You are on page 1of 14

‫حكم‬

‫الجمع بين الصلتين للمطر‬

‫بقلم‬
‫الشيخ خالد صالح جمال‬

‫‪1‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل الذي وفق من أراد به الخير إلى التفقه في الدين ‪ ،‬وألهمه رشده وسلك به سبيله من‬
‫قبل أن يأتيه اليقين ‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا ومولنا محمد المين الذي أرشدنا إلى التشبث‬
‫بأهل العلم ورثة النبيين ‪ ،‬وعلى آله وصحابته الذين اتبعوه وانتهجوا نهجه المبين ‪.‬‬
‫وبعد ‪..‬‬
‫فإن من أهم أهداف لجنة الدعوة بالجمعية السلمية نشر الحكام الفقهية المعتبرة ‪ ،‬وتصحيح‬
‫كثير من المفاهيم الخاطئة المنتشرة بين الناس ‪ ،‬ومن ذلك الجمع بين الصلتين لعذار واهية ل‬
‫تبيح الجمع ‪ ،‬وقد رأينا كثيراً من الذين يفعلون ذلك بل سبب معتبر في مذاهب أهل السنة المعتمدة‬
‫‪ ،‬إما جهل وإما تعالما ‪ ،‬وإما تقليدا لمن لم يبلغ مرتبة في الفقه ‪.‬‬

‫ولذلك رأينا أنه من المهم ‪ ،‬بل من فروض الكفاية بيان ذلك للناس ‪ ،‬وعندما اطلعنا على هذه‬
‫الرسالة تذكرنا قول الشاعر‪:‬‬

‫أفرطت في التقديم والتأخير‬ ‫يا دهر أعط القوس باريها فقد‬

‫فقد جاءت مختصرة كافية وافية بالمقصود‪ ،‬تشهد لكاتبها بالعلم والفقه ‪ ،‬فرأينا طبعها ونشرها‬
‫ليقرأها طلبة العلم وغيرهم ‪ ،‬وينتشر الحكم الصحيح المعتبر بين الناس في مسألة تتعلق بركن من‬
‫أهم أركان الدين ‪ ،‬وأعظم عباداتهم ‪.‬‬

‫جزى ال تعالى كاتبها فضيلة الشيخ خالد صالح الشافعي خير الجزاء ‪ ،‬ووفقه لما فيه صلح‬
‫الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬

‫‪2‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫} تقريظ {‬
‫لفضيلة الشيخ عبدالرؤوف بن مبارك آل حبيب المالكي الزهري‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد رسول ال ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه‬
‫وبعد ‪..‬‬

‫فقد اطلعت على هذه الرسالة المفردة في حكم الجمع بين الصلتين في المطر ‪ ،‬فألفيتها نفيسة جداً‬
‫‪ ،‬إذ هي جامعة لمطالب هذه المسألة ‪ ،‬ومع جمعها هذا فهي مختصرة اختصاراً لطيفاً ‪ ،‬وكيف ل‬
‫وقد دبجها يراع الشيخ الفاضل خالد بن صالح ‪ ،‬أستاذ علوم الشريعة السلمية في المعهد الديني‬
‫الزهري بمملكة البحرين ‪ ،‬حفظه ال وزاده من فضله العميم ‪..‬‬

‫وقد جاءت هذه الرسالة مبينة لحكم الجمع على المذاهب الربعة المتبعة المقتدَى بها ‪ ،‬الحنفية‬
‫والمالكية والشافعية والحنبلية ‪ ،‬والتي تشكل أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وعامة الناس في البحرين‬
‫ممن هم أهل البحرين من أهل السنة إما مالكيون ‪ ،‬وإما شافعيون ‪ ،‬وقليل من السر حنبلية ‪ ،‬وقد‬
‫وردت على البحرين في العقود المتأخرة كثير من الجاليات الشرقية المتمذهبة بالمذهب الحنفي ‪،‬‬
‫فلم يزل هؤلء هم أهل السنة والجماعة في البحرين ‪ ،‬حتى نبتت في العقود الخيرة رؤوس‬
‫الجهل ‪ -‬التي أخبر النبي صلى ال عليه وسلم عن ظهورها ‪ -‬فأمالوا كثيراً من الناس عن هذه‬
‫المذاهب الربعة السنية إلى جهالتهم وبدعهم بفتاوى خالفوا بها المذاهب الربعة جملة‬
‫وتفصيل ‪ ،‬فاستولوا على عقول كثير من الناشئة بدعوى الرجوع للكتاب والسنة ‪ ،‬وهي دعوى أن‬
‫تزعمها القاصرون في العلم ‪ -‬كما هو الواقع ‪ -‬كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ‪ ،‬وانتشر‬
‫ذلك في غفلة من أهل العلم ومن الناس ‪ ،‬حتى سبق السيف العذل وصارت بعض هذه المحدثات‬
‫كأنها سنن بين الناس ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪.‬‬

‫وهذه الرسالة المختصرة تأتي في سبيل إرشاد الناس إلى ما هو الحق في هذه المسألة ‪ ،‬وتصحيح‬
‫المفاهيم الخاطئة المنتشرة ‪ ،‬فمن أراد لنفسه السلمة فليلزم ما فيها ‪ ،‬وليأخذ المالكي منها مذهبه‬
‫فليلزمه ‪ ،‬وكذا الشافعي والحنفي والحنبلي ‪ ،‬كل يأخذ مذهبه منها فيمشي عليه ‪ ،‬وليجتنب ما سوى‬
‫ذلك مما يثرثر به أهل الجهل خيرًا له في دينه إن كان يعقل ‪..‬‬

‫وشكر ال لمؤلف الرسالة جهده فيها وأثابه على ذلك أعظم الثواب ‪ ،‬وال الهادي إلى الرشد‬
‫والصواب ‪ ،‬والحمد ل رب العالمين وصلى ال وسلم على سيدنا محمد النبي الصادق المين‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫كتبه‪ /‬عبد الرؤوف بن مبارك بن جمعة آل حبيب المالكي الزهري‬


‫أستاذ العلوم الشرعية والمذهب المالكي بالمعهد الديني الزهري بالبحرين‬

‫‪3‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬والصلة والسلم على أشرف النبياء والمرسلين سيدنا ومولنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ‪،،‬‬

‫فقد كثُر في زماننا السؤال عن حكم الجمع بين الصلتين والسباب المبيحة له ‪ ،‬وعما يحصل‬
‫حضَر من غير وجود مطر حال الصلة ‪ ،‬مما أدى إلى الخلف بين المصلين في‬ ‫من الجمع في ال َ‬
‫المسجد الواحد ـ والجماع ُة إنما شُرعت لتآلف القلوب ووحدة المسلمين ـ ‪ ،‬كما تجرأ بعض الناس‬
‫ـ ممن ل صلة له بالعلم ـ بإفتاء الناس والتلبيس عليهم في دينهم ‪ ،‬وقد سألني بعض الخوة‬
‫والصدقاء أن أبين حكم ذلك في رسالة مختصرة ‪ ،‬وأنقل فيها مذاهب العلماء وأقوالهم ‪ ،‬فأجبتُ‬
‫ت في المسألة مختصراً ‪ ،‬ينتفع به عامة المسلمين ول‬ ‫ل لذلك ‪ -‬وكتب ُ‬
‫ت لستُ أه ً‬‫سؤالهم ـ وإن كن ُ‬
‫يستغني عنه طالب العلم ‪ ،‬فأقول وبال تعالى التوفيق ‪:‬‬

‫الصلة هي الركن الثاني من أركان السلم بعد الشهادتين ‪ ،‬وقد فرض ال تعالى على عباده‬
‫خمس صلوات في اليوم والليلة ‪ ،‬ووقّت لكل صلة وقتًا ل يصح تقديمها عليه ول يجوز تأخيرها‬
‫عنه إل بعذر ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " :‬إن الصلة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً " ( أي مكتوباً‬
‫مفروضاً ‪ ،‬مقدرًا وقتها ومحدداً بأوقات معلومة فل تؤخر عنها ) ‪ .‬وبيّن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم بقوله وفعله أوقات الصلوات الخمس أوضح بيان ‪ ،‬وأجمع المسلمون على ذلك ‪ ،‬كما رغّب‬
‫الشرع في أداء الصلة جماعة في المساجد ‪ ،‬ورتّب على الجماعة الجر الجزيل ‪.‬‬

‫وحيث إن ديننا السلمي دين يُسر ‪ ،‬فقد أباح تقديم الصلة أو تأخيرها عن أوقاتها في بعض‬
‫الحوال عند وجود المشقة دفعًا للحرج ‪ ،‬وحرصًا على تحصيل فضيلة الجماعة ‪ ،‬وهو ما يسمى‬
‫بالجمع بين الصلتين ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫حكم الجمع بين الصلتين وأسبابه‬

‫يجوز عند جمهور العلماء الجمع بين الصلتين في الجملة ‪ ،‬ومنعه الحنفية ‪ ،‬وإليك تفصيل‬
‫المذاهب في ذلك ‪.‬‬

‫أولً ‪ :‬مذهب السادة الحنفية ‪:‬‬

‫ل يجوز عند الحنفية الجمع بين الصلتين مطلقاً ‪ ،‬إل للحاج بعرفة يجمع بين الظهر والعصر ‪،‬‬
‫وبمزدلفة بين المغرب والعشاء ‪ .‬قال المام الحصكفي رحمه ال تعالى في الدر المختار شرح‬
‫تنوير البصار ‪ 45 / 2 ( :‬ـ ‪ ( " ) 46‬ول جمع بين فرضين في وقت بعذر ) سفر ومطر خلفاً‬
‫للشافعي ‪ ،‬وما رواه محمولٌ على الجمع فعلً ل وقتاً ( فإن جمع فسد لو قدّم ) الفرض على وقته ‪.‬‬
‫( وحرُم لو عكس ) أي أخره عنه ( وإن صحّ ) بطريق القضاء ( إل لحاج بعرفة ومزدلفة ) " ‪.‬‬

‫وأجاز الحنفية تقليد المذاهب الخرى في الجمع عند الضرورة ‪ ،‬قال في المصدر السابق ‪" :‬‬
‫ول بأس بالتقليد عند الضرورة ‪ ،‬لكن بشرط أن يلتزم جميع ما يوجبه ذلك المام ‪ ،‬لما قدّمنا أن‬
‫ل بالجماع " ‪.‬‬
‫الحكم الملفّق باط ٌ‬

‫ثانياً ‪ :‬مذهب السادة المالكية ‪:‬‬

‫أجاز المالكية الجمع بين الصلتين للسباب التية ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ السفر ‪2‬ـ المطر ‪3‬ـ الوحَل ( الطين ) مع الظلمة ‪ 4‬ـ المرض ‪5‬ـ عرفة ومزدلفة ‪.‬‬

‫وحيث إن موضوع الرسالة ( الجمع للمطر ) فإنني سأفصل القول في السببين الثاني والثالث ‪.‬‬

‫ذكر المالكية أنه يجوز الجمع بين العشاءين ( المغرب والعشاء ) فقط جمع تقديم ‪ ،‬لمطر كثير‬
‫واقع أو متوقع ‪ ( ،‬ويُعلَم كثرة المطر المتوقع بالقرينة ) ‪ ،‬ومثلُ المط ِر البَ َردُ والثلجُ إن تعذّر‬
‫نفضه ‪ ،‬كما يجوز الجمع بين العشاءين فقط للطين الكثير مع الظلمة ‪ ،‬والمراد بالظلمة ظلمة آخر‬
‫الشهر من غير قمر ل للغيم ‪ ،‬فل يُجمَع للطين وحده ول للظلمة وحدها ‪ ،‬وهذا الجمع خاصّ‬
‫بالمسجد فل يجمع في البيوت ‪.‬‬
‫وتجب نية الجمع عند الصلة الولى ‪ ،‬فلو تركها صحت صلته ولم تبطل ‪ ،‬ويجوز الجمع‬
‫لمنفرد بالمغرب يجد الجماعة يصلون العشاء فيدخل معهم ‪ ،‬ويغتفر له نية الجمع عند صلته لنه‬
‫تابعٌ لهم ‪ .‬ويجوز الجمع للمقيم بالمسجد لجل اعتكاف أو مجاورة تبعاً للجماعة ‪.‬‬
‫ص المالكية على أنه إن جمع الناس لمطر متوقع ثم تخلّف ولم يحصل ‪ ،‬فينبغي إعادة‬ ‫وقد ن ّ‬
‫الصلة الثانية في الوقت ‪.‬‬
‫ويشترط وجود المطر عند افتتاح الصلة الولى ‪ ،‬فإذا انقطع المطر قبل الشروع في الولى أو‬
‫حدث بعد الشروع فيها فل يجوز الجمع ‪ ،‬وإن انقطع بعد الشروع في الولى فالجمع جائز ‪.‬‬

‫قال المام مالك رحمه ال تعالى في المدونة الكبرى في ( جمع الصلتين ليلة المطر ) ‪/ 1 ( :‬‬
‫حضَر وإن لم يكن مطرٌ إذا كان طينٌ وظلمةٌ ‪ ،‬ويجمع‬‫‪ " ) 110‬يجمع بين المغرب والعشاء في ال َ‬
‫أيضًا بينهما إذا كان المطر " ‪ ،‬وفي المدونة أيضاً ‪ " :‬قال سحنون ‪ :‬قلتُ لبن القاسم ‪ :‬فهل يجمع‬
‫حضَر بين الظهر والعصر كما يجمع بين المغرب والعشاء في قول مالك‪،‬‬ ‫في الطين والمطر في ال َ‬‫‪5‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫حضَر ول نرى ذلك مثل المغرب‬ ‫فقال ابن القاسم ‪ :‬قال مالكٌ ل يجمع بين الظهر والعصر في ال َ‬
‫والعشاء " ‪.‬‬
‫وقال الشيخ الدردير رحمه ال تعالى في الشرح الصغير على أقرب المسالك ‪) 175 / 1 ( :‬‬
‫" ( و ) ُرخّص ( في جمع العشاءين فقط ) جمع تقديم ( بكل مسجد ) تقام به الصلة ولو غير‬
‫مسجد الجمعة ( لمطر ) واقع أو متوقع ( أو طين مع ظلمة ) لخر الشهر ل لغيم ول لحدهما‬
‫فقط " ‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬مذهب السادة الشافعية ‪:‬‬

‫ل المطرِ الثلجُ والبَ َردُ إن ذابا ‪.‬‬


‫يجوز عند الشافعية الجمع بين الصلتين للسفر والمطر فقط ‪ ،‬ومث ُ‬
‫وذكروا أنه يجوز الجمع بين الظهر والعصر ( وكذا بين الجمعة والعصر) ‪ ،‬وبين المغرب‬
‫والعشاء جمع تقديم للمطر بالشروط التية ‪:‬‬
‫ل المطر أعلى الثوب أو أسفل النعل ولو كان المطر ضعيفاً ‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ أن َيبُ ّ‬
‫‪ 2‬ـ وجود المطر أول الصلتين ( أي عند الحرام بهما ) ‪ ،‬وعند سلم الولى ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن تُؤدّى الصلة الثانية جماع ًة في المسجد ‪ ،‬فل يجوز الجمع لمن يصلي الثانية منفرداً ولو‬
‫في المسجد ‪ ،‬ول لمن يصليها جماع ًة في غير المصلى كبيته ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن تكون الجماعة في مسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه ‪ ،‬فل يجوز الجمع لمن كان‬
‫المسجد قريباً من محله ‪ ،‬أو وجد كِناً يسير إلى المسجد فيه ‪ ،‬إل المام الراتب فله أن يجمع‬
‫بالمأمومين وإن لم يتأذ بالمطر ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أن ينوي المام المامة في الجماعة ‪.‬‬

‫ط أخرى للجمع ل تختص بالجمع للمطر ‪ ،‬بل تشمل الجمع للسفر جمع تقديم أيضاً‬ ‫وهناك شرو ٌ‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نية الجمع في الصلة الولى ‪ ،‬وتجوز في أثنائها ولو مع التسليمة الولى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الموالة بين الصلتين ‪ ،‬بأن ل يطول الفصل بينهما عرفاً ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الترتيب بين الصلتين ‪.‬‬
‫فإذا اختلّ شرطٌ من تلك الشروط لم يجز الجمع ‪.‬‬

‫ول يصح الجمع للمرض والوحَل والريح والظلمة وغيرها ‪.‬‬

‫قال المام الشافعي رحمه ال تعالى في كتاب ( الم ) ‪ " ) 95 / 1 ( :‬إذا كانت العلة من مطر‬
‫حضَر جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ‪ ،‬ول يجمع إل والمطر مقيم في الوقت‬ ‫في َ‬
‫الذي تجمع فيه ‪ ،‬فإن صلى إحداهما ثم انقطع المطر لم يكن له أن يجمع الخرى إليها ‪ ،‬وإذا‬
‫صلى إحداهما والسماء تمطر ثم ابتدأ الخرى والسماء تمطر ثم انقطع المطر مضى على صلته‬
‫لنه إذا كان له الدخول فيها كان له إتمامها ‪ ،‬ويجمع من قليل المطر وكثيره ‪ ،‬ول يجمع إل من‬
‫خرج من بيته إلى مسجد يجمع فيه ‪ ،‬قرُب المسجد أو كثر أهله أو قلوا أو بعدوا ‪ ،‬ول يجمع أحدٌ‬
‫في بيته لن النبي صلى ال عليه وسلم جمع في المسجد ‪ ،‬والمصلي في بيته مخالف المصلي في‬
‫ل الظهر في غير مطر ثم مطر الناس لم يكن له أن يصلي العصر ‪ ،‬لنه‬ ‫المسجد ‪ ،‬وإن صلى رج ٌ‬
‫صلى الظهر وليس له جمع العصر إليها ‪ ،‬وكذلك لو افتتح الظهر ولم يمطر ثم مطر بعد ذلك لم‬
‫يكن له جمع العصر إليها ‪ ،‬ول يكون له الجمع إل بأن يدخل في الولى ينوي الجمع وهو له ‪ ،‬فإذا‬
‫دخل فيها وهو يمطر ودخل في الخرة وهو يمطر فإن سكنت السماء فيما بين ذلك كان له الجمع‬
‫ت كالظهر والعصر‬ ‫لن الوقت في كل واحدة منهما الدخول فيها ‪ ،‬والمغرب والعشاء في هذا وق ٌ‬
‫‪6‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫ل المطر في كل موض ٍع أذى ‪ ،‬وإذا جمع بين صلتين‬ ‫ل يختلفان ‪ ،‬وسوا ٌء كل بلد في هذا ‪ ،‬لن ب ّ‬
‫حضَر في غير المطر من‬ ‫في مطر جمعهما في وقت الولى منهما ل يؤخر ذلك ‪ ،‬ول يجمع في َ‬
‫ِقبَلِ أن الصل أن يصلي الصلوات منفردات ‪ ،‬والجمع في المطر رخص ٌة لعذر ‪ ،‬وإن كان عذرٌ‬
‫غيره لم يجمع فيه لن العذر في غيره خاص ‪ ،‬وذلك المرض والخوف وما أشبهه ‪ ،‬وقد كانت‬
‫ف فلم يعلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جمع ‪ ،‬والعذر بالمطر عامّ ‪ ،‬ويجمع‬ ‫أمراضٌ وخو ٌ‬
‫في السفر بالخبر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والدللة على المواقيت عامة ل رخصة‬
‫في ترك شيء منها ‪ ،‬ول الجمع إل حيث رخّص النبي صلى ال عليه وسلم في سفر ‪ ،‬ول رأينا‬
‫من جمعه الذي رأيناه في المطر وال تعالى أعلم " ‪.‬‬

‫وقال المام النووي رحمه ال تعالى في المنهاج ‪ 261 / 1 ( :‬ـ ‪ " ) 262‬ويجوز الجمع‬
‫بالمطر تقديماً ‪ ،‬والجديد منعه تأخيراً ‪ ،‬وشرط التقديم وجوده أولهما ‪ ،‬والصح اشتراطه عند‬
‫سلم الولى ‪ ،‬والثلج والبَرَد كمطرٍ إن ذابا ‪ ،‬والظهر تخصيص الرخصة بالمصلي جماعةً‬
‫بمسجد بعيد يتأذى بالمطر في طريقه " ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬مذهب السادة الحنابلة ‪:‬‬

‫يجوز عند الحنابلة الجمع بين الصلتين للسفر والمرض والمطر والثلج والوحَل والريح الباردة‬
‫الشديدة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬يجوز الجمع بين المغرب والعشاء فقط تقديمًا وتأخيراً لجل المطر ـ والتقديم‬
‫أولى ـ الذي يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ‪ ،‬ول يجوز الجمع للطل والمطر الخفيف الذي‬
‫ل يبل الثياب ‪ ،‬كما ليجوز الجمع بين الظهر والعصر لجل المطر والثلج والوحَل والريح‬
‫الباردة الشديدة ‪ ،‬ول فرق في جواز الجمع بين أن يصلي منفردًا ببيته أو بالمسجد ‪ ،‬أو كان‬
‫طريقه مسقوفاً يمنع وصول المطر إليه ‪ ،‬أو كان مُقامه بالمسجد ‪.‬‬

‫ويشترط لجمع التقديم ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ نية الجمع عند إحرام الولى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أل يفرق بينهما بنحو نافلة ‪ ،‬بل بقدر إقامة ووضوء خفيف ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ وجود العذر المبيح ( المطر أو الوحَل أو الريح الباردة ) عند افتتاحهما وعند سلم الولى ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن يستمر العذر إلى فراغ الثانية ‪.‬‬

‫أما في جمع التأخير فيشترط لذلك ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ نية الجمع في وقت الصلة الولى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بقاء العذر المبيح إلى دخول وقت الثانية ‪.‬‬

‫" قال الثرم ‪ :‬قيل لبي عبدال‬ ‫قال ابن قُدامة رحمه ال تعالى في المغني ‪) 117 / 2 ( :‬‬
‫( يعني المام أحمد ) ‪ :‬الجمع بين الظهر والعصر في المطر ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬ما سمعتُ " ‪ .‬وقال‬
‫ابن قُدامة أيضاً في المصدر السابق ‪ ( " :‬فصلٌ ) ويجوز الجمع لجل المطر بين المغرب‬
‫والعشاء ‪ ( ..................‬فصلٌ ) فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز " ‪.‬‬

‫وقال الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي رحمه ال تعالى في مختصره ( دليل الطالب لنيل‬
‫ح شديدة‬‫المطالب ) ‪ " :‬ويختص بجواز جمع العشاءين ـ ولو صلى ببيته ـ ثلجٌ وجليدٌ ووحَل وري ٌ‬
‫باردة ومطر يبل الثياب ويوجد معه مشقة " انظر منار السبيل في شرح الدليل ‪. ) 137 / 1 ( :‬‬
‫‪7‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫*****‬
‫وبعد هذه النقول من كلم أئمة السلم من أصحاب المذاهب الربعة وأتباعهم ‪ ،‬ـ والتي‬
‫أجمعت المة على قبولها والتعبّد بأقوالها ـ يمكن إجمال ما تقدم فيما يأتي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الجمع لعذر المطر جائز عند جمهور العلماء ( مالك والشافعي وأحمد ) ‪ ،‬إل أن المامين‬
‫مالكاً وأحمد يخصان ذلك بالعشاءين ( المغرب والعشاء ) فقط ‪ ،‬وأجاز المام الشافعي الجمع بين‬
‫الظهرين ( الظهر والعصر ) أيضاً ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ صفة المطر الذي يبيح الجمع هو الذي يبل أعلى الثوب أو أسفل النعل ‪ ،‬وهو الذي تحصل‬
‫معه المشقة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ من شروط الجمع للمطر المتفق عليها وجو ُد المطر عند افتتاح الصلة الولى (عند تكبيرة‬
‫الحرام ) ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ وجوب نية الجمع في جمع التقديم عند جميع المذاهب ‪ ،‬مع تفصيل سبق ذكره ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ القول بجواز الجمع لعذر الوحَل مع الظلمة قال به المام مالك ‪ ،‬ولعذر الوحَل وحده قال به‬
‫المام أحمد ‪ ،‬وذلك في العشاءين فقط ولم يجيزاه في الظهرين ‪ ،‬ومنع المام الشافعي الجمع‬
‫للوحَل مطلقاً ‪.‬‬

‫] وبناءً على ما سبق ‪ ،‬فإن مَن يجمع بين الظهر والعصر لعذر الوحَل أو المطر المتوقع فإن‬
‫جمعه ل يصح عند المذاهب الربعة كلها ‪ ،‬وتُعدّ الصلة المقدّمة ( العصر ) باطلة ليقاعها قبل‬
‫وقتها دون عذر ‪ .‬كما أن مَن يجمع بين المغرب والعشاء لمطر متوقع والحال انقطاع المطر‬
‫عند الشروع في الصلة الولى ( المغرب ) مع عدم وجود طين مع ظلمة ‪ ،‬فإنه ينبغي إعادة‬
‫صلة العشاء في وقتها عند تخلف المطر وعدم نزوله في وقت العشاء ‪.‬‬
‫أما القول بجواز الجمع بين العشاءين فقط لعذر الريح الباردة الشديدة في الليلة المظلمة فهو‬
‫من مفردات المذهب الحنبلي ‪ ،‬وخالفهم الجمهور فلم يبيحوا الجمع لذلك [‪.‬‬

‫قال المام محمد بن عبدالرحمن العثماني الشافعي في كتابه ( رحمة المة في اختلف الئمة )‬
‫ص ‪ 68‬ـ ‪: 69‬‬
‫" ( فصلٌ ) ويجوز الجمع بعذر المطر بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الولى منهما عند‬
‫الشافعي ‪ ،‬وقال أبو حنيفة وأصحابه ‪ :‬ل يجوز ذلك مطلقاً ‪ ،‬وقال مالك وأحمد ‪ :‬يجوز بين‬
‫ل الثوب ‪ ،‬وهذه‬‫المغرب والعشاء ل بين الظهر والعصر ‪ ،‬سوا ٌء قوي المطر أو ضعف إذا ب ّ‬
‫الرخصة تختص بمن يصلي جماعة بمسجد يُقصَد من بُعد يتأذى بالمطر في طريقه ‪ ،‬فأما من هو‬
‫بالمسجد أو يصلي في بيته أو يمشي إلى المسجد في كِنّ أو كان المسجد في باب داره ففيه خلفٌ‬
‫ص في الملء على‬ ‫عند الشافعي وأحمد ‪ ،‬والصح في ذلك عدم الجواز ‪ ،‬وحكي أن الشافعي ن ّ‬
‫الجواز‪ .‬وأما الوحَل من غير مطر فل يجوز الجمع به عند الشافعي ‪ ،‬وقال مالك وأحمد ‪ :‬يجوز "‬
‫‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫من أدلة الجمهور على جواز الجمع لعذر المطر‬

‫عمَر رضي ال تعالى عنهما كان إذا جمع المراء بين المغرب‬ ‫‪ 1‬ـ عن نافع ‪ :‬أن عبدال بن ُ‬
‫والعشاء في المطر جمع معهم ‪ .‬رواه المام مالكٌ في الموطأ ( ‪.) 145 / 1‬‬

‫‪ 2‬ـ عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال ‪ :‬إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يُجمع بين المغرب‬
‫والعشاء ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ قال هشام بن عروة ‪ :‬رأيتُ أبان بن عثمان يجمع بين الصلتين في الليلة المطيرة المغربِ‬
‫والعشاءِ ‪ ،‬فيصليهما معه عروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو بكر بن عبدالرحمن ل‬
‫ينكرونه ‪.‬‬
‫روى هذا الثر والذي قبله الثرم في سُننه ‪ ،‬انظر ( المغني ‪. ) 117 / 2 :‬‬

‫تنبيه ‪ :‬ينقل كثيرٌ من عامة الناس ومن يُروّج للتساهل في مسألة الجمع بين الصلتين ‪ ،‬ينقلون‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الغيم جمع بين الصلتين ‪ ،‬ولم أجد لذلك ذكراً في ُكتُب‬
‫الفقه والحديث التي وقفتُ عليها ‪ ،‬ولو كان شيءٌ من ذلك مرويًا لستدلّ به العلماء على مسألة‬
‫الجمع ‪ ،‬بل إن الروايات الصحيحة الثابتة تدل على خلف ذلك ‪ ،‬فقد نزلت أمطارٌ كثيرةٌ في زمن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ولم يُنقَل فيها الجمع بين الصلتين ‪ ،‬ومن أشهر ما جاء في ذلك حديث‬
‫الرجل الذي دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى ال عليه وسلم يخطب على المنبر ‪ ،‬فطلب‬
‫الرجل الستسقاء والدعاء بنزول المطر ‪ ،‬فدعا النبي صلى ال عليه وسلم واستسقى ‪ ،‬يقول‬
‫الراوي (( فوال ما رأينا الشمس سبتاً )) ‪.‬‬

‫إشكا ٌل والجواب عنه ‪:‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬ما تقول فيما رواه سيدنا عبدال بن عباس رضي ال تعالى عنهما قال ‪ " :‬جمع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف‬
‫ول مطر " ؟ فإن ظاهر الحديث يفيد جواز الجمع بين الصلتين من غير عذر ‪ ،‬وهو يخالف ما‬
‫ذكرتَه نقلً عن الئمة والعلماء من اشتراط وجود العذر ( المطر ) لصحة الجمع ‪.‬‬

‫أقول ‪ :‬إن الحديث صحيحٌ أخرجه الئمة في كتبهم بأسانيد عدة ‪ ،‬وبألفاظ مختلفة متقاربة ‪،‬‬
‫وأسوق هنا بعضها ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ أخرج المام البخاري الحديث في ثلثة مواضع من صحيحه ‪ ،‬أحدها في كتاب مواقيت‬
‫الصلة ( باب تأخير الظهر إلى العصر‪ ،‬حديث رقم ‪ ) 543 /‬بسنده عن أبي الشعثاء ( جابر بن‬
‫زيد ) عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما أن النبي صلى ال عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً‬
‫وثمانياً ‪ ،‬الظهر والعصر والمغرب والعشاء ‪ ،‬فقال أيوب ‪ :‬لعله في ليلة مطيرة ؟ قال ‪ :‬عسى ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وأخرج المام البخاري في كتاب التهجد ( باب من لم يتطوع بعد المكتوبة ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪ ) 1174‬بسنده عن أبي الشعثاء قال ‪ :‬سمعتُ ابن عباس رضي ال تعالى عنهما قال ‪ :‬صليتُ مع‬
‫‪9‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثمانيًا جميعًا وسبعًا جميعاً ‪ ،‬قلتُ ‪ ،‬يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر‬
‫وعجّل العصر ‪ ،‬وعجّل العشاء وأخر المغرب ‪ ،‬قال ‪ :‬وأنا أظنه ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ كما أخرج الحديث المام مسلمٌ في صحيحه ‪ ،‬في كتاب صلة المسافرين وقصرها ( باب‬
‫جواز الجمع بين الصلتين في السفر ) بسنده عن مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جُبير عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء‬
‫جميعًا في غير خوف ول سفر ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ وأخرجه المام مسلمٌ بسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جُبير عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫جمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير‬
‫خوف ول مطر ‪ ،‬قال الراوي عن ابن عباس ‪ :‬قلتُ لبن عباس ‪ِ :‬لمَ فعل ذلك ؟ قال ‪ :‬كي ل‬
‫يُحرج أمته ‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ وأخرج الحديث المام مالك في الموطأ في كتاب قصر الصلة في السفر ( باب الجمع بين‬
‫الصلتين في الحضر والسفر ) ‪ ،‬وهي الرواية التي سبق ذكرها عن المام مسلم ‪.‬‬

‫ت ذكرهم للختصار ‪ ،‬فالحديث صحيحٌ ‪ ،‬ولكن‬ ‫كما روى الحديث كثيرٌ من أئمة الحديث ترك ُ‬
‫العلماء تكلّموا على متن الحديث ‪ ،‬واختلفوا في تأويله على أقوال ‪ ،‬أورد أشهرها بإيجاز فيما يأتي‬
‫‪:‬‬

‫القول الول ‪ :‬إن الجمع المذكور في حديث ابن عباس رضي ال تعالى عنهما كان لعذر المطر ‪،‬‬
‫ل مشهورٌ عن جماعة من الئمة الكبار المتقدمين منهم المامان الجليلن مالكٌ والشافعي‬ ‫وهذا قو ٌ‬
‫رحمهما ال تعالى ‪ ،‬فقد قال المام مالكٌ بعد رواية الحديث " أرى ذلك كان في مطر " ‪ ،‬وقاله‬
‫المام الشافعي في ( الم ‪ ، ) 95 / 1 :‬واستدلّ به على جواز الجمع لجل المطر‪ ،‬وهذا التأويل‬
‫هو الحتمال الذي ذكره راويا الحديث أيوب السختياني وأبو الشعثاء كما مر في رواية البخاري‬
‫الولى ‪.‬‬
‫وقد ضعّف بعض العلماء هذا التأويل ‪ ،‬منهم المام النووي في شرحه على مسلم ( ‪) 218 / 5‬‬
‫فقد قال عنه ‪ " :‬وهو ضعيفٌ بالرواية الخرى (( من غير خوف ول مطر )) " ‪ ،‬وقال في‬
‫المجموع ‪ " ) 379 / 4 ( :‬ولكن هذا التأويل مردودٌ برواية في صحيح مسلم وسنن أبي داود عن‬
‫ابن عباس ‪ :‬جمع رسول ال صلى ال عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ول مطر ‪ ،‬وهذه‬
‫الرواية من رواية حبيب بن أبي ثابت وهو إمامٌ متفقٌ على توثيقه وعدالته والحتجاج به " ‪ ،‬وقال‬
‫نحوه المام القرطبي في ( المفهم ) ‪.‬‬

‫وقد رجّح بعض العلماء رواية (( من غير خوف ول سفر )) على رواية (( من غير خوف ول‬
‫مطر )) ‪ ،‬وذكر بعضهم توجيهاً لرواية (( ول مطر )) ‪ ،‬قال المام النووي رحمه ال تعالى في‬
‫المجموع ‪ 379 / 4 ( :‬ـ ‪ " ) 380‬قال البيهقي ‪ :‬هذه الرواية لم يذكرها البخاري مع أن حبيب بن‬
‫أبي ثابت من شرطه ‪ ،‬قال ‪ :‬ولعله تركه لمخالفتها رواية الجماعة ‪ ،‬قال البيهقي ‪ :‬ورواية الجماعة‬
‫بأن تكون محفوظة أولى ‪ -‬يعني رواية الجمهور (( من غير خوف ول سفر )) ‪ ، -‬قال ‪ :‬وقد‬
‫روينا عن ابن عباس وابن عُمر الجمع في المطر وذلك تأويل من تأوله في المطر ‪ ،‬قال البيهقي‬
‫في معرفة السنن والثار ‪ :‬وقول ابن عباس (( أراد أن ل يُحرج أمته )) قد يُحمل على المطر ‪،‬‬
‫أي ل يلحقهم مشقة بالمشي في الطين إلى المسجد ‪ ،‬وأجاب الشيخ أبو حامد في تعليقه عن رواية‬
‫(( من غير خوف ول مطر )) بجوابين ( أحدهما ) معناه ول مطر كثير ( والثاني ) أنه يُجمع بين‬
‫الروايتين ‪ ،‬فيكون المراد برواية (( من غير خوف ول سفر )) الجمع بالمطر ‪ ،‬والمراد برواية‬‫‪10‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫(( ول مطر )) الجمع المجازي وهو أن يؤخر الولى إلى آخر وقتها ويقدم الثانية إلى أول وقته ‪،‬‬
‫هذا كلم أبي حامد ‪ ،‬ويؤيد هذا التأويل الثاني أن عمرو بن دينار روى هذا الحديث عن أبي‬
‫الشعثاء عن ابن عباس وثبت في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال ‪ :‬قلتُ ‪ :‬يا أبا الشعثاء أظنه‬
‫أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء ‪ ،‬قال ‪ :‬وأنا أظن ذلك ‪ .‬وأجاب القاضي‬
‫أبو الطيب في تعليقه والشيخ أبو نصر في تهذيبه وغيرهما بأن قوله (( ول مطر )) أي ول مطر‬
‫مستدام ‪ ،‬فلعلّه انقطع في أثناء الثانية ‪ ،‬ونقل صاحب الشامل هذا الجواب عن أصحابنا ‪ ،‬وأجاب‬
‫ل بسقف ونحوه ‪ ،‬وهذه التأويلت كلها ليست ظاهرة ‪ ،‬والمختار ما‬ ‫الماوردي بأنه كان مستظ ً‬
‫أجاب به البيهقي " ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪ :‬إن الجمع المذكور كان لعذر المرض ‪ ،‬وهو قول المام أحمد واختاره المام‬
‫النووي ‪ ،‬قال ابن قُدامة رحمه ال تعالى في المغني ‪ " ) 120 / 2 ( :‬وقد رُوي عن أبي عبدال‬
‫( يعني المام أحمد ) أنه قال في حديث ابن عباس ‪ :‬هذا عندي رخصةٌ للمريض والمرضِع " ‪،‬‬
‫وقال المام النووي رحمه ال تعالى في شرح صحيح مسلم ‪ " ) 218 / 5 ( :‬ومنهم من قال هو‬
‫ل على الجمع بعذر المرض أو نحوه مما في معناه من العذار ‪ ،‬وهذا قول أحمد بن حنبل‬ ‫محمو ٌ‬
‫والقاضي حسين من أصحابنا ‪ ،‬واختاره الخطابي والمتولي والروياني من أصحابنا ‪ ،‬وهو‬
‫المختار في تأويله لظاهر الحديث ‪ ،‬ولفعل ابن عباس وموافقة أبي هريرة ‪ ،‬ولن المشقة فيه أشد‬
‫من المطر " ‪.‬‬
‫وقد اع ُترِض على هذا التأويل ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر في الفتح ‪ " ) 30 / 2 ( :‬وفيه نظر ‪ ،‬لنه‬
‫لو كان جمعه صلى ال عليه وسلم بين الصلتين لعارض المرض ‪ ،‬لما صلى معه إل مَن به نحو‬
‫ذلك العذر ‪ ،‬والظاهر أنه صلى ال عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرّح بذلك ابن عباس في‬
‫روايته " ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪ :‬إن الجمع الوارد في الحديث جم ٌع صوريٌ ‪ ،‬بمعنى أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها‬
‫فصلها فيه ‪ ،‬فلما فرغ منها دخل وقت الثانية فصلها ‪ ،‬فصارت صلته صورة جمع ‪.‬‬
‫وقد استحسن جماع ٌة كبيرةٌ من الئمة هذا التأويل ‪ ،‬منهم القرطبي وإمام الحرمين وابن‬
‫الماجشون والطحاوي ‪ ،‬ومن المتأخرين الشوكاني والشنقيطي ( صاحب أضواء البيان ) ‪ ،‬وهو‬
‫من التأويلت القوية ‪ ،‬انظر نيل الوطار للشوكاني ( ‪ 216 / 3‬ـ ‪ ) 218‬وأضواء البيان للشنقيطي‬
‫( ‪ 341 / 1‬ـ ‪ ، ) 347‬كما أنه تأويل راوي الحديث ( أبي الشعثاء ) عن ابن عباس كما سبق في‬
‫الرواية الثانية عند البخاري ‪ ،‬وراوي الحديث أدرى بالمراد من غيره مع أنه لم يجزم به ‪.‬‬

‫ومما تقدم ‪ ،‬نجد أن جمهور المة لم يأخذوا بظاهر الحديث ‪ ،‬ولم يجيزوا الجمع من غير عذر‬
‫من العذار التي سبق تفصيلها في المذاهب ‪ .‬نعم ؛ ذهب جماعةٌ من الئمة إلى جواز الجمع في‬
‫حضَر للحاجة لمَن ل يتخذه عاد ًة أخذاً بظاهر الحديث إذ لم يُعلّل بمرض ول غيره ‪ ،‬منهم ابن‬‫ال َ‬
‫سيرين من التابعين ‪ ،‬وربيعة شيخ مالك ‪ ،‬وأشهب من أصحاب مالك ‪ ،‬وابن شبرمة ‪ ،‬وحكاه‬
‫الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة‬
‫ل شاذاً مخالفاً لقول الجماهير‬
‫من أصحاب الحديث ‪ ،‬واختاره ابن المنذر ‪ .‬لكن هذا القول يُعد قو ً‬
‫من العلماء ومنهم الئمة الربعة ‪ ،‬بل نقل المام الترمذي رحمه ال تعالى أن هذا الحديث لم‬
‫يعمل بظاهره أحدٌ من أهل العلم ‪ ،‬فقال في أول كتابه العِلَل الملحق بالجامع الصحيح ‪692 / 5 ( :‬‬
‫) " جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمولٌ به ‪ ،‬وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خل‬
‫حديثين ‪ :‬حديث ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة‬
‫والمغرب والعشاء من غير خوف ول سفر ول مطر ‪. " ...........‬‬

‫‪11‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫ولو سلّمنا الخذ بظاهر الحديث وإباحة الجمع من غير عذر من العذار السابقة ‪ ،‬فإنه إنما‬
‫يكون عند الحاجة ‪ ،‬رفعاً للحرج ودفعاً للمشقة ‪ ،‬ولكن الواقع الن في كثير من المساجد وجود‬
‫الجمع لغير حاجة أصلً ‪ ،‬فأي مشقة وحرج يوجدان في حال وجود مطر قليل انقطع قبل الصلة‪،‬‬
‫أو في حال توقع المطر ؟‬

‫كما أن هذا الحديث دليلٌ يحتج به بعض طوائف المبتدعة ممن يبيحون الجمع من غير عذر ‪،‬‬
‫ويحملون الحاديث الواردة في إفراد كل صلة في وقتها على الفضلية ‪ ،‬جمعاً بين الدلة ‪.‬‬

‫بل إن كثيراً ما يَحتج بهذا الحديث مَن يعمل بالجمع دون التزام أقوال الفقهاء وشروطهم ‪،‬‬
‫وظاهر الحديث يدل على جواز وصحة الجمع بين الصلتين من غير عذر ول حاجة ‪ ،‬فهل‬
‫سنرى مَن يجمع كذلك دون أيّ عذر أو حاجة ؟ قد يحصل ذلك في يوم من اليام بدعوى إحياء‬
‫السنة ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم !!‬

‫‪12‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫الخاتمة‬

‫وفي الختام يحسن التنبيه إلى بعض المور ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ إن الصل أداء كل صلة في وقتها ‪ ،‬والجمع مع وجود العذر ليس بواجب ‪ ،‬إنما هو‬
‫رخصةٌ ‪ ،‬وحكم الجمع دائرٌ بين الجواز وخلف الولى والندب ( الستحباب ) ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ إن الخروج من الخلف أمرٌ مطلوبٌ ‪ ،‬وأداء صلة متفق على صحتها خي ٌر من أدائها مع‬
‫الخلف في صحتها أو بطلنها ‪ ،‬ل سيما إن كان الخلف قوياً كما هو في مسألتنا ‪ ،‬فإن من جمع‬
‫بين الصلتين دون عذر مما سبق أو مع اختلل شرط من شروط الجمع لم تصح صلته ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ في حال عدم وجود العذرالمبيح للجمع ( كالمطر والطين ) عند الصلة ثم حدوثه في وقت‬
‫الصلة الثانية ‪ ،‬فإنه يُعدّ عذراً من أعذار ترك الجماعة ‪ ،‬بل جاءت الحاديث الصحيحة تدل على‬
‫الصلة في الرحال والبيوت في مثل هذه الحالة ‪ ،‬حيث أمر النبي صلى ال عليه وسلم المؤذن أن‬
‫يقول في أذانه في ليلة ذات برد وريح ومطر (( صلوا في رحالكم )) ‪ ،‬وفي هذه الحالة يحصل‬
‫للمسلم أجر الجماعة ‪ ،‬ولو صلى في بيته منفردًا للعذر ‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ل يجوز التساهل في مسألة الجمع بين الصلتين ‪ ،‬فإن المتأمل في الحاديث الواردة في‬
‫الجمع ‪ ،‬ل يجد إل عذر السفر والمطر ‪ ،‬وما عدا ذلك فإنما أجازه بعض الفقهاء من باب الجتهاد‬
‫والقياس ‪ ،‬والعجيب أن أناساً يدعون إلى التمسك بالسنة وينهون عن التقليد والخذ بأقوال العلماء‬
‫المجردة عن الدليل ‪ ،‬نجدهم في هذه المسألة يحتجون بأقوال الفقهاء مع وجود النص فيها ‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ إن مجرد وجود نوع من المشقة ل يبيح الجمع ‪ ،‬ولو قيل بذلك لكنا في بلدان الخليج أولى‬
‫الناس بالجمع في وقت شدة الحر في فصل الصيف ‪ ،‬الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى ( ‪) 50‬‬
‫درجة مئوية ‪ ،‬بل إن مشقة الحرارة أشد من مشقة المطر والوحَل ‪ ،‬مع أن ظاهر حديث ابن‬
‫عباس المتقدم قد يبيح ذلك لمَن يرى الخذ بظاهره ‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ نَصّ العلماء على عدم جواز التلفيق بين القوال في العمل الواحد في حق المقلّد ‪ ،‬كأن يأخذ‬
‫من مذهب المام الشافعي الجمع بين الظهر والعصر ‪ ،‬ويأخذ من مذهبي المامين مالك وأحمد‬
‫الجمع لعذر الوحَل ‪ ،‬فإنه ل قائل من الئمة بالجمع بين الظهر والعصر لعذر الوحَل ‪ ،‬فليُتنبّه ‪.‬‬

‫ن أحكام هذه المسألة لعموم المسلمين ‪ ،‬واللتزام بما‬


‫‪ 7‬ـ على أئمة المساجد وخطباء الجوامع بيا ُ‬
‫عليه جمهور المة سلفاً وخلفاً ‪ ،‬وعدم العمل بالقوال الشاذة أو الضعيفة ‪ ،‬فل يكفي وجود قول‬
‫في المسألة في أحد المذاهب أن يكون مسوغاً للعمل به ‪ ،‬كما ل ينبغي للعامة اقتراح الجمع على‬
‫إمام المسجد أو طلب ذلك منه ‪ ،‬فإن إمام المسجد لم يُعين في وظيفة إمامة الصلوات إل لهليته‬
‫لذلك ‪ ،‬وإنما يرشده العلماء دون حاجة إلى إرشاد من العامة ‪ ،‬وال الهادي والموفق إلى سواء‬
‫السبيل ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬
‫وصلى ال وسلم وبارك على سيدنا ومولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬والحمد ل رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫إصدار‪ :‬لجنة الدعوة ‪ -‬الجمعية السلمية‬ ‫] حكم الجمع بين الصلتين للمطر [‬

You might also like