You are on page 1of 26

‫المبحث األول‪ :‬مالمح من فلسفة العقائد البدائية‬

‫على شكل االنسان في بدايات تكوين كمال ِه‬ ‫(حص لت)‬


‫التي طرأت‬ ‫(الجس مانية)‬
‫كانت للتطورات البيولوجية‬
‫التش ريحي مث ل حرك ة االبه ام وانفص اله عن بقي ة االص ابع وقدرت ه على مس ك واس تخدام االش ياء وموق ع‬
‫العينين المميز بوضوح النظر والتركيز‪ ،‬مع كبر حجم الدماغ وانحسار الفلك الى الوراء قليًال‪ ،‬وما رافق‬

‫ذل ك من مغ ادرة االنس ان لألش جار والغاب ات والس ير بق دمين على االرض‪ ،‬فق د لعبت ه ذه المظ اهر دورًا‬
‫بارزا في بداية وعي االنسان للعالم‪ ،‬وتبلور اولى إدراكاته الفكرية المختلفة عن الغريزية في الحيوان‪. 1‬‬
‫إذ ُيَعّد المعتقد أول اشكال التعبير الجمعي(الجماعي ضمن المجتمع) عن الخبرة الحسية الفردية التي‬
‫خرجت من حيز االنفعال العاطفي الى حيز التأمل الذهني‪ ،‬ويبدو ان التوصل الى تكوين معتقد‪ ،‬هو حاجة‬
‫س يكولوجية ماس ة‪ ،‬الن في المعتق د يت دخل االنس ان من اج ل ص ياغة مف اهيم متأتي ة من تجارب ِه الخاص ة‬
‫وإ س قاطها على الع الم الخ ارجي‪ ،‬ومكان ِه المم يز هن اك‪ ،‬م ع خل ق شخص يات وق وى معنوي ة‪ ،‬تس تقطب‬
‫االحساس بالمقدس وتجتذبه الى خارج النفس‪ ،‬وبذلك تتكون الصيغ األولية للمعتقدات‪ ،‬والمعتقد الديني هو‬
‫شأن جمعي بالضرورة‪ ،‬فأن عقول الجماعة تعمل على صياغته‪ ،‬كما تعمل االجيال المتالحقة على صقله‬
‫وتطويره‪.2‬‬
‫ك ان اإلنس ان في عالق ة مباش رة م ع الطبيع ة مت أثرًا بتحوالته ا ومتغيراته ا‪ ،‬قب ل تن امي قدرت ه على‬
‫إستعمال المنطق في تفكيره‪ ،‬فكانت تلك العالقة ِع بر األحاسيس واالنفعاالت‪ ،‬التي جعلته يرغب بمشاركة‬
‫الطبيع ة واالن دماج فيه ا‪ .3‬فك انت للطبيع ة آثاره ا على اإلنس ان بإث ارة الدهش ة أو العجب من الظ واهر‬
‫والمظ اهر الطبيعي ة‪ ،‬إذ ك ان للعوام ل الجغرافي ة األث ر الب الغ في والدة معتق د اإلنس ان‪ .‬فيق ول فري زر " إنن ا‬
‫على ثق ة ب ان الديان ة ق د ت أثرت بالمحي ط الط بيعي أك ثر من أي نظ ام اجتم اعي‪ ،‬ويعتق د جيف ونس أن أولى‬
‫ال ديانات ق د انبثقت عن عب ادة مظ اهر الطبيع ة‪ ،‬وذل ك أن اإلنس ان الق ديم تحت ت أثير الخ وف والرهب ة من‬

‫‪1‬خزعل الماجدي‪ ،‬اديان ومعتقدات ماقبل التاريخ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الشروق‪ ،‬فلسطين‪ ،1997 ،‬ص‪.35‬‬
‫فراس السواح‪ ،‬دين اإلنسان بحث في ماهي ة ال دين ومنش أ ال دافع ال ديني‪ ،‬منش ورات عالء ال دين‪ ،‬س وريا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2002‬ص ‪.48 -47‬‬


‫يوس ف الح وراني‪ ،‬البني ة الذهني ة الحض ارية في الش رق المتوس طي األس يوي الق ديم‪ ،‬دار النه ار للنش ر‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫بيروت‪ ،1978 ،‬ص ‪.239‬‬


‫‪1‬‬
‫مظ اهر الطبيع ة من حي وان ونب ات وجم اد‪ ،‬ح رص على التق رب إلى بعض ها ليتقي ش رها ويض من نفعه ا‬
‫ويستدر عطفها عليه‪ .‬ويعتقد بعضهم اآلخر أن تجسيم قوى الطبيعة ش ّك ل احد األسباب التي دفعت اإلنسان‬
‫إلى ابتكار فكرة اآللهة‪.1‬‬
‫وقد مر على االنسان وقت ظن انه بمقدوره التحكم في الطبيعة بتعاويذه وطقوسه السحرية ولكن بعد‬
‫ف ترة اكتش ف اإلنس ان قص ور قدرت ه الس حرية وعج زه في بعض األم ور فتص ور أن الطبيع ة واقع ة تحت‬
‫تأثير سيطرة كائنات روحية علوية فائقة القدرة فتحول لعبادة هذه الشخصيات وبدأ بإقامه شعائر وتقديم‬
‫القرابين وأضاحي ليسترضيها لتلبي رغبات ه وب ذلك ظه ر ال دين‪ .2‬ولم ينش أ ال دين من الس حر‪ ،‬ألن ه ال ف رق‬
‫بين الدين والسحر‪ ،‬والسحر هو شكل اولي للدين‪ ،‬وإ ن القوة التي يعتمد عليها الساحر هي قوة دينية بمعنى‬
‫الكلمة‪ ،‬وبدأت الديانة تستقل عن السحر وظهرت المعبودات الخاصة بها وبقى السحر وطقوسه تدور حول‬
‫مفهوم القوة السارية‪.3‬‬
‫وُيشيُر بعض الباحثين‪ ،‬إلى إن الدين والسحر متصالن مع بعضهما‪ ،‬لكن البد من التمييز بينهم وإ ن‬
‫الدين ظهر بعد ان قوبل السحر بالرفض‪ ،‬بينما أصبح الدين اكثر مقبولية لدى غالبية الناس‪ .‬ويمكن تعريف‬
‫الس حر‪ ،‬بش كل ع ام‪ ،‬على أن ه مح اوالت ته دف إلى إخض اع الق وى في الع الم أو تطويعه ا إلرادة اإلنس ان‪،‬‬
‫وذل ك من خالل أق وال أو أفع ال معين ة أو كليهم ا مع ًا‪ ،‬وق د أكس ب جيمس فريزر أح د أنواع الس حر ش هرة‬
‫عن دما أس ماه بالسحر التعاطفي‪ ،‬واسمى أحد أنواعه بالس حر المحاكي‪ ،‬وهو ق ائم على اف تراض بقول بأن‬
‫األشياء عندما تتشابه يكون لها نفس السلوك‪ ،‬وأن الشبيه يؤثر بالشبيه أو حتى يعمل على إحداثه‪ .‬إن تقليد‬
‫إنس ان أو حي وان أو حتى غيم ة راع دة يمكن أن يح دث تأثيرًا مش ابهًا في الك ائن أو الش يء المقلد‪ ،‬ف الفالح‬
‫يس تطيع أن يس تحث‪ ،‬أو ح تى يج بر ‪ ،‬س نابل الحب وب على النم و إذ م ارس في حقل ه‪ ،‬إب ان ت برعم الس نابل‬

‫حسين سيد نور االعرجي‪ ،‬جذور الفكر في العراق القديم وروافده‪ ،‬اطروحة دكتوراه غير منش ورة‪ ،‬كلي ة‬ ‫‪1‬‬

‫ف وزي رش يد‪" ،‬نش أة ال دين والحض ارة والعص ور‬ ‫اآلداب‪ ،‬جامع ة بغ داد‪ ،2011 ،‬ص ‪ 219‬؛‬
‫الجليدية"‪ ،‬سومر‪ ،‬مج ‪ ،32‬ج‪ ،1976 ،2-1‬ص ‪.8‬‬
‫فراس السواح ‪ ،‬دين االنسان ‪................‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.193،194‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪2‬‬
‫عملية القفز عاليًا قدر ما يستطيع مصحوبة بكلمات الحث والتش جيع‪ .4‬وه و ن وع من الس حر مارس ه انس ان‬
‫العص ر الحج ري الق ديم‪ ،‬ليع د وس يلة لتحقي ق م آرب الش خص ال ذي يم ارس ه ذا الن وع من الس حر بقيام ه‬
‫بالمماثلة أو الرمزية القائمة على التشابة‪ ،‬أي يقوم هو بنفسه أو محاكاة وتقليد النتيجة التي يريد تحقيقها في‬
‫الحي اة الواقعي ة وذل ك بمنح نفس ه الق وة الق وة ازاء ع دوه من خالل رس ومة ال تي من غ ير الممكن ان تك ون‬
‫متعلقة بميل للتعبير عن انفعال جمالي‪ ،‬اذ انه عندما يرى الحيوان فرؤيته للحيوان ماهي اال امتالء بعدد ال‬
‫يحصى من االحاسيس البصرية ورسمه بموجب جمعها في شكل معين‪ ،‬شأنه شأن الفكرة يستوعوبها كلها‬
‫‪2‬‬
‫ويفنيها فيتعاون الفكر مع اليد في القيام بعملية رسم الشكل المراد تمثيله‬

‫ويعد الخوف من أهم دوافع اعتناق العقيدة الدينية‪ ،‬ولذا فهو من أهم مصادر المعتقدات الدينية‪ ،‬اذ‬
‫كانت القوى المحيطة تمثل تجسيد للقوى الطبيعية التي تسهم في ضمان الوجود بصورة عامة‪ ،‬وهي تمثل‬
‫إستجابة لحالة الخوف والقلق التي كانت تتملك اإلنسان وهو يواجه قوى الطبيعة‪ ،‬هذا ما اكده ديالبورت‬
‫وهو يتحدث عن مثل الخوف والقلق اللذان يراودان العراقي القديم(على سبيل المثال) ازاء الموت‪ ،‬اذ يدو‬
‫ان ه ذه الحال ة هي ال تي دفعت ب ه الى ايج اد االله ة والتمس ك به ا ليج د فيه ا مالذ يخف ف من وطاته ا وربم ا‬
‫هذه العالقة السببية بين وجود االلهة والرغبة في التخفيف من وطأة القلق والخوف كانت تشكل ركن ًا من‬

‫ارك ان المعتق د ال ديني‪ .3‬ويش ير بعض الب احثين إلى أّن الن اظر ألي ة جماع ة بدائي ة أن القداس ة هي الس مة‬
‫األولى للدالل ة الديني ة ألي مك ان أو ش خص أو ش يء أو ح دث وهم ينظ رون إلى ك ل م ا ه و مق دس نظ رة‬
‫تجمع بين االحترام والحذر في آن معًا‪ ،‬ويرى الباحث رودولف أوتو في دراسته المعروفة فكرة المق دس»‪،‬‬

‫ج ون ن وس‪" ،‬أهم الخص ائص المم يزة لل دين في المجتمع ات البدائي ة"‪ ،‬ترجم ة‪ :‬غ ادة ج اويش‪ ،‬في ف راس‬ ‫‪1‬‬

‫الس واح ‪ ،‬موس وعة ت اريخ االدي ان‪ -‬الكت اب االول‪ ،‬الش عوب البدائي ة والعص ر الحج ري‪ ،‬دار عالء ال دين‪،‬‬
‫سوريا‪ ،2003 ،‬ص‪.29 ،26‬‬
‫اكرم محمد عبد كسار‪" ،‬قراءة في نتاجات االنسان االنسان الفنية االولى"‪ ،‬سومر ‪ ،‬ج‪ ، ،2-1‬مج‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،39 ،1983‬ص‪.31‬‬

‫‪3‬عب د الرض ا الطع ان‪ ،‬الفك ر السياس ي في الع راق الق ديم‪ ،‬دار الرش يد للنش ر والطباع ة‪،‬بغ داد‪ ،1981،‬ص‬
‫‪.356‬‬
‫‪3‬‬
‫أن الخ برة بالمق دس تق وم على مجابه ة داخلي ة م ع ق وة ال تنتمي إلى ع الم الظ واهر‪ ،‬لتمنح ه ذه المجابه ة‬
‫إحساسًا بالخوف واالنجذاب في آن معًا‪.1‬‬
‫كانت الشعوب القديمة تمتلك تفكيرًا‪ ،‬فالحاجة والرغبة تدفعهم لفهم العالم المحي ط بهم‪ ،2‬وي رى ليفي‬
‫بريل‪ ،‬أن اإلنسان القديم ال يمارس اي نوع من أنواع االستدالل مهما كان بسيطًا‪ ،‬ألنه عندما يقوم بالمهام‬
‫الض رورية لعيش ه يفك ر ويعم ل من اج ل تهيئ ة الوس ائل ال تي توص له الى األه داف المنش ود ‪ ،3‬وعلى ه ذا‬
‫اإلس اس ال يك ون وص ف ت ايلور ج ائزًا‪ ،‬عن دما أش ار إلى أن اإلنس ان في بدايات ه التاريخي ة األولى لم يكن‬
‫مفكرًا‪ ،‬وإ نما اعتمد على التأمل فحسب في اهتدائه الى نتائجه‪ .4‬فالظروف الطبيعية المحيطة به أث رت على‬

‫حياته وتفكيره‪ ،‬وجعلت سلوكه وتفكيره قادر على خلق التوازن والصمود في وجه االخطار والمخاوف‪،‬‬
‫ليدفعه ذلك الفك ر في الش عور ألهمي ة االنتم اء وخل ق ال روح الجماعي ة‪ ،5‬وأن ج ل تفك ير االنس ان الق ديم في‬
‫الت آلف م ع اآلخ رين‪ ،‬والعيش ض من تش كيالت ذات عالق ات اجتماعي ة قائم ة على العم ل الجم اعي لتحقي ق‬
‫سبل العيش وضمان استمرار البقاء‪ ،‬وعليه فقد تبلور لديه الفكر والوعي الديني من خالل االعتقاد بقوانين‬
‫الطبيعة‪ ،‬مما جعلُه يتميز عن الكائنات الحية األخرى‪ .6‬فخلق لديه شعور القلق والدفاع وحب الحياة‪ ،‬بس بب‬
‫المتغيرات الطبيعية التي عجز عن إدراكها‪.‬‬
‫أضافت الطبيعة للوعي فكرة الفن‪ ،‬بل أنه أهم نتاجات اإلنسان في ذلك الزمان‪ ،‬ألنه يمثل ترجمة حية‬
‫للواق ع ال ذي عاش ه اإلنس ان‪ ،‬وص ور واق ع الحي اة االجتماعي ة واالقتص ادية‪ ،‬ولعب دورًا كب يرًا في خدم ة‬

‫جون بوير نوس‪" ،‬أهم الخصائص المم يزة لل دين في المجتمع ات البدائي ة"‪ ،‬ت ر‪ :‬غ ادة ج اويش‪ ،‬في ف راس‬ ‫‪1‬‬

‫الس واح‪ ،‬موس وعة ت أريخ األدي ان‪-‬الش عوب البدائي ة والعص ر الحج ري‪ ،‬الكت اب األول‪ ،‬ط ‪ ،4‬دار التك وين‬
‫للتأليف والترجمة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،2017 ،‬ص‪.21‬‬
‫كلود ليفي شتراوس‪ ،‬األسطورة والمعنى‪ ،‬تر‪ :‬شاكر عبد الحميد‪ ،‬بغداد‪ ،1986 ،‬ص‪.36‬‬ ‫‪2‬‬

‫ليفي بريل‪ ،‬العقلية البدائية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد القصاص‪ ،‬مراجعة‪ :‬حسن الساعاتي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ب‪.‬ت‪ ،‬ص‪.7‬‬ ‫‪3‬‬

‫أرنس ت كاس يرر‪ ،‬الدول ة واألس طورة‪ ،‬ترجم ة‪ :‬أحم د حم دي محم ود‪ ،‬مراجع ة‪ :‬أحم د خ اكي‪ ،‬الهيئ ة‬ ‫‪4‬‬

‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1995 ،‬ص‪.25-24‬‬


‫محم د حس ين النجم‪ ،‬فلس فة الوج ود في الفك ر الراف ديني الق ديم واثره ا عن د اليون ان‪ ،‬بيت الحكم ة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪5‬‬

‫بغداد‪ ،2003 ،‬ص‪.30‬‬


‫يوسف الحوراني‪ ،‬البنية الذهنية الحضارية ‪ ................‬ص‪.53‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪4‬‬
‫البش رية‪ ،7‬فاإلنس ان وج د في الممارس ات ال تي س ميت س حرًا عون ًا ل ه في عملي ة محاك اة الطبيع ة ووس يلة‬
‫للسيطرة عليها‪ ،‬فالسحر في الخيال هو العمل في الواقع‪ ،2‬كما أن اإلنس ان لم يكن يحض ر طعام ه في داخ ل‬
‫الكه وف ال تي احت وت على تل ك الرس وم‪ ،‬وال دليل على ذل ك ع دم وج ود بقاي ا رم اد أو م ا ش ابه‪ ،‬ل ذا من‬
‫الم رجح أنهم ع ّد وا ذل ك المك ان مقدس ًا‪ ،‬وأن ه خص ص لتل ك الص ور‪ ،‬فك ان مص ممًا بطريق ة ت وحي بقدس ية‬
‫المك ان وخصوص يته‪ ،3‬لتظه ر ب ذلك حقيق ة ال وعي ال ديني ال تي يك ون نص فه م ادي واآلخ ر روحي‪ .4‬ول و‬
‫حللت حقيقة الفكر الديني لدى اإلنسان القديم لوجدناها مؤلفة من ركنين أساسين وهي االعتقاد بوجود كائن‬
‫أو كائنات فوق البشر أو قوى فوق الطبيعة‪ ،‬واالعتقاد بواجب احترام وتقديس بذلك الكائن أو تلك القوى‬
‫فوق الطبيعة من ِق بل اإلنسان أو البشر‪ . 5‬وعلى ذلك األس اس فان ه ق د امتل ك أس لوبا في المعرف ة والكش ف‪،‬‬
‫وكيفي ة التوص ل إلى الحق ائق‪ ،‬ووض ع نظ ام مفه وم ومعق ول للوج ود‪ ،‬يقتن ع ب ه ويج د مكان ه الحقيقي في‬
‫إطاره‪ ،‬ودوره الفعال فيه‪.6‬‬
‫ومن المع روف أن أول من ظه ر علي ه ال وعي الفك ري إنس ان نيان درتال ومن ه إنس ان ش انيدر في‬

‫العراق القديم ‪ ،‬إذ قام بدفن موتاه تحت أرضيات السكن داخل الكهوف‪ ،‬بل ودفنهم بحزن واحترام‪ ،‬فض ًال‬
‫‪7‬‬

‫العبث يعطي ذل ك دالل ة عل ة‬


‫عن ذلك وضع جدران حجرية على شكل اقواس من الحجارة لحماية القبر من ‪ ،8‬لذا‬

‫أكرم محمد عبد كسار‪ ،‬قراءة في نتاجات اإلنسان الفنية األولى‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مج‪ ،1983 ،39‬ص‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫أكرم محمد عبد كسار‪ ،‬قراءة في نتاجات اإلنسان‪ ...‬ص‪.24‬‬ ‫‪2‬‬

‫س عدي فيض ي عب د ال رزاق‪ ،‬مراح ل تط ور إنس ان م ا قب ل الت اريخ في ض وء االكتش افات اآلثاري ة وعلم‬ ‫‪3‬‬

‫األجناس‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬العدد ‪ ،1980 ،16‬ص‪.16‬‬


‫ه نري برجس ون‪ ،‬منبع ا األخالق وال دين‪ ،‬ترجم ة‪ :‬س امي ال دروبي وعبداهلل عب د ال دائم‪ ،‬الهيئ ة المص رية‬ ‫‪4‬‬

‫العامة للتأليف والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،1971 ،‬ص‪.75‬‬


‫طه باقر‪ ،‬ديانة البابليين واألشوريين‪ ،‬مجلة سومر‪ ،‬مج‪ ،1946 ،2‬ص‪.2‬‬ ‫‪5‬‬

‫حسين سيد نور األعرجي‪ ،‬جذور وروافد الفكر في العراق القديم‪ .............‬ص‪.5‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪Ralph S. Solecki, “Shanidar Cave, a Palaeolithic Site in Noethern Iraq and its‬‬
‫‪Relauonship to the Stone Age Sequence of Iraq”,Sumer،Vol.11,No.1,1955,p.31.‬‬
‫جيمس ميالرت‪ ،‬أق دم الحض ارات في الش رق األدنى‪ ،‬ترجم ة‪ :‬محم د طلب‪ ،‬تق ديم‪ :‬س لطان محيس ن‪ ،‬دار‬ ‫‪8‬‬

‫دمشق للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،1990 ،‬ص‪.27‬‬


‫‪5‬‬
‫تبلور الوعي لديهم بحقيقة فنائهم‪ ،‬بل أصبحوا يعتقدون بأن العام المادي ليس الحقيقة الوحيدة‪ ،‬وأن البشر‬
‫تم يزوا من ذ زمن مبك ر بق درتهم على حي ازة أفك ار تتج اوز تج اربهم اليومي ة‪ .1‬وق د تط ور س لوك اإلنس ان‪،‬‬
‫فض ًال عن تط ورات اجتماعي ة مهم ة‪ ،‬منه ا نش وء الملكي ة الزراعي ة ال تي نش أت معه ا ب ذور الحرب بأبس ط‬
‫أنواعها بسبب التنقل بالماشية‪ ،‬فكان عليهم أن يحموها من االعتداءات من قبل الجماعات البشرية األخرى‬
‫ال تي لم تتعلم الزراع ة واس تمرت في معيش تها على جم ع الق وت‪ ،2‬فتش كلت االع راف االجتماعي ة‪ ،‬وحينم ا‬
‫تنشأ منازعات كانت تحل عن طريق مجالس شملت بعض أفراد القرية أو المسنين‪ ،‬الذين كانوا يتوصلون‬
‫للحكم عن طريق مجموعة من الع ادات والتقالي د‪ ،3‬فاألفع ال في مجتمع ات العص ر الحج ري الح ديث واعي ة‬
‫محكمة تمامًا بوجود سلطة اجتماعي تحدد أفعال اإلنسان‪.‬‬
‫ويشير بعض الباحثين‪ ،‬عند إلقاء نظرة‪ ،‬على اية جماعة بدائية‪ ،‬يتولد شعور بوجود قدسية للمكان‪،‬‬
‫او لمظهر ما مثل الطقس أو حدث مجسد‪ ،‬قد إتخذته الجماعة موضوعًا لعبادتهم او تقديسهم وإ جاللهم‪ ،‬اذ‬
‫ان االنس ان خالل تل ك الف ترة ك ان ينظ ر نظ رة اكب ار لك ل ش يء يحي ط ب ه‪ ،‬وه ذه القدس ية ترهب ه وتأس ره‬
‫مستمدة في نظره من قوة فائقة للطبيعة‪ ،‬فيها الحياة او الموت‪ ،‬فيها الخير والشر‪ ،‬وكل شيء مقدس يحمل‬
‫في ثناي اه نفع ًا او ض رًا حس ب الحال ة‪ ،‬واليمس ه اال الوجه اء كالزعم اء او الكهن ة او رؤوس اء القبائ ل‪،‬‬
‫واالق تراب منه ا مش حون دائم ا بالرهب ة والخش ية‪ ،‬والتوق ير واالح ترام‪ ،‬اش به بمخاف ة ال رب‪ ،‬في االدي ان‬
‫السماوية‪.4‬‬
‫ُأشيَر إلى إن اإلنسان قد عبد كل ما استطاع التفكير به على األرض أو في السماء‪ .‬أحيان ًا تتم عبادة‬
‫الشيء لذاته باعتباره حي ًا وفاعًال ومشبعًا بالمادة‪ .‬وأحيان ًا ال يعبد الشيء لذاته وإ نما للروح التي تحل فيه‬

‫ك ارين أرمس ترونغ‪ ،‬ت اريخ األس طورة‪ ،‬ت ر‪:‬وجي ه قانص و‪ ،‬ط‪ ،1‬ال دار العربي ة للعل وم ناش رون‪ ،‬ب يروت‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2008‬‬
‫ج ان ش ينو وآخ رون‪ ،‬ح ول نم ط االنت اج اآلس يوي‪ ،‬ترجم ة‪ :‬ج ورج طرابيش ي‪ ،‬دار الحقيق ة للطباع ة‬ ‫‪2‬‬

‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،1972 ،‬ص‪.258‬‬


‫ج‪ .‬هاوكس و ل‪ .‬وولي‪ ،‬اضواء على العصر الحجري الحديث‪ ،‬ترجمة‪ :‬يس رى عب د ال رزاق الج وهري‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫بيروت‪ ،1967 ،‬ص‪.100‬‬


‫ح بيب س عيد‪ ،‬ادي ان الع الم‪ ،‬دار الت أليف والنش ر للكنيس ة االس قفية‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص ‪ 15‬؛ ك ارين‬ ‫‪4‬‬

‫ارمستونغ‪ ،‬تاريخ األسطورة‪ ،‬ترجمة وجيه قانصو‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪6‬‬
‫وتالزمه‪ .‬وأحيانًا لكون الشيء رمزًا مرئيًا وملموسًا لحقيقة خافية تعبد من خالله‪ .‬إلى جانب العبادة‪ ،‬وأقل‬
‫منها درجة هنالك الرهبة والتبجيل لشيء ما‪ .‬وما ينطويان عليه من احترام واعتراف بحضور قوة قدسية‪،‬‬
‫ولكن من الص عب أحيان ًا معرف ة أين ينتهى التبجي ل وتب دأ العب ادة‪ .‬وُيش ار إلى ن وع من التبجي ل ه و إنتش ار‬
‫تبجيل األحجار على نطاق واسع‪ ،‬وهو يعود إلى أزمان ما قبل التاريخ‪ .‬يمكن للحجارة أن تكون من أي‬
‫حجم‪ ،‬ابتداء من الحصى الصغيرة وصوًال إلى الصخور الضخمة‪ .‬وقد تكون مفردة أو على شكل كومة أو‬
‫سلسلة من األحجار‪ ،‬ولكن غالبًا ما تكون الحجارة المبجلة ذات أشكال وتكوينات متميزة‪ ،‬وأحيان ًا تتدخل يد‬
‫اإلنس ان ومهارته الفني ة في تش كيلها كم ا هو الح ال في األدوات الصوانية واألسلحة‪ ،‬كم ا وتتمتع األحجار‬
‫النيزكية بمكانة خاصة وتعتبر مصدرًا للبركة‪.1‬‬
‫ش غل فك ر اإلنس ان العاق ل‪ ،‬حس ب م ا ي رى الب احث إحتم اًال‪ ،‬في مح ور فلس فة العقي دة البدائي ة‬
‫بص ورتها المت واترة‪ ،‬ومن خالل م ا س بق‪ ،‬ربم ا من ذ الب دايات األولى‪ ،‬لحيات ه على األرض‪ ،‬وب درجات‬
‫إتسعت عبر الزمن‪ ،‬عالقتِه مع محيطه الكوني والبيئي‪ ،‬العالقة الثالثية التي توسطتها أفكارِه وأحاسيس ِه ما‬
‫بين الس ماء واألرض‪ ،‬م ا بين الظ واهر الطبيعي ة والمظ اهر النباتي ة والحيواني ة‪ ،‬وأث ر ك ل منه ا في ش ؤون‬
‫حيات ِه ‪ ،‬من إعتي اش(مأك ل ومش رب)‪ ،‬ع وق‪ ،‬م رض‪ ،‬ألم‪ ،‬ف رح‪ ،‬خ وف‪ ،‬أحالم‪ ،‬ك وابيس‪ ،‬توجس ات‪ ،‬م وت‬
‫وفن اء‪ .‬م ع نمطي ة الحي اة ال تي تفرض ها نمطي ة العم ل وحي اة العائل ة‪ ،‬ال تي خلفت ف ائض زم ني في حيات ِه ‪،‬‬
‫على إمتداد اليوم سيما بعد غياب الشمس وتعب النهار وهو ما ُيمثل فراغًا زمنيًا غير ُم َس َتَغ ل‪ ،‬الذي أحدث‬
‫ربما‪ ،‬بعد ذلك نوعا من الفراغ الفكري‪ ،‬ال سيما مع بدايات للوعي الخارجي وبدايات التراكم الخبراتي‬
‫والتجريبي‪ ،‬فضًال عن إنعدام التحليل العلمي وغياب قانون العلية(العلة والمعلول أو السبب والُم َس ّبب) في‬
‫تفسير ما يحيطه‪ .‬ليفرز كل ذلك كم من التساؤالت الفطرية التلقائية‪ ،‬وبالتالي مخاوف وقلق وإ رتياب مع‬
‫إنع دام وج ود اإلجاب ات الش افية المقنع ة فض ًال عن ع دم الق درة على التحلي ل والش ك وال رفض أي قب ول م ا‬
‫مفروض وإ نعدام المرفوض‪.‬‬
‫واج ه اإلنس ان في ب دايات حيات ِه ‪ ،‬الذي يمث ل ك ائن إجتم اعي‪ ،‬وبدايات ِه في إستكش اف ما حول ه وم ا‬
‫يتع رض ل ه من مس تجدات‪ ،‬وم ع غي اب ق انون العلي ة وبس اطة الفك ر والمف اهيم وب دايات ال تراكم الخ براتي‬

‫‪ 1‬جون بوير نوس‪" ،‬أهم الخصائص المميزة للدين في المجتمعات البدائية"‪..........‬ص‪.33‬‬

‫‪7‬‬
‫والتجريبي ونمطية العمل ضمن سياقات ثابتة‪ ،‬والفائض الزمني والفراغ الفكري غير المشغول‪ ،‬الذي خلق‬
‫ربما نوعًا من السلبية في نمطِه الفكري وفراغًا إجتهاديًا(تحليل وتصور)‪ ،‬تركت اإلنسان ليواجه قديما عدد‬
‫من االلغاز‪ ،‬التي ش كلت مخ اوف لديه ليواجهها‪ ،‬مثل لغز الوالدة( من عس ٍر ‪ ،‬نمو مشوه وموت الولي د)‪،‬‬
‫الحياة‪ ،‬المرض‪ ،‬األحالم‪ ،‬المصائب‪ ،‬األلم‪ ،‬العوق‪ ،‬الموت والفناء وعالم ما بعد الموت‪ .‬فض ًال عن القلق‬
‫وعدم السكينة وربما غياب الشعور باإلنتماء الجمعي‪ ،‬محدود الشعور باإلنتماء العائلي الضيق‪ ،‬لذلك ربما‬
‫كان بحاجة إلى إشباع مخيلت ِه بأية صورة فكرية‪ ،‬يستطيع معها بلوغ نوع ًا من الطمأنينة واألمان‪ ،‬الذي‬
‫جع ل فك را اإلنس ان إنقيادي ًا ال قيادي ًا م ع اإلحس اس بالس ذاجة(البس اطة) وقل ة الحيل ة والض عف‪ ،‬منق ادًا م ع‬
‫محيط مجتمعه البسيط نحو أي مؤثر أو قوة يستند إليها ويقوى بها‪ ،‬إنطالقًا من الم ؤثر الشخص ي(الفك ر‬
‫والشعور الذاتي)‪ ،‬عن طريق تعامل اإلنسان مع أحاسيسِه ومشاعرِه ‪ُ ،‬م تِك ًال بعد ذلَك على مؤثرًا خارجي ًا‪،‬‬

‫مبتدعًا فكريًا ُم تِفق ًا علي ه من ِقب ل المجم وع‪ ،‬أو م ؤثرًا إجتماعي ًا‪ ،‬يمثل ه شخص ية من الشخص يات ُم م يزًا‬
‫عن المجم وع بن وع من الفطن ة وال دهاء والمهني ة‪ ،‬ال تي تخول ُه إبت داع رم ز م ا‪ ،‬يس عى لكس ب تبجيل ه‬
‫وتوق يرِه واإللتف اف حول ِع ‪ ،‬ربم ا من اج ل خل ق س لطة م ا‪ ،‬وبالت الي لمن افع اقتص ادية او غاي ات نفعي ة‬
‫شخصية وجهانية‪ ،‬أو فرصة لالنتماء والوحدة والتجنيد لغرض ما‪.‬‬
‫وفي ِخ ضم هذِه المحنة الفكرية‪ ،‬فتحت المجال لفكر اإلنسان في تبجيل وتوقير وتعظيم مظهرا أو‬
‫ظاهرة أو حالة أو صورة ما‪ ،‬لها تأثيرها في محيط ِه البيئي‪ ،‬أو ما أمكن إبتداع ِه من الشخصية المؤثرة‪،‬‬
‫ليق وده ذل ك الحق ًا إلى ش كل من أش كال التق ديس منتهي ًا بالعب ادة وممارس ة المراس يم والطق وس‪ ،‬ال تي ربم ا‬
‫كانت ممارستها في مرحلة التبجيل والتقديس‪ ،‬لذلك كان التبجيل والتوقير ربما مرحلة مهمة وطويلة قبل‬
‫التقديس للرمز المبتدع‪.‬‬
‫ويرى الباحث بتواضع‪ ،‬أّن بساطة الفكر وبساطة الحي اة فض ال عن القل ق واالرتي اب بم ا يحي ط‬
‫جع ل من فك ر االنس ان س ريع الت أثر والتص ديق بش كل مس لمات لك ل تص ور مبت دع‪ ،‬م ع غي اب العلي ة‬
‫والسببية وقلة التجربة وبالتالي غي اب الق درة التحليلي ة والتش ككية‪ ،‬إذ تص ور وج ود ق وى محرك ة خفي ة‬
‫لها تأثيرها في حياتِه اإلجتماعية والذاتية س لبًا أم إيجاب ًا‪ ،‬ح اول اإلس تعانة بالتبجي ل والتوق ير لص ور من‬
‫خالل محاك اة وتش بيه ش كلي(تش كيلي رس مًا ونحت ًا بعي دا عن اللغ ة واالدب) لص ور رمزي ة أو واقعي ة‬
‫محيطة به‪ ،‬لخلق نوع من اإليحاء واإلنتماء الُم رضي وصوًال للطمأنينة‪ ،‬وغياب القلق واإلرتياب‪ ،‬الف راغ‬

‫‪8‬‬
‫بجانبي ه من زم ني وفك ري فض ًال عن المخ اوف المترتب ة من المجه ول وق انون العلي ة جع ل اإلنس ان في‬
‫حاجة أو محتاجًا لخلق طرف ثالث وس يط بين ه وبين م ا يحيط ه ولملء الف راغ وه و الم ؤثر الخ ارجي او‬
‫الرم ز المبج ل والم وقر‪ ،‬ومحاول ة التواص ل م ع ذل ك الرم ز ال س يما م ا قب ل الت أريخ من خالل التش بيه‬
‫والمحاكاة الشكلية بأبسط الوسائل العملية وه و الخ ط التش كيلي والتمثي ل النح تي‪ ،‬يش به ذل ك إلى ح د م ا‪،‬‬
‫السحر المحاكي‪ ،‬الذي ُأشيَر له آِنفًا‪ ،‬بإعتقاد اإلنسان‪ ،‬أن شبيه الشيء له نفس سلوك ما يشبهه‪ ،‬ويؤثر به‬
‫أو ُيحِد ثه‪ ،‬وهو شعور فطري‪ ،‬أو شعور بالسحر الفطري‪ ،‬لدى اإلنسان القديم حول العناصر المتشابهة‪،‬‬
‫ال تي ينتج عنه ا أح داث متش ابهة‪ ،‬ربم ا ال عالق ة ل ه ب المفهوم الس حري‪ ،‬ال ذي لم يتص ور أبع اده اإلنس ان‬
‫الب دائي‪ ،‬ب ل إعتق د فطري ًا وفي ب دايات خبرت ِه وإ كتش افاتِه البص رية والفكري ة‪ ،‬ب أن تمثي ل الش يء بالص ورة‬
‫والتشكيل سيعطي مردوده مثيله الحقيقي‪ ،‬ليمثل نوع من التواصل الفطري مع المحيط البيئي وخباياه‪.‬‬
‫ك ان الف راغ الفك ري والعلي ة وب دايات ال تراكم التجري بي والخ براتي والف ائض الزم ني والمجه ول‬
‫والق وى الم ؤثرة المحسوس ة غ ير الملموس ة والمعلوم ة المحيط ة ب ه في مظ اهر كث يرة منه ا الحي اة الم رض‬
‫االلم العوق الموت الفناء والوحود واالحالم والكوابيس والحاجة لإلطمئنان واآلمان الشخصي والعائلي كلها‬
‫ق وى م ؤثرة خفي ة ه ذا االختف اء والت أثير ك ان من وجه ة نظ ر وش عور االنس ان عب ارة عن مح رك مجه ول‬
‫متص ورا اي اه ن وع من ال روح الخفي ة او المح رك الحي وي المتح رك غ ير الملم وس والمحس وس وك انت‬
‫االحيائية او االرواحية بمنظورنا الحديث وما هو اال محرك يحرك القوى كمحرك االنسان ذاته فهي قوة‬
‫االنسان المحركة تواجه قوى محركة اخرى قسم منها ملموس محسوس كمظاهر وظواهر جغرافية كونية‬
‫بيئي ة واخ رى غ ير ملموس ة معلوم ة مجهول ة خفي ة له ا تأثيره ا في ك وابيس وأحالم م رض وع وق وم وت‬
‫االنس ان واثره ا في نعيم معاش ه او دم اره من ظ روف كوني ة غ ير معلوم ة مث ل المط ر وال برق وال ريح‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫يعتق د الب احث بإحتم ال بس يط‪ ،‬إلى أّن اإلنس ان لم يص ل في المراح ل االولى‪ ،‬من معتق دِه الفك ري‬
‫وال روحي‪ ،‬لدرج ة التق ديس والت دين‪ ،‬ب ل ك ان مج رد ن وع من االكب ار والتبجي ل والتوق ير‪ ،‬لتمي يز مكان ة‬
‫وأهمي ة الرم ز بص ورة التش بيه أو المحاك اة‪ ،‬ليمث ل مرج ع وعائدي ة لإلنس ان عن د الحاج ة‪ ،‬فبع د ان ك ان‬
‫االنس ان مفتق دًا ق درة التحلي ل‪ ،‬ك ان هن اك رؤى لوج ود ق وى خفي ة محرك ة‪ ،‬اي محرك ات محيط ة‪ ،‬منه ا‬

‫‪9‬‬
‫محركات كوني ة س ماوية‪ ،‬ومنه ا البيئي ة‪ ،‬المناخي ة‪ ،‬الحيواني ة والنباتي ة‪ ،‬ك انت له ا بالض رورة‪ ،‬عن د فك ر‬
‫االنسان قوة للتحرك والتأثير والفعل‪ ،‬وهي القوة الخفية غير المعلومة أو المحسوسة‪.‬‬

‫لعب التص ور اإلحي ائي واإلرواحي لم ا يحي ط اإلنس ان من ق وى خفي ة ومحرك ات م ؤثرة دورا كب يرًا‬
‫فيما يبدو‪ ،‬لتفسير اإلنسان الفطري لما يحيطه‪ ،‬ومحاولة التواصل معه‪ ،‬وهي الخطوة األولى لبداية التبجيل‬
‫والتوق ير أو تعظيم الرم ز او الق وة ال تي ك ان اإلنس ان بحاج ة لمس اندتها ودعمه ا في حيات ِه ‪ ،‬حس ب رؤيت ه‬
‫الفطرية الساذجة‪ .‬إذ يشير بعض الباحثين إلى أّن اإلرواحية أو اإلحيائية(‪ ،)Animism‬هواإليمان بالكائن ات‬
‫الروحي ة ال تي تهتم بش ؤون اإلنس ان وله ا س لطان الت دخل فيه ا‪ ،‬واإليم ان ب ذلك منتش ر بين معظم الش عوب‬
‫البدائية‪ .1‬ويشير مصطلح األرواحية‪ ،‬إلى نظرية طرحها الباحث اإلنجليزي السير إدوارد بيرنت تايلور( ‪1‬‬
‫‪ ،)1917-832‬أح د مؤسس ي األنثروبولوجي ا الحديث ة‪ ،‬من أج ل تفس ير أص ل ال دين وتط وره‪ .‬إذ إف ترض أن‬
‫الش كل األول لل دين تم يز بأفك ار اإلنس ان المتعلق ة بتع دد األرواح واألش باح‪ ،‬ال تي أض فاها اإلنس ان على م ا‬
‫حوله‪ ،‬إذ جاءت من تأمالته الفكرية حول عالم الطبيعة وذاته‪ ،‬وهي ما مثلت أكثر أشكال الدين القديمة‪ ،‬وكانت‬
‫ه ذه الرؤي ة مش تركة م ع معاص ريه من التط وريين‪ ،‬ال تي إس تندت على ك ون ال دين ذو س مة ديناميكي ة(الق وة‬
‫والحيوية)‪ ،‬حتى أصبح مصطلح الروحاني‪ ،‬في رؤية الكثير من المفكرين‪ ،‬مرادًف ا لما يمكن أن يطلق عليه‬
‫في عص ر س ابق مص طلح الوث ني‪ .‬وربم ا تج د روحاني ة ت ايلور إن األفك ار المتعلق ة بخي ال بش ري مب دع‬
‫يستحضر شخصيات خارقة هي أفكار قديمة‪ ،‬مع إمكانية وجود عالم من الكائنات الروحية‪ ،‬في عالم الم وتى‬
‫أو ما بعد الموت ‪.2‬‬
‫وربما تعني اإلرواحية‪ ،‬حسب رؤية الباحث إحتماًال‪ ،‬هي نوع من الحركة والقوة في الجماد‪ ،‬ضد‬
‫الم وت والجم ود والالدور في الوج ود‪ ،‬وبمع نى اخ ر هي ق وة فاعل ة له ا اثره ا في حي اة االنس ان‪ ،‬ت ترك‬

‫‪1‬‬
‫‪Jacob E. Safra، The New Encyclopaedia Britannica، Vol.1، Fifteenth Ed،‬‬
‫‪Encyclopaedia Britannica، inc ، Chicago، 2007، p. 422.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Kees W. Bolle، “Animism and Animatism”، Mircea Eliade (ed)، The Encyclopedia‬‬
‫‪of religion، Vol.1، Macmillan، New York، 1987، pp.296-97.‬‬ ‫‪; Kees W. Bolle،‬‬
‫‪“Animism and Animatism”، Lindsay Jonesed، Encyclopedia of Religion، Macmillan‬‬
‫‪Reference، USA، 2005، pp.362-63.‬‬
‫‪10‬‬
‫متغيرًا نحو األفضل فيها‪ ،‬وربما تكون المدخل نحو عقيدة تبجيل القوى الخفية‪ ،‬وبالتالي التقديس والعبادة‪،‬‬
‫من خالل اضفاء الحيوية والقوة المبتدعة‪ ،‬للحصول على الطمانينة والسالم من خالل التواصل مع القوى‬
‫الخفية والمظاهر المرعبة أو المساعدة‪.‬‬
‫ت ذهب النظري ة الروحي ة‪ ،‬ال تي ك ان االن ثروبيولوجى ت ايلور‪ ،‬أش هر الق ائلين به ا‪ ،‬ثم اعتم دها ع الم‬
‫االجتم اع هرب رت سبنس ر‪ ،‬إلى أن أق دم دين في الوج ود ه و االعتق اد في األرواح وعبادته ا ومن هن ا ج اء‬
‫أصل تسمية النظري ة الروحية‪ ،‬يؤكد تايلور في معرض التأسيس أن فكرة الكائنات الروحية قد سيطرت‬
‫سيطرة تامة علي حياة اإلنسان‪ ،‬فكان لها أثر كبير على حياته ونظرته لألشياء‪ ،‬أما السبب األساسي في‬
‫انتب اه اإلنس ان إلى فك رة ال روح فه و بحس ب ت ايلور ح التي الن وم واليقظ ة وم ا يح دث أثن اء الن وم من رؤى‬
‫وأحالم‪ ،‬إنما الحلم كما هو معروف ينقل اإلنسان ذهنيا من مكان إلى آخر وقد يرى أشخاص قد ماتوا من‬
‫أمد وهذا ما دفعه إلى االعتقاد ببقاء أرواح الموتى واستمر اتصالها باألحياء بل بقدرتها على التفهم وإ لحاق‬
‫الضرر بهم‪ ،‬فتتقرب إليها‪ ،‬لتجنب أذاها ومن الواضح اآلن أن إسقاط ثنائية الخير والشر وتقابلها‪.1‬‬
‫وتستند تلك النظرية على وجود حياة مزدوجة يعيش اإلنسان شطرها األول في يقظته‪ ،‬واآلخر في‬
‫منامه‪ ،‬وأن كل ما رآه اثناء نومه عّب ر عن حياة عاشها تمتلك كل مقومات الحياة الحقيقي ة‪ ،2‬ف األحالم نبهت‬
‫اإلنسان إلى الروح‪ ،‬كما نسب إليها كل حاالت المرض التي تصيبه‪ ،‬وقد تكون أرواح الموتى من سببت‬
‫تلك الحاالت في االحياء‪ ،‬فكان لها حرمتها فال بد لإلنسان أن يتلمس رضاها اتقاًء لشرها إذا كانت خبيثة‬
‫ويستعين بها إذا ك انت طيب ة‪ ،3‬ل ذلك ُنس ب اإلنس ان الق ديم إلى تل ك األرواح ك ل م ا يص يبه من نف ع وض رر‬
‫معن وي أو جس دي‪ ،‬ألن مص در النف ع أنم ا روح ص الحة‪ ،‬وأم ا مص در الض رر ف روح ش ريرة‪ ،‬وعلى وف ق‬
‫ذلك أصبح اإلنسان القديم سجين عالم متخيل كان هو خالقه‪ ،‬وأصبح مثاله‪ ،4‬ألن ه ض عيف في مواجه ة تل ك‬
‫الرؤى التي تراوده ليًال إلى جانب افعالها وما تخفية من أسرار صباحًا‪ ،‬ويمكن للحلم أن يعطي تصورات‬
‫لإلنس ان عن أفك ار‪ ،‬وق د تك ون عب ادات أو طق وس ال يعرفه ا تمام ًا في ع الم اليقظ ة‪ ،‬فالقيم ة ال تي يعطيه ا‬

‫طه الهاشمي‪ ،‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ،‬منشورات دار مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،1963 ،‬ص‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬احسان علي الحيدري‪ ،‬فلسفة الدين في الفكر الغربي‪ ،‬دار الرافدين للنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،2013 ،‬ص‪.51‬‬
‫طه الهاشمي‪ ،‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ...............‬ص‪.66‬‬ ‫‪3‬‬

‫أحمد الخشاب‪ ،‬االجتماع الديني‪ ،‬مكتبة القاهرة الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪.112‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪11‬‬
‫الحلم لإلنس ان هي عالق ة مباش رة م ع الق وى غ ير المرئي ة‪ ،‬ف يرى أش ياء وح وادث حقيقي ة‪ .5‬ومن الج دير‬
‫بالذكر إن العبادة توجه دائمًا إلى مبدأ روحي غير مادي‪.2‬‬
‫ويظهر تايلور أن مخيلة اإلنسان القديم متأثرة جدًا باألحالم التي دعتهم إلى القول بوجود النفس‪،‬‬
‫فرؤي ا األم وات في الن وم ت دعوهم إلى االعتق اد أن النفس بع د الم وت ال تض محل ب ل تص بح روح ًا وتظه ر‬
‫احيان ًا لألحي اء‪ ،3‬وب ذلك ف أن ال روح س بب الوظ ائف الحياتي ة ال تي تس اعد اإلنس ان على ايض اح الظ واهر‬
‫العقلية‪ ،‬فأن لكل الموجودات ارواحًا‪ ،‬فعبد الروح ومظاهر الطبيعة تحتوي على األرواح‪ ،‬ثم انتقل اإلنسان‬
‫إلى الوثنية‪ ،‬إذ تعد الكائنات الروحية ذات تأثير وسيطرة على حوادث الكون المادية وعلى حياة اإلنسان‪،‬‬
‫ألن اإليم ان بوجوده ا ي ؤدي بطبيع ة الح ال عبادته ا‪ ،‬وهك ذا تتض من عقي دة الروحي ة في ازده ار تطوره ا‪،‬‬
‫واالعتق اد ب الروح والحي اة األخ رى‪ . 4‬ويش ير ت ايلور‪ ،‬إن األرواحي ة في الواق ع‪ ،‬هي أس اس فلس فة ال دين‪،‬‬
‫إنتق اًال من فلس فة الرج ال الب دائيين(الس ذج) إلى فلس فة الرج ال المتحض رين‪ .‬وعلى ال رغم من أن ه ق د يب دو‬
‫للوهل ة األولى أن ه ي وفر تعريف ًا ه زيًال للح د األدنى من ال دين‪ ،‬إال أن ه س يكون كافي ًا من الناحي ة العملي ة ؛‬
‫ألنه ‪ ،‬حيث يوجد الجذر ‪ ،‬سيتم إنتاج الفروع بشكل عام‪ .‬من المعتاد أن نجد أن نظرية األرواحية تنقسم‬
‫إلى عقي دتين كب يرتين ‪ ،‬وتش كل أج زاء من عقي دة واح دة متس قة‪ .‬أوًال ‪ ،‬فيم ا يتعل ق ب أرواح المخلوق ات‬
‫الفردية‪ ،‬القادرة على الوجود المستمر بعد موت الجسد أو تدميره‪ ،‬والثاني فيما يتعلق باألرواح األخرى‪،‬‬
‫فما فوق إلى رتبة اآللهة القوية‪ُ .‬يعتقد أن الكائنات الروحية تؤثر على أحداث العالم المادي وحياة اإلنسان‬
‫هنا وفي اآلخرة أو تتحكم فيها‪ ،5‬وهكذا فإن الروحانية‪ ،‬في تطورها الكامل‪ ،‬تتض من اإليم ان بالس يطرة‬

‫يوسف الحوراني‪ ،‬البنية الذهنية الحضارية‪ ................‬ص‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫أحمد عبد الرحيم السايح‪ ،‬بحوث في مقارنة األديان‪ ،‬دار الثقافة للنشر‪ ،‬الدوحة‪ ،‬د‪.‬ت‪ .‬ص‪.47‬‬ ‫‪2‬‬

‫يوسف شلحت‪ ،‬نحو نظرية جديدة في علم االجتماع الديني‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل أحمد خليل‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫بيروت‪ ،2003 ،‬ص‪.93-92‬‬


‫طه الهاشمي‪ ،‬تاريخ األديان وفلسفتها‪ ..............‬ص‪.66‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪Edward Burnett Tylor, Primitive Culture: Researches Into the Development of‬‬
‫‪5‬‬

‫‪Mythology, Philosophy, Religion, Art, and Custom, Vol.1, London,1871, p.385.‬‬


‫‪12‬‬
‫على اآللهة واألرواح التابعة لها‪ ،‬لتؤدي مثل هذه العقائد مستقبال‪ ،‬إلى نوع من العبادة النشطة‪ ،‬حسب ما‬
‫يشير تايلور‪.1‬‬
‫وفًق ا لش هادة القس دبلي و ري دلي ‪ ،‬كلم ا تح دث م ع الس كان األص ليين ‪ ،‬وج د لهم تقالي د مح ددة تتعل ق‬
‫بالكائن ات الخارق ة للطبيع ة ب اينمي‪ ،‬ال ذي يس معون ص وته في الرع د ‪ ،‬وال ذي ص نع ك ل ش يء‪ ،‬تورام ولن‬
‫رئيس الش ياطين الس كان األص ليين ألس تراليا ليس ل ديهم فك رة عن األلوهي ة األعلى‪ ،‬والخ الق‪ ،‬والقاض ي ‪،‬‬
‫وال يوجد موضوع للعبادة‪ ،‬وال معبود‪ ،‬أو معبد‪ ،‬أو تضحية‪ ،‬ولكن ذلك ‪"،‬باختصار ‪ ،‬ليس لديهم أي شيء‬
‫من س مات ال دين ‪ ،‬أو الش عائر الديني ة ‪ ،‬لتمي يزهم عن الوح وش ال تي تف نى‪ .‬وربم ا يب دو أن مرًض ا مث ل‬
‫الجدري‪ ،‬الذي يهاجم أحياًن ا السكان األصليين‪ ،‬ينسب إليهم "إلى تأثير بوديا‪ ،‬وهو روح شريرة تسعد في‬
‫األذى"‪ .‬ومنه ا عن دما يس رق الس كان األص ليون خلي ة نح ل ب ري‪ ،‬ف إنهم عموًم ا ي تركون القلي ل من العس ل‬
‫لبوديا‪.2‬‬
‫حكمت العالقة‪ ،‬حسب رؤية الباحث بتواضع وإ حتمالية‪ ،‬ما بين اإلنسان ونفسِه والمجتمع والمحيط‬
‫الخارجي‪ ،‬مجموعة من المؤثرات أي عالقة وعيِه الفطرِي مع نفس ه ومحيط ِه وك ل م ا يمكن الت أثير ب ِه ‪،‬‬
‫بم ا يترك ه الم ؤثر من حال ة س لبية أو إيجابي ة في حي اة اإلنس ان‪ ،‬بع د اإلرواحي ة والق وى الخفي ة وهي‬
‫مجموعة مؤثرات خارجية‪ ،‬ربما لمس مؤثراتها قبل أن تتضح له معالم الم ؤثرات الشخص ية‪ ،‬ال تي ب دأت‬
‫تتنامى مع تنامي وعيه الفطري‪ ،‬مث ل م ؤثر الحي اة واأللم والخ وف والع دوان والم رض والع وق واألحالم‬
‫والم وت‪ ،‬ب دأ دور التعام ل م ع الم ؤثر الشخص ي‪ ،‬وهي الفك رة والش عور‪ ،‬وإ مكاني ة التواص ل معه ا‬
‫وتحقيقها‪ ،‬فربما ك ان ه ذا بداي ة التجس يد والتجس يم بص ورة التش بيه والمحاك اة للرم ز الفك ري أو الفك رة‬
‫والش عور المحس وس‪ ،‬وكيفي ة التعب ير عن ه والتواص ل مع ه فطري ًا‪ ،‬واإلعتق اد بتحقيقه ا من خالل تجس يد‬
‫وتجسيم الفكرة محاكاًة وتشبيهًا بأبسط الصور التي يستطيعها آنذاك وهي مخطوطة الشكل وخربشتها أي‬
‫تجس يدها شكًال مصورًا أو تمثيلها وتجسيمها بشكل مص نوع ي دوي لتأخذ الفكرة الحسوس ة ش كلها المجسم‬
‫ب النحت أو التركيب‪ ،‬وربما كان هنا للنساء الدور الفاعل في ذلك من خالل نقل مخ اوفهن وقلقهن األكثر‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p.386.‬‬
‫‪Ibid, p.378.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪13‬‬
‫من الرج ل‪ ،‬على ال رغم من تع رض الرج ل للمص ائب وتحمله ا‪ ،‬بالرس م والتمثي ل ل وقت ف راغهن األك ثر‬
‫ولعاطفتهن األكبر‪.‬‬
‫كان لغياب المدون والمكتوب والمخطوط والخربشة الكتابية او التعبيرية تجعل الباحث في التاريخ‬
‫القديم امام معظلة التفسير والركون الى االجتهاد‪ ..‬تجسيد الفكرة من خالل المخطوط التشكيلي اي الرسم‬
‫وتمثيل الفكرة من خالل التشكيل التمثيلي او المنحوت والمصنوع تجسيد ومحاكاة وتشبيه الفكرة بتجسيد‬
‫صوري معتقدا بتجسيدها واقعا وحقيقيا هذا التجسيد والتجسيم والرمزية التعبيرية اصبح لها بعدا معنويا‬
‫عقائ ديا اك بر م ع التط ور الش عوري والمعن وي واالتك الي ليك ون رم زا تش بيهيا ومحاكي ا ذا تبجي ل وتوق ير‬
‫لزي ادة ونم و الفك رة واالمني ة‪ِ ،‬ل ذا ُتَع ّد المحاك اة والتش بيه ربم ا ن وع من أن واع اإلعتق اد الفط ري بإمكاني ة‬
‫الحدوث أو الوجود‪ ،‬من خالل التجسيم والتشكيل المشابه أو حدوث ما يتأمله الشخص بالتجسيد وهو معتقد‬
‫فطري لإلنسان النمطي او الساذج(البسيط)‪ ،‬للتواصل وتحقيق ما يترك ًه المؤثر الشخصي من مشاعر‪ ،‬او‬
‫التعب ير عن م ا يري ده اإلنس ان من م ا يحيط ه من المجه ول من خالل الص ورة والمنح وت وايج اد الح امي‬
‫والمنقذ بابسط الصور الرمزية‪ ،‬ليتطور معتقد التجسيد والتجسيم المحاكي والمشابه‪ ،‬إلى نوع من التبجيل‬
‫والتوق ير للرم ز المجس د والمجس م الم ؤثر الخ ارجي‪ ،‬وه و معتق د وج د في ه اإلنس ان رم زًا للح امي والمنق ذ‬
‫والمنتمي‪ ،‬بع د تن امي مجاميع ِه البش رية‪ ،‬وتن امي مدركات ِه ومش اعرِه ومخاوف ِه الخارجي ة‪ ،‬لتتن امى ب دايات‬
‫نزعة اإلنسان لتبجيل رمز ما وبالتالي تقديسه ومن ثم العبادة التي تمثل مرحلة أخيرة من تبجيل المقدس‬
‫او مرحلة من اإلنقياد واإلنتماء بدون قيد وشرط‪ ،‬اي توكيل تدبير شؤون اإلنسان من حياة وموت وشفاء‬
‫واحالم إلى من ه و أق وى وأق در من منظ ور اإلنس ان البس يط ال ذي ح اول خل ق ه ذا األق وى بس بب ض عفه‬
‫الذاتي بشكل او بآخر‪.‬‬
‫كان الرسم والتجسيد والمحاكاة والتشبيه‪ ،‬ربما صورة فطرية لها فعل سحري ربما معتقد فطري‬
‫عند االنسان البدائي وهو تمثيل الشيء سيكون له فعل كموجود او الفعل بالتصوير والتواصل وبعد ذلك‬
‫لصبح التمثيل والمحاكاة لرموز موجودة لتصبح مبجلة‪ ،‬وربما كان االستحضار الفكري للمراد الذي يمثل‬
‫نوع من التمني والرجاء لحدوث المراد او المطلوب من خالل الرسم والتمثيل ليتطور بعد ذلك ليصبح ه ذا‬
‫المطلوب او المراد رمزا مبجال ال سيما مع حدوث المراد من محاكاته وتشبيهه بالرسم والتمثيل‪ِ ،‬لذا بشكل‬

‫‪14‬‬
‫محتم ل ك ان التش بيه والمحاك اة ن وع من التواص ل الفك ري الفط ري لالنس ان بين افك اره الخاص ة وامنيات ه‬
‫وارتباطها بحياته ومحيطه البيئي بصورة تجسيد الفكرة صورة لوجوب فعلها‪.‬‬
‫س عى اإلنس ان‪ ،‬حس ب رؤي ة الب احث المتواض عة‪ ،‬بع د الف راغ الفك ري غ ير المش غول‪ ،‬ومعتق دِه في‬
‫القوى المحركة الخفية المؤثرة‪ ،‬وبسبب نمطية الحياة وسذاجتها(بساطتها)‪ ،‬والفراغ الزمني غير المشغول‪،‬‬
‫والتواصل الرمزي مع مؤثره الشخصي من فكر وإ حساس‪ ،‬البحث عن رمز للتواصل معه حسيًا وفطري ًا‪،‬‬
‫رمزًا مبتدعًا إلضافة الشعور باإلطمئنان‪ ،‬والشعور باإلنتماء ووحدة المجموع‪ ،‬الشغال الفراغ وتجنيد القوة‬
‫من المجموع‪ ،‬للدفاع وتأمين وجوده‪ ،‬واالطمئنان النفسي‪ ،‬ومحاربة القلق المتزايد لجهله بما يحيط‪ ،‬ابتدع‬
‫الم ؤثر الخ ارجي او الرم ز المّو ِج ه‪ ،‬وتبجيل ه وتوق يره‪ ،‬لجعل ه بمق ام ارف ع واك بر‪ ،‬ليخض ع ل ه‪ ،‬رغب ة في‬
‫االنقياد واالطمئنان‪ ،‬بوحود مسؤول عن مس تقبله وحاضره‪ ،‬ليكون هناك ن وع من الحاجة إلبتداع المؤثر‬
‫الخ ارجي ورمزيت ه‪ ،‬ال ذي اتخ ذه االنس ان مم ا يحيط ه لتبجيل ه وتوق يره‪ ،‬واالطمئن ان لوج وده لل دفاع عن ه‪،‬‬
‫ورغبته بوجود من يطمئن بوجوده‪ ،‬والتواصل معه بطريقة المحاكاة والتشبيه‪ ،‬اي بتمثيل الشيء من خالل‬
‫ايجاده بالتصور‪ ،‬من خالل الخط والتمثيل بصورة ما مبتدعة‪ ،‬ليكون له وجود ذلك التصور‪ ،‬اي الكينونة‬
‫من الص ورة‪ ،‬وإ متالكه ا الق وة الكافي ة‪ ،‬ال تي يطم أن له ا اإلنس ان‪ ،‬بفع ل التواص ل معه ا‪ ،‬وهي بش كلها‬
‫الص وري‪ ،‬من خالل تمثيله ا في اس هل طريق ة‪ ،‬وهي بش كل مخط وط بي ده‪ ،‬او مص نوع الش كل بالتمثي ل‬
‫النحتي‪ ،‬إذ ربما كان ايجاد المكون بالصورة‪ ،‬في إعتقاد اإلنسان بشكل محاكي أو تشبيهي‪ ،‬سيترك اثره في‬
‫كينون ة المك ون ووج وده‪ ،‬اي تص ور مظهر م ا س يكون ل ه وج ودا في الواق ع‪ ،‬وتمثي ل رم ز م ا‪ ،‬هو وس يلة‬
‫للتواصل والرجاء والتمني واالنتماء‪.‬‬
‫وق د ح اول إمي ل دورك ايم أن يكتش ف منطلق ات إنس انية جدي دة لألخالق غ ير تل ك المنطلق ات الديني ة‪،‬‬
‫ال تي أص بحت متوارث ة دون نق اش ورأى أّن أخالق ال دين تق ايض األخالق مقاب ل ثمن دني وي أو أخ روي‪،‬‬
‫يجري على شكل طقوس وشعائر ال عقالنية‪ .‬كان دوركايم يرى أن المق ّد س رمز‪ ،‬قبل أي شيء‪ ،‬والدين‬
‫ه و مجموع ة من الرم وز واألفع ال والمعتق دات المتعلق ة به ا المنفص لة عن ع الم الن اس‪ ،‬لكّنه ا من ج انب‬
‫آخر‪ ،‬توحد الناس في جماعة ‪.1‬‬

‫خزعل الماجدي‪ ،‬علم األديان ـ ـ ـ تاريخه‪ ،‬مكوناته‪ ،‬مناهج ه‪ ،‬اعالم ه‪ ،‬حاض ره‪ ،‬مس تقبله‪ ،‬مؤسس ة مؤمن ون‬ ‫‪1‬‬

‫بال حدود للدراسات والنشر‪ ،‬المغرب‪ ،2016 ،‬ص‪.146‬‬


‫‪15‬‬
‫كانت رمزية المؤثر الخارجي إنتقالة نوعية بعد الشعور والمعتقد اإلرواحي‪ ،‬إي قوة الرمز المحركة‬
‫أو محرك الرمز وقوته الخفية‪ ،‬وربما كانت الطوطمية(‪ ،)Totemism‬إحدى المعتقدات اإلنسانية البدائية‬
‫ال تي تخص الرمزي ة أو الرم ز الخ ارجي الم ؤثر‪ ،‬حس ب م ا يعتق د الب احث إحتم اًال‪ ،‬وحس ب م ا أش ار له ا‬
‫العديد من الباحثين‪ ،‬من خالل إعتمادها نهجًا أو نظامًا دينيًا بدائيًا‪ ،‬ربما إتبعُه أجناس من البشر بشكل عام‬
‫في ب دايات معتق داِتهم الروحي ة‪ .‬وُيش ار إلى أّن مص طلح الط وطم مش تق من ‪ ،dotem‬وه و مص طلح‬
‫يستخدمه األوجيبوا(‪ ،)Ojibway‬شعب ألغونكوين في أمريكا الشمالية‪ ،‬للداللة على اإلنتما لعضوية العشيرة‬
‫بالمعنى األول‪ ،‬وقد ُأفُتِر َض ليمثل مؤسسة للفكر البدائي‪ِ ،‬لَتُع ّد مرحلة ضرورية من التصور الديني الذي‬
‫يجب على جميع الشعوب اجتيازه في سياق التطور الثقافي‪ .‬وقد ُط ِو َر ت هذه الفكرة من قبل علماء أمثال‬
‫جيمس جي فريزر وإ مي ل دوركه ايم‪ ،‬إذ م يز فري زر الطوطمي ة‪ ،‬على أنه ا توحي وج ود عالق ة مس اواة أو‬
‫قراب ة لإلنس ان م ع الط وطم‪ ،‬وهي من الناحي ة الديني ة‪ ،‬تمث ل عالق ة م ع ق وى أعلى‪ ،‬وتأكي دِه على وظيف ة‬
‫الطوطمية‪ ،‬التي تخلق التضامن والترابط بين الناس في مجموعات اجتماعية‪ ،‬التي ساهمت بشكل أو بآخر‬
‫في أن تكون سبب الحضارة‪.1‬‬
‫ُيَع ّد الط وطم فئ ة من األش ياء المادي ة ال تي َيِع ّد ها اإلنس ان الب دائي معتق دًا محترم ًا‪ ،‬بش كل فط ري او‬
‫خرافي‪ ،‬وااليمان بوجود عالقة حميمة بينه وبين كل فرد من أفراد مجتمعه‪ .‬واالسم مشتق من كلمة طوطم‬

‫أوجيب وا‪ ،‬كم ا أش رنا آِنف ًا‪ ،‬والتهجئ ة الص حيحة له ا غ ير مؤك د إلى ح د م ا‪ ،‬وربم ا إن المع نى يش ير إلى‬
‫األس رة أو القبيل ة‪ .‬وُيش ار إلى أّن العالق ة بين الرج ل والط وطم تع ود ب النفع المتب ادل‪ ،‬الط وطم‬
‫يحمي الرجل‪ ،‬ويظهر الرجل احترامه للطوطم بطرق مختلفة‪ ،‬بعدم قتله إذا كان حيواًن ا‪ ،‬وعدم تقطيعه أو‬
‫جمعه إن كان من النبات‪ ،‬وهو فئة من األشياء‪ ،‬بشكل عام نوع من الحيوانات أو النباتات‪ ،‬ونادًر ا ما يكون‬
‫فئة من الكائن ات الطبيعي ة غ ير الحي ة‪ ،‬ون ادًر ا ج ًد ا فئ ة من األش ياء المص طنعة(المص نوعة) ‪ .2‬وألن األش ياء‬
‫الممثلة هي في األساس حيوانات ونباتات‪ ،‬سيكون بالتالي تدنيس النباتات‪ ،‬والحيوانات‪ ،‬هو أن تكون طعاًم ا‪،‬‬
‫فإن قدسية الحيوان أو النبات الطوطمي توجب تحريم أكله ألنها أشياء مقدسة‪ ،‬وربما يمكن أن تكون في‬

‫‪1‬‬
‫‪Roy Wagner, “Totemism”, Mircea Eliade, The Encyclopedia of Religion, Vol.14,‬‬
‫‪Macmillan Publishing Company, New York, 1987, p. 573.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.G.Frazer, Totemism, Adam and Charles Black , Edinburgh, 1887, p.1.‬‬
‫‪16‬‬
‫وجبات صوفية معينة‪ ،‬ومع ذلك ال يمكن استخدامها لألكل العادي‪ .‬ومن يخالف هذا الحظر يعرض نفسه‬
‫لخطر جسيم‪ .‬هذا ال يعني أن المجموعة تتدخل دائًم ا لمعاقبة كل هذه المخالفة بشكل قانون‪ ،‬بل ُيعتقد أن‬
‫ت دنيس المقدس ات ي ؤدي إلى الم وت تلقائًي ا‪ ،‬إذ ُيعتق د أن المب دأ المخي ف ال ذي ال يمكن أن ي دخل إلى جس د‬
‫دنس دون تعطيله أو تدميره موجود داخل النبات أو الحيوان الطوطمي‪.1‬‬

‫ُتَع ّد الطواطم من ثالثة أنواع على األقل بالنسبة للرجال‪ :‬منها الطوطم العشائري‪ ،‬المشترك‬
‫بين عش يرة م ا بأكمله ا‪ ،‬وال ذي يم ر ب الميراث من جي ل إلى جي ل‪ .‬والط وطم الجنس ي‪ ،‬الش ائع إم ا لجمي ع‬
‫ال ذكور أو لجمي ع إن اث القبيل ة‪ ،‬م ع اس تبعاد الجنس اآلخ ر في كلت ا الح التين‪ ،‬والط وطم الفردي الذي ينتمي‬
‫إلى فرد واحد وال ينتقل إلى نسلِه ‪ .‬وبالتالي فإن الطوطمية نظام ديني واجتماعي‪ .‬في جانبها الديني‪ ،‬تتكون‬
‫من عالقات االحترام والحماية المتبادلين بين الرجل وطوطمه‪ ،‬في جانبها االجتماعي‪ ،‬تتكون من عالقات‬
‫رجال العشائر ببعضهم البعض وبرجال العشائر األخرى‪.2‬‬
‫وظه رت كلم ة "الط وطم" في األدب اإلثن وغرافي(دراس ة األجن اس البش رية) فق ط في نهاي ة الق رن‬
‫الثامن عشر‪ .‬كان مكلينان(جون فيرغسون مكلينان) أول من حاول ربط الطوطمية بالتاريخ البشري العام‪،‬‬
‫وش رع في إظه ار أن الطوطمي ة ليس تمث ل ديًن ا فق ط‪ ،‬ب ل ك ان له ا أثره ا‪ ،‬فيم ا تع دد من المعتق دات‬
‫والممارس ات المتك ررة في األنظم ة الديني ة األك ثر تق دًم ا‪ .‬ح تى أن ه ذهب إلى ح د جعله ا مص دًر ا لجمي ع‬
‫الطوائ ف ال تي تعب د الحيوان ات والنبات ات ال تي يمكن مالحظته ا بين الش عوب القديم ة‪ .‬من المؤك د أن ه ذا‬
‫التوسع في الطوطمية كان مبالًغ ا فيه‪ .‬إذ أّن عبادة الحيوانات والنباتات لها أسباب متعددة ال يمكن اختزالها‬
‫إلى سبب واحد‪ ،‬إذ ُد ِر َس ت الطوطمية في منهج فريزر لتمثل دين ومؤسسة قانونية‪ .‬لكن هذه الدراسة ك انت‬
‫وص فية بحت ة‪ ،‬ولم تب ذل أي جه د لش رح الطوطمي ة أو الخ وض في أفكاره ا األساس ية‪ .‬ومن المؤك د أن‬
‫ماكلينان سبق أن قارن الطوطمية بالديانات المهمة في العصور القديمة ‪ ،‬لكن ذلك كان فقط ألنه اعتقد أنه‬

‫‪1‬‬
‫‪Eimle Durkheim, The Elementary Forms of Religious Life, Trans; Karen E.‬‬
‫‪Fields, the Free Press, New York,‬‬ ‫‪1995, p. 127.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪J.G.Frazer, Totemism…………p.3.‬‬
‫‪17‬‬
‫وج د طائف ة من الحيوان ات والنبات ات في كليهم ا‪ .‬لكن اخ تزال الطوطمي ة إلى ن وع من عب ادة الحي وان أو‬
‫النبات يعني رؤية سطحية‪.3‬‬
‫تقدم اإلنس ان في حيات ِه البدائي ة ومعتقدات ِه ‪ ،‬خطوات إجتماعي ة مهم ة‪ ،‬ضمن إطار النظ ام والُع رف‬
‫اإلجتم اعي وإ نتماءات ِه ‪ ،‬ليظه ر عنص رًا إجتماعي ًا مهم ًا‪ ،‬بع د أّن تق دم اإلنس ان الس اذج في معتقدات ِه ‪ ،‬بش كل‬
‫مت واتر من اإليم ان ب القوى الخفي ة المحرك ة(اإلحيائي ة)‪ ،‬وتواص لِه م ع الم ؤثر الشخص ي(الفك ر والش عور)‪،‬‬
‫وإ بتداع ِه لطريقة التواصل من خالل الرسم والتمثيل الصوري والشكلي‪ ،‬لتصبح رموزًا بدائية‪ ،‬مع تقديم‬
‫التبجيل والتوقير لتلك الرموز‪ ،‬وإ ستمالتها لنيل منافعها وطمأنة النفوس‪ ،‬وبالتالي تطور نلك الرموز لتأخذ‬

‫شكل أكثر إجالًال وتبجيًال لتكون من الرموز والمؤثرات الخارجية‪ ،‬ليتنامى تبجيلها وتوقيرها‪ ،‬بما توفرُه‬
‫من نف ع وخدم ة وأمن‪ ،‬حس ب م ا إعتق د اإلنس ان بس ذاجته‪ ،‬لتك ون م ؤثرًا خارجي ًا‪ ،‬يص عب التواص ل مع ه‬
‫ومهابًا‪ ،‬أكثر من المؤثر الشخصي‪ ،‬ومع التطورات اإلجتماعية وتنامي القوة اإلقتصادية‪ ،‬وحاجة الغالبية‬
‫من أف راد المجتم ع الس ذج الفطري ة‪ ،‬لمعون ة اآلخ رين ومس اعدتهم في التوجي ه والنص ح وتحم ل مس ؤولية‬
‫القرار عنهم‪ ،‬ظهر هنا دور المؤثر اإلجتماعي أو الشخصية المهنية الحاذقة‪ ،‬المميزة عن الجميع بالفطنة‬

‫وال دهاء والمهني ة‪ ،‬وربم ا المتم يزة بن وع من اإلحتي ال‪ ،‬م ع تميزه ا بالقلي ل من النفعي ة والوص ولية لتك ون‬
‫الوس يط بين الرم ز واإلنس ان‪ ،‬إذ أض فى اإلنس ان أو الش خص الم ؤثر(الُم س تعان) ال ذي إس تعان ب ِه اإلنس ان‬
‫دليًال لحيات ِه ‪ ،‬بعض المظ اهر على ص ورِه المبجل ة والم وقرة‪ ،‬او ص ور التش بيه والمحاك اة ال تي آمن به ا‪.‬‬
‫ومن هوالء المؤثرين ربما كان القائد األقوى‪ ،‬أو الحكيم الموّج ه‪ ،‬أو الِم هني اإلنشط مزارع كان أم راعي‬
‫أم صياد‪ ،‬وفيما يخص المعتقد واإلرواحية‪ ،‬حسب ما نبحث فيه‪ ،‬فربما كان للطبيب والعارف الدور األهم‬
‫واألوس ع‪ ،‬لم ا ل ه من أث ر وت أثير في ص حة وبق اء حي اة الن اس وعالج آالمهم‪ .‬وربم ا م ا يش به ه ذا الم ؤثر‬
‫اإلجتماعي المهم ودورِه في المعتقدات البدائية‪ ،‬هو ما ُيعَر ف بالشامان‪.‬‬
‫ُيَع ّد الشامان(‪ ، )Shaman‬العارف والحكيم‪ ،‬في األنظمة الدينية لما قبل الميالد‪ ،‬في مناطق سيبريا‬
‫وش عوب األورال األلتي ة(جب ال األورال)‪ ،‬وألس باب لغوي ة تس مى مجتمع ة الش عوب األلتي ة‪ ،‬ومنه ا الش عوب‬
‫التركية والمغول والتونغوس ‪(Tungusic‬شعوب سيبريا وشمال شرق اسيا)‪ .‬تتراوح ثقافتهم من نوع من‬
‫ال رعي الب دائي إلى ن وع متخص ص جي ًد ا من الممال ك الرعوي ة‪ .‬المص ادر الرئيس ية لكس ب ال رزق ك انت‬

‫‪3‬‬
‫‪Eimle Durkheim, The Elementary Forms of Religious Life……….., pp. 85- 87.‬‬
‫‪18‬‬
‫قطع ان األغن ام والم اعز والماش ية والخي ول‪ ،‬في ص حراء الس هوب‪ ،‬يقوم ون أيًض ا بتربي ة الجم ال‪ .‬م ع‬
‫إس تمرار المحافظ ة على ال دين األص لي له ذه الش عوب‪ ،‬وال ذي ُيطل ق علي ه عموًم ا الش امانية بس بب ال دور‬
‫المهيمن للش امان‪ ،‬بين القبائ ل التركي ة في جب ال ألت اي‪ ،‬وبين الي اكوت‪ ،‬والمنغول يين بوري ات‪ ،‬والتونغ وس‬
‫الش مالية ‪ .1‬والش امانية ب المعنى ال دقيق للكلم ة هي ظ اهرة ديني ة ب ارزة في س يبيريا وآس يا الداخلي ة‪ ،‬وق د‬
‫ج اءت الكلم ة‪ ،‬من اللغ ة الروس ية ‪ ،‬من كلم ة ش امان التونغوس ية‪ .‬وتتمرك ز الحي اة الس حرية والديني ة‬
‫للمجتمع في الشامان في جميع أنحاء المنطقة الشاسعة التي تضم المناطق المركزية والشمالية من آسيا‪.‬‬
‫وال يع ني ب الطبع أن ه المتعام ل الوحي د م ع المقدس ات ومتالعب ًا به ا‪ ،‬وال مغتص بًا أو مهيمنن ًا على النش اط‬
‫الديني بالكامل‪ .‬ففي العديد من القبائل‪ ،‬يتعايش الكاهن ورجل الدين الزاهد مع الشامان‪ ،‬ناهيك عن حقيقة أن‬
‫كل رئيس للعائلة هو أيًض ا رأس الطائفة المحلية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يظل الشامان الشخصية المسيطرة‪ ،‬ألنه في‬
‫جمي ع أنح اء منطق ة آس يا الشاس عة ال تي تع د فيه ا تجرب ة النش وة الديني ة‪ ،‬يك ون الش امان وح ده س يد‬
‫النشوة العظيم‪ ،‬فهو تقنية من النشوة‪ ،‬وعلى هذا النحو الموصوف أصبح بين العشيرة ‪.2‬‬
‫كان هناك فضًال عن الشعوب المذكورة آِنف ًا‪ ،‬عند شعوب جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى‪ ،‬وفي‬
‫بعض األنظمة المماثلة في جميع أنحاء العالم‪ ،‬شخص ُيعَتَق د أن لديه القوة لشفاء المرضى‪ ،‬والتواصل مع‬
‫الع الم من بع د‪ .‬وه و رج ل الطب‪ ،‬والك اهن‪ ،‬والمخت بر النفس ي‪ .‬أي أن ه يش في األم راض ويوج ه الق رابين‬
‫الجماعية ويرافق أرواح الموتى إلى العالم اآلخر‪ .‬إنه قادر على القيام بكل هذا بحكم تقنياته في النشوة ؛‬
‫أي من خالل قدرت ه على ت رك جس ده كم ا يش اء أثن اء حال ة اله دوء‪ .‬وفي س يبيريا وفي ش مال ش رق آس يا‬
‫يصبح الشخص شاماًن ا عن طريق النقل ال وراثي للمهن ة الش امانية أو عن طري ق "االنتخ اب"‪ .3‬وهن اك أيًض ا‬
‫ح االت ألف راد أص بحوا ش اماًنا ب إرادتهم الح رة (على س بيل المث ال ‪ ،‬بين الش عوب األلتي ة التركي ة) أو‬

‫‪1‬‬
‫‪Wilhelm Dupre, Religion in Primitive Cultures A Study in Ethnophilosophy,‬‬
‫‪Mouton & Co, Hungary , 1975, p. 85.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mircea Eliade, Shmanisim, Mircea Eliade(ed), The Encyclopedia of Religion,‬‬
‫‪Vol.13, Macmillan Publishing Company, New York, 1987, p. 202.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Jacob E. Safra، The New Encyclopaedia Britannica، Vol.10، Fifteenth Ed،‬‬
‫‪Encyclopaedia Britannica، inc ، Chicago، 2005، p. 692.‬‬
‫‪19‬‬
‫بإرادة العشيرة (كما هو الحال مع التونغوس‪ ،‬لكن هؤالء الشامان العصاميين يعتبرون أقل قوة من أولئك‬
‫ال ذين ورث وا المهن ة أو ال ذين أط اعوا دع وة اآلله ة واألرواح‪ .1‬وُيَع ّد الش فاء من أهم وظ ائف الش امان في‬
‫جميع الثقافات‪ .‬نظًر ا ألن المرض ُينظر إليه على أنه خسارة للروح‪ ،‬يجب على الشامان أوًال تحديد ما إذا‬
‫كانت روح الفرد المريض قد انحرفت عن الجسد أو ُس رقت من قبل الشياطين وُس جنت في العالم اآلخر‪.‬‬
‫ففي الحال ة األولى‪ ،‬يأس ر ش مان ال روح ويعي د دمجه ا في جس د الم ريض‪ .‬وتس تلزم الحال ة األخ يرة ال نزول‬
‫إلى العالم السفلي‪ ،‬وهذه مشكلة معقدة وخطيرة‪ .‬واإلثارة في رحلة الشامان إلى العالم اآلخر لمرافقة روح‬
‫استمرارها‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المتوفى إلى مسكنها الجديد‪ ،‬إذ يروي الشامان ألولئك الحاضرين كل تقلبات الرحلة أثناء‬
‫وُيشار إلى أّن الشامان عندما يقع في نشوة‪ ،‬تزور روحه المناطق النائية أو عالم اآللهة واألشباح‪.‬‬
‫ه و ك اهن ون بي وط بيب‪ .‬تق ع على عاتق ه مس ؤولية تحدي د التض حيات األك ثر مالءم ة في حال ة معين ة وأي‬
‫االحتف االت يجب إجراؤه ا للحف اظ على الع الم س ليًم ا‪ .‬في حال ة الم رض‪ ،‬يش في المرض ى ويط رد األرواح‬
‫الش ريرة‪ .‬خالل مث ل ه ذه الع روض‪ ،‬يرت دي مالبس مزين ة برم وز‪ ،‬وقب ل ك ل ش يء بعالم ة ط ائر‪ ،‬وهي‬
‫عالمته الخاصة‪ .‬غالًب ا ما تكون مهنة الشامان وراثية‪ ،‬رغم أنها تحتاج إلى تصرف نفسي جسدي معين‪.‬‬
‫على أي ح ال ‪ ،‬ف إن الت دريب الطوي ل ض روري قب ل أن يص بح الش خص ق ادًر ا على التن ويم المغناطيس ي‬
‫المختلفة‪ .‬وبشكل عام تتعايش الشامانية مع أش كال من‬
‫‪3‬‬
‫الذاتي‪ ،‬ويتم ذلك بمساعدة الطبل السحري والرقصات‬
‫الس حر وال دين‪ .‬كم ا ه و مع روف‪ ،‬ف إن الس حر والس حرة موج ودون بش كل أو ب آخر في جمي ع أنح اء‬
‫العالم‪ ،‬في حين أن الشامانية تعرض تخصًص ا سحرًيا خاًص ا‪ ،‬مثل التمكن من النار أو الطيران السحري‪.‬‬
‫ساحر‬
‫بحكم هذه الحقيقة‪ ،‬على الرغم من أن الشامان (من بين أمور أخرى) ساحر‪ ،‬وليس كل ‪.4‬‬
‫ليس هناك وضوح كامل حول أصل كلمة الشامان‪ ،‬إذ أشار بعض الباحثين‪ ،‬قد ترجع اصولها إلى‬
‫لغ ة المانش و أو المنغولي ة‪ ،‬والبعض اآلخر ـشار إلى اللغ ة السنس كريتية‪ ،‬وربما الرأي األكثر قب واًل هو أن‬
‫كلمة "شامان" هي كلمة تونغوسية‪ ،‬وتشير إلى المتسول أو رجل متدين‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يطلق الشعب‬

‫‪.Mircea Eliade, Shmanisim, Mircea Eliade(ed),The Encyclopedia……..…p.202 1‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Jacob E. Safra، The New Encyclopaedia Britannica…………p. 692.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Wilhelm Dupre, Religion in Primitive Cultures………………p. 87.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Mircea Eliade, Shmanisim, Mircea Eliade(ed),The Encyclopedia……..…p.202.‬‬
‫‪20‬‬
‫التركي عموًم ا على الشامان اسم " كام "‪ ،‬التي تعني " الكاهن‪-‬الساحر" وكذلك "الطبيب الخبير‪ ،‬العالم أو‬
‫الفيلس وف"‪ُ .‬تع َّر ف كلم ة ك ام ال تي ورد ذكره ا أيًض ا في كت اب كوت ادغو بيليج بأنه ا الش خص ال ذي يق ف‬
‫بج انب الط بيب ويح اول أن يش في الم ريض بأس اليبه الخاص ة‪ ،‬وفي الغ الب ب الطرق الس حربة‪ ،‬بينم ا يع الج‬
‫اب‪ .‬وق د أش ار أح د الب احثين المختص ين‪ ،‬إلى أّن مص طلح "ش امان" ه و من أص ل‬
‫‪1‬‬
‫الط بيب الم ريض باألعش‬
‫تونج وس‪ .‬يتم اس تخدامه لجمي ع األف راد ال ذين يمتلك ون ملك ات (خاص ة) فيم ا يتعل ق بعالق ة اإلنس ان‬
‫ب الرموز ال تي تم يزهم عن اآلخ رين‪ .‬ق د تنب ع ه ذه الص فات أو المَلك ات من "المهن ة"‪ ،‬ولكن يمكن اكتس ابها‬
‫أيًض ا عن طريق التدريب أو كليهما‪ .‬إذا أصبح التمييز بين الشامان واألشخاص اآلخرين أساًس ا للتوجه ال ديني‬
‫والطقوس‪ ،‬فيمكن للمرء أن يتحدث عن الشامانية كنظام ديني‪ ،‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬واعتماًد ا على السياق‪ ،‬يمكن‬
‫ترجمة كلمة شامان بكلمات مثل الكاهن‪ ،‬الوزير‪ ،‬رجل الطب‪ ،‬الشاعر والرجل الحكيم‪.2‬‬
‫ونظًر ا ألن الشامانيين يرون الطبيعة بأكملها تحت تأثير األرواح الجيدة والسيئة‪ ،‬فقد سعوا إلى إيجاد‬
‫طرق إلقامة عالقة مع األرواح من أجل الحماية من قوى الشر بوجود اإلنسان‪ .‬بالنظر إلى هذا ‪ُ ،‬يعتقد أن‬
‫الجميع شامان في البداية ‪ ،‬وعندما أدرك الشخص أنه ال يستطيع التخلص منه بمفرده ‪ ،‬لجأ إلى مساعدة‬
‫األشخاص ذوي الشخصية األقوى وولد الشامانية األسرية‪ .‬في وقت الحق ‪ ،‬بدأ األشخاص ذوو القدرات‬
‫والميول الخاصة في ممارسة الشامانية كمهنة بعد فترة تدريب معينة‪ .‬اختيار الشامان ال يعتمد على اإلرادة‬

‫الشخص ية ‪ .3‬وُيعَتَق د أن من الط رق المهم ة للس يطرة علـى قــوى األرواح‪ ،‬هي الش امانية‪ .‬من خالل القي ام‬
‫باستحض ار األرواح لتح ل في جس م إنس ان أو يتم طرده ا من ه بواس طة مـن هـو مس كون ب األرواح‪ ،‬أي‬
‫الش امان‪ ،‬ألن دوره االجتم اعي يع د نموذج ًا لك ل األطب اء‪ -‬الس حرة‪ ،‬واختصاص يي العق اقير‪ ،‬والمع زمين‪،‬‬
‫والمش عوذين‪ .‬إن ه ق ادر على أن يض ع نفس ه في نوب ة للس يطرة على األرواح‪ ،‬أى أن ه ي رتقى بنفس ه إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans and Shamanism، Lokman‬‬
‫‪Hekim Journal، Vol.2، No.1، 2012، p. 31.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Wilhelm Dupre, Religion in Primitive Cultures…………. p. 79.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans ……..p. 32.‬‬
‫‪21‬‬
‫عالم األرواح بالوعي واإلرادة والقوة‪ .‬عند ذلك يستطيع التحكم بأرواح معينة‪ ،‬أهمها تلك المسيطرة على‬
‫المرض والموت‪ ،‬يبلي بها الناس أو يطردها عنهم في أحوال المرض‪.1‬‬
‫وِص َف الش امان بأن ه "م دير األزم ات"‪ ،‬س واء ك انت أزم ات شخص ية (أم راض وأم راض)‪ ،‬أو‬
‫ص راعات داخ ل مجموع ة‪ ،‬أو ص راعات بين الجماع ات‪ .‬وبالت الي فه و يتوس ط بين المج االت المختلف ة‪..‬‬
‫الشخص ية و غ ير الشخص ية‪ ،‬بين المجموع ات‪ .‬والطبيعي ة والروحي ة (وه ذا يش مل الوس اطة بين الطبيع ة‬
‫والبشر ألن البيئات تعتبر حيوية‪ .‬وغالًبا ما ُيعتقد أن النزاعات واألمراض ناتجة عن عوامل روحية‪ ،‬لذلك‬
‫فإن أساليب الشامان في الشفاء تعتمد على التواصل مع األرواح‪ .‬المعرفة حول المريض ضروري للشفاء‬
‫الناجح‪ .‬إذ أكدت األبحاث اإلثنولوجية أيًض ا على أهمية الطقوس الشامانية كوسيلة لتعزيز االلتزام النفسي‬
‫ألعضاء المجموعة تجاه مجموعتهم(اإلنتماء)‪ .‬فمن خالل الرقص الجماعي والموسيقى والنشوة‪ ،‬تزول او‬
‫تتناقص "حدود األنا"‪ ،‬وُيعَز ز الترابط االجتماعي‪ ،‬كما أن تزامن الحركة واإليقاع والعواطف يعزز التذكر‬
‫وبالتالي يشجع الذاكرة الثقافية للجماعة والهويات االجتماعية‪.2‬‬
‫يحتل الشامان‪ ،‬الذين يؤدون واجب الطب‪ ،‬واإلستجابة لصرخة اإلنسان المتألم في الغابات البرية‪،‬‬
‫ومن خالل االضطالع بمهمة تخفيف آالمه‪ ،‬مكاًنا مهًم ا في صفحات التاريخ الطبي‪ .‬أصبح الشامان جزًءا‬
‫من نظ ام معتق د من خالل الت أثير على المجتمع ات ال تي يعيش ون فيه ا خ ارج مج ال الص حة‪ .‬وهك ذا ف إنهم‬
‫بهوي اتهم الديني ة المكتس بة‪ ،‬يكون ون في موق ع وس يط يش عر ب المجهول للمجتم ع ويكم ل العملي ة األولى في‬
‫الوصول إليه‪ .‬وعلى الرغم من أن الشامانية تستمر في التأثير على حياة األتراك وغيرهم من شعوب آسيا‬
‫الوسطى بمعدالت مختلفة‪ ،‬إال أنها ال تزال تحافظ على صالحيتها كدين بمفردها في آسيا الوسطى‪ .‬بعض‬
‫التتار‪ ،‬وخاصة األتراك الخكاسيين‪ ،‬جميعهم تقريًب ا شامانيون‪ .‬توجد مجتمعات الشامانية أيًض ا في دول مثل‬
‫روس يا ومنغولي ا وطاجيكس تان وكازاخس تان‪ .‬على ال رغم من أن ع ددهم يتن اقص ت دريجيًا‪ .‬وفي اعتق اد‬
‫الشعوب التركية‪ ،‬أن شامان يتواصلون مع القوة العظمى من خالل األرواح‪ ،‬ويستجيبون الحتياجات الناس‬

‫‪ 1‬جون بوير نوس‪" ،‬أهم الخصائص المميزة للدين في المجتمعات البدائية"‪..........‬ص‪.22‬‬


‫‪Marion Benz and Joachim Bauer, On Scorpions,'' Birds and Snakes Evidence for‬‬
‫‪2‬‬

‫‪Shamanism in Northern Mesopotamia during the Early Holocene'', Journal Of‬‬


‫‪Ritual Studies, Vol.29, 2015, p.5.‬‬
‫‪22‬‬
‫في حي اتهم اليومي ة‪ ،‬مث ل الم رض وق راءة الط الع والس حر‪ .‬إذ تع ني كلم ة الش امان حرفي ا مع نى الس احر‬
‫والكاهن‪ .‬لهذا السبب لم يقبل بعض الباحثين الشامانية كدين‪ .‬ووفًق ا لبعض الباحثين‪ ،‬على الرغم من أنه ال‬
‫يعت بر ديًن ا‪ ،‬فق د ُنظ ر إلي ه على أن ه مرحل ة تط ور نح و ال دين‪ ،‬م ع وج ود رابط ة إنبثقت من خالل األرواح‬
‫واالعتق اد ب أن ك ل ش يء ل ه روح ي ؤدي إلى قب ول الش امانية كروحاني ة تطبيقي ة حقيقي ة‪ .‬ووفًق ا للش امانية‪،‬‬
‫يتك ون اإلنس ان من روح (نفس) وجس د‪ .‬يتك ون الجس م من لحم وعظ ام ودم‪ .‬ي وفر الوظ ائف الفس يولوجية‬
‫لإلنس ان‪ .‬ويعتم د م ا إذا ك ان الش خص يتمت ع بص حة جي دة أو مريًض ا‪ ،‬على الت وازن بين األرواح الجي دة‬
‫والسيئة في الطبيعة‪ .‬كما هو واضح‪ ،‬سيكون من األصح اعتبار الشامانية ليس كدين‪ ،‬ولكن كطريقة لتفسير‬
‫الظ واهر ال تي ال يس تطيع الن اس فهمه ا‪ ،‬وبالت الي نظ ام معتق د‪ .‬باإلض افة إلى ذل ك ‪ ،‬ف إن المش اكل الص حية‬
‫التي تؤثر بشكل مباشر على حياة اإلنسان وحلولها قد حافظت دائًم ا على أهميتها‪ .‬ضمنت هذه األهمية أن‬
‫المهمة الرئيسة للشامان هي استعادة الصحة‪.1‬‬
‫وُيشار إلى أّن الشامانات والكهنة وزعماء العشائر هم من المخولين للتعامل مع الرموز المقدس ة‪ ،‬بم ا‬
‫يمتلكون من التقوى والرهبة والتبجيل‪ ،‬ال يمتلكها البدائي‪ ،‬الذي ال يستطيع من التعامل مع المقدس بطريقة‬
‫ال مبالية أو عفوية‪ ،‬لما يمتلك المقدس من دالالت منها قـوة خارقة‪ ،‬تحيي وتميت في آن مع ًا‪ ،‬قوة للخير‬
‫وللشر المباشرين‪ .‬وموقف الفــرد تجاهه هو الذي يقرر ما ينجم عنه من خير أو من شر‪ .‬يحمل المقدس‬
‫وع دًا بالبرك ة‪ ،‬ولكن ين در أن يتعام ل مع ه أح د ب دون ض رر يلح ق ب ه‪ .2‬فض ًال عن ذل َك ‪ُ ،‬تع َّر ف واجب ات‬
‫الشامان عموًم ا بأنها الدعاء والعرافة والشفاء والسحر‪ .‬إن تشابه هذه الواجبات مع الملتزمين في الديانات‬
‫القديمة‪ ،‬كان دافعًا للتعامل مع الشامانية بصيغة دين أو معتقد روحي‪ .‬وكانت الشامانية‪ ،‬التي انتشرت على‬
‫مساحة واسعة في العالم‪ ،‬لها مكانة مهمة في تاريخ تركيا ‪ -‬ثقافة المنغول‪ .‬مع وجود شامان من الذكور‬
‫واإلناث‪ ،‬وُتَع ّد إناث الشامان أقوى‪ ،‬ومنها أن الشامان يتركون شعًر ا طوياًل ‪.3‬‬

‫‪Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans…..……p.32.‬‬


‫‪1‬‬

‫جون بوير نوس‪" ،‬أهم الخصائص المميزة للدين في المجتمعات البدائية‪.............‬ص‪.22‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans…..……p.33.‬‬
‫‪23‬‬
‫ومن واجبات الشامان‪ ،‬إرسال الروح الميتة‪ ،‬التي يعتقد أنها تجول في المنزل لمدة عام‪ ،‬إلى العالم اآلخر‪.‬‬
‫وشفاء األمراض الشديدة‪ .‬القضاء على سوء الحظ في الصيد‪ ،‬والمحافظة على التوازن بين األرواح الطيب ة‬
‫و األرواح الشريرة‪.4‬‬
‫ويس تطيع الب احث بتواض ع وإ حتمالي ة من تلخيص فلس فة العقي دة البدائي ة لإلنس ان‪ ،‬من خالل معادل ة‬
‫بس يطة‪ ،‬وهي حداث ة تجرب ة وخ برة اإلنس ان في الحي اة وب دايتها‪ ،‬م ع ب دايات للتعام ل العملي والحي اتي م ع‬
‫الواقع‪ ،‬ونمطية الحياة العملية‪ ،‬التي تركت اإلنسان في فائض زمني ووقت فراغ غير ُم س َتَغ ل‪ ،‬مع فراغ‬
‫فكري غير مشغول‪ ،‬الذي خلق ربما نوع ًا من السلبية في نمط ِه الفكري وفراغ ًا إجتهادي ًا(تحليل وتصور)‪،‬‬
‫تركت اإلنسان ليواجه قديما عدد من االلغاز‪ ،‬التي شكلت مخاوف لديه ليواجهها‪ ،‬صادَف كل ذلك‪ ،‬واقع‬
‫ومحي ط إتص ف في غالب ِه بأح داث مهم ة مجهول ة األس باب والمض امين‪ ،‬س ببت ل ه مخ اوف وقل ق وع دم‬
‫إطمئن ان‪ ،‬مث ل ال والدة‪ ،‬الحي اة‪ ،‬الم رض‪ ،‬الع وق‪ ،‬األحالم‪ ،‬الك وابيس‪ ،‬األلم‪ ،‬الم وت والفن اء‪ ،‬م ع غي اب‬
‫الِع لية(العلة والمعلول)‪ ،‬بغياب العلمية والقدرة على التحليل الرصين واإلستنتاج الصحيح‪ .‬لذلك ربما كان‬
‫بحاجة إلى إشباع مخيلت ِه بأية صورة فكرية‪ ،‬يستطيع معها بلوغ نوع ًا من الطمأنينة واألمان‪ ،‬الذي جعل‬
‫فك را اإلنس ان إنقيادي ًا ال قيادي ًا‪ .‬دف ع ذِل َك اإلنس ان لإلعتق اد بوج ود ِق وى محرك ة منه ا المعلوم ة ومنه ا‬
‫المجهول ة‪ ،‬ولمحاولت ِه من التواص ل معه ا ِف طري ًا وبس ذاجة‪ ،‬تص و له ا ق وة حِر ك ة عاِق ل ة‪ ،‬ش بيهة بروح ِه‬
‫ُم‬ ‫َر‬
‫وإ دراكِه ‪ ،‬فكانت مرحلة منح الروح أو اإلرواحية ِلتل َك القوى والمظاهر والظواهر المحيطة‪ ،‬ال سيما تلك‬
‫المس ؤولة عن ص ميم حيات ِه المعاش ية والِج س مانية‪ ،‬ال تي تعلقت في ذهن ِه ع بر الف ترات الزمني ة واح داثها‪.‬‬
‫وكان كل ما يحيطه ُيعد مؤثرًا بشكل ما في حيات ِه وطريقة تفكيره‪ ،‬ليكون أول مؤثر في حيات ِه هو فكرِه‬

‫وش عورِه الخ اص‪ ،‬وه و الم ؤثر الشخص ي الفط ري‪ ،‬ال س يما م ا يمس غرائ زِه وآالم ِه ومخاوف ِه ‪ ،‬ليح اول‬
‫التعامل مع فكرِه والتواصل‪ ،‬من خالل التشبيه والمحاكاة لفكرت ِه او مطلب ِه ونجدت ِه ‪ ،‬وذلك برسم او تمثيل‬
‫الفكرة بشكل رمزي او تشريحي‪ ،‬ليتوقع حدوث نتيجة ما رسمه من فكرة وعبر عنها‪ .‬بعد صفة اإلحيائية‬
‫أو اإلرواحية‪ ،‬والتواصل مع المؤثر الشخصي‪ ،‬عن طريق التشبيه والمحاكاة للمظاهر والظواهر المرمزة‪،‬‬
‫وبعد التقدم والتنامي المجتمعي‪ ،‬وزيادة عدد أفراد المجتمع بعد زيادة أعداد العوائل‪ ،‬سعى اإلنسان ومن‬
‫خالل تأثرِه برمزية المؤثر الشخصي‪ ،‬ومحاولتِه لخلق وحدة رمز لإلنتماء والوحدة المجتمعية وفطرت ِه في‬

‫‪4‬‬
‫‪Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans…..……p.34.‬‬
‫‪24‬‬
‫اإليمان واإلعتقاد‪ ،‬إبتدع أو تأثر بشكل أو بآخر ساعيًا‪ ،‬لخلق مؤثر خارجي عام لمجموعة من الناس أو‬
‫لمجموع المجتمع‪ ،‬ليأخذ شكل الطوطم أو المبجل والموقر‪ ،‬ومحاولة اإلنسان وسعيِه الفطري لتعظيم رمز‬
‫ما وإ رتهابِه ‪ ،‬وإ تباعِه منقادًا غير مسؤول‪ ،‬وكانت أيض ًا الوسيلة للتواصل مع هذا الرمز الخارجي المبجل‬
‫والموقر‪ ،‬ربما ال المقدس في بدايات األمر‪ ،‬من خالل التشبيه والمحاكاة للشكل والصورة‪ ،‬لياخذ بعد فترة‬
‫من ذلك صورة لتقديس هذا الرمز فطريًا دون إدراك لمعان الدين‪ ،‬على الرغم من ممارسة بعض الطق وس‬
‫ربما والمراسيم‪ ،‬التي تتخلل زيارة المبجل والتواصل معه لكسب رضاه وطلب نعمت ِه ‪ ،‬وصوًال للطمأنينة‬

‫ووهم المعرف ة‪ ،‬وربم ا بع د أن تق دمت الق درات اإلقتص ادية‪ ،‬ومراح ل من التن امي اإلجتم اعي‪ ،‬تطلب إدارة‬
‫التواص ل م ع تل ك الرم وز المبجل ة او المقدس ة بع د حين ولس ذاجة اإلنس ان الب دائي وفطريت ِه ‪ ،‬وج ود وس يط‬
‫وقي ادي وموج ه‪ ،‬وه و الم ؤثر اإلجتم اعي المم يز بن وع من المهني ة العالي ة وقرب ِه من الن اس م ع الفطن ة‬
‫والتحاي ل‪ ،‬من أج ل كس ب رض ا الموج ودين من خالل إث ارة فكرة قدس يتِه بع د قدس ية الرمز المبج ل الع ام‪،‬‬
‫وك ان من أق رب الشخص يات المهني ة إلش غال دور الم ؤثر اإلجتم اعي‪ ،‬ه و الط بيب ومخف ف اآلالم ومنق ذ‬
‫الناس من الموت والعوق والكسر‪ ،‬فمن خالل مهنيت ِه وفطنت ِه وطمع ِه في مال او جاه ومن خالل قربه من‬
‫الناس‪ ،‬كان له دور في الوساطة بين المبجل وما يرغبه واألرواح المحيطة وبين الناس بما تطلبه منه من‬
‫أجل الطمأنينة والسالم ودفع المخاوف‪ ،‬ومثل هذا المؤثر اإلجتماعي ما يعرف في بعض الثقافات القديمة‬
‫والمجتمع ات البدائي ة بالش امان‪ ،‬وه و الس احر والط بيب المتمكن الح اذق الم ؤثر المنتف ع‪ ،‬على س بيل المث ال‬
‫وليس الحصر‪.‬‬

‫‪25‬‬
26

You might also like