You are on page 1of 171

1

‫يقول الحق عز وجل لسيدنا يحيى عليه السالم ‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اب بِقُ َّو ٍة َوآت َ ْينَاهُ ال ُح ْك َم َ‬


‫صبِيا ًّ (‪)21‬‬ ‫يَا يَحْ يَى ُخ ِذ ال ِكت َ َ‬
‫صدق هللا العظيم‬
‫اآلية ‪ )21( :‬مريم‬

‫ويقول اإلمام فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫فإلى كتــــاب تأخـذون بقوة *** أبناء عهدى والخـــالف يهون‬


‫فخدوا الكتاب بقوة وعزيمة *** ودعوا الذى عــن قولنا يتعامى‬

‫ويقول الحق تبارك وتعالى فى آية الكرسى ‪:‬‬

‫" وال يحيطون بشىء من علمه إال بما شاء "‬


‫صدق هللا العظيم‬

‫كما يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬


‫ليعلم عنى من يعظم علمنا *** فعلمكم عنى بغير إحـــــــاطة‬
‫كالمى ال تحيط به عقـــول *** وما عرف الشقى َم ْن السعيد‬

‫‪2‬‬
‫مقدمـــة الكتاب ‪:‬‬
‫يقول اإلمام الشيخ محمد الشيخ إبراهيم رضى هللا عنه فى آخر خطاباته‪:‬‬
‫أحبابى فى رسول هللا‪..‬‬
‫إذا خصصنا من أهل التصوف طريق سيدى أبى العينين نـجد سيدى اإلمام فخر الدين رضى هللا‬
‫عنه‬
‫يقول فى نظمه الفريد ‪:‬‬
‫فتدارسوها ال قراءة عابر *** مستعبر فيها يفند قولها‬
‫كما قال ‪:‬‬
‫العلم غث أو ســــــــــميـ *** ن للقلـــــــوب يخضب‬

‫فأرشد (رضى هللا عنه) األمة إلى العلم الراقى الذى يُص ِلح به الفرد أمر دينه ودنياه‪ ،‬وبدأها لنا من‬
‫أول األمر وهى (العقيدة) التى ال يصح للمرء من عم ٍل بغيرها‪.‬‬
‫وامتدادا ً إلرشاده (رضى هللا عنه) من إلقائه الدروس اليومية فى مختلف العلوم جاءت قصائده‬
‫لتهدى العقول‪:‬‬
‫ِلت َ ْه ِد َيكُـــم ِإ َذا َما اللَّ ْي ُل َج َّن‬ ‫ضا ُء ِب َها ا ْل َح َوا ِلكُ ِم ْن عُجا ٍ‬
‫ب‬ ‫تُ َ‬

‫إن التدارس يجمع المحبين على مائدة الصفا ‪ ،‬فيأخذهم إلى طريق التسامح ليمحو من طريقهم‬
‫عواصف الخالفات ودوامات المشاكل ‪ ،‬ليعصفهم برياح القرب ‪ ،‬فيتفتق القلب عن فقه المعانى الراقية‬
‫وتسمو الروح آمنه مطمئنة لتسبح بين أهل الصفا إلى َمن ِمن أجله تنزلت القصائد ‪ ،‬حيث قال (من‬
‫أجل إبراهيم بعد رجائه) فكان إلسمه الكريم شرف التنزيل فما بالكم بصاحب اإلسم الميمون ‪ ،‬بل زاد‬
‫التخصيص حرمة حين قال (فمن يقبله إبراهيم) من حضرة التكريم الذى (من كفيه صرفا ً تشربون)‬
‫فهو ربان السفينة أزال ً أبدا ً بعد إختيار الحضرتين ‪ ،‬ليس بصفته الوارث الحامل لألمانة ‪ ،‬بل ألنها‬
‫سنة هللا فى خلقه ولن تجد لسنة هللا تبديالً أو تحويالً ‪.‬‬

‫وقد أشار إلى ذلك سيدى اإلمام فخر الدين (رضى هللا عنه) بقوله‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫وفينا يكون اإلختالف تعاقب ‪،‬أى من إبن إلى إبن اإلبن‬

‫وذلك قبل أن يسبق ويقول ‪:‬‬


‫آمنَ ٍة َو ِصيًةُ َو ِار ٍ‬
‫ث‬ ‫َو ِلى فى اب ِْن ِ‬

‫فحقا ً كل شىء أحصيناه فى إمام مبين ‪ ،‬وما ُجعل اإلمام إال ليؤتم به ‪ ،‬فكل عام يتجدد بنا اللقاء فى‬
‫ذكرى اإلمامين فتتشرف األسماع بأحاديثهم ‪ ،‬وتتعطر األرواح بنفحاتهم ‪ ،‬فهم كرام السوح حقاً‪:‬‬
‫ما كتاب هللا إال جمعنا *** إنما األحباب آيات به‬

‫‪4‬‬
‫القصيدة (‪(12‬‬

‫اكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب‬
‫ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب‬

‫‪5‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ 21‬أبريل ‪2891‬م‬ ‫القصيدة السابعة والعشرون‬ ‫السبت ‪ 21‬رجب ‪2141‬هـ‬
‫عدد أبياتها ( ‪) 21‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها فى معنى البيت االول من القصيدة (‪:)12‬‬
‫كم لى بفضل هللا من أيات *** مأثورة وقطوفها كلماتى‬
‫أى لى بفضل هللا تعالى الكثير والكثير من اآليات ‪ ،‬واآلية هى الشىء العجيب ‪ ،‬والقرآن الكريم مليئ‬
‫بالعجائب والغرائب ‪ ،‬ومن عجائب وغرائب مأثورتى التى آثرنى هللا بها من علوم الحقيقة أوال نور‬
‫النبى معلم القرآن ‪ ،‬التى تحمل فى طياتها من الخفايا عن االدراك تعجز من رآها وأخصها بقولى فى‬
‫القصيدة (‪: )18‬‬
‫هى األبيات آيات ولكـــن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــا‬
‫فتعطى ما يجود به كريم *** وقد نال الشفاعة من أتاها‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول منها ‪:‬‬
‫أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب‬
‫حيث تكرر كلمة ولى إحدى عشر مرة وفى الرقم (‪ )22‬اشارة الى الشفع والشفع إنما هو وجود‬
‫الحقيقة االحمدية فى الحقيقة المحمدية أى وجود الحقيقتين معا ً فى حالة االثنينية ‪ ( .‬تبرئة الذمة‬
‫ص‪.)9‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى بداية هذه القصيدة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬اكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب‬
‫‪ – 1‬ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫(أكنى بفخر الدين بين أحبتى )‬
‫الفرق بين الكنية واللقب واالسم‬
‫‪6‬‬
‫مصطلح المعرفة يتألف من ثالثة أقسام رئيسية وهو االسم واللقب والكنية ‪ ،‬فاالسم هو الذى يستدل‬
‫به على الشىء ويعرف به ‪ ،‬وقد يسبق اسم الع َلم ما يعرف باللقب أو الكنية ‪ .‬فالكنية هو لفظ مركب‬
‫يبدأ بـ (أب) أو بـ (أم) مثل أم محمد وأبو أحمد ‪ ،‬وهى تستخدم لتسهيل المناداة وإحتراما ً لمكانة‬
‫األشخاص ‪ .‬واللقب يطلق على الشخص من غير إسمه ويكون قد إكتسبه كصفة تنسب اليه ‪ ،‬فاللقب‬
‫هو مدح لصفة يتصف بها الشخص ‪ ،‬وااللقاب فى اللغة العربية ممكن ان تكون محمودة أو مذمومة‬
‫‪ ،‬ومن االلقاب المذمومة األعمش واألعرج واألعور واالعول وغيرها ‪.‬‬
‫أوال ً ‪ :‬كنية فخر الدين‬
‫أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى سماوات الغيوب مناقب‬
‫جاء فى القصيدة األولى المسماة بـ (التائية ) فاتحة ديوانه المسمى ( شراب الوصل ) التى يقول فيها‬
‫‪:‬‬
‫‪2 /27‬‬ ‫* يشار إلى بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه {إن مراتب الدين واألعمال فيها مقامات ثالثة وهى ‪ :‬مقام‬
‫عبادة ـ مقام عبودية ـ مقام عبوده} ومما يؤيد ذلك قوله رضى هللا عنه فى أول قصائده ‪:‬‬
‫ولى كتب األبــرار أشهد ما بها *** وإنى عبد والعبـاد رعيتى ‪2 /12‬‬
‫ومن عبث بخس الحقيقة أهلها *** ألنى عبد فى مقام العبودة ‪2 /21‬‬
‫ومقام العبودة هو محل {القاب والقوس من التدانى} حيث أن محل {أو أدنى} هو مقام خاص بحضرة‬
‫النبى صلى هللا عليه وسلم من حيث الروح والجسد ‪ ،‬ومقام {قاب قوسين} يسمى وحدة (عالم األمر)‬
‫الذى فيه مجتمع األرواح ‪ ،‬أى موطن تالقى أرواح العباد وينقسم الى حضرتين (حضرة جمع ـ حضرة‬
‫جمع الجمع) وفى هذا الموطن يقول فيه رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫يُشار إلي بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة‬
‫وكنية فخر الدين هى كنية وليست لقبا ً وأشارت اليها القصيدة (‪ )22‬بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كنيت فخر الدين فى الـ **** عليــا ولست ملقبا ً ‪22 /14‬‬
‫وصارت كنيتى فى الحضرتين حيث طابت لى (مقاماً) أشارت اليها القصيدة (‪ )22‬بقوله أيضا ً ‪:‬‬
‫سالم وفخر الدين منك عطية *** بها طاب حيث الحضرتين تسابقى ‪22 /7‬‬

‫‪7‬‬
‫وجاء فى كتاب هللا الكريم أن الحق تبارك وتعالى حينما ينادى العظماء من الرسل واألنبياء كان‬
‫يناديهم بأسمائهم مثل قوله سبحانه وتعالى ‪ :‬يا آدم ‪ ..‬يا نوح ‪ ...‬يا ابراهيم ‪ ...‬يا موسى ‪ ...‬يا‬
‫عيسى ‪ ،‬ولكن عندما ينادى سيدنا رسول هللا يقول سبحانه وتعالى ‪ :‬يا أيها الرسول ‪ ...‬يا أيها النبى‬
‫‪ ...‬ولم يناديه باسمه مجردا ً ‪ ،‬وعلى غرار ذلك جاء نداء حضرة التكريم لسيدى الشيخ محمد عثمان‬
‫رضى هللا عنه بكنية (فخر) وأشارت الى ذلك القصيدة (‪: )17‬‬
‫فخـــرا ً تنادينى فأفخر شاكرا ً *** فى الحضرتين وما الفخار مشاع ‪17 /22‬‬
‫ال فالمناقب عز درك قيادها *** ولذكـــــــــر أمى ترهف األسماع ‪17 /29‬‬
‫ولشدة إحترامى جاء مناداتى فى الحضرتين بكنية فخر الدين التى ليس لها من سمية ‪ ،‬فكان ذلك‬
‫فخر لى وفيه أفاخر ‪ ،‬وصار ذلك مقامى بين أحبتى فى الحضرة ‪ ،‬والحضرة عبارة عن مكان أو‬
‫موطن تجمع أرواح مجردة لألنبياء واألولياء والصالحين ‪ ،‬ولذلك جاء قولى فى القصيدة (‪: )72‬‬
‫وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار ‪72 /12‬‬
‫ويوم يطيب لى إفشاء سرى *** ليوم فيه عطلت العشـــــــار ‪72 /11‬‬
‫أحبتى ‪:‬‬
‫أحبتى هم خيارالمريدين الذين وصلوا الى المكان الذى يجتمع فيه أهل الحضرة المقصودون بهذه‬
‫المحبة وأحبتى هم الذين جدوا السير وركبوا العزم معى واستوعبوا واستعذبوا علوم شرابى العذب‬
‫‪ ،‬وأصبح علمى مكنوزا ً فى قلوبهم ومخضبا ً ألرواحهم ‪ .‬فأصبح ال فرق بينى وبينهم ‪ ،‬وعليه يقول‬
‫وعلمى كنز فى قلوب أحبتى كما يقول ‪:‬‬
‫ال فرق بينى وبـيــــن أحبتى *** جمع األحــــــبة فى حماى خفير ‪5 /11‬‬
‫وحسن تلقيهم من أهم سماتهم حيث قال ‪:‬‬
‫حسن التلقى من سمات أحبتى *** والجوهر المكنون فى إلهامى ‪25 /17‬‬
‫وهم المنتسبون الى حضرة جدهم الذى هو جدى قدوتى ومليك الفضل فى القدم ‪ .‬وفى ذلك النسب‬
‫يقولون نسب المحبة أشرف األنساب ‪ ،‬وهذا نسبى الذى تقلبت فيه ‪:‬‬
‫وتقلبت فى هواه وفخرى *** نسب فى تقلب السجاد ‪11 /25‬‬
‫وقد حظيت بهذا الفخار لتعظيمى آلل ( محمد صلى هللا عليه وسلم ) أهل الحقيقة المحمدية ‪ ،‬التى‬
‫أشارت اليها القصيدة التائية ‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫جنايتها تعظيم آل محمد *** وأن رسول هللا ذو أحدية ‪2 /21‬‬
‫وما أنا إال واحد من عبيده *** وذلك فخر لى وفيه أفاخر ‪12 /28‬‬
‫وهذا المقام هو (مقام أبو العينين) الذى أعطيت بابه ‪ ،‬وتحدثت عنه فى حشا آحديتى وهو ( مقام‬
‫اإلنفطار ) للحقيقة التى انفطرت بها سماوات الغيوب التى لى فيها مناقب ‪ ،‬وتلك بشارتى التى بُشرت‬
‫بها من السماء التى انشقت لت ُ ْخرج أسرارها ثم انفلقت لت ُ ْخرج أنوارها فكنت لها النجم الثاقب الذى‬
‫نفذ اليها حتى ذابت لى الحقائق ووصلت للمعرفة بتلك الحقيقة التى وضعت غيابة جب يوسفى ‪،‬‬
‫وديعة كى تصان لوقتها ‪ ،‬حتى جاء وارد ماءها الذى ادلى بدلوه إلخراجها من جبها فى وقتها‬
‫وزمانها المحدد لها ‪ ،‬ويومها قال أبو العينين رضى هللا عنه تلك بشارتى ‪ ،‬وأيدنى االقطاب ‪ ،‬وقدمها‬
‫لى شرابا ً صرفا ً وممزوجا ً لألكوان وشهدوا لى قائلين ( تلك بشارتى ) وعندما أتى اإلذن قلت معلنا ً‬
‫‪:‬‬
‫* هذا مقام اإلنفطار *** وإن منه مفاخرى ‪57 /1‬‬
‫أى هذا المقام هو مقام انشقاق سماء عالم االمر موطن وحدة االرواح الذى أخذت منه مفاخرى ‪،‬‬
‫ومن مفاخرى أننى أنا الذى ُح ِظيت بكمال المعرفة بها ولم أزل مدثرا ‪ ،‬قد شهد بذلك أهل الحضرة‬
‫جميعا ً ‪ ،‬ومن بينهم السيد البدوى رضى هللا عنه الذى يشهد على ذلك بقولى فى القصيدة (‪: )95‬‬
‫* يقول الســـــــيد البدوى عنى *** لفخر الدين بغية من تمنى ‪95 /22‬‬
‫* لفخر الدين يا من رمت هديا ً *** حبيب هللا غيـــــــاث المعنى ‪95 /22‬‬
‫كما قال سيدى أبو الحسن الشاذلى عنى ألهل الزمان الذين عاشوا زمانى ولم يعرفوا حقيقتى ‪:‬‬
‫* لفخر الدين يا من قد اضاعوا*** سخى الكف يأبى أن يضن ‪95 /14‬‬
‫كما يقول ( سيدى موسى أبو العمران الذى خدم الطريقة فى عهد سيدى ابراهيم وقبل زمن سيدى‬
‫فخر الدين ) رأيه عنى ‪:‬‬
‫* يقول وما لرأى فيه وجه *** لفخر الدين سرا ً كم أكن ‪95 /11‬‬
‫أى هو الذى ( يحمل أسرار هذه الطريقة ) ‪.‬‬
‫وعن معنى ولى ‪ ( :‬ولى فى سماوات الغيوب مناقب ) وما بعدها ‪. :‬‬
‫يحدثنا الشيخ رضى هللا عنه بأن له فى سماوات الغيوب مناقب كثيرة ‪ ،‬بدايةً‪ :‬كلمة سماوات مفردها‬
‫سماء ‪ ،‬والسماء المقصودة هى سماء عالم األمر ( سماء الغيب ) ‪ ،‬وفى موطن آخر يقول أنا فى‬
‫‪9‬‬
‫سماء الغيب نجم ثاقب ‪ ،‬فالحقيقة سماء والشريعة أرض والطريقة سلم للعروج الى سماوات الغيوب‬
‫‪ ،‬أى أنا نجم العلم الذى نفذ اليها وبقرعلومها الغيبية للمعرفة بحقيقة المراد الذى أرمى الى معناه‬
‫أو إثباته ‪ ،‬من خالل مجموعة علومى التى حصلت عليها والتى أسميتها ( شراب الوصل ) وما قبلها‬
‫كتابى تبرئة الذمة فى نصح األمة وانتصار أولياء الرحمن على أولياء‬ ‫ْ‬ ‫من علوم بثثتها عن طريق‬
‫الشيطان ‪ ،‬وحلقات الدروس المجمعة فى مجموعة علموا عنى وغيرها من دروس مسجلة على‬
‫أشرطة أو إسطوانات مدمجة جمعت فيها كل ما يفيد المريد على مدى األزمان ‪ ،‬وكل هذه العلوم التى‬
‫حصلت عليها عطية ‪ ،‬من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن قاب قوسين حيث كنت من‬
‫بين الموجودين من األولياء والصالحين الذين كانوا بصحبة المصطفى صلى هللا عليه وسلم وهى‬
‫من وعاء العلم المشار ا ليه بالكتمان ( العلم الثالث ) واألسماء الشرعية للعلوم الثالثة ( علم بثثته‬
‫وهو االسالم ‪ ،‬وعلم خيرت فيه وهو االيمان ‪ ،‬وعلم أمرت بكتمانه وهو االحسان ) وقال رضى هللا‬
‫عنه عن االحسان هو العلم الذى أمر النبى صلى هللا عليه وسلم بكتمه ليله االسراء والمعراج وهو‬
‫حق ا ليقين كما جاء فى المصطلح المصحفى ‪ ،‬ويسميه الصوفيه بعلم الحقيقة ‪ ،‬وهو موطن العبودة‬
‫‪ ،‬وهو مرتبة روحية وعبادة روحية ومن عظمته وعدم تقييده أمر رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫بكتمه ألن كل مشاهد انما يشاهد بقدر بصيرته ‪ ،‬ومن العطايا التى نلتها فى ليلة اسرائى حينما جىء‬
‫الى بمعراجى هى مشاهدة عجائب صنعتى ومعراجى هو سفينتى ووقتها كان معى أحبتى الذين ركبوا‬ ‫ً‬
‫معى ‪ ،‬وخاصة محبنا الذى ركب العزم معى لما قلت له ‪:‬‬
‫فاركب معى ان العزيمة مركبى *** تستوقف الغر الكرام الكاتبين ‪2 /1‬‬
‫وركبنا العزم والعـــــــز لنــــــا *** ونجونـــا دون لــوح أو دسـر ‪27 /12‬‬
‫ومحبنا ( المريد ) الذى بدرت عليه بادرة األشواق عندما رقصت وغردت روحه فخرا ً بمنحتنا من‬
‫العلوم وأصبح أمين علما ً لدنيا ً ‪ ،‬وذلك بنفخة الراعى ونظرته فى فؤاده ‪ ،‬حتى حملته يد العناية‬
‫معراجا ً لساحتنا ‪ ،‬أى فى المعراج الذى نَ َ‬
‫صبَتْه لى يد العناية ‪ ،‬وهو الرفرف األسمى الذى يسير (‬
‫بالجذبات اإللهية ) وهو سجل النور الذى أحمل عليه مريدى الى ساحتنا التى نتجمع فيها فى موطن‬
‫القاب والقوس ‪ ،‬وهى التى فيها تحلو جلوتى عندما تنطمس البصائر ‪ ،‬فأنا فى هذه السماء التى هى‬
‫سماء الغيب ‪ ،‬النجم الثاقب للمعرفة أى ( الباقر لها ) للحصول منها على كل ما يفيد تابعى الذى‬
‫يسرى على أثرى إذ الناس ضلت ‪ .‬وعن معنى ولى المتكررة فى القصيدة عدد (‪ )22‬مرة فإن فيها‬
‫إشارة إلى موطن الهوية المتدلية للمشار اليه (المغيب) الذى أتت المعرفة به من ( سماوات الغيوب‬
‫) التى تحتوى على معنى علم الـ ( هـ ) من ( كـ هـ يـعص ) الذى قال عنه سيدى فخر الدين فى‬
‫شرح طالسم األحزاب هو أن الـ ( ك ) الكاف كناية عن الكون وال ( هـ ) يعنى أن الذى يريد معرفة‬
‫كاف الكونية يلزمه أن يعرف هاء الهوية المتدلية ‪ ،‬بمعنى أن كاف التكوين تظهر فى وحدات الكون‬
‫الثالثة فقط وفيها علوم تحمل معانى كل ما فى الوحدات الثالثة من الكون المكون من خمسة وحدات‬
‫‪11‬‬
‫وهم ( الملك ‪ -‬الملكوت ‪ -‬الجبروت ‪ -‬الالهوت ‪ -‬الهاهوت ) المشار اليهم فى الحزب الكبير بـ ( ك ٍد‬
‫ك ٍد ‪ -‬كرد ٍد كرد ٍد ‪ -‬كرد ٍه كرد ٍه ‪ -‬د ٍه د ٍه ‪ -‬د ْه د ْه ) ‪ ،‬أما الوحدتين األخيرتين ( الالهوت ‪ -‬الهاهوت )‬
‫المشار اليها فى الحزب الكبير بـ ( د ٍه د ٍه ‪ -‬د ْه د ْه ) هنا لم يبقى محل تكوين ومن أجل ذلك لم يذكر‬
‫كاف التكوين ألن هذا الموطن موطن ( األرواح المجردة ) والهاء فى االولى كناية عن رباط عالم‬
‫األرواح بهاء الهوية ‪ ،‬وهو موطن ذكر األرواح وتدريس حضرة النبى الذى درسهم فى األزل ‪،‬‬
‫والهاء فى الثانية هذه مرتبة ( أو أدنى )التى ال يصل اليها ذكر الذاكرين ‪ .‬معنى ذلك أن التدريس‬
‫لالرواح بعلوم تدور حول الهوية المتدلية ‪ ،‬هوية نور النبى معلم القرآن النور المضاف الى حضرة‬
‫النبى إضافة تكريم منه لـ ( جدى المصطفى للجمع الذى سره مضمر فى طى سروتنا ) صاحب القدر‬
‫الجليل السامى المشار اليه فى موطن تجليه فى القصيدة ( ‪: ) 77‬‬
‫يأيها الناس حج البيب للســـارى *** وميت القلب ال تشجيه أوتارى‬
‫الحج هلل فى مجــــــــاله مكرمــــة *** وبيته بيته من غير إظـــــهار‬
‫وما إستطاعة حج البيت عن سعة *** من المتاع وال ظعن وأســفار‬
‫ولم يكن بيته طــــــــينا ً وال لبنا ً *** وليس مقصود قومى لثم أحجار‬
‫وذلك البيت فى معـــــناه تذكرة *** لوحدة القصــــد أو توحيد أنظار‬
‫وعظم البيت رمزا ً جل عن صفة *** وزائر البيت قد يحـــظى بتذكار‬
‫لكنه الحج فـــــــرضا ً فى مراتبه *** وذلك الســــر ال يفشيه إخبارى‬
‫وهو الذى ‪ :‬غيبة قدره عن علومنا بها نزل القرآن فى القصيدة األولى التائية ‪:‬‬
‫وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت ‪2/121‬‬
‫فأنــــزله فى غيــــــــبه كتــــــنزل *** سالم هــــى سين السالم بقبضتى ‪2/125‬‬
‫وهذه هى الحقيقة التى أنفطرت عنها سماوات الغيوب عندما خرجت من بيتها صدفها األزفر( ياقوتة‬
‫حمراء ) ثم ( درة بيضاء) انشقت منها األسرار وانفلقت منها األنوار التى ترحلت فى حجب الجالل‬
‫العشر المشار إليها فى سورة (( الفجر وليال عشر )) فى الليلة العاشرة وهى ( بطون الهوية ) ثم‬
‫خرجت منها شفعا ً ( هوية متدلية ) فى المرتبة الحادية عشرا ً ‪ ،‬والتى أتت إشارتها فى تكرار كلمة (‬
‫ولى ) إحدى عشر مرة ‪ ،‬وسماوات غيوب هذه الحقيقة هى حقيقة علوم المعانى التى جل وصف‬
‫غراسها ومناقبها التى هى مناقبى التى جلت عن األفهام أى عن أفهام أهل العقول وأهل الجهل التى‬
‫ال تعى إال المعنى الدنى منها ‪ .‬ومعنى كلمة الحقيقة انها الشىء الوحيد الذى ال يعرفه أحد غيرى وال‬
‫‪11‬‬
‫يصل إليها إال أهلى آولوا الشرف والقدر الرفيع العالى ‪ ،‬وال يزوق طعمها إال الذين رزقوا بها فسجدوا‬
‫وخروا إلى األذقان ‪ ،‬عندما تدلى عليهم ربهم ليطعمهم ويسقيهم هذه الحقيقة ‪ ،‬وهى دائرة كنزية‬
‫لألحدية التى استخرجت منها الواحدية ‪ .‬ويقول سيدى فخر الدين عنها فى القصيدة ( ‪: ) 97‬‬
‫أحـــــدية والواحـــدية دونهــا *** ما بين قابى حضرةالتقـريب‬
‫تلك الحضيرة يابنى مزاجهـــا *** عندى وهذا مـا اسر حبيبى‬
‫ولها شراب صانه من ذاقــــه *** إذ أن فيـــــه منـــة التهذيب‬
‫والمزن منها إن تتم عطاءها *** والغير فيهــــا غاية التثريب‬
‫وبها يكون على اقتدار فردها *** وعنايتاهـــــا أحسن التأديب‬
‫من هذه فى هــــذه ولهـــــذه *** أنعم بها ترهيبــــــها ترغيب‬
‫‪ – 1‬ولى من تجلى الواحدية حلة *** دنت لى بها فوق الطباق مراتب‬
‫بعد قوله رضى هللا عنه كنيت فخر الدين بين أحبتى ‪ ،‬أخذ يحدثنا عن عطائه من حضرة الواحدية ‪،‬‬
‫قائالً ولى من تجلى هذه الحضرة حلة نور دنت لى بها فوق الطباق (المراتب) وهى ( السبع‬
‫المتطابقات ‪ -‬والحجب المترادفات ‪ -‬مواقف االمالك فى مجارى االفالك ‪ -‬الكرسى البسيط ‪ -‬العرش‬
‫المحيط ‪ -‬غاية الغايات ‪ -‬مواضع االشارات ) فى موطن القاب والقوس من التدانى ‪ ،‬وهو موطن (‬
‫دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو ادنى ) ‪.‬‬
‫‪ -7‬ولى عند حالكة الغياهب بسمة *** كما فى بحار العالمين مراكب‬
‫ولى عند حالكة الغياهب بسمة أى بارقة أنوار تضئ الغياهب حتى تتحقق الرؤى للوصول لغاية‬
‫القصد ‪ ،‬كما تتحقق الرؤى لمراكب السائرين التى تحمل المريدين وسط ظلمات وغياهب بحار العالمين‬
‫كالجوارى المنشآت فى البحر كاالعالم ‪.‬‬
‫‪ -1‬ولى فى ابن آمنه وصية وارث *** وفينا يكون االختالف تعاقب‬
‫ولى فى ابن آمنة وصية وارث‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه اعلم يا مريدى ان جدى المصطفى للجمع المقصود ‪ ،‬هو خاتم‬
‫األولياء الذى ورثت عنه علومى كلها حيث أن الوراثة وراثة علوم ‪ ،‬وقد وعدنى بان تكون الخالفة‬
‫فينا وهى خالفة والية ‪ ،‬لذا صار حظى ونصيبى منها أن تتعاقب فينا ‪ ،‬فنحن آل بيت كريم السوح‬
‫وأهلى أولى الشرف الرفيع وعترته ‪ ،‬وذلك عطاءا ً نلته من األزل ‪ ،‬وترك بها وصية عبر الزمان ‪،‬‬
‫‪12‬‬
‫بداية من زمن الخليفة القبلى سيدنا آدم عليه السالم وحتى زمن الخليفة البعدى ‪ ،‬سيدنا المهدى‬
‫المنتظر (حفيدى) أبن آمنة الذى من اجله كتبت وصيتى وهو القائل عنه سيدنا رسول هللا صلى هللا‬
‫عليه وسلم {أن إسمه كاسمى واسم ابيه كإسم أبى واسم أمه كإسم أمى } فإسمه ( محمد احمد بن‬
‫عبد هللا المهدى ) الذى عنده ختم الوالية ‪.‬‬
‫‪ - 5‬ولى عندما تعنوا الوجوه نضارة *** لسجدة مقبول الشفاعة راغب‬
‫ولى عندما تعنوا الوجوه نضارة‬
‫عندما استسلمت الوجوه وخشعت بسجودها للحى القيوم (مقبول الشفاعة) كانت رغبتى أن ينضر‬
‫هللا وجهى بسجدة مقبول الشفاعة ‪ ،‬ويصبح لى نضارة وجوه السالكين على يدى ‪ ،‬وقلت فى‬
‫القصيدة (‪: )71‬‬
‫إنى رأيت وقلت يا قومــى أرى *** ولى الفخار ومكتى أم القــرى‬
‫ومدينتى أم المدائن كلهــــــــــا *** ومليكها جدى أمــــــان للورى‬
‫وبقيع أصحاب الهداية مسكنى *** ولى الجوار وإن قدرى ال يرى‬
‫عاينته نـــــورا ً وســـرا ً ساريا ً *** وشهدت طلعتــــه وأنى ال أرى‬
‫وأطل قدرى عندمــــــا عاينته *** بكماله من فوق هامات الذرى‬
‫وفقهت من أسراره ما لو يشا *** سبعين راحلة بذاك ألوقـــــــر‬
‫وسجدت لما لم أجـــد غيرا ً له *** يا نعم وجـــه بالمحاسن أسفر‬
‫فهو جدى محمود المقام وشافعى الذى شفعنى فى جميع السائرين بصحبتى ‪ ،‬كما شفع الرؤساء‬
‫واألقطاب ‪ :‬مثل السيد البدوى الذى قال ‪ :‬شفعنى هللا فى خمسين ألفا ً ‪ ،‬ومثل سيدى إبراهيم الدسوقى‬
‫‪ :‬القائل شفعنى هللا فى سبعين ألفا ً ومنهم من لم يأخذ طريقتى ولم يزر مقامى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ولى يوم ال يُ ْخ َزى النبى وآله *** شفاعة محبوب وقول صائب‬
‫فى هذا البيت يذكرنا سيدى فخر الدين بمعنى االية (‪ )9‬سورة التحريم {يا أيها الذين آمنوا توبوا الى‬
‫هللا توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها االنهار يوم ال‬
‫يخزى هللا النبى والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا‬
‫واغفر لنا إنك على كل شىء قدير} وفيها يريد موالنا رضى هللا عنه أن يقول لنا أن لى فى رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم القدوة الحسنة فى قول الحق تبارك وتعالى (يوم ال يخزى هللا النبى والذين‬
‫‪13‬‬
‫آمنوا معه) وهذا اليوم ظرف لـ ‪ :‬يدخلكم (والذين آمنوا معه) عطف على النبى ومعه ظرف لـ ‪ :‬آمنوا‬
‫وفيه تعريض بمن أخزاهم هللا من الكفرة ‪( ،‬نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) يضىء لهم طريق‬
‫السير على الصراط المستقيم ‪ ،‬والتوبة للعامة من الذنوب وللخاصة من العيوب ولخاصة الخاصة‬
‫من الغيبة عن الحضرة (حضرة عالم الغيوب) فمثل استغفار حضرة النبى للمذنبين من أمته كان لى‬
‫استغفار للمذنبين منكم (شفاعة محبوب) محب لكم وقول صائب (إنى أحب فالنا فأحبوه) مصداقا ً‬
‫للقول القائل أطع أمرنا فإنا منحنا بالرضا من أحبنا ننادى له فى الكون أنا نحبه فيسمع من فى الكون‬
‫أمر محبنا ‪.‬‬
‫‪ - 2‬ولى حيث ال يدرى العبيد منائح *** علت فوق ما أرجو وهن رغائب‬
‫ولى (حيث ال) يدرى العبيد ‪ ،‬منائح ‪،‬‬
‫(حيث ال) ظرف مكان يتم فيه الدراية ‪ ،‬بمعنى أن العبيد المتواجدون فى هذا المكان يكونوا على دراية‬
‫بمافيه من المنائح ‪ ،‬وموطن (ال) هو محل عطاء كريم (حيث) عم عطاؤه (عطاء عام للكل) ولكنه‬
‫يختص أهل البقية ‪ ،‬االهلة الراغبين فى التتمة حتى تصير أقمار منيرات (أولياء كاملين)‪ ،‬فهو أستاذ‬
‫كل ُم َك ًمل ضيانا أبو العينين سر الطريقة ‪.‬‬
‫والـ (ال) عجب ‪ ،‬حيث أنها مكونة من حرف األلف ‪ ،‬وحرف الالم (الالمة) أى الالم التى تلتوى على‬
‫االلف بحيث اذا دققت النظر فيها ال تدرى من االولى هل هى االلف ام الالم ‪ ،‬والعجيب فيها أنها تشير‬
‫الى إنسان عين شُوهد نوره فى حضرة البر الصمد (لشيخ أحدى ظهر نوره من األحدية) مشار اليه‬
‫باأللف وهذا األلف المشار به الى الذات األحدية أى الحق من (حيث) هو أول األشياء فى أزل اآلزال‬
‫‪ ،‬والالم المشار به الى الوجود المنبسط على االعيان (انظر تبرئة الذمة ص ‪)198‬‬
‫التى يقول عنها سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫إنه إنسان عين شاهدت نــــــوره *** فى حضـــــــــــرة البر الصمد ‪9 /1‬‬
‫والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربى ‪24 /7‬‬
‫وبما أن موطن الـ (ال) موطن الدراية وادراك معرفة من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار وفيه‬
‫إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه سابق وال الحق ‪،‬‬
‫ولكنه إذا تجلى لعبيد فيقرئه منه ويقريه عنده ويجعله (يدرى) بقاء الهوية ‪ ،‬ويقول رضى هللا عنه‬
‫‪:‬‬
‫من كان ال يدرى بأنى عالم *** قلبا ً خليا ً مزودا ً ال يمتلى ‪79 /22‬‬

‫‪14‬‬
‫أى من كان يعرف حقا ً بأنى عالم بفنون حقيقة ذلك الموطن ومن فيه فقلبه يكون خاويا ً من المعرفة‬
‫ومهما يُحصل من علوم عن حقيقة ذلك الموطن وما فيه يظل خاويا ً وال يمتلىء ‪.‬‬
‫فكم من عاقل أدلى بدلــــــو *** ليدريها ولكن من وعاها ؟ ‪18 /14‬‬
‫أى من العقالء كثيرا ً حاول الوصول الى موطن الـ (ال) لينال منها علومها فلم يستطيع ذلك ‪ ،‬ويطرح‬
‫موالنا سؤاله مستنكرا ً معرفته ما تحويه وما هو محتواها ‪ ،‬ألنه يقول أن ‪:‬‬
‫لها المعصوم أصل وهو جدى *** ومن نور العباءة قد كساها‬
‫وإن رأينا روينا ما نشاهده *** لنا مقام به تمت درايتنا ‪75 /58‬‬
‫وهنا يوضح موالنا مقامه منها بقوله رضى هللا عنه لنا مقام به تمت درايتنا ‪ ،‬بحيث إذا ما روينا‬
‫فإننا نروى من نشاهده فيها ‪ ،‬ألننا من أهل العال التى تمت وراثتنا ‪.‬‬
‫فإنا حيث ال ندرى جميعــــا ً *** ولكن كالبدور الطالعات ‪78 /15‬‬
‫لما وصلنا الى (حيث ال ) أصبحنا جميعا ً فى دراية تامة بهذا المقام ‪ ،‬لكن كنا تحت نور العباءة‬
‫كالبدور الطالعات ‪.‬‬
‫وبعد الجمع كنا فى فنــــاء *** فانا حيث ال ندرى فنــاء ‪55 /2‬‬
‫وبعد هذا الجمع فى ذلك الموطن أصبحنا فى حالة فناء وهنا أدركنا أنه موطن فناء ‪.‬‬
‫وبذلك يتضح معنى ‪:‬‬
‫ولى حيث ال يدرى العبيد منائح أى أن العبيد من أهل الجمع لم يستطيعون الحصول على منائح هذه‬
‫الحضرة ولكنى حصلت على منائح وهبات كثيرة علت فوق ما أرجوا ‪ ،‬حيث أن هذه المنائح كانت‬
‫هى التى تريدنى ‪ ،‬وهذا معنى وهن رغائب ‪.‬‬
‫‪ - 9‬ولى حين تنطمس البصائر جلوة *** أنا فى سماء الغيب نجم ثاقب‬
‫البصر بالرأس وجمعه األبصار والبصيرة فى القلب وجمعها البصائر ‪ ،‬والبصائر خاصة بعيون القلب‬
‫والروح للمؤمنين وبالذات األولياء منهم فعيون القلب إلدراك العلوم الغيبية وعمليتهما وهى التنوير‬
‫وأعلى منه الكشف وأعلى منه الفتح وأعلى منه الفتح المبين الظاهر فى قول الحق تبارك وتعالى‬
‫(إنا فتحنا لك فتحا ً مبيناً) وعيون الروح إلدراك التجليات اإللهية ‪ .‬ويكفى أن نعرف أن جالء البصائر‬
‫يكون بين مراتب السير الى هللا تعالى عبر وحدات الكون ‪ ،‬ووحدات الكون هى (الملك والملكوت‬
‫والجبروت والالهوت والهاهوت ) ويبدأ السير بين المراتب وصوال ً الى الرفرف األعلى الذى فيه ختم‬
‫‪15‬‬
‫السير بالذكر باالسماء اإللهية (وال يقدر عليها إال الصنف البشرى الذى لو صفا ملك كل شىء وفاق‬
‫المالئكة ) ويكون ذلك ( بعيون الروح ) التى هى من البصائر فحين تنطمس البصائر يكون لى جلوة‬
‫‪ ،‬بل جلوتي غيث بحق تجريان ‪ ،‬أى تنوير وكشف وفتح وفتح مبين ‪ ،‬وهذه خاصتى والتى يقال‬
‫عنها أنها خاصة الراعى ( طريقتنا ) وبعد ذلك يتم الصعود بالجذبات االلهية عبر موطن األرواح‬
‫المجردة ‪ ،‬وصوال ً لكمال معرفة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وتمام قربه من ربه الذى ال يدانيه‬
‫فيه غيره ‪ ،‬فإنه ال يعرف هللا تعالى كما يعرف هللا سبحانه نفسه ‪ ،‬أى ال يعرف غيب الذات العلية ‪،‬‬
‫وهذا هو الغيب الذى ال ينكشف بأى عبارة وال أى إشارة ‪ ،‬إذ ال يعرف هللا اال هللا تعالى وال يعلم‬
‫توحيد هللا إال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫ومن المعلوم أن السير باألسماء االلهية يحتاج إلى تحصين ( لكل أواب حفيظ ) والسائر يبدأ بالذكر‬
‫باللسان ثم بالقلب عندما يترحل نور األسم الى القلب وهنا تتفتح ( عيون القلب ) التى تصبح بصائر‬
‫ويكون السير بالذكر باالسماء االلهية حتى تتفتح ( عيون الروح ) وهذا الموطن تكون فيه كرامتى‬
‫‪ ،‬فأنا الذى يتجلى عليه المتجلى بنوره فتتفتح البصائر أمام هيبة وعظمة المتجلى الذى تجلى على‬
‫بنوره وبالتالى اتجلى على قلوب السائرين الذين تحملهم سفينتى بنورى الذى يأتنى من النور المبين‬
‫حين تنطمس بصائرهم فيحصلون على التنوير والكشف والفتح والفتح المبين وكل ذلك [بجلوتى] ‪،‬‬
‫فانا نجم ثاقب نفذ الى سماء الغيب التى هى إحدى سماوات الغيوب التى لى فيها مناقب ‪ ،‬وسماء‬
‫الغيب لدى عالم الغيب الذى ال يظهرعلى غيبه أحدا ً إال من إرتضى من رسول ‪ ،‬والهوية المضافة‬
‫الى الغيب ال َمعنِ ِى فى كلمة (غيبه) هى هوية الرسول صلى هللا عليه وسلم من حيث تدليه الى الخلق‬
‫‪ ،‬فهى سر هوية طلسم غيب الغيب ‪ ،‬الذى نقطة البدء والتمكين خصته ‪ ،‬وحكمة الفصل ومنه مجلى‬
‫الخفيات ‪.‬‬
‫‪ - 8‬ولى فى عصى موسى المكلم مأرب *** ولى فى يمين المستجارمآرب‬
‫كان لسيدنا موسى معجزتان ‪ :‬األولى فى عصاتة ‪ ،‬والثانية فى يده ‪ ،‬وهى تمثل القوة والقدرة‬
‫وتنفيذ القدرة والواضح من اآليات من ‪ 12- 22‬من سورة طه‬
‫عن المعجزة األولى العصا ‪:‬‬
‫أن سيدنا موسى كان يعتمد على عصاه عند مشيه وعند قضاء الحاجات ‪ ،‬وقال سيدنا عبد هللا بن‬
‫عباس رضى هللا عنهما {أن سيدنا موسى عليه السالم يحمل عليها زاده وسقاءه حيث يضرب بها‬
‫االرض فتخرج ما يأكله ‪ ،‬ويركز بها فيخرج الماء ‪ ،‬فاذا رفعها ذهب ‪ ،‬وكان يرد بها على غنمه ‪،‬‬
‫واذا ظهر له عدو حاربت وناضلت عنه ‪ ،‬واذا أراد االستسقاء من البئر أدالها ‪ ،‬فطالت على طول‬
‫البئر ‪ ،‬وصارت شعبتان كالدلو فيستقى بها ‪ ،‬وكان يظهر على شعبتيها كالشمعتين بالليل فيستضىء‬
‫بها ‪ ،‬واذا إشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن تلك الشجرة وأورقت وأثمرت} فهذه هى المآرب ‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫وعن المعجزة الثانية معجزة (اليد) التى هى اآلية الكبرى المستمده من ( يمين المستجار) ‪:‬‬
‫ويقول االمام ابن عجيبه مشيرا ً الى المعنى ‪ :‬بقول الحق تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى) فيقول ‪:‬‬
‫هى دنياى أعتمد عليها فى معاشى وقيام أمورى ‪ ،‬وأنفق منها على عيالى ‪ ،‬ولى فيها حوائج أخرى‬
‫من الزينة والتصدق وفعل الخيرات ‪.‬‬
‫وهذه معجزة أخرى فقال (واضمم يدك الى جناحك) أى أدخلها تحت عضدك ‪ ،‬فجناح االنسان ‪ :‬جنباه‬
‫‪ ،‬مستعار من جناح الطير (تخرج بيضاء) تخرج بيضاء شعاعية لها شعاع كشعاع الشمس تضىء‬
‫كونها (آية أخرى) أى معجزة أخرى غير العصاه ‪.‬‬
‫{من المجلد الثالث من البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد لإلمام بن عجيبة من ص ‪ 794‬حتى‬
‫‪}797‬‬
‫والمراد من قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه (ولى فى عصا موسى المكلم مأرب) أى لى عصا‬
‫أئتنس بها فى ممشاى مثل عصا موسى عليه السالم الذى كان يأتنس بها أثناء مشيه بالوادى عندما‬
‫جاءه النداء من قبل ربه (أخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) وإنا اخترناك خليفة وحملناك أمانة‬
‫‪ ،‬رفع راية الطريقة البرهانية وإظهار حقيقة من جاءت من أجله ‪ ،‬فقال رضى هللا عنه (من أجل‬
‫ابراهيم بعد رجائه ‪ ..‬هذا الحديث ومنحتى وكالمى) بعد أن قال (من أجل ابراهيم قد أمليتها) ‪ ،‬وهذه‬
‫هى الحقيقة أوال ً نور النبى ‪ ..‬معلم القرآن ‪ ،‬والتى أتى بيانها بسورة الرحمن ‪ ،‬وجاء بالبشارة التى‬
‫فيها علة المجىء فى القصيدة العطية ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم‬
‫والحقيقة هى الشىء الوحيد الذى إنفردت به دون غيرك ‪ ،‬حيث سعيت اليها مرفوع هامة بعد صبرك‬
‫لحكمى ‪ ،‬وأتتك تهرول نحوك وماهى اال حقيقة العبد ابراهيم المشار اليه فى توسل السادة البرهانية‬
‫بـ (طلسم غيب الغيب سر الهوية) ‪.‬‬
‫مبحث حول الجيرة والمستجار‪ :‬وفيه المعنى المراد إثباته‬
‫يقول سيدى االمام فخر الدين فى القصيدة (‪: )8‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته‬
‫قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته‬
‫إن الذى يلقى الهناء بجيرتى *** ينجوا وينجى أهله بنجاته‬

‫‪17‬‬
‫أى إننى قلت المعانى فى عظيم بنائها حتى يُ ْ‬
‫ستخرج المعنى المراد إثباته من الكالم ‪ ،‬وان الذى يهنأ‬
‫ويسعد بالجوار ‪ ،‬وهو جوارى الذى فيه جوار المستجار ‪ ،‬فإنه ينجو وينجى أهله بنجاته ‪ ،‬كما يقول‬
‫سيدى فخر الدين أن المستجار وهو الذى عنده بلوغ القصد‪ ،‬وبلوغ القصد هو فض التشارك ‪ ،‬لذا‬
‫يقول رضى هللا عنه فى القصيدة (‪: )24‬‬
‫أيا حجب كانت على العين ساترا ً *** تبارك من بالمستجار أزالك ‪24 /1‬‬
‫وهنا يستحفز همم السائرين حتى ال تتقاعس عن السير وترقد حتى وقت الضحى ‪ ،‬ثم يتعجب من‬
‫الحجب التى تغطى عيون السائرين وتستر عنهم الرؤيا بقوله رضى هللا عنه تبارك وتعاظم من بفضله‬
‫أزالك ومن بيده رفع الغطاء عن أعين السائرين ‪ .‬ثم يقول ‪:‬‬
‫ولى بالمستجار جوار عز *** فأنعم جيرة ولى الجوار ‪72 /14‬‬
‫أى من مآربى التى نلتها بفضل المستجار الذى له جوار عز ‪ ،‬وجيرة العزيز فيها العز والجاه الرفيع‬
‫وأنعم به من جوار ‪ .‬وقال فى القصيدة (‪: )11‬‬
‫فلى جار لديه جوار عز *** ومعبود يعظمة العبيد ‪11 /21‬‬
‫أى جار عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم بعباده الذين أحبوه حب عبادة‬
‫فصار معبودهم الذى يحق لهم تعظيمه ‪.‬‬
‫وجاء فى القصيدة (‪ )22‬قوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫ويرقب موسى والعصا بيمينه *** ويشهد فلقا ً ظاهرا ً بيقينه ‪22 /24‬‬
‫وموطن جواره هو (موطن العزة) التى أسر وأنعم به فطاب لنا جواره الذى فيه حضرة العز والحمى‬
‫والذى توضحة القصيدة (‪ )91‬بقول موالنا رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كم أسرت والنبيون إستجاروا *** وإستطابوها نعيما ً نحن فيه ‪91 /2‬‬
‫لذا جاء القول بـ (والنبيون إستجاروا) أى أنهم طلبوا االستجارة ‪ ،‬حيث يعيشون معنا فى النعيم الذى‬
‫نحن فيه ‪ ،‬فسمح لهم بالجوار فى ذلك النعيم ‪ ،‬لهذا تعجب هؤالء األحبة ودهشوا من رغبة النبيون‬
‫بتلك اإلستجارة ‪ ،‬عليه جاء القول (فإستطابوها نعيما ً نحن فيه) ‪.‬‬
‫‪ - 24‬ومما أفاء هللا ذالك مشربى *** وهدايتى للسالكين مشارب‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫(ومما أفاء هللا ذلك مشربى)‬
‫أى أن (ديوان شراب الوصل) علمى فى العلياء ‪ ،‬وهو صعب المنال والمشار اليه بأداة االشارة (ذلك)‬
‫وهى أداة اشارة للبعيد ‪ ،‬وأشار اليه قولى فى القصيدة التائية ‪:‬‬
‫وعلمى فى العلياء صعب مناله *** وإن ظاللى غافالً ما أظلت ‪2 /279‬‬
‫الفئ ‪ :‬العلم الذى أفاء به الحق على ‪ ،‬فالعلم ينقسم على قسمين علم كسبى وهو ما يكتسب بالجد‬
‫والتشمير فى تعلمه ‪ ،‬وعلم وهبى وهو المراد به قولى فى القصيدة (‪: )8‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته‬
‫فعلمى هو مشربى مما أفاء هللا ‪ ،‬وهو العلم الوهبى اإللهى الذى أفاض به الحق على بمحض فضله‬
‫وجوده ‪ ،‬وهو يحمل سر طهور بدعق حاء محببه ‪ ،‬مفيض العطايا صوره أنت عدتى ‪ ،‬سر سقفاطيس‬
‫صاحب الحمد والثنا ‪ ،‬عظيم سقاطيم وكافى البرية ‪ ،‬وهو ما يختص بأسرار ذات الذى هو أول الخلق‬
‫صاحب الحقيقة أوال ً نورالنبى معلم القرآن ‪ ،‬وهو الذى أشارت اليه اآلية (‪ )2‬من سورة الحشر (وما‬
‫أفاء هللا على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل وال ركاب ولكن هللا يسلط رسله على من يشاء‬
‫وهللا على كل شىء قدير) ‪.‬‬
‫والوصل فيئتى ‪:‬‬
‫سالم على قوم بنا قد تواصلـــــوا *** فحبلى موصول وجدى قدوتى ‪2 /12‬‬
‫وإن حبال الوصل باألصل أوصلت *** وإنى حبل هللا والوصل فيئتى ‪2 /271‬‬
‫وحتى ال ينال الدهـــــر ممـــــــــــا *** أفــــــــاء هللا إن الجهل موت ‪12 /21‬‬
‫فمشربى هو مشرب أرواح القوم الذين قد تواصلوا بنا فعليهم منى السالم ‪ ،‬فهم من أوصلتهم‬
‫والحقتهم بسر الالم الذى هو سر على كل العظام ‪ ،‬وإنه بظهور غيب الذات ما إفشاه ‪ ،‬والسر سر‬
‫الجمال الطالع من العمى (كنز الذات ذى األحدية) والظهور ظهوره ‪ ،‬نعم الظهور وجل وتعاظم من‬
‫يغشاه ‪ ،‬فالغيب غيبه ‪ ،‬وهو طلسم غيب الغيب سر الهوية ‪ ،‬والحبل هو حبلى الموصول بجدى قدوتى‬
‫‪ ،‬الذى منه الوصال ووصلتى ‪ ،‬وهو األصل الذى به أوصلت جميع حبال الوصل ‪ ،‬وإنى حبل هللا‬
‫الموصول والوصل كله فيئتى (قسمتى) ‪ ،‬والجهل بهذه الحقيقة هو الموت ‪.‬‬
‫وهنا يبلغنا الشيخ بقوله عن مشربه ‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫ليعلم الجميع بأن مشرب علمى هو قسمة (حظى ورزقى) من نور النبى الذى إختصنى به الحق تبارك‬
‫وتعالى وسناه من سنا األحدية ‪ ،‬وهو المشرب الذى يهتدى به جميع السالكين الى الحضرة المسماة‬
‫كتاب هللا المشار اليها فى القصيدة (‪: )92‬‬
‫ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينتهى‬
‫فهو كتاب األلف المشار اليه فى أول آيات البقرة (أ ل م) ذلك الكتاب الذى ال ريب فيه هدى للمتقين‬
‫‪ ،‬وهذه مكونه لجوامع الكلم الذى يسميه الصوفية موطن الصفات العالية ‪ ،‬ومعنى جوامع الكلم‬
‫(الشىء الواحد الذى ينطق به كل ناطق) من الحروف الهجائية التى تنزلت على سيدنا آدم عليه‬
‫وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم ‪ ،‬فكان هو نصيبى من هذا الموطن الذى فيه يقولون ‪:‬‬
‫كنت شئ وآدم لــــم يكن شئ ** وحويت األسرار بالنشر والطى‬
‫وقديما تقاسمت قسمة الفيئ ** لك ذات العلوم من عالــم الغيب‬
‫ومنها آلدم األســــماء‬
‫وقال بعضهم ‪:‬‬
‫ع ِلـــــ َم األشياء رسمـــــا ً وخطـــــا ً‬
‫عَا ِلــــــــ ٌم من آدم علـــــــــم السر ** و َ‬
‫ليس فى اإلنس علمه ال وال الجن ** واحد الشخص وهو مختلف الجنس‬
‫يقينا ً من أنكر الحال أخطأ‬
‫جل وجه يلوح من خلف ستر الشىء ** وهو المكشوف وهو المغطى‬
‫كل هذه األدلة توضح أن القرآن هو أكبر معجزة للنبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬كان عند النبى عليه‬
‫الصالة والسالم قبل البيت المعمور وقبل جبريل وهو ُخلقه‪ ،‬والخلق جزء من كل ‪ ،‬وما أبدع ما ذكره‬
‫االمام العارف باهلل تعالى الشيخ عبد الغنى النابلسى عليه رضوان هللا عن مولد النبى صلى هللا عليه‬
‫وسلم فى جواهره حيث قال ‪:‬‬
‫{فكان به صلى هللا عليه وسلم فاتحة الوجود ‪ ،‬وبقرة آل عمران شربت من ورده المورود ‪ ،‬وبررة‬
‫النساء امتدت لمن بنوره مائدة الشهود ‪ ،‬وطافت به أنعام االعراف ذو االنفال ونجا بالتوبة يونس‬
‫وهود ويوسف من رعد شدائدهم الثقال ‪ ،‬وسعد به ابراهيم فى بنيان الحجر ‪ ،‬وحصل به وحى النحل‬
‫‪ ،‬واسراء الكمال فى كهف غره بال حجر ‪ ،‬وحملت به مريم ألنه طه األنبياء وحج المؤمنين ‪ ،‬والنور‬
‫والفرقان بالشعراء الكاملين ‪ ،‬والنمل آمن بالقصص لديه ‪ ،‬وعشعش العنكبوت فى الغار عليه ‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫وأذعنت له الروم بأنه لقمان الحكمة وسجدة االحزاب ‪ ،‬وسبأ بمحبته القلوب فهو فاطر االلباب ‪،‬‬
‫ياسين الصافات من المالئكة ‪ ،‬وصاد الزمر من الطائفة المباركة ‪ ،‬وسر غافر الذنب الغفور ‪ ،‬الذى‬
‫فصلت به االمور ‪ ،‬وشورى بين االشراف ‪ ،‬وزخرف دخان النفس الجاثية عنده باالحقاف ‪ .‬محمد‬
‫صاحب الفتح والحجرات من التجليات العرفانية ‪ ،‬وقاف الذاريات من طور النفوس االنسانية ‪ ،‬نجم‬
‫االفالك ‪ ،‬و قمر االمالك ‪ ،‬المستمد من نور الرحمن الذى به واقعة الحديد فى المجادلة ‪ ،‬وحشر‬
‫الممتحنة فى الصف للجمعة مع المنافقين فى تغابن المقاتلة ‪ ،‬ومنه طالق التحريم فى الملك ونور‬
‫الحاقة االحسانية ‪ ،‬ومعارج نوح والجن والسالكين فى المقامات االيمانية ‪ ،‬المزمل والمدثر زين‬
‫القيامة وفخر االنسان ‪ ،‬وذو االخالق المرسالت ألهل النبأ والعرفان ‪ ،‬والنازعات من االوصاف الكبار‬
‫‪ ،‬لمن عبس من التكوير واالنفطار ‪ ،‬القاطع للمطففين بانشقاق البروج ‪ ،‬والطارق حضرة االعلى‬
‫بغاشية الفجر فى البلد المولوج ‪ ،‬ضياء الشمس ونور الليل والضحى ‪ ،‬المنزل عليه ألم نشرح حيث‬
‫شرح هللا صدره للرسالة شرحا ً ‪ ،‬افتخر التين والعلق بقدره بل كل البرية ‪ ،‬وزلزلت العاديات بقارعة‬
‫التكاثر فى عصر همزة النفوس األبية ‪ ،‬وولد صلى هللا عليه وسلم عام الفيل ‪ ،‬فابتهجت قريش‬
‫بالماعون من كوثر السبيل ‪ ،‬وارتفع على الكافرين بالنصر على أبى لهب ‪ ،‬وكمل له االخالص والفلق‬
‫الواضح فهدى الناس حتى كل من ربه اقترب ‪ ،‬صلوا عليه وسلموا تسليما ً } فهو صلى هللا عليه‬
‫وسلم الممد األول لألشياء حتى المالئكة ‪.‬‬
‫( من كتاب تبرئة الذمة صفحة ‪)22 -24‬‬
‫وفى هذا المشرب يقول موالنا الشيخ ‪:‬‬
‫نزلنا بحرهو كالسابحات *** وأيقنا بأن الوصل آت‬
‫نزلت بحرا ً طلبت التأييد فؤيدت ‪ ،‬وطلبنا فيه االمداد فؤمددت ‪ ،‬فلما استوفينا بال ال ‪ ،‬دخلنا فى بحر‬
‫ال ساحل له ‪ ،‬فإذا حيتان البحر ودوابه يتهجمون بى ‪ ،‬فلما توسطنا البحر ‪ ،‬طلبنا الوجود األولى ‪،‬‬
‫فإذا بى عاد البحر كما هو ‪ .‬فقلنا يا هو ‪ ،‬يا هو ‪ ،‬ما فرق الهو يا هو ؟‬
‫فقال الهو ‪ :‬يا أهل يثرب ال مقام لكم اليوم فارجعوا ‪ ،‬فرجعنا على اعقابنا ‪.‬‬
‫فإذا بى عاد البحر كما هو ‪ ،‬فقلنا يا هو ما فرق الهو يا هو ؟‬
‫فقال الهو يا من فيه كل شئ ‪ ،‬ما يفعل الشئ بالشئ هو شئ ‪.‬‬
‫فمن هنا يقول سيدى فخر الدين مما أفاء هللا لى من موطن الصفات العالية موطن جوامع الكلم ‪،‬‬
‫هذا العلم الذى أخذته من البحر ‪ ،‬والبحر هو نور النبى ‪ ،‬فمشربى من علوم ديوان شراب الوصل‬

‫‪21‬‬
‫من بحر الهو الذى نظمته لكم ‪ ،‬وصالً لالحباب وهداية لجميع السالكين من كل الطرق فكان لى الحظ‬
‫األوفر من هذه العلوم التى قسمتها على أهل الطرق جميعا ً ‪.‬‬
‫‪ - 22‬ولى نظم در والجواهر منطقى *** وفيهن للراجى النجاة مكاسب‬
‫فقسمتى التى رضيتها من علوم الحقيقة التى تتحدث عن المقصود بأول الخلق هى جملة علوم‬
‫أحصيتها ونظمتها فى ديوان أسميته شراب الوصل ‪ .‬بينت فيه لألحباب تفاصيل أسرار هذه الحقيقة‬
‫التى صارت من حظى ونصيبى الذى حصلت عليه من بحر عطايا حضره النبى صلى هللا عليه وسلم‬
‫فهو بحر العلوم الذى ال ساحل له وفيه لراجى النجاة كثيرا من المكاسب ‪ ،‬وأعظم هذه المكاسب هو‬
‫التدارس الذى فيه الخير الكثير ‪ ،‬وعن كيفية هذا التدارس قلت ‪:‬‬
‫يتدارس االحباب فيما بينهم *** قولى وإنى بينهم عطـــــــــاء ‪12 /8‬‬
‫وقلت تدارسوا فالخير جــم *** وبيت هللا ذا رحب الرحــــــــاب ‪21 /2‬‬
‫لم تتدارسوا لكن جعلتــــــم *** من المنظــــــوم بعضا ً كالسباب ‪21 /2‬‬
‫فأين تدارس االحباب قولى *** وأين السعى فى كشف النقـــاب ‪21 /9‬‬
‫فبعد السعى لكشف النقاب ‪ ،‬أكشف لالحباب عن علمى الذى جواهره كمينة لدى الصدور األوائل ‪،‬‬
‫فعن طريق التدارس يتضح السر الكمين لألوائل الذين عرفوه وسبحوا سبحانه ويبلغوه للذين لم‬
‫يتعرفوا عليه فيعرفوه ويسبحوه ويوقروه ‪ ،‬ويعلمون أنه الحق المقصود ‪ ،‬بقبلتى المعظمة اختصاصا ً‬
‫وقبلة قصادى وبيت العقائد ‪.‬‬
‫‪ - 21‬وتؤتى بإذنى كل حين أ ُ ْكلَها *** وتمطرن ما ال تحتمله سحائب‬
‫فالمعرفة بعلوم هذه الحقيقة تمثل الشجرة المندرجة فى النواه ‪ ،‬وهى معينى الذى ال ينضب والذى‬
‫توضحة القصيدة البائية ‪:‬‬
‫فأنا على مـــــر السنين *** لكل قوم مشـــــرب‬
‫نورى من النور المبين *** ونور جدى االغلب‬
‫فالمعرفة به رضى هللا عنه ال ت ُ ْؤتى إال بإذنى عن طريق الكشف عن باطن العلم الذى نأخذه من باطن‬
‫القرآن وهو معرفة السر المصون والجوهر المكنون ‪ ،‬سر أسرارى المشار اليه بـ ( كتاب هللا ) الذى‬
‫تحتوى عليه القصيدة (‪ )92‬التى يقول فيها رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫* ما كتاب هللا إال جمــــــعنا *** إنما األحـــــــــباب آيات بـه ‪92/2‬‬
‫‪22‬‬
‫* ما كتاب هللا إال حضــــــرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينـتهى ‪92/1‬‬
‫* كان منها كل علم ســــابق *** بل مذاقا ً كل غـوث يشـتـهى ‪92 /7‬‬
‫* يشتهـــــيها كل عبد مالك *** قائم بالحــــق دومـا ً ال يـهى ‪92 /1‬‬
‫* قائم باالمرقـــــــــــوام بها *** ملك رب الناس ممــــدود به ‪92 /5‬‬
‫فمعرفتى بهذا الكتاب فيها من األسرار الكثير كالسحاب الممتلئ بماء المطر الذى ال تحتمله السحائب‬
‫‪ ،‬فهذا العلم مكنون بصدرى لفظا ً وغاية وتبيان سنه ‪ ،‬حصلنا عليه من البحر الذى ال ساحل له عند‬
‫خوضنا بحره الذى تحذر السفن ما به ‪ ،‬ويجل عن الحذاق مكنون كنيتى ‪ ،‬وعلوم هذه الحقيقة التى‬
‫طابت لى ‪ ،‬مثلها كشجرة طيبة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ‪،‬شجرة أصلها ثابت وفرعها فى‬
‫السماء ( سماء عا لم األمر ) مثل النخلة المثمرة التى تؤتى ثمارها كل حين بإذن ربها ‪ ،‬حيث أن‬
‫طلعها نضيد وثمارها المتنوعة فيها الخير الكثير من رزق للعباد ‪ ،‬فهى شجرة علوم ثمينة ثمارها‬
‫تحتوى على جميع االلوان وشتى أنواع العلوم التى تفيد أهل األرض عندما يهطل عليها الماء كالمطر‬
‫فتسقى به األرض والناس وتثبت به أقدامهم حيث المزالق ‪.‬‬
‫‪ - 27‬كتابا ً قرآنا والمعلم احمد *** اال كيف ال يقري الذى هو كاتب‬
‫ما هو الكتاب الذى يقول عنه موالنا العظيم بأنه قرئه ‪:‬‬
‫إنه كتاب هللا (القرآن) الذى علمه الرحمن قبل خلقه لإلنسان ‪ ،‬والذى بيانه بسورة الرحمن (الرحمن‬
‫علم القرآن خلق االنسان علمه البيان) القائل عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة‬
‫النونية القصيدة الثانية ‪:‬‬
‫فلتسمعوا قولى صحيحا مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن‬
‫سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلـــــم القرآن‬
‫بمقارنة اآلية (الرحمن علم القرآن) والبيت (نور النبى معلم القرآن ) نجد كلمة (القرآن) مشتركة‬
‫بين اآلية والبيت ‪ ،‬يبقى كلمة (الرحمن) = (نور النبى) وكالهما معلم للقرآن ‪ ،‬فيكون أصل القرآن‬
‫جاء من الحقيقة األحمدية وهى حقيقة اإلسم (أحمد) والمستَ ْق ِبل للقرآن صاحب الحقيقة األحمدية‬
‫المستخرجة من األحدية (أحمد) لذا جاء فى القصيدة (‪:)82‬‬
‫بأحمد حيث األحمدية يهتدى *** اليه بنور األحمدية طالب‬

‫‪23‬‬
‫وعادة يكون الطالب‪ :‬هو طالب علم ومعرفة ‪ ،‬واألحمدية موطن المعرفة (باألحدية) ‪ ،‬وعليه يكون‬
‫طالب معرفة األحمدية هو (أحمد) المتوسل بـ (أحمد) باألحمدية راجيا ً منها أن ترسل سنا نورها‬
‫ليهتدى به للمعرفة بها ‪ .‬أى أن (أحمد) المتوسل به هو نور هللا و(أحمد) الثانى هو مثل نوره الذى‬
‫تشير اليه سورة النور اآلية (‪{ )75‬هللا نور السماوات واالرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح‬
‫المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة ال شرقية وال غربية‬
‫يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى هللا لنوره من يشاء ‪}....‬‬
‫(أال كيف ال يقرى الذى هو كاتب)‬
‫ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بما أن الكاتب أحمد صاحب الحقيقة األحمدية كيف ال يقرى‬
‫أضيافة وأحبابه من أهل هذه الحضرة المسماة ‪:‬‬
‫كتاب هللا جمعنا واألحبــــــــــــــــــــاب آيات به‬
‫وكتاب هللا حضرة قاب قوسيها الهدى ال ينتهى‬
‫ويقول سيدى فخر الدين عن الجمع ‪:‬‬
‫إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب‬
‫وموالنا الشيخ يقول ‪ :‬أنا فى سماء الغيب نجم ثاقب ‪ ،‬فالسماء سماء عالم االمر وهو الذى نفذ ضياؤه‬
‫وبقر غيب ( القرآن ) وهو أكبر معجزة للنبى الذى يبدأ بفاتحة الوجود ‪ ،‬ثم بقرة آل عمران التى فيها‬
‫بقر العلوم ( ظاهرها وباطنها ) فمن المعلوم أن موالنا الشيخ النجم الثاقب لسماء الغيب هو الذى‬
‫بقر هذا الكتاب الذى أول آية فيه تبدأ بـ ( أ ل م ) ثم قال إن أداة اإلشارة فى اآلية الثانية ( ذلك‬
‫الكتاب ال ريب فيه ) تشير الى الكتاب ( األلف األول ) الذى قرأه ويتحدث عنه رضى هللا عنه بقوله‪:‬‬
‫أن األلف يشار به الى الذات األحدية أى الحق من حيث هو أول األشياء فى أزل اآلزال ‪ ،‬والالم يشار‬
‫به الى الوجود المنبسط على األعيان ‪ ،‬والميم يشار به للكون الجامع وهو االنسان الكامل ‪ ،‬فالحق‬
‫والعالم واالنسان كتاب ال ريب فيه ‪ ،‬فذلك أداة إشارة للبعيد والبعيد منها هو ( أ ) وااللف من حيث‬
‫هو أول شىء خلقه الحق ‪ ،‬أول الخلق فى إطالقه ‪ ،‬هو ( أحمد ) المخصوص بالذات االحدية ‪ ،‬فاأللف‬
‫الحقيقة األحمدية وهى الكتاب الذى يقول عنه سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫كتابا ً قرأنا والمعلم أحمد *** اال كيف ال يقرى الذى هو كاتب‬
‫فسماء الغيب فيها العلوم الغيبية التى تشير الى أسبقية (نور النبى) الذى منه إنشقت االسرار وانفلقت‬
‫منه االنوار ففيه موطن االسماء االلهية وموطن الصفات العالية موطن جوامع الكلم الحروف ‪،‬التى‬
‫ينطق بها كل شىء والتى تحتوى على الكتب الثالثة (كتاب األلف وكتاب الالم وكتاب الميم) وكل‬
‫‪24‬‬
‫منهم يشير إلى الحقيقة األحمدية والحقيقة المحمدية والذات األحمدى لإلنسان الكامل المشار اليه فى‬
‫القصيدة األحدية ‪:‬‬
‫إنه إنسان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البرالصمد‬
‫والمشار اليه أيضا ً فى القصيدة ( ‪: )24‬‬
‫والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربى‬
‫فاإلنسان المقصود الذى شوهد فى حضرة البر الصمد المربى لألرواح ( أحمد ) المخصوص بالذات‬
‫التى هى ذات االحدية فهو ( نور النبى ) أحمد الذى إهتدى الى الحقيقة األحمدية بنورها ‪ ،‬وهو‬
‫المشار اليه بالقلم والخلق األول وأول كاتب ‪.‬‬
‫والمشار اليه بسورة الرحمن ( نور النبى معلم القرآن ) الذى تعددت نعمه علينا وآالؤه بسورة‬
‫الرحمن الذى نرفع ايادينا له شكرا ً على نعمه المتعددة عند قراءتنا لآليات التى يقول فيها الحق تبارك‬
‫وتعالى ( ال آالء إال آالؤك ) والمقصود هنا باإلسم ( الرحمن ) وليس ذات البارى ‪ ،‬ألن كالم القرآن‬
‫الكريم وكالم الديوان من موطن الصفات لذلك فهو كالم االسم الرحمن ويذكرنا موالنا الشيخ محمد‬
‫عثمان عبده البرهانى بعد مرور ( ‪ ) 72‬عاما ً بقوله فى القصيدة ( ‪: ) 12‬‬
‫أما عن العلـم الذى أودعتـــه *** هل تجدب األرواح وهو الماء ‪12/5‬‬
‫أودعت بعضا ً منكـم أســراره *** لوال الهوى القتصت البطحاء ‪12/2‬‬
‫من يطرق الكلمات يسأل مدنا *** ال يلقى إال الرفد وهو سخـاء ‪12/2‬‬
‫فإذا أردتم سرها فتســــامروا *** فيها فإن عصــــــاتها عتقـاء ‪12/9‬‬
‫يتدارس األحباب فيما بينهـــم *** قولى وإنى بينهم عــــــــطاء ‪12 /8‬‬
‫وعطاء صيغة مبالغة تدل على كثرة عطائه للناس الذى فاق كل عطاء ‪ ،‬ومن كمال هذا العطاء يقول‬
‫رضى هللا عنه متحديا لكل العقول فى القصيدة ( ‪: ) 11‬‬
‫أميط اليوم عن قولى لثاما ً *** لزاميا ً فقد جد الجديد ‪11/2‬‬
‫فإن الليل يقصر أو يطول *** ليطلع بعده فجر جديد ‪11/17‬‬
‫أما عن الفجر الجديد يأيها الناس جاءكم ( إبراهيم ) الذى إسمه مكون من سبعة حروف من بين‬
‫جوامع الكلم من بين ( األلف والياء ) من كلمة أي ـ ها التى هى جوامع الكلم الحروف الثًمانية‬

‫‪25‬‬
‫والعشرون ‪ ،‬وإذا نظرنا الى الرقم ( ‪ ) 72‬نجد فيه إشارة الى تعدد نعمه وآالئه ليتحدى المنكرين‬
‫والمكذبين لهذه الحقيقة فى اآلية { فبأي آالء ربكما تكذبان } التى تم تكرارها ( ‪ ) 72‬مرة وبعد اآلية‬
‫الواحدة والثالثين يقول سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫{ تبارك إسم ربك ذى الجالل واإلكرام } فاسم ربك الرحمن ذى العظمة والهيبة والجالل واإلكرام‬
‫للمؤمنين ‪.‬‬
‫فهو ولى النعم ‪ ،‬المنعم المتفضل علينا ‪ ،‬فكيف ال يقرى أضيافة وأحبابه ‪ ،‬من أجل ذلك قال رضى‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫‪ - 21‬غدا كل مستخف بنورى ظاهرا ً *** وما هللا إال فى الحقائق سارب‬
‫وهنا يذكرنا بقول سيدنا االمام على كرم هللا وجهه الذى يقول فيه ‪:‬‬
‫قد حزت علم األولين ولكنى *** بعلم اآلخرين ضنين كتوم‬
‫ولما سؤل لماذا‪ ،‬فقد قال كرم هللا وجهه ورضى هللا عنه ‪ ،‬حتى يأتى زمانه ويحضر رجاله ‪ ،‬فبحلول‬
‫دولة سيدى ابراهيم الدسوقى أبو العينين صاحب الطريقة البرهانية طريقة مسك الختام ‪ ،‬فأصبح من‬
‫الضرورى أن يأتى صاحب علم اآلخرين مظهر ما خفى وكان فى حيز الكتمان ليوقظ همم أهل هذا‬
‫الزمان م ن الغفلة والنسيان ‪ ،‬ويحيى قلوب الذاكرين ويغذى أرواح األولياء الصالحين ويمدهم‬
‫بالمعرفة بحقيقة صاحب علم اآلخرين العلم المكتوم الذى قال عنه سيدنا على ولكنى ضنين بعلم‬
‫اآلخرين كتوم ‪ ،‬ويذكر أحبابه الذاكرين والصالحين العاكفين على هذا العلم الذين تلقونه منحة فعكفوا‬
‫عليها سجدا ً وقياما ً ‪:‬‬
‫وإذا تلظوا بالمحبة أصبحوا *** يتقلبون بها وكان غـــــراما ‪29/1‬‬
‫وإذا إستقروا عند مالكة القرى *** قروا عيونا ً بدأة وختــاما ً ‪29/7‬‬
‫قد أنفقوا أعمارهم لم يقتروا *** وتفيأو الحسنى وكان لزاما ً ‪29/1‬‬
‫قد ألهب التوحيد مركب سيرهم *** حتى أحلوا دارهم إسالما ً ‪29/5‬‬
‫لذا فكل مستخف عنكم اصبح بنورى ظاهرا ً ‪ ،‬حيث أن نورى من النور المبين ونور جدى االغلب‬
‫‪،‬‬
‫(وما هللا إال فى الحقائق سارب) فنوره رضى هللا عنه سارب فى الحقائق (الغيوب) ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫فهو هللا الواحد األحد ‪ ،‬الذى ال إله إال هو ‪ُ ،‬مظهر الحقائق التى يسرى فيها السر السارى فى الوجود‬
‫‪ ،‬فتاره تراه ساريا ً فى االسماء االلهية ‪ ،‬وأخرى تجد سره ساريا ً فى خلقه حيث هو خالق الخلق ‪،‬‬
‫وممدهم بالقوة والرزق ‪ ،‬وكل شئ هالك إال وجهة الباقى ‪ ( ،‬ويبقى وجه ربك ذى الجالل واإلكرام )‬
‫‪ ،‬إى ذو العظمة والهيبة ‪ ،‬واإلكرام إكرام المؤمنين ‪.‬‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫القصيدة (‪(19‬‬

‫فى كل حين لنا فى المصطفى امل *** حتى اذا حانت االسرا يسرينا‬

‫‪28‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الموافق ‪ 18‬من أبريل سنة ‪2891‬م ‪.‬‬ ‫يوم األحد ‪ 12‬من رجب لسنة ‪ 2141‬هـ‬
‫عدد األبيات ‪71 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها ‪ :‬فى معنى البيت األول من القصيدة (‪ )12‬الذى يقول فيه ‪:‬‬
‫أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب‬
‫كنية فخر الدين ‪:‬‬
‫جاء فى القصيدة األولى المسماة بـ (التائية) فاتحة ديوانه المسمى (شراب الوصل) التى يقول فيها‬
‫‪:‬‬
‫‪2 /27‬‬ ‫* يشار إلى بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة‬
‫يحدثنا الشيخ رضى هللا عنه بأن له فى سماوات الغيوب مناقب كثيرة ‪ ،‬بدايةً‪ :‬كلمة سماوات مفردها‬
‫سماء ‪ ،‬والسماء المقصودة هى سماء عالم األمر ( سماء الغيب ) ‪ ،‬وفى موطن آخر يقول أنا فى‬
‫سماء الغيب نجم ثاقب ‪ ،‬فالحقيقة سماء والشريعة أرض والطريقة سلم للعروج الى سماوات الغيوب‬
‫‪ ،‬أى أنا نجم العلم الذى نفذ الى سماء الغيب وبقرعلومها الغيبية للمعرفة بحقيقة المراد الذى أرمى‬
‫الى معناه أو إثباته ‪ ،‬من خالل مجموعة علومى التى حصلت عليها والتى أسميتها ( شراب الوصل‬
‫كتابى تبرئة الذمة فى نصح األمة وانتصار أولياء الرحمن‬
‫ْ‬ ‫) وما قبلها من علوم بثثتها عن طريق‬
‫على أولياء الشيطان ‪ ،‬وحلقات الدروس المجمعة فى مجموعة علموا عنى وغيرها من دروس‬
‫مسجلة على أشرطة أو إسطوانات مدمجة جمعت فيها كل ما يفيد المريد على مدى األزمان ‪ ،‬وكل‬
‫هذه العلوم التى حصلت عليها عطية ‪ ،‬من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن قاب قوسين‬
‫حيث كنت من بين الموجودين من األولياء والصالحين الذين كانوا بصحبة المصطفى صلى هللا عليه‬
‫وسلم وهى من وعاء العلم المشار اليه بالكتمان ( العلم الثالث ) واألسماء الشرعية للعلوم الثالثة‬
‫(علم بثثته وهو االسالم ‪ ،‬وعلم خيرت فيه وهو االيمان ‪ ،‬وعلم أمرت بكتمانه وهو االحسان ) وقال‬
‫رضى هللا عنه عن االحسان هو العلم الذى أمر النبى صلى هللا عليه وسلم بكتمه ليله االسراء‬
‫والمعراج وهو حق اليقين كما جاء فى المصطلح المصحفى ‪ ،‬ويسميه الصوفيه بعلم الحقيقة ‪ ،‬وهو‬
‫موطن العبودة ‪ ،‬وهو مرتبة روحية وعبادة روحية ومن عظمته وعدم تقييده أمر رسول هللا صلى‬
‫هللا عليه وسلم بكتمه ألن كل مشاهد انما يشاهد بقدر بصيرته ‪ ،‬ومن العطايا التى نلتها فى ليلة‬

‫‪29‬‬
‫الى بمعراجى هى مشاهدة عجائب صنعتى ومعراجى هو سفينتى ‪ ،‬ووقتها كان‬ ‫اسرائى حينما جىء ً‬
‫معى أحبتى الذين ركبوا معى ‪ ،‬وخاصة محبنا الذى ركب العزم معى لما قلت له ‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه {إن مراتب الدين األعمال فيها ثالثة مقامات وهى ‪ :‬مقام‬
‫العبادة ـ مقام العبودية ـ مقام العبوده} ومما يؤيد ذلك قوله رضى هللا عنه فى أول قصائده التائية ‪:‬‬
‫ولى كتب األبــرار أشهد ما بها *** وإنى عبد والعبـاد رعيتى ‪2 /12‬‬
‫ومن عبث بخس الحقيقة أهلها *** ألنى عبد فى مقام العبودة ‪2 /21‬‬
‫ومقام العبودة هو محل {القاب والقوس من التدانى} حيث أن محل {أو أدنى} هو مقام خاص بحضرة‬
‫النبى صلى هللا عليه وسلم من حيث الروح والجسد ‪ ،‬ومقام {قاب قوسين} يسمى وحدة (عالم األمر)‬
‫الذى فيه مجتمع األرواح ‪ ،‬أى موطن تالقى أرواح العباد وينقسم الى حضرتين (حضرة جمع ـ حضرة‬
‫جمع الجمع) وفى هذا الموطن يقول فيه رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫يُشار إلي بالبنان متوجا ً *** وإنى فخر الدين فى كل حضرة‬
‫وكنية فخر الدين هى كنية وليست لقبا ً وأشارت اليها القصيدة (‪ )22‬بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كنيت فخر الدين فى الـ **** عليــا ولست ملقبا ً ‪22 /14‬‬
‫وصارت كنيتى فى الحضرتين حيث طابت لى (مقاماً) أشارت اليها القصيدة (‪ )22‬بقوله أيضا ً ‪:‬‬
‫سالم وفخر الدين منك عطية *** بها طاب حيث الحضرتين تسابقى ‪22 /7‬‬
‫وجاء ف ى كتاب هللا الكريم أن الحق تبارك وتعالى حينما ينادى العظماء من الرسل واألنبياء كان‬
‫يناديهم بأسمائهم مثل قوله سبحانه وتعالى ‪ :‬يا آدم ‪ ..‬يا نوح ‪ ...‬يا ابراهيم ‪ ...‬يا موسى ‪ ...‬يا‬
‫عيسى ‪ ،‬ولكن عندما ينادى سيدنا رسول هللا يقول سبحانه وتعالى ‪ :‬يا أيها الرسول ‪ ...‬يا أيها النبى‬
‫‪ ...‬ولم يناديه باسمه مجردا ً ‪ ،‬وعلى غرار ذلك جاء نداء حضرة التكريم لسيدى الشيخ محمد عثمان‬
‫رضى هللا عنه بكنية (فخر) وأشارت الى ذلك القصيدة (‪: )17‬‬
‫فخـــرا ً تنادينى فأفخر شاكرا ً *** فى الحضرتين وما الفخار مشاع ‪17 /22‬‬
‫ال فالمناقب عز درك قيادها *** ولذكـــــــــر أمى ترهف األسماع ‪17 /29‬‬
‫ولشدة إحترامى صارت مناداتى فى الحضرتين بكنيتى (فخر الدين) وهى كنية ليس لها من سمية ‪،‬‬
‫فذلك فخر لى وفيه أفاخر ‪ ،‬وصرت خفيا ً بين أحبتى فى الحضرة والخفاء مزيتى ‪ ،‬والحضرة هى‬

‫‪31‬‬
‫مكان أو موطن تجمع أرواح مجردة لألنبياء واألولياء والصالحين ‪ ،‬ولذلك جاء قولى فى القصيدة‬
‫(‪: )72‬‬
‫وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار ‪72 /12‬‬
‫ويوم يطيب لى إفشاء سرى *** ليوم فيه عطلت العشـــــــار ‪72 /11‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول‪:‬‬
‫فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرى يسرينا‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الحديث عن االسراء والمعراج‬
‫بالبحث فى علوم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه استطعنا الحصول على الحديث عن الجزء الثانى‬
‫من رحلة االسراء والمعراج بصفة عامة للوصول الى شرح وافى للقصيدة (‪ )19‬التى بدأها رضى‬
‫هللا عنه بقوله فى البيت االول ‪:‬‬
‫فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت االسرا يسرينا‬
‫قصة االسراء والمعراج معروفة ومشهورة وال يخلوا مولد من موالد السادة الذين ألفوا الموالد من‬
‫هذه القصة ‪ ،‬غير أننا ما رمينا اليه فى هذا المجال هو الرد على من يدعون أن االسراء والمعراج‬
‫كان بروحه صلى هللا عليه وسلم دون جسده ‪ ،‬وأكبر دليل فى أول سورة االسراء وهو خير دليل‬
‫على أن االسراء كان بروحه وجسده الشريفين صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فالعبد هو االنسان الكامل صلى‬
‫هللا عليه وسلم فال يكون عبدا ً اال بجسده وروحه ‪ ،‬إذ العبد ال بد أن يكون بالجسد والروح معا ً ‪ ،‬فكلمة‬
‫(عبد) تدل داللة واضحة على أن اإلسراء والمعراج كانا بالروح والجسد ‪.‬‬
‫وقد جاء سيدى فحر الدين بالحديث عن اسراءات الرسول صلى هللا عليه وسلم وعددها وكيفية‬
‫اسراءات األولياء رضى هللا عنهم من جواهر الشيخ األكبر سيدى محى الدين بن عربى رضى هللا‬
‫عنه من آخر الباب السابع والستين وثالثمائة فى صفحة ‪ 112‬قال فيه أنه صلى هللا عليه وسلم له‬
‫أربع وثالثون اسراء ‪ ،‬منها واحدة بجسمه ‪ ،‬والباقى بروحه رؤى رآها ‪ ،‬وأما األولياء فلهم اسراءات‬
‫روحانية برزخية يشاهدون فيها معانى متجسدة فى سورة محسوسة للخيال ‪ ،‬يعطون العلم بما‬
‫تتضمنه تلك الصور من المعانى ‪ ،‬ولهم اسراءات فى االرض وفى الهواء غير أنهم ليس لهم قدم‬
‫محسوسة فى السماء ‪ ،‬وبهذا ساد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على الجميع باسراء الجسم ‪،‬‬
‫واختراق السماوات واالفالك حسا ً وقطع مسافات حقيقية محسومة ‪ ،‬وذلك كله لورثته معنى ال حسا ً‬
‫من السماوات وما فوقها ‪ ،‬ثم قال نظما ً ‪:‬‬
‫‪31‬‬
‫ألم تـر أن هللا أســــــــــــرى بعبده *** من الحــرم األدنى الى المسجد األقصى‬
‫الى ان عال السبع سمـاوات قاصدا ً *** الى بيته المعمــــور بالمأل االعلـــــــــى‬
‫الى السدرة العليا وكرسيه األحمى *** الى عرشه األسنى الى المستوى األزهى‬
‫الى سبحات الوجـــه حتى تقشعت *** سحاب العمى عن عين مقلته النجــــــــال‬
‫فكان تدليه على االمــــر إذ دنــــا *** من هللا قربـــــــــا ً قاب قوسين أو أدنــــى‬
‫وكانت عيــون الكون عنه بمعزل *** تالحظ مـــا يسقيه بالمــورد األحلــــــــى‬
‫فخاطبه باألنس صوت عتيقــــــه *** توقف فرب العرش سبحـــــانه صلـــــــى‬
‫فأزعجه ذاك الخطاب وقـــال هل *** يصلى إلهى مــــــا سمعت بـــــه يتلـــــى‬
‫فشال حجاب العلــم عن عين قلبه *** وأوحى اليــــه فى الغيــــوب الذى أوحى‬
‫فعاين ما ال يقدر الخلـــــــق قدره *** وأيده الرحمـــن بالعـــــروة الوثقـــــــــى‬
‫وألفاه مشتاقا ً الى وجه ربـــــــــه *** فأكرمه الرحـــــــمن بالمنظـــــر األجلــى‬
‫ومن قبل ذا قد كان أشهد قلبـــــه *** بغـــــار حـــــراء قبل ذلك فى النجـــــوى‬
‫ثم ذكر رضى هللا عنه فوائد اخرى ومن أهمها معراجه الروحى وأطال فيه فراجعه ان شئت ‪{ .‬من‬
‫كتاب تبرئة الذمة ص‪}154‬‬
‫وهذا ما يحدث لكمل العارفين واالشخاص المحترمين من ورثته صلى هللا عليه وسلم ‪( .‬وبالطبع‬
‫موالنا االمام فخر الدين منهم) القائل ‪:‬‬
‫فكلنا وارث من جده سمة *** ونحن أهل العال تمت وراثتنا ‪75 /24‬‬
‫من أجل ذلك يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه‪:‬‬
‫كنيت فخر الدين فى الــــــــ *** ـعليــــــا ولست ملقبــــــــــــــــا ً ‪22 /14‬‬
‫أكنى بفخر الدين بين أحبتى *** ولى فى سماوات الغيوب مناقب ‪12 /2‬‬
‫يقول رضى هللا عنه فى القصيدة النبائية بأن الحضرة العليا هى (حضرة المعصوم) جاءت من‬
‫أجلها القصيدة النبائية لتثبت بأن هذا المصطفى المعصوم هو القدوة الذى أقتدى به ‪ ،‬فهو ‪:‬‬
‫المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتـــــــــدا‬
‫‪32‬‬
‫وعطـــــــاؤه قد خصنى *** كرمـــــا ً وليس مقيـدا‬
‫منه أنـــــا وأنــــــا بـــه *** المصطفـــى المقتــــدا‬
‫وهذا اإلصطفاء من أجل الجمع ‪ ،‬والجمع هو (الحضرة العليا) التى كنيت فيها بفخر الدين ‪ ،‬وهذه‬
‫الحضرة هى التى تجمع األحباب ومن مسمياتها (كتاب هللا) الذى آياته هؤالء األحباب وهى حضرة‬
‫قاب قوسيها الهدى الينتهى ‪ ،‬وأشارت اليها القصيدة (‪: )92‬‬
‫ما كتاب هللا إال جمعنــا *** إنمـــــا األحباب آيـــــات به‬
‫ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قويسها الهدى ال ينتهى‬
‫بما أن االصطفاء للجمع جاء من أجل هذا المصطفى فهو الذى أشارت اليه القصيدة (‪ )75‬بقول‬
‫سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا‬
‫أما قوله رضى هللا عنه أنه الشيخ المعصوم فقد وضحته القصيدة (‪ )59‬بقوله ‪:‬‬
‫يقول الشيخ رضى هللا عنـــه *** وأرضينا به جمعا ً وفردا ً‬

‫عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجوه اليه عنـدا‬


‫وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنا منه إرفادا ً ومـــدا ً‬

‫فموطن (قاب قوسين ـ الهاهوت) وهو موطن الحضرة العليا التى كنيت فيها بكنية فخر الدين ‪ ،‬وهى‬
‫فى األصل حضرة جدى المعصوم الشيخ الذى رزقنا منه إرفادا ً ومدا ً ‪ ،‬وهو جدى المصطفى للجمع‬
‫متقدم الجماعة حتى قيام الساعة ‪ ،‬وسره مضمر فى طى سروتنا ‪ ،‬وهو سر على كل العظام وإنه‬
‫بظهور غيب الذات ما أفشاه ‪ ،‬وهو كتاب هللا وأهل الحضرة هم آياته ‪ ،‬وبما أن العالم عالمان عالم‬
‫األمر وعالم الخلق وكل واحد منهما (كتاب هلل تعالى) ولكل كتاب فاتحة تفصل ما فيه ‪ ،‬فكما علمنا‬
‫بأن لعالم األمر كتابا ً مجمالً ملقبا ً بأم الكتاب ‪ ،‬وكتابا ً مفصالً موسوما ً بالكتاب المبين ‪ ،‬ولعالم الملك‬
‫كتابا ً مجمالً يقال له ‪ :‬أم الكتاب وهو (العرش) وكتابا ً مفصالً يقال له ‪ :‬الكتاب المبين وهو (الكرسى)‬
‫‪ ،‬وحيث أن التوراة فُسرت فى سبعين فلو أردت تفسير فاتحة هذا الكتاب لجئت بأكثر من سبعين‬
‫راحلة وأشرت الى ذلك فى القصيدة (‪ )71‬بقولى‪:‬‬
‫وفقهت من أسراره ما لو يشا *** سبعين راحلة بذاك ألوقر ‪71 /9‬‬

‫‪33‬‬
‫وهو المشار اليه بسورة ال بقرة {ألم ذلك الكتاب ال ريب فيه} فحرف األلف من (أ ل م) هو الكتاب‬
‫المشار اليه بأداة االشارة ذلك ‪ ،‬المشار به الى الذات االحدية أى الحق من حيث هو أول األشياء فى‬
‫أزل اآلزال ‪ ،‬والالم تشير الى الوجود المنبسط على االعيان ‪ ،‬والميم يشار به الى الكون الجامع وهو‬
‫االنسان ‪.‬‬
‫فالحق والعالم واإلنسان {كتاب الريب فيه} وكذلك قال هللا تعالى {قل كفى باهلل شهيدا ً بينى وبينكم‬
‫ومن عنده علم الكتاب} وهذا الكتاب هو ُم َعرف اإلنسان و ُم َب ٍين مراتبه ‪ ،‬أى بيان كتاب اإلنسان ‪،‬‬
‫فهذا البيان وهذه الحقيقة وضحتها القصيدة النونية بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن‬
‫سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن‬
‫واإلنسان الكامل الذى أنزل عليه الكتاب هو المشار اليه فى القصيدة األحدية بقول سيدى فخر الدين‬
‫رضى هللا عنه‪:‬‬
‫من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريــدى قل هو هللا أحــــد‬
‫إنه إنســـــــان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البر الصمد‬
‫وهذا الكتاب هو (كتاب األلف) والعلوم اللدنية العالية فيها تفصيالت الكتاب ‪ ،‬التى فيها المعرفة بالدين‬
‫القويم عن االنسان الذى خلقه الحق فى أحسن تقويم ‪ ،‬والذى أظهره على الدين كله ولو كره الكافرون‬
‫بهذه الحقيقة ‪ ،‬وأ َ ِحبة سيدى فخر الدين فى الحضرة العليا (أم الكتاب) هم على دراية كاملة بكنية‬
‫فخر الدين ويعرفون أنه مهذبا ً ألهلها ‪ ،‬ولما ال وهو القائل ‪:‬‬
‫وإنى فرع في أصيل المنـــــابت ‪2 /91‬‬
‫ً‬ ‫وإنى فى أم الكتــــــاب مهـــــذب ***‬
‫ً‬
‫أخوض بحارا ً تحذر السفن ما بها *** يجل عن الحذاق مكنون كنيتى ‪2 /97‬‬
‫ومن المعلوم أيضا ً أن أهل هذه الحضرة عصبة ‪،‬‬
‫فإخفض جناحك يا بنى فإننــا *** من عصبة ضعفائهم شرفـــــاء ‪12 /72‬‬
‫إنا بجمع الجمع كنــــا عصبة *** وإمام هذا الجمـــــع أول كاتب ‪51 /2‬‬
‫هم عصبة قد أرقتهم نظــــرة *** وعن المضاجع جمعهم يتجافى ‪22 /1‬‬
‫حاشا أبا العينين تهلك عصبة *** قد طورتهــــــــا كفكم أطــوارا ً ‪22 /22‬‬

‫‪34‬‬
‫والعصبة أبناء رجل واحد ‪ ،‬والرجل الواحد هو المشار اليه بعبارة أب لنا واحد أصل ألمتنا ‪،‬‬
‫وهوالمشار إليه بأول الخلق فى اطالقه ألفا ً ‪ ،‬وبما أن (األلف) هو الكتاب الذى ال ريب فيه هدى‬
‫للمتقين ‪ ،‬والتهذيب يعنى التدريس (تدريس األرواح) فى القاب والقوس ‪ ،‬وهذا التدريس هو تدريس‬
‫العلوم العالية للمعرفة بحقيقة اإلنسان الذى بيان مراتبه أتى بها الرحمن معلم القرآن ‪ ،‬ليثبت أن‬
‫لعباد هللا الصالحين كل حين رحلة روحية على غرار (رحلة اإلسراء والمعراج) التى كانت لرسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم بالروح والجسد التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى ‪:‬‬
‫{سبحان الذى أسرى بعبده ليالً من المسجد الحرام الى المسجد األقصى الذى باركنا حوله لنريه من‬
‫آياتنا إنه هو السميع البصير}‬
‫وأما إسراؤه ومعراجه بالروح فهذا ما حدث أكثر من ثالثين مرة ‪ ،‬وهو ما يحدث لكمل العارفين‬
‫واألشخاص المحترمين ‪ ،‬وتكون بصحبة الرؤساء من األولياء ‪ ،‬وعباد هللا الصالحين مشار اليهم فى‬
‫قول المصطفى صلى هللا عليه وسلم ( السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين) ردا ً على قول الحق‬
‫تبارك وتعالى ( السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته) حيث كان ذلك فى رحلة االسراء والمعراج‬
‫ل لمصطفى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬ثم حكى لنا أنه فى ليلة اإلسراء من رجب العجب‪ ،‬إلتف األحباب‬
‫حول سيدي فخر الدين رضي هللا عنه وعلى غير عادته حيث كان دائما ينتظر السؤال ليفتتح درسه‬
‫‪ ،‬ولكن فى هذه الليلة بعدما جلس على كرسيه مباشرة قال‪ :‬بسم هللا الرحمن الرحيم وبه نستعين ‪،‬‬
‫الليله سوف نتحدث عن أسرار اإلسراء والمعراج ‪ ،‬أوالً اإلسراء مش فى سورة اإلسراء ‪ ،‬سورة‬
‫اإلسراء فى السبب بتاع اإلسراء ‪ ،‬واإلسراء فى سورة النجم ‪ ،‬النبى صلى هللا عليه وسلم فى ليلة‬
‫‪ 12‬رجب كان نايم فى بيت السيدة أم هانئ بنت عمه وإسمها فاخته بنت أبى طالب وجاء جبريل‬
‫وميكائيل إليه ومعهم البراق ووجود البراق دليل على أن اإلسراء لم يكن رؤيه مناميه فالسفر فى‬
‫النوم أو بالروح فقط ال يحتاج البراق ‪ ،‬ولكن وجود البراق دليل على أن اإلسراء كان بالروح والجسد‬
‫في حالة اليقظة ال النوم ‪ ،‬ولو كان اإلسراء رؤية مناميه فلماذا كذبته قريش؟ ألن الرؤية يحدث بها‬
‫أكثر من ذلك ‪ ،‬وفى الطريق نزل النبى صلى هللا عليه وسلم ليصلى فى مكان مخاطبة هللا عز وجل‬
‫لسيدنا موسى ‪ ،‬ونزل مرة أخرى في بيت لحم مكان والدة سيدنا عيسى ‪ ،‬وقال مررت على أخي‬
‫موسى فإذا هو قائم يصلى في قبره ‪ ،‬وصالة سيدنا موسى فى قبره دليل على حياة األنبياء في‬
‫قبورهم ‪ ،‬وكمان تعبدهم بعد الموت ‪ ،‬ولما وصل بيت المقدس ربنا جمع له كل األنبياء والرسل فصلى‬
‫بهم ركعتين ‪ ،‬طبعا األنبياء والرسل كانوا أرواح مجردة والنبي روح وجسد فيكون المعنى أن جسد‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في اللطافة زى األرواح المجردة بتاع األنبياء والرسل ألنه البد أن يكون‬
‫فيه تشاكل بينه وبينهم ‪.‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم صعد إلى السماء األولى ‪ ،‬فيه روايه بتقول فيها أبونا آدم وروايه تانيه‬
‫بتقول فيها سيدنا يوسف والروايتين صح ألن السالك إلى هللا لما يصل للسماء كل سماء عنده باب‬
‫‪35‬‬
‫والباب له أربعة أركان ركن فيه أبونا آدم وركن فيه سيدنا يوسف والثالث فيه ملك أسمه روقيائيل‬
‫والرابع فيه برديس ألن السالك إلى هللا إما باإلسم هللا أو بالشريعة أو بالقسم أو بالمراقبة ‪ ،‬إللى‬
‫ماشى بالقسم ينزل عند برديس واللي ماشي بالمراقبة ينزل عند سيدنا يوسف واللي ماشي بالشريعة‬
‫ينزل عند روقيائيل ‪ ،‬واللي ماشي باإلسم ينزل عند فلك القمر ‪ ،‬وهكذا كل السماوات السبع التي‬
‫ارتقاها النبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وده إسمه (عالم الملك) وفيه األراضين السبع والسماوات السبع‬
‫والبحار السبع والرياح السبع ‪ ،‬وبعد كده ارتقى النبي صلى هللا عليه وسلم إلي (عالم الملكوت) وهو‬
‫عالم الجنان أي الجنات واالرتقاء الحاصل كان طبعا بالبراق لغاية ما وصل أول الجنات ‪ ،‬وبعد كده‬
‫نصبوا المعراج لحضرة النبي صلى هللا عليه وسلم صعد بالمعراج الجنان كلها ‪ ،‬وبعد انتهاء الجنات‬
‫إبتدأ (عالم الجبروت) إللي هو حضرة العرش ‪ ،‬والعرش عادة سقف الجنات ومعنى كلمة (عرش)‬
‫يعني السقف يعني أرضية أي جنة هي سقف الجنة اللي تحتها ‪ ،‬وعلى ذلك يكون السقف األعلى هو‬
‫عرش الكل ‪ ،‬وهو بداية (عالم الجبروت) وهذا العالم مكون من العرش والكرسى واللوح والقلم‬
‫والسرير والسدرة وهكذا ‪ ،‬سيدنا جبريل وقف هناك لماذا؟‬
‫ألن سيدنا جبريل من المالئكة الفلكيين وهم مخلوقين من نور األسماء اإللهية ومسخرين لها وهم‬
‫رسل هذه األسماء ‪ ،‬ربنا جل وعال يقول ﴿ إنى جاعل المالئكة رسال ﴾ فالمالئكة رسل من األسماء‬
‫سبح‬‫ِكره وهو قُ ًوته وهو ت َ ْنويره ومعرفته وده إللي بِي َ‬
‫اإللهية ‪ ،‬اإلسم اللي مخلوق منه الملك هو ذ ُ‬
‫بيه‪ ....‬والدليل على كده لما الماليكه قالوا بخصوص آدم ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء‬
‫ونحن نسبح بحمدك ﴾ ربنا لم يقبل منهم ﴿ ونحن نسبح بحمدك ﴾ ليه ؟ ألن الحمد عادة يكون بمجامع‬
‫األسماء والحمد مرتبه يصل إليها السالك بعد ما يذكر باللسان ثم بالقلب ثم بالروح ثم بكل الجسد ده‬
‫إسمه اإلصطالم ‪ ،‬لما ينتهي من مراتب الذكر ويخلص يفتح له باب الحمد الرسمي ألن قبل كده يكون‬
‫في الحمد المستعار‪ ،‬زى واحد ولده بيحتضر لما الناس تسأله إزي صحة ولدك يقول الحمد هلل ‪ ،‬هل‬
‫هذا الحمد حقيقي؟ ألنه ماممكن يكون عاوز ولده مريض ! وعلشان كده بنسميه الحمد المستعار‪،‬‬
‫وهو الحمد الجاري على لسان األمة ‪ ،‬وأما الحمد على موجب مقتضيات الحمد مايكون إال بعد‬
‫الوصول إلى نهاية مراتب الذكر ‪ ،‬فتتلقى األنوار والفيوضات اإللهية من ربنا جل وعال فيقول الحمد‬
‫هلل ألن الحمد هنا على جمعية األسماء كلها ‪ ،‬ولو كان الحمد على النعمة المتدلية من اإلسم فقط‬
‫لقولنا الحمد للمنعم أو الحمد للرزاق ‪ ،‬ولكن بعد الوصول بالذكر إلى فتح فيوضات اإلسم هللا ‪ ،‬وهو‬
‫جمعية األسماء كلها يعني األسماء اإللهية مجموعه في اإلسم هللا يكون هنا الحمد على موجبات‬
‫الحمد وهو الحمد الحقيقي ‪ ،‬علشان كده ربنا ماقبلش من المالئكة الفلكيين لفظة ﴿ونحن نسبح‬
‫بحمدك﴾ ألن كل ملك ذاكر بإسم أو إتنين ومش ذاكرين بمجامع األسماء اإللهية ‪ ،‬وبعد الحمد يبدأ‬
‫مراتب الشكر وهى الشكر الصغير ‪ ،‬وشكر المزيد ومراتب الشكر يعني التصريف في األسماء زى‬
‫تصريف سيدنا عيسى في اإلسم الخالق ﴿تخلق من الطين كهيئة الطير﴾ ‪ ،‬فلما يشكر مش يقول متشكر‬

‫‪36‬‬
‫يارب لكن يعمل باالسماء دى فى خدمة الدين ﴿فاعملوا آل داود شكرا﴾ يقوم ربنا جل وعال يزيده من‬
‫األسما ويسخر له مالئكتها ﴿ولئن شكرتم ألزيدنكم﴾ وهؤالء قليل من العباد ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾‬
‫مش الشاكر ويقول كبار األولياء في وصف الكالم ده وشكرها يحتاج شكرا لشكرهـــا كذلك شكر‬
‫الشكر يحتاج إلى الشكر‪ ،‬وفى نهاية عالم الجبروت عند السدرة ‪ ،‬جيئ لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم بالمعراج وهو (الرفرف األعلى) وهو عبارة عن سجل أبيض من النور ركبه رسول هللا ودعا‬
‫جبريل للركوب معه فقال جبريل يارسول هللا لكل منا مقام معلوم فقال النبي صلى هللا عليه وسلم أهنا‬
‫يترك الخليل خليله ياأخي ياجبريل فرد عليه هذا مقامك وربنا بيحبك وحيوديك لغاية عنده فلو تقدمت‬
‫الخترقت أما أنا فلو تقدمت الحترقت ونستفيد من الكالم ده إن مش ممكن يكون جبريل هو المعلم‬
‫لرسول هللا ألن بعض الناس يقول إن النبي صلى هللا عليه وسلم امي وجبريل هو الذي علمه كل‬
‫األستاذ‪...‬واضح؟‬ ‫ويتأخر‬ ‫التلميذ‬ ‫يتقدم‬ ‫فكيف‬ ‫شئ‬
‫بعدين صعد صلوات هللا وسالمه عليه (عالم الالهوت) كله بالرفرف األعلى‪ ،‬وكلمة (الهوت) يعنى‬
‫عالم األرواح المجرده يعنى (األرواح قبل ما تنزل األجساد) ثم صعد للبارى جل وعال (بالجذبات‬
‫اإللهية) عبر (عالم الهاهوت) موطن القاب والقوس ‪ ،‬ومعنى الجذبات هو (سر اإلرادة) واإلرادة‬
‫يعنى (المحبة) وربنا إسمه (المريد) يعنى (المحب) ولذلك علشان المحبة بين ربنا والنبى صلى هللا‬
‫عليه وسلم كانت ﴿ثم دنا فتدلى﴾ مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو رسول هللا )‬
‫والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في موطن القوسين‬
‫يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ‪ ،‬ولكن (القاب والقوس) ده موطن‬
‫الهاهوت ‪ ،‬وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط لما كان النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم بروحه وجسده فى (أو أدنى) النبي صلى هللا عليه وسلم قال التحيات هلل الزاكيات هلل الصلوات‬
‫الطيبات هلل وسكت ‪ ،‬وفى تقدمه سمع صوت سيدنا أبو بكر يقول له قف إن ربك يصلى (فأسمعه‬
‫بـــاألنس صوت عتيقة توقف فرب العرش سبحانه صلى) فأزعجه ذاك الخطاب وقــــال هل تقيد‬
‫موالنا بإطالقه جلي ‪ ،‬هو الصمد الرحمن والرب بعد ذا يصلى؟ إلهى ما سمعت به يـتلى ‪.‬‬
‫وبعد ذلك قال هللا السالم عليك أيها النبى ورحمة هللا وبركاته ‪ ،‬النبي صلى هللا عليه وسلم قال السالم‬
‫علينا وعلى عباد هللا الصالحين ‪ ،‬يقولون أن المالئكة كانوا في الموطن ده ‪ ،‬ولكن زى ما قلنا قبل‬
‫كده الموجود مع النبى هم خدام هذا الدين من الرؤساء الكبار اللي حيحاربوا إبليس مع النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم قال وعلشان كده قال السالم علينا ألن الموطن ده اليمكن النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يقول علينا من باب التفخيم والتعظيم لنفسه أمام هللا عز وجل ‪ ،‬بل البد يكون معاه ناس علشان يقول‬
‫السالم علينا وعلشان تقول يقصد (علينا) يعنى الناس المؤمنين نقل أبدا ً ‪ ،‬ألنه قال علينا وعلى عباد‬
‫هللا الصالحين ولذلك الصحبه الموجودين معاه قالوا أشهد أن الإله إال هللا وحده الشريك له وأشهد‬
‫أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬وبعدين تبارك وتعالى أعطى النبي صلى هللا عليه وسلم ثالثة علوم ‪،‬‬

‫‪37‬‬
‫األول (علم أمره بتبليغه) وهى علوم الفرائض والشريعة ‪ .‬ثم علمه (علم وخيره في تعليمه للناس)‬
‫وهى علوم مرتبة اإليمان العلوم القلبية (وعلم أمره بكتمه) وهى علوم اإلحسان والمشاهدات اإللهية‬
‫‪ ،‬وحيث فرض ربنا على النبي صلى هللا عليه وسلم خمسين صاله في اليوم والليله وفرض عليه‬
‫الغسل سبع مرات لكل عضو في الجسد وفرض عليه الوضوء سبع مرات ألعضاء الوضوء ووافق‬
‫النبي وفى طريق العوده القى سيدنا موسى ودار بينهم الحوار لزوم تخفيف الفرائض وكان نتيجة‬
‫ذلك إن الصالة فرضت خمسة فى العمل وخمسين فى األجر والوضوء ثالث مرات لكل عضو والغسل‬
‫مرة واحده فقط‪ ....‬بعد كده الناس اختلفوا في الرؤية بمعنى هل النبي صلى هللا عليه وسلم شاف‬
‫ربنا وال أل ؟‬
‫أوال الرؤية مش ممنوعه شرعا ً ليه ؟ ألن قبل النبي صلى هللا عليه وسلم سيدنا موسى طلب الرؤيه‬
‫قال رب أرني وهو نبي معصوم كيف يطلب شئ ممنوع مش ممكن وكذلك قصة سيدنا يونس في‬
‫الظلمات قال الإله إال (أنت) وأنت للمخاطب دليل على الرؤية أما األحاديث المفتراه على السيده‬
‫عائشه في البخاري وغيره من الصحاح أنها كانت مع رسول هللا في ليلة اإلسراء وتقول تحت لحاف‬
‫واحد‪ .‬والحديث يقول من قال أن محمد رأى ربه فقد أفرى على هللا أو أعظم على هللا الفرية وأنها‬
‫استندت باآلية ﴿ال تدركه األبصار﴾ فعادة إنتقاد الحديث يكون باآليات وبالتاريخ فمن ناحية التاريخ‬
‫السيدة عائشة رضي هللا عنها تزوجت النبي صلى هللا عليه وسلم في المدينه واإلسراء كان في مكه‬
‫فكيف يكونوا تحت لحاف واحد في ليلة اإلسراء والثاني اآلية ﴿ال تدركه األبصار﴾ ربنا قال األبصار‬
‫مش البصائر‪.‬‬
‫سيدي عمر بن الفارض بيقول في أبيات بيوصف فيها الكالم ده بيقول‪:‬‬
‫بك قــرت وما رأيت سـواك‬ ‫فتراءيت في سواك لعينـى‬
‫طرفه حين راقب األفــــالك‬ ‫وكذلك الخليل قلب قبلـــى‬
‫وبعد كده ربنا يقول ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾ وعبده اليمكن يكون الروح الزم عبده يكون بجسده‬
‫وطاقيته ومراكيبه ده الجزء األول والثاني قال ﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾ ودي عيون الرأس بعدين‬
‫﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ ودي عيون القلب ثالث مره قال ﴿أفتمارونه على ما يرى﴾ وده جانب الخيال‬
‫يعني العقل رابع مرة بقول الحق تعالى ﴿ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهى﴾ ده بالنسبه للرؤية‬
‫وربنا سبحانه وتعالى لما يحكي عن القاب والقوس بعض العلماء بيقولوا إنه كان بين النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم وبين جبريل وده مش ممكن ألنه بيقول ﴿فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾ ومعنى ذلك يكون‬
‫عبد جبريل وده مش معقول جبريل وقف تحت ‪ ،‬إيه إللى طلعه في المكان بتاع قاب قوسين ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وبعدين حضرة النبي رجع مكه واتجه لبيت هللا الحرام إلتقى به أبو جهل أو أبو لهب فقال له هل‬
‫من نبأ جديد يا بن أخى ؟ ‪.‬‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم قال نعم أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس فقال له وأصبحت بين ظهرانينا‬
‫؟ قال نعم ‪ ،‬فقال أتحدث القوم بما حدثتني ؟ قال نعم فصاح في الناس والقبائل والعشائر حتى اجتمعوا‬
‫فقال لهم انظروا ماذا يقول محمد فتقدم سراقه خادم األصنام وقال هل من نبأ جديد يابن أخي ؟ النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال نعم وقص عليهم نبأ اإلسراء وهم يعلمون أنه لم يسافر قط إلى بيت المقدس‬
‫‪ ،‬فطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس فبدأ يصف لهم كل شئ بالتفصيل ألن سيدنا جبريل أحضر‬
‫أمامه صورة بيت المقدس ودى المقصوده في اآليات ﴿وما ينطق عن الهوى ‪ ،‬إن هو إال وحي يوحى‬
‫‪ ،‬علمه شديد القوى﴾ والناس بين مصدق ومكذب ولكن لما أخبروا الصديق بما حدث قال وهللا أصدقه‬
‫ط ِلعْتُ في السماء أنا أصدقه ‪ .‬وجاءت القصيدة (‪ )51‬مشيرة للجمع‬ ‫في خبر السماء يعنى لو قال َ‬
‫المتواجدين فى هذه الرحلة بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب‬
‫السـادة االقطاب فينا أنجـم *** وبنا أبو الدنيـــا وأول تائب‬
‫وعلى ذلك فإن هؤالء العباد الصالحين وخصوصا ً الخلفاء األربعة الراشدين رضي هللا عنهم قد أدركوا‬
‫الرؤية بفضل النبي صلى هللا عليه وسلم الذى ألبسهم رضي هللا عنهم خلع التشريف منه صلى هللا‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وآلة الرؤيا هنا عيون البصر ( في اآلية ) ما زاغ البصر وما طغى (عينا الرأس) فى‬
‫الوجه ‪ ،‬والبصيرة عيون القلب ( في اآلية ) ما كذب الفؤاد ما رأى ( عينا القلب ) أفتمارونه على‬
‫ما يرى ( فى االية ) ( عينا العقل ) فى الرأس ‪ ،‬ولقد رآه نزلة أخرى ( في اآلية ) هى ( عينا الروح‬
‫) ‪ ،‬وختاما ً النبي صلى هللا عليه وسلم دائم المشاهدة للمولى عز وجل ‪.‬‬
‫وكل من أدرك التجلي اإللهي يعلم غيب كل شئ وأن من يســمع الخطاب اإللهي يعـــلم نطق كل شئ‬
‫{ من كتاب تبرئه الذمه صـ ‪ 92‬حتى ‪. } 95‬‬
‫ثم يقول سيدي فخر الدين إنى كنت من بين أولياء هللا الصالحين الذين أشار إليهم المصطفى صلى‬
‫هللا عليه وسلم فى ( قاب قوسين ) عندما رد السالم على المولى عز وجل قائالً ‪:‬‬
‫" السالم علينا وعلى عباد هللا الصالحين " وعندها صحت معهم بروحى قائالً ‪:‬‬
‫(( أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله )) ثم يستمر رضي هللا عنه في روايته‬
‫بقوله من القصيدة األولى ( التائية ) ‪:‬‬
‫سريت كإســراء المقدم جلـوة *** رأيت بمعراجي عجائب صنعة ‪2 /91‬‬
‫‪39‬‬
‫وإني في اإلسراء كنت إمامهم *** ألني نجــــم يقتــــفى بالثريــــة ‪2/ 95‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه حال الرحلة أنى سريت كإسراء المقدم صلى هللا عليه وسلم‬
‫وهذا أمر طبيعى ألنى فى معراجى الذى جيئ به لنا للصعود الى عالم الالهوت والهاهوت موطن‬
‫المشاهدات والتجليات التى فيها شاهدت عجائب صنعتى ‪ ،‬ثم يقول رضى هللا عنه أنى فى االسراء‬
‫الخاصة بى لما حان حينى ‪ ،‬كنت إمام السائرين كالنجم الالمع (الثرية) الذى يقتفى أثره ويستعان‬
‫به فى دروب السير فى الصحراء ‪.‬‬
‫وجاء قوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كانت اإلسرا وحان النيل منهــــا *** من قراهـا من مزيد نبتغيـــه ‪91 /1‬‬
‫من صفى من على من شــــراب *** ليس عندى علمه ال أدعيـــه ‪91 /7‬‬
‫كل موصوف ينال الوصف منها *** بل وإن الرمز فيها حرت فيه ‪91 /1‬‬
‫بل ومنها محكمات كـــن رمــزا ً *** كم أكنت من كـــنى تصطفيـه ‪91 /5‬‬
‫ومن بين المنح والعطايا التى نلتها من الموطن الذى قال فيه الحق سبحانه وتعالى {فأوحى الى عبده‬
‫ما أوحى}وهو الموطن الذى قال فيه رسول اله صلى هللا عليه وسلم ما معناه (علمنى ربى علما ً‬
‫أمرنى بتبليغه وهو االسالم وعلم خيرنى فيه وهو االيمان وعلم أمرنى بكتمانه وهو االحسان) ‪،‬‬
‫علوم ديوان شراب الوصل التى يؤكد فيها قوله رضى هللا عنه أن ضياها ما به األرض أشرقت وأن‬
‫سناها من سنا األحدية فهو معانى العلم الثالث الذى أمر المصطفى صلى هللا عليه وسلم بكتمانه ‪،‬‬
‫وهوعلم عن غيبة قدر المصطفى الذى أشارت اليه القصيدة التائية بقوله ‪:‬‬
‫وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت ‪2 /121‬‬
‫فهذا المصطفى للجمع هو جدى بمعنى(حظى ورزقى) الذى أخذ فيه على الكاملين بالكتم ‪ ،‬وهو متقدم‬
‫الجماعة ـ أهل الحضرة ‪ ،‬وهذا العلم حقى صاف من األكدار واألوهام جاء من أعلى المراتب على‬
‫هيئة شراب ‪ ،‬علم يفوق الوصف ورمز حرت فيه وحارت فى كنه معرفته ملوك اإلنس وملوك الجان‬
‫‪ ،‬حيث جىء به على هيئة المكنون ‪ ،‬والمكنوز فى صدف األوانى الذى جل عن الحذاق معرفته أو‬
‫النيل منه ويكفى فيه الرمز ‪ ،‬ألن الذى يتعرف عليه هو الذى يتم إختياره واصطفاؤه لهذه المعرفة ‪.‬‬
‫(كم أكنت من كنِ ٍى تصطفيه)‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫فأنا الذى اصطفيت من بين الخلق حيث كنت الباقر له وأصبح علمى المخصوص الموهوب الذى ال‬
‫يقدر على تبيانه غيرى وال يلقاه شقيا ً ‪ ،‬وهو من فيض وهب عن المسمى إبراهيم والمرموز له‬
‫باإلمامة فى كتاب هللا ‪ ،‬وأهل مراتب اإلحسان يرجونه لهم جاها ‪.‬‬
‫ـ ويقول سيدى فخر الدين فى (كتاب تبرئة الذمة ص ‪ ) 121‬قصة االسراء والمعراج أخبرت عن‬
‫أعلى مراتب السير‪:‬‬
‫مراتب السير أى السفر إلى هللا وهذا حادث أصالً من كل الوجود طوعا ً أو كرها ً ودليل ذلك ترحل‬
‫الكائنات من أطوار حدوثها إلى اكتمال وجودها إلى فنائها ‪ ،‬فانتقال اإلنسان من طور إلى طور حتى‬
‫الكهولة والهرم هو السير الطبيعى الختيار السير فيه ‪ ،‬أما السير االختيارى فهو إلى هللا ‪ ،‬يسير‬
‫اإلنسان طائعا ً مختارا ً إلى هللا تعالى بالكتاب والسنة على يد خبير ‪ ،‬عالم بالطريق والسير فى طريق‬
‫واحد ‪ ،‬على محطات مختلفة ‪ ،‬إلى منطقة ما أو مرحلة معلومة ‪ ،‬فهو خط سير لمرتبة معينة ‪ ،‬لبلوغ‬
‫غرض معين ‪ ،‬ومن المعتمد أن كل السالكين يصلون موطنا ً واحدا ً هو موطن العتق ‪ ،‬ويستوى فيه‬
‫السالك المنتظم من حيث اإلرشاد العام والمراقبة والمحبة الصادقة ‪ ،‬والسالك بكثره العبادات النفليه‬
‫‪ -‬وفى هذا الموطن يسمى السالك باسم أبيه الروحى ( فالن ابن سيدى ابراهيم الدسوقى ) وعند‬
‫سماع النداء يقبل البعض هذا النداء ‪ ،‬وهو فالن ابن فالن قد صار عتيق هللا فى األرض ‪ ،‬ويرجعون‬
‫مسرورين ‪ ،‬وهذه هى حالة السير إلى هللا ‪.‬‬
‫ـ أما أصحاب األوراد الصحيحة من حيث المراقبة الصحيحة والمحبة الصادقة والعقيدة السليمة فهم‬
‫من تم اختيارهم من قبل المولى عز وجل للترقى إلى مرتبة اإلحسان ‪ ،‬وهؤالء قلة من قله ‪ ،‬فهم‬
‫الصفوة المختارة الذين يترحلون فى مراتب السير فى هللا ‪ ،‬أى فى باطن اإلسم " هللا " بعد أن يحصوا‬
‫أسماءه جل وعال كلها ‪ .‬التسعة والتسعين واحدا ً بعد واحد ليدخلوا فى بحر االسم " الرحمن " ‪،‬‬
‫وبعد أن يأخذ كل منهم حظه من حضرة االسم " الرحمن " وما شاء هللا له من المعرفة ينتقل إلى‬
‫اسم آخر وهو " الرحيم " ‪ ،‬وبعد قطع الموطن والمسافة ينتقل إلى اسم آخر ‪ ،‬فمثال البد أن تكون‬
‫هناك مساحة أو مرحلة بين االسم " القابض " واالسم " الباسط " وكذلك بين االسم " المحيى‬
‫واالسم " المميت " ‪ ،‬وهذه المساحة هى موطن التدريس من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬حيث‬
‫درس السائر حقائق توحيد الفطرة ‪ ،‬وهى المراحل المقصودة بقول الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬ ‫يَ ِ‬
‫" نضر هللا وجه الراحل المترحل " ‪ ،‬واإلحصاء ال يقصد به الحفظ ‪ ،‬وبعد ذلك يرجع المريد من هللا‬
‫بعد ان أصبح عارفا ً عالما ً ‪ ،‬وبذلك يصير مرشدا ً يجوز له إرشاد الناس والسير بهم ‪ ،‬كما قال عز‬
‫وجل ‪ " :‬رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التالق‬
‫يوم هم بارزون ال يخفى على هللا منهم شئ ‪ ....‬وهى حالة السير فى هللا ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫جاء سيدي فخر الدين رضى هللا عنه بهذه القصيدة مبشرا ً أبناؤه بأنه أسرى به بصحبة المصطفى‬
‫صلى هللا عليه وسلم ثم عرج به حيث شاهد في معراجه عجائب صنعته التى بشرهم بها بقوله رضى‬
‫هللا عنه ‪:‬‬
‫‪ - 2‬في كل حين لنا في المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينـــــا‬
‫‪ - 1‬وكفه من عطـــاء هللا يمنحـــــــــنا *** ومن تدانيه يطعمنـا ويســـــقينا‬
‫‪ - 7‬لما دنا العرش والكرسى جيئ بــه *** في أول الليل وإزدانت مراقـينـا‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫‪2‬ـ فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينا‬
‫الحين يمكن أن يكون دهرا ً ويمكن أن يكون عاما ً ويمكن أن يكون يوما‪ ،‬ويمكن أن يكون صباحا ً‬
‫أومساءا ً ويمكن أن يكون لحظة أو وقت ‪ ،‬ولكن اإلسراء المعروفة تتم كل عام فى ليلة السابع‬
‫والعشرين من رجب وهذه الرحلة تمت لنا فى طى سروة سيدنا رسول هللا أرواحا حتى أوصلنا برفقته‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬إلى حيث موطن (قاب قوسين) ‪ ،‬ضمن عباد هللا الصالحين وخاصة أننا بصحبة‬
‫مشايخنا خلفائه المحمدين وعلى األخص موالنا الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وموالنا الشيخ‬
‫إبراهيم وموالنا الشيخ محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهانى وخلفائه الممدودين حتى زمن‬
‫اإلمام المهدي المنتظر رضي هللا عنهم ‪.‬‬
‫وبما أن هذه هي رحلة إسراء الرسول الكريم صلي هللا عليه وسلم وهي رحلة سنوية لألرواح تتم‬
‫كل عام ‪ ،‬فقد يقوم شيخ الطريقة رضي هللا عنه بالسير برفقة أبنائه إلى الموطن الذى اتجه اليه‬
‫سيدى أبو العينين وعليه جاء قوله فى القصيدة التائية ‪:‬‬
‫الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتى ‪2 /125‬‬
‫أى أن الدسوقى هو الذى أرانى كيف أسير وأتوجه للموطن المخصص لهذه الرحلة حيث القاب‬
‫والقوس من التدانى ‪ ،‬فإذا كانت القبلة هى الوجهة فهو باهلل قبلتى وإمامى فى كل شىء ‪ ،‬فهو مأملنا‬
‫فى كل حين وكل وقت وال بديل لنا غيره رضى هللا عنه فى السير خلفه الى موطن (جدّنا المصطفى‬
‫للجمع) اإلمام الذى سره مضمر فى طى سروتنا ‪ ،‬المشار اليه فى القصيدة (‪:)75‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪75 /19‬‬

‫‪42‬‬
‫فهو اإلمام الذى يتم السير خلفه الى حضرة جمع الجمع ‪ ،‬الى (قاب قوسين أو أدنى) للوصول الى‬
‫موطن الجد الكريم حضر النبي صلي هللا عليه وسلم ‪ ،‬حيث يمد كفه الشريف ويأخذ ما شاء هللا أن‬
‫يأخذه من المنح والعطايا من كل موطن أو مرتبة أثناء السير من (البداية حتي القاب والقوس من‬
‫التدانى) من الحضرة التي هي محل وصولنا ‪ ،‬وعطاؤه يأتنا فى صورة ما يشبه الطعام والشراب‬
‫وكل ما يروي أرواحنا ‪ ،‬يساعدنا علي السير خلفه ‪ ،‬لذا قال رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪1‬ـ وكفه من عطاء هللا يمنحنا *** ومن تدانيه يطعمنا ويسقينا‬
‫يقول سيدى فخرالدين رضى هللا عنه فى هذا البيت أن كل ما نحتاجه فى هذه الرحلة من طعام وشراب‬
‫مقدم فى صورة منح وعطايا هى من عطاء هللا بكف المنعم المتفضل جدى المصطفى إمام الجمع‬
‫(متقدم الجماعة الى قيام الساعة ) التى حصل عليها عند التالقى فى موطن (القاب والقوس من‬
‫التدانى) وهو تالقى األرواح المعبر عنه بحضرة (جمع الجمع) المشار اليه فى القصيدة (‪: )51‬‬
‫إنا بجمع الجمع كنا عصبة *** وإمام هذا الجمع أول كاتب‬
‫أى كل الحاضرين المجتمعون فى هذه الحضرة هم عصبة أبناء هذا الرجل جدى إمام هذا الجمع‬
‫المسمى أول كاتب ‪.‬‬
‫‪ - 7‬لما دنا العرش والكرسى جىء به ***فى أول الليل وازدانت مراقينا‬
‫بمعنى ‪ :‬لما دنا العرش (وهو كتابا ً مجمالً لعالم الجبروت) والكرسى (وهو كتابا ً مفصالً ومبيناً) جىء‬
‫بالمعراج فى أول الليل (لبداية رحلة السير) وذلك لتسهيل طريق الوصول ‪ ،‬وتسهيل الطاعة وتهيئة‬
‫الروح للقرب من المصطفى للجمع ‪ ،‬وتزيين مراقى السائرين أثناء مراتب السير وتوضح ذلك المعنى‬
‫س ًهل هللا للسائر‬
‫أول آية من سورة الليل حيث يقول الحق تبارك وتعالى (والليل إذا يغشى) أى إذا َ‬
‫س ًهل عليه الطاعة ‪ ،‬وهيأ قلبه وقبله للقرب منه ‪ ،‬وحبب إليه الطريقة (اإليمان)‬ ‫الطريق للوصول ‪َ ،‬‬
‫وزينه له ‪ ،‬وتوضح القصيدة الثانية كيف تزدان المراقى بقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى‬
‫القصيدة الثانية‪:‬‬
‫دانت مراقى الصالحين لسروتى *** وإزدانت العلياء باإلحسان ‪1 /5‬‬
‫ويوضح سيدى فخر الدين معنى (جىء به) بقوله رضى هللا عنه أن المرحلة الثانية للرحلة تبدأ من‬
‫نهاية (عالم الجبروت) الذى يتسع للعرش والكرسى حيث يتم المجىء بالمعراج وهو (الرفرف‬
‫األعلى) فى أول الليل حيث إزدانت مراقينا ‪ ،‬على غرار ما قيل أنه (جيئ لرسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وسلم بالمعراج وهو (الرفرف األعلى) وهو عبارة عن سجل أبيض من النور ركبه رسول هللا ودعا‬
‫جبريل للركوب معه فقال جبريل يارسول هللا لكل منا مقام معلوم فقال النبي صلى هللا عليه وسلم أهنا‬

‫‪43‬‬
‫يترك الخليل خليله ياأخي ياجبريل فرد عليه هذا مقامك وربنا بيحبك وحيوديك لغاية عنده فلو تقدمت‬
‫الخترقت أما أنا فلو تقدمت الحترقت)‪.‬‬
‫‪ - 1‬حلت علي أهل هذا الحي فرحته *** كل تخلى فال معنا وال فينا‬
‫لقد فرح أهل الحضرة بقدوم موالنا الشيخ محمد عثمان عبده وبرفقته أبنائه الذاكرين السائرين خلفه‬
‫خالل ت لك الرحلة الروحية والتى فيها تخلى الجميع عن كل شىء يرتبط بالجسد سواء اللسان أو‬
‫القلب حيث أتوا الى موطن تجمع االرواح المجردة بدون األجساد ‪ ،‬حيث أن ذلك الموطن يتوقف فيه‬
‫الذكر وهو موطن مشاهدات وتجليات إلهية فقط ‪.‬‬
‫الكــــــف ألبسنا *** ثوبا ً صفيا ً شهدناه بدا فينــا‬
‫ّ‬ ‫‪ – 5‬لكنــه من ندى‬
‫كما يقول رضى هللا عنه أن ذلك الموطن موطن إصطفاء وفيه يُلبسنا المصطفي رضى هللا عنه رداءا ً‬
‫صفيا ً يُلبسنا إياه تشريفا ً وتكريما ً منه لنا ‪ ،‬وهو ُحلة أنوار صافية صنو حلته النورانية التى هى من‬
‫لزوم مشاهدة التجليات النبوية ‪ ،‬وهى على صورة ثوبا ً صفيا ً شهدناه بدا فينا ‪ ،‬وهى آية فى الجمال‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 2‬وآية من تجلى نور طلعته *** في آخر الليل تعطينا فترضينا‬
‫فاآلية األولى (يُلبسنا ثوبا ً صفياً) يساعدنا على مشاهدة التجليات النبوية فى البداية ‪ ،‬وآية أخرى من‬
‫تجلى نور طلعته أى (ظهور نور طلعته ليرضينا) وتوضح اآلية األخيرة من سورة الليل التى تقول‬
‫(ولسوف يرضى) ‪ ،‬فهو صاحب أحدية الكثرة الذى أشارت اليه القصيدة األحدية ‪:‬‬
‫إنه المرضى عنه من لدن *** من بقاب قوسين سجد ‪9 /24‬‬
‫‪ - 2‬لما دنا الرفرف األسمى لرقوته *** لما سمي فـــــوق ذا أفني تسامينا‬
‫عندما إقتربنا من نهاية عالم الجبروت جىء الينا (بالرفرف األعلى) وهو سجل أبيض نورانى معد‬
‫للركوب يتم بواسطته الصعود بالجذبات ‪ ،‬ولما سمى فوق العرش أصبحنا فى فناء حيث دخلنا فى‬
‫موطن الآلهوت (د ٍه دهٍ) وهو عالم االرواح المجردة ثم فى الهاهوت(د ْه دهْ) وهو (القاب والقوس من‬
‫التدانى) فى هذا المرتقى المشار اليه بأداة اإلشارة للقريب (ذا) الذى فيه المصطفى أفنى تسامينا ‪،‬‬
‫حتى صرنا غيوبا ً ‪.‬‬
‫‪ - 9‬كنا غيوبا ً فصرنا بعد ســـروته *** عين الشهود شعاع الشمس يُفشينا‬
‫بعد أن كنا غيوبا ً ‪ ،‬فسار بنا الى حيث (ال) موطن من فيه يفنى عن نفسه ‪ ،‬وفيه أفنى ظواهرنا ‪،‬‬
‫وبعد سروته طلع علينا فجره وسطع نهاره فصرنا (شهوداً) أى عين الشهود شعاع شمسه يفشينا ‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ - 8‬كنا شهودا ً فأغشـــانا فلم نره *** سترا ً من النور ان رمــــناه يغشينا‬
‫ثم بعد أن كنا ( شهودا ً ) فأغشانا بعد أن أظهرنا ‪ ،‬حيث أظلنا بوضع ساترا ً من النور فانعدمت رؤيتنا‬
‫له ‪ ،‬وإذا حاولنا مشاهدته مرة أخرى يخفينا ‪ ،‬وكان ذلك االخفاء صفاءا ً وإصطفاءا ً ‪ ،‬وأشارت اليه‬
‫القصيدة (‪ )55‬بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فأظهرنــا وأخفينــا ثالثــــــا ً *** وأخفينا صفاءا ً وإصطفاءا ً ‪55 /1‬‬
‫وباإلخفاء صرنا فى إستواء *** علـــى بيت ونحسبه هواءا ً ‪55 /7‬‬
‫‪ - 24‬من أول البدء أرواحــا ً إلي خــــــتم *** في حضرة القرب ما أبهي تالقينا‬
‫‪ - 22‬جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشــــدا يقربنـــــــا ويدنينا‬
‫‪ - 21‬وقاية خلف ستر الكبريـا كــــــرما *** كانت لنــــا أســــتارا ً تواريـــــــنا‬
‫يصف لنا سيدي فخر الدين بايضاح حال أرواح الموجودين في دائرة حضرة القرب التى يقول عنها‬
‫فى القصيدة (‪: )92‬‬
‫كلهم فيها جليس واحـــــــــد *** فى استواء ختمه فى بدئه ‪92 /29‬‬
‫فهم من البداية حتى النهاية أى من أولهم آلخرهم فى استواء ‪ ،‬سواء حضرة الجمع أو جمع الجمع‬
‫فكلهم سادة القوم وهو أمين السر عندهم ‪ ،‬والسيد المعصوم الذي رزقنا منه نعمة االرفاد وكذلك‬
‫نعمة اإلمداد بالمعرفة بحقيقة الذي هو أول الخلق ‪ ،‬فهو سيد وأول عبد ‪ ،‬عبد هللا على االطالق في‬
‫هذه الحضر ة ‪ ،‬وهو الذى تشير اليه اآلية {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} حيث إنه أول‬
‫الخلق إطالقا ً وبه بدأت بداية العباد المتواجدين معه في هذه الحضرة التي هي حضرة القرب ‪ ،‬التي‬
‫فيها موطن التالقى بينهم وبين النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن ﴿ثم دنا فتدلى﴾ فكان قاب قوسين‬
‫أو أدنى ‪ ،‬يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو‬
‫رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في‬
‫موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ‪ ،‬ولكن (القاب والقوس)‬
‫ده موطن ‪ ،‬وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط ‪ ،‬وهذه الحضرة ال تدركها‬
‫عقول وال قلوب الغافلين ألنها ال تري إال بعيون قلب وروح العارفين الصادقين من الثوابت الكبار‬
‫والنوابت الفروع منهم ‪ ،‬وهذه الحضرة بدايتها تجلي نهايتها وهو فيها يبسط يد العناية والهداية‬
‫علي كل المتواجدين فيها من أول واحد حتي آخر واحد وكلهم جليس واحد في دائرة واحدة استواء‬
‫ختمها متجلي في بدئها ‪ ،‬وكلهم في هذا الجمع مجموعون الى فرده ‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫( جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشدا يقربنا ويدنينا )‬
‫فهم جميعا أفراد وكل فرد منهم جمعا لحضرته والكل مجموعون حشدا ‪،‬أي جميع األفراد ‪ ،‬كل فرد‬
‫منهم جمع ‪ ،‬مجموعون حشدا في حضرة القرب يقربهم منه ويتدلي عليهم من خلف ستر الكبريا‬
‫سبحات‬ ‫كرما منه لماذا؟ ألنه تارة يظهر عليهم من خلف الستار رحمة بهم وخوفا عليهم من تجليات ُ‬
‫سبحات مهلكات لكل من لم يستطع المكوث في‬ ‫وجهه الكريم المهلكات ‪ ،‬حيث إنه الوجه الذي يحمل ُ‬
‫هذه الحضرة ‪ ،‬فيرسل لهم أستارا تواريهم لتحمل طلعة نور شمسه المحرقة ‪ ،‬لتلطيف حرارة أنواره‬
‫صلي هللا عليه وسلم ‪ ،‬ويقول سيدي فخر الدين عن علوم تلك الحضرة ‪ :‬إنها علوم تتحدث عن ذات‬
‫الذي هو أول الخلق الذى فيه المبدأ والمعاد‪:‬‬
‫سبحات وجهه مهلكات ‪87 /2‬‬
‫علوم الذات دون السـتر وهــم *** لها ُ‬
‫سبحات إال محض نـــور*** كنار كان منــــــها البينات ‪87 /1‬‬
‫وما ال ُ‬
‫إذ أن يونس لم يكن في سبحها *** إال لينبذ في العراء سقيمـا ‪81 /22‬‬
‫وكل الموجودين في هذه الحضرة كان لهم طلبات يتمنون أن تقضي لهم ومن بينهم سادة كبار منهم‬
‫السيد البدوى القائل عنى ‪:‬‬
‫لفخر الدين بغية من تمنى ‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫لفخر الدين يا من رمت هديـا *** حبيب هللا غيـــاث المعنى‬
‫كما يقول الشــاذلى عليه منى *** تحيات وحاشـــــا أن تمن‬
‫لفخر الدين يامـن قد أضاعوا *** سخى الكف يأبى أن يضن‬
‫كما يقول صفى الشيخ سيدى موسى ابو العمران ‪:‬‬
‫يقول وما لرأى فـــــيه وجه *** لفخــــر الدين سرا ً كم أكن (انه حامل اسرار الطريقة )‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين عن كمال عطاء هذه الحضرة ‪:‬‬
‫سرى فينا‬ ‫‪ - 27‬نلنا منانا وما فوق المنى دررا ً *** عهدا ً رعيناه من ِ‬
‫س ٍر َ‬
‫لما قال الحق جل وعال (إنى جاعل فى األرض خليفة) كان الكالم ده فى العرش ‪ ،‬والخليفة سيكون‬
‫فى االرض (محل السجود) فأردنا معرفة حقيقة الخالفة ومن هو الخليفة ‪ ،‬فتعرفنا على هذه الحقيقة‬
‫وهذا معنى نلنا منانا ‪ ،‬ومعنى وما فوق المنى دررا ً كان العلم الذى أخذ على الكاملين بكتمانه ‪ ،‬وهو‬

‫‪46‬‬
‫علم مرتبة االحسان وكان ذلك فوق المنى وهو السر المكنون الذى جاء من أجله هذا الحديث ومنحتى‬
‫وكالمى هذا الدرالمنظوم فى ديوان شراب الوصل وهو من بطائن األسرار عن من هو الخليفة (الولى‬
‫الذى فيه سر الختم) ومن الخالفة فيهم ‪ ،‬فكان ذلك حظى ورزقى وجاءت االجابة عن الخليفة الخالفة‬
‫فى اآلتى ‪:‬‬
‫ما اإلختالف وما الخالفة ما النبا *** قد جئت باالخبـار فى نبإيتى ‪2 /728‬‬
‫ولى فى ابن آمنة وصيــة وارث *** وفينا يكون اإلختالف تعاقب ‪12 /1‬‬
‫نكرع التوحيد إمدادا ً وفضــــــالً *** والخالفة إن أردت الحق فينا ‪21 /12‬‬
‫أى حصلنا على كل ما نتمناه من مطالبنا وأخذ علينا عهدا ً شهدناه وتعهدنا على الوفاء به وكان ذلك‬
‫في موطن ( ألسْتُ ) قبل ظهور الكائنات وهو المشار اليه فى القصيدة (‪: )12‬‬
‫هو القاب ذو األلقاب والروح دونه *** وذو منبرال يعتليــــه مكابــر ‪12 /25‬‬
‫له المنبر األسمى له العلـــــم سابقا ً *** بقبل ألست الرب فيه يحاضر ‪12 /22‬‬
‫حينئ ٍذ تجلى الرب قائال ألست بربكم ‪ ،‬فقلنا جميعا شهدنا فقال هللا‪ :‬آمين ‪ ،‬أى أن الحق تبارك وتعالى‬
‫{ أ ٌم َن علي هذا العهد الذي رعيناه من السر الساري فينا حيث إن الحق أخذ العهد علي األرواح فى‬
‫هذا الموطن للمعرفة ( لتعرفه ) وتمت المعرفة وشهدت جميع األرواح بذلك في قولـــه‪ {:‬بلى ش َِهدْنا‬
‫} وهذا معنى اآلية (‪ )221‬من سورة األعراف )‪.‬‬
‫‪ - 21‬لما بدت شمسه أو جن حالكه *** أقمارنا دونه عادت عراجينا‬
‫وعند ظهور شمس العرفان فمنا من ثبت بتثبيت الحق له ‪ ،‬فصار بدرا ً (وليا ً كامالً) ومنا من عاد‬
‫كالعرجون القديم هالال ً ‪ ،‬بعد أن كان قمرا ً ‪.‬‬
‫فأقمارنا البدور البارزة في سماء الغيب عادت عراجينا عند بزوغ فجره وطلوع شمسه أي شمس‬
‫نهاره ‪ ،‬فهو أول يوم واليوم (ليل ونهار) وهو الفجر والفجر ظهوره للكائنات وشمسه تمام المعرفة‬
‫بحضرته ‪ .‬فهو راعينا ‪:‬‬
‫‪ - 25‬إنا رعاة ولكن حين صحبته *** يقلب الكل فى عين تراعينا‬
‫يقول سيدى فخر الدين (إنا رعاة) أى عندما يأتى موعد الرحلة الروحية ويتحقق لنا اإلسراء‬
‫والمعراج الذى يحدث لكمل العارفين واالشخاص المحترمين نكون رعاة بمعنى كل شخص منا يصبح‬
‫راعيا ً ألتباعه ومريديه ‪ ،‬ولكن حين صحبته يكون راعينا الذى يقلب الكل بإصبعين من أصابعه‬

‫‪47‬‬
‫ويرعانا فى عين تراعينا ‪ ،‬ويزج بنا فى بحار األحدية بالعين التى تراعينا وهى{عين بحر الوحدة}‬
‫التى يغرقنا بها ال نرى والنجد وال نحس اال بها ‪ ،‬وهذا هو بحر اللحوق بالحقيقة المحمدية المشار‬
‫اليه فى القصيدة (‪ )78‬بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫نزلنـــا بحره كالسابحات *** وأيقنـــا بأن الوصـــل آت‬
‫سبحنا والغياهب تحتوينا *** وكنا كالجوارى المنشئات‬
‫فهو من لديه شفاعة وجناب ‪ ،‬وهو راعى طريقتنا وأشارت اليه القصيدة (‪:)75‬‬
‫له الشفاعة موصول بنا كرما ً *** وهذه خصة الراعى طريقتنا ‪75 /28‬‬
‫وهو المخصوص بالحضرة الزينبية التى يقول عنه سيدى فخر الدين‪:‬‬
‫تبارك من أفنى الدهور بقـاؤه *** يقلبنـا فى عزة سرمدية ‪2 /712‬‬
‫ويمنحنا فضالً يضىء غيوبنا *** فينفحنا من نفحة زينبية ‪2 /711‬‬
‫ثم يقول سيدي فخر الدين إن المقصود بـ (أنه هو السميع البصير) العبد (االنسان الكامل) الذى قال‬
‫عنه الحق سبحانه {سبحان الذى أسرى بعبده ليال من المسجد الحرام الى المسجد األقصى الذى‬
‫باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} لنريه أى لنريه من آياتنا عجائبنا وغرائبنا‬
‫التى ال تنتهى بالسمع والبصر‪.‬‬
‫‪ -22‬لما سمعنا مناجاة له بأنا *** قلنا شهدنا وقال هللا آمينا‬
‫وفى هذا البيت يقول رضى هللا عنه لما سمعنا مناجاة له (بأنا) تذكرنا قول القائل رضى هللا عنه (سر‬
‫بى بحق هو) ففهمنا أن االسراء والمعراج الروحية تكون بحق هو‬
‫وهو موطن بطون الهوية الذى تتالقى فيه األرواح ‪ ،‬وفى هذا الموطن العجائب والغرائب التى يطلعنا‬
‫عليها ‪ ،‬ولما سمعنا فيه مناجاة له بأنا قلنا شهدنا بالذى شهدت عيناك من منح هللا الذى فيه فشربنا‬
‫ي في أنا) على أثرها قلنا‬ ‫رحيقه المختوم بمسك الحقيقة ‪ ،‬ووجدنا ذلك فى معنى (أنا في أنا إني وإن ّ‬
‫شهدنا ‪ ،‬أى شاهدنا وحصلنا على ما نتمناه ‪ ،‬وقال هللا آمين ‪ ،‬أى إستجاب هللا لنا مطلبنا ‪.‬‬
‫‪ - 22‬لما سمعنا جمعنا عند حضرته *** وآية الصبح قد دكت رواسينا‬
‫وهنا يقول لما سمعنا نداءه جمعنا عند حضرته ‪ ،‬وأصبحنا فى موطن فكان قاب قوسين أو أدنى ‪،‬‬
‫حيث كنا محل الدنو وإذا بالهوية المتدلية تتدلى علينا فشاهدنا ( جماله ) وهو خارج من كنز األحدية‬
‫خروج األسد كالسهم من عرينه ‪ ،‬وذكر ذلك في التحصين الشريف بقوله رضى هللا عنه (أنا األسد‬
‫‪48‬‬
‫سهمي نفذ منه المدد) وهو الذي من أجله جاءت دائرة اإلحاطة ‪ ،‬وآية الصبح قد دكت رواسينا ‪ :‬أى‬
‫الشىء العجيب ظهر عند طلوع فجره أطل علينا من هويته حيث تفجرت حقيقته عند بزوغ نهاره‬
‫وطلوع شمسه التى دكت رواسينا ‪ ،‬وفهمنا معنى قول الحق تبارك وتعالى (وقرآن الفجر‪ ،‬إن قرآن‬
‫الفجر كان مشهوداً) فهو رضى هللا عنه القدم المشهود فى عالم الغيب ‪ ،‬قرآن الفجر المشهود ‪ ،‬تلك‬
‫الحقيقة حقيقته التى إنشقت إلي حضرتين حضرة ال تعينية (أحمدية) فى موطن (أو أدنى) ثم حضرة‬
‫تعينية (محمدية) فى موطن قاب قوسين ‪ ،‬وإذا أردنا تفصيلها فتكون الحضرة األحمدية هي حقيقة‬
‫أحمد التي منها مطلعه من بين حدها علي هيئة دائرة الميم من اإلسم أحمد ‪ ،‬وتجليها علي اسمه‬
‫محمدا ً فصارت المحمدية مجلي األحمدية وفي هذا الموطن والمكان الذي جمعنا فيه وشاهدنا هذه‬
‫الحقيقة أية من آياته بل هي اآلية الكبري للسميع البصير وهي أية الصبح التي دكت رواسينا عندما‬
‫طلعت علينا طلعة المعصوم الذي هو شيخنا الذى رزقنا منه نعمة اإلرفاد بعلوم شراب الوصل واإلمداد‬
‫بكل ما نحتاجه من حوائج الدنيا والتي توصلنا إلي اآلخرة ‪.‬‬
‫‪ - 29‬وعندما سلم المعصوم رايتــه *** وأومض البرق ما كلت مرائينا‬
‫‪ - 28‬وكان للوصل بيتا من عطيته *** وأصبح السر كتما ً في حواشينـا‬
‫وفي هذا الموطن سلم المعصوم رايته التي هي سمة وعالمة وآلة ظهور حقيقته وخروجها من صدف‬
‫أواني األحدية التي كانت تغطيه علي أنها ذاتية صرفة أما أحديته الثانية التي هي أحدية الكثرة هى‬
‫حقيقته المحمدية ‪ ،‬تجلي نور األحمدية ‪ ،‬ثم أصبحت تجلي ضياء الحقيقة المحمدية ‪ ،‬ثم أخرج هذا‬
‫الضياء الذي انقسم إلي ‪ 211‬ألف برق ‪ ،‬فماذا فعل البرق؟ أومض البرق سناه ‪ ،‬ولما أرسل البرق‬
‫سناه ماكلت مرائينا مشاهدته ‪ ،‬أى ماعجزت مرائينا عن الرؤيا ‪ ،‬فسنا برقه (التلوين) الذي قال عنه‬
‫سيدي فخر الدين‪ :‬وهب لي جوار المصطفي وشهود وصنى من التلوين يا ذا العناية (توسل السادة‬
‫البرهانية) فهذا الموطن الذي نحن فيه مجتمعين اآلن هو محل الوصل في أثناء السير في هللا ثم‬
‫يقول‪:‬‬
‫وكان للوصل بيتا من عطيته *** وأصبح السر كتما في حواشينا‬
‫ما هو بيت الوصل ؟ إنه البيت المقصود المعظم الذى يأتى بمعنى (الحج) فى قوله ‪:‬‬
‫ياأيها الناس حج البيت للسارى *** وميت القلب التشجيه أوتارى‬
‫الحج هلل فى مجاله مكرمــــــة *** وبيته بيته من غير إظهــــار‬
‫وهو الذى جاء به لتحدى العقول وأهل الفهوم وسميت باسمة القصيدة العطية ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم إبراهيم ‪21 /2‬‬
‫‪49‬‬
‫وتأتى المعرفة بقدر عطيتي في هذا الموطن فيقول للجميع ‪:‬‬
‫هال عرفتـــم بعض قدر للــــذي *** أعطيت إبراهــــيم وهو عطيتي ‪2 /714‬‬
‫فهو الذي أعطي العبيد زمامها *** كرما ويعــــلم مبدئي ونهـايتـي ‪2 /771‬‬
‫إذا هو أعطــي فرب لعـــــــبده *** كذا هو وهاب العـــــلوم العليــة ‪2 /782‬‬
‫وهو المخاطــــب في الضحــي *** ولسوف أعطــــــــــيك الرضـــا ‪22 /27‬‬
‫مقام إبي العينين أعطيت بابــه *** وحمدي عند هللا أعلي المحــامد ‪21 /21‬‬
‫لقد أعطيت ما لم يعطـه غيري *** من القــرآن لكن ما اجــــــترأت ‪12 /18‬‬
‫والبيت المشار اليه القصد وغاية وصل الواصلين وهو عطية الذى سره كان مضمر فى طى سروتنا‬
‫‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم إبراهيم ‪21 /2‬‬
‫فاسألوه النجـــاة من يوم حشــر *** يوم ال يسأل الحميم حميم ‪21 /1‬‬
‫فهو الحبيب وال يخـيب رجـــاءه *** أورثته سرا علــــيه لثامي ‪25 /1‬‬
‫فهو ‪ :‬جدى المصطفى للجمع بمعنى ( حظي ورزقي ) الذى تكتمت سره المشار اليه فى البيت التالى‬
‫‪:‬‬
‫ويوم يطيب لي إفشاء سري *** ليوم فيه عطلــت العشار ‪72 /11‬‬
‫فهو الذى تولد النور من ظلماء غيهبه ولما أُخبرنا بسره تكتمناه وصار كتما ً في حواشينا حتي يأتي‬
‫زمانه ويحضر رجاله ‪ ،‬ويوم يطيب إفشاء هذا السر سيكون يوما ً تعطل فيه العشار ‪ ،‬أى تضع‬
‫الحوامل حملها من شدة هول ذلك اليوم ‪.‬‬
‫‪ - 14‬عدنا كما عادت األيام أولهــا *** تأذن المصطفي ينبي مثانينـا‬
‫‪ - 12‬عاد اإلخاء كأن لم يفنه زمن *** وأشهد الكون آيــا ً من تآخينا‬
‫‪ - 11‬ولم يكن عندنا عند وال صور*** ولم يكن حسنا حاءا ً وال سينا‬
‫األيام المقصودة هنا السبع المثانى ‪ ،‬عندما أراد الحق أن يبدأ الخليقة ماذا حدث؟ بدأ سبحانه بأيجاد‬
‫مادة الوجود التى صار بها كل موجود ‪ ،‬وهذا معنى (وأبرز الى الوجود ما أكنز فى العدم ‪ ،‬وفتق ما‬
‫‪51‬‬
‫رتق وأظهر ما كتم ) الذى جاء فى تفسير الفاتحة لسيدنا االمام الحسين رضى هللا عنه فى تبرئة‬
‫الذمة ص ‪ ، 192‬فخلق اليوم األول المشار به الى حضرة المصطفى الذى تأذن ‪ ،‬أى صدر اليه‬
‫اإلذن التى توضحة اآلية (ولقد آتيناك سبعا ً من المثانى والقرآن العظيم) بإعالن هذا النبأ الذى أتت‬
‫به القصيدة النبائية ‪:‬‬
‫عم السؤال وما النبـــــــا *** ومن العظيم باالجتبا ‪22 /2‬‬
‫المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتـــــــدا ‪22 /25‬‬
‫عدنا كما عادت االيام أولها ‪ ،‬رجعنا الى البداية حيث موطن القاب والقوس الذى يتم فيه تالقى‬
‫االرواح عند عودتها عن طريق السير االختيارى السابق ذكره ‪ ،‬تأذن المصطفى ينبى مثانينا أى أن‬
‫هذا هو موطن المعرفة بالمصطفى المعصوم قدوة االقتداء ‪ ،‬وفى هذا الموطن يتم فيه االخاء حيث‬
‫يقوم رسول هللا الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى لتعريف الخلق بالحق جل جالله فهو الحجاب‬
‫االعظم القائم بينهما وهو عين بحر الوحدة ‪ ،‬وهذا الموطن يجتمع فيه االنبياء والمرسلين واألولياء‬
‫الصالحين ‪ ،‬لذا يقال عاد االخاء كأن لم يفنه زمن حيث يشهد الكون آيا ً من التآخى ‪.‬‬
‫وفى هذا الموطن لم يكن عندنا عند وال صور أى فى ذاك الموطن ال يوجد لنا فيه عندية وال صور‬
‫جسمانية ‪ ،‬ولم يكن حسنا حاءا ً وال سينا ً حيث اليوجد هناك زمان وال مكان وال قوس يقاس به ‪،‬‬
‫وهو موطن اإلنشاء الذى كل فيه يسمى واحد األكثرية وهى حضرة جمع تتكون من المثاني من‬
‫األنبياء والخلفاء األربعة والعبادلة األربعة وأئمة الدين األربعة واألقطاب األربعة وجمهور كبير من‬
‫األولياء الصالحين الذين كانوا مع حضرة النبي صلي هللا عليه وسلم في قاب قوسين وهم الذين‬
‫أشارإليهم المصطفي عندما أجاب على سالم المولي ّ‬
‫عز وج ّل قائال‪( :‬السالم علينا وعلي عباد هللا‬
‫الصالحين وهم الذين صاحت أرواحهم بالنطق بالشهادة‪ " :‬أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله " ‪ ،‬ويكون ذلك مشهد من مشاهد يوم القيامة يوضح علو شأن األخوة التي يقول‬
‫الحق عنهم ‪ :‬إنما المؤمنون أخوة لهم أب واحد أصل ألمتهم وهو المصطفي منهم ‪ ،‬رسوال منهم‬
‫يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم مالم يكونوا يعلموه من الكتاب ‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والكتاب هو كتاب‬
‫هللا عن حضرة الجمع وهم آيات هذا الكتاب وهذا الكتاب فيه الهدي وأسرار الوالية وفيه كل آي‬
‫ظاهرة بما خبأت من أسرار عظيمة ‪ ،‬وهذه الحضرة كلها أرواح وليس فيها صور بشرية ‪ ،‬وهذا‬
‫الموطن لم يكن له فوق ألنه موطن توحيد فطرة هللا التي فطر الناس عليها وهي المعرفة بحقيقة‬
‫صاحب السر الساري في الوجود المصطفي الذي تأذن بنبأ هذا العلم المكنوز في أصداف األواني ‪،‬‬
‫والحكمة مؤخرة لشىء فى علم هللا تعالى ‪.‬‬
‫‪ - 11‬ولم نزل ورسول هللا يخبرنا *** ولم يكن غيره من ذاك يقرينا‬

‫‪51‬‬
‫‪ - 15‬أرواحنا عنده بيعت بال ثمن *** السيد العبد واإلنسان يشرينــا‬
‫ولم نزل فى هذا الموقف ورسول يخبرنا بمعرفة صاحب تلك الحقيقة ‪ ،‬وهو وحده ال أحد غيره الذى‬
‫يقرينا من ذاك الذى هو أول الخلق المشار اليه باأللف ‪ ،‬فهو كتاب األلف التى تشير اليه رقم اآلية‬
‫(‪ ) 222‬سورة التوبة { أن هللا اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة‪} ....‬واالشارة‬
‫فى الرقم ‪ 222‬الذى هو عدد ( ألف ) ‪222 = 94+74+2‬‬
‫وهو صاحب العز والجوار ‪ (،‬فيا نعم مبتاع ويا نعم مشتري ) ‪2 /299‬‬
‫سعدا لعبد بيع والحق إشتري *** والمصطفي يشريه للديان ‪1 /79‬‬
‫فهو الذى أرواحنا بيعت عنده ‪ ،‬فكان البائع سيدنا الحسين رضى هللا عنه الذى تجمعت عنده أرواح‬
‫السائرين من أبناء األقطاب األربعة ‪ ،‬وكان الشارى هو السيد العبد واإلنسان الكامل صلى هللا عليه‬
‫وسلم المشار اليه فى كتاب تبرئة الذمة (ص ‪ )198‬باالنسان الكامل بحرف الميم {والميم يشار بها‬
‫الى الكون الجامع وهو االنسان الكامل ‪ ،‬فالحق والعالم واالنسان كتاب ال ريب فيه}والثمن هو جنة‬
‫المشاهدة ‪ ،‬والبضاعة هى األنفس التى تلظت بالمحبة وأنفقت أعمارها من أجل التوحيد الذى ألهب‬
‫مركب سير سيرهم وهم الذين حكى عنهم البرزخ المعمور صدقا ً بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫أرواحنا عنده بيعت بال ثمن *** السيد العبد واإلنسان‬
‫فهو السيد العبد‪:‬‬
‫هـــــو ذا سيد وأول عبــــد *** وبه بدء بداية العباد ‪11 /22‬‬
‫فهو السيد الذى لم يزل سيدا ً واليه تؤول السيادة وأول العابدين الذي عبد هللا تعالى فى أول االيام‬
‫التى جاء قول سيدى فخر الدين عنها ‪:‬‬
‫عدنا كما عادت االيام أولها *** تأذن المصطفى ينبى مثانينا‬
‫وهذا الموطن الذي قال فيه الحق تعالى { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } وأول من قال‬
‫( أنا ) في ( أنا ) حضرة النبي صلي هللا عليه وسلم أول العابدين قبل ظهور الكائنات ‪ ،‬لو كان هناك‬
‫عبادة لكنت أول العباد ‪ ،‬ولكن هذا ( موطن المعرفة ) حيث خلق الحق األرواح وأخذ عليهم العهد‬
‫ألن يعرفوه وعند تمام خلق أشباحهم يعبدوه ‪ ،‬فيعبدوه في الكون بمعني (روحا وجسداً) وأعلي رتبة‬
‫في العبادة تظهر في اآلية الكريمة (سبحان الذي أسري بعبده ليالً‪ )...‬فالعبودية هلل هي أعلي رتبة‬
‫في عبادة هللا ‪ ،‬واإلنسان يشرينا وهو الذي خلقه الحق في أحسن تقويم ثم رده إلي أسفل سافلين‬
‫(أدنى المراتب) وذكره أتى في سورة التين وفي سورة " ن والقلم وما يسطرون حتي إن لك ألجرا‬

‫‪52‬‬
‫غير ممنون " فهذا اإلنسان الشخصي النوراني الذي خلقه الحق تبارك وتعالي روحا أول الخلق من‬
‫ناحية خلق األرواح ‪ ،‬عند بدء ظهور الكائنات‪ ،‬فهو أول الخلق في إطالقه ألفا ً به التآلف ‪ ،‬وإيالفهم‬
‫بالجمع ألف بينهم وأفاض معطيهم بهم إيالفا وقد استحال الوصول إلي مرتبته ‪.‬‬
‫‪ - 12‬قد استحال ارتقاء الكل رقوته *** فدنا بإرفاده يروى روابينـا‬
‫‪ - 12‬وكل نور لنا من نـــوره قبس *** وإنها نفخـة من فيه ما فينا‬
‫يقول سيدى فخر الدين بأن مرتبة المصطفى المعصوم فينا مرتبة عالية رفيعة وهى فى موطن (أو‬
‫أدنى) موطن الدنو الذى جاء به سيدى فخر الدين فى كتاب تبرئة الذمة ص (‪ )92‬حول الجزء الثانى‬
‫من قصة االسراء والمعراج من كتاب جواهر البحار عن معنى (ثم دنا فتدلى) مادام فيه دنو يكون‬
‫التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو‬
‫قلنا إن النبى وربنا كانوا في موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك‬
‫وتعالى ‪ ،‬ولكن (القاب والقوس) ده موطن ‪ ،‬وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح‬
‫فقط لما كان النبي صلى هللا عليه وسلم بروحه وجسده فى (أو أدنى) النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪،‬وفيه قال التحيات هلل الزاكيات هلل الصلوات الطيبات هلل وسكت ‪.‬‬
‫ويقول سيدى فخرالدين قد إستحال إرتقاء الكل رقوته أى أن كبار الصحابة واالولياء استحال ارتقاءهم‬
‫بأرواحهم الى هذا المو طن الخاص بالمصطفى فقط الذى دنا بإرفاده يروى روابينا ‪ ،‬فيقولون انه‬
‫المصطفى المعصوم الذى رزقنا منه إرفادا ً ومدا ً ‪.‬‬
‫فهو رضى هللا عنه (نور عين النور) المتوسل به فى توسل السادة البرهانية {ويانور عين النور‬
‫حقق عبودتى} وكل نور لنا فى االصل هو قبس من نوره حيث خلقت أرواحنا بنفخة من فيه يعنى‬
‫نفخة من (روحه) مثل عيسى وآدم عليهما السالم ‪ ،‬فنفخة سيدنا عيسى عليه السالم الذى جاء عنه‬
‫قول الحق تعالى فى سورة التحريم اآلية (‪{)21‬فنفخنا فيها من روحنا} ونفخة روح سيدنا آدم عليه‬
‫السالم جاءت بها سورة الحجر اآلية (‪{ )18‬فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}‬
‫فكانت نفخة الحق من الروح أى من موطن النور العالى ‪ ،‬فرآها المالئكة بمعناها العالى أشعة نور‬
‫على ‪ ،‬فخروا له ساجدين ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫من‬
‫‪ - 19‬إن لم يكن ماؤنا من مائة وكذا *** إن لم يكن تربنا من مائه طينا‬
‫‪ - 18‬لما سرينا وال سرنا وال علمت ***عنا الروابي وال جئناه إن شينا‬
‫ثم يقول رضى هللا عنه إن لم يكن ماؤنا (ماء أرواحنا) من مائه نفثة من روحه التى فيها السر المراد‬
‫المشار اليه فى القصيدة (‪: )22‬‬

‫‪53‬‬
‫زيتونة زيتها فى كل مشكاة *** ونفثة الروح يا سر المرادات‬
‫فأرواح مثانينا أرواح الصف األول أربعات المثانى ‪ ،‬وكل نور من هذه األنوار هو قبس من نوره ‪،‬‬
‫وروحه هى المستخرجة من (الروح األعظم ) وماء أرواحنا نفثة من روحه الطاهرة المتنقل من‬
‫أصالب اآلباء من األنبياء الصالحين وإن لم يكن تربنا من مائه الذى إمتزج بتراب أجسادنا الذى هو‬
‫من التربة الذكية العطرة التى جاءت منها تربة الطين الالزب المكونة لجسد سيدنا آدم الشخص‬
‫الجسمانى البشرى األول الذى لحقته ( الروح األعظم ) آدم الكبير فنحن لنا شرف التنقل طورا بعد‬
‫طور من الحمأ المسنون وحتي النهاية ‪.‬‬
‫س ْرنَا فى الخفاء الذى صار ميزتنا‪ ،‬استمر بنا فى السير إلى هللا ثم فى هللا ‪ ،‬وال علمت‬ ‫لَ َما َ‬
‫س َريْنا وال ِ‬
‫عنا الروابى حيث نشلنا من أوحال التوحيد وزج بنا فى عين بحرالوحدة وحملنا على سبيل حضرته‬
‫حمال محفوفا بنصرته في بحار األحدية وأغرقنا فى عين بحرالوحدة حتى أصبحنا ال نرى وال نسمع‬
‫وال نجد وال نحس إال بها ‪ ،‬وجعل حجابه األعظم حياة روحنا وروحه سر حقيقتنا وحقيقته ‪ ،‬وال‬
‫علمت عنا تلك الروابي فلم تدرك أننا نستطيع اللقاء به كلما شاء ذلك ‪ ،‬ألنه خفى مقام والخفاء مزيته‬
‫وإنه حقيقة التى حبيناها قبل الماء والطين ‪,‬‬
‫ثم يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪ – 74‬تبارك هللا ذاتا ً واسمه صفة *** وأحمد الحامدين الوصل يولينا‬
‫تب ارك هللا ذاتا أى تعاظم وتعالى عن كنه معرفته حيث اليدركه منا سابق وال الحق ‪ ،‬السابق أنبياء‬
‫والالحق من األولياء الصالحين هذا من ناحية اسم الذات ‪ ،‬ومن ناحية الصفات فانه تعالى وتعاظم‬
‫الذى يحمل الرحمانية وهو صفة الرحمن رحمن الدنيا واالخرة ورحيمهما الذى هو احمد الحامدين‬
‫الذى حمد ربه بكل موجبات الحمد وهو الذى حمد ربه على كمال عطائه بكل االسماء الحسنى وغيرها‬
‫حتى نال الشفاعة الكبرى فقد يولينا بوصله الى مقامه المحمود الذى يقيمه هللا فيه ورسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم يوم القيامة بإسمه (المجيد) وفيه سبعة ألوية تسمى بألوية الحمد تعطى لرسول هللا‬
‫وورثته المحمديون ‪( .‬من كتاب تبرئة الذمة صـ ‪ 112‬من جواهر البحار لسيدى محى الدين باب‬
‫‪ 779‬صـ ‪ )281‬يقول رضى هللا عنه ‪ :‬اإلسم (المجيد) له سبعة ألوية وفى األلوية أسماء هللا تعالى‬
‫التى يثنى بها صلى هللا عليه وسلم على ربه إذا أقيم فى المقام المحمود يوم القيامة وهو قوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم إذا سئل الشفاعة ‪ ،‬يقول ‪ " :‬فأحمد هللا بمحامد ال أعلمها اآلن " وهو الثناء عليه‬
‫سبحانه وتعالى بهذه األسماء والتى يقتضيها ذلك الموطن ‪ .....‬الخ ‪ .‬يقول الشيخ ‪ :‬فلما عرفت ذلك‬
‫سألت عن عدد تلك األسماء التى يحمد هللا تعالى بها يوم القيامة فى المقام المحمود ‪ .‬فقيل لى ‪ :‬إن‬
‫عدد تلك األسماء (‪ )2221‬وكل لواء فيه مرقوم ‪ 88‬إسما ً من أحصاها دخل الجنة ‪ ،‬غير لواء واحد‬

‫‪54‬‬
‫مرقوم فيه ‪ 224‬إسما ً يحمده صلى هللا وسلم بهذه المحامد كلها ‪ ،‬وكلها تتضمن طلب الشفاعة من‬
‫هللا ‪.‬‬
‫مرقى مسمى وهو منشينا‬
‫ً‬ ‫‪ - 72‬فذى صالتى مع التسليم إن لها *** فى كل‬
‫‪ – 71‬وآل بيت كريم الســوح عترته *** أبنــــاؤه إخـــــوتى وهللا كافــــينا‬
‫موطن صالتى ‪:‬‬
‫مقام ال يقام به * وفيه ختم صالتى يوم صليت ‪ ،‬وهو مقام هويته المتدلية وبطونها بعد عشر ‪ ،‬فبعد‬
‫عشر نجد الرقم (‪ )22‬وهو الرمز وهو مقام الشفع فالواحد األول فيه إشارة الى مقام األلف (الفجر)‬
‫والواحد الثانى فيه إشارة الى مقام الشفع الذى محله بعد عشر قد علت من{والفجر وليال عشر‬
‫والشفع }وأشرت اليها قائالً ‪:‬‬
‫صليت فيها بعد عشر قد علت *** والرمز فيها غاية التعريب‬
‫ثم أتبعت حديثى بأداة االشارة فـ(ذى) ‪:‬‬
‫فذى صالتى مع التسليم إن لها *** فى كل مرقى مسمى وهو منشينا‬
‫ومنشينا هو المشار اليه بالفجر هو الواحد األحدي صاحب االنشاء فى أحدية الكثرة والذى قلنا عنه‬
‫فى القصيدة االحدية ‪:‬‬
‫من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريدى قل هو هللا أحد‬
‫وهو الذى قلنا عنه فى التائية ‪:‬‬
‫إذا هو نادى فالورى طوع أمـــــره *** وإن هو ناجى فاألنا لألنيــة‬
‫سما فتسمى فى الحضيرات باسمها *** لذى أضحى واحد الواحدية‬
‫وهذه هى حضرة االنشاء الذى قلت عنها ‪:‬‬
‫لها المعصوم أصالً وهو جدى *** ومن نور العباءة قد كساهــا ‪18 /21‬‬
‫لـــها االنشاء ولهـــا الجوارى *** وسر السر أودع فى حشاهـا ‪18 /25‬‬

‫‪55‬‬
‫ولئن أردت الحقيقة فلتعلم أن سر سرها الذى أودع فى حشاها هو(منزلة) جدى المعصوم حيث (أ ٍنى)‬
‫كمنزلة ألحمد يأتى منها علوم الـ (أنا) ‪ ،‬فهى الواحدية التى نورها منشى حقيقتنا ‪ ،‬وأشرت الى ذلك‬
‫فى القصيدة (‪ )75‬بقولى‪:‬‬
‫أنا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورها منشى حقيقتنا ‪75 /1‬‬
‫وآل بيت كريم السوح عترته ‪ ،‬فهو البيت وهم آل البيت الذين آلوا الى جنابه ‪ ،‬وهو البيت السارى‬
‫الذى يقصد الناس للحج اليه ‪ ،‬المرموز له ببيته بيته من غير اظهار ‪ ،‬الرمز الذى جل عن صفة ‪،‬‬
‫فآل هذا البيت هم عترتى آل ابراهيم ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫القصيدة (‪(18‬‬

‫إلى حيثما ولى الدسوقى وجهه *** ارانى اولى فهو باهلل قبلتى‬
‫فقبلتك المعظمة اختصــــــاصا *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــا‬

‫‪57‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الموافق ‪ 21‬من مايو ‪2891‬م‬ ‫عدد أبياتها (‪)11‬‬ ‫يوم االثنين ‪ 27‬من شعبان ‪2141‬هــ‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها ‪ :‬فى معنى البيت األول من القصيدة (‪:)19‬‬
‫فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرا يسرينا‬
‫الحين يمكن أن يكون دهرا ً ويمكن أن يكون عاما ً ويمكن أن يكون يوما‪ ،‬ويمكن أن يكون صباحا ً‬
‫أومساءا ً ويمكن أن يكون لحظة أو وقت ‪ ،‬ولكن اإلسراء المعروفة تمت مرة واحدة لسيدنا رسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم بالروح والجسد معا ً ليلة السابع والعشرين من رجب إحدى األعوام الهجرية‬
‫وهى التى أشارت اليها سورة اإلسرار بقول الحق تعالى {سبحان الذى أسرى بعبده ليالً}وهذه الرحلة‬
‫تمت لنا فى طى سروة سيدنا رسول هللا أرواحا حتى أوصلنا برفقته صلى هللا عليه وسلم إلى حيث‬
‫موطن (قاب قوسين) ‪ ،‬ضمن عباد هللا الصالحين المرافقين له فيها باألرواح فقط والتى سبقت‬
‫اإلشارة اليهم فى قوله صلى هللا عليه وسلم عند دنوه من المولى فى التحيات (السالم علينا وعلى‬
‫عباد هللا الصالحين ) ردا ً على قول الحق تبارك وتعالى (السالم عليك أيها النبى) فقال وهو يشير الى‬
‫أولياء هللا ف ى قاب قوسين ‪ ،‬وعندها صاح كل من هؤالء األخيار بأرواحهم (أشهد اال اله اال هللا وحده‬
‫الشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله ) ويقول موالنا الشيخ محمد عثمان إن ما يثبت قولنا من‬
‫عروج عباد هللا الصالحين وفيهم السبعة المثانى وجمهور من أولياء هللا الصالحين ومنهم أويس‬
‫القرنى رضى هللا عنه ‪.‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت السادس ‪:‬‬
‫ولكن هن مخصوصات علمى *** وذو االحسان يرجوهن جا َها‬
‫فهذه األبيات من آيات العطاء األكمل من فيض عطاء المعطي الذي يجود عطاءا ً في سخاء ورأفة ‪،‬‬
‫وينال الشفاعة كل من آتاها طالبا حمي المنجي عظيم المقامة ‪ ،‬فهي المنحة التي أوحي الحق بها‬
‫إلي عبده ما أوحي فى موطن ( الدنو من القاب والقوس) وهى من علوم مرتبة اإلحسان التي أُمرنا‬
‫بكتمانها حتي يأتي زمان ووقت رجالها ‪ ،‬فهذه المنحة التي تفضل بها علينا المنعم المتفضل في شهر‬
‫رجب الفرد الشهر الحرام ‪ ،‬وبداية فتق مرتقات هذه الدائرة (دائرة الميم) الدائرة الكنزية التي هي‬
‫عطية رب الجود والبدء والبها ‪ ،‬فكلمة ميم هى كلمة تامة بدأها فى ختمها تشبه البدر فى تمامه ‪،‬‬
‫فهي ميم الجمال الطالع من بين الحاء والدال للحقيقة األحدية والتى بعد خروجها من صدفها سميت‬
‫سمى بالمحمدية ‪ ،‬ففيها المجلي والمظهر للحقيقة اللطيفة األحدية التي‬
‫ٍ‬ ‫بالحقيقة األحمدية ‪ ،‬ومجالها‬

‫‪58‬‬
‫انشقت منها األسرار وانفلقت األنوار وفيها ارتقت الحقائق وتنزلت منها علوم أدم فأعجز الخالئق ‪،‬‬
‫ولها تضاءلت الفهوم ‪ ،‬فلم يدركها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫يحدثنا سيدي فخر الدين عن ثمرة رحلته برفقة وصحبة المصطفي للجمع ‪ ،‬عندما حانت في ميعادها‬
‫ووقتها المعلوم قائالً ‪ :‬قد أطلعنى جدي المصطفى للجمع متقدم الجماعة الذى هو حظي ورزقي علي‬
‫مكانته وسمو منزلته بقربه من منزلة جده المصطفي "صلي هللا عليه وسلم"‪ ،‬لكونه األب الواحد‬
‫واألصل الذى قلت عنه‪:‬‬
‫وإنمـــا نحن إخــوان بال جـــدل *** أب لنـــــا واحد أصل ألمتنـــــا ‪75 /9‬‬
‫وإنه األصل واآلبـــــــاء عترته *** وإنه السر فى أخــــرى البنيات ‪22 /22‬‬
‫فإنى وإبراهيم فى األصل واحد *** إذا طلبوا صفحا ً فال شك صافح ‪91 /22‬‬
‫وهو الذى نورنا من نوره قبس ‪ ،‬وماؤنا من مائه وتربنا من تربه طينا ً ولوال ذلك ‪:‬‬
‫لما سرينا وال سرنا وال علمـت *** عنــا الروابى وال جئناه إن شينا ‪19 /18‬‬
‫أى أن (منزلتى) فى األصل منزلته التى شرفت بها دون الكل ‪ ،‬وألجلها جاء قولى ‪:‬‬
‫هذا كالم قديم يسبق الزمن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا ً ‪75 /2‬‬
‫أنا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورهـــــا منشى حقيقتنا ‪75 /1‬‬
‫فهو الكتاب الذى أنزله علينا الحق تبارك وتعالى ‪ ،‬وتعاظم قدره الذي أنزله علينا بالحق وما زال‬
‫مرقي ‪ ،‬بل وفى كل مراحل سيرنا إلي الواحدية حضرته "‬
‫ً‬ ‫يولينا ‪ ،‬فاللهم صلى عليه وسلم في كل‬
‫حضرة اإلنشاء " التى تجمعنا بسره المضمر فى طى سروتنا ‪ ،‬وآل بيته كريم السوح عترته أبناء‬
‫هذه الحضرة الذين يشملهم برعايته وعنايته ‪.‬‬
‫يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪2‬ـ اليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها‬
‫‪1‬ـ ولكن تركها ال خير منه *** وال ضر لمن يبغى رباهــــا‬
‫‪7‬ـ هى األبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا‬

‫‪59‬‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪ :‬اليكم يا أحبائى علمى الذى يحتوى على كثير من الخفايا‬
‫التى ال يدرك كنهها الكثير منكم ‪ ،‬ألنها علوم غيبية تأتى من علم يسمى (حق يقين) ومرتبته اإلحسان‬
‫وهى أعلى مراتب الدين وهذا العلم ينعت (الخليفة) الذى من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار‬
‫وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال‬
‫الحق ‪ ،‬ف رياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة وال شئ إال‬
‫وهو به منوط ‪ ،‬لذا فهى تعجز من رآها ‪ ،‬ولكن ترك معرفتها ال خير منه وال ضرر لمن يبغى رباها‬
‫‪ ،‬فمن يريد أن يستقى منها فعليه أن يصعد الى أعلى مواطن التنزيل الذى منه تنزلت مخصوصات‬
‫علمى الذى نظمته لكم على هيئة أبيات على غرار آيات الكتاب الكريم ‪.‬‬
‫وإليضاح الرؤية أكثر‪:‬‬
‫يلقي موالنا سيدي فخر الدين بيانه قائال لألحباب من أهل وصل هذه العلوم التي هي مخصوصات‬
‫علمه رضى هللا عنه ‪ :‬إليكم يا أحبابي فى هللا وعلى نهج سيدنا رسول هللا ‪ ،‬الذي أبلغ صحابتة‬
‫علومه التي أوحي إليه بها ربه في ليلة إسرائه وحصوله من المولي عليها وهي العلوم الثالثة ‪:‬‬
‫العلم الذي أمر بتبليغه ‪ ،‬والعلم الذي خير فيه ‪ ،‬والعلم الذي أمر بكتمانه ‪ ،‬وهو اإلحسان الذي هو‬
‫معدن فضل ‪ ،‬فعنه قال ‪ :‬سيدي فخر الدين ألحبابه من أهل الوصل الموصولين إلي موطن حقيقة‬
‫الذي هو أول الخلق ‪ ،‬وصاحب السر الساري في الوجود إن العلم الذي تلقاه في رحلته بصحبة‬
‫المصطفي صلي هللا عليه وسلم ‪ ،‬علم خفي عن اإلدراك بالقلوب والعقول وال يستطيع أحد أن يدركه‬
‫بعقله وال بقلبه ألنه علم روحى يحتاج الى أصحاب األرواح الذكية الطاهرة التي ال يشوبها وهم وال‬
‫كدر وال يستطيع فهمه أحد من السابقين وال من الالحقين ‪ ،‬فال يدرك كنه معرفته ‪ ،‬إال من منحه هللا‬
‫علم الحد والمطلع ‪ ،‬الذى يختص به كبار األولياء ألنه (علم صعب مناله حتي علي األولياء وعلماء‬
‫سر القرآن وال يعطي إال منحة من الحق ج ّل وعال ‪ ،‬فهذا العلم‬‫سر ّ‬‫الظاهر ألنه من بطن القرآن أي ّ‬
‫يتحدث عن حقيقة الحقائق الذي هو أول الخلق في إطالقه ألفا ‪ ،‬وبه التآلف قاب الهدايات ‪ ،‬وبما أنه‬
‫منحه ألهل المشاهدة ‪ ،‬فهو معجز لمن رآه منهم ‪ ،‬ويحتاج إلي دقة وفحص ‪ ،‬حتي يسهل علي الطالب‬
‫مناله ‪ ،‬فأنا الذي حصلت عليه منحة من كريم طابت لى في رحلة معراجي ‪ ،‬وهى ضمن علمي‬
‫الموهوب لي ‪ ،‬من فيض حضرة الوهاب ‪ ،‬الذي تحدثت فيه عن حقيقته التي انشقت منها األسرار‬
‫وانفلقت منها األنوار ‪ ،‬وارتقت فيها جميع الحقائق ‪ ،‬ومنها تنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق ‪ ،‬وقد‬
‫نظمت فيها القول في ديوان سميته شراب الوصل ‪ ،‬وذلك ليشرب منه أحبابي وبعدا ً لفاسق ‪ ،‬فتركها‬
‫أي ترك المعرفة بصاحب السرفى هذا الديوان ال خير منه وال ضر لمن يطلب تلك المعرفة ‪ ،‬راجيا ً‬
‫االرتقاء بها حتي يشرب من روابيها ‪ ،‬أي أن أهل المنهل العذب العالي الذين يشربون منه صافيه‬
‫العذب ‪ ،‬عذبا ً قبل أن ينزل إلي بطن الوادي ويُعكر ويُلحق به الشوائب ‪ ،‬فهذا العلم قد جمعته وقمت‬
‫‪61‬‬
‫بوضعه في نظم فريد ‪ ،‬منسوج على منوالى مثل نسيج القرآن الكريم التى أتى به الحق تبارك وتعالى‬
‫على هيئة آيات ‪ ،‬فقد نظمته علي هيئة أبيات تشبه آيات الكتاب المحكمات ‪.‬‬
‫والفرق بينهم التقديم والتبديل بين األلف والباء ‪:‬‬
‫فكلمة (أبيات) مكونة من خمسة حروف أولها (أ بـ) ‪ ،‬وكلمة (آيات) أيضا خمسة حروف ( آ )‬
‫ممدودة عبارة اثنين (ألف) ‪ ،‬وقد تم استبدال الـ (ا) الثانية (بالباء) وهذا يعني أن األبيات هي نفسها‬
‫اآليات ‪ ،‬فتعطي المعني المراد منها ‪ ،‬وما المعني المراد إال محض فضل المعطي الكريم ‪ ،‬الذي يفوق‬
‫عطاءه في سخاء ورأفة ‪ ،‬فهو عطاء هللا من عليائه ‪ :‬عطاءا ً صافيا ً عن السيد البرهانى ‪.‬‬
‫‪ -1‬فتعطي ما يجود به كريم *** وقد نال الشفاعة من آتاها‬
‫‪ -5‬فال هى عاقر ال خير فيها *** وال هى ميـــته يرجى رثاها‬
‫‪ -2‬ولكن هن مخصوصات علمـي *** وذو اإلحسان يرجوهن جاهــا‬
‫عطية من كريم عندما ظفرت *** به السماء بفرد األربع الحــــرم ‪14 /1‬‬
‫بداية فتق المرتقات وفصلــها *** عطية رب الجود والبدء والبهاء ‪21 /1‬‬
‫وآية من تجلي نور طلعـــــته *** في آخر الليل تعطينا فترضينـــا ‪19 /2‬‬
‫لقد كفينا من التقتير واكتملت *** عطية هللا قبل الماء والطــــــيـن ‪84 /2‬‬
‫فهذه األبيات من آيات العطاء األكمل من فيض عطاء المعطي الذي يجود عطاءا ً في سخاء ورأفة ‪،‬‬
‫وينال الشفاعة كل من آتاها طالبا حمي المنجي عظيم المقامة ‪ ،‬فهي المنحة التي أوحي الحق بها‬
‫إلي عبده ما أوحي فى موطن ( الدنو من القاب والقوس) وهى من علوم مرتبة اإلحسان التي أُمرنا‬
‫بكتمانها حتي يأتي زمان ووقت رجالها ‪ ،‬فهذه المنحة التي تفضل بها علينا المنعم المتفضل في شهر‬
‫رجب الفرد الشهر الحرام ‪ ،‬وبداية فتق مرتقات هذه الدائرة (دائرة الميم) الدائرة الكنزية التي هي‬
‫عطية رب الجود والبدء والبها ‪ ،‬فكلمة ميم هى كلمة تامة بدأها فى ختمها تشبه البدر فى تمامه ‪،‬‬
‫فهي ميم الجمال الطالع من بين الحاء والدال للحقيقة األحدية والتى بعد خروجها من صدفها سميت‬
‫سمى بالمحمدية ‪ ،‬ففيها المجلي والمظهر للحقيقة اللطيفة األحدية التي‬
‫ٍ‬ ‫بالحقيقة األحمدية ‪ ،‬ومجالها‬
‫انشقت منها األسرار وانفلقت األنوار وفيها ارتقت الحقائق وتنزلت منها علوم أدم فأعجز الخالئق ‪،‬‬
‫ولها تضاءلت الفهوم ‪ ،‬فلم يدركها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء‪.‬‬
‫وآية من تجلي نور طلعته الكريمة في آخر سورة الليل تأتينا إشارة الرضا بما نبتغيه من رب الجود‬
‫الذي يعطي عطاءه في سخاء ورأفة ‪ ،‬ومن سمات وعالمات رضا الحق علينا أن أطلعنا علي معرفة‬
‫‪61‬‬
‫قدره الذي سبقنا به سيدنا أبوبكر الصديق من مرتبة الصديقية التي صار بها صديقا ً وسيدنا يوسف‬
‫عليه السالم التى صار بها صديقا ً نبيا ً وهى مرتبة تلي مرتبة الوالية ‪ ،‬التى هي آية شيخنا صاحب‬
‫الذكر الرحيم التي اكتملت عطيته قبل الماء والطين ‪ ،‬التى تتمثل فى ختم الوالية الشق الثانى للحقيقة‬
‫األحدية مثل ختم النبوة الشق األول منها عطية النبي صلي هللا عليه وسلم ‪ ،‬عندما قال في حديثه‬
‫الشريف‪ ( :‬كنت نبيا وآدم قبل الماء والطين ‪ ،‬كنت نبيا ً وآدم منجدل في طينته ‪ ،‬كنت نبيا ً وآدم بين‬
‫الماء والطين )‪ ،‬ثم يخبرنا سيدي فخر الدين عن هذه العطية بأنها هي الحقيقة التي تسمي بالواحدية‬
‫واحدية الكثرة ( ففي الواحدية مبدأ انتشاء األسماء عن الذات إذا كانت األسماء نسبا ً متفرقة عن‬
‫ذات واحدة بالحقيقة ‪ ،‬وإلي هذه الواحدية تستند المعرفة وإليها يتوجه الطلب لثبوت االعتبارات الغير‬
‫متناهية لها ‪ ،‬مع اندراج هذه االعتبارات الغير متناهية لها فيها ‪ ،‬في أول رتب الذات ‪.‬‬
‫والواحدية ‪ :‬هى اسم الذات باعتبارها (حضرة اإلنشاء) وهي عبارة عن مجلي ظهور الذات فيها‬
‫صفة ‪ ،‬والصفة فيها ذات (فكل منها عين لآلخر) وهي ثاني رتب الذات وتسمي بحضرة المعاني أو‬
‫بعالم المعاني ‪ ،‬وهذا التعيين هو صورة التعيين األول ‪ ،‬والتعيين األول هو حقيقة الوحدة ‪ ،‬الحقيقية‬
‫النافية لجميع ذلك ‪ ،‬وتسمي أيضا بمرتبة األلوهية ‪ ،‬ففيها تتولد الكثرة ‪ ،‬فال هي عاقر ال خير منه‬
‫وال هي ميتة ‪ ،‬ففيها موطن اإلحياء وهو موطن الذاكرين هللا كثيرا والذاكرات من أصحاب الصف‬
‫األول ‪ ،‬الذين هم األوائل والذين هم فيها ‪ ،‬وعندما يشتد عليهم ُحسنها فيغلب ُحسنها وجمالها ويئن‬
‫من فيها ‪ ،‬ويقول عنها سيدي فخر الدين أنه أول من غلب عليه ُحسنها فلذا قال‪:‬‬

‫غلب الحسن فالبواطن أنّت *** وعلي أنت ّ‬


‫ي يئن حوادي ‪11 /27‬‬
‫فال هى عاقر أى ال تتولد منها المعانى وال يأتى منها خير ‪ ،‬ولكنها موطن مشاهدة وتعيين للحقائق‬
‫وليس موطن موات وعلومها من مخصوصات العلوم التى أهل اإلحسان من األنبياء واألولياء‬
‫الصالحين يرجوهن جاها ‪.‬‬
‫‪ -2‬فأغطش عندها ليل المعاني *** وأخرج علمها كتما ضحاها‬
‫‪ -9‬وكل مغـــيب البد يفـــشي *** ولكن مالها صبـــح تالها‬
‫فالقائم عليها قد أغطش معانيها وأخفاها عن جميع السائرين إلي حيث وصالها وأخرج علمها فقط‬
‫لبعضهم وهم الصدور ‪ ،‬حيث إن علمها هذا كنز في الصدور أهل محبته الذين سمح لهم باإلفشاء ‪،‬‬
‫ولكن أخذ عليهم الكتم حتي يأتي أوانها وأهلها الذين هم بنو جلدتها ‪ ،‬الذين قال عنهم المصطفي‬
‫صلي هللا عليه وسلم هم أحبابي وأنتم أصحابي ‪ ،‬فللعامل منهم أجر سبعين منكم ‪ ،‬فهم أحبوني ولم‬
‫يروني ‪ ،‬فقد إكتنزت هذا العلم وأمرنى ربى بكتمانه حتى يأتى زمانهم وترفع راية علمهم المكنون ‪،‬‬

‫‪62‬‬
‫علي يد صاحبه مظهر ما كان في الكتمان ليظهر هذا العلم المكتوم في ليلة ويخرجه في وقت ضحاها‬
‫‪ ،‬عندما تطلع شمس المعرفة به ويصبح آية للكون ‪.‬‬
‫ثم يصفها سيدي فخر الدين رضي هللا عنه بأنها‪:‬‬
‫‪ -8‬وهن المرســـالت بكــل خير *** وذي ريح الخليفة من رخاها‬
‫‪24‬ـ لها بين الحسـان لباس خز *** كذا هى ُجنة لمـــن إرتداهـــا‬
‫فهي كالريح المرسلة التى تأتى بالخير ألهل زمانها ‪ ،‬وهى التى كانت مرسلة بـ (ياء) الخالفة لسيدنا‬
‫سليمان ‪ ،‬حيث كان اسمه قبيل خالفته سلمان وعندما انتقلت إليه الخالفة من والده سيدنا داوود‬
‫عليهما السالم ‪ ،‬الذى استمد خالفته فى أزل اآلزال من الخليفة األصل سيدنا محمدا ً صلي هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬علي أنه نائب لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم في زمانه ‪ ،‬فهو رقيقة محمدية وقطرة من‬
‫قطرات نوره صلي هللا عليه وسلم ‪ ،‬وبهذه األضافة إلي اسمه ‪ ،‬صار إسمه سليمان وبها حمل أمانة‬
‫القضاء وأصبح له الحكم في كل شيء ‪ ،‬ثم يقول‪ :‬إن كلمات ديوان شراب الوصل التي تتحدث عن‬
‫حقيقة الحقائق ‪ ،‬مرتبة اإلحسان التي هي أعلي مراتب الدين كل من فيها يأخذون علومهم لباس‬
‫تقوي وخلع تشريف من ( الخز والزبرجد ) ليتزينوا بها وتكون وقاية لهم من كل ما يخشونه ‪ ،‬فانظر‬
‫إلي أهل الحضرتين في قوله‪:‬‬
‫‪ -22‬وأهل الحضرتين يرون فيها *** أريج القرب يومض من شذاها‬
‫‪21‬ـ رويدكم فما المـرجو منكــــم *** سوي نيل الكرامة من قراهــــا‬
‫إن أهل الحضرتين حضرة الجمع وحضرة جمع الجمع يرون في المعرفة بحقيقة من هو أول الخلق‬
‫ومتقدم الجماعة في الحضرتين أريج القرب يرسل بسنا برقه من شذاها ويطلب موالنا فخر الدين‬
‫من األحباب من أهل الحضرتين التمهل في طلب ونيل المكارم من عطاء الكريم ‪ ،‬وموطن نيل الكرامة‬
‫يستشفع فيه بتاج اإلمامة ‪ ،‬ومعرفة هذه الحقيقة من عطاءها المحض التى ال تبخل به علي األحباب‬
‫‪.‬‬
‫‪ -27‬هي اإلحسان منها محض فضل *** وفيض زيادة الحسني جزاها‬
‫واعلموا أن اإلحسان منها محض فضل ‪ ،‬وهل جزاء اإلحسان إال اإلحسان ؟ وللذين أحسنوا الحسني‬
‫وزيادة وجزاء الحسني يكون جزاءا ً وفاقا ً ‪ ،‬إن الذين انقطعوا إلي هلل والزهد فيما سواه هم الذين لهم‬
‫الحسني وزيادة ‪ ،‬فالحسنى هي المعرفة به والزيادة الترقي في المقامات والعروج في سماوات‬
‫الغيوب ومشاهدة األسرار والمكاشفات من العز ‪ ،‬وإلقاء أنوار البقاء علي وجوههم تجعلهم‬
‫جدي المصطفي‬‫ّ‬ ‫مستبشرين ضاحكين بدوام العز والنعيم في حضرة المعصوم الذي هو أصل وهو‬
‫‪63‬‬
‫للجمع الذي نوره من نور العباءة المحمدية التي نشرها رسول هللا صلي هللا عليه وسلم علي أهل‬
‫هذه الحضرة التي ‪:‬‬
‫جدي *** ومن نور العباءة قد كساها‬
‫ّ‬ ‫‪ - 21‬لها المعصوم أصل وهـو‬
‫السر أودع في حشاها‬
‫ّ‬ ‫‪ - 25‬لها اإلنشاء بل ولها الجواري *** وسر‬
‫فهي الحقيقة األحمدية ( حضرة المعصوم ) التى من نور عباءتها كست الحقيقة المحمدية التي فيها‬
‫على الجناب وهم‬‫ْ‬ ‫إنشاء األرواح من أصحاب الصف األول وغيرهم ‪ ،‬وهذا يثبت نسبهم له‪ ،‬فهو‬
‫أبناؤه من صلبه ‪ ،‬بناءا ً على تفسيرحديث قصة المباهلة الذى يقول فيه حضرة النبى ‪ :‬كل األنبياء‬
‫أبناؤهم من أصالبهم أما أبنائى فمن صلب على ‪ ،‬فهذه الحضرة بحر يواقيت علوم وفيها األولياء‬
‫كالسفن التي تسير وتسبح في بحر (النور النبوي) وهم الجواري في البحر كاألعالم ‪ ،‬الجواري‬
‫السر الذى أودع في حشاها ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األولياء السائرون بمريديهم وأبنائهم إلي عين بحر الوحدة ‪ ،‬وهو سر‬
‫‪ -22‬فكم بحـــر غدا فلقا ً وكم من *** ينابيـــع تفجــــرها عصاها‬
‫‪ -22‬وكم حكم لها وهي الرواسي *** وكم قاض تعلم من قضـاها‬
‫فالبحر هو بحر الجبروت والسفن هى أفكار العارفين تسبح فى هذا البحر الذي فيه أنوار الحقيقة‬
‫خاف‬
‫المحمدية ثم ترسو في مراسيها فإن تالطمت عليها األمواج فمن صحب شيخنا فهو آمن ال يُ ُ‬
‫عليه من الغرق حيث إن الشيخ لديه عصاته التي يضرب بها البحر فينفلق ويعبر المريد بفرسه وال‬
‫تبتل رجله وال سرج فرسه ‪ ،‬وقال محمد بن حمزة‪ :‬لما انتهي موسي إلي البحر دعا فقال‪ :‬يا من كان‬
‫قبل كل شيء ‪ ،‬والمكون لكل شيء ‪ ،‬والكائن بعد كل شيء ‪ ،‬اجعل لنا مخرجا ً‪ ،‬فأوحي هللا إليه أن‬
‫اضرب بعصاك البحر ‪ ،‬ويتضح ذل ك في قوله تعالي‪ " :‬فأوحينا إلي موسي أن اضرب بعصاك‬
‫البحر‪ ، ":..‬فانفلق اثني عشر فرقا ً علي عدد األسباط ‪ ،‬فكان كل فرق كالطود العظيم ‪ ،‬وبين تلك‬
‫الجبال من الماء مسالك بأن صار الماء مكفوفا ً كالجامد وما بينهما يبس فدخل كل سبط في شعب‬
‫منها ‪.‬‬
‫وصاحب هذه الحقيقة هو اآلمر الناهى واليه يرجع أمرها ‪ ،‬وال ُحكم له فعلومها الرواسي ‪ ،‬وكل‬
‫قاض تعلمه قضاها فقاضى القضاه ومعلم القضاة هو على الجناب ( فال قاض إال عليا ً ) ‪.‬‬
‫وقضي هللا قضــــــــاءا ً مــــــبرما ً *** ألمـــين هللا يقضــــــــي ما أمر ‪27 /7‬‬
‫ولي يهتدي للقصد من جاء قاصـدا ً *** حماي وإن حم القضا بالحمية ‪2 /271‬‬
‫وإني قاض ما قضي هللا فيـــــــكم *** بناني خطت والخواتم صكّت ‪2 /142‬‬

‫‪64‬‬
‫أمر *** هنالك ال حمي إال حمـــــــانا ‪98 /29‬‬
‫وإذا ح ّم القضـــــــــــاء وكان ُ‬
‫أي من جاءنا قاصدا حمانا فسوف نكفيه ألنه إذا ح ّم القضاء يكون األمر كله بين أيدينا كافا ً ونونا ً‬
‫وتخط يميني محو شقوة تابعي ‪ ،‬إذا رد اإلحتكام الينا في كل األمور‪ ،‬فيجب على المحب الرضا بما‬
‫قضينا ولو أتي عدلنا بما منه اشتكي ويعاني ‪ ،‬فسوف نكفيه ونعينه وننجيه بإذن هللا من شرور‬
‫خلقنا ‪.‬‬
‫‪ -29‬وكم مرأي لهـــــا ولكــم معان *** وكم جاه ينال لدي قطاها‬
‫‪ -28‬وكم من عاقــل أدلي بدلـــــــو *** ليدريها ولكن من وعاهـا‬
‫‪ -14‬وكم فى السابقين صنيع فضل *** وكـم غـرا ً سنـورده لظاها‬
‫فلها مرائي كثيرة ومتعددة ألن الكثرة صفة من صفاتها وأيضا معانيها ال تعد وال تحصى وال يستطيع‬
‫أحد أن يحد حدّها علي أنها الحقيقة أوال وأهل اإلحسان يرجونها لهم عزا ً وجاها ‪ ،‬فمكارمهم منها‬
‫كثيرة وقد ظهرت آثارها في السابقين من األنبياء والمرسلين والالحقين من األولياء والصالحين ‪،‬‬
‫فهو المشكاة التي يستقون منها أنوارهم ‪:‬‬
‫إنه مشكات نور زيتها *** سيد األكوان أحمد من حمد‬
‫فهو الخليفة الذى تجلت خالفته في نبي أو ولي ‪ ،‬أما األشقياء المقطوعين سيكتوون بنارها ‪.‬‬
‫ثم يقول سيدي فخر الدين إن الذي يدريها هم أهل العلوم اللدنية وأهل األرواح ( وال هي للقلوب وال‬
‫للعقول بمدركة )‬
‫‪ -12‬أولوا األبصارواألسرار حاروا *** ولو راموا الرقى لن يبلغاها‬
‫‪ -11‬ومن ملك النواصي للقوافـــي *** إذا رام اليد الطولي اقتفاهــا‬
‫فلم يستطع معرفة كنهها وال الحصول علي معانيها بعيون العقل وال بعيون البصائر ألنها حيرت أولوا‬
‫األبصار وكذلك أهل البصائر‪ ،‬وكل من هيأت له نفسه ‪ ،‬بأنه ملك نواصي علوم اللغة وعلوم الفقه‬
‫ويجيد فنون قوافى الشعر فلن يستطيع أن يبلغاها‪.‬‬
‫‪ - 17‬ومن أعطي رقيا ً بل وصــوال ً *** يـود عنايتـين لمرتقاهــــــــا‬
‫‪ - 11‬ولو كانت قلوب الناس مألي *** بحب المصطفي كانت وكاها‬

‫‪65‬‬
‫فكل الذين يودون السير إلي أعلى المراتب والترقي فى معارجها للوصول لنيل مرادهم منها ‪ ،‬فغاية‬
‫وصولهم حسن القصد إلي أعلي مراتب السير فيها ‪ ،‬ولو كانت قلوب الناس ممتلئة بحب المصطفي‬
‫للجمع متقدم الجماعة في حضرة جمع الجمع كانت كافية لهم ‪ ،‬مثل قلب أم موسي لما ربطنا عليه‬
‫اطمأنت وألقت به في اليم ‪ ،‬ثم رده هللا اليها بعد ذلك ‪.‬‬
‫‪ -15‬وهذى آيـــة اإلصبــاح لمـــــــــا *** تنفس صبحها نــورا ً تالها‬
‫‪ –12‬ومن يرجو الحماية من خطوب *** فأركان الحماية فى حماهــا‬
‫فآية هذه الحقيقة انفطارها وتفجر نورها عند بزوغ الفجر وخروج الخيط األبيض من الخيط األسود‬
‫ثم تمام انشقاقها وانفالق أنوارها وخروج معانيها من صدفها األزفر علي هيئة ياقوتة حمراء ودرة‬
‫بيضاء فخرجت للعالنية بعد أن كانت في ليل معانيها وأخرج علمها كتما ضحاها ‪ -‬وتجمعت أركان‬
‫الحماية في حماها ‪ ،‬ومن يرجوا الحماية من خطوب الزمان فال حمي إال حمانا ‪ ،‬وأركان الحماية‬
‫لدى المنجى صاحب الحمى العبد ابراهيم رضى هللا عنه الذى جاء فيه القول ‪ :‬وما غير إبراهيم عب ُد‬
‫ذو حمي وهو مجتبي حتى يقوم مقامى وهو القائل‪:‬‬
‫سل ما تريد من الحماية عندما *** تأتي حمى المنجي عظيم المقامة ‪2 /752‬‬
‫فهـــــــــــــو المبجل ذو حمــى *** من أمـــــــــــه يكفـــــــــى الــردى ‪22 /2‬‬
‫‪ - 12‬وأول بغية األرواح شرب *** وإن ظمأت فما نالت مناها‬
‫فهذه حضرة شرابها عذب سلسبيل مذاقه وعلمها كنز في قلوب األحبة ‪ ،‬فهو أول شىء تبتغيه أرواح‬
‫ى ظمأ القلوب ‪ ،‬فإن ظمأت األرواح فما نالت مناها من‬ ‫هؤالء األحبة ومن مزايا هذا الشراب ِر ً‬
‫ا لحصول على المعانى المراد إثباتها من كالم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القائل فى القصيدة‬
‫الهائية ‪:‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباته‬
‫قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته‬
‫وهذا القول فيه النجاه لكل من يتعرف عليه ويبين ذلك قوله‪:‬‬
‫إن الذى يلقى الهناء بجيرتى *** ينجو وينجى أهله بنجاته‬
‫وهو العلم السامى الذى يشتاق اليه أرباب المعارف ‪ ،‬والذى يحمل سر مراتب االحوال ‪ ،‬والذى‬
‫يتعرف اليه يحيا نهار معاشه ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫وعلوم أرباب المعارف إن سمت *** فى طــــى علمى خردل بفالته‬
‫ومراتب األحوال عندى سرهــــا *** هى مظهر المحمود فى رقواته‬
‫وحظائر األقداس ملء حياضهــا *** نــــــــور لغيب الليل سر لباسه‬
‫لما تراءى للعيـــــــــــون جمالها *** كد المحب بهـــــــا نهار معاشه‬
‫وهذا العلم هو علم جدى الذى أنا فى أشد اإلفتقار اليه وهو معنى قولى ‪:‬‬
‫إنى الى جدى فقير علمــــــــه *** يكفى جميع الكون بعض فتاته‬
‫والمحتمى عندى تسمو روحه ويجافيه الردى ألن علمى هو النور الى يضىء سماوات روحه ‪ ،‬وهذا‬
‫معنى قولى ‪:‬‬
‫والمحتمى عندى يجافيه الردى *** إنى لديـــــه الزيت فى مشكاته‬
‫ال ينطفى نور لمشكاة بهــــــــا *** زيتى فزيتى تلك بعض صفاته‬
‫ثم يذكرنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بمعنى قول الحق تبارك وتعالى{هللا نور السماوات واألرض‬
‫مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة‬
‫مباركة زيتونة}اآليه رقم (‪ )75‬سورة النور ‪ ،‬أى أن علم جدى كشجرة النور (زيتونة) التى زيتها‬
‫يضىء كل مشكاة ‪ ،‬والمشكاة فيها مصباح تشعله فتيلة زيت الحبيب الذى يضىء كل القلوب ‪ ،‬وكذلك‬
‫زيتى بعض صفاته النور الذى يضىء قلب المحتمى عندى ‪ ،‬وهو المشرب الذى باالرواح يسموا ‪:‬‬
‫وبعض شرابى أغرق الكل فى الهوى *** ومنهجى القـــرآن وهللا وجهتى ‪2 /8‬‬
‫والشاربون أولو المقامات العـــــــــال *** والمصطفى منهم حميل األمانة ‪2 /727‬‬
‫فالسائرون الهائمــــــــــــون بشربتى *** يستنفرون عزائـــــــــم الركبان ‪1 /12‬‬
‫أى أن شرابى هذا هو المنهج المضمون الذى أسميته شراب الوصل وهو نهجى من القرآن الكريم‬
‫كالم هللا القديم الذى قصدت به وجهه تعالى ‪ ،‬والشاربون منه هم أولو المقامات (أصحاب المقامات‬
‫العال) والذى يتم إصطفاؤه منهم يؤتمن على حمل األمانة (فنكشف له عن أسرار المعانى العظام‬
‫ونصرح له بالحديث عنها) ‪ ،‬فالسائرون بين المراتب هم الشاربون من شراب الوصل فيهيمون‬
‫بشربتى التى تجعلهم يستنفرون عزائم الركبان ‪ ،‬وهذا جاءت اإلشارة اليه من قريب بقولى ‪:‬‬
‫ذا شــــراب الحضرتين *** كان لى شربا ً سويا ً ‪22 /14‬‬

‫‪67‬‬
‫وإشربوا من سرخمرى *** فهو باالرواح يسمو ‪29 /8‬‬
‫ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن هذا الشراب هو شراب أهل الحضرتين (اإللهية والنبوية)‬
‫أو الحضرة األحمدية والحضرة المحمدية الذى شربته الروح المستخرجة من الروح األعظم صلى‬
‫هللا عليه وسلم فكان منهما شربا ً سويا ً ‪ ،‬ثم يقول رضى هللا عنه‪:‬‬
‫لقلــــــــوب لم تذق من شربتى *** هى أموات تواريها الحفر ‪27 /28‬‬
‫كالمى مشرب األرواح وصــالً *** إذا لم تشربـــــوا منه فأى ‪74 /22‬‬
‫أى أن القلوب التى لم تذق طعما ً لكالمى الذى َبش ًَرتْ به القصيدة الرجية التى قلت فيها‪:‬‬
‫من أجل ابراهيم بعد رجائــــه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى‬
‫فهو الحبيب وال يخيب رجاؤه *** أورثته ســــــــــر عليه لثامى‬
‫ما غير ابراهيم عبد ذو حمى *** هو مجتبى حتى يقــوم مقامى‬
‫فالتى ال تذقه هى القلوب الميته التى تواريها الحفر ‪ ،‬لذا فكالمى هذا ليس مشرب قلوب ولكنه هو‬
‫اإلناء الذى تشرب به األرواح والذى ال إناء غيره ‪.‬‬
‫‪ - 19‬فال هي للقـلوب وللعقــــول *** بمدركة وال بدء انتـهاهــــــــا‬
‫‪ – 18‬ولما لم يكن غيرى عليــــم *** بما تحوى وما هو محتواهـــا‬
‫‪ - 74‬كفي من ضوئها قبس ولكن *** بحسن القصد أحبوكم ضياها‬
‫بما أن هذه العلوم عن الحقيقة التى إنشقت منها األسرار وإنفلقت األنوار وفيها إرتقت الحقائق ولم‬
‫يدركها سابق وال الحق ‪ ،‬من أجل ذلك يقول سيدى فخر الدين أن عيون أهل البصائر واألبصار ال‬
‫تستطيع أن تدركها وال تبلغ مداها ألنها مشرب لألرواح ‪ ،‬ومشرب األرواح من الخفايا عن اإلدراك‬
‫التى تعجز من رآها ‪ ،‬وإدراكها يحتاج الى إتساع المدارك ‪ ،‬وإتساع المدارك رتب فيها الكفاية التى‬
‫قال عنها سيدى فخر الدين فى القصيدة (الكافية) ‪:‬‬
‫وعند زوال الحس فالجرح فرحة *** فذى رتب فيها إتساع المدارك ‪24 /2‬‬
‫وعند بلوغ القصد باهلل منــــــــة *** أتيت بأحكامــى وتمت مناسكى ‪24 /9‬‬
‫وليس بلوغ القصد ما قد ترونـه *** فإن بلوغ القصـد فض التشارك ‪24 /8‬‬

‫‪68‬‬
‫أى أن الجرح يصير فرحة عند زوال الحس حيث أن الحس هو أول مراتب الدين مرتبة االسالم (علم‬
‫اليقين) وفى مرتبة االيمان (عين اليقين) يصير الجرح فرحة حيث يفرح المؤمن باتساع مداركه‬
‫للوقوف على أبواب المعرفة وهى مرتبة االحسان (حق اليقين) ‪ ،‬وعند ما يمن هللا على المؤمن‬
‫ببلوغ القصد يكون ذلك منة من هللا ‪ ،‬وهذا ما أدى الى اإلتيان بأحكامى حيث تمت مناسكى ‪ ،‬ثم يقول‬
‫رضى هللا عنه ليس بلوغ القصد ما قد ترونه (تعرفونه) ‪ ،‬لكنه يؤكد أن بلوغ القصد هو التوحيد‬
‫الذى فيه فض التشارك‪:‬‬
‫فيا مريدى هو التوحيد مشربنا *** وغاية فى صدور ربها قبل‬
‫ثم يقول رضى هللا عنه بما أنها مخصوصات علمى التى يرجوهن ذو اإلحسان ‪ ،‬ولم يكن أحد غيرى‬
‫على علم ودراية بما تحوى وما هو محتواها من األسرار واألنوار ‪ ،‬لذا يكفى القبس من ضوئها‬
‫ولكن من أتاها طالبا ً المعرفة بها ‪ ،‬بحسن القصد سأحبوه ضياها ‪.‬‬
‫وعن ذلك القبس من ضوئها يروى لنا قائالً ‪:‬‬
‫ومن قبس النــــور المبين بقبضتي *** يضاء بها سبيل السير من كل حالك ‪24 /17‬‬
‫وكل نور لنا من نـــــــوره قبـــس *** وإنهـــــــــا نفخة من فيه مـــا فينـــــا ‪19 /12‬‬
‫أى أنى أضيىء سبيل السير بقضبة قبس من النور المبين فيضاء من كل حالك ‪ ،‬وكل نور من نوره‬
‫قبس ‪ ،‬و ما فينا من نور المعرفة إنها نفخة من فيه ‪ ،‬لذا فإن قبضتى ‪:‬‬
‫تضاء بها الحوالك من عجاب *** لتهديكم إذا ما الليـــــــل ّ‬
‫جن ‪95 /15‬‬
‫فما طلعت إال وغاب ضياؤها *** وال غربت عنا وتلك غرائب ‪82 /8‬‬
‫ومن العجيب أن قبضتى تضاء بها الحوالك ‪ ،‬لتهديكم إذا ما إشتد عليكم ظالم الليل البهيم ‪ ،‬فما طلعت‬
‫من ظالم ليلها الذى أغطش معانيها إال وغاب ضياؤها (نعم الظهور) عند انقشاع الظالم وسطوع‬
‫نهارها ‪ ،‬وال غربت عنا (عند الغروب) إال وترسل لنا ضياء قمرها المتعاقب فى ليلها وتلك هى‬
‫غرائبها ‪.‬‬
‫ولما كنت أنا الذي أعطيت مالم يعطه أحد من علوم هذه الحقيقة فأنا الذي أعرف كل ما تحوى وما‬
‫هو محتواها ‪ ،‬وجاء قولى فى القصيدة النونية ‪:‬‬
‫قل العليم بموردى ومعينه *** ضل الخبير بساحتى ودنانى‬

‫‪69‬‬
‫ال يستطيع أحد مهما بلغ من العلم أن يبلغ ما بلغته من العلوم التى حصلت عليها من موردى الذى‬
‫أرد عليه للحصول على كل ما أحتاجه من العلوم ‪ ،‬وضل الخبير بساحتى ودنانى ‪ ،‬وقلت فى القصيدة‬
‫البائية ‪:‬‬
‫تاهلل ما نضب المعيــــــ *** ن وال معينى ينضب‬
‫فأنا على مر السنيـــــــ *** ن لكل قــــوم مشرب‬
‫نورى من النور المبيــ *** ن ونور جدى االغلب‬
‫لو كان من علم اليقيــــ *** ن فكل علـــــــم يغلب‬
‫أو كان عين اليقيـــــــــ *** ن فكل عيـــن تحجب‬
‫إذ كان من حق اليقيـــــ *** ن فمـــا أجل المأرب‬
‫(بنى)‬
‫َ‬ ‫ومن عظمة هذه القصيدة أن لها ثالث قواف اليا والنون والباء وتقرأ من اليسار الى اليمين‬
‫َق ًل الذى يعرف عنها ألنني المعتمد إليصال المعرفة لكل من يريد التعرف عليها ‪ ،‬وأقول لمن أراد‬
‫المعرفة عن اإليمان وعن اإلحسان وعن البرهان فليقرأ القصيدة الستون التى تقول ‪:‬‬
‫سلني أمدك يا بنى بعلمنـــــــــا *** إن شئت فإسألنى عن اإليمـان‬
‫سلنى عن التوحيد والتفريد فى *** رتب الفناء وسل عن اإلحسان‬
‫سلنى عن الدين القويـــم فإننى *** أدريه أو سلني عن البرهــــان‬
‫‪-----------------------------------------‬‬
‫جاء بقية القصيدة في يوم الجمعة الموافق ‪ 22‬من شعبان ‪2141‬هــ ‪ 29‬من مايو ‪2891‬م‬
‫‪------------------------------------------‬‬
‫هنا يتحدث سيدي فخر الدين رضى هللا عنه من موطن غاية الوصل ‪ ،‬أال وهو موطن القاب والقوس‬
‫الذي يقول عنه إنه فوق االستواء حيث تتم فيه مشاهدة الحقيقة األحمدية فى عالها ‪ ،‬وهى التى‬
‫يقول أنها الحقيقة أوال ً نور النبى معلم القرآن ‪ ،‬والتى يقال عنها أنها القبضة النورانية األولى التى‬
‫جاءعنها قوله‪:‬‬
‫بقر الغيوب وكشف مكنوناتها *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان ‪1 /71‬‬

‫‪71‬‬
‫فهى من الغيوب التى كشف مكنوناتها ‪ ،‬وأخذ ينعتها بقوله رضى هللا عنه إنها دائرة الرحمن التى‬
‫يقول عنها سيدى أبو العينين ودائرة الرحمن كنت أميرها ‪ ،‬وهى تشبه قرص الشمس المعبر عنها‬
‫بدائرة الميم الطالعة من بين الحـــاء والدال في كلمـــــــة (حــ ـمــ ــد) المشار اليها فى ديوان شراب‬
‫الوصل الذى معانى قصائده مأخوذة من بطون القرآن ‪ ،‬ومعانى القرآن تُحمل على أوجه أربعة وهى‬
‫{الظهر ‪ :‬وهو للعلماء ‪ ،‬والبطن ‪ :‬لألولياء ‪ ،‬والحد والمطلع ‪ :‬لكبار األولياء } والتى منها أقوال‬
‫سيدى وموالى الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى المكنى بفخر الدين رضى هللا عنه القائل ‪:‬‬
‫وحدى حد هللا والحـد مطلــــــع *** لدى ومـــــا ضلت بذاك سفينتى ‪2 /225‬‬
‫وأعتصر القرآن حـــدا ً ومطلعا ً *** وكنية فخر الدين مالها من سمية ‪2 /188‬‬
‫فقرة الحد لألحداق أحمدهــــــا *** ومطلع للشهود الحــــــــق مذ نبا ‪24 /5‬‬
‫ال يقرب الحد إال من به طلعت *** وصيتى عندهــــــا يغنيه مغنينى ‪84 /22‬‬
‫وحدى هو حد هللا ‪ ،‬فاهلل هو األحد ‪ ،‬والمطلع هو الذى طلع من حد هللا الذى يساوى (حـ ‪ 4‬ـد) الـ‬
‫أحـــد ‪.‬‬
‫ويقول سيدى فخر الدين أن المطلع الطالع من بين الحاء والدال ‪ ،‬هو دائرة الميم الطالع من غيب‬
‫األحدية ‪ ،‬وهو المشار اليه فى القصيدة (‪ )28‬بقوله‪:‬‬
‫يانعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشـــاه‬
‫سر على كل العظـــــــــام وإنه *** بظهور غيب الذات ما أفشـــاه‬
‫ال يعلم الثقـــــــالن عنه قدر ما *** جهلوا وضلوا فى جلى ضحاه‬
‫ال يبلغ الطـــــــــالب منه بداية *** أو تفقه األمـــالك ما نجــــواه‬
‫وموالنا يقول ‪ :‬ال يقرب الحد إال ‪ ،‬أى ال أحد يستطيع أن يأتى بهذا المعنى ‪ ،‬إال المستثنى الذى به‬
‫طلعت وصيتى ‪ ،‬عندها ‪ ،‬يغنيه مغنينى ‪ ،‬لذا قلت لكم عن الوصية‪:‬‬
‫موصى عالم َم ْن َو ٍصيُهُ *** ومنذ خليل هللا نعم الوصية ‪2 /185‬‬
‫ٍ‬ ‫وما كل‬
‫يعنى ليس كل موصى على علم ودراية ( َم ْن َو ِصيُه) ‪ ،‬لكنى منذ خليل هللا (ابراهيم الخليل الذى ماغيره‬
‫خليل) على علم ودراية بمقام ابراهيم ‪ ،‬جدى المصطفى للجمع الذى سره مضمر لدى وكانت نعم‬
‫الوصية فهو الذى أشرت اليه بالقصيدة التائية بقولى ‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت ‪2 /121‬‬
‫فأ ُ ْن ِزلَــــــــــــــــهُ فى غيبه كتنزل *** سالم هى سين الســــالم بقبضتى ‪2 /125‬‬
‫فكان هو سر مناجاتى ‪ ،‬السر المكتوم فى الصالة المحمدية (الذاتية) الذى قال عنه سيدى ابراهيم‬
‫الدسوقى ‪ :‬وإكشف لى عن كل سر مكتوم يا حى يا قيوم ‪ ،‬وهو الذى أتى ذكره فى توسل السادة‬
‫البرهانية (واكشف لعين قلوبنا عن السر ذى الكتمان من غير مرية) ‪ ،‬فهذه حقيقة ضياها ما به‬
‫االرض أشرقت ‪ ،‬وإن سناها من سنا األحدية ‪ ،‬حيث قلت عنه‪:‬‬
‫ووصيت ابراهيم أنى إصطفيته *** وكل نجــاة كتم سر النجية ‪2 /182‬‬
‫كما أوصيت حبى الذى نادمنى فكتمت سره قائالً ‪:‬‬
‫أوصيك برهانية فاسمع لهــــــا *** مسك الختام وبغية للواصلين ‪2 /24‬‬
‫ولى فى إبن آمنة وصية وارث *** وفينا يكون االختالف تعاقب ‪14 /12‬‬
‫وهى دائرة علومى ذات الطلع النضيد التى أقول عنها‪:‬‬
‫فلى علوم نضيد طلعها كرما ً *** وحدهـــــــا ال يناهى فى عبودتنا ‪75 /55‬‬
‫أى أن علومى كثيرة وهى شجرة طلعها عالى وثمارها طيبه ‪ ،‬وخصتنا من باب التكريم ‪ ،‬وحدها حد‬
‫ال يناهى فى مقام العبودة ‪ ،‬وهو منزلة من المنازل التى إماطة أستارها معجز فهى ‪:‬‬
‫(بداية عبد يجهل الجمع بدءها)‬
‫دقائقها دقت وحسن بيــــانها *** يجل عن التبيان ‪ .‬من حد حدها ؟ ‪21 /9‬‬
‫فهى منزلة رقيقة ودقيقة وحسن بيانها يعظم عن من يستبينه ‪ ،‬ومن المستنكر من يحد حدها أى من‬
‫الصعب أن يحد أحد حدها ‪ ،‬ويعرف عنها من اليه تعرفت حيث تمر به األستار يطعم حلوها ‪ ،‬فعندما‬
‫قلنا قبل ذلك فى القصيدة (‪:)27‬‬
‫الى أجل عندى تكون عطيتى *** بطى خدور المانعات حفيظة ‪27 /2‬‬
‫وقلنا فى القصيدة (‪:)21‬‬
‫ظننتم أن ذاك القول يعنى *** ختام القول فى أى الكتاب ‪21 /1‬‬
‫قلنا وحتى بعد يوم الناس ذا *** علم لدينـــــــــا منه جئنا حـــــدها ‪29 /24‬‬

‫‪72‬‬
‫قلنا علم لدينا منه جئنا حدها ‪ ،‬أى حد علومنا وهو مخصوصات علمنا الذى َجا َءنَا منها ‪ ،‬وحتى بعد‬
‫يوم الناس مازال حدها لدينا ‪.‬‬
‫لذا فأقول أن دائرة علومى تشبه نقطة النواة التى تأتى بالشجرة العالية ذات الطلع النضيد والتى‬
‫تؤتى أوكلها كل حين باذن ربها ‪ ،‬وهذا الطلع النضيد يختص باالرزاق الطيبة للعباد ‪ ،‬وحد هذه العلوم‬
‫ليس له نهاية فى عبودتنا ‪ ،‬فقد دقت دقائقها لدرجة أن ُحسن بيانها ال يستطيع أحد تبيانه ‪ ،‬وعلمها‬
‫لدى من جاء حدها ‪ ،‬وجاء سؤال سيدى فخر الدين رضى هللا عنه من الذى حد حدها ؟ ليدرك بيانها‬
‫ويستبين حقيقتها ‪ ،‬والجواب هو علم لدينا منه جئنا حدها ‪ ،‬لذا هي دائرة بدايتها ونهايتها في استواء‬
‫‪ ،‬وال يعرفها سوى من عاينها وشاهدها حال خروجها من بين صدفها األزفر فقال هى الياقوتة‬
‫الحمراء ‪ ،‬ويقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪72‬ـ ففوق االستوا قلبت وجهى *** فعاينت السماء وما بناها‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أنى فى الموطن الذى فيه مقام العبودة ‪ ،‬حينما قلبت وجهى‬
‫فى السماء فقد عاينت تلك السماء وما بناها ‪ ،‬حيث شاهدت عالم األرواح الذى تجتمع فيه أرواح‬
‫مجردة ( موطن الالهوت والهاهوت) الذى فيه الترحل بالجذبات االلهية وتم التعرف عليها ‪ .‬وعلى‬
‫ما بناها أي من أنشاها وقلت ‪:‬‬
‫أنـا فى أنــا إنى وإنى فى أنــا *** رحيقى مختوم بمسك الحقيقــــة ‪2 /2‬‬
‫هذا كالمى قديم يسبق الزمن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا ‪75 /2‬‬
‫أنــا الذى فى أنا إنى كمنزلة *** ألحمد نورهـــــــا منشى حقيقتنا ‪75 /1‬‬
‫تبارك هللا إن الحق منشينـــا *** وزفرة الحال تطربنى وتشجينى ‪72 /2‬‬
‫وهذا الحق هو الذى أسسها وأقام أعمدتها وبنيانها ثم رفع سماها لعالم األرواح ودحا أرضها لعالم‬
‫األشباح وبسطها للعبادة ‪ ،‬وأخذ يحكى لنا القصة من البداية فى قول الحق سبحانه وتعالى (إنى جاعل‬
‫فى االرض خليفة) ويعرفنا أن هللا تعالي لما أراد لألشباح أن تعبده خلق األرض إلرشاد األنام للمعرفة‬
‫بهذه الحقيقة فقال تعالي‪ ( :‬إني خالق بشرا ً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له‬
‫ساجدين )‪" ،‬سورة ص آية ‪ "21/22‬وعندما شاهدت المالئكة النور المنبعث من عالم العرش حيث‬
‫ي الذي أرسل آشعته علي المخلوق العظيم الشخص اآلدمي الجسماني البشري سيدنا آدم‬ ‫النور العل ّ‬
‫عليه السالم فخرت المالئكة ساجدين لألمر اإللهي نعم ‪ ،‬ولكن بعد مشاهدة النور العلي المنبعث عليه‬
‫من العرش ‪ ،‬وذلك يوضح قول سيدي فخر الدين رضي هللا عنه‪:‬‬
‫ي‬
‫فأول قبلة السجاد طين *** عليه آشعة النور العل ّ‬
‫‪73‬‬
‫وأشعة النور هذه انبعثت من قبلة الوجود بأسره التي تم اختيارها واصطفاؤها يوم خلق الحق العرش‬
‫وخلق المأل األعلي ‪ ،‬وانفرد صلي هللا عليه وسلم في مستواه بمن اجتباه واختاره واصطفاه وجعله‬
‫قبلة للوجود وصيرة الحق خزانة أسراره وموطن نفوذ أمره وهو المعبر عنه يكن ( لما لم يكن ) ‪،‬‬
‫فال ينفذ أمر إال منه وال ينقل خبر إال عنه ‪ ،‬وهو حجاب تجليه وصياغة تجليه "وترقي تدانيه وتلقي‬
‫تدليه" ( سبحانه من تعالي في دنوه وتداني فى علوه ‪ .‬من تراث سيدي محي الدين بن عربي (‬
‫عنقاء مغرب فى ختم األولياء ) لؤلؤة نشأة العرش صـ ‪ 11‬و( كتاب تبرئة الذمة صــ‪. ) 14‬‬
‫‪71‬ـ فهذى قبلــــة قلبت قلــــــــوبــا ً *** على أعقابهـــا يوم اصطفاهـا‬
‫‪77‬ـ فأمــــا قد نرى هى قد رأينـــــا *** على التحقيق من بدء استواها‬
‫‪71‬ـ وليس الى السما بل فى السماء *** وقيـــل فول بعد أن ارتضـاها‬
‫لى الحق تعالى ‪ ،‬هى قبلة قلبت قلوبا ً‬
‫يقول رضي هللا عنه أن القبلة التى إرتضيتها عندما إصطفاها ً‬
‫على أعقابها يوم اصطفاها ‪ ،‬وكان ذلك عطاء هللا من عليائه الذى أشرت اليه فى القصيدة النونية‬
‫قائالً‪:‬‬
‫هذا عطاء هللا من عليائه *** هذا اصطفاء السيد البرهانى‬
‫فهذا العطاء وهذا اإلصطفاء هو السيد البرهانى إبنى البرهانى الذى إنتسبت اليه يوم أن لقبت باالسم‬
‫‪:‬‬
‫{محمد عثمان عبده البرهانى بعد أن كان إسمى محمد عثمان عبد الرزاق}‬
‫وفى البيت الثانى من القصيدة قلت ‪:‬‬
‫ما كل من كتم الشهادة آثم *** أو كل من وأد البريئة جانى‬
‫فهذه شهادة حق من عبيد مشاهد وكل من كتمها ليس آثم ألن معرفتها مأخوذة من علوم الكتم ‪،‬‬
‫العلم ال ثالث (حق اليقين) وعنها جاء قول الحق تبارك وتعالى لحبيبه صلى هللا عليه وسلم (قد نرى‬
‫تقلب وجهك فى السماء) ‪ ،‬ويقول الشيخ هنا أن قوله تعالى (قد نرى) هى قد رأينا على التحقيق من‬
‫بداية االستواء ‪ ،‬وجاء قوله تعالى(فى السماء) ولم يقل الى السماء ‪ ،‬وجاءت االجابة بالتو ِل بعد أن‬
‫إرتضى الحق لحبيبة القبلة المحببة الى قلبه صلى هللا عليه وسلم ‪،‬‬
‫ويقول سيدى فخر الدين فى القصيدة التائية ‪ :‬أن القبلة التى ارتضيتها ‪ ،‬هى قبلة جدى المصطفى‬
‫للجمع ‪ ،‬وهى القبلة المحببة الى قلبى حيث قال رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫وقبلة جدى قبلة قد رضيتهـــــا *** أقلب وجهى فى سماوات قبلتى ‪2 /222‬‬
‫الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتــــــى ‪2 /125‬‬
‫أى أن القلبة التى قلبت قلوبا ً على أعقابها ‪ ،‬هى قبلة جدى التي إرتضيتها لى عندما قلبت وجهى فى‬
‫سماها ‪ ،‬فوجدتها قبلتى التى ارتضاها الحق لى حيثما إتجه نحوها السيد الدسوقى (أبو العينين) وهو‬
‫الذى وجه وجهى نحوها ‪ .‬فالـ(هو) باهلل قبلتى على التحقيق الذى فيه مبدئى ومعادى منذ الساعة‬
‫األولى من بدء االستواء ‪ ،‬فهذه الحقيقة التى عندها جاء قولى ‪:‬‬
‫وإنى حق والحقيقــة أودعت *** غيابة جب يوسفى بفطنـــة ‪2 /52‬‬
‫وكان أبو العينين وارد مائها *** فأدلى بدلو قال تلك بشارتى ‪2 /52‬‬
‫وبعدها قلت ‪:‬‬
‫ولما تغاشينا حملنا أمانـــــــــة *** فصرنا مزاجا ً واحدا ً فى الحقيقة ‪2 /224‬‬
‫وأيدنى األقطاب جمعا ً وقدمــوا *** مزاجى لألكوان تلك بشارتــــى ‪2 /222‬‬
‫أى أيدنى وبشرنى السادة األقطاب سيدى االمام عبد القادر الجيالنى وسيدى االمام أحمد الرفاعى‬
‫وسيدى االمام أحمد البدوى وسيدى االمام أبو الحسن الشاذلى ‪ ،‬حين قيل لى فولى بعد الرضا (من‬
‫الحق) وجهك شطر المسجد الحرام ‪ ،‬وحيثما كنتم جميعا ً (االقطاب التى شاهدت معى) فولوا وجوهكم‬
‫شطره ‪ ،‬وهم الذين أوتوا الكتاب (كتاب هللا جمعنا) وهم األحباب المعنيون فى قوله رضى هللا عنه‬
‫(إنما األحباب آيات به) وذلك ليعلموا أنه الحق من ربهم ‪.‬‬
‫وجاء قول الحق تعالى فى اآلية رقم ‪ 211‬من سورة البقرة (قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك‬
‫قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا‬
‫الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما هللا بغافل عما يعملون) ‪.‬‬
‫أى حين تمني أن يُ ّحول إلي الكعبة ألنها قبلة أبيه إبراهيم وأدعي إلي إسالم العرب وهى أقدم القبلتين‬
‫ويقلب وجهه انتظارا لنزول الوحي ‪ ،‬وهذا من كمال أدبه عليه الصالة والسالم‬
‫ّ‬ ‫فكان ينظر إلي السماء‬
‫حيث انتظر ‪ ،‬ولم يطلب فقال له الحق فلنعطينك ما طلبت فول وجهك جهة المسجد الحرام ‪ ،‬وحيث‬
‫ما كنتم أيها المسلمون فولوا وجوهكم شطره ‪ ،‬وشطر المسجد أي جهته دون عين الكعبة ‪ ،‬ألنه‬
‫صلي هللا عليه وسلم كان في المدينة ’ والبعيد يكفيه مراعاة الجهة ‪ ،‬فإن استقبال عينها حرج عليه‬
‫‪ ،‬بخالف القريب فإنه يسهل عليه مسامتة العين (قابلة وواجهة) ‪ ،‬وقيل إن سيدنا جبريل عليه‬
‫السالم عينها له بالوحي فسميت قبلة وحي ‪ ،‬وروي أنه صلي هللا عليه وسلم قدم المدينة ‪ ،‬فصلي‬

‫‪75‬‬
‫وجه إلي الكعبة في رجب بعد الزوال ‪ ،‬قبل قتال بدر بشهرين‬ ‫نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً‪ ،‬ثم ِ‬
‫‪ ،‬وقد صلي بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر‪ ،‬فتحول في الصالة واستقبل الميزاب‬
‫‪ ،‬وتبادل الرجال والنساء صفوفهم ‪ ،‬فسمي مسجد القبلتين ‪ ،‬قاله البيضاوي ‪ ،‬فلنولينك قبلة ترضاها‪،‬‬
‫وتلوذ بشهود جمالها وسناها وهي الحضرة المطهرة فهي منتهي أمل القاصدين ولما تحولت القبلة‬
‫الى الكعبة ‪ ،‬من الذى غضب ؟ اليهود حيث ترك قبلتهم ‪ ،‬وكذلك سيدنا وموالنا فخر الدين لما تمني‬
‫أن يتجه إلي قبلته المعظمة اختصاصا وقبلة الخليل إبراهيم صلي هللا عليه وسلم وهي أقدم القبلتين‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬والثانية هي القبلة المعظمة اختصاصا‬
‫القبلة األولي هي أبينا آدم الذي كان عليه أشعة النور العل ّ‬
‫التي هي ( قبلة الوجود بأسره ) التي هو واحد من أشعة نورها والتي موطنها في سماء عالم األمر‬
‫حيث العرش والكرسي واللوح المحفوظ والقلم والسريروالسدرة ( عالم الجبروت ) ويقول سيدي‬
‫فخر الدين رضي هللا عنه‪ :‬عند مشاهدة القبلة المعظمة اختصاصا‪:‬‬
‫ودان *** بمحمود الطليعة قد تباهى‬
‫ٍ‬ ‫‪75‬ـ وكل الكون من عا ٍل‬
‫عندما شاهد الكون محل التكوين (من عالم الملك – وعالم الملكوت – وعالم الجبروت) محمود‬
‫الطليعة الذي هو أول الخلق عند ظهور جماله الطالع من سماء غيبه علي هيئة ( دائرة ميم ) طالعة‬
‫من بين الحد فقد تباهي الجميع بطلعته البهية اللطيفة األحدية ‪ ،‬ولم يغضب لطلعته إال المكذبين من‬
‫هم (مثل اليهود الذي أغضبهم تحول القبلة) فهم السفهاء الذين ال عقل لهم ‪ ،‬والمنكرون الحاقدون‬
‫المطرودون من رحمة هللا ‪ ،‬الذين لم يرضهم التوجه إلي هذه القبلة المعظمة التي عظمها هللا واألنبياء‬
‫والرسل السابقين واألولياء الصالحين الالحقين (قبلتك المعظمة إختصاصاً) يقول في ذلك الحق تبارك‬
‫وتعالى ‪( :‬سيقول السفهاء من الناس ما والهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ‪ ،‬قل هلل المشرق والمغرب‬
‫يهدى من يشاء الى صراط مستقيم) اآلية رقم ( ‪ ) 211‬من سورة البقرة ‪ .‬ويجيب سيدى فخر الدين‬
‫على السفهاء‪:‬‬
‫‪72‬ـ ولو قال السفيه لم التولى *** فمغرب طلعة اإلشراق طه‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ولو قال السفيه لم التولى ‪ ،‬نقول عقب هذا الكالم فمغرب طلعة‬
‫اإلشراق طه ‪ ،‬قل‪ :‬هلل المشرق والمغرب يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ‪ ،‬اآلية فالمشرق والمغرب‬
‫هلل ‪ " ،‬أى لو قال السفيه ( الذى ال عقل له ) عند سماع قول الشيخ ( فقبلتك المعظمة إختصاصا ً‬
‫) ما والهم عن قبلتهم ؟ ‪ ،‬أى أن القبلة المعظمة ( قبلة الكون كله من عال ودان ( هى حضرة النبى‬
‫وموطن الخليفة المشار اليه بـ (أول الخلق فى اطالقه ألفاً) ‪.‬‬
‫وحول تفصيل عبارة (فمغرب طلعة اإلشراق طه)‬

‫‪76‬‬
‫أوالً‪ :‬طلعة اإل شراق هى الحقيقة األحمدية التى طلعت من غيب األحدية على هيئة ياقوتة حمراء ‪،‬‬
‫فكانت الحقيقة المحمدية على هيئة درة بيضاء ‪ ،‬قد غربت فى الذات المحمدية اللطيفة األحدية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬طه ـ هوالقدم المشهود ‪ ،‬صاحب الهوية المتدلية من غيب األحدية ‪ ،‬وهو المشار اليه بـ (‬
‫أن ا ) ‪ ،‬حيث هو الهو كذا الهاء واألنا هو القدم المشهود والغيب سائر ‪ ،‬وهو المقصود بقوله ‪ :‬قل‬
‫إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ‪ ،‬اآلية ‪ ،‬وهى منزلة ألحمد ‪ ،‬الظاهر فى ‪ :‬أنا فى أنا إنى كمنزلة‬
‫ألحمد ‪ .‬وأخيرا ً هو أبو العينين المشار اليه القائل ‪ :‬أنا األسد سهمى نفذ منه المدد ال أبالى من أحد‬
‫بفضل (قل هو هللا أحد) والذى أشارت اليه القصيدة األحدية ‪:‬‬
‫من حبا شيخك شيخا ً واصالً *** يا مريدى قل هو هللا أحد‬
‫وهنا يعنى أن الحقيقة األحمدية عندما خرجت من بيتها الصدف األزفر‪ ،‬خرجت كاألسد الكامن المتحفز‬
‫لخروجه من عرينه فخرج منطلقا ً بسرعة السهم مسافرا ً غربا ً حتى أصبحت شمس الغرب وراءه ‪،‬‬
‫والغرب فيه مغرب طلعه اإلشراق طـــه ‪.‬‬
‫فيقول الحق ‪ :‬قل هلل المشرق والمغرب يعنى أن المشرق له والمغرب أيضا ً له ‪ ،‬فالمقصود بالمشرق‬
‫هو شروق شمس الحقيقة التى هو حضرته صلى هللا عليه وسلم حضرة ( طلعة االشراق) والمقصود‬
‫بالمغرب هو غروب شمس الحقيقة أوال ً فى (طه ‪:‬مغرب طلعة اإلشراق) وكلمة طه مكونة من حرفين‬
‫طاء الطلسم والهاء هاء الهوية المتدلية للمشار اليه فى القصيدة النونية قوال ً صحيحا ً مسندا ً بـ (‬
‫نور النبى معلم القران ) ثم يقول واعلم بأن قولى صادق ‪ ،‬وأيم هللا صح النقل عنى ‪ ،‬فالنبى صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ :‬هو نور هللا ‪ ،‬النور المضاف الى هللا إضافة تكريم ‪ ،‬أما نور النبى فهو النور‬
‫المضاف الى حضرة النبى إضافة تكريم ‪ ،‬ويوضح ذلك الحديث الشريف‪ " :‬أنا من نور هللا والمؤمنون‬
‫من رشحات نوري "‪ ،‬فنور المشرق هو نور هللا وهو النبي صلي هللا عليه وسلم والمغرب طلعة هذا‬
‫النور هو نور النبي وهو القبلة المعظمة اختصاصا ‪ ،‬وهى التي يوم المعرفة بها قلبت قلوب المنكرين‬
‫والسفهاء المغيبة عقولهم علي أعقابها وهي المعرفة بالحقيقة أوال‪ :‬التي هي نور النبي معلم القرآن‬
‫‪ ،‬موالنا الشيخ إبراهيم رضي هللا عنه الذى بلغ ختم الوالية ‪ ،‬الذى جاء من كمال العطاء ‪ ،‬ومما‬
‫يؤيد ذلك قول موالنا الشيخ محمد الشيخ ابراهيم { فقد كان رضى هللا عنه قمة فى التواضع ‪ ،‬حتى‬
‫إنه كان يتنزل ويتنزل الى أن يشعر من يتحدث معه أنه ال فرق بين ولى بلغ ختم الوالية وبين مريد‬
‫أو أخ من عامة اإلخوان } فهو طلسم الهوية وهو طه مغرب طلعة االشراق ‪ ،‬وهو رضى هللا عنه‬
‫المشار اليه ‪ :‬طلسم غيب الغيب سر الهوية وكنز الذات ذى األحدية فى ( توسل السادة البرهانية )‬
‫‪.‬‬
‫‪72‬ـ وما وسطية الشهداء إال *** بمحض عناية بلغت مداها‬

‫‪77‬‬
‫فقد ظهرت حقيقة الحقائق على يد مظهر ما كان فى الكتمان موالنا االمام الشيخ محمد عثمان ‪ .‬بعد‬
‫مضى ‪ 2781‬عاما ً من يوم أن خطب المعصوم المصطفي صلي هللا عليه وسلم فى حجة الوداع فى‬
‫العام الحادى عشر الهجرى قائالً ‪( :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم اإلسالم‬
‫دينا) ‪ ،‬وانتقال خاتم األنبياء وا لمرسلين سيدنا رسول هللا الى الرفيق األعلى ‪ ،‬وحتى زمن ظهور‬
‫خاتم األولياء فى الحادى والعشرين من جمادى االخر ‪ 2147‬الهجرى الموافق ‪ 1‬من إبريل ‪2897‬‬
‫‪ ،‬كما قال سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كما خطب المعصوم عند وداعه *** أرسيت أركانى وأتممت نعمتى ‪2 /244‬‬
‫وهو زمن ظهور حقيقة الحقائق التى أظهرها موالنا الشيخ محمد عثمان فى ديوانه المنظوم ودره‬
‫المكنون الذى سماه { ديوان شراب الوصل }والذى إحتوى على السر المصون الذى تحدى به العقول‬
‫بقوله الذى زلزل أرض العقول ( من كمال العطاء من فيض وهب ***ايها الناس جاءكم ابراهيم )‬
‫الولى الذى ختمت الوالية به فهو خليفة جده خاتم األنبياء صلى هللا عليه وسلم المتأخر فى النشأة‬
‫الدنيوية ‪ ،‬المقدم فى النشأة األخروية ‪ ،‬وإذا صح التقديم فالتساوى أحرى ‪ ،‬والعبرة فى الختم ليست‬
‫بالزمن ومن صفته رضى هللا عنه إنه زائل عن مرتبته بختمه ‪ ،‬وظاهر بعلم غيره ال بعلمه ‪ ،‬وجار‬
‫فى ملكه على خالف حكمه ‪ ،‬ولو ظهر بهذا العلم ‪ ،‬وحكمه بهذا الحكم ‪ ،‬ما صح له مقام الختم وال‬
‫ختمت به والية ‪ ،‬وال كملت به هداية ‪ ،‬فهو هادى األمم وبارىء النسم ‪ ،‬ومن صفاته أيضا ً أنه من‬
‫العرب ‪ ،‬آدم اللون أصهب أقرب الى الطول منه الى القصر ’ كأنه البدر األزهر فاعلمه ‪.‬‬
‫ومن عام حجة الوداع التى قال فيها حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم‬
‫وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم اإلسالم دينا ً ) الى زمن انتقال موالنا الشيخ محمد عثمان رضى‬
‫هللا عنه القائل‪:‬‬
‫كما خطب المعصوم يوم وداعه *** أرسيت أركانى وأتممت نعمتى ‪2 /244‬‬
‫وهو بداية استالم موالنا الشيخ إبراهيم وارث والده الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني المكني‬
‫بفخر الدين ‪ .‬مرت عدد من األعوام يقرب من ‪ 2781‬عاما ً وفى هذا الرقم إشارة الى ‪ :‬وسطية‬
‫األمة ‪ ،‬بعد القرون األربعة التى قال عنها المصطفى صلى هللا عليه وسلم (خير القرون قرنى ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجىء قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ) والى بداية‬
‫المعرفة بعلم اآلخرين القائل عنه سيدنا االمام على كرم هللا وجهه { واننى بعلم اآلخرين ضنين‬
‫كتوم } فى هذا العلم المعرفة التامة بخاتم األولياء ‪ ،‬والذى من أجله قال سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى‬
‫بعد أن قال ‪:‬‬
‫‪78‬‬
‫من أجل ابراهيم قد أمليتهـا *** حملت اليكـــم غايتى ورجيتى‬
‫وهو وقت وزمان ( األمة الوسط ) التى ستشهد بهذه المعرفة على سائر األمم ‪ ،‬فيكونوا شهداء‬
‫على الناس بمعرفة هذه الحقيقة ‪ ،‬ويكون الرسول حضرة النبى ( شاهد ) ورسول الهداية إلي‬
‫هذه الحقيقة وصاحبها هو ( الشهيد ) علينا ‪ ،‬وهو الذى تشير اليه فاتحة الكتاب بآياتها السبعة‬
‫التى توافق عدد حروف اسمه الشريف ( إبراهيم ) السبعة أحرف ‪ ،‬مع العلم بأن اسم موالنا االمام‬
‫{ الشيخ ابراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني } يساوي باألرقام عدد السنوات ‪ ،‬واالسم‬
‫الرحمن الذي يتكون من الـ (‪ )5‬سور تبدأ بـ { الر} و ( ‪ ) 2‬سور تبدأ بـ { حم } وسورة (‪ )2‬يبدأ‬
‫بـ { ن } يعنى ‪ )27( = 2+5+2‬سورة ‪ :‬وعددهم باألرقام يساوي هذا العدد ‪ .‬وهذا العدد =‬
‫‪ 2781‬سنة ‪.‬‬
‫ويقول الحق لقد شهد لهذه ( األمة الوسط ) بالعدالة والفضل فقال ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً‬
‫لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) ً‪.‬‬
‫والوسط هو العدل الخيّر الفاضل ‪ ،‬ويقول الحق جعلناكم مهتدين إلي الصراط المستقيم ‪ ،‬ويقول سيدى‬
‫فخر الدين (وإني صراط المصطفي ونجيه) وجعلنا قبلتكم التي اخترناها لكم أفضل الجهات ‪ ،‬وجعلناكم‬
‫أفضل األمم ( أمة البرهان ) خيارا ً عدوالً مزكين بالمعرفة بحقيقة أول الخلق الذي هو قبلة القصاد‬
‫وبيت العقائد‪.‬‬
‫وقبلة جدي قبلة قد رضيتها *** أقلب وجهي في سماوات قبلتي ‪2 /222‬‬
‫وإلي حيثما ولي الدسوقي وجهة *** أراني أولي فهو باهلل قبلتي ‪2 /125‬‬
‫لتصلحوا للشهادة علي غيركم فتكونوا يوم القيامة (شهداء علي الناس) ويزكيكم في ذلك شيخكم‬
‫فيشهد بعدالتكم ‪ ،‬ألن العلماء يشهدون علي الناس واألولياء يشهدون علي العلماء ‪ ،‬فيزكون من‬
‫يستحق التزكية ‪ ،‬و األولياء ال يخفي عليهم شيئا من أحوال العلماء ومقاماتهم بخالف العلماء ال‬
‫يعرفون مقامات األولياء‪:‬‬
‫‪79‬ـ ومن حيث الخروج فول وجها ً *** لقبلة آدم فلهـــــــــــا سماهــــــا‬
‫‪78‬ـ ولست كما يرون فول وجهـــا ً *** واعرض عن جهالـة من تواهى‬
‫‪14‬ـ فقبلتك المعظمة إختصاصـــــا ً *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــــــــــا‬
‫فيبين الحق قبلة من َبعُ َد عن مكة وأيضا قبلة من َبعُ َد عن القبلة المعظمة (ولكل وجهة هو موليها‬
‫فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم هللا جميعا إن هللا علي كل شيء قدير‪ ،‬ومن حيث خرجت فول‬

‫‪79‬‬
‫وجهك شطر المسجد الحرام و إنه للحق من ربك وما هللا بغافل عما تعملون‪ ،‬ومن حيث خرجت فول‬
‫وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره‪" ) ...‬سورة البقرة من ‪.254:219‬‬
‫يقول الحق ج ّل جالله‪ :‬ولكل فريق من المسلمين جهة من الكعبة يستقبلها ويوليها وجهه أينما كان‬
‫‪ ،‬وحيثما أى ( أينما تكونوا ) في مشارق األرض ومغاربها يأتكم الممات ويأت بكم إلي المحشر حفاة‬
‫عراة فال يعجزه بعث عباده وال جمعهم من أعماق األرض وأقطار البالد ‪ ،‬وبما أن لكل قوم وجهة‬
‫يستقبلونها ‪ ،‬فمن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ‪ ،‬فبادر بامتثاله ثم كرر الحق األمر‬
‫بالتوجه لعلة أخري سيذكرها فقال‪ ( :‬ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) وحيثما‬
‫حللتم فولوا وجوهكم شطره‪ :‬قال البيضاوي‪ :‬كرر هذا التعدد لثالث علل ( تعظيم الرسول صلي هللا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بابتغاء مرضاته وجرت العادة اإللهية علي أن يولي أهل كل ملة وصاحب دعوة وجهة‬
‫يستقبلها وي تميزبها ‪ ،‬ودفع حجج المخالفين علي ما بينه ‪ ،‬وقرن كل علة بمعلولها ‪ ،‬مع أن القبلة‬
‫لها شأن ‪ ،‬فكل وجهة من هؤالء توجهت لحق شرعي أقامتها القدرة فيه ‪ ،‬وحكم بها القضاء والقدر‬
‫وهو ( العارفون – العباد والزهاد – العلماء العاملون – القراء والمفسرون – الحكام – القائمون‬
‫باألسباب الشرعية – أهل المعاصي والذنوب – أنواع الكفار )‬
‫فكل وجهة من هؤالء توجهت لحق شرعي أقامتها القدرة فيه ‪ ،‬وحكم بها القضاء والقدر إال القسمين‬
‫األخيرين ال تقرهما الشريعة‪.‬‬
‫ومن حيث خرجت أيها العارف فول وجهك وكليتك لمسجد الحضرة المسجد الحرام ( بيت رسول هللا‬
‫الذي وسع بكليته روح سيدنا محمد الكلية ) ألنه هو الحق وما سواه باطل‪.‬‬
‫وقال الشاعر لبيد‪ :‬أال كل شيء ما خال هللا باطل وكل نعيم ال محالة زائل‪.‬‬
‫نقل الحافظ ابن حجر في الفتح ‪ 299/2‬أن لبيد أنشد من شعره (آال كل شيء ما خال هللا باطل) فقال‬
‫عثمان بن مظعون ‪ :‬صدقت فقال لبيد ‪ :‬وكل نعيم ال محالة زائل فقال عثمان ‪ :‬كذبت ‪ :‬نعيم الجنة ال‬
‫يزول‪ ،....‬وحيث ما كنتم أيها العارفون فولوا وجوهكم إلي قبلة تلك الحضرة واعبدوا ربكم بعبادة‬
‫الفكرة فإنها صالة القلوب ومفتاح ميادين الغيوب وفي ذلك يقول ابن الفارض‪:‬‬
‫يا قبلتي في صالتي ‪ :‬إذا وقفت أصلي‬
‫ي‬
‫جمالكم نصب عيني ‪ :‬إليه وجهت كل ّ‬
‫فإذا تحققتم بهذه الحضرة تحصنتم بحصون الشهود والنظرة وانقطع عنكم حجج خصيم النفس‬
‫والجنس وتنزهتم في رياض القرب واألنس إال الخواطر التي تحوم علي القلوب فال تقدح في مشاهدة‬

‫‪81‬‬
‫الغيوب فال تخافوا غيري وال تتوجه همتكم إال إلحسانى وبري فإني أتم عليكم نعمتي وأرشدكم إلي‬
‫كمال المعرفة بقبلتكم المعظمة اختصاصا بإل كيفية حيث ابتداها ‪.‬‬
‫‪12‬ـ وتمت نعمة كبرى علينا *** فقد آتيت آنفسنا هداها‬
‫أما النعمة الكبرى هى عطيتى عندما سعيت ‪:‬‬
‫سعيت إلي موالي مرفوع هامة *** وما زالت للدنيا شعاع الهداية ‪2 /7‬‬
‫وأتيت إبراهيم من قبـــل رشده *** فما هــــــو اال فلذتى وعطيتى ‪2 /1‬‬
‫والنعمة الكبري هى ( العطية ) التي أراني إياها الحق سبحانه وتعالي حيث هي وجهة سيدي إبراهيم‬
‫القرشي الدسوقي وهي باهلل قبلتي ‪:‬‬
‫الى حيثما ولى الدسوقى وجهة *** أرانى أولى فهو باهلل قبلتى‬
‫وقول الحق تبارك وتعالي‪ ( :‬قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) "سورة البقرة‬
‫‪" 211‬يقول سيدي فخر الدين في كتاب تبرئة الذمة صــ ‪ 197‬في تفسير هذه اآلية‪ :‬قد للتحقيق‬
‫وهذا يدل علي التجزء الجسدي لسيدنا محمد صلي هللا عليه وسلم حيث كان صلي هللا عليه وسلم في‬
‫صالة الظهر من أحد األيام بمسجد القبلتين وفي البيت المعمور وفي العرش يطلب من المولي تبارك‬
‫وتعالي قبلة يرضاها له وألمته ‪ ،‬وألن المشركين عليهم لعنة هللا تعالي قد قالوا للنبي صلي هللا عليه‬
‫وسلم "إن دينكم هذا ناقص بدليل أنكم تتجهون إلي قبلتنا لعدم وجود قبلة خاصة بكم" ‪ ،‬فمعني قوله‬
‫تعالى ‪ " :‬قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ‪ ،‬فول وجهك شطر المسجد الحرام‬
‫‪ ،‬وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره "‪ ،‬إنك تطلب قبلتك بيت هللا الحرام فلنولينك إياها " ‪.‬‬
‫وحاصل األمر أن النبي صلي هللا عليه وسلم يعرف هللا حق المعرفة ويعلم ما كان وما هو كائن وما‬
‫سيكون يوم القيامة ألنه متخلق باألسماء اإللهية الحسني وال يخرج شيء عن دائرتها ‪ ،‬وكثيرا ما‬
‫حدث عن أشياء تحدث في آخر الزمان فظهر معظمها ‪ ،‬وسيظهر الباقي إن شاء هللا تعالي ‪ ،‬ثم يختم‬
‫القصيدة بقوله رضي هللا عنه‪ :‬عن معني قول الحق تبارك وتعالي‪ " :‬فاذكروني أذكركم واشكروا لي‬
‫وال تكفرون " ‪.‬‬
‫‪11‬ـ وكنا ذاكرين وقد ذكرنا *** وهذه نعمة أخرى نراها‬
‫وبعد تمام النعمة الكبرى وهى أن آتيت رشد ابراهيم من قبل ‪ ،‬فماهو اال فلذتى وعطيتى ‪ ،‬وكنا بها‬
‫ذاكرين حتى ذكرنا ‪ ،‬ثم حصلنا على نعمة أخرى وهى نعمه ارشاد العباد لجهة القبلة المعظمة التى‬
‫رأينا فيها الخالفة الحقة التى أسندت الينا‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫وفى الختام يقول إنه صاغ هذه القصيدة علي (جوامع الكلم) الحروف األبجدية التي هي معجزة سيدنا‬
‫رسول هللا صلي هللا عليه وسلم بذكر الحروف الموجودة قبل الحرف األخير من الشطر الثاني من‬
‫رقم ‪ 74:2‬ثم الحروف األبجدية الـ ‪ 19‬وتكرر فيها كل من حرف الباء والحاء وهذه إشارة الكتاب‬
‫الناطق‪ :‬الذى يقول فيه الحق تعالى " ولدينا كتاب ينطق بالحق ‪ ،‬والكتابة كانت الحروف تنطق للنبي‬
‫صلي هللا عليه وسلم إذا أمسك بورقة مكتوبة " ‪.‬‬
‫والخالصة ‪:‬‬
‫أن سيدي فخر الدين يقول ‪ :‬إنه اشتاق إلي قبلتة المعظمة ( قبلة الوجود بأسره ) كما أراد أن يوجه‬
‫مريديه ومحبيه الى هذه ( القبلة المعظمة ) التي عظمها الحق والتي هي الوجهة الحقيقية للمصطفي‬
‫صلي هللا عليه وسلم وهي قبلته التي ارتضاها له الحق سبحانه وتعالي واختصه وعباده بها ‪ ،‬وهي‬
‫التوجه الى جهة متقدم جماعة الحضرة ( المسجد الحرام ) بيت هللا الحرام ‪ ،‬الذى قال عنه الشيخ (‬
‫بيته بيته من غير إظهار ) فيا مريدي من حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ‪ ،‬وللجميع‬
‫يقول‪ :‬من حيث خرجتم فولوا وجوهكم شطره ‪ ،‬أى من أي محل حللتم به فولوا وجوهكم شطره ‪،‬‬
‫حيث هو القبلة التي ارتضاها الحق لكم ‪ ،‬قبلة معظمة اختصاصا ‪ ،‬وحيث جلعناكم أمة وسطا ‪،‬‬
‫لتصلحوا للشهادة علي غيركم من األمم فتكونوا (شهداء علي الناس) ويزكيكم شيخكم حيث يشهد‬
‫بعدالتكم ألنكم أنتم أهل العلم والمعرفة بحقيقة الحقائق الحق األول ‪ ،‬الذي وسع بكليته روح سيدنا‬
‫محمد الكلية المحتد ‪.‬‬
‫وعندما ارتضاها لكم ‪ ،‬فقد قلبت قلوب السفهاء المنكرين علي أعقابها ‪ ،‬ويقول عنها سيدي فخر‬
‫الدين‪:‬‬
‫فهذه قبلة قلبت قلوبا *** علي أعقابها يوم اصطفاها‬
‫فقد شهدناها علي التحقيق من بدأ إستواها ‪ ،‬حقيقة أحدية لطيفة ياقوتة حمراء داخل بيتها األزفر ‪،‬‬
‫حيث عاينتها في سماها وشاهدت جمالها الطالع ‪ ،‬الذي بناها وأخرج ماءها ومرعاها ‪ ،‬واألرض بعد‬
‫ذلك دحاها ( أرض القلوب ) بعد ذلك بسطها ودحاها ‪ ،‬وجعلها في ضعة الخالئق دونه ‪ ،‬ومن أجل‬
‫الخليفة المرشد سيدنا المهدي المنتظر ‪ ،‬جادت بكل ما فيها بال نقصان ‪.‬‬
‫وكل الكون من عال ودان *** بمحمود الطلــيعة قد تباهي‬
‫ولو قال السفيه لم الــــتولي *** فمغرب طلعة اإلشراق طه‬
‫فيقول الحق تبارك وتعالى للسفهاء الذين ال عقل لهم وال دين لهم حين تحولت القبله لسيدى فخر‬
‫الدين قل لهم ( هلل المشرق والمغرب ) فهو ال يختص ملكه بمكان بخصية ذاتية من إقامة غيره مقامه‬

‫‪82‬‬
‫‪ ،‬بل ان االماكن عنده سواء والخلق فى حقه سواء فهو يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ‪ ،‬ويضل‬
‫من يشاء عن المنهاج القويم ‪ ( ،‬ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ) والصراط المستقيم هو ما ترتضيه‬
‫الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجه الى الوجهة الحقيقية وهى وجهة هللا ورسوله التى هى وجهة‬
‫النبى والشيخ فال فرق إن الحق واجب ‪ ،‬وقال بعض العارفين ( لى أربعين سنة ما أقامنى الحق فى‬
‫شىء فكرهته ‪ ،‬وال نقلنى الى غيره فسخطه ) ‪ ،‬بخالف السفها ء من الجهالء بالمعرفة بحقيقة الذى‬
‫هو أول الخلق فى إطالقه ألفا ً ‪ ،‬فشأنهم االنكار عند إختالف األحوال ‪ ،‬فمن رأوه تجرد عن األسباب‬
‫وانقطع الى الكريم الوهاب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ما واله عن حاله الذى كان عليه ؟ وأكثروا من االعتراض عليه‬
‫‪ ،‬وكذلك من رأوه رجع الى األسباب بعد الكمال ‪ ،‬قالوا ‪ :‬قد انحط عن مراتب الرجال ‪ ،‬وهو انما زاد‬
‫فى مراتب الكمال ‪.‬‬
‫فالملك كله هلل يهدى من يشاء الى صراط مستقيم ‪ ،‬ويضل من يشاء بعدله الحكيم ‪.‬‬
‫وبالنظر الى عدد آيات سورة البقرة باالرقام تجده ( ‪ ) 192‬آية ‪،‬‬
‫إذا حذفنا الرقم ‪ 2‬يبقى معنا الرقم ‪ : 19‬وهذا العدد هو عدد السور المدنية من المصحف‬
‫وإذا حذفنا الرقم ‪ 1‬يبقى معنا الرقم ‪ : 92‬وهذا العدد هو عدد السور المكية من المصحف‬
‫وإذا جمعنا ‪ 211 = 19 + 92‬وهذا العدد ‪ 221‬هو عدد سور القرآن ‪.‬‬
‫وأيضا ً لو نصفنا السورة أى لو قسمنا العدد على اآليات ‪ 192‬على ‪1‬‬
‫يصبح العدد ‪ 217‬فى المنتصف وهو اآلية (‪ )217‬التى يقول فيها الحق تعالى ‪:‬‬
‫{وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ً }‬
‫وهى تشير الى وسطية األمة ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫القصيدة (‪(74‬‬

‫األولى‬
‫ْ‬ ‫يطيب ألهل فضلى ذكر قــولى *** ولو جهلوا المراد‬
‫السوى‬
‫ْ‬ ‫على فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر‬

‫‪84‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ 27‬يونية ‪2891‬م‬ ‫عدد أبياتها (‪)72‬‬ ‫األربعاء ‪ 27‬رمضان ‪2141‬هـ‬
‫‪------------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها تأتى فى معنى األبيات الثالثة األولى منها ‪:‬‬
‫اليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها (‪)2‬‬
‫ولكن تركها ال خير منه *** وال ضر لمن يبغى رباهــــا (‪)1‬‬
‫هى األبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا (‪)7‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪ :‬اليكم يا أحبائى علمى الذى يحتوى على كثير من الخفايا‬
‫التى ال يدرك كنهها الكثير منكم ‪ ،‬ألنها علوم غيبية تأتى من علم يسمى (حق يقين) ومرتبته اإلحسان‬
‫وهى أعلى مراتب الدين وهذا العلم ينعت (الخليفة) الذى من منه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار‬
‫وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخالئق وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال‬
‫الحق ‪ ،‬فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة وال شئ إال‬
‫وهو به منوط ‪ ،‬لذا فهى تعجز من رآها ‪ ،‬ولكن ترك معرفتها ال خير منه وال ضرر لمن يبغى رباها‬
‫‪ ،‬فمن يريد أن يستقى منها فعليه أن يصعد الى أعلى مواطن التنزيل الذى منه تنزلت مخصوصات‬
‫علمى الذى نظمته لكم على هيئة أبيات على غرار آيات الكتاب الكريم ‪ ،‬وكذلك فى معنى البيت (‪)27‬‬
‫منها ‪:‬‬
‫هى اإلحسان منها محض فضل *** وفيض زيادةالحسنى جزاها‬
‫واعلموا أن اإلحسان منها محض فضل ‪ ،‬وهل جزاء اإلحسان إال اإلحسان ؟ وللذين أحسنوا الحسنى‬
‫وزيادة وجزاء الحسنى يكون جزاءا ً وفاقا ً ‪ ،‬إن الذين انقطعوا هلل والزهد فيما سواه هم الذين لهم‬
‫الحسنى وزيادة ‪ ،‬فالحسنى هي المعرفة به والزيادة الترقي في المقامات والعروج فى سماوات‬
‫الغيوب ومشاهدة األسرار والمكاشفات من العز ‪ ،‬وإلقاء أنوار البقاء على وجوههم تجعلهم‬
‫جدى المصطفي‬‫ّ‬ ‫مستبشرين ضاحكين بدوام العز والنعيم في حضرة المعصوم الذى هو أصل وهو‬
‫للجمع الذى نوره من نور العباءة المحمدية التى نشرها رسول هللا صل هللا عليه وسلم علي أهل هذه‬
‫الحضرة ‪.‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت الثانى منها ‪:‬‬
‫السوى‬
‫ْ‬ ‫عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر‬
‫‪85‬‬
‫انظر الشرح فى موضعه ‪.‬‬
‫يبدأ سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القصيدة بقوله ‪:‬‬
‫‪2‬ـ يطيب ألهل فضلى ذكر قولى *** ولو جهلوا المراد األولى‬
‫السوى‬
‫ْ‬ ‫‪1‬ـ عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشـر‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬

‫معانى المفردات ‪:‬‬

‫السوى‬
‫ْ‬ ‫أهل فضلى ـ ذكر قولى ـ المراد األولى ـ خالفته من البشر‬

‫أهل هللا ‪ :‬أهل مضاف واإلسم هللا مضاف اليه ‪ ،‬أهل هللا هم أهل القرآن وخاصته ‪ ،‬والقرآن هو قول‬
‫الحق تعالى جا ء لينعت النبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وعلى غرار ذلك يكون معنى أهل فضلى ‪ :‬هم‬
‫الى ‪ ،‬الذين قال لهم سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫أهل الطريقة المضافون ً‬
‫وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خوار‬

‫وأهل الطريقة هم أهل فضلى الذين جئتهم بعلمى المنظوم والدر المكنون من خالل كتابى ديوان شراب‬
‫الوصل ‪ ،‬الذى قد أمليته من أجل ابراهيم ‪ ،‬تلك غايتى ورجيتى من هذا الحديث ومنحتى وكالمى ‪.‬‬

‫ذكر قولى ‪:‬‬

‫الذكر ‪:‬هو ترديد إسم المحبوب دون طلب لمنفعة أو دفع لمضرة ‪.‬‬

‫والترديد ‪ :‬جاءت اإلشارة اليه بالقصيدة (‪: )77‬‬

‫ب يعشقها *** ينال منها بترديد وتكرار ‪77 /22‬‬


‫والح ُ‬
‫ِ‬ ‫وهذه آيتى‬

‫ب هو الذى يعشق آيتى (العلم المنظوم فى صورة قصائد ديوان شراب الوصل) هو الذى يطيب‬ ‫فالح ُ‬
‫ِ‬
‫له (ذكر قولى) ‪ ،‬وهو ترديد إسم المحبوب ‪ ،‬ولو جهل معنى المراد من وراء هذا الترديد ‪.‬‬
‫المراد األولى ‪ :‬هو فى معنى قولى (توحيد رب) ‪ ،‬وهو الحقيقة األوالنية للحديث القدسى ‪{:‬كنت كنزا ً‬
‫مخفيا ً فأردت أن أعرف فخلقت الخلق ‪ ،‬فتعرفت عليه فبى عرفونى}‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫جاء قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة الثالثون ‪ ،‬على غرار قول الحق تبارك وتعالى‬
‫فى سورة يونس اآلية (‪{ )59‬قل بفضل هللا وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } أى‬
‫بنور االسالم وااليمان واإلحسان (الشريعة والطريقة والحقيقة) الذى أتى بهم سيدنا محمدا ً عليه‬
‫الصالة والسالم فضالً من هللا ورحمة فليفرح المؤمنون بالخير الكثير ‪ ،‬فعلى أهل فضلى (أهل‬
‫الطريقة) أن يفرحوا بذكر قولى ‪ ،‬أى أن الفرح بأنوار معرفة َم ْن ِم ْن أجله أمليت كالمى المنظوم فى‬
‫ديوان (شراب الوصل) حتى لو أنهم لم يدركوا منه (المراد األولى) ‪ ،‬هو خير مما يجمعون ‪ ،‬حيث‬
‫أن ذلك المراد هو فى األصل مراد هللا الذى عال فوق الفهوم ‪ ،‬وهذا المراد أشارت اليه القصيدة‬
‫الهائية بقولى ‪:‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معنـاه أو إثباته‬
‫قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته‬
‫س َو ْى) أى الخليفة البشرى الجسمانى اآلدمى (آدم األصغر)‬‫وهذا المراد هو (خالفته من البشر ال ً‬
‫الروح المستخرجة من صلب الروح األعظم (آدم األكبر) صل هللا عليه وسلم قبل تعلقها باألشباح ‪،‬‬
‫الى}‪.‬‬
‫حيث أشارت اآلية (‪ )2‬من سورة فصلت {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى ً‬
‫{جاء فى كتاب البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد لإلمام إبن عجيبة المجلد االول ص ‪}85‬‬
‫لما ذكر خلق العالم العلوى والسفلى ‪ ،‬ذكر كيفية ابتداء من ع ًمر العالم السفلى من جنس اآلدمى فقال‬
‫‪:‬‬
‫س ِفكُ ال ِ ّد َما َء‬
‫س ُد فِي َها َو َي ْ‬ ‫ض َخ ِلي َفةً قَالُوا أَتَجْ عَ ُل فِي َها َمن يُ ْف ِ‬ ‫{ َو ِإ ْذ قَا َل َربُّكَ ِل ْل َم َالئِ َك ِة ِإنِّي َجا ِع ٌل فِي ْاأل َ ْر ِ‬
‫ض ُه ْم‬ ‫علَّ َم آ َد َم ْاأل َ ْ‬
‫س َما َء ُكلَّ َها ث ُ َّم ع ََر َ‬ ‫ون (‪َ )74‬و َ‬‫ّس لَكَ ۖ قَا َل ِإنِّي أ َ ْعلَ ُم َما َال ت َ ْعلَ ُم َ‬
‫س ِبّ ُح ِب َح ْم ِدكَ َونُ َق ِد ُ‬
‫َونَحْ ُن نُ َ‬
‫س ْب َحانَكَ َال ِع ْل َم لَنَا إِ َّال َما‬ ‫ين (‪ )72‬قَالُوا ُ‬ ‫اء َٰ َهؤ َُال ِء إِن كُنت ُ ْم َ‬
‫صا ِدقِ َ‬ ‫علَى ا ْل َم َالئِ َك ِة فَقَا َل أَنبِئ ُونِي بِأ َ ْ‬
‫س َم ِ‬ ‫َ‬
‫علَّ ْمتَنَا ۖ ِإنَّكَ أَنتَ ا ْلعَ ِلي ُم ا ْل َح ِكي ُم (‪ } )71‬من سورة البقرة ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ولما أراد هللا تعالى عمارة األرض ‪ ،‬بعد أن عمر السموات بالمالئكة ‪ ،‬أخبر المالئكة بما هو صانع‬
‫من ذلك ‪ ،‬تنويها ً بآدم وتشريفا ً لذريته ‪ ،‬وتعليما ً لعباده أمر المشاورة فقال (إنى جاعل فى األرض‬
‫خليفة) ثم وجه الحق تعالى استحقاق الجنس اآلدمى للخالفة وهو تشريفة بالعلم ‪.‬‬
‫وجاءت االشارة ‪:‬‬
‫إعلم أن الروح القائمة بهذا اآلدمى هى قطعة من الروح األعظم التى هى المعانى القائمة فى األوانى‬
‫‪ ،‬وهى أدم األكبر واألب األقدم وفى ذلك يقول ابن الفارض ‪:‬‬

‫‪87‬‬
‫وإنى وإن كنت إبن آدم صورة *** فلى فيه معنى شاهد بأبوتى‬
‫فلما أراد ال حق تعالى أن يستخلف هذا الروح فى هذه البشرية لتدبرها ‪ ،‬وتصرفها فيما أريد منها‬
‫قالت المالئكة بلسان حالها ‪ :‬كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل الى الحظوظ والشهوات ‪ ،‬ويسفك‬
‫الدماء بالغضب والحميات ‪ ،‬ونحن نسبحك وننزهك عما ال يليق بك ؟ رأت المالئكة ما يصدر من‬
‫بعض ا ألرواح من الميل الى الحضيض األسفل ‪ ،‬ولم تر ما يصدر من بعضها من التصفية والترقية‬
‫‪ ،‬فقال لهم الحق تعالى (إنى أعلم ما ال تعلمون) فإن منها من تعرج الى عرش الحضرة ‪ ،‬وتعبدنى‬
‫بالفكرة والنظرة ‪ ،‬وتستولى على الوجود بأسره ‪ ،‬وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات‬
‫وأسماء المسميات ‪ ،‬ثم يقول الحق للمالئكة ‪ :‬هل فيكم من كشف له عن السر المكنون ‪ ،‬واإلسم‬
‫المصون ‪ ،‬فقالوا (سبحانك ال علم لنا إال ما علمتنا) من علم الصفات دون أسرار الذات (إنك أنت‬
‫العليم الحكيم) يقول الحق تعالى لروح العارف التى نفذت الى بحر وحدة الذات وتيار الصفات ‪ :‬أنبئهم‬
‫بما غاب عنهم من أسرار الجبروت ‪ ،‬وأسماء الملكوت ‪ ،‬فلما أعلمهم بما كوشف له من األسرار ‪،‬‬
‫وانفلق له من األنوار ‪ ،‬أقروا بشرف اآلدمى ‪ ،‬وسجدوا لطلعة آدم عليه السالم (طلعة اإلشراق) التى‬
‫قال عنها االمام فخر الدين فى القصيدة(‪:)18‬‬
‫ولوقال السفيه لما التولى *** فمغرب طلعة اإلشراق طه ‪18 /72‬‬
‫فقال الحق تعالى لهم (ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات واألرض) أى ما غاب فى سماء األرواح‬
‫من األسرار وفى أرض النفوس من األنوار‪ ،‬وأعلم ما تظهرونه من اإلنقياد ‪ ،‬وما تطتمونه من‬
‫اإلعتقاد ‪ ،‬وبعد أن تبين شرف آدم وفضله أمرهم بالسجود له ‪.‬‬
‫‪7‬ـ فأول قبلة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلى‬
‫‪1‬ـ تولته العناية بعد جهل *** على علم فأنعم من ولى‬
‫يحدثنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخالفة التى قال عنها الحق تعالى (إنى جاعل فى األرض‬
‫خليفة) ‪ ،‬بعد أن قال تعالى (إنى خالق بشرا ً من طين) حيث أن الخالفة ستكون فى األرض والخليفة‬
‫البشر السوى سيكون من طين األرض (فاذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين) فصار‬
‫التراب مسكا ً فى مشام أصحاب (يسبحون) وجليت عروس آدم عليه السالم فى خلع (ان هللا اصطفى)‬
‫وسجدت المالئكة لسطوع نور(ونفخت فيه من روحى) وهذا معنى ‪:‬‬
‫فأول قبلة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلى‬

‫‪88‬‬
‫أى لما نفخت فى هذا البشر بعد أن سويته ‪ ،‬سجدت المالئكة لسطوع نور روحى فيه ‪ ،‬وسطوع‬
‫هذا النور هو حقيقة (أشعة النور العلى) ‪ ،‬المشار اليه بقول سيدى فخر الدين فى القصيدة الثانية‬
‫النونية ‪:‬‬
‫سبحان من خلق الحقيقة أوال ً *** نور النبى معلم القرآن‬
‫معلم القرآن الذى تولته الحضرة اإللهية بما تحتاجه ذريته بالمعرفة وتشريفه بالعلم الذى صيره الحق‬
‫خزنة أسراره وهوالذى إنشقت منه األسرار وانفلقت األنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم‬
‫فأعجز الخالئق ‪ ،‬وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق وال الحق ‪ ،‬فصار الولى الذى بلغ ختم‬
‫الوالية فأنعم به من ولى ‪.‬‬
‫‪5‬ـ وداود الخليفة من هداها *** وعلمناه صنعة كل شىء‬
‫‪2‬ـ وفهمنا سليمان إقتضاها *** وعلمناه منطق كل شىء‬
‫السوى هى الحضرة التى قاب قوسيها الهدى ال‬
‫ْ‬ ‫وجاء فى كتاب هللا الجامع أن موطن خالفة البشر‬
‫ينتهى ‪ ،‬وكل خليفة ينال خالفتة من المشار اليه بقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪:)92‬‬
‫ما كتاب هللا إال جمعنــا *** إنمــــــــــا األحباب آيات به‬
‫ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهدى ال ينتهى‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بأن خالفة سيدنا داود جاءت من هداها ‪ ،‬حيث أن هذه‬
‫الحضرة هى صانعة الخلفاء الذين نالوا خالفتهم من هداها عندما صاروا آيات كتابها ‪ ،‬فهى حضرة‬
‫(كل شىء) التى من مضمونها يؤخذ صنعة كل شىء ‪ ،‬وعلم كل شىء ‪ ،‬وهللا عليم بها حيث قال‬
‫سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫(وألوا االرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب هللا إن هللا بكل شئ عليم) اآلية ‪ 25‬االنفال‬
‫(ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شئ وهدى ورحمة) اآلية ‪ 98‬النحل‬
‫(إنا مكنا له فى األرض وآتيناه من كل شئ سبباً) اآلية ‪ 91‬الكهف‬
‫(إنما االهكم هللا الذى ال إله إال هو وسع كل شئ علماً) اآلية ‪ 89‬طه‬
‫(وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ) اآلية ‪ 17‬النحل‬
‫(ولكن رسول هللا وخاتم النبيين وكان هللا بكل شئ عليماً) اآلية ‪ 51‬األحزاب‬

‫‪89‬‬
‫(وكل شئ أحصيناه فى إمام مبين) اآلية ‪ 21‬يس‬
‫(ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلماً) اآلية ‪ 2‬غافر‬
‫(فسبحان الذى بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون) اآلية ‪ 97‬يس‬
‫(وان هللا قد أحاط بكل شئ علماً) اآلية ‪ 21‬الطالق‬
‫(وكل شئ أحصيناه كتاباً) اآلية ‪ 18‬النبأ‬
‫(وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ‪ ،‬ففهمناها‬
‫سليمان وكال آتينا حكما ً وعلما ً وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ‪ ،‬وعلمناه صنعة‬
‫لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرين ‪ ،‬ولسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره الى األرض‬
‫التى باركنا فيها وكنا بكل شئ عالمين) اآليات من ‪ 29‬الى ‪ 92‬األنبياء‬
‫{وقصتهما ما قاله بن عباس وغيره ‪ :‬أن رجلين دخال على سيدنا داود عليه السالم أحدهما صاحب‬
‫حرث ‪ ،‬واألخر صاحب غنم ‪ ،‬فقال صاحب الزرع ‪ :‬إنه نفشت غنمه ليالً فوقعت فى حرثى ‪ ،‬فلم تبقى‬
‫منه شيئا ً ‪ ،‬فقال له سيدنا داود ‪ :‬إذهب فإن الغنم لك ‪ ،‬ولعله إستوت قيمتاهما ‪ ،‬اى قيمة الغنم على‬
‫قدر النقصان فى الحرث ‪ ،‬فخرج الرجالن على سيدنا سليمان عليه السالم ‪ ،‬وهو بالباب ‪ ،‬وكان ابن‬
‫احدى عشر سنة ‪ ،‬فأخبراه بما حكم به أبوه ‪ ،‬فدخل عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نبى هللا لو حكمت بغير هذا لكان‬
‫أرفق بالفريقين ‪ ،‬قال ‪ :‬وماهو ؟ قال ‪ :‬يأخذ صاحب الغنم األرض ليصلحها ‪ ،‬حتى يعود زرعها كما‬
‫كان ‪ ،‬ويأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بألبانها وصوفها ونسلها ‪ ،‬فإذا كمل الزرع ‪ ،‬ردت الغنم الى‬
‫صاحبها ‪ ،‬واألرض بزرعها الى ربها ‪ ،‬فقال ‪ :‬داود ُوفقت يا بنى‪ ،‬وقضى بينهما بذلك} ويقول االمام‬
‫بن عجيبة والذى يظهر ‪ :‬أن حكمهما عليهما السالم كان باجتهاد ‪ ،‬ففيه دليل على أن األنبياء‬
‫يجتهدون فيما لم ينزل فيه وحى ‪ ،‬فان قول سيدنا سليمان " هذا أرفق " ‪.‬‬
‫(من كتاب البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد المجلد الثالث ص ‪)191‬‬
‫ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بأن سيدنا داود عليه السالم نال خالفته من هداها كما نال‬
‫منها حكمه وعلمه وعلمناه صنعة كل شئ ‪ ،‬أى صار الكون معه ‪ ،‬حيث سخرت له الجبال كما سخرت‬
‫لسيدنا سليمان الريح ‪ ،‬أى صارت الريح تسبح معه ‪ ،‬وقال الكواشى ‪ :‬كان داود إذا سبح سبحت معه‬
‫الجبال والطير‪ ،‬وكان يفهم تسبيح الحجر والشجر ‪ ،‬وكان اذا فتر من التسبيح ‪ ،‬يسمعه هللا تعالى‬
‫تسبيح الجبال والطير ‪ ،‬لينشط فى التسبيح ويشتاق اليه ‪ ،‬وكذلك كان هذا التسخير لسليمان عليه‬
‫السالم بطريق االنقياد الكلى بل بطريق التبعية واالقتداء و حال كون الريح عاصفة أى شديدة الهبوب‬
‫‪ ،‬من حيث أنها تقطع مسافة بعيدة فى مدة يسيرة ‪ ،‬وكانت رخاء فى نفسها ‪ ،‬طيبة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كانت‬

‫‪91‬‬
‫رخاء تارة ‪ ،‬وعصفة أخرى ‪ ،‬على حسب ما أراد منها ‪ ،‬أو رخا فى ذهابه وعاصفة فى رجوعه ‪،‬‬
‫ألن عادة المسافرين ‪ :‬االسراع فى الرجوع ‪ ،‬أو عاصفة إذا رفعت البساط ورخاء إذا جرت ‪.‬‬
‫كما قال رضى هللا عنه حول خالفة سيدنا سليمان عليه السالم ‪:‬‬
‫وفهمنا سليمان اقتضاها *** وعلمناه منطق كل شىء‬
‫أى أن (اقتضاها) جاء بقول سيدنا سليمان ‪ :‬يأخذ صاحب الغنم األرض ليصلحها ‪ ،‬حتى يعود زرعها‬
‫كما كان ‪ ،‬ويأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بألبانها ‪ ،‬وصوفها ونسلها ‪ ،‬فإذا كمل الزرع ‪ ،‬ردت الغنم‬
‫الى صاحبها ‪ ،‬واألرض بزرعها الى ربها ‪ ،‬فقال ‪ :‬داود ُوفقت يا بنى‪ ،‬وقضى بينهما بذلك ‪ ،‬وقول‬
‫أبيه ‪( :‬هذا أرفق) أى أن أبيه قبل حكمه حيث قال ‪ :‬وفقت يا بنى ‪ ،‬وقضى بينهما بذلك ‪ ،‬فكالهما‬
‫وارث تلك الخالفة التى جاءت بها القصيدة (األولى)‪:‬‬
‫ما االختالف وما الخالفة ما النبا *** قد جئت باإلخبار فى نبإيتى ‪2 /728‬‬
‫‪2‬ـ ولم تكشف ولم تعلم ولكن *** تجلـــــــــت فى نبى أو ولى‬
‫‪9‬ـ ولو شئنا لمـا جئنا بكشف *** عن المكنون من سر خفـــى‬
‫‪8‬ـ ولو شئنا هدينــا كل نفس *** إلى حيث الوصـال السرمدى‬
‫وهذه الخالفة أشار اليها علم األولين ووضحها علم اآلخرين ‪ ،‬الذي يقول عنهما سيدنا على كرم‬
‫هللا وجهه ‪:‬‬
‫قد حزت علم األولين ولكننى *** بعلم اآلخرين ضنين كتوم‬
‫وظلت هذه الخالفة فى حيز الكتمان حتى أتى وقت وزمان سيدى فخر الدين بوصفه مظهر ما كان‬
‫فى الكتمان ‪ ،‬عندما قال عنها ولم تكشف ولم تعلم ألنها من علوم الكتم ‪ ،‬ولكنها تجلت فى نبى أو‬
‫ولى ‪ ،‬أى تجلت أشعة نورها فى السابقين من األنبياء والالحقين من األولياء ‪ ،‬وعلى ذلك يقول‬
‫رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫وما أنا اال واحد من أشعة نورها *** وما أنا اال من غياهبها بها ‪94 /71‬‬
‫لذا قال رضى هللا عنه لقد جئت بالكشف عن مكنوناتها ‪ ،‬وعن الجوهر المكنون والسر الخفى على‬
‫كل العظام ‪ ،‬وجاء عنها حديثى ومنحتى وكالمى ‪:‬‬
‫يصدق بالكلمات أهـــــــــل محبتى *** فأنفخ فيهم من علـــــــــوم ذكية ‪2 /215‬‬

‫‪91‬‬
‫وأكشف لألحباب عن علمــى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينــــة ‪2 /212‬‬
‫بقــــــــر العلــوم وكشف مكنوناتها *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان ‪1 /71‬‬
‫ولى من كشفــــــــها سر الخبايـــــا *** ودون الكل قد وضع الخمــــار ‪72 /28‬‬
‫يصدق بالكلمات أهل محبتى ‪ ،‬حيث يكشف لهم المراد معرفته من خالل الكلمات ‪ ،‬وهو الخليفة‬
‫السوى ‪ ،‬وتم ذلك بنفخة فى روعهم من العلوم الذكية‬
‫ْ‬ ‫الجسمانى اآلدمى الذى نال خالفته من البشر‬
‫القدسية الطاهرة ‪ ،‬وبهذه النفخة إنكشف لهم من األسرار واألنوار التى انشقت عنها تلك الخالفة ‪،‬‬
‫التى جواهرها فى كل صدر كمينه ‪.‬‬
‫فأنا الذى من شأنى بقر العلوم ‪،‬للكشف عن سر مكنوناتها ‪ ،‬وانا الذى أحصى دقائقها ووصف‬
‫تفصيالتها التى جلت عن التبيان وحاشا الوصف بالنسيان ‪ ،‬وأمتلك من أسرارها وخباياها التى ال‬
‫يستطيع ادراكها سابق من األنبياء وال الحق من األولياء ‪ ،‬لكونها من العلوم الخفية التى وضع عليها‬
‫الخمار ‪.‬‬
‫هو من أضاء الغيب فانكشف الخبا *** حتى غدوت مغيبا ً بضيـــــــــاه ‪28 /22‬‬
‫ومقام هذه الخالفة يسمى )مقام اإلصطفاء( والمنوط به الخالفة هو الذى َو َ‬
‫ض َع عليها ذاك الخمار ‪،‬‬
‫وهو الذى أضاء لى المغيب منها ‪ ،‬فانكشف لى الخبا ‪ ،‬أى تعرفت عليه حتى غدا كل مستخف بنورى‬
‫ظاهر ‪ ،‬وبه أصبحت مغيبا بضياه ‪ ،‬لذا صرت وصار الخفاء مزيتى ‪ ،‬ومن أجل ذلك قلت ‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫الخبى إنا كـــــــــــرام *** ونزلنــــــا مقامنـــــا االصطفاء ‪17 /2‬‬
‫ْ‬ ‫كيف نفشى‬
‫ـ لحكمة أرادها الحق تعالى جعل المعرفة بهذه الخالفة فى حيز الكتمان ‪ ،‬حيث أنها من علوم الكتم‬
‫‪ ،‬ولو شئنا هدينا الجميع للمعرفة التى بها يتم الوصال السرمدى ‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ ولو جئنـــــا على قدر بموسى *** لبرأناه من جهــــل الغبى‬
‫‪22‬ـ وما إستخلفت من هارون يوما ً *** إذا أعيــاه سحر السامرى‬
‫نأخذ من قول الحق تعالى فى اآلية(‪ )14‬سورة طه معنى {فلبثت فى أهل مدين ثم جئت على قدر‬
‫بموسى} أى بعد وصولك الى مدين ولبثت فيها سنين ‪ ،‬قال وهب ‪ :‬لبثت عند شعيبا ً ثمانية وعشرين‬
‫سنة ‪ ،‬منها عشرة مهرا ً (جئت) الى المكان الذى آنست فيه النار‪ ،‬ورأيت فيه الخوارق ‪ ،‬وخصصت‬
‫فيه بالرسالة ‪( ،‬على قدر) قدرته لك فى األزل ‪ ،‬وهو وقت عينته لك ‪ ،‬ألكملك وأرسلك فيه الى‬
‫فرعون ‪ ،‬فما جئت إال على ذلك القدر‪ ،‬غير متقدم وال متأخر ‪ ،‬وقيل على مقدار من الزمان ‪ ،‬يوحى‬
‫فيه الى األنبياء ‪ ،‬وهو رأس أربعين سنة ‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫{من تفسير البحر المديد البن عجيبة المجلد الثالث ص ‪} 799‬‬
‫يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بلسان الحضرة قائالً أن الخالفة لم تكشف ولم تعلم ولكنها‬
‫تجلت فى نبى أو ولى ‪ ،‬كما يقول ‪ :‬ولو جئنا على قدر بموسى أى لو جئنا فى زماننا ‪ ،‬بمن هو على‬
‫شاكلة موسى ‪ ،‬حيث خصصناه برسالة ‪ ،‬يقوم بأدائها لتوصيل المعنى المراد معرفته وإثباته ‪،‬‬
‫وإبالغه إلخوانه وفى ذلك شرف انتساب ‪ ،‬لمن هو ولى صاحب رسالة قد أتم األربعين بعشره على‬
‫غرار نبى مثل سيدنا موسى عليه السالم ‪ ،‬الذى جئنا به الى المكان الذى قدر له الحق تعالى فى‬
‫األزل ‪ ،‬والذى آنس فيه النار التى عند وصوله لها وجدها نورا ً ‪.‬‬
‫فما جاء إال على ذلك القدر المعلوم والوقت المحتوم لنشر رسالته ‪ ،‬وكشفنا عنه غطاء العلم الذى‬
‫برأه من جهل الغبى ‪ ،‬وذلك مثل سيدنا موسى الذى برأه هللا من جهل السامرى ‪.‬‬
‫‪21‬ـ ومن هذا المقــــــام يقول ربى *** وإياى ارهبـــوا فأنا الجلـــى‬
‫‪27‬ـ ومن هذا المقــــام رأيت نورا ً *** يقول المصطفى عندى وفـى‬
‫‪21‬ـ ومن هذا المقـــــام يقول نوح *** وإبراهيم ربى شـــــــــاء شئ‬
‫‪25‬ـ ومن هذا المقــام يقال موسى *** ويا عيسى ابن مريم أنت حى‬
‫ماهو المقام المشار اليه بأداة اإلشارة (هذا)‪:‬‬
‫هذا المقام ‪ :‬أشارت اليه القصيدة (‪: )57‬‬
‫هذا مقــــــــام اإلختيار *** بدت عليه مآثرى‬
‫هذا مقـــــــام اإلنفطار *** وإن منه مفاخرى‬
‫فيه التحير والخيـــــار *** وفيه رشد القاصر‬
‫هذا مقــــــــــام لم يرد *** أحد عليه بخاطــر‬
‫هذا المقام مقام القرب والوصال الذى به المخصوص قد أربى وهو الذى فيه التربيه ويتم فيه اإلختيار‬
‫حيث بدت عليه مآثرى وأشارت اليه القصيدة(‪:)24‬‬
‫فهؤالء الذين هللا آثرهم *** وزادهم ثم أدناهم له قربا ً‬

‫وهو مقام اإلنفطار الذى حزت منه على فخرى وتفجرت منه مفاخرى ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫وتقلبت فى هــــــواه وفخرى *** نسب فى تقلب السجــــــــــاد ‪11 /25‬‬
‫وما نال الرجال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار ‪72 /12‬‬
‫أئمة قدمونى والفخــــار لهم *** وســــادة والتآخى غير منعدم ‪14 /29‬‬
‫ومنه تؤخذ كل مفخرة ‪:‬‬
‫ومن قديم لنــــا عز ومفخــرة *** وبين أحبابـ نا صحت روايتـ نا ‪75 /12‬‬
‫وقد عهدناك منذ ألست مفخرة *** وقد رأيناك فى التوحيد نشوتنا ‪75 /22‬‬
‫هذا مقــــــام اإلنشقاق *** لدى فطور الفاطـر‬
‫هذا مقــــام قد ورثـ نا *** كابـــــرا ً عن كابـر‬
‫هو مقام اإلنشقاق ‪ ،‬إنشقاق سماء الغيب (عالم األمر) عند فطر الفاطر (فاطر السماوات) الذى أشارت‬
‫اليه سورة اإلنفطار {إذا السماء إنفطرت وإذا الكواكب إنتثرت} أى تفجرت منها الحقائق وإنتشرت‬
‫‪ ،‬فعقبها إنشقاق السماء بالحقائق التى أشارت اليها سورة اإلنشقاق {إذا السماء إنشقت وأذنت لربها‬
‫و ُحقت} والفاطر هو الذى منه وبه إنشقت األسرار وإنفلقت األنوار وفيه إرتقت الحقائق وتنزلت‬
‫علوم آدم فأعجز الخالئق ‪ ،‬وهو موطن وراثتنا التى أشارت اليه القصيدة (‪:)75‬‬
‫فكلــــــــــ نا وارث من جده سمة *** ونحن أهل العــــال تمت وراثتنا ‪75 /24‬‬
‫وراثة البعض إن قلت فقد كثرت *** نحن أبعاض بعض الفرد جملتنا ‪75 /22‬‬
‫وقد ورثناه كابرا عن كابر جدا ً فجد والحمد هلل على وراثة التوحيد التى أشارت اليه القصيدة (‪)95‬‬
‫‪:‬‬
‫وحمــــــد ثم بسم هللا قولــــــــى *** عن التوحيد أورثنـــــــــــــاه منا ‪95 /18‬‬
‫هذا مقــــــــام الذلول *** ال وليس بثـــــــائر‬
‫فتقبلــــــــــوا بقلوبكم *** قولـى ففيه بشائرى‬
‫قد ال يطول اإلنتظار *** وتشهدون بصائرى‬
‫هذا مقــــــام قيل فيه *** إمنن وال تستكثـــــر‬

‫‪94‬‬
‫أى هذا المقام ليس مذلل للعمل مثل مقامات الدنيا التى هى دار للعمل ولكنه مقام حصاد األعمال ‪،‬‬
‫وعليكم أن تتقبلوا قولى هذا بقلوبكم حيث أدخر لكم فيه البشريات ‪ ،‬وقد ال يطول االنتظار وتشهدون‬
‫بصائرى وهم (الذين يبصرون الحقيقة بعيونى) وفيه الكثير من المنح والعطايا ما ال يُعد وال يُحصى‬
‫‪.‬‬
‫هذا مقام الحضرة المسماه كتاب هللا وهو المقام التى تؤخذ منه الخالفة ‪ ،‬والخلفاء هم المقصودون‬
‫باألحباب الذين جاء فيهم قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه إنما األحباب آيات به ‪ ،‬وهى حضرة‬
‫قاب قويسها الهدى ال ينتهى ‪ ،‬ومن مسمياتها جمع الجمع ووصفها سيدى فخر الدين رضى هللا عنه‬
‫فى القصيدة (‪ )51‬بقوله ‪:‬‬
‫إنــــــــا بجمع الجمع كـ نا عصبة *** وإمــام هذا الجمــــع أول كاتب‬
‫السادة األقطـــــــــــاب فيـ نا أنجم *** وبـ نــــا أبو الدنيــا وأول تائب‬
‫وكذلك األواب ممن خلفـــــــــــوا *** داوود يرضى بالحكيم الصائب‬
‫أنعم بنـــــــــــــوح من نبى بينـ نا *** أكرم به من جاهــر ومخاطب‬
‫وكذلك األواب بين جموعـ نــــــــا *** ســــرا ً يناجى للسميع الواهب‬
‫أما الكليــــــم فقد بدى فى حلـــــة *** ويداه نور فى جنـــاح الراهب‬
‫الزال يلقى كل يـــــوم دكـــــــــــةً *** بعد اإلفاقة من خطاب الطالب‬
‫وابن الفتـــــاة السيدان بنفخــــــة *** أضحى بريئا ً بالعزيز الغــالب‬
‫وأئمة الدين الكرام بجمعـ نـــــــــا *** كل ينــــــــادى يـا نبى يـا نبى‬
‫الشافعى مع الثالثـة أجمعـــــــــوا *** أن الصالة بضـــــاعة للراغب‬
‫من كان فى هذا المقـام يرى معى *** صديق هذا النور فوق الحاجب‬
‫فهو مقام تجمع وتالقى جميع األرواح من لدن سيدنا آدم عليه السالم وحتى النفخ فى الصور ‪ ،‬وهذا‬
‫المقام يقول عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه جميع من فيه عصبة ملتفة حول رجل واحد (أب‬
‫واحد) يؤم هذا الجمع وقد أتى ذكره فى القصيدة (‪:)75‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪75 /19‬‬

‫‪95‬‬
‫وهذا الجمع خلفاؤه من األولياء حتى السادة األقطاب ‪ ،‬وخلفاؤه من األنبياء بداية من سيدنا آدم عليه‬
‫السالم ‪ ،‬وباقى الخلفاء مثل سيدنا داود الذى ارتضى بالحكيم الصائب (سيدنا سليمان) والجاهر‬
‫المخاطب ربه (سيدنا نوح) أكرم به من جاهر ومخاطب ‪ ،‬وكذلك األواه (سيدنا ابراهيم الخليل) الذى‬
‫شوهد فى هذا المقام وهو يناجى السميع الواهب سرا ً ‪ ،‬أى (سرا ً على كل العظام) ‪ ،‬وقد بدا الكليم‬
‫(سيدنا موسى) فى حلة الخالفة ويداه بيضاء (نوراً) يشع من جنبيه ‪ ،‬كما شوهد حال خطابه والجبل‬
‫يتدكدك به ‪ ،‬والزال يلقى كل يوم دكة بعد االفاقة من الخطاب ‪ ،‬حيث لم ير ربه ‪ ،‬وكذلك (السيدان)‬
‫سيدنا عيسى بن مريم وأمه عليهما السالم وهو الذى جاء الى هذه الدنيا بنفخة حيث يقول الحق‬
‫تعالى {ونفخنا فيه من روحنا فتمثل لها بشرا ً سوياً} ‪ ،‬وكذا أئمة الدين (خدام الدين) اإلمام الشافعى‬
‫مع الثالثة ( االمام مالك واالمام أبو حنيفة واإلمام أحمد بن حنبل) الذين أجمعوا على أن (الصالة‬
‫بضاعة للراغب) أى السير والسلوك بالذكر والصالة على حضرة النبى سعيا ً ورغبا ً فى الوصول الى‬
‫هذا المقام األحمدى هى الوسيلة النافعة ‪ ،‬ثم يقول أيضا ً أن الخلفاء الراشدين األربعة كانوا متواجدين‬
‫معنا فى هذا المقام ‪ ،‬وأن سيدنا أبو بكر الصديق كان يرى معى صديق هذا النور فوق الحاجب الذى‬
‫هو موطن (دنا فتدلى) الذى أسمع فيه الحق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صوت سيدنا أبو بكر‬
‫عندما إستوحش ‪ ،‬وكذا سيدنا عمر الفاروق نضر هللا وجهه بذلك النور الذى من وجهه كان يتألأل‬
‫‪ ،‬وسيدنا عثمان ذو الوجه الذى يرى أشد حمرة كما يرى فى الغاضب ‪ ،‬وكذلك سيدنا هارون أخو‬
‫سيدنا موسى عليه السالم الذى ال يستطيع أحد وصفة فهو البحر الذى ال تقتفيه عبارتى ومناقبى (ال‬
‫يوفيه الحديث عنه) ‪ .‬ثم يختم كالمه رضى هللا عنه بقوله أن الحشد المتواجد فى هذا المقام يعجز‬
‫أى أحد أن يصفة ‪.‬‬
‫‪22‬ـ كذلك أمهــــات األنبيـــــــــــاء *** ذوات الفضل أزواج النبى‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين فى هذا البيت أن من بين المتواجدين فى هذا المقام أمهات األنبياء أى‬
‫األربعة أولو العزم من الرسل الرقائق المحمدية خلفاء أزمانهم وهم من المثانى (سيدنا نوح عليه‬
‫السالم وسيدنا ابراهيم الخليل عليه السالم وسيدنا موسى الكليم عليه السالم وسيدنا عيسى بن مريم‬
‫عليه السالم) وهم أزواج النبى ‪ ،‬ألن الزوج هو اإلثنين والمثانى ‪ 1‬أس ‪ 1‬لذا فهم أزواج النبى صلى‬
‫هللا عليه وسلم بصفتهم خلفاء قبليين لحضرة النبى صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪22‬ـ كالمى مشرب األرواح وصالً *** إذا لــــــم تشربوا منه فأى‬
‫وفى هذا البيت يحدثنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه قائالً إعلموا أن كالمى هذا وهو حديث منقول‬
‫من (سماء عالم األرواح) موطن القاب والقوس من التدانى ‪ ،‬جئتكم به فى صورة شراب يصل‬
‫أرواحكم بعالم األرواح ‪ ،‬فإذا لم تشربوا منه فمن أى ‪ ،‬فغيرى يعجز عن توفيرمثل هذا الشراب لكم‬
‫حيث أنه من مخصوصات علمى ‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫‪29‬ـ دنت موصوله كلمات حــق *** تبث شكايةً هجــــــر النئى‬
‫‪28‬ـ أُحلت حيث حرمتها وكانت *** ومـا زالت كإصباح العشى‬
‫‪14‬ـ إذا قارفتموهـــــا فهى خمر *** كما لو قيل قد صبأ الصبى‬
‫إعلموا جميعا ً أن مخصوصات علمى هن من علوم الكتم ‪ ،‬وهى من علم اآلخرين ‪ ،‬أال وهو النظم‬
‫الفريد الذى دنت لى كلماته لوصلكم ‪ ،‬بالحقيقة التى أودعت غيابة جب يوسفى بفطنة ‪ ،‬وما الجب إال‬
‫النئى الذى‬
‫ْ‬ ‫جب ما كان قبلها من علوم األولين ‪ ،‬هذا وقد دنت لى ‪ ،‬موصلة بى ‪ ،‬وهى تشتكى هجر‬
‫تكون عنده مهجورة ‪.‬‬
‫(أحلت حيث حرمتها) أى تنزلت فى الوقت والزمان المناسب لها ‪ ،‬وهو زمن سيدى ابراهيم الدسوقى‬
‫ابو العينين وستستمر على الدوام ‪ ،‬مصاحبة للخالفاء البعديين حتى زمن سيدنا المهدى المنتظر‬
‫عليه السالم ‪.‬‬
‫ـ إذا قارفتموها فهى خمر ‪( :‬أنهار من خمر)أى المصنف الرابع من العلم الذى يتوفر لدى القدوة‬
‫واألسوة الحسنة ‪.‬‬
‫فبالنظر الى معنى كلمة (قارفتموها) وهى تأتى من (اقترف) ‪:‬‬
‫يقول الحق جل وعال فى اآلية (‪ )17‬من سورة الشورى (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً)‬
‫وحول معنى األسوة الحسنة ‪ :‬فقد وردت األسوة الحسنة فى القرآن مرتين ‪ ،‬األولى فى موطن (النبوة‬
‫والرسالة) وهى لرسول هللا صلى هللا عليه وسلم والثانية فى موطن (الوالية والخالفة) منه فى الولى‬
‫الذى بلغ مرتبة الختم وهو موالنا الشيخ ابراهيم رضى هللا عنه كما جاء على لسان موالنا الشيخ‬
‫محمد ابراهيم رضى هللا عنه فى أحد خطاباته ‪ ،‬وهما اللذان فيهما األسوة الحسنة ‪ ،‬حيث يقول الحق‬
‫تبارك وتعالى فى األولى األية (‪ )12‬من سورة األحزاب (لقد كان لكم فى رسول هللا أسوة حسنة ) ‪،‬‬
‫ويقول تبارك وتعالى فى الثانية من اآلية (‪ )1‬من سورة الممتحنة (قد كان لكم أسوة حسنة فى‬
‫إبراهيم والذين معه) ‪ ،‬مع مالحظة أنه ذكر فى هذه اآلية الذين معه وهم خلفاؤه من ذريته الذين هم‬
‫فى األصل ذرية رسول هللا صلى هللا عليه وسلم حتى سيدنا المهدى المنتظر ‪.‬‬
‫وهنا يقول الشيخ رضى هللا عنه ان كل من أراد أن يقترف حسنة فليؤمن بأن القدوة واألسوة‬
‫الحسنة ‪:‬‬
‫فى هذا المعنى (قد كان لكم إسوة حسنة فى إبراهيم) فمن جاءنى يرتجينى ويسترحمنى لمعرفة هذه‬
‫الحقيقة سأضع يده على حقيقة العبد ابراهيم الذى فى معرفته األسوة الحسنة ‪ ،‬وبها ينال طلبه من‬

‫‪97‬‬
‫المعرفة التى توصله الى هذه الحقيقة وزيادة ‪ ،‬والمعرفة به رضى هللا عنه هى (باب الوصول) وباب‬
‫الدخول الى الحبيب المصطفى صلى هللا عليه وسلم خاتم االنبياء ‪ ،‬فهو خليفته (خاتم األولياء) وبقدوم‬
‫زمانه رضى هللا عنه سدت وأغلقت جميع األبواب المؤدية الى جده الحبيب المصطفى صل هللا عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وبذلك يتضح معنى (إذا قارفتموها فهى خمر) الخمر الذى فيها الحنين والشوق للمعرفة بالقدوة‬
‫واألسوة ‪،‬سحيث هى مصنفة لدى أرباب العلوم العالية بالصنف الرابع وهو (خمر لذة للشاربين) ‪،‬‬
‫كما لو قيل قد صبأ الصبى أى إشتاق أو حن اليها الصبى الذى يحن الى ثدى أمة من شدة حالوة‬
‫طعامها ‪.‬‬
‫‪-------------------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫(الجزء الثانى من القصيدة)‬
‫‪28‬يونية ‪2891‬م‬ ‫الثالثاء ‪ 28‬رمضان ‪2141‬هـ‬
‫كثير من علــــــوم الشافعى‬
‫ٌ‬ ‫‪12‬ـ ومن آيات ربى عند هـــــذا ***‬
‫‪11‬ـ ومنها خصةُ السن ِد الرفاعى *** كذا عون الضعاف القادرى‬
‫‪17‬ـ وإنى حيث تقصدهم مزورا ً *** وإنى فى المقــــام األحمدى‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ومن آيا ت (ربى) المشار اليه فى الحديث المروى لإلمام‬
‫الترمذى (كان ربى فى عماء) كما أشار فى القصيدة (‪ )99‬بقوله فى البيت (‪: )28‬‬
‫(كان ربى) وذاك قول حكيم *** (فى عماء) نعم فماذا العماء ‪99 /28‬‬
‫وربى هذا الذى كان فى عماء أشار اليه رضى هللا عنه فى القصيدة (‪ )28‬بقوله ‪:‬‬
‫يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه‬
‫سر على كل العظام وإنـــــــــــه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه‬
‫وهذا المعنى يتجلى فى قول سيدى فخر الدين أن صاحب الجمال الطالع من غيب العمى‬
‫هو(ربى)المتوسل به فى توسل السادة البرهانية ‪ ،‬وهو الذى يحمل سر قوله رضى هللا عنه {إلهى‬
‫بكنز الذات ذى األحدية ‪ ،‬بطلسم غيب الغيب سر الهوية} فهذا السر سر على كل العظام ‪ ،‬وتم إفشاؤه‬
‫عند ظهوره من غيب الذات ‪ ،‬وقتها قال ‪ :‬نعم الظهور وجل من يغشاه ‪ ،‬حيث أنه طلسم غيب الغيب‬

‫‪98‬‬
‫‪ ،‬فهو غيب والذى يغشاه أيضا ً غيب ‪ ،‬والغيب األول تنزل من حضرة األحدية الى حضرة الواحدية ‪،‬‬
‫وطلسم غيب الغيب هو المشار اليه بقوله ومن آيات ربى المتنزل من حضرة‬
‫كنزاألحدية (غيب الغيب) عند (هذا) ‪ ،‬المشار اليه أيضا ً فى الصالة المطلسمة {اللهم صل على الذات‬
‫المطلسم والغيث المطمطم والكمال المتمم الهوت الجمال وناسوت الوصال طالعة الحق ‪ ،‬كنز عين‬
‫إنسان األزل فى نشر من لم يزل} والذى أشارت اليه القصيدة األحدية ‪:‬‬
‫إنه إنسان عين شاهدت *** نوره فى حضرة البر الصمد‬
‫وهذه المنزلة التى تنزلت بـ(غيبة قدر المصطفى عن علومنا التى أتت بها القصيدة التائية ‪:‬‬
‫وغيبة قدر المصطفى عن علومنا *** بها نزل القرآن إن شئت فاصمت ‪2 /225‬‬

‫فأ ُ ِ‬
‫نزلَــــــــــــــــه فى غيبه كتنزل *** سالم هى سين الســــالم بقبضـــة ‪2 /222‬‬
‫وعن هذا (المقام) يقول سيدى فخر الدين فى كتاب تبرئة الذمة صفحة (‪: )14‬‬
‫{لما تنزل من الحضرة األحدية الى الحضرة الواحدية ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى ‪ ،‬والصفات‬
‫العليا ‪ ،‬فتعشقت به الحضرة الكمالية ‪ ،‬تعشق اإلسم بالمسمى ‪ ،‬والصفة بالموصوف ‪ ،‬فكل معانى‬
‫تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال اليه ‪ ،‬وال تدل بهويتها إال عليه} ‪.‬‬
‫لذا يقول ‪ :‬ومن آيات ربى عند هذا المقام الذى نتحدث عنه الكثير والكثير من العلوم التى أتى بها‬
‫سيدنا االمام الشافعى بصفته واحد من األربعة أئمة الدين الذين هم إحدى رباعيات المثانى السبعة‬
‫(خدام الدين) ‪.‬‬
‫ـ ومن هذه العلوم ما أختص به اإلمام والسند الرفاعى وكذا خصة االمام سيدى عبد القادر الجيالنى‬
‫الذى لديه عون الضعاف (الذين ليس لديهم المقدرة على الحصول على هذه العلوم) ‪.‬‬
‫ـ وهذا المقام األحمدى المشار اليه فى القصيدة (‪:)82‬‬
‫بأحمد حيث األحمدية يهتدى *** إليه بنور األحمدية طالب‬
‫يقول عنه أن الموطن الذى يقصده جميع الزائرين حال سيرهم ‪ ،‬ولكنه فى األصل مقامى الذى أورثته‬
‫سر عليه لثامى ‪ ،‬لذا جاء تفصيل قولى فى القصيدة التائية‪:‬‬
‫ليعلم عنى من يعظـــــــم علمنا *** فعلمكــــــــــــم عنى بغير إحاطة‬
‫علمت ولى علـــــم بعلم معلمى *** أُمد وتلقينى بغير إماطـــــــــــــة‬

‫‪99‬‬
‫أقول ألهل المراتب أن علمكم عنى بغير احاطة ‪ ،‬وكل من يريد معرفة علومنا ‪ ،‬عليه أن يعظم هذا‬
‫العلم ألنه علم عن المعصوم جل ثناؤه ‪ ،‬وليس فى مقدور أحد أن يحيط به ‪ ،‬لذا يحق لى القول أن‬
‫علمى مرتبط كليا ً بعلم معلمى المعصوم ‪ ،‬الذى أشرت اليه فى القصيدة (‪ )59‬بقولى‪:‬‬
‫عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجوه اليه عندا‬
‫وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنــا منه ارفادا ً ومدا‬
‫وعلى ذلك جاء قولى ‪ :‬أ ُ ِم ُد الكل وألقنهم بغير إماطة ‪ ،‬أى أن المد والتلقين فى الخفاء ال يكون إال من‬
‫خاللى ‪.‬‬
‫وزاد لى الساقى كؤوسا ً أُدهقت *** فكنت بها عبدا ً وتلك إضافتـــــى‬
‫رواحل أهل ال َج ْمعَتَيْن يسوقهــا *** أُولـــو همم همــــوا لنيل إناختـى‬
‫أنخت بعير القوم أطعم عيرهـم *** وكنت مزور الزائريــــن لمخبت‬
‫فظن كرام القوم أنهم هــــــــــم *** أُهيل مقـــــام يكرمــون زيارتـى‬
‫وحق لهم هذا ألنى عندهـــــــم *** خفى مقــــــام والخفـــاء مزيتــى‬
‫إذا ظعنوا فالركب يقصد حينــا *** وإن وردوا عينا ً فعين عنايتـــــى‬
‫ولو قرأوا رمــزا ً أُميط ستوره *** ولو جهلوا معنى يكـــــون كنايتى‬
‫إذا طلبوا االرفاد كنت مجيبهم *** مزاودهــــــم مآلى بفضل جبايتى‬
‫ولو نزلــوا كان القرى بمعيننا *** ولو سبحـــوا فليسبحـوا بسقايتـــى‬
‫سخاء ورأفة من‬
‫ٍ‬ ‫سقية محبوبى البرهانى الذى يجود عطاءا ً فى‬ ‫وإمدادى وتلقينى فى الخفاء هو ُ‬
‫شراب الوصل المختوم بمسك الحقيقة ‪ ،‬وزاد لى الساقى كؤوسا ً أدهقت ‪ ،‬فكنت بها عبدا ً وتمت‬
‫إضافتى اليه فصرت (عبده) المسمى {محمد عثمان عبده البرهانى} ‪ ،‬وأعلمكم بأن رواحل أهل‬
‫الجمعتين (حضرة الجمع وجمع الجمع) يسوقها أولو همم (أئمتهم) هموا لنيل اناختى ‪ ،‬متوجهين‬
‫نحوى لتزويدهم بكل ما يلزمهم من هذا الشراب العذب ‪ ،‬حيث أنخت راحلتى ألطعم عيرهم وأمدهم‬
‫بالزاد والزواد ‪ ،‬وكنت فى منتهى الكرم والجود لكل الزائرين ‪ ،‬ثم يقول سيدى فخر الدين ‪ :‬فظن كرام‬
‫على‬
‫ً‬ ‫القوم (اكابر القوم) أنهم بصفتهم أكابر القوم (أ ُ َهيْل مقام يكرمون زيارتى) أى انهم متفضلون‬
‫بكرمهم بصفتهم أصحاب المكان الذين يكرم ون زيارتى بوصفى من الزائرين ‪ ،‬ثم يقول رضى هللا‬
‫عنه ‪ :‬وحق لهم ذلك الذى يعتقدونه ألنى عندهم خفى مقام (مقامى غير ظاهر لهم) ولم يعلموا أن‬
‫‪111‬‬
‫ذلك الخفاء هو وقايتى ‪ ،‬أى يقينى من أى نقص ‪ ،‬فمقامى كامل ال ينقصه المزيد ‪ ،‬إذا جهزوا مطاياهم‬
‫واخذوا طريقهم فى السير ‪ ،‬فالركب فى األصل يقصد حينا (الذى فيه تالقى األرواح باألجساد) وقد‬
‫يكون هو موطن الحى القيوم علينا ‪ ،‬وإن وردوا عين للسقاية (للشرب) فتكون عين عنايتى التى‬
‫يشرب بها المقربون ‪ ،‬ولو قرأوا رمزا ً (طلسم) سيجدوننى أنا الذى أكشفه برفع الستار عن حقيقته‬
‫‪ ،‬ولو جهلوا معنى من معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ‪ ،‬فيعرفوا كنايته التى‬
‫وضعتها له ‪ ،‬وإذا إحتاجوا الى اإلرفاد طالبين العون والمساعدة ‪ ،‬كنت مجيبهم الذى لم يتأخر لحظة‬
‫عنهم ‪ ،‬وكل ما تحمله مزاودهم من زاد حصلوا عليه بفضل جبايتى أى الرواتب التى أعدها لهم ‪،‬‬
‫ولو نزلوا منزال ً ال يجدوا فيه سوى القرى الذى يمتلؤ به معيننا وأوضح ذلك فى القصيدة البائية ‪:‬‬
‫تاهلل مـــا نضب المعـــيـ *** ن وال معينـــــى ينضب‬
‫فأنا علــى مــــر السنـيـ *** ن لكل قــــــــوم مشرب‬
‫نورى من النـور المبـيـ *** ن ونـــور جدى األغلب‬
‫لو كان من علــم اليقـيـ *** ن فكــــــــل علـــم يغلب‬
‫أو كان من عين اليقـيـ *** ن فكــــــــل عين تحجب‬
‫إذ كان من حق اليقــيـ *** ن فمــــا أجـــــل المأرب‬
‫هو ذا عطاء المحسنيـ *** ن وذا العطـــاء األقــرب‬
‫هو ذا يقين الموقنــــيـ *** ن وذا الصواب األصوب‬
‫قد حزت علم األولــيـ *** ن وكــــــــــــل آى تكتـب‬
‫فيدى رحيم الراحمـيـ *** ن بها القلــــوب تقلـــــــب‬
‫‪11‬ـ ومنها ما أضيف ألهل فضلى *** بنور عم عند الشاذلى‬
‫ومن الذين إختصهم الحق تعالى بهذه العلوم عن تلكم الحضرة سيدنا وموالنا االمام أبو الحسن‬
‫الشاذلى الذى حمل رايات عزها حتى زمن صاحب الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية التى أنتم‬
‫أهلها ‪ ،‬بصفته أحد أشعة نور هذه الحضرة التى قلت عنها ‪:‬‬
‫وما أنا اال واحد من أشعة نورها *** وما أنا إال من غياهبها بها ‪94 /71‬‬
‫مـــا نورهـــــــا إال إنعكاس أشعة *** من عاينوهـــا آية يتلونهــا ‪85 /5‬‬

‫‪111‬‬
‫وليثبت سيدى فخر الدين تلك اإلضافة الى السادة االقطاب رضى هللا عنهم جاء قوله رضى هللا عنه‬
‫فى القصيدة (‪:)95‬‬
‫فإن قالوا تعلمنـــــــــــــا لقلنـا *** حرى أن يكون العلم عنـا ‪95 /29‬‬
‫لذا قال عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫يقول الشاذلى عليــــــــه منى *** تحيــــــات وحاشا أن تمـنً ‪95 /28‬‬
‫لفخر الدين يا من قد أضاعوا *** سخى الكف يأبى أن يضن ‪95 /14‬‬
‫وأكد ذلك السر المكنون سيدى موسى أبو العمران رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫أبو العمران موسى أى موسى *** صفى الشيخ حقا ً ليس ظنا ً ‪95 /12‬‬
‫يقول وما لرآى فيه وجــــــــه *** لفخر الدين سرا ً كم أكــــن ‪95 /11‬‬
‫أبا العمــران يا حب الروابـــى *** سألتُ هللا أن يرضيك عنــا ‪95 /17‬‬
‫‪15‬ـ ومن آياتـــه السب ُع المثانى *** مفاتي ٌح ألبواب الرقــــــى‬
‫ومن عجائب وغرائب هذا الديوان أن يكون السبع المثانى الذى يقول سيدى فخر الدين رضى هللا‬
‫عنه أنهم (خدام الدين) فهم مشاعل نور هذا العلم الذى هو من علوم الكتم ‪ ،‬فهم مفاتيح ألبواب‬
‫ترقى أهل هللا السالكين للوصول الى معارج القرب التى يقول عنها رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫من أول البدء أرواحا ً الى ختـــم *** فى حضرة القرب ما أبهى تالقينا ‪19 /24‬‬
‫يصف لنا سيدي فخر الدين بايضاح حال أرواح الموجودين في دائرة حضرة القرب التى يقول عنها‬
‫فى القصيدة (‪: )92‬‬
‫كلهم فيها جليس واحـــــــــد *** فى استواء ختمه فى بدئه ‪92 /29‬‬
‫فهم من البداية حتى النهاية ‪ ،‬أى من أولهم آلخرهم فى استواء ‪ ،‬سواء حضرة الجمع أو جمع الجمع‬
‫فكلهم سادة القوم وهو أمين السر عندهم ‪ ،‬والسيد المعصوم الذي رزقنا منه نعمة االرفاد وكذلك‬
‫نعمة اإلمداد بالمعرفة بحقيقة الذي هو أول الخلق ‪ ،‬فهو سيد وأول عبد ‪ ،‬عبد هللا على االطالق في‬
‫هذه الحضرة ‪ ،‬وهو الذى تشير اليه اآلية {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} حيث إنه أول‬
‫الخلق إطالقا ً وبه بدأت بداية العباد المتواجدين معه في هذه الحضرة التي هي حضرة القرب ‪ ،‬التي‬
‫فيها موطن التالقى بينهم وبين النبى صلى هللا عليه وسلم فى موطن ﴿ثم دنا فتدلى﴾ فكان قاب قوسين‬

‫‪112‬‬
‫أو أدنى ‪ ،‬ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه مادام فيه دنو يكون التدلى أعلى بمعنى الدنو (دنو‬
‫رسول هللا ) والتدلى (تدلى التجليات اإللهية) ﴿فكان قاب قوسين﴾ ولو قلنا إن النبى وربنا كانوا في‬
‫موطن القوسين يكون تقييد لربنا بمكان وهذا اليليق بالمولى تبارك وتعالى ‪ ،‬ولكن (القاب والقوس)‬
‫ده موطن ‪ ،‬وده اللي وقف فيه كبار الصحابة واألولياء باألرواح فقط ‪ ،‬وهذه الحضرة ال تدركها‬
‫عقول وال قلوب الغافلين ألنها ال تري إال بعيون قلب وروح العارفين الصادقين من الثوابت الكبار‬
‫والنوابت الفروع منهم ‪ ،‬وهذه الحضرة بدايتها تجلي نهايتها ‪ ،‬وهو فيها يبسط يد العناية والهداية‬
‫علي كل المتواجدين فيها من أول واحد حتي آخر واحد ‪ ،‬وكلهم جليس واحد في دائرة واحدة استواء‬
‫ختمها متجلي في بدئها ‪ ،‬وكلهم في هذا الجمع مجموعون الى فرده المجموع فى حجب ومما يوضح‬
‫ذلك قوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫( جمعا إلي فرده المجموع في حجب *** والكل حشدا يقربنا ويدنينا )‬
‫وأهل الحضرتين يرون فيهـــــا *** أريج القرب يومض من شذاهــــا ‪18 /22‬‬
‫إن أهل الحضرتين حضرة الجمع وحضرة جمع الجمع يرون في المعرفة بحقيقة من هو أول الخلق‬
‫ومتقدم الجماعة في الحضرتين أريج القرب يرسل بسنا برقه من شذاها وعبقها ‪ ،‬ويطلب موالنا فخر‬
‫الدين من األحباب من أهل الحضرتين التمهل في طلب ونيل المكارم من عطاء الكريم ‪ ،‬وموطن نيل‬
‫ش َف ْع فيه بتاج اإلمامة ‪ ،‬ومعرفة هذه الحقيقة هى من عطاءها المحض التى ال تبخل به‬
‫ست َ ْ‬
‫الكرامة يُ ْ‬
‫علي األحباب ‪.‬‬
‫معارج القرب فى العلياء تعدلها *** لميعة من سماء النور لمعتنا ‪75 /21‬‬
‫أحدية والواحدية دونهـــــــــــــا *** ما بين قابى حضرة التقريب ‪97 /2‬‬
‫يقول سيدي فخر الدين رضى هللا عنه‪:‬‬
‫إن الحقيقة األحدية تمثل الذات المحمدية اللطيفة ‪ ،‬والواحدية دونها ‪ ،‬وأن الحقيقة الواحدية تجمع‬
‫بين الفردية والوترية حيث إن الشفع هو وجود الحقيقة األحمدية في الحقيقة المحمدية وبذلك يكون‬
‫( الشفع ) واحد االثنين ( والوتر ) واحد الثالثة ‪ ،‬يعني قوله رضى هللا عنه ‪ :‬أحدية والواحدية‬
‫دونها هي أن ( األحدية ) حقيقة الجمال الذي يشير إلي الذات األحدية ‪،‬أى الحق من حيث هو أول‬
‫األشياء فى أزل اآلزال ‪،‬وهى التي دونها ( الواحدية ) التي تجمع ما بين الحقيقة األحمدية والحقيقة‬
‫المحمدية في والشفع والوتر‪.‬‬
‫والهو تمثل ( الهوية المتدلية ) بعد تنقل نور هذا الجمال النبوي إلي المرتبة العاشرة المشار إليها‬
‫بـ (الياء) بطون الهوية ‪ ،‬والهوية المتدلية علي العرش تظهر في حالة الشفع متمثلة في الرقم (‪)22‬‬

‫‪113‬‬
‫الرقم الذي يساوي (هو) بالحروف ‪ ،‬وهو موطن تالقي أرواح السائرين في عالم األرواح المشار‬
‫إليه في سورة النجم (ثم دني فتدلي ‪ ،‬فكان قاب قوسين أو أدني) وهو موطن تالقي هذه الحقائق‬
‫النبوية بالحقائق اآللهية ‪.‬‬
‫ومعنى (ما بين قابي حضرة التقريب) هو ‪:‬‬
‫أن الحقيقة األحدية والحقيقة الواحدية يتم التعرف عليهما في موطن حضرة التقريب وهى الحضرة‬
‫ا لتي قاب قوسيها الهدي ال ينتهي ‪ ،‬وهي موطن األرواح (الجمع) كتاب هللا جمعنا الذي يقول عنه‬
‫الشيخ في القصيدة (‪: )92‬‬
‫ما كتاب هللا إال جمعــنا *** إنما األحـــــــباب آيــــات به‬
‫ما كتاب هللا إال حضرة *** قاب قوسيها الهـدي ال ينتهي‬
‫‪12‬ـ ومن آياته استئجار موسى *** كإمهــــــار لبنت الم ْد َينى‬
‫نأخذ قصة استئجار سيدنا موسى من معنى اآلية (‪ )12‬التى تقول{قالت إحداهما يا أبت إستأجره إن‬
‫خير من إستأجرت القوى األمين} أى قالت إحدى بنات سيدنا شعيب عليه السالم وهى التى تزوجها‬
‫‪ ،‬إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ‪ ،‬فقال له انى اريد أن انكحك احدى ابنتى على أن تأجرنى‬
‫ثمانى حجج فان اتممت عشرا ً فمن عندك ‪ ،‬لزيادة التمكين فمن عندك ‪ ،‬قال الورتجى ‪ :‬ألن شعيبا ً‬
‫عليه السالم رأئى بنور النبوة أن موسى عليه السالم يبلغ درجة الكمال فى ثمانى حجج ‪ ،‬وال يحتاج‬
‫الى التربية بعد ذلك ‪ ،‬ورأى أن كمال الكمال فى عشرحجج ‪ ،‬ألنه رأى بعد العشرة ‪ ،‬ال يبقى مقام‬
‫االرادة ‪ ،‬ويكون بعد ذلك حرا ً ‪ ،‬ولذلك قال وما أريد أن أشق عليك‪.‬‬
‫ونأخذ من معنى اآلية ‪{72‬وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً} أى نودى ‪ :‬ان ألق‬
‫عصاك فألقاها ‪ ،‬فقلبها هللا ثعبانا ً ‪ ،‬فى أول االمر حية تسعى كانت تصير على قدر العصا ثم تنتفخ‬
‫حتى تصير فى قوة الثعبان حيث ولى مدبرا ً ‪،‬‬
‫فاليد والعصا معجزتان لسيدنا موسى (فذانك برهانان) حجتان نيرتان ‪،‬‬
‫ومن عجائب وغرائب هذا العلم الذى هو من علوم الحضرتين (الجمع وجمع الجمع) اللتان تمثالن‬
‫إبنتى سيدنا شعيب عليه السالم ‪ ،‬فسيدنا موسى عليه السالم عندما أمره الحق بأن يأخذ نصيبه منهما‬
‫ويصبح من (أعضائهما) خلفائهما ‪ ،‬طلبت إحدى الحضرتين من (إمام الجمع) ‪ ،‬اإلمام )المصطفى‬
‫للجمع( متقدمهم ال ُمضمر سره فى طى المسيرة والذى يشير اليه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه‬
‫بقوله‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫وجدى المصطفى للجمع يقدمهم *** وسره مضمر فى طى سروتنا ‪75 /19‬‬
‫إنا بجمع الجمع كنـــــــا عصبة *** وإمـــــام هذا الجمع أول كاتب ‪51 /2‬‬
‫أن يستأجره لهم ‪ ،‬وكان ذلك اإلستئجار عشرة حجج ‪ ،‬نظير مهر بنت المدينى أى زواجه منها ‪ ،‬حيث‬
‫أرسل سيدنا شعيبا ً فى طلبه ‪ ،‬وعلى غرار ذلك إستدعى (إمام الجمع) سيدنا موسى لضمه الى عضوية‬
‫حضرة الجمع التى صيرته أحد خلفائها ‪.‬‬
‫‪12‬ـ ولكن دون مهر حاز عزا *** فتلك عصاه تبتلع العصى‬
‫ولكن موسى الذى جئنا على قدر به ‪ ،‬قد حاز عزا ً وفخرا ً ألنه معتمد من قبل العزيز ‪ ،‬فجيئ به وبيده‬
‫عصاه التى تبتلع العصى ‪ ،‬وهى (إحدى الحجتين) التى تبين وتوضح ما تفجر له من مبانى ما أقول‬
‫عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته والذى أشارت اليه القصيدة (‪ )8‬بقولى ‪:‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معناه أو إثباتــه‬
‫قلت المعانى فى عظيم بنائهـا *** كل يرى قولى على مرآته‬
‫إن الذى يلقى الهناء بجيرتـى *** ينجـــو وينجى أهله بنجاته‬
‫ألنه من أهل محبتى ولذا جاء قولى ‪:‬‬
‫يصدق بالكلمات أهـــــــل محبتى *** فأنفخ فيهم من علوم ذكيـــــة ‪2 /215‬‬
‫وأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينة ‪2 /212‬‬
‫فأهل محبتى الذين يصدقون بالكلمات (قصائد ديوان شراب الوصل) عن كتاب هللا الجامع الذى يجمعنا‬
‫آيات به وهو الحضرة التى قاب قوسيها الهدى ال ينتهى ‪ ،‬وهم الصدور األوائل الذين أكشف لهم عن‬
‫جواهر علمى المكنون ‪ ،‬فهم الهداة الصادقون المشار اليهم بالقصيدة (‪:)27‬‬
‫فى كتاب هللا قد آنست نورا ً *** كل آى خبأت ســـــــــرا ً كبيرا ً ‪27 /2‬‬
‫الهداة الصادقون أولو خفاء *** أودعوا االسرار لم يدعوا نقيرا ‪27 /1‬‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن مثل الذى جئنا به على قدر عندما تجلت لكم الحضرة‬
‫قد فنى عن سواكم وعند تحليها قد تحلى بحلية وضعت على صدره ميزته بين قرنائه ‪ ،‬وحيث أنها‬
‫لم تكشف ولم تعلم ‪ ،‬ولكن قد تتجلى فى نبى أو ولى ‪ ،‬فموسى هذا الذى قد حاز عزا ً بمعرفة معانى‬

‫‪115‬‬
‫ما أقول ‪ ،‬وذلك بفضل حجته التى أضاءت حوله وكشفت المعانى التى فاقت معانى قرنائه فكانت‬
‫كالعصاة التى تبتلع العصى أى تفوق أى معنى آخر‪.‬‬
‫حبيس عق ٍل *** إذا جئنا بعلم برزخـــــى‬
‫ُ‬ ‫‪19‬ـ فما قو ُل الجهو ِل‬
‫حوار حول الجهل والجهالة والجاهل والجهول والجاهلون والجاهلين ‪:‬‬
‫الجهل ‪ :‬الذى نتحدث عنه هو الجهل بعلوم (الحقيقة) وانكارها ‪.‬‬
‫وما عرف االنكار غير من ادعى *** بأن لها فى الجهل مثقــــــــال ذرة ‪2 /22‬‬
‫وكل ذكى دق أو رق فهمــــــــــه *** لدى كلماتى صار فى الجهل مثبت ‪2 /225‬‬
‫والجهل يقذى كل عين سيمــــــــا *** عين الجهـــــول وذى ألد خصـــام ‪25 /12‬‬
‫ومن عجيب يكون الجهل محتكـم *** اليه والحق ذا يحظى بانكــــــــــار ‪77 /14‬‬
‫يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن قصة صاحب الحقيقة أوال ً (نور النبى) كما قلنا مرارا ً‬
‫وتكرارا ً أنه النور المضاف اضافة تكريم الى حضرة النبى وليس ذاته بصفته النور إسما وصفة ‪،‬‬
‫حازت جميع الكماالت فتعشق االسم بالمسمى والصفة بالموصوف ‪ ،‬فكل معانى تلك الكماالت ال تشير‬
‫بحقيقتها اال اليه وال تدل بهويتها اال عليه ‪.‬‬
‫وهذه الحقيقة اودعت غيابة جب يوسفى وسيدى ابو العينين هو الذى ورد مائها وأدلى بدلوه‬
‫وأخرجها للمأل قائالً أنها بشارتى ‪ ،‬وجيئ بها الى دار العزيز (مصر التى هى مرتع خير جد أهل‬
‫العناية) المرموز لها بكلمة مصر االمام الحسين ‪ ،‬ومن العجب العجاب أنهم ذهدوا فى تلك البشارة ‪.‬‬
‫الجهالة ‪:‬‬
‫ولما رآهـــا ذو الجهالة أينعت *** رماهــــــا ببهتان وانكار نعمة ‪2 /24‬‬
‫تهب على أهل الغرام لواقحى *** وعاتيتى تأتى على ذى الجهالة ‪2 /29‬‬
‫فانما نشأتى توحيد فطرتــــــه *** وذو الجهالة باالشراك يرمينى ‪84 /25‬‬
‫ولما رآها الموصوم بالجهل قد إزدهرت وأثمر نبتها بين يوم وليلة ‪ ،‬وصارت من أ ًج ِل النعم التى‬
‫تفضل بها علينا المنعم المتفضل ‪ ،‬فلم يجد أمامه سوى اإلنكار الذى هو صفة الجهال ‪ ،‬فعلومى‬
‫منها هى المرسالت كالرياح المتتابعة فتهب لواقحى على أهل الغرام بالخير والنماء والعاتية منها‬
‫تأتى بالشر على المنكرين وذى الجهالة ‪ ،‬ثم يقول عن نشأته رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫فإنما نشأتى توحيد فطرته ‪ ،‬فهو الواحد الذى ال يجعل فى حبه شريك ‪ ،‬ولكن ذو الجهالة هو من‬
‫باإلشراك يرمينى ‪.‬‬
‫الجهول ‪:‬‬
‫والجهـــــل يقذى العين سيما *** عين الجهول وذى ألد خصام ‪25 /12‬‬
‫الجاهلين ‪:‬‬
‫والحلم يغرى الجاهلين فيقطعوا *** بحر القطيعة راكبى األحالم ‪25 /12‬‬
‫الجهل من العلل العضال التى تقذى العين وخاصة عين الجهول ألن جهله مركب ‪ ،‬فقد يقذى عيون‬
‫الرآس وعيون القلب حيث أن العيون أربعة (عيون الرأس ـ عيون العقل ـ عيون القلب ـ عيون‬
‫الروح) وعلم ولى ملجأ فى الشدائد ألنه من شراب الروح ‪.‬‬
‫والحلم يساعد الجاهلين على بث جهلهم ونشره كراكبى سفن األحالم التى تسير فى بحر القطيعة‬
‫فتصرف الناس عن إدراك علوم الحقيقة ‪.‬‬
‫الجاهلون ‪:‬‬
‫ينكر الجاهلــون حال مريدى *** منكرالسلسبيل غـــــــر سقيم ‪21 /22‬‬
‫فعلم مريدى ملجأ فى الشدائد ألنه فى األصل علمى الذى جئت به مشربا ً لألرواح وهو العلم الحقيقى‬
‫الذى ال ينكره سوى الجاهلون به ‪ ،‬فمن ينكر حال مريدى الذى صار اليه عندما أراد إرادتى فهو الغر‬
‫السقيم الذى يعز عليه أن يذوق طعما ً لشرابى العذب السلسبيل ‪.‬‬
‫فما قول الجهول حبيس عقل *** إذا جئنا بعلــــــــــــم برزخى ‪74 /19‬‬
‫بعد ذلك فماذا يقول الجهول التى يعتمد على العقل الذى ال يدرك سوى المعقوالت ‪ ،‬وخاصة إذا جئنا‬
‫بالحقيقة كاملة وهى العلم البرزخى الذى هو غذاء لألرواح ‪ ،‬فال يجد قوال ً سوى اإلنكار لهذه العلوم‬
‫الباطنية التى هى مشرب األرواح ‪ ،‬والتى ال يدرك كنهها سوى أهل األرواح‬
‫فال هى للقلـــــــوب وللعقــــــول *** بمدركـــــة وال بدء انتهاهــا‬
‫شواهدهــا فى الكائنات تبرزخت *** وكل سليمان ‪ .‬توليه عرشها ‪21 /27‬‬

‫‪117‬‬
‫فهى من الخفايا التى تعجز من رآها ‪ ،‬ألنها تتحدث عن بداية عبد يجهل الجمع بدءها ‪ ،‬وشواهدها‬
‫ومشاهداتها تبرزخت فى الكائنات ‪ ،‬فهى منزلة الخالفة التى إماطة أستارها معجز فال يجلس على‬
‫عرشها سوى خليفة يلى خليفة مثل سيدنا سليمان تولى عرشها خلفا ً لسيدنا داوود ‪.‬‬
‫‪18‬ـ فأدناه لدى أرباب فضلــــــى *** وأعاله لدى العبد التقــى‬
‫‪74‬ـ وما العبد التقى عليه علمــى *** بمضنون ولو كره الشقى‬
‫‪72‬ـ وإن العروة الوثقى لعبــــــد *** سليم الوجه ال عبد عصى‬
‫يقول الحق تعالى إتقوا هللا ويعلمكم هللا‬
‫يتحدث سيدى فخر الدين عن علمه البرزخى قائالً أن أدناه تجده لدى أرباب فضلى وهم أبناء الطريقة‬
‫البرهانية الذين اتبعوا المنهج المضمون وحاولوا البحث عن معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه‬
‫أو إثباته ‪ ،‬وأعاله لدى العبد التقى الذى علمه ربه وهو الذى اتقى هللا وداوم على البحث والتدارس‬
‫وإهتدى الى المعنى المراد إثباته حتى صار ممن قال عنهم شيخهم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينة‬
‫أى فأكشف معانى ما أقول لألحباب الذين منهم هذا العبد التقى عن جواهر علمى الكمينة لدى الصدور‬
‫األ وائل ‪ ،‬فهو من العبيد السعداء الذى ينطبق عليه قول الحق تعالى {وما هو على الغيب بضنين}‬
‫فيستحق معرفة مايتنزل من سماء الغيب التى فيها ارتقاء الحقائق ‪ ،‬ولو كره الشقى ‪ :‬الذى أتى‬
‫ليشاقق ‪.‬‬
‫هذا وقد أشار اليه سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪ )22‬بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫سالم على نبع الهدى ومعينه *** ومن فيه فى الغيب ارتقاء الحقائق ‪22 /2‬‬
‫سالم وابراهيم منكم يستقــى *** وكل طريـــد من أتــــــــى ليشاقق ‪22 /9‬‬
‫يعاهدنى المثبوت فى اللوح مسعدا ً *** يعاندنى األشقى ولو باالشارة ‪2 /14‬‬
‫وجاء قول موالنا الشيخ فى هذا البيت أن العبد المثبوت فى اللوح مسعدا ً هو الذى من عاهدنى وتربى‬
‫على يدى وصار من رعيتى ‪ ،‬أما الشقى المثبوت فى اللوح شقيا ً هو الذى يعاندنى ولو باإلشارة ‪.‬‬
‫ثم يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فإنى معوان لكــــــــــــــــل سديدة *** وكل فتى يشقــى بسد المسالك ‪24 /5‬‬

‫‪118‬‬
‫فلن يشقى بتلقينــــــــى صفـــــــى *** وال يضنيه ما يبلغه عنـــــــــا ‪95 /21‬‬
‫علمى الموهوب لكــــــــــــــــــن *** ال ألقيــــــــــه شقيــــــــــــــــا ً ‪22 /72‬‬
‫كالمى ال تحيط به عقـــــــــــــول *** ومــا عرف الشقى من السعيد ‪11 /11‬‬
‫كالمى مشرب األرواح وصـــــالً *** إذا لم تشربـــــــوا منــــه فأى‬
‫فإنى فى كل األحوال شأنى تقديم العون والمساعدة لكل نفس سديدة سدت أمامها مسالك الشيطان‬
‫وسارت على درب الرحمن ‪ ،‬أما كل فتى مثبوت من األشقياء فإنه يشقى بسد مسالك الخير أمامه‬
‫وتسهيل طرائق الشيطان له ‪ ،‬فمن لم يكن خلف الدليل مسيره كثرت عليه طرائق الشيطان ‪.‬‬
‫فاألصفياء األتقياء هم الذين سعدوا بتلقينى ‪ ،‬فلن يشقى أحدا ً منهم وال يضنيه ويرهقه ما يبلغه عنا‬
‫من أقوال وأحاديث باطلة يرددها أرباب الفهوم ‪.‬‬
‫فالعلم الذى جئتكم به عليكم أن تقبلوه بقلوبكم ألنه من العلوم الوهبية من لدن حكيم خبير ‪ ،‬فقد ألقيه‬
‫لألصفياء األتقياء الذى يؤمنون بقول الحق تعالى {إتقوا هللا ويعلمكم هللا} وال ألقية لألشقياء من‬
‫الناس ‪.‬‬
‫فعلمى هذا جئتكم به قائالً فى القصيدة (الرجية)‪:‬‬
‫من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى‬
‫فكالمى هذا ال تحيط به عقول ألنه من علوم الكتم التى ال تدرك بالقلوب والعقول وال عرف الشقى‬
‫من السعيد ‪ ،‬وألنه المشرب الوحيد لألرواح ثم يقول عن علمنا ‪:‬‬
‫ليعلم عنى من يعظم علمنا *** فعلمكم عنى بغير إحاطة ‪2 /729‬‬
‫فليعلم (عنى) من يعظم هذا العلم بأن علمكم عنى (ما عرفتموه من علومى) علمتموه بغير احاطة‬
‫فليس فيكم وال منكم من يصل الى األحاطة بما أحطت به من علم عن صاحب القدر الجليل السامى ‪.‬‬
‫ثم جاء قوله رضى هللا عنه فى القصيدة (‪ )22‬قائالً‪:‬‬
‫كلماتنـــــــا نهدى بهــــــــا عشاقنا *** لشرابنــــــــا ونديمنا ال ينـــدم ‪22 /2‬‬
‫حتى قوله ‪:‬‬
‫لكن حقا ً جئته من علمنــــــــــــــــا *** كتموه حتى خاض فيه المجرم ‪22 /22‬‬
‫شقت عليهم طاعتى فتعللـــــــــــوا *** يتلمسون مخارجا ً ترقـــــــــــم ‪22 /22‬‬
‫‪119‬‬
‫ان جاءهم منى هدى ضلــــــوا به *** ولغيرنا يصغى الشقى المعــدم ‪22 /29‬‬
‫‪71‬ـ هنا قسطاس ربى مستقيـــــم *** وقول هللا ال ظلــــــم لدى‬
‫‪77‬ـ ومن حكم العليم يكون عدلى *** إذا ردوا تنازعهــــــم الى‬
‫صرف وال عد ٌل بظلــــم *** ولو ناحوا كما ناح النجى‬
‫ٌ‬ ‫‪71‬ـ فال‬

‫كنحر نفس *** وإن وفوا كما َوفًى َ‬


‫الوفِى‬ ‫ُ‬ ‫‪75‬ـ وال عد ُل الصيام‬
‫‪72‬ـ فما وجه الغرابة فى كالمى *** وقد حزت الفخار اليثربى‬
‫ـ القسطاس المستقيم يعتبر أضبط الموازين وأقومها ‪ ،‬ويعبر به عن العدالة ‪.‬‬
‫القسطاس المستقيم اسم كتاب من تأليف االمام الغزالى ‪ :‬لبيان ميزان العلوم واظهار االستغناء عن‬
‫االمام المعصوم لمن احاط به ‪.‬‬
‫يقول الحق تعالى ذكره‪( :‬و) قضى أن (أوفوا الكيل) للناس (إذا كلتم) لهم حقوقهم قبلكم ‪ ،‬والتبخسوهم‬
‫(وزنوا بالقسطاس المستقيم) يقول ‪ :‬وقضى أن زنوا أيضا ً إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم ‪ ،‬وهو‬
‫العدل الذى ال اعوجاج فيه ‪ ،‬وال دغل ‪ ،‬وال خديعة ‪ .‬وقد اختلف أهل التأويل فى معنى القسطاس ‪.‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين فى هذا البيت كل من يجد له حق لدينا من أصحاب الحقوق عليه اللجوء الينا‬
‫للحصول على حقه كامالً وغير منقوص فنحن النبخس الناس أشياءهم فلدينا أضبط الموازين وأقومها‬
‫وهو الذى يحمل معنى اآلية (وزنوا بالقسطاس المستقيم) قسطاس (ربى) رب العالمين مالك يوم‬
‫الدين الذى أشرت اليه فى القصيدة (التائية)‪:‬‬
‫على بخلعة المالكية ‪2 /111‬‬
‫ً‬ ‫ومالك يوم الدين من دام ملكه *** أفاض‬
‫على بخلعة المالكية جاء قولى فى القصيدة العاشرة ‪( :‬أنا بيمين هللا للملك مالك) كما‬
‫ً‬ ‫وعندما أُفيض‬
‫قلت فى القصيدة الخمسون ‪:‬‬
‫فاصدع بأمر جاء عندى مخلصا ً *** واعلم بأنى مالك األحوال ‪54 /24‬‬
‫ثم أتبع موالنا قوله رضى هللا عنه بجملة (فقول هللا) الظلم لدى أى إنى متبع كالم هللا الذى يقول فيه‬
‫فى اآلية (‪ ) 22‬من سورة غافر {اليوم تجزى كل نفس بما كسبت(ال ظلم اليوم) إن هللا سريع‬
‫الحساب} أى فى اليوم الذى ترد فيه الشكاوى والمظالم فإنى قاض ما قضى هللا فيكم وأمرى بأمر هللا‬
‫إن قلت كن يكن ‪ ،‬فاهلل العليم دائما ً وأبدا ً حكمه يكون عدال ً ومنه يكون عدلى حيث جاء قولى (أنا‬
‫بيمين هللا للملك مالك) بذلك فى زمنى أصبحت مالكا ً ألحوال الرعية التى يقول فيها الحق تعالى (كلكم‬
‫‪111‬‬
‫راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وهنا يقول الراعى للرعية حال التنازع إذا ردوا تنازعهم ويحتكمون‬
‫الى فسيجدوا عدلى فى انتظارهم ‪ ،‬ثم خاطب الرعية بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫ً‬
‫يا آل عهدى لديكم قولنا حكــــم *** فال تكونـوا كمن يستقبح الحسنا ‪75 /11‬‬
‫وليس من بعد ما جئنا به حكــم *** ليرتوى حبنا من كأس حكمتنـا ‪75 /27‬‬
‫منحنا كــــــل حلم كــــــل حكـــم *** وعدل فوق عدل الفارقـــــــات ‪78 /74‬‬
‫فمن يرضيه حكــــــــم هللا عبــد *** يصير الحى بعــــــــــد الممات ‪78 /71‬‬
‫نزل الصحابة عند حكم مليكهـم *** غنمـــــوا وكان الرفد واالرفاد ‪12 /21‬‬
‫لكن الت حكــــم غير حكمــــــى *** فخلــــــــــــوا ساحتى لإلحتكام ‪18 /22‬‬
‫فال وربك ال ايمـــان إن جمحوا *** ولم يكن غير حكم هللا يرضينى ‪84 /22‬‬
‫ـ فال صرف وال عدل بظلم أى أن الصرف والعدل ليس فى حاجة ألن يلحق بظلم‬
‫عي ٍْر إِلَى ث َ ْو ٍر‪،‬‬‫سلَّ َم قال‪ ( :‬ا ْل َمدِي َنةُ َح َر ٌم َما َبي َْن َ‬ ‫علَ ْي ِه َو َ‬
‫صلَّى هللاُ َ‬ ‫ي َ‬ ‫ع ْنهُ‪ ،‬ع َِن النَّبِ ِّ‬
‫َّللاُ َ‬‫ي َّ‬‫ي َر ِض َ‬ ‫ـ ع َْن َ‬
‫ع ِل ٍّ‬
‫اس أَجْ َم ِع َ‬
‫ين‪َ ،‬ال يَ ْقبَ ُل هللاُ ِم ْنهُ يَ ْو َم‬ ‫آوى ُمحْ ِدثًا‪ ،‬فَعَلَ ْي ِه لَ ْع َنةُ ِ‬
‫هللا َوا ْل َم َال ِئ َك ِة َوالنَّ ِ‬ ‫َث فِي َها َح َدثًا‪ ،‬أ َ ْو َ‬ ‫فَ َم ْن أَحْ د َ‬
‫ص ْرفًا‪َ ،‬و َال َ‬
‫عد ًْال‬ ‫ا ْل ِق َيا َم ِة َ‬
‫آوى َم ْن أَتَاهُ َو َ‬
‫ض َّمهُ‪...‬‬ ‫اضي ‪َ :‬م ْعنَاهُ ‪َ :‬م ْن أَتَى فِي َها ِإثْ ًما أ َ ْو َ‬
‫) ‪ .‬قال النووي رحمه هللا ‪ " :‬قَا َل ا ْلقَ ِ‬
‫(وقوله ( ‪ :‬ال يقبل هللا منه يوم القيامة صرفا وال عدال ) ‪ ،‬قال القاضي ‪ :‬قال المازري ‪ :‬اختلفوا في‬
‫تفسيرهما ‪ ،‬فقيل ‪ :‬الصرف ‪:‬الفريضة ‪ ،‬والعدل ‪:‬النافلة ‪ ،‬وقال الحسن البصري ‪ :‬الصرف ‪:‬النافلة‬
‫‪ ،‬والعدل ‪:‬الفريضة ‪ ،‬عكس قول الجمهور ‪ ،‬وقال األصمعي ‪ :‬الصرف ‪:‬التوبة ‪ ،‬والعدل ‪:‬الفدية ‪،‬‬
‫وروي ذلك عن النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وقال يونس ‪ :‬الصرف‬
‫الظلم ‪ :‬وضع الشيء في غير موضعه‪ ،‬وهو الجور‪ ،‬وقيل‪ :‬هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة‬
‫الحد‪ .‬ويطلق على غياب العدالة أو الحالة النقيضة لها‪ .‬ويستخدم هذا المصطلح لإلشارة إلى حدث‬
‫أو فعل معين‪ ،‬أو اإلشارة إلى الوضع الراهن األعم واألشمل‪ .‬ويشير المصطلح بصفة عامة إلى إساءة‬
‫المعاملة أو التعسف أو اإلهمال أو ارتكاب جرم دون تصحيحه أو توقيع العقوبة عليه ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ظ ْل ٍم أُولَ ِئكَ لَ ُه ُم األ َ ْم ُن َو ُه ْم ُم ْهتَد َ‬
‫ُون (‪)91‬‬ ‫سوا ِإي َمانَ ُه ْم ِب ُ‬
‫ِين آ َمنُوا َولَ ْم َي ْل ِب ُ‬
‫القول في تأويل قوله ‪ :‬الَّذ َ‬
‫سورة األنعام ‪،‬‬
‫قال أبو جعفر‪ :‬اختلف أهل التأويل في الذي أخبر تعالى ذكره عنه أنه قال هذا القول = أعني‪{ :‬الذين‬
‫آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ‪ ،‬اآلية‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬هذا فص ُل القضاء من هللا بين إبراهيم خليله‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وبين من حا ّجه من قومه من أهل الشرك باهلل‪ ،‬إذ قال لهم‪...‬‬
‫عن معنى هذا البيت يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫فال صرف وال عدل بظلم ‪ ،‬ال من الفرائض وال من النوافل ‪ ،‬التصرف فى ملك الغير ومجاوزة الحدود‬
‫فالعدالة قائمة وليست غائبة حتى ولو ناحوا وألحوا فى طلب العفوا لرفع ظلمهم ‪.‬‬
‫وإن وفوا ما عليهم كما وفى الوفى (ابراهيم الذى وفى ماعليه) ولو كان كفرض الصيام الذى يقول‬
‫عنه الحق تعالى فى حقه {كل عمل ابن آدم فهو له اال الصوم فانه لى وأنا أجزى به} ال يساوى عند‬
‫هللا نحر النفس ‪ ،‬أى تربية مريد ورعايته والسير به الى أعلى المراتب ‪.‬‬
‫ـ فال يوجد وجه للغرابة فى كالمى فأنا الذى حزت الفخار اليثربى ‪ ،‬حيث أن المدينه لم تسمى المنوره‬
‫اال بنور من سكنها ورفع شأنها ‪ ،‬وهو بيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الذى جاء قولى عنه فى‬
‫القصيدة (‪:)12‬‬
‫وما أنا اال واحد من عبيده *** وذلك فخر لى وفيه أفاخر ‪12 /28‬‬

‫‪112‬‬
‫القصيدة (‪(72‬‬

‫‪113‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ 25‬يونية ‪2891‬م‬ ‫عدد أبياتها (‪)74‬‬ ‫األحد ‪ 22‬شوال ‪2141‬هـ‬
‫ـ مناسبتها لما قبلها ‪ :‬فى معنى البيت الثانى من القصيدة (‪: )74‬‬
‫عال فوق الفهوم مراد ربى *** خالفته من البشـــر السوى‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة الثالثون مثل ما قال الحق تبارك وتعالى فى سورة‬
‫يونس اآلية (‪{ )59‬قل بفضل هللا وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون } أى بنور االسالم‬
‫وااليمان واإلحسان (الشريعة والطريقة والحقيقة) الذى أتى بهم سيدنا محمدا ً عليه الصالة والسالم‬
‫فضالً من هللا ورحمة فليفرح المؤمنون بالخير الكثير ‪ ،‬فعلى أهل فضلى (أهل الطريقة) أن يفرحوا‬
‫بذكر قولى ‪ ،‬أى أن الفرح بأنوار معرفة من أجله أمليت كالمى المنظوم فى ديوان (شراب الوصل)‬
‫حتى لو أنهم لم يدركوا (المراد األولى) منه ‪ ،‬هو خير مما يجمعون ‪ ،‬حيث أن ذلك المراد هو فى‬
‫األصل مراد هللا الذى عال فوق الفهوم ‪ ،‬وهذا المراد أشارت اليه القصيدة الهائية بقولى ‪:‬‬
‫كلت مبانى ما أقول عن الذى *** أرمى الى معنـاه أو إثباته‬
‫قلت المعانى فى عظيم بنائها *** كل يرى قولى على مرآته‬
‫وهذا المراد هو (خالفته من البشر السوى) أى الخليفة البشرى الجسمانى اآلدمى َم ْن الذى خاطبه‬
‫ربه قائالً له صلى هللا عليه وسلم{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى ً‬
‫الى}‪.‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيتين األخيرين منها‪:‬‬
‫وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خــــوار ‪72 /74‬‬
‫وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها إنفطــار ‪72 /72‬‬
‫أى العلم الذي جئتكم به (كتاب) ينعت الخليفة الذى يقول عنه الحق تعالى ‪:‬‬
‫( إذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة ) من اآلية رقم (‪ )74‬سورة البقرة ‪ ،‬فالخليفة‬
‫الذي ربه رباه ‪ ،‬هو اإلنسان الكامل الوارث حامل األمانه فى األرض وجامع النورين نور الوالية‬
‫{خاتم األولياء}(األصل) الذى يخلف نور النبوة{خاتم األنبياء}(األس) أصل األصل حضرة النبى صلى‬
‫هللا عليه وسلم الذى له عينان (عين نبوة وعين والية) عين سابقة وعين الحقة ‪ ،‬وجاء التوحيد فى‬
‫قول الحق تعالى {أن إتبع ملة ابراهيم حنيفاً}فان الملة اإلبراهيمية التى أمر المصطفى باتباعها ‪ ،‬هى‬
‫الدعوة الى التوحيد ‪ ،‬وإفراد المعبود بالعبادة ‪ ،‬ومعنى أمر هللا لنبيه أن يتبع ملة ابراهيم (طريقة) ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وهو أنه يدعو الناس الى توحيد هللا ‪ ،‬وأن يفردوه بالعبادة وال يشركوا به شيئا ً ‪ .‬وهذا هو المعنى‬
‫بحديث (االنبياء إخوة ‪ ،‬أبوهم واحد ‪ ،‬وأمهاتهم شتى) يعنى أنهم يدعون الى شىء واحد ‪ ،‬وهو‬
‫توحيد هللا ‪ ،‬فهو أصلهم الذى يرجعون اليه ‪ .‬كما أن األب أصل للولد ‪ ،‬والولد يرجع اليه ‪ .‬والمراد‬
‫باالمهات الشرائع ‪ .‬وشبهها باالمهات ألن األم تتفرع عنها الذرية ‪ .‬كما أن الشريعة تتفرع عنها‬
‫األحكام والفروع ‪ (( .‬تبرئة الذمة ص ‪. ))74‬‬
‫ومعنى آخر ‪ :‬فى عظيم شأنه صلى هللا عليه وسلم أن النبى صلى هللا عليه وسلم هو واسطة هللا بينه‬
‫وبين عباده ‪ .‬والى هذا أشار عليه الصالة والسالم بقوله ‪{ :‬أنا من نور هللا والمؤمنون منى}‪ .‬وقد‬
‫شهدت األنبياء والمرسلون صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ‪ ،‬قبل ظهوره ‪ .‬بأنه صاحب كماالتهم‬
‫فى ترقياتهم ‪ .‬وعلموا علو شأنه عليهم فى عظيم مكاناتهم ‪ .‬واستمد الجميع به فى ذواتهم ‪ ،‬والى‬
‫ذلك اإلشارة الى إمامته بهم فوق السماوات ‪ .‬فهو إمام األنبياء وقدوة األولياء ‪ .‬صورة ومعنى‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ‪ .‬واعلم أنه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬لما تنزل من الحضرة األحدية‬
‫‪ .‬الى الحضرة الواحدية ‪ .‬ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى ‪ .‬والصفات العليا ‪ .‬فتعشقت به الحضرة‬
‫الكمالية تعشق اإلسم بالمسمى ‪ ،‬والصفة بالموصوف ‪ .‬فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال‬
‫إليه ‪ .‬وال تدل بهويتها إال عليه ‪ .‬فلو تحقق أحد بكمال من تلك الكماالت المشار اليها ‪ .‬كان عطفا ً‬
‫عليه لديها ‪ .‬وتقدير هذا الكالم ‪ ،‬أنه لو تحقق مثالً ألف نبى أو ولى كامل بالحقيقة النورية ‪ ،‬حتى‬
‫صار كل منهم نورا ً مطلقا ً ‪ ،‬ثم أطلقت اسمه ((النور)) ‪ ،‬لم يقع هذا االسم إال عليه ‪ .‬ولم تسبق هذه‬
‫الصفة إال اليه صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬ولهذا سماه هللا تعالى فى كتابه العزيز بالنور دون غيره ‪ .‬وسر‬
‫ذلك أن األنبياء انما تحققوا بهذه الصفة ‪ ،‬وهو صلى هللا عليه وسلم حقيقة هذه الصفة وكم بين‬
‫حقيقة الشىء الى من تحقق به ‪ .‬فافهم ‪.‬‬
‫وتحت هذه المسأله فائدة جليلة لو فتح هللا عليك بمعرفتها ‪ ،‬ثم انه صلى هللا عليه وسلم أول ما تنزل‬
‫من حضرة الواحدية ‪ ،‬الى حضرة اإللوهية ‪ ،‬تلقته منها الحضرة العلمية ‪ .‬فتشكل بصورة تلك الحضرة‬
‫العلمية ‪ ،‬ولهذا لما تنزل الى الوجود الكونى ‪ ،‬كان هو صلى هللا عليه وسلم صورة القلم المسمى‬
‫((بالعقل األول)) ‪.‬‬
‫ولهذا ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (أول ما خلق هللا العقل) ‪ .‬و(أول ما خلق هللا القلم) ‪.‬‬
‫وورد عنه صلى هللا عليه وسلم فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول ما خلق هللا روح نبيك يا‬
‫جابر) ‪ .‬فعلم بذلك اتحاد هذه المعانى الثالثة ‪ .‬فكان صلى هللا عليه وسلم أول موجود خلقه هللا تعالى‬
‫بال واسطة ‪ .‬وهذه الروح المحمدية المسماة بالعقل األول هى مظهر الذات فى الوجود ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫ثم خلق هللا تعالى بواسطة الروح المحمدية المسماة (بالعقل األول) ‪ ،‬عقالً كليا ً ‪ ،‬وهو مظهر الصفات‬
‫‪ .‬سماه (بالعرش) ‪ .‬وهو الذى تسميه الحكماء (بالعقل الثانى) ‪ .‬وهذا العقل الكلى هو حقيقة روح‬
‫كل نبى وولى كامل ‪(( .‬تبرئة الذمة ص ‪ 14‬و‪. )) 12‬‬
‫ويستنتج من ذلك ‪ :‬أن توحيد رب ‪ :‬هو توحيد ربوبية نور بصفته صلى هللا عليه وسلم عندما أطلق‬
‫إسم (النور) لم يقع هذا االسم إال عليه ‪ .‬وهو القائل ‪ :‬أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى‬
‫‪ ،‬ونور صاحب الحقيقة أوال (نور النبى) المشار اليه فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول شىء‬
‫خلقه هللا نور نبيك ياجابر) لذا يتضح حقيقة الجمع بين النورين ‪ .‬نور هللا ونور النبى الخليفة ‪ .‬وجاء‬
‫قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخليفة ‪:‬‬
‫هو صاحب الذكر الرحيــم وإنه *** سر التناجي ربه رباه ‪28/2‬‬
‫هو رحمـة واألمهات به اقتـدت *** رب رحيم ربه سمــاه ‪28/21‬‬
‫هذا هو كالم ال يعرفه إال الموصولين الذين نور هللا بصائرهم ‪ ،‬وقول القاطعين هو الخوار الذى‬
‫يشبه خوار عجل السامرى وعليه يقول سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫فيامريدي هو التوحيد مشربنا *** وغاية في صدور ربها قبل ‪81/12‬‬
‫‪ -‬وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار‬
‫أي أن سماء عالم الغيب تفجرت لنا منها معانى حقيقة مائها ‪ ،‬مثل إنفطار سماء الدنيا بالماء النافع‬
‫‪ ،‬فهذه نسبة بين حقيقة الشىء الى من تحقق به ‪.‬‬
‫ـ سورة المرسالت ترتيبها فى المصحف (‪ )22‬وهى أخر سورة في الجزء التاسع والعشرون وأخر‬
‫آية فيها اآلية رقم (‪ )54‬وفيها يقول الحق تعالى ‪:‬‬
‫{فبأى حديث بعده يؤمنون}‬
‫كأن موالنا الشيخ يريد ان يقول أن الحديث المشاراليه في سورة المرسالت من أحاديث المؤمنين‬
‫الذى ليس بعده حديث ‪ ،‬طبقا ً لقول الحق سبحانه فبأي حديث بعد هذا الحديث يؤمن به المؤمنون ‪،‬‬
‫فما هو هذا الحديث ؟‬
‫فهذا الحديث هو من أحاديث اآلحاد المنقول بسند صحيح تنزل من سنا األحدية ‪ ،‬وأحاديث اآلحاد‬
‫لدى الصوفية عمدة األحاديث لذا يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫أال فخذوا عنى اآلحاد معنعنا ً *** أصح روايات الحديث روايتى‬

‫‪116‬‬
‫ـ رقم عدد أبيات هذه القصيدة (‪ )74‬فيه إشارة إلي الجزء (‪ )74‬الذى أول سوره (سورة النبأ) والتى‬
‫يقول فيها الحق تعالى (ع ًم يتساءلون عن النبأ العظيم) ‪ ،‬وهذه اإلشارة للنبأ العظيم الذى هم فيه‬
‫مختلفون ‪ ،‬وهو الذى أشارت اليه سورة (ص) بقول الحق تعالى {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه‬
‫معرضون} واإلشارة أيضا "ليوم الفصل" وهو اليوم العظيم الذى ألجله رسله أ ُ ٍخ َرتْ وأ ُ ْم ِه َلتْ ‪،‬‬
‫وعندما حان وقت ظهوره فعاينوه وشهدوا طلعته البهية ‪ ،‬قال عنه سيدى فخر الدين رضى هللا عنه‪:‬‬
‫يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه‬
‫سر على كل العظام وإنــــــــــه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه‬
‫فلما طلع من العمى فوجئ الكون كله بزمنه ووقته ‪ ،‬فهو الظاهر بقول الحق (أتي أمر هللا فال‬
‫تستعجلوه) سورة النحل ‪.‬‬
‫فهو يوم الفصل بين الحق والباطل ‪ ،‬فهو الحق المشار اليه بالحقيقة أوال ً ‪ ،‬والباطل دونه ‪ ،‬وبَيًن‬
‫سلُه المنوطة بإظهار معرفته أ ُ ٍجلت ليوم يفصل فيه‬
‫الحق تعالي ذلك اليوم فقال (ليوم الفصل) أي أن ُر ُ‬
‫بين الخالئق ‪ .‬وقال ابن عطاء ‪:‬هو اليوم الذي يفصل فيه بين المرء وقرنائه وإخوانه وخالنه إال ما‬
‫كان منها هلل وفي هللا ‪ ،‬وهو داخل فى الفصل بين الخالئق ‪ ،‬وجزء من جزئياته ‪ ،‬وقال ابن عطية‬
‫وأما تكرار قوله تعالى "ويل يومئذ للمكذبين" لمعنى التأكيد فقط ‪ ،‬وقيل بل في كل آية منها ما‬
‫يقتضي التصديق ‪ .‬فجاء الوعيد علي التكذيب بذلك ‪ ،‬وهذا اآلخر هو الصواب ‪ .‬وهو يوم الفتح األكبر‬
‫باالستشراف علي الفناء في الذات ‪ ،‬فهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخصوص والعموم وبين أهل‬
‫الدليل والبرهان وأهل الشهود والعيان ‪ ،‬ويل يومئذ للمكذبين بطريق هذا السر العظيم ‪( .‬من كالم‬
‫سيدي احمد بن عجيبة فى البحر المديد المجلد السادس ص ‪)715‬‬
‫ـ وقد أشار الشيخ إلي أن سوره النازعات التي تلي سوره النبأ في الترتيب واآليات الخمس األولى‬
‫وهي{والنازعات غرقا ‪ ،‬والناشطات نشطا ‪ ،‬والسابحات سبحا ‪ ،‬فالسابقات ‪ ،‬فالمدبرات آمرا ً } ‪.‬‬
‫فقد توسط النبأ العظيم المؤقت يومه ليوم الفصل ‪ ،‬للفصل بين أهل اليقظة وأهل الغفلة ‪ ،‬بين سوره‬
‫المرسالت (نفوس العارفين التى تأتى بنشر معرفة الحقيقة بين أهل اليقظة) وسوره النازعات‬
‫السوى ألهل الغفلة)‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫(األرواح النازعات عن مالحظة‬
‫ـ حديث المرسالت ‪ :‬هو الحديث الذي ليس بعد حديث جاء للمؤمنين المصدقين بيوم الدين ومن اجل‬
‫ذلك قال وقوله الحق بصدق وعد في القصيدة(‪.)17‬‬
‫وعد هللا فى الصحائف وعدا ً *** ولدى وعده يكون الوفاء ‪17/12‬‬
‫ع َد هللا كان مفعول بقوله تعالى ‪:‬‬
‫وو َ‬
‫َ‬
‫‪117‬‬
‫{السماء منفطر به كان وعده مفعوال ‪ ،‬إن هذه تذكرة فمن شاء إتخذ الى ربه سبيالً}اآلية ‪9‬و‪ 8‬من‬
‫سورة المزمل ‪.‬‬
‫إن هذا العلم انفطرت به سماء عالم االمر من شده هوله فهى محل إظهار كرامته فمن شاء إتخذ الى‬
‫ربه سبيالً (طريقاً) اليه ‪ ،‬ويقول سيدى فخر الدين (فقد وعدت ولدى وعدى الوفاء ـ مفعوال) وجئت‬
‫فى القصيدة (‪ )21‬قائالً ‪:‬‬
‫قد وعدنا فارتقب فتحا ً قريبا ً *** بعده فتحا ً نري نورا ً مبينا ‪21 /2‬‬
‫ذاك يوم يجعل الولدان شيبا *** فيه إطالق الفتوح بدا يقينا ‪21 /1‬‬
‫وفتوح هذا اليوم ثالثة ( فتوح مكاشفة – فتوح العبارة – فتوح الحالوة في الباطن )‪ ،‬من تبرئة‬
‫الذمة صـ ‪112‬‬
‫ـ (وويل عشر آيات عشار) ‪ :‬واآليات كلها {ويل يومئذ للمكذبين} ‪.‬‬
‫وهم ( ‪ ) 18 – 12 -15 -14 -72 – 11- 19 -17 – 28 -25‬من سورة المرسالت البالغة‬
‫خمسون آية ‪.‬‬
‫‪-----------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫يقول سيدي فخر الدين في بداية هذه القصيدة التي تحتوي علي عشر آيات عشار هذه اآليات تحمل‬
‫الكثير من المعاني عن الصادق المصدوق الذي صدق هللا وعده ونصره وأعز جنده وهزم له األعداء‬
‫وحده وهو الذي قال عنه الحق تبارك وتعالي ( أنه اليوم الفصل ) وهو النبأ العظيم الذي هم فيه‬
‫مختلفون وعنه معرضون الواقع في ترتيب المصحف في نهاية الجزء التاسع والعشرون وأول الجزء‬
‫الثالثون المذكور باسمه سورة النبـأ التى تتوسط بين سورتي ال ُم ْرسالت والنازعات ‪.‬‬
‫ـ وقبلها سورة المرسالت وتبدأ بخمس آيات ‪ .. :‬وهم {والمرسالت عرفا ً ‪ ،‬فالعاصفات عصفا ً ‪،‬‬
‫والناشرات نشرا ً ‪ ،‬فالفارقات فرقا ً ‪ ،‬فاللملقيات ذكراً} ‪.‬‬
‫ـ ثم سورة النبأ (عم يتسآلون عن النبأ العظيم ) ‪.‬‬
‫ـ وبعدها سوره النازعات وتبدأ بخمس آيات‪ :‬وهم ‪{ ..‬والنازعات ‪ ،‬والناشطات والسابحات ‪،‬‬
‫فالسابقات ‪ ،‬فالمدبرات} ‪.‬‬
‫وعن معانى آيات سورة المرسالت يقول االمام ابن عجيبة فى البحر المديد فى تفسير القرآن المجيد‬
‫المجلد السادس ص ‪ : 717‬يقول الحق تبارك وتعالى { والمرسالت عرفا ً ‪ ،‬فالعاصفات عصفا ً ‪،‬‬

‫‪118‬‬
‫والناشرات نشرا ً ‪ ،‬فالفارقات فرقا ً ‪ ،‬فاللملقيات ذكرا ً } ففى هذه اآليات الخمسة أقسم الحق تعالى‬
‫بالرياح المرسلة متتابعة ‪ ،‬فتعصف عصفا ً ‪ ،‬وتنشر السحاب فى الجو نشرا ً ‪ ،‬وتفرق السحاب فرقا ً‬
‫على المواطن التى أراد هللا أن يمطر عليها ‪ ،‬فيلقين ذكرا ً ‪ ،‬أى موعظة وخوفا ً عند مشاهدة آثار‬
‫قدرته تعالى ‪ ،‬إما عذرا ً للمعتذرين بتوبتهم ‪ ،‬أو نذرا ً للذين يكفرونها ‪.‬‬
‫أو يكون قد أقسم بآيات القرآن المرسلة الى الرسول صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬فعصفن سائر الكتب‬
‫بالنسخ ‪ ،‬وآثرن آثار الهدى فى مشارق األرض ومغاربها ‪ ،‬وفرقن بين الحق والباطل ‪ ،‬فألقين الحق‬
‫فى أكناف العالمين ‪ ،‬عذرا ً للمؤمنين ‪ ،‬ونذرا ً للكافرين ‪.‬‬
‫يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪2‬ـ حديث المراسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عشـــــــار‬
‫‪1‬ـ وإن العاصفات بكل ظلــــــــــــم *** لدى قيــاد سطوتهــــــــا يدار‬
‫‪7‬ـ وإن الناشــــــــــرات بكل مرقى *** لهـا منى نشور وانتشــــــــار‬
‫‪1‬ـ وإن الفارقــــــــــــــات لكل أمر *** حكيم لى برتبتها وقـــــــــــار‬
‫‪5‬ـ كذا فالملقيــــــــــات لكل ذكـــر *** بألــــواح وأرواح تغــــــــــار‬
‫مقدمة الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى القصيدة‪:‬‬
‫حديث المرســـالت بصدق وعدى *** وويل عشـــــر آيــــات عشـــــــار‬
‫معانى المفردات ‪:‬‬
‫حديث ـ المرسالت ـ وعشر آيات عشار‬
‫وأصل الحديث ‪ :‬سنة تبين معانى كتاب هللا تعالى ‪ ،‬وهى سنة سيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وسنة تبين وتوضح معانى ديوان شراب الوصل يقول سيدى فخر الدين عنه (ما كتاب هللا إال‬
‫جمعنا) وهو سنة سيدى فخر الدين رضى هللا عنه القائل ‪:‬‬
‫وأن كتاب هللا لفظـــــا ً وغايـــــة *** بصدرى مكنـون وتبيـــان سنة ‪2 /22‬‬
‫قضت سنة المولى العظيم عليهم *** فراحوا ثالثا ً فوق سبعين شعبة ‪2 /118‬‬

‫‪119‬‬
‫األصــــل عنــــدى سنة من سنة *** هو ذا لسانى قد أفــــــاد وأخبر ‪1 /24‬‬
‫والحديث هو الشئ (الكالم) المنقول الى الناس ‪ ،‬والكالم المنقول هو منحتى وكالمى المسمى كتاب‬
‫شراب الوصل الذى آتانى من كمال العطاء من فيض وهب ‪ ،‬وهو الذى أمليته من أجل ابراهيم بعد‬
‫رجائه ‪ ،‬وعندما بدا الوقت حتما ً أن أكلمهم قلت لهم ‪:‬‬
‫من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى‬
‫وهذا هو الحديث (الكتاب) المشار اليه فى سورة المرسالت بقول الحق تعالى {فبأى حديث بعده‬
‫يؤمنون}اآلية رقم ‪ ، 54‬أى ‪ :‬بعد القرآن الناطق بأحاديث الدارين ‪ ،‬وأخبار النشأتين ‪ ،‬األرواح‬
‫واألشباح ‪ ،‬على نمط بديع ‪ ،‬ولفظ بليغ معجز ‪ ،‬مؤسس على حجج قاطعة ‪ ،‬وأنوارساطعة ‪ ،‬فإذا لم‬
‫يؤمنوا به مع إنه آية مبصرة ‪ ،‬ومعجزة باهرة ‪ ،‬من بين الكتب السماوية ‪ ،‬فهو الكتاب المشار اليه‬
‫بذلك الكتاب ال ريب فيه هدى للمتقين ‪ ،‬والمتقين ما سوى هللا فى ظالل التقريب ‪ ،‬وبرد التسليم ‪،‬‬
‫ونسيم الوصال ‪ ،‬فما أطيب نسيمهم وما ألذ مشربهم ‪،‬فبأى حديث وأى طريق بعد هذا يؤمنون ‪ ،‬وأى‬
‫طريق يسلكون ‪ ،‬إذ لم يهتدوا به فبأى كتاب يهتدون ؟‬
‫المرسالت من األحاديث ‪ :‬مفردها (حديث مرسل) وهى األحاديث الضعيفة ‪ ،‬التى تتصل بمحسنات‬
‫العمل ‪ ،‬وال تضر فريضة من الفرائض ‪.‬‬
‫ومن معانى كلمة مرسالت ‪ :‬هم مالئكة مرسالت الى جميع الخالئق حاملة للعلوم ولألرزاق …‬
‫وغيرها) يرسلها الحق تبارك وتعالى الى عباده ‪.‬‬
‫والمرسالت فى (ديوان شراب الوصل) هى أرواح مريديه األمناء عن معانى كالمه الذى قال عنهم ‪:‬‬
‫وجعلت فيه أمانكم وسالمكم *** وعن المعاني كان لى أمناء ‪12 /27‬‬
‫الى تكريما ً لهم‬
‫مرسالتى ‪ :‬يقول موالنا اإلمام فخر الدين (وراجع مرسالتى) فمرسالتى هم المضافين ً‬
‫فهم الروابى الذين عال ذكرهم حتى جاء القول عنهم‪:‬‬
‫سيعلو ذكر قـــوم دون قوم *** وماء الغيب تشهده الروابى ‪21 /21‬‬
‫فذكرهم عال حتى أصبحوا يمنحون معانى علمي المخصوص ويصبحون أمناءا ً عليه فهم مراجع‬
‫يُرجع اليهم ‪ ،‬ألن لديهم المرجع الذى يرقمونه لنقله إلى إخوانهم ‪،‬‬
‫العشر آيات العشار مشار اليهم فى سورة المرسالت بقول الحق تعالى {ويل يومئذ للمكذبين}‪.‬‬
‫ـ عن الحديث ‪:‬‬

‫‪121‬‬
‫يبين رضى هللا عنه أن الحديث هو الرواية حيث قال‪:‬‬
‫رويت عن المحبوب ما قد رأيته *** وســـــر أبى العينين مت روايتى ‪2/22‬‬
‫أال فخذوا عنى اآلحـــــاد معنعنا *** أصح روايات الحــديث روايتــى ‪2/29‬‬
‫وإنى إذ أروى رأيت وعــــاينت *** معى سائر األقطاب أصل الرواية ‪2/77‬‬
‫صدق الرواية غـــاية ووســـيلة *** والعــــين للصحب الكـــرام سفين ‪22/21‬‬
‫حيث يقول رضى هللا عنه رويت عن الحبيب المحبوب الذى ال يخيب رجاؤه ‪ ،‬السر الذى عليه لثامى‬
‫رأي العين ‪ ،‬ومتن هذه الرواية وسرها هو ابو العينين رضى هللا عنه القائل‬
‫‪ ،‬ما قد رأيته وشاهدته ً‬
‫(فصار السر سرى من حبيبى وسر السر من مولى الموالى) ثم يؤكد موالنا االمام فخر الدين رضى‬
‫هللا عنه بقوله العظيم (وإنى) إذ أروى رأيت وعاينت معى سائر األقطاب أصل الرواية على الطبيعة‬
‫وهى قوله‪:‬‬
‫لها المعصوم أصــل وهو جدى *** ومن نور العبــــــاءة قد كساهــا ‪18 /21‬‬
‫وإنمـــــا نحن اخوان بال جــدل *** أب لنـــا واحــد أصــــــل ألمتنا ‪75 /9‬‬
‫وإنه األصل واآلبـــــــاء عترته *** وإنه الســر فى أخـــرى البنيات ‪22 /22‬‬
‫فانى وابراهيم فى األصل واحد *** اذا طلبوا صفحا ً فال شك صافح ‪91 /22‬‬
‫ثم يقول صدق الرواية غاية ووسيلة ‪ ،‬وعينى هى السفين التى تحمل الصحب الكرام الى المعرفة‬
‫الحقيقية بأسرار نقطة اإلنبات التى بين الشجرة والنواة ‪ ،‬وهم الذين يقول عنهم رضى هللا عنه فى‬
‫القصيدة (‪:)78‬‬
‫نزلنا بحـــره كالسابحات *** وأيقنا بأن الوصـــــــل آت‬
‫سبحنا والغياهب تحتوينا *** وكنا كالجـــوارى المنشآت‬
‫فغيبنا به حتى غرقنـــــا *** يقينا ً فى العطــايا والهبــات‬
‫ومازلنا به حتى عرفنــا *** على التحقيق أسرار النبات‬
‫ثم يقول من يريد معرفة تلك الرواية ‪:‬‬
‫اال فخذوا عنى اآلحاد معنعنا ً *** أصح روايات الحديث روايتى ‪2 /29‬‬

‫‪121‬‬
‫روايتى التى ليس فى استطاعة احد من الناس روايتها عمن أمليتها من أجله وبعد رجائه ‪:‬‬
‫من أجل ابراهيم قد أمليتهــا *** حملت اليكــم غايتى ورجيتى ‪2 /717‬‬
‫من أجل ابراهيم بعد رجائه *** هذا الحديث ومنحتى وكالمى ‪25 /2‬‬
‫ثم جاء قوله رضى هللا عنه بأن السيد صاحب االسم الشريف ابراهيم هو أصل هذه الرواية هى التى‬
‫حملت اليكم غايتى ورجيتى ‪ ،‬وشأن األحبة من أولى اإلقدام هو إستعذاب هذا الحديث عندما تيمموه‬
‫وعليه قال ‪:‬‬
‫وتيممـــــــوا عذب الحديث فإنه *** شأن األحبة من أولى اإلقـــدام ‪25 /14‬‬
‫ثم عقب رضى هللا عنه بقوله ‪:‬‬
‫فياليت أرباب الفهوم على هدى *** وياليت مستمع الحديث يجيبنـى ‪72 /22‬‬
‫من آيتى يستقى أرباب حظوتنـا *** عذب الحديث ومنها طيب الكلم ‪14 /2‬‬
‫فهذا الحديث هو الشىء المنقول عن آيتى التى يستقى منها أرباب حظوتنا أطيب الكالم ومن الحديث‬
‫أعذبه ‪.‬‬
‫هذا وقد سبق أن نقلت ذلك الحديث الى المشار اليه بجمال الدين رضى هللا عنه فى القصيدة (‪22‬و‪)22‬‬
‫بقولى ‪:‬‬
‫أما جمال الدين فهو برحمتى *** سبق الحديث اليه غير مفند ‪22 /22‬‬
‫سبق الحديث اليه ذلك رحمة *** منى وحتى ال يضل المرغم ‪22 /21‬‬
‫أى أن الذى سبق اليه الحديث غير مفند ‪ ،‬أى من قلت اليه هذا الكالم إجماال ً وهو موالنا الشيخ‬
‫محمد ابراهيم الذى شملته برحمتى التى منها رحمة ما فى الكون ‪ ،‬وذلك رحمة منى وحتى ال يضل‬
‫المرغم ‪.‬‬
‫ـ أحاديث‪:‬‬
‫رأيت عيانا ما رويت لعاشق *** تروى فهامت روحه بالروية ‪2 /219‬‬
‫أحاد أحاديث الصحابة عمدة *** فأعينهم للسمع نعـم العضيدة ‪2 /218‬‬
‫كذلك ما أرويــــه حقا ً مقامه *** تقلـد فى الترتيب أعظم رتبة ‪2 /274‬‬

‫‪122‬‬
‫وقد رأيت عيانا ً ما رويت لعاشق تروى ‪ ،‬فهامت روحة بروايتى فهى نعم الروية ‪ ،‬والحديث الذى‬
‫أنقله اليكم اآلن هو عمدة أحاديث الصحابة المرئية والمسموعة ‪ ،‬وكذلك ما أرويه مقامه حقا ً تقلد‬
‫فى الترتيب أعلى وأعظم رتبة ‪.‬‬
‫ـ حديثى ‪:‬‬
‫فما رأيته ورويته عيانا ً هو نور لكل مهتد اليه ‪ ،‬وران بل نار على قلب غافل غدا فى أكنة ‪ ،‬لذا أقول‬
‫‪:‬‬
‫حديثى نور لـــو تلقـــــــــــــاه مهتد *** ونــار على قلب غدا فى أكنة ‪2 /271‬‬
‫وإن حبال الوصل باألصل أوصلت *** وإنى حبل هللا والوصل فيئتى ‪2 /277‬‬
‫وبحديثى هذا يكون قد أوصلت حبال الوصل حيث إنى حبل هللا والوصل هو فيئتى وقسمتى ‪.‬‬
‫ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ‪ :‬أن الحديث الذى أختص به المرسالت هو حديثي ‪ ،‬وأن‬
‫المرسالت هى مرسالتي ‪ ،‬وأبناؤه يقولون نعم هذا حديثكم ‪ ،‬فما هى مرسالتكم ؟ واإلجابة يكمن‬
‫سرها فى سورة المرسالت التى تحمل رقم (‪ )22‬من الصحف الشريف (كتاب هللا) وهى آخر سورة‬
‫فى الجزء (‪ . )18‬وكلمة المرسالت لم ترد إال مرة واحدة ومعناها فى السورة هى (مالئكة مرسالت‬
‫الى جميع الخالئق حاملة للعلوم ولألرزاق … وغيرها) يرسلها الحق تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫ومعنى المرسالت فى (ديوان شراب الوصل) أرواح مريديه األمناء عن معانى كالمه الذى قال عنهم‬
‫‪:‬‬
‫وجعلت فيه أمانكم وسالمكم *** وعن المعاني كان لى أمناء ‪12 /27‬‬
‫يبث لهم الشيخ المعانى التى يحتويها ديوان علومه المسمى بشراب الوصل بصورة متتابعة‬
‫ومتتالية لبيانها ألبنائه ومريديه ممن يرومون هذا العلم فقط وليس السفهاء والمنكرين واألعراب‬
‫الذين يقولون آمنا به وماهم بمؤمنين الذين قال عنهم شيخنا (أنتم عن اإليمان فى إستفهام) أما‬
‫الملتزمين برعاية قصائد الديوان بالتدارس المطلوب والفقه فيها حسب ما اوضحه لنا موالنا الشيخ‬
‫إبراهيم رضى هللا عنه طلبا ً فى كشف غطاء المعانى الباطنية فان الشيخ يمدهم بعلومه فى الخفاء‬
‫ويخلع عليهم الخالئع التى تخفيهم عن أنظار المنكرين الحاقدين ‪ ،‬من أجل ذلك خبأهم وزادهم بسطة‬
‫فى رزق األرواح وجعلهم على هذا العلم الغيبى أمناء وجعل الغيب ملبوسهم (ملبوس الخفاة) وكان‬
‫ذلك سر إغطاش المعانى ‪ ،‬ثم أمرهم الشيخ بتوضيح المعانى إلخوانهم من بقية أبنائه ومريديه ممن‬

‫‪123‬‬
‫غمت عليهم المعانى لتهديهم اذا ما جن عليهم ليل المعانى وهم الذين خاطبهم الشيخ بقوله فى‬
‫القصيدة (‪: ) 18‬‬
‫اليـــكم يا أحبـــــائى خفــــــايا *** عــــن اإلدراك تعــــجز من رآهــــا‬
‫ثم يبين أن علمه هذا له مرجع (فمرجعه الى وصال به المخصوص قد أربى) وأمته أربى أمة ونحن‬
‫(آل ابراهيم) أبناء هذه األمة ‪ .‬من أجل ذلك قال مخاطبا ً األمناء ‪:‬‬
‫فأطلقها فال قيد عليها أى المعاني ‪ ،‬وحكمها القصائد ‪ ،‬المأثورة النظم الفريد (‪ )11/ 29‬ألنها مولودة‬
‫فى محكم اآليات (‪ ، )12 /27‬وراجع مرسالتى ألنها لديهم مرجعا ً يرقمونها (‪. ) 71/1‬‬
‫فمن المخاطب باطالقها ؟ هو الشخص الذى أحكمت اآليات فى صدره فأصبح متصدر لعلم شيخة‬
‫وحامالً له على مراد مغشى الليل وهو شيخه الذى أسدل عليه الستار (سترالخبية) وهوالذى بث اليه‬
‫عجائبه وغرائبه من معانى كلماته التى يحبوه بها من فيض نظمه ليرتضيه أمينا ً عن المعاني التى‬
‫تحمل العلم الشافي الذى يلقيه له شيخه ليشفى الصدور(المتصدرين لهذا العلم) ويذيقهم من صنوف‬
‫العلوم ألوانا ً مثل (الحنفية ذات البزابيز األربعة) المتمثلة فى الماء ـ اللبن ـ العسل ـ الخمر‪.‬‬
‫ثم يقسم الشيخ بالضحى بأنه سيمنح فى القريب غرائبا ً من طيب نظمه او فريد مقاله حيث‬
‫يقول فى القصيدة (‪: ) 54‬‬
‫وسأغــدق األرفـــاد منــى منـــة *** حتـى تمــــلوا اعــــذب األقــــوال‬
‫وستشــربوا ما شاء ربى علمنــا *** حتـى تصـــيروا مضــرب األمثال‬
‫ثم يبين ان علم القصائد من أعلى أنواع الذكر (النه ذكر فوق ذكر الملقيات) وأن هذا الذكر ماء غيث‬
‫يرفع روح المريد لتشهده الروابى (أوقد يعرج طائفا ً لسمانا) وعن طريق التدارس وفقه القصائد‬
‫ستعلوا مراتب الذكر من القلب الى اإلصطالم ثم الى مراتب الروح الثالثة التى يترحل فيها السائر‬
‫الى هللا وفى هللا ‪ .‬ويقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪: )21‬‬
‫سيعـــلوا ذكــرقــوم دون قوم *** وماء الغـــيث تشـــهده الروابى‬

‫وقَ ً‬
‫سم موالنا السير بالذكرالى قسمين ‪:‬‬
‫األول السير بالنوافل حتى الوصول الى ختم السير وختم السير الى االسم هللا مبينا ً فى قوله رضي‬
‫هللا عنه فى القصيدة (فإذا تنفل زائرا ً فلحينا) وهذا هو السير الى هللا والعتق ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫وقسم آخرهو السير باألوراد الصحيحة والمراقبة المنتظمة من حيث المحبة الحقة والعقيدة الصحيحة‬
‫لمن اختارهم المولى للترقى الى مراتب الشهود وما وراء العتق وهم الذين ينطبق عليهم القول (أو‬
‫قد يعرج طائفا ً لسمانا) وبذلك تكون مرسالتى المضافين الى هم من رفعت أرواحهم لتلقى معانى‬
‫علمه منحة يصفها بانها ماء الغيث الذى ال يشهده سوى الروابى ‪.‬‬
‫وتفصيل حديث المرسالت ‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه‪ :‬لكل حادث حديث ‪ ،‬فالحديث الذى أحدثكم عنه هو عن سر‬
‫علومى كلها التى تلقيتها عن جدى (الذى هو حظى ورزقى) من ورث العلوم جميعها عن جدنا‬
‫المصطفى صلى هللا عليه وسلم فالحديث حديث عن اليوم المذكور(بل ْي ِل ِه ونَ َه ِاره) فى اآليتين العاشرة‬
‫والحادية عشرة من سورة النبأ والمؤجل ميقاته المشار اليه فى اآلية (‪ )27‬من سورة المرسالت‬
‫والمؤكد نبأه فى االية رقم (‪ )22‬من سورة النبأ التى يقول فيها الحق تبارك وتعالى (إن يوم الفصل‬
‫كان ميقاتاً) ‪ ،‬وهو النبأ العظيم الذى وعدتكم ببيانه وتوضيحه الذى بينه الحق تبارك وتعالى فى محكم‬
‫التنزيل ضمن اآليات المحكمات مثال ( ا ل م ـ حم ـ ا ل ر ‪ ..‬وغيرها) التى حواها القران الكريم و‬
‫حوتها علومى كلها فيا أبنائى وأحبابى …‪ ..‬قد جائتكم رسلنا وهم (مرسالتى) لتبين لكم محتويات‬
‫ديوان شراب الوصل ‪ ،‬كتابى الجامع الذى أكشف من خالله عن ما خبأناه من عظيم المعانى واألسرار‬
‫التى هى سر على كل العظام ‪ ،‬وكل ماناله الرجال العظام هو قرى منه رضى هللا عنه وسر علومه‬
‫فى دائرة الميم التى بين الحاء والدال فى كلمة (أحمد) الذى منه انشقت األسرار )وعلمها حول‬
‫معصمي كالسوار( وهى سر فخري الذي فيه أفاخر ‪ ،‬وعلمي هذا فى اعلي األعالي كان اسما أو سميا ً‬
‫‪ ،‬والقيه منحة على كل مهتد وال ألقيه شقيا ً ‪ .‬ثم يقول فى القصيدة ( ‪) 72‬‬
‫ويوم يطــيب لى إفشــاء ســرى *** ليـــوم فيـــه عطـــلت العشــــار‬
‫وعلم يجـــتنى من بعـض علمى *** لعـلم منـــه سجـــرت البحـــــار‬
‫وسوف تحدثكم مرسالتى بما ْ‬
‫أفصَحْ تُ لهم من معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ‪،‬‬
‫فى هذه القصيدة أردت أن أبين لكم فيها حديثى بصدق وعدى ‪ ،‬عندما قلت ‪:‬‬
‫قد وعدنا فارتقب فتحا ً قريبا ً ‪ ،‬فقد وعدناكم يا عباد هللا بالفتح الذى وعد هللا به حبيبه المصطفى صلى‬
‫هللا عليه وسلم فى قوله تبارك وتعالى فى سورة الفتح (إنا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً ‪ ،‬ليغفر لك هللا ما تقدم‬
‫من ذنبك وما تأخر‪ ،‬ويتم نعمته عليك ويهديك سراطا ً مستقيماً)‪.‬‬
‫ويقول موالنا ان الفتوح ثالث أنواع ‪ :‬فتوح المكاشفة بالحق ـ وفتوح العبارة ـ وفتوح الحالوة فى‬
‫الباطن ‪ .‬ولهذه الفتوح كان القرآن معجزا ً ‪( .‬من جواهر سيدى محى الدين رضى هللا عنه ‪ :‬قوله فى‬

‫‪125‬‬
‫الباب ‪ 778‬ص ‪ 141‬فى معنى انا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً ‪ .‬من تبرئة الذمة ص ‪ . )112‬ويقول الشيخ‬
‫ان اطالق الفتوح بدا يقينا ‪:‬‬
‫سلى برسالتى اليكم تكون مرسالتا ً عرفا ً أى متتابعة كالريح تنزع االغيار عنا فتكون‬ ‫فعندما ارسل ُر ُ‬
‫كالعاصفات عصفا ً باألعراب والمنكرين ‪ ،‬وتكون رياح وصل وماءا ً سلسالً عذبا ً للطائعين ‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك فى محراب جمعكم فتحدثكم من كل منزلة من المنازل التى نزلوا بها فحملوا من الورق المؤرق‬
‫من االسرار التى اخفاه ا الحق لهم لنشرها فى موعد وأوان نشرها ‪ ،‬فانتشارها ونشورها ال يكون‬
‫اال بمحض ارادتى ‪ ،‬فقد أُرسلها فارقات لتفرق كل أمر حكيم مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى فى‬
‫سورة الدخان (حم والكتاب المبين ‪ ،‬إنا أنزلنه فى ليلة مباركة أنا كنا منذرين ‪ ،‬فيها يفرق كل أمر‬
‫حكيم ‪ ،‬أمرا ً من عندنا إنا كنا مرسلين) فتأتى هذه العلوم الفارقات من المنازل التى نزلوا بها فيتلقوها‬
‫حمالً ثم يلقونهاعلى أهل مراتب الذكر مكتوبة وغير مكتوبة بألواح وأرواح تغار فهى علوم وهبية‬
‫تلقى على كل مهتد وال يلقاها االشقياء ‪ .‬ويقول الشيخ الفرق بين علمنا وعلمكم هو أن علمنا إجمالى‬
‫وليس كعلمكم فرقانا ‪ .‬ثم يتبعها بقوله رضى هللا عنه لو طمست أنوار نجوم علومكم ونسفت جبال‬
‫عقولكم فآية علومى منتشرة كالكواكب التى تنشر نورها وضياها لتنير الكون كله ‪ .‬ثم يقول أيضا ً ‪:‬‬
‫وعلــم يجتـنى من بعـــض علمى *** لعــلم منــه سجـــــــرت البحـــار‬
‫ولكى يُجتنى علمى او بعضه فقد يجتنى من بحر الهــــــو وكل من ينزل هذا البحر فينزل سابحا ً خلف‬
‫شيخه الذى يقول فى القصيدة (‪: )78‬‬
‫نزلنــا بحـــر هـو كالسابحات *** وأيقـــنا بأن الوصــــــــل آت‬
‫سبـحــنا والغــــياهب تحتوينا *** وكنــا كالجــــوارى المنـشآت‬
‫فيغرقهم فى العطايا والهبات وبعدها يتحققوا من معرفة أسرار النبات ‪ ،‬ثم يقولوا نلنا كل نيل بعده‬
‫صرنا سفن النجاة ‪ ،‬وأدركنا مدارك كل مرقى بعد فض الختام ‪ ،‬وبعد كشف غطاء المعانى التى هى‬
‫من مقتضيات حكم الشيخ الذى يقول فى القصيدة (‪: ) 72‬‬
‫فاغطــاش المعانى محــض حكم *** ألعـــطى ما أشـــــا ولـــى الخيار ‪2 /12‬‬
‫ولى الخيار فى اختيار من يصلح لإلطالع على أسرار هذا العلم ويكون عليه أمينا ً فأكشف له الخبايا‬
‫من هذا العلم ‪ ،‬أما من يتكبر أويتعامى أو يتعالى فيقول فيه الشيخ رضى هللا عنه فى القصيدة ( ‪27‬‬
‫)‪:‬‬
‫ومن يتكبر فليفــــارق جمعنا *** ومن يتعامى لن يذوق وثيــقة‬

‫‪126‬‬
‫ومن يتعالى كان علـمى فوقه *** وظل وضيعا ً ال يفارق طينـة‬

‫تعالى هللا ألبسهـــــــــا رداءا ً *** ومن سر اللطيف لهــــــا ُ‬


‫إزار‬
‫ألن علمنا قد ألبسه هللا رداءا ً وله من سر اللطيف (اللطيفة األحدية) إزارا ً ‪،‬‬
‫ومـــاء ال يجـــــود به سحاب *** وليـــل ال يجليــــه النهـــــــار‬
‫وهو ماء غزير ال يأتى به سحاب وليل ال ينقشع عنه النهار ‪.‬‬
‫وفيمــا جئتـــكــم توحـــيد رب *** وقــول القاطـــعين لـه خــــــوار (‪)72/18‬‬
‫فيا مريدى هو التوحيد مشربنا *** وغــــاية فى صــــدور ربها قبل (‪)81/12‬‬
‫فعلمنا قائم على التوحيد وهو شراب الوصل وال يُنكره إال من اُشربوا فى قلوبهم العجل ‪.‬‬
‫ثم يختم الشيخ القصيدة (‪ )72‬بقوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫وإنــــا قـــد فطـــرنا مــــاء غـيب *** كما أن الســــماء لهــــا إنفــطار‬
‫فعلمنا هذا الذى فُ ِط ْر َناهُ فى سماء قد تفجرت عنه بمعنى قوله تعالى (والسماء منفطر به كان وعده‬
‫مفعوال ) فاذا أشرقت شمس حقيقته وبدت أسرارها ‪ ،‬ونسفت جبال العقول وتالشت وتركت أماكنها‬
‫وانطمست أنوار نجومها إذا بسماء األرواح تكشف عن سر القدم المشهود الذى رسله أقتت وأ ُ ٍج َل‬
‫يومه ليوم الفصل ( فكان هو اليوم الفصل ) وما أدراك ماهو ؟ فهو من أ ُ ْه ِلكُت من أجله األولين ثم‬
‫تبعهم األخرين ونفعل ذلك الهالك بالمجرمين المنكرين لعلمنا ‪.‬‬
‫وكان الوعد المفعول هوالذى يقول فيه رضى هللا عنه (حديث المرسالت بصدق وعدى) ‪.‬‬
‫ثم بين سيدى فخر الدين ‪ :‬حقيقة الخلق قائالً خلق هللا سبحانه وتعالى كل شئ ‪ ،‬ومن كل شئ خلق‬
‫‪ .‬فخلق االنسان البشرى أوال ً من طين ثم بعد ذلك خلقه من ماء مهين ‪.‬‬
‫وخلق الحقيقة الذاتية إلنسان عين الوجود من ماء معين ( ماء األرواح ) ‪ ،‬فخلق اإلنسان البشرى‬
‫الجسماني من الماء المهين كان على مراحل تبدأ من األصالب الى األرحام إلى قدر معلوم ‪.‬‬
‫وقال سبحانه ( فقدرنا فنعم القادرون ) ‪ ،‬فويل يومئذ للمكذبين بهذا الخلق ‪.‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ :‬وجعل األرض لتحتويكم على ظهرها وفى باطنها أحياءا ً وأمواتا ً وجعل فيها جبال‬
‫شامخات لترسى االرض ‪ ،‬وأسقيناكم منها ماءا ً عذبا ً فراتا ‪ ،‬ونهايتكم أيها المكذبون الضالون الى ما‬

‫‪127‬‬
‫كنتم به تكذبون (وهى نارالقطيعة) الى ظل ذى ثالث شعب كالدخان يكون من فوق الكافر وعن يمينه‬
‫وعن يساره ‪ ،‬وذلك عقاب الغافلين فعقابهم النار ترميهم بشرر كالقصر‪.‬‬
‫ـ هذا يوم ال ينطقون من شدة تحيرهم وقلة استعدادهم له ‪ ،‬ثم يقول هذا يوم الفصل جمعناكم واألولين‬
‫‪ ،‬لنفصل بينكم والذين سبقوكم بمعرفة من هو المشار اليه بيوم أ ُ ٍجلَتْ المعرفة به حتى يفصل الحق‬
‫به بين الخالئق ويريهم الفرق بينه وبين أقرانه وخالنه فهذا الحديث هو كتاب وهذا الكتاب حق‬
‫الريب فيه وعنه الحديث الذى يسميه الشيخ رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫ـ فحديث المرسالت جاءكم به ليعلمكم أنه حديث حق فبأى حديث بعده تؤمنون ‪ ،‬فهو الحديث عن‬
‫صاحب النبأ العظيم الذى أنتم عنه تتساءلون ‪ ،‬وفى معرفته مختلفون ‪ ،‬وهو النبأ العظيم الذى أنتم‬
‫عنه معرضون (المكذبون الضالون) ‪ ،‬أما المؤمنون بحقيقته فيعلمون أنه الحق من ربهم ‪ ،‬بقول‬
‫الحق تعالى ‪( :‬ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الى ربه مآباً) ثم ينذرالمعرضون المكذبون بقوله (إنا‬
‫أنذرناكم عذابا ً قريبا) ويوم المعرفة به يقول الكافر(يا ليتنى كنت تراباً) وصدق هللا العظيم إذ يقول‬
‫فى آخر سورة النبأ (إنا أنذرناكم عذابا ً قريبا ً يوم ينظر المرأ ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتنى كنت‬
‫ترابا) ‪ ً.‬أى الكافر بهذه الحقيقة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫‪2‬ـ حديث المرسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عشار‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هذه القصيدة لقد وعدتكم بأن أروى لكم حديث المرسالت‬
‫بصدق وعدى الذى بسببه يفتح هللا علينا فتحا ً مبينا ً وهذا الفتح الذى وعد به الحق حبيبه صلى هللا‬
‫عليه وسلم بقوله تعالى (إنا فتحنا لك فتحا ً مبينا ً ليغفر لك هللا ما تقدم من ذنبك وما تأخر) والفتح هو‬
‫دخول مقام الفناء وإظهار أسرار الحقائق ‪ ،‬التى هى من كمال العطاء من فيض وهب حيث أنها كانت‬
‫فى حيز الكتمان ‪ ،‬وبوصفى مظهر ما كان فى الكتمان ‪ ،‬قلت بقر الغيوب وكشف مكنوناتها شأنى ‪،‬‬
‫كما قلت ‪:‬‬
‫فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن‬
‫سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن‬
‫قلت لو أن من خطب الحقيقة جاءنى فبال عناء عندها يلقانى ‪ ،‬وأشرت الى الذى من أجله وبعد رجائه‬
‫هذا الحديث الذى أرسلت به مرسالتى ‪ ،‬ألثبت لكم صدق وعدى ‪ ،‬فمن آمن فليؤمن ومن كفر وأنكر‬
‫وكذب فويل يومئذ للمكذبين ‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫‪ -1‬وإن العاصفات بكل ظلم *** لدى قياد سطوتها يدار‬
‫يقول رضي هللا عنه أن مرسالتى الذين أرسلهم متتابعين عبر األزمان ‪ ،‬وهم جمع من األمناء الذين‬
‫كشف لهم عن المعانى ‪ ،‬يتلوه جمع ثم يتلوه جمع ‪ ،‬والجمع يبدء بثالثة ‪ ،‬وهم فى نشر هذا العلم‬
‫مثل الرياح العاصفات بكل ظلم يفعله المكذبين الضالين المضللين ‪ ،‬التى تعصف عصفا ً خلف بعض ‪،‬‬
‫كالخيل التي قياد سطوتها يدار بيدى ‪.‬‬
‫‪ -7‬وإن الناشرات بكل مرقي *** لها منى نشور وإنشار‬
‫ويؤكد ان الناشرات حين تنشر هذا العلم في كل مرقي من مراقي السير فنشورها يكون كالسحب فى‬
‫الجو نشرا ً بالنشر للنفوس الميتة بالكفر والجهل الذى يتبوأه البعض الذى أشارت اليه القصيدة (‪)98‬‬
‫بقولى ‪:‬‬
‫لقد غمت على قـــــوم علـــــــــوم *** شهدناها يقينا ً فى إستوانـــــا‬
‫يظن البعض بل ظنــــــــوا جميعا ً *** وإن الظن ليس به غنانـــــــا‬
‫وخاض البعض بل خاضوا جميعا ً *** فعن خواضهم أعرض ترانا‬
‫تبوأ بعضهم فى الجهل دركــــــــا ً *** وفى تحصيلهم حتى أغــــان‬
‫وإحياء قلوب العارفين بما أوحين بالعلم واإليمان به وذلك بوحي مني ‪.‬‬
‫‪1‬ـ وإن الفارقات لكل أمر *** حكيم لي برتبتها وقار ‪.‬‬
‫إن الفارقات لكل أمر حكيم ‪ ،‬إشارتها فى سورة الدخان{حم والكتاب المبين إنا أنزلناه فى ليلة مباركة‬
‫إنا كنا منذرين ـ فيها يفرق كل أمر حكيم ـ أمرا ً من عندنا إنا كنا مرسلين ‪ ،‬رحمة من ربك إنه هو‬
‫السميع العليم} ومعنى اآلية يتجلى بوحى خاص بال واسطة خبر عن سر فى سر ال يتطلع عليه أحد‬
‫من خلق هللا حيث يقول حم بمعنى حبيبى محمد إنا أنزلناه (الكتاب) يقال عنه كتاب هللا جمعنا ‪ ،‬كتاب‬
‫هللا حضرة إنا أنزلناه فى ليله مباركة لما ينزل فيها من الخير الكثير ‪ ،‬وهذا هو شأننا الذى من أجله‬
‫اإلنذار والتحذير من العقاب للمكذبين به ‪ ،‬وهذه الليلة فيها يفرق كل أمر حكيم ‪ ،‬وسر تخصيص هذه‬
‫الليلة باإلنزال ‪ ،‬أى أنما أنزلناه فى هذه الليلة المباركة ‪ ،‬ألن فيها يفرق كل أمر حكيم ‪ ،‬أى ذى حكمة‬
‫بالغة ‪،‬‬
‫‪5‬ـ كذا فالملقيات لكل ذكر *** بألواح وأرواح تغـــــــــــار‬

‫‪129‬‬
‫التتابع في الحديث والعصف والبشر والفرق فرسل السحاب بالمطر علي قلوب المؤمنين الذي أراد‬
‫الحق أن ينور قلوبهم بالمعرفة به فيلقي ذكره إلي اآلبد الستكمالها فتعصفن ما سواه وتنشرن أثره‬
‫في جميع األعضاء فيفرقون بين الحق والباطل فيرون كل شيء هالك إال وجهه وألفين في قلوبهم‬
‫ذكر بحيث ال يكون في القلوب غيره وعلي األلسنة سواه ‪.‬‬
‫‪2‬ـ فطمس النجم لو نسفت جبال *** كواكب آيتي فيه انتشار‬
‫إذا أشرقت شمس الحقيقة وبدت أسرارها للعيان انطمست أنوار نجومها ولو أن جبال الوهم الخياالت‬
‫أو جبال العقول نسفت وتالشت وتركت أماكنها فكانت هباءا منبثا ً فإذا بأنوار الكواكب تطهر للشهود‬
‫وإذا سماء األرواح تكشف عن مقام القدم فيتم الشهود ألهل العيان والمشاهدة فيظهر السر القدم‬
‫المشهود والغيب سائر ‪.‬‬
‫حيث يقول سيدي فخر الدين في القصيدة (‪ )12‬عن سر القدم المشهود ‪.‬‬
‫هو السين والهو كذا الهاء واإلناء *** هو القدم المشهود والغيب سائر ‪21 /21‬‬
‫وهي الروح المستخرجة من الروح األعظم بعد ظهور الكائنات بقبل ألست المشاهدة في هذا القدم‬
‫ويكون ذلك في يوم الفصل بين أهل الشهود والعيان وبين أهل الدليل والبرهان أي بين الخصوص‬
‫والعموم ويكون هو يوم الفتح األكبر باالستشراق بالذات‬
‫فويل يومئذ للمكذبين بطريق هذا السر العظيم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أتى فى النازعات حديث موسى *** وفى الوادى المقدس ال تماروا‬
‫‪9‬ـ أراه اآليــــــة الكبــرى فنـــــادى *** وكذب عاصيا ً فالماء نـــــــار‬
‫‪ -8‬لذا فالناشطــــــــات بكل مجـرى *** بأفالك الكمال بى استجــــارو‬
‫‪ -24‬لدي السابقات بفضـــــــل ربى *** بعلــــم هللا إذ فيه القـــــــــرار‬
‫‪ -22‬وهذه عبرة والحب يخشـــــــى *** ومن لم ينته فله الدمــــــــــــار‬
‫هذه األبيات الخمسة تشيرالى الخمس آيات األولى فى سورة النازعات ‪.‬‬
‫النازعات ـ اآلية الكبرى ـ الناشطات ـ السابقات ‪:‬‬
‫النازعات ‪ :‬هى مالئكة تنزع األرواح من األجساد ‪ ،‬قال بن مسعود ‪ :‬تنزع روح الكافر من جسده من‬
‫تحت كل شعره ومن تحت األظافر ومن أصول القدمين ثم تفرقها في جسده ‪ ،‬ثم تنزعها حتى إذا‬

‫‪131‬‬
‫كادت تخرج تردها في جسده فهذا عملها بالكفار دون المؤمنين أو تغرقها فى جهنم ‪ ،‬فهو مصدر‬
‫مؤكد ‪.‬‬
‫والناشطات ‪ :‬أي ينشطوها ويخرجوها من الجسد ‪.‬‬
‫والسابحات ‪ :‬أي يسبحون بها في الهواء إلي سدرة المنتهي ‪.‬‬
‫والسابقات ‪ :‬أي يسبقون بأرواح الكفرة إلي النار وبأرواح المؤمنين إلي الجنة ‪.‬‬
‫فالمدبرات ‪ :‬أي تدبر أمر عقابها وثوابها أي يهيئها إلدراك ما أعد لها من اآلالم والثواب ‪ .‬ومعني‬
‫أخر (صفحة ‪ 725‬المجلد السادس من البحر المديد من تفسيرالقرآن المجيد إلبن عجيبة) ‪.‬‬
‫‪ -‬األرواح النازعات عن مالحظة السوي غرقا ً في بحار األحدية ‪.‬‬
‫والناشطات من عالئق الدنيا ومتابعة الهوي ‪.‬‬
‫والسابحات باألفكار في بحر أنوار الملكوت ‪ ،‬وأسرار الجبروت ‪.‬‬
‫فالسابقات ‪ :‬إلي حضرة القدس ‪ ،‬فالمدبرات أمر الكون بالتصرف فيه بالنيابة عن الحق وهذا هو‬
‫مقام القطبانية ‪.‬‬
‫أو النازعات عن الخطوط والشهوات عرقا ً في التجرد إلي العبادات بأنواع الطاعات ‪ ،‬وهذه أنفس‬
‫العباد ‪.‬‬
‫والناشطات عن الدنيا أهلها الفارين إلي هللا فرارا ً وهي أنفس الزهاد ‪ .‬والسابحات بعقولها في أسرار‬
‫العلوم وهي أنفس العلماء فالسابقات إلي هللا بأنواع المجاهدات والسير في المقامات حتي أفضت إلي‬
‫شهود الحق عيانا ً وهي أنفس األولياء العارفين‪.‬‬
‫فالمدبرات أمر الخالئق بقسم أرزاقها وأقواتها ورتبها وهي أنفس األقطاب والغوث ‪.‬‬
‫وقال البيضاوي ‪ :‬وهذه صفات النفوس وحال سلوكها فإنها تنزع من الشهوات وتنشط إلي عالم‬
‫القدس فتسب ح في مراتب االرتقاء فتسبق إلي الكماالت حتي تعير من المكمالت ‪ ،‬زاد اإلمام ‪ :‬فتدبر‬
‫أمر الدعوة إلي هللا ‪.‬‬
‫وقال الورتجي ‪ :‬إشارة النازعات إلي صوالت صدمات تجلي العظمة فتنزع األرواح العاشقة عن‬
‫معادن الحدوثية ثم قال ‪ :‬والسابحات تسبح في بحار ملكوته وقاموس كبرياء جبروته تطلب فيها‬
‫أسرار األولية واألخرية والظاهرية والباطنية ‪ .‬فالسابقات في مصاعدها عالم الملكوت وجنات‬
‫الجبروت تسابق كل همه ‪،‬‬
‫‪131‬‬
‫فالمدبرات هي العقول القدسية ‪ :‬تدبر أمور العبودية بشرائطها إلهام الحقيقة ‪.‬‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫ـ أتى فى النازعات حديث موسى *** وفى الوادى المقدس ال تماروا‬
‫ويقول موالنا الشيخ مخبرا ً لقد أتي في سورة النازعات حديث سيدنا موسي حين ناداه ربه بالوادي‬
‫المقدس المسمي (طوى) على أرض سيناء فجاء نداء الحق تعالى إذهب الى فرعون ألنه تجاوز الحد‬
‫في الكفر والطغيان وقل له هل لك رغبة في التزكية والتطهير من دنس الكفر والطغيان بالطاعة‬
‫واإليمان ‪ ،‬فال تماري وتجادل في ذلك ‪ ،‬وبعد هذا الحوار الهادئ اللطيف أراد هللا أن يثبته فأراه اآلية‬
‫الكبري ‪.‬‬
‫ـ اآلية الكبرى وهى ‪ :‬العصا أو العصا واليد ‪ ،‬وهي من خرق العوائد ومخالفة الهوى ‪ ،‬ولكن فرعون‬
‫كذب موسى وعصاه ‪ ،‬فكان عاقبته الهالك والغرق ثم وعده بدخوله نار جهنم فكان عبره لغيره ‪.‬‬
‫وجعل اإلمام القشيري (موسي) إشارة إلي القلب وفرعون إشارة إلي النفس ‪ ،‬وكان الحديث هل أتاك‬
‫حديث موسى (القلب) ‪ ،‬حين ناداه ربه بالحضرة المقدسة بعد طي األكوان عن مرآة نظرة ‪ ،‬فقال له‬
‫أذهب الي فرعون (النفس) إنه طغي ‪ ،‬وقل له هل لك أن تتزكى وتتطهر لتدخل الحضرة ‪ ،‬فأهديك‬
‫الى معرفة ربك فتخشى ‪ ،‬فإنما يخشى هللا من عرفه ‪ ،‬فأراه اآلية الكبرى ‪ ،‬من خرق العوائد ومخالفة‬
‫الهوى ‪ ،‬فكذب وعصي عندما رأى عزم القلب على مجاهدته ‪ ،‬وأخيرا ً أغرق فى بحر قلزوم إذ فى‬
‫ذلك لعبرة لمن يخشى ‪ ،‬ويسلك طريق التزكية فإنه يصل إلى بحر األحدية ‪.‬‬
‫ـ لذا فالناشطات من النفوس تفر من الدنيا متجه إلي هللا ‪ ،‬تسبح فى مجارى األفالك مستنجدة بصاحب‬
‫الحقيقة ‪ ،‬حتى تصل إلى غاية الكمال ‪.‬‬
‫يدى ألنى أنا خبيرها والسائر بها إلى المقامات‬
‫ـ والسابقات إلى هللا بالمجاهدات والطاعات تسير على ً‬
‫حتى شهود الحقيقة ‪ ،‬والوصول بها لغاية الغايات ‪ ،‬وهذا بالنسبة ألنفس المؤمنين ‪ ،‬أما أنفس‬
‫الكافرين فتسبح فى الهواء حتى تسير إلى النار ‪ ،‬حيث أن عاقبتها النار ‪ ،‬ألنها عُلقت بالدنيا وشهواتها‬
‫التى أغرقتها في جهنم ‪.‬‬
‫ـ وهذه عبرة لمن أراد الدنيا والهوى ‪ ،‬ومن لم ينتهي فسوف يحرق بالنار ‪ ،‬ويكون مصيره مثل‬
‫فرعون الطاغية‪.‬‬
‫فاألرواح الميتة بالجهل والغفلة حين تنتبه إلي السير بالذكر فى مجارى أفالك الكمال فرارا ً إلى هللا ‪،‬‬
‫فأنا محييها بالمعرفة باألسرار األولية األخرية والظاهرية والباطنية وأنا مدبر أمورها حتى تصل إلى‬
‫مقام القرب ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -21‬وأما الذاريات فريح وصلى *** وإن اإلفــــــك منها لَلَغُبـــار‬
‫‪ -27‬والموقرات بحمــــل علمى *** َج َريْن به يسيرا ً حيث ساروا‬
‫‪21‬ـ وإنى قاســـــــم وهللا معطى *** وهذه آيتى ولـــــــى الفَ َخـــار‬
‫جاءت سورة الذاريات بما تشير اليه هذه األبيات بصدق الوعد فى قول الحق تعالى {والذاريات ذروا ً‬
‫‪ ،‬فالحامالت وقرا ً ‪ ،‬فالجاريات يسرا ً ‪ ،‬فال ُمقَ ٍ‬
‫سمات أمرا ً ‪ ،‬إنما توعدون لصادق } اآليات من ‪.5 :2‬‬
‫ـ الذاريات ‪ :‬الرياح الذاريات ألنها تذرو التراب والحشيش ‪.‬‬
‫فالحام الت ‪ :‬السحب الحاملة لألمطار أو الرياح الحاملة للسحاب الموقرة بالماء ‪ ،‬وقال بن عباس‬
‫رضى هللا عنهما ‪ :‬السفن الموقرة بالناس ‪.‬‬
‫ـ والجاريات ‪ :‬السفن الجارية في البحر والرياح الجارية فى مهبها ‪ ،‬أوالسحب الجارية في الجو‬
‫تسوقها الرياح ‪.‬أو الكواكب السيارة الجارية بسهولة ‪.‬‬
‫ـ فالمقسمات أمرا ً ‪ :‬مالئكة تقسم األمور الغيبية من األمطار واألرزاق واآلجال والخلق في األرحام ‪.‬‬
‫إنما توعدون لصادق ‪ :‬لوعد صادق ‪.‬يقول سيدي فخر الدين وأما الذاريات فهى ريح وصلى التى‬
‫يسوقها المرسالت بالمعانى التى أرمى اليها والمراد إثباتها حيث ترد على القلوب فتذر منها األمراض‬
‫معنى دنيا ً إال دفعته ‪ ،‬وإن‬
‫ً‬ ‫والشكوك واألوهام ‪ ،‬ألنها تأتى من حضرة قهار ال تصادم شيئا ً خبيثا ً أو‬
‫اإلفك من المعانى الدنية التى تمثل الشكوك واألوهام هى كالتراب والغبار الضار ‪.‬‬
‫ـ وإن الموقرات بحمل علمى من أبنائى ذوى االنفس الزكية الطاهرة تسير حاملة لمعانى علومى‬
‫كالجاريات يسيرا ً ‪ ،‬أو كالسفن التى تجرى فى بحار األحدية من الجبروت الى الملكوت ثم تنزل الى‬
‫عالم الملك فتتفتت فى علوم الحكمة (العلوم الباطنية) جريا ً يسيرا ً شيئا ً فشيئا ً ‪ ،‬أو كالكواكب السيارة‬
‫حتى توصل تلك المعانى الى إخوانهم فى سهولة ويسر ‪.‬‬
‫ـ وإنى قاسم وهللا معطى أى أن هذه الحقيقة هى عطاء إلهى جائنى من كمال العطاء من فيض وهب‬
‫من العلوم الغيبية الخاصة بى ‪ ،‬فهى منحتى من سماوات الغيوب التى أمدنى بها الحق وهى رزق‬
‫للعباد ورحمة وإنى قاسمها على أهل الوصال بوصلتى ولى الفخار ‪.‬‬
‫وهذه آيتى ‪:‬‬
‫وهذه آيتى والحب يعشقهــــــــا *** ينال منهـــــــــا بترديد وتكرار ‪77 /22‬‬
‫من آيتى يستقى أرباب حظوتنا *** عذب الحديث ومنها طيب الكلم ‪14 /2‬‬
‫‪133‬‬
‫هذه آيتى وفيهــــــــــا مرادى *** ولمن أمهـــا يكــــــون الهنــــاء ‪17 /14‬‬
‫‪25‬ـ تقول الذاريات بصدق وع ٍد *** وأن اإلختالف هو الغُمـــــــار‬
‫يقول سيدي فخر الدين رضى هللا عنه أن الذاريات هى ريح وصلى التى تسوق اليكم المعنى الذى‬
‫أرمى اليه والمراد إثباته حيث ترد على القلوب فتذر منها األمراض والشكوك واألوهام عن معرفة‬
‫معنى دنيا ً إال دفعته ‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫الحقيقة لمن طلبها ‪ ،‬ألنها تأتى من حضرة قهار ال تصادم شيئا ً خبيثا ً أو‬
‫تقول بصدق وع ٍد إنما توعدون من الوصول الينا لصادق لمن صدق فى سعيه طالبا ً تلك الحقيقة التى‬
‫جاء عنها القول ‪:‬‬
‫فشأنى تأليف القلــــوب وجمعها *** وسائل غيرى فى الحقيقة ما فتى ‪2 /171‬‬
‫لو أن من خطب الحقيقة جاءنى *** فبال عنـــــاء عندهــــــــــا يلقانى ‪1 /72‬‬
‫وأن االختالف هو الغمار‪ ،‬أى أن الناس من حيث بشريتهم الطينية غلبت على روحانيتهم السماوية‬
‫فلم يرتقوا من أرض األشباح الى سماء االرواح ‪ ،‬فطرق سماء الحقائق هى المسالك التى توصل‬
‫اليها ‪ ،‬وإن أهل الغفلة هم من أهل الحجاب الذى ال يسلم من طوارق االضطراب واالختالف الذين هم‬
‫فى غمرة ‪ ،‬أى فى غفلة وجهل وضالل عن معرفة الحقيقة ‪ ،‬بخالف أهل الحقائق التى قلوبهم مجتمعة‬
‫ومتآلفة على محبة واحدة وقصد الواحد ال شريك له وهلل در القائل ابن البنا ‪:‬‬
‫مذاهب الناس على اختالف *** ومذهب القوم على إئتالف‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬
‫عباراتهم شتى وحسنك واحد *** وكل الى ذاك الجمال يشير‬
‫فى البيت التالى يسرد موالنا الشيخ قصص األمم السابقة وما جرى عليها ‪ ،‬ألن فيها أحداث تنخرط‬
‫فى سلك معانى األبيات السابقة فقال‪:‬‬
‫‪22‬ـ حديث الضيف أو موسى وعاد *** ثمود ثم نوح والديار‬
‫يقول الحق تعالى فى سورة الذاريات {هل أتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين ‪ ،‬إذ دخلوا عليه فقالوا‬
‫سالما ً قال سالم قوم منكرون ‪ ،‬فراغ الى أهله فجاء بعجل سمين ‪ ،‬فقربه اليهم قال أال تأكلون ‪،‬‬
‫فأوجس منهم خيفة قالوا ال تخف وبشروه بغالم عليم}اآليات من ‪11:19‬‬
‫حديث الضيف ‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫هل بلغك حديث ضيوف إبراهيم حيث خدمهم بنفسة وإمرأته وعجل اليهم القرى ‪ .‬الضيوف إشارة‬
‫الى تجليات الحق علي قلب إبراهيم الرمز (الخليل) حين دخلت القلب باألنوار مسلمة عليه ولعدم‬
‫المعرفة بها فقد ينكرها القلب أول مرة ألنه لم يألف إال رؤية حس الكائنات ‪.‬‬
‫فراغ إلي أهله أي إلي عوالمه (الماء – الهواء – والتراب‪ -‬والنار) العناصر التي خلق منها اإلنسان‬
‫فجاء بعجل سمين ‪ ،‬النفس وموتها ‪ ،‬فأوجس منهم خيفة ‪ ،‬ألن صدمات التجلي اإللهي تدهش األلباب‬
‫إال من ثبته هللا فقالوا ال تخف أي ال تكن خوافا ً إذ ال ينال هذا السر إال الشجعان كما قال الجيالني ‪:‬‬
‫وإياك حزما ال يهولك أمرها *** فما نالها إال الشجاع المقارع‬
‫وبشروه بغالم ‪ ،‬وهو نتيجة المعرفة من اليقين الكبير والطمأنينة العظمي ‪ ،‬فأقبلت النفس تصيح‬
‫وتقول أألد هذا الغالم (نتيجة المعرفة بالحقيقة) من هذا القلب ‪ ،‬وقد كبر علي ضعف اليقين وأنا‬
‫ش ْخت في العواي د ‪،‬عقيم من علوم األسرار ‪ ،‬فتقول القدرة كذلك قال ربك هو علي هين ‪،‬‬ ‫عجوز ِ‬
‫أتعجبين من قدرة هللا ومن الحكم العطائية " من استغرب أن ينقذه هللا من شهوته ‪ ،‬وأن يخرجه من‬
‫وجود غفلته ‪ ،‬فقد استعجز القدرة اإللهية ‪ ،‬وكان هللا علي كل شيء مقتدرا ‪ ،‬أنه هو الحكيم في‬
‫ترتيب الفتح علي كسب المجاهدة ‪ ،‬العليم بوقت الفتح ‪ ،‬وبمن يستحقه قال إبراهيم القلب أو الروح‬
‫‪ :‬فما خطبكم أيها التجليات قالوا إنا أرسلنا إلي قوم مجرمين وهم جند النفس ‪ .‬لنرسل عليهم حجارة‬
‫من طين مسومة عند ربك للمسرفين وهم األذكار واألوراد والمجاهدات والرياضات والمعامالت‬
‫المه لكة للنفس وأوصافها‪ .‬فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين سالمين من الهالك وهو ما كان لها‬
‫من األوصاف الحميدة والعلوم الرسمية إذ ال تخرج المجاهدة اال من كان مذموما فما وجدنا فيها من‬
‫ذلك إال النذر القليل ‪ ،‬إذ معاملة النفس ُجلها مدخولة ‪ ،‬وتركنا فيها آية من تزكيه النفس وتهذيب‬
‫أخالقها للذين يخافون العذاب األليم ‪ ،‬فيشتغلون بتزكيتها لئال يلحقهم ذلك العذاب ‪.‬‬
‫أو موسى ‪:‬‬
‫{وفى موسى إذ أرسلناه الى فرعون بسلطان مبين ‪ ،‬فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون ‪ ،‬فأخذناه‬
‫وجنوده فنبذناه فى اليم وهو مليم } اآليات من‪79:‬ـ ‪14‬‬
‫وفى موسى آية ظاهرة ‪:‬‬
‫وفي موسي ـ القلب ـ إذ أرسلناه إلي فرعون ـ النفس ـ أى ‪ :‬بتسلط وحجة ظاهرة لتتأدب النفس‬
‫وتتهذب ‪ ،‬فتولي فرعون النفس بركنه ‪ ،‬وقوه هواه ‪ ،‬وقال لموسي القلب ساحر أو مجنون ‪ ،‬حيث‬
‫يأمرني بالخضوع والذل ‪ ،‬الذى يفر منه كل عاقل ‪ ،‬فأخذناه وجنوده من الهوى والجهل والغفلة ‪،‬‬
‫فنبذناهم في اليم في بحر الوحدة ‪ ،‬فلما غرقت فى بحر العظمة ‪ ،‬ذابت وتالشت ‪ ،‬ولم يبق لها وال‬

‫‪135‬‬
‫لجنودها أثر ‪ .‬وهو فرعون النفس ـ مليم ‪ :‬فعل ما يالم عليه من الميل الى ما سوى هللا قبل القائه‬
‫فى اليم ‪.‬‬
‫{وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ‪ ،‬ما تذر من شىء أتت عليه اال جعلته كالرميم} اآليات ‪:‬‬
‫‪12‬ـ‪ 11‬من سورة الذاريات‬
‫وفى عاد ‪ ،‬وهى جند النفس وأوصاف البشرية ‪ ،‬من التكبر والحسد ‪ ،‬والحرص ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬إذ‬
‫أرسلنا عليهم الريح العقيم ‪ ،‬ريح المجاهدة والمكابدة ‪ ،‬ما تذر من شىء من االوصاف المذمومة اال‬
‫أهلكتها ‪ ،‬وجعلتها كالرميم ‪.‬‬
‫{وفى ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ‪ ،‬فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ‪ ،‬فما‬
‫استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين} من ‪15 :17‬‬
‫وفي ثمود ‪ ،‬وهم أهل الغفلة ‪ :‬إذ قيل لهم تمتعوا بدنياكم الى زمن قليل ‪ ،‬مدة عمركم القصير‪ ،‬فعتوا‬
‫‪ :‬تكبروا عن أمر ربهم ‪ ،‬وهو الزهد في الدنيا ‪ ،‬لمن يدعوهم الى هللا ‪ ،‬فأخذتهم صاعقة الموت ‪،‬‬
‫على الغفلة والبطالة ‪ ،‬وهم ال ينظرون الى ارتحالهم عما جمعوا ‪ ،‬فما استطاعوا من قيام حتى يدفعوا‬
‫ما نزل بهم ولو افتدوا بالدنيا وما فيها وما كانوا ممتنعين من قهرية الموت فرحلوا بغير زاد وال‬
‫استعداد ‪.‬‬
‫{وقوم نوح من قبل انهم كانوا قوما ً فاسقين }اآلية ‪12‬‬
‫وقوم نوح من قبل ‪ ،‬وهو سلف من األمم الغافلة ‪ ،‬إنهم كانوا قوما ً فاسقين خارجين عن حضرتنا ‪.‬‬
‫ثم َذك ًَر ما أحدث بنى اسرائيل وما جرى عليهم فى القضاء فقال ‪ :‬ثمود ثم نوح والديار‪:‬‬
‫فى سورة االسراء {وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى االرض مرتين ولت َ ْعلُن علوا ً كبيرا‬
‫‪ ،‬فاذا جاء وعد أوالهما بعثنا عليكم عبادا ً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خالل الديار وكان وعدا ً مفعوالً}‬
‫اآلية ‪1‬و‪5‬‬
‫أى أوحينا الى بنى اسرائيل فى التوراة فقلنا ‪ :‬وهللا (لتفسدن فى االرض مرتين) أوالهما مخالفة‬
‫أحكام التوراة وقتل أشعياء وقيل أرميا ‪ ،‬وثانيهما قتل زكريا ويحى ‪ ،‬وقصد قتل عيسى عليهم السالم‬
‫‪( ،‬ولتعلن علوا ً كبيراً) ولتستكبرون على طاعة هللا ‪ ،‬أو لتظلمن الناس وتستعلون عليهم علوا ً كبيرا ً‬
‫‪.‬‬
‫‪22‬ـ لعل هللا يحدث بعد هــــــــذا *** أمورا ً حيث أهل العلم حاروا‬
‫‪29‬ـ فإن النار للموصول نـــــور *** وإن النـــــور للمقطوع نــــار‬
‫‪136‬‬
‫‪28‬ـ ولى من سرها كشف الخبايا *** ودون الكل قد وضع الخمــار‬
‫‪14‬ـ ولى بالمستجار جـــوار عز *** فأنعم جيرة ولى الجـــــــــوار‬
‫أراد سيدي فخر الدين رضى هللا عنه تذكرة أحبابه حيث قال ‪ :‬قد وعدنا ‪ ،‬ووعدنا دائما هو وعد‬
‫الصدق ‪ ،‬البد أن يأتى يوم تتضح فيه حقيقة ما هو المقصود بالسر الساري ‪ ،‬المشار إليه عبر‬
‫األزمان السابقة من زمن سيدنا نوح عليه السالم الذي دعا إلي المعرفة به ‪ ،‬فكذبه قومه حيث‬
‫استمرت الدعوة أكثر من ‪ 854‬عاما ً ‪ ،‬وفى النهاية دعا ربه قائالً ‪ :‬رب ال تذر على األرض من‬
‫الكافرين ديارا ً ‪ ،‬ولم يؤمن منهم إال القليل ‪ ،‬فصدر إليه األمر اإللهي بصنع مركب سير (سفينة)‬
‫وحملهم فيها ومعهم من كل زوجين أثنين المخلوقات التي تعينه ومن معه علي استمرار الحياة ‪ ،‬ثم‬
‫أرسل الحق (صاحب الدعوة) أوامره إلي الماء فتفجر كأفواه ال ِق َرب من جميع مصادره فى السماوات‬
‫والبحار وغيرها ‪ ،‬فأغرق كل من اعترض وأنكر وخالف صاحب الدعوة ‪ ،‬وهو سيدنا نوح عليه‬
‫السالم الرقيقة المحمدية من خلفائه القبليين ولم ينجوا سوى المؤيدون للحق المؤمنين برسالته‬
‫وعن ذلك يقول سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫سفين نجي هللا هل تذكرونني *** ألست وآلي منذ نشرت شارعك ‪.‬‬
‫وأيضا ً يذكرهم بحديث ضيف إبراهيم المكرمين الذين أرسلهم الحق مبشرين ومنذرين بإخراج‬
‫المؤمنين الذين تزكت أرواحهم بالمعرفة بقدر صاحب الحقيقة ‪ ،‬سالمين من الهالك حتي ال يلحقهم‬
‫العذاب األليم الذي أهلك المنكرين المجرمين والمسرفين في إنكار المعرفة ‪.‬‬
‫وحديث الضيف يشير الى الواردات والتجليات اإللهية المرسلة بسرعة البرق تبشر سيدنا ابراهيم‬
‫عليه السالم الرقيقة المحمدية من خلفائه القبليين ‪ ،‬بالغالم المتمثل في نتيجة هذه المعرفة من اليقين‬
‫الكبير ‪ .‬لوالدة هذا الغالم بالقدرة اإللهية للحكيم العليم ‪.‬‬
‫وأيضا التذكرة بزمن سيدنا موسي وعاد ثمود ‪ ،‬ثم نوح والديار ‪ ،‬وبأن كل من لم يعصي نبيه ‪ ،‬سوف‬
‫ينجية الحق واتباعه من المؤمنين ‪ ،‬و ِلقَصْر العذاب علي أهل الغفلة والمنكرين لهذه الدعوة ‪ ،‬فال‬
‫يستطعون دفع الضر والعذاب األليم عن أنفسهم ألنهم كانوا قوما ً فاسقين ‪ ،‬أى خارجين عن الدائرة‬
‫‪ ،‬دائرة المعرفة وحقيقتها‬
‫ـ كما يقول لنا لعل هللا يحدث بعد المشار اليه بـ هذا الفتح القريب أمورا ً كثيرة يحار فيها أهل العلم‬
‫مثل جبر الكسير للهداة المهديين بهذا العلم ويعظم أجرهم ويدخلهم جنه عرفها لهم وهذا حقهم ألنهم‬
‫ليسوا من أهل الغفلة وال من المنكرين للحقيقة بعد معرفتها ونبذها وراء ظهورهم ‪ ،‬وهؤالء المؤمنين‬
‫يمنحهم الحق الزيادة فى المعرفة ويزدهم من عطائه الكامل ‪ ،‬بصفته الكامل المكمل لالكامل ‪ ،‬وينزل‬
‫السكينة عليهم فهم الذين قالوا ربنا هللا ثم استقاموا وداوموا علي هذه المعرفة فتنزلت عليهم مالئكة‬
‫‪137‬‬
‫الرحمة من قبل الرحمن الرحيم فترحمهم وهذه بعض رحمته والتى تجعلهم من المصطفين واألخيار‬
‫الذي أخلصهم بخالصة ذكر الدار ‪.‬‬
‫وأرسل إليهم نوره لوصلهم بوصلته حتي يصيروا فى أمانه رضي هللا عنه اذا قال ‪:‬‬
‫فمن وصلناه موصول وال جدل *** وفي أماني ومن آذاه يؤذينـي ‪72/ 2‬‬
‫ومن قطعناه ال قوس وال وتـــر *** له علينا وليس الشين كالسين ‪72/29‬‬
‫أى من تم وصله ال شك يكون موصول ويعيش آمنا ً وال يستطيع أحد إيذائه ألن معه ما يعينه من‬
‫قوس ووتر فهم من أسباب نفى الجهل بالمعرفة بحقيقة صاحب السر الساري ‪ ،‬وضد الغفلة ألن‬
‫الغافلين هم المقطوعين الذين يتخبطون في ظالم الجهل والغفلة ‪ ،‬حيث ال يتوفر لهم أسباب المعرفة‬
‫من قوس ووتر يدفعون بهم الجهل عن أنفسهم ‪.‬‬
‫ثم يقول أيضا إنني عندي أسرار هذه الحقيقة وأتيت إليكم بخفاياها التي ال يدركها سوي أهل الحقائق‬
‫الذين هم أهل محبتي ‪ ،‬الذين أكشف لهم فقط عن المعانى المراد كشفها والتى أغطشها على غيرهم‬
‫‪ ،‬فهذه الحقيقة التى اتحدث إليكم بها عن جاري العزيز ‪ ،‬ألعطي ما أشاء ولي الخيار في اختيار من‬
‫يستحق ومن لم يستحق ‪.‬‬
‫‪12‬ـ وما نال الرجـال قرى وفخرا ً *** جميعا ً حول معصمى السوار‬
‫‪11‬ـ ويوم يطيب لي إفشــاء سري *** ليــــــــــوم فيه عطلت العشار‬
‫‪17‬ـ وعلم يجتني من بعض علمي *** لعلم منه سجرت البحـــــــــار‬
‫‪11‬ـ وبالتسبيح تسبـح كــــل روح *** أللفي حقبة طال انتظـــــــــار‬
‫ـ وما نال الرجال قرى وفخرا ً ‪ ،‬من هم الرجال ؟ هم السائرون فى طريق الوصول الذين يقول عنهم‬
‫سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫أما الرجال الذين عنيت من ذكروا وذكرهم غاية ‪ ،‬وما نال الرجال قرى وفخرا ً ‪ ،‬من مخصوصات‬
‫علمى ‪ ،‬إال بوصلتى لهم ألنهم يلتفون حول معصمى (قبضة يدى التى اسقيهم بها) كالسوار ‪،‬‬
‫وينهلون منها وذلك فخر لى وفيه أفاخر ‪.‬‬
‫ـ اليوم التي تعطل فيه العشار (يوم الحشر) وهو يوم قال عنه سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيهـا الناس جاءكم ابراهيم‬

‫‪138‬‬
‫فاسألوه النجـــــــاة من يوم حشر *** يــوم ال يسأل الحميم حميم‬
‫فالنبيون والمالئـــك جمعــــــــا ً *** أمهم جدنا الرؤوف الرحيم‬
‫يخاطب سيدى فخر الدين رضى هللا عنه الناس المجتمعون فى المحشر ‪ ،‬قائال أيها الناس فى مثل‬
‫هذا اليوم يكون العطاء فوق ما تتخيلون ‪ ،‬ألنه من فيض وهب المنعم المتفضل عليكم ‪ ،‬الذى آتتنى‬
‫البشارة بمجيئه وهو االمام والرمز فى كتاب هللا ‪ ،‬المشار اليه فى القصيدة (‪ )92‬ما كتاب هللا إال‬
‫جمعنا صاحب االسم الشريف (ابراهيم) فاسألوه النجاه من يوم الحشر الذى ال يسأل فيه الحميم حميم‬
‫‪ ،‬فهو جدنا الرؤوف الرحيم الذى سره مضمر فى طى سروتنا ‪ ،‬وهو الولى الخاتم متقدم الجماعة‬
‫يوم قيام الساعة (يوم الحشر) ‪ ،‬ثم يقول سيدى فخر الدين إنى (متواجد) حيث يتواجد مليك المحشر‬
‫المشار اليه فى القصيدة (‪ )12‬التى يقول فيها ‪:‬‬
‫الوعد حق والمالئك عنده *** وهو المليك وكلهم أجناد ‪12 /1‬‬
‫وجاء فى القصيدة (‪ )52‬أنه فوق سماء فوق المأل األعلى لقوله ‪:‬‬
‫إنى فوق سماء تعلــــــــــو *** فوق المأل األعلى فانظر ‪52 /2‬‬
‫هل تسمعنى ؟ هل تدركنى *** إنى حيث مليــك المحشر ‪52 /2‬‬
‫إنى حيث عطــاء المعطى *** قلب يذكر جمع يشكــــــر ‪52 /9‬‬
‫ويوم الحشر هو يوم (ال ريب فيه) يجمع الحق تعالى فيه الناس وهو الذى توضحة اآلية (‪ )8‬من‬
‫سورة آل عمران التى يقول فيها الحق (ربنا أنك جامع الناس ليوم ال ريب فيه) جامعهم للوصول اليه‬
‫وهو يوم اللقاء الذى يلتقى فيه األحبة ويقول عنه سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫ويوم الجمع ميقات التناجى *** ولسنا للشهادة كاتمينا ‪52 /22‬‬
‫وذلك اليوم يوم إفشاء سرى الكتيم الذى من أجله أتت روايتى التى أقول عنها ‪:‬‬
‫رويت عن المحبوب ما قد رأيته *** وسر أبى العينين متن روايتى ‪2 /22‬‬
‫ووصيت ابراهيم أنى إصطفيتـه *** وكل نجاة كتم ســــر النجيــــة ‪2 /182‬‬
‫إنه ســــــــر علومـى كلهــــــــا *** إنـــــه فيض هبــــات ال تعــــد ‪9 /29‬‬
‫وحظائر األقداس ملء حياضها *** نـــــور لغيب الليل سر لباســـه ‪8 /2‬‬

‫‪139‬‬
‫من رآنى لديه فـــــــــاز بسرى *** فى جنى جنتيه ســـر كتيـــم ‪21 /27‬‬
‫سر على كل العظـــــــــام وانه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه ‪28 /1‬‬
‫هو صاحب الذكر الرحيم وإنه *** سر التناجى ربـــــه ربــــــاه ‪28 /2‬‬
‫اعلموا أنى عندما كنت عند مليك المحشر حال إسرائى وفى موطن القاب والقوس من التدانى ‪ ،‬رأيت‬
‫ما قد روي ته عن المحبوب وكان سر أبى العينين هو متن روايتى هذه ‪ ،‬فقد بدأت كالمى المنظوم‬
‫بالقصيدة التائية التى بدأت بقولى ‪:‬‬
‫أنا فى أنا إنى وإنى فى أنا *** رحقيقى مختوم بمسك الحقيقة‬
‫أى إنى الذى جئتكم بمسك الحقيقة من الـ (أنا) خاصة من هو سر التناجى ‪ ،‬التى تروى حقيقة سره‬
‫الذى صار سرا ً على كل العظام ‪ ،‬وكان أبى العينين وارد مائها ‪ ،‬لذا فهو من لديه متن هذه الحقيقة‬
‫التى صارت سرى من حبيبى ‪ ،‬وعليه يقال فصار السر سرى من حبيبى وسر السر من مولى الموالى‬
‫‪ ،‬وقد تركت وصية بذلك حيث قلت ووصيت ابراهيم أنى إصطفيته ‪ ،‬ولكن صارسرا ً مكتوما ً ليوم‬
‫معلوم ‪ ،‬ألنه سر علومى كلها وفيض هبات ال تعد ‪ ،‬وسره ملء حظائر االقداس ألنه سر مغيب‬
‫ملبوسه الليل ‪ ،‬ومن يريد رؤيتى يرانى لديه ‪ ،‬وبذلك يفوز بسرى الذى هو سر على كل العظام ‪،‬‬
‫فهو الجمال الطالع من غيب العمى ‪ ،‬وهو صاحب الذكر الرحيم وإنه سر التناجى ربه رباه ‪ ،‬وهو‬
‫رحمة واألمهات به إقتدت ‪ ،‬رب رحيم ربه سماه ‪.‬‬
‫ـ ثم يقول رضى هللا عنه ويوم يطيب لى إفشاء سرى هذا ليوم فيه عطلت العشار ‪ ،‬أى أن أهل‬
‫المعرفة لم يصلوا الى ما قد وصلت اليه من معرفة عن تلك الحقيقة ‪ ،‬وسائل غيرى عنها مافتى ‪.‬‬
‫وبداية المعرفة بها هو زمن سيدى ابراهيم الدسوقى أبو العينين رضى هللا عنه ‪ .‬وهو فى الحقيقة‬
‫زمني الذي طال انتظاره وفيه يفتح الفتاح فتوحاته ويكون إطالقها علي يدي ‪ ،‬ففي مثل هذا اليوم‬
‫يسمع ويرى الجميع مخصوصات علمى التى زودنى بها جدي ليرد طرف الخاسئين حسير ‪ ،‬فهذه‬
‫آيتى والحب يعشقها ويستقي منها أرباب حظوتنا ‪.‬‬
‫ـ لعلم يجتنيه أرباب حظوتنا فهو علم منه سجرت البحار‪ ،‬ألنى اعرف أقدار الرجال جميعهم أهل‬
‫المعرفة بالحقيقة ‪ ،‬ولكنهم ضلوا ابتداء مكانتى ‪.‬‬
‫ـ وألن كالمى مشرب األرواح ‪ ،‬فال يُؤخذ إال بالسبح فى حياض الجبروت التى بفيض أنواره متدفقة‬
‫‪ ،‬وبتسبيح األرواح وبالتوحيد الذى هو مشربها تنتفع به القفار ‪.‬‬
‫‪15‬ـ وما فُض الختام لنيل علمـــــى *** أللفى حقبة طال إنتظــــــار‬

‫‪141‬‬
‫‪ -12‬فاغطاش المعاني محض حكم *** ألعطي ما أشا ولي الخيـار‬
‫‪ -12‬تعالي هللا ألبسهــــــــــا رداءا ً *** ومن سر اللطيف لهـــا إزار‬
‫‪ -19‬وماء ال يجـــــــود به سحاب *** وليل ال يجليــــــه النهــــــار‬
‫ـ يقول هنا سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أنه على علم ودراية بأقدار الرجال الموحدين أهل السير‬
‫والسلوك جميعهم ولكنهم يجهلون بداية مخصوصات علمه ‪ ،‬ومن يريد معرفة مخصوصات علمه ال‬
‫يستطيع أحتوائها إال بالقدر الذى يُسمح به ‪ ،‬ألن علمى عن الحقيقة ال يُحاط به ونيله ليس معناه‬
‫نهايته ‪ ،‬ومن يحاول الوصول الى غاية علمه ومعرفة كنهه لطال انتظاره وسيره أكثر من ألفين‬
‫حقبة ولن يبلغ مداه فهو رضى هللا عنه القائل ‪:‬‬
‫أيها األحباب هاكم من كماالتى فتيا ‪ ،‬كل ما يدعى بعلم دون علم هللا غيا ً ‪ ،‬إن علمى فى األعالى كان‬
‫إسما ً أو سميا ً ‪ ،‬من علومى فى الفيافى يطلب الظمآن ريا ً ‪ ،‬طى ما أحبوه علم فيه يطوى الكل طيا ً ‪.‬‬
‫ـ كما يقول ‪ :‬أن مفاتيح المعانى كلها بيدى ‪ ،‬حيث قلت المعانى فى عظيم بنائها ‪ ،‬وكل واحد يرى‬
‫قولى على مرآ ته هو ‪ ،‬فمن مشربى سقيت أحبتى فقط خمر المعانى التى حسنها فضاح ‪ ،‬لذلك‬
‫أغطش عندها ليل المعانى ‪ ،‬ألن إغطاش المعانى هو حكم محض ‪ ،‬ليكون لي الخيار في الذي أمده‬
‫بهذا العلم عندما يسألني ‪ ،‬وجاء في القصيدة (‪ )24‬قولى ‪:‬‬
‫سلني أمدك يا بني بعلمنا *** إن شئت فاسألني عن اإليمان‬
‫فاإليمان هو العلم الثاني من مراتب الدين الممنوحة لسيدنا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في رحلة‬
‫اإلسراء ‪ ،‬وهو العلم الذى أُمر بالخيار فيه ثم يتبع قوله ‪:‬‬
‫سلني عن الدين القويم فإنني *** أدريه أو سلني عن البرهان‬
‫ـ فمن يريد معرفة صاحب الحقيقة السيد البرهاني فال يجد هذه المعرفة عند غيرى ‪ ،‬وحقيقة هذه‬
‫المعرفة هى انشقت وانفطرت عنها سماء عالم الغيب ‪ ،‬فتعالى اللطيف ألبسها رداءا ً وإزار باخفاءها‬
‫في (غيب األحدية) أحدية حضرة النبي صل هللا عليه وسلم ‪ ،‬وهي التي تمثل وحدة األمر عند تفجر‬
‫نورها من األحدية ( في الفجر وليال عشر ) فهي ليل ال يجليه النهار أى ال يستطيع النهار أن يظهره‬
‫‪ ،‬وماء ال يجود به سحاب أى وماء ال تقدر علي حمله السحب ولكني جئتكم به ‪.‬‬
‫‪ -18‬وفيما جئتكم توحيد رب *** وقول القاطعين له خوار‬
‫‪ -74‬وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار‬

‫‪141‬‬
‫أى العلم الذي جئتكم به (كتاب) ينعت الخليفة الذى يقول عنه الحق تعالى ‪:‬‬
‫( إذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة ) من اآلية رقم (‪ )74‬سورة البقرة ‪ ،‬فالخليفة‬
‫الذي ربه رباه ‪ ،‬هو اإلنسان الكامل الوارث حامل األمانه فى األرض وجامع النورين نور والية{خاتم‬
‫األ ولياء} الذى يخلف نور نبوة{خاتم األنبياء}حضرة النبى الذى له عينان (عين نبوة وعين والية)‬
‫عين سابقة وعين الحقة ‪ ،‬وجاء التوحيد فى قول الحق تعالى {أن إتبع ملة ابراهيم حنيفاً}فان الملة‬
‫اإلبراهيمية التى أمر المصطفى باتباعها ‪ ،‬هى الدعوة الى التوحيد ‪ ،‬وافراد المعبود بالعبادة ‪ ،‬ومعنى‬
‫أمر هللا لنبيه أن يتبع ملة ابراهيم طريقه ‪ .‬وهو أنه يدعو الناس الى توحيد هللا ‪ ،‬وأن يفردوه بالعبادة‬
‫وال يشركوا به شيئا ً ‪ .‬وهذا هو المعنى بحديث (االنبياء إخوة ‪ ،‬أبوهم واحد ‪ ،‬وأمهاتهم شتى) يعنى‬
‫أنهم يدعون الى شىء واحد ‪ ،‬وهو توحيد هللا ‪ ،‬فهو أصلهم الذى يرجعون اليه ‪ .‬كما أن األب أصل‬
‫للولد ‪ ،‬والولد يرجع اليه ‪ .‬والمراد باالمهات الشرائع ‪ .‬وشبهها باالمهات ألن األم تتفرع عنها الذرية‬
‫‪ .‬كما أن الشريعة تتفرع عنها األحكام والفروع ‪ (( .‬تبرئة الذمة ص ‪. ))74‬‬
‫ومعنى آخر ‪ :‬فى عظيم شأنه صلى هللا عليه وسلم أن النبى صلى هللا عليه وسلم هو واسطة هللا بينه‬
‫وبين عباده ‪ .‬والى هذا أشار عليه الصالة والسالم بقوله ‪{ :‬أنا من نور هللا والمؤمنون منى}‪ .‬وقد‬
‫شهدت األنبياء والمرسلون صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ‪ ،‬قبل ظهوره ‪ .‬بأنه صاحب كماالتهم‬
‫فى ترقياتهم ‪ .‬وعلموا علو شأنه عليهم فى عظيم مكاناتهم ‪ .‬واستمد الجميع به فى ذواتهم ‪ ،‬والى‬
‫ذلك اإلشارة الى إمامته بهم فوق السماوات ‪ .‬فهو إمام األنبياء وقدوة األولياء ‪ .‬صورة ومعنى‬
‫صلوات هللا وسالمه عليه وعليهم ‪ .‬واعلم أنه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬لما تنزل من الحضرة األحدية‬
‫‪ .‬الى الحضرة الواحدية ‪ .‬ظهر فيها بحقائق األسماء الحسنى ‪ .‬والصفات العليا ‪ .‬فتعشقت به الحضرة‬
‫الكمالية تعشق اإلسم بالمسمى ‪ ،‬والصفة بالموصوف ‪ .‬فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها إال‬
‫إليه ‪ .‬وال تدل بهويتها إال عليه ‪ .‬فلو تحقق أحد بكمال من تلك الكماالت المشار اليها ‪ .‬كان عطفا ً‬
‫عليه لديها ‪ .‬وتقدير هذا الكالم ‪ ،‬أنه لو تحقق مثالً ألف نبى أو ولى كامل بالحقيقة النورية ‪ ،‬حتى‬
‫صار كل منهم نورا ً مطلقا ً ‪ ،‬ثم أطلقت اسمه ((النور)) ‪ ،‬لم يقع هذا االسم إال عليه ‪ .‬ولم تسبق هذه‬
‫الصفة إال اليه صلى هللا عليه وسلم ‪ .‬ولهذا سماه هللا تعالى فى كتابه العزيز بالنور دون غيره ‪ .‬وسر‬
‫ذلك أن األنبياء انما تحققوا بهذه الصفة ‪ ،‬وهو صلى هللا عليه وسلم حقيقة هذه الصفة وكم بين‬
‫حقيقة الشىء الى من تحقق به ‪ .‬فافهم ‪.‬‬
‫وتحت هذه المسأله فائدة جليلة لو فتح هللا عليك بمعرفتها ‪ ،‬ثم انه صلى هللا عليه وسلم أول ما تنزل‬
‫من حضرة الواحدية ‪ ،‬الى حضرة اإللوهية ‪ ،‬تلقته منها الحضرة العلمية ‪ .‬فتشكل بصورة تلك الحضرة‬
‫العلمية ‪ ،‬ولهذا لما تنزل الى الوجود الكونى ‪ ،‬كان هو صلى هللا عليه وسلم صورة القلم المسمى‬
‫((بالعقل األول)) ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫ولهذا ورد عنه صلى هللا عليه وسلم أنه قال (أول ما خلق هللا العقل) ‪ .‬و(أول ما خلق هللا القلم) ‪.‬‬
‫وورد عنه صلى هللا عليه وسلم فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول ما خلق هللا روح نبيك يا‬
‫جابر) ‪ .‬فعلم بذلك اتحاد هذه المعانى الثالثة ‪ .‬فكان صلى هللا عليه وسلم أول موجود خلقه هللا تعالى‬
‫بال واسطة ‪ .‬وهذه الروح المحمدية المسماة بالعقل األول هى مظهر الذات فى الوجود ‪ ،‬فافهم ‪.‬‬
‫ثم خلق هللا تعالى بواسطة الروح المحمدية المسماة (بالعقل األول) ‪ ،‬عقالً كليا ً ‪ ،‬وهو مظهر الصفات‬
‫‪ .‬سماه (بالعرش) ‪ .‬وهو الذى تسميه الحكماء (بالعقل الثانى) ‪ .‬وهذ العقل الكلى هو حقيقة روح كل‬
‫نبى وولى كامل ‪(( .‬تبرئة الذمة ص ‪ 14‬و‪. )) 12‬‬
‫ويستنتج من ذلك ‪ :‬أن توحيد رب ‪ :‬هو توحيد ربوبية نور بصفته صلى هللا عليه وسلم عندما أطلق‬
‫إسم (النور) لم يقع هذا االسم إال عليه ‪ .‬وهو القائل ‪ :‬أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى‬
‫‪ ،‬ونور صاحب الحقيقة أوال (نور النبى) المشار اليه فى حديث سيدنا جابر رضى هللا عنه (أول شىء‬
‫خلقه هللا نور نبيك ياجابر) لذا يتضح حقيقة الجمع بين النورين ‪ .‬نور هللا ونور النبى الخليفة ‪ .‬وجاء‬
‫قول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه عن الخليفة ‪:‬‬
‫هو صاحب الذكر الرحيــم وإنه *** سر التناجي ربه رباه ‪28/2‬‬
‫هو رحمـة واألمهات به اقتـدت *** رب رحيم ربه سمــاه ‪28/21‬‬
‫هذا هو كالم ال يعرفه إال الموصولين الذين نور هللا بصائرهم ‪ ،‬وقول القاطعين هو الخوار الذى‬
‫يشبه خوار عجل السامرى‬
‫وعليه يقول سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫فيامريدي هو التوحيد مشربنا *** وغاية في صدور ربها قبل ‪81/12‬‬
‫‪ -‬وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها انفطار‬
‫أي أن صفة حقيقة ماء الغيب الذى تفجرت لنا به سماء عالم الغيب ‪ ،‬هى حقيقة مثل ما السماء لها‬
‫انفطار ‪ ،‬فكم بين حقيقة الشىء الى من تحقق به ‪.‬‬
‫وأشارت الى هذا المعنى سورة االنفطار بقول الحق تبارك وتعالي (إذا السماء انفطرت ‪ ،‬وإذا‬
‫الكواكب انتثرت‪ ،‬وإذا البحار فجرت) أي إذا سماء المعاني الخاصة بهذه الحقيقة انفطرت أي تشققت‬
‫وظهرت من أصداف المعاني حقيقته ‪ ،‬الياقوتة الحمراء عندما خرجت من صدفها األزفر وعند طلوع‬
‫شمس العيان دره بيضاء ‪ ،‬وهذا االنفطار هو انفجار بحر األحدية عن هذه الحقيقة ‪ :‬الياقوتة – ثم‬
‫الوحدة الكونية للذات المحمدية اللطيفة األحدية التي عاينها سيدى إبراهيم الدسوقي وصلى عليها‬

‫‪143‬‬
‫سيدي عبد السالم بن بشيش بمدد من سيدى ابراهيم الدسوقى الصالة المعروفة (اللهم صل علي من‬
‫منه انشقت األسرار) وعند النهاية يظهر قدر البداية والبدايات فيها مجال النهايات ‪.‬‬
‫وبذلك يكون ماء الغيب الذى يقول عنه سيدي فخر الدين هو (دائرة الكنزية) وتفصيلها كالتالى ‪:‬‬
‫ـ الحقيقة اآلحدية ‪ :‬ليس فيها مطمع لبشر وما ممكن الوصول إليها‬
‫( أنظروها واحذروها أن تمورا ) ‪.‬‬
‫ـ وحدة عالم األمر ‪ :‬وهى الواحدية التى تفجر منها النور ‪.‬‬
‫ـ وحدة الدرة البيضاء ‪ :‬مجتمع الصف األول الذى فيه إجتماع أرواح الصف األول ‪.‬‬
‫ـ وحدة الكون ‪ :‬التقاء األرواح باألشباح (أرواح ‪ +‬أشباح) فإذا إرتقت عادت الى كنزيتها ‪.‬‬
‫من مجموعة علموا عنى الدرس الثالث ص ‪. 87‬‬
‫{وهذا هو حديث المرسالت بصدق وعدى ‪ ،‬فبأى حديث بعده تؤمنون}‬

‫‪144‬‬
‫القصيدة (‪(71‬‬

‫ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونهـــا‬
‫فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها‬

‫‪145‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ 11‬يولية ‪2891‬م‬ ‫عدد أبياتها (‪)71‬‬ ‫األحد ‪ 17‬شوال ‪2141‬هـ‬
‫ـ مناسبتها الى ما قبلها فى معنى قوله رضى هللا عنه فى البيت (‪: )74‬‬
‫وإنا قد فطرنا ماء غيب *** كما أن السماء لها إنفطار‬
‫أي أن صفة حقيقة ماء الغيب الذى تفجرت لنا به سماء عالم الغيب ‪ ،‬هى حقيقة مثل ما أن السماء‬
‫لها انفطار ‪ ،‬فكم بين حقيقة الشىء الى من تحقق به ‪.‬‬

‫وأشارت الى هذا المعنى سورة االنفطار بقول الحق تبارك وتعالي (إذا السماء انفطرت ‪ ،‬وإذا‬
‫الكواكب انتثرت‪ ،‬وإذا البحار فجرت) أي إذا سماء المعاني الخاصة بهذه الحقيقة انفطرت أي‬
‫تشققت وظهرت من أصداف المعاني حقيقته ‪ ،‬الياقوتة الحمراء عندما خرجت من صدفها األزفر‬
‫وعند طلوع شمس العيان دره بيضاء ‪ ،‬وهذا االنفطار هو انفجار بحر األحدية عن هذه الحقيقة ‪:‬‬
‫الياقوتة – ثم الوحدة الكونية للذات المحمدية اللطيفة األحدية التي عاينها سيدى إبراهيم الدسوقي‬
‫وصلى عليها سيدي عبد السالم بن بشيش بمدد من سيدى ابراهيم الدسوقى الصالة المعروفة‬
‫(اللهم صل علي من منه انشقت األسرار) وعند النهاية يظهر قدر البداية والبدايات فيها مجال‬
‫النهايات ‪.‬‬

‫وبذلك يكون ماء الغيب الذى يقول عنه سيدي فخر الدين هو (دائرة الكنزية) وتفصيلها كالتالى ‪:‬‬

‫ـ الحقيقة اآلحدية ‪ :‬ليس فيها مطمع لبشر وما ممكن الوصول إليها‬

‫( أنظروها واحذروها أن تمورا ) ‪.‬‬

‫ـ وحدة عالم األمر ‪ :‬وهى الواحدية التى تفجر منها النور ‪.‬‬

‫ـ وحدة الدرة البيضاء ‪ :‬مجتمع الصف األول الذى فيه إجتماع أرواح الصف األول ‪.‬‬

‫ـ وحدة الكون ‪ :‬التقاء األرواح باألشباح (أرواح ‪ +‬أشباح) فإذا إرتقت عادت الى كنزيتها ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫من مجموعة علموا عنى الدرس الثالث ص ‪. 87‬‬

‫{وهذا هو حديث المرسالت بصدق وعدى ‪ ،‬فبأى حديث بعده تؤمنون}‬

‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيت األول منها ‪:‬‬

‫حيث أشار سيدى فخر الدين بأداة اإلشارة (ذلك) للبعيد وأن القول المشار اليه يحتوى على السر‬
‫الذى من أجله أمليت قصائد ديوان شراب الوصل الذى (تم تفصيل مجمله) على مدى ثالثة أعوام‬
‫وأربعة أشهر وتسعة أيام حيث بدأ قوله رضى هللا عنه‪:‬‬

‫ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونها‬
‫وفى القصيدة (‪ )81‬قد أشار رضى هللا عنه الى تفصيل ذلك القول بأداة اإلشارة ‪:‬‬
‫وذلك القول قد فصلت مجمله *** وقاية من فتون أورثت جدال ً ‪81 /25‬‬
‫مفرقات نلقيهـــــــــــــا أحبتنا *** ليأمنوا جهل خواض إذا جهل ‪81 /22‬‬
‫فذلك القول جاء سابقا ً فى القصيدة (‪)71‬التى جاء ذلك القول فيها ‪:‬‬
‫ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونها‬
‫ففى القصيدة (‪ ) 81‬جاء البيان والتفصيل عن حقيقة السر الذى من أجله أمليت وأشارت الى بيانه‬
‫القصيدة النونية بالقول ‪:‬‬
‫فلتسمعوا قولى صحيحا ً مسندا ً *** إن البيان بسورة الرحمن‬
‫سبحان من خلق الحقيقــة أوال ً *** نور النبى معلــــم القرآن‬
‫وخصوصا ً فى البيتان التاليان منها ‪:‬‬
‫‪25‬ـ وذلك القول قد فصلت مجمله *** وقاية من فتـــون أورثت جدال ً‬

‫‪22‬ـ مفرقات نلقيهـــــــــــــا أحبتنا *** ليأمنوا جهل خواض إذا جهل‬
‫وقد أشار سيدى فخر الدين الى القول الذى يحتوى على سرها والذى يقول عنه (قد فصلت مجمله)‬
‫‪:‬‬
‫فذلك القول الذى قلناه سابقا ً ‪ ،‬جاء فى القصيدة(‪:)71‬‬

‫‪147‬‬
‫ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليها أن تلى من يلونهـــا‬
‫فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها‬
‫يقلب فيها طرفــــــــــــه ثم قلبه *** لينسج منهــــــــــا حلة ترتدونها‬
‫حتى قوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫كتاب كريم جدها من أب لها *** وموئلها من بطنه تشرحونها ‪71 /24‬‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين (وذلك القول قد فصلت مجمله وقاية من فتون أورثت جدالً) فقد أشرت‬
‫من خالل ديوان شراب الوصل ‪ ،‬بالكلمات التى تحمل معانى ماأقول عن الذى أرمى الى معناه أو‬
‫إثباته ‪ ،‬فى مواضع متفرقة لنُلقيها أحبتنا حيث يقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫وأكشف لألحباب عن علمى الذى *** جواهره فى كل صدر كمينـــة ‪2 /171‬‬
‫بقر الغيوب وكشف مكنوناتهـــــا *** شأنى وحاشا الوصف بالنسيان ‪1 /71‬‬
‫ولى من سرها كشف الخبايـــــــا *** ودون الكل قد وضع الخمــــار ‪72 /28‬‬
‫القـــــــول‪:‬‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه وأكشف لألحباب عن علمى المنظوم المدون فى ديوان شراب‬
‫الوصل‬
‫وهو الذى جواهره فى كل صدر كمينة ‪ ،‬أى (أول من تصدر إلستقبال هذا العلم) وهؤالء هم من‬
‫آمنتهم على ما حواه هذا الديوان من أسرار ‪ ،‬فمن شأنى بقرالغيوب وكشف مكنوناتها حيث أن شأنى‬
‫ط َرقَ سماوات الغيوب (التى لى فيها مناقب) وكشف المكنون من علومها ووصفها‬ ‫هو شأن كل مؤيد ‪َ ،‬‬
‫الذى ال يستطيع أحد أن يأتى بمثله وحاشا الوصف بالنسيان (ووصفى تذكرة ألولى األلباب فال يستحق‬
‫النسيان)‪ .‬ولى من سرها كشف الخبايا لألحباب إلدراك المعنى المراد ‪ ،‬حيث قلت (اليكم يا أحبائى‬
‫خفايا عن اإلدراك) وهذه الخفايا هى األبيات التى أتيت بها من خالل الديوان على منوال نسيج آيات‬
‫القرآن ‪ ،‬وقد جاء قولى عنها ‪:‬‬
‫هى األبيــــات آيــــــات ولكن *** تبدل عندهـــــا ألف بباهــــــا ‪18 /7‬‬
‫فتعطى ما يجـــــــود به كريم *** وقد نال الشفاعة من أتاهــــــا ‪18 /1‬‬
‫فال هى عاقر ال خير فيهـــــا *** وال هى ميتة يرجى رثاهــــــا ‪18 /5‬‬

‫‪148‬‬
‫ولكن هن مخصوصات علمى *** وذو االحسان يرجوهن جاها ‪18 /2‬‬
‫فأغطش عندها ليل المعانـــى *** وأخرج علمها كتما ً ضحاهــا ‪18 /2‬‬
‫وكل مغيب ال بـد يفشــــــــى *** ولكن ما لها صبح محاهــــــا ‪18 /9‬‬
‫ودون الكل قد وضع الخمار ‪ ،‬أى وضعت عليها أستار الغيب حتى تنهلوا وتقلبوا قلوبكم فيها‬
‫إلستخراج معانيها ‪ .‬وقلت فى القصيدة(‪:)27‬‬
‫الى أجل عندى تكون عطيتى *** بطى خدور المانعات حفيظة‬
‫فما لوداع ذا وليس الى قلـــى *** وما لى صد بل أود رقيقــــة‬
‫وذلك فى يوم ‪ 2895/21/1‬وإستمر ذلك األجل (‪ 29‬يوماً) حتى يوم ‪ 2892/1/22‬القصيدة (‪)21‬‬
‫التى إستأنف القول فيها ‪:‬‬
‫وبع ُد ‪ ،‬فإن أبنائى جميعــــــــــــا ً *** جميعا ً آمنين وفى جنابــــــــــى ‪21 /2‬‬
‫وإن هللا يعل ُم أن قولــــــــــــــــى *** برىء ال يبشر بالخـــــــــــراب ‪21 /1‬‬
‫بطى المانعات وذا صوابــــــــى ‪21 /7‬‬
‫ً‬ ‫فلما كان قولـى ‪ ،‬إن قولـــــــــى ***‬
‫ظننتم أن ذاك القــــــــول يعنـى *** ختام القــــــــــول فى آى الكتاب ‪21 /1‬‬
‫فبدأ القول بكلمة وبع ُد ‪ ،‬يشير الى قبل ‪،‬وهو األجل األول المعنون به القصيدة (‪ )27‬وإستأنف رضى‬
‫هللا عنه بقوله ‪ :‬بحرف التوكيد فإن أبنائى جميعا جميعا ً آمنين من أى عقاب وهم فى جنابى ‪ ،‬ثم يؤكد‬
‫أيضا بأن هللا سبحانه وتعالى يعلم ما أقول ‪ ،‬فقولى برىء من أى عقاب يؤدى الى خراب الطريقة ‪،‬‬
‫ثم يوضح أن قوله عندما وضعه بطى خدورالمانعات حفيظة ‪ ،‬فإن هذا القرار جاء فيه الخير والصواب‬
‫‪ ،‬حيث ظننتم أن ذاك القول يعنى الختام أى الوقف التام للقصائد‪ ،‬فالحجر وال لوم على باغى األكتساب‬
‫منها ‪ ،‬وقلت تدارسوا فالخير جم وبيت هللا يسع كل المتدارسين ‪ ،‬فلم تتدارسوا ولكن جعلتم من‬
‫المنظوم بعضا ً كالسباب ‪،‬‬
‫فأين تدارس األحباب قولــــــى *** وأين السعى فى كشف النقــــاب ‪21 /9‬‬
‫فإن الظن يحبط كل فعــــــــــل *** فخلوا ما زعمتم من ســـــــراب ‪21 /8‬‬
‫أى أين التدارس والسعى للحصول على المعانى المطلوبة ؟ ثم أشار الى ماحدث من (فعل) باطل‬
‫يجب التخلى عنه (وهو إنكار الحقيقة التى أتى من أجلها الديوان) وهى أن موالنا كمال الدين الشيخ‬

‫‪149‬‬
‫ابراهيم هو المشار اليه فى القصيدة النونية بقوله (سبحان من خلق الحقيقة أوال ً نور النبى) ومعنى‬
‫{الحقيقة أوال ً (نور النبى) أن الحقيقة أوال ً هى أوليه النور (حيث هو أول األشياء فى أزل اآلزال)‬
‫الذى هو نور هللا المتجلى على (خاتم األنبياء) حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم ونور هللا (نور‬
‫مضاف الى هللا) إضافة تكريم ‪ ،‬ونور النبى هو نورتجلى حضرة النبى على (خاتم االولياء) فهو نور‬
‫النبى يعنى (نور مضاف الى النبى) إضافة تكريم} ومما يثبت ذلك الحديث المروى عن سيدنا جابر‬
‫االنصارى الذى يقول فيه سيدنا جابر أخبرنى يا رسول هللا عن أول شىء خلقه هللا تعالى قبل األشياء‬
‫‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم {يا جابر ان هللا تعالى خلق قبل األشياء نور نبيك من نوره } وقوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم {أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى} فالعالقة بين الحديثين تثبت قولنا‬
‫حيث أن جاء فى الحديث األول نور نبيك من نوره يعنى نور نبيك من نور هللا ‪ ،‬نور مضاف الى هللا‬
‫‪ ،‬وجاء فى الحديث الثانى ما يؤكد كالمنا حيث قال (أنا من نور هللا) ونور المؤمنون من رشحات‬
‫نور النبى وليست من نور هللا المباشر حيث أن نور هللا المباشر تجلى على حضرة النبى ‪ ،‬وحضرة‬
‫النبى تجلى على نوره ‪ ،‬والمؤمنون من رشحات نوره فيكون نور المؤمنون من رشحات خاتم األولياء‬
‫المشار اليه بنور النبى معلم القرآن ومن إشاراته القدوس والرحمن الذى علم القرآن بعدها خلق‬
‫اإلنسان الذى علمه البيان والتفصيل لكل ما أجمل فى القرآن ‪.‬‬
‫والقصيدة (‪ )21‬هى أول القصائد الثالثة التى تم إخفاؤها ظنا ً بأنها ال تكشف ‪ ،‬وإذا بسيدى فخر‬
‫الدين يكشف المستور ويفضح المنكرين والموثقين بقوله فى القصيدة (‪:)29‬‬
‫تفصيل ما أجملته فى أربع *** ال تحنث األيمان إذ عقدتها ‪29 /2‬‬

‫دفنت ثالث فرائدى أمليتها *** موؤدة إذ لم ت ُ َو ً‬


‫ف حقهـــــا ‪29 /1‬‬
‫أى سآتيكم بالمفصل منها فهم ثالثة قصائد أمليتها وتم إخفاؤها ‪ ،‬وهم (‪21‬ـ ‪25‬ـ ‪)22‬‬
‫كنيت فيها بعد كشف ستورهـــــا *** لكن أهل القيد كانوا ضدهــــــا ‪29 /1‬‬
‫فيها كشفت رحيم كشف بعدمــــا *** ضلوا بأوالهن بغية عندهــــــا ‪29 /21‬‬
‫ثم إشترط على كل من قارفوا أو شاركوا أو نافقوا أن يستغفرون من أفعالهم وال يرجعون لها مرة‬
‫ثانية ‪،‬‬
‫بقوله ‪:‬‬
‫إصالح أمر أفسدوه بزعمهـ‪/‬م *** شرط تحتمة الشريعة عندها‬
‫الشك فى أنى أتم عطيتـــــ‪/‬ى *** ما ثم نقص فوقهـا أو تحتهــا‬

‫‪151‬‬
‫فتدارسوها ال قراءة عــــا‪/‬بـر *** مستعبر فيها يفند قولهــــــــا‬
‫وتجمعوا وبال عنـاد كلمـــــ‪/‬ا *** غمت معانيها ألعطى حلهـــا‬
‫دين الى أجـل مسمى بيننــــ‪/‬ا *** بشهادة الراوى ليكتب عقدهـا‬
‫ال يأب ذاك ولن يضـارألنـ‪/‬ه *** شرعا ً وإياكم يرانا ‪ .‬وانتهـى‬
‫م ـ ي ـ بر ـ ا ـ ا ـ هـ (هذه الحروف السبعة فى حالة ترتيبها تعطينا)اإلسم ابراهيم‬
‫وجاء األجل الثانى الذى ليس له ثالث فى كلمة (دين الى أجل مسمى بيننا) وإستمر ذلك األجل‬
‫(‪144‬يوم) بداية من يوم ‪ 2892/7/11‬حتى يوم ‪ 2892/24/22‬وفى هذا اليوم جاءت القصيدة‬
‫(‪ )28‬توضح الحقيقة المراد إثباتها وهى أن المشار اليه فى القصيدة النونية التى تقول (سبحان من‬
‫خلق الحقيقة أوال ً نور النبى) هو صاحب االسم الشريف (ابراهيم) الولى الذى بلغ ختم الوالية الوارث‬
‫لخاتم األنبياء واليكم إثبات ذلك فى القصيدة‪:‬‬
‫نذيرا ً قد جعلنا قبل هــــــذ‪/‬ا *** ولكن عن كالمى تصرفون‬
‫فسلم يا بنى وال تكــــــــا‪/‬بر *** وإن الموثقين لكاذبـــــــون‬
‫أراهم كلما خلصوا نجيـــــ‪/‬ا ً *** وإنى مظهر ما يكتمـــــون‬
‫ألن اإلفك قد درجوا عليـ‪/‬هـ *** وإنى مبطل ما يأفكــــــون‬
‫ويظلم بعضهم أبناء عهد‪/‬ى *** وإنى ناصر من يُظلمـــون‬
‫فيا أبناء عهدى إن سألتـــ‪/‬م *** سلونى ليتكم لو تسألـــــون‬
‫وجاءت هذه القصيدة بإثبات تلك الحقيقة من خالل ترتيب االسم الشريف خاتم األولياء موالى كمــال‬
‫الدين {اـ برـ ا ـ هـ ـ يـ م}‬
‫القصيدة (‪: )71‬‬
‫يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪2‬ـ ختاما ً بدأت القـــــول أنعت آيتى *** وحق عليهـــا أن تلى من يلونها‬
‫‪1‬ـ فمن هو فى شوق يبيت لوصلها *** ألصبح يجنى سرها من بطونها‬
‫‪7‬ـ يقلب فيهــــــــــــا طرفه ثم قلبه *** لينسج منهــــا حلة ترتدونهــــــا‬

‫‪151‬‬
‫‪1‬ـ يغوص ويرجو وجهنـا ولها ً بنا *** فيخرج منهـــا حلية تلبسونهـــــا‬
‫‪5‬ـ ومحض عطائى نعمة بعد نعمة *** وقمت عليهـا علكم تشكرونهــــا‬
‫‪2‬ـ وحيث علمتــم فقهها فهى حجة *** وحيث جهلتم عورة تسترونهــــا‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫القول ‪ :‬القول اللين يغلب الحق البين ‪.‬‬
‫القول ‪ :‬هو الكالم أو المعتقد ‪.‬‬
‫والقول هنا هو كالمى المشار اليه فى ديوان شراب الوصل ‪:‬‬
‫هذا كالمى قديــــــم يسبق الزمـــن *** فال تخوضوا بحارا ً أهلكت سفنا ً ‪75 /2‬‬
‫كالمى مربــوط بإطالق فضل من *** يشـــــاء إذا شئنا ونحظى بعطفه ‪22 /2‬‬
‫يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه من بداية الديوان عن السر الذى هو سر على كل العظام ‪:‬‬
‫المصطفى المعصوم من *** هو قدوة لإلقتــــــدا‬
‫وحتى القصيدة الثامنة والعشرون التى يقول فيها ‪:‬‬
‫فى كل حين لنا فى المصطفى أمل *** حتى إذا حانت اإلسرى يسرينا‬
‫وكفه من عطـــــــاء هللا يمنحنـــــا *** ومن تدانيــــه يطعمنــا ويسقينا‬
‫وبعدها قال رضى هللا عنه فى القصيدة التاسعة والعشرون ‪:‬‬
‫إليكم يا أحبائى خفايـــــا *** عن اإلدراك تعجز من رآها‬
‫ولكن تركها ال خير منه *** وال ضُر لمن يبغى رباهــــا‬
‫هى اآلبيات آيات ولكـن *** تبدل عندها ألف بباهـــــــــا‬
‫ثم جاء فى القصيدة الثالثون بقوله الذى عال فوق فهوم الجميع ‪:‬‬
‫يطيب ألهل فضلى ذكر قولى *** ولو جهلوا المراد األولى‬
‫عال فوق الفهــــوم مراد ربى *** خالفته من البشر السـوى‬

‫‪152‬‬
‫فأول قبلــــــــــة السجاد طين *** عليه أشعة النور العلــــى‬
‫كما جاء قوله رضى هللا عنه فى القصيدة الحادية والثالثون ‪:‬‬
‫حديث المرسالت بصدق وعدى *** وويل عشر آيات عُشار‬
‫وبداية هذه القصيدة جاء قوله فيها ختاما ً لما مضى من حديث حول هذا السر المصون والجوهر‬
‫المكنون بدأت القول بوصف آيتى (قصائدى) وهى التى أصبح دين عليها أن تلى كل من يلونها أى‬
‫تتعهدهم بالرعاية وأن تشملهم بكشف المستور من معانيها من خالل كلماتها المستخرجة من األوانى‬
‫‪ ،‬بحيث من هو فى شوق الى كشف المستور من تلك المعانى فيلزمه أن يَ ِجد ويهجر النوم ويسهر‬
‫الليالى ويقطعها بحثا ً للوصول للمعرفة التى تؤهله إلجتناء سرها من بطونها أى من داخل أوانيها‬
‫التى تحمل أسرارها ‪ ،‬ثم يوضح موالنا رضى هللا عنه كيفية البحث والتنقيب للحصول على المعانى‬
‫المراد إثباتها ‪ ،‬بقوله ‪:‬‬
‫يقلب فيها طرفه ويدقق النظر بعينى رأسه ثم بعينى قلبه ‪ ،‬ويكون باداركه المعانى قد يستطيع أن‬
‫معان تجل‬
‫ٍ‬ ‫ينسج منها حلة يرتديها إخوانه ‪ ،‬وبهذه الحلة يستطيع إخوانه أن يدركوا ما أدركه هو من‬
‫عن الحذاق مكنون سرها ‪ ،‬ثم يغوص فى بحر علومنا إلستخراج المعانى راجيا وجهنا و ِلها ً بنا ومتيم‬
‫بغرامنا ‪ ،‬فينال عطفنا عليه فيستخرج المبطون من المعانى ويصيغ منها حلية تجعل إخوانه يلبسونها‬
‫ويتزينوا بها ‪ ،‬ويحصل على محض عطائى الذى يناله كل من يرجوا وجهنا ولها ً بنا ‪ ،‬ومحض‬
‫عطائى يقدم له نعمة بعد أخرى ‪ ،‬وهذا هو الذى جعلنى قائم عليها ألمدكم بها علكم تشكرونها ‪.‬‬
‫وحيث علمتم فقهها فهى حجة ‪ ،‬أى فهمكم لعلمها واستنباط معانى مدلوالتها يجعلها عليكم حجة ‪،‬‬
‫وحين جهلكم بمعانيها وعدم فهمكم لها يجعلكم فى حال عجز وعدم قدره على استنباط المستخرج‬
‫من معانيها المراد إثباتها ‪ ،‬فيكون ذلك مثل العورة التى يجب سترها ‪.‬‬
‫‪2‬ـ وليس غريبا ً أن يكون لعلمنــــــا *** تربص قوم آية يكفرونهــــــا‬
‫‪9‬ـ وليس مساغا ً من لدن أهل منتى *** تحولهم عن مائها من عيونها‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هاذان البيتان (وليس غريبا ً ـ وليس مساغاً) أى من‬
‫الطبيعى أن يكون لعلمنا الوهبى (اللدنى) ومن يتربص به منكره ‪ ،‬ألنه من علوم الكتم وال يستطيع‬
‫أحد من هؤالء القوم إدراك معانى ما أقول عن الذى أرمى الى معناه أو إثباته ‪ ،‬لحجبنا عنه تلك‬
‫المعانى فليس هنا ك شىء من الغرابة أن يكن لعلمنا هذا قوم متربصون ومنكرون وتلك هى آية‬
‫كفرهم ‪ ،‬وليس من الطبيعى أن يكون أهل منتى (األحباب الذين أكشف لهم عن جواهر علمنا التى‬
‫هى بكل صدر كمينة) مساغا ً منهم تحولهم عن مائها المستخرج من عيونها الآلئى يشربون بها ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫‪8‬ـ كتاب كريم جدهـــــا من أب لها *** وموئلها من بطنه تشرحونها‬
‫وفى هذا البيت يقول أن معانى هذه القصائد أصلها كتاب كريم جدها من أب لها ‪ ،‬ويقول فى موضع‬
‫آخر‪:‬‬
‫األصل عندى سنة من سنة *** هو ذا لسانى قد أفاد وأخبر ‪71 /24‬‬
‫األصل عندى الكتاب الكريم (القرآن الكريم) جدها ‪ ،‬وهذا القرآن مأخوذ منه سنةٌ وهى سنة حضرة‬
‫النبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬وسنتى التى جدها من أب لها األصل (القرآن) مأخوذة من سنة حضرة‬
‫النبى عليه الصالة والسالم ‪ ،‬لذا قال موالنا رضى هللا عنه وموئلها أى بيان الشرح والتفصيل‬
‫تستخرجونه من بطون القرآن التى تصل الى سبعة بطون ‪.‬‬
‫‪24‬ـ وحيث جنيتم من ذرى رفدها قرى *** فذاك عطائى ُرقيـــــة تشربونهــا‬
‫‪22‬ـ جعلت عليها ما يكون على القنــــا *** أشائرهـــا فى طيهـــا تعلمونهــــا‬
‫‪21‬ـ فكل سهيد عندهـــــــا طاب وقتــه *** وفى كنفى من بات يرعى شئونها‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين أن حقيقة علومى عالية كالنخلة التى طلعها نضيد ورزق للعباد وتأتى‬
‫بصنوف الثمار ذات األلوان المختلفة التى أُمدكم بثمارها التى نجتنيها من ذرى رفدها لنقريكم بها‬
‫(رقية) يكون فيها‬‫فتطعمون وتشربون شرابى هنيئا ً مريئا ً ‪ ،‬فذاك عطائى الذى تحصلون عليه ُ‬
‫شفاءكم ‪،‬‬
‫جعلت أشائر منكم يقومون عليها لحفظها واإلهتمام بها مثل ما يفعله الزارع الذين يصنعون مجارى‬
‫المياة التى تحفظ الماء لإلنتفاع به فى الزراعة ‪.‬‬
‫فكل سهيد ‪ ،‬أى مريض لم يستطيع النوم وقت الليل من شدة األرق فيطيب وقته عندها ‪ ،‬ويصبح فى‬
‫كنفى ويحظى بجوارى من بات ليله يقظا ً يرعى شئونها ويبحث عن كل مغيب من معانيها العالية ‪.‬‬
‫‪27‬ـ وسوف ترون النور يشرق معلنا *** ألعظم وصل لو وقيتم فتونهـا‬
‫‪21‬ـ إذا لقيت صرعى لنيل عطائهـــا *** لطاف عليهم طائف من فنونها‬
‫ويقول ألرباب حظوتها عليكم بالبحث والدراسة إلستخراج المعانى وسوف (قريبا) ترون نور المعانى‬
‫يشرق خروجه من داخل األوانى ليُ ْعلن عن عظمة وعلو قدر ومنزلة صاحب السر المراد إثباته ‪،‬‬
‫عند تمام الوصل باألصل الذى هو غاية الوصل الذى يتم بحسن القصد لو وقيتم فتونها ‪ ،‬فإذا لقيت‬
‫صرعى وعشاقا ً يذوبون ويصلون الليل بالنهار بحثا ً وراء إستخراج المعنى المراد ‪ ،‬فترسل لهم‬

‫‪154‬‬
‫طائف من فنونها فينال كل منهم حظه من األسرار المستخرجة من بطونها ‪ ،‬أى ممن سبقوا ونالوا‬
‫حظهم من علومها الباطنية ‪.‬‬
‫‪25‬ـ لسوف يكون اإلحتكام لعدلها *** وحجتها لو علمتكم سنونهــــــا‬
‫‪22‬ـ فليس حديثا ً محدثا ً منه جئتها *** وما خلقت بل جددتها قرونهــا‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه لسوف يكون اإلحتكام لعدلها ‪ ،‬فى حالة حصول كل من‬
‫العشاق على حظه منها ‪ ،‬ستجدون عطيتها مقسمة قسمة بالسوية لشدة عدالتها وحجتها ‪ ،‬فلو‬
‫علمتكم سنونها أى سننها التى فيها مفاتيح استخراج معانيها التى تصيركم حجة لها ‪.‬‬
‫وقولى الذى جاءكم عنها هو حديث قديم يسبق الزمن جئنا به من أزل األزل ‪ ،‬فهو ليس حديث محدث‬
‫‪ ،‬أى ليس وليد اللحظة ‪ ،‬بل هو من العلوم القديمة التى ال تبلى بمرور الزمن ‪ ،‬ولكن تجدده القرون‬
‫واألزمان التى تأتى عليه ‪.‬‬
‫‪22‬ـ وسوف يكون اإلنفراج بفضلهـا *** فإن قلوبا ً ُك ٍب َلتْ فى سجونها‬
‫ثم يتبع سيدى فخر الدين حديثه مؤكدا ً أن أصحاب القلوب التى كبلت وحبست نفسها فى سجونها‬
‫للحصول على المعانى المرادة ‪ ،‬سوف يكون اإلنفراج لها بفضل معرفة تلك المعانى المستخرجة من‬
‫أوانيها ‪.‬‬
‫‪29‬ـ وأهل زمان سوف يأتون بعدكم *** تكون لديهم كعبة يقصدونها‬
‫‪28‬ـ وأهل سقام َم ْن لهم من عطائنا *** تكون لديهم شافيا ً ينشدونهــا‬
‫وسوف يأتى بعدكم أهل زمان تكون تلك القصائد لديهم كعبة يقصدونها للوصول الى المعرفة ‪.‬‬
‫وأهل سقام أى الثماال من الذين نالوا عطائنا ‪ ،‬فكشف عبارات معانيها يكون فيه الدواء الذى يشفى‬
‫قلوبهم من العنت األدنى الذى ال يأتى إال باالشارة ‪ ،‬وهذا هو الشفاء الذى ينشدونه فيها ‪.‬‬
‫‪14‬ـ وأهل كالم ما لهم فى الهوى هوى *** تكون لديهم مرجعا ً يرقمونها‬
‫‪12‬ـ وأهل شقـــاء ما لهم طاقة بهــــــا *** تكون عليهــــم تِ ًرة يمقتونهــا‬
‫كما يقول رضى هللا عنه أن علماء الكالم والوعاظ ممن ليس لهم فى الهوى هوى ‪ ،‬تكون لديهم‬
‫المرجع والسند الصحيح الذى يجدونه عندها ‪ .‬أما قوله عن األشقياء وهم أهل الشقاء وهم من ليس‬
‫لهم طاقة للحصول على المعرفة بها ‪ ،‬تكون عليهم ترة يمقتونها ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪11‬ـ وأهل غـــــرام بالوصال وعزنــا *** تكون اليهم سلما ً يرتقونهـــا‬
‫‪17‬ـ وأهل إياب أدركوا من فواتهــــم *** تكون لديهم مغنما ً يَ ْرب ُحونها‬
‫‪11‬ـ وحيث ركبتم من ركوب لظعنكـم *** الى هللا منها همة تمتطونهــا‬
‫أما أهل السعادة الذين هم أهل غرام بالوصال الذى ال يتأتى اال بعزنا ‪ ،‬فتكون هى السلم الذى يرتقونه‬
‫للوصال الى ما يسعدهم بالحصول على ما يرجونه منها ‪.‬‬
‫ومن الناس من تأخر فى معرفة قدرها سواء باالنكار أو بعدم ادراك معانيها التى تجل على الحذاق ‪،‬‬
‫فإذا عادوا نادمين وأدركوا من فواتهم وصاروا أهل إياب ‪ ،‬فإنها تكون لديهم المغنم الذى يربحونه ‪.‬‬
‫ثم يقول سيدى فخر الدين للقصاد من أهل وصلها أنكم حيث ركبتم من ركوب لظعنكم متجهين الى‬
‫هللا فإن همتكم التى تمتطونها حال سيركم إنها فى األصل همتها ‪.‬‬
‫‪15‬ـ فأنسخ آيـــــــــا ً ثم أُثبت آيــــة *** وعهدى فيكم خانه من يخونها‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه بما أن اآليات أبيات ولكن تبدل عندها ألف بباها ‪ ،‬فقد أُعطينا‬
‫من اآليات علما بآيات الكتاب الناسخات ‪ ،‬فقد جاء قوله فى هذا البيت إذا كان ذلك شأنى فقط أنسخ‬
‫آيا ً ثم أثبت آية أخرى ‪ ،‬وكذلك عهدى فيكم خانه من يخونها ‪.‬‬
‫‪12‬ـ وإن لقيت ظمأى سقتهم بريها *** عطيتها من رشفة يرشفونهـــا‬
‫ثم يتبع قوله عنها بالعبارة (وإن لقيت ظمأى) عطاشا فقد سقتهم بريها وشرابها العذب الذى يومه‬
‫األنبياء ‪ ،‬وعطائها لهم يكون من خالل رشفة يرشفونها من الرحيق الذى هو ملء حانته وجاءت‬
‫األشارة اليه فى الديوان ‪:‬‬
‫وأول رشفــــة منهـــــــا هنيئا ً *** لــدى الضعفاء والمستضعفين ‪52 /21‬‬
‫ورشفة من رحيق ملء حانته *** بها غدا الفرد ميذاب العطيات ‪22 /29‬‬
‫وهنا يقول رضى هللا عنه أن الضعفاء والمستضعفين من المريدين يهنأون ويستبشرون بهذا العطاء‬
‫عند أول رشفة من رحيقها المختوم بمسك الحقيقة الممتلء به حانته والذى به يصبح الفرد ميذاب‬
‫العطيات ‪.‬‬
‫‪12‬ـ فتلك أحباء السالمة فى اللقــا *** نفائس در عتقت من يصونهـا؟‬
‫‪19‬ـ مالئكة العليا يزفون قاصدى *** وحول مقامى راية ينشرونهـــا‬

‫‪156‬‬
‫ثم يوضح أن الظمأى الذين سقتهم شرابها حتى إرتوا بريها فصاروا سالمين غانمين بشرابها ‪،‬‬
‫ويشير الشيخ اليهم بقوله رضى هللا عنه (فتلك أحباء السالمة فى اللقا) ويقول أنهم (نفائس در‬
‫عتقت) من يصونها ؟ وهنا يتساءل موالنا قائالً من يصون نفائس الدر التى عتقت ‪ ،‬واإلجابة ال‬
‫يستطيع أحد أن يصون نفائس الدر التى عتقت سوى راعيها ومربيها وهو القائل ‪:‬‬
‫وحق لهم هذا ألنى عندهم *** خفى مقام والخفاء وقايتى ‪2 /791‬‬
‫ولو شئنا لما جئنـا بكشف *** عن المكنون من سر خفى ‪74 /9‬‬
‫كما يقول عنهم وعن أمثالهم من القاصدين للبيت الذى فيه قبلة قصادى وبيت العقائد فهو بيتى‬
‫ومعبدى ومعدن فضلى وابن أم المعابد ‪ ،‬وأن مالئكة العليا يزفون قاصدى حيث مقامى الذى أورثته‬
‫سر عليه لثامى والذى نشرت حوله راية أبو العينين وهو المجتبى حتى يقوم مقامى ‪ ،‬والذى به يلوذ‬
‫المحتمى والرامى ‪ ،‬وهو التى أشارت اليه القصيدة الرجية ‪:‬‬
‫وله معان جل وصف غراسها *** ومناقب جلت عن األفهام‬
‫‪18‬ـ وحيث أقيم اليوم فى أرضكم أرى *** تصورها فى زخرف تنقشونها‬
‫‪74‬ـ فهال نقشتم بعضهـــا بقلوبكــــــــم *** وهال شكرتم عندما تذكرونهــا‬
‫ويذكرنا بقوله فى القصيدة (‪:)28‬‬
‫ومن تهيأ قلبا ً كنت أعمره *** إذا نزلت ببيت يعمر البيت‬
‫إن لى مقام به األرواح زكيت وهو القلب الذى إذا تهيأ (كنت أعمره) حيث صارإذا نزلت به صار بيتا ً‬
‫عامرا ً من أجل ذلك خاطب أصحاب هذه القلوب بقوله رضى هللا عنه (وحيث أقيم اليوم فى أرضكم)‬
‫أى أرض أجسادكم أرى وأشاهد كلمات القصائد تنقشونها فى صور زخرفية وتضعونها على الجدران‬
‫‪ ،‬وليس هذا هو المطلوب منكم ‪ ،‬حيث تساءل قائالً (فهال نقشتم بعضها بقلوبكم ) كما يقول وهال‬
‫شكرتم هذه النعمة التى أنعمت عليكم بها عندما تذكرونها ‪.‬‬
‫‪72‬ـ إذا وعدت كان الوفــاء نصيبها *** وعاد اليهـــا قومها يُخلفونها‬
‫‪71‬ـ وأهل مذاق شيٍبُوا حيث هودها *** سع ْوا لحماها رفدها يسألونها‬
‫ف بالضم هو‬‫الوعد نقيض ال ُخ ْلف ‪ -‬فالوعد فيه الوفاء ‪ ،‬وال ُخ ْلف نقيض الوفاء بالوعد ‪ ،‬وال ُخ ْل ُ‬
‫اإلخالف وهو فى المستقبل كالكذب فى الماضى ‪ ،‬ويقال أخلفه ما وعده وهو أن يقول شيئا ً‬ ‫االسم من ْ‬
‫وال يفعله على االستقبال (ل ع) صفحة ‪. 2112‬‬

‫‪157‬‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن القصائد إذا وعدت قوم أو منتهم بشىء من مكنون‬
‫أسرارها كان الوفاء بهذا الوعد نصيبها (من حظ من وعدتهم ومنتهم بالكشف عن مكنون أسرارها)‬
‫‪ ،‬وعاد اليها قومها الذين وعدتهم بما أكنته لهم وكشفت لهم عن مكنون اسرارها (يُ ْخ ِلفُونَها) أى‬
‫يسمعون فقط وال يفعلون شيئا ً من وصاياها لهم سوى اإلعراض‪.‬‬
‫أما أهل المذاق وهم من إهتدوا بهدايتها حيث ذاقوا حالوة شهدها ‪ ،‬فاستطابوها نعيما ً وإستقاموا‬
‫وداوموا على مشاهدة معانيها ففهموا قول سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪:)59‬‬
‫يقول الشيخ رضى هللا عنـــه *** وأرضينا به جمعا ً وفـــــردا‬
‫عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجــوه اليه عنـــــدا‬
‫وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنا منه إرفــــــادا ً ومـــدا ً‬

‫وما إرفــــــــــاده إال سخاءا ً *** وما هو بالذى أعطى فأكدى‬


‫وقال عنهم شيخهم أنهم سعوا لحماها طالبين حظهم منها بالرفد واإلمداد ‪.‬‬
‫‪77‬ـ فال هى فتوى يرتجى صدق بعضها *** وال هى رؤيا نائـم تعبرونها‬
‫‪71‬ـ وليس بديالً دونهــــــا من وقايــــــة *** ولو بقالع مانعات حصونها‬
‫ويقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه للجميع بأن هذه القصائد التى جئتكم بها إنما هى حقيقة حقية‬
‫وليست كم ا ترون انها من ضرب الخيال وذلك عندما قال فال هى فتوى المطلوب منا تفسير معاني‬
‫بعضها بصدق ‪ ،‬وال هى رؤيا منامية مطلوب تعبيرها أى تفسير معانيها ‪.‬‬
‫فهى علومى عن الحقيقة التى أحدثكم بها من وراء أستار كانت لنا من خلف ستر الكبريا وقاية تقيكم‬
‫من الفتون التى تورث الجدل ‪ ،‬وليس بديالً دونها من وقاية ‪ ،‬ولو تحصنتم بقلوع مانعات تقيكم‬
‫فتونها ‪ ،‬فلو وقيتم فتونها سوف ترون النور يشرق معلنا ً بأعظم وصل ‪ ،‬فالخير والنجاة فى الوصل‬
‫‪ ،‬والحقيقة التى جاءت اليها االشارة فى الديوان فى أن الوصل وصلى ‪:‬‬
‫إنما الخير والنجاة بوصلى *** كشراب مزاجه من تسنيم ‪21 /11‬‬
‫السعيد الذى يفوز بوصلى *** فبلبيك فـــــــزت باإلسعاد ‪11 /11‬‬

‫‪158‬‬
‫القصيدة (‪(77‬‬

‫‪159‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫‪ 8‬سبتمبر ‪2891‬م‬ ‫عدد األبيات (‪)12‬‬ ‫األحد ‪ 21‬ذو القعدة ‪2141‬هـ‬
‫ـ مناسبتها لماقبلها فى معنى البيت (‪: )27‬‬
‫وسوف ترون النور يشرق معلنا *** ألعظم وصل لو وقيتم فتونهـا‬
‫يقول سيدى فخر الدين رضى هللا عنه ألرباب حظوتها عليكم بالبحث والدراسة إلستخراج المعانى‬
‫وسوف ترون (قريباً) نور المعانى يشرق خروجه من داخل األوانى ليُ ْعلن عن عظمة وعلو قدر‬
‫ومنزلة صاحب السر المراد إثباته ‪ ،‬عند تمام الوصل باألصل الذى هو غاية الوصل الذى يتم بحسن‬
‫القصد لو وقيتم فتونها ‪.‬‬
‫ـ الفكرة التى تدور حولها القصيدة فى معنى البيتان (‪2‬ـ ‪:)9‬‬
‫لكنه الحج فرض فى مراتبـــــــه *** وذلك السر اليفشيه إخبــــــارى‬
‫وطالما كنت فى سعـــى وتلبيـــة *** كأننى ظلمــة والبيت أنــــوارى‬
‫وفى هذا البيت يوضح سيدى فخر الدين بأن الحج الفريضة (الخامسة) للسائرين بين المراتب من‬
‫أجل الوصول الى غاية القصد ‪ ،‬وهى التى بها يكمل االيمان وكمال األيمان ال يأتى إال بعد اإلحسان‬
‫الذى يتم فيه المشاهدة للكامل المكمل (موالى كمال الدين) وهو الذى سره مضمر فى طى سروتنا ‪،‬‬
‫وهو السر الذى قال عنه مشيرا ً فقط (وذلك السر ال يفشيه اخبارى) لماذا؟ ألنه سر على كل العظام‬
‫وفي إظهاره ظهور لغيب الذات وإفشائها ‪.‬‬
‫ثم يخاطب مريده الصادق بتوجهه الذى رمز اليه بالبيت الرابع من البيوت اإللهية قائالً له وطالما‬
‫أنك كنت فى حالة تكوينك هذه يلزمك سعيا ً وتلبية وهى من مناسك الحج (السعى الذى بين الصفا‬
‫والمروة عند المسلمين) يعادل السعى بيت الحضرتين ‪ ،‬والتلبية جاءت فى القصيدة (‪: )28‬‬
‫إمامنا حيث ولى كنت أتبعه *** لذلك الجمع لبى حيث لبيت‬
‫نبذة عن البيت األول من القصيدة (‪: )77‬‬
‫يا أيها الناس حج البيت للساري *** وميت القلب ال تشجيه أوتاري‬
‫أوال‪:‬‬
‫رقم القصيدة (‪ - )77‬وعدد أبياتها (‪ - )12‬وموعدها األحد ‪ 21‬ذو الحجة ‪2141‬هجرية ‪ -‬وهى‬
‫تتحدث عن الحج الذي اختصه هللا سبحانه وتعالى بسورة سماها سورة الحج وبدأ فيها الحديث عن‬
‫(وإِ ْذ بَ َّوأْنَا ِإلب َْرا ِهي َم َمك َ‬
‫َان البَ ْيتِ‪ ).....‬وحتى اآلية‬ ‫الحج ومناسكه اعتبارا ً من اآلية (‪ )12‬التي تقول َ‬

‫‪161‬‬
‫(‪ ) 72‬وفى عدد أبيات القصيدة التى يتحدث فيها موالنا سيدي فخر الدين عن الحج إشارة إلى رقم‬
‫اآلية (‪ )12‬من سورة الحج ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪:‬‬
‫معرفة لناس‬
‫الشرح للشطر األول من البيت ( يا أيـــ ـها الناس ) أنه نداء للناس ولفظة الناس َّ‬
‫مخصوصون وليس لعامة الناس ‪ ،‬والنداء في السورة للعموم أي العامة من األمة حيث أن الدعوة‬
‫موجة إلى حضرة النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬أما النداء للحج في القصيدة موجه إلى أناس‬
‫مخصوصون ‪ ،‬وهم أبناء وأحباب المنادى ‪ ،‬صاحب الديوان التي من بين ثناياه هذه القصيدة ‪.‬‬
‫حيث يقول رضي هللا عنه مناديا بحرف النداء ( يا ) ‪ ،‬ثم ( أيـــ ) يعنى يا أيها المطالبون بمعرفة‬
‫حقيقة المشار إليه المضمرة بين األبجدية من األلف إلى الياء ‪ ،‬والذي سره مضمر في الهوية ( ــها‬
‫) من يا أيها ‪ .‬و( الناس ) هم أبناء الشيخ الذين تم توجيه دعوة الحج إليهم ‪.‬‬
‫والحج لغويا ً ‪ :‬هو القصد ‪ -‬والمقصود هو المعظم صاحب الهوية المرموز له بالبيت ‪ ،‬وكلمة ( البيت‬
‫) مكونها ثالثة حروف ( بـ يـ ت ) فهو الذي أتت اإلشارة إليه بالقصد ( الحج ) فكانت هذه اإلشارة‬
‫الى ( البيت الساري ) ‪ ،‬والساري إليه بيتٌ ‪ ،‬ولكنه ساري بصحبة شيخه حذو النعل بالنعل‬
‫أما البيت األول هو البيت الساري ( األلف السارى فى الوجود ) وبيان حقيقته األولى فى سورة‬
‫الرحمن ( نور النبي معلم القرآن ) ‪ ،‬وأيضا في باء البداية ‪ ،‬فالباء بهاء األلف الذي هو سر األسرار‬
‫‪ ،‬ونور األنوار ‪ ،‬وعلم الغيوب ‪ ،‬ومصباح القلوب ‪ ،‬وقطــب الحروف ‪ ،‬أى أن ( الباء ) مضمر فيها‬
‫المعلوم عن ( األلف ) من الباء حتى الياء ‪ ،‬وبذلك نجد كلمة البيت تبدأ بحرف ( بـ ) التى فيها سر‬
‫األلف ‪ ،‬وحرف ( يـ ) فيها يقين األلف ‪.‬‬
‫وقال بن عباس رضى هللا عنهما ( اعلم ان سر هللا تعالى فى الكتاب ‪ ،‬وسر الكتاب فى الحروف ‪،‬‬
‫وسر الحروف فى األلف ) ‪ ،‬وبذلك يكون سر األلف مضمر فى األبجدية من الباء الى الياء ‪ ،‬ولكنه‬
‫ظهر بظهور حرف الـ ( تاء) ‪.‬‬
‫والتاء تاج األلف التى أظهرت حقيقة البيت السارى المقصود والمشار اليه بحرف الـ ( أ ) التى هى‬
‫ألف وعليها التاج متمثل فى الهمزة التى فوق األلف ‪ ،‬وسر األلف يقينا ً في الياء ‪.‬‬
‫و( الياء ) فيها إشارة الى حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم بحقيقتيه األحمدية والمحمدية التى‬
‫ظهرت بظهور النقطتين داخل حرف الـ ( ت ) المسماة تاج األلف ‪ ،‬وحرف الـ ( ت ) من كلمة { بـ‬
‫يـ ت } التي بها تمام البيت ‪ ،‬والبيت المعرف بالـ هو بيت من ؟‬

‫‪161‬‬
‫بيت األلف الساري في الوجود ‪ ،‬بيت رسول هللا خير الشواهد ‪ ،‬الذي شوهد فى المشاهد والذي جاء‬
‫ذكره فى ديوان صاحب الديوان سيدى فخرالدين الشيخ محمد عثمان الذى ناداه قائالً‪:‬‬
‫ياأول الخلق فى إطالقه ألفا ً *** به التآلف يا قاب الهدايات‬
‫فإنه اإلمام الرمز فى كتاب هللا ‪ ،‬وكتاب هللا هو حضرة الجمع واألحباب آيات به فهي حضرة قاب‬
‫قوسيها الهدى ال ينتهي ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ رضي هللا عنه إن المريد الساري خلف شيخه حذو النعل بالنعل هو الذاكر الحي الذي‬
‫تطربه وتشجيه أوتارى ‪ ،‬وأما ميت القلب ( الغافل عن ذكرنا ) ال يعجبه وال يشجيه وال تطربه‬
‫أوتاري ‪.‬‬
‫ثم قال أن الحج هلل ولكنه فى مجاله فى موطن التجلي ‪ ،‬والتجلي دائما ً أبدا ً على ( بيته من غير اظهار‬
‫) ألنه مغيب فى الباء ‪ ،‬وظهر واضحا ً جليا ً بظهوره فى نقطتى الـ ( ت ) النقطة األولى فيها إشارة‬
‫الى حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬والنقطة الثانية فيها اشارة الى خروج سر الجمال الطالع‬
‫من حضرة النبى صلى هللا عليه وسلم المشار اليه فى القصيدة (‪: )28‬‬
‫يا نعم ما طلع الجمال من العمى *** نعم الظهور وجل من يغشاه‬
‫سر على كل العــــــــــظام وانه *** بظهور غيب الذات ما أفشاه‬
‫والمشار اليه أيضا ً فى القصيدة (‪: )24‬‬
‫هوال يرى لكــــــــــــنه ببطونه *** فيض حــباه معــــلم األكوان‬
‫هو منـــحة من نور أحمد أهلها *** رزقوا بها خـروا الى األذقان‬
‫وبذلك يكون مقصود الشيخ بالبيت الذى ليس طينا ً وال لبنا ً أى المبنى بالحجارة ولكنه رمزا جل عن‬
‫صفة ً ‪ ،‬وتذكرة لوحدة القصد وتوحيد أنظار أبنائه ومريديه إلى المعرفة بأن هذا هو البيت األول‬
‫المشار إليه أول الخلق األلف المطلق الذى قال عنه ابن عباس رضى هللا عنهما ( ان األلف هو سر‬
‫هو صاحب الحقيقة‬ ‫األسرار ونور األنوار‪ ،‬وعلم الغيوب ومصباح القلوب وقطب الحروف ) فحقا ً ُ‬
‫أوال ً نور النبى معلم القرآن ‪.‬‬
‫يبدأ سيدى فخر الدين القصيدة بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫‪2‬ـ يا أيها الناس حج البيت للســـارى *** وميت القلب ال تشجيه أوتارى‬
‫‪1‬ـ الحج هلل فى مجـــــاله مكرمــــــة *** وبيته بيته من غير إظهــــــــار‬

‫‪162‬‬
‫الشرح والتفصيل ‪:‬‬
‫يتحدث سيدى فخر الدين رضى هللا عنه فى هذه القصيدة عن (حج البيت) قائالً للناس أهل ذكر القلب‬
‫الذين أمدهم رسول الهداية وهم الذين تمنى أن يكونوا من خيرة أبنائه وهم من اختارهم للمعرفة‬
‫بحقيقة المقصود بعطاء هللا من عليائه وهم من ناداهم فى القصيدة النونية بقوله ‪:‬‬
‫يا أيها الناس الرسول أمدهم *** هم منيتى والدين للديان ‪1 /11‬‬
‫وهذا الرسول الذى أمدهم هو الشيخ المعصوم (كمال الدين) الذى خاطبه سيدى فخر الدين فى‬
‫القصيدة (‪:)59‬‬
‫عن المعصوم صلينا عليــــه *** بتسليم الوجـــــــوه اليه عندا ً‬
‫وما المعصوم فينا غير شيخ *** رزقنــا منه إرفـــــــادا ً ومدا ً‬
‫وما إرفــــــــــاده إال سخـاءا ً *** وما هو بالذى أعطى فأكدى‬
‫وقال أيضا ً لهؤالء الناس فى القصيدة العطية ‪:‬‬
‫من كمال العطاء من فيض وهب *** أيها الناس جاءكم ابراهيم‬
‫الخطاب هنا موجه الى ناس حضرة الجمع أهل الحضرة النبوية ‪ ،‬وجاء التعبير بكلمة (أيـ) قبل الناس‬
‫مشيرا ً للجمع كله من الباب الى المحرام ‪ ،‬ليلفت إنتباههم بالبشارة التى سبقت المجيئ وهى جاءكم‬
‫ابراهيم من كمال العطاء اإللهى من فيض وهب السميع الواهب ‪.‬‬
‫لهذا جاء قول موالنا امام الدين الشيخ محمد ابراهيم مبيينا ً مكانته رضى هللا عنه بقوله (موالى‬
‫كمال الدين الشيخ ابراهيم ) رضى هللا عنهم أجمعين ‪.‬‬
‫من أجل الشرح والتوضيح قال سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫يا أيها الناس (المقصودون ) حج البيت ‪ ،‬أى قصد البيت المعظم ‪ ،‬أال وهو موالى كمال الدين المشار‬
‫اليه باأللف السارى فى الوجود المأخوذ من معنى تفسير سيدى فخر الدين ألول آيات سورة البقرة‬
‫(أ ل م ذلك الكتاب الريب فيه) عندما قال أن األلف يشار به الى الذات األحدية ‪ ،‬أى الحق من حيث‬
‫هو أول األشياء فى أزل اآلزال ‪{ ،‬تبرئة الذمة ص ‪}198‬‬
‫وهو المقصود بقوله فى القصيدة النونية ‪:‬‬
‫سبحان من خلق الحقيقة أوال ً *** نور النبى معلـــــم القرآن‬
‫يكون كلمة حج البيت قصد هذا البيت الذى سيأتى الحديث عنه فى موضعه بأنه الفرض فى المراتب‬
‫أى الركن الخامس أو البيت الخامس الذى بعد بيوت هللا األربعة المتواترة {المساجد ـ البيت المعمور‬
‫ـ العرش ـ قلب العبد المؤمن} ‪.‬‬
‫‪163‬‬
‫والذى يقصد هذا البيت هو بيت سارى متوجه الى البيت الخامس وهو لعبد سليم الوجه صاحب قلب‬
‫سليم قال عنه سيدى فخر الدين‪:‬‬
‫وسالم على قتيل غرامى *** فبه النفع وهو قلب سليـــم ‪21 /15‬‬
‫وان العروة الوثقــى لعبد *** سليم الوجه ال عبد عصى ‪74 /72‬‬
‫كما أشار اليه توسل السادة البرهانية {وكل مريد صادق بتوجهه}‬
‫ويتضح مما ذكرناه أن التوجه من المريد سليم القلب قتيل غرام الشيخ سليم الوجه وينطبق عليه‬
‫معنى قوله رضى هللا عنه (وان العروة الوثقى لعبد سليم الوجه) اتجه الى شيخه الذى حققه بالمعرفة‬
‫بحقيقة الحقائق وهى(كمال الدين موالنا الشيخ ابراهيم) ‪.‬‬
‫أما العبد الغيرسليم القلب فهو ميت القلب فهو الذى ال يشجيه أوتارى فيسهل عليه إنكار الحقيقة ‪.‬‬
‫ومعنى الحج هلل فى مجاله مكرمة أى أن القصد والسبيل اليه تكون فى موطن تجلى الحق وموطن‬
‫التجليات الحقية ليست محلها األرض هى فى موطن تالقى األجساد مع األرواح فى القاب والقوس‬
‫من التدانى ‪،‬‬

‫وبيته بيته من غير إظهار يثبت أنهما بيتان للحق ‪ ،‬البيت األول بيت رسول هللا خير الشواهد ‪،‬‬
‫والبيت الثانى وهو السارى نحوه ‪ ،‬وهو البيت الرابع قلب العبد المؤمن الوادع اللين والكالم هنا‬
‫ليس فيه إظهار ‪.‬‬
‫‪7‬ـ وما إستطاعة حج البيت عن سعة *** من المتاع وال ظعن وأسفـــــار‬
‫‪1‬ـ ولم يكن بيته طينــــــا ً وال لبنـــــا ً *** وليس مقصود قومى لثم أحجار‬
‫‪5‬ـ وذلك البيت فى معنـــــاه تذكـــرة *** لوحدة القصد أو توحيد أنظـــار‬
‫‪2‬ـ وعظم البيت رمزا ً ج ًل عن صفة *** وزائر البيت قد يحظى بتذكـــار‬
‫وبعد معرفتنا بالمقصود بحج البيت ‪ ،‬توجه المريد الصادق بتوجهه الى الحج األكبر وهو حج البيت‬
‫سعت الشيخ (الواسع العليم)‬‫سعة هنا ِ‬ ‫سعة ‪ ،‬وال ِ‬‫المعظم الذى فيه كمال الدين الذى من شروطه ال ِ‬
‫بيت هللا واسع الرحاب الذى نزل وحل فى قلب ذلك العبد المشار اليه بقوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫ومن تهيأ بيتا ً كنت أعمره *** إذا نزلت ببيت يعمر البيت ‪28 /2‬‬
‫ولسيت السعة من المتاع وال الظعن واألسفار أى االستطاعة المادية والصحية وأمن الطريق التى‬
‫هى من شروط حج المسلمين ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫وظل موالنا يوضح ويبين من هو البيت المقصود وهو بيت من بيوت هللا وهو البيت الرابع (قلب‬
‫العبد المؤمن الواع اللين) ‪ ،‬وهو بنيان الحق المريد صاحب القلب السليم الذى رأس ماله كله حسن‬
‫القصد ال عوج وهذا هو الذى يؤدى الى وحدة الصف عمدة الدين ‪ ،‬وليس المقصود لثم أحجار أى‬
‫البيت المبنى بالحجارة أى بنيان الخلق الكعبة الشريفة حيث أن اإلنسان رضى هللا عنه هو بنيان‬
‫الحق‪.‬‬
‫ثم قال وذلك ‪ :‬أداة إشارة للبعيد والبيت البعيد هو(الرابع) فى معناه تذكرة ‪ ،‬وهذه التذكرة مقصود‬
‫بها وحده القصد من الجميع نحو البيت المقصود وهو (الخامس) بيت رسول هللا خير الشواهد أو‬
‫توحيد األنظار وعدم توجيهها الى غيره ‪.‬‬
‫وجاء التعظيم للبيت بصفة رمزا ً للحج مثلما أنه رمز لإلمامة أشارت اليه القصيدة (‪:)12‬‬

‫إمام فى كتاب هللا رمــــــــــز *** يكنـــــــــاه األئمة قد رمزت‬


‫وهذا الرمز جل وعال عن صفة المرموز له الذى أشار اليه سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪: )22‬‬
‫ألنك الرمــز واإلعجاز أجمعه *** لمن توهم فى أوصاف أنعات ‪22 /9‬‬
‫ومحل التجلى لهذا الرمز أشير اليه فى القصيدة (‪ )97‬البيت احدى عشر‪:‬‬
‫صليت فيها بعد عشر قد علت *** والرمــــز فيها غاية التعريب ‪97 /22‬‬
‫وكل موصوف ينال وصفة من هذه الصفة بقول سيدى فخر الدين ‪:‬‬
‫كل موصوف ينال الوصف منها *** بل وان الرمز فيها حرت فيه ‪91 /1‬‬
‫وقوله (وزائر البيت قد يحظى بتذكار) أى يحسب له زيارة البيت التى فيها تذكرة ألولى األلباب ‪.‬‬
‫‪2‬ـ لكنه الحج فرض فى مراتبـــــــه *** وذلك السر اليفشيه إخبــــــارى‬
‫‪9‬ـ وطالما كنت فى سعـــى وتلبيـــة *** كأننى ظلمــة والبيت أنــــوارى‬
‫وفى هذا البيت يوضح سيدى فخر الدين ‪ ،‬هو الحج الفريضة للسائرين بين المراتب من أجل الوصول‬
‫الى غاية القصد ‪ ،‬وهى التى بها يكمل االيمان وكمال األيمان ال يأتى إال بعد اإلحسان الذى يتم فيه‬
‫المشاهدة للكامل المكمل (موالى كمال الدين) وهو الذى سره مضمر فى طى سروتنا ‪ ،‬وهو السر‬
‫الذى قال عنه مشيرا ً فقط (وذلك السر ال يفشيه اخبارى) لماذا؟ ألنه سر على كل العظام وفي إظهاره‬
‫ظهور لغيب الذات وإفشائها ‪ .‬ثم يخاطب مريده الصادق بتوجهه الذى رمز اليه بالبيت الرابع من‬
‫البيوت اإللهية قائالً له وطالما أنك كنت فى حالة تكوينك هذه يلزمك سعيا ً وتلبية وهى من مناسك‬

‫‪165‬‬
‫الحج (السعى الذى بين الصفا والمروة عند المسلمين) يعادل السعى بيت الحضرتين ‪ ،‬والتلبية جاءت‬
‫فى القصيدة (‪: )28‬‬
‫إمامنا حيث ولى كنت أتبعه *** لذلك الجمع لبى حيث لبيت‬
‫‪8‬ـ وكل من طاف حول البيت معتمرا ً *** وكل من حجه فى طى أغــــوارى‬
‫‪24‬ـ وتم لى هجرة فى طى هجرتــــه *** وأصبح اآلل واألصحاب أنصارى‬
‫وهنا يقول أن كل من حج وطاف حول البيت (قلب العبد المؤمن) بنيان الرب فيصير معتمر وتكتب‬
‫له عمرة وكذلك كل من حجه تكتب له حجة كاملة وتكون تلك العمرة والحجة فى طى أغوارى ‪ ،‬كيف‬
‫تكون فى طى أغوارى ؟‬
‫الغــــار قلب العبد فى أغواره *** قدر االمــــــام وقدره نضــــاح ‪15 /1‬‬
‫وهذا الغار الذى هو قلب العبد جاء عنه القول ‪:‬‬
‫أيها الغــــــار ما بغورك غير *** لو بك الغير مــــا بلغت مرادى ‪11 /7‬‬
‫فرتلوا آيتى واحصوا دقائقهــا *** وراقبوا هجرتى فالغار يؤوينى ‪72 /22‬‬
‫يعنى العبد المؤمن فى أعماقه قدر االمام رضى هللا عنه وغيبة قدر االمام بها نزل القرآن وجاء فى‬
‫قوله هى سين السالم التى فى القبضة النورانية األولى التى كانت من نصيب سيدى فخر الدين من‬
‫ذلك كان سير السائرين فى طريقة الى الوصول الى معرفة قدرهذا االمام (كمال الدين موالى الشيخ‬
‫ابراهيم) تكون بصحبتى فكل من حج البيت المعظم يلزمه صحبتى التى ال تتم اال بى ‪ ،‬وهذه واضحة‬
‫فى قوله رضى هللا عنه ايها الغار ما فى غورك غير لو فيك الغير ما بلغت المراد ‪ ،‬الذى هو فى‬
‫االصل مرادى من مريدى الذى أراد وحب ارادتى وسار بها محفوفا ً بعين عنايتى ‪،‬‬
‫لذلك قال وتم لى هجرة فى طى هجرته وكل المهاجرين من اآلل واألصحاب صاروا أنصارى حيث‬
‫تبعونى فى هذه الهجرة ‪.‬‬
‫‪22‬ـ وكل من كانت الجنــات بغيته *** ونالهـــا جنة من تحت أنهـــــــارى‬
‫يقول لنا موالنا الشيخ رضى هللا عنه أن كل من كان بغيته الفوز بالجنات التى تجرى من تحتها‬
‫األنهار والخلود فيها ووفق فى ان ينال مطلبه ‪ ،‬نالها جنة من تحت أنهارى ‪ ،‬وهذه الجنة واحدة من‬
‫جنتى موالنا كمال الدين المشار اليه فى القصيدة العطية ‪:‬‬

‫أودع السر والسرائر غيب *** كاظم علمه ونعم الكظيم‬


‫من رآنى لديه فــاز بسرى *** فى جنى جنتيه سر كتيم‬
‫‪166‬‬
‫وهنا يوضح سيدى فخر الدين رضى هللا عنه أن السر والسرائر المتعلقة بغيبة قدر االمام كاظم علمه‬
‫المشار اليه فى توسل السادة البرهانية بـطلسم (غيب الغيب سر الهوية) وهو المقصود بـ(الحج فى‬
‫مجاله) والذى اليه الوصول بحسن القصد ال عوج ‪ ،‬فمن رآنى لديه هو الذى فاز بالسر المكتوم الذى‬
‫فى جنى جنتيه ‪ ،‬وهذا ال يأتى إال لمن خاف مقام ربه {حقيقة نور النبى} مصداقا ً لآلية رقم(‪)12‬‬
‫سورة الرحمن {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ورقم اآلية فيه إشارة الى رقم البيت (‪ )12‬من القصيدة‬
‫النونية التى تشير الى حقيقة هذا المقام الذى يشير اليه سيدى فخر الدين بقوله‪:‬‬
‫سبحان من خلق الحقيقة أوال ً *** نور النبى معلــــــــم القرآن‬
‫ونلفت نظر القارىء أن نور النبى هو نور مضاف الى حضرة النبى إضافة تكريم حيث أنه ورد عن‬
‫حضرة النبى قوله فى الحديث الشريف {أنا من نور هللا والمؤمنون من رشحات نورى} أى حضرة‬
‫النبى هو نور هللا ‪ ،‬أى النور المضاف الى االسم هللا ‪.‬‬
‫‪21‬ـ فمن تزكى بنـــا زدناه تزكيــة *** ومن أراد السوى كالعابد النــــــار‬
‫‪27‬ـ وال فتى غير من يسعى بذمتنا *** وليس من قال حط الذكر أوزارى‬
‫ثم يقول أن من أتى الى الطريقة يريد التزكية بنا ‪ ،‬زدناه تزكية مصداقا ً لقول الحق ‪:‬‬
‫اب ا ْل َجنَّ ِة ۖ ُه ْم ِفي َها‬ ‫ق ُو ُجو َه ُه ْم قَت َ ٌر َو َال ِذلَّةٌ أُو َٰ َلئِكَ أ َ ْ‬
‫ص َح ُ‬ ‫سنَ َٰى َو ِزيَا َدةٌ ۖۖ َو َال يَ ْر َه ُ‬ ‫ِين أَحْ َ‬
‫سنُوا ا ْل ُح ْ‬ ‫{ ِلّلَّذ َ‬
‫ُون} (‪ )12‬سورة يونس ‪ ،‬ومن أراد السوى ( الغير) كالعابد النار أى أنه من الكافرين ‪.‬‬ ‫َخا ِلد َ‬
‫كما يقول رضى هللا عنه إن المريد الذى يسعى بذمتنا هو فى الحقيقة الفتى ‪ ،‬وأشارديوان شراب‬
‫الوصل الى من تتوفر فيه الفتوة بقول الشيخ ‪:‬‬
‫أال إنما يسرى المريد على يدى *** وكل فتى ينأى فليس بسالك ‪24 /11‬‬
‫يؤتى الفتـــــــــى فى صحبتـــى *** نسبا ً صحيحـــــــا ً مســـــندا ً ‪22 /11‬‬
‫وكل فتى من أم دارى يحتمـــى *** يطيب بها عيشا ً وما خاب قاصدى ‪21 /14‬‬
‫لسنا سوى أهل الحقائق يا فتى *** والدين عند هللا حسن المقصــــــــد ‪22 /22‬‬
‫أى إنما الفتى هو المريد الذى يسرى على يد شيخه ‪ ،‬وليس الفتى الذى يبتعد عن شيخه فال يقال‬
‫عنه أنه من السالكين ‪ ،‬حيث أن الفتى هو من يؤتى نسبه الصحيح بصحبة شيخه ‪ ،‬وعلى الفتى أن‬
‫يعلم أننا أهل الحقائق وليس سوانا ‪ ،‬وإنى فى الحقائق مذ ولدت ‪ ،‬وأن الدين عند هللا حسن المقصد‬
‫‪ ،‬وأن الذى يدعى السلوك ولم يتخذ له شيخا ً خبيرا ً واصالً فليس بسالك ولو قال حط عنى الذكر‬
‫أوزارى ‪.‬‬
‫‪21‬ـ ومن تردى التقى فالخز ملبسه *** وال يضاهى بأشعــار وأوبــار‬
‫‪25‬ـ وإذ ترديت ملبوسى بزخرفــه *** أعانق البيت لما نلت أوطارى‬

‫‪167‬‬
‫ثم يقول موالنا الشيخ رضى هللا عنه ومن تردى التقى أى إستعصم بالتقوى التى يصفها سيدنا االمام‬
‫على كرم هللا وجهه بقوله رضى هللا عنه (هى الخوف من الجليل والرضا بالقليل واإلستعداد ليوم‬
‫الرحيل) فمن خ اف مقام ربه وتردى لباس التقى فالخز والسندس والحرير صار ملبوسه الذى ال‬
‫يضاها وال يقارن به أى ملبوس مصنوع من األصواف واألوبار ‪ ،‬وإذ ترديت ملبوسى (لباس التقريب‬
‫واإلحرام) بزخرفه وهو أجمل زينه ولما نلت مرادى حيث قضيت حاجتى وأجيب طلبى على معانقة‬
‫هذا البيت الذى يقصده السارى ‪ ،‬وهذا ما كنت أنتظره وقلت فى التائية‪:‬‬
‫سنيا ً أرتجى ساعة اللقا *** لذاك تعانقنا عناق األحبة ‪2 /155‬‬
‫قضيت ِ‬
‫أى قضيت أوقات حياتى فى إنتظار ساعة اللقاء بالمحبوب ‪ ،‬وعندما حان حينى وردت عاريتى لرب‬
‫البرية ساعتها تم اللقاء بمحبوبى تعانقنا عناق األحبة وكان هذ العناق على هيئة التفاف الحبيب‬
‫بحبيبه ‪ ،‬مثل إلتفاف الـ (ال) الذى فيه العجب والتى تشبه الساق بالساقى المشار اليه فى القصيدة‬
‫(‪:)24‬‬
‫والتفت الساق بالساقى وال عجب *** إنسان عين ولألرواح قد ربــى‬
‫وقرت العين لما حان مأملهــــــا *** على الشهود وأضحى عندها لبا ً‬
‫‪22‬ـ وهذه آيتى والحب يعشقهـــــا *** ينال منهــــا بترديـــد وتكــرار‬
‫‪22‬ـ وعلمها كله فيض وموهبــــة *** وإنه السر فى مكنون أسرارى‬
‫وهذه القصائد التى من خاللها يتم معرفة الحقيقة المراد إثباتها هى (آيتى) واآليه هى الشىء العجيب‬
‫‪ ،‬والحب فقط هو الذى يعشقها ‪ ،‬وبعشقه لها ينال مراده منها ‪ ،‬والمراد منها ال يُنال سوى بترديدها‬
‫وتكرارها ‪.‬‬
‫ثم يقول يا أيها الناس إعلموا أن علمها كله فيوضات كمال العطاء (موالى كمال الدين) المكمل‬
‫لألكامل ‪ ،‬و ُموهب النعم المنعم المتفضل (الشيخ ابراهيم)الذى ارتبطت بشارتة بمجيئه ‪ ،‬وإنه السر‬
‫المصون فى مكنون أسرارى ‪.‬‬
‫‪29‬ـ يا أيها الناس أهل العلم أين هم *** وأن من يصطلى قلبا ً بإعصارى‬
‫‪28‬ـ وأين من قلبه حلت به سمـــــة *** يكون طوعا ً بها أهالً ألســرارى‬
‫كما يخاطب الناس بقوله الشريف أين مكان ومكانة أهل العلم من علمى الذى جئتكم به‬
‫وأشرت اليه بقولى‪:‬‬
‫وفيما جئتكــــم توحيد رب *** وقول القاطعين لـــــه خــــوار ‪72 /18‬‬
‫فإنما نشأتى توحيد فطرته *** وذو الجهالة باالشراك يرمينى ‪84 /25‬‬
‫‪168‬‬
‫ب باعصارى ‪.‬‬
‫وأين من يشعل نار المحبة فى قل ٍ‬
‫‪14‬ـ ومن عجيب يكون الجهل محتكم *** اليه والحق ذا يحظى بإنكار‬
‫يقول سيدى فخر الدين فى القصيدة (‪:)7‬‬
‫من عجيب العجاب فى أهل عصرى *** أن من يجهل النصيحة يسدى‬
‫أى أن الجهل فى أهل هذا العصر لألسف محتكم اليه ‪ ،‬والحق والحقيقة التى نحن بصددها ونحاول‬
‫أثباتها بالحقائق الثابتة قد تحظى بإنكار السفهاء والمنكرين ‪.‬‬
‫‪12‬ـ أخصكم بالذى تمليــــــه منزلـــة *** بها تقلبت فى مخصوص أطوارى‬
‫وجاء قول سيدى فخر الدين أخصكم ‪ ،‬بحق الذى تمليه منزلة ‪ ،‬أى بحق صاحب القدر الجليل السامى‬
‫ومنزلته التى تنزلت من الحضرة األحدية الى الحضرة الواحدية التى ظهر فيها بحقائق األسماء‬
‫الحسنى ‪ ،‬والصفات العليا ‪ ،‬فتعشقت به الحضرة الكمالية تعشق االسم بالمسمى ‪ ،‬والصفة‬
‫بالموصوف ‪ ،‬فكل معانى تلك الكماالت ال تشير بحقيقتها اال اليه ‪ ،‬وال تدل بهويتها اال عليه {ص‬
‫‪ 14‬تبرئة الذمة} كما جاءت االشارة اليه فى توسل السادة البرهانية بـ (طلسم غيب الغيب سر‬
‫الهوية) ‪ ،‬وهذه المنزلة بها تقلبت فى مخصوص أطوارى التى تنقلت فيها من صلب طيب الى رحم‬
‫طاهر ‪.‬‬
‫‪11‬ـ مكانة لم يكن غيرى بهـــــا ثمالً *** رحيقها كله تعطــاه أزهـــارى‬
‫وهذه المكانة لم تكن ألحد سواى فأنا الذى تقلبت بها فى مخصوص أطوارى ‪ ،‬ورحيق هذه المكانه‬
‫هى كمنزلة ألحمد منشى حقيقتنا ‪ ،‬ورحيقها المختوم بمسك الحقيقة جعلته كله من حظ أزهارى الذين‬
‫أطلعتهم على أسرار علومى وأغدقتهم بشرابى العذب الذى مذاقه سلسبيل ‪ ،‬وهو شرابى المعتق‬
‫الذى سقيتهم إياه وكفى كأس والخفاء مزيتى ‪.‬‬
‫‪17‬ـ وتم لى مــــــا أراد المصطفى صلة *** وفيه متعت أسمـــاعى وأبصــارى‬
‫‪11‬ـ لكن قوما ً عموا صموا ظموا جنحوا *** عن الس ِو ٍى عن المعصوم والبارى‬
‫وبهذه المنزلة التى انزلنى إياها الحق تعالى ومكننى منها أقول قولى ‪:‬‬
‫وتم لى ما أراد جدى المصطفى صلة ‪ ،‬وهى التى منها مصب ينابيع العلوم بأسرها ‪ ،‬والتى فيها‬
‫السر الذى سرى بالسر فى كل ذرة ‪ ،‬وهى محل التدانى والتدلى وأنسه‬
‫وقدس شهود والوصال والوصل ِة‪ ،‬وموطنها حضرة الرضا التى يتم فيها شهود الحسن ‪.‬‬
‫ويقول رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫ولكن هناك قوم منكرون عموا وصموا واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا إستكبارا ً‬
‫‪169‬‬
‫حيث أعماهم جهلهم عن معرفة الحقيقة وجنحوا عن السوى وعن المعصوم والبارى ‪.‬‬
‫‪15‬ـ وعندما آنسوا رشدا ً ألنفسهـــــــــــم *** بجهلهم يمموا غيرى وأغيارى‬
‫‪12‬ـ وهينات ذنوب الحب إن عظمـــت *** ما لم يكن فعله يؤتى بإصــــرار‬
‫وفى هذا البيت يوضح سيدى فخر الدين قوله رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫أن هؤالء القوم السفهاء والمنكرون الذين ال عقل لهم وال دين عندما آنسوا رشدا ً ألنفسهم بجهلهم‬
‫الذى أعمى أبصارهم وصم آذانهم واصابهم الظمأ وإشتد بهم العطش لبعدهم عن فهم كالم شراب‬
‫الوصل الذى فيه المجيىء بالبشرى بالسوى الشيخ المعصوم الذى أثبتت عصمته القصيدة (‪)59‬‬
‫بقوله رضى هللا عنه‪:‬‬
‫عن المعصوم صلينا عليـــــــه *** بتسليم الوجـــــــوه اليه عندا‬
‫وما المعصوم (فينا) غير شيخ *** رزقنـــــــــا منه إرفادا ً ومدا‬
‫ولعدم تعرفهم على الحقيقة المرادة من إمالء قصائد ديوان شراب الوصل وإتبعوا أهواءهم وضلوا‬
‫وأضلوا غيرهم وقصدوا غيرى وأغيارى فتحولت أنظارهم عن قبلتنا المعظمة نحو محمود الطليعة‬
‫التى تباهى بها الكون كله وجاءت األشارة اليها فى اآليه (‪ )211‬سورة البقرة‬
‫ق َوا ْل َم ْغ ِر ُ‬
‫ب َي ْهدِي‬ ‫ع َل ْي َها قُل ِّ َّ ِ‬
‫لِّل ا ْل َمش ِْر ُ‬ ‫اس َما َو َّال ُه ْم عَن قِ ْبلَتِ ِه ُم الَّتِي كَانُوا َ‬‫سفَ َها ُء ِم َن النَّ ِ‬
‫سيَقُو ُل ال ُّ‬‫{ َ‬
‫ست َ ِق ٍ‬
‫يم}‬ ‫َمن يَشَا ُء إِلَ َٰى ِص َر ٍ‬
‫اط ُّم ْ‬
‫وهى التى أشارت اليها القصيدة (‪ )18‬بقوله ‪:‬‬
‫ولو قال السفيه لما التولــــــى *** فمغرب طلعة االشراق طـــــه‬
‫وما وسطية الشهــــــــداء إال *** بمحض عناية بلغت مداهــــــا‬
‫ومن حيث الخروج فول وجها ً *** لقبلة آدم فلهـــــــــا سماهــــــا‬
‫ولست كما يرون فول وجهـــا ً *** وأعرض عن جهالة من تواها‬
‫فقبلتك المعظمة إختصـــاصــا ً *** بال كيفيــة حيث ابتداهــــــــــــا‬
‫وهينات ذنوب الحب إن عظمت *** مالم يكن فعله يؤتى باصرار‬
‫وهنا يقول سيدى فخر الدين أن الحب الذى أكتشف خطأه باتباع السفهاء من الناس الذين لم يعقلوا‬
‫ولم يدركوا فهم الحقيقة المشار اليها ‪ ،‬فتاب وأناب وعمل عمالً صالحا ً بفهمه مراد شيخه الذى كان‬
‫سببا فى هدايته لمعرفة الحقيقة التى جعلته يخلص فى االيمان بها ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫على َه ٍي ْن ‪ ،‬مالم يكن فعل‬
‫ً‬ ‫أى أن الحب الذى اقترف ذنبا ً بغير علم فمهما كان هذا الذنب عظيما ً ‪ ،‬فهو‬
‫{وإِنِّي َلغَفَّ ٌ‬
‫ار‬ ‫هذا الذنب يؤتى بإصرار ‪ ،‬وذلك المعنى يأتى من خالل تفسيراآلية{‪ }91‬سورة طه َ‬
‫اب ) يقول‪ :‬وإني لذو غفران لمن تاب‬ ‫صا ِل ًحا ث ُ َّم ا ْهتَدَى} ( َوإِ ِّني لَغَفَّ ٌ‬
‫ار ِل َم ْن ت َ َ‬ ‫ِل َم ْن ت َ َ‬
‫اب َوآ َم َن َوع َِم َل َ‬
‫شر ِكه‪ ،‬فرجع منه إلى اإليمان لي ( وآ َم َن ) يقول‪ :‬وأخلص لي األلوهة ‪.‬‬ ‫من ِ‬

‫‪171‬‬

You might also like