You are on page 1of 17

‫سورة الضحى‬

(The Morning Hours)


‫مقدمة‬
‫•سورة الضحى‪ ،‬هي السورة الثالثة والتسعون ضمن اجلزء الثالثني من القرآن‬
‫الكرمي‪ ،‬وهي من السور املكية‪ .‬امسها مأخوذ من اآلية األوىل يف السورة‪.‬‬
‫• تتحدث السورة عن العناية اإلهلية بالنيب (ص) بعدم ختلي الوحي عنه‪ ،‬كما‬
‫تتحدث عن النِعم اإلهلية اليت أنعمها اهلل تعاىل على نبيه‪ ،‬كهداية الناس إليه‪،‬‬
‫وتتحدث أيضاً عن األمر بذكر النِعم ولزوم إظهاراها وعدم سرتها‪.‬‬
‫حمتواها‬
‫• تتحدث السورة عن بيان ما عليه النيب (ص) من موقف الكرامة والعناية‬
‫اإلهلية‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬أنت على ما كنت عليه من الفضل والرمحة ما دمت‬
‫حياً يف الدنيا وحياتك اآلخرة خريٌ لك من حياتك الدنيا‪.‬‬
‫• كما تتحدث عن النِعم اإلهلية على رسول اللهصلی اهلل عليه وآله وسلم‬
‫وتبنّي مسألة يُتم النبيصلی اهلل عل‪b‬يه وآله وسلم يف صباه‪ ،‬كما تتحدث‬
‫السورة أيضاً عن إظهار نعمة الرب‪ ،‬حني يكون بدافع الشكر والثناء‪.‬‬
‫فضيلتها‬
‫وردت فضائل كثرية يف قراءهتا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫عن النيب (ص) أنه قال‪« :‬من قرأها كان ممن يرضاه اهلل‪ ،‬وحملمدصلی اهلل عليه وآله وسلم أن يشفع له‪ ،‬وله‬
‫عشر حسنات بعدد كل يتيم وسائل‪.‬‬
‫عن اإلمام الصادق عليه السالم قال‪« :‬من أكثر قراءة والشمس‪ ،‬والليل إذا يغشى‪ ،‬والضحى‪ ،‬وأمل نشرح يف‬
‫يبق شيء حبضرته إال شهد له يوم القيامة حىت شعره وبشره وحلمه ودمه وعروقه وعصبه‬
‫يوم أو ليلة مل َ‬
‫وعظامه‪ ،‬ومجيع ما أقلت األرض منه‪ ،‬ويقول تبارك وتعاىل‪ :‬قبلت شهادتكم لعبدي وأجزهتا له‪ ،‬فانطلقوا به‬
‫إىل جنايت حىت يتخري منها حيث ما أحب‪ ،‬فأعطوه من غري َم ٍّن‪ ،‬ولكن رمحة مين وفضالً عليه وهنيئاً لعبدي»‬
‫سبب نزوهلا‬
‫ع اهلل حممداً وقاله‪ ،‬فأنزل اهلل‬ ‫ود َ‬‫قيل‪ :‬إنَّه ملا تأخر عن النيب (ص) الوحي مخس عشرة ليلة قال قوم من املشركني‪ّ :‬‬
‫تعاىل هذه السورة تكذيباً هلم وتسليةً للنبيصلی اهلل عليه وآله وسلم ألنَّه حزن بأنقطاع الوحي عنه‪ ،‬مث بيّنت‬
‫اآليات املتفرعة على اليت سبقتها نِعم اهلل تعاىل على النبيصلی اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬فقد وجدت ما‬
‫جيده اليتيم من ذلة وانكسار فال تقهره‪ ،‬ووجدت مرارة حاجة الضال إىل اهلدى والسائل إىل الغىن فال تزجره‪،‬‬
‫نعمة أنعمها عليك ربك جبوده وكرمه ورمحته‪ ،‬فاشكر نعمته بالتحديث هبا وال تسرتها‪.‬‬ ‫ووجدت أ ّن ما عندك من ٍ‬
‫ويف اآلية الرابعة واخلامسة ورد عن اإلمام الصادقعليه السالم أنه قال‪ :‬دخل رسول اللهصلی اهلل عليه وآله وسلم‬
‫بالرحى‪ ،‬وعليها كِساء من أجلّة اإلبل‪ ،‬فلما نظر إليها بكى‪ ،‬وقال هلا‪ :‬يا‬ ‫على فاطمةعليها السالم وهي تطحن ّ‬
‫ف‬‫ك ِم َن األُوىَل * َولَ َس ْو َ‬ ‫َّ‬ ‫خ‬ ‫ة‬
‫ُ‬‫ر‬ ‫ِ‬
‫عليه‪﴿:‬ولَ َ َ ْ ٌ َ‬
‫ل‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫آلخ‬ ‫َ‬ ‫تعجلي مرارة الدنيا بنعيم اآلخرة غداً‪ ،‬فأنزل اهلل تعاىل‬‫فاطمة ّ‬
‫ضى﴾‬ ‫ر‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ر‬
‫ُّ‬ ‫يك‬
‫َ‬ ‫ط‬‫يع ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫• (وال‪b‬ضحى)‪ :‬صدر النهار حينما ترتفع ال‪b‬شمس‪ ،‬وقيل‪ :‬املراد هنا كل النهار ملقابلته ملا بعده من‬
‫الليل‪.‬‬
‫• «الضحى» يعين أوائل النهار‪ ،‬أي حني يرتفع قرص الشمس يف كبد السماء‪ ،‬ويعم نورها‬
‫األرض‪ ،‬وهو يف احلقيقة أفضل ساعات النهار‪ ،‬ألنّه ـ على ح ّد تعبري بعضهم ـ شباب النهار‪،‬‬
‫عم يف فصل الشتاء وتصبح‬‫اجلو حاراً يف فصل الصيف‪ ،‬ويكون الدفء قد ّ‬ ‫وفيه ال يكون ّ‬
‫خالله روح اإلنسان مستعدة ملمارسة النشاط‪.‬‬
‫(سجى)‪ :‬سكن واستقر‪ ،‬واشت ّد ظالمه‪.‬‬ ‫•‬
‫السجو‪ ،‬أي سكن وهدأ‪ ،‬وتأيت الكلمة أيضاً مبعىن غطّى‪ ،‬وأقبل ظالمه‪.‬‬ ‫السج ِو أو ُّ‬
‫«سجى» من َّ‬ ‫•‬
‫«مسجى»‪ ،‬ويف اآلية مبعىن سكن وه‪b‬دأ‪ ،‬والليلة اخلالية من الرياح تسمى‬
‫ّ‬ ‫وامليت امللفوف بالكفن‬
‫«ليلة ساجية» أي هادئة‪ ،‬والبحر حني يستقر وخيلو من األمواج الصاخبة يسمى «حبر ساج»‪.‬‬
‫واملهم يف الليل ـ على أي حال ـ هدوؤه وسكينته ممّا يضفي على روح اإلنسان واعصابه هدوءً‬ ‫•‬
‫مهمة استحقت القسم هبا‪.‬‬ ‫وارتياحاً‪ ،‬ويُع ّده ملمارسة نشاط يوم غد‪ ،‬وهو لذلك نعمة ّ‬
‫السورة تشابه كبري وارتباط وثيق‪ .‬النهار مثل نزول نور الوحي على قلب‬‫بني ال َق َسمني وحمتوى ّ‬ ‫•‬
‫النّيب(صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪ ،‬والليل كانقطاع الوحي املؤقت‪ ،‬وهو أيضاً ضروري يف بعض‬
‫املقاطع الزمنية‪.‬‬
‫ودعك)‪ :‬ما قطع‪b‬ك ربك وما تركك‪.‬‬
‫• (ما َّ‬
‫• (قلى)‪ :‬أشد البغض‪.‬‬
‫• وبعد ال َق َس مني‪ ،‬يأيت جواب القسم‪ ،‬فيقول سبحانه‪( :‬ما ودعك ربّك وما قلى)‪.‬‬
‫الرمي‪ .‬وكال املعنيني يعودان‬ ‫• «‪b‬قلى»‪ b‬من «قال» ـ على وزن صدا ـ‪ ،‬وهو ش ّدة البغض‪ ،‬ومن ال َقلَو أيضاً مبعىن ّ‬
‫إىل أصل واحد ـ يف رأي الراغب األص‪b‬فهاين ـ فكأن املقلّو هو الذي يقذفه القلب من بُغضه فال يَ َقبلُه‪.‬‬
‫وتسل له‪ ،‬ليعلم أن التأخري يف‬
‫ّ‬ ‫وسلم)‬ ‫وآله‬ ‫عليه‬ ‫اهلل‬ ‫يب(صلى‬‫ّ‬‫الن‬ ‫‪b‬‬
‫ب‬ ‫لقل‬ ‫كن‬
‫ٌ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫التعبري‬ ‫هذا‬ ‫يف‬ ‫حال‪،‬‬ ‫أي‬ ‫على‬ ‫•‬
‫نزول الوحي إمّن ا حيدث ملصلحة يعلمها اهلل تعاىل‪ ،‬وليست ـ كما يق‪b‬ول األعداء ـ لرتك اهلل نبيّه أو لسخطه‬
‫اخلاصة‪ ،‬وهو دائماً يف كنف محاية اهلل سبحانه‪.‬‬‫عليه‪ .‬فهو مشمول دا‪b‬ئماً بلطف اهلل وعنايته ّ‬
‫• أنت يف هذه الدنيا مشمول بالطاف اهلل تعاىل‪ ،‬ويف اآلخرة أكثر وأفضل‪ .‬أنت آمن من‬
‫غضب اهلل يف األمد القريب والبعيد‪ .‬وباختصار أنت عزيز يف الدنيا واآلخرة‪ ...‬يف الدنيا عزيز‬
‫أعز‪...‬‬
‫ويف اآلخرة ّ‬
‫• قيل إن «اآلخرة» و«األوىل» يشريان إىل بداية عمر النّيب(صلى اهلل عليه وآله وسلم) وهنايته‪،‬‬
‫أي إنّك ستستقبل يف عمرك نصراً وجناحاً أكثر ممّا استدبرت‪ .‬ويف ذلك إشارة إىل اتساع رقعة‬
‫انتشار ا ِإلسالم وانتصارات املسلمني املتالحقة على األعداء‪ ،‬وفتوحهم يف الغزوات‪ ،‬ومنّو‬
‫دوحة التوحيد‪ ،‬واندثار آثار الشرك وعبادة األوثان‪ .‬وال مانع من اجلمع بني التّفسريين‪.‬‬
‫رب العاملني لعبده‬
‫• وتأيت البشرى للنيب الكرمي لتقول له‪( :‬ولسوف يعطيك ربّك فرتضى)‪ ،‬وهذا أعظم أكرام وأمسى احرتام من ّ‬
‫ويعم نور‬
‫الرباين سيغدق عليه حىت يرضى‪ ...‬حىت ينتصر على األعداء ّ‬ ‫حممد(صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪ .‬فالعطاء ّ‬
‫املصطفى ّ‬
‫ا ِإلسالم اخلافقني‪ ،‬كما أنّه سيكون يف اآلخرة أيضاً مشموال بأعظم اهلبات ا ِإلهلية‪.‬‬
‫• النّيب األعظم(صلى اهلل عليه وآله وسلم) باعتباره خامت األنبياء‪ ،‬وقائد البشرية‪ ،‬ال ميكن أن يتحقق رضاه يف جناته فحسب‪ ،‬بل‬
‫الروايات لتؤكد أن هذه اآلية أكثر آيات القرآن الكرمي داللة‬‫إنّه سيكون راضياً حني تُقبل منه شفاعته يف أُمته‪ .‬ومن هنا جاءت ّ‬
‫على قبول الشفاعة منه عليه أفضل الصالة والسالم‪.‬‬
‫حممد احلنفية عن أبيه أمري املؤمنني(عليه السالم) أنّه قال‪ :‬أ ّن رسول‬
‫عمه ّ‬‫حممد بن علي(عليهما السالم) عن ّ‬ ‫• ويف حديث رواه ّ‬
‫رب رضيت»‬ ‫حممد؟ فأقول‪ :‬نعم يا ّ‬ ‫اللّه(صلى اهلل عليه وآله وسلم) قال‪« :‬أشفع الُّميت حىّت يناديين ريّب ‪ :‬أرضيت يا ّ‬
‫وجل‪ (:‬يا عبادي الذين أسرفوا‬
‫عز ّ‬ ‫• مثّ إ ّن أمري املؤمنني التفت إىل مجاعة وقال‪« :‬يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية يف كتاب اهلل َّ‬
‫على أنفسهم‪ )...‬اآلية‪ ،‬وإنّا أهل البيت نقول أرجى آية يف كتاب اهلل‪ (:‬ولسوف يعطيك ربّك فرتضى) وهي واهلل الشفاعة‬
‫رب رضيت»‪.‬‬ ‫ليعطيها يف أهل ال إله إالّ اهلل حىت تقول‪ّ :‬‬
‫السورة املباركة تسلية قلب النّيب(صلى اهلل عليه وآله‬
‫كل هذه النعم اإلهلية‪ :‬ذكرنا أ ّن هدف هذه ّ‬ ‫• الشكر على ّ‬
‫اخلاصة‬
‫وسلم) وبيان الطاف اللّه اليت مشلته‪ ،‬وهذه اآليات املذكورة أعاله جتسد للنّيب ثالث هبات من اهلبات ّ‬
‫اليت أنعم اللّه هبا على النّيب‪ ،‬مثّ تأمره بثالثة أوامر‪.‬‬
‫حممد يف رحم اُّمك حني تويف والدك فآويتك إىل كنف ج ّدك عبد املطلب (سيد م ّكة)‪ .‬وكنت يف‬ ‫• فقد كنت يا ّ‬
‫السادسة حني توفيت والدتك‪ ،‬فزاد يتمك‪ ،‬لكنين زدت حبّك يف قلب «عبد املطلب»‪ .‬وكنت يف الثامنة حني‬
‫عمك «أبا طالب»‪ ،‬وليحافظ عليك كما حيافظ على روحه‪.‬‬ ‫رحل ج ّدك «عبداملطلب»‪ ،‬فسخرت لك ّ‬
‫• نعم‪ ،‬كنت يتيماً فآويتك‪ .‬وقيلت يف معىن هذه اآلية آراء آُخرى تبتعد عن ظاهرها‪ .‬كقوهلم إ ّن اليتيم هو الفريد‬
‫«درة يتيمة»‪ ...‬ويكون املعىن حينئذ أ ّن اللّه وجدك‬
‫يف فضائله وخصائله احلميدة‪ ،‬فتقول مثالً للجوهرة الفريدة ّ‬
‫للنبوة‪ .‬كقوهلم‪ :‬إنّك كنت يوماً يتيماً‪ ،‬وأصبحت مالذاً لأليتام‬
‫يف فضائلك فريداً ليس لك نظري‪ ،‬ولذلك اختارك ّ‬
‫األول دون شك أنسب وبظاهر اآلية الصق‪.‬‬ ‫وقائداً للبشرية‪ .‬املعىن ّ‬
‫• (ضاالً)‪ :‬غافالً‪ ،‬واملراد هنا مل تكن تعلم بالنبوة وبالرسالة‪ ،‬وقيل‪ :‬وجدك ضاالً بني الناس ألهنم ال يعرفون حقك فهداهم‪b‬‬
‫إليك‪.‬‬
‫ضااّل ً َف َه َدى )) املراد بالضالل عدم اهلد‪b‬اية واملراد بكونه صلى اهلل عليه وآله وسلم ضاال حالة يف‬
‫• قوله تعاىل (( َوَو َج َد َك َ‬
‫نفسه مع‪ b‬قطع‪ b‬النظر عن هدايته تعاىل فال هدى له صلى اهلل عليه وآله وال ألحد من اخللق اال باهلل سبح‪b‬انه وتعاىل فقد‪b‬‬
‫نت تَد ِري‬
‫كانت نفسه يف نفسها ضالة وإن كانت اهلداية االهلية مالزمة هلا منذ وجد‪b‬ت فاآلية يف معىن قوله تعاىل‪َ (( :‬ما ُك َ‬
‫اب َواَل ا ِإلميَا ُن )) (الشورى‪.)52:‬‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫ما ِ‬
‫الك‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫• ووجد‪b‬ك ضاال يعين عند‪ b‬قومك فهد‪b‬ى أي هداهم اهلل إىل معرفتك‬
‫• نعم مل تكن ايها النيب على علم بالنبوة والرسالة‪ ,‬وحنن انزلنا هذا النور على قلبك لتهدي به االنسانية‪.‬‬
‫ضااّل ً )) يعين من بني قوم ضالل (( َف َه َدى )) يعين حفظك من امرهم‬
‫• ويذكر السمرقندي‪ 3/581‬هذ‪b‬ا الرأي‪َ (( :‬وَو َج َد‪َ b‬ك َ‬
‫وعن اخالقهم‪.‬‬
‫(عائالً)‪ :‬فقرياً‬ ‫•‬
‫كل ثروهتا حتت تصرفك ومن أجل حتقيق أهدافك‪ ،‬وب‪b‬عد ظهور‬ ‫لقد جعلناك تستأثر باهتمام «خدجية» هذه املرأة املخلصة الوفية لتضع ّ‬ ‫•‬
‫اإلسالم رزقك مغامن كثرية يف احلروب ساعدتك يف حتقيق أهدافك الرسالية الكربى‪.‬‬
‫وعن علي بن موسى الرضا(عليه السالم) يف تفسري هذه اآليات قال‪(« :‬أمل جيدك يتيماً فآوى)‪ ،‬قال‪ :‬فردا ال مثيل يف املخلوقني‪ ،‬فآوى‬ ‫•‬
‫النّاس إليك‪(.‬ووجدك ضاالً) أي ضالة يف قوم ال يعرفون فضلك فهداهم إليك‪(.‬ووجدك عائالً)‪ ،‬تعول أقواماً بالعلم فأغناهم بك»‪.‬‬
‫وال يتصور ّن أحد أ ّن تفسري اآليات بظاهرها حيط من مكانة النّيب(صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪ ،‬أو ي‪b‬ضفي عليه صفات سلب‪b‬ية من قبل‬ ‫•‬
‫الباري تعاىل‪ ،‬بل إهّن ا يف الواقع بيان ما أغدق اللّه على نبيّه من ألطاف واكرام واحرتام‪ ،‬حني يتحدث احملبوب عن ألطافه حبق العاشق‬
‫اخلاص ة‪ ،‬والعاشق بسماعه هذه األلفاظ تسري يف جسده روح‬ ‫الواله‪ ،‬فإ ّن حديثه هذا هو عني اللطف واحملبّة‪ ،‬وهو دليل على عنايته ّ‬
‫جديدة‪ ،‬وتصفو نفسه وي‪b‬غمر قلبه سكي‪b‬نة وهدوء‪.‬‬
‫يف اآلي‪b‬ات التالية ثالثة أوامر تصدر إىل الرسول باعتبارها نتيجة اآليات السابقة‪ ...‬واخلطاب‪ ،‬وإن كان متجهاً إىل الرسول(صلى اهلل‬ ‫•‬
‫عليه وآله وسلم)‪ ،‬فإنّه يشمل أيضاً كل املسلمني‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ «العائل» يف األصل كثري العيال‪ ،‬وجاءت أيضاً مبعىن الفقري‪ ،‬وهي يف اآلية هبذا املعىن‪ ،‬ويستفاد من كالم الراغب أ ّن (عال) إذا‬ ‫•‬
‫كانت أجوفاً يائياً فهي مبعىن افتقر‪ ،‬وإن كانت أجوفاً واوياً فبمعىن كثر عياله‪( .‬والنستبعد أن يكون املعنيان متالزمني)‪.‬‬
‫• «تقهر» من القهر ـ كما يقول الراغب ـ الغلبة مع التحقري‪ ،‬ولكن تستعمل يف كل واحد من‬
‫املعنيني‪ ،‬ومعىن التحقري هنا هو املناسب‪.‬‬
‫• وهذا يدل على أ ّن هناك مسألة أهم من اإلطعام واإلنفاق بشأن األيتام‪ ،‬وهي اللطف هبم‬
‫والعطف عليهم وإزالة إحساسهم بالنقص العاطفي‪ ،‬ولذا جاء يف احلديث املعروف عن رسول‬
‫متر على يده‬
‫اللّه(صلى اهلل عليه وآله وسلم) قال‪« :‬من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة ّ‬
‫نور يوم القيامة»(‪.)1‬‬
‫• كأ ّن اللّه خياطب نبيّه قائالً‪ :‬لقد كنت يتيماً أيضاً وعانيت من آالم اليتم‪ ،‬واآلن عليك أن هتتم‬
‫باأليتام كل اهتمام وأن تروي روحهم الظمأى حببّك وعطفك‪.‬‬
‫(فال تنهر)‪ :‬النهر‪ :‬الزجر بغلظة والرد جبفوة‪.‬‬ ‫•‬
‫رد خبشونة‪ ،‬وال يستبعد أن تكون مشرتكة يف املعىن مع «هنر» املاء‪ ،‬أل ّن النهر يدفع املاء بش ّدة‪.‬‬ ‫« َن َهَر» مبعىن ّ‬ ‫•‬
‫ويف معىن «السائل» ع ّدة تفاسري‪.‬‬ ‫•‬
‫األول‪ :‬أنّه املتجه بالسؤال حول القضايا العلمية والعقائدية والدينية‪ ،‬والدليل على ذلك هو أ ّن هذا األمر‬ ‫ّ‬ ‫•‬
‫تفريع ممّا جاء يف اآلية السابقة‪( :‬ووجدك ضاالً فهدى)‪ ،‬فشكر هذه اهلداية اإلهلية يقتضي أن تسعى أيّها‬
‫النّيب يف هداية السائلني‪ ،‬وأن ال تطرد أي طالب للهداية عنك‪.‬‬
‫رد هذا‬‫والتّفسري اآلخر‪ :‬هوالفقري يف املال واملتاع‪ ،‬واألمر يكون عندئذ ببذل اجلهد يف هذا اجملال‪ ،‬وبعدم ّ‬ ‫•‬
‫الفقري السائل يائساً‪.‬‬
‫والثّالث‪ :‬أ ّن املعىن يشمل الفقري علمياً والفقري مادياً‪ ،‬واألمر بتلبية احتياجات السائل يف اجملالني‪ ،‬وهذا املعىن‬ ‫•‬
‫يتناسب مع اهلداية اإلهلية لنبيّه(صلى اهلل عليه وآله وسلم)‪ ،‬ومع إيوائه حني كان يتيماً‪.‬‬
‫تنم عن غاية الشكر واإلمتنان‪ ،‬ال عن التفاخر والغرور‪ .‬وقد تكون‬ ‫ِ‬
‫(فحدِّث)‪ :‬أمر بذكر هذه الن عم وكشفها وإظهارها‪.‬واحلديث عن النعمة قد يكون باللسان‪ ،‬وبتعابري ّ‬
‫• َ‬
‫بالعمل عن طريق اإلنفاق من هذه النعمة يف سبيل اللّه‪ ،‬انفاقاً يبنّي مدى هذه النعمة‪ .‬هذه هي خصلة اإلنسان السخي الكرمي‪ ...‬يشكر اللّه على النعمة‪ ،‬ويقرن الشكر‬

‫بالعمل‪ ،‬خالفاً للسخفاء البخالء الذين ال يكفون عن الشكوى والتأوه‪ ،‬وال يكشفون عن نعمة ولو حصلوا على الدنيا وما فيها‪ ،‬وجوههم يعلوها سيماء الفقر‪ ،‬وكالمهم‬

‫بالتذمر واحلسرة‪ ،‬وعملهم يكشف عن فقر!‬


‫مفعم ّ‬
‫• بينا روي عن رسول اللّه(صلى اهلل عليه وآله وسلم) قال‪« :‬إ ّن اللّه تعاىل إذا أنعم على عبد نعمة حيب أن يرى أثر النعمة عليه»(‪)3‬‬

‫• من هنا يكون معىن اآلية‪ :‬بنّي ما أغدق اللّه عليك من نِ َعم بالقول والعمل‪ ،‬شكراً على ما أغناك اللّه إذ كنت عائالً‪.‬‬

‫للنيب باإلبالغ والتبيني‪ ،‬وهذا هواملقصود من احلديث بالنعمة‪.‬‬


‫النبوة والقرآن‪ ،‬واألمر ّ‬
‫املفسرين ذهب إىل أ ّن النعمة يف اآلية هي النعمة املعنوية ومنها ّ‬
‫• بعض ّ‬
‫حمم د الصادق(عليه السالم) يف تفسري هذه اآلية قوله‪« :‬حدث مبا أعطاك للّه‪،‬‬
‫• وحيتمل أيضاً أن يكون املعىن شامالً للنعم املادية واملعنوية‪ ،‬لذلك ورد عن اإلمام جعفر بن ّ‬
‫وفضلك‪ ،‬ورزقك‪ ،‬وأحسن إليك وهداك»‬

‫• وعن أمري املؤمنني علي بن أيب طالب(عليه السالم) قال‪« :‬إ ّن اللّه مجيل حيب اجلمال‪ ،‬وحيب أن يرى أثر النعمة على عبده»‪.‬‬

You might also like