You are on page 1of 16

‫‪2022 - 2023‬‬

‫القانون الدستوري المعمق‬


‫التنصيب الربملاين للحكومة يف املغرب ومقارنته بفرنسا‬

‫أل‬
‫تحت إشراف ا ستاذ المصطفى منار‬
‫‪:‬من إعداد الطلبة‬
‫‪ -‬فاطمة أحوجيل‬
‫‪ -‬نجاة ليت حميدان‬
‫‪ -‬عبد العزيز الحسني‬

‫تحت إشراف الدكتور صبح هللا الغازي‬


‫التنصيب البرلماني للحكومة بالمغرب ومقارنته بفرنسا‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫تع د مس ألة تنص يب الحكوم ة مس ألة جوهري ة في أي نظ ام برلم اني‪ ،‬لكونه ا األس اس‬
‫الدس توري والق انوني ال ذي يمكن الحكوم ة بع د تش كيلها من ممارس ة مهامه ا وتط بيق‬
‫برنامجه ا ال ذي على أساس ه ح ازت على ثق ة البرلم ان‪ ،‬وهك ذا يكتس ي موض وع تنص يب‬
‫الحكومة من طرف البرلمان أهمية دستورية في النظام السياسي المغربي (‪ )1‬خاصة وأن‬
‫دس تور س نة ‪ 2011‬أدخ ل مجموع ة من المس تجدات ج اءت في الفص ل ‪ 47‬من الدس تور‬
‫ال ذي نص على أن المل ك يعين رئيس الحكوم ة من الح زب المتص در النتخاب ات أعض اء‬
‫مجلس الن واب بينم ا الفص ل ‪ 88‬من ه نص على أن تنص يب ه ذا األخ ير للحكوم ة‪ ،‬ورغم‬
‫المكتس بات ال تي ج اء به ا الدس تور الجدي د الت زال عملي ة تنص يب البرلم ان للحكوم ة تلفه ا‬
‫مجموعة من االختالالت التي تظهر على مستوى التطبيق ‪ ،‬بحيث يتم طرح التساؤل هل‬
‫هناك تنصيب أحادي أم مزدوج (أي يتم من طرف الملك أم البرلمان أو هما معا)‪ ،‬ويمكن‬
‫القول أن نفس التساؤل مطروح بالنسبة للنظام الفرنسي‪ ،‬ولمعالجة هذه اإلشكالية البد من‬
‫معرفة كيفية تنصيب الحكومة سواء في النظام المغربي و نظيره الفرنسي مع تبيان أوجه‬
‫التش ابه واالختالف من خالل م ا نص علي ه دس تور كال البل دين وم ا ج رى العم ل ب ه على‬
‫الصعيد التطبيقي والعملي‪.‬‬

‫وعلي ه سنقس م ه ذا الموض وع إلى مطل بين‪ :‬األول س نتناول في ه عملي ة التنص يب‬
‫البرلماني للحكومة في النظام الدستوري المغربي والثاني سنتطرق فيه إلى أوجه التشابه‬
‫واالختالف بين النظامين‪.‬‬
‫وذلك وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫الموضوع‪ :‬التنصيب البرلماني للحكومة بالمغرب ومقارنته بفرنسا‬

‫مقدمة‬

‫المطلب األول عملية التنصيب البرلماني للحكومة في النظام الدستوري المغربي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسار التاريخي للتنصيب البرلماني للحكومة‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عملية التنصيب البرلماني للحكومة في دستور ‪2011‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه االختالف والتشابه في عملية التنصيب البرلماني للحكومة بين‬
‫المغرب وفرنسا‬

‫الفقرة األولى‪ :‬كيفية تنصيب الحكومة في النظام الدستوري الفرنسي‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أوجه االختالف والتشابه بين النظام المغربي والفرنسي‬

‫خاتمة‬
‫المطلب األول عملية التنصيب البرلماني للحكومة في النظام الدستوري المغربي‬

‫يعت بر التنص يب البرلم اني للحكوم ة آلي ة أساس ية لتعزي ز الت وازن الدس توري بين‬
‫المؤسس ات تتجلى خصوص ا في مراقب ة المؤسس ة التش ريعية لعم ل الحكوم ة(‪ ،)2‬وعلي ه‬
‫سنتناول عملية التنصيب البرلماني للحكومة بالمغرب من خالل الفقرتين التاليتين‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المسار التاريخي لتنصيب الحكومات في المغرب‬

‫أث يرت إش كالية التنص يب البرلم اني ألول م رة في ظ ل دس تور ‪ 1962‬أثن اء ع رض‬

‫حكومة "باحنيني" لبرنامجها على أنظار البرلمان‪ ،‬وبرزت من جديد على إثر إقرار دس تور‬

‫‪ 1992‬بخالف الدساتير الثالثة لسنوات ‪ 1962‬و‪ 1972‬و‪ 1992‬التي كانت تعطي للملك‬

‫وح ده ص الحية تع يين الحكوم ة‪ ،‬رغم أن الفص ل ‪ 59‬من دس تور س نة ‪ 1992‬س مح ألول‬

‫مرة في التاريخ الدستوري المغربي برط تشكيل الحكومة بمناقشة وتصويت مجلس الن واب‬

‫على البرنامج المراد تطبيقه من قبل الحكومة‪)3( .‬‬

‫وه ذا أدى إلى نق اش فقهي بين رأيين‪ :‬األول ي رى أن هن اك ازدواجي ة التنص يب الحك ومي‬

‫بين الملك الذي يعين الحكومة والبرلمان الذي يناقش برنامجها ويصوت عليه‪ ،‬والثاني كان‬

‫يرى أن الملك وحده يملك صالحية تعيين وتنصيب الحكومة‪ ،‬حيث كان يرى هذا االتجاه‬

‫أن المستجدات التي جاءت في دستور ‪ 1992‬لم تؤد إلى أية تغييرات في مراكز السلطة‬

‫التنفيذي ة ح تى نق ول إن هن اك بالفع ل ازدواجي ة في تنص يب الحكوم ة‪ ،‬وه ذا م ا أكدت ه‬

‫الممارسة وخاصة بعد صدور دستور ‪ 1996‬التي ذهبت في اتجاه التنصيب األحادي من‬

‫جانب الملك فقط‪.‬‬


‫لكن المالح ظ على العم وم أن ه من ذ ص دور دس تور س نة ‪ 1996‬لم تع د هن اك س لطة‬

‫مطلق ة للمل ك في مج ال تع يين الحكوم ة حيث أص بح لزام ا حص ولها على تزكي ة البرلم ان‬

‫حيث اعت بر الفص ل ‪ 60‬من الدس تور (‪ )1996‬أن الحكوم ة مس ؤولة أم ام المل ك و أم ام‬

‫البرلم ان وعلى ال وزير األول تق ديم برن امج حكومت ه ال ذي يك ون موض وع مناقش ة أم ام‬

‫المجلس ين( الن واب والمستش ارين) ثم التص ويت علي ه بع دم رفض ه من األغلبي ة المطلق ة‬

‫لألعضاء الذين يؤلفون مجلس النواب كما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل ‪ ،75‬وفي‬

‫حالة سحب الثقة تستقيل الحكومة جماعة حسب الفقرة األخيرة من نفس الفصل ال ذي يحي ل‬

‫عليه الفصل ‪ 60‬عند عدم المصادقة على برنامج الحكومة الذي عرضه الوزير األول ‪.‬‬

‫ويل زم اإلش ارة إلى أن ه ج رى من ذ س نة ‪ 1998‬على تع يين المل ك لشخص ية زعيم‬


‫الح زب ال ذي يتص در االنتخاب ات التش ريعية‪ ،‬فحينه ا عين الس يد عب د الرحم ان اليوس في‬
‫وزي را أوال (الك اتب األول لح زب االتح اد االش تراكي للق وات الش عبية)‪ ،‬وتك رر ه ذا إب ان‬
‫تع يين عب اس الفاس ي (األمين الع ام لح زب االس تقالل) س نة ‪ ،2007‬إال أن س نة ‪2002‬‬
‫عرفت تعيين إدريس جطو كشخصية “تكنوقراط” ما جعل حزب االتحاد االشتراكي يخرج‬
‫مصطلحا سيصبح مطلبا وهو “المنهجية الديمقراطية“‪ ،‬ألن هذا الحزب جاء متصدرا‪ ،‬فإذا‬
‫كان مصطلح المنهجية الديمقراطية مؤطر بهاجس لحظوي يطرحه السياق‪ ،‬فإننا سنجعله‬
‫يفي د أن يتقي د المل ك أثن اء تعيين ه ل رئيس الحكوم ة‪ :‬بنت ائج االنتخاب ات التش ريعية فيعين من‬
‫الح زب المتص در؛ وب احترام م ا أف رزه مجلس ه الوط ني باعتب اره أعلى الهيئ ات التقريري ة‬
‫داخله فيعين زعيم الحزب المنتخب‪ ،‬للمضي نحو ملكية برلمانية‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عملية التنصيب البرلماني للحكومة في دستور ‪2011‬‬

‫جاء دستور سنة ‪ 2011‬لتكريس قواعد ومفاهيم جديدة في مجال تنصيب الحكومة‪،‬‬
‫حيث نص على نظ ام الملكي ة البرلماني ة‪ ،‬ف أقر بتع يين رئيس الحكوم ة من داخ ل الح زب‬
‫السياسي المتصدر لالنتخابات التشريعية (مجلس النواب)‪ ،‬كما تم استعمال مفهوم التنصيب‬
‫مقرون ا بمفه وم الثق ة البرلماني ة‪ ،‬فق د نص الفص ل ‪ 88‬على "يتق دم رئيس الحكوم ة أم ام‬
‫مجلسي البرلمان مجتمعين‪ ،‬ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه… يكون البرنامج المشار‬
‫إليه أعاله‪ ،‬موضوع مناقشة أمام كال المجلسين‪ ،‬يعقبه تصويت في مجلس النواب‪ ،‬تعتبر‬
‫الحكوم ة منص بة بع د حص ولها على ثق ة مجلس الن واب‪ ،‬المع بر عنه ا بتص ويت األغلبي ة‬
‫المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم‪ ،‬لصالح البرنامج الحكومي"‪.‬‬

‫ك ل ه ذه االعتب ارات دفعت العدي د من المختص ين إلى اعتب ار التنص يب البرلم اني‬
‫شرطا أساسيا في التشكيل النهائي للحكومة‪)4( .‬‬

‫وعلي ه الب د من التط رق إلى مقتض يات الفص ل ‪ 47‬من الدس تور الح الي فيم ا يخص‬
‫تعيين رئيس الحكومة‬

‫ينص الفص ل ‪ 47‬من دس تور ‪ 2011‬في فقرت ه األولى على أن‪" :‬المل ك يعين رئيس‬

‫الحكوم ة من الح زب السياس ي ال ذي تص در انتخاب ات أعض اء مجلس الن واب وعلى أس اس‬

‫نتائجها"‪.‬‬

‫مما يفيد أن سلطة التعيين تبقى اختصاصا خالصا للملك ومجاال محفوظا له‪ ،‬وليس‬
‫لغ يره ح ق اختي ار أو تع يين رئيس الحكوم ة‪ ،‬وإ ن ك ان ه ذا االختي ار مش روطا بض رورة‬
‫انتماء هذا األخير للحزب المتصدر النتخابات مجلس النواب وعلى أساس نتائجها‪.‬‬

‫كما أن الصيغة التي جاءت بها هذه الفقرة من الفصل ‪ 47‬لم تحدد من هو الشخص‬
‫المع ني به ذا التع يين‪ ،‬مم ا يفي د على أن للمل ك س لطة تقديري ة في اختي ار ه ذا الش خص من‬
‫داخل الحزب دون أن يكون هو بالضرورة زعيما له أو من ضمن قياداته‪.‬‬
‫غ ير أن الفص ل ‪ 47‬من الدس تور ال يتح دث عن رئيس حكوم ة "بالفع ل"‪ ،‬وإ نم ا عن‬
‫رئيس حكوم ة “ب القوة” بتعب ير آخ ر فلن يتح ول رئيس حكوم ة "بالفع ل" إلا "إذا نجح في‬
‫تكوين غالبية وتشكيل حكومة تحظى بتنص يب مجلس النواب كم ا ينص على ذلك الفصل‬
‫‪ 88‬من الدس تور في فقرت ه الثالث ة‪“ :‬تعت بر الحكوم ة منص بة بع د حص ولها على ثق ة مجلس‬
‫النواب المعبر عنها بتصويت األغلبية المطلقة لألعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج‬
‫الحكومي"‬

‫وب الرجوع للتج ارب االنتخابي ة التش ريعية‪ ،‬ال تي عرفه ا المغ رب بع د دخ ول دس تور‬
‫‪ 2011‬ح يز التنفي ذ‪ ،‬نج د أن التع يين انص ب على المس ؤول األول عن الح زب الف ائز‪ ،‬كم ا‬
‫جرى في أول االنتخابات التشريعية التي تم تنظيمها بعد دخول دستور ‪ 2011‬حيز التنفيذ‬
‫بتاريخ ‪ 25‬نونبر ‪ 2011‬التي أفرزت تقدما لحزب العدالة والتنمية‪ ،‬وتم على إثرها تعيين‬
‫عب د اإلل ه بنك يران رئيس ا للحكوم ة في ‪ 3‬ين اير ‪ ،2012‬و تم تعيين ه للم رة الثاني ة وكل ف‬
‫بتشكيل الحكومة بعد فوز العدالة والتنمية بانتخابات ‪ 7‬أكتوبر ‪ ،2016‬مما يسمح بالقول‬
‫بتشكل عرف دستوري لهذا اإلجراء الذي تبنته المؤسسة الملكية والذي يعد بمثابة احترام‬
‫الختي ار القواع د الحزبي ة ال تي انتخبت زعيم ا لحزبه ا‪ ،‬لكن تم الخ روج على ه ذا الع رف‬
‫ومخالفت ه بس بب ع دم اس تطاعة عب د اإلل ه بنك يران تش كيل الحكوم ة وتم إعف اؤه من ط رف‬
‫المل ك وتع يين رئيس حكوم ة آخ ر من نفس الح زب وه و س عد ال دين العثم اني‪ ،‬ويع ود ه ذا‬
‫األمر لمجموعة من العوامل منها عدم دسترة مدة تشكيل الحكومة فرئيس الحكومة غير‬
‫مقيد بمدة زمنية لتشكيل حكومته‪ ،‬فتحديد مدة تشكيل الحكومة ضروري للفاعلين السياس يين‬
‫ي دفعهم لتش كيل تح الف حك ومي في أق رب وقت‪ ،‬ووض ع اس تراتيجيات دقيق ة لت دبير زمن‬
‫المش اورات الحكومي ة‪ ،‬ومن ناحي ة أخ رى تحدي د م دة تش كيل الحكوم ة يقط ع الطري ق أم ام‬
‫ه در ال زمن الحك ومي فيم ا ل و ط ال أم د المش اورات ب دون تحقي ق تق دم في بن اء ائتالف‬
‫حكومي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أوجه االختالف والتشابه في عملية التنصيب البرلماني للحكومة بين‬
‫المغرب وفرنسا‬

‫الفقرة األولى‪ :‬كيفية تنصيب الحكومة في النظام الدستوري الفرنسي‬

‫أوال‪ :‬تنصيب الحكومة في النظام الدستوري الفرنسي‬

‫تنص الم ادة الثامن ة من الدس تور الفرنس ي على م ا يلي "يعين رئيس الجمهوري ة‬
‫الوزير األول وينهي مهامه بناء على تقديم هذا األخير استقالة الحكومة‪ .‬كما يعين أعضاء‬
‫الحكوم ة اآلخ رين وينهي مه امهم بن اء على اق تراح من ال وزير األول " حس ب مقتض يات‬
‫ه ذه الم ادة ف إن رئيس الجمهوري ة ه و من يعين ال وزير األول أي ه و المخول ل ه دستوريا‬
‫هذا التعيين بدون قيد أو شرط وبالتالي فهذه المسألة ال تثير أي إشكاالت‪ ،‬وهو الذي يقيله‬
‫بع د تق ديم اس تقالة الحكوم ة إلي ه‪ ،‬كم ا يعين أعض اء الحكوم ة ب اقتراح من ال وزير األول‬
‫وينهي مه امهم بن اء على اق تراح ال وزير األول أيض ا‪ ،‬فس لطة التع يين ال تش مل إال ال وزير‬
‫األول‪ ،‬في حين أن ب اقي أعض اء الحكوم ة ال يس تطيع أن يعينهم أو يقيلهم إال بن اء على‬
‫اقتراح الوزير األول‪ ،‬كما أن المادة الثامنة ال تشير إلى المشاورات االعتيادية كالتي كانت‬
‫في عه د الجمهوري تين الثالث ة والرابع ة ال تي ك ان يق وم به ا رئيس الجمهوري ة م ع رؤس اء‬
‫الكتل البرلمانية‪)5(.‬‬

‫لكن المادة ‪ 49‬من الدستور التي تنص على "يحرك الوزير األول‪ ،‬بعد مداولة مجلس‬
‫الوزراء‪ ،‬مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية عن برنامجها أو عند االقتضاء عن بيان‬
‫السياسة العامة"‬

‫فهي مث ار الج دال الق ائم بين الفقه اء في فرنس ا‪ ،‬ال ذي يتمح ور ح ول إمكاني ة اعتب ار‬
‫الحكوم ة ملزم ة بطلب الثق ة من البرلم ان بع د تعيينه ا من ط رف رئيس الدول ة أم ال‪ ،‬إذ‬
‫ي ذهب البعض إلى أن الحكوم ة غ ير مقي دة عن د تش كيلها بع رض البرن امج الحك ومي على‬
‫الجمعية الوطنية‪ ،‬وإ نما تبقى السلطة التقديرية في طلب ثقة البرلمان من عدمه رهينة بها‪،‬‬
‫هذا في الوقت الذي يقول البعض(‪ ،)6‬بض رورة ع رض الحكوم ة لبرنامجه ا على الجمعي ة‬
‫الوطنية‪.‬‬

‫ومن أنصار التنصيب األحادي نجد "جورج بوردو" ‪ G.Burdeau‬الذي يقول أن‬
‫الحكومة غير ملزمة بطرح مسألة الثقة على الجمعية الوطنية بخصوص برنامجه ا‪ ،‬مبررا‬
‫ذل ك بك ون الفق رة األولى من الم ادة ‪ 49‬من الدس تور الفرنس ي لس نة ‪ ،1958‬ق د اس تعملت‬
‫عبارة "ربط الحكومة مسؤوليتها" وليس عبارة "مسألة الثقة" التي كانت في دستور ‪،1946‬‬
‫معتبرا أن هذا الغموض في الصياغة يؤكد أن المفترض في النظام الدستوري الفرنسي هو‬
‫تمت ع الحكوم ة مب دئيا بثق ة الجمعي ة الوطني ة بمج رد تعيينه ا‪ ،‬لك ون المش رع الدس توري‬
‫الفرنس ي لم يخص ص م ادة مس تقلة لمس ألة الثق ة وم ادة أخ رى للملتمس البرلم اني بس حب‬
‫الثقة‪ ،‬كما كان عليه الشأن في دستور الجمهورية الرابعة‪ ،‬وإ نما جمعهما في مادة واحدة‪،‬‬
‫مما يزيد من تأكيد الموقف‪.‬‬

‫في حين يذهب فقيه آخر وهو "الفروف" ‪ D.G lavroff‬بعدم وجود أي مقتضى في‬
‫الدستور يل زم الحكوم ة بع رض برنامجه ا على الجمعي ة الوطني ة أو بإث ارة مس ؤوليتها به ذا‬
‫الخصوص إال إذا دعت الضرورة إلى ذلك‪ ،‬إذ أن الممارسة القديمة للتنصيب تم اس تبعادها‬
‫بص فة كلي ة‪ ،‬في حين يتحجج "ش ارل ديب اش" ‪ Ch.Debbach‬بغم وض الفق رة األولى من‬
‫الم ادة ‪ 49‬من الدس تور الفرنس ي المتمث ل في ع دم إح داثها الل تزام واض ح به ذا الش أن‬
‫موضحا في نفس الوقت أنه في حالة إنشاء هذا االلتزام فإنه سيظل بدون جزاء‪.‬‬
‫إن مختل ف اآلراء الس ابقة الذكر‪ ،‬انطلقت من تحلي ل الفق رة األولى من الم ادة ‪ 49‬من‬
‫دستور الجمهورية الخامسة الصادر سنة ‪ ،1958‬لتستدل على كون الحكومة غير ملزمة‬
‫بعرض برنامجها على الجمعية الوطنية بمجرد تعيينها وال بإثارة مسؤوليتها‪ ،‬إال إذا كانت‬
‫هن اك ض رورة إليه ا‪ ،‬في حين هن اك م بررات اس تند إليه ا الفري ق الآخ ر‪ ،‬ال ذي اعت بر أن‬
‫الحكومة ملزمة بعرض برنامجها على الجمعية الوطنية بمجرد تعيينها ‪ ،‬و من بين أبرز‬
‫المدافعين على هذا الرأي نجد‪" ،‬بيير باكنت" ‪ ،Pierre Pactat‬الذي اعتبر أن المادة ‪49‬‬
‫تض منت في مقتض ياتها التمي يز بين ن وعين من المس ؤولية‪ :‬مس ؤولية البرن امج الحك ومي‪،‬‬
‫وهي إلزامي ة ب دليل أن فع ل "تحم ل" ‪ En Gager‬ال ذي ال يكتس ب قيمت ه اآلم رة إال به ا‪،‬‬
‫ومسؤولية بيان حول السياسة العامة التي هي اختيارية وخاضعة لتقدير الحكومة‪.‬‬

‫وهنا يبرز الكاتب نظريتين‪ :‬األولى‪ ،‬تتمثل في الشكل العادي لسير النظام السياسي‪،‬‬
‫بمع نى أن ال وزير األول ل ه مطل ق الحري ة في ط رح المس ؤولية السياس ية أم ام الجمعي ة‬
‫الوطنية‪ ،‬ألنه مسؤول أمامها ومسألة الثقة تطرح منذ البداية‪ ،‬أما الثانية‪ ،‬فتتمثل في الشكل‬
‫االس تثنائي لس ير النظ ام السياس ي‪ ،‬إذ أن ال وزير األول آن ذاك ال يس تمد ش رعيته من رئيس‬
‫الجمهورية فقط‪ ،‬بل من موافقة أغلبية الجمعية الوطنية أيضا‪ ،‬التي يلتزم بطرح المسؤولية‬
‫السياسية أمامها والتي تعتبر ضرورية لبقائه‪ ،‬أما العميد "أندريه هوريو" فقد ذهب في نفس‬
‫االتجاه القائل ب أن منح الجمعية الوطنية الثقة للحكومة واضحة‪ ،‬ولو أن تأويل المادة ‪49‬‬
‫من ذ س نة ‪ 1966‬وح تى س نة ‪ 1969‬لم يكن يل زم الحكوم ة ال تي تتقل د مهامه ا ح ديثا بطلب‬
‫هذه الثقة‪ ،‬إلى أن الوزير األول يتحمل مسؤولية الحكومة وليس إمكانية تحملها‪.‬‬
‫هذا الخالف الفقهي والنظري‪ ،‬امتد أيضا إلى جانب الممارسة‪ ،‬فالحكومات المتعاقبة‬
‫اختلفت في تعامله ا م ع ه ذه الم ادة‪ ،‬حيث ق امت حكوم ة "بومبي دو" األولى س نة ‪1962‬‬
‫والثاني ة في ‪ 1964‬بع رض برنامجه ا للتص ويت علي ه من قب ل الجمعي ة الوطني ة‪ ،‬في حين‬
‫امتنعت حكومات أخرى عن ذلك‪ ،‬منها حكومة ("كوفي ذي مورفيل"‪" ،‬ميسمير" و "شابان‬
‫دالم اس")‪ ،‬لم ترتب ط مس ؤولية الحكوم ة ببرن امج معين يع رض على الجمعي ة الوطني ة عن د‬
‫بداي ة عمله ا‪ ،‬غ ير أنه ا بع د م رور ال وقت ق امت بع رض تص اريح بالثق ة ح ول سياس تها‬
‫العامة‪.‬‬

‫وعليه ف أغلب الشخصيات التي تقلدت منصب الوزير األول في فرنسا‪ ،‬كانت تعتبر‬
‫اللج وء إلى الفق رة األولى من الم ادة ‪ 49‬من الدس تور‪ ،‬ه و إج راء ي دخل في س لطتهم‬
‫التقديرية‪ ،‬لذلك يرى أحد الباحثين أن مسؤولية الحكومة أمام الجمعية الوطنية‪ ،‬فقدت في‬
‫ظ ل الجمهوري ة الخامس ة معناه ا اإليج ابي عكس م ا ك ان علي ه الح ال خالل الجمهوري ة‬
‫الرابعة‪.‬‬

‫ه ذا فيم ا يخص الفق ه الفرنس ي وكي ف انقس م بين ف ريقين لك ل منهم ا وجه ة نظ ره‬
‫ودالئله‪ ،‬كما سبق توضيح ذلك‪ ،‬إذ هناك من أيد فكرة التنصيب األحادي مستندا في ذلك‬
‫على تحلي ل الم ادة ‪ 49‬من الدس تور الفرنس ي خاص ة فقرته ا األولى‪ ،‬وانطالق ا من نفس‬
‫المادة دافع اآلخرون على رأيهم المؤيد لفكرة التنصيب المزدوج‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أوجه االختالف والتشابه بين النظام المغربي والفرنسي‬

‫مقارن ة م ع النص وص المنظم ة لمس ألة تنص يب الحكوم ة في كال النظ امين المغ ربي‬
‫نج د الم ادة الثامن ة من دس تور الجمهوري ة الخامس ة الفرنس ي تنص على أن رئيس‬
‫الجمهورية هو من يعين الوزير األول ويعفيه من مهامه ويرأس مجلس الوزراء كما جاء‬
‫في المادة التاسعة‪ ،‬في المقابل نجد الفصل ‪ 47‬من الدستور المغربي ينص على أن الملك‬
‫يعين رئيس الحكوم ة من الح زب ال ذي تص در انتخاب ات أعض اء مجلس الن واب وي رأس‬
‫الملك المجلس الوزاري حسب الفصل ‪ 48‬من الدستور المغربي‪.‬‬

‫فاإلطار الدستوري الفرنسي يسمح لرئيس الجمهورية باختيار من يراه مناسبا وأهال‬
‫لثقت ه في منص ب ال وزير األول وأن ه ذا األخ ير يق ترح ال وزراء على رئيس الجمهوري ة‬
‫الذين يعينهم بهدف مباشرة مهامهم وله حق إعفاء الوزير األول من مهامه وكذا الوزراء‬
‫بخالف اإلطار الدستوري المغربي الذي ينص على أن الملك ملزم بتعيين رئيس الحكومة‬
‫من الح زب ال ذي حص ل على المرتب ة األولى في االنتخاب ات التش ريعية ويق ترح ال وزراء‬
‫ال ذين يعين ون أيض ا من ط رف المل ك‪ ،‬فتع يين ال وزير األول من ط رف رئيس الجمهوري ة‬
‫غ ير مرتب ط بحص ول حزب ه ألغلبي ة حزبي ة ب ل يخت ار من ي راه مناس با وف ق منظ وره‬
‫الشخص ي في حين أن رئيس الحكوم ة في المغ رب يعين من ط رف المل ك ويك ون من‬
‫الحزب المتصدر لالنتخابات البرلمانية وإ ن جرت العادة أن يكون هو رئيس الحزب‪ ،‬في‬
‫كال النظ امين ال وزير األول في فرنس ا ورئيس الحكوم ة في المغ رب يقترح ان ب اقي‬
‫ال وزراء ال ذين يتم تع يينهم بع د ذل ك من قب ل رئيس الجمهوري ة في فرنس ا والمل ك في‬
‫المغ رب ‪ ،‬يمكن ل رئيس الجمهوري ة إعف اء ال وزير األول وك ذلك ال وزراء من مه امهم لكن‬
‫في المغرب لم يعد بإمكان الملك إقالة رئيس الحكومة كما تم تقييد سلطته أيضا في إقالة‬
‫الوزراء إال بعد استشارة رئيسها وإ ن كان رأيه غير ملزم للملك‪ ،‬أما بخصوص تنصيب‬
‫الحكوم ة فهن اك خالف في تفس ير منط وق الفق رة األولى من الم ادة ‪ 49‬من الدس تور لس نة‬
‫‪ 1958‬التي استعملت "ربط الحكومة مسؤوليتها" بدل "مسألة الثقة" وهذا ما تم تفصيله في‬
‫الفقرة األولى من هذا المطلب‪ ،‬حيث يوجد اتجاهان هناك من يرى ان التنصيب أحادي أي‬
‫ال دخل للجمعية الوطنية في تنصيب الحكومة باعتبار هذه األخير غير ملزمة عن د تش كيلها‬
‫بتقديم برنامجها لممثلي الشعب وحيازة ثقتهم واالتجاه الثاني يرى بأن الحكومة ملزمة بعد‬
‫تعيينه ا من ط رف رئيس الجمهوري ة بع رض برنامجه ا على الجمعي ة الوطني ة‪ ،‬حيث‬
‫اعتبرت أغلب الشخصيات التي تولت منصب الوزير األول أن اللجوء إلى الفقرة األولى‬
‫من الم ادة ‪ 49‬من الدس تور ه و إج راء ي دخل في س لطتهم التقديري ة أم ا في المغ رب ف إن‬
‫الفصل ‪ 88‬ينص بكل وضوح على ضرورة تنصيب الحكومة من طرف البرلمان "تعتبر‬
‫الحكومة منصبة من بعد حصولها على ثقة مجلس النواب‪ "...‬وبذلك يكون األمر قد حسم‬
‫في ج دال ط ال من ذ س نة ‪ ،1962‬إذا الحكوم ة ال يمكنه ا مباش رة مهامه ا المخول ة له ا‬
‫دس توريا إال بع د حوزته ا لثق ة مجلس الن واب وذل ك بالتص ويت على برنامجه ا المزم ع‬
‫تطبيقه‪)7( .‬‬

‫خاتمة‬

‫لقد أثارت مسألة تعيين وتنصيب الحكومة نقاشات مهمة وكثيرة على مستوى النص‬
‫الدس توري في كال النظ امين المغ ربي والفرنس ي ب النظر إلى تطورهم ا ع بر محط ات‬
‫تاريخي ة مهم ة‪ ،‬فك ل مرحل ة ج اءت بمقتض يات مختلف ة تتالءم م ع س ياقها السياس ي‬
‫واالجتماعي الذي أفرزها‪ ،‬فما تضمنته الوثيقة الدستورية لسنة ‪ 2011‬بدا أوفر حظا من‬
‫غيره ا‪ ،‬من حيث التق دم‪ ،‬إال أن الممارس ة هي من تثبت م دى ق درة الدس تور على ف رض‬
‫نفس ه‪ ،‬ولئن ك ان الدس تور يرب ط تس مية "رئيس الحكوم ة" بنت ائج انتخاب ات مجلس الن واب؛‬
‫فإنه لم يقطع مع ممارسات قد تصنف في خانة "التقاليد"‪ ،‬ومن جهة أخرى فالتنصيب وإ ن‬
‫ك ان الي وم أحادي ا كم ا يحي ل النص‪ ،‬والتع يين ش كلي‪ ،‬إال أن مس ؤولية الحكوم ة ال زالت‬
‫حاضرة وبقوة أمام الملك‪ ،‬الذي يمكنه إعفاء الوزراء بمبادرة منه وإ ن بعد استشارة رئيس‬
‫الحكومة‪،‬‬
‫وعليه فمسألة تعيين رئيس الحكومة الواردة بالفصل ‪ 47‬من الدستور‪ ،‬أفرزت نقاشا‬
‫دستوريا وسياسيا كما حالة التنصيب البرلماني المنصوص عليها بالفصل ‪ ،88‬ولعل هذا‬
‫م ا ي زكي فرض ية تط ور تنص يب الحكوم ة ب المغرب وبالت الي‪ ،‬ففي خض م ك ل م ا س لف‪،‬‬
‫ص ارت إش كالية تع يين وتنص يب الحكوم ة بدس تور ‪ 2011‬تث ير اهتم ام الب احثين‪ ،‬في ظ ل‬
‫نظ ام “ملكي ة دس تورية‪ ،‬ديمقراطي ة‪ ،‬برلماني ة واجتماعي ة” تحظى في ه المؤسس ة الملكي ة‬
‫بصالحيات موسعة في تعيين األداة الحكومية‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى اختالفات في قراءات‬
‫الفصلين ‪ 47‬و‪ 88‬من دستور ‪ 2011‬بصفوف أهل السياسة والفقه الدستوري‪ ،‬كذلك األمر‬
‫في اإلشكاالت التي أثارتها المادة ‪ 49‬من الدستور الفرنسي بين فقهاء القانون الدستوري‪،‬‬
‫لكن مايميزها هو محاوالتها القطيعة مع ما كان من هيمنة السلطة التشريعية التي أدت إلى‬
‫عدم االستقرار الحكومي ‪ ،‬فكان لزاما البحث عن صيغة تبعد الجمعية الوطنية في تقرير‬
‫مصير الحكومة المعين رئيسها من طرف رئيس الجمهورية ‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬

‫‪ -1‬الدكتور عبد النبي كياس باحث في علم السياسة والقانون الدستوري‪ -‬موقع العلوم القانونية‪ ، MarocDroit -‬نشر بتاريخ ‪31‬‬

‫مارس ‪) 2012‬‬

‫‪ -2‬ذ محم د ص الح ب احث بس لك ال دكتوراه تخص ص الق انون الدس توري والعل وم السياس ية – كلي ة الحق وق السويس ي‪-‬موق ع العل وم‬

‫القانونية‪)Maroc Droit-‬‬

‫‪ -3‬أحمد بوز‪-‬هسبريس‪ -23/10/2013 -‬الحكومة بين التعيين الملكي والتصيب البرلماني‬

‫‪ -4‬م قال لألستاذ جواد عبيبي في هسبريس بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر‪ 2021‬صالحيات الحكومة قبل التنصيب البرلماني‪)-‬‬

‫‪ -5‬د‪ .‬محمد أتركين النظام الدستوري والسياسي الفرنسي األنظمة الدستورية الكبرى)‬

‫‪ -6‬الحكومة وتنصيبها في النظام الدستوري المغربي حنان بوقطيب طالبة باحث&&ة في س&&لك ال&&دكتوراه حن&&ان ب&&وقطيب طالب&&ة‬
‫باحثة في سلك الدكتوراه كلية العلوم القانوني&&ة واالقتص&ادية واالجتماعي&&ة وجـدة مرك&&ز ال&رقيم للدراس&ات واألبح&اث العلمي&&ة‬
‫األكاديمية المحكمة)‬

‫‪ -7‬محمد صالح باحث بسلك الدكتوراه تخصص القانون الدستوري –تحصص القانون الدستوري والعلوم السياسية‪ -‬كلية الحقوق‬

‫السويسي)‬

You might also like