Professional Documents
Culture Documents
01 شرح النصف الاول من الجزء الثانى ديوان شراب الوصل
01 شرح النصف الاول من الجزء الثانى ديوان شراب الوصل
2
مقدمـــة الكتاب :
يقول اإلمام الشيخ محمد الشيخ إبراهيم رضى هللا عنه فى آخر خطاباته:
أحبابى فى رسول هللا..
إذا خصصنا من أهل التصوف طريق سيدى أبى العينين نـجد سيدى اإلمام فخر الدين رضى هللا
عنه
يقول فى نظمه الفريد :
فتدارسوها ال قراءة عابر *** مستعبر فيها يفند قولها
كما قال :
العلم غث أو ســــــــــميـ *** ن للقلـــــــوب يخضب
فأرشد (رضى هللا عنه) األمة إلى العلم الراقى الذى يُص ِلح به الفرد أمر دينه ودنياه ،وبدأها لنا من
أول األمر وهى (العقيدة) التى ال يصح للمرء من عم ٍل بغيرها.
وامتدادا ً إلرشاده (رضى هللا عنه) من إلقائه الدروس اليومية فى مختلف العلوم جاءت قصائده
لتهدى العقول:
ِلت َ ْه ِد َيكُـــم ِإ َذا َما اللَّ ْي ُل َج َّن ضا ُء ِب َها ا ْل َح َوا ِلكُ ِم ْن عُجا ٍ
ب تُ َ
إن التدارس يجمع المحبين على مائدة الصفا ،فيأخذهم إلى طريق التسامح ليمحو من طريقهم
عواصف الخالفات ودوامات المشاكل ،ليعصفهم برياح القرب ،فيتفتق القلب عن فقه المعانى الراقية
وتسمو الروح آمنه مطمئنة لتسبح بين أهل الصفا إلى َمن ِمن أجله تنزلت القصائد ،حيث قال (من
أجل إبراهيم بعد رجائه) فكان إلسمه الكريم شرف التنزيل فما بالكم بصاحب اإلسم الميمون ،بل زاد
التخصيص حرمة حين قال (فمن يقبله إبراهيم) من حضرة التكريم الذى (من كفيه صرفا ً تشربون)
فهو ربان السفينة أزال ً أبدا ً بعد إختيار الحضرتين ،ليس بصفته الوارث الحامل لألمانة ،بل ألنها
سنة هللا فى خلقه ولن تجد لسنة هللا تبديالً أو تحويالً .
وقد أشار إلى ذلك سيدى اإلمام فخر الدين (رضى هللا عنه) بقوله:
3
وفينا يكون اإلختالف تعاقب ،أى من إبن إلى إبن اإلبن
فحقا ً كل شىء أحصيناه فى إمام مبين ،وما ُجعل اإلمام إال ليؤتم به ،فكل عام يتجدد بنا اللقاء فى
ذكرى اإلمامين فتتشرف األسماع بأحاديثهم ،وتتعطر األرواح بنفحاتهم ،فهم كرام السوح حقاً:
ما كتاب هللا إال جمعنا *** إنما األحباب آيات به
4
القصيدة ((12
اكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب
ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب
5
بسم هللا الرحمن الرحيم
21أبريل 2891م القصيدة السابعة والعشرون السبت 21رجب 2141هـ
عدد أبياتها ( ) 21
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مناسبتها لما قبلها فى معنى البيت االول من القصيدة (:)12
كم لى بفضل هللا من أيات *** مأثورة وقطوفها كلماتى
أى لى بفضل هللا تعالى الكثير والكثير من اآليات ،واآلية هى الشىء العجيب ،والقرآن الكريم مليئ
بالعجائب والغرائب ،ومن عجائب وغرائب مأثورتى التى آثرنى هللا بها من علوم الحقيقة أوال نور
النبى معلم القرآن ،التى تحمل فى طياتها من الخفايا عن االدراك تعجز من رآها وأخصها بقولى فى
القصيدة (: )18
هى األبيات آيات ولكـــن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــا
فتعطى ما يجود به كريم *** وقد نال الشفاعة من أتاها
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول منها :
أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب
حيث تكرر كلمة ولى إحدى عشر مرة وفى الرقم ( )22اشارة الى الشفع والشفع إنما هو وجود
الحقيقة االحمدية فى الحقيقة المحمدية أى وجود الحقيقتين معا ً فى حالة االثنينية ( .تبرئة الذمة
ص.)9
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى بداية هذه القصيدة :
- 2اكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب
– 1ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب
الشرح والتفصيل :
(أكنى بفخر الدين بين أحبتى )
الفرق بين الكنية واللقب واالسم
6
مصطلح المعرفة يتألف من ثالثة أقسام رئيسية وهو االسم واللقب والكنية ،فاالسم هو الذى يستدل
به على الشىء ويعرف به ،وقد يسبق اسم الع َلم ما يعرف باللقب أو الكنية .فالكنية هو لفظ مركب
يبدأ بـ (أب) أو بـ (أم) مثل أم محمد وأبو أحمد ،وهى تستخدم لتسهيل المناداة وإحتراما ً لمكانة
األشخاص .واللقب يطلق على الشخص من غير إسمه ويكون قد إكتسبه كصفة تنسب اليه ،فاللقب
هو مدح لصفة يتصف بها الشخص ،وااللقاب فى اللغة العربية ممكن ان تكون محمودة أو مذمومة
،ومن االلقاب المذمومة األعمش واألعرج واألعور واالعول وغيرها .
أوال ً :كنية فخر الدين
أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى سماوات الغيوب مناقب
جاء فى القصيدة األولى المسماة بـ (التائية ) فاتحة ديوانه المسمى ( شراب الوصل ) التى يقول فيها
:
2 /27 * يشار إلى بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه {إن مراتب الدين واألعمال فيها مقامات ثالثة وهى :مقام
عبادة ـ مقام عبودية ـ مقام عبوده} ومما يؤيد ذلك قوله رضى هللا عنه فى أول قصائده :
ولى كتب األبــرار أشهد ما بها *** وإنى عبد والعبـاد رعيتى 2 /12
ومن عبث بخس الحقيقة أهلها *** ألنى عبد فى مقام العبودة 2 /21
ومقام العبودة هو محل {القاب والقوس من التدانى} حيث أن محل {أو أدنى} هو مقام خاص بحضرة
النبى صلى هللا عليه وسلم من حيث الروح والجسد ،ومقام {قاب قوسين} يسمى وحدة (عالم األمر)
الذى فيه مجتمع األرواح ،أى موطن تالقى أرواح العباد وينقسم الى حضرتين (حضرة جمع ـ حضرة
جمع الجمع) وفى هذا الموطن يقول فيه رضى هللا عنه :
يُشار إلي بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة
وكنية فخر الدين هى كنية وليست لقبا ً وأشارت اليها القصيدة ( )22بقوله رضى هللا عنه :
كنيت فخر الدين فى الـ **** عليــا ولست ملقبا ً 22 /14
وصارت كنيتى فى الحضرتين حيث طابت لى (مقاماً) أشارت اليها القصيدة ( )22بقوله أيضا ً :
سالم وفخر الدين منك عطية *** بها طاب حيث الحضرتين تسابقى 22 /7
7
وجاء فى كتاب هللا الكريم أن الحق تبارك وتعالى حينما ينادى العظماء من الرسل واألنبياء كان
يناديهم بأسمائهم مثل قوله سبحانه وتعالى :يا آدم ..يا نوح ...يا ابراهيم ...يا موسى ...يا
عيسى ،ولكن عندما ينادى سيدنا رسول هللا يقول سبحانه وتعالى :يا أيها الرسول ...يا أيها النبى
...ولم يناديه باسمه مجردا ً ،وعلى غرار ذلك جاء نداء حضرة التكريم لسيدى الشيخ محمد عثمان
رضى هللا عنه بكنية (فخر) وأشارت الى ذلك القصيدة (: )17
فخـــرا ً تنادينى فأفخر شاكرا ً *** فى الحضرتين وما الفخار مشاع 17 /22
ال فالمناقب عز درك قيادها *** ولذكـــــــــر أمى ترهف األسماع 17 /29
ولشدة إحترامى جاء مناداتى فى الحضرتين بكنية فخر الدين التى ليس لها من سمية ،فكان ذلك
فخر لى وفيه أفاخر ،وصار ذلك مقامى بين أحبتى فى الحضرة ،والحضرة عبارة عن مكان أو
موطن تجمع أرواح مجردة لألنبياء واألولياء والصالحين ،ولذلك جاء قولى فى القصيدة (: )72
وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار 72 /12
ويوم يطيب لى إفشاء سرى *** ليوم فيه عطلت العشـــــــار 72 /11
أحبتى :
أحبتى هم خيارالمريدين الذين وصلوا الى المكان الذى يجتمع فيه أهل الحضرة المقصودون بهذه
المحبة وأحبتى هم الذين جدوا السير وركبوا العزم معى واستوعبوا واستعذبوا علوم شرابى العذب
،وأصبح علمى مكنوزا ً فى قلوبهم ومخضبا ً ألرواحهم .فأصبح ال فرق بينى وبينهم ،وعليه يقول
وعلمى كنز فى قلوب أحبتى كما يقول :
ال فرق بينى وبـيــــن أحبتى *** جمع األحــــــبة فى حماى خفير 5 /11
وحسن تلقيهم من أهم سماتهم حيث قال :
حسن التلقى من سمات أحبتى *** والجوهر المكنون فى إلهامى 25 /17
وهم المنتسبون الى حضرة جدهم الذى هو جدى قدوتى ومليك الفضل فى القدم .وفى ذلك النسب
يقولون نسب المحبة أشرف األنساب ،وهذا نسبى الذى تقلبت فيه :
وتقلبت فى هواه وفخرى *** نسب فى تقلب السجاد 11 /25
وقد حظيت بهذا الفخار لتعظيمى آلل ( محمد صلى هللا عليه وسلم ) أهل الحقيقة المحمدية ،التى
أشارت اليها القصيدة التائية :
8
جنايتها تعظيم آل محمد *** وأن رسول هللا ذو أحدية 2 /21
وما أنا إال واحد من عبيده *** وذلك فخر لى وفيه أفاخر 12 /28
وهذا المقام هو (مقام أبو العينين) الذى أعطيت بابه ،وتحدثت عنه فى حشا آحديتى وهو ( مقام
اإلنفطار ) للحقيقة التى انفطرت بها سماوات الغيوب التى لى فيها مناقب ،وتلك بشارتى التى بُشرت
بها من السماء التى انشقت لت ُ ْخرج أسرارها ثم انفلقت لت ُ ْخرج أنوارها فكنت لها النجم الثاقب الذى
نفذ اليها حتى ذابت لى الحقائق ووصلت للمعرفة بتلك الحقيقة التى وضعت غيابة جب يوسفى ،
وديعة كى تصان لوقتها ،حتى جاء وارد ماءها الذى ادلى بدلوه إلخراجها من جبها فى وقتها
وزمانها المحدد لها ،ويومها قال أبو العينين رضى هللا عنه تلك بشارتى ،وأيدنى االقطاب ،وقدمها
لى شرابا ً صرفا ً وممزوجا ً لألكوان وشهدوا لى قائلين ( تلك بشارتى ) وعندما أتى اإلذن قلت معلنا ً
:
* هذا مقام اإلنفطار *** وإن منه مفاخرى 57 /1
أى هذا المقام هو مقام انشقاق سماء عالم االمر موطن وحدة االرواح الذى أخذت منه مفاخرى ،
ومن مفاخرى أننى أنا الذى ُح ِظيت بكمال المعرفة بها ولم أزل مدثرا ،قد شهد بذلك أهل الحضرة
جميعا ً ،ومن بينهم السيد البدوى رضى هللا عنه الذى يشهد على ذلك بقولى فى القصيدة (: )95
* يقول الســـــــيد البدوى عنى *** لفخر الدين بغية من تمنى 95 /22
* لفخر الدين يا من رمت هديا ً *** حبيب هللا غيـــــــاث المعنى 95 /22
كما قال سيدى أبو الحسن الشاذلى عنى ألهل الزمان الذين عاشوا زمانى ولم يعرفوا حقيقتى :
* لفخر الدين يا من قد اضاعوا*** سخى الكف يأبى أن يضن 95 /14
كما يقول ( سيدى موسى أبو العمران الذى خدم الطريقة فى عهد سيدى ابراهيم وقبل زمن سيدى
فخر الدين ) رأيه عنى :
* يقول وما لرأى فيه وجه *** لفخر الدين سرا ً كم أكن 95 /11
أى هو الذى ( يحمل أسرار هذه الطريقة ) .
وعن معنى ولى ( :ولى فى سماوات الغيوب مناقب ) وما بعدها . :
يحدثنا الشيخ رضى هللا عنه بأن له فى سماوات الغيوب مناقب كثيرة ،بدايةً :كلمة سماوات مفردها
سماء ،والسماء المقصودة هى سماء عالم األمر ( سماء الغيب ) ،وفى موطن آخر يقول أنا فى
9
سماء الغيب نجم ثاقب ،فالحقيقة سماء والشريعة أرض والطريقة سلم للعروج الى سماوات الغيوب
،أى أنا نجم العلم الذى نفذ اليها وبقرعلومها الغيبية للمعرفة بحقيقة المراد الذى أرمى الى معناه
أو إثباته ،من خالل مجموعة علومى التى حصلت عليها والتى أسميتها ( شراب الوصل ) وما قبلها
كتابى تبرئة الذمة فى نصح األمة وانتصار أولياء الرحمن على أولياء ْ من علوم بثثتها عن طريق
الشيطان ،وحلقات الدروس المجمعة فى مجموعة علموا عنى وغيرها من دروس مسجلة على
أشرطة أو إسطوانات مدمجة جمعت فيها كل ما يفيد المريد على مدى األزمان ،وكل هذه العلوم التى
حصلت عليها عطية ،من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن قاب قوسين حيث كنت من
بين الموجودين من األولياء والصالحين الذين كانوا بصحبة المصطفى صلى هللا عليه وسلم وهى
من وعاء العلم المشار ا ليه بالكتمان ( العلم الثالث ) واألسماء الشرعية للعلوم الثالثة ( علم بثثته
وهو االسالم ،وعلم خيرت فيه وهو االيمان ،وعلم أمرت بكتمانه وهو االحسان ) وقال رضى هللا
عنه عن االحسان هو العلم الذى أمر النبى صلى هللا عليه وسلم بكتمه ليله االسراء والمعراج وهو
حق ا ليقين كما جاء فى المصطلح المصحفى ،ويسميه الصوفيه بعلم الحقيقة ،وهو موطن العبودة
،وهو مرتبة روحية وعبادة روحية ومن عظمته وعدم تقييده أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
بكتمه ألن كل مشاهد انما يشاهد بقدر بصيرته ،ومن العطايا التى نلتها فى ليلة اسرائى حينما جىء
الى بمعراجى هى مشاهدة عجائب صنعتى ومعراجى هو سفينتى ووقتها كان معى أحبتى الذين ركبوا ً
معى ،وخاصة محبنا الذى ركب العزم معى لما قلت له :
فاركب معى ان العزيمة مركبى *** تستوقف الغر الكرام الكاتبين 2 /1
وركبنا العزم والعـــــــز لنــــــا *** ونجونـــا دون لــوح أو دسـر 27 /12
ومحبنا ( المريد ) الذى بدرت عليه بادرة األشواق عندما رقصت وغردت روحه فخرا ً بمنحتنا من
العلوم وأصبح أمين علما ً لدنيا ً ،وذلك بنفخة الراعى ونظرته فى فؤاده ،حتى حملته يد العناية
معراجا ً لساحتنا ،أى فى المعراج الذى نَ َ
صبَتْه لى يد العناية ،وهو الرفرف األسمى الذى يسير (
بالجذبات اإللهية ) وهو سجل النور الذى أحمل عليه مريدى الى ساحتنا التى نتجمع فيها فى موطن
القاب والقوس ،وهى التى فيها تحلو جلوتى عندما تنطمس البصائر ،فأنا فى هذه السماء التى هى
سماء الغيب ،النجم الثاقب للمعرفة أى ( الباقر لها ) للحصول منها على كل ما يفيد تابعى الذى
يسرى على أثرى إذ الناس ضلت .وعن معنى ولى المتكررة فى القصيدة عدد ( )22مرة فإن فيها
إشارة إلى موطن الهوية المتدلية للمشار اليه (المغيب) الذى أتت المعرفة به من ( سماوات الغيوب
) التى تحتوى على معنى علم الـ ( هـ ) من ( كـ هـ يـعص ) الذى قال عنه سيدى فخر الدين فى
شرح طالسم األحزاب هو أن الـ ( ك ) الكاف كناية عن الكون وال ( هـ ) يعنى أن الذى يريد معرفة
كاف الكونية يلزمه أن يعرف هاء الهوية المتدلية ،بمعنى أن كاف التكوين تظهر فى وحدات الكون
الثالثة فقط وفيها علوم تحمل معانى كل ما فى الوحدات الثالثة من الكون المكون من خمسة وحدات
11
وهم ( الملك -الملكوت -الجبروت -الالهوت -الهاهوت ) المشار اليهم فى الحزب الكبير بـ ( ك ٍد
ك ٍد -كرد ٍد كرد ٍد -كرد ٍه كرد ٍه -د ٍه د ٍه -د ْه د ْه ) ،أما الوحدتين األخيرتين ( الالهوت -الهاهوت )
المشار اليها فى الحزب الكبير بـ ( د ٍه د ٍه -د ْه د ْه ) هنا لم يبقى محل تكوين ومن أجل ذلك لم يذكر
كاف التكوين ألن هذا الموطن موطن ( األرواح المجردة ) والهاء فى االولى كناية عن رباط عالم
األرواح بهاء الهوية ،وهو موطن ذكر األرواح وتدريس حضرة النبى الذى درسهم فى األزل ،
والهاء فى الثانية هذه مرتبة ( أو أدنى )التى ال يصل اليها ذكر الذاكرين .معنى ذلك أن التدريس
لالرواح بعلوم تدور حول الهوية المتدلية ،هوية نور النبى معلم القرآن النور المضاف الى حضرة
النبى إضافة تكريم منه لـ ( جدى المصطفى للجمع الذى سره مضمر فى طى سروتنا ) صاحب القدر
الجليل السامى المشار اليه فى موطن تجليه فى القصيدة ( : ) 77
يأيها الناس حج البيب للســـارى *** وميت القلب ال تشجيه أوتارى
الحج هلل فى مجــــــــاله مكرمــــة *** وبيته بيته من غير إظـــــهار
وما إستطاعة حج البيت عن سعة *** من المتاع وال ظعن وأســفار
ولم يكن بيته طــــــــينا ً وال لبنا ً *** وليس مقصود قومى لثم أحجار
وذلك البيت فى معـــــناه تذكرة *** لوحدة القصــــد أو توحيد أنظار
وعظم البيت رمزا ً جل عن صفة *** وزائر البيت قد يحـــظى بتذكار
لكنه الحج فـــــــرضا ً فى مراتبه *** وذلك الســــر ال يفشيه إخبارى
وهو الذى :غيبة قدره عن علومنا بها نزل القرآن فى القصيدة األولى التائية :
وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت 2/121
فأنــــزله فى غيــــــــبه كتــــــنزل *** سالم هــــى سين السالم بقبضتى 2/125
وهذه هى الحقيقة التى أنفطرت عنها سماوات الغيوب عندما خرجت من بيتها صدفها األزفر( ياقوتة
حمراء ) ثم ( درة بيضاء) انشقت منها األسرار وانفلقت منها األنوار التى ترحلت فى حجب الجالل
العشر المشار إليها فى سورة (( الفجر وليال عشر )) فى الليلة العاشرة وهى ( بطون الهوية ) ثم
خرجت منها شفعا ً ( هوية متدلية ) فى المرتبة الحادية عشرا ً ،والتى أتت إشارتها فى تكرار كلمة (
ولى ) إحدى عشر مرة ،وسماوات غيوب هذه الحقيقة هى حقيقة علوم المعانى التى جل وصف
غراسها ومناقبها التى هى مناقبى التى جلت عن األفهام أى عن أفهام أهل العقول وأهل الجهل التى
ال تعى إال المعنى الدنى منها .ومعنى كلمة الحقيقة انها الشىء الوحيد الذى ال يعرفه أحد غيرى وال
11
يصل إليها إال أهلى آولوا الشرف والقدر الرفيع العالى ،وال يزوق طعمها إال الذين رزقوا بها فسجدوا
وخروا إلى األذقان ،عندما تدلى عليهم ربهم ليطعمهم ويسقيهم هذه الحقيقة ،وهى دائرة كنزية
لألحدية التى استخرجت منها الواحدية .ويقول سيدى فخر الدين عنها فى القصيدة ( : ) 97
أحـــــدية والواحـــدية دونهــا *** ما بين قابى حضرةالتقـريب
تلك الحضيرة يابنى مزاجهـــا *** عندى وهذا مـا اسر حبيبى
ولها شراب صانه من ذاقــــه *** إذ أن فيـــــه منـــة التهذيب
والمزن منها إن تتم عطاءها *** والغير فيهــــا غاية التثريب
وبها يكون على اقتدار فردها *** وعنايتاهـــــا أحسن التأديب
من هذه فى هــــذه ولهـــــذه *** أنعم بها ترهيبــــــها ترغيب
– 1ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب
بعد قوله رضى هللا عنه كنيت فخر الدين بين أحبتى ،أخذ يحدثنا عن عطائه من حضرة الواحدية ،
قائالً ولى من تجلى هذه الحضرة حلة نور دنت لى بها فوق الطباق (المراتب) وهى ( السبع
المتطابقات -والحجب المترادفات -مواقف االمالك فى مجارى االفالك -الكرسى البسيط -العرش
المحيط -غاية الغايات -مواضع االشارات ) فى موطن القاب والقوس من التدانى ،وهو موطن (
دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى ) .
-7ولى عند حالكة الغياهب بسمة *** كما فى بحار العالمين مراكب
ولى عند حالكة الغياهب بسمة أى بارقة أنوار تضئ الغياهب حتى تتحقق الرؤى للوصول لغاية
القصد ،كما تتحقق الرؤى لمراكب السائرين التى تحمل المريدين وسط ظلمات وغياهب بحار العالمين
كالجوارى المنشآت فى البحر كاالعالم .
-1ولى فى ابن آمنه وصية وارث *** وفينا يكون االختالف تعاقب
ولى فى ابن آمنة وصية وارث
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه اعلم يا مريدى ان جدى المصطفى للجمع المقصود ،هو خاتم
األولياء الذى ورثت عنه علومى كلها حيث أن الوراثة وراثة علوم ،وقد وعدنى بان تكون الخالفة
فينا وهى خالفة والية ،لذا صار حظى ونصيبى منها أن تتعاقب فينا ،فنحن آل بيت كريم السوح
وأهلى أولى الشرف الرفيع وعترته ،وذلك عطاءا ً نلته من األزل ،وترك بها وصية عبر الزمان ،
12
بداية من زمن الخليفة القبلى سيدنا آدم عليه السالم وحتى زمن الخليفة البعدى ،سيدنا المهدى
المنتظر (حفيدى) أبن آمنة الذى من اجله كتبت وصيتى وهو القائل عنه سيدنا رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم {أن إسمه كاسمى واسم ابيه كإسم أبى واسم أمه كإسم أمى } فإسمه ( محمد احمد بن
عبد هللا المهدى ) الذى عنده ختم الوالية .
- 5ولى عندما تعنوا الوجوه نضارة *** لسجدة مقبول الشفاعة راغب
ولى عندما تعنوا الوجوه نضارة
عندما استسلمت الوجوه وخشعت بسجودها للحى القيوم (مقبول الشفاعة) كانت رغبتى أن ينضر
هللا وجهى بسجدة مقبول الشفاعة ،ويصبح لى نضارة وجوه السالكين على يدى ،وقلت فى
القصيدة (: )71
إنى رأيت وقلت يا قومــى أرى *** ولى الفخار ومكتى أم القــرى
ومدينتى أم المدائن كلهــــــــــا *** ومليكها جدى أمــــــان للورى
وبقيع أصحاب الهداية مسكنى *** ولى الجوار وإن قدرى ال يرى
عاينته نـــــورا ً وســـرا ً ساريا ً *** وشهدت طلعتــــه وأنى ال أرى
وأطل قدرى عندمــــــا عاينته *** بكماله من فوق هامات الذرى
وفقهت من أسراره ما لو يشا *** سبعين راحلة بذاك ألوقـــــــر
وسجدت لما لم أجـــد غيرا ً له *** يا نعم وجـــه بالمحاسن أسفر
فهو جدى محمود المقام وشافعى الذى شفعنى فى جميع السائرين بصحبتى ،كما شفع الرؤساء
واألقطاب :مثل السيد البدوى الذى قال :شفعنى هللا فى خمسين ألفا ً ،ومثل سيدى إبراهيم الدسوقى
:القائل شفعنى هللا فى سبعين ألفا ً ومنهم من لم يأخذ طريقتى ولم يزر مقامى .
2ـ ولى يوم ال يُ ْخ َزى النبى وآله *** شفاعة محبوب وقول صائب
فى هذا البيت يذكرنا سيدى فخر الدين بمعنى االية ( )9سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا توبوا الى
هللا توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها االنهار يوم ال
يخزى هللا النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا
واغفر لنا إنك على كل شىء قدير} وفيها يريد موالنا رضى هللا عنه أن يقول لنا أن لى فى رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم القدوة الحسنة فى قول الحق تبارك وتعالى (يوم ال يخزى هللا النبى والذين
13
آمنوا معه) وهذا اليوم ظرف لـ :يدخلكم (والذين آمنوا معه) عطف على النبى ومعه ظرف لـ :آمنوا
وفيه تعريض بمن أخزاهم هللا من الكفرة ( ،نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) يضىء لهم طريق
السير على الصراط المستقيم ،والتوبة للعامة من الذنوب وللخاصة من العيوب ولخاصة الخاصة
من الغيبة عن الحضرة (حضرة عالم الغيوب) فمثل استغفار حضرة النبى للمذنبين من أمته كان لى
استغفار للمذنبين منكم (شفاعة محبوب) محب لكم وقول صائب (إنى أحب فالنا فأحبوه) مصداقا ً
للقول القائل أطع أمرنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنا ننادى له فى الكون أنا نحبه فيسمع من فى الكون
أمر محبنا .
- 2ولى حيث ال يدرى العبيد منائح *** علت فوق ما أرجو وهن رغائب
ولى (حيث ال) يدرى العبيد ،منائح ،
(حيث ال) ظرف مكان يتم فيه الدراية ،بمعنى أن العبيد المتواجدون فى هذا المكان يكونوا على دراية
بمافيه من المنائح ،وموطن (ال) هو محل عطاء كريم (حيث) عم عطاؤه (عطاء عام للكل) ولكنه
يختص أهل البقية ،االهلة الراغبين فى التتمة حتى تصير أقمار منيرات (أولياء كاملين) ،فهو أستاذ
كل ُم َك ًمل ضيانا أبو العينين سر الطريقة .
والـ (ال) عجب ،حيث أنها مكونة من حرف األلف ،وحرف الالم (الالمة) أى الالم التى تلتوى على
االلف بحيث اذا دققت النظر فيها ال تدرى من االولى هل هى االلف ام الالم ،والعجيب فيها أنها تشير
الى إنسان عين شُوهد نوره فى حضرة البر الصمد (لشيخ أحدى ظهر نوره من األحدية) مشار اليه
باأللف وهذا األلف المشار به الى الذات األحدية أى الحق من (حيث) هو أول األشياء فى أزل اآلزال
،والالم المشار به الى الوجود المنبسط على االعيان (انظر تبرئة الذمة ص )198
التى يقول عنها سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
إنه إنسان عين شاهدت نــــــوره *** فى حضـــــــــــرة البر الصمد 9 /1
والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربى 24 /7
وبما أن موطن الـ (ال) موطن الدراية وادراك معرفة من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار وفيه
إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه سابق وال الحق ،
ولكنه إذا تجلى لعبيد فيقرئه منه ويقريه عنده ويجعله (يدرى) بقاء الهوية ،ويقول رضى هللا عنه
:
من كان ال يدرى بأنى عالم *** قلبا ً خليا ً مزودا ً ال يمتلى 79 /22
14
أى من كان يعرف حقا ً بأنى عالم بفنون حقيقة ذلك الموطن ومن فيه فقلبه يكون خاويا ً من المعرفة
ومهما يُحصل من علوم عن حقيقة ذلك الموطن وما فيه يظل خاويا ً وال يمتلىء .
فكم من عاقل أدلى بدلــــــو *** ليدريها ولكن من وعاها ؟ 18 /14
أى من العقالء كثيرا ً حاول الوصول الى موطن الـ (ال) لينال منها علومها فلم يستطيع ذلك ،ويطرح
موالنا سؤاله مستنكرا ً معرفته ما تحويه وما هو محتواها ،ألنه يقول أن :
لها المعصوم أصل وهو جدى *** ومن نور العباءة قد كساها
وإن رأينا روينا ما نشاهده *** لنا مقام به تمت درايتنا 75 /58
وهنا يوضح موالنا مقامه منها بقوله رضى هللا عنه لنا مقام به تمت درايتنا ،بحيث إذا ما روينا
فإننا نروى من نشاهده فيها ،ألننا من أهل العال التى تمت وراثتنا .
فإنا حيث ال ندرى جميعــــا ً *** ولكن كالبدور الطالعات 78 /15
لما وصلنا الى (حيث ال ) أصبحنا جميعا ً فى دراية تامة بهذا المقام ،لكن كنا تحت نور العباءة
كالبدور الطالعات .
وبعد الجمع كنا فى فنــــاء *** فانا حيث ال ندرى فنــاء 55 /2
وبعد هذا الجمع فى ذلك الموطن أصبحنا فى حالة فناء وهنا أدركنا أنه موطن فناء .
وبذلك يتضح معنى :
ولى حيث ال يدرى العبيد منائح أى أن العبيد من أهل الجمع لم يستطيعون الحصول على منائح هذه
الحضرة ولكنى حصلت على منائح وهبات كثيرة علت فوق ما أرجوا ،حيث أن هذه المنائح كانت
هى التى تريدنى ،وهذا معنى وهن رغائب .
- 9ولى حين تنطمس البصائر جلوة *** أنا فى سماء الغيب نجم ثاقب
البصر بالرأس وجمعه األبصار والبصيرة فى القلب وجمعها البصائر ،والبصائر خاصة بعيون القلب
والروح للمؤمنين وبالذات األولياء منهم فعيون القلب إلدراك العلوم الغيبية وعمليتهما وهى التنوير
وأعلى منه الكشف وأعلى منه الفتح وأعلى منه الفتح المبين الظاهر فى قول الحق تبارك وتعالى
(إنا فتحنا لك فتحا ً مبيناً) وعيون الروح إلدراك التجليات اإللهية .ويكفى أن نعرف أن جالء البصائر
يكون بين مراتب السير الى هللا تعالى عبر وحدات الكون ،ووحدات الكون هى (الملك والملكوت
والجبروت والالهوت والهاهوت ) ويبدأ السير بين المراتب وصوال ً الى الرفرف األعلى الذى فيه ختم
15
السير بالذكر باالسماء اإللهية (وال يقدر عليها إال الصنف البشرى الذى لو صفا ملك كل شىء وفاق
المالئكة ) ويكون ذلك ( بعيون الروح ) التى هى من البصائر فحين تنطمس البصائر يكون لى جلوة
،بل جلوتي غيث بحق تجريان ،أى تنوير وكشف وفتح وفتح مبين ،وهذه خاصتى والتى يقال
عنها أنها خاصة الراعى ( طريقتنا ) وبعد ذلك يتم الصعود بالجذبات االلهية عبر موطن األرواح
المجردة ،وصوال ً لكمال معرفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتمام قربه من ربه الذى ال يدانيه
فيه غيره ،فإنه ال يعرف هللا تعالى كما يعرف هللا سبحانه نفسه ،أى ال يعرف غيب الذات العلية ،
وهذا هو الغيب الذى ال ينكشف بأى عبارة وال أى إشارة ،إذ ال يعرف هللا اال هللا تعالى وال يعلم
توحيد هللا إال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،
ومن المعلوم أن السير باألسماء االلهية يحتاج إلى تحصين ( لكل أواب حفيظ ) والسائر يبدأ بالذكر
باللسان ثم بالقلب عندما يترحل نور األسم الى القلب وهنا تتفتح ( عيون القلب ) التى تصبح بصائر
ويكون السير بالذكر باالسماء االلهية حتى تتفتح ( عيون الروح ) وهذا الموطن تكون فيه كرامتى
،فأنا الذى يتجلى عليه المتجلى بنوره فتتفتح البصائر أمام هيبة وعظمة المتجلى الذى تجلى على
بنوره وبالتالى اتجلى على قلوب السائرين الذين تحملهم سفينتى بنورى الذى يأتنى من النور المبين
حين تنطمس بصائرهم فيحصلون على التنوير والكشف والفتح والفتح المبين وكل ذلك [بجلوتى] ،
فانا نجم ثاقب نفذ الى سماء الغيب التى هى إحدى سماوات الغيوب التى لى فيها مناقب ،وسماء
الغيب لدى عالم الغيب الذى ال يظهرعلى غيبه أحدا ً إال من إرتضى من رسول ،والهوية المضافة
الى الغيب ال َمعنِ ِى فى كلمة (غيبه) هى هوية الرسول صلى هللا عليه وسلم من حيث تدليه الى الخلق
،فهى سر هوية طلسم غيب الغيب ،الذى نقطة البدء والتمكين خصته ،وحكمة الفصل ومنه مجلى
الخفيات .
- 8ولى فى عصى موسى المكلم مأرب *** ولى فى يمين المستجارمآرب
كان لسيدنا موسى معجزتان :األولى فى عصاتة ،والثانية فى يده ،وهى تمثل القوة والقدرة
وتنفيذ القدرة والواضح من اآليات من 12- 22من سورة طه
عن المعجزة األولى العصا :
أن سيدنا موسى كان يعتمد على عصاه عند مشيه وعند قضاء الحاجات ،وقال سيدنا عبد هللا بن
عباس رضى هللا عنهما {أن سيدنا موسى عليه السالم يحمل عليها زاده وسقاءه حيث يضرب بها
االرض فتخرج ما يأكله ،ويركز بها فيخرج الماء ،فاذا رفعها ذهب ،وكان يرد بها على غنمه ،
واذا ظهر له عدو حاربت وناضلت عنه ،واذا أراد االستسقاء من البئر أدالها ،فطالت على طول
البئر ،وصارت شعبتان كالدلو فيستقى بها ،وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل فيستضىء
بها ،واذا إشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن تلك الشجرة وأورقت وأثمرت} فهذه هى المآرب .
16
وعن المعجزة الثانية معجزة (اليد) التى هى اآلية الكبرى المستمده من ( يمين المستجار) :
ويقول االمام ابن عجيبه مشيرا ً الى المعنى :بقول الحق تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى) فيقول :
هى دنياى أعتمد عليها فى معاشى وقيام أمورى ،وأنفق منها على عيالى ،ولى فيها حوائج أخرى
من الزينة والتصدق وفعل الخيرات .
وهذه معجزة أخرى فقال (واضمم يدك الى جناحك) أى أدخلها تحت عضدك ،فجناح االنسان :جنباه
،مستعار من جناح الطير (تخرج بيضاء) تخرج بيضاء شعاعية لها شعاع كشعاع الشمس تضىء
كونها (آية أخرى) أى معجزة أخرى غير العصاه .
{من المجلد الثالث من البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد لإلمام بن عجيبة من ص 794حتى
}797
والمراد من قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه (ولى فى عصا موسى المكلم مأرب) أى لى عصا
أئتنس بها فى ممشاى مثل عصا موسى عليه السالم الذى كان يأتنس بها أثناء مشيه بالوادى عندما
جاءه النداء من قبل ربه (أخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) وإنا اخترناك خليفة وحملناك أمانة
،رفع راية الطريقة البرهانية وإظهار حقيقة من جاءت من أجله ،فقال رضى هللا عنه (من أجل
ابراهيم بعد رجائه ..هذا الحديث ومنحتى وكالمى) بعد أن قال (من أجل ابراهيم قد أمليتها) ،وهذه
هى الحقيقة أوال ً نور النبى ..معلم القرآن ،والتى أتى بيانها بسورة الرحمن ،وجاء بالبشارة التى
فيها علة المجىء فى القصيدة العطية :
من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم
والحقيقة هى الشىء الوحيد الذى إنفردت به دون غيرك ،حيث سعيت اليها مرفوع هامة بعد صبرك
لحكمى ،وأتتك تهرول نحوك وماهى اال حقيقة العبد ابراهيم المشار اليه فى توسل السادة البرهانية
بـ (طلسم غيب الغيب سر الهوية) .
مبحث حول الجيرة والمستجار :وفيه المعنى المراد إثباته
يقول سيدى االمام فخر الدين فى القصيدة (: )8
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته
قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته
إن الذى يلقى الهناء بجيرتى *** ينجوا وينجى أهله بنجاته
17
أى إننى قلت المعانى فى عظيم بنائها حتى يُ ْ
ستخرج المعنى المراد إثباته من الكالم ،وان الذى يهنأ
ويسعد بالجوار ،وهو جوارى الذى فيه جوار المستجار ،فإنه ينجو وينجى أهله بنجاته ،كما يقول
سيدى فخر الدين أن المستجار وهو الذى عنده بلوغ القصد ،وبلوغ القصد هو فض التشارك ،لذا
يقول رضى هللا عنه فى القصيدة (: )24
أيا حجب كانت على العين ساترا ً *** تبارك من بالمستجار أزالك 24 /1
وهنا يستحفز همم السائرين حتى ال تتقاعس عن السير وترقد حتى وقت الضحى ،ثم يتعجب من
الحجب التى تغطى عيون السائرين وتستر عنهم الرؤيا بقوله رضى هللا عنه تبارك وتعاظم من بفضله
أزالك ومن بيده رفع الغطاء عن أعين السائرين .ثم يقول :
ولى بالمستجار جوار عز *** فأنعم جيرة ولى الجوار 72 /14
أى من مآربى التى نلتها بفضل المستجار الذى له جوار عز ،وجيرة العزيز فيها العز والجاه الرفيع
وأنعم به من جوار .وقال فى القصيدة (: )11
فلى جار لديه جوار عز *** ومعبود يعظمة العبيد 11 /21
أى جار عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم بعباده الذين أحبوه حب عبادة
فصار معبودهم الذى يحق لهم تعظيمه .
وجاء فى القصيدة ( )22قوله رضى هللا عنه:
ويرقب موسى والعصا بيمينه *** ويشهد فلقا ً ظاهرا ً بيقينه 22 /24
وموطن جواره هو (موطن العزة) التى أسر وأنعم به فطاب لنا جواره الذى فيه حضرة العز والحمى
والذى توضحة القصيدة ( )91بقول موالنا رضى هللا عنه :
كم أسرت والنبيون إستجاروا *** وإستطابوها نعيما ً نحن فيه 91 /2
لذا جاء القول بـ (والنبيون إستجاروا) أى أنهم طلبوا االستجارة ،حيث يعيشون معنا فى النعيم الذى
نحن فيه ،فسمح لهم بالجوار فى ذلك النعيم ،لهذا تعجب هؤالء األحبة ودهشوا من رغبة النبيون
بتلك اإلستجارة ،عليه جاء القول (فإستطابوها نعيما ً نحن فيه) .
- 24ومما أفاء هللا ذالك مشربى *** وهدايتى للسالكين مشارب
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
18
(ومما أفاء هللا ذلك مشربى)
أى أن (ديوان شراب الوصل) علمى فى العلياء ،وهو صعب المنال والمشار اليه بأداة االشارة (ذلك)
وهى أداة اشارة للبعيد ،وأشار اليه قولى فى القصيدة التائية :
وعلمى فى العلياء صعب مناله *** وإن ظاللى غافالً ما أظلت 2 /279
الفئ :العلم الذى أفاء به الحق على ،فالعلم ينقسم على قسمين علم كسبى وهو ما يكتسب بالجد
والتشمير فى تعلمه ،وعلم وهبى وهو المراد به قولى فى القصيدة (: )8
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته
فعلمى هو مشربى مما أفاء هللا ،وهو العلم الوهبى اإللهى الذى أفاض به الحق على بمحض فضله
وجوده ،وهو يحمل سر طهور بدعق حاء محببه ،مفيض العطايا صوره أنت عدتى ،سر سقفاطيس
صاحب الحمد والثنا ،عظيم سقاطيم وكافى البرية ،وهو ما يختص بأسرار ذات الذى هو أول الخلق
صاحب الحقيقة أوال ً نورالنبى معلم القرآن ،وهو الذى أشارت اليه اآلية ( )2من سورة الحشر (وما
أفاء هللا على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل وال ركاب ولكن هللا يسلط رسله على من يشاء
وهللا على كل شىء قدير) .
والوصل فيئتى :
سالم على قوم بنا قد تواصلـــــوا *** فحبلى موصول وجدى قدوتى 2 /12
وإن حبال الوصل باألصل أوصلت *** وإنى حبل هللا والوصل فيئتى 2 /271
وحتى ال ينال الدهـــــر ممـــــــــــا *** أفــــــــاء هللا إن الجهل موت 12 /21
فمشربى هو مشرب أرواح القوم الذين قد تواصلوا بنا فعليهم منى السالم ،فهم من أوصلتهم
والحقتهم بسر الالم الذى هو سر على كل العظام ،وإنه بظهور غيب الذات ما إفشاه ،والسر سر
الجمال الطالع من العمى (كنز الذات ذى األحدية) والظهور ظهوره ،نعم الظهور وجل وتعاظم من
يغشاه ،فالغيب غيبه ،وهو طلسم غيب الغيب سر الهوية ،والحبل هو حبلى الموصول بجدى قدوتى
،الذى منه الوصال ووصلتى ،وهو األصل الذى به أوصلت جميع حبال الوصل ،وإنى حبل هللا
الموصول والوصل كله فيئتى (قسمتى) ،والجهل بهذه الحقيقة هو الموت .
وهنا يبلغنا الشيخ بقوله عن مشربه :
19
ليعلم الجميع بأن مشرب علمى هو قسمة (حظى ورزقى) من نور النبى الذى إختصنى به الحق تبارك
وتعالى وسناه من سنا األحدية ،وهو المشرب الذى يهتدى به جميع السالكين الى الحضرة المسماة
كتاب هللا المشار اليها فى القصيدة (: )92
ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينتهى
فهو كتاب األلف المشار اليه فى أول آيات البقرة (أ ل م) ذلك الكتاب الذى ال ريب فيه هدى للمتقين
،وهذه مكونه لجوامع الكلم الذى يسميه الصوفية موطن الصفات العالية ،ومعنى جوامع الكلم
(الشىء الواحد الذى ينطق به كل ناطق) من الحروف الهجائية التى تنزلت على سيدنا آدم عليه
وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم ،فكان هو نصيبى من هذا الموطن الذى فيه يقولون :
كنت شئ وآدم لــــم يكن شئ ** وحويت األسرار بالنشر والطى
وقديما تقاسمت قسمة الفيئ ** لك ذات العلوم من عالــم الغيب
ومنها آلدم األســــماء
وقال بعضهم :
ع ِلـــــ َم األشياء رسمـــــا ً وخطـــــا ً
عَا ِلــــــــ ٌم من آدم علـــــــــم السر ** و َ
ليس فى اإلنس علمه ال وال الجن ** واحد الشخص وهو مختلف الجنس
يقينا ً من أنكر الحال أخطأ
جل وجه يلوح من خلف ستر الشىء ** وهو المكشوف وهو المغطى
كل هذه األدلة توضح أن القرآن هو أكبر معجزة للنبى صلى هللا عليه وسلم ،كان عند النبى عليه
الصالة والسالم قبل البيت المعمور وقبل جبريل وهو ُخلقه ،والخلق جزء من كل ،وما أبدع ما ذكره
االمام العارف باهلل تعالى الشيخ عبد الغنى النابلسى عليه رضوان هللا عن مولد النبى صلى هللا عليه
وسلم فى جواهره حيث قال :
{فكان به صلى هللا عليه وسلم فاتحة الوجود ،وبقرة آل عمران شربت من ورده المورود ،وبررة
النساء امتدت لمن بنوره مائدة الشهود ،وطافت به أنعام االعراف ذو االنفال ونجا بالتوبة يونس
وهود ويوسف من رعد شدائدهم الثقال ،وسعد به ابراهيم فى بنيان الحجر ،وحصل به وحى النحل
،واسراء الكمال فى كهف غره بال حجر ،وحملت به مريم ألنه طه األنبياء وحج المؤمنين ،والنور
والفرقان بالشعراء الكاملين ،والنمل آمن بالقصص لديه ،وعشعش العنكبوت فى الغار عليه ،
21
وأذعنت له الروم بأنه لقمان الحكمة وسجدة االحزاب ،وسبأ بمحبته القلوب فهو فاطر االلباب ،
ياسين الصافات من المالئكة ،وصاد الزمر من الطائفة المباركة ،وسر غافر الذنب الغفور ،الذى
فصلت به االمور ،وشورى بين االشراف ،وزخرف دخان النفس الجاثية عنده باالحقاف .محمد
صاحب الفتح والحجرات من التجليات العرفانية ،وقاف الذاريات من طور النفوس االنسانية ،نجم
االفالك ،و قمر االمالك ،المستمد من نور الرحمن الذى به واقعة الحديد فى المجادلة ،وحشر
الممتحنة فى الصف للجمعة مع المنافقين فى تغابن المقاتلة ،ومنه طالق التحريم فى الملك ونور
الحاقة االحسانية ،ومعارج نوح والجن والسالكين فى المقامات االيمانية ،المزمل والمدثر زين
القيامة وفخر االنسان ،وذو االخالق المرسالت ألهل النبأ والعرفان ،والنازعات من االوصاف الكبار
،لمن عبس من التكوير واالنفطار ،القاطع للمطففين بانشقاق البروج ،والطارق حضرة االعلى
بغاشية الفجر فى البلد المولوج ،ضياء الشمس ونور الليل والضحى ،المنزل عليه ألم نشرح حيث
شرح هللا صدره للرسالة شرحا ً ،افتخر التين والعلق بقدره بل كل البرية ،وزلزلت العاديات بقارعة
التكاثر فى عصر همزة النفوس األبية ،وولد صلى هللا عليه وسلم عام الفيل ،فابتهجت قريش
بالماعون من كوثر السبيل ،وارتفع على الكافرين بالنصر على أبى لهب ،وكمل له االخالص والفلق
الواضح فهدى الناس حتى كل من ربه اقترب ،صلوا عليه وسلموا تسليما ً } فهو صلى هللا عليه
وسلم الممد األول لألشياء حتى المالئكة .
( من كتاب تبرئة الذمة صفحة )22 -24
وفى هذا المشرب يقول موالنا الشيخ :
نزلنا بحرهو كالسابحات *** وأيقنا بأن الوصل آت
نزلت بحرا ً طلبت التأييد فؤيدت ،وطلبنا فيه االمداد فؤمددت ،فلما استوفينا بال ال ،دخلنا فى بحر
ال ساحل له ،فإذا حيتان البحر ودوابه يتهجمون بى ،فلما توسطنا البحر ،طلبنا الوجود األولى ،
فإذا بى عاد البحر كما هو .فقلنا يا هو ،يا هو ،ما فرق الهو يا هو ؟
فقال الهو :يا أهل يثرب ال مقام لكم اليوم فارجعوا ،فرجعنا على اعقابنا .
فإذا بى عاد البحر كما هو ،فقلنا يا هو ما فرق الهو يا هو ؟
فقال الهو يا من فيه كل شئ ،ما يفعل الشئ بالشئ هو شئ .
فمن هنا يقول سيدى فخر الدين مما أفاء هللا لى من موطن الصفات العالية موطن جوامع الكلم ،
هذا العلم الذى أخذته من البحر ،والبحر هو نور النبى ،فمشربى من علوم ديوان شراب الوصل
21
من بحر الهو الذى نظمته لكم ،وصالً لالحباب وهداية لجميع السالكين من كل الطرق فكان لى الحظ
األوفر من هذه العلوم التى قسمتها على أهل الطرق جميعا ً .
- 22ولى نظم در والجواهر منطقى *** وفيهن للراجى النجاة مكاسب
فقسمتى التى رضيتها من علوم الحقيقة التى تتحدث عن المقصود بأول الخلق هى جملة علوم
أحصيتها ونظمتها فى ديوان أسميته شراب الوصل .بينت فيه لألحباب تفاصيل أسرار هذه الحقيقة
التى صارت من حظى ونصيبى الذى حصلت عليه من بحر عطايا حضره النبى صلى هللا عليه وسلم
فهو بحر العلوم الذى ال ساحل له وفيه لراجى النجاة كثيرا من المكاسب ،وأعظم هذه المكاسب هو
التدارس الذى فيه الخير الكثير ،وعن كيفية هذا التدارس قلت :
يتدارس االحباب فيما بينهم *** قولى وإنى بينهم عطـــــــــاء 12 /8
وقلت تدارسوا فالخير جــم *** وبيت هللا ذا رحب الرحــــــــاب 21 /2
لم تتدارسوا لكن جعلتــــــم *** من المنظــــــوم بعضا ً كالسباب 21 /2
فأين تدارس االحباب قولى *** وأين السعى فى كشف النقـــاب 21 /9
فبعد السعى لكشف النقاب ،أكشف لالحباب عن علمى الذى جواهره كمينة لدى الصدور األوائل ،
فعن طريق التدارس يتضح السر الكمين لألوائل الذين عرفوه وسبحوا سبحانه ويبلغوه للذين لم
يتعرفوا عليه فيعرفوه ويسبحوه ويوقروه ،ويعلمون أنه الحق المقصود ،بقبلتى المعظمة اختصاصا ً
وقبلة قصادى وبيت العقائد .
- 21وتؤتى بإذنى كل حين أ ُ ْكلَها *** وتمطرن ما ال تحتمله سحائب
فالمعرفة بعلوم هذه الحقيقة تمثل الشجرة المندرجة فى النواه ،وهى معينى الذى ال ينضب والذى
توضحة القصيدة البائية :
فأنا على مـــــر السنين *** لكل قوم مشـــــرب
نورى من النور المبين *** ونور جدى االغلب
فالمعرفة به رضى هللا عنه ال ت ُ ْؤتى إال بإذنى عن طريق الكشف عن باطن العلم الذى نأخذه من باطن
القرآن وهو معرفة السر المصون والجوهر المكنون ،سر أسرارى المشار اليه بـ ( كتاب هللا ) الذى
تحتوى عليه القصيدة ( )92التى يقول فيها رضى هللا عنه :
* ما كتاب هللا إال جمــــــعنا *** إنما األحـــــــــباب آيات بـه 92/2
22
* ما كتاب هللا إال حضــــــرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينـتهى 92/1
* كان منها كل علم ســــابق *** بل مذاقا ً كل غـوث يشـتـهى 92 /7
* يشتهـــــيها كل عبد مالك *** قائم بالحــــق دومـا ً ال يـهى 92 /1
* قائم باالمرقـــــــــــوام بها *** ملك رب الناس ممــــدود به 92 /5
فمعرفتى بهذا الكتاب فيها من األسرار الكثير كالسحاب الممتلئ بماء المطر الذى ال تحتمله السحائب
،فهذا العلم مكنون بصدرى لفظا ً وغاية وتبيان سنه ،حصلنا عليه من البحر الذى ال ساحل له عند
خوضنا بحره الذى تحذر السفن ما به ،ويجل عن الحذاق مكنون كنيتى ،وعلوم هذه الحقيقة التى
طابت لى ،مثلها كشجرة طيبة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ،شجرة أصلها ثابت وفرعها فى
السماء ( سماء عا لم األمر ) مثل النخلة المثمرة التى تؤتى ثمارها كل حين بإذن ربها ،حيث أن
طلعها نضيد وثمارها المتنوعة فيها الخير الكثير من رزق للعباد ،فهى شجرة علوم ثمينة ثمارها
تحتوى على جميع االلوان وشتى أنواع العلوم التى تفيد أهل األرض عندما يهطل عليها الماء كالمطر
فتسقى به األرض والناس وتثبت به أقدامهم حيث المزالق .
- 27كتابا ً قرآنا والمعلم احمد *** اال كيف ال يقري الذى هو كاتب
ما هو الكتاب الذى يقول عنه موالنا العظيم بأنه قرئه :
إنه كتاب هللا (القرآن) الذى علمه الرحمن قبل خلقه لإلنسان ،والذى بيانه بسورة الرحمن (الرحمن
علم القرآن خلق االنسان علمه البيان) القائل عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة
النونية القصيدة الثانية :
فلتسمعوا قولى صحيحا مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن
سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلـــــم القرآن
بمقارنة اآلية (الرحمن علم القرآن) والبيت (نور النبى معلم القرآن ) نجد كلمة (القرآن) مشتركة
بين اآلية والبيت ،يبقى كلمة (الرحمن) = (نور النبى) وكالهما معلم للقرآن ،فيكون أصل القرآن
جاء من الحقيقة األحمدية وهى حقيقة اإلسم (أحمد) والمستَ ْق ِبل للقرآن صاحب الحقيقة األحمدية
المستخرجة من األحدية (أحمد) لذا جاء فى القصيدة (:)82
بأحمد حيث األحمدية يهتدى *** اليه بنور األحمدية طالب
23
وعادة يكون الطالب :هو طالب علم ومعرفة ،واألحمدية موطن المعرفة (باألحدية) ،وعليه يكون
طالب معرفة األحمدية هو (أحمد) المتوسل بـ (أحمد) باألحمدية راجيا ً منها أن ترسل سنا نورها
ليهتدى به للمعرفة بها .أى أن (أحمد) المتوسل به هو نور هللا و(أحمد) الثانى هو مثل نوره الذى
تشير اليه سورة النور اآلية ({ )75هللا نور السماوات واالرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح
المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية
يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى هللا لنوره من يشاء }....
(أال كيف ال يقرى الذى هو كاتب)
ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بما أن الكاتب أحمد صاحب الحقيقة األحمدية كيف ال يقرى
أضيافة وأحبابه من أهل هذه الحضرة المسماة :
كتاب هللا جمعنا واألحبــــــــــــــــــــاب آيات به
وكتاب هللا حضرة قاب قوسيها الهدى ال ينتهى
ويقول سيدى فخر الدين عن الجمع :
إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب
وموالنا الشيخ يقول :أنا فى سماء الغيب نجم ثاقب ،فالسماء سماء عالم االمر وهو الذى نفذ ضياؤه
وبقر غيب ( القرآن ) وهو أكبر معجزة للنبى الذى يبدأ بفاتحة الوجود ،ثم بقرة آل عمران التى فيها
بقر العلوم ( ظاهرها وباطنها ) فمن المعلوم أن موالنا الشيخ النجم الثاقب لسماء الغيب هو الذى
بقر هذا الكتاب الذى أول آية فيه تبدأ بـ ( أ ل م ) ثم قال إن أداة اإلشارة فى اآلية الثانية ( ذلك
الكتاب ال ريب فيه ) تشير الى الكتاب ( األلف األول ) الذى قرأه ويتحدث عنه رضى هللا عنه بقوله:
أن األلف يشار به الى الذات األحدية أى الحق من حيث هو أول األشياء فى أزل اآلزال ،والالم يشار
به الى الوجود المنبسط على األعيان ،والميم يشار به للكون الجامع وهو االنسان الكامل ،فالحق
والعالم واالنسان كتاب ال ريب فيه ،فذلك أداة إشارة للبعيد والبعيد منها هو ( أ ) وااللف من حيث
هو أول شىء خلقه الحق ،أول الخلق فى إطالقه ،هو ( أحمد ) المخصوص بالذات االحدية ،فاأللف
الحقيقة األحمدية وهى الكتاب الذى يقول عنه سيدى فخر الدين :
كتابا ً قرأنا والمعلم أحمد *** اال كيف ال يقرى الذى هو كاتب
فسماء الغيب فيها العلوم الغيبية التى تشير الى أسبقية (نور النبى) الذى منه إنشقت االسرار وانفلقت
منه االنوار ففيه موطن االسماء االلهية وموطن الصفات العالية موطن جوامع الكلم الحروف ،التى
ينطق بها كل شىء والتى تحتوى على الكتب الثالثة (كتاب األلف وكتاب الالم وكتاب الميم) وكل
24
منهم يشير إلى الحقيقة األحمدية والحقيقة المحمدية والذات األحمدى لإلنسان الكامل المشار اليه فى
القصيدة األحدية :
إنه إنسان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البرالصمد
والمشار اليه أيضا ً فى القصيدة ( : )24
والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربى
فاإلنسان المقصود الذى شوهد فى حضرة البر الصمد المربى لألرواح ( أحمد ) المخصوص بالذات
التى هى ذات االحدية فهو ( نور النبى ) أحمد الذى إهتدى الى الحقيقة األحمدية بنورها ،وهو
المشار اليه بالقلم والخلق األول وأول كاتب .
والمشار اليه بسورة الرحمن ( نور النبى معلم القرآن ) الذى تعددت نعمه علينا وآالؤه بسورة
الرحمن الذى نرفع ايادينا له شكرا ً على نعمه المتعددة عند قراءتنا لآليات التى يقول فيها الحق تبارك
وتعالى ( ال آالء إال آالؤك ) والمقصود هنا باإلسم ( الرحمن ) وليس ذات البارى ،ألن كالم القرآن
الكريم وكالم الديوان من موطن الصفات لذلك فهو كالم االسم الرحمن ويذكرنا موالنا الشيخ محمد
عثمان عبده البرهانى بعد مرور ( ) 72عاما ً بقوله فى القصيدة ( : ) 12
أما عن العلـم الذى أودعتـــه *** هل تجدب األرواح وهو الماء 12/5
أودعت بعضا ً منكـم أســراره *** لوال الهوى القتصت البطحاء 12/2
من يطرق الكلمات يسأل مدنا *** ال يلقى إال الرفد وهو سخـاء 12/2
فإذا أردتم سرها فتســــامروا *** فيها فإن عصــــــاتها عتقـاء 12/9
يتدارس األحباب فيما بينهـــم *** قولى وإنى بينهم عــــــــطاء 12 /8
وعطاء صيغة مبالغة تدل على كثرة عطائه للناس الذى فاق كل عطاء ،ومن كمال هذا العطاء يقول
رضى هللا عنه متحديا لكل العقول فى القصيدة ( : ) 11
أميط اليوم عن قولى لثاما ً *** لزاميا ً فقد جد الجديد 11/2
فإن الليل يقصر أو يطول *** ليطلع بعده فجر جديد 11/17
أما عن الفجر الجديد يأيها الناس جاءكم ( إبراهيم ) الذى إسمه مكون من سبعة حروف من بين
جوامع الكلم من بين ( األلف والياء ) من كلمة أي ـ ها التى هى جوامع الكلم الحروف الثًمانية
25
والعشرون ،وإذا نظرنا الى الرقم ( ) 72نجد فيه إشارة الى تعدد نعمه وآالئه ليتحدى المنكرين
والمكذبين لهذه الحقيقة فى اآلية { فبأي آالء ربكما تكذبان } التى تم تكرارها ( ) 72مرة وبعد اآلية
الواحدة والثالثين يقول سبحانه وتعالى :
{ تبارك إسم ربك ذى الجالل واإلكرام } فاسم ربك الرحمن ذى العظمة والهيبة والجالل واإلكرام
للمؤمنين .
فهو ولى النعم ،المنعم المتفضل علينا ،فكيف ال يقرى أضيافة وأحبابه ،من أجل ذلك قال رضى
هللا عنه :
- 21غدا كل مستخف بنورى ظاهرا ً *** وما هللا إال فى الحقائق سارب
وهنا يذكرنا بقول سيدنا االمام على كرم هللا وجهه الذى يقول فيه :
قد حزت علم األولين ولكنى *** بعلم اآلخرين ضنين كتوم
ولما سؤل لماذا ،فقد قال كرم هللا وجهه ورضى هللا عنه ،حتى يأتى زمانه ويحضر رجاله ،فبحلول
دولة سيدى ابراهيم الدسوقى أبو العينين صاحب الطريقة البرهانية طريقة مسك الختام ،فأصبح من
الضرورى أن يأتى صاحب علم اآلخرين مظهر ما خفى وكان فى حيز الكتمان ليوقظ همم أهل هذا
الزمان م ن الغفلة والنسيان ،ويحيى قلوب الذاكرين ويغذى أرواح األولياء الصالحين ويمدهم
بالمعرفة بحقيقة صاحب علم اآلخرين العلم المكتوم الذى قال عنه سيدنا على ولكنى ضنين بعلم
اآلخرين كتوم ،ويذكر أحبابه الذاكرين والصالحين العاكفين على هذا العلم الذين تلقونه منحة فعكفوا
عليها سجدا ً وقياما ً :
وإذا تلظوا بالمحبة أصبحوا *** يتقلبون بها وكان غـــــراما 29/1
وإذا إستقروا عند مالكة القرى *** قروا عيونا ً بدأة وختــاما ً 29/7
قد أنفقوا أعمارهم لم يقتروا *** وتفيأو الحسنى وكان لزاما ً 29/1
قد ألهب التوحيد مركب سيرهم *** حتى أحلوا دارهم إسالما ً 29/5
لذا فكل مستخف عنكم اصبح بنورى ظاهرا ً ،حيث أن نورى من النور المبين ونور جدى االغلب
،
(وما هللا إال فى الحقائق سارب) فنوره رضى هللا عنه سارب فى الحقائق (الغيوب) .
26
فهو هللا الواحد األحد ،الذى ال إله إال هو ُ ،مظهر الحقائق التى يسرى فيها السر السارى فى الوجود
،فتاره تراه ساريا ً فى االسماء االلهية ،وأخرى تجد سره ساريا ً فى خلقه حيث هو خالق الخلق ،
وممدهم بالقوة والرزق ،وكل شئ هالك إال وجهة الباقى ( ،ويبقى وجه ربك ذى الجالل واإلكرام )
،إى ذو العظمة والهيبة ،واإلكرام إكرام المؤمنين .
وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
27
القصيدة ((19
فى كل حين لنا فى المصطفى امل *** حتى اذا حانت االسرا يسرينا
28
بسم هللا الرحمن الرحيم
الموافق 18من أبريل سنة 2891م . يوم األحد 12من رجب لسنة 2141هـ
عدد األبيات 71 :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مناسبتها لما قبلها :فى معنى البيت األول من القصيدة ( )12الذى يقول فيه :
أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب
كنية فخر الدين :
جاء فى القصيدة األولى المسماة بـ (التائية) فاتحة ديوانه المسمى (شراب الوصل) التى يقول فيها
:
2 /27 * يشار إلى بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة
يحدثنا الشيخ رضى هللا عنه بأن له فى سماوات الغيوب مناقب كثيرة ،بدايةً :كلمة سماوات مفردها
سماء ،والسماء المقصودة هى سماء عالم األمر ( سماء الغيب ) ،وفى موطن آخر يقول أنا فى
سماء الغيب نجم ثاقب ،فالحقيقة سماء والشريعة أرض والطريقة سلم للعروج الى سماوات الغيوب
،أى أنا نجم العلم الذى نفذ الى سماء الغيب وبقرعلومها الغيبية للمعرفة بحقيقة المراد الذى أرمى
الى معناه أو إثباته ،من خالل مجموعة علومى التى حصلت عليها والتى أسميتها ( شراب الوصل
كتابى تبرئة الذمة فى نصح األمة وانتصار أولياء الرحمن
ْ ) وما قبلها من علوم بثثتها عن طريق
على أولياء الشيطان ،وحلقات الدروس المجمعة فى مجموعة علموا عنى وغيرها من دروس
مسجلة على أشرطة أو إسطوانات مدمجة جمعت فيها كل ما يفيد المريد على مدى األزمان ،وكل
هذه العلوم التى حصلت عليها عطية ،من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن قاب قوسين
حيث كنت من بين الموجودين من األولياء والصالحين الذين كانوا بصحبة المصطفى صلى هللا عليه
وسلم وهى من وعاء العلم المشار اليه بالكتمان ( العلم الثالث ) واألسماء الشرعية للعلوم الثالثة
(علم بثثته وهو االسالم ،وعلم خيرت فيه وهو االيمان ،وعلم أمرت بكتمانه وهو االحسان ) وقال
رضى هللا عنه عن االحسان هو العلم الذى أمر النبى صلى هللا عليه وسلم بكتمه ليله االسراء
والمعراج وهو حق اليقين كما جاء فى المصطلح المصحفى ،ويسميه الصوفيه بعلم الحقيقة ،وهو
موطن العبودة ،وهو مرتبة روحية وعبادة روحية ومن عظمته وعدم تقييده أمر رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم بكتمه ألن كل مشاهد انما يشاهد بقدر بصيرته ،ومن العطايا التى نلتها فى ليلة
29
الى بمعراجى هى مشاهدة عجائب صنعتى ومعراجى هو سفينتى ،ووقتها كان اسرائى حينما جىء ً
معى أحبتى الذين ركبوا معى ،وخاصة محبنا الذى ركب العزم معى لما قلت له :
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه {إن مراتب الدين األعمال فيها ثالثة مقامات وهى :مقام
العبادة ـ مقام العبودية ـ مقام العبوده} ومما يؤيد ذلك قوله رضى هللا عنه فى أول قصائده التائية :
ولى كتب األبــرار أشهد ما بها *** وإنى عبد والعبـاد رعيتى 2 /12
ومن عبث بخس الحقيقة أهلها *** ألنى عبد فى مقام العبودة 2 /21
ومقام العبودة هو محل {القاب والقوس من التدانى} حيث أن محل {أو أدنى} هو مقام خاص بحضرة
النبى صلى هللا عليه وسلم من حيث الروح والجسد ،ومقام {قاب قوسين} يسمى وحدة (عالم األمر)
الذى فيه مجتمع األرواح ،أى موطن تالقى أرواح العباد وينقسم الى حضرتين (حضرة جمع ـ حضرة
جمع الجمع) وفى هذا الموطن يقول فيه رضى هللا عنه :
يُشار إلي بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة
وكنية فخر الدين هى كنية وليست لقبا ً وأشارت اليها القصيدة ( )22بقوله رضى هللا عنه :
كنيت فخر الدين فى الـ **** عليــا ولست ملقبا ً 22 /14
وصارت كنيتى فى الحضرتين حيث طابت لى (مقاماً) أشارت اليها القصيدة ( )22بقوله أيضا ً :
سالم وفخر الدين منك عطية *** بها طاب حيث الحضرتين تسابقى 22 /7
وجاء ف ى كتاب هللا الكريم أن الحق تبارك وتعالى حينما ينادى العظماء من الرسل واألنبياء كان
يناديهم بأسمائهم مثل قوله سبحانه وتعالى :يا آدم ..يا نوح ...يا ابراهيم ...يا موسى ...يا
عيسى ،ولكن عندما ينادى سيدنا رسول هللا يقول سبحانه وتعالى :يا أيها الرسول ...يا أيها النبى
...ولم يناديه باسمه مجردا ً ،وعلى غرار ذلك جاء نداء حضرة التكريم لسيدى الشيخ محمد عثمان
رضى هللا عنه بكنية (فخر) وأشارت الى ذلك القصيدة (: )17
فخـــرا ً تنادينى فأفخر شاكرا ً *** فى الحضرتين وما الفخار مشاع 17 /22
ال فالمناقب عز درك قيادها *** ولذكـــــــــر أمى ترهف األسماع 17 /29
ولشدة إحترامى صارت مناداتى فى الحضرتين بكنيتى (فخر الدين) وهى كنية ليس لها من سمية ،
فذلك فخر لى وفيه أفاخر ،وصرت خفيا ً بين أحبتى فى الحضرة والخفاء مزيتى ،والحضرة هى
31
مكان أو موطن تجمع أرواح مجردة لألنبياء واألولياء والصالحين ،ولذلك جاء قولى فى القصيدة
(: )72
وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار 72 /12
ويوم يطيب لى إفشاء سرى *** ليوم فيه عطلت العشـــــــار 72 /11
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول:
فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرى يسرينا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحديث عن االسراء والمعراج
بالبحث فى علوم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه استطعنا الحصول على الحديث عن الجزء الثانى
من رحلة االسراء والمعراج بصفة عامة للوصول الى شرح وافى للقصيدة ( )19التى بدأها رضى
هللا عنه بقوله فى البيت االول :
فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت االسرا يسرينا
قصة االسراء والمعراج معروفة ومشهورة وال يخلوا مولد من موالد السادة الذين ألفوا الموالد من
هذه القصة ،غير أننا ما رمينا اليه فى هذا المجال هو الرد على من يدعون أن االسراء والمعراج
كان بروحه صلى هللا عليه وسلم دون جسده ،وأكبر دليل فى أول سورة االسراء وهو خير دليل
على أن االسراء كان بروحه وجسده الشريفين صلى هللا عليه وسلم ،فالعبد هو االنسان الكامل صلى
هللا عليه وسلم فال يكون عبدا ً اال بجسده وروحه ،إذ العبد ال بد أن يكون بالجسد والروح معا ً ،فكلمة
(عبد) تدل داللة واضحة على أن اإلسراء والمعراج كانا بالروح والجسد .
وقد جاء سيدى فحر الدين بالحديث عن اسراءات الرسول صلى هللا عليه وسلم وعددها وكيفية
اسراءات األولياء رضى هللا عنهم من جواهر الشيخ األكبر سيدى محى الدين بن عربى رضى هللا
عنه من آخر الباب السابع والستين وثالثمائة فى صفحة 112قال فيه أنه صلى هللا عليه وسلم له
أربع وثالثون اسراء ،منها واحدة بجسمه ،والباقى بروحه رؤى رآها ،وأما األولياء فلهم اسراءات
روحانية برزخية يشاهدون فيها معانى متجسدة فى سورة محسوسة للخيال ،يعطون العلم بما
تتضمنه تلك الصور من المعانى ،ولهم اسراءات فى االرض وفى الهواء غير أنهم ليس لهم قدم
محسوسة فى السماء ،وبهذا ساد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على الجميع باسراء الجسم ،
واختراق السماوات واالفالك حسا ً وقطع مسافات حقيقية محسومة ،وذلك كله لورثته معنى ال حسا ً
من السماوات وما فوقها ،ثم قال نظما ً :
31
ألم تـر أن هللا أســــــــــــرى بعبده *** من الحــرم األدنى الى المسجد األقصى
الى ان عال السبع سمـاوات قاصدا ً *** الى بيته المعمــــور بالمأل االعلـــــــــى
الى السدرة العليا وكرسيه األحمى *** الى عرشه األسنى الى المستوى األزهى
الى سبحات الوجـــه حتى تقشعت *** سحاب العمى عن عين مقلته النجــــــــال
فكان تدليه على االمــــر إذ دنــــا *** من هللا قربـــــــــا ً قاب قوسين أو أدنــــى
وكانت عيــون الكون عنه بمعزل *** تالحظ مـــا يسقيه بالمــورد األحلــــــــى
فخاطبه باألنس صوت عتيقــــــه *** توقف فرب العرش سبحـــــانه صلـــــــى
فأزعجه ذاك الخطاب وقـــال هل *** يصلى إلهى مــــــا سمعت بـــــه يتلـــــى
فشال حجاب العلــم عن عين قلبه *** وأوحى اليــــه فى الغيــــوب الذى أوحى
فعاين ما ال يقدر الخلـــــــق قدره *** وأيده الرحمـــن بالعـــــروة الوثقـــــــــى
وألفاه مشتاقا ً الى وجه ربـــــــــه *** فأكرمه الرحـــــــمن بالمنظـــــر األجلــى
ومن قبل ذا قد كان أشهد قلبـــــه *** بغـــــار حـــــراء قبل ذلك فى النجـــــوى
ثم ذكر رضى هللا عنه فوائد اخرى ومن أهمها معراجه الروحى وأطال فيه فراجعه ان شئت { .من
كتاب تبرئة الذمة ص}154
وهذا ما يحدث لكمل العارفين واالشخاص المحترمين من ورثته صلى هللا عليه وسلم ( .وبالطبع
موالنا االمام فخر الدين منهم) القائل :
فكلنا وارث من جده سمة *** ونحن أهل العال تمت وراثتنا 75 /24
من أجل ذلك يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه:
كنيت فخر الدين فى الــــــــ *** ـعليــــــا ولست ملقبــــــــــــــــا ً 22 /14
أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب 12 /2
يقول رضى هللا عنه فى القصيدة النبائية بأن الحضرة العليا هى (حضرة المعصوم) جاءت من
أجلها القصيدة النبائية لتثبت بأن هذا المصطفى المعصوم هو القدوة الذى أقتدى به ،فهو :
المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتـــــــــدا
32
وعطـــــــاؤه قد خصنى *** كرمـــــا ً وليس مقيـدا
منه أنـــــا وأنــــــا بـــه *** المصطفـــى المقتــــدا
وهذا اإلصطفاء من أجل الجمع ،والجمع هو (الحضرة العليا) التى كنيت فيها بفخر الدين ،وهذه
الحضرة هى التى تجمع األحباب ومن مسمياتها (كتاب هللا) الذى آياته هؤالء األحباب وهى حضرة
قاب قوسيها الهدى الينتهى ،وأشارت اليها القصيدة (: )92
ما كتاب هللا إال جمعنــا *** إنمـــــا األحباب آيـــــات به
ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قويسها الهدى ال ينتهى
بما أن االصطفاء للجمع جاء من أجل هذا المصطفى فهو الذى أشارت اليه القصيدة ( )75بقول
سيدى فخر الدين :
وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا
أما قوله رضى هللا عنه أنه الشيخ المعصوم فقد وضحته القصيدة ( )59بقوله :
يقول الشيخ رضى هللا عنـــه *** وأرضينا به جمعا ً وفردا ً
فموطن (قاب قوسين ـ الهاهوت) وهو موطن الحضرة العليا التى كنيت فيها بكنية فخر الدين ،وهى
فى األصل حضرة جدى المعصوم الشيخ الذى رزقنا منه إرفادا ً ومدا ً ،وهو جدى المصطفى للجمع
متقدم الجماعة حتى قيام الساعة ،وسره مضمر فى طى سروتنا ،وهو سر على كل العظام وإنه
بظهور غيب الذات ما أفشاه ،وهو كتاب هللا وأهل الحضرة هم آياته ،وبما أن العالم عالمان عالم
األمر وعالم الخلق وكل واحد منهما (كتاب هلل تعالى) ولكل كتاب فاتحة تفصل ما فيه ،فكما علمنا
بأن لعالم األمر كتابا ً مجمالً ملقبا ً بأم الكتاب ،وكتابا ً مفصالً موسوما ً بالكتاب المبين ،ولعالم الملك
كتابا ً مجمالً يقال له :أم الكتاب وهو (العرش) وكتابا ً مفصالً يقال له :الكتاب المبين وهو (الكرسى)
،وحيث أن التوراة فُسرت فى سبعين فلو أردت تفسير فاتحة هذا الكتاب لجئت بأكثر من سبعين
راحلة وأشرت الى ذلك فى القصيدة ( )71بقولى:
وفقهت من أسراره ما لو يشا *** سبعين راحلة بذاك ألوقر 71 /9
33
وهو المشار اليه بسورة ال بقرة {ألم ذلك الكتاب ال ريب فيه} فحرف األلف من (أ ل م) هو الكتاب
المشار اليه بأداة االشارة ذلك ،المشار به الى الذات االحدية أى الحق من حيث هو أول األشياء فى
أزل اآلزال ،والالم تشير الى الوجود المنبسط على االعيان ،والميم يشار به الى الكون الجامع وهو
االنسان .
فالحق والعالم واإلنسان {كتاب الريب فيه} وكذلك قال هللا تعالى {قل كفى باهلل شهيدا ً بينى وبينكم
ومن عنده علم الكتاب} وهذا الكتاب هو ُم َعرف اإلنسان و ُم َب ٍين مراتبه ،أى بيان كتاب اإلنسان ،
فهذا البيان وهذه الحقيقة وضحتها القصيدة النونية بقوله رضى هللا عنه :
فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن
سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن
واإلنسان الكامل الذى أنزل عليه الكتاب هو المشار اليه فى القصيدة األحدية بقول سيدى فخر الدين
رضى هللا عنه:
من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريــدى قل هو هللا أحــــد
إنه إنســـــــان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البر الصمد
وهذا الكتاب هو (كتاب األلف) والعلوم اللدنية العالية فيها تفصيالت الكتاب ،التى فيها المعرفة بالدين
القويم عن االنسان الذى خلقه الحق فى أحسن تقويم ،والذى أظهره على الدين كله ولو كره الكافرون
بهذه الحقيقة ،وأ َ ِحبة سيدى فخر الدين فى الحضرة العليا (أم الكتاب) هم على دراية كاملة بكنية
فخر الدين ويعرفون أنه مهذبا ً ألهلها ،ولما ال وهو القائل :
وإنى فرع في أصيل المنـــــابت 2 /91
ً وإنى فى أم الكتــــــاب مهـــــذب ***
ً
أخوض بحارا ً تحذر السفن ما بها *** يجل عن الحذاق مكنون كنيتى 2 /97
ومن المعلوم أيضا ً أن أهل هذه الحضرة عصبة ،
فإخفض جناحك يا بنى فإننــا *** من عصبة ضعفائهم شرفـــــاء 12 /72
إنا بجمع الجمع كنــــا عصبة *** وإمام هذا الجمـــــع أول كاتب 51 /2
هم عصبة قد أرقتهم نظــــرة *** وعن المضاجع جمعهم يتجافى 22 /1
حاشا أبا العينين تهلك عصبة *** قد طورتهــــــــا كفكم أطــوارا ً 22 /22
34
والعصبة أبناء رجل واحد ،والرجل الواحد هو المشار اليه بعبارة أب لنا واحد أصل ألمتنا ،
وهوالمشار إليه بأول الخلق فى اطالقه ألفا ً ،وبما أن (األلف) هو الكتاب الذى ال ريب فيه هدى
للمتقين ،والتهذيب يعنى التدريس (تدريس األرواح) فى القاب والقوس ،وهذا التدريس هو تدريس
العلوم العالية للمعرفة بحقيقة اإلنسان الذى بيان مراتبه أتى بها الرحمن معلم القرآن ،ليثبت أن
لعباد هللا الصالحين كل حين رحلة روحية على غرار (رحلة اإلسراء والمعراج) التى كانت لرسول
هللا صلى هللا عليه وسلم بالروح والجسد التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى :
{سبحان الذى أسرى بعبده ليالً من المسجد الحرام الى المسجد األقصى الذى باركنا حوله لنريه من
آياتنا إنه هو السميع البصير}
وأما إسراؤه ومعراجه بالروح فهذا ما حدث أكثر من ثالثين مرة ،وهو ما يحدث لكمل العارفين
واألشخاص المحترمين ،وتكون بصحبة الرؤساء من األولياء ،وعباد هللا الصالحين مشار اليهم فى
قول المصطفى صلى هللا عليه وسلم ( السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين) ردا ً على قول الحق
تبارك وتعالى ( السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته) حيث كان ذلك فى رحلة االسراء والمعراج
ل لمصطفى صلى هللا عليه وسلم ،ثم حكى لنا أنه فى ليلة اإلسراء من رجب العجب ،إلتف األحباب
حول سيدي فخر الدين رضي هللا عنه وعلى غير عادته حيث كان دائما ينتظر السؤال ليفتتح درسه
،ولكن فى هذه الليلة بعدما جلس على كرسيه مباشرة قال :بسم هللا الرحمن الرحيم وبه نستعين ،
الليله سوف نتحدث عن أسرار اإلسراء والمعراج ،أوالً اإلسراء مش فى سورة اإلسراء ،سورة
اإلسراء فى السبب بتاع اإلسراء ،واإلسراء فى سورة النجم ،النبى صلى هللا عليه وسلم فى ليلة
12رجب كان نايم فى بيت السيدة أم هانئ بنت عمه وإسمها فاخته بنت أبى طالب وجاء جبريل
وميكائيل إليه ومعهم البراق ووجود البراق دليل على أن اإلسراء لم يكن رؤيه مناميه فالسفر فى
النوم أو بالروح فقط ال يحتاج البراق ،ولكن وجود البراق دليل على أن اإلسراء كان بالروح والجسد
في حالة اليقظة ال النوم ،ولو كان اإلسراء رؤية مناميه فلماذا كذبته قريش؟ ألن الرؤية يحدث بها
أكثر من ذلك ،وفى الطريق نزل النبى صلى هللا عليه وسلم ليصلى فى مكان مخاطبة هللا عز وجل
لسيدنا موسى ،ونزل مرة أخرى في بيت لحم مكان والدة سيدنا عيسى ،وقال مررت على أخي
موسى فإذا هو قائم يصلى في قبره ،وصالة سيدنا موسى فى قبره دليل على حياة األنبياء في
قبورهم ،وكمان تعبدهم بعد الموت ،ولما وصل بيت المقدس ربنا جمع له كل األنبياء والرسل فصلى
بهم ركعتين ،طبعا األنبياء والرسل كانوا أرواح مجردة والنبي روح وجسد فيكون المعنى أن جسد
النبي صلى هللا عليه وسلم في اللطافة زى األرواح المجردة بتاع األنبياء والرسل ألنه البد أن يكون
فيه تشاكل بينه وبينهم .
النبي صلى هللا عليه وسلم صعد إلى السماء األولى ،فيه روايه بتقول فيها أبونا آدم وروايه تانيه
بتقول فيها سيدنا يوسف والروايتين صح ألن السالك إلى هللا لما يصل للسماء كل سماء عنده باب
35
والباب له أربعة أركان ركن فيه أبونا آدم وركن فيه سيدنا يوسف والثالث فيه ملك أسمه روقيائيل
والرابع فيه برديس ألن السالك إلى هللا إما باإلسم هللا أو بالشريعة أو بالقسم أو بالمراقبة ،إللى
ماشى بالقسم ينزل عند برديس واللي ماشي بالمراقبة ينزل عند سيدنا يوسف واللي ماشي بالشريعة
ينزل عند روقيائيل ،واللي ماشي باإلسم ينزل عند فلك القمر ،وهكذا كل السماوات السبع التي
ارتقاها النبى صلى هللا عليه وسلم ،وده إسمه (عالم الملك) وفيه األراضين السبع والسماوات السبع
والبحار السبع والرياح السبع ،وبعد كده ارتقى النبي صلى هللا عليه وسلم إلي (عالم الملكوت) وهو
عالم الجنان أي الجنات واالرتقاء الحاصل كان طبعا بالبراق لغاية ما وصل أول الجنات ،وبعد كده
نصبوا المعراج لحضرة النبي صلى هللا عليه وسلم صعد بالمعراج الجنان كلها ،وبعد انتهاء الجنات
إبتدأ (عالم الجبروت) إللي هو حضرة العرش ،والعرش عادة سقف الجنات ومعنى كلمة (عرش)
يعني السقف يعني أرضية أي جنة هي سقف الجنة اللي تحتها ،وعلى ذلك يكون السقف األعلى هو
عرش الكل ،وهو بداية (عالم الجبروت) وهذا العالم مكون من العرش والكرسى واللوح والقلم
والسرير والسدرة وهكذا ،سيدنا جبريل وقف هناك لماذا؟
ألن سيدنا جبريل من المالئكة الفلكيين وهم مخلوقين من نور األسماء اإللهية ومسخرين لها وهم
رسل هذه األسماء ،ربنا جل وعال يقول ﴿ إنى جاعل المالئكة رسال ﴾ فالمالئكة رسل من األسماء
سبحِكره وهو قُ ًوته وهو ت َ ْنويره ومعرفته وده إللي بِي َ
اإللهية ،اإلسم اللي مخلوق منه الملك هو ذ ُ
بيه ....والدليل على كده لما الماليكه قالوا بخصوص آدم ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء
ونحن نسبح بحمدك ﴾ ربنا لم يقبل منهم ﴿ ونحن نسبح بحمدك ﴾ ليه ؟ ألن الحمد عادة يكون بمجامع
األسماء والحمد مرتبه يصل إليها السالك بعد ما يذكر باللسان ثم بالقلب ثم بالروح ثم بكل الجسد ده
إسمه اإلصطالم ،لما ينتهي من مراتب الذكر ويخلص يفتح له باب الحمد الرسمي ألن قبل كده يكون
في الحمد المستعار ،زى واحد ولده بيحتضر لما الناس تسأله إزي صحة ولدك يقول الحمد هلل ،هل
هذا الحمد حقيقي؟ ألنه ماممكن يكون عاوز ولده مريض ! وعلشان كده بنسميه الحمد المستعار،
وهو الحمد الجاري على لسان األمة ،وأما الحمد على موجب مقتضيات الحمد مايكون إال بعد
الوصول إلى نهاية مراتب الذكر ،فتتلقى األنوار والفيوضات اإللهية من ربنا جل وعال فيقول الحمد
هلل ألن الحمد هنا على جمعية األسماء كلها ،ولو كان الحمد على النعمة المتدلية من اإلسم فقط
لقولنا الحمد للمنعم أو الحمد للرزاق ،ولكن بعد الوصول بالذكر إلى فتح فيوضات اإلسم هللا ،وهو
جمعية األسماء كلها يعني األسماء اإللهية مجموعه في اإلسم هللا يكون هنا الحمد على موجبات
الحمد وهو الحمد الحقيقي ،علشان كده ربنا ماقبلش من المالئكة الفلكيين لفظة ﴿ونحن نسبح
بحمدك﴾ ألن كل ملك ذاكر بإسم أو إتنين ومش ذاكرين بمجامع األسماء اإللهية ،وبعد الحمد يبدأ
مراتب الشكر وهى الشكر الصغير ،وشكر المزيد ومراتب الشكر يعني التصريف في األسماء زى
تصريف سيدنا عيسى في اإلسم الخالق ﴿تخلق من الطين كهيئة الطير﴾ ،فلما يشكر مش يقول متشكر
36
يارب لكن يعمل باالسماء دى فى خدمة الدين ﴿فاعملوا آل داود شكرا﴾ يقوم ربنا جل وعال يزيده من
األسما ويسخر له مالئكتها ﴿ولئن شكرتم ألزيدنكم﴾ وهؤالء قليل من العباد ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾
مش الشاكر ويقول كبار األولياء في وصف الكالم ده وشكرها يحتاج شكرا لشكرهـــا كذلك شكر
الشكر يحتاج إلى الشكر ،وفى نهاية عالم الجبروت عند السدرة ،جيئ لرسول هللا صلى هللا عليه
وسلم بالمعراج وهو (الرفرف األعلى) وهو عبارة عن سجل أبيض من النور ركبه رسول هللا ودعا
جبريل للركوب معه فقال جبريل يارسول هللا لكل منا مقام معلوم فقال النبي صلى هللا عليه وسلم أهنا
يترك الخليل خليله ياأخي ياجبريل فرد عليه هذا مقامك وربنا بيحبك وحيوديك لغاية عنده فلو تقدمت
الخترقت أما أنا فلو تقدمت الحترقت ونستفيد من الكالم ده إن مش ممكن يكون جبريل هو المعلم
لرسول هللا ألن بعض الناس يقول إن النبي صلى هللا عليه وسلم امي وجبريل هو الذي علمه كل
األستاذ...واضح؟ ويتأخر التلميذ يتقدم فكيف شئ
بعدين صعد صلوات هللا وسالمه عليه (عالم الالهوت) كله بالرفرف األعلى ،وكلمة (الهوت) يعنى
عالم األرواح المجرده يعنى (األرواح قبل ما تنزل األجساد) ثم صعد للبارى جل وعال (بالجذبات
اإللهية) عبر (عالم الهاهوت) موطن القاب والقوس ،ومعنى الجذبات هو (سر اإلرادة) واإلرادة
يعنى (المحبة) وربنا إسمه (المريد) يعنى (المحب) ولذلك علشان المحبة بين ربنا والنبى صلى هللا
عليه وسلم كانت ﴿ثم دنا فتدلى﴾ مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو رسول هللا )
والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في موطن القوسين
يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ،ولكن (القاب والقوس) ده موطن
الهاهوت ،وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط لما كان النبي صلى هللا عليه
وسلم بروحه وجسده فى (أو أدنى) النبي صلى هللا عليه وسلم قال التحيات هلل الزاكيات هلل الصلوات
الطيبات هلل وسكت ،وفى تقدمه سمع صوت سيدنا أبو بكر يقول له قف إن ربك يصلى (فأسمعه
بـــاألنس صوت عتيقة توقف فرب العرش سبحانه صلى) فأزعجه ذاك الخطاب وقــــال هل تقيد
موالنا بإطالقه جلي ،هو الصمد الرحمن والرب بعد ذا يصلى؟ إلهى ما سمعت به يـتلى .
وبعد ذلك قال هللا السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ،النبي صلى هللا عليه وسلم قال السالم
علينا وعلى عباد هللا الصالحين ،يقولون أن المالئكة كانوا في الموطن ده ،ولكن زى ما قلنا قبل
كده الموجود مع النبى هم خدام هذا الدين من الرؤساء الكبار اللي حيحاربوا إبليس مع النبي صلى
هللا عليه وسلم قال وعلشان كده قال السالم علينا ألن الموطن ده اليمكن النبي صلى هللا عليه وسلم
يقول علينا من باب التفخيم والتعظيم لنفسه أمام هللا عز وجل ،بل البد يكون معاه ناس علشان يقول
السالم علينا وعلشان تقول يقصد (علينا) يعنى الناس المؤمنين نقل أبدا ً ،ألنه قال علينا وعلى عباد
هللا الصالحين ولذلك الصحبه الموجودين معاه قالوا أشهد أن الإله إال هللا وحده الشريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ،وبعدين تبارك وتعالى أعطى النبي صلى هللا عليه وسلم ثالثة علوم ،
37
األول (علم أمره بتبليغه) وهى علوم الفرائض والشريعة .ثم علمه (علم وخيره في تعليمه للناس)
وهى علوم مرتبة اإليمان العلوم القلبية (وعلم أمره بكتمه) وهى علوم اإلحسان والمشاهدات اإللهية
،وحيث فرض ربنا على النبي صلى هللا عليه وسلم خمسين صاله في اليوم والليله وفرض عليه
الغسل سبع مرات لكل عضو في الجسد وفرض عليه الوضوء سبع مرات ألعضاء الوضوء ووافق
النبي وفى طريق العوده القى سيدنا موسى ودار بينهم الحوار لزوم تخفيف الفرائض وكان نتيجة
ذلك إن الصالة فرضت خمسة فى العمل وخمسين فى األجر والوضوء ثالث مرات لكل عضو والغسل
مرة واحده فقط ....بعد كده الناس اختلفوا في الرؤية بمعنى هل النبي صلى هللا عليه وسلم شاف
ربنا وال أل ؟
أوال الرؤية مش ممنوعه شرعا ً ليه ؟ ألن قبل النبي صلى هللا عليه وسلم سيدنا موسى طلب الرؤيه
قال رب أرني وهو نبي معصوم كيف يطلب شئ ممنوع مش ممكن وكذلك قصة سيدنا يونس في
الظلمات قال الإله إال (أنت) وأنت للمخاطب دليل على الرؤية أما األحاديث المفتراه على السيده
عائشه في البخاري وغيره من الصحاح أنها كانت مع رسول هللا في ليلة اإلسراء وتقول تحت لحاف
واحد .والحديث يقول من قال أن محمد رأى ربه فقد أفرى على هللا أو أعظم على هللا الفرية وأنها
استندت باآلية ﴿ال تدركه األبصار﴾ فعادة إنتقاد الحديث يكون باآليات وبالتاريخ فمن ناحية التاريخ
السيدة عائشة رضي هللا عنها تزوجت النبي صلى هللا عليه وسلم في المدينه واإلسراء كان في مكه
فكيف يكونوا تحت لحاف واحد في ليلة اإلسراء والثاني اآلية ﴿ال تدركه األبصار﴾ ربنا قال األبصار
مش البصائر.
سيدي عمر بن الفارض بيقول في أبيات بيوصف فيها الكالم ده بيقول:
بك قــرت وما رأيت سـواك فتراءيت في سواك لعينـى
طرفه حين راقب األفــــالك وكذلك الخليل قلب قبلـــى
وبعد كده ربنا يقول ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ وعبده اليمكن يكون الروح الزم عبده يكون بجسده
وطاقيته ومراكيبه ده الجزء األول والثاني قال ﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾ ودي عيون الرأس بعدين
﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ ودي عيون القلب ثالث مره قال ﴿أفتمارونه على ما يرى﴾ وده جانب الخيال
يعني العقل رابع مرة بقول الحق تعالى ﴿ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهى﴾ ده بالنسبه للرؤية
وربنا سبحانه وتعالى لما يحكي عن القاب والقوس بعض العلماء بيقولوا إنه كان بين النبي صلى
هللا عليه وسلم وبين جبريل وده مش ممكن ألنه بيقول ﴿فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾ ومعنى ذلك يكون
عبد جبريل وده مش معقول جبريل وقف تحت ،إيه إللى طلعه في المكان بتاع قاب قوسين .
38
وبعدين حضرة النبي رجع مكه واتجه لبيت هللا الحرام إلتقى به أبو جهل أو أبو لهب فقال له هل
من نبأ جديد يا بن أخى ؟ .
النبي صلى هللا عليه وسلم قال نعم أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس فقال له وأصبحت بين ظهرانينا
؟ قال نعم ،فقال أتحدث القوم بما حدثتني ؟ قال نعم فصاح في الناس والقبائل والعشائر حتى اجتمعوا
فقال لهم انظروا ماذا يقول محمد فتقدم سراقه خادم األصنام وقال هل من نبأ جديد يابن أخي ؟ النبي
صلى هللا عليه وسلم قال نعم وقص عليهم نبأ اإلسراء وهم يعلمون أنه لم يسافر قط إلى بيت المقدس
،فطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس فبدأ يصف لهم كل شئ بالتفصيل ألن سيدنا جبريل أحضر
أمامه صورة بيت المقدس ودى المقصوده في اآليات ﴿وما ينطق عن الهوى ،إن هو إال وحي يوحى
،علمه شديد القوى﴾ والناس بين مصدق ومكذب ولكن لما أخبروا الصديق بما حدث قال وهللا أصدقه
ط ِلعْتُ في السماء أنا أصدقه .وجاءت القصيدة ( )51مشيرة للجمع في خبر السماء يعنى لو قال َ
المتواجدين فى هذه الرحلة بقوله رضى هللا عنه :
إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب
السـادة االقطاب فينا أنجـم *** وبنا أبو الدنيـــا وأول تائب
وعلى ذلك فإن هؤالء العباد الصالحين وخصوصا ً الخلفاء األربعة الراشدين رضي هللا عنهم قد أدركوا
الرؤية بفضل النبي صلى هللا عليه وسلم الذى ألبسهم رضي هللا عنهم خلع التشريف منه صلى هللا
عليه وسلم .وآلة الرؤيا هنا عيون البصر ( في اآلية ) ما زاغ البصر وما طغى (عينا الرأس) فى
الوجه ،والبصيرة عيون القلب ( في اآلية ) ما كذب الفؤاد ما رأى ( عينا القلب ) أفتمارونه على
ما يرى ( فى االية ) ( عينا العقل ) فى الرأس ،ولقد رآه نزلة أخرى ( في اآلية ) هى ( عينا الروح
) ،وختاما ً النبي صلى هللا عليه وسلم دائم المشاهدة للمولى عز وجل .
وكل من أدرك التجلي اإللهي يعلم غيب كل شئ وأن من يســمع الخطاب اإللهي يعـــلم نطق كل شئ
{ من كتاب تبرئه الذمه صـ 92حتى . } 95
ثم يقول سيدي فخر الدين إنى كنت من بين أولياء هللا الصالحين الذين أشار إليهم المصطفى صلى
هللا عليه وسلم فى ( قاب قوسين ) عندما رد السالم على المولى عز وجل قائالً :
" السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين " وعندها صحت معهم بروحى قائالً :
(( أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله )) ثم يستمر رضي هللا عنه في روايته
بقوله من القصيدة األولى ( التائية ) :
سريت كإســراء المقدم جلـوة *** رأيت بمعراجي عجائب صنعة 2 /91
39
وإني في اإلسراء كنت إمامهم *** ألني نجــــم يقتــــفى بالثريــــة 2/ 95
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه حال الرحلة أنى سريت كإسراء المقدم صلى هللا عليه وسلم
وهذا أمر طبيعى ألنى فى معراجى الذى جيئ به لنا للصعود الى عالم الالهوت والهاهوت موطن
المشاهدات والتجليات التى فيها شاهدت عجائب صنعتى ،ثم يقول رضى هللا عنه أنى فى االسراء
الخاصة بى لما حان حينى ،كنت إمام السائرين كالنجم الالمع (الثرية) الذى يقتفى أثره ويستعان
به فى دروب السير فى الصحراء .
وجاء قوله رضى هللا عنه :
كانت اإلسرا وحان النيل منهــــا *** من قراهـا من مزيد نبتغيـــه 91 /1
من صفى من على من شــــراب *** ليس عندى علمه ال أدعيـــه 91 /7
كل موصوف ينال الوصف منها *** بل وإن الرمز فيها حرت فيه 91 /1
بل ومنها محكمات كـــن رمــزا ً *** كم أكنت من كـــنى تصطفيـه 91 /5
ومن بين المنح والعطايا التى نلتها من الموطن الذى قال فيه الحق سبحانه وتعالى {فأوحى الى عبده
ما أوحى}وهو الموطن الذى قال فيه رسول اله صلى هللا عليه وسلم ما معناه (علمنى ربى علما ً
أمرنى بتبليغه وهو االسالم وعلم خيرنى فيه وهو االيمان وعلم أمرنى بكتمانه وهو االحسان) ،
علوم ديوان شراب الوصل التى يؤكد فيها قوله رضى هللا عنه أن ضياها ما به األرض أشرقت وأن
سناها من سنا األحدية فهو معانى العلم الثالث الذى أمر المصطفى صلى هللا عليه وسلم بكتمانه ،
وهوعلم عن غيبة قدر المصطفى الذى أشارت اليه القصيدة التائية بقوله :
وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت 2 /121
فهذا المصطفى للجمع هو جدى بمعنى(حظى ورزقى) الذى أخذ فيه على الكاملين بالكتم ،وهو متقدم
الجماعة ـ أهل الحضرة ،وهذا العلم حقى صاف من األكدار واألوهام جاء من أعلى المراتب على
هيئة شراب ،علم يفوق الوصف ورمز حرت فيه وحارت فى كنه معرفته ملوك اإلنس وملوك الجان
،حيث جىء به على هيئة المكنون ،والمكنوز فى صدف األوانى الذى جل عن الحذاق معرفته أو
النيل منه ويكفى فيه الرمز ،ألن الذى يتعرف عليه هو الذى يتم إختياره واصطفاؤه لهذه المعرفة .
(كم أكنت من كنِ ٍى تصطفيه):
41
فأنا الذى اصطفيت من بين الخلق حيث كنت الباقر له وأصبح علمى المخصوص الموهوب الذى ال
يقدر على تبيانه غيرى وال يلقاه شقيا ً ،وهو من فيض وهب عن المسمى إبراهيم والمرموز له
باإلمامة فى كتاب هللا ،وأهل مراتب اإلحسان يرجونه لهم جاها .
ـ ويقول سيدى فخر الدين فى (كتاب تبرئة الذمة ص ) 121قصة االسراء والمعراج أخبرت عن
أعلى مراتب السير:
مراتب السير أى السفر إلى هللا وهذا حادث أصالً من كل الوجود طوعا ً أو كرها ً ودليل ذلك ترحل
الكائنات من أطوار حدوثها إلى اكتمال وجودها إلى فنائها ،فانتقال اإلنسان من طور إلى طور حتى
الكهولة والهرم هو السير الطبيعى الختيار السير فيه ،أما السير االختيارى فهو إلى هللا ،يسير
اإلنسان طائعا ً مختارا ً إلى هللا تعالى بالكتاب والسنة على يد خبير ،عالم بالطريق والسير فى طريق
واحد ،على محطات مختلفة ،إلى منطقة ما أو مرحلة معلومة ،فهو خط سير لمرتبة معينة ،لبلوغ
غرض معين ،ومن المعتمد أن كل السالكين يصلون موطنا ً واحدا ً هو موطن العتق ،ويستوى فيه
السالك المنتظم من حيث اإلرشاد العام والمراقبة والمحبة الصادقة ،والسالك بكثره العبادات النفليه
-وفى هذا الموطن يسمى السالك باسم أبيه الروحى ( فالن ابن سيدى ابراهيم الدسوقى ) وعند
سماع النداء يقبل البعض هذا النداء ،وهو فالن ابن فالن قد صار عتيق هللا فى األرض ،ويرجعون
مسرورين ،وهذه هى حالة السير إلى هللا .
ـ أما أصحاب األوراد الصحيحة من حيث المراقبة الصحيحة والمحبة الصادقة والعقيدة السليمة فهم
من تم اختيارهم من قبل المولى عز وجل للترقى إلى مرتبة اإلحسان ،وهؤالء قلة من قله ،فهم
الصفوة المختارة الذين يترحلون فى مراتب السير فى هللا ،أى فى باطن اإلسم " هللا " بعد أن يحصوا
أسماءه جل وعال كلها .التسعة والتسعين واحدا ً بعد واحد ليدخلوا فى بحر االسم " الرحمن " ،
وبعد أن يأخذ كل منهم حظه من حضرة االسم " الرحمن " وما شاء هللا له من المعرفة ينتقل إلى
اسم آخر وهو " الرحيم " ،وبعد قطع الموطن والمسافة ينتقل إلى اسم آخر ،فمثال البد أن تكون
هناك مساحة أو مرحلة بين االسم " القابض " واالسم " الباسط " وكذلك بين االسم " المحيى
واالسم " المميت " ،وهذه المساحة هى موطن التدريس من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،حيث
درس السائر حقائق توحيد الفطرة ،وهى المراحل المقصودة بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم : يَ ِ
" نضر هللا وجه الراحل المترحل " ،واإلحصاء ال يقصد به الحفظ ،وبعد ذلك يرجع المريد من هللا
بعد ان أصبح عارفا ً عالما ً ،وبذلك يصير مرشدا ً يجوز له إرشاد الناس والسير بهم ،كما قال عز
وجل " :رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التالق
يوم هم بارزون ال يخفى على هللا منهم شئ ....وهى حالة السير فى هللا .
41
جاء سيدي فخر الدين رضى هللا عنه بهذه القصيدة مبشرا ً أبناؤه بأنه أسرى به بصحبة المصطفى
صلى هللا عليه وسلم ثم عرج به حيث شاهد في معراجه عجائب صنعته التى بشرهم بها بقوله رضى
هللا عنه :
- 2في كل حين لنا في المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينـــــا
- 1وكفه من عطـــاء هللا يمنحـــــــــنا *** ومن تدانيه يطعمنـا ويســـــقينا
- 7لما دنا العرش والكرسى جيئ بــه *** في أول الليل وإزدانت مراقـينـا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح والتفصيل :
2ـ فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينا
الحين يمكن أن يكون دهرا ً ويمكن أن يكون عاما ً ويمكن أن يكون يوما ،ويمكن أن يكون صباحا ً
أومساءا ً ويمكن أن يكون لحظة أو وقت ،ولكن اإلسراء المعروفة تتم كل عام فى ليلة السابع
والعشرين من رجب وهذه الرحلة تمت لنا فى طى سروة سيدنا رسول هللا أرواحا حتى أوصلنا برفقته
صلى هللا عليه وسلم ،إلى حيث موطن (قاب قوسين) ،ضمن عباد هللا الصالحين وخاصة أننا بصحبة
مشايخنا خلفائه المحمدين وعلى األخص موالنا الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وموالنا الشيخ
إبراهيم وموالنا الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهانى وخلفائه الممدودين حتى زمن
اإلمام المهدي المنتظر رضي هللا عنهم .
وبما أن هذه هي رحلة إسراء الرسول الكريم صلي هللا عليه وسلم وهي رحلة سنوية لألرواح تتم
كل عام ،فقد يقوم شيخ الطريقة رضي هللا عنه بالسير برفقة أبنائه إلى الموطن الذى اتجه اليه
سيدى أبو العينين وعليه جاء قوله فى القصيدة التائية :
الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتى 2 /125
أى أن الدسوقى هو الذى أرانى كيف أسير وأتوجه للموطن المخصص لهذه الرحلة حيث القاب
والقوس من التدانى ،فإذا كانت القبلة هى الوجهة فهو باهلل قبلتى وإمامى فى كل شىء ،فهو مأملنا
فى كل حين وكل وقت وال بديل لنا غيره رضى هللا عنه فى السير خلفه الى موطن (جدّنا المصطفى
للجمع) اإلمام الذى سره مضمر فى طى سروتنا ،المشار اليه فى القصيدة (:)75
وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا 75 /19
42
فهو اإلمام الذى يتم السير خلفه الى حضرة جمع الجمع ،الى (قاب قوسين أو أدنى) للوصول الى
موطن الجد الكريم حضر النبي صلي هللا عليه وسلم ،حيث يمد كفه الشريف ويأخذ ما شاء هللا أن
يأخذه من المنح والعطايا من كل موطن أو مرتبة أثناء السير من (البداية حتي القاب والقوس من
التدانى) من الحضرة التي هي محل وصولنا ،وعطاؤه يأتنا فى صورة ما يشبه الطعام والشراب
وكل ما يروي أرواحنا ،يساعدنا علي السير خلفه ،لذا قال رضى هللا عنه :
1ـ وكفه من عطاء هللا يمنحنا *** ومن تدانيه يطعمنا ويسقينا
يقول سيدى فخرالدين رضى هللا عنه فى هذا البيت أن كل ما نحتاجه فى هذه الرحلة من طعام وشراب
مقدم فى صورة منح وعطايا هى من عطاء هللا بكف المنعم المتفضل جدى المصطفى إمام الجمع
(متقدم الجماعة الى قيام الساعة ) التى حصل عليها عند التالقى فى موطن (القاب والقوس من
التدانى) وهو تالقى األرواح المعبر عنه بحضرة (جمع الجمع) المشار اليه فى القصيدة (: )51
إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب
أى كل الحاضرين المجتمعون فى هذه الحضرة هم عصبة أبناء هذا الرجل جدى إمام هذا الجمع
المسمى أول كاتب .
- 7لما دنا العرش والكرسى جىء به ***فى أول الليل وازدانت مراقينا
بمعنى :لما دنا العرش (وهو كتابا ً مجمالً لعالم الجبروت) والكرسى (وهو كتابا ً مفصالً ومبيناً) جىء
بالمعراج فى أول الليل (لبداية رحلة السير) وذلك لتسهيل طريق الوصول ،وتسهيل الطاعة وتهيئة
الروح للقرب من المصطفى للجمع ،وتزيين مراقى السائرين أثناء مراتب السير وتوضح ذلك المعنى
س ًهل هللا للسائر
أول آية من سورة الليل حيث يقول الحق تبارك وتعالى (والليل إذا يغشى) أى إذا َ
س ًهل عليه الطاعة ،وهيأ قلبه وقبله للقرب منه ،وحبب إليه الطريقة (اإليمان) الطريق للوصول َ ،
وزينه له ،وتوضح القصيدة الثانية كيف تزدان المراقى بقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى
القصيدة الثانية:
دانت مراقى الصالحين لسروتى *** وإزدانت العلياء باإلحسان 1 /5
ويوضح سيدى فخر الدين معنى (جىء به) بقوله رضى هللا عنه أن المرحلة الثانية للرحلة تبدأ من
نهاية (عالم الجبروت) الذى يتسع للعرش والكرسى حيث يتم المجىء بالمعراج وهو (الرفرف
األعلى) فى أول الليل حيث إزدانت مراقينا ،على غرار ما قيل أنه (جيئ لرسول هللا صلى هللا عليه
وسلم بالمعراج وهو (الرفرف األعلى) وهو عبارة عن سجل أبيض من النور ركبه رسول هللا ودعا
جبريل للركوب معه فقال جبريل يارسول هللا لكل منا مقام معلوم فقال النبي صلى هللا عليه وسلم أهنا
43
يترك الخليل خليله ياأخي ياجبريل فرد عليه هذا مقامك وربنا بيحبك وحيوديك لغاية عنده فلو تقدمت
الخترقت أما أنا فلو تقدمت الحترقت).
- 1حلت علي أهل هذا الحي فرحته *** كل تخلى فال معنا وال فينا
لقد فرح أهل الحضرة بقدوم موالنا الشيخ محمد عثمان عبده وبرفقته أبنائه الذاكرين السائرين خلفه
خالل ت لك الرحلة الروحية والتى فيها تخلى الجميع عن كل شىء يرتبط بالجسد سواء اللسان أو
القلب حيث أتوا الى موطن تجمع االرواح المجردة بدون األجساد ،حيث أن ذلك الموطن يتوقف فيه
الذكر وهو موطن مشاهدات وتجليات إلهية فقط .
الكــــــف ألبسنا *** ثوبا ً صفيا ً شهدناه بدا فينــا
ّ – 5لكنــه من ندى
كما يقول رضى هللا عنه أن ذلك الموطن موطن إصطفاء وفيه يُلبسنا المصطفي رضى هللا عنه رداءا ً
صفيا ً يُلبسنا إياه تشريفا ً وتكريما ً منه لنا ،وهو ُحلة أنوار صافية صنو حلته النورانية التى هى من
لزوم مشاهدة التجليات النبوية ،وهى على صورة ثوبا ً صفيا ً شهدناه بدا فينا ،وهى آية فى الجمال
.
- 2وآية من تجلى نور طلعته *** في آخر الليل تعطينا فترضينا
فاآلية األولى (يُلبسنا ثوبا ً صفياً) يساعدنا على مشاهدة التجليات النبوية فى البداية ،وآية أخرى من
تجلى نور طلعته أى (ظهور نور طلعته ليرضينا) وتوضح اآلية األخيرة من سورة الليل التى تقول
(ولسوف يرضى) ،فهو صاحب أحدية الكثرة الذى أشارت اليه القصيدة األحدية :
إنه المرضى عنه من لدن *** من بقاب قوسين سجد 9 /24
- 2لما دنا الرفرف األسمى لرقوته *** لما سمي فـــــوق ذا أفني تسامينا
عندما إقتربنا من نهاية عالم الجبروت جىء الينا (بالرفرف األعلى) وهو سجل أبيض نورانى معد
للركوب يتم بواسطته الصعود بالجذبات ،ولما سمى فوق العرش أصبحنا فى فناء حيث دخلنا فى
موطن الآلهوت (د ٍه دهٍ) وهو عالم االرواح المجردة ثم فى الهاهوت(د ْه دهْ) وهو (القاب والقوس من
التدانى) فى هذا المرتقى المشار اليه بأداة اإلشارة للقريب (ذا) الذى فيه المصطفى أفنى تسامينا ،
حتى صرنا غيوبا ً .
- 9كنا غيوبا ً فصرنا بعد ســـروته *** عين الشهود شعاع الشمس يُفشينا
بعد أن كنا غيوبا ً ،فسار بنا الى حيث (ال) موطن من فيه يفنى عن نفسه ،وفيه أفنى ظواهرنا ،
وبعد سروته طلع علينا فجره وسطع نهاره فصرنا (شهوداً) أى عين الشهود شعاع شمسه يفشينا .
44
- 8كنا شهودا ً فأغشـــانا فلم نره *** سترا ً من النور ان رمــــناه يغشينا
ثم بعد أن كنا ( شهودا ً ) فأغشانا بعد أن أظهرنا ،حيث أظلنا بوضع ساترا ً من النور فانعدمت رؤيتنا
له ،وإذا حاولنا مشاهدته مرة أخرى يخفينا ،وكان ذلك االخفاء صفاءا ً وإصطفاءا ً ،وأشارت اليه
القصيدة ( )55بقوله رضى هللا عنه :
فأظهرنــا وأخفينــا ثالثــــــا ً *** وأخفينا صفاءا ً وإصطفاءا ً 55 /1
وباإلخفاء صرنا فى إستواء *** علـــى بيت ونحسبه هواءا ً 55 /7
- 24من أول البدء أرواحــا ً إلي خــــــتم *** في حضرة القرب ما أبهي تالقينا
- 22جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشــــدا يقربنـــــــا ويدنينا
- 21وقاية خلف ستر الكبريـا كــــــرما *** كانت لنــــا أســــتارا ً تواريـــــــنا
يصف لنا سيدي فخر الدين بايضاح حال أرواح الموجودين في دائرة حضرة القرب التى يقول عنها
فى القصيدة (: )92
كلهم فيها جليس واحـــــــــد *** فى استواء ختمه فى بدئه 92 /29
فهم من البداية حتى النهاية أى من أولهم آلخرهم فى استواء ،سواء حضرة الجمع أو جمع الجمع
فكلهم سادة القوم وهو أمين السر عندهم ،والسيد المعصوم الذي رزقنا منه نعمة االرفاد وكذلك
نعمة اإلمداد بالمعرفة بحقيقة الذي هو أول الخلق ،فهو سيد وأول عبد ،عبد هللا على االطالق في
هذه الحضر ة ،وهو الذى تشير اليه اآلية {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} حيث إنه أول
الخلق إطالقا ً وبه بدأت بداية العباد المتواجدين معه في هذه الحضرة التي هي حضرة القرب ،التي
فيها موطن التالقى بينهم وبين النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن ﴿ثم دنا فتدلى﴾ فكان قاب قوسين
أو أدنى ،يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو
رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في
موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ،ولكن (القاب والقوس)
ده موطن ،وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط ،وهذه الحضرة ال تدركها
عقول وال قلوب الغافلين ألنها ال تري إال بعيون قلب وروح العارفين الصادقين من الثوابت الكبار
والنوابت الفروع منهم ،وهذه الحضرة بدايتها تجلي نهايتها وهو فيها يبسط يد العناية والهداية
علي كل المتواجدين فيها من أول واحد حتي آخر واحد وكلهم جليس واحد في دائرة واحدة استواء
ختمها متجلي في بدئها ،وكلهم في هذا الجمع مجموعون الى فرده :
45
( جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشدا يقربنا ويدنينا )
فهم جميعا أفراد وكل فرد منهم جمعا لحضرته والكل مجموعون حشدا ،أي جميع األفراد ،كل فرد
منهم جمع ،مجموعون حشدا في حضرة القرب يقربهم منه ويتدلي عليهم من خلف ستر الكبريا
سبحات كرما منه لماذا؟ ألنه تارة يظهر عليهم من خلف الستار رحمة بهم وخوفا عليهم من تجليات ُ
سبحات مهلكات لكل من لم يستطع المكوث في وجهه الكريم المهلكات ،حيث إنه الوجه الذي يحمل ُ
هذه الحضرة ،فيرسل لهم أستارا تواريهم لتحمل طلعة نور شمسه المحرقة ،لتلطيف حرارة أنواره
صلي هللا عليه وسلم ،ويقول سيدي فخر الدين عن علوم تلك الحضرة :إنها علوم تتحدث عن ذات
الذي هو أول الخلق الذى فيه المبدأ والمعاد:
سبحات وجهه مهلكات 87 /2
علوم الذات دون السـتر وهــم *** لها ُ
سبحات إال محض نـــور*** كنار كان منــــــها البينات 87 /1
وما ال ُ
إذ أن يونس لم يكن في سبحها *** إال لينبذ في العراء سقيمـا 81 /22
وكل الموجودين في هذه الحضرة كان لهم طلبات يتمنون أن تقضي لهم ومن بينهم سادة كبار منهم
السيد البدوى القائل عنى :
لفخر الدين بغية من تمنى ،ثم يقول:
لفخر الدين يا من رمت هديـا *** حبيب هللا غيـــاث المعنى
كما يقول الشــاذلى عليه منى *** تحيات وحاشـــــا أن تمن
لفخر الدين يامـن قد أضاعوا *** سخى الكف يأبى أن يضن
كما يقول صفى الشيخ سيدى موسى ابو العمران :
يقول وما لرأى فـــــيه وجه *** لفخــــر الدين سرا ً كم أكن (انه حامل اسرار الطريقة )
ثم يقول سيدى فخر الدين عن كمال عطاء هذه الحضرة :
سرى فينا - 27نلنا منانا وما فوق المنى دررا ً *** عهدا ً رعيناه من ِ
س ٍر َ
لما قال الحق جل وعال (إنى جاعل فى األرض خليفة) كان الكالم ده فى العرش ،والخليفة سيكون
فى االرض (محل السجود) فأردنا معرفة حقيقة الخالفة ومن هو الخليفة ،فتعرفنا على هذه الحقيقة
وهذا معنى نلنا منانا ،ومعنى وما فوق المنى دررا ً كان العلم الذى أخذ على الكاملين بكتمانه ،وهو
46
علم مرتبة االحسان وكان ذلك فوق المنى وهو السر المكنون الذى جاء من أجله هذا الحديث ومنحتى
وكالمى هذا الدرالمنظوم فى ديوان شراب الوصل وهو من بطائن األسرار عن من هو الخليفة (الولى
الذى فيه سر الختم) ومن الخالفة فيهم ،فكان ذلك حظى ورزقى وجاءت االجابة عن الخليفة الخالفة
فى اآلتى :
ما اإلختالف وما الخالفة ما النبا *** قد جئت باالخبـار فى نبإيتى 2 /728
ولى فى ابن آمنة وصيــة وارث *** وفينا يكون اإلختالف تعاقب 12 /1
نكرع التوحيد إمدادا ً وفضــــــالً *** والخالفة إن أردت الحق فينا 21 /12
أى حصلنا على كل ما نتمناه من مطالبنا وأخذ علينا عهدا ً شهدناه وتعهدنا على الوفاء به وكان ذلك
في موطن ( ألسْتُ ) قبل ظهور الكائنات وهو المشار اليه فى القصيدة (: )12
هو القاب ذو األلقاب والروح دونه *** وذو منبرال يعتليــــه مكابــر 12 /25
له المنبر األسمى له العلـــــم سابقا ً *** بقبل ألست الرب فيه يحاضر 12 /22
حينئ ٍذ تجلى الرب قائال ألست بربكم ،فقلنا جميعا شهدنا فقال هللا :آمين ،أى أن الحق تبارك وتعالى
{ أ ٌم َن علي هذا العهد الذي رعيناه من السر الساري فينا حيث إن الحق أخذ العهد علي األرواح فى
هذا الموطن للمعرفة ( لتعرفه ) وتمت المعرفة وشهدت جميع األرواح بذلك في قولـــه {:بلى ش َِهدْنا
} وهذا معنى اآلية ( )221من سورة األعراف ).
- 21لما بدت شمسه أو جن حالكه *** أقمارنا دونه عادت عراجينا
وعند ظهور شمس العرفان فمنا من ثبت بتثبيت الحق له ،فصار بدرا ً (وليا ً كامالً) ومنا من عاد
كالعرجون القديم هالال ً ،بعد أن كان قمرا ً .
فأقمارنا البدور البارزة في سماء الغيب عادت عراجينا عند بزوغ فجره وطلوع شمسه أي شمس
نهاره ،فهو أول يوم واليوم (ليل ونهار) وهو الفجر والفجر ظهوره للكائنات وشمسه تمام المعرفة
بحضرته .فهو راعينا :
- 25إنا رعاة ولكن حين صحبته *** يقلب الكل فى عين تراعينا
يقول سيدى فخر الدين (إنا رعاة) أى عندما يأتى موعد الرحلة الروحية ويتحقق لنا اإلسراء
والمعراج الذى يحدث لكمل العارفين واالشخاص المحترمين نكون رعاة بمعنى كل شخص منا يصبح
راعيا ً ألتباعه ومريديه ،ولكن حين صحبته يكون راعينا الذى يقلب الكل بإصبعين من أصابعه
47
ويرعانا فى عين تراعينا ،ويزج بنا فى بحار األحدية بالعين التى تراعينا وهى{عين بحر الوحدة}
التى يغرقنا بها ال نرى والنجد وال نحس اال بها ،وهذا هو بحر اللحوق بالحقيقة المحمدية المشار
اليه فى القصيدة ( )78بقوله رضى هللا عنه :
نزلنـــا بحره كالسابحات *** وأيقنـــا بأن الوصـــل آت
سبحنا والغياهب تحتوينا *** وكنا كالجوارى المنشئات
فهو من لديه شفاعة وجناب ،وهو راعى طريقتنا وأشارت اليه القصيدة (:)75
له الشفاعة موصول بنا كرما ً *** وهذه خصة الراعى طريقتنا 75 /28
وهو المخصوص بالحضرة الزينبية التى يقول عنه سيدى فخر الدين:
تبارك من أفنى الدهور بقـاؤه *** يقلبنـا فى عزة سرمدية 2 /712
ويمنحنا فضالً يضىء غيوبنا *** فينفحنا من نفحة زينبية 2 /711
ثم يقول سيدي فخر الدين إن المقصود بـ (أنه هو السميع البصير) العبد (االنسان الكامل) الذى قال
عنه الحق سبحانه {سبحان الذى أسرى بعبده ليال من المسجد الحرام الى المسجد األقصى الذى
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} لنريه أى لنريه من آياتنا عجائبنا وغرائبنا
التى ال تنتهى بالسمع والبصر.
-22لما سمعنا مناجاة له بأنا *** قلنا شهدنا وقال هللا آمينا
وفى هذا البيت يقول رضى هللا عنه لما سمعنا مناجاة له (بأنا) تذكرنا قول القائل رضى هللا عنه (سر
بى بحق هو) ففهمنا أن االسراء والمعراج الروحية تكون بحق هو
وهو موطن بطون الهوية الذى تتالقى فيه األرواح ،وفى هذا الموطن العجائب والغرائب التى يطلعنا
عليها ،ولما سمعنا فيه مناجاة له بأنا قلنا شهدنا بالذى شهدت عيناك من منح هللا الذى فيه فشربنا
ي في أنا) على أثرها قلنا رحيقه المختوم بمسك الحقيقة ،ووجدنا ذلك فى معنى (أنا في أنا إني وإن ّ
شهدنا ،أى شاهدنا وحصلنا على ما نتمناه ،وقال هللا آمين ،أى إستجاب هللا لنا مطلبنا .
- 22لما سمعنا جمعنا عند حضرته *** وآية الصبح قد دكت رواسينا
وهنا يقول لما سمعنا نداءه جمعنا عند حضرته ،وأصبحنا فى موطن فكان قاب قوسين أو أدنى ،
حيث كنا محل الدنو وإذا بالهوية المتدلية تتدلى علينا فشاهدنا ( جماله ) وهو خارج من كنز األحدية
خروج األسد كالسهم من عرينه ،وذكر ذلك في التحصين الشريف بقوله رضى هللا عنه (أنا األسد
48
سهمي نفذ منه المدد) وهو الذي من أجله جاءت دائرة اإلحاطة ،وآية الصبح قد دكت رواسينا :أى
الشىء العجيب ظهر عند طلوع فجره أطل علينا من هويته حيث تفجرت حقيقته عند بزوغ نهاره
وطلوع شمسه التى دكت رواسينا ،وفهمنا معنى قول الحق تبارك وتعالى (وقرآن الفجر ،إن قرآن
الفجر كان مشهوداً) فهو رضى هللا عنه القدم المشهود فى عالم الغيب ،قرآن الفجر المشهود ،تلك
الحقيقة حقيقته التى إنشقت إلي حضرتين حضرة ال تعينية (أحمدية) فى موطن (أو أدنى) ثم حضرة
تعينية (محمدية) فى موطن قاب قوسين ،وإذا أردنا تفصيلها فتكون الحضرة األحمدية هي حقيقة
أحمد التي منها مطلعه من بين حدها علي هيئة دائرة الميم من اإلسم أحمد ،وتجليها علي اسمه
محمدا ً فصارت المحمدية مجلي األحمدية وفي هذا الموطن والمكان الذي جمعنا فيه وشاهدنا هذه
الحقيقة أية من آياته بل هي اآلية الكبري للسميع البصير وهي أية الصبح التي دكت رواسينا عندما
طلعت علينا طلعة المعصوم الذي هو شيخنا الذى رزقنا منه نعمة اإلرفاد بعلوم شراب الوصل واإلمداد
بكل ما نحتاجه من حوائج الدنيا والتي توصلنا إلي اآلخرة .
- 29وعندما سلم المعصوم رايتــه *** وأومض البرق ما كلت مرائينا
- 28وكان للوصل بيتا من عطيته *** وأصبح السر كتما ً في حواشينـا
وفي هذا الموطن سلم المعصوم رايته التي هي سمة وعالمة وآلة ظهور حقيقته وخروجها من صدف
أواني األحدية التي كانت تغطيه علي أنها ذاتية صرفة أما أحديته الثانية التي هي أحدية الكثرة هى
حقيقته المحمدية ،تجلي نور األحمدية ،ثم أصبحت تجلي ضياء الحقيقة المحمدية ،ثم أخرج هذا
الضياء الذي انقسم إلي 211ألف برق ،فماذا فعل البرق؟ أومض البرق سناه ،ولما أرسل البرق
سناه ماكلت مرائينا مشاهدته ،أى ماعجزت مرائينا عن الرؤيا ،فسنا برقه (التلوين) الذي قال عنه
سيدي فخر الدين :وهب لي جوار المصطفي وشهود وصنى من التلوين يا ذا العناية (توسل السادة
البرهانية) فهذا الموطن الذي نحن فيه مجتمعين اآلن هو محل الوصل في أثناء السير في هللا ثم
يقول:
وكان للوصل بيتا من عطيته *** وأصبح السر كتما في حواشينا
ما هو بيت الوصل ؟ إنه البيت المقصود المعظم الذى يأتى بمعنى (الحج) فى قوله :
ياأيها الناس حج البيت للسارى *** وميت القلب التشجيه أوتارى
الحج هلل فى مجاله مكرمــــــة *** وبيته بيته من غير إظهــــار
وهو الذى جاء به لتحدى العقول وأهل الفهوم وسميت باسمة القصيدة العطية :
من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم إبراهيم 21 /2
49
وتأتى المعرفة بقدر عطيتي في هذا الموطن فيقول للجميع :
هال عرفتـــم بعض قدر للــــذي *** أعطيت إبراهــــيم وهو عطيتي 2 /714
فهو الذي أعطي العبيد زمامها *** كرما ويعــــلم مبدئي ونهـايتـي 2 /771
إذا هو أعطــي فرب لعـــــــبده *** كذا هو وهاب العـــــلوم العليــة 2 /782
وهو المخاطــــب في الضحــي *** ولسوف أعطــــــــــيك الرضـــا 22 /27
مقام إبي العينين أعطيت بابــه *** وحمدي عند هللا أعلي المحــامد 21 /21
لقد أعطيت ما لم يعطـه غيري *** من القــرآن لكن ما اجــــــترأت 12 /18
والبيت المشار اليه القصد وغاية وصل الواصلين وهو عطية الذى سره كان مضمر فى طى سروتنا
:
من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم إبراهيم 21 /2
فاسألوه النجـــاة من يوم حشــر *** يوم ال يسأل الحميم حميم 21 /1
فهو الحبيب وال يخـيب رجـــاءه *** أورثته سرا علــــيه لثامي 25 /1
فهو :جدى المصطفى للجمع بمعنى ( حظي ورزقي ) الذى تكتمت سره المشار اليه فى البيت التالى
:
ويوم يطيب لي إفشاء سري *** ليوم فيه عطلــت العشار 72 /11
فهو الذى تولد النور من ظلماء غيهبه ولما أُخبرنا بسره تكتمناه وصار كتما ً في حواشينا حتي يأتي
زمانه ويحضر رجاله ،ويوم يطيب إفشاء هذا السر سيكون يوما ً تعطل فيه العشار ،أى تضع
الحوامل حملها من شدة هول ذلك اليوم .
- 14عدنا كما عادت األيام أولهــا *** تأذن المصطفي ينبي مثانينـا
- 12عاد اإلخاء كأن لم يفنه زمن *** وأشهد الكون آيــا ً من تآخينا
- 11ولم يكن عندنا عند وال صور*** ولم يكن حسنا حاءا ً وال سينا
األيام المقصودة هنا السبع المثانى ،عندما أراد الحق أن يبدأ الخليقة ماذا حدث؟ بدأ سبحانه بأيجاد
مادة الوجود التى صار بها كل موجود ،وهذا معنى (وأبرز الى الوجود ما أكنز فى العدم ،وفتق ما
51
رتق وأظهر ما كتم ) الذى جاء فى تفسير الفاتحة لسيدنا االمام الحسين رضى هللا عنه فى تبرئة
الذمة ص ، 192فخلق اليوم األول المشار به الى حضرة المصطفى الذى تأذن ،أى صدر اليه
اإلذن التى توضحة اآلية (ولقد آتيناك سبعا ً من المثانى والقرآن العظيم) بإعالن هذا النبأ الذى أتت
به القصيدة النبائية :
عم السؤال وما النبـــــــا *** ومن العظيم باالجتبا 22 /2
المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتـــــــدا 22 /25
عدنا كما عادت االيام أولها ،رجعنا الى البداية حيث موطن القاب والقوس الذى يتم فيه تالقى
االرواح عند عودتها عن طريق السير االختيارى السابق ذكره ،تأذن المصطفى ينبى مثانينا أى أن
هذا هو موطن المعرفة بالمصطفى المعصوم قدوة االقتداء ،وفى هذا الموطن يتم فيه االخاء حيث
يقوم رسول هللا الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى لتعريف الخلق بالحق جل جالله فهو الحجاب
االعظم القائم بينهما وهو عين بحر الوحدة ،وهذا الموطن يجتمع فيه االنبياء والمرسلين واألولياء
الصالحين ،لذا يقال عاد االخاء كأن لم يفنه زمن حيث يشهد الكون آيا ً من التآخى .
وفى هذا الموطن لم يكن عندنا عند وال صور أى فى ذاك الموطن ال يوجد لنا فيه عندية وال صور
جسمانية ،ولم يكن حسنا حاءا ً وال سينا ً حيث اليوجد هناك زمان وال مكان وال قوس يقاس به ،
وهو موطن اإلنشاء الذى كل فيه يسمى واحد األكثرية وهى حضرة جمع تتكون من المثاني من
األنبياء والخلفاء األربعة والعبادلة األربعة وأئمة الدين األربعة واألقطاب األربعة وجمهور كبير من
األولياء الصالحين الذين كانوا مع حضرة النبي صلي هللا عليه وسلم في قاب قوسين وهم الذين
أشارإليهم المصطفي عندما أجاب على سالم المولي ّ
عز وج ّل قائال( :السالم علينا وعلي عباد هللا
الصالحين وهم الذين صاحت أرواحهم بالنطق بالشهادة " :أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله " ،ويكون ذلك مشهد من مشاهد يوم القيامة يوضح علو شأن األخوة التي يقول
الحق عنهم :إنما المؤمنون أخوة لهم أب واحد أصل ألمتهم وهو المصطفي منهم ،رسوال منهم
يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم مالم يكونوا يعلموه من الكتاب ،والحكمة ،والكتاب هو كتاب
هللا عن حضرة الجمع وهم آيات هذا الكتاب وهذا الكتاب فيه الهدي وأسرار الوالية وفيه كل آي
ظاهرة بما خبأت من أسرار عظيمة ،وهذه الحضرة كلها أرواح وليس فيها صور بشرية ،وهذا
الموطن لم يكن له فوق ألنه موطن توحيد فطرة هللا التي فطر الناس عليها وهي المعرفة بحقيقة
صاحب السر الساري في الوجود المصطفي الذي تأذن بنبأ هذا العلم المكنوز في أصداف األواني ،
والحكمة مؤخرة لشىء فى علم هللا تعالى .
- 11ولم نزل ورسول هللا يخبرنا *** ولم يكن غيره من ذاك يقرينا
51
- 15أرواحنا عنده بيعت بال ثمن *** السيد العبد واإلنسان يشرينــا
ولم نزل فى هذا الموقف ورسول يخبرنا بمعرفة صاحب تلك الحقيقة ،وهو وحده ال أحد غيره الذى
يقرينا من ذاك الذى هو أول الخلق المشار اليه باأللف ،فهو كتاب األلف التى تشير اليه رقم اآلية
( ) 222سورة التوبة { أن هللا اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} ....واالشارة
فى الرقم 222الذى هو عدد ( ألف ) 222 = 94+74+2
وهو صاحب العز والجوار (،فيا نعم مبتاع ويا نعم مشتري ) 2 /299
سعدا لعبد بيع والحق إشتري *** والمصطفي يشريه للديان 1 /79
فهو الذى أرواحنا بيعت عنده ،فكان البائع سيدنا الحسين رضى هللا عنه الذى تجمعت عنده أرواح
السائرين من أبناء األقطاب األربعة ،وكان الشارى هو السيد العبد واإلنسان الكامل صلى هللا عليه
وسلم المشار اليه فى كتاب تبرئة الذمة (ص )198باالنسان الكامل بحرف الميم {والميم يشار بها
الى الكون الجامع وهو االنسان الكامل ،فالحق والعالم واالنسان كتاب ال ريب فيه}والثمن هو جنة
المشاهدة ،والبضاعة هى األنفس التى تلظت بالمحبة وأنفقت أعمارها من أجل التوحيد الذى ألهب
مركب سير سيرهم وهم الذين حكى عنهم البرزخ المعمور صدقا ً بقوله رضى هللا عنه :
أرواحنا عنده بيعت بال ثمن *** السيد العبد واإلنسان
فهو السيد العبد:
هـــــو ذا سيد وأول عبــــد *** وبه بدء بداية العباد 11 /22
فهو السيد الذى لم يزل سيدا ً واليه تؤول السيادة وأول العابدين الذي عبد هللا تعالى فى أول االيام
التى جاء قول سيدى فخر الدين عنها :
عدنا كما عادت االيام أولها *** تأذن المصطفى ينبى مثانينا
وهذا الموطن الذي قال فيه الحق تعالى { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } وأول من قال
( أنا ) في ( أنا ) حضرة النبي صلي هللا عليه وسلم أول العابدين قبل ظهور الكائنات ،لو كان هناك
عبادة لكنت أول العباد ،ولكن هذا ( موطن المعرفة ) حيث خلق الحق األرواح وأخذ عليهم العهد
ألن يعرفوه وعند تمام خلق أشباحهم يعبدوه ،فيعبدوه في الكون بمعني (روحا وجسداً) وأعلي رتبة
في العبادة تظهر في اآلية الكريمة (سبحان الذي أسري بعبده ليالً )...فالعبودية هلل هي أعلي رتبة
في عبادة هللا ،واإلنسان يشرينا وهو الذي خلقه الحق في أحسن تقويم ثم رده إلي أسفل سافلين
(أدنى المراتب) وذكره أتى في سورة التين وفي سورة " ن والقلم وما يسطرون حتي إن لك ألجرا
52
غير ممنون " فهذا اإلنسان الشخصي النوراني الذي خلقه الحق تبارك وتعالي روحا أول الخلق من
ناحية خلق األرواح ،عند بدء ظهور الكائنات ،فهو أول الخلق في إطالقه ألفا ً به التآلف ،وإيالفهم
بالجمع ألف بينهم وأفاض معطيهم بهم إيالفا وقد استحال الوصول إلي مرتبته .
- 12قد استحال ارتقاء الكل رقوته *** فدنا بإرفاده يروى روابينـا
- 12وكل نور لنا من نـــوره قبس *** وإنها نفخـة من فيه ما فينا
يقول سيدى فخر الدين بأن مرتبة المصطفى المعصوم فينا مرتبة عالية رفيعة وهى فى موطن (أو
أدنى) موطن الدنو الذى جاء به سيدى فخر الدين فى كتاب تبرئة الذمة ص ( )92حول الجزء الثانى
من قصة االسراء والمعراج من كتاب جواهر البحار عن معنى (ثم دنا فتدلى) مادام فيه دنو يكون
التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو
قلنا إن النبى وربنا كانوا في موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك
وتعالى ،ولكن (القاب والقوس) ده موطن ،وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح
فقط لما كان النبي صلى هللا عليه وسلم بروحه وجسده فى (أو أدنى) النبي صلى هللا عليه وسلم
،وفيه قال التحيات هلل الزاكيات هلل الصلوات الطيبات هلل وسكت .
ويقول سيدى فخرالدين قد إستحال إرتقاء الكل رقوته أى أن كبار الصحابة واالولياء استحال ارتقاءهم
بأرواحهم الى هذا المو طن الخاص بالمصطفى فقط الذى دنا بإرفاده يروى روابينا ،فيقولون انه
المصطفى المعصوم الذى رزقنا منه إرفادا ً ومدا ً .
فهو رضى هللا عنه (نور عين النور) المتوسل به فى توسل السادة البرهانية {ويانور عين النور
حقق عبودتى} وكل نور لنا فى االصل هو قبس من نوره حيث خلقت أرواحنا بنفخة من فيه يعنى
نفخة من (روحه) مثل عيسى وآدم عليهما السالم ،فنفخة سيدنا عيسى عليه السالم الذى جاء عنه
قول الحق تعالى فى سورة التحريم اآلية ({)21فنفخنا فيها من روحنا} ونفخة روح سيدنا آدم عليه
السالم جاءت بها سورة الحجر اآلية ({ )18فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}
فكانت نفخة الحق من الروح أى من موطن النور العالى ،فرآها المالئكة بمعناها العالى أشعة نور
على ،فخروا له ساجدين .
ْ من
- 19إن لم يكن ماؤنا من مائة وكذا *** إن لم يكن تربنا من مائه طينا
- 18لما سرينا وال سرنا وال علمت ***عنا الروابي وال جئناه إن شينا
ثم يقول رضى هللا عنه إن لم يكن ماؤنا (ماء أرواحنا) من مائه نفثة من روحه التى فيها السر المراد
المشار اليه فى القصيدة (: )22
53
زيتونة زيتها فى كل مشكاة *** ونفثة الروح يا سر المرادات
فأرواح مثانينا أرواح الصف األول أربعات المثانى ،وكل نور من هذه األنوار هو قبس من نوره ،
وروحه هى المستخرجة من (الروح األعظم ) وماء أرواحنا نفثة من روحه الطاهرة المتنقل من
أصالب اآلباء من األنبياء الصالحين وإن لم يكن تربنا من مائه الذى إمتزج بتراب أجسادنا الذى هو
من التربة الذكية العطرة التى جاءت منها تربة الطين الالزب المكونة لجسد سيدنا آدم الشخص
الجسمانى البشرى األول الذى لحقته ( الروح األعظم ) آدم الكبير فنحن لنا شرف التنقل طورا بعد
طور من الحمأ المسنون وحتي النهاية .
س ْرنَا فى الخفاء الذى صار ميزتنا ،استمر بنا فى السير إلى هللا ثم فى هللا ،وال علمت لَ َما َ
س َريْنا وال ِ
عنا الروابى حيث نشلنا من أوحال التوحيد وزج بنا فى عين بحرالوحدة وحملنا على سبيل حضرته
حمال محفوفا بنصرته في بحار األحدية وأغرقنا فى عين بحرالوحدة حتى أصبحنا ال نرى وال نسمع
وال نجد وال نحس إال بها ،وجعل حجابه األعظم حياة روحنا وروحه سر حقيقتنا وحقيقته ،وال
علمت عنا تلك الروابي فلم تدرك أننا نستطيع اللقاء به كلما شاء ذلك ،ألنه خفى مقام والخفاء مزيته
وإنه حقيقة التى حبيناها قبل الماء والطين ,
ثم يقول رضى هللا عنه :
– 74تبارك هللا ذاتا ً واسمه صفة *** وأحمد الحامدين الوصل يولينا
تب ارك هللا ذاتا أى تعاظم وتعالى عن كنه معرفته حيث اليدركه منا سابق وال الحق ،السابق أنبياء
والالحق من األولياء الصالحين هذا من ناحية اسم الذات ،ومن ناحية الصفات فانه تعالى وتعاظم
الذى يحمل الرحمانية وهو صفة الرحمن رحمن الدنيا واالخرة ورحيمهما الذى هو احمد الحامدين
الذى حمد ربه بكل موجبات الحمد وهو الذى حمد ربه على كمال عطائه بكل االسماء الحسنى وغيرها
حتى نال الشفاعة الكبرى فقد يولينا بوصله الى مقامه المحمود الذى يقيمه هللا فيه ورسوله صلى
هللا عليه وسلم يوم القيامة بإسمه (المجيد) وفيه سبعة ألوية تسمى بألوية الحمد تعطى لرسول هللا
وورثته المحمديون ( .من كتاب تبرئة الذمة صـ 112من جواهر البحار لسيدى محى الدين باب
779صـ )281يقول رضى هللا عنه :اإلسم (المجيد) له سبعة ألوية وفى األلوية أسماء هللا تعالى
التى يثنى بها صلى هللا عليه وسلم على ربه إذا أقيم فى المقام المحمود يوم القيامة وهو قوله صلى
هللا عليه وسلم إذا سئل الشفاعة ،يقول " :فأحمد هللا بمحامد ال أعلمها اآلن " وهو الثناء عليه
سبحانه وتعالى بهذه األسماء والتى يقتضيها ذلك الموطن .....الخ .يقول الشيخ :فلما عرفت ذلك
سألت عن عدد تلك األسماء التى يحمد هللا تعالى بها يوم القيامة فى المقام المحمود .فقيل لى :إن
عدد تلك األسماء ( )2221وكل لواء فيه مرقوم 88إسما ً من أحصاها دخل الجنة ،غير لواء واحد
54
مرقوم فيه 224إسما ً يحمده صلى هللا وسلم بهذه المحامد كلها ،وكلها تتضمن طلب الشفاعة من
هللا .
مرقى مسمى وهو منشينا
ً - 72فذى صالتى مع التسليم إن لها *** فى كل
– 71وآل بيت كريم الســوح عترته *** أبنــــاؤه إخـــــوتى وهللا كافــــينا
موطن صالتى :
مقام ال يقام به * وفيه ختم صالتى يوم صليت ،وهو مقام هويته المتدلية وبطونها بعد عشر ،فبعد
عشر نجد الرقم ( )22وهو الرمز وهو مقام الشفع فالواحد األول فيه إشارة الى مقام األلف (الفجر)
والواحد الثانى فيه إشارة الى مقام الشفع الذى محله بعد عشر قد علت من{والفجر وليال عشر
والشفع }وأشرت اليها قائالً :
صليت فيها بعد عشر قد علت *** والرمز فيها غاية التعريب
ثم أتبعت حديثى بأداة االشارة فـ(ذى) :
فذى صالتى مع التسليم إن لها *** فى كل مرقى مسمى وهو منشينا
ومنشينا هو المشار اليه بالفجر هو الواحد األحدي صاحب االنشاء فى أحدية الكثرة والذى قلنا عنه
فى القصيدة االحدية :
من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريدى قل هو هللا أحد
وهو الذى قلنا عنه فى التائية :
إذا هو نادى فالورى طوع أمـــــره *** وإن هو ناجى فاألنا لألنيــة
سما فتسمى فى الحضيرات باسمها *** لذى أضحى واحد الواحدية
وهذه هى حضرة االنشاء الذى قلت عنها :
لها المعصوم أصالً وهو جدى *** ومن نور العباءة قد كساهــا 18 /21
لـــها االنشاء ولهـــا الجوارى *** وسر السر أودع فى حشاهـا 18 /25
55
ولئن أردت الحقيقة فلتعلم أن سر سرها الذى أودع فى حشاها هو(منزلة) جدى المعصوم حيث (أ ٍنى)
كمنزلة ألحمد يأتى منها علوم الـ (أنا) ،فهى الواحدية التى نورها منشى حقيقتنا ،وأشرت الى ذلك
فى القصيدة ( )75بقولى:
أنا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورها منشى حقيقتنا 75 /1
وآل بيت كريم السوح عترته ،فهو البيت وهم آل البيت الذين آلوا الى جنابه ،وهو البيت السارى
الذى يقصد الناس للحج اليه ،المرموز له ببيته بيته من غير اظهار ،الرمز الذى جل عن صفة ،
فآل هذا البيت هم عترتى آل ابراهيم .
56
القصيدة ((18
إلى حيثما ولى الدسوقى وجهه *** ارانى اولى فهو باهلل قبلتى
فقبلتك المعظمة اختصــــــاصا *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــا
57
بسم هللا الرحمن الرحيم
الموافق 21من مايو 2891م عدد أبياتها ()11 يوم االثنين 27من شعبان 2141هــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ مناسبتها لما قبلها :فى معنى البيت األول من القصيدة (:)19
فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينا
الحين يمكن أن يكون دهرا ً ويمكن أن يكون عاما ً ويمكن أن يكون يوما ،ويمكن أن يكون صباحا ً
أومساءا ً ويمكن أن يكون لحظة أو وقت ،ولكن اإلسراء المعروفة تمت مرة واحدة لسيدنا رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم بالروح والجسد معا ً ليلة السابع والعشرين من رجب إحدى األعوام الهجرية
وهى التى أشارت اليها سورة اإلسرار بقول الحق تعالى {سبحان الذى أسرى بعبده ليالً}وهذه الرحلة
تمت لنا فى طى سروة سيدنا رسول هللا أرواحا حتى أوصلنا برفقته صلى هللا عليه وسلم إلى حيث
موطن (قاب قوسين) ،ضمن عباد هللا الصالحين المرافقين له فيها باألرواح فقط والتى سبقت
اإلشارة اليهم فى قوله صلى هللا عليه وسلم عند دنوه من المولى فى التحيات (السالم علينا وعلى
عباد هللا الصالحين ) ردا ً على قول الحق تبارك وتعالى (السالم عليك أيها النبى) فقال وهو يشير الى
أولياء هللا ف ى قاب قوسين ،وعندها صاح كل من هؤالء األخيار بأرواحهم (أشهد اال اله اال هللا وحده
الشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ) ويقول موالنا الشيخ محمد عثمان إن ما يثبت قولنا من
عروج عباد هللا الصالحين وفيهم السبعة المثانى وجمهور من أولياء هللا الصالحين ومنهم أويس
القرنى رضى هللا عنه .
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت السادس :
ولكن هن مخصوصات علمى *** وذو االحسان يرجوهن جا َها
فهذه األبيات من آيات العطاء األكمل من فيض عطاء المعطي الذي يجود عطاءا ً في سخاء ورأفة ،
وينال الشفاعة كل من آتاها طالبا حمي المنجي عظيم المقامة ،فهي المنحة التي أوحي الحق بها
إلي عبده ما أوحي فى موطن ( الدنو من القاب والقوس) وهى من علوم مرتبة اإلحسان التي أُمرنا
بكتمانها حتي يأتي زمان ووقت رجالها ،فهذه المنحة التي تفضل بها علينا المنعم المتفضل في شهر
رجب الفرد الشهر الحرام ،وبداية فتق مرتقات هذه الدائرة (دائرة الميم) الدائرة الكنزية التي هي
عطية رب الجود والبدء والبها ،فكلمة ميم هى كلمة تامة بدأها فى ختمها تشبه البدر فى تمامه ،
فهي ميم الجمال الطالع من بين الحاء والدال للحقيقة األحدية والتى بعد خروجها من صدفها سميت
سمى بالمحمدية ،ففيها المجلي والمظهر للحقيقة اللطيفة األحدية التي
ٍ بالحقيقة األحمدية ،ومجالها
58
انشقت منها األسرار وانفلقت األنوار وفيها ارتقت الحقائق وتنزلت منها علوم أدم فأعجز الخالئق ،
ولها تضاءلت الفهوم ،فلم يدركها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحدثنا سيدي فخر الدين عن ثمرة رحلته برفقة وصحبة المصطفي للجمع ،عندما حانت في ميعادها
ووقتها المعلوم قائالً :قد أطلعنى جدي المصطفى للجمع متقدم الجماعة الذى هو حظي ورزقي علي
مكانته وسمو منزلته بقربه من منزلة جده المصطفي "صلي هللا عليه وسلم" ،لكونه األب الواحد
واألصل الذى قلت عنه:
وإنمـــا نحن إخــوان بال جـــدل *** أب لنـــــا واحد أصل ألمتنـــــا 75 /9
وإنه األصل واآلبـــــــاء عترته *** وإنه السر فى أخــــرى البنيات 22 /22
فإنى وإبراهيم فى األصل واحد *** إذا طلبوا صفحا ً فال شك صافح 91 /22
وهو الذى نورنا من نوره قبس ،وماؤنا من مائه وتربنا من تربه طينا ً ولوال ذلك :
لما سرينا وال سرنا وال علمـت *** عنــا الروابى وال جئناه إن شينا 19 /18
أى أن (منزلتى) فى األصل منزلته التى شرفت بها دون الكل ،وألجلها جاء قولى :
هذا كالم قديم يسبق الزمن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا ً 75 /2
أنا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورهـــــا منشى حقيقتنا 75 /1
فهو الكتاب الذى أنزله علينا الحق تبارك وتعالى ،وتعاظم قدره الذي أنزله علينا بالحق وما زال
مرقي ،بل وفى كل مراحل سيرنا إلي الواحدية حضرته "
ً يولينا ،فاللهم صلى عليه وسلم في كل
حضرة اإلنشاء " التى تجمعنا بسره المضمر فى طى سروتنا ،وآل بيته كريم السوح عترته أبناء
هذه الحضرة الذين يشملهم برعايته وعنايته .
يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه :
2ـ اليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها
1ـ ولكن تركها ال خير منه *** وال ضر لمن يبغى رباهــــا
7ـ هى األبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا
59
الشرح والتفصيل :
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :اليكم يا أحبائى علمى الذى يحتوى على كثير من الخفايا
التى ال يدرك كنهها الكثير منكم ،ألنها علوم غيبية تأتى من علم يسمى (حق يقين) ومرتبته اإلحسان
وهى أعلى مراتب الدين وهذا العلم ينعت (الخليفة) الذى من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار
وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال
الحق ،ف رياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة وال شئ إال
وهو به منوط ،لذا فهى تعجز من رآها ،ولكن ترك معرفتها ال خير منه وال ضرر لمن يبغى رباها
،فمن يريد أن يستقى منها فعليه أن يصعد الى أعلى مواطن التنزيل الذى منه تنزلت مخصوصات
علمى الذى نظمته لكم على هيئة أبيات على غرار آيات الكتاب الكريم .
وإليضاح الرؤية أكثر:
يلقي موالنا سيدي فخر الدين بيانه قائال لألحباب من أهل وصل هذه العلوم التي هي مخصوصات
علمه رضى هللا عنه :إليكم يا أحبابي فى هللا وعلى نهج سيدنا رسول هللا ،الذي أبلغ صحابتة
علومه التي أوحي إليه بها ربه في ليلة إسرائه وحصوله من المولي عليها وهي العلوم الثالثة :
العلم الذي أمر بتبليغه ،والعلم الذي خير فيه ،والعلم الذي أمر بكتمانه ،وهو اإلحسان الذي هو
معدن فضل ،فعنه قال :سيدي فخر الدين ألحبابه من أهل الوصل الموصولين إلي موطن حقيقة
الذي هو أول الخلق ،وصاحب السر الساري في الوجود إن العلم الذي تلقاه في رحلته بصحبة
المصطفي صلي هللا عليه وسلم ،علم خفي عن اإلدراك بالقلوب والعقول وال يستطيع أحد أن يدركه
بعقله وال بقلبه ألنه علم روحى يحتاج الى أصحاب األرواح الذكية الطاهرة التي ال يشوبها وهم وال
كدر وال يستطيع فهمه أحد من السابقين وال من الالحقين ،فال يدرك كنه معرفته ،إال من منحه هللا
علم الحد والمطلع ،الذى يختص به كبار األولياء ألنه (علم صعب مناله حتي علي األولياء وعلماء
سر القرآن وال يعطي إال منحة من الحق ج ّل وعال ،فهذا العلمسر ّالظاهر ألنه من بطن القرآن أي ّ
يتحدث عن حقيقة الحقائق الذي هو أول الخلق في إطالقه ألفا ،وبه التآلف قاب الهدايات ،وبما أنه
منحه ألهل المشاهدة ،فهو معجز لمن رآه منهم ،ويحتاج إلي دقة وفحص ،حتي يسهل علي الطالب
مناله ،فأنا الذي حصلت عليه منحة من كريم طابت لى في رحلة معراجي ،وهى ضمن علمي
الموهوب لي ،من فيض حضرة الوهاب ،الذي تحدثت فيه عن حقيقته التي انشقت منها األسرار
وانفلقت منها األنوار ،وارتقت فيها جميع الحقائق ،ومنها تنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق ،وقد
نظمت فيها القول في ديوان سميته شراب الوصل ،وذلك ليشرب منه أحبابي وبعدا ً لفاسق ،فتركها
أي ترك المعرفة بصاحب السرفى هذا الديوان ال خير منه وال ضر لمن يطلب تلك المعرفة ،راجيا ً
االرتقاء بها حتي يشرب من روابيها ،أي أن أهل المنهل العذب العالي الذين يشربون منه صافيه
العذب ،عذبا ً قبل أن ينزل إلي بطن الوادي ويُعكر ويُلحق به الشوائب ،فهذا العلم قد جمعته وقمت
61
بوضعه في نظم فريد ،منسوج على منوالى مثل نسيج القرآن الكريم التى أتى به الحق تبارك وتعالى
على هيئة آيات ،فقد نظمته علي هيئة أبيات تشبه آيات الكتاب المحكمات .
والفرق بينهم التقديم والتبديل بين األلف والباء :
فكلمة (أبيات) مكونة من خمسة حروف أولها (أ بـ) ،وكلمة (آيات) أيضا خمسة حروف ( آ )
ممدودة عبارة اثنين (ألف) ،وقد تم استبدال الـ (ا) الثانية (بالباء) وهذا يعني أن األبيات هي نفسها
اآليات ،فتعطي المعني المراد منها ،وما المعني المراد إال محض فضل المعطي الكريم ،الذي يفوق
عطاءه في سخاء ورأفة ،فهو عطاء هللا من عليائه :عطاءا ً صافيا ً عن السيد البرهانى .
-1فتعطي ما يجود به كريم *** وقد نال الشفاعة من آتاها
-5فال هى عاقر ال خير فيها *** وال هى ميـــته يرجى رثاها
-2ولكن هن مخصوصات علمـي *** وذو اإلحسان يرجوهن جاهــا
عطية من كريم عندما ظفرت *** به السماء بفرد األربع الحــــرم 14 /1
بداية فتق المرتقات وفصلــها *** عطية رب الجود والبدء والبهاء 21 /1
وآية من تجلي نور طلعـــــته *** في آخر الليل تعطينا فترضينـــا 19 /2
لقد كفينا من التقتير واكتملت *** عطية هللا قبل الماء والطــــــيـن 84 /2
فهذه األبيات من آيات العطاء األكمل من فيض عطاء المعطي الذي يجود عطاءا ً في سخاء ورأفة ،
وينال الشفاعة كل من آتاها طالبا حمي المنجي عظيم المقامة ،فهي المنحة التي أوحي الحق بها
إلي عبده ما أوحي فى موطن ( الدنو من القاب والقوس) وهى من علوم مرتبة اإلحسان التي أُمرنا
بكتمانها حتي يأتي زمان ووقت رجالها ،فهذه المنحة التي تفضل بها علينا المنعم المتفضل في شهر
رجب الفرد الشهر الحرام ،وبداية فتق مرتقات هذه الدائرة (دائرة الميم) الدائرة الكنزية التي هي
عطية رب الجود والبدء والبها ،فكلمة ميم هى كلمة تامة بدأها فى ختمها تشبه البدر فى تمامه ،
فهي ميم الجمال الطالع من بين الحاء والدال للحقيقة األحدية والتى بعد خروجها من صدفها سميت
سمى بالمحمدية ،ففيها المجلي والمظهر للحقيقة اللطيفة األحدية التي
ٍ بالحقيقة األحمدية ،ومجالها
انشقت منها األسرار وانفلقت األنوار وفيها ارتقت الحقائق وتنزلت منها علوم أدم فأعجز الخالئق ،
ولها تضاءلت الفهوم ،فلم يدركها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء.
وآية من تجلي نور طلعته الكريمة في آخر سورة الليل تأتينا إشارة الرضا بما نبتغيه من رب الجود
الذي يعطي عطاءه في سخاء ورأفة ،ومن سمات وعالمات رضا الحق علينا أن أطلعنا علي معرفة
61
قدره الذي سبقنا به سيدنا أبوبكر الصديق من مرتبة الصديقية التي صار بها صديقا ً وسيدنا يوسف
عليه السالم التى صار بها صديقا ً نبيا ً وهى مرتبة تلي مرتبة الوالية ،التى هي آية شيخنا صاحب
الذكر الرحيم التي اكتملت عطيته قبل الماء والطين ،التى تتمثل فى ختم الوالية الشق الثانى للحقيقة
األحدية مثل ختم النبوة الشق األول منها عطية النبي صلي هللا عليه وسلم ،عندما قال في حديثه
الشريف ( :كنت نبيا وآدم قبل الماء والطين ،كنت نبيا ً وآدم منجدل في طينته ،كنت نبيا ً وآدم بين
الماء والطين ) ،ثم يخبرنا سيدي فخر الدين عن هذه العطية بأنها هي الحقيقة التي تسمي بالواحدية
واحدية الكثرة ( ففي الواحدية مبدأ انتشاء األسماء عن الذات إذا كانت األسماء نسبا ً متفرقة عن
ذات واحدة بالحقيقة ،وإلي هذه الواحدية تستند المعرفة وإليها يتوجه الطلب لثبوت االعتبارات الغير
متناهية لها ،مع اندراج هذه االعتبارات الغير متناهية لها فيها ،في أول رتب الذات .
والواحدية :هى اسم الذات باعتبارها (حضرة اإلنشاء) وهي عبارة عن مجلي ظهور الذات فيها
صفة ،والصفة فيها ذات (فكل منها عين لآلخر) وهي ثاني رتب الذات وتسمي بحضرة المعاني أو
بعالم المعاني ،وهذا التعيين هو صورة التعيين األول ،والتعيين األول هو حقيقة الوحدة ،الحقيقية
النافية لجميع ذلك ،وتسمي أيضا بمرتبة األلوهية ،ففيها تتولد الكثرة ،فال هي عاقر ال خير منه
وال هي ميتة ،ففيها موطن اإلحياء وهو موطن الذاكرين هللا كثيرا والذاكرات من أصحاب الصف
األول ،الذين هم األوائل والذين هم فيها ،وعندما يشتد عليهم ُحسنها فيغلب ُحسنها وجمالها ويئن
من فيها ،ويقول عنها سيدي فخر الدين أنه أول من غلب عليه ُحسنها فلذا قال:
62
علي يد صاحبه مظهر ما كان في الكتمان ليظهر هذا العلم المكتوم في ليلة ويخرجه في وقت ضحاها
،عندما تطلع شمس المعرفة به ويصبح آية للكون .
ثم يصفها سيدي فخر الدين رضي هللا عنه بأنها:
-8وهن المرســـالت بكــل خير *** وذي ريح الخليفة من رخاها
24ـ لها بين الحسـان لباس خز *** كذا هى ُجنة لمـــن إرتداهـــا
فهي كالريح المرسلة التى تأتى بالخير ألهل زمانها ،وهى التى كانت مرسلة بـ (ياء) الخالفة لسيدنا
سليمان ،حيث كان اسمه قبيل خالفته سلمان وعندما انتقلت إليه الخالفة من والده سيدنا داوود
عليهما السالم ،الذى استمد خالفته فى أزل اآلزال من الخليفة األصل سيدنا محمدا ً صلي هللا عليه
وسلم ،علي أنه نائب لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم في زمانه ،فهو رقيقة محمدية وقطرة من
قطرات نوره صلي هللا عليه وسلم ،وبهذه األضافة إلي اسمه ،صار إسمه سليمان وبها حمل أمانة
القضاء وأصبح له الحكم في كل شيء ،ثم يقول :إن كلمات ديوان شراب الوصل التي تتحدث عن
حقيقة الحقائق ،مرتبة اإلحسان التي هي أعلي مراتب الدين كل من فيها يأخذون علومهم لباس
تقوي وخلع تشريف من ( الخز والزبرجد ) ليتزينوا بها وتكون وقاية لهم من كل ما يخشونه ،فانظر
إلي أهل الحضرتين في قوله:
-22وأهل الحضرتين يرون فيها *** أريج القرب يومض من شذاها
21ـ رويدكم فما المـرجو منكــــم *** سوي نيل الكرامة من قراهــــا
إن أهل الحضرتين حضرة الجمع وحضرة جمع الجمع يرون في المعرفة بحقيقة من هو أول الخلق
ومتقدم الجماعة في الحضرتين أريج القرب يرسل بسنا برقه من شذاها ويطلب موالنا فخر الدين
من األحباب من أهل الحضرتين التمهل في طلب ونيل المكارم من عطاء الكريم ،وموطن نيل الكرامة
يستشفع فيه بتاج اإلمامة ،ومعرفة هذه الحقيقة من عطاءها المحض التى ال تبخل به علي األحباب
.
-27هي اإلحسان منها محض فضل *** وفيض زيادة الحسني جزاها
واعلموا أن اإلحسان منها محض فضل ،وهل جزاء اإلحسان إال اإلحسان ؟ وللذين أحسنوا الحسني
وزيادة وجزاء الحسني يكون جزاءا ً وفاقا ً ،إن الذين انقطعوا إلي هلل والزهد فيما سواه هم الذين لهم
الحسني وزيادة ،فالحسنى هي المعرفة به والزيادة الترقي في المقامات والعروج في سماوات
الغيوب ومشاهدة األسرار والمكاشفات من العز ،وإلقاء أنوار البقاء علي وجوههم تجعلهم
جدي المصطفيّ مستبشرين ضاحكين بدوام العز والنعيم في حضرة المعصوم الذي هو أصل وهو
63
للجمع الذي نوره من نور العباءة المحمدية التي نشرها رسول هللا صلي هللا عليه وسلم علي أهل
هذه الحضرة التي :
جدي *** ومن نور العباءة قد كساها
ّ - 21لها المعصوم أصل وهـو
السر أودع في حشاها
ّ - 25لها اإلنشاء بل ولها الجواري *** وسر
فهي الحقيقة األحمدية ( حضرة المعصوم ) التى من نور عباءتها كست الحقيقة المحمدية التي فيها
على الجناب وهمْ إنشاء األرواح من أصحاب الصف األول وغيرهم ،وهذا يثبت نسبهم له ،فهو
أبناؤه من صلبه ،بناءا ً على تفسيرحديث قصة المباهلة الذى يقول فيه حضرة النبى :كل األنبياء
أبناؤهم من أصالبهم أما أبنائى فمن صلب على ،فهذه الحضرة بحر يواقيت علوم وفيها األولياء
كالسفن التي تسير وتسبح في بحر (النور النبوي) وهم الجواري في البحر كاألعالم ،الجواري
السر الذى أودع في حشاها .
ّ األولياء السائرون بمريديهم وأبنائهم إلي عين بحر الوحدة ،وهو سر
-22فكم بحـــر غدا فلقا ً وكم من *** ينابيـــع تفجــــرها عصاها
-22وكم حكم لها وهي الرواسي *** وكم قاض تعلم من قضـاها
فالبحر هو بحر الجبروت والسفن هى أفكار العارفين تسبح فى هذا البحر الذي فيه أنوار الحقيقة
خاف
المحمدية ثم ترسو في مراسيها فإن تالطمت عليها األمواج فمن صحب شيخنا فهو آمن ال يُ ُ
عليه من الغرق حيث إن الشيخ لديه عصاته التي يضرب بها البحر فينفلق ويعبر المريد بفرسه وال
تبتل رجله وال سرج فرسه ،وقال محمد بن حمزة :لما انتهي موسي إلي البحر دعا فقال :يا من كان
قبل كل شيء ،والمكون لكل شيء ،والكائن بعد كل شيء ،اجعل لنا مخرجا ً ،فأوحي هللا إليه أن
اضرب بعصاك البحر ،ويتضح ذل ك في قوله تعالي " :فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك
البحر ، ":..فانفلق اثني عشر فرقا ً علي عدد األسباط ،فكان كل فرق كالطود العظيم ،وبين تلك
الجبال من الماء مسالك بأن صار الماء مكفوفا ً كالجامد وما بينهما يبس فدخل كل سبط في شعب
منها .
وصاحب هذه الحقيقة هو اآلمر الناهى واليه يرجع أمرها ،وال ُحكم له فعلومها الرواسي ،وكل
قاض تعلمه قضاها فقاضى القضاه ومعلم القضاة هو على الجناب ( فال قاض إال عليا ً ) .
وقضي هللا قضــــــــاءا ً مــــــبرما ً *** ألمـــين هللا يقضــــــــي ما أمر 27 /7
ولي يهتدي للقصد من جاء قاصـدا ً *** حماي وإن حم القضا بالحمية 2 /271
وإني قاض ما قضي هللا فيـــــــكم *** بناني خطت والخواتم صكّت 2 /142
64
أمر *** هنالك ال حمي إال حمـــــــانا 98 /29
وإذا ح ّم القضـــــــــــاء وكان ُ
أي من جاءنا قاصدا حمانا فسوف نكفيه ألنه إذا ح ّم القضاء يكون األمر كله بين أيدينا كافا ً ونونا ً
وتخط يميني محو شقوة تابعي ،إذا رد اإلحتكام الينا في كل األمور ،فيجب على المحب الرضا بما
قضينا ولو أتي عدلنا بما منه اشتكي ويعاني ،فسوف نكفيه ونعينه وننجيه بإذن هللا من شرور
خلقنا .
-29وكم مرأي لهـــــا ولكــم معان *** وكم جاه ينال لدي قطاها
-28وكم من عاقــل أدلي بدلـــــــو *** ليدريها ولكن من وعاهـا
-14وكم فى السابقين صنيع فضل *** وكـم غـرا ً سنـورده لظاها
فلها مرائي كثيرة ومتعددة ألن الكثرة صفة من صفاتها وأيضا معانيها ال تعد وال تحصى وال يستطيع
أحد أن يحد حدّها علي أنها الحقيقة أوال وأهل اإلحسان يرجونها لهم عزا ً وجاها ،فمكارمهم منها
كثيرة وقد ظهرت آثارها في السابقين من األنبياء والمرسلين والالحقين من األولياء والصالحين ،
فهو المشكاة التي يستقون منها أنوارهم :
إنه مشكات نور زيتها *** سيد األكوان أحمد من حمد
فهو الخليفة الذى تجلت خالفته في نبي أو ولي ،أما األشقياء المقطوعين سيكتوون بنارها .
ثم يقول سيدي فخر الدين إن الذي يدريها هم أهل العلوم اللدنية وأهل األرواح ( وال هي للقلوب وال
للعقول بمدركة )
-12أولوا األبصارواألسرار حاروا *** ولو راموا الرقى لن يبلغاها
-11ومن ملك النواصي للقوافـــي *** إذا رام اليد الطولي اقتفاهــا
فلم يستطع معرفة كنهها وال الحصول علي معانيها بعيون العقل وال بعيون البصائر ألنها حيرت أولوا
األبصار وكذلك أهل البصائر ،وكل من هيأت له نفسه ،بأنه ملك نواصي علوم اللغة وعلوم الفقه
ويجيد فنون قوافى الشعر فلن يستطيع أن يبلغاها.
- 17ومن أعطي رقيا ً بل وصــوال ً *** يـود عنايتـين لمرتقاهــــــــا
- 11ولو كانت قلوب الناس مألي *** بحب المصطفي كانت وكاها
65
فكل الذين يودون السير إلي أعلى المراتب والترقي فى معارجها للوصول لنيل مرادهم منها ،فغاية
وصولهم حسن القصد إلي أعلي مراتب السير فيها ،ولو كانت قلوب الناس ممتلئة بحب المصطفي
للجمع متقدم الجماعة في حضرة جمع الجمع كانت كافية لهم ،مثل قلب أم موسي لما ربطنا عليه
اطمأنت وألقت به في اليم ،ثم رده هللا اليها بعد ذلك .
-15وهذى آيـــة اإلصبــاح لمـــــــــا *** تنفس صبحها نــورا ً تالها
–12ومن يرجو الحماية من خطوب *** فأركان الحماية فى حماهــا
فآية هذه الحقيقة انفطارها وتفجر نورها عند بزوغ الفجر وخروج الخيط األبيض من الخيط األسود
ثم تمام انشقاقها وانفالق أنوارها وخروج معانيها من صدفها األزفر علي هيئة ياقوتة حمراء ودرة
بيضاء فخرجت للعالنية بعد أن كانت في ليل معانيها وأخرج علمها كتما ضحاها -وتجمعت أركان
الحماية في حماها ،ومن يرجوا الحماية من خطوب الزمان فال حمي إال حمانا ،وأركان الحماية
لدى المنجى صاحب الحمى العبد ابراهيم رضى هللا عنه الذى جاء فيه القول :وما غير إبراهيم عب ُد
ذو حمي وهو مجتبي حتى يقوم مقامى وهو القائل:
سل ما تريد من الحماية عندما *** تأتي حمى المنجي عظيم المقامة 2 /752
فهـــــــــــــو المبجل ذو حمــى *** من أمـــــــــــه يكفـــــــــى الــردى 22 /2
- 12وأول بغية األرواح شرب *** وإن ظمأت فما نالت مناها
فهذه حضرة شرابها عذب سلسبيل مذاقه وعلمها كنز في قلوب األحبة ،فهو أول شىء تبتغيه أرواح
ى ظمأ القلوب ،فإن ظمأت األرواح فما نالت مناها من هؤالء األحبة ومن مزايا هذا الشراب ِر ً
ا لحصول على المعانى المراد إثباتها من كالم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القائل فى القصيدة
الهائية :
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته
قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته
وهذا القول فيه النجاه لكل من يتعرف عليه ويبين ذلك قوله:
إن الذى يلقى الهناء بجيرتى *** ينجو وينجى أهله بنجاته
وهو العلم السامى الذى يشتاق اليه أرباب المعارف ،والذى يحمل سر مراتب االحوال ،والذى
يتعرف اليه يحيا نهار معاشه :
66
وعلوم أرباب المعارف إن سمت *** فى طــــى علمى خردل بفالته
ومراتب األحوال عندى سرهــــا *** هى مظهر المحمود فى رقواته
وحظائر األقداس ملء حياضهــا *** نــــــــور لغيب الليل سر لباسه
لما تراءى للعيـــــــــــون جمالها *** كد المحب بهـــــــا نهار معاشه
وهذا العلم هو علم جدى الذى أنا فى أشد اإلفتقار اليه وهو معنى قولى :
إنى الى جدى فقير علمــــــــه *** يكفى جميع الكون بعض فتاته
والمحتمى عندى تسمو روحه ويجافيه الردى ألن علمى هو النور الى يضىء سماوات روحه ،وهذا
معنى قولى :
والمحتمى عندى يجافيه الردى *** إنى لديـــــه الزيت فى مشكاته
ال ينطفى نور لمشكاة بهــــــــا *** زيتى فزيتى تلك بعض صفاته
ثم يذكرنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بمعنى قول الحق تبارك وتعالى{هللا نور السماوات واألرض
مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة
مباركة زيتونة}اآليه رقم ( )75سورة النور ،أى أن علم جدى كشجرة النور (زيتونة) التى زيتها
يضىء كل مشكاة ،والمشكاة فيها مصباح تشعله فتيلة زيت الحبيب الذى يضىء كل القلوب ،وكذلك
زيتى بعض صفاته النور الذى يضىء قلب المحتمى عندى ،وهو المشرب الذى باالرواح يسموا :
وبعض شرابى أغرق الكل فى الهوى *** ومنهجى القـــرآن وهللا وجهتى 2 /8
والشاربون أولو المقامات العـــــــــال *** والمصطفى منهم حميل األمانة 2 /727
فالسائرون الهائمــــــــــــون بشربتى *** يستنفرون عزائـــــــــم الركبان 1 /12
أى أن شرابى هذا هو المنهج المضمون الذى أسميته شراب الوصل وهو نهجى من القرآن الكريم
كالم هللا القديم الذى قصدت به وجهه تعالى ،والشاربون منه هم أولو المقامات (أصحاب المقامات
العال) والذى يتم إصطفاؤه منهم يؤتمن على حمل األمانة (فنكشف له عن أسرار المعانى العظام
ونصرح له بالحديث عنها) ،فالسائرون بين المراتب هم الشاربون من شراب الوصل فيهيمون
بشربتى التى تجعلهم يستنفرون عزائم الركبان ،وهذا جاءت اإلشارة اليه من قريب بقولى :
ذا شــــراب الحضرتين *** كان لى شربا ً سويا ً 22 /14
67
وإشربوا من سرخمرى *** فهو باالرواح يسمو 29 /8
ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن هذا الشراب هو شراب أهل الحضرتين (اإللهية والنبوية)
أو الحضرة األحمدية والحضرة المحمدية الذى شربته الروح المستخرجة من الروح األعظم صلى
هللا عليه وسلم فكان منهما شربا ً سويا ً ،ثم يقول رضى هللا عنه:
لقلــــــــوب لم تذق من شربتى *** هى أموات تواريها الحفر 27 /28
كالمى مشرب األرواح وصــالً *** إذا لم تشربـــــوا منه فأى 74 /22
أى أن القلوب التى لم تذق طعما ً لكالمى الذى َبش ًَرتْ به القصيدة الرجية التى قلت فيها:
من أجل ابراهيم بعد رجائــــه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى
فهو الحبيب وال يخيب رجاؤه *** أورثته ســــــــــر عليه لثامى
ما غير ابراهيم عبد ذو حمى *** هو مجتبى حتى يقــوم مقامى
فالتى ال تذقه هى القلوب الميته التى تواريها الحفر ،لذا فكالمى هذا ليس مشرب قلوب ولكنه هو
اإلناء الذى تشرب به األرواح والذى ال إناء غيره .
- 19فال هي للقـلوب وللعقــــول *** بمدركة وال بدء انتـهاهــــــــا
– 18ولما لم يكن غيرى عليــــم *** بما تحوى وما هو محتواهـــا
- 74كفي من ضوئها قبس ولكن *** بحسن القصد أحبوكم ضياها
بما أن هذه العلوم عن الحقيقة التى إنشقت منها األسرار وإنفلقت األنوار وفيها إرتقت الحقائق ولم
يدركها سابق وال الحق ،من أجل ذلك يقول سيدى فخر الدين أن عيون أهل البصائر واألبصار ال
تستطيع أن تدركها وال تبلغ مداها ألنها مشرب لألرواح ،ومشرب األرواح من الخفايا عن اإلدراك
التى تعجز من رآها ،وإدراكها يحتاج الى إتساع المدارك ،وإتساع المدارك رتب فيها الكفاية التى
قال عنها سيدى فخر الدين فى القصيدة (الكافية) :
وعند زوال الحس فالجرح فرحة *** فذى رتب فيها إتساع المدارك 24 /2
وعند بلوغ القصد باهلل منــــــــة *** أتيت بأحكامــى وتمت مناسكى 24 /9
وليس بلوغ القصد ما قد ترونـه *** فإن بلوغ القصـد فض التشارك 24 /8
68
أى أن الجرح يصير فرحة عند زوال الحس حيث أن الحس هو أول مراتب الدين مرتبة االسالم (علم
اليقين) وفى مرتبة االيمان (عين اليقين) يصير الجرح فرحة حيث يفرح المؤمن باتساع مداركه
للوقوف على أبواب المعرفة وهى مرتبة االحسان (حق اليقين) ،وعند ما يمن هللا على المؤمن
ببلوغ القصد يكون ذلك منة من هللا ،وهذا ما أدى الى اإلتيان بأحكامى حيث تمت مناسكى ،ثم يقول
رضى هللا عنه ليس بلوغ القصد ما قد ترونه (تعرفونه) ،لكنه يؤكد أن بلوغ القصد هو التوحيد
الذى فيه فض التشارك:
فيا مريدى هو التوحيد مشربنا *** وغاية فى صدور ربها قبل
ثم يقول رضى هللا عنه بما أنها مخصوصات علمى التى يرجوهن ذو اإلحسان ،ولم يكن أحد غيرى
على علم ودراية بما تحوى وما هو محتواها من األسرار واألنوار ،لذا يكفى القبس من ضوئها
ولكن من أتاها طالبا ً المعرفة بها ،بحسن القصد سأحبوه ضياها .
وعن ذلك القبس من ضوئها يروى لنا قائالً :
ومن قبس النــــور المبين بقبضتي *** يضاء بها سبيل السير من كل حالك 24 /17
وكل نور لنا من نـــــــوره قبـــس *** وإنهـــــــــا نفخة من فيه مـــا فينـــــا 19 /12
أى أنى أضيىء سبيل السير بقضبة قبس من النور المبين فيضاء من كل حالك ،وكل نور من نوره
قبس ،و ما فينا من نور المعرفة إنها نفخة من فيه ،لذا فإن قبضتى :
تضاء بها الحوالك من عجاب *** لتهديكم إذا ما الليـــــــل ّ
جن 95 /15
فما طلعت إال وغاب ضياؤها *** وال غربت عنا وتلك غرائب 82 /8
ومن العجيب أن قبضتى تضاء بها الحوالك ،لتهديكم إذا ما إشتد عليكم ظالم الليل البهيم ،فما طلعت
من ظالم ليلها الذى أغطش معانيها إال وغاب ضياؤها (نعم الظهور) عند انقشاع الظالم وسطوع
نهارها ،وال غربت عنا (عند الغروب) إال وترسل لنا ضياء قمرها المتعاقب فى ليلها وتلك هى
غرائبها .
ولما كنت أنا الذي أعطيت مالم يعطه أحد من علوم هذه الحقيقة فأنا الذي أعرف كل ما تحوى وما
هو محتواها ،وجاء قولى فى القصيدة النونية :
قل العليم بموردى ومعينه *** ضل الخبير بساحتى ودنانى
69
ال يستطيع أحد مهما بلغ من العلم أن يبلغ ما بلغته من العلوم التى حصلت عليها من موردى الذى
أرد عليه للحصول على كل ما أحتاجه من العلوم ،وضل الخبير بساحتى ودنانى ،وقلت فى القصيدة
البائية :
تاهلل ما نضب المعيــــــ *** ن وال معينى ينضب
فأنا على مر السنيـــــــ *** ن لكل قــــوم مشرب
نورى من النور المبيــ *** ن ونور جدى االغلب
لو كان من علم اليقيــــ *** ن فكل علـــــــم يغلب
أو كان عين اليقيـــــــــ *** ن فكل عيـــن تحجب
إذ كان من حق اليقيـــــ *** ن فمـــا أجل المأرب
(بنى)
َ ومن عظمة هذه القصيدة أن لها ثالث قواف اليا والنون والباء وتقرأ من اليسار الى اليمين
َق ًل الذى يعرف عنها ألنني المعتمد إليصال المعرفة لكل من يريد التعرف عليها ،وأقول لمن أراد
المعرفة عن اإليمان وعن اإلحسان وعن البرهان فليقرأ القصيدة الستون التى تقول :
سلني أمدك يا بنى بعلمنـــــــــا *** إن شئت فإسألنى عن اإليمـان
سلنى عن التوحيد والتفريد فى *** رتب الفناء وسل عن اإلحسان
سلنى عن الدين القويـــم فإننى *** أدريه أو سلني عن البرهــــان
-----------------------------------------
جاء بقية القصيدة في يوم الجمعة الموافق 22من شعبان 2141هــ 29من مايو 2891م
------------------------------------------
هنا يتحدث سيدي فخر الدين رضى هللا عنه من موطن غاية الوصل ،أال وهو موطن القاب والقوس
الذي يقول عنه إنه فوق االستواء حيث تتم فيه مشاهدة الحقيقة األحمدية فى عالها ،وهى التى
يقول أنها الحقيقة أوال ً نور النبى معلم القرآن ،والتى يقال عنها أنها القبضة النورانية األولى التى
جاءعنها قوله:
بقر الغيوب وكشف مكنوناتها *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان 1 /71
71
فهى من الغيوب التى كشف مكنوناتها ،وأخذ ينعتها بقوله رضى هللا عنه إنها دائرة الرحمن التى
يقول عنها سيدى أبو العينين ودائرة الرحمن كنت أميرها ،وهى تشبه قرص الشمس المعبر عنها
بدائرة الميم الطالعة من بين الحـــاء والدال في كلمـــــــة (حــ ـمــ ــد) المشار اليها فى ديوان شراب
الوصل الذى معانى قصائده مأخوذة من بطون القرآن ،ومعانى القرآن تُحمل على أوجه أربعة وهى
{الظهر :وهو للعلماء ،والبطن :لألولياء ،والحد والمطلع :لكبار األولياء } والتى منها أقوال
سيدى وموالى الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى المكنى بفخر الدين رضى هللا عنه القائل :
وحدى حد هللا والحـد مطلــــــع *** لدى ومـــــا ضلت بذاك سفينتى 2 /225
وأعتصر القرآن حـــدا ً ومطلعا ً *** وكنية فخر الدين مالها من سمية 2 /188
فقرة الحد لألحداق أحمدهــــــا *** ومطلع للشهود الحــــــــق مذ نبا 24 /5
ال يقرب الحد إال من به طلعت *** وصيتى عندهــــــا يغنيه مغنينى 84 /22
وحدى هو حد هللا ،فاهلل هو األحد ،والمطلع هو الذى طلع من حد هللا الذى يساوى (حـ 4ـد) الـ
أحـــد .
ويقول سيدى فخر الدين أن المطلع الطالع من بين الحاء والدال ،هو دائرة الميم الطالع من غيب
األحدية ،وهو المشار اليه فى القصيدة ( )28بقوله:
يانعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشـــاه
سر على كل العظـــــــــام وإنه *** بظهور غيب الذات ما أفشـــاه
ال يعلم الثقـــــــالن عنه قدر ما *** جهلوا وضلوا فى جلى ضحاه
ال يبلغ الطـــــــــالب منه بداية *** أو تفقه األمـــالك ما نجــــواه
وموالنا يقول :ال يقرب الحد إال ،أى ال أحد يستطيع أن يأتى بهذا المعنى ،إال المستثنى الذى به
طلعت وصيتى ،عندها ،يغنيه مغنينى ،لذا قلت لكم عن الوصية:
موصى عالم َم ْن َو ٍصيُهُ *** ومنذ خليل هللا نعم الوصية 2 /185
ٍ وما كل
يعنى ليس كل موصى على علم ودراية ( َم ْن َو ِصيُه) ،لكنى منذ خليل هللا (ابراهيم الخليل الذى ماغيره
خليل) على علم ودراية بمقام ابراهيم ،جدى المصطفى للجمع الذى سره مضمر لدى وكانت نعم
الوصية فهو الذى أشرت اليه بالقصيدة التائية بقولى :
71
وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت 2 /121
فأ ُ ْن ِزلَــــــــــــــــهُ فى غيبه كتنزل *** سالم هى سين الســــالم بقبضتى 2 /125
فكان هو سر مناجاتى ،السر المكتوم فى الصالة المحمدية (الذاتية) الذى قال عنه سيدى ابراهيم
الدسوقى :وإكشف لى عن كل سر مكتوم يا حى يا قيوم ،وهو الذى أتى ذكره فى توسل السادة
البرهانية (واكشف لعين قلوبنا عن السر ذى الكتمان من غير مرية) ،فهذه حقيقة ضياها ما به
االرض أشرقت ،وإن سناها من سنا األحدية ،حيث قلت عنه:
ووصيت ابراهيم أنى إصطفيته *** وكل نجــاة كتم سر النجية 2 /182
كما أوصيت حبى الذى نادمنى فكتمت سره قائالً :
أوصيك برهانية فاسمع لهــــــا *** مسك الختام وبغية للواصلين 2 /24
ولى فى إبن آمنة وصية وارث *** وفينا يكون االختالف تعاقب 14 /12
وهى دائرة علومى ذات الطلع النضيد التى أقول عنها:
فلى علوم نضيد طلعها كرما ً *** وحدهـــــــا ال يناهى فى عبودتنا 75 /55
أى أن علومى كثيرة وهى شجرة طلعها عالى وثمارها طيبه ،وخصتنا من باب التكريم ،وحدها حد
ال يناهى فى مقام العبودة ،وهو منزلة من المنازل التى إماطة أستارها معجز فهى :
(بداية عبد يجهل الجمع بدءها)
دقائقها دقت وحسن بيــــانها *** يجل عن التبيان .من حد حدها ؟ 21 /9
فهى منزلة رقيقة ودقيقة وحسن بيانها يعظم عن من يستبينه ،ومن المستنكر من يحد حدها أى من
الصعب أن يحد أحد حدها ،ويعرف عنها من اليه تعرفت حيث تمر به األستار يطعم حلوها ،فعندما
قلنا قبل ذلك فى القصيدة (:)27
الى أجل عندى تكون عطيتى *** بطى خدور المانعات حفيظة 27 /2
وقلنا فى القصيدة (:)21
ظننتم أن ذاك القول يعنى *** ختام القول فى أى الكتاب 21 /1
قلنا وحتى بعد يوم الناس ذا *** علم لدينـــــــــا منه جئنا حـــــدها 29 /24
72
قلنا علم لدينا منه جئنا حدها ،أى حد علومنا وهو مخصوصات علمنا الذى َجا َءنَا منها ،وحتى بعد
يوم الناس مازال حدها لدينا .
لذا فأقول أن دائرة علومى تشبه نقطة النواة التى تأتى بالشجرة العالية ذات الطلع النضيد والتى
تؤتى أوكلها كل حين باذن ربها ،وهذا الطلع النضيد يختص باالرزاق الطيبة للعباد ،وحد هذه العلوم
ليس له نهاية فى عبودتنا ،فقد دقت دقائقها لدرجة أن ُحسن بيانها ال يستطيع أحد تبيانه ،وعلمها
لدى من جاء حدها ،وجاء سؤال سيدى فخر الدين رضى هللا عنه من الذى حد حدها ؟ ليدرك بيانها
ويستبين حقيقتها ،والجواب هو علم لدينا منه جئنا حدها ،لذا هي دائرة بدايتها ونهايتها في استواء
،وال يعرفها سوى من عاينها وشاهدها حال خروجها من بين صدفها األزفر فقال هى الياقوتة
الحمراء ،ويقول رضى هللا عنه :
72ـ ففوق االستوا قلبت وجهى *** فعاينت السماء وما بناها
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أنى فى الموطن الذى فيه مقام العبودة ،حينما قلبت وجهى
فى السماء فقد عاينت تلك السماء وما بناها ،حيث شاهدت عالم األرواح الذى تجتمع فيه أرواح
مجردة ( موطن الالهوت والهاهوت) الذى فيه الترحل بالجذبات االلهية وتم التعرف عليها .وعلى
ما بناها أي من أنشاها وقلت :
أنـا فى أنــا إنى وإنى فى أنــا *** رحيقى مختوم بمسك الحقيقــــة 2 /2
هذا كالمى قديم يسبق الزمن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا 75 /2
أنــا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورهـــــــا منشى حقيقتنا 75 /1
تبارك هللا إن الحق منشينـــا *** وزفرة الحال تطربنى وتشجينى 72 /2
وهذا الحق هو الذى أسسها وأقام أعمدتها وبنيانها ثم رفع سماها لعالم األرواح ودحا أرضها لعالم
األشباح وبسطها للعبادة ،وأخذ يحكى لنا القصة من البداية فى قول الحق سبحانه وتعالى (إنى جاعل
فى االرض خليفة) ويعرفنا أن هللا تعالي لما أراد لألشباح أن تعبده خلق األرض إلرشاد األنام للمعرفة
بهذه الحقيقة فقال تعالي ( :إني خالق بشرا ً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له
ساجدين )" ،سورة ص آية "21/22وعندما شاهدت المالئكة النور المنبعث من عالم العرش حيث
ي الذي أرسل آشعته علي المخلوق العظيم الشخص اآلدمي الجسماني البشري سيدنا آدم النور العل ّ
عليه السالم فخرت المالئكة ساجدين لألمر اإللهي نعم ،ولكن بعد مشاهدة النور العلي المنبعث عليه
من العرش ،وذلك يوضح قول سيدي فخر الدين رضي هللا عنه:
ي
فأول قبلة السجاد طين *** عليه آشعة النور العل ّ
73
وأشعة النور هذه انبعثت من قبلة الوجود بأسره التي تم اختيارها واصطفاؤها يوم خلق الحق العرش
وخلق المأل األعلي ،وانفرد صلي هللا عليه وسلم في مستواه بمن اجتباه واختاره واصطفاه وجعله
قبلة للوجود وصيرة الحق خزانة أسراره وموطن نفوذ أمره وهو المعبر عنه يكن ( لما لم يكن ) ،
فال ينفذ أمر إال منه وال ينقل خبر إال عنه ،وهو حجاب تجليه وصياغة تجليه "وترقي تدانيه وتلقي
تدليه" ( سبحانه من تعالي في دنوه وتداني فى علوه .من تراث سيدي محي الدين بن عربي (
عنقاء مغرب فى ختم األولياء ) لؤلؤة نشأة العرش صـ 11و( كتاب تبرئة الذمة صــ. ) 14
71ـ فهذى قبلــــة قلبت قلــــــــوبــا ً *** على أعقابهـــا يوم اصطفاهـا
77ـ فأمــــا قد نرى هى قد رأينـــــا *** على التحقيق من بدء استواها
71ـ وليس الى السما بل فى السماء *** وقيـــل فول بعد أن ارتضـاها
لى الحق تعالى ،هى قبلة قلبت قلوبا ً
يقول رضي هللا عنه أن القبلة التى إرتضيتها عندما إصطفاها ً
على أعقابها يوم اصطفاها ،وكان ذلك عطاء هللا من عليائه الذى أشرت اليه فى القصيدة النونية
قائالً:
هذا عطاء هللا من عليائه *** هذا اصطفاء السيد البرهانى
فهذا العطاء وهذا اإلصطفاء هو السيد البرهانى إبنى البرهانى الذى إنتسبت اليه يوم أن لقبت باالسم
:
{محمد عثمان عبده البرهانى بعد أن كان إسمى محمد عثمان عبد الرزاق}
وفى البيت الثانى من القصيدة قلت :
ما كل من كتم الشهادة آثم *** أو كل من وأد البريئة جانى
فهذه شهادة حق من عبيد مشاهد وكل من كتمها ليس آثم ألن معرفتها مأخوذة من علوم الكتم ،
العلم ال ثالث (حق اليقين) وعنها جاء قول الحق تبارك وتعالى لحبيبه صلى هللا عليه وسلم (قد نرى
تقلب وجهك فى السماء) ،ويقول الشيخ هنا أن قوله تعالى (قد نرى) هى قد رأينا على التحقيق من
بداية االستواء ،وجاء قوله تعالى(فى السماء) ولم يقل الى السماء ،وجاءت االجابة بالتو ِل بعد أن
إرتضى الحق لحبيبة القبلة المحببة الى قلبه صلى هللا عليه وسلم ،
ويقول سيدى فخر الدين فى القصيدة التائية :أن القبلة التى ارتضيتها ،هى قبلة جدى المصطفى
للجمع ،وهى القبلة المحببة الى قلبى حيث قال رضى هللا عنه :
74
وقبلة جدى قبلة قد رضيتهـــــا *** أقلب وجهى فى سماوات قبلتى 2 /222
الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتــــــى 2 /125
أى أن القلبة التى قلبت قلوبا ً على أعقابها ،هى قبلة جدى التي إرتضيتها لى عندما قلبت وجهى فى
سماها ،فوجدتها قبلتى التى ارتضاها الحق لى حيثما إتجه نحوها السيد الدسوقى (أبو العينين) وهو
الذى وجه وجهى نحوها .فالـ(هو) باهلل قبلتى على التحقيق الذى فيه مبدئى ومعادى منذ الساعة
األولى من بدء االستواء ،فهذه الحقيقة التى عندها جاء قولى :
وإنى حق والحقيقــة أودعت *** غيابة جب يوسفى بفطنـــة 2 /52
وكان أبو العينين وارد مائها *** فأدلى بدلو قال تلك بشارتى 2 /52
وبعدها قلت :
ولما تغاشينا حملنا أمانـــــــــة *** فصرنا مزاجا ً واحدا ً فى الحقيقة 2 /224
وأيدنى األقطاب جمعا ً وقدمــوا *** مزاجى لألكوان تلك بشارتــــى 2 /222
أى أيدنى وبشرنى السادة األقطاب سيدى االمام عبد القادر الجيالنى وسيدى االمام أحمد الرفاعى
وسيدى االمام أحمد البدوى وسيدى االمام أبو الحسن الشاذلى ،حين قيل لى فولى بعد الرضا (من
الحق) وجهك شطر المسجد الحرام ،وحيثما كنتم جميعا ً (االقطاب التى شاهدت معى) فولوا وجوهكم
شطره ،وهم الذين أوتوا الكتاب (كتاب هللا جمعنا) وهم األحباب المعنيون فى قوله رضى هللا عنه
(إنما األحباب آيات به) وذلك ليعلموا أنه الحق من ربهم .
وجاء قول الحق تعالى فى اآلية رقم 211من سورة البقرة (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك
قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا
الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما هللا بغافل عما يعملون) .
أى حين تمني أن يُ ّحول إلي الكعبة ألنها قبلة أبيه إبراهيم وأدعي إلي إسالم العرب وهى أقدم القبلتين
ويقلب وجهه انتظارا لنزول الوحي ،وهذا من كمال أدبه عليه الصالة والسالم
ّ فكان ينظر إلي السماء
حيث انتظر ،ولم يطلب فقال له الحق فلنعطينك ما طلبت فول وجهك جهة المسجد الحرام ،وحيث
ما كنتم أيها المسلمون فولوا وجوهكم شطره ،وشطر المسجد أي جهته دون عين الكعبة ،ألنه
صلي هللا عليه وسلم كان في المدينة ’ والبعيد يكفيه مراعاة الجهة ،فإن استقبال عينها حرج عليه
،بخالف القريب فإنه يسهل عليه مسامتة العين (قابلة وواجهة) ،وقيل إن سيدنا جبريل عليه
السالم عينها له بالوحي فسميت قبلة وحي ،وروي أنه صلي هللا عليه وسلم قدم المدينة ،فصلي
75
وجه إلي الكعبة في رجب بعد الزوال ،قبل قتال بدر بشهرين نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً ،ثم ِ
،وقد صلي بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر ،فتحول في الصالة واستقبل الميزاب
،وتبادل الرجال والنساء صفوفهم ،فسمي مسجد القبلتين ،قاله البيضاوي ،فلنولينك قبلة ترضاها،
وتلوذ بشهود جمالها وسناها وهي الحضرة المطهرة فهي منتهي أمل القاصدين ولما تحولت القبلة
الى الكعبة ،من الذى غضب ؟ اليهود حيث ترك قبلتهم ،وكذلك سيدنا وموالنا فخر الدين لما تمني
أن يتجه إلي قبلته المعظمة اختصاصا وقبلة الخليل إبراهيم صلي هللا عليه وسلم وهي أقدم القبلتين.
ي ،والثانية هي القبلة المعظمة اختصاصا
القبلة األولي هي أبينا آدم الذي كان عليه أشعة النور العل ّ
التي هي ( قبلة الوجود بأسره ) التي هو واحد من أشعة نورها والتي موطنها في سماء عالم األمر
حيث العرش والكرسي واللوح المحفوظ والقلم والسريروالسدرة ( عالم الجبروت ) ويقول سيدي
فخر الدين رضي هللا عنه :عند مشاهدة القبلة المعظمة اختصاصا:
ودان *** بمحمود الطليعة قد تباهى
ٍ 75ـ وكل الكون من عا ٍل
عندما شاهد الكون محل التكوين (من عالم الملك – وعالم الملكوت – وعالم الجبروت) محمود
الطليعة الذي هو أول الخلق عند ظهور جماله الطالع من سماء غيبه علي هيئة ( دائرة ميم ) طالعة
من بين الحد فقد تباهي الجميع بطلعته البهية اللطيفة األحدية ،ولم يغضب لطلعته إال المكذبين من
هم (مثل اليهود الذي أغضبهم تحول القبلة) فهم السفهاء الذين ال عقل لهم ،والمنكرون الحاقدون
المطرودون من رحمة هللا ،الذين لم يرضهم التوجه إلي هذه القبلة المعظمة التي عظمها هللا واألنبياء
والرسل السابقين واألولياء الصالحين الالحقين (قبلتك المعظمة إختصاصاً) يقول في ذلك الحق تبارك
وتعالى ( :سيقول السفهاء من الناس ما والهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ،قل هلل المشرق والمغرب
يهدى من يشاء الى صراط مستقيم) اآلية رقم ( ) 211من سورة البقرة .ويجيب سيدى فخر الدين
على السفهاء:
72ـ ولو قال السفيه لم التولى *** فمغرب طلعة اإلشراق طه
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ولو قال السفيه لم التولى ،نقول عقب هذا الكالم فمغرب طلعة
اإلشراق طه ،قل :هلل المشرق والمغرب يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ،اآلية فالمشرق والمغرب
هلل " ،أى لو قال السفيه ( الذى ال عقل له ) عند سماع قول الشيخ ( فقبلتك المعظمة إختصاصا ً
) ما والهم عن قبلتهم ؟ ،أى أن القبلة المعظمة ( قبلة الكون كله من عال ودان ( هى حضرة النبى
وموطن الخليفة المشار اليه بـ (أول الخلق فى اطالقه ألفاً) .
وحول تفصيل عبارة (فمغرب طلعة اإلشراق طه)
76
أوالً :طلعة اإل شراق هى الحقيقة األحمدية التى طلعت من غيب األحدية على هيئة ياقوتة حمراء ،
فكانت الحقيقة المحمدية على هيئة درة بيضاء ،قد غربت فى الذات المحمدية اللطيفة األحدية .
ثانيا :طه ـ هوالقدم المشهود ،صاحب الهوية المتدلية من غيب األحدية ،وهو المشار اليه بـ (
أن ا ) ،حيث هو الهو كذا الهاء واألنا هو القدم المشهود والغيب سائر ،وهو المقصود بقوله :قل
إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ،اآلية ،وهى منزلة ألحمد ،الظاهر فى :أنا فى أنا إنى كمنزلة
ألحمد .وأخيرا ً هو أبو العينين المشار اليه القائل :أنا األسد سهمى نفذ منه المدد ال أبالى من أحد
بفضل (قل هو هللا أحد) والذى أشارت اليه القصيدة األحدية :
من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريدى قل هو هللا أحد
وهنا يعنى أن الحقيقة األحمدية عندما خرجت من بيتها الصدف األزفر ،خرجت كاألسد الكامن المتحفز
لخروجه من عرينه فخرج منطلقا ً بسرعة السهم مسافرا ً غربا ً حتى أصبحت شمس الغرب وراءه ،
والغرب فيه مغرب طلعه اإلشراق طـــه .
فيقول الحق :قل هلل المشرق والمغرب يعنى أن المشرق له والمغرب أيضا ً له ،فالمقصود بالمشرق
هو شروق شمس الحقيقة التى هو حضرته صلى هللا عليه وسلم حضرة ( طلعة االشراق) والمقصود
بالمغرب هو غروب شمس الحقيقة أوال ً فى (طه :مغرب طلعة اإلشراق) وكلمة طه مكونة من حرفين
طاء الطلسم والهاء هاء الهوية المتدلية للمشار اليه فى القصيدة النونية قوال ً صحيحا ً مسندا ً بـ (
نور النبى معلم القران ) ثم يقول واعلم بأن قولى صادق ،وأيم هللا صح النقل عنى ،فالنبى صلى
هللا عليه وسلم :هو نور هللا ،النور المضاف الى هللا إضافة تكريم ،أما نور النبى فهو النور
المضاف الى حضرة النبى إضافة تكريم ،ويوضح ذلك الحديث الشريف " :أنا من نور هللا والمؤمنون
من رشحات نوري " ،فنور المشرق هو نور هللا وهو النبي صلي هللا عليه وسلم والمغرب طلعة هذا
النور هو نور النبي وهو القبلة المعظمة اختصاصا ،وهى التي يوم المعرفة بها قلبت قلوب المنكرين
والسفهاء المغيبة عقولهم علي أعقابها وهي المعرفة بالحقيقة أوال :التي هي نور النبي معلم القرآن
،موالنا الشيخ إبراهيم رضي هللا عنه الذى بلغ ختم الوالية ،الذى جاء من كمال العطاء ،ومما
يؤيد ذلك قول موالنا الشيخ محمد الشيخ ابراهيم { فقد كان رضى هللا عنه قمة فى التواضع ،حتى
إنه كان يتنزل ويتنزل الى أن يشعر من يتحدث معه أنه ال فرق بين ولى بلغ ختم الوالية وبين مريد
أو أخ من عامة اإلخوان } فهو طلسم الهوية وهو طه مغرب طلعة االشراق ،وهو رضى هللا عنه
المشار اليه :طلسم غيب الغيب سر الهوية وكنز الذات ذى األحدية فى ( توسل السادة البرهانية )
.
72ـ وما وسطية الشهداء إال *** بمحض عناية بلغت مداها
77
فقد ظهرت حقيقة الحقائق على يد مظهر ما كان فى الكتمان موالنا االمام الشيخ محمد عثمان .بعد
مضى 2781عاما ً من يوم أن خطب المعصوم المصطفي صلي هللا عليه وسلم فى حجة الوداع فى
العام الحادى عشر الهجرى قائالً ( :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم
دينا) ،وانتقال خاتم األنبياء وا لمرسلين سيدنا رسول هللا الى الرفيق األعلى ،وحتى زمن ظهور
خاتم األولياء فى الحادى والعشرين من جمادى االخر 2147الهجرى الموافق 1من إبريل 2897
،كما قال سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
كما خطب المعصوم عند وداعه *** أرسيت أركانى وأتممت نعمتى 2 /244
وهو زمن ظهور حقيقة الحقائق التى أظهرها موالنا الشيخ محمد عثمان فى ديوانه المنظوم ودره
المكنون الذى سماه { ديوان شراب الوصل }والذى إحتوى على السر المصون الذى تحدى به العقول
بقوله الذى زلزل أرض العقول ( من كمال العطاء من فيض وهب ***ايها الناس جاءكم ابراهيم )
الولى الذى ختمت الوالية به فهو خليفة جده خاتم األنبياء صلى هللا عليه وسلم المتأخر فى النشأة
الدنيوية ،المقدم فى النشأة األخروية ،وإذا صح التقديم فالتساوى أحرى ،والعبرة فى الختم ليست
بالزمن ومن صفته رضى هللا عنه إنه زائل عن مرتبته بختمه ،وظاهر بعلم غيره ال بعلمه ،وجار
فى ملكه على خالف حكمه ،ولو ظهر بهذا العلم ،وحكمه بهذا الحكم ،ما صح له مقام الختم وال
ختمت به والية ،وال كملت به هداية ،فهو هادى األمم وبارىء النسم ،ومن صفاته أيضا ً أنه من
العرب ،آدم اللون أصهب أقرب الى الطول منه الى القصر ’ كأنه البدر األزهر فاعلمه .
ومن عام حجة الوداع التى قال فيها حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم اإلسالم دينا ً ) الى زمن انتقال موالنا الشيخ محمد عثمان رضى
هللا عنه القائل:
كما خطب المعصوم يوم وداعه *** أرسيت أركانى وأتممت نعمتى 2 /244
وهو بداية استالم موالنا الشيخ إبراهيم وارث والده الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني المكني
بفخر الدين .مرت عدد من األعوام يقرب من 2781عاما ً وفى هذا الرقم إشارة الى :وسطية
األمة ،بعد القرون األربعة التى قال عنها المصطفى صلى هللا عليه وسلم (خير القرون قرنى ثم
الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجىء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) والى بداية
المعرفة بعلم اآلخرين القائل عنه سيدنا االمام على كرم هللا وجهه { واننى بعلم اآلخرين ضنين
كتوم } فى هذا العلم المعرفة التامة بخاتم األولياء ،والذى من أجله قال سيدى فخر الدين :
من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى
بعد أن قال :
78
من أجل ابراهيم قد أمليتهـا *** حملت اليكـــم غايتى ورجيتى
وهو وقت وزمان ( األمة الوسط ) التى ستشهد بهذه المعرفة على سائر األمم ،فيكونوا شهداء
على الناس بمعرفة هذه الحقيقة ،ويكون الرسول حضرة النبى ( شاهد ) ورسول الهداية إلي
هذه الحقيقة وصاحبها هو ( الشهيد ) علينا ،وهو الذى تشير اليه فاتحة الكتاب بآياتها السبعة
التى توافق عدد حروف اسمه الشريف ( إبراهيم ) السبعة أحرف ،مع العلم بأن اسم موالنا االمام
{ الشيخ ابراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني } يساوي باألرقام عدد السنوات ،واالسم
الرحمن الذي يتكون من الـ ( )5سور تبدأ بـ { الر} و ( ) 2سور تبدأ بـ { حم } وسورة ( )2يبدأ
بـ { ن } يعنى )27( = 2+5+2سورة :وعددهم باألرقام يساوي هذا العدد .وهذا العدد =
2781سنة .
ويقول الحق لقد شهد لهذه ( األمة الوسط ) بالعدالة والفضل فقال ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً
لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ً.
والوسط هو العدل الخيّر الفاضل ،ويقول الحق جعلناكم مهتدين إلي الصراط المستقيم ،ويقول سيدى
فخر الدين (وإني صراط المصطفي ونجيه) وجعلنا قبلتكم التي اخترناها لكم أفضل الجهات ،وجعلناكم
أفضل األمم ( أمة البرهان ) خيارا ً عدوالً مزكين بالمعرفة بحقيقة أول الخلق الذي هو قبلة القصاد
وبيت العقائد.
وقبلة جدي قبلة قد رضيتها *** أقلب وجهي في سماوات قبلتي 2 /222
وإلي حيثما ولي الدسوقي وجهة *** أراني أولي فهو باهلل قبلتي 2 /125
لتصلحوا للشهادة علي غيركم فتكونوا يوم القيامة (شهداء علي الناس) ويزكيكم في ذلك شيخكم
فيشهد بعدالتكم ،ألن العلماء يشهدون علي الناس واألولياء يشهدون علي العلماء ،فيزكون من
يستحق التزكية ،و األولياء ال يخفي عليهم شيئا من أحوال العلماء ومقاماتهم بخالف العلماء ال
يعرفون مقامات األولياء:
79ـ ومن حيث الخروج فول وجها ً *** لقبلة آدم فلهـــــــــــا سماهــــــا
78ـ ولست كما يرون فول وجهـــا ً *** واعرض عن جهالـة من تواهى
14ـ فقبلتك المعظمة إختصاصـــــا ً *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــــــــــا
فيبين الحق قبلة من َبعُ َد عن مكة وأيضا قبلة من َبعُ َد عن القبلة المعظمة (ولكل وجهة هو موليها
فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم هللا جميعا إن هللا علي كل شيء قدير ،ومن حيث خرجت فول
79
وجهك شطر المسجد الحرام و إنه للحق من ربك وما هللا بغافل عما تعملون ،ومن حيث خرجت فول
وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره" ) ...سورة البقرة من .254:219
يقول الحق ج ّل جالله :ولكل فريق من المسلمين جهة من الكعبة يستقبلها ويوليها وجهه أينما كان
،وحيثما أى ( أينما تكونوا ) في مشارق األرض ومغاربها يأتكم الممات ويأت بكم إلي المحشر حفاة
عراة فال يعجزه بعث عباده وال جمعهم من أعماق األرض وأقطار البالد ،وبما أن لكل قوم وجهة
يستقبلونها ،فمن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ،فبادر بامتثاله ثم كرر الحق األمر
بالتوجه لعلة أخري سيذكرها فقال ( :ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) وحيثما
حللتم فولوا وجوهكم شطره :قال البيضاوي :كرر هذا التعدد لثالث علل ( تعظيم الرسول صلي هللا
عليه وسلم ،بابتغاء مرضاته وجرت العادة اإللهية علي أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة
يستقبلها وي تميزبها ،ودفع حجج المخالفين علي ما بينه ،وقرن كل علة بمعلولها ،مع أن القبلة
لها شأن ،فكل وجهة من هؤالء توجهت لحق شرعي أقامتها القدرة فيه ،وحكم بها القضاء والقدر
وهو ( العارفون – العباد والزهاد – العلماء العاملون – القراء والمفسرون – الحكام – القائمون
باألسباب الشرعية – أهل المعاصي والذنوب – أنواع الكفار )
فكل وجهة من هؤالء توجهت لحق شرعي أقامتها القدرة فيه ،وحكم بها القضاء والقدر إال القسمين
األخيرين ال تقرهما الشريعة.
ومن حيث خرجت أيها العارف فول وجهك وكليتك لمسجد الحضرة المسجد الحرام ( بيت رسول هللا
الذي وسع بكليته روح سيدنا محمد الكلية ) ألنه هو الحق وما سواه باطل.
وقال الشاعر لبيد :أال كل شيء ما خال هللا باطل وكل نعيم ال محالة زائل.
نقل الحافظ ابن حجر في الفتح 299/2أن لبيد أنشد من شعره (آال كل شيء ما خال هللا باطل) فقال
عثمان بن مظعون :صدقت فقال لبيد :وكل نعيم ال محالة زائل فقال عثمان :كذبت :نعيم الجنة ال
يزول ،....وحيث ما كنتم أيها العارفون فولوا وجوهكم إلي قبلة تلك الحضرة واعبدوا ربكم بعبادة
الفكرة فإنها صالة القلوب ومفتاح ميادين الغيوب وفي ذلك يقول ابن الفارض:
يا قبلتي في صالتي :إذا وقفت أصلي
ي
جمالكم نصب عيني :إليه وجهت كل ّ
فإذا تحققتم بهذه الحضرة تحصنتم بحصون الشهود والنظرة وانقطع عنكم حجج خصيم النفس
والجنس وتنزهتم في رياض القرب واألنس إال الخواطر التي تحوم علي القلوب فال تقدح في مشاهدة
81
الغيوب فال تخافوا غيري وال تتوجه همتكم إال إلحسانى وبري فإني أتم عليكم نعمتي وأرشدكم إلي
كمال المعرفة بقبلتكم المعظمة اختصاصا بإل كيفية حيث ابتداها .
12ـ وتمت نعمة كبرى علينا *** فقد آتيت آنفسنا هداها
أما النعمة الكبرى هى عطيتى عندما سعيت :
سعيت إلي موالي مرفوع هامة *** وما زالت للدنيا شعاع الهداية 2 /7
وأتيت إبراهيم من قبـــل رشده *** فما هــــــو اال فلذتى وعطيتى 2 /1
والنعمة الكبري هى ( العطية ) التي أراني إياها الحق سبحانه وتعالي حيث هي وجهة سيدي إبراهيم
القرشي الدسوقي وهي باهلل قبلتي :
الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتى
وقول الحق تبارك وتعالي ( :قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) "سورة البقرة
" 211يقول سيدي فخر الدين في كتاب تبرئة الذمة صــ 197في تفسير هذه اآلية :قد للتحقيق
وهذا يدل علي التجزء الجسدي لسيدنا محمد صلي هللا عليه وسلم حيث كان صلي هللا عليه وسلم في
صالة الظهر من أحد األيام بمسجد القبلتين وفي البيت المعمور وفي العرش يطلب من المولي تبارك
وتعالي قبلة يرضاها له وألمته ،وألن المشركين عليهم لعنة هللا تعالي قد قالوا للنبي صلي هللا عليه
وسلم "إن دينكم هذا ناقص بدليل أنكم تتجهون إلي قبلتنا لعدم وجود قبلة خاصة بكم" ،فمعني قوله
تعالى " :قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ،فول وجهك شطر المسجد الحرام
،وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ،إنك تطلب قبلتك بيت هللا الحرام فلنولينك إياها " .
وحاصل األمر أن النبي صلي هللا عليه وسلم يعرف هللا حق المعرفة ويعلم ما كان وما هو كائن وما
سيكون يوم القيامة ألنه متخلق باألسماء اإللهية الحسني وال يخرج شيء عن دائرتها ،وكثيرا ما
حدث عن أشياء تحدث في آخر الزمان فظهر معظمها ،وسيظهر الباقي إن شاء هللا تعالي ،ثم يختم
القصيدة بقوله رضي هللا عنه :عن معني قول الحق تبارك وتعالي " :فاذكروني أذكركم واشكروا لي
وال تكفرون " .
11ـ وكنا ذاكرين وقد ذكرنا *** وهذه نعمة أخرى نراها
وبعد تمام النعمة الكبرى وهى أن آتيت رشد ابراهيم من قبل ،فماهو اال فلذتى وعطيتى ،وكنا بها
ذاكرين حتى ذكرنا ،ثم حصلنا على نعمة أخرى وهى نعمه ارشاد العباد لجهة القبلة المعظمة التى
رأينا فيها الخالفة الحقة التى أسندت الينا.
81
وفى الختام يقول إنه صاغ هذه القصيدة علي (جوامع الكلم) الحروف األبجدية التي هي معجزة سيدنا
رسول هللا صلي هللا عليه وسلم بذكر الحروف الموجودة قبل الحرف األخير من الشطر الثاني من
رقم 74:2ثم الحروف األبجدية الـ 19وتكرر فيها كل من حرف الباء والحاء وهذه إشارة الكتاب
الناطق :الذى يقول فيه الحق تعالى " ولدينا كتاب ينطق بالحق ،والكتابة كانت الحروف تنطق للنبي
صلي هللا عليه وسلم إذا أمسك بورقة مكتوبة " .
والخالصة :
أن سيدي فخر الدين يقول :إنه اشتاق إلي قبلتة المعظمة ( قبلة الوجود بأسره ) كما أراد أن يوجه
مريديه ومحبيه الى هذه ( القبلة المعظمة ) التي عظمها الحق والتي هي الوجهة الحقيقية للمصطفي
صلي هللا عليه وسلم وهي قبلته التي ارتضاها له الحق سبحانه وتعالي واختصه وعباده بها ،وهي
التوجه الى جهة متقدم جماعة الحضرة ( المسجد الحرام ) بيت هللا الحرام ،الذى قال عنه الشيخ (
بيته بيته من غير إظهار ) فيا مريدي من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ،وللجميع
يقول :من حيث خرجتم فولوا وجوهكم شطره ،أى من أي محل حللتم به فولوا وجوهكم شطره ،
حيث هو القبلة التي ارتضاها الحق لكم ،قبلة معظمة اختصاصا ،وحيث جلعناكم أمة وسطا ،
لتصلحوا للشهادة علي غيركم من األمم فتكونوا (شهداء علي الناس) ويزكيكم شيخكم حيث يشهد
بعدالتكم ألنكم أنتم أهل العلم والمعرفة بحقيقة الحقائق الحق األول ،الذي وسع بكليته روح سيدنا
محمد الكلية المحتد .
وعندما ارتضاها لكم ،فقد قلبت قلوب السفهاء المنكرين علي أعقابها ،ويقول عنها سيدي فخر
الدين:
فهذه قبلة قلبت قلوبا *** علي أعقابها يوم اصطفاها
فقد شهدناها علي التحقيق من بدأ إستواها ،حقيقة أحدية لطيفة ياقوتة حمراء داخل بيتها األزفر ،
حيث عاينتها في سماها وشاهدت جمالها الطالع ،الذي بناها وأخرج ماءها ومرعاها ،واألرض بعد
ذلك دحاها ( أرض القلوب ) بعد ذلك بسطها ودحاها ،وجعلها في ضعة الخالئق دونه ،ومن أجل
الخليفة المرشد سيدنا المهدي المنتظر ،جادت بكل ما فيها بال نقصان .
وكل الكون من عال ودان *** بمحمود الطلــيعة قد تباهي
ولو قال السفيه لم الــــتولي *** فمغرب طلعة اإلشراق طه
فيقول الحق تبارك وتعالى للسفهاء الذين ال عقل لهم وال دين لهم حين تحولت القبله لسيدى فخر
الدين قل لهم ( هلل المشرق والمغرب ) فهو ال يختص ملكه بمكان بخصية ذاتية من إقامة غيره مقامه
82
،بل ان االماكن عنده سواء والخلق فى حقه سواء فهو يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ،ويضل
من يشاء عن المنهاج القويم ( ،ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ) والصراط المستقيم هو ما ترتضيه
الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه الى الوجهة الحقيقية وهى وجهة هللا ورسوله التى هى وجهة
النبى والشيخ فال فرق إن الحق واجب ،وقال بعض العارفين ( لى أربعين سنة ما أقامنى الحق فى
شىء فكرهته ،وال نقلنى الى غيره فسخطه ) ،بخالف السفها ء من الجهالء بالمعرفة بحقيقة الذى
هو أول الخلق فى إطالقه ألفا ً ،فشأنهم االنكار عند إختالف األحوال ،فمن رأوه تجرد عن األسباب
وانقطع الى الكريم الوهاب ،قالوا :ما واله عن حاله الذى كان عليه ؟ وأكثروا من االعتراض عليه
،وكذلك من رأوه رجع الى األسباب بعد الكمال ،قالوا :قد انحط عن مراتب الرجال ،وهو انما زاد
فى مراتب الكمال .
فالملك كله هلل يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ،ويضل من يشاء بعدله الحكيم .
وبالنظر الى عدد آيات سورة البقرة باالرقام تجده ( ) 192آية ،
إذا حذفنا الرقم 2يبقى معنا الرقم : 19وهذا العدد هو عدد السور المدنية من المصحف
وإذا حذفنا الرقم 1يبقى معنا الرقم : 92وهذا العدد هو عدد السور المكية من المصحف
وإذا جمعنا 211 = 19 + 92وهذا العدد 221هو عدد سور القرآن .
وأيضا ً لو نصفنا السورة أى لو قسمنا العدد على اآليات 192على 1
يصبح العدد 217فى المنتصف وهو اآلية ( )217التى يقول فيها الحق تعالى :
{وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ً }
وهى تشير الى وسطية األمة .
83
القصيدة ((74
األولى
ْ يطيب ألهل فضلى ذكر قــولى *** ولو جهلوا المراد
السوى
ْ على فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر
84
بسم هللا الرحمن الرحيم
27يونية 2891م عدد أبياتها ()72 األربعاء 27رمضان 2141هـ
------------------------------------------------------------------------------------------
ـ مناسبتها لما قبلها تأتى فى معنى األبيات الثالثة األولى منها :
اليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها ()2
ولكن تركها ال خير منه *** وال ضر لمن يبغى رباهــــا ()1
هى األبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا ()7
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :اليكم يا أحبائى علمى الذى يحتوى على كثير من الخفايا
التى ال يدرك كنهها الكثير منكم ،ألنها علوم غيبية تأتى من علم يسمى (حق يقين) ومرتبته اإلحسان
وهى أعلى مراتب الدين وهذا العلم ينعت (الخليفة) الذى من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار
وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال
الحق ،فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة وال شئ إال
وهو به منوط ،لذا فهى تعجز من رآها ،ولكن ترك معرفتها ال خير منه وال ضرر لمن يبغى رباها
،فمن يريد أن يستقى منها فعليه أن يصعد الى أعلى مواطن التنزيل الذى منه تنزلت مخصوصات
علمى الذى نظمته لكم على هيئة أبيات على غرار آيات الكتاب الكريم ،وكذلك فى معنى البيت ()27
منها :
هى اإلحسان منها محض فضل *** وفيض زيادةالحسنى جزاها
واعلموا أن اإلحسان منها محض فضل ،وهل جزاء اإلحسان إال اإلحسان ؟ وللذين أحسنوا الحسنى
وزيادة وجزاء الحسنى يكون جزاءا ً وفاقا ً ،إن الذين انقطعوا هلل والزهد فيما سواه هم الذين لهم
الحسنى وزيادة ،فالحسنى هي المعرفة به والزيادة الترقي في المقامات والعروج فى سماوات
الغيوب ومشاهدة األسرار والمكاشفات من العز ،وإلقاء أنوار البقاء على وجوههم تجعلهم
جدى المصطفيّ مستبشرين ضاحكين بدوام العز والنعيم في حضرة المعصوم الذى هو أصل وهو
للجمع الذى نوره من نور العباءة المحمدية التى نشرها رسول هللا صل هللا عليه وسلم علي أهل هذه
الحضرة .
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت الثانى منها :
السوى
ْ عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر
85
انظر الشرح فى موضعه .
يبدأ سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القصيدة بقوله :
2ـ يطيب ألهل فضلى ذكر قولى *** ولو جهلوا المراد األولى
السوى
ْ 1ـ عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشـر
الشرح والتفصيل :
السوى
ْ أهل فضلى ـ ذكر قولى ـ المراد األولى ـ خالفته من البشر
أهل هللا :أهل مضاف واإلسم هللا مضاف اليه ،أهل هللا هم أهل القرآن وخاصته ،والقرآن هو قول
الحق تعالى جا ء لينعت النبى صلى هللا عليه وسلم ،وعلى غرار ذلك يكون معنى أهل فضلى :هم
الى ،الذين قال لهم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
أهل الطريقة المضافون ً
وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خوار
وأهل الطريقة هم أهل فضلى الذين جئتهم بعلمى المنظوم والدر المكنون من خالل كتابى ديوان شراب
الوصل ،الذى قد أمليته من أجل ابراهيم ،تلك غايتى ورجيتى من هذا الحديث ومنحتى وكالمى .
الذكر :هو ترديد إسم المحبوب دون طلب لمنفعة أو دفع لمضرة .
ب هو الذى يعشق آيتى (العلم المنظوم فى صورة قصائد ديوان شراب الوصل) هو الذى يطيب فالح ُ
ِ
له (ذكر قولى) ،وهو ترديد إسم المحبوب ،ولو جهل معنى المراد من وراء هذا الترديد .
المراد األولى :هو فى معنى قولى (توحيد رب) ،وهو الحقيقة األوالنية للحديث القدسى {:كنت كنزا ً
مخفيا ً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق ،فتعرفت عليه فبى عرفونى}.
86
جاء قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة الثالثون ،على غرار قول الحق تبارك وتعالى
فى سورة يونس اآلية ({ )59قل بفضل هللا وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } أى
بنور االسالم وااليمان واإلحسان (الشريعة والطريقة والحقيقة) الذى أتى بهم سيدنا محمدا ً عليه
الصالة والسالم فضالً من هللا ورحمة فليفرح المؤمنون بالخير الكثير ،فعلى أهل فضلى (أهل
الطريقة) أن يفرحوا بذكر قولى ،أى أن الفرح بأنوار معرفة َم ْن ِم ْن أجله أمليت كالمى المنظوم فى
ديوان (شراب الوصل) حتى لو أنهم لم يدركوا منه (المراد األولى) ،هو خير مما يجمعون ،حيث
أن ذلك المراد هو فى األصل مراد هللا الذى عال فوق الفهوم ،وهذا المراد أشارت اليه القصيدة
الهائية بقولى :
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معنـاه أو إثباته
قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته
س َو ْى) أى الخليفة البشرى الجسمانى اآلدمى (آدم األصغر)وهذا المراد هو (خالفته من البشر ال ً
الروح المستخرجة من صلب الروح األعظم (آدم األكبر) صل هللا عليه وسلم قبل تعلقها باألشباح ،
الى}.
حيث أشارت اآلية ( )2من سورة فصلت {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى ً
{جاء فى كتاب البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد لإلمام إبن عجيبة المجلد االول ص }85
لما ذكر خلق العالم العلوى والسفلى ،ذكر كيفية ابتداء من ع ًمر العالم السفلى من جنس اآلدمى فقال
:
س ِفكُ ال ِ ّد َما َء
س ُد فِي َها َو َي ْ ض َخ ِلي َفةً قَالُوا أَتَجْ عَ ُل فِي َها َمن يُ ْف ِ { َو ِإ ْذ قَا َل َربُّكَ ِل ْل َم َالئِ َك ِة ِإنِّي َجا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ
ض ُه ْم علَّ َم آ َد َم ْاأل َ ْ
س َما َء ُكلَّ َها ث ُ َّم ع ََر َ ون (َ )74و َّس لَكَ ۖ قَا َل ِإنِّي أ َ ْعلَ ُم َما َال ت َ ْعلَ ُم َ
س ِبّ ُح ِب َح ْم ِدكَ َونُ َق ِد ُ
َونَحْ ُن نُ َ
س ْب َحانَكَ َال ِع ْل َم لَنَا إِ َّال َما ين ( )72قَالُوا ُ اء َٰ َهؤ َُال ِء إِن كُنت ُ ْم َ
صا ِدقِ َ علَى ا ْل َم َالئِ َك ِة فَقَا َل أَنبِئ ُونِي بِأ َ ْ
س َم ِ َ
علَّ ْمتَنَا ۖ ِإنَّكَ أَنتَ ا ْلعَ ِلي ُم ا ْل َح ِكي ُم ( } )71من سورة البقرة . َ
ولما أراد هللا تعالى عمارة األرض ،بعد أن عمر السموات بالمالئكة ،أخبر المالئكة بما هو صانع
من ذلك ،تنويها ً بآدم وتشريفا ً لذريته ،وتعليما ً لعباده أمر المشاورة فقال (إنى جاعل فى األرض
خليفة) ثم وجه الحق تعالى استحقاق الجنس اآلدمى للخالفة وهو تشريفة بالعلم .
وجاءت االشارة :
إعلم أن الروح القائمة بهذا اآلدمى هى قطعة من الروح األعظم التى هى المعانى القائمة فى األوانى
،وهى أدم األكبر واألب األقدم وفى ذلك يقول ابن الفارض :
87
وإنى وإن كنت إبن آدم صورة *** فلى فيه معنى شاهد بأبوتى
فلما أراد ال حق تعالى أن يستخلف هذا الروح فى هذه البشرية لتدبرها ،وتصرفها فيما أريد منها
قالت المالئكة بلسان حالها :كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل الى الحظوظ والشهوات ،ويسفك
الدماء بالغضب والحميات ،ونحن نسبحك وننزهك عما ال يليق بك ؟ رأت المالئكة ما يصدر من
بعض ا ألرواح من الميل الى الحضيض األسفل ،ولم تر ما يصدر من بعضها من التصفية والترقية
،فقال لهم الحق تعالى (إنى أعلم ما ال تعلمون) فإن منها من تعرج الى عرش الحضرة ،وتعبدنى
بالفكرة والنظرة ،وتستولى على الوجود بأسره ،وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات
وأسماء المسميات ،ثم يقول الحق للمالئكة :هل فيكم من كشف له عن السر المكنون ،واإلسم
المصون ،فقالوا (سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا) من علم الصفات دون أسرار الذات (إنك أنت
العليم الحكيم) يقول الحق تعالى لروح العارف التى نفذت الى بحر وحدة الذات وتيار الصفات :أنبئهم
بما غاب عنهم من أسرار الجبروت ،وأسماء الملكوت ،فلما أعلمهم بما كوشف له من األسرار ،
وانفلق له من األنوار ،أقروا بشرف اآلدمى ،وسجدوا لطلعة آدم عليه السالم (طلعة اإلشراق) التى
قال عنها االمام فخر الدين فى القصيدة(:)18
ولوقال السفيه لما التولى *** فمغرب طلعة اإلشراق طه 18 /72
فقال الحق تعالى لهم (ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات واألرض) أى ما غاب فى سماء األرواح
من األسرار وفى أرض النفوس من األنوار ،وأعلم ما تظهرونه من اإلنقياد ،وما تطتمونه من
اإلعتقاد ،وبعد أن تبين شرف آدم وفضله أمرهم بالسجود له .
7ـ فأول قبلة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلى
1ـ تولته العناية بعد جهل *** على علم فأنعم من ولى
يحدثنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخالفة التى قال عنها الحق تعالى (إنى جاعل فى األرض
خليفة) ،بعد أن قال تعالى (إنى خالق بشرا ً من طين) حيث أن الخالفة ستكون فى األرض والخليفة
البشر السوى سيكون من طين األرض (فاذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) فصار
التراب مسكا ً فى مشام أصحاب (يسبحون) وجليت عروس آدم عليه السالم فى خلع (ان هللا اصطفى)
وسجدت المالئكة لسطوع نور(ونفخت فيه من روحى) وهذا معنى :
فأول قبلة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلى
88
أى لما نفخت فى هذا البشر بعد أن سويته ،سجدت المالئكة لسطوع نور روحى فيه ،وسطوع
هذا النور هو حقيقة (أشعة النور العلى) ،المشار اليه بقول سيدى فخر الدين فى القصيدة الثانية
النونية :
سبحان من خلق الحقيقة أوال ً *** نور النبى معلم القرآن
معلم القرآن الذى تولته الحضرة اإللهية بما تحتاجه ذريته بالمعرفة وتشريفه بالعلم الذى صيره الحق
خزنة أسراره وهوالذى إنشقت منه األسرار وانفلقت األنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم
فأعجز الخالئق ،وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال الحق ،فصار الولى الذى بلغ ختم
الوالية فأنعم به من ولى .
5ـ وداود الخليفة من هداها *** وعلمناه صنعة كل شىء
2ـ وفهمنا سليمان إقتضاها *** وعلمناه منطق كل شىء
السوى هى الحضرة التى قاب قوسيها الهدى ال
ْ وجاء فى كتاب هللا الجامع أن موطن خالفة البشر
ينتهى ،وكل خليفة ينال خالفتة من المشار اليه بقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (:)92
ما كتاب هللا إال جمعنــا *** إنمــــــــــا األحباب آيات به
ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينتهى
ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بأن خالفة سيدنا داود جاءت من هداها ،حيث أن هذه
الحضرة هى صانعة الخلفاء الذين نالوا خالفتهم من هداها عندما صاروا آيات كتابها ،فهى حضرة
(كل شىء) التى من مضمونها يؤخذ صنعة كل شىء ،وعلم كل شىء ،وهللا عليم بها حيث قال
سبحانه وتعالى :
(وألوا االرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب هللا إن هللا بكل شئ عليم) اآلية 25االنفال
(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شئ وهدى ورحمة) اآلية 98النحل
(إنا مكنا له فى األرض وآتيناه من كل شئ سبباً) اآلية 91الكهف
(إنما االهكم هللا الذى ال إله إال هو وسع كل شئ علماً) اآلية 89طه
(وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ) اآلية 17النحل
(ولكن رسول هللا وخاتم النبيين وكان هللا بكل شئ عليماً) اآلية 51األحزاب
89
(وكل شئ أحصيناه فى إمام مبين) اآلية 21يس
(ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلماً) اآلية 2غافر
(فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون) اآلية 97يس
(وان هللا قد أحاط بكل شئ علماً) اآلية 21الطالق
(وكل شئ أحصيناه كتاباً) اآلية 18النبأ
(وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ،ففهمناها
سليمان وكال آتينا حكما ً وعلما ً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ،وعلمناه صنعة
لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرين ،ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره الى األرض
التى باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين) اآليات من 29الى 92األنبياء
{وقصتهما ما قاله بن عباس وغيره :أن رجلين دخال على سيدنا داود عليه السالم أحدهما صاحب
حرث ،واألخر صاحب غنم ،فقال صاحب الزرع :إنه نفشت غنمه ليالً فوقعت فى حرثى ،فلم تبقى
منه شيئا ً ،فقال له سيدنا داود :إذهب فإن الغنم لك ،ولعله إستوت قيمتاهما ،اى قيمة الغنم على
قدر النقصان فى الحرث ،فخرج الرجالن على سيدنا سليمان عليه السالم ،وهو بالباب ،وكان ابن
احدى عشر سنة ،فأخبراه بما حكم به أبوه ،فدخل عليه ،فقال :يا نبى هللا لو حكمت بغير هذا لكان
أرفق بالفريقين ،قال :وماهو ؟ قال :يأخذ صاحب الغنم األرض ليصلحها ،حتى يعود زرعها كما
كان ،ويأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بألبانها وصوفها ونسلها ،فإذا كمل الزرع ،ردت الغنم الى
صاحبها ،واألرض بزرعها الى ربها ،فقال :داود ُوفقت يا بنى ،وقضى بينهما بذلك} ويقول االمام
بن عجيبة والذى يظهر :أن حكمهما عليهما السالم كان باجتهاد ،ففيه دليل على أن األنبياء
يجتهدون فيما لم ينزل فيه وحى ،فان قول سيدنا سليمان " هذا أرفق " .
(من كتاب البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد المجلد الثالث ص )191
ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بأن سيدنا داود عليه السالم نال خالفته من هداها كما نال
منها حكمه وعلمه وعلمناه صنعة كل شئ ،أى صار الكون معه ،حيث سخرت له الجبال كما سخرت
لسيدنا سليمان الريح ،أى صارت الريح تسبح معه ،وقال الكواشى :كان داود إذا سبح سبحت معه
الجبال والطير ،وكان يفهم تسبيح الحجر والشجر ،وكان اذا فتر من التسبيح ،يسمعه هللا تعالى
تسبيح الجبال والطير ،لينشط فى التسبيح ويشتاق اليه ،وكذلك كان هذا التسخير لسليمان عليه
السالم بطريق االنقياد الكلى بل بطريق التبعية واالقتداء و حال كون الريح عاصفة أى شديدة الهبوب
،من حيث أنها تقطع مسافة بعيدة فى مدة يسيرة ،وكانت رخاء فى نفسها ،طيبة ،وقيل :كانت
91
رخاء تارة ،وعصفة أخرى ،على حسب ما أراد منها ،أو رخا فى ذهابه وعاصفة فى رجوعه ،
ألن عادة المسافرين :االسراع فى الرجوع ،أو عاصفة إذا رفعت البساط ورخاء إذا جرت .
كما قال رضى هللا عنه حول خالفة سيدنا سليمان عليه السالم :
وفهمنا سليمان اقتضاها *** وعلمناه منطق كل شىء
أى أن (اقتضاها) جاء بقول سيدنا سليمان :يأخذ صاحب الغنم األرض ليصلحها ،حتى يعود زرعها
كما كان ،ويأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بألبانها ،وصوفها ونسلها ،فإذا كمل الزرع ،ردت الغنم
الى صاحبها ،واألرض بزرعها الى ربها ،فقال :داود ُوفقت يا بنى ،وقضى بينهما بذلك ،وقول
أبيه ( :هذا أرفق) أى أن أبيه قبل حكمه حيث قال :وفقت يا بنى ،وقضى بينهما بذلك ،فكالهما
وارث تلك الخالفة التى جاءت بها القصيدة (األولى):
ما االختالف وما الخالفة ما النبا *** قد جئت باإلخبار فى نبإيتى 2 /728
2ـ ولم تكشف ولم تعلم ولكن *** تجلـــــــــت فى نبى أو ولى
9ـ ولو شئنا لمـا جئنا بكشف *** عن المكنون من سر خفـــى
8ـ ولو شئنا هدينــا كل نفس *** إلى حيث الوصـال السرمدى
وهذه الخالفة أشار اليها علم األولين ووضحها علم اآلخرين ،الذي يقول عنهما سيدنا على كرم
هللا وجهه :
قد حزت علم األولين ولكننى *** بعلم اآلخرين ضنين كتوم
وظلت هذه الخالفة فى حيز الكتمان حتى أتى وقت وزمان سيدى فخر الدين بوصفه مظهر ما كان
فى الكتمان ،عندما قال عنها ولم تكشف ولم تعلم ألنها من علوم الكتم ،ولكنها تجلت فى نبى أو
ولى ،أى تجلت أشعة نورها فى السابقين من األنبياء والالحقين من األولياء ،وعلى ذلك يقول
رضى هللا عنه :
وما أنا اال واحد من أشعة نورها *** وما أنا اال من غياهبها بها 94 /71
لذا قال رضى هللا عنه لقد جئت بالكشف عن مكنوناتها ،وعن الجوهر المكنون والسر الخفى على
كل العظام ،وجاء عنها حديثى ومنحتى وكالمى :
يصدق بالكلمات أهـــــــــل محبتى *** فأنفخ فيهم من علـــــــــوم ذكية 2 /215
91
وأكشف لألحباب عن علمــى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينــــة 2 /212
بقــــــــر العلــوم وكشف مكنوناتها *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان 1 /71
ولى من كشفــــــــها سر الخبايـــــا *** ودون الكل قد وضع الخمــــار 72 /28
يصدق بالكلمات أهل محبتى ،حيث يكشف لهم المراد معرفته من خالل الكلمات ،وهو الخليفة
السوى ،وتم ذلك بنفخة فى روعهم من العلوم الذكية
ْ الجسمانى اآلدمى الذى نال خالفته من البشر
القدسية الطاهرة ،وبهذه النفخة إنكشف لهم من األسرار واألنوار التى انشقت عنها تلك الخالفة ،
التى جواهرها فى كل صدر كمينه .
فأنا الذى من شأنى بقر العلوم ،للكشف عن سر مكنوناتها ،وانا الذى أحصى دقائقها ووصف
تفصيالتها التى جلت عن التبيان وحاشا الوصف بالنسيان ،وأمتلك من أسرارها وخباياها التى ال
يستطيع ادراكها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء ،لكونها من العلوم الخفية التى وضع عليها
الخمار .
هو من أضاء الغيب فانكشف الخبا *** حتى غدوت مغيبا ً بضيـــــــــاه 28 /22
ومقام هذه الخالفة يسمى )مقام اإلصطفاء( والمنوط به الخالفة هو الذى َو َ
ض َع عليها ذاك الخمار ،
وهو الذى أضاء لى المغيب منها ،فانكشف لى الخبا ،أى تعرفت عليه حتى غدا كل مستخف بنورى
ظاهر ،وبه أصبحت مغيبا بضياه ،لذا صرت وصار الخفاء مزيتى ،ومن أجل ذلك قلت : ٌ
الخبى إنا كـــــــــــرام *** ونزلنــــــا مقامنـــــا االصطفاء 17 /2
ْ كيف نفشى
ـ لحكمة أرادها الحق تعالى جعل المعرفة بهذه الخالفة فى حيز الكتمان ،حيث أنها من علوم الكتم
،ولو شئنا هدينا الجميع للمعرفة التى بها يتم الوصال السرمدى .
24ـ ولو جئنـــــا على قدر بموسى *** لبرأناه من جهــــل الغبى
22ـ وما إستخلفت من هارون يوما ً *** إذا أعيــاه سحر السامرى
نأخذ من قول الحق تعالى فى اآلية( )14سورة طه معنى {فلبثت فى أهل مدين ثم جئت على قدر
بموسى} أى بعد وصولك الى مدين ولبثت فيها سنين ،قال وهب :لبثت عند شعيبا ً ثمانية وعشرين
سنة ،منها عشرة مهرا ً (جئت) الى المكان الذى آنست فيه النار ،ورأيت فيه الخوارق ،وخصصت
فيه بالرسالة ( ،على قدر) قدرته لك فى األزل ،وهو وقت عينته لك ،ألكملك وأرسلك فيه الى
فرعون ،فما جئت إال على ذلك القدر ،غير متقدم وال متأخر ،وقيل على مقدار من الزمان ،يوحى
فيه الى األنبياء ،وهو رأس أربعين سنة .
92
{من تفسير البحر المديد البن عجيبة المجلد الثالث ص } 799
يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بلسان الحضرة قائالً أن الخالفة لم تكشف ولم تعلم ولكنها
تجلت فى نبى أو ولى ،كما يقول :ولو جئنا على قدر بموسى أى لو جئنا فى زماننا ،بمن هو على
شاكلة موسى ،حيث خصصناه برسالة ،يقوم بأدائها لتوصيل المعنى المراد معرفته وإثباته ،
وإبالغه إلخوانه وفى ذلك شرف انتساب ،لمن هو ولى صاحب رسالة قد أتم األربعين بعشره على
غرار نبى مثل سيدنا موسى عليه السالم ،الذى جئنا به الى المكان الذى قدر له الحق تعالى فى
األزل ،والذى آنس فيه النار التى عند وصوله لها وجدها نورا ً .
فما جاء إال على ذلك القدر المعلوم والوقت المحتوم لنشر رسالته ،وكشفنا عنه غطاء العلم الذى
برأه من جهل الغبى ،وذلك مثل سيدنا موسى الذى برأه هللا من جهل السامرى .
21ـ ومن هذا المقــــــام يقول ربى *** وإياى ارهبـــوا فأنا الجلـــى
27ـ ومن هذا المقــــام رأيت نورا ً *** يقول المصطفى عندى وفـى
21ـ ومن هذا المقـــــام يقول نوح *** وإبراهيم ربى شـــــــــاء شئ
25ـ ومن هذا المقــام يقال موسى *** ويا عيسى ابن مريم أنت حى
ماهو المقام المشار اليه بأداة اإلشارة (هذا):
هذا المقام :أشارت اليه القصيدة (: )57
هذا مقــــــــام اإلختيار *** بدت عليه مآثرى
هذا مقـــــــام اإلنفطار *** وإن منه مفاخرى
فيه التحير والخيـــــار *** وفيه رشد القاصر
هذا مقــــــــــام لم يرد *** أحد عليه بخاطــر
هذا المقام مقام القرب والوصال الذى به المخصوص قد أربى وهو الذى فيه التربيه ويتم فيه اإلختيار
حيث بدت عليه مآثرى وأشارت اليه القصيدة(:)24
فهؤالء الذين هللا آثرهم *** وزادهم ثم أدناهم له قربا ً
وهو مقام اإلنفطار الذى حزت منه على فخرى وتفجرت منه مفاخرى .
93
وتقلبت فى هــــــواه وفخرى *** نسب فى تقلب السجــــــــــاد 11 /25
وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار 72 /12
أئمة قدمونى والفخــــار لهم *** وســــادة والتآخى غير منعدم 14 /29
ومنه تؤخذ كل مفخرة :
ومن قديم لنــــا عز ومفخــرة *** وبين أحبابـ نا صحت روايتـ نا 75 /12
وقد عهدناك منذ ألست مفخرة *** وقد رأيناك فى التوحيد نشوتنا 75 /22
هذا مقــــــام اإلنشقاق *** لدى فطور الفاطـر
هذا مقــــام قد ورثـ نا *** كابـــــرا ً عن كابـر
هو مقام اإلنشقاق ،إنشقاق سماء الغيب (عالم األمر) عند فطر الفاطر (فاطر السماوات) الذى أشارت
اليه سورة اإلنفطار {إذا السماء إنفطرت وإذا الكواكب إنتثرت} أى تفجرت منها الحقائق وإنتشرت
،فعقبها إنشقاق السماء بالحقائق التى أشارت اليها سورة اإلنشقاق {إذا السماء إنشقت وأذنت لربها
و ُحقت} والفاطر هو الذى منه وبه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت
علوم آدم فأعجز الخالئق ،وهو موطن وراثتنا التى أشارت اليه القصيدة (:)75
فكلــــــــــ نا وارث من جده سمة *** ونحن أهل العــــال تمت وراثتنا 75 /24
وراثة البعض إن قلت فقد كثرت *** نحن أبعاض بعض الفرد جملتنا 75 /22
وقد ورثناه كابرا عن كابر جدا ً فجد والحمد هلل على وراثة التوحيد التى أشارت اليه القصيدة ()95
:
وحمــــــد ثم بسم هللا قولــــــــى *** عن التوحيد أورثنـــــــــــــاه منا 95 /18
هذا مقــــــــام الذلول *** ال وليس بثـــــــائر
فتقبلــــــــــوا بقلوبكم *** قولـى ففيه بشائرى
قد ال يطول اإلنتظار *** وتشهدون بصائرى
هذا مقــــــام قيل فيه *** إمنن وال تستكثـــــر
94
أى هذا المقام ليس مذلل للعمل مثل مقامات الدنيا التى هى دار للعمل ولكنه مقام حصاد األعمال ،
وعليكم أن تتقبلوا قولى هذا بقلوبكم حيث أدخر لكم فيه البشريات ،وقد ال يطول االنتظار وتشهدون
بصائرى وهم (الذين يبصرون الحقيقة بعيونى) وفيه الكثير من المنح والعطايا ما ال يُعد وال يُحصى
.
هذا مقام الحضرة المسماه كتاب هللا وهو المقام التى تؤخذ منه الخالفة ،والخلفاء هم المقصودون
باألحباب الذين جاء فيهم قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه إنما األحباب آيات به ،وهى حضرة
قاب قويسها الهدى ال ينتهى ،ومن مسمياتها جمع الجمع ووصفها سيدى فخر الدين رضى هللا عنه
فى القصيدة ( )51بقوله :
إنــــــــا بجمع الجمع كـ نا عصبة *** وإمــام هذا الجمــــع أول كاتب
السادة األقطـــــــــــاب فيـ نا أنجم *** وبـ نــــا أبو الدنيــا وأول تائب
وكذلك األواب ممن خلفـــــــــــوا *** داوود يرضى بالحكيم الصائب
أنعم بنـــــــــــــوح من نبى بينـ نا *** أكرم به من جاهــر ومخاطب
وكذلك األواب بين جموعـ نــــــــا *** ســــرا ً يناجى للسميع الواهب
أما الكليــــــم فقد بدى فى حلـــــة *** ويداه نور فى جنـــاح الراهب
الزال يلقى كل يـــــوم دكـــــــــــةً *** بعد اإلفاقة من خطاب الطالب
وابن الفتـــــاة السيدان بنفخــــــة *** أضحى بريئا ً بالعزيز الغــالب
وأئمة الدين الكرام بجمعـ نـــــــــا *** كل ينــــــــادى يـا نبى يـا نبى
الشافعى مع الثالثـة أجمعـــــــــوا *** أن الصالة بضـــــاعة للراغب
من كان فى هذا المقـام يرى معى *** صديق هذا النور فوق الحاجب
فهو مقام تجمع وتالقى جميع األرواح من لدن سيدنا آدم عليه السالم وحتى النفخ فى الصور ،وهذا
المقام يقول عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه جميع من فيه عصبة ملتفة حول رجل واحد (أب
واحد) يؤم هذا الجمع وقد أتى ذكره فى القصيدة (:)75
وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا 75 /19
95
وهذا الجمع خلفاؤه من األولياء حتى السادة األقطاب ،وخلفاؤه من األنبياء بداية من سيدنا آدم عليه
السالم ،وباقى الخلفاء مثل سيدنا داود الذى ارتضى بالحكيم الصائب (سيدنا سليمان) والجاهر
المخاطب ربه (سيدنا نوح) أكرم به من جاهر ومخاطب ،وكذلك األواه (سيدنا ابراهيم الخليل) الذى
شوهد فى هذا المقام وهو يناجى السميع الواهب سرا ً ،أى (سرا ً على كل العظام) ،وقد بدا الكليم
(سيدنا موسى) فى حلة الخالفة ويداه بيضاء (نوراً) يشع من جنبيه ،كما شوهد حال خطابه والجبل
يتدكدك به ،والزال يلقى كل يوم دكة بعد االفاقة من الخطاب ،حيث لم ير ربه ،وكذلك (السيدان)
سيدنا عيسى بن مريم وأمه عليهما السالم وهو الذى جاء الى هذه الدنيا بنفخة حيث يقول الحق
تعالى {ونفخنا فيه من روحنا فتمثل لها بشرا ً سوياً} ،وكذا أئمة الدين (خدام الدين) اإلمام الشافعى
مع الثالثة ( االمام مالك واالمام أبو حنيفة واإلمام أحمد بن حنبل) الذين أجمعوا على أن (الصالة
بضاعة للراغب) أى السير والسلوك بالذكر والصالة على حضرة النبى سعيا ً ورغبا ً فى الوصول الى
هذا المقام األحمدى هى الوسيلة النافعة ،ثم يقول أيضا ً أن الخلفاء الراشدين األربعة كانوا متواجدين
معنا فى هذا المقام ،وأن سيدنا أبو بكر الصديق كان يرى معى صديق هذا النور فوق الحاجب الذى
هو موطن (دنا فتدلى) الذى أسمع فيه الحق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صوت سيدنا أبو بكر
عندما إستوحش ،وكذا سيدنا عمر الفاروق نضر هللا وجهه بذلك النور الذى من وجهه كان يتألأل
،وسيدنا عثمان ذو الوجه الذى يرى أشد حمرة كما يرى فى الغاضب ،وكذلك سيدنا هارون أخو
سيدنا موسى عليه السالم الذى ال يستطيع أحد وصفة فهو البحر الذى ال تقتفيه عبارتى ومناقبى (ال
يوفيه الحديث عنه) .ثم يختم كالمه رضى هللا عنه بقوله أن الحشد المتواجد فى هذا المقام يعجز
أى أحد أن يصفة .
22ـ كذلك أمهــــات األنبيـــــــــــاء *** ذوات الفضل أزواج النبى
ثم يقول سيدى فخر الدين فى هذا البيت أن من بين المتواجدين فى هذا المقام أمهات األنبياء أى
األربعة أولو العزم من الرسل الرقائق المحمدية خلفاء أزمانهم وهم من المثانى (سيدنا نوح عليه
السالم وسيدنا ابراهيم الخليل عليه السالم وسيدنا موسى الكليم عليه السالم وسيدنا عيسى بن مريم
عليه السالم) وهم أزواج النبى ،ألن الزوج هو اإلثنين والمثانى 1أس 1لذا فهم أزواج النبى صلى
هللا عليه وسلم بصفتهم خلفاء قبليين لحضرة النبى صلى هللا عليه وسلم .
22ـ كالمى مشرب األرواح وصالً *** إذا لــــــم تشربوا منه فأى
وفى هذا البيت يحدثنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه قائالً إعلموا أن كالمى هذا وهو حديث منقول
من (سماء عالم األرواح) موطن القاب والقوس من التدانى ،جئتكم به فى صورة شراب يصل
أرواحكم بعالم األرواح ،فإذا لم تشربوا منه فمن أى ،فغيرى يعجز عن توفيرمثل هذا الشراب لكم
حيث أنه من مخصوصات علمى .
96
29ـ دنت موصوله كلمات حــق *** تبث شكايةً هجــــــر النئى
28ـ أُحلت حيث حرمتها وكانت *** ومـا زالت كإصباح العشى
14ـ إذا قارفتموهـــــا فهى خمر *** كما لو قيل قد صبأ الصبى
إعلموا جميعا ً أن مخصوصات علمى هن من علوم الكتم ،وهى من علم اآلخرين ،أال وهو النظم
الفريد الذى دنت لى كلماته لوصلكم ،بالحقيقة التى أودعت غيابة جب يوسفى بفطنة ،وما الجب إال
النئى الذى
ْ جب ما كان قبلها من علوم األولين ،هذا وقد دنت لى ،موصلة بى ،وهى تشتكى هجر
تكون عنده مهجورة .
(أحلت حيث حرمتها) أى تنزلت فى الوقت والزمان المناسب لها ،وهو زمن سيدى ابراهيم الدسوقى
ابو العينين وستستمر على الدوام ،مصاحبة للخالفاء البعديين حتى زمن سيدنا المهدى المنتظر
عليه السالم .
ـ إذا قارفتموها فهى خمر ( :أنهار من خمر)أى المصنف الرابع من العلم الذى يتوفر لدى القدوة
واألسوة الحسنة .
فبالنظر الى معنى كلمة (قارفتموها) وهى تأتى من (اقترف) :
يقول الحق جل وعال فى اآلية ( )17من سورة الشورى (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً)
وحول معنى األسوة الحسنة :فقد وردت األسوة الحسنة فى القرآن مرتين ،األولى فى موطن (النبوة
والرسالة) وهى لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم والثانية فى موطن (الوالية والخالفة) منه فى الولى
الذى بلغ مرتبة الختم وهو موالنا الشيخ ابراهيم رضى هللا عنه كما جاء على لسان موالنا الشيخ
محمد ابراهيم رضى هللا عنه فى أحد خطاباته ،وهما اللذان فيهما األسوة الحسنة ،حيث يقول الحق
تبارك وتعالى فى األولى األية ( )12من سورة األحزاب (لقد كان لكم فى رسول هللا أسوة حسنة ) ،
ويقول تبارك وتعالى فى الثانية من اآلية ( )1من سورة الممتحنة (قد كان لكم أسوة حسنة فى
إبراهيم والذين معه) ،مع مالحظة أنه ذكر فى هذه اآلية الذين معه وهم خلفاؤه من ذريته الذين هم
فى األصل ذرية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى سيدنا المهدى المنتظر .
وهنا يقول الشيخ رضى هللا عنه ان كل من أراد أن يقترف حسنة فليؤمن بأن القدوة واألسوة
الحسنة :
فى هذا المعنى (قد كان لكم إسوة حسنة فى إبراهيم) فمن جاءنى يرتجينى ويسترحمنى لمعرفة هذه
الحقيقة سأضع يده على حقيقة العبد ابراهيم الذى فى معرفته األسوة الحسنة ،وبها ينال طلبه من
97
المعرفة التى توصله الى هذه الحقيقة وزيادة ،والمعرفة به رضى هللا عنه هى (باب الوصول) وباب
الدخول الى الحبيب المصطفى صلى هللا عليه وسلم خاتم االنبياء ،فهو خليفته (خاتم األولياء) وبقدوم
زمانه رضى هللا عنه سدت وأغلقت جميع األبواب المؤدية الى جده الحبيب المصطفى صل هللا عليه
وسلم.
وبذلك يتضح معنى (إذا قارفتموها فهى خمر) الخمر الذى فيها الحنين والشوق للمعرفة بالقدوة
واألسوة ،سحيث هى مصنفة لدى أرباب العلوم العالية بالصنف الرابع وهو (خمر لذة للشاربين) ،
كما لو قيل قد صبأ الصبى أى إشتاق أو حن اليها الصبى الذى يحن الى ثدى أمة من شدة حالوة
طعامها .
-------------------------------------------------------------------------------------------
(الجزء الثانى من القصيدة)
28يونية 2891م الثالثاء 28رمضان 2141هـ
كثير من علــــــوم الشافعى
ٌ 12ـ ومن آيات ربى عند هـــــذا ***
11ـ ومنها خصةُ السن ِد الرفاعى *** كذا عون الضعاف القادرى
17ـ وإنى حيث تقصدهم مزورا ً *** وإنى فى المقــــام األحمدى
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ومن آيا ت (ربى) المشار اليه فى الحديث المروى لإلمام
الترمذى (كان ربى فى عماء) كما أشار فى القصيدة ( )99بقوله فى البيت (: )28
(كان ربى) وذاك قول حكيم *** (فى عماء) نعم فماذا العماء 99 /28
وربى هذا الذى كان فى عماء أشار اليه رضى هللا عنه فى القصيدة ( )28بقوله :
يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه
سر على كل العظام وإنـــــــــــه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه
وهذا المعنى يتجلى فى قول سيدى فخر الدين أن صاحب الجمال الطالع من غيب العمى
هو(ربى)المتوسل به فى توسل السادة البرهانية ،وهو الذى يحمل سر قوله رضى هللا عنه {إلهى
بكنز الذات ذى األحدية ،بطلسم غيب الغيب سر الهوية} فهذا السر سر على كل العظام ،وتم إفشاؤه
عند ظهوره من غيب الذات ،وقتها قال :نعم الظهور وجل من يغشاه ،حيث أنه طلسم غيب الغيب
98
،فهو غيب والذى يغشاه أيضا ً غيب ،والغيب األول تنزل من حضرة األحدية الى حضرة الواحدية ،
وطلسم غيب الغيب هو المشار اليه بقوله ومن آيات ربى المتنزل من حضرة
كنزاألحدية (غيب الغيب) عند (هذا) ،المشار اليه أيضا ً فى الصالة المطلسمة {اللهم صل على الذات
المطلسم والغيث المطمطم والكمال المتمم الهوت الجمال وناسوت الوصال طالعة الحق ،كنز عين
إنسان األزل فى نشر من لم يزل} والذى أشارت اليه القصيدة األحدية :
إنه إنسان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البر الصمد
وهذه المنزلة التى تنزلت بـ(غيبة قدر المصطفى عن علومنا التى أتت بها القصيدة التائية :
وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت 2 /225
فأ ُ ِ
نزلَــــــــــــــــه فى غيبه كتنزل *** سالم هى سين الســــالم بقبضـــة 2 /222
وعن هذا (المقام) يقول سيدى فخر الدين فى كتاب تبرئة الذمة صفحة (: )14
{لما تنزل من الحضرة األحدية الى الحضرة الواحدية ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى ،والصفات
العليا ،فتعشقت به الحضرة الكمالية ،تعشق اإلسم بالمسمى ،والصفة بالموصوف ،فكل معانى
تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال اليه ،وال تدل بهويتها إال عليه} .
لذا يقول :ومن آيات ربى عند هذا المقام الذى نتحدث عنه الكثير والكثير من العلوم التى أتى بها
سيدنا االمام الشافعى بصفته واحد من األربعة أئمة الدين الذين هم إحدى رباعيات المثانى السبعة
(خدام الدين) .
ـ ومن هذه العلوم ما أختص به اإلمام والسند الرفاعى وكذا خصة االمام سيدى عبد القادر الجيالنى
الذى لديه عون الضعاف (الذين ليس لديهم المقدرة على الحصول على هذه العلوم) .
ـ وهذا المقام األحمدى المشار اليه فى القصيدة (:)82
بأحمد حيث األحمدية يهتدى *** إليه بنور األحمدية طالب
يقول عنه أن الموطن الذى يقصده جميع الزائرين حال سيرهم ،ولكنه فى األصل مقامى الذى أورثته
سر عليه لثامى ،لذا جاء تفصيل قولى فى القصيدة التائية:
ليعلم عنى من يعظـــــــم علمنا *** فعلمكــــــــــــم عنى بغير إحاطة
علمت ولى علـــــم بعلم معلمى *** أُمد وتلقينى بغير إماطـــــــــــــة
99
أقول ألهل المراتب أن علمكم عنى بغير احاطة ،وكل من يريد معرفة علومنا ،عليه أن يعظم هذا
العلم ألنه علم عن المعصوم جل ثناؤه ،وليس فى مقدور أحد أن يحيط به ،لذا يحق لى القول أن
علمى مرتبط كليا ً بعلم معلمى المعصوم ،الذى أشرت اليه فى القصيدة ( )59بقولى:
عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجوه اليه عندا
وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنــا منه ارفادا ً ومدا
وعلى ذلك جاء قولى :أ ُ ِم ُد الكل وألقنهم بغير إماطة ،أى أن المد والتلقين فى الخفاء ال يكون إال من
خاللى .
وزاد لى الساقى كؤوسا ً أُدهقت *** فكنت بها عبدا ً وتلك إضافتـــــى
رواحل أهل ال َج ْمعَتَيْن يسوقهــا *** أُولـــو همم همــــوا لنيل إناختـى
أنخت بعير القوم أطعم عيرهـم *** وكنت مزور الزائريــــن لمخبت
فظن كرام القوم أنهم هــــــــــم *** أُهيل مقـــــام يكرمــون زيارتـى
وحق لهم هذا ألنى عندهـــــــم *** خفى مقــــــام والخفـــاء مزيتــى
إذا ظعنوا فالركب يقصد حينــا *** وإن وردوا عينا ً فعين عنايتـــــى
ولو قرأوا رمــزا ً أُميط ستوره *** ولو جهلوا معنى يكـــــون كنايتى
إذا طلبوا االرفاد كنت مجيبهم *** مزاودهــــــم مآلى بفضل جبايتى
ولو نزلــوا كان القرى بمعيننا *** ولو سبحـــوا فليسبحـوا بسقايتـــى
سخاء ورأفة من
ٍ سقية محبوبى البرهانى الذى يجود عطاءا ً فى وإمدادى وتلقينى فى الخفاء هو ُ
شراب الوصل المختوم بمسك الحقيقة ،وزاد لى الساقى كؤوسا ً أدهقت ،فكنت بها عبدا ً وتمت
إضافتى اليه فصرت (عبده) المسمى {محمد عثمان عبده البرهانى} ،وأعلمكم بأن رواحل أهل
الجمعتين (حضرة الجمع وجمع الجمع) يسوقها أولو همم (أئمتهم) هموا لنيل اناختى ،متوجهين
نحوى لتزويدهم بكل ما يلزمهم من هذا الشراب العذب ،حيث أنخت راحلتى ألطعم عيرهم وأمدهم
بالزاد والزواد ،وكنت فى منتهى الكرم والجود لكل الزائرين ،ثم يقول سيدى فخر الدين :فظن كرام
على
ً القوم (اكابر القوم) أنهم بصفتهم أكابر القوم (أ ُ َهيْل مقام يكرمون زيارتى) أى انهم متفضلون
بكرمهم بصفتهم أصحاب المكان الذين يكرم ون زيارتى بوصفى من الزائرين ،ثم يقول رضى هللا
عنه :وحق لهم ذلك الذى يعتقدونه ألنى عندهم خفى مقام (مقامى غير ظاهر لهم) ولم يعلموا أن
111
ذلك الخفاء هو وقايتى ،أى يقينى من أى نقص ،فمقامى كامل ال ينقصه المزيد ،إذا جهزوا مطاياهم
واخذوا طريقهم فى السير ،فالركب فى األصل يقصد حينا (الذى فيه تالقى األرواح باألجساد) وقد
يكون هو موطن الحى القيوم علينا ،وإن وردوا عين للسقاية (للشرب) فتكون عين عنايتى التى
يشرب بها المقربون ،ولو قرأوا رمزا ً (طلسم) سيجدوننى أنا الذى أكشفه برفع الستار عن حقيقته
،ولو جهلوا معنى من معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ،فيعرفوا كنايته التى
وضعتها له ،وإذا إحتاجوا الى اإلرفاد طالبين العون والمساعدة ،كنت مجيبهم الذى لم يتأخر لحظة
عنهم ،وكل ما تحمله مزاودهم من زاد حصلوا عليه بفضل جبايتى أى الرواتب التى أعدها لهم ،
ولو نزلوا منزال ً ال يجدوا فيه سوى القرى الذى يمتلؤ به معيننا وأوضح ذلك فى القصيدة البائية :
تاهلل مـــا نضب المعـــيـ *** ن وال معينـــــى ينضب
فأنا علــى مــــر السنـيـ *** ن لكل قــــــــوم مشرب
نورى من النـور المبـيـ *** ن ونـــور جدى األغلب
لو كان من علــم اليقـيـ *** ن فكــــــــل علـــم يغلب
أو كان من عين اليقـيـ *** ن فكــــــــل عين تحجب
إذ كان من حق اليقــيـ *** ن فمــــا أجـــــل المأرب
هو ذا عطاء المحسنيـ *** ن وذا العطـــاء األقــرب
هو ذا يقين الموقنــــيـ *** ن وذا الصواب األصوب
قد حزت علم األولــيـ *** ن وكــــــــــــل آى تكتـب
فيدى رحيم الراحمـيـ *** ن بها القلــــوب تقلـــــــب
11ـ ومنها ما أضيف ألهل فضلى *** بنور عم عند الشاذلى
ومن الذين إختصهم الحق تعالى بهذه العلوم عن تلكم الحضرة سيدنا وموالنا االمام أبو الحسن
الشاذلى الذى حمل رايات عزها حتى زمن صاحب الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية التى أنتم
أهلها ،بصفته أحد أشعة نور هذه الحضرة التى قلت عنها :
وما أنا اال واحد من أشعة نورها *** وما أنا إال من غياهبها بها 94 /71
مـــا نورهـــــــا إال إنعكاس أشعة *** من عاينوهـــا آية يتلونهــا 85 /5
111
وليثبت سيدى فخر الدين تلك اإلضافة الى السادة االقطاب رضى هللا عنهم جاء قوله رضى هللا عنه
فى القصيدة (:)95
فإن قالوا تعلمنـــــــــــــا لقلنـا *** حرى أن يكون العلم عنـا 95 /29
لذا قال عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
يقول الشاذلى عليــــــــه منى *** تحيــــــات وحاشا أن تمـنً 95 /28
لفخر الدين يا من قد أضاعوا *** سخى الكف يأبى أن يضن 95 /14
وأكد ذلك السر المكنون سيدى موسى أبو العمران رضى هللا عنه :
أبو العمران موسى أى موسى *** صفى الشيخ حقا ً ليس ظنا ً 95 /12
يقول وما لرآى فيه وجــــــــه *** لفخر الدين سرا ً كم أكــــن 95 /11
أبا العمــران يا حب الروابـــى *** سألتُ هللا أن يرضيك عنــا 95 /17
15ـ ومن آياتـــه السب ُع المثانى *** مفاتي ٌح ألبواب الرقــــــى
ومن عجائب وغرائب هذا الديوان أن يكون السبع المثانى الذى يقول سيدى فخر الدين رضى هللا
عنه أنهم (خدام الدين) فهم مشاعل نور هذا العلم الذى هو من علوم الكتم ،فهم مفاتيح ألبواب
ترقى أهل هللا السالكين للوصول الى معارج القرب التى يقول عنها رضى هللا عنه :
من أول البدء أرواحا ً الى ختـــم *** فى حضرة القرب ما أبهى تالقينا 19 /24
يصف لنا سيدي فخر الدين بايضاح حال أرواح الموجودين في دائرة حضرة القرب التى يقول عنها
فى القصيدة (: )92
كلهم فيها جليس واحـــــــــد *** فى استواء ختمه فى بدئه 92 /29
فهم من البداية حتى النهاية ،أى من أولهم آلخرهم فى استواء ،سواء حضرة الجمع أو جمع الجمع
فكلهم سادة القوم وهو أمين السر عندهم ،والسيد المعصوم الذي رزقنا منه نعمة االرفاد وكذلك
نعمة اإلمداد بالمعرفة بحقيقة الذي هو أول الخلق ،فهو سيد وأول عبد ،عبد هللا على االطالق في
هذه الحضرة ،وهو الذى تشير اليه اآلية {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} حيث إنه أول
الخلق إطالقا ً وبه بدأت بداية العباد المتواجدين معه في هذه الحضرة التي هي حضرة القرب ،التي
فيها موطن التالقى بينهم وبين النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن ﴿ثم دنا فتدلى﴾ فكان قاب قوسين
112
أو أدنى ،ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو
رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في
موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ،ولكن (القاب والقوس)
ده موطن ،وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط ،وهذه الحضرة ال تدركها
عقول وال قلوب الغافلين ألنها ال تري إال بعيون قلب وروح العارفين الصادقين من الثوابت الكبار
والنوابت الفروع منهم ،وهذه الحضرة بدايتها تجلي نهايتها ،وهو فيها يبسط يد العناية والهداية
علي كل المتواجدين فيها من أول واحد حتي آخر واحد ،وكلهم جليس واحد في دائرة واحدة استواء
ختمها متجلي في بدئها ،وكلهم في هذا الجمع مجموعون الى فرده المجموع فى حجب ومما يوضح
ذلك قوله رضى هللا عنه:
( جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشدا يقربنا ويدنينا )
وأهل الحضرتين يرون فيهـــــا *** أريج القرب يومض من شذاهــــا 18 /22
إن أهل الحضرتين حضرة الجمع وحضرة جمع الجمع يرون في المعرفة بحقيقة من هو أول الخلق
ومتقدم الجماعة في الحضرتين أريج القرب يرسل بسنا برقه من شذاها وعبقها ،ويطلب موالنا فخر
الدين من األحباب من أهل الحضرتين التمهل في طلب ونيل المكارم من عطاء الكريم ،وموطن نيل
ش َف ْع فيه بتاج اإلمامة ،ومعرفة هذه الحقيقة هى من عطاءها المحض التى ال تبخل به
ست َ ْ
الكرامة يُ ْ
علي األحباب .
معارج القرب فى العلياء تعدلها *** لميعة من سماء النور لمعتنا 75 /21
أحدية والواحدية دونهـــــــــــــا *** ما بين قابى حضرة التقريب 97 /2
يقول سيدي فخر الدين رضى هللا عنه:
إن الحقيقة األحدية تمثل الذات المحمدية اللطيفة ،والواحدية دونها ،وأن الحقيقة الواحدية تجمع
بين الفردية والوترية حيث إن الشفع هو وجود الحقيقة األحمدية في الحقيقة المحمدية وبذلك يكون
( الشفع ) واحد االثنين ( والوتر ) واحد الثالثة ،يعني قوله رضى هللا عنه :أحدية والواحدية
دونها هي أن ( األحدية ) حقيقة الجمال الذي يشير إلي الذات األحدية ،أى الحق من حيث هو أول
األشياء فى أزل اآلزال ،وهى التي دونها ( الواحدية ) التي تجمع ما بين الحقيقة األحمدية والحقيقة
المحمدية في والشفع والوتر.
والهو تمثل ( الهوية المتدلية ) بعد تنقل نور هذا الجمال النبوي إلي المرتبة العاشرة المشار إليها
بـ (الياء) بطون الهوية ،والهوية المتدلية علي العرش تظهر في حالة الشفع متمثلة في الرقم ()22
113
الرقم الذي يساوي (هو) بالحروف ،وهو موطن تالقي أرواح السائرين في عالم األرواح المشار
إليه في سورة النجم (ثم دني فتدلي ،فكان قاب قوسين أو أدني) وهو موطن تالقي هذه الحقائق
النبوية بالحقائق اآللهية .
ومعنى (ما بين قابي حضرة التقريب) هو :
أن الحقيقة األحدية والحقيقة الواحدية يتم التعرف عليهما في موطن حضرة التقريب وهى الحضرة
ا لتي قاب قوسيها الهدي ال ينتهي ،وهي موطن األرواح (الجمع) كتاب هللا جمعنا الذي يقول عنه
الشيخ في القصيدة (: )92
ما كتاب هللا إال جمعــنا *** إنما األحـــــــباب آيــــات به
ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهـدي ال ينتهي
12ـ ومن آياته استئجار موسى *** كإمهــــــار لبنت الم ْد َينى
نأخذ قصة استئجار سيدنا موسى من معنى اآلية ( )12التى تقول{قالت إحداهما يا أبت إستأجره إن
خير من إستأجرت القوى األمين} أى قالت إحدى بنات سيدنا شعيب عليه السالم وهى التى تزوجها
،إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ،فقال له انى اريد أن انكحك احدى ابنتى على أن تأجرنى
ثمانى حجج فان اتممت عشرا ً فمن عندك ،لزيادة التمكين فمن عندك ،قال الورتجى :ألن شعيبا ً
عليه السالم رأئى بنور النبوة أن موسى عليه السالم يبلغ درجة الكمال فى ثمانى حجج ،وال يحتاج
الى التربية بعد ذلك ،ورأى أن كمال الكمال فى عشرحجج ،ألنه رأى بعد العشرة ،ال يبقى مقام
االرادة ،ويكون بعد ذلك حرا ً ،ولذلك قال وما أريد أن أشق عليك.
ونأخذ من معنى اآلية {72وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً} أى نودى :ان ألق
عصاك فألقاها ،فقلبها هللا ثعبانا ً ،فى أول االمر حية تسعى كانت تصير على قدر العصا ثم تنتفخ
حتى تصير فى قوة الثعبان حيث ولى مدبرا ً ،
فاليد والعصا معجزتان لسيدنا موسى (فذانك برهانان) حجتان نيرتان ،
ومن عجائب وغرائب هذا العلم الذى هو من علوم الحضرتين (الجمع وجمع الجمع) اللتان تمثالن
إبنتى سيدنا شعيب عليه السالم ،فسيدنا موسى عليه السالم عندما أمره الحق بأن يأخذ نصيبه منهما
ويصبح من (أعضائهما) خلفائهما ،طلبت إحدى الحضرتين من (إمام الجمع) ،اإلمام )المصطفى
للجمع( متقدمهم ال ُمضمر سره فى طى المسيرة والذى يشير اليه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه
بقوله:
114
وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا 75 /19
إنا بجمع الجمع كنـــــــا عصبة *** وإمـــــام هذا الجمع أول كاتب 51 /2
أن يستأجره لهم ،وكان ذلك اإلستئجار عشرة حجج ،نظير مهر بنت المدينى أى زواجه منها ،حيث
أرسل سيدنا شعيبا ً فى طلبه ،وعلى غرار ذلك إستدعى (إمام الجمع) سيدنا موسى لضمه الى عضوية
حضرة الجمع التى صيرته أحد خلفائها .
12ـ ولكن دون مهر حاز عزا *** فتلك عصاه تبتلع العصى
ولكن موسى الذى جئنا على قدر به ،قد حاز عزا ً وفخرا ً ألنه معتمد من قبل العزيز ،فجيئ به وبيده
عصاه التى تبتلع العصى ،وهى (إحدى الحجتين) التى تبين وتوضح ما تفجر له من مبانى ما أقول
عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته والذى أشارت اليه القصيدة ( )8بقولى :
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباتــه
قلت المعانى فى عظيم بنائهـا *** كل يرى قولى على مرآته
إن الذى يلقى الهناء بجيرتـى *** ينجـــو وينجى أهله بنجاته
ألنه من أهل محبتى ولذا جاء قولى :
يصدق بالكلمات أهـــــــل محبتى *** فأنفخ فيهم من علوم ذكيـــــة 2 /215
وأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينة 2 /212
فأهل محبتى الذين يصدقون بالكلمات (قصائد ديوان شراب الوصل) عن كتاب هللا الجامع الذى يجمعنا
آيات به وهو الحضرة التى قاب قوسيها الهدى ال ينتهى ،وهم الصدور األوائل الذين أكشف لهم عن
جواهر علمى المكنون ،فهم الهداة الصادقون المشار اليهم بالقصيدة (:)27
فى كتاب هللا قد آنست نورا ً *** كل آى خبأت ســـــــــرا ً كبيرا ً 27 /2
الهداة الصادقون أولو خفاء *** أودعوا االسرار لم يدعوا نقيرا 27 /1
وهنا يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن مثل الذى جئنا به على قدر عندما تجلت لكم الحضرة
قد فنى عن سواكم وعند تحليها قد تحلى بحلية وضعت على صدره ميزته بين قرنائه ،وحيث أنها
لم تكشف ولم تعلم ،ولكن قد تتجلى فى نبى أو ولى ،فموسى هذا الذى قد حاز عزا ً بمعرفة معانى
115
ما أقول ،وذلك بفضل حجته التى أضاءت حوله وكشفت المعانى التى فاقت معانى قرنائه فكانت
كالعصاة التى تبتلع العصى أى تفوق أى معنى آخر.
حبيس عق ٍل *** إذا جئنا بعلم برزخـــــى
ُ 19ـ فما قو ُل الجهو ِل
حوار حول الجهل والجهالة والجاهل والجهول والجاهلون والجاهلين :
الجهل :الذى نتحدث عنه هو الجهل بعلوم (الحقيقة) وانكارها .
وما عرف االنكار غير من ادعى *** بأن لها فى الجهل مثقــــــــال ذرة 2 /22
وكل ذكى دق أو رق فهمــــــــــه *** لدى كلماتى صار فى الجهل مثبت 2 /225
والجهل يقذى كل عين سيمــــــــا *** عين الجهـــــول وذى ألد خصـــام 25 /12
ومن عجيب يكون الجهل محتكـم *** اليه والحق ذا يحظى بانكــــــــــار 77 /14
يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن قصة صاحب الحقيقة أوال ً (نور النبى) كما قلنا مرارا ً
وتكرارا ً أنه النور المضاف اضافة تكريم الى حضرة النبى وليس ذاته بصفته النور إسما وصفة ،
حازت جميع الكماالت فتعشق االسم بالمسمى والصفة بالموصوف ،فكل معانى تلك الكماالت ال تشير
بحقيقتها اال اليه وال تدل بهويتها اال عليه .
وهذه الحقيقة اودعت غيابة جب يوسفى وسيدى ابو العينين هو الذى ورد مائها وأدلى بدلوه
وأخرجها للمأل قائالً أنها بشارتى ،وجيئ بها الى دار العزيز (مصر التى هى مرتع خير جد أهل
العناية) المرموز لها بكلمة مصر االمام الحسين ،ومن العجب العجاب أنهم ذهدوا فى تلك البشارة .
الجهالة :
ولما رآهـــا ذو الجهالة أينعت *** رماهــــــا ببهتان وانكار نعمة 2 /24
تهب على أهل الغرام لواقحى *** وعاتيتى تأتى على ذى الجهالة 2 /29
فانما نشأتى توحيد فطرتــــــه *** وذو الجهالة باالشراك يرمينى 84 /25
ولما رآها الموصوم بالجهل قد إزدهرت وأثمر نبتها بين يوم وليلة ،وصارت من أ ًج ِل النعم التى
تفضل بها علينا المنعم المتفضل ،فلم يجد أمامه سوى اإلنكار الذى هو صفة الجهال ،فعلومى
منها هى المرسالت كالرياح المتتابعة فتهب لواقحى على أهل الغرام بالخير والنماء والعاتية منها
تأتى بالشر على المنكرين وذى الجهالة ،ثم يقول عن نشأته رضى هللا عنه :
116
فإنما نشأتى توحيد فطرته ،فهو الواحد الذى ال يجعل فى حبه شريك ،ولكن ذو الجهالة هو من
باإلشراك يرمينى .
الجهول :
والجهـــــل يقذى العين سيما *** عين الجهول وذى ألد خصام 25 /12
الجاهلين :
والحلم يغرى الجاهلين فيقطعوا *** بحر القطيعة راكبى األحالم 25 /12
الجهل من العلل العضال التى تقذى العين وخاصة عين الجهول ألن جهله مركب ،فقد يقذى عيون
الرآس وعيون القلب حيث أن العيون أربعة (عيون الرأس ـ عيون العقل ـ عيون القلب ـ عيون
الروح) وعلم ولى ملجأ فى الشدائد ألنه من شراب الروح .
والحلم يساعد الجاهلين على بث جهلهم ونشره كراكبى سفن األحالم التى تسير فى بحر القطيعة
فتصرف الناس عن إدراك علوم الحقيقة .
الجاهلون :
ينكر الجاهلــون حال مريدى *** منكرالسلسبيل غـــــــر سقيم 21 /22
فعلم مريدى ملجأ فى الشدائد ألنه فى األصل علمى الذى جئت به مشربا ً لألرواح وهو العلم الحقيقى
الذى ال ينكره سوى الجاهلون به ،فمن ينكر حال مريدى الذى صار اليه عندما أراد إرادتى فهو الغر
السقيم الذى يعز عليه أن يذوق طعما ً لشرابى العذب السلسبيل .
فما قول الجهول حبيس عقل *** إذا جئنا بعلــــــــــــم برزخى 74 /19
بعد ذلك فماذا يقول الجهول التى يعتمد على العقل الذى ال يدرك سوى المعقوالت ،وخاصة إذا جئنا
بالحقيقة كاملة وهى العلم البرزخى الذى هو غذاء لألرواح ،فال يجد قوال ً سوى اإلنكار لهذه العلوم
الباطنية التى هى مشرب األرواح ،والتى ال يدرك كنهها سوى أهل األرواح
فال هى للقلـــــــوب وللعقــــــول *** بمدركـــــة وال بدء انتهاهــا
شواهدهــا فى الكائنات تبرزخت *** وكل سليمان .توليه عرشها 21 /27
117
فهى من الخفايا التى تعجز من رآها ،ألنها تتحدث عن بداية عبد يجهل الجمع بدءها ،وشواهدها
ومشاهداتها تبرزخت فى الكائنات ،فهى منزلة الخالفة التى إماطة أستارها معجز فال يجلس على
عرشها سوى خليفة يلى خليفة مثل سيدنا سليمان تولى عرشها خلفا ً لسيدنا داوود .
18ـ فأدناه لدى أرباب فضلــــــى *** وأعاله لدى العبد التقــى
74ـ وما العبد التقى عليه علمــى *** بمضنون ولو كره الشقى
72ـ وإن العروة الوثقى لعبــــــد *** سليم الوجه ال عبد عصى
يقول الحق تعالى إتقوا هللا ويعلمكم هللا
يتحدث سيدى فخر الدين عن علمه البرزخى قائالً أن أدناه تجده لدى أرباب فضلى وهم أبناء الطريقة
البرهانية الذين اتبعوا المنهج المضمون وحاولوا البحث عن معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه
أو إثباته ،وأعاله لدى العبد التقى الذى علمه ربه وهو الذى اتقى هللا وداوم على البحث والتدارس
وإهتدى الى المعنى المراد إثباته حتى صار ممن قال عنهم شيخهم رضى هللا عنه :
فأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينة
أى فأكشف معانى ما أقول لألحباب الذين منهم هذا العبد التقى عن جواهر علمى الكمينة لدى الصدور
األ وائل ،فهو من العبيد السعداء الذى ينطبق عليه قول الحق تعالى {وما هو على الغيب بضنين}
فيستحق معرفة مايتنزل من سماء الغيب التى فيها ارتقاء الحقائق ،ولو كره الشقى :الذى أتى
ليشاقق .
هذا وقد أشار اليه سيدى فخر الدين فى القصيدة ( )22بقوله رضى هللا عنه :
سالم على نبع الهدى ومعينه *** ومن فيه فى الغيب ارتقاء الحقائق 22 /2
سالم وابراهيم منكم يستقــى *** وكل طريـــد من أتــــــــى ليشاقق 22 /9
يعاهدنى المثبوت فى اللوح مسعدا ً *** يعاندنى األشقى ولو باالشارة 2 /14
وجاء قول موالنا الشيخ فى هذا البيت أن العبد المثبوت فى اللوح مسعدا ً هو الذى من عاهدنى وتربى
على يدى وصار من رعيتى ،أما الشقى المثبوت فى اللوح شقيا ً هو الذى يعاندنى ولو باإلشارة .
ثم يقول رضى هللا عنه :
فإنى معوان لكــــــــــــــــل سديدة *** وكل فتى يشقــى بسد المسالك 24 /5
118
فلن يشقى بتلقينــــــــى صفـــــــى *** وال يضنيه ما يبلغه عنـــــــــا 95 /21
علمى الموهوب لكــــــــــــــــــن *** ال ألقيــــــــــه شقيــــــــــــــــا ً 22 /72
كالمى ال تحيط به عقـــــــــــــول *** ومــا عرف الشقى من السعيد 11 /11
كالمى مشرب األرواح وصـــــالً *** إذا لم تشربـــــــوا منــــه فأى
فإنى فى كل األحوال شأنى تقديم العون والمساعدة لكل نفس سديدة سدت أمامها مسالك الشيطان
وسارت على درب الرحمن ،أما كل فتى مثبوت من األشقياء فإنه يشقى بسد مسالك الخير أمامه
وتسهيل طرائق الشيطان له ،فمن لم يكن خلف الدليل مسيره كثرت عليه طرائق الشيطان .
فاألصفياء األتقياء هم الذين سعدوا بتلقينى ،فلن يشقى أحدا ً منهم وال يضنيه ويرهقه ما يبلغه عنا
من أقوال وأحاديث باطلة يرددها أرباب الفهوم .
فالعلم الذى جئتكم به عليكم أن تقبلوه بقلوبكم ألنه من العلوم الوهبية من لدن حكيم خبير ،فقد ألقيه
لألصفياء األتقياء الذى يؤمنون بقول الحق تعالى {إتقوا هللا ويعلمكم هللا} وال ألقية لألشقياء من
الناس .
فعلمى هذا جئتكم به قائالً فى القصيدة (الرجية):
من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى
فكالمى هذا ال تحيط به عقول ألنه من علوم الكتم التى ال تدرك بالقلوب والعقول وال عرف الشقى
من السعيد ،وألنه المشرب الوحيد لألرواح ثم يقول عن علمنا :
ليعلم عنى من يعظم علمنا *** فعلمكم عنى بغير إحاطة 2 /729
فليعلم (عنى) من يعظم هذا العلم بأن علمكم عنى (ما عرفتموه من علومى) علمتموه بغير احاطة
فليس فيكم وال منكم من يصل الى األحاطة بما أحطت به من علم عن صاحب القدر الجليل السامى .
ثم جاء قوله رضى هللا عنه فى القصيدة ( )22قائالً:
كلماتنـــــــا نهدى بهــــــــا عشاقنا *** لشرابنــــــــا ونديمنا ال ينـــدم 22 /2
حتى قوله :
لكن حقا ً جئته من علمنــــــــــــــــا *** كتموه حتى خاض فيه المجرم 22 /22
شقت عليهم طاعتى فتعللـــــــــــوا *** يتلمسون مخارجا ً ترقـــــــــــم 22 /22
119
ان جاءهم منى هدى ضلــــــوا به *** ولغيرنا يصغى الشقى المعــدم 22 /29
71ـ هنا قسطاس ربى مستقيـــــم *** وقول هللا ال ظلــــــم لدى
77ـ ومن حكم العليم يكون عدلى *** إذا ردوا تنازعهــــــم الى
صرف وال عد ٌل بظلــــم *** ولو ناحوا كما ناح النجى
ٌ 71ـ فال
111
ظ ْل ٍم أُولَ ِئكَ لَ ُه ُم األ َ ْم ُن َو ُه ْم ُم ْهتَد َ
ُون ()91 سوا ِإي َمانَ ُه ْم ِب ُ
ِين آ َمنُوا َولَ ْم َي ْل ِب ُ
القول في تأويل قوله :الَّذ َ
سورة األنعام ،
قال أبو جعفر :اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول = أعني{ :الذين
آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ،اآلية .فقال بعضهم :هذا فص ُل القضاء من هللا بين إبراهيم خليله
صلى هللا عليه وسلم ،وبين من حا ّجه من قومه من أهل الشرك باهلل ،إذ قال لهم...
عن معنى هذا البيت يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :
فال صرف وال عدل بظلم ،ال من الفرائض وال من النوافل ،التصرف فى ملك الغير ومجاوزة الحدود
فالعدالة قائمة وليست غائبة حتى ولو ناحوا وألحوا فى طلب العفوا لرفع ظلمهم .
وإن وفوا ما عليهم كما وفى الوفى (ابراهيم الذى وفى ماعليه) ولو كان كفرض الصيام الذى يقول
عنه الحق تعالى فى حقه {كل عمل ابن آدم فهو له اال الصوم فانه لى وأنا أجزى به} ال يساوى عند
هللا نحر النفس ،أى تربية مريد ورعايته والسير به الى أعلى المراتب .
ـ فال يوجد وجه للغرابة فى كالمى فأنا الذى حزت الفخار اليثربى ،حيث أن المدينه لم تسمى المنوره
اال بنور من سكنها ورفع شأنها ،وهو بيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الذى جاء قولى عنه فى
القصيدة (:)12
وما أنا اال واحد من عبيده *** وذلك فخر لى وفيه أفاخر 12 /28
112
القصيدة ((72
113
بسم هللا الرحمن الرحيم
25يونية 2891م عدد أبياتها ()74 األحد 22شوال 2141هـ
ـ مناسبتها لما قبلها :فى معنى البيت الثانى من القصيدة (: )74
عال فوق الفهوم مراد ربى *** خالفته من البشـــر السوى
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة الثالثون مثل ما قال الحق تبارك وتعالى فى سورة
يونس اآلية ({ )59قل بفضل هللا وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } أى بنور االسالم
وااليمان واإلحسان (الشريعة والطريقة والحقيقة) الذى أتى بهم سيدنا محمدا ً عليه الصالة والسالم
فضالً من هللا ورحمة فليفرح المؤمنون بالخير الكثير ،فعلى أهل فضلى (أهل الطريقة) أن يفرحوا
بذكر قولى ،أى أن الفرح بأنوار معرفة من أجله أمليت كالمى المنظوم فى ديوان (شراب الوصل)
حتى لو أنهم لم يدركوا (المراد األولى) منه ،هو خير مما يجمعون ،حيث أن ذلك المراد هو فى
األصل مراد هللا الذى عال فوق الفهوم ،وهذا المراد أشارت اليه القصيدة الهائية بقولى :
كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معنـاه أو إثباته
قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته
وهذا المراد هو (خالفته من البشر السوى) أى الخليفة البشرى الجسمانى اآلدمى َم ْن الذى خاطبه
ربه قائالً له صلى هللا عليه وسلم{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى ً
الى}.
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيتين األخيرين منها:
وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خــــوار 72 /74
وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها إنفطــار 72 /72
أى العلم الذي جئتكم به (كتاب) ينعت الخليفة الذى يقول عنه الحق تعالى :
( إذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة ) من اآلية رقم ( )74سورة البقرة ،فالخليفة
الذي ربه رباه ،هو اإلنسان الكامل الوارث حامل األمانه فى األرض وجامع النورين نور الوالية
{خاتم األولياء}(األصل) الذى يخلف نور النبوة{خاتم األنبياء}(األس) أصل األصل حضرة النبى صلى
هللا عليه وسلم الذى له عينان (عين نبوة وعين والية) عين سابقة وعين الحقة ،وجاء التوحيد فى
قول الحق تعالى {أن إتبع ملة ابراهيم حنيفاً}فان الملة اإلبراهيمية التى أمر المصطفى باتباعها ،هى
الدعوة الى التوحيد ،وإفراد المعبود بالعبادة ،ومعنى أمر هللا لنبيه أن يتبع ملة ابراهيم (طريقة) .
114
وهو أنه يدعو الناس الى توحيد هللا ،وأن يفردوه بالعبادة وال يشركوا به شيئا ً .وهذا هو المعنى
بحديث (االنبياء إخوة ،أبوهم واحد ،وأمهاتهم شتى) يعنى أنهم يدعون الى شىء واحد ،وهو
توحيد هللا ،فهو أصلهم الذى يرجعون اليه .كما أن األب أصل للولد ،والولد يرجع اليه .والمراد
باالمهات الشرائع .وشبهها باالمهات ألن األم تتفرع عنها الذرية .كما أن الشريعة تتفرع عنها
األحكام والفروع (( .تبرئة الذمة ص . ))74
ومعنى آخر :فى عظيم شأنه صلى هللا عليه وسلم أن النبى صلى هللا عليه وسلم هو واسطة هللا بينه
وبين عباده .والى هذا أشار عليه الصالة والسالم بقوله { :أنا من نور هللا والمؤمنون منى} .وقد
شهدت األنبياء والمرسلون صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ،قبل ظهوره .بأنه صاحب كماالتهم
فى ترقياتهم .وعلموا علو شأنه عليهم فى عظيم مكاناتهم .واستمد الجميع به فى ذواتهم ،والى
ذلك اإلشارة الى إمامته بهم فوق السماوات .فهو إمام األنبياء وقدوة األولياء .صورة ومعنى
صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم .واعلم أنه صلى هللا عليه وسلم ،لما تنزل من الحضرة األحدية
.الى الحضرة الواحدية .ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى .والصفات العليا .فتعشقت به الحضرة
الكمالية تعشق اإلسم بالمسمى ،والصفة بالموصوف .فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال
إليه .وال تدل بهويتها إال عليه .فلو تحقق أحد بكمال من تلك الكماالت المشار اليها .كان عطفا ً
عليه لديها .وتقدير هذا الكالم ،أنه لو تحقق مثالً ألف نبى أو ولى كامل بالحقيقة النورية ،حتى
صار كل منهم نورا ً مطلقا ً ،ثم أطلقت اسمه ((النور)) ،لم يقع هذا االسم إال عليه .ولم تسبق هذه
الصفة إال اليه صلى هللا عليه وسلم .ولهذا سماه هللا تعالى فى كتابه العزيز بالنور دون غيره .وسر
ذلك أن األنبياء انما تحققوا بهذه الصفة ،وهو صلى هللا عليه وسلم حقيقة هذه الصفة وكم بين
حقيقة الشىء الى من تحقق به .فافهم .
وتحت هذه المسأله فائدة جليلة لو فتح هللا عليك بمعرفتها ،ثم انه صلى هللا عليه وسلم أول ما تنزل
من حضرة الواحدية ،الى حضرة اإللوهية ،تلقته منها الحضرة العلمية .فتشكل بصورة تلك الحضرة
العلمية ،ولهذا لما تنزل الى الوجود الكونى ،كان هو صلى هللا عليه وسلم صورة القلم المسمى
((بالعقل األول)) .
ولهذا ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (أول ما خلق هللا العقل) .و(أول ما خلق هللا القلم) .
وورد عنه صلى هللا عليه وسلم فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول ما خلق هللا روح نبيك يا
جابر) .فعلم بذلك اتحاد هذه المعانى الثالثة .فكان صلى هللا عليه وسلم أول موجود خلقه هللا تعالى
بال واسطة .وهذه الروح المحمدية المسماة بالعقل األول هى مظهر الذات فى الوجود ،فافهم .
115
ثم خلق هللا تعالى بواسطة الروح المحمدية المسماة (بالعقل األول) ،عقالً كليا ً ،وهو مظهر الصفات
.سماه (بالعرش) .وهو الذى تسميه الحكماء (بالعقل الثانى) .وهذا العقل الكلى هو حقيقة روح
كل نبى وولى كامل (( .تبرئة الذمة ص 14و. )) 12
ويستنتج من ذلك :أن توحيد رب :هو توحيد ربوبية نور بصفته صلى هللا عليه وسلم عندما أطلق
إسم (النور) لم يقع هذا االسم إال عليه .وهو القائل :أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى
،ونور صاحب الحقيقة أوال (نور النبى) المشار اليه فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول شىء
خلقه هللا نور نبيك ياجابر) لذا يتضح حقيقة الجمع بين النورين .نور هللا ونور النبى الخليفة .وجاء
قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخليفة :
هو صاحب الذكر الرحيــم وإنه *** سر التناجي ربه رباه 28/2
هو رحمـة واألمهات به اقتـدت *** رب رحيم ربه سمــاه 28/21
هذا هو كالم ال يعرفه إال الموصولين الذين نور هللا بصائرهم ،وقول القاطعين هو الخوار الذى
يشبه خوار عجل السامرى وعليه يقول سيدى فخر الدين :
فيامريدي هو التوحيد مشربنا *** وغاية في صدور ربها قبل 81/12
-وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار
أي أن سماء عالم الغيب تفجرت لنا منها معانى حقيقة مائها ،مثل إنفطار سماء الدنيا بالماء النافع
،فهذه نسبة بين حقيقة الشىء الى من تحقق به .
ـ سورة المرسالت ترتيبها فى المصحف ( )22وهى أخر سورة في الجزء التاسع والعشرون وأخر
آية فيها اآلية رقم ( )54وفيها يقول الحق تعالى :
{فبأى حديث بعده يؤمنون}
كأن موالنا الشيخ يريد ان يقول أن الحديث المشاراليه في سورة المرسالت من أحاديث المؤمنين
الذى ليس بعده حديث ،طبقا ً لقول الحق سبحانه فبأي حديث بعد هذا الحديث يؤمن به المؤمنون ،
فما هو هذا الحديث ؟
فهذا الحديث هو من أحاديث اآلحاد المنقول بسند صحيح تنزل من سنا األحدية ،وأحاديث اآلحاد
لدى الصوفية عمدة األحاديث لذا يقول رضى هللا عنه :
أال فخذوا عنى اآلحاد معنعنا ً *** أصح روايات الحديث روايتى
116
ـ رقم عدد أبيات هذه القصيدة ( )74فيه إشارة إلي الجزء ( )74الذى أول سوره (سورة النبأ) والتى
يقول فيها الحق تعالى (ع ًم يتساءلون عن النبأ العظيم) ،وهذه اإلشارة للنبأ العظيم الذى هم فيه
مختلفون ،وهو الذى أشارت اليه سورة (ص) بقول الحق تعالى {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه
معرضون} واإلشارة أيضا "ليوم الفصل" وهو اليوم العظيم الذى ألجله رسله أ ُ ٍخ َرتْ وأ ُ ْم ِه َلتْ ،
وعندما حان وقت ظهوره فعاينوه وشهدوا طلعته البهية ،قال عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه:
يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه
سر على كل العظام وإنــــــــــه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه
فلما طلع من العمى فوجئ الكون كله بزمنه ووقته ،فهو الظاهر بقول الحق (أتي أمر هللا فال
تستعجلوه) سورة النحل .
فهو يوم الفصل بين الحق والباطل ،فهو الحق المشار اليه بالحقيقة أوال ً ،والباطل دونه ،وبَيًن
سلُه المنوطة بإظهار معرفته أ ُ ٍجلت ليوم يفصل فيه
الحق تعالي ذلك اليوم فقال (ليوم الفصل) أي أن ُر ُ
بين الخالئق .وقال ابن عطاء :هو اليوم الذي يفصل فيه بين المرء وقرنائه وإخوانه وخالنه إال ما
كان منها هلل وفي هللا ،وهو داخل فى الفصل بين الخالئق ،وجزء من جزئياته ،وقال ابن عطية
وأما تكرار قوله تعالى "ويل يومئذ للمكذبين" لمعنى التأكيد فقط ،وقيل بل في كل آية منها ما
يقتضي التصديق .فجاء الوعيد علي التكذيب بذلك ،وهذا اآلخر هو الصواب .وهو يوم الفتح األكبر
باالستشراف علي الفناء في الذات ،فهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخصوص والعموم وبين أهل
الدليل والبرهان وأهل الشهود والعيان ،ويل يومئذ للمكذبين بطريق هذا السر العظيم ( .من كالم
سيدي احمد بن عجيبة فى البحر المديد المجلد السادس ص )715
ـ وقد أشار الشيخ إلي أن سوره النازعات التي تلي سوره النبأ في الترتيب واآليات الخمس األولى
وهي{والنازعات غرقا ،والناشطات نشطا ،والسابحات سبحا ،فالسابقات ،فالمدبرات آمرا ً } .
فقد توسط النبأ العظيم المؤقت يومه ليوم الفصل ،للفصل بين أهل اليقظة وأهل الغفلة ،بين سوره
المرسالت (نفوس العارفين التى تأتى بنشر معرفة الحقيقة بين أهل اليقظة) وسوره النازعات
السوى ألهل الغفلة).
ٍ (األرواح النازعات عن مالحظة
ـ حديث المرسالت :هو الحديث الذي ليس بعد حديث جاء للمؤمنين المصدقين بيوم الدين ومن اجل
ذلك قال وقوله الحق بصدق وعد في القصيدة(.)17
وعد هللا فى الصحائف وعدا ً *** ولدى وعده يكون الوفاء 17/12
ع َد هللا كان مفعول بقوله تعالى :
وو َ
َ
117
{السماء منفطر به كان وعده مفعوال ،إن هذه تذكرة فمن شاء إتخذ الى ربه سبيالً}اآلية 9و 8من
سورة المزمل .
إن هذا العلم انفطرت به سماء عالم االمر من شده هوله فهى محل إظهار كرامته فمن شاء إتخذ الى
ربه سبيالً (طريقاً) اليه ،ويقول سيدى فخر الدين (فقد وعدت ولدى وعدى الوفاء ـ مفعوال) وجئت
فى القصيدة ( )21قائالً :
قد وعدنا فارتقب فتحا ً قريبا ً *** بعده فتحا ً نري نورا ً مبينا 21 /2
ذاك يوم يجعل الولدان شيبا *** فيه إطالق الفتوح بدا يقينا 21 /1
وفتوح هذا اليوم ثالثة ( فتوح مكاشفة – فتوح العبارة – فتوح الحالوة في الباطن ) ،من تبرئة
الذمة صـ 112
ـ (وويل عشر آيات عشار) :واآليات كلها {ويل يومئذ للمكذبين} .
وهم ( ) 18 – 12 -15 -14 -72 – 11- 19 -17 – 28 -25من سورة المرسالت البالغة
خمسون آية .
-----------------------------------------------------------------------------------
يقول سيدي فخر الدين في بداية هذه القصيدة التي تحتوي علي عشر آيات عشار هذه اآليات تحمل
الكثير من المعاني عن الصادق المصدوق الذي صدق هللا وعده ونصره وأعز جنده وهزم له األعداء
وحده وهو الذي قال عنه الحق تبارك وتعالي ( أنه اليوم الفصل ) وهو النبأ العظيم الذي هم فيه
مختلفون وعنه معرضون الواقع في ترتيب المصحف في نهاية الجزء التاسع والعشرون وأول الجزء
الثالثون المذكور باسمه سورة النبـأ التى تتوسط بين سورتي ال ُم ْرسالت والنازعات .
ـ وقبلها سورة المرسالت وتبدأ بخمس آيات .. :وهم {والمرسالت عرفا ً ،فالعاصفات عصفا ً ،
والناشرات نشرا ً ،فالفارقات فرقا ً ،فاللملقيات ذكراً} .
ـ ثم سورة النبأ (عم يتسآلون عن النبأ العظيم ) .
ـ وبعدها سوره النازعات وتبدأ بخمس آيات :وهم { ..والنازعات ،والناشطات والسابحات ،
فالسابقات ،فالمدبرات} .
وعن معانى آيات سورة المرسالت يقول االمام ابن عجيبة فى البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد
المجلد السادس ص : 717يقول الحق تبارك وتعالى { والمرسالت عرفا ً ،فالعاصفات عصفا ً ،
118
والناشرات نشرا ً ،فالفارقات فرقا ً ،فاللملقيات ذكرا ً } ففى هذه اآليات الخمسة أقسم الحق تعالى
بالرياح المرسلة متتابعة ،فتعصف عصفا ً ،وتنشر السحاب فى الجو نشرا ً ،وتفرق السحاب فرقا ً
على المواطن التى أراد هللا أن يمطر عليها ،فيلقين ذكرا ً ،أى موعظة وخوفا ً عند مشاهدة آثار
قدرته تعالى ،إما عذرا ً للمعتذرين بتوبتهم ،أو نذرا ً للذين يكفرونها .
أو يكون قد أقسم بآيات القرآن المرسلة الى الرسول صلى هللا عليه وسلم ،فعصفن سائر الكتب
بالنسخ ،وآثرن آثار الهدى فى مشارق األرض ومغاربها ،وفرقن بين الحق والباطل ،فألقين الحق
فى أكناف العالمين ،عذرا ً للمؤمنين ،ونذرا ً للكافرين .
يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه :
2ـ حديث المراسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عشـــــــار
1ـ وإن العاصفات بكل ظلــــــــــــم *** لدى قيــاد سطوتهــــــــا يدار
7ـ وإن الناشــــــــــرات بكل مرقى *** لهـا منى نشور وانتشــــــــار
1ـ وإن الفارقــــــــــــــات لكل أمر *** حكيم لى برتبتها وقـــــــــــار
5ـ كذا فالملقيــــــــــات لكل ذكـــر *** بألــــواح وأرواح تغــــــــــار
مقدمة الشرح والتفصيل :
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة:
حديث المرســـالت بصدق وعدى *** وويل عشـــــر آيــــات عشـــــــار
معانى المفردات :
حديث ـ المرسالت ـ وعشر آيات عشار
وأصل الحديث :سنة تبين معانى كتاب هللا تعالى ،وهى سنة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
،وسنة تبين وتوضح معانى ديوان شراب الوصل يقول سيدى فخر الدين عنه (ما كتاب هللا إال
جمعنا) وهو سنة سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القائل :
وأن كتاب هللا لفظـــــا ً وغايـــــة *** بصدرى مكنـون وتبيـــان سنة 2 /22
قضت سنة المولى العظيم عليهم *** فراحوا ثالثا ً فوق سبعين شعبة 2 /118
119
األصــــل عنــــدى سنة من سنة *** هو ذا لسانى قد أفــــــاد وأخبر 1 /24
والحديث هو الشئ (الكالم) المنقول الى الناس ،والكالم المنقول هو منحتى وكالمى المسمى كتاب
شراب الوصل الذى آتانى من كمال العطاء من فيض وهب ،وهو الذى أمليته من أجل ابراهيم بعد
رجائه ،وعندما بدا الوقت حتما ً أن أكلمهم قلت لهم :
من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى
وهذا هو الحديث (الكتاب) المشار اليه فى سورة المرسالت بقول الحق تعالى {فبأى حديث بعده
يؤمنون}اآلية رقم ، 54أى :بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين ،وأخبار النشأتين ،األرواح
واألشباح ،على نمط بديع ،ولفظ بليغ معجز ،مؤسس على حجج قاطعة ،وأنوارساطعة ،فإذا لم
يؤمنوا به مع إنه آية مبصرة ،ومعجزة باهرة ،من بين الكتب السماوية ،فهو الكتاب المشار اليه
بذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين ،والمتقين ما سوى هللا فى ظالل التقريب ،وبرد التسليم ،
ونسيم الوصال ،فما أطيب نسيمهم وما ألذ مشربهم ،فبأى حديث وأى طريق بعد هذا يؤمنون ،وأى
طريق يسلكون ،إذ لم يهتدوا به فبأى كتاب يهتدون ؟
المرسالت من األحاديث :مفردها (حديث مرسل) وهى األحاديث الضعيفة ،التى تتصل بمحسنات
العمل ،وال تضر فريضة من الفرائض .
ومن معانى كلمة مرسالت :هم مالئكة مرسالت الى جميع الخالئق حاملة للعلوم ولألرزاق …
وغيرها) يرسلها الحق تبارك وتعالى الى عباده .
والمرسالت فى (ديوان شراب الوصل) هى أرواح مريديه األمناء عن معانى كالمه الذى قال عنهم :
وجعلت فيه أمانكم وسالمكم *** وعن المعاني كان لى أمناء 12 /27
الى تكريما ً لهم
مرسالتى :يقول موالنا اإلمام فخر الدين (وراجع مرسالتى) فمرسالتى هم المضافين ً
فهم الروابى الذين عال ذكرهم حتى جاء القول عنهم:
سيعلو ذكر قـــوم دون قوم *** وماء الغيب تشهده الروابى 21 /21
فذكرهم عال حتى أصبحوا يمنحون معانى علمي المخصوص ويصبحون أمناءا ً عليه فهم مراجع
يُرجع اليهم ،ألن لديهم المرجع الذى يرقمونه لنقله إلى إخوانهم ،
العشر آيات العشار مشار اليهم فى سورة المرسالت بقول الحق تعالى {ويل يومئذ للمكذبين}.
ـ عن الحديث :
121
يبين رضى هللا عنه أن الحديث هو الرواية حيث قال:
رويت عن المحبوب ما قد رأيته *** وســـــر أبى العينين مت روايتى 2/22
أال فخذوا عنى اآلحـــــاد معنعنا *** أصح روايات الحــديث روايتــى 2/29
وإنى إذ أروى رأيت وعــــاينت *** معى سائر األقطاب أصل الرواية 2/77
صدق الرواية غـــاية ووســـيلة *** والعــــين للصحب الكـــرام سفين 22/21
حيث يقول رضى هللا عنه رويت عن الحبيب المحبوب الذى ال يخيب رجاؤه ،السر الذى عليه لثامى
رأي العين ،ومتن هذه الرواية وسرها هو ابو العينين رضى هللا عنه القائل
،ما قد رأيته وشاهدته ً
(فصار السر سرى من حبيبى وسر السر من مولى الموالى) ثم يؤكد موالنا االمام فخر الدين رضى
هللا عنه بقوله العظيم (وإنى) إذ أروى رأيت وعاينت معى سائر األقطاب أصل الرواية على الطبيعة
وهى قوله:
لها المعصوم أصــل وهو جدى *** ومن نور العبــــــاءة قد كساهــا 18 /21
وإنمـــــا نحن اخوان بال جــدل *** أب لنـــا واحــد أصــــــل ألمتنا 75 /9
وإنه األصل واآلبـــــــاء عترته *** وإنه الســر فى أخـــرى البنيات 22 /22
فانى وابراهيم فى األصل واحد *** اذا طلبوا صفحا ً فال شك صافح 91 /22
ثم يقول صدق الرواية غاية ووسيلة ،وعينى هى السفين التى تحمل الصحب الكرام الى المعرفة
الحقيقية بأسرار نقطة اإلنبات التى بين الشجرة والنواة ،وهم الذين يقول عنهم رضى هللا عنه فى
القصيدة (:)78
نزلنا بحـــره كالسابحات *** وأيقنا بأن الوصـــــــل آت
سبحنا والغياهب تحتوينا *** وكنا كالجـــوارى المنشآت
فغيبنا به حتى غرقنـــــا *** يقينا ً فى العطــايا والهبــات
ومازلنا به حتى عرفنــا *** على التحقيق أسرار النبات
ثم يقول من يريد معرفة تلك الرواية :
اال فخذوا عنى اآلحاد معنعنا ً *** أصح روايات الحديث روايتى 2 /29
121
روايتى التى ليس فى استطاعة احد من الناس روايتها عمن أمليتها من أجله وبعد رجائه :
من أجل ابراهيم قد أمليتهــا *** حملت اليكــم غايتى ورجيتى 2 /717
من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى 25 /2
ثم جاء قوله رضى هللا عنه بأن السيد صاحب االسم الشريف ابراهيم هو أصل هذه الرواية هى التى
حملت اليكم غايتى ورجيتى ،وشأن األحبة من أولى اإلقدام هو إستعذاب هذا الحديث عندما تيمموه
وعليه قال :
وتيممـــــــوا عذب الحديث فإنه *** شأن األحبة من أولى اإلقـــدام 25 /14
ثم عقب رضى هللا عنه بقوله :
فياليت أرباب الفهوم على هدى *** وياليت مستمع الحديث يجيبنـى 72 /22
من آيتى يستقى أرباب حظوتنـا *** عذب الحديث ومنها طيب الكلم 14 /2
فهذا الحديث هو الشىء المنقول عن آيتى التى يستقى منها أرباب حظوتنا أطيب الكالم ومن الحديث
أعذبه .
هذا وقد سبق أن نقلت ذلك الحديث الى المشار اليه بجمال الدين رضى هللا عنه فى القصيدة (22و)22
بقولى :
أما جمال الدين فهو برحمتى *** سبق الحديث اليه غير مفند 22 /22
سبق الحديث اليه ذلك رحمة *** منى وحتى ال يضل المرغم 22 /21
أى أن الذى سبق اليه الحديث غير مفند ،أى من قلت اليه هذا الكالم إجماال ً وهو موالنا الشيخ
محمد ابراهيم الذى شملته برحمتى التى منها رحمة ما فى الكون ،وذلك رحمة منى وحتى ال يضل
المرغم .
ـ أحاديث:
رأيت عيانا ما رويت لعاشق *** تروى فهامت روحه بالروية 2 /219
أحاد أحاديث الصحابة عمدة *** فأعينهم للسمع نعـم العضيدة 2 /218
كذلك ما أرويــــه حقا ً مقامه *** تقلـد فى الترتيب أعظم رتبة 2 /274
122
وقد رأيت عيانا ً ما رويت لعاشق تروى ،فهامت روحة بروايتى فهى نعم الروية ،والحديث الذى
أنقله اليكم اآلن هو عمدة أحاديث الصحابة المرئية والمسموعة ،وكذلك ما أرويه مقامه حقا ً تقلد
فى الترتيب أعلى وأعظم رتبة .
ـ حديثى :
فما رأيته ورويته عيانا ً هو نور لكل مهتد اليه ،وران بل نار على قلب غافل غدا فى أكنة ،لذا أقول
:
حديثى نور لـــو تلقـــــــــــــاه مهتد *** ونــار على قلب غدا فى أكنة 2 /271
وإن حبال الوصل باألصل أوصلت *** وإنى حبل هللا والوصل فيئتى 2 /277
وبحديثى هذا يكون قد أوصلت حبال الوصل حيث إنى حبل هللا والوصل هو فيئتى وقسمتى .
ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :أن الحديث الذى أختص به المرسالت هو حديثي ،وأن
المرسالت هى مرسالتي ،وأبناؤه يقولون نعم هذا حديثكم ،فما هى مرسالتكم ؟ واإلجابة يكمن
سرها فى سورة المرسالت التى تحمل رقم ( )22من الصحف الشريف (كتاب هللا) وهى آخر سورة
فى الجزء ( . )18وكلمة المرسالت لم ترد إال مرة واحدة ومعناها فى السورة هى (مالئكة مرسالت
الى جميع الخالئق حاملة للعلوم ولألرزاق … وغيرها) يرسلها الحق تبارك وتعالى .
ومعنى المرسالت فى (ديوان شراب الوصل) أرواح مريديه األمناء عن معانى كالمه الذى قال عنهم
:
وجعلت فيه أمانكم وسالمكم *** وعن المعاني كان لى أمناء 12 /27
يبث لهم الشيخ المعانى التى يحتويها ديوان علومه المسمى بشراب الوصل بصورة متتابعة
ومتتالية لبيانها ألبنائه ومريديه ممن يرومون هذا العلم فقط وليس السفهاء والمنكرين واألعراب
الذين يقولون آمنا به وماهم بمؤمنين الذين قال عنهم شيخنا (أنتم عن اإليمان فى إستفهام) أما
الملتزمين برعاية قصائد الديوان بالتدارس المطلوب والفقه فيها حسب ما اوضحه لنا موالنا الشيخ
إبراهيم رضى هللا عنه طلبا ً فى كشف غطاء المعانى الباطنية فان الشيخ يمدهم بعلومه فى الخفاء
ويخلع عليهم الخالئع التى تخفيهم عن أنظار المنكرين الحاقدين ،من أجل ذلك خبأهم وزادهم بسطة
فى رزق األرواح وجعلهم على هذا العلم الغيبى أمناء وجعل الغيب ملبوسهم (ملبوس الخفاة) وكان
ذلك سر إغطاش المعانى ،ثم أمرهم الشيخ بتوضيح المعانى إلخوانهم من بقية أبنائه ومريديه ممن
123
غمت عليهم المعانى لتهديهم اذا ما جن عليهم ليل المعانى وهم الذين خاطبهم الشيخ بقوله فى
القصيدة (: ) 18
اليـــكم يا أحبـــــائى خفــــــايا *** عــــن اإلدراك تعــــجز من رآهــــا
ثم يبين أن علمه هذا له مرجع (فمرجعه الى وصال به المخصوص قد أربى) وأمته أربى أمة ونحن
(آل ابراهيم) أبناء هذه األمة .من أجل ذلك قال مخاطبا ً األمناء :
فأطلقها فال قيد عليها أى المعاني ،وحكمها القصائد ،المأثورة النظم الفريد ( )11/ 29ألنها مولودة
فى محكم اآليات ( ، )12 /27وراجع مرسالتى ألنها لديهم مرجعا ً يرقمونها (. ) 71/1
فمن المخاطب باطالقها ؟ هو الشخص الذى أحكمت اآليات فى صدره فأصبح متصدر لعلم شيخة
وحامالً له على مراد مغشى الليل وهو شيخه الذى أسدل عليه الستار (سترالخبية) وهوالذى بث اليه
عجائبه وغرائبه من معانى كلماته التى يحبوه بها من فيض نظمه ليرتضيه أمينا ً عن المعاني التى
تحمل العلم الشافي الذى يلقيه له شيخه ليشفى الصدور(المتصدرين لهذا العلم) ويذيقهم من صنوف
العلوم ألوانا ً مثل (الحنفية ذات البزابيز األربعة) المتمثلة فى الماء ـ اللبن ـ العسل ـ الخمر.
ثم يقسم الشيخ بالضحى بأنه سيمنح فى القريب غرائبا ً من طيب نظمه او فريد مقاله حيث
يقول فى القصيدة (: ) 54
وسأغــدق األرفـــاد منــى منـــة *** حتـى تمــــلوا اعــــذب األقــــوال
وستشــربوا ما شاء ربى علمنــا *** حتـى تصـــيروا مضــرب األمثال
ثم يبين ان علم القصائد من أعلى أنواع الذكر (النه ذكر فوق ذكر الملقيات) وأن هذا الذكر ماء غيث
يرفع روح المريد لتشهده الروابى (أوقد يعرج طائفا ً لسمانا) وعن طريق التدارس وفقه القصائد
ستعلوا مراتب الذكر من القلب الى اإلصطالم ثم الى مراتب الروح الثالثة التى يترحل فيها السائر
الى هللا وفى هللا .ويقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (: )21
سيعـــلوا ذكــرقــوم دون قوم *** وماء الغـــيث تشـــهده الروابى
وقَ ً
سم موالنا السير بالذكرالى قسمين :
األول السير بالنوافل حتى الوصول الى ختم السير وختم السير الى االسم هللا مبينا ً فى قوله رضي
هللا عنه فى القصيدة (فإذا تنفل زائرا ً فلحينا) وهذا هو السير الى هللا والعتق .
124
وقسم آخرهو السير باألوراد الصحيحة والمراقبة المنتظمة من حيث المحبة الحقة والعقيدة الصحيحة
لمن اختارهم المولى للترقى الى مراتب الشهود وما وراء العتق وهم الذين ينطبق عليهم القول (أو
قد يعرج طائفا ً لسمانا) وبذلك تكون مرسالتى المضافين الى هم من رفعت أرواحهم لتلقى معانى
علمه منحة يصفها بانها ماء الغيث الذى ال يشهده سوى الروابى .
وتفصيل حديث المرسالت :
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه :لكل حادث حديث ،فالحديث الذى أحدثكم عنه هو عن سر
علومى كلها التى تلقيتها عن جدى (الذى هو حظى ورزقى) من ورث العلوم جميعها عن جدنا
المصطفى صلى هللا عليه وسلم فالحديث حديث عن اليوم المذكور(بل ْي ِل ِه ونَ َه ِاره) فى اآليتين العاشرة
والحادية عشرة من سورة النبأ والمؤجل ميقاته المشار اليه فى اآلية ( )27من سورة المرسالت
والمؤكد نبأه فى االية رقم ( )22من سورة النبأ التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى (إن يوم الفصل
كان ميقاتاً) ،وهو النبأ العظيم الذى وعدتكم ببيانه وتوضيحه الذى بينه الحق تبارك وتعالى فى محكم
التنزيل ضمن اآليات المحكمات مثال ( ا ل م ـ حم ـ ا ل ر ..وغيرها) التى حواها القران الكريم و
حوتها علومى كلها فيا أبنائى وأحبابى … ..قد جائتكم رسلنا وهم (مرسالتى) لتبين لكم محتويات
ديوان شراب الوصل ،كتابى الجامع الذى أكشف من خالله عن ما خبأناه من عظيم المعانى واألسرار
التى هى سر على كل العظام ،وكل ماناله الرجال العظام هو قرى منه رضى هللا عنه وسر علومه
فى دائرة الميم التى بين الحاء والدال فى كلمة (أحمد) الذى منه انشقت األسرار )وعلمها حول
معصمي كالسوار( وهى سر فخري الذي فيه أفاخر ،وعلمي هذا فى اعلي األعالي كان اسما أو سميا ً
،والقيه منحة على كل مهتد وال ألقيه شقيا ً .ثم يقول فى القصيدة ( ) 72
ويوم يطــيب لى إفشــاء ســرى *** ليـــوم فيـــه عطـــلت العشــــار
وعلم يجـــتنى من بعـض علمى *** لعـلم منـــه سجـــرت البحـــــار
وسوف تحدثكم مرسالتى بما ْ
أفصَحْ تُ لهم من معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ،
فى هذه القصيدة أردت أن أبين لكم فيها حديثى بصدق وعدى ،عندما قلت :
قد وعدنا فارتقب فتحا ً قريبا ً ،فقد وعدناكم يا عباد هللا بالفتح الذى وعد هللا به حبيبه المصطفى صلى
هللا عليه وسلم فى قوله تبارك وتعالى فى سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً ،ليغفر لك هللا ما تقدم
من ذنبك وما تأخر ،ويتم نعمته عليك ويهديك سراطا ً مستقيماً).
ويقول موالنا ان الفتوح ثالث أنواع :فتوح المكاشفة بالحق ـ وفتوح العبارة ـ وفتوح الحالوة فى
الباطن .ولهذه الفتوح كان القرآن معجزا ً ( .من جواهر سيدى محى الدين رضى هللا عنه :قوله فى
125
الباب 778ص 141فى معنى انا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً .من تبرئة الذمة ص . )112ويقول الشيخ
ان اطالق الفتوح بدا يقينا :
سلى برسالتى اليكم تكون مرسالتا ً عرفا ً أى متتابعة كالريح تنزع االغيار عنا فتكون فعندما ارسل ُر ُ
كالعاصفات عصفا ً باألعراب والمنكرين ،وتكون رياح وصل وماءا ً سلسالً عذبا ً للطائعين ،ويكون
ذلك فى محراب جمعكم فتحدثكم من كل منزلة من المنازل التى نزلوا بها فحملوا من الورق المؤرق
من االسرار التى اخفاه ا الحق لهم لنشرها فى موعد وأوان نشرها ،فانتشارها ونشورها ال يكون
اال بمحض ارادتى ،فقد أُرسلها فارقات لتفرق كل أمر حكيم مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى فى
سورة الدخان (حم والكتاب المبين ،إنا أنزلنه فى ليلة مباركة أنا كنا منذرين ،فيها يفرق كل أمر
حكيم ،أمرا ً من عندنا إنا كنا مرسلين) فتأتى هذه العلوم الفارقات من المنازل التى نزلوا بها فيتلقوها
حمالً ثم يلقونهاعلى أهل مراتب الذكر مكتوبة وغير مكتوبة بألواح وأرواح تغار فهى علوم وهبية
تلقى على كل مهتد وال يلقاها االشقياء .ويقول الشيخ الفرق بين علمنا وعلمكم هو أن علمنا إجمالى
وليس كعلمكم فرقانا .ثم يتبعها بقوله رضى هللا عنه لو طمست أنوار نجوم علومكم ونسفت جبال
عقولكم فآية علومى منتشرة كالكواكب التى تنشر نورها وضياها لتنير الكون كله .ثم يقول أيضا ً :
وعلــم يجتـنى من بعـــض علمى *** لعــلم منــه سجـــــــرت البحـــار
ولكى يُجتنى علمى او بعضه فقد يجتنى من بحر الهــــــو وكل من ينزل هذا البحر فينزل سابحا ً خلف
شيخه الذى يقول فى القصيدة (: )78
نزلنــا بحـــر هـو كالسابحات *** وأيقـــنا بأن الوصــــــــل آت
سبـحــنا والغــــياهب تحتوينا *** وكنــا كالجــــوارى المنـشآت
فيغرقهم فى العطايا والهبات وبعدها يتحققوا من معرفة أسرار النبات ،ثم يقولوا نلنا كل نيل بعده
صرنا سفن النجاة ،وأدركنا مدارك كل مرقى بعد فض الختام ،وبعد كشف غطاء المعانى التى هى
من مقتضيات حكم الشيخ الذى يقول فى القصيدة (: ) 72
فاغطــاش المعانى محــض حكم *** ألعـــطى ما أشـــــا ولـــى الخيار 2 /12
ولى الخيار فى اختيار من يصلح لإلطالع على أسرار هذا العلم ويكون عليه أمينا ً فأكشف له الخبايا
من هذا العلم ،أما من يتكبر أويتعامى أو يتعالى فيقول فيه الشيخ رضى هللا عنه فى القصيدة ( 27
):
ومن يتكبر فليفــــارق جمعنا *** ومن يتعامى لن يذوق وثيــقة
126
ومن يتعالى كان علـمى فوقه *** وظل وضيعا ً ال يفارق طينـة
127
كنتم به تكذبون (وهى نارالقطيعة) الى ظل ذى ثالث شعب كالدخان يكون من فوق الكافر وعن يمينه
وعن يساره ،وذلك عقاب الغافلين فعقابهم النار ترميهم بشرر كالقصر.
ـ هذا يوم ال ينطقون من شدة تحيرهم وقلة استعدادهم له ،ثم يقول هذا يوم الفصل جمعناكم واألولين
،لنفصل بينكم والذين سبقوكم بمعرفة من هو المشار اليه بيوم أ ُ ٍجلَتْ المعرفة به حتى يفصل الحق
به بين الخالئق ويريهم الفرق بينه وبين أقرانه وخالنه فهذا الحديث هو كتاب وهذا الكتاب حق
الريب فيه وعنه الحديث الذى يسميه الشيخ رضى هللا عنه :
ـ فحديث المرسالت جاءكم به ليعلمكم أنه حديث حق فبأى حديث بعده تؤمنون ،فهو الحديث عن
صاحب النبأ العظيم الذى أنتم عنه تتساءلون ،وفى معرفته مختلفون ،وهو النبأ العظيم الذى أنتم
عنه معرضون (المكذبون الضالون) ،أما المؤمنون بحقيقته فيعلمون أنه الحق من ربهم ،بقول
الحق تعالى ( :ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الى ربه مآباً) ثم ينذرالمعرضون المكذبون بقوله (إنا
أنذرناكم عذابا ً قريبا) ويوم المعرفة به يقول الكافر(يا ليتنى كنت تراباً) وصدق هللا العظيم إذ يقول
فى آخر سورة النبأ (إنا أنذرناكم عذابا ً قريبا ً يوم ينظر المرأ ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتنى كنت
ترابا) ً.أى الكافر بهذه الحقيقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح والتفصيل :
2ـ حديث المرسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عشار
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هذه القصيدة لقد وعدتكم بأن أروى لكم حديث المرسالت
بصدق وعدى الذى بسببه يفتح هللا علينا فتحا ً مبينا ً وهذا الفتح الذى وعد به الحق حبيبه صلى هللا
عليه وسلم بقوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً ليغفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر) والفتح هو
دخول مقام الفناء وإظهار أسرار الحقائق ،التى هى من كمال العطاء من فيض وهب حيث أنها كانت
فى حيز الكتمان ،وبوصفى مظهر ما كان فى الكتمان ،قلت بقر الغيوب وكشف مكنوناتها شأنى ،
كما قلت :
فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن
سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن
قلت لو أن من خطب الحقيقة جاءنى فبال عناء عندها يلقانى ،وأشرت الى الذى من أجله وبعد رجائه
هذا الحديث الذى أرسلت به مرسالتى ،ألثبت لكم صدق وعدى ،فمن آمن فليؤمن ومن كفر وأنكر
وكذب فويل يومئذ للمكذبين .
128
-1وإن العاصفات بكل ظلم *** لدى قياد سطوتها يدار
يقول رضي هللا عنه أن مرسالتى الذين أرسلهم متتابعين عبر األزمان ،وهم جمع من األمناء الذين
كشف لهم عن المعانى ،يتلوه جمع ثم يتلوه جمع ،والجمع يبدء بثالثة ،وهم فى نشر هذا العلم
مثل الرياح العاصفات بكل ظلم يفعله المكذبين الضالين المضللين ،التى تعصف عصفا ً خلف بعض ،
كالخيل التي قياد سطوتها يدار بيدى .
-7وإن الناشرات بكل مرقي *** لها منى نشور وإنشار
ويؤكد ان الناشرات حين تنشر هذا العلم في كل مرقي من مراقي السير فنشورها يكون كالسحب فى
الجو نشرا ً بالنشر للنفوس الميتة بالكفر والجهل الذى يتبوأه البعض الذى أشارت اليه القصيدة ()98
بقولى :
لقد غمت على قـــــوم علـــــــــوم *** شهدناها يقينا ً فى إستوانـــــا
يظن البعض بل ظنــــــــوا جميعا ً *** وإن الظن ليس به غنانـــــــا
وخاض البعض بل خاضوا جميعا ً *** فعن خواضهم أعرض ترانا
تبوأ بعضهم فى الجهل دركــــــــا ً *** وفى تحصيلهم حتى أغــــان
وإحياء قلوب العارفين بما أوحين بالعلم واإليمان به وذلك بوحي مني .
1ـ وإن الفارقات لكل أمر *** حكيم لي برتبتها وقار .
إن الفارقات لكل أمر حكيم ،إشارتها فى سورة الدخان{حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة
إنا كنا منذرين ـ فيها يفرق كل أمر حكيم ـ أمرا ً من عندنا إنا كنا مرسلين ،رحمة من ربك إنه هو
السميع العليم} ومعنى اآلية يتجلى بوحى خاص بال واسطة خبر عن سر فى سر ال يتطلع عليه أحد
من خلق هللا حيث يقول حم بمعنى حبيبى محمد إنا أنزلناه (الكتاب) يقال عنه كتاب هللا جمعنا ،كتاب
هللا حضرة إنا أنزلناه فى ليله مباركة لما ينزل فيها من الخير الكثير ،وهذا هو شأننا الذى من أجله
اإلنذار والتحذير من العقاب للمكذبين به ،وهذه الليلة فيها يفرق كل أمر حكيم ،وسر تخصيص هذه
الليلة باإلنزال ،أى أنما أنزلناه فى هذه الليلة المباركة ،ألن فيها يفرق كل أمر حكيم ،أى ذى حكمة
بالغة ،
5ـ كذا فالملقيات لكل ذكر *** بألواح وأرواح تغـــــــــــار
129
التتابع في الحديث والعصف والبشر والفرق فرسل السحاب بالمطر علي قلوب المؤمنين الذي أراد
الحق أن ينور قلوبهم بالمعرفة به فيلقي ذكره إلي اآلبد الستكمالها فتعصفن ما سواه وتنشرن أثره
في جميع األعضاء فيفرقون بين الحق والباطل فيرون كل شيء هالك إال وجهه وألفين في قلوبهم
ذكر بحيث ال يكون في القلوب غيره وعلي األلسنة سواه .
2ـ فطمس النجم لو نسفت جبال *** كواكب آيتي فيه انتشار
إذا أشرقت شمس الحقيقة وبدت أسرارها للعيان انطمست أنوار نجومها ولو أن جبال الوهم الخياالت
أو جبال العقول نسفت وتالشت وتركت أماكنها فكانت هباءا منبثا ً فإذا بأنوار الكواكب تطهر للشهود
وإذا سماء األرواح تكشف عن مقام القدم فيتم الشهود ألهل العيان والمشاهدة فيظهر السر القدم
المشهود والغيب سائر .
حيث يقول سيدي فخر الدين في القصيدة ( )12عن سر القدم المشهود .
هو السين والهو كذا الهاء واإلناء *** هو القدم المشهود والغيب سائر 21 /21
وهي الروح المستخرجة من الروح األعظم بعد ظهور الكائنات بقبل ألست المشاهدة في هذا القدم
ويكون ذلك في يوم الفصل بين أهل الشهود والعيان وبين أهل الدليل والبرهان أي بين الخصوص
والعموم ويكون هو يوم الفتح األكبر باالستشراق بالذات
فويل يومئذ للمكذبين بطريق هذا السر العظيم .
-2أتى فى النازعات حديث موسى *** وفى الوادى المقدس ال تماروا
9ـ أراه اآليــــــة الكبــرى فنـــــادى *** وكذب عاصيا ً فالماء نـــــــار
-8لذا فالناشطــــــــات بكل مجـرى *** بأفالك الكمال بى استجــــارو
-24لدي السابقات بفضـــــــل ربى *** بعلــــم هللا إذ فيه القـــــــــرار
-22وهذه عبرة والحب يخشـــــــى *** ومن لم ينته فله الدمــــــــــــار
هذه األبيات الخمسة تشيرالى الخمس آيات األولى فى سورة النازعات .
النازعات ـ اآلية الكبرى ـ الناشطات ـ السابقات :
النازعات :هى مالئكة تنزع األرواح من األجساد ،قال بن مسعود :تنزع روح الكافر من جسده من
تحت كل شعره ومن تحت األظافر ومن أصول القدمين ثم تفرقها في جسده ،ثم تنزعها حتى إذا
131
كادت تخرج تردها في جسده فهذا عملها بالكفار دون المؤمنين أو تغرقها فى جهنم ،فهو مصدر
مؤكد .
والناشطات :أي ينشطوها ويخرجوها من الجسد .
والسابحات :أي يسبحون بها في الهواء إلي سدرة المنتهي .
والسابقات :أي يسبقون بأرواح الكفرة إلي النار وبأرواح المؤمنين إلي الجنة .
فالمدبرات :أي تدبر أمر عقابها وثوابها أي يهيئها إلدراك ما أعد لها من اآلالم والثواب .ومعني
أخر (صفحة 725المجلد السادس من البحر المديد من تفسيرالقرآن المجيد إلبن عجيبة) .
-األرواح النازعات عن مالحظة السوي غرقا ً في بحار األحدية .
والناشطات من عالئق الدنيا ومتابعة الهوي .
والسابحات باألفكار في بحر أنوار الملكوت ،وأسرار الجبروت .
فالسابقات :إلي حضرة القدس ،فالمدبرات أمر الكون بالتصرف فيه بالنيابة عن الحق وهذا هو
مقام القطبانية .
أو النازعات عن الخطوط والشهوات عرقا ً في التجرد إلي العبادات بأنواع الطاعات ،وهذه أنفس
العباد .
والناشطات عن الدنيا أهلها الفارين إلي هللا فرارا ً وهي أنفس الزهاد .والسابحات بعقولها في أسرار
العلوم وهي أنفس العلماء فالسابقات إلي هللا بأنواع المجاهدات والسير في المقامات حتي أفضت إلي
شهود الحق عيانا ً وهي أنفس األولياء العارفين.
فالمدبرات أمر الخالئق بقسم أرزاقها وأقواتها ورتبها وهي أنفس األقطاب والغوث .
وقال البيضاوي :وهذه صفات النفوس وحال سلوكها فإنها تنزع من الشهوات وتنشط إلي عالم
القدس فتسب ح في مراتب االرتقاء فتسبق إلي الكماالت حتي تعير من المكمالت ،زاد اإلمام :فتدبر
أمر الدعوة إلي هللا .
وقال الورتجي :إشارة النازعات إلي صوالت صدمات تجلي العظمة فتنزع األرواح العاشقة عن
معادن الحدوثية ثم قال :والسابحات تسبح في بحار ملكوته وقاموس كبرياء جبروته تطلب فيها
أسرار األولية واألخرية والظاهرية والباطنية .فالسابقات في مصاعدها عالم الملكوت وجنات
الجبروت تسابق كل همه ،
131
فالمدبرات هي العقول القدسية :تدبر أمور العبودية بشرائطها إلهام الحقيقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ أتى فى النازعات حديث موسى *** وفى الوادى المقدس ال تماروا
ويقول موالنا الشيخ مخبرا ً لقد أتي في سورة النازعات حديث سيدنا موسي حين ناداه ربه بالوادي
المقدس المسمي (طوى) على أرض سيناء فجاء نداء الحق تعالى إذهب الى فرعون ألنه تجاوز الحد
في الكفر والطغيان وقل له هل لك رغبة في التزكية والتطهير من دنس الكفر والطغيان بالطاعة
واإليمان ،فال تماري وتجادل في ذلك ،وبعد هذا الحوار الهادئ اللطيف أراد هللا أن يثبته فأراه اآلية
الكبري .
ـ اآلية الكبرى وهى :العصا أو العصا واليد ،وهي من خرق العوائد ومخالفة الهوى ،ولكن فرعون
كذب موسى وعصاه ،فكان عاقبته الهالك والغرق ثم وعده بدخوله نار جهنم فكان عبره لغيره .
وجعل اإلمام القشيري (موسي) إشارة إلي القلب وفرعون إشارة إلي النفس ،وكان الحديث هل أتاك
حديث موسى (القلب) ،حين ناداه ربه بالحضرة المقدسة بعد طي األكوان عن مرآة نظرة ،فقال له
أذهب الي فرعون (النفس) إنه طغي ،وقل له هل لك أن تتزكى وتتطهر لتدخل الحضرة ،فأهديك
الى معرفة ربك فتخشى ،فإنما يخشى هللا من عرفه ،فأراه اآلية الكبرى ،من خرق العوائد ومخالفة
الهوى ،فكذب وعصي عندما رأى عزم القلب على مجاهدته ،وأخيرا ً أغرق فى بحر قلزوم إذ فى
ذلك لعبرة لمن يخشى ،ويسلك طريق التزكية فإنه يصل إلى بحر األحدية .
ـ لذا فالناشطات من النفوس تفر من الدنيا متجه إلي هللا ،تسبح فى مجارى األفالك مستنجدة بصاحب
الحقيقة ،حتى تصل إلى غاية الكمال .
يدى ألنى أنا خبيرها والسائر بها إلى المقامات
ـ والسابقات إلى هللا بالمجاهدات والطاعات تسير على ً
حتى شهود الحقيقة ،والوصول بها لغاية الغايات ،وهذا بالنسبة ألنفس المؤمنين ،أما أنفس
الكافرين فتسبح فى الهواء حتى تسير إلى النار ،حيث أن عاقبتها النار ،ألنها عُلقت بالدنيا وشهواتها
التى أغرقتها في جهنم .
ـ وهذه عبرة لمن أراد الدنيا والهوى ،ومن لم ينتهي فسوف يحرق بالنار ،ويكون مصيره مثل
فرعون الطاغية.
فاألرواح الميتة بالجهل والغفلة حين تنتبه إلي السير بالذكر فى مجارى أفالك الكمال فرارا ً إلى هللا ،
فأنا محييها بالمعرفة باألسرار األولية األخرية والظاهرية والباطنية وأنا مدبر أمورها حتى تصل إلى
مقام القرب .
132
-21وأما الذاريات فريح وصلى *** وإن اإلفــــــك منها لَلَغُبـــار
-27والموقرات بحمــــل علمى *** َج َريْن به يسيرا ً حيث ساروا
21ـ وإنى قاســـــــم وهللا معطى *** وهذه آيتى ولـــــــى الفَ َخـــار
جاءت سورة الذاريات بما تشير اليه هذه األبيات بصدق الوعد فى قول الحق تعالى {والذاريات ذروا ً
،فالحامالت وقرا ً ،فالجاريات يسرا ً ،فال ُمقَ ٍ
سمات أمرا ً ،إنما توعدون لصادق } اآليات من .5 :2
ـ الذاريات :الرياح الذاريات ألنها تذرو التراب والحشيش .
فالحام الت :السحب الحاملة لألمطار أو الرياح الحاملة للسحاب الموقرة بالماء ،وقال بن عباس
رضى هللا عنهما :السفن الموقرة بالناس .
ـ والجاريات :السفن الجارية في البحر والرياح الجارية فى مهبها ،أوالسحب الجارية في الجو
تسوقها الرياح .أو الكواكب السيارة الجارية بسهولة .
ـ فالمقسمات أمرا ً :مالئكة تقسم األمور الغيبية من األمطار واألرزاق واآلجال والخلق في األرحام .
إنما توعدون لصادق :لوعد صادق .يقول سيدي فخر الدين وأما الذاريات فهى ريح وصلى التى
يسوقها المرسالت بالمعانى التى أرمى اليها والمراد إثباتها حيث ترد على القلوب فتذر منها األمراض
معنى دنيا ً إال دفعته ،وإن
ً والشكوك واألوهام ،ألنها تأتى من حضرة قهار ال تصادم شيئا ً خبيثا ً أو
اإلفك من المعانى الدنية التى تمثل الشكوك واألوهام هى كالتراب والغبار الضار .
ـ وإن الموقرات بحمل علمى من أبنائى ذوى االنفس الزكية الطاهرة تسير حاملة لمعانى علومى
كالجاريات يسيرا ً ،أو كالسفن التى تجرى فى بحار األحدية من الجبروت الى الملكوت ثم تنزل الى
عالم الملك فتتفتت فى علوم الحكمة (العلوم الباطنية) جريا ً يسيرا ً شيئا ً فشيئا ً ،أو كالكواكب السيارة
حتى توصل تلك المعانى الى إخوانهم فى سهولة ويسر .
ـ وإنى قاسم وهللا معطى أى أن هذه الحقيقة هى عطاء إلهى جائنى من كمال العطاء من فيض وهب
من العلوم الغيبية الخاصة بى ،فهى منحتى من سماوات الغيوب التى أمدنى بها الحق وهى رزق
للعباد ورحمة وإنى قاسمها على أهل الوصال بوصلتى ولى الفخار .
وهذه آيتى :
وهذه آيتى والحب يعشقهــــــــا *** ينال منهـــــــــا بترديد وتكرار 77 /22
من آيتى يستقى أرباب حظوتنا *** عذب الحديث ومنها طيب الكلم 14 /2
133
هذه آيتى وفيهــــــــــا مرادى *** ولمن أمهـــا يكــــــون الهنــــاء 17 /14
25ـ تقول الذاريات بصدق وع ٍد *** وأن اإلختالف هو الغُمـــــــار
يقول سيدي فخر الدين رضى هللا عنه أن الذاريات هى ريح وصلى التى تسوق اليكم المعنى الذى
أرمى اليه والمراد إثباته حيث ترد على القلوب فتذر منها األمراض والشكوك واألوهام عن معرفة
معنى دنيا ً إال دفعته ،حيث
ً الحقيقة لمن طلبها ،ألنها تأتى من حضرة قهار ال تصادم شيئا ً خبيثا ً أو
تقول بصدق وع ٍد إنما توعدون من الوصول الينا لصادق لمن صدق فى سعيه طالبا ً تلك الحقيقة التى
جاء عنها القول :
فشأنى تأليف القلــــوب وجمعها *** وسائل غيرى فى الحقيقة ما فتى 2 /171
لو أن من خطب الحقيقة جاءنى *** فبال عنـــــاء عندهــــــــــا يلقانى 1 /72
وأن االختالف هو الغمار ،أى أن الناس من حيث بشريتهم الطينية غلبت على روحانيتهم السماوية
فلم يرتقوا من أرض األشباح الى سماء االرواح ،فطرق سماء الحقائق هى المسالك التى توصل
اليها ،وإن أهل الغفلة هم من أهل الحجاب الذى ال يسلم من طوارق االضطراب واالختالف الذين هم
فى غمرة ،أى فى غفلة وجهل وضالل عن معرفة الحقيقة ،بخالف أهل الحقائق التى قلوبهم مجتمعة
ومتآلفة على محبة واحدة وقصد الواحد ال شريك له وهلل در القائل ابن البنا :
مذاهب الناس على اختالف *** ومذهب القوم على إئتالف
وقال الشاعر :
عباراتهم شتى وحسنك واحد *** وكل الى ذاك الجمال يشير
فى البيت التالى يسرد موالنا الشيخ قصص األمم السابقة وما جرى عليها ،ألن فيها أحداث تنخرط
فى سلك معانى األبيات السابقة فقال:
22ـ حديث الضيف أو موسى وعاد *** ثمود ثم نوح والديار
يقول الحق تعالى فى سورة الذاريات {هل أتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين ،إذ دخلوا عليه فقالوا
سالما ً قال سالم قوم منكرون ،فراغ الى أهله فجاء بعجل سمين ،فقربه اليهم قال أال تأكلون ،
فأوجس منهم خيفة قالوا ال تخف وبشروه بغالم عليم}اآليات من 11:19
حديث الضيف :
134
هل بلغك حديث ضيوف إبراهيم حيث خدمهم بنفسة وإمرأته وعجل اليهم القرى .الضيوف إشارة
الى تجليات الحق علي قلب إبراهيم الرمز (الخليل) حين دخلت القلب باألنوار مسلمة عليه ولعدم
المعرفة بها فقد ينكرها القلب أول مرة ألنه لم يألف إال رؤية حس الكائنات .
فراغ إلي أهله أي إلي عوالمه (الماء – الهواء – والتراب -والنار) العناصر التي خلق منها اإلنسان
فجاء بعجل سمين ،النفس وموتها ،فأوجس منهم خيفة ،ألن صدمات التجلي اإللهي تدهش األلباب
إال من ثبته هللا فقالوا ال تخف أي ال تكن خوافا ً إذ ال ينال هذا السر إال الشجعان كما قال الجيالني :
وإياك حزما ال يهولك أمرها *** فما نالها إال الشجاع المقارع
وبشروه بغالم ،وهو نتيجة المعرفة من اليقين الكبير والطمأنينة العظمي ،فأقبلت النفس تصيح
وتقول أألد هذا الغالم (نتيجة المعرفة بالحقيقة) من هذا القلب ،وقد كبر علي ضعف اليقين وأنا
ش ْخت في العواي د ،عقيم من علوم األسرار ،فتقول القدرة كذلك قال ربك هو علي هين ، عجوز ِ
أتعجبين من قدرة هللا ومن الحكم العطائية " من استغرب أن ينقذه هللا من شهوته ،وأن يخرجه من
وجود غفلته ،فقد استعجز القدرة اإللهية ،وكان هللا علي كل شيء مقتدرا ،أنه هو الحكيم في
ترتيب الفتح علي كسب المجاهدة ،العليم بوقت الفتح ،وبمن يستحقه قال إبراهيم القلب أو الروح
:فما خطبكم أيها التجليات قالوا إنا أرسلنا إلي قوم مجرمين وهم جند النفس .لنرسل عليهم حجارة
من طين مسومة عند ربك للمسرفين وهم األذكار واألوراد والمجاهدات والرياضات والمعامالت
المه لكة للنفس وأوصافها .فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين سالمين من الهالك وهو ما كان لها
من األوصاف الحميدة والعلوم الرسمية إذ ال تخرج المجاهدة اال من كان مذموما فما وجدنا فيها من
ذلك إال النذر القليل ،إذ معاملة النفس ُجلها مدخولة ،وتركنا فيها آية من تزكيه النفس وتهذيب
أخالقها للذين يخافون العذاب األليم ،فيشتغلون بتزكيتها لئال يلحقهم ذلك العذاب .
أو موسى :
{وفى موسى إذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين ،فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ،فأخذناه
وجنوده فنبذناه فى اليم وهو مليم } اآليات من79:ـ 14
وفى موسى آية ظاهرة :
وفي موسي ـ القلب ـ إذ أرسلناه إلي فرعون ـ النفس ـ أى :بتسلط وحجة ظاهرة لتتأدب النفس
وتتهذب ،فتولي فرعون النفس بركنه ،وقوه هواه ،وقال لموسي القلب ساحر أو مجنون ،حيث
يأمرني بالخضوع والذل ،الذى يفر منه كل عاقل ،فأخذناه وجنوده من الهوى والجهل والغفلة ،
فنبذناهم في اليم في بحر الوحدة ،فلما غرقت فى بحر العظمة ،ذابت وتالشت ،ولم يبق لها وال
135
لجنودها أثر .وهو فرعون النفس ـ مليم :فعل ما يالم عليه من الميل الى ما سوى هللا قبل القائه
فى اليم .
{وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ،ما تذر من شىء أتت عليه اال جعلته كالرميم} اآليات :
12ـ 11من سورة الذاريات
وفى عاد ،وهى جند النفس وأوصاف البشرية ،من التكبر والحسد ،والحرص ،وغير ذلك ،إذ
أرسلنا عليهم الريح العقيم ،ريح المجاهدة والمكابدة ،ما تذر من شىء من االوصاف المذمومة اال
أهلكتها ،وجعلتها كالرميم .
{وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ،فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ،فما
استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين} من 15 :17
وفي ثمود ،وهم أهل الغفلة :إذ قيل لهم تمتعوا بدنياكم الى زمن قليل ،مدة عمركم القصير ،فعتوا
:تكبروا عن أمر ربهم ،وهو الزهد في الدنيا ،لمن يدعوهم الى هللا ،فأخذتهم صاعقة الموت ،
على الغفلة والبطالة ،وهم ال ينظرون الى ارتحالهم عما جمعوا ،فما استطاعوا من قيام حتى يدفعوا
ما نزل بهم ولو افتدوا بالدنيا وما فيها وما كانوا ممتنعين من قهرية الموت فرحلوا بغير زاد وال
استعداد .
{وقوم نوح من قبل انهم كانوا قوما ً فاسقين }اآلية 12
وقوم نوح من قبل ،وهو سلف من األمم الغافلة ،إنهم كانوا قوما ً فاسقين خارجين عن حضرتنا .
ثم َذك ًَر ما أحدث بنى اسرائيل وما جرى عليهم فى القضاء فقال :ثمود ثم نوح والديار:
فى سورة االسراء {وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى االرض مرتين ولت َ ْعلُن علوا ً كبيرا
،فاذا جاء وعد أوالهما بعثنا عليكم عبادا ً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خالل الديار وكان وعدا ً مفعوالً}
اآلية 1و5
أى أوحينا الى بنى اسرائيل فى التوراة فقلنا :وهللا (لتفسدن فى االرض مرتين) أوالهما مخالفة
أحكام التوراة وقتل أشعياء وقيل أرميا ،وثانيهما قتل زكريا ويحى ،وقصد قتل عيسى عليهم السالم
( ،ولتعلن علوا ً كبيراً) ولتستكبرون على طاعة هللا ،أو لتظلمن الناس وتستعلون عليهم علوا ً كبيرا ً
.
22ـ لعل هللا يحدث بعد هــــــــذا *** أمورا ً حيث أهل العلم حاروا
29ـ فإن النار للموصول نـــــور *** وإن النـــــور للمقطوع نــــار
136
28ـ ولى من سرها كشف الخبايا *** ودون الكل قد وضع الخمــار
14ـ ولى بالمستجار جـــوار عز *** فأنعم جيرة ولى الجـــــــــوار
أراد سيدي فخر الدين رضى هللا عنه تذكرة أحبابه حيث قال :قد وعدنا ،ووعدنا دائما هو وعد
الصدق ،البد أن يأتى يوم تتضح فيه حقيقة ما هو المقصود بالسر الساري ،المشار إليه عبر
األزمان السابقة من زمن سيدنا نوح عليه السالم الذي دعا إلي المعرفة به ،فكذبه قومه حيث
استمرت الدعوة أكثر من 854عاما ً ،وفى النهاية دعا ربه قائالً :رب ال تذر على األرض من
الكافرين ديارا ً ،ولم يؤمن منهم إال القليل ،فصدر إليه األمر اإللهي بصنع مركب سير (سفينة)
وحملهم فيها ومعهم من كل زوجين أثنين المخلوقات التي تعينه ومن معه علي استمرار الحياة ،ثم
أرسل الحق (صاحب الدعوة) أوامره إلي الماء فتفجر كأفواه ال ِق َرب من جميع مصادره فى السماوات
والبحار وغيرها ،فأغرق كل من اعترض وأنكر وخالف صاحب الدعوة ،وهو سيدنا نوح عليه
السالم الرقيقة المحمدية من خلفائه القبليين ولم ينجوا سوى المؤيدون للحق المؤمنين برسالته
وعن ذلك يقول سيدى فخر الدين :
سفين نجي هللا هل تذكرونني *** ألست وآلي منذ نشرت شارعك .
وأيضا ً يذكرهم بحديث ضيف إبراهيم المكرمين الذين أرسلهم الحق مبشرين ومنذرين بإخراج
المؤمنين الذين تزكت أرواحهم بالمعرفة بقدر صاحب الحقيقة ،سالمين من الهالك حتي ال يلحقهم
العذاب األليم الذي أهلك المنكرين المجرمين والمسرفين في إنكار المعرفة .
وحديث الضيف يشير الى الواردات والتجليات اإللهية المرسلة بسرعة البرق تبشر سيدنا ابراهيم
عليه السالم الرقيقة المحمدية من خلفائه القبليين ،بالغالم المتمثل في نتيجة هذه المعرفة من اليقين
الكبير .لوالدة هذا الغالم بالقدرة اإللهية للحكيم العليم .
وأيضا التذكرة بزمن سيدنا موسي وعاد ثمود ،ثم نوح والديار ،وبأن كل من لم يعصي نبيه ،سوف
ينجية الحق واتباعه من المؤمنين ،و ِلقَصْر العذاب علي أهل الغفلة والمنكرين لهذه الدعوة ،فال
يستطعون دفع الضر والعذاب األليم عن أنفسهم ألنهم كانوا قوما ً فاسقين ،أى خارجين عن الدائرة
،دائرة المعرفة وحقيقتها
ـ كما يقول لنا لعل هللا يحدث بعد المشار اليه بـ هذا الفتح القريب أمورا ً كثيرة يحار فيها أهل العلم
مثل جبر الكسير للهداة المهديين بهذا العلم ويعظم أجرهم ويدخلهم جنه عرفها لهم وهذا حقهم ألنهم
ليسوا من أهل الغفلة وال من المنكرين للحقيقة بعد معرفتها ونبذها وراء ظهورهم ،وهؤالء المؤمنين
يمنحهم الحق الزيادة فى المعرفة ويزدهم من عطائه الكامل ،بصفته الكامل المكمل لالكامل ،وينزل
السكينة عليهم فهم الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا وداوموا علي هذه المعرفة فتنزلت عليهم مالئكة
137
الرحمة من قبل الرحمن الرحيم فترحمهم وهذه بعض رحمته والتى تجعلهم من المصطفين واألخيار
الذي أخلصهم بخالصة ذكر الدار .
وأرسل إليهم نوره لوصلهم بوصلته حتي يصيروا فى أمانه رضي هللا عنه اذا قال :
فمن وصلناه موصول وال جدل *** وفي أماني ومن آذاه يؤذينـي 72/ 2
ومن قطعناه ال قوس وال وتـــر *** له علينا وليس الشين كالسين 72/29
أى من تم وصله ال شك يكون موصول ويعيش آمنا ً وال يستطيع أحد إيذائه ألن معه ما يعينه من
قوس ووتر فهم من أسباب نفى الجهل بالمعرفة بحقيقة صاحب السر الساري ،وضد الغفلة ألن
الغافلين هم المقطوعين الذين يتخبطون في ظالم الجهل والغفلة ،حيث ال يتوفر لهم أسباب المعرفة
من قوس ووتر يدفعون بهم الجهل عن أنفسهم .
ثم يقول أيضا إنني عندي أسرار هذه الحقيقة وأتيت إليكم بخفاياها التي ال يدركها سوي أهل الحقائق
الذين هم أهل محبتي ،الذين أكشف لهم فقط عن المعانى المراد كشفها والتى أغطشها على غيرهم
،فهذه الحقيقة التى اتحدث إليكم بها عن جاري العزيز ،ألعطي ما أشاء ولي الخيار في اختيار من
يستحق ومن لم يستحق .
12ـ وما نال الرجـال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار
11ـ ويوم يطيب لي إفشــاء سري *** ليــــــــــوم فيه عطلت العشار
17ـ وعلم يجتني من بعض علمي *** لعلم منه سجرت البحـــــــــار
11ـ وبالتسبيح تسبـح كــــل روح *** أللفي حقبة طال انتظـــــــــار
ـ وما نال الرجال قرى وفخرا ً ،من هم الرجال ؟ هم السائرون فى طريق الوصول الذين يقول عنهم
سيدى فخر الدين :
أما الرجال الذين عنيت من ذكروا وذكرهم غاية ،وما نال الرجال قرى وفخرا ً ،من مخصوصات
علمى ،إال بوصلتى لهم ألنهم يلتفون حول معصمى (قبضة يدى التى اسقيهم بها) كالسوار ،
وينهلون منها وذلك فخر لى وفيه أفاخر .
ـ اليوم التي تعطل فيه العشار (يوم الحشر) وهو يوم قال عنه سيدى فخر الدين :
من كمال العطاء من فيض وهب *** أيهـا الناس جاءكم ابراهيم
138
فاسألوه النجـــــــاة من يوم حشر *** يــوم ال يسأل الحميم حميم
فالنبيون والمالئـــك جمعــــــــا ً *** أمهم جدنا الرؤوف الرحيم
يخاطب سيدى فخر الدين رضى هللا عنه الناس المجتمعون فى المحشر ،قائال أيها الناس فى مثل
هذا اليوم يكون العطاء فوق ما تتخيلون ،ألنه من فيض وهب المنعم المتفضل عليكم ،الذى آتتنى
البشارة بمجيئه وهو االمام والرمز فى كتاب هللا ،المشار اليه فى القصيدة ( )92ما كتاب هللا إال
جمعنا صاحب االسم الشريف (ابراهيم) فاسألوه النجاه من يوم الحشر الذى ال يسأل فيه الحميم حميم
،فهو جدنا الرؤوف الرحيم الذى سره مضمر فى طى سروتنا ،وهو الولى الخاتم متقدم الجماعة
يوم قيام الساعة (يوم الحشر) ،ثم يقول سيدى فخر الدين إنى (متواجد) حيث يتواجد مليك المحشر
المشار اليه فى القصيدة ( )12التى يقول فيها :
الوعد حق والمالئك عنده *** وهو المليك وكلهم أجناد 12 /1
وجاء فى القصيدة ( )52أنه فوق سماء فوق المأل األعلى لقوله :
إنى فوق سماء تعلــــــــــو *** فوق المأل األعلى فانظر 52 /2
هل تسمعنى ؟ هل تدركنى *** إنى حيث مليــك المحشر 52 /2
إنى حيث عطــاء المعطى *** قلب يذكر جمع يشكــــــر 52 /9
ويوم الحشر هو يوم (ال ريب فيه) يجمع الحق تعالى فيه الناس وهو الذى توضحة اآلية ( )8من
سورة آل عمران التى يقول فيها الحق (ربنا أنك جامع الناس ليوم ال ريب فيه) جامعهم للوصول اليه
وهو يوم اللقاء الذى يلتقى فيه األحبة ويقول عنه سيدى فخر الدين :
ويوم الجمع ميقات التناجى *** ولسنا للشهادة كاتمينا 52 /22
وذلك اليوم يوم إفشاء سرى الكتيم الذى من أجله أتت روايتى التى أقول عنها :
رويت عن المحبوب ما قد رأيته *** وسر أبى العينين متن روايتى 2 /22
ووصيت ابراهيم أنى إصطفيتـه *** وكل نجاة كتم ســــر النجيــــة 2 /182
إنه ســــــــر علومـى كلهــــــــا *** إنـــــه فيض هبــــات ال تعــــد 9 /29
وحظائر األقداس ملء حياضها *** نـــــور لغيب الليل سر لباســـه 8 /2
139
من رآنى لديه فـــــــــاز بسرى *** فى جنى جنتيه ســـر كتيـــم 21 /27
سر على كل العظـــــــــام وانه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه 28 /1
هو صاحب الذكر الرحيم وإنه *** سر التناجى ربـــــه ربــــــاه 28 /2
اعلموا أنى عندما كنت عند مليك المحشر حال إسرائى وفى موطن القاب والقوس من التدانى ،رأيت
ما قد روي ته عن المحبوب وكان سر أبى العينين هو متن روايتى هذه ،فقد بدأت كالمى المنظوم
بالقصيدة التائية التى بدأت بقولى :
أنا فى أنا إنى وإنى فى أنا *** رحقيقى مختوم بمسك الحقيقة
أى إنى الذى جئتكم بمسك الحقيقة من الـ (أنا) خاصة من هو سر التناجى ،التى تروى حقيقة سره
الذى صار سرا ً على كل العظام ،وكان أبى العينين وارد مائها ،لذا فهو من لديه متن هذه الحقيقة
التى صارت سرى من حبيبى ،وعليه يقال فصار السر سرى من حبيبى وسر السر من مولى الموالى
،وقد تركت وصية بذلك حيث قلت ووصيت ابراهيم أنى إصطفيته ،ولكن صارسرا ً مكتوما ً ليوم
معلوم ،ألنه سر علومى كلها وفيض هبات ال تعد ،وسره ملء حظائر االقداس ألنه سر مغيب
ملبوسه الليل ،ومن يريد رؤيتى يرانى لديه ،وبذلك يفوز بسرى الذى هو سر على كل العظام ،
فهو الجمال الطالع من غيب العمى ،وهو صاحب الذكر الرحيم وإنه سر التناجى ربه رباه ،وهو
رحمة واألمهات به إقتدت ،رب رحيم ربه سماه .
ـ ثم يقول رضى هللا عنه ويوم يطيب لى إفشاء سرى هذا ليوم فيه عطلت العشار ،أى أن أهل
المعرفة لم يصلوا الى ما قد وصلت اليه من معرفة عن تلك الحقيقة ،وسائل غيرى عنها مافتى .
وبداية المعرفة بها هو زمن سيدى ابراهيم الدسوقى أبو العينين رضى هللا عنه .وهو فى الحقيقة
زمني الذي طال انتظاره وفيه يفتح الفتاح فتوحاته ويكون إطالقها علي يدي ،ففي مثل هذا اليوم
يسمع ويرى الجميع مخصوصات علمى التى زودنى بها جدي ليرد طرف الخاسئين حسير ،فهذه
آيتى والحب يعشقها ويستقي منها أرباب حظوتنا .
ـ لعلم يجتنيه أرباب حظوتنا فهو علم منه سجرت البحار ،ألنى اعرف أقدار الرجال جميعهم أهل
المعرفة بالحقيقة ،ولكنهم ضلوا ابتداء مكانتى .
ـ وألن كالمى مشرب األرواح ،فال يُؤخذ إال بالسبح فى حياض الجبروت التى بفيض أنواره متدفقة
،وبتسبيح األرواح وبالتوحيد الذى هو مشربها تنتفع به القفار .
15ـ وما فُض الختام لنيل علمـــــى *** أللفى حقبة طال إنتظــــــار
141
-12فاغطاش المعاني محض حكم *** ألعطي ما أشا ولي الخيـار
-12تعالي هللا ألبسهــــــــــا رداءا ً *** ومن سر اللطيف لهـــا إزار
-19وماء ال يجـــــــود به سحاب *** وليل ال يجليــــــه النهــــــار
ـ يقول هنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أنه على علم ودراية بأقدار الرجال الموحدين أهل السير
والسلوك جميعهم ولكنهم يجهلون بداية مخصوصات علمه ،ومن يريد معرفة مخصوصات علمه ال
يستطيع أحتوائها إال بالقدر الذى يُسمح به ،ألن علمى عن الحقيقة ال يُحاط به ونيله ليس معناه
نهايته ،ومن يحاول الوصول الى غاية علمه ومعرفة كنهه لطال انتظاره وسيره أكثر من ألفين
حقبة ولن يبلغ مداه فهو رضى هللا عنه القائل :
أيها األحباب هاكم من كماالتى فتيا ،كل ما يدعى بعلم دون علم هللا غيا ً ،إن علمى فى األعالى كان
إسما ً أو سميا ً ،من علومى فى الفيافى يطلب الظمآن ريا ً ،طى ما أحبوه علم فيه يطوى الكل طيا ً .
ـ كما يقول :أن مفاتيح المعانى كلها بيدى ،حيث قلت المعانى فى عظيم بنائها ،وكل واحد يرى
قولى على مرآ ته هو ،فمن مشربى سقيت أحبتى فقط خمر المعانى التى حسنها فضاح ،لذلك
أغطش عندها ليل المعانى ،ألن إغطاش المعانى هو حكم محض ،ليكون لي الخيار في الذي أمده
بهذا العلم عندما يسألني ،وجاء في القصيدة ( )24قولى :
سلني أمدك يا بني بعلمنا *** إن شئت فاسألني عن اإليمان
فاإليمان هو العلم الثاني من مراتب الدين الممنوحة لسيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في رحلة
اإلسراء ،وهو العلم الذى أُمر بالخيار فيه ثم يتبع قوله :
سلني عن الدين القويم فإنني *** أدريه أو سلني عن البرهان
ـ فمن يريد معرفة صاحب الحقيقة السيد البرهاني فال يجد هذه المعرفة عند غيرى ،وحقيقة هذه
المعرفة هى انشقت وانفطرت عنها سماء عالم الغيب ،فتعالى اللطيف ألبسها رداءا ً وإزار باخفاءها
في (غيب األحدية) أحدية حضرة النبي صل هللا عليه وسلم ،وهي التي تمثل وحدة األمر عند تفجر
نورها من األحدية ( في الفجر وليال عشر ) فهي ليل ال يجليه النهار أى ال يستطيع النهار أن يظهره
،وماء ال يجود به سحاب أى وماء ال تقدر علي حمله السحب ولكني جئتكم به .
-18وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خوار
-74وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار
141
أى العلم الذي جئتكم به (كتاب) ينعت الخليفة الذى يقول عنه الحق تعالى :
( إذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة ) من اآلية رقم ( )74سورة البقرة ،فالخليفة
الذي ربه رباه ،هو اإلنسان الكامل الوارث حامل األمانه فى األرض وجامع النورين نور والية{خاتم
األ ولياء} الذى يخلف نور نبوة{خاتم األنبياء}حضرة النبى الذى له عينان (عين نبوة وعين والية)
عين سابقة وعين الحقة ،وجاء التوحيد فى قول الحق تعالى {أن إتبع ملة ابراهيم حنيفاً}فان الملة
اإلبراهيمية التى أمر المصطفى باتباعها ،هى الدعوة الى التوحيد ،وافراد المعبود بالعبادة ،ومعنى
أمر هللا لنبيه أن يتبع ملة ابراهيم طريقه .وهو أنه يدعو الناس الى توحيد هللا ،وأن يفردوه بالعبادة
وال يشركوا به شيئا ً .وهذا هو المعنى بحديث (االنبياء إخوة ،أبوهم واحد ،وأمهاتهم شتى) يعنى
أنهم يدعون الى شىء واحد ،وهو توحيد هللا ،فهو أصلهم الذى يرجعون اليه .كما أن األب أصل
للولد ،والولد يرجع اليه .والمراد باالمهات الشرائع .وشبهها باالمهات ألن األم تتفرع عنها الذرية
.كما أن الشريعة تتفرع عنها األحكام والفروع (( .تبرئة الذمة ص . ))74
ومعنى آخر :فى عظيم شأنه صلى هللا عليه وسلم أن النبى صلى هللا عليه وسلم هو واسطة هللا بينه
وبين عباده .والى هذا أشار عليه الصالة والسالم بقوله { :أنا من نور هللا والمؤمنون منى} .وقد
شهدت األنبياء والمرسلون صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ،قبل ظهوره .بأنه صاحب كماالتهم
فى ترقياتهم .وعلموا علو شأنه عليهم فى عظيم مكاناتهم .واستمد الجميع به فى ذواتهم ،والى
ذلك اإلشارة الى إمامته بهم فوق السماوات .فهو إمام األنبياء وقدوة األولياء .صورة ومعنى
صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم .واعلم أنه صلى هللا عليه وسلم ،لما تنزل من الحضرة األحدية
.الى الحضرة الواحدية .ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى .والصفات العليا .فتعشقت به الحضرة
الكمالية تعشق اإلسم بالمسمى ،والصفة بالموصوف .فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال
إليه .وال تدل بهويتها إال عليه .فلو تحقق أحد بكمال من تلك الكماالت المشار اليها .كان عطفا ً
عليه لديها .وتقدير هذا الكالم ،أنه لو تحقق مثالً ألف نبى أو ولى كامل بالحقيقة النورية ،حتى
صار كل منهم نورا ً مطلقا ً ،ثم أطلقت اسمه ((النور)) ،لم يقع هذا االسم إال عليه .ولم تسبق هذه
الصفة إال اليه صلى هللا عليه وسلم .ولهذا سماه هللا تعالى فى كتابه العزيز بالنور دون غيره .وسر
ذلك أن األنبياء انما تحققوا بهذه الصفة ،وهو صلى هللا عليه وسلم حقيقة هذه الصفة وكم بين
حقيقة الشىء الى من تحقق به .فافهم .
وتحت هذه المسأله فائدة جليلة لو فتح هللا عليك بمعرفتها ،ثم انه صلى هللا عليه وسلم أول ما تنزل
من حضرة الواحدية ،الى حضرة اإللوهية ،تلقته منها الحضرة العلمية .فتشكل بصورة تلك الحضرة
العلمية ،ولهذا لما تنزل الى الوجود الكونى ،كان هو صلى هللا عليه وسلم صورة القلم المسمى
((بالعقل األول)) .
142
ولهذا ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (أول ما خلق هللا العقل) .و(أول ما خلق هللا القلم) .
وورد عنه صلى هللا عليه وسلم فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول ما خلق هللا روح نبيك يا
جابر) .فعلم بذلك اتحاد هذه المعانى الثالثة .فكان صلى هللا عليه وسلم أول موجود خلقه هللا تعالى
بال واسطة .وهذه الروح المحمدية المسماة بالعقل األول هى مظهر الذات فى الوجود ،فافهم .
ثم خلق هللا تعالى بواسطة الروح المحمدية المسماة (بالعقل األول) ،عقالً كليا ً ،وهو مظهر الصفات
.سماه (بالعرش) .وهو الذى تسميه الحكماء (بالعقل الثانى) .وهذ العقل الكلى هو حقيقة روح كل
نبى وولى كامل (( .تبرئة الذمة ص 14و. )) 12
ويستنتج من ذلك :أن توحيد رب :هو توحيد ربوبية نور بصفته صلى هللا عليه وسلم عندما أطلق
إسم (النور) لم يقع هذا االسم إال عليه .وهو القائل :أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى
،ونور صاحب الحقيقة أوال (نور النبى) المشار اليه فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول شىء
خلقه هللا نور نبيك ياجابر) لذا يتضح حقيقة الجمع بين النورين .نور هللا ونور النبى الخليفة .وجاء
قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخليفة :
هو صاحب الذكر الرحيــم وإنه *** سر التناجي ربه رباه 28/2
هو رحمـة واألمهات به اقتـدت *** رب رحيم ربه سمــاه 28/21
هذا هو كالم ال يعرفه إال الموصولين الذين نور هللا بصائرهم ،وقول القاطعين هو الخوار الذى
يشبه خوار عجل السامرى
وعليه يقول سيدى فخر الدين :
فيامريدي هو التوحيد مشربنا *** وغاية في صدور ربها قبل 81/12
-وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار
أي أن صفة حقيقة ماء الغيب الذى تفجرت لنا به سماء عالم الغيب ،هى حقيقة مثل ما السماء لها
انفطار ،فكم بين حقيقة الشىء الى من تحقق به .
وأشارت الى هذا المعنى سورة االنفطار بقول الحق تبارك وتعالي (إذا السماء انفطرت ،وإذا
الكواكب انتثرت ،وإذا البحار فجرت) أي إذا سماء المعاني الخاصة بهذه الحقيقة انفطرت أي تشققت
وظهرت من أصداف المعاني حقيقته ،الياقوتة الحمراء عندما خرجت من صدفها األزفر وعند طلوع
شمس العيان دره بيضاء ،وهذا االنفطار هو انفجار بحر األحدية عن هذه الحقيقة :الياقوتة – ثم
الوحدة الكونية للذات المحمدية اللطيفة األحدية التي عاينها سيدى إبراهيم الدسوقي وصلى عليها
143
سيدي عبد السالم بن بشيش بمدد من سيدى ابراهيم الدسوقى الصالة المعروفة (اللهم صل علي من
منه انشقت األسرار) وعند النهاية يظهر قدر البداية والبدايات فيها مجال النهايات .
وبذلك يكون ماء الغيب الذى يقول عنه سيدي فخر الدين هو (دائرة الكنزية) وتفصيلها كالتالى :
ـ الحقيقة اآلحدية :ليس فيها مطمع لبشر وما ممكن الوصول إليها
( أنظروها واحذروها أن تمورا ) .
ـ وحدة عالم األمر :وهى الواحدية التى تفجر منها النور .
ـ وحدة الدرة البيضاء :مجتمع الصف األول الذى فيه إجتماع أرواح الصف األول .
ـ وحدة الكون :التقاء األرواح باألشباح (أرواح +أشباح) فإذا إرتقت عادت الى كنزيتها .
من مجموعة علموا عنى الدرس الثالث ص . 87
{وهذا هو حديث المرسالت بصدق وعدى ،فبأى حديث بعده تؤمنون}
144
القصيدة ((71
ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونهـــا
فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها
145
بسم هللا الرحمن الرحيم
11يولية 2891م عدد أبياتها ()71 األحد 17شوال 2141هـ
ـ مناسبتها الى ما قبلها فى معنى قوله رضى هللا عنه فى البيت (: )74
وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها إنفطار
أي أن صفة حقيقة ماء الغيب الذى تفجرت لنا به سماء عالم الغيب ،هى حقيقة مثل ما أن السماء
لها انفطار ،فكم بين حقيقة الشىء الى من تحقق به .
وأشارت الى هذا المعنى سورة االنفطار بقول الحق تبارك وتعالي (إذا السماء انفطرت ،وإذا
الكواكب انتثرت ،وإذا البحار فجرت) أي إذا سماء المعاني الخاصة بهذه الحقيقة انفطرت أي
تشققت وظهرت من أصداف المعاني حقيقته ،الياقوتة الحمراء عندما خرجت من صدفها األزفر
وعند طلوع شمس العيان دره بيضاء ،وهذا االنفطار هو انفجار بحر األحدية عن هذه الحقيقة :
الياقوتة – ثم الوحدة الكونية للذات المحمدية اللطيفة األحدية التي عاينها سيدى إبراهيم الدسوقي
وصلى عليها سيدي عبد السالم بن بشيش بمدد من سيدى ابراهيم الدسوقى الصالة المعروفة
(اللهم صل علي من منه انشقت األسرار) وعند النهاية يظهر قدر البداية والبدايات فيها مجال
النهايات .
وبذلك يكون ماء الغيب الذى يقول عنه سيدي فخر الدين هو (دائرة الكنزية) وتفصيلها كالتالى :
ـ الحقيقة اآلحدية :ليس فيها مطمع لبشر وما ممكن الوصول إليها
ـ وحدة عالم األمر :وهى الواحدية التى تفجر منها النور .
ـ وحدة الدرة البيضاء :مجتمع الصف األول الذى فيه إجتماع أرواح الصف األول .
ـ وحدة الكون :التقاء األرواح باألشباح (أرواح +أشباح) فإذا إرتقت عادت الى كنزيتها .
146
من مجموعة علموا عنى الدرس الثالث ص . 87
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول منها :
حيث أشار سيدى فخر الدين بأداة اإلشارة (ذلك) للبعيد وأن القول المشار اليه يحتوى على السر
الذى من أجله أمليت قصائد ديوان شراب الوصل الذى (تم تفصيل مجمله) على مدى ثالثة أعوام
وأربعة أشهر وتسعة أيام حيث بدأ قوله رضى هللا عنه:
ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونها
وفى القصيدة ( )81قد أشار رضى هللا عنه الى تفصيل ذلك القول بأداة اإلشارة :
وذلك القول قد فصلت مجمله *** وقاية من فتون أورثت جدال ً 81 /25
مفرقات نلقيهـــــــــــــا أحبتنا *** ليأمنوا جهل خواض إذا جهل 81 /22
فذلك القول جاء سابقا ً فى القصيدة ()71التى جاء ذلك القول فيها :
ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونها
ففى القصيدة ( ) 81جاء البيان والتفصيل عن حقيقة السر الذى من أجله أمليت وأشارت الى بيانه
القصيدة النونية بالقول :
فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن
سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن
وخصوصا ً فى البيتان التاليان منها :
25ـ وذلك القول قد فصلت مجمله *** وقاية من فتـــون أورثت جدال ً
22ـ مفرقات نلقيهـــــــــــــا أحبتنا *** ليأمنوا جهل خواض إذا جهل
وقد أشار سيدى فخر الدين الى القول الذى يحتوى على سرها والذى يقول عنه (قد فصلت مجمله)
:
فذلك القول الذى قلناه سابقا ً ،جاء فى القصيدة(:)71
147
ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونهـــا
فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها
يقلب فيها طرفــــــــــــه ثم قلبه *** لينسج منهــــــــــا حلة ترتدونها
حتى قوله رضى هللا عنه :
كتاب كريم جدها من أب لها *** وموئلها من بطنه تشرحونها 71 /24
وهنا يقول سيدى فخر الدين (وذلك القول قد فصلت مجمله وقاية من فتون أورثت جدالً) فقد أشرت
من خالل ديوان شراب الوصل ،بالكلمات التى تحمل معانى ماأقول عن الذى أرمى الى معناه أو
إثباته ،فى مواضع متفرقة لنُلقيها أحبتنا حيث يقول رضى هللا عنه :
وأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينـــة 2 /171
بقر الغيوب وكشف مكنوناتهـــــا *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان 1 /71
ولى من سرها كشف الخبايـــــــا *** ودون الكل قد وضع الخمــــار 72 /28
القـــــــول:
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه وأكشف لألحباب عن علمى المنظوم المدون فى ديوان شراب
الوصل
وهو الذى جواهره فى كل صدر كمينة ،أى (أول من تصدر إلستقبال هذا العلم) وهؤالء هم من
آمنتهم على ما حواه هذا الديوان من أسرار ،فمن شأنى بقرالغيوب وكشف مكنوناتها حيث أن شأنى
ط َرقَ سماوات الغيوب (التى لى فيها مناقب) وكشف المكنون من علومها ووصفها هو شأن كل مؤيد َ ،
الذى ال يستطيع أحد أن يأتى بمثله وحاشا الوصف بالنسيان (ووصفى تذكرة ألولى األلباب فال يستحق
النسيان) .ولى من سرها كشف الخبايا لألحباب إلدراك المعنى المراد ،حيث قلت (اليكم يا أحبائى
خفايا عن اإلدراك) وهذه الخفايا هى األبيات التى أتيت بها من خالل الديوان على منوال نسيج آيات
القرآن ،وقد جاء قولى عنها :
هى األبيــــات آيــــــات ولكن *** تبدل عندهـــــا ألف بباهــــــا 18 /7
فتعطى ما يجـــــــود به كريم *** وقد نال الشفاعة من أتاهــــــا 18 /1
فال هى عاقر ال خير فيهـــــا *** وال هى ميتة يرجى رثاهــــــا 18 /5
148
ولكن هن مخصوصات علمى *** وذو االحسان يرجوهن جاها 18 /2
فأغطش عندها ليل المعانـــى *** وأخرج علمها كتما ً ضحاهــا 18 /2
وكل مغيب ال بـد يفشــــــــى *** ولكن ما لها صبح محاهــــــا 18 /9
ودون الكل قد وضع الخمار ،أى وضعت عليها أستار الغيب حتى تنهلوا وتقلبوا قلوبكم فيها
إلستخراج معانيها .وقلت فى القصيدة(:)27
الى أجل عندى تكون عطيتى *** بطى خدور المانعات حفيظة
فما لوداع ذا وليس الى قلـــى *** وما لى صد بل أود رقيقــــة
وذلك فى يوم 2895/21/1وإستمر ذلك األجل ( 29يوماً) حتى يوم 2892/1/22القصيدة ()21
التى إستأنف القول فيها :
وبع ُد ،فإن أبنائى جميعــــــــــــا ً *** جميعا ً آمنين وفى جنابــــــــــى 21 /2
وإن هللا يعل ُم أن قولــــــــــــــــى *** برىء ال يبشر بالخـــــــــــراب 21 /1
بطى المانعات وذا صوابــــــــى 21 /7
ً فلما كان قولـى ،إن قولـــــــــى ***
ظننتم أن ذاك القــــــــول يعنـى *** ختام القــــــــــول فى آى الكتاب 21 /1
فبدأ القول بكلمة وبع ُد ،يشير الى قبل ،وهو األجل األول المعنون به القصيدة ( )27وإستأنف رضى
هللا عنه بقوله :بحرف التوكيد فإن أبنائى جميعا جميعا ً آمنين من أى عقاب وهم فى جنابى ،ثم يؤكد
أيضا بأن هللا سبحانه وتعالى يعلم ما أقول ،فقولى برىء من أى عقاب يؤدى الى خراب الطريقة ،
ثم يوضح أن قوله عندما وضعه بطى خدورالمانعات حفيظة ،فإن هذا القرار جاء فيه الخير والصواب
،حيث ظننتم أن ذاك القول يعنى الختام أى الوقف التام للقصائد ،فالحجر وال لوم على باغى األكتساب
منها ،وقلت تدارسوا فالخير جم وبيت هللا يسع كل المتدارسين ،فلم تتدارسوا ولكن جعلتم من
المنظوم بعضا ً كالسباب ،
فأين تدارس األحباب قولــــــى *** وأين السعى فى كشف النقــــاب 21 /9
فإن الظن يحبط كل فعــــــــــل *** فخلوا ما زعمتم من ســـــــراب 21 /8
أى أين التدارس والسعى للحصول على المعانى المطلوبة ؟ ثم أشار الى ماحدث من (فعل) باطل
يجب التخلى عنه (وهو إنكار الحقيقة التى أتى من أجلها الديوان) وهى أن موالنا كمال الدين الشيخ
149
ابراهيم هو المشار اليه فى القصيدة النونية بقوله (سبحان من خلق الحقيقة أوال ً نور النبى) ومعنى
{الحقيقة أوال ً (نور النبى) أن الحقيقة أوال ً هى أوليه النور (حيث هو أول األشياء فى أزل اآلزال)
الذى هو نور هللا المتجلى على (خاتم األنبياء) حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم ونور هللا (نور
مضاف الى هللا) إضافة تكريم ،ونور النبى هو نورتجلى حضرة النبى على (خاتم االولياء) فهو نور
النبى يعنى (نور مضاف الى النبى) إضافة تكريم} ومما يثبت ذلك الحديث المروى عن سيدنا جابر
االنصارى الذى يقول فيه سيدنا جابر أخبرنى يا رسول هللا عن أول شىء خلقه هللا تعالى قبل األشياء
،قال صلى هللا عليه وسلم {يا جابر ان هللا تعالى خلق قبل األشياء نور نبيك من نوره } وقوله صلى
هللا عليه وسلم {أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى} فالعالقة بين الحديثين تثبت قولنا
حيث أن جاء فى الحديث األول نور نبيك من نوره يعنى نور نبيك من نور هللا ،نور مضاف الى هللا
،وجاء فى الحديث الثانى ما يؤكد كالمنا حيث قال (أنا من نور هللا) ونور المؤمنون من رشحات
نور النبى وليست من نور هللا المباشر حيث أن نور هللا المباشر تجلى على حضرة النبى ،وحضرة
النبى تجلى على نوره ،والمؤمنون من رشحات نوره فيكون نور المؤمنون من رشحات خاتم األولياء
المشار اليه بنور النبى معلم القرآن ومن إشاراته القدوس والرحمن الذى علم القرآن بعدها خلق
اإلنسان الذى علمه البيان والتفصيل لكل ما أجمل فى القرآن .
والقصيدة ( )21هى أول القصائد الثالثة التى تم إخفاؤها ظنا ً بأنها ال تكشف ،وإذا بسيدى فخر
الدين يكشف المستور ويفضح المنكرين والموثقين بقوله فى القصيدة (:)29
تفصيل ما أجملته فى أربع *** ال تحنث األيمان إذ عقدتها 29 /2
151
فتدارسوها ال قراءة عــــا/بـر *** مستعبر فيها يفند قولهــــــــا
وتجمعوا وبال عنـاد كلمـــــ/ا *** غمت معانيها ألعطى حلهـــا
دين الى أجـل مسمى بيننــــ/ا *** بشهادة الراوى ليكتب عقدهـا
ال يأب ذاك ولن يضـارألنـ/ه *** شرعا ً وإياكم يرانا .وانتهـى
م ـ ي ـ بر ـ ا ـ ا ـ هـ (هذه الحروف السبعة فى حالة ترتيبها تعطينا)اإلسم ابراهيم
وجاء األجل الثانى الذى ليس له ثالث فى كلمة (دين الى أجل مسمى بيننا) وإستمر ذلك األجل
(144يوم) بداية من يوم 2892/7/11حتى يوم 2892/24/22وفى هذا اليوم جاءت القصيدة
( )28توضح الحقيقة المراد إثباتها وهى أن المشار اليه فى القصيدة النونية التى تقول (سبحان من
خلق الحقيقة أوال ً نور النبى) هو صاحب االسم الشريف (ابراهيم) الولى الذى بلغ ختم الوالية الوارث
لخاتم األنبياء واليكم إثبات ذلك فى القصيدة:
نذيرا ً قد جعلنا قبل هــــــذ/ا *** ولكن عن كالمى تصرفون
فسلم يا بنى وال تكــــــــا/بر *** وإن الموثقين لكاذبـــــــون
أراهم كلما خلصوا نجيـــــ/ا ً *** وإنى مظهر ما يكتمـــــون
ألن اإلفك قد درجوا عليـ/هـ *** وإنى مبطل ما يأفكــــــون
ويظلم بعضهم أبناء عهد/ى *** وإنى ناصر من يُظلمـــون
فيا أبناء عهدى إن سألتـــ/م *** سلونى ليتكم لو تسألـــــون
وجاءت هذه القصيدة بإثبات تلك الحقيقة من خالل ترتيب االسم الشريف خاتم األولياء موالى كمــال
الدين {اـ برـ ا ـ هـ ـ يـ م}
القصيدة (: )71
يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه :
2ـ ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليهـــا أن تلى من يلونها
1ـ فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها
7ـ يقلب فيهــــــــــــا طرفه ثم قلبه *** لينسج منهــــا حلة ترتدونهــــــا
151
1ـ يغوص ويرجو وجهنـا ولها ً بنا *** فيخرج منهـــا حلية تلبسونهـــــا
5ـ ومحض عطائى نعمة بعد نعمة *** وقمت عليهـا علكم تشكرونهــــا
2ـ وحيث علمتــم فقهها فهى حجة *** وحيث جهلتم عورة تسترونهــــا
الشرح والتفصيل :
القول :القول اللين يغلب الحق البين .
القول :هو الكالم أو المعتقد .
والقول هنا هو كالمى المشار اليه فى ديوان شراب الوصل :
هذا كالمى قديــــــم يسبق الزمـــن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا ً 75 /2
كالمى مربــوط بإطالق فضل من *** يشـــــاء إذا شئنا ونحظى بعطفه 22 /2
يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه من بداية الديوان عن السر الذى هو سر على كل العظام :
المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتــــــدا
وحتى القصيدة الثامنة والعشرون التى يقول فيها :
فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرى يسرينا
وكفه من عطـــــــاء هللا يمنحنـــــا *** ومن تدانيــــه يطعمنــا ويسقينا
وبعدها قال رضى هللا عنه فى القصيدة التاسعة والعشرون :
إليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها
ولكن تركها ال خير منه *** وال ضُر لمن يبغى رباهــــا
هى اآلبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا
ثم جاء فى القصيدة الثالثون بقوله الذى عال فوق فهوم الجميع :
يطيب ألهل فضلى ذكر قولى *** ولو جهلوا المراد األولى
عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر السـوى
152
فأول قبلــــــــــة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلــــى
كما جاء قوله رضى هللا عنه فى القصيدة الحادية والثالثون :
حديث المرسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عُشار
وبداية هذه القصيدة جاء قوله فيها ختاما ً لما مضى من حديث حول هذا السر المصون والجوهر
المكنون بدأت القول بوصف آيتى (قصائدى) وهى التى أصبح دين عليها أن تلى كل من يلونها أى
تتعهدهم بالرعاية وأن تشملهم بكشف المستور من معانيها من خالل كلماتها المستخرجة من األوانى
،بحيث من هو فى شوق الى كشف المستور من تلك المعانى فيلزمه أن يَ ِجد ويهجر النوم ويسهر
الليالى ويقطعها بحثا ً للوصول للمعرفة التى تؤهله إلجتناء سرها من بطونها أى من داخل أوانيها
التى تحمل أسرارها ،ثم يوضح موالنا رضى هللا عنه كيفية البحث والتنقيب للحصول على المعانى
المراد إثباتها ،بقوله :
يقلب فيها طرفه ويدقق النظر بعينى رأسه ثم بعينى قلبه ،ويكون باداركه المعانى قد يستطيع أن
معان تجل
ٍ ينسج منها حلة يرتديها إخوانه ،وبهذه الحلة يستطيع إخوانه أن يدركوا ما أدركه هو من
عن الحذاق مكنون سرها ،ثم يغوص فى بحر علومنا إلستخراج المعانى راجيا وجهنا و ِلها ً بنا ومتيم
بغرامنا ،فينال عطفنا عليه فيستخرج المبطون من المعانى ويصيغ منها حلية تجعل إخوانه يلبسونها
ويتزينوا بها ،ويحصل على محض عطائى الذى يناله كل من يرجوا وجهنا ولها ً بنا ،ومحض
عطائى يقدم له نعمة بعد أخرى ،وهذا هو الذى جعلنى قائم عليها ألمدكم بها علكم تشكرونها .
وحيث علمتم فقهها فهى حجة ،أى فهمكم لعلمها واستنباط معانى مدلوالتها يجعلها عليكم حجة ،
وحين جهلكم بمعانيها وعدم فهمكم لها يجعلكم فى حال عجز وعدم قدره على استنباط المستخرج
من معانيها المراد إثباتها ،فيكون ذلك مثل العورة التى يجب سترها .
2ـ وليس غريبا ً أن يكون لعلمنــــــا *** تربص قوم آية يكفرونهــــــا
9ـ وليس مساغا ً من لدن أهل منتى *** تحولهم عن مائها من عيونها
ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هاذان البيتان (وليس غريبا ً ـ وليس مساغاً) أى من
الطبيعى أن يكون لعلمنا الوهبى (اللدنى) ومن يتربص به منكره ،ألنه من علوم الكتم وال يستطيع
أحد من هؤالء القوم إدراك معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ،لحجبنا عنه تلك
المعانى فليس هنا ك شىء من الغرابة أن يكن لعلمنا هذا قوم متربصون ومنكرون وتلك هى آية
كفرهم ،وليس من الطبيعى أن يكون أهل منتى (األحباب الذين أكشف لهم عن جواهر علمنا التى
هى بكل صدر كمينة) مساغا ً منهم تحولهم عن مائها المستخرج من عيونها الآلئى يشربون بها .
153
8ـ كتاب كريم جدهـــــا من أب لها *** وموئلها من بطنه تشرحونها
وفى هذا البيت يقول أن معانى هذه القصائد أصلها كتاب كريم جدها من أب لها ،ويقول فى موضع
آخر:
األصل عندى سنة من سنة *** هو ذا لسانى قد أفاد وأخبر 71 /24
األصل عندى الكتاب الكريم (القرآن الكريم) جدها ،وهذا القرآن مأخوذ منه سنةٌ وهى سنة حضرة
النبى صلى هللا عليه وسلم ،وسنتى التى جدها من أب لها األصل (القرآن) مأخوذة من سنة حضرة
النبى عليه الصالة والسالم ،لذا قال موالنا رضى هللا عنه وموئلها أى بيان الشرح والتفصيل
تستخرجونه من بطون القرآن التى تصل الى سبعة بطون .
24ـ وحيث جنيتم من ذرى رفدها قرى *** فذاك عطائى ُرقيـــــة تشربونهــا
22ـ جعلت عليها ما يكون على القنــــا *** أشائرهـــا فى طيهـــا تعلمونهــــا
21ـ فكل سهيد عندهـــــــا طاب وقتــه *** وفى كنفى من بات يرعى شئونها
وهنا يقول سيدى فخر الدين أن حقيقة علومى عالية كالنخلة التى طلعها نضيد ورزق للعباد وتأتى
بصنوف الثمار ذات األلوان المختلفة التى أُمدكم بثمارها التى نجتنيها من ذرى رفدها لنقريكم بها
(رقية) يكون فيهافتطعمون وتشربون شرابى هنيئا ً مريئا ً ،فذاك عطائى الذى تحصلون عليه ُ
شفاءكم ،
جعلت أشائر منكم يقومون عليها لحفظها واإلهتمام بها مثل ما يفعله الزارع الذين يصنعون مجارى
المياة التى تحفظ الماء لإلنتفاع به فى الزراعة .
فكل سهيد ،أى مريض لم يستطيع النوم وقت الليل من شدة األرق فيطيب وقته عندها ،ويصبح فى
كنفى ويحظى بجوارى من بات ليله يقظا ً يرعى شئونها ويبحث عن كل مغيب من معانيها العالية .
27ـ وسوف ترون النور يشرق معلنا *** ألعظم وصل لو وقيتم فتونهـا
21ـ إذا لقيت صرعى لنيل عطائهـــا *** لطاف عليهم طائف من فنونها
ويقول ألرباب حظوتها عليكم بالبحث والدراسة إلستخراج المعانى وسوف (قريبا) ترون نور المعانى
يشرق خروجه من داخل األوانى ليُ ْعلن عن عظمة وعلو قدر ومنزلة صاحب السر المراد إثباته ،
عند تمام الوصل باألصل الذى هو غاية الوصل الذى يتم بحسن القصد لو وقيتم فتونها ،فإذا لقيت
صرعى وعشاقا ً يذوبون ويصلون الليل بالنهار بحثا ً وراء إستخراج المعنى المراد ،فترسل لهم
154
طائف من فنونها فينال كل منهم حظه من األسرار المستخرجة من بطونها ،أى ممن سبقوا ونالوا
حظهم من علومها الباطنية .
25ـ لسوف يكون اإلحتكام لعدلها *** وحجتها لو علمتكم سنونهــــــا
22ـ فليس حديثا ً محدثا ً منه جئتها *** وما خلقت بل جددتها قرونهــا
ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه لسوف يكون اإلحتكام لعدلها ،فى حالة حصول كل من
العشاق على حظه منها ،ستجدون عطيتها مقسمة قسمة بالسوية لشدة عدالتها وحجتها ،فلو
علمتكم سنونها أى سننها التى فيها مفاتيح استخراج معانيها التى تصيركم حجة لها .
وقولى الذى جاءكم عنها هو حديث قديم يسبق الزمن جئنا به من أزل األزل ،فهو ليس حديث محدث
،أى ليس وليد اللحظة ،بل هو من العلوم القديمة التى ال تبلى بمرور الزمن ،ولكن تجدده القرون
واألزمان التى تأتى عليه .
22ـ وسوف يكون اإلنفراج بفضلهـا *** فإن قلوبا ً ُك ٍب َلتْ فى سجونها
ثم يتبع سيدى فخر الدين حديثه مؤكدا ً أن أصحاب القلوب التى كبلت وحبست نفسها فى سجونها
للحصول على المعانى المرادة ،سوف يكون اإلنفراج لها بفضل معرفة تلك المعانى المستخرجة من
أوانيها .
29ـ وأهل زمان سوف يأتون بعدكم *** تكون لديهم كعبة يقصدونها
28ـ وأهل سقام َم ْن لهم من عطائنا *** تكون لديهم شافيا ً ينشدونهــا
وسوف يأتى بعدكم أهل زمان تكون تلك القصائد لديهم كعبة يقصدونها للوصول الى المعرفة .
وأهل سقام أى الثماال من الذين نالوا عطائنا ،فكشف عبارات معانيها يكون فيه الدواء الذى يشفى
قلوبهم من العنت األدنى الذى ال يأتى إال باالشارة ،وهذا هو الشفاء الذى ينشدونه فيها .
14ـ وأهل كالم ما لهم فى الهوى هوى *** تكون لديهم مرجعا ً يرقمونها
12ـ وأهل شقـــاء ما لهم طاقة بهــــــا *** تكون عليهــــم تِ ًرة يمقتونهــا
كما يقول رضى هللا عنه أن علماء الكالم والوعاظ ممن ليس لهم فى الهوى هوى ،تكون لديهم
المرجع والسند الصحيح الذى يجدونه عندها .أما قوله عن األشقياء وهم أهل الشقاء وهم من ليس
لهم طاقة للحصول على المعرفة بها ،تكون عليهم ترة يمقتونها .
155
11ـ وأهل غـــــرام بالوصال وعزنــا *** تكون اليهم سلما ً يرتقونهـــا
17ـ وأهل إياب أدركوا من فواتهــــم *** تكون لديهم مغنما ً يَ ْرب ُحونها
11ـ وحيث ركبتم من ركوب لظعنكـم *** الى هللا منها همة تمتطونهــا
أما أهل السعادة الذين هم أهل غرام بالوصال الذى ال يتأتى اال بعزنا ،فتكون هى السلم الذى يرتقونه
للوصال الى ما يسعدهم بالحصول على ما يرجونه منها .
ومن الناس من تأخر فى معرفة قدرها سواء باالنكار أو بعدم ادراك معانيها التى تجل على الحذاق ،
فإذا عادوا نادمين وأدركوا من فواتهم وصاروا أهل إياب ،فإنها تكون لديهم المغنم الذى يربحونه .
ثم يقول سيدى فخر الدين للقصاد من أهل وصلها أنكم حيث ركبتم من ركوب لظعنكم متجهين الى
هللا فإن همتكم التى تمتطونها حال سيركم إنها فى األصل همتها .
15ـ فأنسخ آيـــــــــا ً ثم أُثبت آيــــة *** وعهدى فيكم خانه من يخونها
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بما أن اآليات أبيات ولكن تبدل عندها ألف بباها ،فقد أُعطينا
من اآليات علما بآيات الكتاب الناسخات ،فقد جاء قوله فى هذا البيت إذا كان ذلك شأنى فقط أنسخ
آيا ً ثم أثبت آية أخرى ،وكذلك عهدى فيكم خانه من يخونها .
12ـ وإن لقيت ظمأى سقتهم بريها *** عطيتها من رشفة يرشفونهـــا
ثم يتبع قوله عنها بالعبارة (وإن لقيت ظمأى) عطاشا فقد سقتهم بريها وشرابها العذب الذى يومه
األنبياء ،وعطائها لهم يكون من خالل رشفة يرشفونها من الرحيق الذى هو ملء حانته وجاءت
األشارة اليه فى الديوان :
وأول رشفــــة منهـــــــا هنيئا ً *** لــدى الضعفاء والمستضعفين 52 /21
ورشفة من رحيق ملء حانته *** بها غدا الفرد ميذاب العطيات 22 /29
وهنا يقول رضى هللا عنه أن الضعفاء والمستضعفين من المريدين يهنأون ويستبشرون بهذا العطاء
عند أول رشفة من رحيقها المختوم بمسك الحقيقة الممتلء به حانته والذى به يصبح الفرد ميذاب
العطيات .
12ـ فتلك أحباء السالمة فى اللقــا *** نفائس در عتقت من يصونهـا؟
19ـ مالئكة العليا يزفون قاصدى *** وحول مقامى راية ينشرونهـــا
156
ثم يوضح أن الظمأى الذين سقتهم شرابها حتى إرتوا بريها فصاروا سالمين غانمين بشرابها ،
ويشير الشيخ اليهم بقوله رضى هللا عنه (فتلك أحباء السالمة فى اللقا) ويقول أنهم (نفائس در
عتقت) من يصونها ؟ وهنا يتساءل موالنا قائالً من يصون نفائس الدر التى عتقت ،واإلجابة ال
يستطيع أحد أن يصون نفائس الدر التى عتقت سوى راعيها ومربيها وهو القائل :
وحق لهم هذا ألنى عندهم *** خفى مقام والخفاء وقايتى 2 /791
ولو شئنا لما جئنـا بكشف *** عن المكنون من سر خفى 74 /9
كما يقول عنهم وعن أمثالهم من القاصدين للبيت الذى فيه قبلة قصادى وبيت العقائد فهو بيتى
ومعبدى ومعدن فضلى وابن أم المعابد ،وأن مالئكة العليا يزفون قاصدى حيث مقامى الذى أورثته
سر عليه لثامى والذى نشرت حوله راية أبو العينين وهو المجتبى حتى يقوم مقامى ،والذى به يلوذ
المحتمى والرامى ،وهو التى أشارت اليه القصيدة الرجية :
وله معان جل وصف غراسها *** ومناقب جلت عن األفهام
18ـ وحيث أقيم اليوم فى أرضكم أرى *** تصورها فى زخرف تنقشونها
74ـ فهال نقشتم بعضهـــا بقلوبكــــــــم *** وهال شكرتم عندما تذكرونهــا
ويذكرنا بقوله فى القصيدة (:)28
ومن تهيأ قلبا ً كنت أعمره *** إذا نزلت ببيت يعمر البيت
إن لى مقام به األرواح زكيت وهو القلب الذى إذا تهيأ (كنت أعمره) حيث صارإذا نزلت به صار بيتا ً
عامرا ً من أجل ذلك خاطب أصحاب هذه القلوب بقوله رضى هللا عنه (وحيث أقيم اليوم فى أرضكم)
أى أرض أجسادكم أرى وأشاهد كلمات القصائد تنقشونها فى صور زخرفية وتضعونها على الجدران
،وليس هذا هو المطلوب منكم ،حيث تساءل قائالً (فهال نقشتم بعضها بقلوبكم ) كما يقول وهال
شكرتم هذه النعمة التى أنعمت عليكم بها عندما تذكرونها .
72ـ إذا وعدت كان الوفــاء نصيبها *** وعاد اليهـــا قومها يُخلفونها
71ـ وأهل مذاق شيٍبُوا حيث هودها *** سع ْوا لحماها رفدها يسألونها
ف بالضم هوالوعد نقيض ال ُخ ْلف -فالوعد فيه الوفاء ،وال ُخ ْلف نقيض الوفاء بالوعد ،وال ُخ ْل ُ
اإلخالف وهو فى المستقبل كالكذب فى الماضى ،ويقال أخلفه ما وعده وهو أن يقول شيئا ً االسم من ْ
وال يفعله على االستقبال (ل ع) صفحة . 2112
157
وهنا يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن القصائد إذا وعدت قوم أو منتهم بشىء من مكنون
أسرارها كان الوفاء بهذا الوعد نصيبها (من حظ من وعدتهم ومنتهم بالكشف عن مكنون أسرارها)
،وعاد اليها قومها الذين وعدتهم بما أكنته لهم وكشفت لهم عن مكنون اسرارها (يُ ْخ ِلفُونَها) أى
يسمعون فقط وال يفعلون شيئا ً من وصاياها لهم سوى اإلعراض.
أما أهل المذاق وهم من إهتدوا بهدايتها حيث ذاقوا حالوة شهدها ،فاستطابوها نعيما ً وإستقاموا
وداوموا على مشاهدة معانيها ففهموا قول سيدى فخر الدين فى القصيدة (:)59
يقول الشيخ رضى هللا عنـــه *** وأرضينا به جمعا ً وفـــــردا
عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجــوه اليه عنـــــدا
وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنا منه إرفــــــادا ً ومـــدا ً
158
القصيدة ((77
159
بسم هللا الرحمن الرحيم
8سبتمبر 2891م عدد األبيات ()12 األحد 21ذو القعدة 2141هـ
ـ مناسبتها لماقبلها فى معنى البيت (: )27
وسوف ترون النور يشرق معلنا *** ألعظم وصل لو وقيتم فتونهـا
يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ألرباب حظوتها عليكم بالبحث والدراسة إلستخراج المعانى
وسوف ترون (قريباً) نور المعانى يشرق خروجه من داخل األوانى ليُ ْعلن عن عظمة وعلو قدر
ومنزلة صاحب السر المراد إثباته ،عند تمام الوصل باألصل الذى هو غاية الوصل الذى يتم بحسن
القصد لو وقيتم فتونها .
ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيتان (2ـ :)9
لكنه الحج فرض فى مراتبـــــــه *** وذلك السر اليفشيه إخبــــــارى
وطالما كنت فى سعـــى وتلبيـــة *** كأننى ظلمــة والبيت أنــــوارى
وفى هذا البيت يوضح سيدى فخر الدين بأن الحج الفريضة (الخامسة) للسائرين بين المراتب من
أجل الوصول الى غاية القصد ،وهى التى بها يكمل االيمان وكمال األيمان ال يأتى إال بعد اإلحسان
الذى يتم فيه المشاهدة للكامل المكمل (موالى كمال الدين) وهو الذى سره مضمر فى طى سروتنا ،
وهو السر الذى قال عنه مشيرا ً فقط (وذلك السر ال يفشيه اخبارى) لماذا؟ ألنه سر على كل العظام
وفي إظهاره ظهور لغيب الذات وإفشائها .
ثم يخاطب مريده الصادق بتوجهه الذى رمز اليه بالبيت الرابع من البيوت اإللهية قائالً له وطالما
أنك كنت فى حالة تكوينك هذه يلزمك سعيا ً وتلبية وهى من مناسك الحج (السعى الذى بين الصفا
والمروة عند المسلمين) يعادل السعى بيت الحضرتين ،والتلبية جاءت فى القصيدة (: )28
إمامنا حيث ولى كنت أتبعه *** لذلك الجمع لبى حيث لبيت
نبذة عن البيت األول من القصيدة (: )77
يا أيها الناس حج البيت للساري *** وميت القلب ال تشجيه أوتاري
أوال:
رقم القصيدة ( - )77وعدد أبياتها ( - )12وموعدها األحد 21ذو الحجة 2141هجرية -وهى
تتحدث عن الحج الذي اختصه هللا سبحانه وتعالى بسورة سماها سورة الحج وبدأ فيها الحديث عن
(وإِ ْذ بَ َّوأْنَا ِإلب َْرا ِهي َم َمك َ
َان البَ ْيتِ ).....وحتى اآلية الحج ومناسكه اعتبارا ً من اآلية ( )12التي تقول َ
161
( ) 72وفى عدد أبيات القصيدة التى يتحدث فيها موالنا سيدي فخر الدين عن الحج إشارة إلى رقم
اآلية ( )12من سورة الحج .
ثانيا ً :
معرفة لناس
الشرح للشطر األول من البيت ( يا أيـــ ـها الناس ) أنه نداء للناس ولفظة الناس َّ
مخصوصون وليس لعامة الناس ،والنداء في السورة للعموم أي العامة من األمة حيث أن الدعوة
موجة إلى حضرة النبي صلى هللا عليه وسلم ،أما النداء للحج في القصيدة موجه إلى أناس
مخصوصون ،وهم أبناء وأحباب المنادى ،صاحب الديوان التي من بين ثناياه هذه القصيدة .
حيث يقول رضي هللا عنه مناديا بحرف النداء ( يا ) ،ثم ( أيـــ ) يعنى يا أيها المطالبون بمعرفة
حقيقة المشار إليه المضمرة بين األبجدية من األلف إلى الياء ،والذي سره مضمر في الهوية ( ــها
) من يا أيها .و( الناس ) هم أبناء الشيخ الذين تم توجيه دعوة الحج إليهم .
والحج لغويا ً :هو القصد -والمقصود هو المعظم صاحب الهوية المرموز له بالبيت ،وكلمة ( البيت
) مكونها ثالثة حروف ( بـ يـ ت ) فهو الذي أتت اإلشارة إليه بالقصد ( الحج ) فكانت هذه اإلشارة
الى ( البيت الساري ) ،والساري إليه بيتٌ ،ولكنه ساري بصحبة شيخه حذو النعل بالنعل
أما البيت األول هو البيت الساري ( األلف السارى فى الوجود ) وبيان حقيقته األولى فى سورة
الرحمن ( نور النبي معلم القرآن ) ،وأيضا في باء البداية ،فالباء بهاء األلف الذي هو سر األسرار
،ونور األنوار ،وعلم الغيوب ،ومصباح القلوب ،وقطــب الحروف ،أى أن ( الباء ) مضمر فيها
المعلوم عن ( األلف ) من الباء حتى الياء ،وبذلك نجد كلمة البيت تبدأ بحرف ( بـ ) التى فيها سر
األلف ،وحرف ( يـ ) فيها يقين األلف .
وقال بن عباس رضى هللا عنهما ( اعلم ان سر هللا تعالى فى الكتاب ،وسر الكتاب فى الحروف ،
وسر الحروف فى األلف ) ،وبذلك يكون سر األلف مضمر فى األبجدية من الباء الى الياء ،ولكنه
ظهر بظهور حرف الـ ( تاء) .
والتاء تاج األلف التى أظهرت حقيقة البيت السارى المقصود والمشار اليه بحرف الـ ( أ ) التى هى
ألف وعليها التاج متمثل فى الهمزة التى فوق األلف ،وسر األلف يقينا ً في الياء .
و( الياء ) فيها إشارة الى حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم بحقيقتيه األحمدية والمحمدية التى
ظهرت بظهور النقطتين داخل حرف الـ ( ت ) المسماة تاج األلف ،وحرف الـ ( ت ) من كلمة { بـ
يـ ت } التي بها تمام البيت ،والبيت المعرف بالـ هو بيت من ؟
161
بيت األلف الساري في الوجود ،بيت رسول هللا خير الشواهد ،الذي شوهد فى المشاهد والذي جاء
ذكره فى ديوان صاحب الديوان سيدى فخرالدين الشيخ محمد عثمان الذى ناداه قائالً:
ياأول الخلق فى إطالقه ألفا ً *** به التآلف يا قاب الهدايات
فإنه اإلمام الرمز فى كتاب هللا ،وكتاب هللا هو حضرة الجمع واألحباب آيات به فهي حضرة قاب
قوسيها الهدى ال ينتهي .
ويقول الشيخ رضي هللا عنه إن المريد الساري خلف شيخه حذو النعل بالنعل هو الذاكر الحي الذي
تطربه وتشجيه أوتارى ،وأما ميت القلب ( الغافل عن ذكرنا ) ال يعجبه وال يشجيه وال تطربه
أوتاري .
ثم قال أن الحج هلل ولكنه فى مجاله فى موطن التجلي ،والتجلي دائما ً أبدا ً على ( بيته من غير اظهار
) ألنه مغيب فى الباء ،وظهر واضحا ً جليا ً بظهوره فى نقطتى الـ ( ت ) النقطة األولى فيها إشارة
الى حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم ،والنقطة الثانية فيها اشارة الى خروج سر الجمال الطالع
من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم المشار اليه فى القصيدة (: )28
يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه
سر على كل العــــــــــظام وانه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه
والمشار اليه أيضا ً فى القصيدة (: )24
هوال يرى لكــــــــــــنه ببطونه *** فيض حــباه معــــلم األكوان
هو منـــحة من نور أحمد أهلها *** رزقوا بها خـروا الى األذقان
وبذلك يكون مقصود الشيخ بالبيت الذى ليس طينا ً وال لبنا ً أى المبنى بالحجارة ولكنه رمزا جل عن
صفة ً ،وتذكرة لوحدة القصد وتوحيد أنظار أبنائه ومريديه إلى المعرفة بأن هذا هو البيت األول
المشار إليه أول الخلق األلف المطلق الذى قال عنه ابن عباس رضى هللا عنهما ( ان األلف هو سر
هو صاحب الحقيقة األسرار ونور األنوار ،وعلم الغيوب ومصباح القلوب وقطب الحروف ) فحقا ً ُ
أوال ً نور النبى معلم القرآن .
يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه :
2ـ يا أيها الناس حج البيت للســـارى *** وميت القلب ال تشجيه أوتارى
1ـ الحج هلل فى مجـــــاله مكرمــــــة *** وبيته بيته من غير إظهــــــــار
162
الشرح والتفصيل :
يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هذه القصيدة عن (حج البيت) قائالً للناس أهل ذكر القلب
الذين أمدهم رسول الهداية وهم الذين تمنى أن يكونوا من خيرة أبنائه وهم من اختارهم للمعرفة
بحقيقة المقصود بعطاء هللا من عليائه وهم من ناداهم فى القصيدة النونية بقوله :
يا أيها الناس الرسول أمدهم *** هم منيتى والدين للديان 1 /11
وهذا الرسول الذى أمدهم هو الشيخ المعصوم (كمال الدين) الذى خاطبه سيدى فخر الدين فى
القصيدة (:)59
عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجـــــــوه اليه عندا ً
وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنــا منه إرفـــــــادا ً ومدا ً
وما إرفــــــــــاده إال سخـاءا ً *** وما هو بالذى أعطى فأكدى
وقال أيضا ً لهؤالء الناس فى القصيدة العطية :
من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم
الخطاب هنا موجه الى ناس حضرة الجمع أهل الحضرة النبوية ،وجاء التعبير بكلمة (أيـ) قبل الناس
مشيرا ً للجمع كله من الباب الى المحرام ،ليلفت إنتباههم بالبشارة التى سبقت المجيئ وهى جاءكم
ابراهيم من كمال العطاء اإللهى من فيض وهب السميع الواهب .
لهذا جاء قول موالنا امام الدين الشيخ محمد ابراهيم مبيينا ً مكانته رضى هللا عنه بقوله (موالى
كمال الدين الشيخ ابراهيم ) رضى هللا عنهم أجمعين .
من أجل الشرح والتوضيح قال سيدى فخر الدين :
يا أيها الناس (المقصودون ) حج البيت ،أى قصد البيت المعظم ،أال وهو موالى كمال الدين المشار
اليه باأللف السارى فى الوجود المأخوذ من معنى تفسير سيدى فخر الدين ألول آيات سورة البقرة
(أ ل م ذلك الكتاب الريب فيه) عندما قال أن األلف يشار به الى الذات األحدية ،أى الحق من حيث
هو أول األشياء فى أزل اآلزال { ،تبرئة الذمة ص }198
وهو المقصود بقوله فى القصيدة النونية :
سبحان من خلق الحقيقة أوال ً *** نور النبى معلـــــم القرآن
يكون كلمة حج البيت قصد هذا البيت الذى سيأتى الحديث عنه فى موضعه بأنه الفرض فى المراتب
أى الركن الخامس أو البيت الخامس الذى بعد بيوت هللا األربعة المتواترة {المساجد ـ البيت المعمور
ـ العرش ـ قلب العبد المؤمن} .
163
والذى يقصد هذا البيت هو بيت سارى متوجه الى البيت الخامس وهو لعبد سليم الوجه صاحب قلب
سليم قال عنه سيدى فخر الدين:
وسالم على قتيل غرامى *** فبه النفع وهو قلب سليـــم 21 /15
وان العروة الوثقــى لعبد *** سليم الوجه ال عبد عصى 74 /72
كما أشار اليه توسل السادة البرهانية {وكل مريد صادق بتوجهه}
ويتضح مما ذكرناه أن التوجه من المريد سليم القلب قتيل غرام الشيخ سليم الوجه وينطبق عليه
معنى قوله رضى هللا عنه (وان العروة الوثقى لعبد سليم الوجه) اتجه الى شيخه الذى حققه بالمعرفة
بحقيقة الحقائق وهى(كمال الدين موالنا الشيخ ابراهيم) .
أما العبد الغيرسليم القلب فهو ميت القلب فهو الذى ال يشجيه أوتارى فيسهل عليه إنكار الحقيقة .
ومعنى الحج هلل فى مجاله مكرمة أى أن القصد والسبيل اليه تكون فى موطن تجلى الحق وموطن
التجليات الحقية ليست محلها األرض هى فى موطن تالقى األجساد مع األرواح فى القاب والقوس
من التدانى ،
وبيته بيته من غير إظهار يثبت أنهما بيتان للحق ،البيت األول بيت رسول هللا خير الشواهد ،
والبيت الثانى وهو السارى نحوه ،وهو البيت الرابع قلب العبد المؤمن الوادع اللين والكالم هنا
ليس فيه إظهار .
7ـ وما إستطاعة حج البيت عن سعة *** من المتاع وال ظعن وأسفـــــار
1ـ ولم يكن بيته طينــــــا ً وال لبنـــــا ً *** وليس مقصود قومى لثم أحجار
5ـ وذلك البيت فى معنـــــاه تذكـــرة *** لوحدة القصد أو توحيد أنظـــار
2ـ وعظم البيت رمزا ً ج ًل عن صفة *** وزائر البيت قد يحظى بتذكـــار
وبعد معرفتنا بالمقصود بحج البيت ،توجه المريد الصادق بتوجهه الى الحج األكبر وهو حج البيت
سعت الشيخ (الواسع العليم)سعة هنا ِ سعة ،وال ِالمعظم الذى فيه كمال الدين الذى من شروطه ال ِ
بيت هللا واسع الرحاب الذى نزل وحل فى قلب ذلك العبد المشار اليه بقوله رضى هللا عنه :
ومن تهيأ بيتا ً كنت أعمره *** إذا نزلت ببيت يعمر البيت 28 /2
ولسيت السعة من المتاع وال الظعن واألسفار أى االستطاعة المادية والصحية وأمن الطريق التى
هى من شروط حج المسلمين .
164
وظل موالنا يوضح ويبين من هو البيت المقصود وهو بيت من بيوت هللا وهو البيت الرابع (قلب
العبد المؤمن الواع اللين) ،وهو بنيان الحق المريد صاحب القلب السليم الذى رأس ماله كله حسن
القصد ال عوج وهذا هو الذى يؤدى الى وحدة الصف عمدة الدين ،وليس المقصود لثم أحجار أى
البيت المبنى بالحجارة أى بنيان الخلق الكعبة الشريفة حيث أن اإلنسان رضى هللا عنه هو بنيان
الحق.
ثم قال وذلك :أداة إشارة للبعيد والبيت البعيد هو(الرابع) فى معناه تذكرة ،وهذه التذكرة مقصود
بها وحده القصد من الجميع نحو البيت المقصود وهو (الخامس) بيت رسول هللا خير الشواهد أو
توحيد األنظار وعدم توجيهها الى غيره .
وجاء التعظيم للبيت بصفة رمزا ً للحج مثلما أنه رمز لإلمامة أشارت اليه القصيدة (:)12
165
الحج (السعى الذى بين الصفا والمروة عند المسلمين) يعادل السعى بيت الحضرتين ،والتلبية جاءت
فى القصيدة (: )28
إمامنا حيث ولى كنت أتبعه *** لذلك الجمع لبى حيث لبيت
8ـ وكل من طاف حول البيت معتمرا ً *** وكل من حجه فى طى أغــــوارى
24ـ وتم لى هجرة فى طى هجرتــــه *** وأصبح اآلل واألصحاب أنصارى
وهنا يقول أن كل من حج وطاف حول البيت (قلب العبد المؤمن) بنيان الرب فيصير معتمر وتكتب
له عمرة وكذلك كل من حجه تكتب له حجة كاملة وتكون تلك العمرة والحجة فى طى أغوارى ،كيف
تكون فى طى أغوارى ؟
الغــــار قلب العبد فى أغواره *** قدر االمــــــام وقدره نضــــاح 15 /1
وهذا الغار الذى هو قلب العبد جاء عنه القول :
أيها الغــــــار ما بغورك غير *** لو بك الغير مــــا بلغت مرادى 11 /7
فرتلوا آيتى واحصوا دقائقهــا *** وراقبوا هجرتى فالغار يؤوينى 72 /22
يعنى العبد المؤمن فى أعماقه قدر االمام رضى هللا عنه وغيبة قدر االمام بها نزل القرآن وجاء فى
قوله هى سين السالم التى فى القبضة النورانية األولى التى كانت من نصيب سيدى فخر الدين من
ذلك كان سير السائرين فى طريقة الى الوصول الى معرفة قدرهذا االمام (كمال الدين موالى الشيخ
ابراهيم) تكون بصحبتى فكل من حج البيت المعظم يلزمه صحبتى التى ال تتم اال بى ،وهذه واضحة
فى قوله رضى هللا عنه ايها الغار ما فى غورك غير لو فيك الغير ما بلغت المراد ،الذى هو فى
االصل مرادى من مريدى الذى أراد وحب ارادتى وسار بها محفوفا ً بعين عنايتى ،
لذلك قال وتم لى هجرة فى طى هجرته وكل المهاجرين من اآلل واألصحاب صاروا أنصارى حيث
تبعونى فى هذه الهجرة .
22ـ وكل من كانت الجنــات بغيته *** ونالهـــا جنة من تحت أنهـــــــارى
يقول لنا موالنا الشيخ رضى هللا عنه أن كل من كان بغيته الفوز بالجنات التى تجرى من تحتها
األنهار والخلود فيها ووفق فى ان ينال مطلبه ،نالها جنة من تحت أنهارى ،وهذه الجنة واحدة من
جنتى موالنا كمال الدين المشار اليه فى القصيدة العطية :
167
ثم يقول موالنا الشيخ رضى هللا عنه ومن تردى التقى أى إستعصم بالتقوى التى يصفها سيدنا االمام
على كرم هللا وجهه بقوله رضى هللا عنه (هى الخوف من الجليل والرضا بالقليل واإلستعداد ليوم
الرحيل) فمن خ اف مقام ربه وتردى لباس التقى فالخز والسندس والحرير صار ملبوسه الذى ال
يضاها وال يقارن به أى ملبوس مصنوع من األصواف واألوبار ،وإذ ترديت ملبوسى (لباس التقريب
واإلحرام) بزخرفه وهو أجمل زينه ولما نلت مرادى حيث قضيت حاجتى وأجيب طلبى على معانقة
هذا البيت الذى يقصده السارى ،وهذا ما كنت أنتظره وقلت فى التائية:
سنيا ً أرتجى ساعة اللقا *** لذاك تعانقنا عناق األحبة 2 /155
قضيت ِ
أى قضيت أوقات حياتى فى إنتظار ساعة اللقاء بالمحبوب ،وعندما حان حينى وردت عاريتى لرب
البرية ساعتها تم اللقاء بمحبوبى تعانقنا عناق األحبة وكان هذ العناق على هيئة التفاف الحبيب
بحبيبه ،مثل إلتفاف الـ (ال) الذى فيه العجب والتى تشبه الساق بالساقى المشار اليه فى القصيدة
(:)24
والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربــى
وقرت العين لما حان مأملهــــــا *** على الشهود وأضحى عندها لبا ً
22ـ وهذه آيتى والحب يعشقهـــــا *** ينال منهــــا بترديـــد وتكــرار
22ـ وعلمها كله فيض وموهبــــة *** وإنه السر فى مكنون أسرارى
وهذه القصائد التى من خاللها يتم معرفة الحقيقة المراد إثباتها هى (آيتى) واآليه هى الشىء العجيب
،والحب فقط هو الذى يعشقها ،وبعشقه لها ينال مراده منها ،والمراد منها ال يُنال سوى بترديدها
وتكرارها .
ثم يقول يا أيها الناس إعلموا أن علمها كله فيوضات كمال العطاء (موالى كمال الدين) المكمل
لألكامل ،و ُموهب النعم المنعم المتفضل (الشيخ ابراهيم)الذى ارتبطت بشارتة بمجيئه ،وإنه السر
المصون فى مكنون أسرارى .
29ـ يا أيها الناس أهل العلم أين هم *** وأن من يصطلى قلبا ً بإعصارى
28ـ وأين من قلبه حلت به سمـــــة *** يكون طوعا ً بها أهالً ألســرارى
كما يخاطب الناس بقوله الشريف أين مكان ومكانة أهل العلم من علمى الذى جئتكم به
وأشرت اليه بقولى:
وفيما جئتكــــم توحيد رب *** وقول القاطعين لـــــه خــــوار 72 /18
فإنما نشأتى توحيد فطرته *** وذو الجهالة باالشراك يرمينى 84 /25
168
ب باعصارى .
وأين من يشعل نار المحبة فى قل ٍ
14ـ ومن عجيب يكون الجهل محتكم *** اليه والحق ذا يحظى بإنكار
يقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (:)7
من عجيب العجاب فى أهل عصرى *** أن من يجهل النصيحة يسدى
أى أن الجهل فى أهل هذا العصر لألسف محتكم اليه ،والحق والحقيقة التى نحن بصددها ونحاول
أثباتها بالحقائق الثابتة قد تحظى بإنكار السفهاء والمنكرين .
12ـ أخصكم بالذى تمليــــــه منزلـــة *** بها تقلبت فى مخصوص أطوارى
وجاء قول سيدى فخر الدين أخصكم ،بحق الذى تمليه منزلة ،أى بحق صاحب القدر الجليل السامى
ومنزلته التى تنزلت من الحضرة األحدية الى الحضرة الواحدية التى ظهر فيها بحقائق األسماء
الحسنى ،والصفات العليا ،فتعشقت به الحضرة الكمالية تعشق االسم بالمسمى ،والصفة
بالموصوف ،فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها اال اليه ،وال تدل بهويتها اال عليه {ص
14تبرئة الذمة} كما جاءت االشارة اليه فى توسل السادة البرهانية بـ (طلسم غيب الغيب سر
الهوية) ،وهذه المنزلة بها تقلبت فى مخصوص أطوارى التى تنقلت فيها من صلب طيب الى رحم
طاهر .
11ـ مكانة لم يكن غيرى بهـــــا ثمالً *** رحيقها كله تعطــاه أزهـــارى
وهذه المكانة لم تكن ألحد سواى فأنا الذى تقلبت بها فى مخصوص أطوارى ،ورحيق هذه المكانه
هى كمنزلة ألحمد منشى حقيقتنا ،ورحيقها المختوم بمسك الحقيقة جعلته كله من حظ أزهارى الذين
أطلعتهم على أسرار علومى وأغدقتهم بشرابى العذب الذى مذاقه سلسبيل ،وهو شرابى المعتق
الذى سقيتهم إياه وكفى كأس والخفاء مزيتى .
17ـ وتم لى مــــــا أراد المصطفى صلة *** وفيه متعت أسمـــاعى وأبصــارى
11ـ لكن قوما ً عموا صموا ظموا جنحوا *** عن الس ِو ٍى عن المعصوم والبارى
وبهذه المنزلة التى انزلنى إياها الحق تعالى ومكننى منها أقول قولى :
وتم لى ما أراد جدى المصطفى صلة ،وهى التى منها مصب ينابيع العلوم بأسرها ،والتى فيها
السر الذى سرى بالسر فى كل ذرة ،وهى محل التدانى والتدلى وأنسه
وقدس شهود والوصال والوصل ِة ،وموطنها حضرة الرضا التى يتم فيها شهود الحسن .
ويقول رضى هللا عنه :
ولكن هناك قوم منكرون عموا وصموا واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا إستكبارا ً
169
حيث أعماهم جهلهم عن معرفة الحقيقة وجنحوا عن السوى وعن المعصوم والبارى .
15ـ وعندما آنسوا رشدا ً ألنفسهـــــــــــم *** بجهلهم يمموا غيرى وأغيارى
12ـ وهينات ذنوب الحب إن عظمـــت *** ما لم يكن فعله يؤتى بإصــــرار
وفى هذا البيت يوضح سيدى فخر الدين قوله رضى هللا عنه :
أن هؤالء القوم السفهاء والمنكرون الذين ال عقل لهم وال دين عندما آنسوا رشدا ً ألنفسهم بجهلهم
الذى أعمى أبصارهم وصم آذانهم واصابهم الظمأ وإشتد بهم العطش لبعدهم عن فهم كالم شراب
الوصل الذى فيه المجيىء بالبشرى بالسوى الشيخ المعصوم الذى أثبتت عصمته القصيدة ()59
بقوله رضى هللا عنه:
عن المعصوم صلينا عليـــــــه *** بتسليم الوجـــــــوه اليه عندا
وما المعصوم (فينا) غير شيخ *** رزقنـــــــــا منه إرفادا ً ومدا
ولعدم تعرفهم على الحقيقة المرادة من إمالء قصائد ديوان شراب الوصل وإتبعوا أهواءهم وضلوا
وأضلوا غيرهم وقصدوا غيرى وأغيارى فتحولت أنظارهم عن قبلتنا المعظمة نحو محمود الطليعة
التى تباهى بها الكون كله وجاءت األشارة اليها فى اآليه ( )211سورة البقرة
ق َوا ْل َم ْغ ِر ُ
ب َي ْهدِي ع َل ْي َها قُل ِّ َّ ِ
لِّل ا ْل َمش ِْر ُ اس َما َو َّال ُه ْم عَن قِ ْبلَتِ ِه ُم الَّتِي كَانُوا َسفَ َها ُء ِم َن النَّ ِ
سيَقُو ُل ال ُّ{ َ
ست َ ِق ٍ
يم} َمن يَشَا ُء إِلَ َٰى ِص َر ٍ
اط ُّم ْ
وهى التى أشارت اليها القصيدة ( )18بقوله :
ولو قال السفيه لما التولــــــى *** فمغرب طلعة االشراق طـــــه
وما وسطية الشهــــــــداء إال *** بمحض عناية بلغت مداهــــــا
ومن حيث الخروج فول وجها ً *** لقبلة آدم فلهـــــــــا سماهــــــا
ولست كما يرون فول وجهـــا ً *** وأعرض عن جهالة من تواها
فقبلتك المعظمة إختصـــاصــا ً *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــــــــا
وهينات ذنوب الحب إن عظمت *** مالم يكن فعله يؤتى باصرار
وهنا يقول سيدى فخر الدين أن الحب الذى أكتشف خطأه باتباع السفهاء من الناس الذين لم يعقلوا
ولم يدركوا فهم الحقيقة المشار اليها ،فتاب وأناب وعمل عمالً صالحا ً بفهمه مراد شيخه الذى كان
سببا فى هدايته لمعرفة الحقيقة التى جعلته يخلص فى االيمان بها .
171
على َه ٍي ْن ،مالم يكن فعل
ً أى أن الحب الذى اقترف ذنبا ً بغير علم فمهما كان هذا الذنب عظيما ً ،فهو
{وإِنِّي َلغَفَّ ٌ
ار هذا الذنب يؤتى بإصرار ،وذلك المعنى يأتى من خالل تفسيراآلية{ }91سورة طه َ
اب ) يقول :وإني لذو غفران لمن تاب صا ِل ًحا ث ُ َّم ا ْهتَدَى} ( َوإِ ِّني لَغَفَّ ٌ
ار ِل َم ْن ت َ َ ِل َم ْن ت َ َ
اب َوآ َم َن َوع َِم َل َ
شر ِكه ،فرجع منه إلى اإليمان لي ( وآ َم َن ) يقول :وأخلص لي األلوهة . من ِ
171