Professional Documents
Culture Documents
المبحث الاول فلسفة المعتقد البدائي
المبحث الاول فلسفة المعتقد البدائي
ذل ك من مغ ادرة االنس ان لألش جار والغاب ات والس ير بق دمين على االرض ،فق د لعبت ه ذه المظ اهر دورًا
بارزا في بداية وعي االنسان للعالم ،وتبلور اولى إدراكاته الفكرية المختلفة عن الغريزية في الحيوان. 1
إذ ُيَعّد المعتقد أول اشكال التعبير الجمعي(الجماعي ضمن المجتمع) عن الخبرة الحسية الفردية التي
خرجت من حيز االنفعال العاطفي الى حيز التأمل الذهني ،ويبدو ان التوصل الى تكوين معتقد ،هو حاجة
س يكولوجية ماس ة ،الن في المعتق د يت دخل االنس ان من اج ل ص ياغة مف اهيم متأتي ة من تجارب ِه الخاص ة
وإ س قاطها على الع الم الخ ارجي ،ومكان ِه المم يز هن اك ،م ع خل ق شخص يات وق وى معنوي ة ،تس تقطب
االحساس بالمقدس وتجتذبه الى خارج النفس ،وبذلك تتكون الصيغ األولية للمعتقدات ،والمعتقد الديني هو
شأن جمعي بالضرورة ،فأن عقول الجماعة تعمل على صياغته ،كما تعمل االجيال المتالحقة على صقله
وتطويره.2
ك ان اإلنس ان في عالق ة مباش رة م ع الطبيع ة مت أثرًا بتحوالته ا ومتغيراته ا ،قب ل تن امي قدرت ه على
إستعمال المنطق في تفكيره ،فكانت تلك العالقة ِع بر األحاسيس واالنفعاالت ،التي جعلته يرغب بمشاركة
الطبيع ة واالن دماج فيه ا .3فك انت للطبيع ة آثاره ا على اإلنس ان بإث ارة الدهش ة أو العجب من الظ واهر
والمظ اهر الطبيعي ة ،إذ ك ان للعوام ل الجغرافي ة األث ر الب الغ في والدة معتق د اإلنس ان .فيق ول فري زر " إنن ا
على ثق ة ب ان الديان ة ق د ت أثرت بالمحي ط الط بيعي أك ثر من أي نظ ام اجتم اعي ،ويعتق د جيف ونس أن أولى
ال ديانات ق د انبثقت عن عب ادة مظ اهر الطبيع ة ،وذل ك أن اإلنس ان الق ديم تحت ت أثير الخ وف والرهب ة من
1خزعل الماجدي ،اديان ومعتقدات ماقبل التاريخ ،ط ،1دار الشروق ،فلسطين ،1997 ،ص.35
فراس السواح ،دين اإلنسان بحث في ماهي ة ال دين ومنش أ ال دافع ال ديني ،منش ورات عالء ال دين ،س وريا، 2
حسين سيد نور االعرجي ،جذور الفكر في العراق القديم وروافده ،اطروحة دكتوراه غير منش ورة ،كلي ة 1
ف وزي رش يد" ،نش أة ال دين والحض ارة والعص ور اآلداب ،جامع ة بغ داد ،2011 ،ص 219؛
الجليدية" ،سومر ،مج ،32ج ،1976 ،2-1ص .8
فراس السواح ،دين االنسان ................ 2
2
عملية القفز عاليًا قدر ما يستطيع مصحوبة بكلمات الحث والتش جيع .4وه و ن وع من الس حر مارس ه انس ان
العص ر الحج ري الق ديم ،ليع د وس يلة لتحقي ق م آرب الش خص ال ذي يم ارس ه ذا الن وع من الس حر بقيام ه
بالمماثلة أو الرمزية القائمة على التشابة ،أي يقوم هو بنفسه أو محاكاة وتقليد النتيجة التي يريد تحقيقها في
الحي اة الواقعي ة وذل ك بمنح نفس ه الق وة الق وة ازاء ع دوه من خالل رس ومة ال تي من غ ير الممكن ان تك ون
متعلقة بميل للتعبير عن انفعال جمالي ،اذ انه عندما يرى الحيوان فرؤيته للحيوان ماهي اال امتالء بعدد ال
يحصى من االحاسيس البصرية ورسمه بموجب جمعها في شكل معين ،شأنه شأن الفكرة يستوعوبها كلها
2
ويفنيها فيتعاون الفكر مع اليد في القيام بعملية رسم الشكل المراد تمثيله
ويعد الخوف من أهم دوافع اعتناق العقيدة الدينية ،ولذا فهو من أهم مصادر المعتقدات الدينية ،اذ
كانت القوى المحيطة تمثل تجسيد للقوى الطبيعية التي تسهم في ضمان الوجود بصورة عامة ،وهي تمثل
إستجابة لحالة الخوف والقلق التي كانت تتملك اإلنسان وهو يواجه قوى الطبيعة ،هذا ما اكده ديالبورت
وهو يتحدث عن مثل الخوف والقلق اللذان يراودان العراقي القديم(على سبيل المثال) ازاء الموت ،اذ يدو
ان ه ذه الحال ة هي ال تي دفعت ب ه الى ايج اد االله ة والتمس ك به ا ليج د فيه ا مالذ يخف ف من وطاته ا وربم ا
هذه العالقة السببية بين وجود االلهة والرغبة في التخفيف من وطأة القلق والخوف كانت تشكل ركن ًا من
ارك ان المعتق د ال ديني .3ويش ير بعض الب احثين إلى أّن الن اظر ألي ة جماع ة بدائي ة أن القداس ة هي الس مة
األولى للدالل ة الديني ة ألي مك ان أو ش خص أو ش يء أو ح دث وهم ينظ رون إلى ك ل م ا ه و مق دس نظ رة
تجمع بين االحترام والحذر في آن معًا ،ويرى الباحث رودولف أوتو في دراسته المعروفة فكرة المق دس»،
ج ون ن وس" ،أهم الخص ائص المم يزة لل دين في المجتمع ات البدائي ة" ،ترجم ة :غ ادة ج اويش ،في ف راس 1
الس واح ،موس وعة ت اريخ االدي ان -الكت اب االول ،الش عوب البدائي ة والعص ر الحج ري ،دار عالء ال دين،
سوريا ،2003 ،ص.29 ،26
اكرم محمد عبد كسار" ،قراءة في نتاجات االنسان االنسان الفنية االولى" ،سومر ،ج ، ،2-1مج 2
،39 ،1983ص.31
3عب د الرض ا الطع ان ،الفك ر السياس ي في الع راق الق ديم ،دار الرش يد للنش ر والطباع ة،بغ داد ،1981،ص
.356
3
أن الخ برة بالمق دس تق وم على مجابه ة داخلي ة م ع ق وة ال تنتمي إلى ع الم الظ واهر ،لتمنح ه ذه المجابه ة
إحساسًا بالخوف واالنجذاب في آن معًا.1
كانت الشعوب القديمة تمتلك تفكيرًا ،فالحاجة والرغبة تدفعهم لفهم العالم المحي ط بهم ،2وي رى ليفي
بريل ،أن اإلنسان القديم ال يمارس اي نوع من أنواع االستدالل مهما كان بسيطًا ،ألنه عندما يقوم بالمهام
الض رورية لعيش ه يفك ر ويعم ل من اج ل تهيئ ة الوس ائل ال تي توص له الى األه داف المنش ود ،3وعلى ه ذا
اإلس اس ال يك ون وص ف ت ايلور ج ائزًا ،عن دما أش ار إلى أن اإلنس ان في بدايات ه التاريخي ة األولى لم يكن
مفكرًا ،وإ نما اعتمد على التأمل فحسب في اهتدائه الى نتائجه .4فالظروف الطبيعية المحيطة به أث رت على
حياته وتفكيره ،وجعلت سلوكه وتفكيره قادر على خلق التوازن والصمود في وجه االخطار والمخاوف،
ليدفعه ذلك الفك ر في الش عور ألهمي ة االنتم اء وخل ق ال روح الجماعي ة ،5وأن ج ل تفك ير االنس ان الق ديم في
الت آلف م ع اآلخ رين ،والعيش ض من تش كيالت ذات عالق ات اجتماعي ة قائم ة على العم ل الجم اعي لتحقي ق
سبل العيش وضمان استمرار البقاء ،وعليه فقد تبلور لديه الفكر والوعي الديني من خالل االعتقاد بقوانين
الطبيعة ،مما جعلُه يتميز عن الكائنات الحية األخرى .6فخلق لديه شعور القلق والدفاع وحب الحياة ،بس بب
المتغيرات الطبيعية التي عجز عن إدراكها.
أضافت الطبيعة للوعي فكرة الفن ،بل أنه أهم نتاجات اإلنسان في ذلك الزمان ،ألنه يمثل ترجمة حية
للواق ع ال ذي عاش ه اإلنس ان ،وص ور واق ع الحي اة االجتماعي ة واالقتص ادية ،ولعب دورًا كب يرًا في خدم ة
جون بوير نوس" ،أهم الخصائص المم يزة لل دين في المجتمع ات البدائي ة" ،ت ر :غ ادة ج اويش ،في ف راس 1
الس واح ،موس وعة ت أريخ األدي ان-الش عوب البدائي ة والعص ر الحج ري ،الكت اب األول ،ط ،4دار التك وين
للتأليف والترجمة والنشر ،دمشق ،2017 ،ص.21
كلود ليفي شتراوس ،األسطورة والمعنى ،تر :شاكر عبد الحميد ،بغداد ،1986 ،ص.36 2
ليفي بريل ،العقلية البدائية ،ترجمة :محمد القصاص ،مراجعة :حسن الساعاتي ،القاهرة ،ب.ت ،ص.7 3
أرنس ت كاس يرر ،الدول ة واألس طورة ،ترجم ة :أحم د حم دي محم ود ،مراجع ة :أحم د خ اكي ،الهيئ ة 4
4
البش رية ،7فاإلنس ان وج د في الممارس ات ال تي س ميت س حرًا عون ًا ل ه في عملي ة محاك اة الطبيع ة ووس يلة
للسيطرة عليها ،فالسحر في الخيال هو العمل في الواقع ،2كما أن اإلنس ان لم يكن يحض ر طعام ه في داخ ل
الكه وف ال تي احت وت على تل ك الرس وم ،وال دليل على ذل ك ع دم وج ود بقاي ا رم اد أو م ا ش ابه ،ل ذا من
الم رجح أنهم ع ّد وا ذل ك المك ان مقدس ًا ،وأن ه خص ص لتل ك الص ور ،فك ان مص ممًا بطريق ة ت وحي بقدس ية
المك ان وخصوص يته ،3لتظه ر ب ذلك حقيق ة ال وعي ال ديني ال تي يك ون نص فه م ادي واآلخ ر روحي .4ول و
حللت حقيقة الفكر الديني لدى اإلنسان القديم لوجدناها مؤلفة من ركنين أساسين وهي االعتقاد بوجود كائن
أو كائنات فوق البشر أو قوى فوق الطبيعة ،واالعتقاد بواجب احترام وتقديس بذلك الكائن أو تلك القوى
فوق الطبيعة من ِق بل اإلنسان أو البشر . 5وعلى ذلك األس اس فان ه ق د امتل ك أس لوبا في المعرف ة والكش ف،
وكيفي ة التوص ل إلى الحق ائق ،ووض ع نظ ام مفه وم ومعق ول للوج ود ،يقتن ع ب ه ويج د مكان ه الحقيقي في
إطاره ،ودوره الفعال فيه.6
ومن المع روف أن أول من ظه ر علي ه ال وعي الفك ري إنس ان نيان درتال ومن ه إنس ان ش انيدر في
العراق القديم ،إذ قام بدفن موتاه تحت أرضيات السكن داخل الكهوف ،بل ودفنهم بحزن واحترام ،فض ًال
7
أكرم محمد عبد كسار ،قراءة في نتاجات اإلنسان الفنية األولى ،مجلة سومر ،مج ،1983 ،39ص.23 1
س عدي فيض ي عب د ال رزاق ،مراح ل تط ور إنس ان م ا قب ل الت اريخ في ض وء االكتش افات اآلثاري ة وعلم 3
حسين سيد نور األعرجي ،جذور وروافد الفكر في العراق القديم .............ص.5 6
7
Ralph S. Solecki, “Shanidar Cave, a Palaeolithic Site in Noethern Iraq and its
Relauonship to the Stone Age Sequence of Iraq”,Sumer،Vol.11,No.1,1955,p.31.
جيمس ميالرت ،أق دم الحض ارات في الش رق األدنى ،ترجم ة :محم د طلب ،تق ديم :س لطان محيس ن ،دار 8
ك ارين أرمس ترونغ ،ت اريخ األس طورة ،ت ر:وجي ه قانص و ،ط ،1ال دار العربي ة للعل وم ناش رون ،ب يروت- 1
.2008
ج ان ش ينو وآخ رون ،ح ول نم ط االنت اج اآلس يوي ،ترجم ة :ج ورج طرابيش ي ،دار الحقيق ة للطباع ة 2
ارمستونغ ،تاريخ األسطورة ،ترجمة وجيه قانصو ،ط ،1الدار العربية للعلوم ،بيروت ،2008 ،ص.21
6
وتالزمه .وأحيانًا لكون الشيء رمزًا مرئيًا وملموسًا لحقيقة خافية تعبد من خالله .إلى جانب العبادة ،وأقل
منها درجة هنالك الرهبة والتبجيل لشيء ما .وما ينطويان عليه من احترام واعتراف بحضور قوة قدسية،
ولكن من الص عب أحيان ًا معرف ة أين ينتهى التبجي ل وتب دأ العب ادة .وُيش ار إلى ن وع من التبجي ل ه و إنتش ار
تبجيل األحجار على نطاق واسع ،وهو يعود إلى أزمان ما قبل التاريخ .يمكن للحجارة أن تكون من أي
حجم ،ابتداء من الحصى الصغيرة وصوًال إلى الصخور الضخمة .وقد تكون مفردة أو على شكل كومة أو
سلسلة من األحجار ،ولكن غالبًا ما تكون الحجارة المبجلة ذات أشكال وتكوينات متميزة ،وأحيان ًا تتدخل يد
اإلنس ان ومهارته الفني ة في تش كيلها كم ا هو الح ال في األدوات الصوانية واألسلحة ،كم ا وتتمتع األحجار
النيزكية بمكانة خاصة وتعتبر مصدرًا للبركة.1
ش غل فك ر اإلنس ان العاق ل ،حس ب م ا ي رى الب احث إحتم اًال ،في مح ور فلس فة العقي دة البدائي ة
بص ورتها المت واترة ،ومن خالل م ا س بق ،ربم ا من ذ الب دايات األولى ،لحيات ه على األرض ،وب درجات
إتسعت عبر الزمن ،عالقتِه مع محيطه الكوني والبيئي ،العالقة الثالثية التي توسطتها أفكارِه وأحاسيس ِه ما
بين الس ماء واألرض ،م ا بين الظ واهر الطبيعي ة والمظ اهر النباتي ة والحيواني ة ،وأث ر ك ل منه ا في ش ؤون
حيات ِه ،من إعتي اش(مأك ل ومش رب) ،ع وق ،م رض ،ألم ،ف رح ،خ وف ،أحالم ،ك وابيس ،توجس ات ،م وت
وفن اء .م ع نمطي ة الحي اة ال تي تفرض ها نمطي ة العم ل وحي اة العائل ة ،ال تي خلفت ف ائض زم ني في حيات ِه ،
على إمتداد اليوم سيما بعد غياب الشمس وتعب النهار وهو ما ُيمثل فراغًا زمنيًا غير ُم َس َتَغ ل ،الذي أحدث
ربما ،بعد ذلك نوعا من الفراغ الفكري ،ال سيما مع بدايات للوعي الخارجي وبدايات التراكم الخبراتي
والتجريبي ،فضًال عن إنعدام التحليل العلمي وغياب قانون العلية(العلة والمعلول أو السبب والُم َس ّبب) في
تفسير ما يحيطه .ليفرز كل ذلك كم من التساؤالت الفطرية التلقائية ،وبالتالي مخاوف وقلق وإ رتياب مع
إنع دام وج ود اإلجاب ات الش افية المقنع ة فض ًال عن ع دم الق درة على التحلي ل والش ك وال رفض أي قب ول م ا
مفروض وإ نعدام المرفوض.
واج ه اإلنس ان في ب دايات حيات ِه ،الذي يمث ل ك ائن إجتم اعي ،وبدايات ِه في إستكش اف ما حول ه وم ا
يتع رض ل ه من مس تجدات ،وم ع غي اب ق انون العلي ة وبس اطة الفك ر والمف اهيم وب دايات ال تراكم الخ براتي
7
والتجريبي ونمطية العمل ضمن سياقات ثابتة ،والفائض الزمني والفراغ الفكري غير المشغول ،الذي خلق
ربما نوعًا من السلبية في نمطِه الفكري وفراغًا إجتهاديًا(تحليل وتصور) ،تركت اإلنسان ليواجه قديما عدد
من االلغاز ،التي ش كلت مخ اوف لديه ليواجهها ،مثل لغز الوالدة( من عس ٍر ،نمو مشوه وموت الولي د)،
الحياة ،المرض ،األحالم ،المصائب ،األلم ،العوق ،الموت والفناء وعالم ما بعد الموت .فض ًال عن القلق
وعدم السكينة وربما غياب الشعور باإلنتماء الجمعي ،محدود الشعور باإلنتماء العائلي الضيق ،لذلك ربما
كان بحاجة إلى إشباع مخيلت ِه بأية صورة فكرية ،يستطيع معها بلوغ نوع ًا من الطمأنينة واألمان ،الذي
جع ل فك را اإلنس ان إنقيادي ًا ال قيادي ًا م ع اإلحس اس بالس ذاجة(البس اطة) وقل ة الحيل ة والض عف ،منق ادًا م ع
محيط مجتمعه البسيط نحو أي مؤثر أو قوة يستند إليها ويقوى بها ،إنطالقًا من الم ؤثر الشخص ي(الفك ر
والشعور الذاتي) ،عن طريق تعامل اإلنسان مع أحاسيسِه ومشاعرِه ُ ،م تِك ًال بعد ذلَك على مؤثرًا خارجي ًا،
مبتدعًا فكريًا ُم تِفق ًا علي ه من ِقب ل المجم وع ،أو م ؤثرًا إجتماعي ًا ،يمثل ه شخص ية من الشخص يات ُم م يزًا
عن المجم وع بن وع من الفطن ة وال دهاء والمهني ة ،ال تي تخول ُه إبت داع رم ز م ا ،يس عى لكس ب تبجيل ه
وتوق يرِه واإللتف اف حول ِع ،ربم ا من اج ل خل ق س لطة م ا ،وبالت الي لمن افع اقتص ادية او غاي ات نفعي ة
شخصية وجهانية ،أو فرصة لالنتماء والوحدة والتجنيد لغرض ما.
وفي ِخ ضم هذِه المحنة الفكرية ،فتحت المجال لفكر اإلنسان في تبجيل وتوقير وتعظيم مظهرا أو
ظاهرة أو حالة أو صورة ما ،لها تأثيرها في محيط ِه البيئي ،أو ما أمكن إبتداع ِه من الشخصية المؤثرة،
ليق وده ذل ك الحق ًا إلى ش كل من أش كال التق ديس منتهي ًا بالعب ادة وممارس ة المراس يم والطق وس ،ال تي ربم ا
كانت ممارستها في مرحلة التبجيل والتقديس ،لذلك كان التبجيل والتوقير ربما مرحلة مهمة وطويلة قبل
التقديس للرمز المبتدع.
ويرى الباحث بتواضع ،أّن بساطة الفكر وبساطة الحي اة فض ال عن القل ق واالرتي اب بم ا يحي ط
جع ل من فك ر االنس ان س ريع الت أثر والتص ديق بش كل مس لمات لك ل تص ور مبت دع ،م ع غي اب العلي ة
والسببية وقلة التجربة وبالتالي غي اب الق درة التحليلي ة والتش ككية ،إذ تص ور وج ود ق وى محرك ة خفي ة
لها تأثيرها في حياتِه اإلجتماعية والذاتية س لبًا أم إيجاب ًا ،ح اول اإلس تعانة بالتبجي ل والتوق ير لص ور من
خالل محاك اة وتش بيه ش كلي(تش كيلي رس مًا ونحت ًا بعي دا عن اللغ ة واالدب) لص ور رمزي ة أو واقعي ة
محيطة به ،لخلق نوع من اإليحاء واإلنتماء الُم رضي وصوًال للطمأنينة ،وغياب القلق واإلرتياب ،الف راغ
8
بجانبي ه من زم ني وفك ري فض ًال عن المخ اوف المترتب ة من المجه ول وق انون العلي ة جع ل اإلنس ان في
حاجة أو محتاجًا لخلق طرف ثالث وس يط بين ه وبين م ا يحيط ه ولملء الف راغ وه و الم ؤثر الخ ارجي او
الرم ز المبج ل والم وقر ،ومحاول ة التواص ل م ع ذل ك الرم ز ال س يما م ا قب ل الت أريخ من خالل التش بيه
والمحاكاة الشكلية بأبسط الوسائل العملية وه و الخ ط التش كيلي والتمثي ل النح تي ،يش به ذل ك إلى ح د م ا،
السحر المحاكي ،الذي ُأشيَر له آِنفًا ،بإعتقاد اإلنسان ،أن شبيه الشيء له نفس سلوك ما يشبهه ،ويؤثر به
أو ُيحِد ثه ،وهو شعور فطري ،أو شعور بالسحر الفطري ،لدى اإلنسان القديم حول العناصر المتشابهة،
ال تي ينتج عنه ا أح داث متش ابهة ،ربم ا ال عالق ة ل ه ب المفهوم الس حري ،ال ذي لم يتص ور أبع اده اإلنس ان
الب دائي ،ب ل إعتق د فطري ًا وفي ب دايات خبرت ِه وإ كتش افاتِه البص رية والفكري ة ،ب أن تمثي ل الش يء بالص ورة
والتشكيل سيعطي مردوده مثيله الحقيقي ،ليمثل نوع من التواصل الفطري مع المحيط البيئي وخباياه.
ك ان الف راغ الفك ري والعلي ة وب دايات ال تراكم التجري بي والخ براتي والف ائض الزم ني والمجه ول
والق وى الم ؤثرة المحسوس ة غ ير الملموس ة والمعلوم ة المحيط ة ب ه في مظ اهر كث يرة منه ا الحي اة الم رض
االلم العوق الموت الفناء والوحود واالحالم والكوابيس والحاجة لإلطمئنان واآلمان الشخصي والعائلي كلها
ق وى م ؤثرة خفي ة ه ذا االختف اء والت أثير ك ان من وجه ة نظ ر وش عور االنس ان عب ارة عن مح رك مجه ول
متص ورا اي اه ن وع من ال روح الخفي ة او المح رك الحي وي المتح رك غ ير الملم وس والمحس وس وك انت
االحيائية او االرواحية بمنظورنا الحديث وما هو اال محرك يحرك القوى كمحرك االنسان ذاته فهي قوة
االنسان المحركة تواجه قوى محركة اخرى قسم منها ملموس محسوس كمظاهر وظواهر جغرافية كونية
بيئي ة واخ رى غ ير ملموس ة معلوم ة مجهول ة خفي ة له ا تأثيره ا في ك وابيس وأحالم م رض وع وق وم وت
االنس ان واثره ا في نعيم معاش ه او دم اره من ظ روف كوني ة غ ير معلوم ة مث ل المط ر وال برق وال ريح
وغيرها.
يعتق د الب احث بإحتم ال بس يط ،إلى أّن اإلنس ان لم يص ل في المراح ل االولى ،من معتق دِه الفك ري
وال روحي ،لدرج ة التق ديس والت دين ،ب ل ك ان مج رد ن وع من االكب ار والتبجي ل والتوق ير ،لتمي يز مكان ة
وأهمي ة الرم ز بص ورة التش بيه أو المحاك اة ،ليمث ل مرج ع وعائدي ة لإلنس ان عن د الحاج ة ،فبع د ان ك ان
االنس ان مفتق دًا ق درة التحلي ل ،ك ان هن اك رؤى لوج ود ق وى خفي ة محرك ة ،اي محرك ات محيط ة ،منه ا
9
محركات كوني ة س ماوية ،ومنه ا البيئي ة ،المناخي ة ،الحيواني ة والنباتي ة ،ك انت له ا بالض رورة ،عن د فك ر
االنسان قوة للتحرك والتأثير والفعل ،وهي القوة الخفية غير المعلومة أو المحسوسة.
لعب التص ور اإلحي ائي واإلرواحي لم ا يحي ط اإلنس ان من ق وى خفي ة ومحرك ات م ؤثرة دورا كب يرًا
فيما يبدو ،لتفسير اإلنسان الفطري لما يحيطه ،ومحاولة التواصل معه ،وهي الخطوة األولى لبداية التبجيل
والتوق ير أو تعظيم الرم ز او الق وة ال تي ك ان اإلنس ان بحاج ة لمس اندتها ودعمه ا في حيات ِه ،حس ب رؤيت ه
الفطرية الساذجة .إذ يشير بعض الباحثين إلى أّن اإلرواحية أو اإلحيائية( ،)Animismهواإليمان بالكائن ات
الروحي ة ال تي تهتم بش ؤون اإلنس ان وله ا س لطان الت دخل فيه ا ،واإليم ان ب ذلك منتش ر بين معظم الش عوب
البدائية .1ويشير مصطلح األرواحية ،إلى نظرية طرحها الباحث اإلنجليزي السير إدوارد بيرنت تايلور( 1
،)1917-832أح د مؤسس ي األنثروبولوجي ا الحديث ة ،من أج ل تفس ير أص ل ال دين وتط وره .إذ إف ترض أن
الش كل األول لل دين تم يز بأفك ار اإلنس ان المتعلق ة بتع دد األرواح واألش باح ،ال تي أض فاها اإلنس ان على م ا
حوله ،إذ جاءت من تأمالته الفكرية حول عالم الطبيعة وذاته ،وهي ما مثلت أكثر أشكال الدين القديمة ،وكانت
ه ذه الرؤي ة مش تركة م ع معاص ريه من التط وريين ،ال تي إس تندت على ك ون ال دين ذو س مة ديناميكي ة(الق وة
والحيوية) ،حتى أصبح مصطلح الروحاني ،في رؤية الكثير من المفكرين ،مرادًف ا لما يمكن أن يطلق عليه
في عص ر س ابق مص طلح الوث ني .وربم ا تج د روحاني ة ت ايلور إن األفك ار المتعلق ة بخي ال بش ري مب دع
يستحضر شخصيات خارقة هي أفكار قديمة ،مع إمكانية وجود عالم من الكائنات الروحية ،في عالم الم وتى
أو ما بعد الموت .2
وربما تعني اإلرواحية ،حسب رؤية الباحث إحتماًال ،هي نوع من الحركة والقوة في الجماد ،ضد
الم وت والجم ود والالدور في الوج ود ،وبمع نى اخ ر هي ق وة فاعل ة له ا اثره ا في حي اة االنس ان ،ت ترك
1
Jacob E. Safra، The New Encyclopaedia Britannica، Vol.1، Fifteenth Ed،
Encyclopaedia Britannica، inc ، Chicago، 2007، p. 422.
2
Kees W. Bolle، “Animism and Animatism”، Mircea Eliade (ed)، The Encyclopedia
of religion، Vol.1، Macmillan، New York، 1987، pp.296-97. ; Kees W. Bolle،
“Animism and Animatism”، Lindsay Jonesed، Encyclopedia of Religion، Macmillan
Reference، USA، 2005، pp.362-63.
10
متغيرًا نحو األفضل فيها ،وربما تكون المدخل نحو عقيدة تبجيل القوى الخفية ،وبالتالي التقديس والعبادة،
من خالل اضفاء الحيوية والقوة المبتدعة ،للحصول على الطمانينة والسالم من خالل التواصل مع القوى
الخفية والمظاهر المرعبة أو المساعدة.
ت ذهب النظري ة الروحي ة ،ال تي ك ان االن ثروبيولوجى ت ايلور ،أش هر الق ائلين به ا ،ثم اعتم دها ع الم
االجتم اع هرب رت سبنس ر ،إلى أن أق دم دين في الوج ود ه و االعتق اد في األرواح وعبادته ا ومن هن ا ج اء
أصل تسمية النظري ة الروحية ،يؤكد تايلور في معرض التأسيس أن فكرة الكائنات الروحية قد سيطرت
سيطرة تامة علي حياة اإلنسان ،فكان لها أثر كبير على حياته ونظرته لألشياء ،أما السبب األساسي في
انتب اه اإلنس ان إلى فك رة ال روح فه و بحس ب ت ايلور ح التي الن وم واليقظ ة وم ا يح دث أثن اء الن وم من رؤى
وأحالم ،إنما الحلم كما هو معروف ينقل اإلنسان ذهنيا من مكان إلى آخر وقد يرى أشخاص قد ماتوا من
أمد وهذا ما دفعه إلى االعتقاد ببقاء أرواح الموتى واستمر اتصالها باألحياء بل بقدرتها على التفهم وإ لحاق
الضرر بهم ،فتتقرب إليها ،لتجنب أذاها ومن الواضح اآلن أن إسقاط ثنائية الخير والشر وتقابلها.1
وتستند تلك النظرية على وجود حياة مزدوجة يعيش اإلنسان شطرها األول في يقظته ،واآلخر في
منامه ،وأن كل ما رآه اثناء نومه عّب ر عن حياة عاشها تمتلك كل مقومات الحياة الحقيقي ة ،2ف األحالم نبهت
اإلنسان إلى الروح ،كما نسب إليها كل حاالت المرض التي تصيبه ،وقد تكون أرواح الموتى من سببت
تلك الحاالت في االحياء ،فكان لها حرمتها فال بد لإلنسان أن يتلمس رضاها اتقاًء لشرها إذا كانت خبيثة
ويستعين بها إذا ك انت طيب ة ،3ل ذلك ُنس ب اإلنس ان الق ديم إلى تل ك األرواح ك ل م ا يص يبه من نف ع وض رر
معن وي أو جس دي ،ألن مص در النف ع أنم ا روح ص الحة ،وأم ا مص در الض رر ف روح ش ريرة ،وعلى وف ق
ذلك أصبح اإلنسان القديم سجين عالم متخيل كان هو خالقه ،وأصبح مثاله ،4ألن ه ض عيف في مواجه ة تل ك
الرؤى التي تراوده ليًال إلى جانب افعالها وما تخفية من أسرار صباحًا ،ويمكن للحلم أن يعطي تصورات
لإلنس ان عن أفك ار ،وق د تك ون عب ادات أو طق وس ال يعرفه ا تمام ًا في ع الم اليقظ ة ،فالقيم ة ال تي يعطيه ا
طه الهاشمي ،تاريخ األديان وفلسفتها ،منشورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،1963 ،ص.26 1
2احسان علي الحيدري ،فلسفة الدين في الفكر الغربي ،دار الرافدين للنشر ،ط ،1بيروت ،2013 ،ص.51
طه الهاشمي ،تاريخ األديان وفلسفتها ...............ص.66 3
أحمد الخشاب ،االجتماع الديني ،مكتبة القاهرة الحديثة ،القاهرة ،1964 ،ص.112 4
11
الحلم لإلنس ان هي عالق ة مباش رة م ع الق وى غ ير المرئي ة ،ف يرى أش ياء وح وادث حقيقي ة .5ومن الج دير
بالذكر إن العبادة توجه دائمًا إلى مبدأ روحي غير مادي.2
ويظهر تايلور أن مخيلة اإلنسان القديم متأثرة جدًا باألحالم التي دعتهم إلى القول بوجود النفس،
فرؤي ا األم وات في الن وم ت دعوهم إلى االعتق اد أن النفس بع د الم وت ال تض محل ب ل تص بح روح ًا وتظه ر
احيان ًا لألحي اء ،3وب ذلك ف أن ال روح س بب الوظ ائف الحياتي ة ال تي تس اعد اإلنس ان على ايض اح الظ واهر
العقلية ،فأن لكل الموجودات ارواحًا ،فعبد الروح ومظاهر الطبيعة تحتوي على األرواح ،ثم انتقل اإلنسان
إلى الوثنية ،إذ تعد الكائنات الروحية ذات تأثير وسيطرة على حوادث الكون المادية وعلى حياة اإلنسان،
ألن اإليم ان بوجوده ا ي ؤدي بطبيع ة الح ال عبادته ا ،وهك ذا تتض من عقي دة الروحي ة في ازده ار تطوره ا،
واالعتق اد ب الروح والحي اة األخ رى . 4ويش ير ت ايلور ،إن األرواحي ة في الواق ع ،هي أس اس فلس فة ال دين،
إنتق اًال من فلس فة الرج ال الب دائيين(الس ذج) إلى فلس فة الرج ال المتحض رين .وعلى ال رغم من أن ه ق د يب دو
للوهل ة األولى أن ه ي وفر تعريف ًا ه زيًال للح د األدنى من ال دين ،إال أن ه س يكون كافي ًا من الناحي ة العملي ة ؛
ألنه ،حيث يوجد الجذر ،سيتم إنتاج الفروع بشكل عام .من المعتاد أن نجد أن نظرية األرواحية تنقسم
إلى عقي دتين كب يرتين ،وتش كل أج زاء من عقي دة واح دة متس قة .أوًال ،فيم ا يتعل ق ب أرواح المخلوق ات
الفردية ،القادرة على الوجود المستمر بعد موت الجسد أو تدميره ،والثاني فيما يتعلق باألرواح األخرى،
فما فوق إلى رتبة اآللهة القويةُ .يعتقد أن الكائنات الروحية تؤثر على أحداث العالم المادي وحياة اإلنسان
هنا وفي اآلخرة أو تتحكم فيها ،5وهكذا فإن الروحانية ،في تطورها الكامل ،تتض من اإليم ان بالس يطرة
أحمد عبد الرحيم السايح ،بحوث في مقارنة األديان ،دار الثقافة للنشر ،الدوحة ،د.ت .ص.47 2
يوسف شلحت ،نحو نظرية جديدة في علم االجتماع الديني ،تحقيق :خليل أحمد خليل ،دار الفارابي ،ط،1 3
Edward Burnett Tylor, Primitive Culture: Researches Into the Development of
5
1
Ibid, p.386.
Ibid, p.378.
2
13
من الرج ل ،على ال رغم من تع رض الرج ل للمص ائب وتحمله ا ،بالرس م والتمثي ل ل وقت ف راغهن األك ثر
ولعاطفتهن األكبر.
كان لغياب المدون والمكتوب والمخطوط والخربشة الكتابية او التعبيرية تجعل الباحث في التاريخ
القديم امام معظلة التفسير والركون الى االجتهاد ..تجسيد الفكرة من خالل المخطوط التشكيلي اي الرسم
وتمثيل الفكرة من خالل التشكيل التمثيلي او المنحوت والمصنوع تجسيد ومحاكاة وتشبيه الفكرة بتجسيد
صوري معتقدا بتجسيدها واقعا وحقيقيا هذا التجسيد والتجسيم والرمزية التعبيرية اصبح لها بعدا معنويا
عقائ ديا اك بر م ع التط ور الش عوري والمعن وي واالتك الي ليك ون رم زا تش بيهيا ومحاكي ا ذا تبجي ل وتوق ير
لزي ادة ونم و الفك رة واالمني ةِ ،ل ذا ُتَع ّد المحاك اة والتش بيه ربم ا ن وع من أن واع اإلعتق اد الفط ري بإمكاني ة
الحدوث أو الوجود ،من خالل التجسيم والتشكيل المشابه أو حدوث ما يتأمله الشخص بالتجسيد وهو معتقد
فطري لإلنسان النمطي او الساذج(البسيط) ،للتواصل وتحقيق ما يترك ًه المؤثر الشخصي من مشاعر ،او
التعب ير عن م ا يري ده اإلنس ان من م ا يحيط ه من المجه ول من خالل الص ورة والمنح وت وايج اد الح امي
والمنقذ بابسط الصور الرمزية ،ليتطور معتقد التجسيد والتجسيم المحاكي والمشابه ،إلى نوع من التبجيل
والتوق ير للرم ز المجس د والمجس م الم ؤثر الخ ارجي ،وه و معتق د وج د في ه اإلنس ان رم زًا للح امي والمنق ذ
والمنتمي ،بع د تن امي مجاميع ِه البش رية ،وتن امي مدركات ِه ومش اعرِه ومخاوف ِه الخارجي ة ،لتتن امى ب دايات
نزعة اإلنسان لتبجيل رمز ما وبالتالي تقديسه ومن ثم العبادة التي تمثل مرحلة أخيرة من تبجيل المقدس
او مرحلة من اإلنقياد واإلنتماء بدون قيد وشرط ،اي توكيل تدبير شؤون اإلنسان من حياة وموت وشفاء
واحالم إلى من ه و أق وى وأق در من منظ ور اإلنس ان البس يط ال ذي ح اول خل ق ه ذا األق وى بس بب ض عفه
الذاتي بشكل او بآخر.
كان الرسم والتجسيد والمحاكاة والتشبيه ،ربما صورة فطرية لها فعل سحري ربما معتقد فطري
عند االنسان البدائي وهو تمثيل الشيء سيكون له فعل كموجود او الفعل بالتصوير والتواصل وبعد ذلك
لصبح التمثيل والمحاكاة لرموز موجودة لتصبح مبجلة ،وربما كان االستحضار الفكري للمراد الذي يمثل
نوع من التمني والرجاء لحدوث المراد او المطلوب من خالل الرسم والتمثيل ليتطور بعد ذلك ليصبح ه ذا
المطلوب او المراد رمزا مبجال ال سيما مع حدوث المراد من محاكاته وتشبيهه بالرسم والتمثيلِ ،لذا بشكل
14
محتم ل ك ان التش بيه والمحاك اة ن وع من التواص ل الفك ري الفط ري لالنس ان بين افك اره الخاص ة وامنيات ه
وارتباطها بحياته ومحيطه البيئي بصورة تجسيد الفكرة صورة لوجوب فعلها.
س عى اإلنس ان ،حس ب رؤي ة الب احث المتواض عة ،بع د الف راغ الفك ري غ ير المش غول ،ومعتق دِه في
القوى المحركة الخفية المؤثرة ،وبسبب نمطية الحياة وسذاجتها(بساطتها) ،والفراغ الزمني غير المشغول،
والتواصل الرمزي مع مؤثره الشخصي من فكر وإ حساس ،البحث عن رمز للتواصل معه حسيًا وفطري ًا،
رمزًا مبتدعًا إلضافة الشعور باإلطمئنان ،والشعور باإلنتماء ووحدة المجموع ،الشغال الفراغ وتجنيد القوة
من المجموع ،للدفاع وتأمين وجوده ،واالطمئنان النفسي ،ومحاربة القلق المتزايد لجهله بما يحيط ،ابتدع
الم ؤثر الخ ارجي او الرم ز المّو ِج ه ،وتبجيل ه وتوق يره ،لجعل ه بمق ام ارف ع واك بر ،ليخض ع ل ه ،رغب ة في
االنقياد واالطمئنان ،بوحود مسؤول عن مس تقبله وحاضره ،ليكون هناك ن وع من الحاجة إلبتداع المؤثر
الخ ارجي ورمزيت ه ،ال ذي اتخ ذه االنس ان مم ا يحيط ه لتبجيل ه وتوق يره ،واالطمئن ان لوج وده لل دفاع عن ه،
ورغبته بوجود من يطمئن بوجوده ،والتواصل معه بطريقة المحاكاة والتشبيه ،اي بتمثيل الشيء من خالل
ايجاده بالتصور ،من خالل الخط والتمثيل بصورة ما مبتدعة ،ليكون له وجود ذلك التصور ،اي الكينونة
من الص ورة ،وإ متالكه ا الق وة الكافي ة ،ال تي يطم أن له ا اإلنس ان ،بفع ل التواص ل معه ا ،وهي بش كلها
الص وري ،من خالل تمثيله ا في اس هل طريق ة ،وهي بش كل مخط وط بي ده ،او مص نوع الش كل بالتمثي ل
النحتي ،إذ ربما كان ايجاد المكون بالصورة ،في إعتقاد اإلنسان بشكل محاكي أو تشبيهي ،سيترك اثره في
كينون ة المك ون ووج وده ،اي تص ور مظهر م ا س يكون ل ه وج ودا في الواق ع ،وتمثي ل رم ز م ا ،هو وس يلة
للتواصل والرجاء والتمني واالنتماء.
وق د ح اول إمي ل دورك ايم أن يكتش ف منطلق ات إنس انية جدي دة لألخالق غ ير تل ك المنطلق ات الديني ة،
ال تي أص بحت متوارث ة دون نق اش ورأى أّن أخالق ال دين تق ايض األخالق مقاب ل ثمن دني وي أو أخ روي،
يجري على شكل طقوس وشعائر ال عقالنية .كان دوركايم يرى أن المق ّد س رمز ،قبل أي شيء ،والدين
ه و مجموع ة من الرم وز واألفع ال والمعتق دات المتعلق ة به ا المنفص لة عن ع الم الن اس ،لكّنه ا من ج انب
آخر ،توحد الناس في جماعة .1
خزعل الماجدي ،علم األديان ـ ـ ـ تاريخه ،مكوناته ،مناهج ه ،اعالم ه ،حاض ره ،مس تقبله ،مؤسس ة مؤمن ون 1
أوجيب وا ،كم ا أش رنا آِنف ًا ،والتهجئ ة الص حيحة له ا غ ير مؤك د إلى ح د م ا ،وربم ا إن المع نى يش ير إلى
األس رة أو القبيل ة .وُيش ار إلى أّن العالق ة بين الرج ل والط وطم تع ود ب النفع المتب ادل ،الط وطم
يحمي الرجل ،ويظهر الرجل احترامه للطوطم بطرق مختلفة ،بعدم قتله إذا كان حيواًن ا ،وعدم تقطيعه أو
جمعه إن كان من النبات ،وهو فئة من األشياء ،بشكل عام نوع من الحيوانات أو النباتات ،ونادًر ا ما يكون
فئة من الكائن ات الطبيعي ة غ ير الحي ة ،ون ادًر ا ج ًد ا فئ ة من األش ياء المص طنعة(المص نوعة) .2وألن األش ياء
الممثلة هي في األساس حيوانات ونباتات ،سيكون بالتالي تدنيس النباتات ،والحيوانات ،هو أن تكون طعاًم ا،
فإن قدسية الحيوان أو النبات الطوطمي توجب تحريم أكله ألنها أشياء مقدسة ،وربما يمكن أن تكون في
1
Roy Wagner, “Totemism”, Mircea Eliade, The Encyclopedia of Religion, Vol.14,
Macmillan Publishing Company, New York, 1987, p. 573.
2
J.G.Frazer, Totemism, Adam and Charles Black , Edinburgh, 1887, p.1.
16
وجبات صوفية معينة ،ومع ذلك ال يمكن استخدامها لألكل العادي .ومن يخالف هذا الحظر يعرض نفسه
لخطر جسيم .هذا ال يعني أن المجموعة تتدخل دائًم ا لمعاقبة كل هذه المخالفة بشكل قانون ،بل ُيعتقد أن
ت دنيس المقدس ات ي ؤدي إلى الم وت تلقائًي ا ،إذ ُيعتق د أن المب دأ المخي ف ال ذي ال يمكن أن ي دخل إلى جس د
دنس دون تعطيله أو تدميره موجود داخل النبات أو الحيوان الطوطمي.1
ُتَع ّد الطواطم من ثالثة أنواع على األقل بالنسبة للرجال :منها الطوطم العشائري ،المشترك
بين عش يرة م ا بأكمله ا ،وال ذي يم ر ب الميراث من جي ل إلى جي ل .والط وطم الجنس ي ،الش ائع إم ا لجمي ع
ال ذكور أو لجمي ع إن اث القبيل ة ،م ع اس تبعاد الجنس اآلخ ر في كلت ا الح التين ،والط وطم الفردي الذي ينتمي
إلى فرد واحد وال ينتقل إلى نسلِه .وبالتالي فإن الطوطمية نظام ديني واجتماعي .في جانبها الديني ،تتكون
من عالقات االحترام والحماية المتبادلين بين الرجل وطوطمه ،في جانبها االجتماعي ،تتكون من عالقات
رجال العشائر ببعضهم البعض وبرجال العشائر األخرى.2
وظه رت كلم ة "الط وطم" في األدب اإلثن وغرافي(دراس ة األجن اس البش رية) فق ط في نهاي ة الق رن
الثامن عشر .كان مكلينان(جون فيرغسون مكلينان) أول من حاول ربط الطوطمية بالتاريخ البشري العام،
وش رع في إظه ار أن الطوطمي ة ليس تمث ل ديًن ا فق ط ،ب ل ك ان له ا أثره ا ،فيم ا تع دد من المعتق دات
والممارس ات المتك ررة في األنظم ة الديني ة األك ثر تق دًم ا .ح تى أن ه ذهب إلى ح د جعله ا مص دًر ا لجمي ع
الطوائ ف ال تي تعب د الحيوان ات والنبات ات ال تي يمكن مالحظته ا بين الش عوب القديم ة .من المؤك د أن ه ذا
التوسع في الطوطمية كان مبالًغ ا فيه .إذ أّن عبادة الحيوانات والنباتات لها أسباب متعددة ال يمكن اختزالها
إلى سبب واحد ،إذ ُد ِر َس ت الطوطمية في منهج فريزر لتمثل دين ومؤسسة قانونية .لكن هذه الدراسة ك انت
وص فية بحت ة ،ولم تب ذل أي جه د لش رح الطوطمي ة أو الخ وض في أفكاره ا األساس ية .ومن المؤك د أن
ماكلينان سبق أن قارن الطوطمية بالديانات المهمة في العصور القديمة ،لكن ذلك كان فقط ألنه اعتقد أنه
1
Eimle Durkheim, The Elementary Forms of Religious Life, Trans; Karen E.
Fields, the Free Press, New York, 1995, p. 127.
2
J.G.Frazer, Totemism…………p.3.
17
وج د طائف ة من الحيوان ات والنبات ات في كليهم ا .لكن اخ تزال الطوطمي ة إلى ن وع من عب ادة الحي وان أو
النبات يعني رؤية سطحية.3
تقدم اإلنس ان في حيات ِه البدائي ة ومعتقدات ِه ،خطوات إجتماعي ة مهم ة ،ضمن إطار النظ ام والُع رف
اإلجتم اعي وإ نتماءات ِه ،ليظه ر عنص رًا إجتماعي ًا مهم ًا ،بع د أّن تق دم اإلنس ان الس اذج في معتقدات ِه ،بش كل
مت واتر من اإليم ان ب القوى الخفي ة المحرك ة(اإلحيائي ة) ،وتواص لِه م ع الم ؤثر الشخص ي(الفك ر والش عور)،
وإ بتداع ِه لطريقة التواصل من خالل الرسم والتمثيل الصوري والشكلي ،لتصبح رموزًا بدائية ،مع تقديم
التبجيل والتوقير لتلك الرموز ،وإ ستمالتها لنيل منافعها وطمأنة النفوس ،وبالتالي تطور نلك الرموز لتأخذ
شكل أكثر إجالًال وتبجيًال لتكون من الرموز والمؤثرات الخارجية ،ليتنامى تبجيلها وتوقيرها ،بما توفرُه
من نف ع وخدم ة وأمن ،حس ب م ا إعتق د اإلنس ان بس ذاجته ،لتك ون م ؤثرًا خارجي ًا ،يص عب التواص ل مع ه
ومهابًا ،أكثر من المؤثر الشخصي ،ومع التطورات اإلجتماعية وتنامي القوة اإلقتصادية ،وحاجة الغالبية
من أف راد المجتم ع الس ذج الفطري ة ،لمعون ة اآلخ رين ومس اعدتهم في التوجي ه والنص ح وتحم ل مس ؤولية
القرار عنهم ،ظهر هنا دور المؤثر اإلجتماعي أو الشخصية المهنية الحاذقة ،المميزة عن الجميع بالفطنة
وال دهاء والمهني ة ،وربم ا المتم يزة بن وع من اإلحتي ال ،م ع تميزه ا بالقلي ل من النفعي ة والوص ولية لتك ون
الوس يط بين الرم ز واإلنس ان ،إذ أض فى اإلنس ان أو الش خص الم ؤثر(الُم س تعان) ال ذي إس تعان ب ِه اإلنس ان
دليًال لحيات ِه ،بعض المظ اهر على ص ورِه المبجل ة والم وقرة ،او ص ور التش بيه والمحاك اة ال تي آمن به ا.
ومن هوالء المؤثرين ربما كان القائد األقوى ،أو الحكيم الموّج ه ،أو الِم هني اإلنشط مزارع كان أم راعي
أم صياد ،وفيما يخص المعتقد واإلرواحية ،حسب ما نبحث فيه ،فربما كان للطبيب والعارف الدور األهم
واألوس ع ،لم ا ل ه من أث ر وت أثير في ص حة وبق اء حي اة الن اس وعالج آالمهم .وربم ا م ا يش به ه ذا الم ؤثر
اإلجتماعي المهم ودورِه في المعتقدات البدائية ،هو ما ُيعَر ف بالشامان.
ُيَع ّد الشامان( ، )Shamanالعارف والحكيم ،في األنظمة الدينية لما قبل الميالد ،في مناطق سيبريا
وش عوب األورال األلتي ة(جب ال األورال) ،وألس باب لغوي ة تس مى مجتمع ة الش عوب األلتي ة ،ومنه ا الش عوب
التركية والمغول والتونغوس (Tungusicشعوب سيبريا وشمال شرق اسيا) .تتراوح ثقافتهم من نوع من
ال رعي الب دائي إلى ن وع متخص ص جي ًد ا من الممال ك الرعوي ة .المص ادر الرئيس ية لكس ب ال رزق ك انت
3
Eimle Durkheim, The Elementary Forms of Religious Life……….., pp. 85- 87.
18
قطع ان األغن ام والم اعز والماش ية والخي ول ،في ص حراء الس هوب ،يقوم ون أيًض ا بتربي ة الجم ال .م ع
إس تمرار المحافظ ة على ال دين األص لي له ذه الش عوب ،وال ذي ُيطل ق علي ه عموًم ا الش امانية بس بب ال دور
المهيمن للش امان ،بين القبائ ل التركي ة في جب ال ألت اي ،وبين الي اكوت ،والمنغول يين بوري ات ،والتونغ وس
الش مالية .1والش امانية ب المعنى ال دقيق للكلم ة هي ظ اهرة ديني ة ب ارزة في س يبيريا وآس يا الداخلي ة ،وق د
ج اءت الكلم ة ،من اللغ ة الروس ية ،من كلم ة ش امان التونغوس ية .وتتمرك ز الحي اة الس حرية والديني ة
للمجتمع في الشامان في جميع أنحاء المنطقة الشاسعة التي تضم المناطق المركزية والشمالية من آسيا.
وال يع ني ب الطبع أن ه المتعام ل الوحي د م ع المقدس ات ومتالعب ًا به ا ،وال مغتص بًا أو مهيمنن ًا على النش اط
الديني بالكامل .ففي العديد من القبائل ،يتعايش الكاهن ورجل الدين الزاهد مع الشامان ،ناهيك عن حقيقة أن
كل رئيس للعائلة هو أيًض ا رأس الطائفة المحلية .ومع ذلك ،يظل الشامان الشخصية المسيطرة ،ألنه في
جمي ع أنح اء منطق ة آس يا الشاس عة ال تي تع د فيه ا تجرب ة النش وة الديني ة ،يك ون الش امان وح ده س يد
النشوة العظيم ،فهو تقنية من النشوة ،وعلى هذا النحو الموصوف أصبح بين العشيرة .2
كان هناك فضًال عن الشعوب المذكورة آِنف ًا ،عند شعوب جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى ،وفي
بعض األنظمة المماثلة في جميع أنحاء العالم ،شخص ُيعَتَق د أن لديه القوة لشفاء المرضى ،والتواصل مع
الع الم من بع د .وه و رج ل الطب ،والك اهن ،والمخت بر النفس ي .أي أن ه يش في األم راض ويوج ه الق رابين
الجماعية ويرافق أرواح الموتى إلى العالم اآلخر .إنه قادر على القيام بكل هذا بحكم تقنياته في النشوة ؛
أي من خالل قدرت ه على ت رك جس ده كم ا يش اء أثن اء حال ة اله دوء .وفي س يبيريا وفي ش مال ش رق آس يا
يصبح الشخص شاماًن ا عن طريق النقل ال وراثي للمهن ة الش امانية أو عن طري ق "االنتخ اب" .3وهن اك أيًض ا
ح االت ألف راد أص بحوا ش اماًنا ب إرادتهم الح رة (على س بيل المث ال ،بين الش عوب األلتي ة التركي ة) أو
1
Wilhelm Dupre, Religion in Primitive Cultures A Study in Ethnophilosophy,
Mouton & Co, Hungary , 1975, p. 85.
2
Mircea Eliade, Shmanisim, Mircea Eliade(ed), The Encyclopedia of Religion,
Vol.13, Macmillan Publishing Company, New York, 1987, p. 202.
3
Jacob E. Safra، The New Encyclopaedia Britannica، Vol.10، Fifteenth Ed،
Encyclopaedia Britannica، inc ، Chicago، 2005، p. 692.
19
بإرادة العشيرة (كما هو الحال مع التونغوس ،لكن هؤالء الشامان العصاميين يعتبرون أقل قوة من أولئك
ال ذين ورث وا المهن ة أو ال ذين أط اعوا دع وة اآلله ة واألرواح .1وُيَع ّد الش فاء من أهم وظ ائف الش امان في
جميع الثقافات .نظًر ا ألن المرض ُينظر إليه على أنه خسارة للروح ،يجب على الشامان أوًال تحديد ما إذا
كانت روح الفرد المريض قد انحرفت عن الجسد أو ُس رقت من قبل الشياطين وُس جنت في العالم اآلخر.
ففي الحال ة األولى ،يأس ر ش مان ال روح ويعي د دمجه ا في جس د الم ريض .وتس تلزم الحال ة األخ يرة ال نزول
إلى العالم السفلي ،وهذه مشكلة معقدة وخطيرة .واإلثارة في رحلة الشامان إلى العالم اآلخر لمرافقة روح
استمرارها.
2
المتوفى إلى مسكنها الجديد ،إذ يروي الشامان ألولئك الحاضرين كل تقلبات الرحلة أثناء
وُيشار إلى أّن الشامان عندما يقع في نشوة ،تزور روحه المناطق النائية أو عالم اآللهة واألشباح.
ه و ك اهن ون بي وط بيب .تق ع على عاتق ه مس ؤولية تحدي د التض حيات األك ثر مالءم ة في حال ة معين ة وأي
االحتف االت يجب إجراؤه ا للحف اظ على الع الم س ليًم ا .في حال ة الم رض ،يش في المرض ى ويط رد األرواح
الش ريرة .خالل مث ل ه ذه الع روض ،يرت دي مالبس مزين ة برم وز ،وقب ل ك ل ش يء بعالم ة ط ائر ،وهي
عالمته الخاصة .غالًب ا ما تكون مهنة الشامان وراثية ،رغم أنها تحتاج إلى تصرف نفسي جسدي معين.
على أي ح ال ،ف إن الت دريب الطوي ل ض روري قب ل أن يص بح الش خص ق ادًر ا على التن ويم المغناطيس ي
المختلفة .وبشكل عام تتعايش الشامانية مع أش كال من
3
الذاتي ،ويتم ذلك بمساعدة الطبل السحري والرقصات
الس حر وال دين .كم ا ه و مع روف ،ف إن الس حر والس حرة موج ودون بش كل أو ب آخر في جمي ع أنح اء
العالم ،في حين أن الشامانية تعرض تخصًص ا سحرًيا خاًص ا ،مثل التمكن من النار أو الطيران السحري.
ساحر
بحكم هذه الحقيقة ،على الرغم من أن الشامان (من بين أمور أخرى) ساحر ،وليس كل .4
ليس هناك وضوح كامل حول أصل كلمة الشامان ،إذ أشار بعض الباحثين ،قد ترجع اصولها إلى
لغ ة المانش و أو المنغولي ة ،والبعض اآلخر ـشار إلى اللغ ة السنس كريتية ،وربما الرأي األكثر قب واًل هو أن
كلمة "شامان" هي كلمة تونغوسية ،وتشير إلى المتسول أو رجل متدين ،ومن ناحية أخرى ،يطلق الشعب
الشخص ية .3وُيعَتَق د أن من الط رق المهم ة للس يطرة علـى قــوى األرواح ،هي الش امانية .من خالل القي ام
باستحض ار األرواح لتح ل في جس م إنس ان أو يتم طرده ا من ه بواس طة مـن هـو مس كون ب األرواح ،أي
الش امان ،ألن دوره االجتم اعي يع د نموذج ًا لك ل األطب اء -الس حرة ،واختصاص يي العق اقير ،والمع زمين،
والمش عوذين .إن ه ق ادر على أن يض ع نفس ه في نوب ة للس يطرة على األرواح ،أى أن ه ي رتقى بنفس ه إلى
1
Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans and Shamanism، Lokman
Hekim Journal، Vol.2، No.1، 2012، p. 31.
2
Wilhelm Dupre, Religion in Primitive Cultures…………. p. 79.
3
Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans ……..p. 32.
21
عالم األرواح بالوعي واإلرادة والقوة .عند ذلك يستطيع التحكم بأرواح معينة ،أهمها تلك المسيطرة على
المرض والموت ،يبلي بها الناس أو يطردها عنهم في أحوال المرض.1
وِص َف الش امان بأن ه "م دير األزم ات" ،س واء ك انت أزم ات شخص ية (أم راض وأم راض) ،أو
ص راعات داخ ل مجموع ة ،أو ص راعات بين الجماع ات .وبالت الي فه و يتوس ط بين المج االت المختلف ة..
الشخص ية و غ ير الشخص ية ،بين المجموع ات .والطبيعي ة والروحي ة (وه ذا يش مل الوس اطة بين الطبيع ة
والبشر ألن البيئات تعتبر حيوية .وغالًبا ما ُيعتقد أن النزاعات واألمراض ناتجة عن عوامل روحية ،لذلك
فإن أساليب الشامان في الشفاء تعتمد على التواصل مع األرواح .المعرفة حول المريض ضروري للشفاء
الناجح .إذ أكدت األبحاث اإلثنولوجية أيًض ا على أهمية الطقوس الشامانية كوسيلة لتعزيز االلتزام النفسي
ألعضاء المجموعة تجاه مجموعتهم(اإلنتماء) .فمن خالل الرقص الجماعي والموسيقى والنشوة ،تزول او
تتناقص "حدود األنا" ،وُيعَز ز الترابط االجتماعي ،كما أن تزامن الحركة واإليقاع والعواطف يعزز التذكر
وبالتالي يشجع الذاكرة الثقافية للجماعة والهويات االجتماعية.2
يحتل الشامان ،الذين يؤدون واجب الطب ،واإلستجابة لصرخة اإلنسان المتألم في الغابات البرية،
ومن خالل االضطالع بمهمة تخفيف آالمه ،مكاًنا مهًم ا في صفحات التاريخ الطبي .أصبح الشامان جزًءا
من نظ ام معتق د من خالل الت أثير على المجتمع ات ال تي يعيش ون فيه ا خ ارج مج ال الص حة .وهك ذا ف إنهم
بهوي اتهم الديني ة المكتس بة ،يكون ون في موق ع وس يط يش عر ب المجهول للمجتم ع ويكم ل العملي ة األولى في
الوصول إليه .وعلى الرغم من أن الشامانية تستمر في التأثير على حياة األتراك وغيرهم من شعوب آسيا
الوسطى بمعدالت مختلفة ،إال أنها ال تزال تحافظ على صالحيتها كدين بمفردها في آسيا الوسطى .بعض
التتار ،وخاصة األتراك الخكاسيين ،جميعهم تقريًب ا شامانيون .توجد مجتمعات الشامانية أيًض ا في دول مثل
روس يا ومنغولي ا وطاجيكس تان وكازاخس تان .على ال رغم من أن ع ددهم يتن اقص ت دريجيًا .وفي اعتق اد
الشعوب التركية ،أن شامان يتواصلون مع القوة العظمى من خالل األرواح ،ويستجيبون الحتياجات الناس
جون بوير نوس" ،أهم الخصائص المميزة للدين في المجتمعات البدائية.............ص.22 2
3
Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans…..……p.33.
23
ومن واجبات الشامان ،إرسال الروح الميتة ،التي يعتقد أنها تجول في المنزل لمدة عام ،إلى العالم اآلخر.
وشفاء األمراض الشديدة .القضاء على سوء الحظ في الصيد ،والمحافظة على التوازن بين األرواح الطيب ة
و األرواح الشريرة.4
ويس تطيع الب احث بتواض ع وإ حتمالي ة من تلخيص فلس فة العقي دة البدائي ة لإلنس ان ،من خالل معادل ة
بس يطة ،وهي حداث ة تجرب ة وخ برة اإلنس ان في الحي اة وب دايتها ،م ع ب دايات للتعام ل العملي والحي اتي م ع
الواقع ،ونمطية الحياة العملية ،التي تركت اإلنسان في فائض زمني ووقت فراغ غير ُم س َتَغ ل ،مع فراغ
فكري غير مشغول ،الذي خلق ربما نوع ًا من السلبية في نمط ِه الفكري وفراغ ًا إجتهادي ًا(تحليل وتصور)،
تركت اإلنسان ليواجه قديما عدد من االلغاز ،التي شكلت مخاوف لديه ليواجهها ،صادَف كل ذلك ،واقع
ومحي ط إتص ف في غالب ِه بأح داث مهم ة مجهول ة األس باب والمض امين ،س ببت ل ه مخ اوف وقل ق وع دم
إطمئن ان ،مث ل ال والدة ،الحي اة ،الم رض ،الع وق ،األحالم ،الك وابيس ،األلم ،الم وت والفن اء ،م ع غي اب
الِع لية(العلة والمعلول) ،بغياب العلمية والقدرة على التحليل الرصين واإلستنتاج الصحيح .لذلك ربما كان
بحاجة إلى إشباع مخيلت ِه بأية صورة فكرية ،يستطيع معها بلوغ نوع ًا من الطمأنينة واألمان ،الذي جعل
فك را اإلنس ان إنقيادي ًا ال قيادي ًا .دف ع ذِل َك اإلنس ان لإلعتق اد بوج ود ِق وى محرك ة منه ا المعلوم ة ومنه ا
المجهول ة ،ولمحاولت ِه من التواص ل معه ا ِف طري ًا وبس ذاجة ،تص و له ا ق وة حِر ك ة عاِق ل ة ،ش بيهة بروح ِه
ُم َر
وإ دراكِه ،فكانت مرحلة منح الروح أو اإلرواحية ِلتل َك القوى والمظاهر والظواهر المحيطة ،ال سيما تلك
المس ؤولة عن ص ميم حيات ِه المعاش ية والِج س مانية ،ال تي تعلقت في ذهن ِه ع بر الف ترات الزمني ة واح داثها.
وكان كل ما يحيطه ُيعد مؤثرًا بشكل ما في حيات ِه وطريقة تفكيره ،ليكون أول مؤثر في حيات ِه هو فكرِه
وش عورِه الخ اص ،وه و الم ؤثر الشخص ي الفط ري ،ال س يما م ا يمس غرائ زِه وآالم ِه ومخاوف ِه ،ليح اول
التعامل مع فكرِه والتواصل ،من خالل التشبيه والمحاكاة لفكرت ِه او مطلب ِه ونجدت ِه ،وذلك برسم او تمثيل
الفكرة بشكل رمزي او تشريحي ،ليتوقع حدوث نتيجة ما رسمه من فكرة وعبر عنها .بعد صفة اإلحيائية
أو اإلرواحية ،والتواصل مع المؤثر الشخصي ،عن طريق التشبيه والمحاكاة للمظاهر والظواهر المرمزة،
وبعد التقدم والتنامي المجتمعي ،وزيادة عدد أفراد المجتمع بعد زيادة أعداد العوائل ،سعى اإلنسان ومن
خالل تأثرِه برمزية المؤثر الشخصي ،ومحاولتِه لخلق وحدة رمز لإلنتماء والوحدة المجتمعية وفطرت ِه في
4
Mustafa Cumhur İzgi ،An Overview of Shamans…..……p.34.
24
اإليمان واإلعتقاد ،إبتدع أو تأثر بشكل أو بآخر ساعيًا ،لخلق مؤثر خارجي عام لمجموعة من الناس أو
لمجموع المجتمع ،ليأخذ شكل الطوطم أو المبجل والموقر ،ومحاولة اإلنسان وسعيِه الفطري لتعظيم رمز
ما وإ رتهابِه ،وإ تباعِه منقادًا غير مسؤول ،وكانت أيض ًا الوسيلة للتواصل مع هذا الرمز الخارجي المبجل
والموقر ،ربما ال المقدس في بدايات األمر ،من خالل التشبيه والمحاكاة للشكل والصورة ،لياخذ بعد فترة
من ذلك صورة لتقديس هذا الرمز فطريًا دون إدراك لمعان الدين ،على الرغم من ممارسة بعض الطق وس
ربما والمراسيم ،التي تتخلل زيارة المبجل والتواصل معه لكسب رضاه وطلب نعمت ِه ،وصوًال للطمأنينة
ووهم المعرف ة ،وربم ا بع د أن تق دمت الق درات اإلقتص ادية ،ومراح ل من التن امي اإلجتم اعي ،تطلب إدارة
التواص ل م ع تل ك الرم وز المبجل ة او المقدس ة بع د حين ولس ذاجة اإلنس ان الب دائي وفطريت ِه ،وج ود وس يط
وقي ادي وموج ه ،وه و الم ؤثر اإلجتم اعي المم يز بن وع من المهني ة العالي ة وقرب ِه من الن اس م ع الفطن ة
والتحاي ل ،من أج ل كس ب رض ا الموج ودين من خالل إث ارة فكرة قدس يتِه بع د قدس ية الرمز المبج ل الع ام،
وك ان من أق رب الشخص يات المهني ة إلش غال دور الم ؤثر اإلجتم اعي ،ه و الط بيب ومخف ف اآلالم ومنق ذ
الناس من الموت والعوق والكسر ،فمن خالل مهنيت ِه وفطنت ِه وطمع ِه في مال او جاه ومن خالل قربه من
الناس ،كان له دور في الوساطة بين المبجل وما يرغبه واألرواح المحيطة وبين الناس بما تطلبه منه من
أجل الطمأنينة والسالم ودفع المخاوف ،ومثل هذا المؤثر اإلجتماعي ما يعرف في بعض الثقافات القديمة
والمجتمع ات البدائي ة بالش امان ،وه و الس احر والط بيب المتمكن الح اذق الم ؤثر المنتف ع ،على س بيل المث ال
وليس الحصر.
25
26