا ابختيار وضع أسوأ منه‪'''........‬‬

‫‪54‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬جون لوك‪ ،‬يف احلكم املدنني ترمجة من األصل االجنليزي ماجد فخري‪ ،‬اللجنة الدولية لرتمجة الروائع‪ ،‬بريوت‬
‫‪ ،1959‬ص‪.‬ص ‪.215-139‬‬

‫‪ -‬البارون دي البريد( شارل دو سيكوندا) ‪ :‬مونتيسكيو ( ‪.)1755 -1689‬‬


‫‪-‬فيكتور فولغني‪ ،‬فلسفة األنوار‪ ،‬ص‪.‬ص ‪.73-48‬‬

‫‪55‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬مل تالق فكرة احلد من السلطة امللكية إال أصداء واهية يف فرنسا خالل العقود الثالثة األوىل من القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬على الرغم التأثري الكبري واالجنذاب املالحظ لألفكار السياسية االجنليزية املتحررة من االستبداد واحلكم‬
‫املطلق‪.‬‬

‫‪ -‬يعترب مونتيسكيو املفكر السياسي األقوى يف القرن الثامن عشر يف فرنسا‪ .‬انه من مؤسسي الفكر الدستوري‬
‫احلديث ‪.‬انه صاحب الكتاب الشهري‪ ":‬روح الشرائع" أو "روح القوانني" (‪ ،)1728‬وهو مصدر عدد كبري من‬
‫املفاهيم السياسية املعاصرة واألفكار الدستورية املرتبطة هبا‪.‬‬

‫‪ -‬له ارث أديب متنوع إىل حد كبري‪:.‬‬

‫‪-‬يف سنة ‪ 1721‬أصدر الرسائل الفارسية وهي نقد قوي جدا لعادات الكنيسة وقيمها أبسلوب أديب يغلب عليه‬
‫اهلزل والنقد اجلارح‪.‬وتكتسي هذه الرسائل أمهيتها كذلك‪ ،‬من حيث تعترب مصدرا مهما لتاريخ األفكار االجتماعية‬
‫والسياسية يف عصره‪.‬‬

‫‪ -‬يف سنة ‪ 1728‬أصدر مونتيسكيو أتمالت يف أسباب عظمة الرومان واحنطاطهم‪ ،‬وهو عمل اترخيي كبري‪.‬‬

‫‪ -‬ال يدين مونتيسكيو امللكية يف حد ذاهتا كنظام سياسي‪ ،‬فهي ابلنسبة له‪ ،‬سلطة فرد قائمة على القوانني‪ ،‬بل‬
‫يدين االستبداد القائم على التعسف‪ .‬فمعظم دول عصره مل تكن يف نظره حتمل من امللكية غري االسم‪ ،‬فقد كانت‬
‫أنظمة استبدادية‪.‬‬

‫" نقطة ضعف النظام امللكي تكمن‪ ،‬ابلنسبة ملونتيسكيو يف عدم استقراره‪ ،‬األمر الذي حيكم عليه دوما‬
‫ابالحنطاط‪ ،‬أي ابلتحول إىل نظام استبدادي وإما إىل نظام مجهوري‪.‬‬

‫‪-‬يعترب مونتيسكيو أن التوازانت السياسية يف النظام امللكي دائما تتميز ابهلشاشة وال تعرف االستقرار أبدا‪.‬‬

‫‪ -‬ال خيفي مونتيسكيو إعجابه ابلنظام السياسي االنكليزي‪.)..(...‬فاالنكليز كما يروي عنهم مونتيسكيو‪،‬‬
‫يرفضون االعرتاف بشرعية سلطة ال تعرف حدودا‪ .‬وهو حيدثنا بتعاطف مماثل‪،‬عن اإلغريق القدامى الذين دفعهم‬
‫حبهم للحرية إىل اإلطاحة ابلطغاة واىل إقامة النظام اجلمهوري‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬يصعب على قارئ الرسائل الفارسية حتديد شكل احلكم الذي حيظى إبيثار املؤلف‪ :‬فهل هو من أنصار امللكية‬
‫اليت تعتمد القوانني أساسا هلا‪ ،‬أم من أنصار امللكية اليت حيد التمثيل الشعيب‪ ،‬من صالحياهتا‪ ،‬أم من أنصار‬
‫اجلمهورية ؟ ‪.‬لكن مثة أمرا واضحا وأكيدا ابملقابل‪ :‬فهذا الكتاب مشبع من أوله إىل آخره‪.‬ابلكراهية لالستبداد‪.‬‬
‫ومفهوم احلرية هو املعيار األساسي ملؤلفه يف تقييمه للعالقات السياسية‪.‬‬

‫‪ -‬يقف مونتيسكيو موقفا ال مباليا وريبيا من الدين املسيحي وعقائده‪ .).....( .‬لكن‪...‬مونتيسكيو مل يوجه‬
‫هجاءه ونقده اجلارح اىل جوهر املذهب املسيحي بقدر ما وجهه إىل عيوب كنيسة الطقوس والشعائر‪ :‬اكتناز‬
‫الثروات املادية من قبل الباابوات‪ ،‬االجتار برباءات الغفران‪ ،‬قسوة حماكم التفتيش‪ ،‬جشع االكلريوس ورايئه‬

‫‪ -‬التدين احلقيقي يف نظر مونتيسكيو هو تقيد اإلنسان بقوانني اجملتمع‪ ،‬وقيامه بواجباته اإلنسانية‪،‬وإقدامه على‬
‫أعمال الرب واإلحسان ‪..‬ال تقيده بطقوس جيهل كل شيء عن معناها وعن سبب اختيارها‪..‬‬

‫‪ -‬يف الرسائل يشري مونتيسكيو كثريا إىل مسالة التسامح الديين من زاوية مصلحة الدولة ويعترب أن تعدد األداين‬
‫مسألة مفيدة للنظام السياسي‪.‬فالتنافس فيما بينها‪ ،‬سيؤدي ابملؤمنني إىل التقيد تقيدا صارما ابلقوانني املوضوعة‬
‫خلدمتهم‪ ،‬واالمتناع عن كل ما من شأنه أن يضر بسمعة دينهم‪.‬‬

‫‪ -‬روح الشرائع ‪:‬‬

‫‪ -‬يعترب روح الشرائع جمموعة ضخمة من احلكم واألقوال املأثورة املرهفة والثاقبة للغاية أحياان‪ ،‬واملتناقضة أحياان‬
‫أخرى‪ ..‬وقد مجعت يف كتب مقسمة إىل عدة فصول‪ ،‬بعضها يشكل أحبااث صغرية‪....‬أما املواضيع فمتنوعة‪ :‬فإىل‬
‫جانب الفصول املكرسة لقضااي نظرية الدولة الكربى‪ ،‬هناك أخرى تبحث يف العقوابت‪ ،‬يف هجر األطفال‪ ،‬يف‬
‫بلوغ امللوك سن الرشد‪...،‬ويصعب على القارئ أحياان‪ ،‬إدراك الصلة اليت جتمع بني فصل وآخر‪..‬وابإلمجال‪ ،‬فان‬
‫مواضيع الكتاب مصنفة على حنو ملتبس وغري واضح‪ ،‬على الرغم من تقسيماته وتفريعاته العديدة‪....‬وال عجب‬
‫ابلتايل أن يكون الباحثون قد اختلفوا يف حتديدهم للفكرة الرئيسية لكتاب روح الشرائع‪".‬‬

‫‪ -‬يعلن مونتيسكيو يف مقدمة روح الشرائع أن اهلدف الذي وضعه لنفسه ليس توجيه النقد الالذع لألنظمة‬
‫القائمة لدى خمتلف األقوام‪ ،‬بل شرحها وتفسريها‪ .‬فعلى الرغم من التنوع الكبري للمؤسسات االجتماعية‪ ،‬فان‬
‫ظهورها ليس عرضيا وال اعتباطيا‪ .‬فكل ما يتحرك يف هذا العامل خيضع لقوانني اثبتة‪ ،‬ال تتغري‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪-‬القوانني‪ ،‬كما يقول مونتيسكيو ‪"" :‬هي العالقات اإللزامية(الضرورية) املنبثقة عن طبيعة األشياء‪."".‬‬

‫‪ -‬الواقع أن مونتيسكيو يصوغ فكرة وجود قوانني عامة‪ ،‬تتحكم بظواهر الطبيعة واحلياة االجتماعية على حد‬
‫سواء‪ ،‬بوضوح ودقة مل يعهدمها القرن الثامن عشر‪.‬‬

‫‪ -‬حتت أتثري نظرية احلق الطبيعي السائدة يف عصره‪ ،‬أضفى على القانون االجتماعي‪ ،‬ال طابع العالقات اإللزامية‬
‫فحسب‪ ،‬بل أيضا الطابع املعياري للحق الطبيعي‪.‬‬

‫‪-‬إن البشر‪ ،‬كما يقول مونتيسكيو‪ ،‬يسنون ألنفسهم قوانني‪ ،‬لكن لديهم أيضا قوانني أخرى غري منبثقة عنهم‪:‬‬
‫قوانني الطبيعة السابقة على سن القوانني الوضعية‪....‬ويبدو واضحا هنا أن العالقات اإللزامية بني البشر‪ ،‬واملنبثقة‬
‫عن طبيعة األشياء‪ ،‬قد اكتسبت طابع املعايري األخالقية للحياة االجتماعية‪ ،‬أي طابع العالقات اليت يفرتض فيها‬
‫أن تقوم يف احلياة االجتماعية‪ .‬ومونتيسكيو الذي فاته التمييز بني التصورين اللذين يتضمنهما مصطلح" القانون‬
‫الطبيعي" ‪ ،‬يستخدمه للتعبري عن التصور األول اترة‪ ،‬وعن التصور الثاين طورا‪. ".‬‬

‫‪ -‬كان مونتيسكيو‪ ،‬أسوة ابلعديد من معاصريه‪،‬يرى يف الكائن البشري‪ ،‬ال اإلنسان االجتماعي كما يعرفه‬
‫التاريخ‪،‬بل اإلنسان اجملرد‪ ،‬اإلنسان خارج التاريخ‪ ،‬والذي وجد يف رأيهم قبل ظهور اجملتمع‪ .‬وقد استخلصوا من‬
‫ذلك أن الكشف عن القوانني االجتماعية يقتضي دراسة احلالة الطبيعية وليس الوقائع التارخيية‪ ،.‬ومن مث جيري‬
‫تطبيق املبادئ العامة‪..‬‬

‫‪.-‬غري أن مونتيسكيو ال يسلك هذه الطريق‪ ،‬وان كان يسلم بوجوب هنج هذا املنهج‪،‬مفضال تركيز اهتمامه على‬
‫دراسة الوقائع التارخيية‪ .‬فهو ال خيص احلالة الطبيعية مبكانة مميزة يف مؤلفاته‪ .‬وما كانت االستنتاجات القائمة على‬
‫أساس مذهب احلق الطبيعي تتوافق البتة وميوله العلمية‬

‫‪-‬إن البشر‪ ،‬خبروجهم عن احلالة الطبيعية‪ ،‬يتخلون‪ ،‬كما يقول مونتيسكيو‪ ،‬عن استقالهلم الطبيعي ليعيشوا حتت‬
‫سلطة القوانني السياسية؛ يتخلون عن مشاعية اخلريات الطبيعية‪،‬ليعيشوا حتت سلطة القوانني املدنية‪ ،‬أي قوانني‬
‫امللكية اخلاصة‪ .‬وهذه القوانني تنبثق عن العقل ‪:‬‬

‫مونتيسكيو‪ "" :‬إن القانون‪ ،‬إمجاال‪ ،‬هو العقل البشري‪."".‬‬

‫‪58‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬تشكل فكرة التنوع احملتم للقوانني‪ ،‬واحدة من األطروحات األساسية لنظرية مونتيسكيو‪ .‬فهو على الرغم من‬
‫إقراره ابملقدمات املنطقية العامة ملذهب احلق الطبيعي واعرتافه بصحتها‪ ،‬ينكر إمكانية تشييد نظام مشويل من "‬
‫القوانني الطبيعية" على أساسها‪ .‬فالقوانني األقرب إىل الطبيعة يف كل حالة من احلاالت هي‪ ،‬كما يؤكد جازما‪،‬‬
‫تلك اليت تنسجم أكثر مع الطابع املميز لألمة املعنية‪ .‬إذ ال جيوز تقييم القوانني على ضوء املبادئ العامة فحسب‪،‬‬
‫بل ينبغي أن تؤخذ الظروف اخلاصة أيضا بعني االعتبار‪.‬‬

‫‪ -‬مثة نقطة ضعف يف موقف مونتيسكيو النظري‪ :‬إهنا تصوره ألشكال احلكم‪ ،‬وأشكال احلكم ومؤسسات الدولة‬
‫والقوانني‪ ،‬وكأهنا ظواهر تنمو وتتطور ابنتظام يف املكان‪ ،‬خاضعة‪ ،‬إن جاز التعبري‪ ،‬للقوانني اجلغرافية‪ ،‬يف حني ال‬
‫تستوقفه قوانني حتوهلا يف الزمان‬

‫‪ -‬كل شكل من أشكال الدولة يبدو‪ ،‬يف نظره‪ ،‬شيئا فرداي‪ ،‬يظهر ابنتظام عندما تتوافر بعض الشروط‪ ،‬ليزول‬
‫ابنتظام مماثل يف إطار شروط أخرى‪ .‬أما فكرة ترابط هذه األشكال‪ ،‬بصفتها ظواهر تتجاوب مع أطوار متتالية من‬
‫تطور اجملتمع‪ ،‬فإهنا غريبة عنه كليا‪.‬‬

‫‪ -‬يضع مونتيسكيو العوامل الفيزايئية يف مقدمة العوامل احملددة لطبائع األمم‪،‬وابلتايل لقوانينها‪ .‬وهذه العوامل‬
‫الفيزايئية هي ‪ -1 :‬املناخ‪ -2.‬الطوبوغرافيا‪ -3.‬األرض‪ .‬وميكن القول أن فكرة الرتابط بني الظواهر االجتماعية‬
‫والوسط اجلغرايف‪ ،‬الفيزايئي‪ ،‬كانت حبد ذاهتا فكرة متقدمة يف عصره‪ ،‬وذلك ال ابملقارنة مع الرؤية الالهوتية للعامل‬
‫فحسب‪ ،‬بل أيضا ابملقارنة مع التصورات العقالنية اليت استنبطت قبليا الوجود االجتماعي من " خصائص‬
‫اإلنسان الطبيعية‪."".‬‬

‫‪ -‬غري أن روح األمة‪ ،‬يف نظر مونتيسكيو‪ ،‬ال حتددها عوامل طبيعية فحسب‪ .‬فاملعايري االجتماعية املستتبة لدى‬
‫قوم أو آخر تصبح بدورها قوة تؤثر يف روح األمة‪ :‬كتب مونتيسكيو ‪:‬‬

‫" ه نالك مجلة من األمور تتحكم ابلبشر‪ :‬املناخ‪ ،‬والدين‪ ،‬والقوانني‪ ،‬ومبادئ احلكم‪ ،‬وعرب أحداث املاضي‪،‬‬
‫والعادات‪ ،‬وما ينجم عنها من كيفيات خاصة يف تكوين العقلية العامة‪."".‬‬

‫‪59‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬تعود نظرية أتثري العوامل اجلغرافية على احلياة االجتماعية إىل أبقراط (ق الرابع ق‪.‬م)‪.‬غري أهنا كبناء نظري قوي‪،‬‬
‫تعود إىل جان بودان يف كتاب يف اجلمهورية‪ ،‬خالل القرن السادس عشر‪ .‬وقد كان أتثريه قواي على آراء‬
‫مونتيسكيو يف هذا اإلطار‪...‬‬

‫‪ -‬كان مونتيسكيو يف الواقع أبرز ممثلي مذهب املساومة السياسية‪ ،‬إن مل نقل املمثل الكبري األوحد هلذا املذهب‪.‬‬
‫فقد كتب يقول ‪'' :‬إن اخلري السياسي مثل اخلري األخالقي‪ ،‬ينحصر دوما بني حدين‪ .".‬والناس يتكيفون مع‬
‫املواقف الوسطية أبفضل مما يتكيفون مع املواقف املتطرفة‪ ،‬وهلذا السبب ينبغي أ ‪ ':‬يتحلى املشرع بروح‬
‫االعتدال‪ .".‬ويؤكد مونتيسكيو أنه قد كرس جوهر كتابه إلثبات هذه األطروحة والربهنة على صحتها‪....‬‬

‫‪ -‬إن أتمالت مونتيسكيو حول روح الشعب‪ ،‬والعوامل احملددة هلا‪ ،‬وحول تنوع األشكال السياسية واالجتماعية‪،‬‬
‫متهد السبيل لتربيره لضرورة تكيف املشرع مع العالقات القائمة لدى كل شعب من الشعوب‪...‬وال يرتكز اهتمامه‬
‫على معرفة أي شكل من هذه األشكال هو األفضل‪ ،‬بل على معرفة كيف ميكن احلصول على أفضل النتائج‬
‫ضمن هذه احلدود‪...‬‬

‫‪ -‬وهلذا السبب نستطيع أن جند بيسر‪ ،‬يف كمية املعلومات املذهلة اليت مجعها يف كتابه‪ ،‬حججا تربر أنظمة‬
‫سياسية ابلغة التباين كاجلمهورية الدميقراطية‪ ،‬وامللكية املعتدلة على الطراز االنكليزي‪ ،‬والنظام االستبدادي الذي‬
‫يعتمد على طبقات مغلقة صاحبة امتيازات‪...‬‬

‫‪ -‬مل يهتم مونتيسكيو ابلدين اهتماما خاصا‪ .‬فالدين حبد ذاته مل يثر اهتمامه على اإلطالق‪ .‬وهو ال ينظر إليه بعني‬
‫االهتمام إال بوصفه عامال اجتماعيا‪ ،‬مفيدا أو مضرا‪ ،‬أسوة ابلسياسة أو ابلتجارة‪ .‬وينتمي مونتيسكيو إىل تلك‬
‫الفئة من الناس اليت ال تعتنق الدين السائد ‪'':‬إال من قبيل الالمباالة‪ ،‬على حد تعبريه‪''.‬‬

‫‪ -‬يرى مونتيسكيو أنه ينبغي التحلي أبكرب قدر من التسامح إزاء الدايانت القائمة يف دولة من الدول‪ .‬ويعلن‬
‫مونتيسكيو أن أتثري الدين على السلوك والعادات مسألة أكثر أمهية يف نظره من معرفة ما إذا كان هذا الدين قوميا‬
‫أو ال‪:.‬‬

‫"" إن العقائد األكثر صحة وقدسية قد تسفر عن أوخم العواقب‪ ،‬إذا مل تربط مببادئ اجملتمع‪."".‬‬

‫‪60‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫حىت مسألة وجود هللا‪ ،‬ال يطرحها مونتيسكيو إال من منظور داللتها االجتماعية‪ .‬فهو ال يعري الرباهني الفلسفية‬
‫عن وجود هللا ابال‪،‬ويعلن‪ ،‬نظري ما يفعل فولتري‪ ،‬عن إميانه العميق أبن فكرة هللا ال غىن عنها للحفاظ على النظام‪،‬‬
‫وان اإلميان ابهلل مفيد‪"".‬‬

‫‪ -‬مونتيسكيو‪ ،‬روح الشرائع‬

‫‪61‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬صلة القوانني مبختلف املوجودات‬


‫'''القوانني‪ ،‬يف أوسع معناها‪ ،‬هي العالقات الضرورية املشتقة من طبيعة األشياء‪ ،‬وجلميع املوجودات قوانينها‬
‫من هذه الناحية‪ ،‬فلأللوهية(‪ )1‬قوانينها وللعامل املادي قوانينه‪ ،‬ولألفهام اليت هي أمسى من اإلنسان قوانينها‪،‬‬
‫وللحيواانت قوانينها‪ ،‬ولإلنسان قوانينه‪.‬‬

‫ومن قال ‪ ":‬إن قدرا أعمى أوجد مجيع املعلوالت اليت نبصرها يف العامل"‪ ،‬يكون قد قال حماال عظيما‪ ،‬فأي حمال‬
‫أعظم من قدر أعمى أحدث موجودات مدركة ؟ ‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬يوجد عقل أويل‪ ،‬والقوانني هي الصالت بني هذا العقل وخمتلف املوجودات‪ ،‬وصالت هذه املوجودات‬
‫املختلفة فيما بينها‪.‬‬

‫وهلل صلة ابلكون خالقا وحافظا‪ ،‬والقوانني اليت خلق مبقتضاها هي القوانني اليت حيفظ مبوجبها‪.‬وهللا يعمل وفق‬
‫هذه القواعد؛ ألنه يعلمها‪ ،‬وهو يعلمها‪ ،‬ألنه صنعها‪ ،‬وهو صنعها لعالقتها حبكمته وقدرته‪.‬‬

‫ومبا أننا نرى بقاء دوام العامل املوجد حبركة املادة واخلايل من اإلدراك وجب أن تكون حلركاته قوانني اثبتة‪ ،‬وإذا ما‬
‫أمكن تصور عامل غري هذا‪ ،‬وجب أن تكون له قواعد اثبتة ‪،‬وإال تالشى ‪.‬‬

‫وهكذا يفرتض التكوين‪ ،‬الذي يلوح أنه عمل مرادي (‪ ()2‬تعسفي)‪ ،‬قواعد اثبتة ثبات قدر املالحدة‪ ،‬ومن‬
‫احملال أن يقال‪ :‬إن اخلالق ميكنه أن يدبر العامل بغري هذه القواعد‪ ،‬مادام العامل ال يدوم بغريها‪.‬‬

‫وهذه القواعد هي عالقة دائمة االستقرار‪ ،‬ومجيع احلركات‪ ،‬بني جرم متحرك وجرم آخر متحرك‪ ،‬تتلقى وتزيد‬
‫وتزول وفق عالئق اجلرم والسرعة‪ ،‬وكل فرد اطراد‪ ،‬وكل حتول ثبات‪.‬‬

‫وقد يكون للموجودات اخلاصة املدركة قوانني وضعتها‪ ،‬ولكن هلا أيضا قوانني مل تضعها‪ ،‬وقد كانت املوجودات‬
‫املدركة ممكنة قبل أن تكون‪ ،‬وقد كان هلا إذن عالئق ممكنة‪،‬ومن مث كانت هلا قوانني ممكنة‪ ،‬وقد كانت توجد‬
‫عالئق ممكنة قبل وجود قوانني موضوعة‪ ،‬فالقول بعدم وجود عدل أو جور غري ما أتمر به القوانني الوضعية أو‬
‫تنهى عنه‪ ،‬هو قول بعدم تساوي مجيع أنصاف قطر الدائرة قبل رمسها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫ولذا‪ ،‬جيب االعرتاف بوجود عالئق إنصاف أقدم من القانون الوضعي الذي شرعها‪ ،‬وذلك مثال‪،‬أن من العدل‬
‫أن خيضع لقوانني جمتمعات الناس عند وجودها‪،‬وأنه إذا ما وجدت موجودات مدركة تلقت خريا من موجود آخر‬
‫وجب عليها أن تشكر له ذلك‪ ،‬وأنه إذا ما خلق موجود مدرك موجودا مدركا‪ ،‬وجب على املخلوق أن يقيم على‬
‫ما كان من خضوعه منذ أصله‪ ،‬وأن املوجود املدرك إذا ما اعتدى على موجود مدرك‪ ،‬فانه يستحق أن ينال مثلما‬
‫صنع من شر‪ ،‬وهلم جرا‪...‬‬

‫ولكن جيب أن حيسن تدبري العامل املدرك كتدبري العامل الطبيعي؛ وذلك ألن العامل املدرك‪ ،‬وان كانت له قوانينه‬
‫الثابتة بطبيعتها‪ ،‬ال يتبعه ابستمرار كما يتبع العامل الطبيعي قوانينه؛ وذلك ألن املوجودات املدركة اخلاصة حمدودة‬
‫العقل بطبيعتها‪ ،‬ومن مث تراها عرضة للخطأ‪ ،‬مث إن من طبيعتها أن تسري بنفسها‪ ،‬وهي ال تداوم إذن‪ ،‬على إتباع‬
‫قوانينها الفطرية‪ ،‬حىت إهنا ال تلزم دائما ما تتخذ من قوانني‪.‬‬

‫وال يعرف هل تسري احليواانت بقوانني احلركة العامة أو حبركة خاصة‪ ،‬ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإهنا مل تكن مع‬
‫الرب على صلة أوثق مما عليه بقية العامل املادي‪ ،‬وال ينفعها الشعور يف غري ما بينها من عالقة‪ ،‬أو يف عالقتها مع‬
‫موجودات خاصة أخرى أو مع نفسها‪.‬‬

‫وهي حتافظ على كياهنا اخلاص وعلى جنسها مبيل إىل اللذة‪ ،‬وهلا قوانني طبيعية الحتادها ابلشعور‪ ،‬وليس هلا‬
‫قوانني وضعية مطلقا لعدم احتادها ابملعرفة مطلقا‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فإهنا ال تتبع قوانينها إتباعا ال يتغري‪ ،‬وأحسن منها‬
‫إتباعا لذلك‪ ،‬النبااتت اليت ال نالحظ فيها معرفة وال شعورا‪.‬‬

‫وليس لدى احليواانت ما عندان من املتع العليا‪ ،‬وعندها ما ليس لدينا‪،‬فليس لديها آمالنا أبدا‪ ،‬ولكن ليس‬
‫عندها خماوفنا أبدا‪ ،‬وهي نعاين املوت مثلنا‪ ،‬ولكن من غري أن تعرفه‪ ،‬حىت أن أكثرها حيفظ نفسه أحسن مما‬
‫حنفظ‪ ،‬فهي ال تسيء استعمال شهواهتا مبقدار ما نسيء‪.‬‬

‫واإلنسان‪ ،‬موجودا طبيعيا‪ ،‬مسري بقوانني اثبتة كاألجرام األخرى‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬موجودا مدركا‪ ،‬ينقض بال انقطاع‬
‫ما شرع هللا من القوانني ‪ ،‬وهو يغري القوانني اليت يضعها بنفسه‪ ،‬وعلى اإلنسان أن يدبر نفسه‪ ،‬ومع ذلك فهو‬
‫كائن حمدود اإلدراك‪ ،‬فهو عرضة للجهل واخلطأ كجميع األفهام القاصرة‪ ،‬وما لديه من معارف ضعيفة يفقده‬
‫أيضا؛ أي ‪ :‬يكون موضعا أللف من األهواء مثل خملوق حساس‪ ،‬وأمكن موجودا كهذا أن ينسى خالقه يف كل‬
‫حني‪ ،‬فدعاه هللا إليه بقوانني الدين‪ ،‬وأمكن موجودا كهذا أن يغفل عن نفسه يف كل حني‪ ،‬فأيقظه الفالسفة‬

‫‪63‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫بقوانني األخالق‪ ،‬وأمكن اإلنسان املفطور على العيش يف اجملتمع‪ ،‬أن ينسى اآلخرين فيه‪ ،‬فرده املشرتعون إىل‬
‫واجباته ابلقوانني السياسية واملدنية‪'''.....‬‬

‫‪ -‬روح الشرائع‪ ،‬ترمجة عادل زعيرت‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬ص‪.‬ص‪.51-49 .‬‬

‫‪ -‬يعترب الفيلسوف املاركسي املعاصر لويس ألتوسري أن مونتيسكيو مل يكن فقط من املراجع الفكرية التأسيسية اليت‬
‫قامت عليها األنوار‪ ،‬وابلتايل الثورة الفرنسية فيما بعد سنة ‪ ،1789‬بل أيضا مؤسسا ملنهج جديد على أسس‬
‫ابستمولوجية جديدة‪ .‬لقد امتلك مونتيسكيو يف نظره تصورا متقدما عن حقلي السياسة والتاريخ من منظور علمي‬
‫جتاوز به معاصريه‪.‬‬

‫‪ -‬كتب ألتوسري ‪:‬‬

‫'' هذا هو موضوع مونتيسكيو متاما حيث يقول عن روح الشرائع ‪:‬‬

‫' إن هذا العمل يتخذ الشرائع موضوعا له وكذلك العادات والتقاليد املختلفة جلميع شعوب األرض‪ .‬ميكن القول‬
‫أن هذا املوضوع واسع جدا ألنه يشمل كل الدساتري اليت تقبلها الناس‪ .''.‬هذا اهلدف ابلضبط هو الذي مييزه عن‬
‫مجيع املؤلفني الذين حاولوا قبله جعل السياسة علما‪ ،‬إذ مل يسبق أن جترأ أحد قبله على التفكري "" يف عادات كل‬
‫شعوب األرض وشرائعهم‪."".‬‬

‫إن اتريخ ''بوسويه'' يدعي الشمولية‪ :‬لكن مشوليته تكمن يف القول أبن ''التوراة'' قالت كل شيء‪ ،‬وأن التاريخ‬
‫كله يتعلق هبا‪ ،‬كشجرة البلوط بثمرهتا‪ .‬أما ابلنسبة للمنظرين أمثال''هوبز'' و''سبينوزا'' و'' غروتيوس'' فإهنم‬
‫"يقرتحون" ابألحرى فكرة علم لن يقيموه‪ .‬إهنم ال يفكرون بكلية الوقائع العيانية بل ببعضها ( كشأن سبينوزا مع‬
‫الدولة اليهودية وإيديولوجيتها يف ' رسالة يف الالهوت والسياسة)‪ ،‬أو أهنم يفكرون ابجملتمع عامة‪ ،‬أو ب''اجملتمع‬
‫عموما'' مثل هوبز يف ' 'دي سيفا'' و''الليفيااتن''‪ ،‬وكحال سبينوزا نفسه يف ''املبحث السياسي''‪.‬‬

‫إهنم ال يضعون نظرية عن التاريخ الواقعي بل ينشئون نظرية عن ماهية اجملتمع‪ .‬إهنم ال يفسرون جمتمعا خاصا‬
‫بعينه وال حقبة اترخيية ملموسة بعينها‪ ،‬وال بوجه أوىل الكل االجتماعي والتارخيي‪ .‬إهنم حيللون ماهية اجملتمع‬
‫ويقدمون منوذجا مثاليا وجمردا عنه‪ .‬وميكننا القول‪ :‬إن عملهم منفصل عن علم مونتيسكيو بنفس املسافة الفاصلة‬
‫‪64‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫بني الفيزيقا التأملية للديكارتيني والفيزيقا التجريبية للنيوتونيني‪ .‬األوىل تبلغ مباشرة حقيقة كافة الوقائع الفيزيقية‬
‫املمكنة قبليا‪ ،‬وذلك ابالستناد إىل ماهيات أو طبائع بسيطة‪ ،‬واألخرى تنطلق من الوقائع مراقبة حتوالهتا‬
‫لتستخلص منها قوانني‪ .‬إذن ‪،‬هذا التباين يف املوضوع يؤدي إىل ثورة يف املنهج‪ .‬فان مل يكن مونتيسكيو هو أول‬
‫من قدم فكرة فيزيقا اجتماعية‪ ،‬فهو أول من أراد إضفاء روح الفيزيقا اجلديدة عليها واالنطالق ليس من املاهيات‬
‫بل من الوقائع‪ ،‬واستخالص القوانني من هذه الوقائع‪.‬‬

‫إننا نرى إذن يف آن واحد ما جيمع مونتيسكيو ابملنظرين الذين سبقوه وما مييزه عنهم‪ .‬انه يشرتك معهم يف‬
‫املشروع نفسه‪ :‬بناء العلم السياسي‪ .‬لكنه خيتلف عنهم يف املوضوع ألنه ال يتنطح إلنشاء علم عن اجملتمع عموما‪،‬‬
‫بل لكل اجملتمعات املتجسدة يف التاريخ‪ .‬وبسبب من هذه الواقعة‪ ،‬فانه '' ال يتبع املنهج نفسه''‪ ،‬فلم يكن يريد‬
‫القبض على املاهيات‪ ،‬بل اكتشاف القوانني‪ .‬هذه الوحدة يف املشروع وهذا االختالف يف املوضوع واملنهج جيعالن‬
‫من مونتيسكيو الرجل الذي أعطى املتطلبات العلمية لسابقيه الشكل األكثر صرامة ودقة واخلصم األكثر تعنتا ل‬
‫'' جتريدهم'' يف الوقت نفسه‪.‬‬

‫إن مشروع إنشاء علم للسياسة والتاريخ يفرتض أوال أن السياسة والتاريخ ميكن أن يكوان موضوعا لعلم‪ ،‬أي‬
‫يتضمننا ضرورة يود العلم اكتشافها‪ .‬فالبد عندئذ من قلب الفكرة الريبية اليت ال ترى يف اتريخ اإلنسانية سوى‬
‫اتريخ أخطاءها وضالهلا‪ ،‬وأنه إبمكان مبدأ وحيد توحيد تنوع العادات اهلائل والداعي لليأس ‪ :‬ضعف اإلنسان‪،‬‬
‫وأنه إبمكان سبب واحد إيضاح هذه الفوضى الالمتناهية ‪ :‬اختالل العقل اإلنساين ابلذات‪'' .‬‬

‫‪-‬لوي ألتوسري‪ ،‬مونتيسكيو‪ :‬السياسة والتاريخ‪ ،‬ترمجة اندر ذكرى‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬بريوت ‪ ،2006‬ص‪.‬ص ‪-13‬‬
‫‪.15‬‬

‫‪-‬جان جاك روسو( ‪)1778-1712‬‬


‫‪ -‬يعترب جان جاك روسو من أملع فالسفة ومفكري عصر األنوار الفرنسي‪ .‬ويعترب كتابه‪ '':‬يف العقد االجتماعي''‬
‫مرجعا يف احلقوق السياسية لألزمنة احلديثة واملعاصرة كلها‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬جاء يف مقدمة كتاب'' العقد االجتماعي'' بقلم املرتجم عادل زعيرت ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬حني كان روسو ابنا للسابعة والثالثني(‪ )1749‬نشرت أكادميية دجيون إعالن مسابقة يف موضوع‪ "" :‬هل أدى‬
‫تقدم العلوم والفنون إىل إفساد األخالق‪ ،‬أم إىل إصالحها ؟"" وكان صديقه ديدرو يف سجن فانسني وقتئذ‬
‫بسبب'' رسالته عن العميان''‪ ،‬فاطلع على ذلك اإلعالن حني ذهابه إىل زايرته‪ ،‬فعن له يف الطريق أن يشرتك يف‬
‫املسابقة‪ ،‬ويكلم ديدرو يف األمر فيشري عليه ابلتزام جانب إفساد العلوم والفنون لألخالق؛ ملا يف هذه من طرافة‬
‫وتوجيه نظر‪ ،‬وملا ينطوي التزام جانب إصالحهما لألخالق من ابتذال‪.‬‬

‫‪ -‬أعمل روسو ذهنه ومجع قواه‪ ،‬وكتب يف املوضوع فأقام الدليل على أن العلوم والفنون أفسدت األخالق‪،‬‬
‫وأوجبت شقاء اإلنسان‪ ،‬وادعى أن الرتف واحلضارة من نتائج العلوم والفنون‪ ،‬وأهنما علة فساد األخالق؛ فقال‬
‫ابلرجوع إىل احلالة الطبيعية‪ ،‬ومما ذهب إليه يف تلك الرسالة كون الثقافة أقرب إىل الشر منها إىل اخلري‪ ،‬وكون‬
‫التفكري مناقضا لطبيعة اإلنسان‪ ،‬وكون الفضيلة واألمانة والصدق ال أثر هلا يف غري احلال الطبيعية؛ حيث ال علوم‬
‫وال فنون‪ ..‬وكتب روسو رسالته تلك بقلم حار وعاطفة جارفة‪ ،‬فجاءت مبتكرة يف جمتمع بلغ الغاية يف املدنية‪،‬‬
‫خمالفة ملا عليه اجلمهور‪ ،‬فنال روسو هبا اجلائزة‪.‬‬

‫‪ -‬يعد روسو يف رسالته تلك كاحملامي الذي يلتزم طرفا واحدا يف املرافعات‪ ،‬فيصعب تصديق جديته يف متثيل‬
‫دورهن ولذلك ال تتجلى أمهية رسالته يف اشتماهلا على مذهب اجيايب‪ ،‬بل يف كوهنا مفتاحا لنشوء روسو الذهين‪،‬‬
‫ويف كوهنا مرحلة مؤدية إىل ''العقد االجتماعي''‪ .‬فالواقع أن هذه الرسالة حتتوي أصل مذهب روسو وعقيدته‪،‬‬
‫ومنها تعلم عداوته للرتف واملدنية ونظام الطبقات‪ ،‬كما يعلم منها دفاعه عن احلرية‪.‬‬

‫‪ -‬يف سنة ‪ 1753‬أعلنت أكادميية دجيون مسابقة أخرى عنواهنا ‪ '' :‬ما أصل التفاوت بني الناس؟ وهل أجازه‬
‫القانون الطبيعي ؟'' ويشرتك روسو يف املسابقة؛ ملا القى من جناح يف األوىل‪ ،‬ولكنه مل ينل اجلائزة؛ لشدة محله على‬
‫االستبداد‪....‬‬

‫‪-‬تدل كلمة‪':‬الطبيعة' (يف املقال الذي شارك به روسو) على تطور كبري‪ ،‬فال يعارض هبا روسو شرور اجملتمع‬
‫معارضة فارغة‪ ،‬بل تنطوي على أمور اجيابية‪ ،‬فرتى نصف ''أصل التفاوت'' يشتمل على وصف خيايل حلال‬
‫الطبيعة اليت يكون اإلنسان فيها حمصورا ضمن أضيق جمال مع قليل احتياج إىل أمثاله‪ ،‬وقليل اكرتاث ملا وراء‬
‫احتياجات الساعة احلاضرة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬ويف هذه الرسالة يصرح روسو أبنه ال يفرتض وجود احلال الطبيعية فعال‪ ،‬وإمنا يستحسن حاال من اهلمجية‬
‫متوسطة بني احلال الطبيعية واحلال االجتماعية حيافظ هبا الناس على البساطة ومنافع الطبيعة‪....‬ويظهر من‬
‫تعليقات روسو على منت الرسالة أنه ال يريد رجوع اجملتمع الفاسد احلاضر إىل حال الطبيعة‪ ،‬وإمنا يعد اجملتمع أمرا‬
‫ال مفر منه مع فساده‪ ....‬وهو يعلل هذا الفساد ابلتفاوت بني أفراد اجملتمع يف املعامالت واحلقوق‪ ،‬فيتغىن‬
‫ابإلنسان الطبيعي الطاهر‪،‬ويقول بتلك احلال املتوسطة؛ حيث تسود املساواة‪...‬‬

‫‪ -‬سنة ‪ 1755‬نشر روسو كتابه اآلخر‪ '':‬رسالة االقتصاد السياسي''‪.‬‬

‫‪ -‬بدأ روسو هذه الرسالة مبناقشة حول طبيعة الدولة وإمكان التوفيق بني وجودها وحرية اإلنسان‪ ،‬فرأى أن الدولة‬
‫هيئة هتدف إىل سعادة مجيع أعضاءها‪ ،‬وجعل مجيع وجهات نظره يف اجلباية اتبعا هلذا اهلدف‪ ،‬وذهب إىل أن‬
‫الكماليات وحدها هي ما جيب أن يكون اتبعا للضرائب‪....،‬‬

‫‪ -‬مل تشتمل رسالة‪':‬االقتصاد السياسي' على كثري من مباحث االقتصاد املعروفة‪ ،‬بل حتتوي آراء روسو السياسية‬
‫إمجاال‪ ،‬وقد وضعها أايم عمت اجملاعة فرنسا‪ ،‬فكان الفقراء ميوتون عن احتياج‪ ،‬على حني يتمتع األغنياء أبطايب‬
‫النعم وضروب الرتف‪.‬وقسم 'االقتصاد السياسي' األول هو أكثر ما يستوقف النظر؛ فهو يهدم ما يبالغ فيه غالبا‬
‫من املقابلة بني الدولة واألسرة‪ ،‬فيذهب إىل أن الدولة ليست ذات طبيعة أبوية‪ ،‬وـأهنا تقوم على إرادة أعضائها‬
‫العامة‪.‬‬

‫‪ -‬ظهر كتاب‪ ':‬العقد االجتماعي' مع كتاب ‪'':‬إميل'' سنة ‪ ،1762‬فدل بذلك على بلوغه الذروة من عمله‪،‬‬
‫والواقع أن ''العقد االجتماعي'' يشتمل عمليا على نظريته السياسية اإلنشائية كلها‪ ،‬ويدل عنوانه على موضوعه‪،‬‬
‫ويسمى هذا الكتاب '' مبادئ احلقوق السياسية'' أيضا‪ ،‬ويوضح هذا العنوان الثاين العنوان األول‪.‬‬

‫‪... -‬كان روسو جريئا يف كل ما أبداه فيه‪ ،‬ويف هذا الكتاب محل روسو على الرق وعدم املساواة‪ ،‬وانضل عن‬
‫حقوق اإلنسان وأقامها على طبيعة األمور‪ .‬وقال إن هدف كل نظام اجتماعي وسياسي هو حفظ حقوق كل‬
‫فرد‪ ،‬وان الشعب وحده هو صاحب السيادة‪ .‬وكان يهدف إىل النظام اجلمهوري‪ ،‬فتحقق هذا النظام ابلثورة‬
‫الفرنسية بعد ثالثني سنة حني أختذ '' العقد االجتماعي'' إجنيل هذه الثورة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫‪ -‬مل يقل روسو حبكومات زمنه ملنافاهتا للطبيعة‪ ،‬ويقوم مذهبه على كون اإلنسان صاحلا بطبيعته‪ ،‬حمبا للعدل‬
‫والنظام‪ ،‬فأفسده اجمل تمع وجعله ابئسا‪ ،‬واجملتمع سيئ ألنه ال يساوي بني الناس واملنافع‪ ،‬والتملك جائر؛ ألنه‬
‫مقتطع من امللك الشائع الذي جيب أن يكون خاصا ابإلنسانية وحدها‪ ،‬فيجب أن يقضى على اجملتمع إذن‪ ،‬وأن‬
‫يرجع إىل الطبيعة‪ ،‬وهنالك يتفق الناس بعقد اجتماعي على إقامة جمتمع يرضى به اجلميع‪ ،‬فيقيمون بذلك حكومة‬
‫متنح اجلميع ذات احلقوق‪ ،‬فتقوم سيادة الشعب مقام سيادة امللك‪ ،‬ويتساوى فيها الناس وتنظم الثروة والرتبية‬
‫والداينة‪...‬‬

‫‪ -‬يف كتاب''إميل'' ظهر روسو الفيلسوف املريب جبانب روسو الفيلسوف االجتماعي‪ ،‬وقد حاول روسو أن يكفر‬
‫يف كتاب 'إميل عن خطيئته جتاه أوالده‪...‬ويعد روسو هبذا الكتاب مؤسس الرتبية احلديثة‪ ،‬ففيه ألقى دروسا ممتعة‬
‫يف تربية األطفال ومذاهب الرتبية والفضيلة واحلياة الزوجية‪.‬‬

‫وقد انل كتاب ''إميل( من بعد الصيت واألثر ما أصبح معه معول علماء الرتبية‪ ،‬حىت أن الفيلسوف األملاين‬
‫كانط أتثر به كثريا‪ ،‬وكانط حينما أخذ يطالعه‪ ،‬أىب مغادرة منزله اىل نزهته اليومية قبل الفراغ من قراءته‪ ،‬وكانط من‬
‫تعلم متسكه بنزهته تلكن وعدم عدوله عنها إال ألمر جلل‪.‬‬

‫‪ -‬ألف روسو قصة حياته اخلاصة يف ‪'':‬اعرتافاته''‪ ،‬فوضع اجلزء األول منها سنة ‪ ،1766‬وقد ظهر روسو يف هذا‬
‫الكتاب مثال القاضي املؤرخ العادل النزيه‪ ،‬فلم يكتم شيئا من خطيئاته ومل يزد يف حسناته‪ ،‬ومل تنشر هذه‬
‫االعرتافات إال بعد موته‪ ،‬وعليها يعتمد يف ترمجة حياته‪...‬‬

‫‪ -‬مل يعاجل روسو نظم الدول املوجودة‪ ،‬خالفا ملا صنع مونتيسكيو وفولتري‪ ،‬فبينما كان مونتيسكيو وفولتري‪ ،‬اللذان‬
‫مها من أب ناء الطبقة العليا‪ ،‬يقتصران على املطالبة ابإلصالح السياسي والديين وثلم شوكة االستبداد‪ ،‬كان ابن‬
‫الساعي روسو‪ ،‬كان ابن الشعب روسو‪ ،‬الذي قضى شبااب قاسيا‪ ،‬ينتهي آبالمه إىل ضرورة جتديد الدولة واجملتمع‬
‫جتديدا كليا‪ ،‬ومن قول روسو ‪'' :‬مل يهدف مونتيسكيو إىل معاجلة مبادئ احلق السياسي‪ ،‬وإمنا كان يكتفي مبعاجلة‬
‫احلق الوضعي(القانون) للحكومة القائمة‪ ،‬فال ميكن أن يبدو اختالف بني دراستني أكثر من هذا‪ .''.‬ومن مث‬
‫يكون روسو قد متثل موضوعه خمتلفا عن موضوع ''روح الشرائع'' كل االختالف‪.‬‬

‫‪ -‬كتب املؤرخ االسكتلندي الشهري‪ :‬توماس كارليل ‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫''(‪.)...‬لقد وجدت الثورة الفرنسية إجنيلها يف كتاابت روسو‪ ،‬وقد أحدثت آراؤه الشبيهة ابجلنون يف آفات املدنية‪،‬‬
‫وتفضيله عيش املتوحشني على عيش املتمدنني‪ ،‬جنوان فاض يف أحناء فرنسا وغمرها‪'''....‬‬

‫‪ -‬جون جاك روسو‪ :‬امليثاق االجتماعي‬

‫‪ -‬النص ‪:‬‬
‫''' أفرتض انتهاء الناس إىل النقطة اليت تغلبت عندها العوائق الضارة بسالمتهم يف احلال الطبيعية‪ ،‬وذلك عن‬
‫مقاومة فيها‪ ،‬على القوى اليت ميكن كل فرد أن يستعملها للبقاء يف هذه احلال‪ ،‬وهنالك مل تقدر هذه احلال‬
‫االبتدائية على الدوام‪ ،‬وكان اهلالك نصيب اجلنس البشري‪ ،‬إذا مل يغري طراز حياته‪.‬‬

‫والواقع أن الناس‪ ،‬إذا كانوا ال يستطيعون إنتاج قوى جديدة‪ ،‬بل توحيد القوى القائمة وتوجيهها‪ ،‬عاد ال يكون‬
‫لديهم وسائل للبقاء غري أتليفهم‪ ،‬ابلتكتل‪ ،‬مقدارا من القوى ميكنه أن يتغلب على املقاومة وحتريك هذه القوى‬
‫مبحرك واحد وتسيريها متوافقة‪.‬‬

‫وما كان هذا املقدار من القوى لينشأ إال ابتفاق أانس كثريين ‪ ،‬ولكن مبا أن قوة كل إنسان وحريته كانتا أوىل‬
‫الوسائل لسالمته‪ ،‬فكيف يرهنهما من غري أن يضر نفسه وهبمل ما جيب من العناية بشخصه ؟‪ .‬إذا ما ردت هذه‬
‫املعضلة إىل موضوعي أمكن أن يعرب عنها ابلكلمات اآلتية؛ وهي‪'' :‬إجياد شكل لشركة جتري‪ ،‬وحتمي‪ -‬جبميع القوة‬
‫املشرتكة‪ -‬شخص كل مشرتك وأمواله‪ ،‬وإطاعة كل واحد نفسه فقط‪ ،‬وبقاؤه حرا كما يف املاضي مع احتاده‬
‫ابجملموع‪ ،‬فهذه هي املعضلة األساسية اليت حتل ابلعقد االجتماعي‪.‬‬

‫وشروط هذا العقد هي من التحديد بطبيعته ما جيعلها أقل تبديل ابطلة غري ذات عمل‪.‬وهي‪ ،‬على ما حيتمل من‬
‫أنه مل ينطق هبا صراحة قط‪ ،‬واحدة يف كل مكان‪ ،‬مسلم معرتف هبا ضمنا يف كل مكان‪ ،‬فإذا ما نقض امليثاق‬
‫االجتماعي اسرتجع كل واحد حقوقه األوىل واسرتد حريته الطبيعية اليت عدل عنها يف سبيل احلرية العهدية‬
‫الضائعة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫ويرد مجيع هذه الشروط‪ ،‬املفهومة حقا‪ ،‬إىل شرط واحد‪ ،‬وهو بيع كل مشرتك مع مجيع حقوقه يف اجملتمع أبسره‬
‫بيعا شامال‪ ،‬وذلك‪ ،‬أوال‪ ،‬أن الشرط متساو حنو اجلميع ما وهب كل واحد نفسه أبسرها‪ ،‬وأنه ال مصلحة ألحد‬
‫يف جعل الشرط ثقيال على اآلخرين ما كان الشرط متساواي حنو اجلميع‪.‬‬

‫وإذا ما أقصي عن امليثاق االجتماعي‪،‬إذن‪ ،‬ما ليس من جوهره‪ ،‬حصر يف الكلمات اآلتية‪ ،‬وهي ‪'' :‬يضع كل‬
‫واحد منا شخصه ومجيع قوته شركة حتت إدارة اإلرادة العامة ‪ .‬وحنن نتلقى‪ -‬كهيئة‪ -‬كل عضو كجزء خفي من‬
‫اجملموع‪.''.‬‬

‫واآلن يؤدي عقد الشركة هذا إىل هيئة معنوية ألبية مؤلفة من أعضاء مبقدار أصوات اجمللس‪ ،‬وذلك بدال من‬
‫الشخصية اخلاصة لكل متعاقد‪ ،‬ومن ذلك العقد تنال هذه اهليئة وحدهتا وذاتيتها املشرتكة وحياهتا وإرادهتا‪ ،‬وكان‬
‫يطلق اسم املدينة على هذا الشخص العام الذي يؤلف‪ ،‬على هذا الوجه‪ ،‬من احتاد مجيع اآلخرين‪ ،‬فيسمى اليوم‬
‫'مجهورية' أو ' هيئة سياسية'‪ ،‬وهي ما يسميه أعضاؤها ''دولة'' إذا كانت منفعلة‪ ،‬و'سيدا' إذا كانت فاعلة‪،‬‬
‫و'سلطاان' إذا ما قيست أبمثاهلا‪ .‬وأما املشرتكون فان اسم ''الشعب'' هو الذي حيملونه ألبيا‪ ،‬ويسمون' مواطنني'‬
‫على وجه اخلصوص‪ ،‬كمشرتكني يف السلطة ذات السيادة‪ ،‬ويسمون 'رعاايه' عن خضوع لقوانني الدولة‪ ،‬غري أن‬
‫بعض هذه األلفاظ خيتلط ببعض يف الغالب‪ ،‬ويتخذ أحدها للتعبري عن آخر‪ ،‬فيكفي أن يعرف متييز بعضها من‬
‫بعض عند استعماهلا مضبوطة متاما‪'''.‬ص‪.‬ص ‪.39-37‬‬

‫‪-‬القانون‪:‬‬

‫‪70‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫'' ابمليثاق االجتماعي منحنا الوجود واحلياة للهيئة السياسية‪ ،‬واآلن جيب علينا أن مننحها احلركة واإلرادة‬
‫ابالشرتاع؛ وذلك ألن العقد االبتدائي الذي أتلفت به هذه اهليئة والتحمت‪ ،‬مل يعني بعد‪ ،‬شيئا مما جيب أن يصنعه‬
‫للبقاء‪.‬‬

‫وما هو حسن مالئم للنظام هو هكذا بطبيعة األمور مستقال عن العهود البشرية‪ ،‬وكل عدل أييت من هللا‪ ،‬وهللا‬
‫وحده هو مصدره‪،‬ولكننا لو كنا نعرف أن نتلقاه من هذا املقام األعلى مل حنتج إىل حكومة‪ ،‬وال إىل قوانني‪ ،‬وال‬
‫ريب يف وجود عدل عام صادر عن العقل وحده‪ ،‬غري أنه جيب أن يكون هذا العدل متبادال؛ ليكون مقبوال بيننا‪،‬‬
‫وإذا نظر إىل األمور من الناحية اإلنسانية وجدت قوانني العدل غري مؤثرة بني الناس من عدم وجود مؤيد طبيعي‪،‬‬
‫فهي جتعل من اخلبيث خريا ومن العادل سوء‪ ،‬وذلك إذا ما راعاها هذا األخري جتاه مجيع العامل من غري أن يراعيها‬
‫أحد جتاهه‪ ،‬فيجب إذن‪ ،‬وجود عهود وقوانني لتوحيد ما بني احلقوق والواجبات ورد العدل إىل غايتهن وال أكون‬
‫يف احلال الطبيعية حيث كل شيء شائع‪ ،‬مدينا بشيء ملن مل أعدهم بشيء وال أعرتف بشيء آلخر غري ما ال‬
‫يكون انفعا يل‪ ،‬وال يكون األمر هكذا يف احلال املدنية حيث تعني مجيع احلقوق ابلقانون‪.‬‬

‫ولكن ما القانون يف آخر األمر إذن ؟ نداوم على الربهنة من غري أن نصل إىل اتفاق ما اكتفينا بربط أفكار‬
‫الهوتية هبذه الكلمة‪ ،‬وحنن إذا ما عرفنا قانوان للطبيعة مل نقرتب من تعريف قانون للدولة‪.‬‬

‫كنت قد قلت انه ال يوجد إرادة عامة حول غرض خاص‪ ،‬واحلق إن هذا الغرض اخلاص إما أن يكون داخل‬
‫الدولة أو خارجها‪ ،‬فإذا كان خارج الدولة مل تكن اإلرادة الغريبة عنه عامة قط ابلنسبة إليه‪ ،‬وإذا كان هذا الغرض‬
‫داخل الدولة‪ ،‬عد جزء منها‪ ،‬وهناك تقوم بني الكل وجزءه عالقة جتعلهما موجودين منفصلني‪ ،‬فيكون اجلزء‬
‫أحدمها ويكون الكل هو اآلخر مع طرح هذا اجلزء منه‪ ،‬بيد أن الكل مع طرح جزء ليس الكل مطلقا‪ ،‬وما دامت‬
‫هذه العالقة موجودة يعود الكل غري موجود‪ ،‬بل يوجد جزءان متفاواتن‪ ،‬ومن مث تعود إرادة أحدمها غري عامة‬
‫ابلنسبة إىل اآلخر‪.‬‬

‫ولكن مجيع الشعب إذا ما سن يف سبيل مجيع الشعب‪ ،‬مل ينظر إىل غري نفسهن فإذا ما تكونت عالقة حينئذ‪،‬‬
‫كان هذا بني وجهتني للغرض كامالن وذلك من غري تقسيم للكل‪ ،‬وهنالك تكون املسألة اليت يسن حوهلا عامة‬
‫كاإلرادة اليت تسن‪ ،‬وهذا العقد هو ما أمسيه قانوان‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫جامعة محمد األول‪-‬الكلية المتعددة التخصصات‪-‬مسلك الفلسفة‪-‬السداسي الرابع‪-‬وحدة الفلسفة السياسية‪-‬‬
‫ذ‪.‬فريد لمريني‪-‬الموسم الجامعي‪2020-2019:‬‬

‫وعندما قلت أن غرض القوانني عام دائما أردت بذلك كون القانون يعد الرعية مجلة والقضااي جمردة‪ ،‬فال‬
‫يكون اإلنسان فردا وال تكون القضية خاصة‪ ،‬وهكذا ميكن القانون أن يقول يف احلقيقة بوجود امتيازات‪ ،‬ولكنه ال‬
‫يستطيع أتن ينعم هبا على شخص ابمسه؛ وميكن القانون أن يقول بعدة طبقات من املواطنني وأن ينصص حىت‬
‫على صفات االنتساب إىل هذه الطبقات‪ ،‬ولكنه ال يستطيع أن يعني هؤالء أو أوالئك األشخاص لينتسبوا إليها‪،‬‬
‫وميكن القانون أن يقول ابحلكومة امللكية واخلالفة الوراثية‪ ،‬ولكنه ال يستطيع انتخاب ملك وال تعيني أسرة مالكة‪،‬‬
‫واخلالصة أن كل وظيفة ذات غرض خاص هي غري خاصة ابلسلطة االشرتاعية مطلقا‪.‬‬

‫وإننا بعد النظر إىل ذلك‪ ،‬نرى من فوران أنه عاد ال ينبغي أن يسأل عمن حيق له وضع القوانني مادامت من‬
‫عمل اإلرادة العامة‪ ،‬وال عن كون األمري فوق القوانني مادام عضوا للدولة‪ ،‬وال عن كون القانون غري عادلن مادام‬
‫اإلنسان ال جيور على نفسه‪ ،‬وال عن كيفية كون اإلنسان حرا وخاضعا للقوانني معا‪ ،‬مادامت القوانني سجالت‬
‫لعزائمنا فقط‪.‬‬

‫وإذ جيمع القانون بني عمومية اإلرادة وعمومية الغرض‪ ،‬كما يرى أيضا‪ ،‬فان الرجل‪ ،‬مهما كان شأهنن ال يعد‬
‫ما يؤمر به قانوان مطلقا‪ ،‬وكذلك ال يعد قانوان ما أيمر به السيد حول موضوع خاص‪ ،‬بل مرسوم‪ ،‬وال يعد عمل‬
‫سيادة‪ ،‬بل عمل حاكمية‪.‬‬

‫وأمسي مجهورية إذن‪ ،‬كل دولة تدار بقوانني مهما كان شكل هذه اإلدارة‪ ،‬وذلك ألن املصلحة العامة هي اليت‬
‫تسود هنالك‪ ،‬وهنالك فقط‪ .‬ويكون األمر العام حقيقة‪ ،‬وكل حكومة شرعية مجهورية‪....‬‬

‫‪72‬‬

You might also like