You are on page 1of 116

‫جمهورية العراق‬

‫وزارة التربية‬
‫المديرية العامة للمناهج‬

‫صوص‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬


‫األدب والن ُ‬
‫للصف الخامس العلمي‬

‫تأليف‬
‫الدكتور عبد اهلل عبد الرحيم السوداني‬ ‫الدكتــــور عبــــد اللطيـــف الطــــائي‬
‫علــوان عبــــد الحســــــن السلمـــــان‬ ‫الدكتورة عهود عبد الواحد العكيلــــي‬

‫داود ســلــمــــــان فــــــــــــــــــرج‬

‫‪1438‬هـ‪2017/‬م‬ ‫الطبعة التاسعة‬


‫المشرف العلمي على الطبع‬

‫د‪.‬ماجدة هاتو هاشم‬

‫المشرف الفني على الطبع‬

‫احمد حافظ كطيش‬

‫استنادا ً الى القانون يوزع مجانا ً ومينع بيعه وتداوله في األسواق‬

‫‪1438‬هـ‪2017/‬م‬ ‫الطبعة التاسعة‬


‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫ُمق ّدمة‬

‫هذا كتاب يتناول بالدراسة والتحليل تاريخ األدب العربي في العصر العباسي في‬
‫المشرق واألدب العربي في األندلس ‪ ،‬إذ انفتحت الحضارة العربية اإلسالمية‬
‫على حضارات األمم التي سبقتها‪ ،‬الهندية و الفارسية واليونانية والرومانية‪،‬‬
‫فتأثرت بها وأكملت مسيرتها وواصلتها مضيفة إليها‪ ،‬وكانت النتيجة أن‬
‫أَ ْث ّرِت الحضارة اإلنسانية وأسهمت في تق ُدمها‪ ،‬وتأثر تبعاً لذلك أدبنا العربي‬
‫شعره ونثره‪ ،‬فازدهرت فنونه وأفكاره وتطورت أساليبه‪ ،‬وستلمس ذلك جلياً‬
‫في النتاج األدبي لشعراء العصر وكتابه‪ ،‬بعد أن ع ّرفناهم تعريفاً غير ّ‬
‫مخل‬
‫وعرضنا لنماذج من شعرهم ونثرهم‪ ،‬كما تناولنا بالدراسة تاريخ األدب العربي‬
‫في األندلس لما له من خصوصية ميزته من أدب المشرق ولما فيه من عبقرية‬
‫وخصوصية وإبداع غذتها تلك البقاع وأثرت في تكوينها‪.‬‬
‫وفقنا اهلل إلى سبيل الرشاد وهدانا لخدمة أوطاننا وأبنائنا وتراثنا الخالد‬
‫إنه ولي التوفيق‪.‬‬

‫المؤلفون‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة عن العصر العباسي‬

‫ُعد العصر العباسي من أطول وأَغزر العصور األدبية التي رافقت نمو األدب العربي‬
‫ي ُّ‬

‫َر َف على أحوال األدب في أكثر من خمسة‬ ‫َّ‬


‫العصرالتع ُّ‬ ‫وتطوره‪ ،‬وتعنى دراسة هذا‬
‫قرون من حكم األسرة العربية العباسية تبدأ في سنة (‪ 132‬هـ) وهو تاريخ سقوط‬
‫الدولة األموية وانتقال الحكم إلى العباسيين‪ ،‬وتنتهي في سنة (‪ 656‬هـ) تاريخ‬
‫انتهاء الحكم العباسي واحتالل المغول لبغداد‪.‬‬
‫لقد عالج مؤرخو األدب دراسة هذا العصر في ظل العصور السياسية وتقسيماتها‬
‫وإن أَ َ‬
‫غلـب الدراسـات تنـاولتـه فـي‬ ‫على وفق ما اتفـق عليـه أكثـر المـؤرخيـن‪َّ ،‬‬

‫عصـريـن هما‪:‬‬
‫العصر العباسي األول من سنة (‪ 132‬هـ ) إلى سنة ( ‪ 334‬هـ ) في بداية حكم‬
‫البويهيين ؛ والعصر العباسي الثاني من سنة (‪ 334‬هـ ) إلى سنة (‪ 656‬هـ )‬
‫وهي سنة الغزو المغولي لبغداد‪ ،‬ومع أهمية التقسيم الزمني في دراسة األدب الب َّ‬
‫ُد‬
‫أَن نشير إلى ضرورة تأكيد تطور الفنون األدبية في العصر كلِّه ألنه الجانب األه ّم‬
‫واألجدى واألنفع‪.‬‬
‫ً‬
‫فكرية‬ ‫ً‬
‫حركة‬ ‫أنتج‬
‫الحضاري الذي َ‬
‫ّ‬ ‫العباسي بجمل ِت ِه أوج االزدهار‬
‫ّ‬ ‫ويمثل العص ُر‬
‫ً‬
‫هيكال‬ ‫ً‬
‫رائعة امتازت بتدوين العلوم العربية اإلسالمية وبالعناية بعلوم مترابط ٍة ُت ِّ‬
‫كو ُن‬
‫المدارس في هذه المرحلة‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫انتشرت‬ ‫فكرياً عربيًّا إسالميًّا في أصولِ ِه ورجالِ ِه‪ .‬وقد‬
‫الكتب وأسواق الوراقين‪ ،‬كدار الحكمة‪ ،‬والمكتبات الشخصية‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫منيةوظهرت دو ُر‬ ‫ًّ‬
‫الز‬
‫الحضاري في القرن‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الثالث الهجري لوالدة مسيرة االزدهار‬ ‫ُ‬
‫القرن‬ ‫والعامة وقد هيّأ‬
‫الذي تالهُ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫امتد‬ ‫ً‬
‫حاضرة لعلوم العرب والمسلمين بما امتلكت ُه من إرث حضاري َّ‬ ‫وصارت بغداد‬
‫من قبل اإلسالم ومن حضار ِة وادي الرافدين وم ّما ترك ُه اإلسال ُم من أثر فكري‬
‫وحضاري يتناسب وما في القرآن الكريم من نهض ٍة علمي ٍة وسياسي ٍة وفلسفي ٍة‪،‬‬
‫ْ‬
‫وصلت بغداد نتيجة‬ ‫أن هذا اإلرث العظيم قد دخلت ُه رواف ُد الثقاف ِة األجنبيةِ التي‬
‫على ّ‬

‫االمتزاج الحضاري بما عند األمم األخرى عن طريق النقل والترجم ِة ‪.‬‬
‫مصادر الثقاف ِة العربي ِة األصيل ِة في القرنين الثاني‬
‫ِ‬ ‫وقد بدأت الحركة الجادة لتدوين‬
‫والثالث الهجريين ونشطت حركة التأليف والترجمة والنقل وأَظهرت اللغة العربية‬
‫عبقريتها الفذة في القدرة على استيعاب مصادر الثقافة والعلوم المبتكرة أو المنقولة‬
‫عن حضارات األمم االخرى‪ ،‬كما أَظهرت مرونة رائعة في التحضر والسلوك مع‬
‫األطوار المدنية التي طبعت العصر ورسمت حياته الجديدة‪.‬‬
‫ْ‬
‫وبلغت‬ ‫َ‬
‫وتفوقها‬ ‫نضجها‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العربية‬ ‫ُ‬
‫الحضارة‬ ‫ْ‬
‫استكملت‬ ‫العباسي الثاني‬
‫ّ‬ ‫وفي العصر‬
‫بعطائها وعمقها وأصالتها مرك َز الريادة األول في مجال الحضار ِة اإلنساني ِة في‬
‫والشعراء العباسيون يصدرون‬
‫ُ‬ ‫حين ِه‪.‬عن هذه المواقع الثقافي ِة المتقدم ِة صا َر ال ُك َّت ُ‬
‫اب‬
‫بنتاجاتهم ما آل إليه الواقع الحضاري الجديد من عمق الفكر وسمو المنطق وتعدد‬
‫مصا ِدر المعرفة‪ ،‬وتطور أساليب البالغة واألداء اللغوي‪ ،‬والتجديد في األوزان‬
‫والقوافي ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫العباسي لم تقف عند حدود تخطي األشكال القديمة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن مظاه َر التجديد في األدب‬

‫والثورة عليها بل تجاوزت ذلك المضمون الىالمضمون ‪ ،‬وبذلك ُق ِّد َر للشعراء‬


‫ُ‬
‫البيئة‬ ‫ْ‬
‫انعكست في آثارهم‬ ‫وال ُك َّتاب أَ ْن ي َِّ‬
‫ُصوروا حياتهم الجديدة أصدق تصوير‪ ،‬وقد‬
‫ُ‬
‫الجديدة في أسسها الطبيعية واالجتماعية والسياسية والفكرية‪ ،‬ومثلما أجادوا في‬

‫مجال التعبير عن واقعهم الجديد أجادوا أيضاً في التعبير عن ذواتهم بأدب وجداني‬

‫رائع‪.‬‬

‫األديب العربي في العصر العباسي لم‬


‫َ‬ ‫وقد يكون من المناسب ان نشير هنا إلى أَ ّن‬
‫رف ووصف مظاهر الحياة أو َّ‬
‫التغني بالخواطر الذاتية‬ ‫يكتف بالتعبير عن جوانب ال َّّت ِ‬
‫ِ‬
‫والدعة فقط‪ ،‬بل أسهم إِساهماً ملموساً في تحديد مواقفه إزاء‬
‫المقرونة باللهو َّ‬
‫ُ‬
‫المواقف في العصر العبْاسي الثاني فظهر(أدب الرفض)‬ ‫ْ‬
‫طورت هذه‬ ‫التحديات‪ .‬وقد َت‬

‫الذي وقف إلى جانب طبقة العامة الواسعة‪ ،‬ومعاناتها أمام طبقة الحكام‪ ،‬وأتباعهم‬
‫َ‬
‫الضعف السياسي‬ ‫الشعب من أي شيء‪ ،‬ويبدو ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫وهم ٌ‬
‫قلة ؛ ملكوا ُك َّل شيء وحرموا‬

‫مطلع القرن الرابع الهجري ورافق قيام الدولتين البويهية والسلجوقية‬


‫ِ‬ ‫الذي بدأ منذ‬

‫بإقصاء‬
‫ِ‬ ‫بعض الشعراء وال ُك ّتاب‪،‬واقترَن َ‬
‫ذلك‬ ‫كان وراء هذا التحول في مناهج ِ‬
‫مواقع القياد ِة الحقيقي ِة في الدولة العربية وتفشي الفساد واألمراض‬
‫ِ‬ ‫العرب عن‬
‫ُ‬
‫وتفكك الدولة العربية وقيا ُم دويالت األقاليم‪ ،‬من هـنا تتضح لنا‬ ‫وتعدد الكوارث‬

‫وراء ظهور أدبِالرفض في مسار اتجاهات األغراض األدبي ِة في‬ ‫ُ‬


‫الحقيقية َ‬ ‫األسباب‬
‫ُ‬
‫والسخرية) وإظهار الالمباالة مما‬
‫السخف ّ‬
‫(أدب ُّ‬
‫العصر العبّاسي الثاني‪ ،‬وشيوع ُ‬
‫يدور في المجتمع من مظالم ومن سيادة الجهلة وتوليهم أمور الناس‪.‬‬

‫كما نرى في شعر الكثير من الشعراءكالحسين بن الحجاج والعكوك‪ ،‬ولم يخل من‬

‫‪6‬‬
‫هذه الظاهرة حتى الشعراء الجا ّدون‪ ،‬فهذا أبو العالء ال َمع ّ‬
‫َري يقول‪:‬‬

‫تجاهلت ح ّتى ُظ َّن ّأني ِ‬


‫جاه ُل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ ‬
‫فاشيا‬ ‫الناس‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫الجهل في‬ ‫ولما ُ‬
‫رأيت‬

‫عطاء األدب العباسي موضوعياً وفنياً بوصف ِه‬


‫َ‬ ‫بالفخر واالعتزاز‬
‫ِ‬ ‫سج ُل‬
‫وعلى العُموم ُن َِّ‬
‫نتاج في ال ُتراث العربي‪ ،‬وما زال شعراؤه و ُك ّتاُب ُه أساتذة لألجيال يتتلمذون لهم‬
‫أعظ َم ٍ‬
‫ويصقلون نتاجهم على أصولهم المتينة‪ ،‬ويكفي أَن ُنشي َر إلى أن العصر العباسي‬

‫الشعراء‪.‬‬ ‫الرح َم الخصب الذي أَ ْ‬


‫نج َب كثيراً من ُّ‬ ‫كان ِ‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ماأهـمية العصر العباسي في األدب العربي‪ ،‬وماذا يمثل؟‬

‫‪ -2‬ب َم صارت بغداد حاضرة العرب والمسلمين ؟‬

‫‪ -3‬متى بدأت حركة التدوين الجادة ؟‬

‫‪ -4‬متى نضجت حضارتنا العربية اإلسالمية ؟‬

‫‪ -5‬مامظاهـر التجديد في األدب العباسي ؟‬

‫عب َر األديب العباسي ؟‬


‫عم َّ‬
‫‪َّ -6‬‬
‫‪ -7‬لماذا ظهر (أدب الرفض) و (أدب السخف) في هـذا العصر ؟‬

‫‪7‬‬
‫القسم األول ‪ -‬العصر العباسي‬
‫ٌ‬
‫مختلفة كان لها‬ ‫العباسيِة في سنة (‪ 132‬هـ) عوامل‬
‫ّ‬ ‫نشوء الدول ِة‬
‫ِ‬ ‫تضافرت بع َد‬

‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫َأث ٌر كثي ٌر في تكوين المجتمع العباسي وفي تلوين نثره وشعره‪ ،‬وقد تلون‬
‫بعيدة عما َ‬
‫ألف ُه‬ ‫ً‬ ‫العادات والتقالي ِد والمفاهيم االجتماعي ِة التي ْ‬
‫كانت‬ ‫لوان شتى في‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بأ ٍ‬
‫العرب في العصور السابقة لهذا العصر‪ ،‬عن طريق االختالط والتزاوج‪.‬‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫وفاعال عن طريق‬ ‫ُ‬
‫العربية بالثقافات األخرى امتزاجاً واسعاً‬ ‫ُ‬
‫الثقافة‬ ‫إذ امتزجت‬
‫ً‬
‫إقباال واسعاً ‪ ،‬وكان أث ُر هذا االمتزاج‬ ‫الترجم ِة التي َنشطت وأَقبل عليها َّ‬
‫الناس‬ ‫َّ‬

‫الفكري والثقافي واضحاً في شيوع األفكار الفلسفية والمصطلحات المنطقية التي لم‬
‫ُ‬
‫العناية بالعمران والتوسع فيه‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وكثرت‬ ‫ً‬
‫شائعة قبل هذا العصر‪،‬‬ ‫تكن‬

‫وشعر ِه‪ ،‬فالنث ُر الفني في هذا‬ ‫الواضح في األدب‪ :‬نثر ِه‬


‫ُ‬ ‫وكان ِّ‬
‫لكل هذه العوامل أث ُرها‬
‫ِ‬
‫العصر الذي أربى على خمس ِة قرون‪ ،‬أي من سنة ( ‪ 132‬هـ ) إلى سنة ( ‪ 656‬هـ)‬

‫كل مرحل ٍة منه بخصائص فني ٍة ثابت ٍة خاص ٍة‪ ،‬و َم َّثل‬
‫تميزت ُُّّ‬
‫ْ‬ ‫مر بمراحل مختلفة‬
‫قد َّ‬
‫ّ‬
‫المقفع‬ ‫ُ‬
‫المرحلة األولى ابن‬ ‫ْ‬
‫فضمت‬ ‫ٌ‬
‫طائفة من ال ُك ّتاب‪،‬‬ ‫َّ‬
‫كل مرحلة من هذه المراحل‬
‫ُ‬
‫والرابعة القاضي الفاضل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫والثالثة َ‬
‫ابن العميد‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والثانية الجاحظ‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫الخصائص الفنية للنثر والشعر في هذا العصر‬

‫‪ -1‬الخصائص الفنية للنثر ‪:‬‬

‫وتقطيع الفقرة إلى جمل كثيرة مسجوعة أو مرسلة‪،‬‬


‫ُ‬ ‫تنويع العبارة وسهولتها‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وتحليل المعنى‬ ‫الجِد بالهزل‪،‬‬
‫ومزج َّ‬
‫ُ‬ ‫واإلطناب في األلفاظ والجمل‪ ،‬واإلستطرا ُد‬
‫ُ‬
‫واالعتراض بالجمل الدعائية‪ ،‬واإلكثا ُر‬ ‫واستقصاؤه‪ ،‬وتحكي ُم العقل والمنطق‪،‬‬

‫كالجناس والطباق والتوري ِة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫والمحسنات البديعية‪ِ ،‬‬ ‫والكناية‬ ‫من المجاز والتشبيه‪،‬‬

‫واالستشها ُد بالنظم في غضون النثر واالقتباس من آي القرآن الكريم‪ ،‬وتضمين‬

‫الحديث النبوي الشريف‪.‬‬

‫‪ -2‬الخصائص الفنية للشعر ‪:‬‬

‫أما الشع ُر وعلى الرغم من الثورة والتجديد التي شهدها فقد بقي كثير من شعراء‬

‫العصر‪ -‬على الرغم من العوامل الجديدة المؤثرة في مجرى حياتهم وتفكيرهم‬

‫األسس التي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يلتفتون إلى الشعر القديم ويتأثرون به ُمستمدين منه‬ ‫وشعرهم‪-‬‬

‫يقيمون عليها بناء قصيدتهم‪ ،‬فهم لم يشاؤوا أَن يتحرروا من قيود الوزن والقافية‬

‫وعمود الشعر‪ ،‬كما لم يتهيأ لهم أَن يتحللوا من كثير من األغراض والمعاني التي‬

‫طرقها األقدمون‪ ،‬فكانوا يلتزمون وزناً واحداً وقافية واحدة في القصيدة الواحدة‪،‬‬

‫ويفتتحون القصائد بالنسيب أو ذكر األطالل‪ ،‬كما كانوا يعالجون (يعرضون) في‬

‫كل هذا يحذون حذو القدماء من الشعراء‪.‬‬ ‫ً‬


‫شعرية شتى وهم في ِّ‬ ‫أثنائها أغراضاً‬

‫‪9‬‬
‫شعراء لم يقفوا عند الحدود التي‬
‫َ‬ ‫فإن هناك‬ ‫ولكن مع ِّ‬
‫كل هذا اإلقتداء بالقدماء ّ‬

‫رسمها لهم األقدمون‪ ،‬بل حاولوا تطوير الفنون التي ورثوها كما جهدوا في ابتداع‬
‫أصل َ‬
‫قبل هذا العصر‪.‬‬ ‫فنون أخرى لم يكن لها ٌ‬
‫ً‬
‫مختلفة منه‪ ،‬يمكن إجمالها فيما‬ ‫جوانب‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫تناولت‬ ‫ٌ‬
‫كثيرة‬ ‫لقد طرأت على الشعر أُمو ٌر‬

‫يأتي‪:‬‬

‫ما حدث في فنونه وأغراضه‪:‬‬


‫‪ -1‬استـهالل بعض قصائـدهم بوصف القصور أو السفن أو الربيع أو الشـراب ً‬
‫بـدال‬

‫من النسيب او ذكر األطالل فكان هذا التغير في استهالل الموضوعات جاء نتيجة‬

‫للبيئة الجديدة التي عاشوا فيها ‪.‬‬


‫‪ -2‬ازدياد وصف الرياض والقصور وأَحوال المعيشة‪ ،‬ومصايد الوحوش َّ‬
‫والطير‬

‫والسمك وغير ذلك‪.‬‬


‫َّ‬
‫‪ -3‬ازدياد الدعوة للوعظ‪ُّ ،‬‬
‫والزهد في ُّ‬
‫الدنيا‪ ،‬والحكمة وضرب المثل‪ ،‬وتأديب النفس‬

‫ونظــــم القصص والحكايات شعراً‪.‬‬

‫َهم االنسان من‬


‫المدن والبلدان‪ ،‬وما ي ُّ‬
‫ِ‬ ‫‪ُ -4‬ظهو ُر نوع من الرثاء يهتم برثاء‬

‫طيروحيوان‪ ...‬وغيرها‪.‬‬
‫ِ‬
‫والتهكمي(السخرية) ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ظهور الشعر الهزلي‬
‫‪ُ -5‬‬
‫‪-6‬اإلكثار من وصف المعارك التي كانت تقع بين المسلمين وغيرهم من الروم‬

‫والصليبيين‪.‬‬
‫‪ -7‬اإلكثار من التراسل بالشعر َّ‬
‫والتهاني وهو ما يسمى (اإلخوانيات) والسيما في‬

‫مواسم األعياد أو الزواج أو الوالدة أو غيرها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -8‬ضبط القواعد والعلوم بنظمها شعراً‪ ،‬وهو ما يسمى الشعر التعليمي‪ ،‬لحفظ‬

‫قواعد العلوم اللغوية والفقهية والحكمة والقصص واألمثال لتسهيل حفظها‪ ،‬فقد‬

‫نظموا قصص َكليلة و ِدمنة وغيرها‪.‬‬

‫ما طرأ على لفظه وأسلوبه‪:‬‬


‫‪َ -1‬ه ْج ُر األلفاظ الغريبة وقلُّتها في النصوص األدبّيِة‪.‬‬
‫‪ -2‬ال َت َملُ ْح بالكلمات غير العربية تظ ّرفًا‪.‬‬
‫‪َّ -3‬‬
‫رقة األسلوب وعذوبة اللفظ مع بقاء الجزالة (القوة) ووضوح المعنى‪.‬‬
‫‪ -4‬اإلكثار من استعمال فنون علوم البالغة‪ ،‬والسيما فنون البديع‪.‬‬

‫ما حدث في معانيه وأخيلته‪:‬‬


‫‪ -1‬ترتيب األفكار ترتيباً متماسكاً ما دعا الى اإلهتمام بوحدة القصيدة أكثرمن‬
‫االهتمام بوحدة البيت ْإذ ّ‬
‫قل اإلقتضاب واالنتقال من معنى إلى معنى مباين له‪،‬‬
‫وهوما ُي ْع َر ُ‬
‫ف ( بوحدة القصيدة)‪.‬‬
‫والغلو في االغراض الشعرية‪ ،‬كالمديح‪ ،‬والهجاء‪،‬والفخر وال ّرثاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -2‬المبالغة‬
‫‪ -3‬إبداع األخيلة الجميلة للتصوير‪ ،‬عن طريق التشبيه واالستعارة واألوصاف‬
‫وحسن التعليل أو ما يُسمى بالصور َِّة الفنيِّة‪.‬‬
‫‪ -4‬استعمال طرق الحكمة والفلسفة‪ ،‬وعلم الكالم والمنطق ونحو ذلك في توسيع‬
‫أساليب اإلقناع‪.‬‬

‫ما طرأ على أوزانه وقوافيه‪:‬‬


‫‪ -1‬اإلكثار من النظم في البحور القصيرة والمجزوءة‪.‬‬
‫‪ -2‬استحداث أوزان جديدة ُكتب ألكثرها الزوال‪.‬‬
‫سمط والمز َد َوج والموشح‪.‬‬
‫‪ -3‬أ ّما في مجال القافية فقد ابتدع الشعراء ال ُم َّ‬

‫‪11‬‬
‫دِ ْع ُ‬
‫بل الخزاعي‬
‫بل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد اهلل بن بديل‬ ‫هو ِد ْع ُ‬
‫بن ورقاء الخزاعي‪ .‬ودعبل لقب ُع ِر َف به ويكنى أبا علي ولد في الكوفة سنة‬
‫(‪148‬هـ) من أسرة عرف رجالها باألدب والعلم فقد كان والده شاعراً‪ ،‬كذلك كان‬
‫ابناه وأخوه وابن أخيه وعمه وابن عمه‪ ،‬وكان أخوه علي بن علي أديباً وقد صنف‬
‫كتابا كبيراً عن اإلمام الرضا (ع) ‪ ...‬واختلف في سنة وفاته‪ ،‬لكن على األرجح ان‬
‫اهلل توفاه سنة (‪ 246‬هـ ) وله من العمر ثمان وتسعون ً‬
‫سنة ‪.‬‬
‫ً‬
‫رفيعـة فـي العلـم واألدب والشعـر فقـــد‬ ‫ً‬
‫منزلة‬ ‫ُجمع مؤرخو األدب على ّ‬
‫أن لدعبل‬ ‫وي ْ‬
‫إن ابن شرف‬ ‫كـان كاتباً ومؤرخاً ومح ّدثًا وعالماً باألدب واللغة وأيام العرب‪ .‬ح ّتى ّ‬
‫القيرواني وصفه في رسائل اإلنتقاد بأنه كان شاعر العلمـاء وعالـم الشعراء وقد‬
‫اشتغل برواية الحديث وكان من شيوخه الذين أخذ عنهم اإلمام مالك بن أنس(‪179‬هـ)‬
‫وسفيان الثوري (‪ 161‬هـ )‪.‬‬

‫من آثاره‬
‫ديوان شعر وكتابان مفقودان هما ‪:‬‬
‫كتاب (الواحة في مثالب العرب ومناقبها) وكتاب (طبقات الشعراء)‪.‬‬
‫وقد اشتهر دعبل الخزاعي بقصيدته التائية في رثاء آل البيت الكرام (عليهم السالم)‬
‫التي مطلعها‪-:‬‬

‫والنطقات‬
‫ِ‬ ‫اللفظ‬
‫ِ‬ ‫نوائح ُعج ُم‬
‫ُ‬ ‫والزفـــرات‬
‫ِ‬ ‫باإلرنان‬
‫(‪)1‬‬
‫ِ‬ ‫تجاوبن‬

‫آت‬
‫مـاض وآخـ َر ِ‬
‫ٍ‬ ‫هوى‬
‫أسارى ً‬ ‫أنفس‬
‫يخبِّرن باألنفــاس عن ِس َّر ٍ‬

‫‪ -1‬االرنان ‪ :‬صوت البكاء‪.‬‬

‫عجم اللفظ ‪ :‬غير فصيحه‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ومنها ‪:‬‬
‫ات‬
‫ص ِ‬ ‫َو َم ُ‬
‫نزل َوحي ُمقف ُر ال َع َر َ‬ ‫آيات خلـت مـن تـالو ٍة‬
‫مدارس ٍ‬

‫األغراض الشعري ِة كالمدح والرثاء والفخر والهجاء‬


‫ِ‬ ‫بل الخزاعي في َّ‬
‫كل‬ ‫دع ُ‬
‫َك َت َب ِ ْ‬

‫(للدرس)‬ ‫والوصف ‪ ..‬ومن شعر ِه في الشيب والشباب ‪-:‬‬

‫ـل ب ْ‬
‫َـل هلكــا‬ ‫ض َّ‬
‫ُطلـب َ‬ ‫ال َ‬
‫أين ي ُ‬ ‫ً‬
‫وأيـــة سلكــا ‬ ‫الشبـاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أيـن‬

‫المشيـب براسـه فبكـى‬


‫ُ‬ ‫ض ِح َ‬
‫ـك‬ ‫َ‬ ‫رجــل ‬
‫ٍ‬ ‫التعجبـي يا َسلـ ُم مـن‬
‫المشيــب فقلما َ‬
‫ض ِحكـا‬ ‫ُ‬ ‫وأتــى‬ ‫قد كان يضحك في شبيبتــه ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ً‬
‫ـــوقــة يبقــي وال َملكــا‬ ‫ال ُس‬ ‫ٌ‬
‫منقصـــــة ‬ ‫يا سل ُم مابالشيب‬
‫(‪)2‬‬ ‫َ‬
‫السبيل إليه مشتركا‬ ‫وجــ َد‬
‫َ‬ ‫قمـــر‬ ‫َ‬
‫الغواية عن هـوى‬ ‫قص َر‬
‫ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫صبًّا يطا من دونها الحسكـا‬ ‫َوغـدا بأخـرى عــ ّز مطلبُهـــا ‬

‫ياصــاحبــي اذا دمــي ُس ِفكـــــا‬


‫ّ‬ ‫نوم ُكما ‬
‫ياليت شعري كيف ُ‬
‫قلبي وطرفي فـي دمي اشترك‬ ‫أحــــداً‬
‫ ‬ ‫ال تـأخــذا بظـالمتـي‬

‫اللغة ‪:‬‬

‫‪ -1‬السوقة ‪ :‬عامة الناس‪.‬‬

‫‪ -2‬الغواية‪ :‬الضالل‪.‬‬

‫يطا‪ :‬يطأ‪ :‬يدوس‪.‬‬ ‫‪ -3‬ع ّز ‪ :‬امتنع‪ .‬صبًّا ‪ :‬عاشقاً متيما‪.‬‬

‫الحسك‪ :‬نبات له شوك‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫يب رأَسه‪،‬‬ ‫دون رجع ٍة بعد أَن َغ ّطى َّ‬
‫الش ُ‬ ‫يتساءل الشاع ُر عن الشباب الذي َولّى َ‬

‫وكان لقاء المقارنة بين الشباب والمشيب‪ ...‬برقة اسلوب وسالس ِة عبار ٍة واستعمال‬

‫رسم‬ ‫ُ‬ ‫ُ َْ ُ‬
‫يتفنن في ِ‬ ‫بدع‬
‫باق والِجناس‪ .‬والقصيدة تكشف عن ُم ٍ‬
‫كالط ِ‬
‫للمحسنات البديعي ِة ِ‬
‫النفس االنساني ِة ‪ ...‬باستعمال لغ ٍة شفاف ٍة مباشر ٍة‬‫ِ‬ ‫اعماق‬
‫ِ‬ ‫والغوص في‬
‫ِ‬ ‫الصور ِة‬

‫ف عن قدر ٍة في رصد الواقع بجزئيا ِته ‪...‬‬ ‫قريب ٍة إلى ذهن المتلقي مع واقعي ٍة َت ْك ِش ُ‬

‫َ‬
‫استعان الشاع ُر باأللفاظ المباشرة‬ ‫ً‬
‫منقصة‪ ،‬لقد‬ ‫َّ‬
‫فالشيب اليستثني أحداً وال يُعد‬

‫لتمثيل أفكار ِه وعواطف ِه (استعمال الداللة الحقيقية لأللفاظ) وبالصورة التي اختارها‬

‫حر َكت الجمادات (ضحك المشيب برأسه فبكى) فالشاعر يضفي على‬
‫ألوصاف ِه التي َّ‬
‫النص وحدة متماسكة هي وحدة الشعور واالحساس بانسجام األفكار والعواطف‬
‫ّ‬
‫والصور وائتالف اللفظ والتركيب مع المعنى العام ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫ً‬
‫منزلة رفيعة في العلم واألدب والشعر‬ ‫‪ -1‬يجمع مؤرخو األدب على أن ل ِد ْعبل‬

‫أوضــــح ذلك‪.‬‬

‫‪ِ -2‬ب َم وصف ابن شرف القيرواني الشاع َر ِد ْعبل في رسائل االنتقاد؟‬

‫‪ِ -3‬ب َم اشتهر الشاع ُر دعبل الخزاعي؟ ومن هم أشهر شيوخه؟‬

‫الجمادات في قصيدت ِه حدد ذلك شعراً‪.‬‬


‫ِ‬ ‫‪ -4‬لقد َح َّر َك الشاع ُر‬

‫‪ -5‬من أول من حقق ديوان الشاعر دعبل؟ وما هي أشهر آثاره ؟‬

‫‪14‬‬
‫البحتري‬
‫هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي‪ ،‬ولد بمدينة (منبج) بين حلب والفرات سنة‬
‫وفصح ُ‬
‫لسان ُه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذهن ُه‬ ‫ً‬
‫عربية‪ ،‬فصفا ُ‬ ‫(‪ 206‬هـ) في أسرة ليست بذات يُسر‪ ،‬ونشأ ً‬
‫نشأة‬
‫َ‬
‫وتلقف ماتيَّس َر له من العلوم العربية اإلسالمية والعلوم الحديثة‪ ،‬وظهرت عليه‬
‫ُ‬
‫مخايل َّ‬
‫النجاب ِة منذ ريعان صباه‪ ،‬فاستهواه الشع ُر ومال إليه وعالج ُه وهو فتى‪،‬‬

‫وتهيأ له أن يلتقي بأبي تمام الذي رأى فيه ما يُنبئ بشاعرية فذة فتعهده‪ ،‬ووضع‬

‫له منهجاً دقيقاً في طريقة معالجة الشعر واإلجادة فيه وذلك في وصيته المعروفة‪،‬‬

‫فأخذ عنه وتأثر بطريقته ‪ ،‬والسيما اإلكثار من البديع‪.‬‬

‫نشأ البحتري في الحقبة التي شهدت انعطاف أبي تمام بالشعر إلى المنطق والغوص‬
‫فترسم خطاه في البديع‪َّ ،‬‬
‫ووشح‬ ‫في المعاني‪ ،‬والولوع بالبديع واالستعارات الجديدة‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫سهال واضحاً َ‬
‫وج َن َح إلى الخيال والطبيع ِة فاستم َد‬ ‫به شعرهُ‪ ،‬ولكنه َف َّ‬
‫ض َل ما كان منه‬

‫وعني عناية فائقة باأللفاظ وجرسها‪ ،‬حتى ُع ِر َف بذلك‪ ،‬وامتا َز به‬ ‫منهما معانيه‪ُ ،‬‬

‫بالمديح واالجاد ِة فيه‬ ‫فنون الشعر‪ ،‬واشتهر‬ ‫من الشعراء‪ ،‬لقد َت َّ َ‬


‫ِ‬ ‫صرف البحتري في ِ‬
‫الرقيق الذي كان يتقد ُم‬
‫بالغزل َّ‬
‫ِ‬ ‫أخالق الممدوح‪ ،‬كما امتا َز‬
‫ِ‬ ‫تصوير‬
‫ِ‬ ‫والقدر ِة على‬
‫ً‬
‫براعة لم يسبقه أو يلحقه شاع ٌر آخر فيه‪،‬‬ ‫وصف الطبيع ِة‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وبرع في‬ ‫ً‬
‫عامة‬ ‫قصائد ُه‬

‫وبرك عظيم ٍة‪ ،‬وفي الوصف‬


‫ٍ‬ ‫قصور فخم ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫العمران‪ ،‬من‬
‫ِ‬ ‫وصف مظاهر‬
‫ِ‬ ‫كما َ‬
‫أبدع في‬

‫تتعقب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العباسية‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬
‫الجيوش‬ ‫الرائع لكثير من المعارك الحربي ِة التي خاضتها‬
‫ِ‬
‫والبحر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َّر‬
‫األعداء والمناوئين لها في الب ِ‬
‫َ‬
‫كتاب (الحماس ِة)وهما مطبوعان‪.‬‬
‫شعر ضخم‪ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬
‫ديوان ٍ‬ ‫توفاه اهلل سنة (‪ 284‬هـ) و له‬

‫‪15‬‬
‫(للدرس فقط)‬ ‫ ‬
‫ذئب‪:‬‬
‫صف ٍ‬‫قال البحتري في َو ِ‬
‫الوفــا ٌء وال َعهــــــــ ُد‬
‫ســال ٌم عليكــ ُم َ‬
‫أحبـاب ُكـم ب ُّ‬
‫ُــد‬ ‫ِ‬ ‫أمـــــا ل ُكم ِم ْن َه ِ‬
‫ــجر‬ ‫ ‬
‫بـح فـــي اُخــريـا ِتــ ِه‬
‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫كـــأن ُّ‬ ‫ولَ ٍ‬
‫يـل‬
‫ـــم ْ‬ ‫ُح َ ُ‬
‫افرنـد ُه ِغمـْ ُد (‪)1‬‬ ‫ض َّ‬ ‫شاشة َن ٍ‬
‫صـل َ‬ ‫ ‬
‫وس ْن ُ‬
‫ـــان هـاجـــ ٌع‬ ‫والذئـب َ‬
‫ُ‬ ‫سـرب َْل ُتــ ُه‬
‫َت ْ‬
‫ْل مالَــ ُه بال َكـرى َع ْهـ ُد‬
‫ابن لَي ٍ‬
‫بعين ِ‬
‫ِ‬ ‫ ‬
‫ـــن َج َثمـا ِتـ ِه‬ ‫أثيـ ُر َ‬
‫القطــــا ال ُك َّ‬
‫ـدري َع ْ‬
‫عـالــب والــ ُربـْـ ُد (‪)2‬‬
‫ُ‬ ‫وتألَ ُفنــــي فيـ ِه َّ‬
‫الث‬ ‫ ‬
‫يح ُ‬
‫مــل َز ْو َر ُه‬ ‫العــين َ‬
‫ِ‬ ‫وأطلّـــَس ِم ِ‬
‫ــلء‬
‫ـن جانبيـ ِه َش َ‬
‫ـوى َنهـْ ُد (‪)3‬‬ ‫وأضالع ُه ِم ْ‬
‫ُ‬ ‫ ‬
‫َجـــــر ُه‬
‫ُّ‬ ‫شــاء ي‬
‫الــر ِ‬
‫ثــل ِّ‬ ‫لـــــه َذ ٌ‬
‫نــب ِم ُ‬
‫ـوس أَ َع ُ‬
‫ـوج ُمنـْ ُّ‬
‫أد (‪)4‬‬ ‫َ‬
‫و َمتـْ ٌن َك َم ِ‬
‫تـن الق ِ‬ ‫ ‬
‫اس َت َّ‬
‫مـر مـريـ ُر ُه‬ ‫َطوا ُه َّ‬
‫الطــــوى َّ‬
‫حتـى َ‬
‫والر ُو ُح ْ‬
‫وال ِجلـ ُد (‪)5‬‬ ‫فما في ِه إال الع ْ‬
‫َظ ُم َّ‬ ‫ ‬
‫أس َّر ِتهـا الـردى‬ ‫ض ُع ً‬
‫صال فــي ِ‬ ‫يُقض ِق ُ‬
‫أر َعـد ُه البـْ َر ُد (‪)6‬‬
‫المقـرور ْ‬
‫ِ‬ ‫كق ْض َقضــ ِة‬
‫َ‬ ‫ ‬
‫ـوع مـا ِبـ ِه‬
‫الج ِ‬ ‫َسما لي وبي ِم ْن َّ‬
‫شـد ِة ِ‬
‫ْش ٌة َر ْغـ ُد‬
‫س بهـا ِعي َ‬
‫ْداء ل ْم ُت ْحسـَ ْ‬
‫ِب َبي َ‬
‫ُحــد ُث َن ْف َســـــ ُه‬
‫ذئـب ي ِّ‬
‫كــالنـــــا بهــا ٌ‬
‫ــســـ ُه الجـَــَ ُّد‬ ‫ُّ‬
‫والجــد يُت ِع ُ‬ ‫بصـاحبـ ِه‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫جـز ُت ِفهج ُتـ ُه‬ ‫ــوى ُثــم أقعــى ْ‬
‫وار َت ْ‬ ‫َع ّ‬
‫ْــرق َي ْتبعـُـ ُه َّ‬
‫الر ْعـ ُد (‪)7‬‬ ‫َ ْ َ‬
‫فـأقبـل ِمثـــل الب ِ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫‪16‬‬
‫ـــب ريشهــا‬
‫حس ُ‬ ‫خــرقــاَء َت ِ‬
‫فأوجر ُتـ ُه ْ‬
‫ُّ‬
‫ينقـض والليّــُل ُم ْس ُّ‬
‫ــود (‪)8‬‬ ‫على َكو َكب‬ ‫ ‬
‫ً‬
‫وصـــرامـــة‬ ‫فمــــــا از ْدا َد إال ُج ً‬
‫ـــرأة‬
‫الج ُّ‬
‫ــــد‬ ‫أن األمــ َر ِم ْنــ ُه هــو ِ‬ ‫َُ‬
‫وأيقنـــت َّ‬ ‫ ‬
‫ـت َن ْص َ‬
‫لهــــــا‬ ‫ْ‬
‫فأضلل ُ‬ ‫فـأتب ْع ُتهـا أخـرى‬
‫والح ْقـــــ ُد‬
‫والرعـْ ُب ِ‬
‫ـب ُّ‬‫يكون اللُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫ ‬
‫الــردى‬
‫ــل َّ‬‫منه َ‬ ‫َف َّ‬
‫خــر وقــــد أوردتــ ُه َ‬
‫الــــو ْر ُد‬ ‫علــى َظمــأ لــــو أنــَّه َع ُ‬
‫ــذ َب‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫واشتـوي ُتـ ُه‬
‫َ‬ ‫صــــى‬
‫َ‬ ‫الح‬
‫َّت َ‬ ‫ُ‬
‫وق ْم ُت فجمع ُ‬
‫مضـاء مـِ ْ‬
‫ــن تحـتــ ِه َوقــْ ُد‬ ‫ِ‬ ‫وللــر‬
‫َّ‬ ‫عليــ ِه‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫و ِن ْل ُ‬
‫ــت َخ ِسيسـاً ِمنـْـ ُه ثـُ َّـم تــر ْك َتــــــه‬
‫عنـــ ُه وهـــو ُم َن َع ِفـــ ٌر ْ‬
‫فـــر ُد‬ ‫ْــت ْ‬ ‫َ‬
‫وأقلع ُ‬ ‫ ‬

‫َ‬
‫اللغة ‪:‬‬
‫‪َ -1‬نصل‪ :‬بقيته‪.‬‬
‫بحشاش ِة ‪ :‬بقية ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ْ‬
‫إفرن ُده‪ :‬جوهره ووشيه‪ ،‬ويقصد‬
‫دري‪ :‬ضرب من القطا ُغبْر االلوان رقش الظهور صفر الحلوق‪.‬‬
‫‪ -2‬ال ُك ِّ‬
‫ْرة إلى السواد‪ُّ ،‬‬
‫وكل َم ْن كان على لونه فهو طلس‪.‬‬ ‫‪ّ -3‬‬
‫األطلَس‪ :‬أي الذئب في لونه ُغب ٌ‬
‫شاء‪ :‬الحبل‪.‬‬
‫الر ِ‬
‫‪ِّ -4‬‬
‫الطوى‪ :‬الجوع‪.‬‬‫‪َّ -5‬‬
‫ُقضقض‪ :‬يخرج صوتاً من أنيابه‪.‬‬ ‫‪ -6‬ي ِ‬
‫(واالع َ‬
‫صل‪ :‬األعوج في صالبة)‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫عصال‬ ‫ُع ً‬
‫صال‪ :‬اي أنياباً‬
‫‪ -7‬أقعى ‪ :‬جلس مفترشاً رجليه وناصباً يديه‪.‬‬
‫‪ -8‬فأوجرته‪ :‬أصبت مقتله‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫َّ‬
‫إن ظاهرة وصف الذئب و حضوره في الشعر العربي قديمة‪ .‬بدأت عند امرئ‬

‫القيس ومصاحبته له‪ :‬وحتى البحتري الذي أكله‪ .‬وهذا يعني أنها دورة تمثل دورة‬

‫تغيرالحياة من مجتمع صحراء (العصر الجاهلي) الى مجتمع المدينة في (العصر‬

‫العباسي) ‪ ...‬وتغير العالقات االجتماعية والوعي‪ .‬ولعل أول شاعر فتح الباب ألدب‬

‫الذئب في الشعر العربي امرؤ القيس فهو يقول‪:‬‬

‫العير قفر َق َطعت ُه‬


‫كجوف ِ‬‫ِ‬ ‫َووا ٍد‬
‫المعيل‬
‫ِ‬ ‫كالخليـع‬
‫ِ‬ ‫الذئـب يعـوي‬
‫ُ‬ ‫بـه‬
‫إن شأننا‬ ‫َف ُ‬
‫قـلـت لـه لمـا عوى‪َّ :‬‬
‫تمــو ِل‬ ‫قليـل الـغـنى ْ‬
‫إن كـنـت َلمــا َ‬ ‫ ‬
‫كـالنـا إذا ما نال شيئـاً أفـاتــه‬
‫ومن يحترث حرثي وحرثك يهــزل‬ ‫ ‬
‫وأرض مقفر ٍة ومعه ُ‬
‫بعض‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫المرقش األكبر الذي يلتقي ذئباً في ليل ٍة موحش ٍة‬ ‫َت َب َع ُه‬

‫نحوها ذئبه ‪ ...‬واذا بالشاعر‬


‫فينجذب َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيشعل النا َر طلباً للدفء والشواء‬ ‫أصحاب ِه‪...‬‬

‫الذئب راس َه شاكراً‪.‬‬


‫ُ‬ ‫َه ُّز‬
‫يلقي له بقطعة من الشواء ويجعل منه أحد جالسه حينها ي ِ‬
‫ولـما َ‬
‫أضأنـا النـار عن َد شوا ِئنـا‬
‫عرانا عليها أطلس اللون ِبائــس‬
‫ُ‬
‫نبذت إليه قطعة(‪ِ )1‬من ْشوائ ِنـا‬
‫حياء وما فحشي على من أجالس‬
‫(‪)2‬‬
‫فآب بها جذالن ينفض رأسه‬
‫كما آب بالنهب الكمي المخالـــس‬ ‫ ‬

‫(‪ )1‬وتروى فلذة‪.‬‬


‫(‪ )2‬وتروى فآض‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫الفرزدق فهو يقسم َّ‬
‫الزا َد بينه و بين الذئب من دون أن يغفل عن اإلمساك بقائم‬ ‫ُ‬ ‫أما‬

‫الذئب بعد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫طريق الحذر ‪ ...‬فإذا ضحك‬ ‫ُ‬
‫العالقة فتأخذ‬ ‫سيفه‪ ...‬وفي هذه المرحلة تتغير‬
‫َ‬
‫واطمأن له وتعاهدا على عدم الخيانة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الفرزدق‬ ‫َ‬
‫ضحك‬ ‫وشبع‬
‫َ‬ ‫أن َ‬
‫أكل‬

‫واطلس عسال‪ ...‬وما كان صاحباً‬


‫دعوت لناري‪ -‬موهناً ‪ -‬فأتاني‬ ‫ ‬
‫فلما دنا‪...‬قلت ُ‬
‫ادن دونك إنني‬
‫لمشتـركـان‬
‫ِ‬ ‫وإيـاك ‪ -‬في زادي‪-‬‬ ‫ ‬
‫ـت أقـــ ّد الـــزاد بينـــي وبينـــه‬‫فبــِ ُّ‬
‫ودخان‬
‫ِ‬ ‫نــار مــّرًة‬
‫على ضــوء ٍ‬ ‫ ‬
‫وقلــت لــه لمــا َّ‬
‫تكشــر ضـاحكـــاً‬ ‫ُ‬
‫بمكــان‬
‫ِ‬ ‫وقـائـم سيفي مـن يـدي‬ ‫ ‬
‫َّ‬
‫تعش ‪ْ ...‬‬
‫فإن عـاهدتنـي التخوننـي‬
‫تكن مثل َم ْن ياذئب يصطحبـان‬ ‫ ‬

‫الذئب تترد ُد اصداؤه في شعرنا القديم ً‬


‫داال على أحد مالمح مجتمع‬ ‫ِ‬ ‫أدب‬
‫ويظل ُ‬
‫الفروسية حتى يستقر المجتمع المدني وتذوي الفروسية ويفقد العربي صداقته مع‬
‫وحش الصحراء فيصبح له ً‬
‫قاتال متربصاً بعد أن كان صديقاً‪ ...‬فالشاعر البحتري‬
‫ُ‬
‫تتحدث عن الذئب‪ ،‬والحديث عن الذئب وفي ٌر في‬ ‫الذي تبدأ قصيدته بمقدمة ‪ُ ...‬ث َّم‬

‫تراثنا القديم‪ ،‬ومن أمثالهم الكثيرة في هذا المجال قولهم‪( :‬أظل ُم من ذئب)‪.‬‬

‫تبدأ القصيدة بمقدمة التنفصل عن الموضوع‪ ،‬وهو مقابلة الذئب واالنتصار عليه‬

‫أو بعبارة أخرى مقابلة المعوقات الكبيرة والتغلب عليها بحسم وإقدام ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫يقضي البُحتري ليله وحيداً في البيداء‪ْ ،‬إذ يوشك ذلك اللّيل على االنتهاء ليطل ّ‬
‫الصباُح‬
‫الس َح ُر وقتاً أو (الزمن‬
‫سيف متأللئة لم تغمد‪َّ ،‬إنه َ‬
‫ية ٍ‬‫بق ُ‬
‫البيضاء‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫وكأنه في إطاللت ِه‬
‫الرمادي) حين يلتقي بذئب وسنان‪ ،‬في بحثه عن َّ‬
‫الطعام‪ ،‬وهاجع بعين من شدة‬
‫فيتحر ُك حركة فيها‬
‫َّ‬ ‫حذره‪ ،‬فال يعرف للنوم طعماً‪ ،‬ينفعل البحتري أمام هذا الذئب‪،‬‬
‫وفتوة‪ُ ،‬‬
‫حيث يسير مثيراً القطا الرمادي عن مراقده‪ ،‬وهو الفتى الشجاع‬ ‫ٌ‬ ‫وبأس‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫قوة‬
‫اللون‪ ،‬وقد استند ص َدر ُه‬
‫ِ‬ ‫أطلس‬
‫ُ‬ ‫ذئب‬
‫فيقترب منه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الذي تعرفه وحوش تلك البيداء‬
‫يجر َذ َنباً كالحبل في اتساقه‪ ،‬وله ظه ٌر كظهر‬
‫أطراف دقيق ٍة بارز ٍة ُّ‬
‫ٍ‬ ‫وأضالع ُه على‬
‫َ‬
‫صيَّره نحيفاً‪ ،‬ليس فيه (إالَّ‬
‫الجوع الذي َ‬ ‫ذئب يُعاني آال َم‬ ‫القوس في َّّ‬
‫دق ِة انحنائه‪ ،‬إنه ٌ‬
‫ِ‬
‫بصوت‬
‫ٍ‬ ‫ارتسمت على أسنان ِه‪ ،‬وهي َّ‬
‫تصط ُك‬ ‫ْ‬ ‫الجوع قد‬ ‫العظم والروح والجلد) فثورة‬
‫ِ‬
‫الجائع ِّ‬
‫بكل مالمح ِه‬ ‫ُ‬ ‫الذئب‬
‫ُ‬ ‫مقرور أَفزعه البر ُد‪ ،‬فقد َ‬
‫ظهر هذا‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫صوت أسنان‬ ‫يشبه‬
‫الجائع هو اآلخ ُر في فال ٍة قاسي ٍة َِجرداء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وسمات ِه البائس ِة الشديد ِة‪ ،‬ليقابل البحتري‬
‫الغريب بين ذئبين جائعين إنساني وحيواني‪ ،‬لقاء فيه عنص ُر التحدي‬
‫ُ‬ ‫اللقاء‬
‫ُ‬ ‫فكان‬
‫ومتوثب‪،‬‬ ‫متحرك‬ ‫دام‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صراع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الصامت إلى‬ ‫الغريب‬
‫ُ‬ ‫اللقاء‬
‫ُ‬ ‫سيتحول هذا‬ ‫والصراع‪،‬‬
‫لالنقضاض على فريست ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ويجلس على مؤخرت ِه (أقعى) استعداداً‬
‫ُ‬ ‫الذئب‬
‫ُ‬ ‫فيعوي‬
‫البحتري بصوت ذئبي بحرار ٍة وقو ٍة قاصداً‬
‫ُ‬ ‫ُمعُلناً عن ِ‬
‫بدء الصراعِوالتحدي‪ ،‬فيقابله‬
‫وتدفق مثل‬
‫ٍ‬ ‫َقب ُل علي ِه بقو ٍة‬ ‫َ‬
‫العنيف هذا في ِ‬
‫ِ‬ ‫إبعا َده‪َ ،‬ب ْي َد أَن الذئب اليُبالي ِب َر ِّد الفعل‬
‫ُ‬
‫يدرك البحتري ادراكاً‬ ‫مدو ُ‬
‫حيث‬ ‫وصوت ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫(البرق يتبعه الرعد) بحرك ٍة مزمجر ٍة‬
‫خاطف ولكن الطعنة تلك‬
‫ٍ‬ ‫سريع‬ ‫بسهم‬ ‫ُ‬
‫فيطعنه‬ ‫َ‬
‫محالة‬ ‫الذئب قاتل ُه ال‬
‫َ‬ ‫الشائبة فيه‪ّ ،‬‬
‫أن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لم تزجره أو ُت َقلِل من ش َّدِة عزم ِه على قبول التحدي واالندفاع في غمر ِة الصراع‪ ،‬بل‬
‫طعنة أخرى ً‬
‫قاتلة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ذهول فيسد ُد له‬ ‫ْ‬
‫أذهلت البحتري أيَّما‬ ‫انطلق ِّ‬
‫بكل جرأ ٍة وصرام ٍة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬

‫‪20‬‬
‫الصراع الدامي‪ ،‬وينتهي َم ْشه ُد التحدي‬ ‫ُ‬
‫حركة هذا‬ ‫يخر على إثرها ميتاً‪ْ ،‬إذ تهدأ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫صى تمهيداً لِ َّ‬
‫شي‬ ‫الح َ‬
‫بجمع َ‬ ‫ً‬
‫مأساوية بالنسبة الى الذئب ‪ ،‬فيقوم البحتري ْ‬ ‫ً‬
‫نهاية‬
‫َ‬
‫اختلط د ُم ُه‬ ‫قليال ويتركه م ُم َّرغاً في ُّ‬
‫التراب‬ ‫غريمه‪ ،‬ايماناً بانتصار ِه‪ُ ،‬‬
‫فينال منه قدراً ً‬

‫بيداء موحش ٍة مقفر ٍة‪.‬‬


‫َ‬ ‫ً‬
‫باردة في‬ ‫ً‬
‫بائسة‪،‬‬ ‫ً‬
‫ضحية‬ ‫بأنين جوع ِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫الفن الذي َ‬
‫برع‬ ‫الدقيق‪ .‬وهو ُ‬ ‫الحسي‬ ‫ُ‬
‫البحترية بوصفها َّ‬ ‫ُ‬
‫الشعرية‬ ‫ُ‬
‫اللوحة‬ ‫تمتا ُز هذه‬
‫ِ‬
‫النفسي ِة‬
‫َّ‬ ‫أبدع في تجسيد الحركة‬ ‫شعراء عصر ِه‪ ،‬وقد َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫البراعة كلّها بين‬ ‫به البحتري‬
‫ُ‬
‫والتناقض‬ ‫ُ‬
‫االنفعال‬ ‫َ‬
‫اختلط فيها‬ ‫ُ‬
‫الحركة التي‬ ‫اللقاء المأساوي بينه وبين ذئب ِه‪ ،‬هذه‬
‫ِ‬ ‫في‬

‫الذئب بالنسبة الى البحتري رمزاً للعدمية أو الظلم‬


‫ُ‬ ‫في وجدانيهما‪ ،‬لدرج ٍة صا َر فيها‬
‫الحس ُ‬
‫ية‪،‬‬ ‫أكسبت ُ‬
‫لغتها َّ‬ ‫ْ‬ ‫خالل القصيدة كلّها‪ -‬وقد‬
‫الذي كان يعانيه‪ -‬كما يظه ُر ذلك من ِ‬
‫ٌ‬
‫معتمدة على‬ ‫ٌ‬
‫جمالية‬ ‫الشعرية ٌ‬
‫قيمة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اللوحة‬ ‫والتوتر واألسى‪ ،‬هذه‬ ‫بالخوف‬
‫ِ‬ ‫المطع ُ‬
‫َّمة‬
‫ِ‬
‫مصورٍة‪.‬‬
‫ذات لغ ٍة انفعالي ٍة ّ‬ ‫تشبيهات َّ‬
‫مركب ٍة ُ‬ ‫ٍ‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬من أين تبدأ دورة أدب الذئب‪ ،‬وماذا تعني؟‬

‫‪ -2‬في أي األبيات تلمح إبداع البحتري في تجسيد صوره‪ ،‬حسياً؟‬

‫‪ -3‬هل يوحي ذكر الذئب اشارة إلى فكرة معينة ؟ أوضح ذلك‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫المتنبي‬
‫هو أبو الطيب أحمد بن الحسين من ساللة عربية صميمة‪ ،‬ولد بالكوفة سنة‬
‫(‪303‬هـ) في محلة كندة‪ ،‬من أبوين فقيرين‪ ،‬ونشأ بها وتعلم في كتاتيبها‪ ،‬ثم شدا‬
‫الخروج ِ الى البادية واتصل ببعض‬
‫َ‬ ‫تيسر له من علوم العربية المختلفة وارتأى‬
‫ما َّ‬
‫َ‬
‫الفصاحة وعشق‬ ‫واكتسب‬
‫َ‬ ‫فصح جس ُمه وصفا ذهنه‪ ،‬وأخذ عنها َ‬
‫اللغة‬ ‫القبائل العربية َّ‬
‫ً‬
‫وخاصة الفلسفة التي كان لها في حياته‬ ‫صح ُ‬
‫لسان ُه‪ ،‬وتأثر بالعلوم الحديثة‬ ‫َ‬
‫الحرية َف َف ُ‬
‫مجال فسيح‪.‬‬
‫وكان الشع ُر يترد ُد على لسان ِه‪ ،‬وينساب قوياً هادراً ‪ ،‬وكان يتعاظم في شعره‪ ،‬حتى‬
‫أن يلتقي بأمير عربي شجاع كريم‪ ،‬هو سيف الدولة الحمداني‪ ،‬فأُ ْعج َب ُّ‬
‫كل‬ ‫تسنى له ْ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫جادت‬ ‫َ‬
‫أروع ما‬ ‫منهما بصاحبه‪ ،‬وكان الشاع ُر يالزمه في حلِّ ِه وترحال ِه وي َْن ِظ ُم فيه‬
‫ُ‬
‫الشاعرة‪،‬ولكن سرعان مانشأ خالف بينه وبين سيف الدولة فغادر الى‬ ‫به عبقري ُت ُه‬
‫مصر قاصداً حاكمها كافوراً اإلخشيدي‪ ،‬اال ان الشاعرغادر مصر ‪ ،‬وقد َ‬
‫نجح الشاع ُر‬
‫في الوصول إلى بغدا َد ومنها إلى عضد الدولة ووزيره ابن العميد في الشرق‪ ،‬وعند‬
‫رجوعه اعترضه بعض مناوئيه ممن هجا بعضاً منهم محاولين النيل منه فقاتلهم‬
‫وسقط صريعاً سنة (‪ 354‬هـ)‪.‬‬
‫ً‬
‫مشغوال‬ ‫كان المتنبي منذ نشأت ِه‪ ،‬كبي َر النفس‪ ،‬عالي الهمة‪ ،‬عفيفاً َع ُزوفاً عن اللذات‪،‬‬
‫بطموحه إلى المجد‪ ،‬محباً قومه‪ ،‬ك َما كان حاد الذكاء قوي الحافظة‪ ،‬متضلعاً من‬
‫ِ‬
‫والح َكم‪ ،‬ح ّتى تكاد تطغى على أكثر ما‬
‫اللغة ‪ .‬وهو أكثر الشعراء حفاوة باألمثال ِ‬
‫وق ِّد َر له أَ ْن يَعرض هذه األمثال ِ‬
‫والح َكم عرضاً أدبياً رائعاً‪ ،‬فدارت‬ ‫أثر له من شعر‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬
‫عميق بالحماسة‬ ‫إحساس‬
‫ٌ‬ ‫وقت َّ‬
‫وكل مناسب ٍة ‪ ،‬وفي شعر ِه‬ ‫على ألسنة الناس في ِّ‬
‫كل ٍ‬
‫والفروسية وهو ي ْ‬
‫َظه ُر واضحاً في أكثر فنونه الشعرية‪ ،‬والسيما المدح والفخر‬
‫والوصف والرثاء والغزل‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫وفي شعر ِه شي ٌء من التعقيد اللفظي‪ ،‬ولعل َّ‬
‫مرد ذلك إلى ثقافت ِه اللغويةِ الواس ِعة التي‬
‫اغترفها من حياة البادية ‪.‬‬
‫برع المتنبي في ِّ‬
‫كل الفنون الشعرية التي طرقها وأجا َد كثيراً في الوصف والسيما‬ ‫َ‬
‫صورها تصويراً َحيًّا‬ ‫المعارك الحربي ِة التي كان يخوضها ُ‬
‫سيف الدولة‪ ،‬فقد َّ‬ ‫ِ‬ ‫وصف‬
‫رائعاً ‪ ،‬كما أجا َد في أغراض شعرية أخرى‪:‬كالمديح‪...‬والفخر والرثاء والهجاء‬
‫ٌ‬
‫مطبوع وقد شرحه كثي ُر من الشارحين ‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ديوان‬ ‫والشكوى والحكمة ‪ ،‬له‬

‫مى ‪ :‬‬
‫الح َّ‬
‫قال أبو الطيب المتنبي في وصف ُ‬
‫‪10:‬أبيات)‬ ‫((للحفظ‬
‫للحفظ ‪ 6‬ابيات )‬

‫الظــــالم‬
‫ِ‬ ‫فليــس تــزو ُر إال فــي‬
‫َ‬ ‫ ‬
‫حيـــــاء‬
‫ً‬ ‫وزائـــرتـــي َّ‬
‫كــأن بهـــــا‬
‫ـت فـي عظــامـــي (‪)1‬‬ ‫َ‬
‫فعـاف ْتهـا وبا َت ْ‬ ‫ ‬ ‫ُ‬
‫بذلت لهـــا المطارف والحشــايــــا‬
‫(‪)2‬‬ ‫السقــــام‬ ‫فتــــوسعُــــه بأنـــواع‬
‫ِ‬ ‫ ‬ ‫يضيق الجلــ ُد عــن ْ‬
‫نفسي وعنهــا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫مــدا ُمـعـهــا بــأربـعــ ٍة سـجــــام (‪)3‬‬
‫ِ‬ ‫الصبح يطـردهـــا ف َتجـــــري‬
‫ ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫كــأن‬
‫ـــوق المستهــام (‪)4‬‬
‫َ‬ ‫أراقب وق َتهــــا مــن‬
‫ِ‬ ‫مراقبــة ال َمشــُ ِ‬ ‫شــوق ‬
‫ٍ‬ ‫غيــر‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ـرب العظـــام ِ(‪)5‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويصدق وعــ ُدها‬
‫إذا ألقـــاك فــي الكـَ ِ‬ ‫والصـدق شـــــ ّ ر‬
‫الزحـــــام‬ ‫انت من‬
‫وصلت ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫فكيف‬ ‫بنــــت ‬
‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫كــــل‬ ‫الدهــــر عنـدي‬ ‫َ‬
‫أبنت‬
‫(‪)6‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السهــــــام‬ ‫للسيــوف وال‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫مكــان‬ ‫مجـرحـاً لــــــم َ‬
‫يبـق فيـــه ‬ ‫َّ‬ ‫جرحـت‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫عـنــان أو زمــــام‬
‫ٍ‬ ‫تـصــرف فــي‬ ‫أال يــــا َ‬
‫ليــت شعــر يـدي أتمســي‬
‫والطعــــــام‬ ‫وداؤك فـي شـرابــك‬ ‫أكلـــت شيـئـــاً‬
‫َ‬ ‫بيـب‬
‫الط ُ‬‫ِيقول لـــي َّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫طـــول الجـمــــام (‪)7‬‬ ‫ـر بجسـمـه‬ ‫َ‬
‫أض َّ‬ ‫ومـــــــا فـــي طبـــّه أنـــي جـــوا ٌد ‬
‫ِ‬
‫ويــدخـل مـن قـتــام فــي قتـــــام (‪)8‬‬
‫ِ‬ ‫تعــو َد ْ‬
‫أن يغبــّر فــي الســرايـــــــا ‬ ‫َّ‬
‫(‪)9‬‬ ‫اللـجــــام‬ ‫والهـو فـي العليـق وال‬ ‫َ‬
‫اليطــال لـــــه فيـرعـــــى ‬ ‫فامســك‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫وإن أحـمـ ْم فمــا ُح َّـم اعتـزامـــي‬ ‫مرض اصطبــاري ‬ ‫ْ‬
‫أمرض فما ِ‬ ‫ْ‬
‫فإن‬

‫‪23‬‬
‫اللغة‪:‬‬
‫‪ -1‬المطارف‪ :‬جمع ِمطرف‪ ،‬رداء من خ ّز (ثوب من حرير)‪.‬‬
‫حشيّة ‪ .‬ماحشي من الفراش مما يجلس عليه‪.‬‬
‫الحشايا‪ :‬جمع ِ‬
‫‪ -2‬السقام‪ :‬المرض ‪.‬‬
‫‪ -3‬سجام‪ :‬منسكبة‪ ،‬سج َم الدمع‪ ،‬سال وانسكب‪.‬‬
‫‪-4‬المستهام‪ :‬الشديد الشوق‪.‬‬
‫‪ -5‬ال َكرب‪ :‬جمع كربة‪ ،‬وهي الشدة والمصيبة‪.‬‬
‫‪َ -6‬‬
‫أبنت الدهر‪ :‬بنات الدهر شدائده‪.‬‬
‫‪ -7‬الجمام ‪ :‬الراحة‪( .‬ان يترك الفرس فال يركب)‪.‬‬
‫‪َ -8‬‬
‫يغبّر‪ :‬يثير الغبار في المعارك‪.‬‬
‫السرايا ‪ :‬جمع سرية ‪ ،‬وهي القطعة من الجيش‪.‬‬
‫القتام ‪ :‬غبار المعارك‪.‬‬
‫‪ -9‬اليطال له ‪ :‬اي اليطال له حبله ليتمكن من الرعي‪ .‬والهو في السفر فيعلف من‬
‫المخالة المعلقة في رأسه الطعامه‪.‬‬

‫التعليق النقدي‬
‫َه ُّم‬
‫وهو ي ِ‬
‫هذه األبيات قالها المتنبي بمصر‪ ،‬وكان طريح الفراش بسبب حمى أصابته‪َ ،‬‬
‫عالقت ُه بحاكم مصر آنذاك‪ ،‬كافور االخشيدي‪.‬‬ ‫حيل عن مصر بعد أَ ْن َ‬
‫ساء ْت ُ‬
‫بالر ِ‬
‫َّ‬
‫األول وقد َسب ََق ُه عشرون بيتاً في ديوان المتنبي‪ ،‬يتحدث الشاعر فيها عن فروسيت ِه‪،‬‬
‫فالبيت ُ‬
‫ُ‬

‫وحسبه‪،‬‬ ‫وانس ِه بالصحراء‪ ،‬ومعرفت ِه بحقيقة الناس و َز ِ‬


‫يف مشاعرهم وفخر ِه بفضائل ِه َ‬
‫لؤم وحس ٍد اليتناسب أحياناً وأصولهم الكريمة‪،‬‬ ‫البنسبه‪ْ ،‬‬
‫ويأ َس ُ‬
‫الناس من ٍ‬
‫ُ‬ ‫ف لما صا َر عليه‬
‫ديق وكثر ِة الحاسد وصعوب ِة المرام‬ ‫هن مع ِقلِّة َّ‬
‫الص ِ‬ ‫ضعف َو َو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ثم يشكو مما اعتراه من‬
‫والطلب‪،‬وهو بهذا الوصف لحالتــــه النفسي ِة المألى باإلحباط المفعم ِة بالمرار ِة والخيب ِة‪،‬‬
‫ِ‬
‫‪24‬‬
‫بأبيات الحكم ِة المشحون ِة بالعاطف ِة‬
‫ِ‬ ‫ُي َم َهُّد للمقطع التالي (وصف الح ّمى)‪،‬وهذا التمهي ُد ٌ‬
‫حافل‬
‫القوي ِة ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مختصة به‪،‬‬ ‫يتحدث المتنبي عن زائر ٍة تزوره ِس ّرا وقد أَ ْ‬
‫دمنت زيارته‪َّ ،‬‬
‫حتى صارت كأنها‬
‫لذلك أضافها إلى نفس ِه فقال وزائرتي‪ ،‬وهي َت ْستحي من زيارته‪ ،‬فتأتي ِه في جنح الظالم‬
‫َ‬
‫اجمل ثيابه وأوثر‬ ‫يف فقد َ‬
‫بذل لها‬ ‫الض ِ‬ ‫َ‬
‫رفادة َّ‬ ‫ُ‬
‫يحسن‬ ‫الشاعر كريماً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وتتسلل إليه‪ ،‬ولما كان‬
‫فأبت ذلك وعافته‪ ،‬مختارة أن َ‬
‫تبيت في عظام ِه‪( ،‬والح ّمى تظهر آثارها في الجلد‬ ‫فراشه‪ْ ،‬‬
‫ً‬
‫أوال بارتفاع الحرارة فيه‪ ،‬فإذا اشتد أثرها صارت إلى العظام)‪.‬‬
‫ضجر ُه‬ ‫ُ‬
‫تقابل َ‬ ‫ُ‬
‫يضيق بنفس ِه وبها‪ ،‬لفرط األذى الذي احدثته له‪ ،‬ولكنها‬ ‫الشاعر‬ ‫إن ِج ْل َد‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫يتسلل‬ ‫الصباح َت َس ْ‬
‫للت من مخبئها‪ -‬كما‬ ‫ُ‬ ‫منها بمزي ٍد من اآلالم واألسقام ح ّتى إذا َ‬
‫جاء‬
‫َ‬
‫مفارقة صاحبها‬ ‫الصبح طار ٌد لها‪ ،‬وهي اذ تكر ُه‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫َ‬
‫خوف الفضيحة‬ ‫اللص المختبئ‬
‫ُّ‬
‫تبكي أللم الفراق بمدامع صاحبها األربعة‪( ،‬لحظيه وموقيه‪ ،‬واألصل في البكاء أن يكون‬
‫كثرة العرق المتص َبّب‬ ‫من موقي العين فإذا كثر صار من اللحظين ايضاً)‪ ،‬وهويري ُد بهذا َ‬

‫المشوق‬ ‫َ‬
‫مراقبة‬ ‫َرقبُها‬ ‫الفراق َّ‬
‫كل يوم وليلة‪ .‬وهو ي ْ‬ ‫ُ‬ ‫اللقاء وهذا‬
‫ُ‬ ‫الحمى‪ .‬ويتك ُرر هذا‬
‫ّ‬ ‫بسبب‬
‫ِ‬
‫لف َو ْع َدها وال‬ ‫ٌ‬
‫مفارقة‪ ،‬وهي ال َت ِْخ ُ‬ ‫شوق والرغب ٍة باللقاء‪ ،‬وتلك‬ ‫المستهامِ بها‪،‬لكن من غير‬
‫ٍ‬
‫أي ّش ٍّر حين يلقيك في الشدائد‬
‫شر ّ‬ ‫الص َ‬
‫دق ٌّ‬ ‫ْ‬
‫وكذبت ألن هذا ِّ‬ ‫ْ‬
‫اخلفت‬ ‫َت ِْك ُ‬
‫ذب صاحبَها‪ ،‬وليتها‬
‫ُ‬
‫فيقول لها‬ ‫ُ‬
‫فيكشف لنا عن اسمها أو كنيتها‪.‬‬ ‫يلتفت الشاعر إليها مخاطباً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والمحن ‪ .‬ثم‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫مكانة‪ .‬ويسألُها‬ ‫القريب‪ ،‬مكاناً أو‬ ‫بنداء‬
‫ِ‬ ‫تختص‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مستعمال همزة النداء التي‬ ‫(أبنت الدهر)‪،‬‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫مستعمال التوكيد‬ ‫ْ‬
‫وصلت إلى قلب ِه المزدحم ِبالمصائب والخطوب ‪ ،‬وهي واحد منها‬ ‫َ‬
‫كيف‬
‫علي‪.‬‬
‫انتصرت َّ‬
‫ِ‬ ‫َس َخ ُر منها‪ :‬التظني ِ‬
‫أنك‬ ‫اللفظي بالضمير (انت) إلبراز خصوصيتها‪ .‬ثم ي ْ‬
‫الجراح‪،‬‬ ‫ً‬
‫رجال كثي َر‬ ‫جئت‬ ‫ً‬
‫رجال عرك ْت ُه األسفا ُر‪ ،‬واألخطا ُر‪ .‬ال‪ ،‬لقد ِ‬ ‫إنك ص َر ْع ِت‬
‫والتقولي ِ‬
‫ِ‬
‫والسهاُم فيه موضعاً لغيرها‪.‬‬
‫السيوُف َّ‬ ‫لم ْ‬
‫تترك َّ‬
‫مس ُك يدي‬
‫ليت شعري هل َت ِْ‬
‫والحديث عنها وعن أمنياتها‪ .‬فيقول َ‬
‫ِ‬ ‫ويعو ُد الشاع ُر إلى نفس ِه‪،‬‬
‫السفر ً‬
‫مرة أخرى؟‬ ‫الفرس في الحرب‪ ،‬أوزما َم الناق ِة في َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫عنان‬

‫‪25‬‬
‫ثم يخبرنا بأسلوب متهكم متوجع معاً ‪:‬‬

‫وداؤك فــي شرابك والطعـام‬ ‫يقول لـــي الطبيب أكـــلت شيئـــاً‬


‫المرض ومعرفة َّ‬
‫الداء فهل يحسن وصف الدواء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تشخيص‬
‫ِ‬ ‫الطبيب قد أخطأ في‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫االضطراب والحركة‪ ،‬وهو المتعوُّد على أن يثير‬
‫ِ‬ ‫اضرت به الراحة‪ ،‬و َمنع ُه من‬
‫ْ‬ ‫إنه جوا ٌد‬
‫المعارك و هاهو طريح فراشه ‪ -‬ال هومسموح له بالحركة ليتحرك وال هو قد أحسن‬
‫ِ‬ ‫غبا َر‬
‫فيقر في مكانه‪.‬‬
‫إليه‪َّ ،‬‬
‫ويكتب‬
‫َ‬ ‫وهو بهذا يصور حالَت ُه مع كافور‪ ،‬الذي اختار بعد ذلك بوقت يسير أَ ْن َّ‬
‫يفر منه‪،‬‬
‫قصيدته المشهورة‪:‬‬
‫بما مضى أم ألمر َ‬
‫فيك تجدي ُد‬ ‫حـــال عدت يــــاعيـ ُد ‬
‫ٍ‬ ‫عيــ ٌد بأيــ ِة‬
‫ٍ‬
‫ثم يقول بعد ذلك مؤكداً قوة عزمه‪ ،‬وجميل صبره على البلوى‪:‬‬
‫ْ‬
‫وإن أحم ْم فما ُح َّم اعتزامــي‪.‬‬ ‫ْ‬
‫أمرض فما مرض اصطباري‬ ‫ْ‬
‫فإن‬
‫هذه القصيدة من مختارات شعر المتنبي ‪ -‬وشعر ُه كلُّ ُه جي ُد مختا ُر ـ اخترناها لك ‪-‬عزيزي‬
‫الطالب ‪ -‬لفرادة موضوعها اذ لم يتطرق الشعراء الى هذا المعنى ‪ -‬وصف الح ّمى‪ -‬إال‬
‫َ‬
‫قصيدة ابن المعذل في‬ ‫ُ‬
‫تفوق‬ ‫َ‬
‫قصيدة المتنبي‬ ‫المتنبي وعبد الصمد بن المعذل قبله‪ ،‬لكن‬
‫ُ‬
‫ألفاظها‪،‬والقصيدة‪ ،‬بعد ذلك‪ ،‬مفعمة بالحكم ِة‪ ،‬مشحون ِة بالعاطف ِة التي‬ ‫حسن نظمها وجودة‬
‫مثُّل أصدق تمثيل قيم المروء ِة العربية‬‫مزيج من الشعور بالقو ِة والخيب ِة والمرارة و ُت َ‬
‫ُ‬ ‫هي‬
‫المستطاع يقول فيها في المقطع‬
‫ِ‬ ‫الكمال‬
‫ِ‬ ‫والطموح الى‬
‫ِ‬ ‫بر على المكار ِه‬
‫والص ِ‬
‫َّ‬ ‫في الفتو ِة‬
‫الحمى‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مهد فيه لوصف‬ ‫الذي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫القضم ِالكهـــام‬
‫وينبو نبوة ِ‬ ‫ٌّ‬
‫وحــد‬ ‫قــد‬ ‫َعجب ُ‬
‫ْـــت لمـــن لــه ٌّ‬
‫المطــي بــال سنــام‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬ ‫فال يذ ُر‬ ‫و َم ْن يجد الطريق إلى المعالـي‬
‫التمـام‬ ‫َ‬
‫القادرين على‬ ‫كنقص‬
‫ِ‬ ‫عيوب الناس شيئـاً‬
‫ِ‬ ‫ولم ا َر في‬
‫ِ‬
‫(‪ )1‬القضم‪ :‬السيف المثلوم‪ ،‬الكهام ‪ :‬الذي اليقطع ‪.‬‬
‫(‪ )2‬يتركها تسمن وال يهزلها بطول المسير لتحقيق غايته ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫َ‬
‫القدرة في نفس ِه واليسعى إلى الكمال ‪.‬‬ ‫فهو يعجب ممن يج ُد‬
‫أسلوب المتنبي في هذه القصيدة وسواها يعتم ُد على المفارق ِة الغريب ِة واالستعارات‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫غير المألوفة‪ ،‬واللغة الجزلة الفصيحة‪ ،‬الـمتدفقة الـمفعمة بالعواطف الحارة‪ ،‬والحكمة‬
‫المستقاة من تجارب ِه األليم ِة وخبرت ِه بالناس واألشياء‪ ،‬وحسن اختياره لمطالعه وقوافيه‬
‫وأوزانه فال َش َّك َّأن َك تالحظ ُمالحرف ِالميم ِالمكسورة ِمن قدرة ٍ على االيحاء َّ‬
‫بالصوت‬
‫المنكسر الموحي بالضعف‪ ،‬وهو ما يناسب حالة الشاعر في ضعف ِه ومرض ِه ‪.‬‬
‫ي ُّ‬
‫َدل على ذلك أن ّه اختا َر في مطلعه ِ‪:‬‬

‫ووقع فعال ِه فوق الكالم‬


‫ُ‬ ‫ملومكما ّ‬
‫يجل عن المالم‬

‫لفظة (ملومكما) والشائع عند الشعراء استعمال لفظة (العذل بدل اللوم) إال أنه أراد‬

‫اإليحاء الصوتي المناسب لحالة الحزن واالنكسار‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ماسبب اختيارهذه القصيدة لتكون أنموذجاً لشعر المتنبي ؟‬

‫‪-2‬هل لموضوع القصيدة خصوصية بين موضوعات الشعر ؟‬

‫أسلوب المتنبي ؟‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجدت‬ ‫‪َ -3‬‬
‫كيف‬

‫اختر من األبيات بيتاً أعجبك وبيِّن سبب إعجابك به ‪.‬‬


‫‪ْ -4‬‬
‫ْ‬
‫أوحت للشاعر هذه القصيدة ؟‬ ‫‪ -5‬ما المناسبة ُالتي‬

‫‪27‬‬
‫ضي‬ ‫الش ُ‬
‫ريف ال ّر ّ‬ ‫َ‬
‫الرضي‪ ،‬ولد ببغداد سنة‬
‫ّ‬ ‫هو محمد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف‬
‫(‪359‬هـ) ونشأ في رعاية والده الذي َّ‬
‫تعهد بتربيته وتعليمه العلوم العربية اإلسالمية‬

‫من أدب ونحو ولغة وشعر وفقه وفرائض فبرع في كثير من هذه العلوم‪ ،‬وصنف‬
‫ُ‬
‫الشريف الرضي ُمكرماً ومحترماً في عصره‪ ،‬وكان نقيباً للطالبيين‬ ‫فيها كتباً‪ .‬عاش‬

‫وظل في هذا المنصب حتى توفاه اهلل في سنة (‪406‬هـ)‪.‬‬

‫رفيع المكانة بين الناس‪ ،‬عفيفاً ذا ورع وزهد وقد انعكست أكث ُر‬
‫النفس‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫كان أَ َّ‬
‫بي‬
‫ً‬
‫صورة صادقة ًلشعوره‪ ،‬وعواطف ِه واختالجات‬ ‫هذه الصفات في شعره الذي كان‬
‫الرضي ً‬
‫مثاال للتسامح الديني‪ ،‬يرتبط بعالقة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الشريف‬ ‫نفسه وتجاربه في الحياة وكان‬
‫ٌ‬
‫أدبية ُت ْظ ِه ْر‬ ‫ٌ‬
‫ومراسالت‬ ‫ٌ‬
‫صادقة‬ ‫ٌ‬
‫مودة‬ ‫طيبة باالديب أبي إسحاق الصابي‪ ،‬وبينهما‬

‫الرضي)‪ ،‬وهي من‬


‫ّ‬ ‫َ‬
‫صورة تلك العالقة نقرأها في كتاب (رسائل الصابي والشريف‬

‫المراسالت اإلخوانية األدبية الرفيعة ‪ .‬وحين توفي أبو اسحاق الصابي رثاه الشريف‬

‫دوي عظي ٌم‬


‫الرضي بقصيدة عامرة‪ ،‬عدها الثعالبي من أشهر مراثي العرب وكان لها ٌّّ‬
‫ّ‬
‫الرضي ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫في عصرها‪ .‬منها قول‬

‫ضياء النادي‬
‫ُ‬ ‫أعلمت َ‬
‫كيف خبا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أعلمت َم ْن حملـوا علـى االعـوا ِد‬
‫فألنــت ُ‬
‫أعلقهــم يــداً بــودادي‬ ‫َ‬ ‫إن لم تكن ِم ْن أسرتي وعشيرتي‬

‫شـرفــي منـاسبـ ُه وال ميـــالدي‬ ‫إن لـم ْ‬


‫يكـن‬ ‫ناس َب بيننـا ْ‬ ‫ُ‬
‫الفضل َ‬

‫‪28‬‬
‫نحا شعره ‪ -‬الذي قاله وهو في سن مبكرة من عمره فأجاده حتى أصبح من الشعراء‬

‫المرموقين ‪-‬منحى أسالفه من شعراء العرب في العناية بالمعنى والحفاوة به‪ ،‬وفي‬

‫المحافظة على قوة األسلوب‪ ،‬وجمال اللفظ وشعره يتناول أغلب الفنون المعروفة‬

‫في عصره ولكن أكثره في الفخر والحماسة والمدح والشكوى والرثاء‪.‬‬

‫من آثاره المطبوعة ‪ (:‬حقائق التأويل في متشابه التنزيل ‪ ،‬تلخيص البيان عن‬

‫مجازات القرآن ‪ ،‬مجازات اآلثار النبوية ‪ ،‬نهج البالغة (جمع) فيه خطب اإلمام‬

‫علي (عليه السالم) ‪ ،‬ديوانه )‬


‫ ‬
‫الرضي‪ ،‬قصيدته الكافية‪ ،‬ومنها قوله‪:‬‬
‫ّ‬ ‫و من حجازيات الشريف‬
‫(للحفظ‪ 8 :‬أبيات )‬

‫(‪)1‬‬ ‫رعـــــاك‬
‫ِ‬ ‫القلـب َم‬
‫َ‬ ‫َهنك اليـو َم َّ‬
‫أن‬ ‫لِي ِ‬ ‫يا َ‬
‫ظبية البان تـرعـى فـي خمـائلـ ِه‬
‫(‪)2‬‬ ‫وليس يرويك إال مدمعــــي الباكي‬ ‫ٌ‬
‫مبـــذول لشـــاربـــ ِه‬ ‫الماء عنـــ َد ِك‬
‫ُ‬
‫(‪)3‬‬ ‫بعـ َد ال ُرقــا ِد عــرفنــاهــا ب َريّــــاِك‬ ‫ٌ‬
‫رائحـة‬ ‫ريـاح الغــور‬ ‫َهب ْ‬
‫َّت لنـا ِم ْن‬
‫ِ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ذكــراك‬
‫ِ‬ ‫علــى ال ّرحــاِل َتعَلّلنــــــا ِب‬ ‫رب‬‫ُث َّم انثنينــا إذا مــا هــزنــــا طــَ ٌ‬
‫مـرمـاك‬ ‫أبعـدت‬ ‫بــــالعراق لقد‬ ‫َم ْن‬ ‫ــم‬ ‫َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصـاب وراميــ ِه بــذي سل ٍ‬‫َ‬ ‫سه ٌم‬
‫عينـي عينــاك ِ‬
‫َّ‬ ‫ياقرب مــــا كذ ْ‬
‫َّبـت‬ ‫َ‬ ‫لعينيـك عنـدي ماوفيـت بـــ ِه‬
‫ِ‬ ‫وعـ ٌد‬
‫ُ‬
‫الفضل للحاكي‬ ‫يوم اللقاء فكـــــان‬ ‫كت ُ‬
‫لحاظ ِك مــافي الريم من ُملَ ٍح‬ ‫َح ْ‬
‫(‪)6‬‬ ‫قـتالك‬
‫ِ‬ ‫عنك من أسماء‬
‫بما طوى ِ‬ ‫الجــزع يخبـرنـا‬
‫طـرفك يـوم ِ‬
‫ِ‬ ‫كـأن‬

‫وأحـــــالك‬
‫ِ‬ ‫فمــا أ َم َّر ِك فــي قلبــي‬ ‫والعــذاب لـــــه‬
‫ُ‬ ‫أنت النعي ُم لقلبــي‬
‫ِ‬

‫الرقيــب لقــد بلَّغتهــا ِ‬


‫فــاك‬ ‫ُ‬ ‫لــــوال‬ ‫شوق ُ‬
‫لست أذكرها‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫رسائـــل‬ ‫عندي‬

‫‪29‬‬
‫اللغة‬
‫‪ -1‬البان‪ :‬شجر طري األغصان ‪.‬‬

‫الخمائل‪ :‬جمع خميلة‪ ،‬وهي الشجر الملتف األغصان‪.‬‬

‫‪ -2‬مبذول‪ :‬ميسور‪ ،‬متيسر‪.‬‬

‫‪ -3‬الغور‪ :‬الوادي‪ ،‬األرض المنخفضة‪.‬‬

‫ريّاك‪ :‬عطرك ورائحتك الطيبة‪.‬‬

‫‪-4‬انثنينا‪ُ :‬عدنا ورجعنا‪.‬‬

‫تعلل‪ :‬تلمس العلة والعذر‪.‬‬

‫‪-5‬ذي سلم‪ :‬مكان بالحجاز‪ ،‬مكان للنزهة ‪.‬‬

‫‪-6‬الجزع‪ :‬وا ٍد بالحجاز تتنزه فيه الحسان ‪.‬‬

‫التعليق النقدي‬
‫هذه واحدة من قصائد الشريف الرضي المعروفة بـ(الحجازيات)‪ ،‬وهي قصائد‬
‫الرضي في حجه‪ ،‬موضوعها الغزل والحنين إلى العراق‪ ،‬وهي كما‬
‫ّ‬ ‫نظمها الشريف‬
‫ترى عفيفة األلفاظ‪ ،‬تنم عن عاطفة نقية لم يشبها وصف رخيص أو عبارة جارحة‬
‫تخدش السمع أو الحياء أو األدب‪ ،‬ولجمالها وصدقها عارضها الكثير من الشعراء‬
‫منهم الشاعر أحمد شوقي في قصيدته (جارة الوادي)التي مطلعها ‪:‬‬

‫ذكراك‬
‫ِ‬ ‫ما يُشب ُه االحال َم من‬ ‫ُ‬
‫طربت وعا َدني‬ ‫ياجارة الوادي‬
‫يخاطب الرضي في هذه األبيات حسناء يتوهمها ظبية رشيقة القوام كأغصان البان‬
‫التي ترعى في الخمائل ومرعاها قلبه‪ ،‬والتدري من تيمهم حبها‪ ،‬والترى دموعهم‬
‫التي تترقرق ‪ ،‬ولقد هب َ‬
‫َّت عليهم رائحة زكية عبقة من الغور عرفوها لها من رياها‬
‫وعطرها‪ ،‬فشغلت قلبه وعقله‪ ،‬فلم تعد له ذكرى يتسلى بها غير ذكراها‬

‫‪30‬‬
‫ولقد أصابته سهام لحاظها‪،‬وهي الحسناء الحجازية وهو العراقي فمــا أبعد المرمــى !‬
‫وما أبعد إصابتها ولقد وعدت عيناها عينيه‪ ،‬وما أقرب ما كذبت ما وعدته ! وأي‬
‫ً‬
‫وجماال‪ ،‬تتحدث عمن صرعتهم وأسرتهم وهم‬ ‫عيون ؟ إنها تشبه عيون الريم مالحة‬
‫كثر حتى ضاع عليهـا َّ‬
‫عدهـم‪ ،‬ومـع هـذا فهـي نعيـم قلبـه‪ ،‬بـل هـي عذابه‪.‬‬
‫من عرض هذه القصيدة وقراءتها رأينا أبياتها سلسة األلفاظ سهلة واضحة المعاني‬
‫متسلسلة األلفاظ‪ ،‬حتى لتبدو للسامع أنه قادر على مجاراتها والنظم على سننها‬
‫ونهجها ‪ ،‬فإذا حاول ذلك أعيا وعجز وهذا الذي نسميه (السهل الممتنع)‪،‬كما تبدو‬
‫فيها فنون البالغة وقد جاءت دون تكلف أو إعمال فكر وتعقيد‪ ،‬فالشريف الرضي‬
‫ً‬
‫سهال ال تكلف فيه فطرفها يخبر‪،‬‬ ‫يشبه لحاظها بالسهام‪ ،‬والمجاز في القصيدة يرد‬
‫والتشبيهات بسيطة يظن من يسمعها انه قادر على اإلتيان بها‪ ،‬فهي نعيم لقلبه وهي‬
‫عذاب ‪ ،‬وهي مرة وهي حلوة‪ ،‬فهو يجسد الصورة بمراعاته االضداد وهو ما نسميه‬
‫الطباق أو المقابلة‪،‬واخيراً يكني عن أشواقه بأنها رسائل يبلغها لها لوال الرقيب ‪.‬‬
‫إنه غزل عفيف رائع ال يخدش سمعاً والحياء وال أدباً وال حساً ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬من أية مجموعة من شعر الشريف الرضي هذه القصيدة ؟‬
‫‪ -2‬كيف كانت صور الشريف الرضي وألفاظه في هذه األبيات ؟‬
‫‪ -3‬لِ َم سميت هذه القصائد بـ (الحجازيات)‪ ،‬وما ميزتها ؟‬
‫‪ -4‬من عارضها من الشعراء ؟ وماذا قال؟‬
‫‪ -5‬تغزل شعراء الحجاز في العصر األموي بالوافدات الى الحج‪ ،‬فكيف كان غزلهم؟‬

‫‪31‬‬
‫ابن الفارض‬
‫هو عمر بن علي‪ ،‬عربي النسب‪ ،‬من عائلة أصلها من (حماة) ونزحت إلى القاهرة‬
‫وفيها ولد شاعرنا سنة(‪ 576‬هـ) في بيت معروف بالتديّن وكان والده أحد القضاة‪.‬‬
‫نشأ ابن الفارض في رعاية والده الذي تولّى تربيته تربية دينية قويمة‪ ،‬وتلقى‬
‫مجالس أبيه القضائية‬
‫َ‬ ‫العلوم العربية اإلسالمية على علماء عصره‪ ،‬كما كان يحض ُر‬
‫والعلمية‪ ،‬وكان منذ صباه يحب العزلة والتف ّرد‪ ،‬وانتقل بعد وفاة والده إلى الحجاز‬
‫وبقي فيه م ّدًة طويلة‪ ،‬كان يطوف في أوديته وشعابه‪ ،‬حتى كان يأنس بالحيوان‬
‫والوحش‪ ،‬وكان لمقامه الطويل في الحجاز أثر كبير في حياته وشعره واتجاهه‪ .‬ثم‬
‫رجع إلى مصر وقضى فيها بقية حياته بالتبجيل واالحترام وكانت وفاته في سنة‬
‫(‪632‬هـ)‪.‬‬
‫وكان منذ مطلع حياته ‪-‬كما تقدم ‪ً -‬‬
‫مياال إلى التعبد والتف ّرد مما رشحه هذا إلى أن‬
‫ينهج في حياته وشعره منهج التصوف الذي كان شائعاً في عصره‪ ،‬والذي يتميّز‬
‫بالرياضة العنيفة للنفس والجسم على السواء‪ ،‬والمجاهدة في مقاومة الملذات ِّ‬
‫بكل‬
‫وسيلة من أجل التق ّرب إلىاهلل‪.‬‬
‫وساع َد في هذا َّ‬
‫رقة طبعه ورهافة‬ ‫َ‬ ‫كان ابن الفارض يحب الشعر ويميل إليه‪،‬‬
‫إحساسه وموهبته الشعرية الجيدة‪ ،‬ومشاهداته الكثيرة في مصر والحجاز وهو‬
‫النفس الطويل في الشعر‪ ،‬ولكنه لم يكن مكثراً فهو على الرغم من نظمه الشعر‬
‫ذو َّ‬

‫خص أكثره بتصوير منحاه‬


‫مدة طويلة وانقطاعه إليه لم يترك سوى ديوان صغير‪َّ ،‬‬
‫الروحي‪ ،‬كما اتخذ من الغزل والخمر مداراً ِّ‬
‫لكل ما أراد في هذا الصدد‪،‬‬ ‫الصوفي ُّ‬
‫ّ‬
‫حتى ليصعب على القارئ في كثير من األحيان التمييز بين غزله وخمرياته هذه التي‬
‫يراد بها اإلشارة إلى الرمز الصوفي‪ ،‬وبين سواها من الغزل والخمريات التقليدية‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫يمتاز أغلب شعره بال َّرقة والسالسة والوضوح إذا أُخذ بظاهره‪ ،‬كما يحفل بالصور‬
‫كثير من الفنون البديعية ‪ :‬من جناس‬
‫الجميلة‪ ،‬واألخيلة اللطيفة ويشتمل على ٍ‬
‫وطباق‪ ،‬ومن مميزات شعره اإلكثار من ظاهرة التصغير الذي من أغراضه َّ‬
‫التحبب‬
‫والتمليح‪ ،‬غير أن بعض شعره اليخلو من غموض أو تعقيد‪.‬‬
‫من آثاره المطبوعة ‪ :‬ديوانه الذي شرح أكثر من م ّرة‪.‬‬
‫قال ابن الفارض من قصيدة طويلة ‪:‬‬
‫(للدرس فقط)‬
‫َقـلـبـي يُـحـَ ّدثـنـي بـأِ ّنـك َ ُم ْتـلِ ِفـي‬
‫داك َع َر ْف َ‬
‫ت أم لم َتعرف ِ (‪)1‬‬
‫ِ‬
‫ُروحــــــي ِف َ‬
‫لم أقض ِ َحق َّ َهواك إن ُكنت الذي‬
‫(‪)2‬‬ ‫لم أقض ِفي ِه أسى ً و ِمثلي َ َمن ْ يَـفي‬
‫مالـي ِسـوى ُروحـي َوبـا ِذل ُ نفس ِه‬
‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫في ُح ِّب َم ْن يَهـــوا ُه ليس َ ِب ِ‬
‫مـسرف ِ‬
‫أسع ْ‬
‫َفتني‬ ‫ضيـت ِبـها َفـقـ ْد ْ‬ ‫َفـلَـ ِئ ْ‬
‫ـن َر َ‬
‫سـعى إذا لــم ُتـسـ ِعـف (‪)4‬‬ ‫يَا َخــــيب َ‬
‫ْة ال َم ْ‬
‫ِ‬
‫يـب الـمنـام ومـا ِنـحـي‬
‫يـامـا ِنـعي ِط َ‬
‫(‪)5‬‬
‫السقـــــاِم به ِ ووج ِدي ال ُمت ِلف ِ‬
‫ثوب ّ‬
‫َ‬
‫يت لي‬‫َعـطـفـاً عـلى ر َمــقي وما أب ََق َ‬
‫(‪)6‬‬
‫مي ال ُمضنى وقـَلبي ال ُمـدنـف ِ‬ ‫ِم ْن ِج ْس َِ‬
‫فـالـوجـد بـاق ٍ والـو ُ‬
‫صال م ُماطلـي‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬
‫وفي (‪)7‬‬ ‫ّ‬
‫واللـقاُء ُمـسـَ ِّ‬ ‫فــــــان‬ ‫والـصبـ ُر‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫أخ ُل ِمن َح َسد ٍ َ‬
‫عليك فال ُت ِ‬
‫ضـــع‬ ‫لـــ ْم ْ‬
‫(‪)8‬‬
‫يـــــال ال ُمرجـف ِ‬
‫ِ‬ ‫سـَهري ب َِتشنيع َ‬
‫الخ‬

‫‪33‬‬
‫ـأل ُنجـوم اللَّيـل َه ْل َزا َر الكرى‬
‫واس ْ‬
‫ْ‬
‫َف يَزو ُر َمن ْ لــ ْم يَعرف ِ‬‫َجفني و َكي َ‬
‫ال َغ َر َو إن َش َّحت ِبغمض ُجفو ِنهـــا‬
‫وســـحت بال ُدمــوع ُ‬
‫الذ َّرف‬ ‫عيني‬
‫(‪)9‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ْ‬
‫موقـف َّ‬
‫التوديع ِمن‬ ‫ِ‬ ‫وبما َجـ َرى في‬
‫ِ‬
‫(‪)10‬‬
‫ألم ِ النوى شاهــ ْدت ُ َه ْو َل ال َموقف ِ‬
‫وصـــل لديك َفـ ِع ْد بــــه‬
‫ٌ‬ ‫إن ل ْم يـ ُك ْن‬
‫َ‬
‫وعـدت َوال تـفـي‬ ‫وماط ْل إن‬
‫ِ‬ ‫أملـي‬
‫فالمطـل ُ ِمنـك لَ َّ‬
‫ـدي إن َّ‬
‫عـز الوفــا‬
‫يحلُو َكوصل ٍ من حبيب ٍ ُمس ِع ِ‬
‫ـف (‪)11‬‬

‫النسيـم َتـ ِعـلَّ ً‬ ‫ُ‬


‫ـــة‬ ‫أهـفـو ألنـفــاس ِ َّ ِ‬
‫ـوفـي (‪)12‬‬ ‫ـن َن َق ْ‬
‫ـلت َشذاه َت َش ُّ‬ ‫وجـ ِه َم ْ‬
‫ولِ َ‬
‫بـوبــها‬ ‫فـلَ َّ‬
‫ـعـل نـا َر جـوا ِنـحـي ِب ُ‬
‫ـه ِ‬
‫ْ‬
‫تـنـطـفـي (‪)13‬‬ ‫نـطـفـي وأَ َو ُّد أن ال‬
‫أن تـَ ْ‬ ‫ْ‬

‫َ‬
‫اللغة‬
‫‪ُ -1‬م ْتلفي‪ :‬مهلكي ومعطبي ‪.‬‬
‫‪ -2‬أقضي َّ‬
‫حق هواك‪ :‬أفي به ‪.‬‬

‫أقضي فيه‪ :‬أموت‪.‬‬

‫األسى‪ :‬الحزن ‪.‬‬

‫‪ -3‬المسرف ‪ :‬المجاوز للح ّد‪ ،‬المفرط ‪.‬‬


‫ْ‬
‫أسعفتني ‪ :‬قضيت حاجتي ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -5‬الوجد ‪ :‬الحب ‪.‬‬

‫الروح‪.‬‬
‫‪ -6‬ال ّرمق ‪ :‬بقية ُّ‬
‫ال ُم ْضنى ‪ :‬المثقل بالمرض ‪.‬‬

‫بالح َّب‪.‬‬ ‫ُ‬


‫المريض ُ‬ ‫المدنف ‪ :‬المريض المشرف على الموت ‪.‬ويقصد غالباً بها‬

‫‪ -7‬المماطل ‪ :‬الذي يؤجل موعد الوفاء م ّرة بعد أخرى ‪.‬‬

‫‪ -8‬تشنيع ‪:‬تقبيح ‪.‬‬

‫المرجف ‪ :‬الكذاب ‪.‬‬

‫‪-9‬ال غرو ‪ :‬العجب ‪.‬‬

‫شح ْت ‪:‬بخلت ‪.‬‬


‫َّ‬
‫َس َّحت ‪ :‬سالت ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الذرف ‪ :‬السائلة‪ ،‬الهاطلة من كثرة جريان الدمع‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪-10‬النوى ‪ :‬البُعد ‪.‬‬

‫هول الموقف ‪ :‬يوم القيامة ‪.‬‬


‫ْ‬
‫‪-11‬عز ‪َّ :‬‬
‫قل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫‪-12‬أهفو ‪ :‬أميل ‪.‬‬

‫تعلَّة ‪:‬التعلل والتمتع ‪.‬‬

‫شذا ُه ‪:‬رائحته الزكية ‪.‬‬

‫تشوفي ‪ :‬تطلّعي ‪.‬‬


‫ُّ‬
‫‪ -13‬جوانحي‪ :‬اضالعي وهنا المقصود مشاعره‪ ،‬وعواطفه القلبية بين الجوانح‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫يتح ّدث الشاعر في هذه األبيات ع ّما يُقاسيه من تباريح الهوى‪ ،‬ومن صدود حبيبه‬
‫عنه‪ ،‬فقلبه يخبره أن هذا الحبيب ‪-‬الذي يفديه بروحه وقلبه ‪ -‬سيكون سبباً في‬
‫إهالكه وإفنائه‪ ،‬وهو مع هذا يرى أنه ُمقص ّر في ِّ‬
‫حقه أو ّ‬
‫أن يبذل في سبيله روحه‬
‫وكيانه‪ ،‬وأنه حقيق بالوفاء معروف به ‪.‬‬
‫وهو اليملك من أموره سوى روح ِه التي يرى بذلها في مذبح الحب ليس إفراطاً في‬
‫ذلك أو تجاوزاً للحدود‪ْ ،‬‬
‫فإن رضي هذا المحبوب فسيبعث في قلبه االطمئنان‪ ،‬وفي‬
‫وأمر الحال ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الرضا‪ ،‬وإالَّ فما أقسى األمر‪،‬‬
‫نفسه ِّ‬
‫لب النوم من عينه‪ ،‬والعافية من جسمه‪ ،‬وليس له من عون في إبقاء‬ ‫ّ‬
‫إن ُحبَّه قد َس َ‬
‫الصحة عليه سواه‪ ،‬مع بقاء الحب‪،‬‬ ‫مابقى من ذمائه(‪)1‬‬
‫غيره‪ ،‬وال مسعف في إسباغ ّ‬
‫أن ّ‬
‫تعذر اللقاء‬ ‫وزوال الوصال‪ ،‬ونفاد الصبر‪ ،‬وغياب اللقاء وأنه ليطمع ‪ -‬بعد ْ‬
‫حقيقة‪ -‬أن يزوره خيال ُه ويُل ّم به طيفه‪ ،‬فيرتاح إليه‪ ،‬ويبثه أحزانه وأشجانه‪ ،‬وليته‬
‫لم يخيّب أمله فيه‪ ،‬ولم يفسد مايرجوه‪ ،‬أو يتوقعه منه ‪.‬‬
‫وهذا السهر ‪ -‬الذي هو وليد هذا الحب الطاغي ‪ -‬مالزم أجفان عيونه اليريد مبارحتها‬
‫أو التخلي عنها‪ ،‬وشهيد هذه النجوم المستقرة في مواضعها‪ ،‬فل ُتسأل عنه وتخبر‬
‫الدموع الغزار فهذا هو سلطان‬ ‫الجفون النوم‪ ،‬و َت ُّ‬
‫ذرف‬
‫(‪)2‬‬ ‫ُ‬ ‫ض‬ ‫والع َج َب في أن َت ُ‬
‫رف َ‬ ‫َ‬
‫أن أفظـع ماشهـده‪ ،‬وأشد ما أفزعـه َّ‬
‫وحل به ماحدث فـي‬ ‫الحب‪ ،‬وهذا هو ديدنه‪ ،‬غير َّ‬
‫ّ‬
‫الروع‬
‫(‪)4‬‬
‫المحبين َّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫موقف الوداع‪ ،‬وهو الموقف الذي كثيراً مايُلقي في ُ‬
‫روع‬
‫والخوف واليأس‪ ،‬إنه في هوله وشدته أشبه بموقف القيامة ‪.‬‬

‫روع‪ :‬القلب‪ ،‬والذهن والعقل‪.‬‬


‫(‪ )1‬الذماء‪ :‬بقية الروح في المذبوح وغيره‪ُ )3( .‬‬
‫الروع‪ :‬الفزع ‪.‬‬
‫(‪ِّ )4‬‬ ‫رف ‪ :‬تسيل ‪.‬‬ ‫(‪ْ )2‬‬
‫تذ ُّ‬

‫‪36‬‬
‫ويقف الشاعر بعد هذا الحديث الذي شرح فيه مايكابده من آالم حبه‪ ،‬ويتلطف‬
‫محبوبه المتمنع راجياً منه ‪ -‬بعد ْ‬
‫أن يئس من لقائه ‪ -‬أن يؤمله بوعد ولو كان‬
‫ً‬
‫ممطوال‪ ،‬ألنه سيعيش في ظل هذا الوعد الذي اليتحقق‪ ،‬مخادعاً نفسه بأنه وصال‬
‫حقاً‪ ،‬من حبيب ُم ِبر ٍبه ‪.‬‬
‫ويذهب الحبيب‪ ،‬ويبقى ُمح ُب ُه وحيداً يعاني ْ‬
‫الوج َد به‪ ،‬والشوق إليه والتطلع إلى‬
‫أخباره‪ ،‬وليس له من ينبئه بذلك سوى هبّات النسيم المحملة بعبقه الدال عليه‪،‬‬
‫التي يأمل أن تكون سبباً في إخماد أجيج النار ال ُمستعرة بين جوانحه‪ ،‬وإن كان يحب‬
‫ويأمل أن اليكون بمقدورها فعل ذلك ‪.‬‬
‫األبيات الغزلية هذه ‪-‬التي صرف الشاعر الخطاب فيها إلى المذكر تصويراً‬
‫ُ‬ ‫ُت ّ‬
‫صوُر‬
‫ّ‬
‫ويضن عليه‬ ‫واضحاً ودقيقاً ‪ -‬حال المحب الذي يجفوه حبيبه ويمطل وعده‬
‫بالوصال‪.‬لقد ذكر الشاعر ّ‬
‫كل ماينتاب المحبين من اآلالم واألحزان والسهر والقلق‪،‬‬
‫والنحول واألمل‪ ،‬والتعطف والتلطف‪ّ ،‬‬
‫وكل مايبدر ِمن الحبيب‪ ،‬من ّ‬
‫تمنع ووعود‪،‬‬
‫وتسويف وقسوة وقلّة مباالة ‪ ،‬ولقد أحسن ابن الفارض شرح ذلك كلّه‪ ،‬بعبارات‬
‫سهلة واضحة مؤثرة‪ ،‬مختاراً لها ّ‬
‫كل لفظ رقيق مناسب لمثل هذا الفن ‪ .‬وقد نحا في‬

‫أبياته منحى شعراء الغزل العفيف‪ ،‬وارتفع فيها عن الغزل المادي الذي كاد أن يطبع‬

‫أكثر ما أثر للشعراء من غزل ‪ .‬وفي األبيات من اإلخبات (‪ )1‬والخشوع كأن الشاعر‬
‫يتهيب ويتحفظ حيال مناجاة حبيب ليس له مثيل ألنه متهيب من حبه للذات اإللهية‪،‬‬

‫واليجسر تأدباً من ذكرها‪ ،‬فالشاعر يرمز إلى حبِّه ألنه صوفي النزعة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬اإلخبات‪ :‬الخشوع والتواضع ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫واستعان الشاعر في إقامة عباراته‪ّ ،‬‬
‫وبث عواطفه وتوضيح مراميه بفنون بديعية‬
‫شتى ولكنه تهيأ له ‪-‬بفضل قدرته الشعرية‪ ،‬ومرونته البيانية‪ ،‬وثقافته اللغوية ‪ -‬أن‬
‫يضفي عليها من اللطف والخفة‪ ،‬حتى لتكاد َت ْخ َفى على القارئ ‪.‬‬
‫فمن تلك الفنون الطباق كما في ‪( :‬عرفت أم لم تعرف) و (لم أقض ويفي) و(أسعفتني‬
‫وسحت) و(المطل والوفاء)‬
‫َّ‬ ‫و(شحت‬
‫َّ‬ ‫ولم تسعف) (مانعي ومانحي)و(باق ٍ وفان)‬
‫و(تنطفي وأن التنطفي)‪.‬‬
‫ومنها الجناس كما في ‪:‬‬
‫(لم ْاقضِ ولم أقضِ)و (مانعي ومانحي) و (شحت وسحت) و (موقف التوديع وهول‬
‫الموقف) ‪.‬‬
‫الصوتي كالتقسيم الذي جاء في عبارات بعض األبيات فقد وازن‬
‫كما اعتنى بالتنغيم ّ‬
‫بين عبارتي (يامانعي طيب المنام) و(مانحي ثوب السقام) في البيت الخامس كما‬
‫وازن بين (فالوجد باقٍ) وبين (الصبرُ فانِ) و ُ‬
‫(الوصال مماطل) (واللقاء ُمسوفي)‬
‫في البيت السابع ‪.‬‬
‫واألبيات ‪-‬كما ترى‪-‬ظاهرة الداللة على أنها غزل مألوف كسائر ماعرف من شعر‬
‫الغزل‪ ،‬وقد ذهب إلى مثل هذا بعض ُش َّراح الديوان‪ ،‬ولكن بعضاً آخر من ُّ‬
‫الش ّراح‬
‫ذهب إلى أنها رمز للحب اإللهي‪ ،‬باعتبار ّ‬
‫أن صاحبها شاعر صوفي‪ ،‬فعلى هذا‬
‫تكون القصيدة رمزية ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬هل وفق َالشاعر في ترجمة إِحساسه وشعوره؟ وكيف ؟‬
‫‪ -2‬اتخذ ابن الفارض أسلوب الرمز عن ح َبّه للذات اإللهية‪ ،‬أوضح ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬عبَّر الشاعر عن عواطفه ومعانيه وصوره الشعرية بعبارات اصطبغت بفنون‬
‫البديع‪ّ ،‬‬
‫أوضح ذلك ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ال ُك ّتاب ‪ /‬ابن المقفع‬
‫أصل غير عربي‪ ،‬فهو مولى بني األهتم التميميين‬
‫هو عبد اهلل بن المبارك‪ ،‬ينحدر من ٍ‬
‫ً‬
‫عامال على الخراج في العصر األموي‬ ‫(جور ) وكان والده‬
‫بالبصرة‪ ،‬ولد بمدينة ُ‬
‫فضرب ضرباً شدياً ح ّتى تقفعت يده فلزمه هذا اللقب ُ‬
‫وعرف‬ ‫فاختلس بعض األموال ُ‬

‫به ابنه فيما بعد ‪.‬‬


‫يبدو أنه تلقى أوائل تعليمه في مسقط رأسه َّ‬
‫وأن أباه تعهد تثقيفه بما هيأ له من‬

‫مؤدبين ومعلمين‪ ،‬وحين انتقل إلى البصرة استمد من تلك المدينة ثقافته العربية‬

‫اإلسالمية وهي يومئذ من أهم المراكز العلمية واألدبية‪ ،‬وذلك بما أخذه من العلماء‬

‫واألدباء ومما استظهره من نصوص النثر والشعر ‪.‬‬

‫وبعد تضلعه من هذه العلوم والمعارف‪،‬عمل كاتباً لعدد من الوالة في العهدين األموي‬

‫والعباسي ‪.‬‬

‫الحس ورجاحة العقل‪ ،‬وصدق الوفاء وكرم النفس‪ ،‬وقد‬


‫َّ‬ ‫ُن ِع َت ابن المقفع برهافة‬
‫ويت في ذلك أخبار اليخلو بعضها من المبالغة أو التكلف‪ .‬اشتهر ابن ُ‬
‫المقفع‬ ‫ُر ْ‬

‫بالترجمة عن الفارسية وكانت أكثر آثاره منها‪ ،‬وفي مقدمة تلك اآلثار التي وصلت‬

‫إلينا كتاب (كليلة ودمنة) الهندي األصل وهو كتاب تدور قصصه على ألسنة الطير‬

‫والبهائم ظاهره لهو للعامة وباطنه سياسة للخاصة ‪ .‬كان الكاتب يجمع في أسلوبه‬

‫بين السهولة والجزالة (القوة)‪ ،‬ويؤثر اإليجاز والتركيز في العبارة‪ ،‬ويحفل بترتيب‬

‫األفكار وتنسيقها‪ ،‬ويكثر من األمثال والحكم‪ ،‬ويزهد في الزخرفة اللفظية‪ ،‬من سجع‬

‫وغيره توفاه اهلل عام (‪142‬هـ) ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫من آثاره المطبوعة ‪:‬‬

‫‪ -1‬األدب الصغير ‪.‬‬

‫‪ -2‬األدب الكبير ‪.‬‬

‫‪ -3‬كليلة ودمنة ‪.‬‬

‫جاء في كتاب (كليلة ودمنة)‪:‬‬

‫(للدرس فقط)‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫َشق َخ َشب ً‬
‫َة على وتدين ِ را ِكباً عليها‬ ‫قال َكليلَ ُة ‪ :‬زع ُموا َّ‬
‫أن ِقرداً َرأى َن ّجارًا ي ُ‬ ‫(( َ‬
‫(‪)3‬‬
‫وأن َ‬
‫الن ّجار َ قا َم‬ ‫كاألسوار على َ‬
‫الفرس‪ ،‬و ُكلَّما َش َّق منها ِذراعاً أ َد ْخ َل في ِه َوتداً ‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫َ‬
‫الخشبة‬ ‫فانطلق ال ِقر ُد َي َتكلَّف ِم ِن ذلك َما ليس من َ‬
‫صناع ِته‪ ،‬فركب‬ ‫َ‬ ‫عض شأن ِه‬ ‫ِلب ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬ ‫َ (‪)5‬‬
‫الخ َ‬
‫شبة‬ ‫الو َتد انضمت َ‬‫الش ّق‪ ،‬فلما َن َزع َ‬ ‫الوت ِد‪ ،‬وتدلى َذ َن َبُه في ِ‬
‫َل ذلك َ‬ ‫َو َو َج ُه ُه ِقب‬
‫الضرب ِ َّ‬
‫أشد ِمما‬ ‫على َذ َنب ِه‪َ ،‬فخ ّر مغشياً عليه ‪.‬وجاء َّ‬
‫النجا ُر فكان ما لقي منه ِمن َّ‬
‫َم َّر أضعافاً َك ِث ً‬
‫يرة )) ‪.‬‬

‫اللغــــــــة‬
‫‪ -1‬زع ُموا ‪ :‬الزعم القول من غير التحقق من صحته ‪.‬‬

‫‪ -2‬الوتد ‪ :‬ما أُثبت في األرض أو الحائط من خشب ‪.‬‬


‫‪ -3‬األسوار‪ :‬الثابت على ظهر َ‬
‫الف َرس ‪.‬‬

‫‪ -4‬الشأن‪ :‬الحال واألمر والحاجة‪.‬‬

‫‪ِ -5‬قبل‪ :‬جهة أو ناحية ‪.‬‬


‫قلع َ‬
‫وجذب ‪.‬‬ ‫‪ -6‬نزع ‪َ :‬‬
‫انضم الشيء ‪ :‬اجتمع بعضه إلى بعض ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -7‬انضمت‪ :‬اجتمعت‪،‬‬

‫‪40‬‬
‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬بم أشتهر ابن المقفع ؟‬

‫‪ -2‬ماهي مميزات اسلوب ابن المقفع ؟‬

‫‪ -3‬ما المغزى العام من القصة ؟‬

‫التعليق النقدي‬

‫أن أحد القرود رأى نجاراً يمارس عمله الخاص به وهو شق‬
‫ص عن َّ‬ ‫يحكي َّ‬
‫الن ُ‬
‫خشبة‪ ،‬وقد امتطاها وهيمن عليها‪ ،‬وكان يستعين لتذليل عمله وإنجازه بوتدين‪،‬‬
‫َ‬
‫وحدث أن ذهب النجار‬ ‫فكان يضع واحداً منها بعد أن ينتهي من شق جزء منها‪،‬‬

‫لقضاء حاجة عرضت له‪ ،‬فانتهز القرد هذه الفرصة السانحة وراح يقلّد عمل‬

‫قلع الوتد ‪-‬ولم يفطن‬


‫النجار‪ ،‬ووجهه نحو الوتد‪ ،‬فتدلى ذنبه في شق الخشبة فلما َ‬
‫إلى ماسيحدث ‪ -‬انضمت الخشبة على ذنبه‪ ،‬فسقط مغمياً عليه فاقداً َو ْع َي ُه ‪.‬‬
‫إن القصة ُّ‬
‫تحث االنسان على أال يتدخل في ما ال يعلم‪ ،‬وأن يعرف مايعمله‪ ،‬وهي‬

‫تهتم بالمعنى اكثر من اهتمامها بالصياغة‪ ،‬لذا جاءت ألفاظها سهلة يسيرة‪ ،‬وكانت‬

‫قليلة الفنون البالغية والبديعية كالتشبيه واالستعارة ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫الجاحظ‬
‫هو عمرو بن بحر بن محبوب الملقب بالجاحظ‪ ،‬لجحوظ عينيه‪ ،‬أي نتوؤهما‪ ،‬كناني‬

‫النسب ‪.‬‬

‫ولد بالبصرة في عائلة فقيرة ونشأ بها‪ ،‬وكان فطناً محباً للدراسة والتعليم فكان‬

‫يختلف إلى ال ُك ّتاب والمساجد‪ ،‬فيأخذ عن العلماء واألدباء‪ ،‬يتردد إلى المربد(‪)1‬فيشافه‬

‫األعراب ويأخذ عنهم اللغة والفصاحة‪ ،‬كما كان شغوفاً بالكتب وما تضمُّه من علوم‬

‫ومعارف حتى قيل إنه لم يقع بيده كتاب إالّ استوفي قراءته أياً كان موضوع ُه‪ ،‬فكان‬

‫يكتري دكاكين الوراقين‪ ،‬ويبيت فيها للنظر والدراسة ومن أجل هذا كانت ثقافته‪،‬‬
‫عامة شاملة‪ ،‬تأخذ من ِّ‬
‫كل شيء بطرف ‪.‬‬

‫أحس بقدرته العلمية‪-‬مبارحة مسقط رأسه والتيمم صوب الحاضرة‬


‫ورأى ‪-‬بعد أن ّ‬
‫ُ‬
‫المال والجا ُه والشهرة‪ ،‬وتهيأ له أن يتصل بعدد من الخلفاء‬ ‫العباسية بغداد‪ُ ،‬‬
‫حيث‬

‫والوزراء وال ُك ّتاب والقضاة الذين أعجبوا به وبأدبه فأحاطوه برعايتهم وأغدقوا‬

‫عليه‪.‬‬

‫وتيسر له أن يزور بعض األقاليم والمدن‪ ،‬توفي بالبصرة سنة (‪255‬هـ) وقد أثار‬
‫مو ُته حزناً في قلوب محبيه ومريديه ورثاه بعض ُّ‬
‫الشعراء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫كان الجاحظ قصير القامة‪ ،‬دميم الوجه‪ ،‬ناتىء العينين‪ ،‬ولكنه إلى جانب هذه الصفات‪،‬‬

‫كان يتحلى بكثير من حميد الخالل‪ ،‬وجليل الشمائل كالذكاء الحاد وسرعة الخاطر‪،‬‬

‫والحفظ‪ ،‬والطرافة ولطف المعشر‪ ،‬وحضور النادرة‪ ،‬وخفة الروح‪.‬‬

‫(‪ )1‬سوق في البصرة‪ ،‬كان الشعراء يجتمعون فيه وينشدون شعرهم ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫وكان لثـقافة الجـاحظ الواسعة أثـرها فيما أنتـجه من آثار عديدة تناولت شتى صنوف‬

‫العلم والمعرفة‪ ،‬التي كانت شائعة في عصره‪ ،‬حتى يمكن َعد ُه موسوعة علمية‪،‬‬

‫فمنها ماكان في التاريخ والجغرافية والطبيعيات والرياضيات‪ ،‬ومنها ماكان في‬

‫العصبية وأثر البيئة‪ ،‬أو في موضوعات شتى ‪.‬‬

‫َد الجاحظ صاحب مدرسة في النثر العربي في ُغضون القرن الثالث الهجري‪ ،‬له‬
‫و ُيع ُّ‬
‫أسلوبه الخاص الذي ُعرف به وهو (أسلوب الجاحظ) الذي يتميز بعدد من َ‬
‫الخصائص‬

‫والمميزات التي تظهر لكل من يأخذ نفسه بدراسة آثاره ‪ :‬كافتتاح الرسائل والكتب‬

‫بالبسمالت والحمدالت والتعويذات‪ ،‬واألخذ باختيار األلفاظ ومالءمتها للمعاني‬

‫واجتناب األلفاظ العامية الساقطة والغريبة والوحشية‪ ،‬واالقتصاد جداً في استعمال‬

‫الزخارف اللفظية والمعنوية والتقليل من التنقيح والتهذيب في الكتابة‪ ،‬والميل إلى‬

‫االستطراد واالسهاب‪ ،‬واالقتباس من آي التنزيل العظيم والحديث النبوي الشريف‬


‫واألمثال والشعر‪ ،‬واقتناص ّ‬
‫الطرف والنوادر لبعث النشاط واالستمرار في النفوس‬

‫والتصوير البارع والوصف الحاذق إلى غير ذلك‪.‬‬


‫من آثاره المطبوعة ‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب الحيوان ‪.‬‬

‫‪ -2‬كتاب البيان والتبيين‪.‬‬

‫‪ -3‬البخالء ‪.‬‬

‫‪ -4‬رسالة التربيع والتدوير‪.‬‬

‫‪ -5‬رسائل الجاحظ ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫قال الجاحظ في كتاب الحيوان‪ ،‬على لسان صاحب ديك يذم الكلب ‪:‬‬

‫(للدرس فقط)‬

‫فهو‬
‫ليال َ‬‫خاله ‪ ،‬ودار حولَه ً‬‫خبز ّ‬ ‫بالنهار ِك َ‬
‫سرة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اللص‬
‫إن أطع َمه ُّ‬‫صاحب الديك‪ْ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ش ُ‬
‫وآكل ُس ْحت ٍ‪َ ،‬و َهو مع ذلك أس َمج ُ الخلق ِ صوتاً‪ ،‬وأحمق‬ ‫في هذا الوجه ِ ُم ْر َت ٍ‬
‫(‪)3‬‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫الجادة وعلى طريق ِ الحوافر ِ‪،‬‬ ‫ُ الخلق ِ يقظة ًونوماً‪ ،‬ينام النهار َ كلَّه ُ على نفس ِ‬
‫(‪)4‬‬
‫صب‬ ‫والص َخب‪َّ ،‬‬
‫والن َ‬ ‫ياح َّ‬ ‫كلِ سوق وملتقى طريقٍ ‪ ...‬وق ْد َس ِه َر الليل كلَّهُ ِ‬
‫بالص ِ‬
‫وفي ّ‬

‫حب ِ النوم ِ على‬


‫الذهاب ِ‪ ،‬فيركبُه ُ ِمن ْ ّ‬ ‫وبالمجيء َو َّ‬
‫ِ‬ ‫والغضب‪،‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫والغيظ‬ ‫وال َتعَب ِ‪،‬‬
‫(‪)6‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فإن َو ِط َئ ْتهُ دابٌّة فأسوأ الخلق ِ جزعا‪ ،‬وأأل ُمه لؤما‪ ،‬واكثره‬‫حسب ِ حاجته إليه ِ‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫واء‪ ،‬فإن َسلِم َ َولَم تطأه ُ دابة ٌ وال ِ‬ ‫ُنباحاً ُ‬
‫السالمة‬ ‫ْ‬
‫فليست تتم ُ له‬ ‫وط َئه إنسان ٌ‬ ‫وع ً‬
‫ألنه ُ في حال ِ ُم َتو ِقع للبلية ِ‪ ،‬و ُم َت َو ّقع ُ البلية ِ في بلية فإن سل َم فليس على ظهرها‬‫َّ‬

‫ألنه ُ الجاني ذلك على‬ ‫ألنه أسوؤهم جزعاً ‪ .‬وأقلهم صبراً‪َّ ،‬‬ ‫حاال منه‪ّ ،‬‬ ‫مبتلى أسوأ ً‬ ‫ً‬
‫نفسه ِ ‪.‬‬
‫ِ‬

‫اللغة‬
‫السحت‪ :‬الكسب الحرام ‪.‬‬
‫‪ُّ -1‬‬
‫‪ -2‬سمج‪ :‬قبيح‪ ،‬غير مهذب ‪.‬‬

‫‪ -3‬الجا ّدة‪ :‬الطريق ‪.‬‬

‫صب‪ :‬التعب ‪.‬‬ ‫َّ‬


‫‪-4‬الن َ‬
‫‪َ -5‬و ِطئ َ‪ :‬داس بقدمه ‪.‬‬
‫‪ -6‬الجزع‪ :‬قلة الصبر وانعدا ِمه‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫يعد كتاب الحيوان للجاحظ من أقدم كتب الحيوان بالعربية قدمه الى الوزير محمد بن‬
‫عبد الملك الزيات فكافأه عليه خمسة اآلف دينار‪ ،‬وهو يختلف عن كتب الحيوان‬
‫المعروفة بأنه يشتمل على وصف طبائع الحيوانات من ناحية عالقتها بالناس‬
‫ويتخلل ذلك فوائد أدبية واجتماعية وتاريخية ‪.‬‬
‫ً‬
‫مناظرة وضعها الجاحظ على لسان شخصين‪ ،‬األول‬ ‫والنص الذي أوردناه يتضمن‬‫َّ‬
‫صاحب ديك واآلخر صاحب كلب‪ ،‬يفاضل كل شخص منهما صاحبه بفضائل ماعنده‬
‫من الحيوان ويذكر فوائده ونافع خصاله وجميل طباعه‪ ،‬ويذكر معائب ماعند‬
‫صاحبه ومساوئه‪ ،‬بعبارة بينة فصيحة ليس فيها التواء وال تكلف والصنعة لفظية‬
‫صنع‪ ،‬فمما ورد من السجع‬‫أو بالغية‪ ،‬إال ما جاءت عفواً دون إجهاد فكر وال َت ُّ‬
‫قوله‪( :‬بالصياح والصخب‪ ،‬والنصب والتعب‪ ،‬والغيظ والغضب)‪ ،‬وهذه ميزة خاصة‬
‫بكتابات الجاحظ‪ ،‬فهو اليحفل بالمحسنات اللفظية والبديعية‪ ،‬واليكلف نفسه عناء‬
‫التنقيب عنها‪ ،‬ألن غايته الفكرة ال اللفظ ‪.‬‬
‫والجاحظ في أثناء كالمه يستعين بآي القران الكريم والحديث النبوي الشريف‬
‫ومأثور العرب من شعر ونثر‪ ،‬كما يستعين بمعارف األمم كاليونان والرومان‬
‫والفرس والهنود مع الرجوع الى التجربة والمالحظة وينتقل في أثناء حديث ِه من‬
‫موضوع آلخر ثم يعود إلى موضوعه األول ترويحاً للقارئ ودفعاً للضجر والسأم‬
‫والملل‪ ،‬وهو ما يسمى (باالستطراد) ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ماالموضوع الذي دارت عليه مقالة الجاحظ ؟‬
‫‪ -2‬لمن رفع الجاحظ كتابه (الحيوان ) ؟ وبم كوفئ عليه ؟‬
‫‪ -3‬لماذا لم يزين مقالته بالمحسنات اللفظية والبديعية ؟‬
‫‪ -4‬يتسم أسلوب الجاحظ باالستطراد‪ ،‬فما االستطراد ؟‬

‫‪45‬‬
‫ابن العميد‬
‫هو أبو الفضل محمد بن الحسين‪ ،‬والعميد لقب والده الذي كان كاتباً للسامانيين‬
‫الذين كانت عادتهم تلقيب من يتولى ديوان الرسائل‪ .‬التحق ابن العميد بدواوين‬
‫البويهيين‪ ،‬فعمل عند ركن الدولة الحسن بن بويه‪ ،‬حتى أصبح وزيره الى ان توفاه‬
‫ً‬
‫فضال‬ ‫اهلل ‪ ،‬كان ابن العميد عارفاً بعلوم مختلفة كالفلسفة والنجوم وقيادة الجيوش‬
‫والترسل والكتابة حتــى سموه (األستــاذ) ‪ ،‬وكــــان يلقب بـ‬
‫ّ‬ ‫عـــن نظم الشعر‬
‫(الجاحظ الثاني) لبراعته في الكتابة ‪.‬‬
‫الترسل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أما أسلوبه في النثر فكان يضرب به المثل في البالغة والفصاحة وحسن‬
‫واليه المنتهى في الكتابة بالغة وفصاحة مع جزالة األلفاظ وسالستها وبراعة‬
‫المعاني وحسن السبك ‪.‬‬
‫قال عنه ابن األثير (إنه من محاسن الدنيا‪ ،‬اجتمع فيه مالم يجتمع في غيره من‬

‫حسن التدبير وسياسة الملك‪ ،‬والكتابة التي أتى فيها بكل بديع‪ ،‬مع حسن ُخ ْلق ولِ ِ‬
‫ين‬
‫ِعشرة وشجاعة تامة ومعرفة بأمور الحرب والمحاضرات) ‪.‬‬
‫وقال فيه الثعالبي ‪ُ (:‬ب ِد َئ ْت الكتابة بعبد الحميد ُ‬
‫وخت ِمت بابن العميد) ‪.‬‬
‫ومدحه عدد من شعراء عصره كالمتنبي وابن ُنباته والصاحب بن عباد‪ ،‬قال فيه‬
‫المتنبي يذكر مايجيد من معارف ‪:‬‬

‫شـاهدت رسطاليس َ واإلسكندرا‬ ‫َم ْن ُم ُ‬


‫بلغ األعراب َ ّأني بع َدهـــم‬
‫ّ‬
‫متحضــــــــرا‬ ‫مـتـمـلّكـًا مـتبـ ّديــًا‬ ‫كتبه ِ‬
‫دارس ِ‬
‫َ‬ ‫بطليمـوس‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسمعت‬
‫ولقيت كـل الفـاضليـن ّ‬
‫واألعـصـرا‬
‫ُ‬ ‫نفـوســهم‬
‫َ‬ ‫ر ّد االلــه ُ‬ ‫كأنمـــــا‬
‫فالمتنبي يقول إنه حين لقيه شاهد فيه ِعل َم أولئك العلماء المشاهير‪ .‬توفي ابن العميد‬

‫في همذان سنة (‪ 360‬هـ) ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ومن كتاب البن العميد عن ركن الدولة إلى أحد الخارجين عليه يقول فيه‪:‬‬

‫ُرعى لك )‬
‫(للحفظ من‪ :‬كتابي وأنا ‪ -‬ي ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫طمع فيكَ ‪ ،‬ويأسٍ منك‪ ،‬وإقبالٍ عليكَ وإعراض عنك‪،‬‬ ‫((كتابي وأنا مترجحٌ بين ٍ‬
‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫يوجب رعاية ويقتضي‬‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بسالف خدم ٍة‪ ،‬أيس ُرها‬ ‫ِ‬ ‫فإنك ُت ِد ُّل بسابق ِ ُح ْر َم ٍة‪ ،‬وت ُمت‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫خالف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫محافظة وع ِناية‪ُ ،‬ثم ّ تشفع ُ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬ ‫ُهما بحادث ِ غلول ٍ وخيانة‪ ،‬وتتبعُهما بآنف ِ‬
‫ُرعى لك ‪.‬‬ ‫كل ما ي ْ‬‫ُحب ُط أعمالَك‪ ،‬ويمحق َّ‬
‫ومعصية‪ ،‬وأدنى ذلك َ ي ْ ِ‬
‫(‪)6‬‬
‫ص ِّدمك َ‪ ،‬وأُ َؤ ِخ ُر أخرى‬ ‫ً‬
‫رجال لِ َ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫د‬ ‫ّ‬ ‫عليك أُ َ‬
‫ق‬ ‫بين ميل ٍ اليك وميل ٍ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقفت‬ ‫أني‬ ‫الجرم‬

‫واستصالح َك‬ ‫َْ‬


‫الستبقائك‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫عن قص ِدكَ ‪ ،‬وأبسط يدا الصطال ِمك واجتياحك‪َ ،‬وأثني ثانيةً‬
‫(‪)8‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫الصنيعة‬ ‫ض ّنًا بالنعمةِ عن َدك‪ ،‬ومنافسةً في َّ‬ ‫َوأتوقف عن امتثالِ بعضِ المأمورِ فيك َ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ‬
‫(‪)11‬‬ ‫(‪)10‬‬ ‫(‪)9‬‬
‫ُ‬ ‫ْئتك وانصرا ِف َك‬ ‫لفي َ‬‫لديك وتأميال َ‬
‫العقل ثم‬ ‫ورجاء لمراجع ِتك وانعطافك‪ ،‬فق ْد ي ِ‬
‫َغرب ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫(‪)13‬‬ ‫(‪)12‬‬
‫يصلُح‬ ‫اللب ثم يثوبُ‪ ،‬ويذهبُ الحزمُ ث ّم يَعود‪ ،‬ويفس ُد العزمُ ثم ْ‬ ‫يَؤوبُ‪ ،‬ويع ُزبُ ُّ‬
‫ثم يصحو‪ ،‬ويَكدر ُ الماء ُ ُث َّم يَصفو‪،‬‬ ‫ويُضاع ُ الرأي ُ ُث ّم يُستدرك ُ ويسكر ُ ْ‬
‫المر ُء َّ‬
‫(‪)14‬‬
‫وكل َغمرةٍ فإلى انجالءٍ‪ ،‬وكما أنك أتيتَ ِم ْن إساء ِتكَ بما‬
‫ّ‬ ‫وكل ضيقةٍفإلى رخاء‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬

‫أن تأتي َ ِم ْن إحسا ِن َك بما ال ترتقبُه ُ أعداؤك َ ‪.‬‬ ‫لَ ْم تحتسبْه أولياؤك فال َ‬
‫بدع ْ‬

‫رت‪ ،‬فال عجب َ أن‬ ‫اخترت ما ْ‬


‫اخ َت َ‬ ‫كبت و ْ‬ ‫ْت مار َ‬ ‫الغفلَ ُة حتى َر ِكب َ‬ ‫استمرت ِبك َ‬
‫ْ َ‬ ‫وكما‬

‫آثرت‪َ ،‬و َسأُقيم ُ على رسمي في‬ ‫صنعت وسوء ما َ‬ ‫َ‬ ‫ْح ما‬ ‫ْصر فيها ُقب َ‬ ‫انتباه َة ُتب ِ‬
‫َ‬ ‫تنتب َه‬
‫(‪)16‬‬ ‫(‪)15‬‬
‫االستيناء والمطاولةِ ما أمكنَ طمعاً في إنابتكَ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلبقاء َوالمماطل ِة ماصلُح‪ ،‬وعلى‬ ‫ِ‬
‫الظن بك))‪.‬‬‫لح ْسن ِ ّ‬ ‫وتحكيماً ُ‬

‫‪47‬‬
‫اللغة ‪:‬‬
‫‪ -1‬إعراض‪ :‬ص ّد وابتعاد ‪.‬‬
‫‪ُ -2‬ت ِد ّل‪ :‬تتفضل‪ ،‬ومنه الدالل ‪.‬‬
‫‪ -3‬السالف‪ :‬السابق ‪.‬‬
‫‪ -4‬شفع‪َ :‬ث ّنى وأتبع ‪.‬‬
‫‪ -5‬آنف‪ :‬جديد‪ ،‬مستأنف‪.‬‬
‫‪ -6‬الجرم‪ :‬حقاً‪.‬‬
‫ضنًا‪ً :‬‬
‫بخال ‪.‬‬ ‫‪ّ -7‬‬
‫‪ -8‬الصنيعة‪ :‬اليد والفضل ‪.‬‬
‫‪ -9‬الفيء‪ :‬الرجوع والعود ‪.‬‬
‫‪ -10‬االنعطاف‪ :‬الميْل ‪.‬‬
‫‪ -11‬يغرب‪ :‬يبتعد ‪.‬‬
‫‪ -12‬يعزب‪ :‬يسهو ويبتعد ‪.‬‬
‫‪ -13‬يثوب‪ :‬يعود ‪.‬‬
‫‪ -14‬الغمرة‪ :‬الجلبة ‪.‬‬
‫‪ -15‬االستيناء‪ :‬التمهل والتباطؤ ‪.‬‬
‫‪ -16‬االنابة‪ :‬العودة ‪.‬‬

‫التعليق النقدي‬
‫هذه رسالة كتبها ابن العميد على لسان ركن الدولة البويهي إلى أحد الخارجين‬
‫ورجاء‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫طمع‬
‫على الدولة‪ ،‬يلين بها قلبه ويدعوه إلى الطاعة‪ ،‬فهوفيه بين أمرين‪ٍ ،‬‬
‫ويأس وبع ٍد في عودته الى ّ‬
‫صف الدولة‪ ،‬وهو الذي له حرمة لخدمته السابقة‪ ،‬وتلك‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫وعناية به‪ ،‬ويأسف ألنه شفع ذلك كله بعصيان وخيانة‪،‬‬ ‫توجب حقاً له ورعاية‬
‫وأيسر هذه األشياء يحبط عمله‪ ،‬ويسقط مايحفظ له من رعاية ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫وهو في َحيرة بين م ّد اليد إليه لرعايته والميل عليه‪ ،‬فتراه يتردد بين استبقائه‬
‫ً‬
‫تأميال لعَود ِه لعله ينتبه ويتبصر‪ ،‬فيما أقدم عليه‬ ‫واستصالحه وبين قطعه وبتره‪،‬‬
‫ً‬
‫بالغة بانتقاء‬ ‫ً‬
‫عناية‬ ‫ضناً وحسن َظ ًّن به‪ ،‬وقد اعتنى ابن العميد في هذه الرسالة‬
‫سن صياغتها ورصف معانيها وجودة تركيبها‪ ،‬من دون أن تطغى تلك‬
‫وح ِ‬
‫ألفاظه ُ‬
‫الصنعة اللفظية على معانيها‪ ،‬فمن المحسنات البديعية التزامه السجع‪ ،‬وهو التزام‬
‫حرف واحد في نهاية كل جملتين‪ .‬كحروف الروي في الشعر‪ ،‬وراعى في ذلك‬
‫الجناس في فواصل السجع‪ ،‬كما في قوله اصطالمك واستصالحك‪ ،‬ويثوب ويؤوب‬
‫‪ ...‬وغيرها اكثاره من الطباق والمقابلة‪ ،‬فهو حين يذكره بخدمته السالفة يشفعه‬
‫بذكر موقفه الحاضر ليظهرعن طريقه سوء عمله ويقرنه بمقابلته بماضيه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫رجال وأؤخر أخرى‪ ،‬ويقول‪ :‬أبسط يداً الصطالمك‪ ،‬تقابلها عبارة‪ :‬أَثني ثانية‬
‫ً‬ ‫أُق َدُّم‬
‫الستبقائك واستصالحك‪ ،‬ومثل ذلك كثير‪ ،‬وهو لم يكتف بالسجع وحده بل زينه‬
‫ً‬
‫لوحة من‬ ‫ُ‬
‫الرسالة‬ ‫بالجناس واالستعارة والمحسنات البديعية بألوانها‪ ،‬ح ّتى َب َد ْت‬
‫محسنات بديعية‪ ،‬من دون تكلّف وال ثقل وال إمالل وتلك صنعة أجاد فيها ابن العميد‬
‫حتى أصبح فيها ً‬
‫قدوة ومنهجاً ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬

‫‪ -1‬ما ميزات أسلوب ابن العميد في الكتابة ؟‬


‫‪ -2‬أجاد ابن العميد في علوم ومعارف عديدة‪،‬فهل أثرت تلك المعارف في نثره ؟ وكيف ؟‬

‫‪ -3‬في رسالة ابن العميد مقابالت كثيرة‪ ،‬استخرج اثنتين منها ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫بديع الزمان الهمذاني‬
‫ضري النسب ولد بهمذان‬ ‫هو أحمد بن الحسين الملقب ببديع الزمان‪ .‬عربي األصل‪ُ ،‬م ّ‬
‫سنة (‪358‬هــ) ونشأ فيها وتتلمذ لبعض علماء العصر‪ ،‬وحفظ القرآن أَ َّ‬
‫لم بتفسيره‬
‫كما درس الفارسية وأتقنها‪ ،‬وبعد أن أمضى فترة في مسقط رأسه وجد في نفسه‬
‫حاجة إلى مبارحتها فقصد ع ّدة مدن منها (نيسابور) َفالتقى بالخوارزمي األديب‬
‫المعروف‪ ،‬وجرت بينهما مناظرات مشهورة في فنون شتى‪ ،‬من حفظ ونظم ونثر‬
‫وبديهة‪ ،‬تهيأ للبديع الفوز فيها والفلح(‪ )1‬وكان لظفره هذا أثر كبير في ذيع صيته‬
‫واشتهار أمره‪ ،‬ثم رأى أن يبارح نيسابور إلى غيرها‪ ،‬ومازال يتنقل ح ّتى انتهى‬
‫به المطاف إلى مدينة (هراة) التي اتخذها دار قراره‪ ،‬ح ّتى دهمه الموت في سنة‬
‫(‪398‬هـ) كان البديع وسيماً خفيف الروح حسن العشرة‪ ،‬ظريفاً‪ ،‬ذا خلق رضي‬
‫ونفس أبية‪ ،‬كما كان ذكي القريحة‪ ،‬سريع الخاطر‪ ،‬غزير الحفظ‪ ،‬وله في كل‬
‫هذا أخبار عجيبة‪ ،‬وحكايات بديعة غريبة ‪.‬كان البديع أحد من جمع بين فني األدب‬
‫ً‬
‫مجاال‬ ‫شعره ونثره‪ ،‬وإن غلب عليه الثاني منهما فقد كان يتخذ من فنه الكتابي‬
‫ً‬
‫جودة في لغته ومعانيه وأخيلته‬ ‫لتضمين شعره وبثه في تضاعيفه‪ ،‬وهو شع ٌر اليقل‬
‫من شعر سواه من ُّ‬
‫الشعراء ُّ‬
‫والكتاب أمثاله ‪.‬‬
‫وفنه الكتابي ‪ -‬تمثله رسائله ومقاماته ‪ -‬يقرب كثيراً في خصائصه من الشعر المنثور‪،‬‬
‫لقصر الجمل‪ ،‬والتزام السجع‪ ،‬وشيوع التشبيهات والمجازات واالستعارات‪ ،‬وفنون‬
‫البديع والسيما الجناس‪ .‬وتيسر للهمذاني ‪-‬لما ُر ِز َقه من موهبة فذة‪ ،‬وثقافة عميقة‬
‫وملكة مقتدرة‪ ،‬ومحبة لإلبداع والتفنن ‪ -‬أن يبتدع فناً جديداً في األدب العربي وهو‬
‫ً‬
‫قليال قبل أن نسوق‬ ‫فن المقامات‪ ،‬وألهمية هذا الفن يحسن بنا أن نتحدث عنه‬
‫أنموذجاً منه‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفلح ‪:‬الظفر‪.‬‬


‫‪50‬‬
‫المقامة‬
‫عبارة عن حكاية أشبه بالقصة القصيرة‪ ،‬تدور حول الكدية والتسول ابتدعها‬
‫الهمذاني ووصل إلينا منها إحدى وخمسون مقامة‪،‬والغرض األساس من ابتداعها‬
‫تعليم الناشئة وشداة األدب ضروباً من التعبيرات البليغة واأللفاظ الرشيقة‪ ،‬وهي‬
‫وإن كانت تدور في أغلبها على الكدية‪ ،‬فإنها عالجت كثيراً من أحوال المجتمع في‬
‫ذلك العصر‪ ،‬فصورت جوانب الخير والشر فيه‪ ،‬كما تناولت وصف األطعمة واألكسية‬
‫واللهو في محيط ذلك المجتمع وصورت كذلك جوانب علمية وأدبية ونقدية لعدد من‬
‫الشعراء واألدباء وأرباب الكالم ‪.‬‬
‫راو هو (عيسى بن هشام) وبطل هو(أبو الفتح االسكندري)‪،‬‬ ‫ولمقامات الهمذاني ٍ‬
‫وهما شخصيتان من ابتداع الهمذاني‪ ،‬الحقيقة لهما في دنيا الواقع‪.‬‬
‫يظهر األول غالباً ٍّ‬
‫بزي غني يجوب البلدان‪ ،‬وال يستقر بمكان‪ ،‬أما الثاني‪ ،‬فيظهر‬
‫بأزياء مختلفة‪ ،‬وأشكال متعددة‪ ،‬وفي األماكن التي يرتادها الراوي في أغلب االحيان‪.‬‬
‫وهو في أكثر أحواله سائل شحاذ‪ ،‬يقنع بالنزر القليل من العطاء ‪.‬‬
‫ويغلب على هذه المقامات روح الفكاهة التي كانت إحدى صفات الهمذاني المميزة‬
‫واستهوت المقامة األدباء فعارضوها ونسجوا على منوالها في مختلف العصور‪،‬ولعل‬
‫أشهر معارضيها الذي بلغ الغاية في المهارة واإلبداع هو الحريري ‪.‬‬
‫وتطور فن المقامات بعد ذلك فلم يعد مقتصراً على الكدية فكتبت مقامات في‬
‫موضوعات أخرى كالزهد والمواعظ والوصف كمقامات الزمخشري ومقامات ابن‬
‫الجوزي ومقامات السيوطي وغيرها‪ .‬وانتقل هذا الفن إلى األندلس‪ ،‬وسيرد الحديث‬
‫عنه في محله؛ ومن آثار بديع الزمان المطبوعة ‪:‬‬
‫‪ -1‬المقامات ‪.‬‬
‫‪ -2‬رسائل بديع الزمان ‪.‬‬
‫‪ -3‬ديوان بديع الزمان‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫المقامة البغدادية‬
‫(للحفظ‪ 6:‬أسطر)‬ ‫حدثنا عيسى ُ‬
‫بن هشام قال‪:‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫فخرج ُت أنته ُز محال ُه حتى‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ببغداذ‪ ،‬وليس معي َع ْق ٌد على َن ْق ٍد‪،‬‬ ‫َ‬
‫األزاذ‪ ،‬وأنا‬ ‫ُ‬
‫«اشتهيت‬
‫(‪)7‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫ف بالعقد إزارهُ‪ُ ،‬‬
‫فقلت‬ ‫وق بالجهد ِحمارهُ‪َ ،‬وي َ‬
‫ُط ِّر ُ‬ ‫أحلَّني الكرخ؛ فإذا أنا ِبسوا ِدي ي ُ‬
‫َس ُ‬
‫(‪)8‬‬
‫َ‬
‫وافيت؟‬ ‫وأين ْ‬
‫نزل َت؟ ومتى‬ ‫أين ْ‬
‫أقبل َت؟ َ‬ ‫َ‬
‫‪:‬ظ ِف ْرنا واهلل بصي ٍد‪ ،‬وحياك اهلل أبا زيد‪ ،‬من َ‬
‫(‪)9‬‬
‫لعن‬ ‫وادي‪ُ :‬‬
‫لست بأبي زي ٍد‪ ،‬ولكني أبو ُع َب ْي ٍد فقلت ‪:‬نعم َ‬ ‫الس ُّ‬
‫البيت‪ ،‬فقال َّ‬
‫ِ‬ ‫وهلُ َّم إلى‬
‫َ‬

‫حال أبيك؟‬ ‫واتصال البُع ِد‪َ ،‬‬


‫فكيف ُ‬ ‫ُ‬ ‫أنسانيك‪ُ ،‬ط ُ‬
‫ول العه ِد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الشيطان‪ ،‬وأبعد النسيان‪،‬‬ ‫اهلل‬
‫(‪)10‬‬
‫أشاب َكعهدي؟ أم شاب َبعْدي؟ فقال‪ :‬قد َ‬
‫نبت الربيع على ِد ْمنت ِه وأرجو أن يُصير ُه‬ ‫ٌ‬
‫اهلل إلى َجن َته‪ ،‬فقلت‪ّ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون وال َح ْول ُ‬
‫والق َ‬
‫وة إال باهلل العلي العظيم‪.‬‬
‫(‪)13‬‬ ‫(‪)12‬‬ ‫(‪)11‬‬
‫الس ّ‬
‫وادي على خصري بجمع ِه‬ ‫َ‬
‫فقبض َّ‬ ‫الصدار‪ ،‬أُري ُد تمزيق ُه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫و َم َد ْد ُت يد ِ‬
‫البدار‪ ،‬إلى‬
‫(‪)14‬‬
‫نشتر‬
‫ِ‬ ‫وق‬
‫الس ِ‬
‫غداء‪ ،‬أو إلى ُ‬
‫ً‬ ‫ص ْب‬ ‫فقلت‪َ :‬هلُ َّم إلى ِ‬
‫البيت ُن ِ‬ ‫مزقت ُه‪ُ ،‬‬ ‫وقال‪َ :‬ن َشد ُت َك اهلل ال َّ‬
‫(‪)19‬‬ ‫(‪)18( )17‬‬ ‫(‪)16‬‬ ‫(‪)15‬‬
‫اللقم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الق َرم‪ ،‬وعطفت ُه عاطفة َ‬ ‫ُ‬
‫أطيب‪ ،‬فاستفزته ُح َمة َ‬
‫وطعام ُه ُ‬ ‫أقرب‪َ ،‬‬
‫شواء والسوق ُ‬ ‫ً‬
‫(‪)21( )20‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫وتتسايل ُجوذاباته َم َرقاً‪،‬‬ ‫وط ِم َع‪ ،‬ولم يعلم أنه وقع ‪.‬ثم أتينا َش ّواًء يتقاطر شواؤ ُه عرقاً‪،‬‬ ‫َ‬

‫الح ْلواء واختر له من تلك‬ ‫الش ّواء‪ُ ،‬ث َّم ْ‬


‫زن له من تلك َ‬ ‫أفر ْز ألبي زي ٍد من هذا َّ‬ ‫ُ‬
‫فقلت‪ْ :‬‬
‫(‪)24‬‬ ‫(‪)23‬‬ ‫(‪)22‬‬
‫اق ليأ ُكله أبو زي ٍد‬ ‫الرقاق‪ ،‬و ُر ْ‬
‫ش عليه شيئاً من ُ‬
‫الس َّم ِ‬ ‫األطباق‪ ،‬وانضد عليها أوراق ُّ ِ‬
‫(‪)25‬‬
‫َّ‬ ‫حل سحقاً‬ ‫هنياً‪ ،‬فانحنى َّ‬
‫الش ّواء بساطوره‪ ،‬على ُزبدة ُّ‬
‫وكالطحن‬ ‫تنوره‪ ،‬فجعلها كال ُك ِ‬
‫الح ْلوى‪ْ :‬‬
‫زن‬ ‫لصاحب َ‬
‫ِ‬ ‫دقاً ثم جلس وجلست‪ ،‬وال يئس واليئست‪ ،‬حتى استوفيناَ ُ‬
‫وقلتِ‬
‫(‪)29‬‬ ‫(‪)28‬‬ ‫(‪)27‬‬ ‫(‪)26‬‬
‫ول ْ‬
‫يكن‬ ‫الحلوق‪ ،‬وأمضى في العُروق ْ‬ ‫ُّ‬
‫رطلين فهو أجرى في ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫وزيْنج‬
‫ألبي زيد من الل ِ‬
‫(‪)31‬‬ ‫(‪)30‬‬
‫ليلي العمر‪ ،‬يومي النشر‪ ،‬رقيق القشر‪ ،‬كثيف الحشو لؤلؤي الدهن كوكبي اللون‪.‬‬
‫ّ‬
‫(‪)32‬‬
‫حتى استوفيناهُ‪ُ ،‬ث َّم ُ‬
‫قلت‪ :‬يا أبا زيد ما‬ ‫وجر ُ‬
‫دت‪ّ ،‬‬ ‫وجرد َّ‬ ‫ُ‬
‫وقعدت‪َّ ،‬‬ ‫قال‪ :‬فوزن ُه ثم قعد‬

‫‪52‬‬
‫(‪)36‬‬ ‫(‪)35‬‬ ‫(‪)34‬‬ ‫(‪)33‬‬
‫الحارة‪ .‬اجلس‬
‫َّ‬ ‫ارة ويفثأ هذه اللُقم‬
‫الص َّ‬
‫مع هذه َّ‬ ‫ُشعشع بالثلج ْ‬
‫ليق َ‬ ‫ُ‬ ‫ماء ي‬
‫أحوجنا إلى ٍ‬
‫ُ‬
‫وجلست بحيث أراه وال‬ ‫ُ‬
‫خرجت‬ ‫ياأبا زيد حتى آتيك ب ّ‬
‫سقاٍء يأتيك بشربة ماء‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫اء‬
‫الشو ُ‬
‫َّ‬ ‫وادي إلى حمار ِه‪ ،‬فاعتلق‬
‫الس ُّ‬ ‫ُ‬
‫أبطأت عليه قام َّ‬ ‫يصنع‪ ،‬فلما‬
‫ُ‬ ‫يراني‪ ،‬أنظر ما‬

‫وث َّنى عليه‬ ‫أكلت‪ ،‬فقال أبو زيد‪ :‬أكلت ُه ضيفاً‪َ ،‬فلَكم ُه ً‬
‫لكمة‪َ ،‬‬ ‫أين َث َم ُن ما َ‬
‫بإزار ِه وقال‪َ :‬‬
‫(‪)38‬‬ ‫(‪)37‬‬
‫وادي يبكي‬
‫الس ُّ‬ ‫زن‪...‬عشرين َف َجع َ‬
‫َل َّ‬ ‫الشواء‪ :‬هاك‪ ،‬ومتى دعوناك‪ْ ،‬‬
‫َّ‬ ‫بلَطمة ثم قال‬
‫(‪)39‬‬
‫وي ُّ‬
‫ُحل عقد ُه بأسنان ِه ويقول‪.‬‬
‫(‪)40‬‬
‫ُ‬
‫فأنشدت‪:‬‬ ‫وهو ُ‬
‫يقول‪ ،‬أنت أبو زي ٍد‬ ‫َ‬ ‫ذاك ُ‬
‫القري ِد‪ ،‬أنا أبو ُعبَي ٍد‪،‬‬ ‫قلت لِ َ‬
‫كم ُ‬
‫ْ‬
‫حالـــــــه‬ ‫كل‬ ‫َال ْ‬
‫تق ُع َد َّن ب َّ‬ ‫رزقك ُك َّل آلـه‬
‫مل لِ َ‬
‫إع ْ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫فالمرء َيعْج ُز ال محالة‬
‫ُ‬ ‫وانهـض ِب ُك َّل عظيمة‬
‫ْ‬

‫اللغة‬
‫‪ -1‬األزاذ ‪ :‬نوع من التمر الجيد‪.‬‬
‫‪ -2‬بغداذ‪ :‬لغة في بغداد‪.‬‬
‫‪ -3‬العقد‪ :‬الوعاء أو الكيس‪.‬‬
‫‪ -4‬انتهز‪ :‬التمس‪.‬‬
‫المحال‪ :‬جمع َم ِح ّل‪ ،‬الموضع أو المكان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-5‬‬
‫‪ -6‬السوادي‪ :‬القروي من أهل السواد‪ ،‬وسط العراق‪.‬‬
‫‪ -7‬اإلزار‪ :‬ثوب يحيط بالنصف األسفل من البدن‪.‬‬
‫يط ّرف اإلزار‪ :‬يرد أحد طرفيه على اآلخر ‪.‬‬
‫‪ -8‬الصيد‪ :‬المراد به هنا القروي‪.‬‬
‫‪ -9‬هلم ‪ :‬تعال‪.‬‬
‫‪ -10‬الدمنة‪ :‬آثار الدار بعد ذهاب أهلها وخرابها‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫البدار‪ :‬المسارعة‪.‬‬ ‫‪ِ -11‬‬
‫‪ -12‬الصدار‪ :‬ثوب يغطي به الصدر‪.‬‬
‫‪ -13‬جمع ّ‬
‫الكف ‪ :‬قبضت ُه‪.‬‬
‫غداء ‪ :‬نتاول منه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ُ -14‬ن ْ‬
‫صب‬
‫‪ -15‬الشواء ‪ :‬المشوي من اللحم ‪.‬‬
‫‪ -16‬استفزته ‪ :‬استخفته ‪.‬‬
‫‪ -17‬الحمة ‪ :‬الشدة ‪.‬‬
‫‪ -18‬القرم ‪ :‬اشتداد الشهوة الى اكل اللحم ‪.‬‬
‫‪ -19‬اللقم ‪ :‬االكل السريع ‪.‬‬
‫‪ -20‬الجوذابات (جمع جوذابة)‪ :‬خبز التنور ‪.‬‬
‫‪ -21‬المرق ‪ :‬الماء اغلي فيه اللحم ‪.‬‬
‫وص َّف ‪.‬‬
‫ض َّم ُ‬‫‪ -22‬انضد ‪ُ :‬‬
‫‪ -23‬الرقاق ‪ :‬الخبز الرقيق ‪.‬‬
‫السماق ‪ :‬حب احمر صغير حامض يتخذ ً‬
‫تابال ‪.‬‬ ‫‪َّ -24‬‬
‫‪ -25‬الساطور ‪ :‬آلة للجزار يقطع بها اللحم ‪.‬‬
‫‪ -26‬اللوزينج ‪ :‬الحلوى ‪ ،‬يشبه القطائف يسقي بدهن اللوز ‪.‬‬
‫‪ -27‬الرطل ‪ :‬معيار يوزن به أو يكال ‪.‬‬
‫‪ -28‬أمضى ‪ :‬أشد سرياناً ‪.‬‬
‫‪ -29‬اجرى ‪ :‬امضى سيراً ‪.‬‬
‫ليلى العمر ‪ :‬أي صنع بالليل ‪.‬‬ ‫‪ّ -30‬‬
‫‪ -31‬يومي النشر ‪ :‬أي نشر من مصنعه بالنهار ‪.‬‬
‫‪َ -32‬جر َد ‪ :‬اخرج يدخ من ثيابه ‪.‬‬
‫‪ -33‬يشعشع ‪ :‬يمزج ‪.‬‬
‫الصارة ‪ :‬العطش ‪.‬‬ ‫‪ّ -34‬‬
‫‪ -35‬يقمع ‪ :‬يقهر ويدفع ‪.‬‬
‫‪ -36‬يفثأ ‪ :‬يسكن ‪.‬‬
‫‪ -37‬هاك ‪ّ :‬‬
‫خذ ‪.‬‬
‫اعط زنة عشرين درهماً ‪.‬‬ ‫‪ -38‬زن عشرين ‪ِ :‬‬
‫‪ -39‬عقده ‪ :‬ماله المعقود أي كيس نقوده ‪.‬‬
‫القريد ‪ :‬تصغير قرد ‪.‬‬ ‫‪ُ -40‬‬

‫‪54‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫تتحدث هذه المقامة عن التحايل الذي يعمد إليه بعضهم وهو هنا ال ّراوي عيسى‬
‫باالسكندري ‪ْ -‬إذ ينتهز الفرصة السانحة‬
‫ّ‬ ‫ابن هاشم وليس بطل المقامة المعروف‬
‫والشخص المناسب الذي تغلب عليه سالمة النية وبساطة التفكير ‪.‬‬
‫ووجد ال ّراوي ماكان ينشد ُه في شخصية القروي الذي رآه في أحد محال بغداد‬
‫ً‬
‫متجوال فتظاهر بقديم معرفته له وألبيه‪ ،‬وأظهر من الترحاب به واالشتياق إلى والده‪-‬‬
‫الذي زعم أنه تربطه به وشيجة صداقة قديمة ‪ -‬من غير أن يزيد عليها‪ ،‬وحين علم‬
‫القروي قد مات ‪ -‬منذ زمن بعيد‪ ،‬تظاهر بالحزن العميق عليه‪ ،‬واألسف‬
‫ّ‬ ‫أن والد هذا‬
‫القروي وحيلولته دون ذلك ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الشديد لوفاته‪ ،‬فعمد إلى ثيابه يريد تمزيقها‪ ،‬لوال منع‬
‫ُص َدُّق أن هذا‬
‫القروي ي َ‬
‫ّ‬ ‫وحين اطمأن الراوي إلى ّ‬
‫أن ما فعله وتظاهر به قد جعل ذلك‬
‫الرجل يعرفه ّ‬
‫حق المعرفة‪ْ ،‬‬
‫وأن ال سبيل إلى الشك فيه‪ ،‬استغل الفرصة السانحة‬
‫فدعاه إلى إضافته في بيته‪ ،‬ولكنه سرعان ما عدل عن ذلك ُم َف َّ‬
‫ضًال أن يكون موضع‬
‫ِقراه(‪ )1‬السوق‪ ،‬بحجة قربه وطيب طعامه‪.‬‬
‫وبعد أن تناوال طعاماً شهياً دسماً‪ ،‬وحلوى ذات نكهة وطعم لذيذ اقترح ال ّراوي أن‬
‫صر(‪ )3‬فقام‬ ‫يُطفئ ما يحسان به من حرارة‪ ،‬وما يشعران به من ظمأ بماء َقراح(‪َ )2‬خ ِ‬
‫ليأتي بذلك‪.‬‬

‫القروي على أيدي ذوي الطعام‬


‫ّ‬ ‫لكنه انتحى زاوية‪ ،‬وأخذ يراقب ما سيحصل لهذا‬

‫والحلوى‪ ،‬وحين طال إياب ال ّراوي وقطع األمل من رجوعه‪ ،‬نهض القروي‪ ،‬يريد‬

‫مغادرة المكان فإذا به يطالب بثمن ما أكله‪ ،‬وحين ادعى َّأن ُه كان ضيفاً انهالت عليه‬

‫(‪ )1‬ال ِقرى‪ :‬ما يقدم إلى الضيف‪.‬‬


‫(‪ )2‬القراح من َّ‬
‫كل شيء‪ :‬الخالص‪ ،‬ويقال‪ :‬ماء قراح‪.‬‬
‫(‪َ )3‬خ ِ‬
‫صر‪ :‬بارد‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الضربات واللكمات من ُك َّل جهة‪ ،‬وهو يصيح ويستغيث‪ ،‬العناً ذلك َ‬
‫الخ َُّب(‪ )1‬المخادع‬
‫ُخل سبيله إال بعد أن َن َّق َد أصحاب َّ‬
‫الطعام ثمن ما أكله‬ ‫وناعتاً إياه ُ‬
‫بالقريد‪ ،‬ولم ي َّ‬

‫وتناوله‪.‬‬
‫وتنتهي المقامة ببيتين من الشعر للراوي يدعو إلى وجوب االستعانة بكل وسيلة‬
‫ممكنة للحصول على الرزق والقوت‪.‬‬
‫واضح ّ‬
‫أن الغاية من إنشاء هذه المقامة والمقامات األخرى ‪-‬كما تقدم ‪-‬تعليم الناشئة‬
‫أمثلة مجتباة من التعبيرات البليغة‪ ،‬واأللفاظ المنتقاة الرشيقة‪.‬‬
‫وعباراته سهلة كلّها‪ ،‬بينة‪ ،‬ال التواء فيها‪ ،‬وال تعقيد وال تقديم وال تأخير‪ ،‬وهي كلها‬
‫بليغة اعتنى في اصطفائها‪ ،‬وجهد ْ‬
‫أن يصوغها أجمل صياغة‪.‬‬
‫وهذه العبارات على وضوحها كانت تؤدى بجمل قصيرة تنتهي بكلمات مسجوعة‬
‫حتى لتبدو‪ -‬في أكثر االحيان ‪-‬وكأنها شعر أو قريب منه كقوله‪:‬‬
‫(كالكحل سحقاً‪ ،‬وكالطحن دقاً) و (ثم جلس وجلست وال يئس وال يئست)‬
‫يومي النشر‬
‫ّ‬ ‫ليلي العمر‪،‬‬
‫و (فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق)‪ ،‬و (ليكن َّ‬
‫كوكبي اللون)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لؤلؤي الدهن‬
‫ّ‬ ‫رقيق القشر كثيف الحشو‬
‫وهي محبّرة بأفانين أخرى من البديع خاصة الجناس الذي كان البديع مولعاً به في‬
‫عامة نثره‪ ،‬ومن أمثلته‪:‬‬
‫وشاب)‪ ،‬و(البدار والصدار)‪ ...‬وهو جناس‬
‫َ‬ ‫و(شاب‬
‫ٌّ‬ ‫(صيد وزيد) و(العهد والبعد)‪،‬‬
‫وترو‪.‬وال ّروح القصصي في هذه المقامة‪ ،‬على الرغم‬
‫ٍّ‬ ‫خفيف اليكاد يلمح إال بصعوبة‬
‫من أنه لم يكن مقصوداً لذاته‪ ،‬واضح كذلك‪ ،‬فقد استطاع البديع أن يبعث في نفس‬
‫القارئ ما يزجيه إلى مواصلة القراءة‪ ،‬ويشده إلى محاولة الوقوف على خاتمتها‪.‬‬

‫(‪ )1‬الخب‪ :‬الخداع الغشاش‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفكاهي الذي يسري بين أعطافها‪ .‬وهي تعكس لنا حالة‬
‫ّ‬ ‫الروح‬
‫وال تخلو المقامة من ُّ‬
‫اجتماعية ربما كانت سارية في محيط ذلك المجتمع‪ ،‬كما تبين لنا لوناً من ألوان‬

‫الطعام الذي كان شائعاً في ذلك العصر وهو الشواء وكذلك بعض أنواع الحلوى كان‬

‫يتخذ بعد وجبات الطعام الدسمة كاللوزينج‪ ،‬وهما ما زاال معروفين في العراق حتى‬

‫اآلن ‪.‬كما تظهر شيوع استعمال الماء الخصر المثلج لدى أفراد المجتمع أيضاً ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ما المقامة ؟ما أهم ما امتازت به؟‬
‫‪ -2‬يمكن أن ُت َّ‬
‫عد المقامة بداية لنشوء الفن القصصي ‪ .‬أوضح ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬علل‪ :‬جمع بديع الزمان الهمذاني فني األدب (الشعر والنثر) في المقامة‬

‫‪57‬‬
‫أثر الحروب الصليبية في األدب‬
‫لقد كان للحروب الصليبية أثر واضح في األدب‪ ،‬فقد كثر األدباء الذين واكبوا هذه‬
‫الحروب‪ ،‬كما كثر نتاجهم وغزر خالل هذه الحقبة العصيبة‪ ،‬التي تعرضت لها البالد‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن فنون الشعر كانت مألوفة ومعروفة ‪.‬إذ جرى فيها الشعراء على‬
‫سنن من تقدمهم ‪:‬في المديح والفخر والرثاء والهجاء‪ ،‬والتصوف واأللغاز والنظم‬
‫التعليمي‪َّ ،‬‬
‫فأن الفن الحربي كان قد اتسع وكثر بسبب كثرة الحروب‪ ،‬وتوالي المعارك‬
‫وكان هذا الفن الميدان الفسيح الذي انطلق فيه الشعراء مسجلين األحداث الخطيرة‬
‫ومصورين المالحم الطاحنة‪ ،‬ومشيدين باالنتصارات الباهرة التي أحرزها األبطال‬
‫في ميادين القتال‪ ،‬داعين إلى وجوب االستبسال ومقاومة العدو‪ ،‬ومكبرين روح‬
‫البطولة والشهادة لما كان له أكبر األثر في الحماسة واالندفاع واالنتصار ‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن الخصائص الفنية لشعر هذا العصر قد ألمحنا إليها فيما تقدم عند حديثنا عن‬
‫مميزات الشعر العباسي عامة فقد تراوح أسلوبه بين القوة والسهولة على وفق‬
‫نوع الغرض الذي قيل فيه وقد يفرط أحياناً في السهولة الى درجة التدني إلى‬
‫العامية ويكثر فيه شيوع المحسنات اللفظية أو الزينات البديعية‪ ،‬وهي سمة ظاهرة‬
‫وطاغية في ذلك العصر مما يجعل بعضه اليخلو من الكلفة والثقل‪ ،‬وتسري في‬
‫أعطاف فنونه والسيما مديح األبطال ورثاؤهم ووصف المعارك حرارة العاطفة‬
‫المشبوبة التي تبعث فيه الحيوية والقوة‪.‬‬
‫والنثر الذي هو صنو الشعر في مواكبة أحداث هذا العصر قد كثر ُك َّتابه وتنوعت‬
‫فنونه‪ ،‬وتعددت ألوانه‪ ،‬فكان منه نثر ديواني‪ ،‬ورسائل إخوانية وأدب سياسي‪ ،‬وأدب‬
‫تأريخي‪ ،‬وأدب قصصي‪ ،‬وأدب شعبي‪ ،‬وأدب تأليفي‪.‬‬
‫وهو في أكثره امتداد لما كان عليه النثر في غضون العصور السابقة لهذا العصر‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫امتاز هذا النثر بخصائص ميزته من سواه من نثر العصور السابقة له منها ‪:‬‬
‫كثرة العناية بالمحسنات اللفظية والبديعية من جناس وطباق وتورية ومراعاة نظير‬
‫والميل إلى االقتباس وتضمين آي القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر‪.‬‬
‫وكان االحتفال بالتجنيس الذي يُع ّد‪ -‬في ذلك العصر‪ -‬رأس البالغة ‪ ،‬يستحوذ على‬
‫عناية ال ُك َّتاب أكثر من سواه حتى بلغ ببعضهم أن يلتزمه في مؤلفاته‪.‬‬
‫ً‬
‫تسجيال دقيقاً‪ ،‬فكان أثره‬ ‫لقد نهض النثر كصنوه الشعر بتسجيل األحداث الخطيرة‬
‫كبيراً في بث روح الحماسة واإلقدام وفي الحث على مواصلة القتال‪ ،‬واالستنفار في‬
‫ّ‬
‫والحض على الجهاد والتحرير‪.‬‬ ‫سبيل درء الخطر عن البالد‬

‫‪59‬‬
‫الشعر‬
‫أُسامة بن منقذ‬
‫هو أسامة بن منقذ بن علي‪ ،‬شاع ٌر و فارس‪ ،‬ولد بمدينة (شيزر) الواقعة في الشمال‬

‫الغربي لحماة سنة(‪488‬هـ) في أسرة ذات شأن معروف في العلم واألدب والشجاعة‬

‫وتوارث اإلمارة‪ ،‬نشأ في رعاية والده الذي غرس في نفسه الشجاعة والميل إلى‬

‫الشدة والصرامة في مجابهة الحياة‪ ،‬كما زوده بعلوم العصر ومعارفه عن طريق‬

‫العلماء واألدباء الذين كانوا يختلفون إلى إمارة العائلة‪ ،‬فكان لكل ذلك أثر ُه الكبير‬

‫في مجرى حياة أُسامة العلمية‪ ،‬فقد عرف ببسالته ومشاركته في الكثير من أحداث‬

‫العصر العسكرية‪ ،‬كما أسهم كثيراً في مجالي األدب‪ ،‬شعره ونثره‪ ،‬بما نظمه وما‬

‫ألف ُه وصنفه‪.‬‬

‫إن أكثر من سبب جعل أسامة ال يستقر بمكان واحد‪ ،‬فقد كان كثير التنقل والتردد‬

‫بين المدن واالمصار‪ :‬كالموصل ودمشق ومصر وقد أُعجب به كثير من القادة الذين‬

‫اشتهروا في ذلك العصر ممن كان لهم شرف المساهمة في تحرير الوطن من نير‬

‫االستعمار فقد صحبهم وشاركهم خوض المعارك الملحمية التي خاضتها الجيوش‬

‫اإلسالمية دفاعاً عن الحمى‪ ،‬وذوداً عن الحرمات والمقدسات‪ ،‬التي أبلى فيها أسامة‬

‫بالء حسناً‪ ،‬كما سجل كثيراً منها في شعره الحربي‪.‬‬

‫إن حياة الكفاح والنضال ضد العدو لم تثن أُسامة عن مجال العلم األدب‪ ،‬فقد تهيأ في‬
‫َّ‬

‫َخلُد فيه إلى التأليف‬


‫غضون حياته الجهادية الطويلة هذه أن يقتطع جزءاً من الوقت ي ْ‬

‫في مجاالت األدب المختلفة ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ً‬
‫زلزاال قد أصاب مدينته (شيزر) وأهلك جل أهله ودمرت‬ ‫وكان في سفر‪ ،‬وعاد فوجد‬

‫ديارهم‪ ،‬فكتب في ذلك كتابه (المنازل والديار) ض ّمنه ما قاله ومارواه لغيره في رثاء‬

‫الديار وبكاء أهلها ‪.‬‬

‫وانتهت حياته المفعمة بضروب البسالة والشجاعة‪ ،‬والحافلة بفنون األدب بوفاته‬

‫في دمشق سنة (‪584‬هـ)‪.‬‬

‫كان أُسامة ممن يجمع بين فني األدب‪ :‬الشعر والنثر واإلجادة فيهما جميعاً‪ ،‬فقد أكثر‬

‫من النظم في فنون الشعر المعروفة من غزل ووصف ومدح ورثاء وفخر وشكوى‬

‫وقد احتفل بالشعر كثيراً‪ ،‬ورد إليه روحه األصيلة المتمثلة بالبعد عن الزخرفة‬

‫والصنعة وسما به نحو القوة والجالل والوقار‪َ ،‬و ُع ِن َّي باستلهام الخواطر وتسلسلها‬
‫ٌ‬
‫وحفظ غزي ٌر لألمثلة العالية من الشعر العربي‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫جيدة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫موهبة‬ ‫يُساعده في ُك َّل ذلك‬

‫ولعل محفوظه الكثير هذا كان من أسباب ولعه بتضمين شعره شعر اآلخرين‪ ،‬كما‬

‫كان مغرماً بتهذيب شعره وتنقيحه على غرار ماكان عليه بعض القدامى‪ ،‬ومن أجل‬
‫هذا َقلَّت فيه َ‬
‫الهنات أو العيوب التي يمكن أن يُؤاخذ عليها ‪.‬‬

‫ولعل أهم ما يميز شعره الصور الحية الكثيرة لالحداث التي عايشها الشاعر في‬

‫حياته الطويلة ‪.‬‬


‫وال َت ِق ُّل جودة ما أُ ِث َر له من نثر عن شعره‪ ،‬ولعله ُيع ُّ‬
‫َد في طليعة من أسهموا في نشأة‬

‫الترجمة الشخصية في األدب العربي‪ ،‬يتضح هذا في كتابه (االعتبار) الذي صور فيه‬

‫بأمانة ودقة الحياة السياسية واالجتماعية التي عاصرها وشارك فيها ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫من آثاره المطبوعة ‪:‬‬
‫‪ -1‬كتاب االعتبار‪.‬‬

‫‪ -2‬لباب اآلداب‪.‬‬
‫‪ -3‬المنازل والديار‪.‬‬
‫‪ -4‬البديع في نقد الشعر‪.‬‬
‫‪ -5‬ديوانه‪.‬‬
‫قال أُسامة من قصيدة طويلة يذكر فيها انتصارات المسلمين ويعدد أسماء قادة‬
‫الفرنج الذين وقعوا في األسر‪ ،‬وأسماء المدن والحصون التي استردها المسلمون‬
‫(للدرس فقط)‬ ‫من الصليبيين‪:‬‬

‫َ‬
‫يــكـون لـنــا األمـــــ ُر‬ ‫أبــى اهللُ إال أن‬
‫الدنيا وي َْفتخ َر َ‬
‫الف ْ‬
‫ـخ ُر‬ ‫لِ َتحيــــا ِب َنـا ُّ‬
‫مــنــا األيـــا ُم فـيـمـا َنـرو ُمـــ ُه‬
‫ـخــ ُد َ‬
‫و َت ْ‬
‫(‪)1‬‬ ‫الدهــ ُر‬ ‫طـوعـاً في َّ‬
‫أزمت ِنـا َّ‬ ‫وينقـا ُد ْ‬
‫اح ِعندنـا‬
‫الـر ِ‬ ‫مـاء العـِدا َ‬
‫أشـهـى مـن َّ‬ ‫ِد ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫والو ْت ُر‬
‫اي َ‬ ‫يه ُم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫واضي ِف ُ‬
‫قع ال َم ِ‬‫َو َو ُ‬
‫وهـم عـِداً‬ ‫الحبيـب ُ‬ ‫نـواصـلـهم َو ْص َ‬
‫ـل‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫(‪)3‬‬ ‫زيـار ُتهم يَنحـط عنـا ِبهـا ِ‬
‫الــوز ُر‬
‫وفي ِسجننا ُ ُ‬
‫ابن الف ْن ِ‬
‫ش َخي ُر ملو ِكهم‬ ‫ِ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ـن َخيْــ ٌُر لديهم والب َّر‬
‫وإن لـم يـ ُك ْ‬
‫ـن العَـريم ِة راغـماً‬
‫ـص ِ‬ ‫ْ‬
‫أسـرناه من ِح ْ‬
‫(‪)5‬‬ ‫فـرسـانـ ُه َفهـ ُم ُج ْ‬
‫ــز ُر‬ ‫ُ‬ ‫وقد ُقـ ِتلَ ْ‬
‫ـت‬
‫بـإقـليـس ّإنــه‬
‫َ‬ ‫الـوا ِدي‬
‫ـهـم َ‬ ‫َو َس ْ‬
‫ـل َع ْـن ُ‬
‫(‪)6‬‬ ‫اليـوم فيـ ِه مـن ِدما ِئهم ُغ ْد ُر‬
‫ِ‬ ‫إلـى‬
‫‪62‬‬
‫ُهـ ُم انـتـشـروا فيــ ِه لِــر َّد َر ِعـيـلِـنـــا‬
‫(‪)7‬‬ ‫ـن تـربـه يـو َم المـعـا ِد لــهم ُن ْشــ ُر‬
‫فـ ِم ْ‬
‫ـلي َن ولم َي ُك ْ‬
‫ــن‬ ‫ونـحـْ ُن أسـرنا ْ‬
‫الجو َس ِ‬ ‫َ‬
‫(‪)8‬‬ ‫بـة َتـع ُ‬
‫ْــــرو‬ ‫يخشى مـن األيـــام َنـائـِ ً‬
‫لِ َ‬
‫ِ‬
‫ــر أنــا َنـبـِـيـعُــــ ُه‬ ‫وكــان ي ُّ‬
‫َـظــن الـ ِغ ُّ‬ ‫َ‬
‫(‪)9‬‬ ‫ـــــر‬ ‫بمـال وكـَم َظ ٍّ‬
‫ــن بــه يَـهـلـِ ُك الـ ِغ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫وجـيــش إذا َ‬
‫القـى الـعَــ ُد َّو ظـننتـُهـم‬ ‫ٍ‬
‫(‪)10‬‬
‫ُف ُر‬ ‫ُ‬
‫عنـت لَها األد ُم والع ْ‬
‫ْ‬ ‫الشرى‬‫أ ُسو َد َّ‬ ‫ُ‬
‫الو َغى ِم ْث َل َس ْهم ِه‬
‫شهم في َ‬‫ترى كل ٍ‬
‫َ ُ َّ‬
‫(‪)11‬‬ ‫ــوف وال ُك ْثـــ ُر‬
‫نـفـوذاً فـمـا يَـثنـي ِه َخ ٌ‬
‫ُ‬
‫الصوارم َ‬
‫والق َنا‬ ‫ُه ُم االس ُد ِ ْ‬
‫بيض َّ ِ‬ ‫من ِ‬
‫(‪)12‬‬ ‫الو َغى ّ‬
‫الناُب الحدي َد ُة والظف ُر‬ ‫لَ ُهم في َ‬
‫تل ُخلداً َ‬
‫فكيف بالـ‬ ‫َي َر ْو َن لَهم في َ‬
‫الق ِ‬
‫(‪)13‬‬ ‫ــوم َقـتـلُـهم عـِنــ َد ُهـم ُع ْمـــ ُر‬ ‫َ‬
‫لقـاء لِـق ٍ‬

‫اللغة‬
‫‪ -1‬نرومه‪ :‬نطلبه‪.‬‬
‫أز َّمة ‪ :‬جمع زمام‪ ،‬وهو خيط يش ّد في حلقة ثم يش ّد إلى طرف المقود ‪.‬‬
‫ِ‬
‫الراح‪ :‬الخمر‪.‬‬
‫‪َّ -2‬‬
‫وقع المواضي‪ :‬صوت السيوف الباترة‪.‬‬
‫‪ -3‬ينحط‪ ،:‬يسقط‪.‬‬
‫ْ‬
‫الوز ُر‪ :‬الذنب‪.‬‬
‫ابن ُ‬
‫الف ْنش‪ :‬أحد قادة الفرنج‪.‬‬ ‫‪ُ -4‬‬
‫ِب ّر‪ :‬صالح‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ِ -5‬ح ْص ِن العريمة ‪ :‬اسم موضع‪.‬‬
‫ً‬
‫‪:‬ذليال مكرهاً‪.‬‬ ‫راغماً‬
‫جزر‪ :‬مخفف ُج ُزر بضمتين‪ ،‬وهوجمع جزور وهي الناقة المجزورة‪،‬المذبوحة‪.‬‬
‫‪ -6‬إقليس‪ :‬اسم موضع‪.‬‬
‫ُغد ُر‪ :‬جمع غدير‪ ،‬وهو القطعة من الماء يغادرها السيل ‪.‬‬
‫‪ -7‬ال ّرعيل‪ :‬الجماعة المتقدمة من الخيل‪.‬‬
‫المعاد‪ :‬الحياة األخرى‪ ،‬المرجع والمصير‪.‬‬
‫النشر‪ ،‬البعث‪ ،‬واألحياء‪.‬‬
‫‪ -8‬الجوسلين‪ :‬أحد ملوك الفرنج‪.‬‬
‫يخشى ‪:‬يخاف‪.‬‬
‫نائبة‪ :‬كارثة‪.‬‬
‫تعرو‪ :‬تل ُم‪ ،‬وتصيب‪.‬‬
‫‪-9‬ال ِغر ‪ :‬الجاهل‪ ،‬المغفل‪.‬‬
‫‪-10‬الشرى ‪ :‬موضع كثير األسود يقال‪ ،‬هم أُسد الشرى‪.‬‬
‫َّ‬
‫عنت‪ :‬ظهرت واعترضت‪.‬‬
‫األُ ْدم‪ :‬من الظباء ‪:‬المشربة بياضاً‪.‬‬
‫العفر‪ :‬األعفر من الظباء مايعلو بياضه حمرة‪.‬‬
‫‪-11‬الشهم‪:‬الصبور على القيام بما حمل‪ ،‬السيد السديد الرأي‪.‬‬
‫الوغى‪ :‬الحرب‪.‬‬
‫نفوذ‪ :‬اختراق ومضاء‪.‬‬
‫‪ -12‬الصوارم‪ :‬السيوف القاطعة‪.‬‬
‫القنا ‪ :‬الرماح‪.‬‬
‫الخ ْلد‪ :‬الدوام والبقاء‪.‬‬
‫‪ُ -13‬‬

‫‪64‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫يبدأ النص بالحديث عن امتالك ناصية األمر‪ ،‬وحيازة النصر‪ ،‬مبيناً أن هذا من‬
‫إرادة اهلل تعالى‪ ،‬لتدوم الحياة وتستمر‪ ،‬ويفخر الزمن ويتباهى‪ ،‬لتكون األيام طيعة‪،‬‬
‫والدهر منقاداً مذعناً ثم يتحدث عن أسباب هذا الظفر العظيم‪ ،‬والنصر المبين‪،‬‬
‫فإذا بها ترجع إلى النفور إلى العدو‪ ،‬والجهاد في سبيل اهلل والوطن والعزوف‬
‫عن المالهي والمالذ إلى اشتياق لقاء األعداء‪ ،‬في سوح الوغى‪ ،‬وااللتذاذ بصليل‬
‫السيوف القاطعة للرقاب عوضاً عن أنغام آالت الطرب والغناء‪ .‬ويتحدث بعد ذلك‬
‫عن نتائج هذا اللقاء بين المدافعين عن وطنهم والذائدين عن حرماتهم‪ ،‬وبين‬
‫الغزاة الطامعين المستعمرين فإذا باألعداء يندحرون‪ ،‬وتتناثر جثث قتالهم في كل‬
‫صقع‪ ،‬وتمأل دماؤهم كل منخفض وإذا بهم يفجؤون بما لم يكن في حسبانهم وال‬
‫في تقديرهم‪ ،‬واذا قادتهم وملوكهم بين قتيل وأسير‪ ،‬وحصونهم وقالعهم تتهاوى‬
‫وتتساقط‪ .‬ثم يتحدث عن الجيش الذي كان له شرف الدفاع والنصر واالنقاذ فيصفه‬
‫العدو‪ ،‬وقد تسلح أبناؤه بااليمان‬
‫َّ‬ ‫بالشجاعة واإلقدام والبسالة والمضي في مالقاة‬
‫والتصميم على َّ‬
‫الظفر‪ ،‬فنذروا أرواحهم الطاهرة‪ ،‬ونفوسهم األبية لهذا‬ ‫والصبر َّ‬
‫َّ‬
‫اليوم الحاسم‪ ،‬وكان رائدهم الذي يُزجيهم إلى خوض هذه المعامع‪ ،‬إيمانهم بأن‬
‫الحياة الخالدة‪ ،‬والبقاء السرمدي في حسن الذكرالمتأتي من الفداء والبذل والجود‬
‫ً‬
‫جميال في البيتين األولين المعنى العام الذي‬ ‫بالروح والنفس‪ .‬لقد ركز الشاعر تركيزاً‬
‫يمكن أن يسعى إليه النص كله‪ ،‬وهو االنتصار والظفر كما أفلح في إسناد هذا الى اهلل‬
‫يعلل االسناد ويبرزه‪ ،‬وأجاد في تصوير‬‫ينس أن َ‬‫شيء ولم َ‬‫ٍ‬ ‫تعالى الذي هو أعلم َّ‬
‫بكل‬
‫وانشغال بالجهاد‪ ،‬وشغف‬
‫ٍ‬ ‫حالة المدافعين عن الوطن والحرمات‪َ :‬م ْن تسلح باإليمان‬
‫ْف في‬
‫الضع ِ‬ ‫بلقاء العدو ومنازلته في ميادين القتال وابتعا ٍد عن َّ‬
‫كل ما من شأنه بعث َّ‬
‫لالعداء بلـقاء‬
‫ِ‬ ‫أن نعت َه َ‬
‫لقاء المجاهدين‬ ‫النفوس‪ ،‬والخور في العزائم‪ .‬وال شك في َّ‬
‫األحب ِة‪ ،‬ينطوي على لفت ٍة فني ٍة بديع ٍة الشتمالها على تصوير عميـق لمـا يضطـرم‬
‫فـي نفـوس المجاهديـن من حرارة اللـقاء الـذي اليماثلـه سـوى لقـاء األحبــة بعـد‬
‫العدو بعــد المنازلـــة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫والغيـاب‪ .‬كمـــا أحسـن فــــي وصف حـــــال‬
‫ِ‬ ‫الجفـاء‬
‫ِ‬ ‫طـــول‬
‫‪65‬‬
‫وبعد انخذاله في سوح المعارك‪ ،‬وركز الحديث عنه واقتضبه‪ ،‬ولكنه تركيز واضح‪،‬‬
‫واقتضاب غير مخل‪ ،‬يتضح في وصفه لجيش العدو الكثيف الذي جاء في مخيلته‬
‫الفوز والظفر‪ ،‬وانتهى بالخذالن‪ ،‬واالنحدار والتمزق والتفت الشاعر إلى الوادي‬
‫الذي جرت فيه المعركة طالباً مساءلته عن مصير العدو‪ ،‬وعما آلت إليه دماؤه‬
‫وجثث قتاله ‪.‬‬
‫وواضح أن حديث الشاعر عن العدو ونيَّا ِت ِه وأهدافه ومصيره ال يخلو من السخرية‬
‫والهزء والتنادر‪ ،‬ووصفه الجيش الذي قام بدحر العدو وصفاً َشدَّد فيه على الشجاعة‬
‫كل ذلك باألُسو ِد المعروفة بقوتها وبسالتها‬
‫واإلقدام وسرعة الحركة‪ ،‬وشبهه في َّ‬
‫وجرأتها وهو تشبيه دأب عليه الشعراء قبل أُسامة‪ ،‬في أوصافهم ومدائحهم وال‬
‫شك في استحضاره تشبيه سرعة الجيش وانطالقه خلف العدو بسرعة األسو ِد‬
‫وشدة عدوها وراء ما ظهر أمامها من ظباء وغزالن لفتة فنية جميلة‪ ،‬ال تخلو من‬
‫البراعة والجدة‪.‬على أن الشاعر قد أبدع كثيراً في خاتمة هذه األبيات‪ ،‬فقد أودع قوله‬
‫ً‬
‫جميال جداً‪ ،‬يكاد ينفرد به‪ ،‬بل نراه جديراً بأن يكون رائد كل مدافع عن وطنه‬ ‫معنى‬
‫ومحام عن حرماته‪ ،‬فالشهادة في سبيل الوطن‪ ،‬ومقارعة العدو الغاشم هي الخلود‬
‫ٍ‬
‫السرمدي في جنات النعيم‪ ،‬وهي حسن الثناء والذكر في ُّ‬
‫الدنيا‪ ،‬بل هي العمر كله‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ما الخصائص التي جاءت في شعر أسامة بن منقذ ؟‬
‫‪ -2‬وضح تصوير الشاعر حالة الدفاع عن الوطن والحرمات ‪.‬‬
‫‪ -3‬علل‪:‬‬
‫أ‪ -‬إجاد ة الشاعر نثراً وشعراً‪.‬‬
‫ب ‪ -‬عدم استقرار أسامة بن منقذ في مكان واحد‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬قلة العيوب في شعر أسامة بن منقذ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫األبيوردي‬
‫هو محمد بن أحمد بن محمد‪ ،‬ولد بـ (كوفن) إحدى المدن القريبة من أبيورد الواقعة‬
‫في خراسان في أُسرة ذات جاه ونعيم‪ ،‬ونشأ في رعاية أُسرته وتثقف ثقافة واسعة‪،‬‬
‫وأخذ عن كثير من العلماء في عصره‪ ،‬حتى غزر علمه‪ ،‬وتوسعت معرفته‪ ،‬وشهد‬
‫علم‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫له بالتضلع من أكثر علوم العصر‪ ،‬بل جعلته ثقافته الشاملة العميقة إماما في كل ٍ‬
‫وفن‪ ،‬متقناً اللغة والنحو والنسب واالخبار‪ ،‬وأمدته بيد باسطة في البالغة واإلنشاء‬
‫ٍ‬
‫كما كان أحد قراء أبيورد ‪ .‬ولم يقتصر األبيوردي على تلقي العلوم واالبداع فيها‪،‬‬
‫بل شارك في التأليف أيضاً فخلف آثاراً ُذ ِك َر ْت اسماؤها في بعض مصنفات َم ْن‬
‫ترجموا له‪.‬‬
‫قضى األبيوردي ردحاً من الزمن في مسقط رأسه‪ ،‬ثم انتقل الى بغداد ومكث فيها‬
‫ُمقرباً من الخلفاء والوزراء‪ ،‬عشرين سنة‪ ،‬وتولى في غضون هذه الحقبة خزانة‬
‫ً‬
‫متنقال في خراسان حتى استقر به المقام في أصبهان‬ ‫الكتب النظامية ‪ ،‬ثم غادر بغداد‬
‫حيث ُع ِه َد إليه بوالية عمل كبير بقي فيه إلى أن توفي في سنة (‪507‬هـ) قال الشعر‬
‫منذ صباه‪ ،‬إلى أواخر أيامه‪ ،‬ولم يتخذه وسيلة للتكسب أو النيل من االخرين‪ ،‬وانما‬
‫اتجه به الى الخلفاء والوزراء حين تعرضت موارده للنهب والسلب ‪.‬‬
‫إن ما وصل إلينا من شعره يُع ُد من أجود الشعر وأحسنه‪ ،‬وهو دليل بين على أصالة‬
‫شاعرية صاحبه‪ ،‬لما امتاز به من سالمة التراكيب‪ ،‬وانتقاء اللفظ‪ ،‬وبالغة التعبير‪،‬‬
‫ً‬
‫علما بأن عصره كان عصرالعناية الفائقة بالبديع‬ ‫وقلة االحتفال بالبديع‪ ،‬أو تكلفه‪،‬‬
‫وفي شعره روح حماسية عربية فياضة فقد تعالت هتافاته الحماسية هذه في أغلب ما‬
‫وصل إلينا من شعره‪ ،‬وهو ينطلق فيها معتمداً على أُسس رصينة من أرومته(‪ )1‬العربية‬
‫وأُ ْس َر ِت ِه الكريمة‪ ،‬وخلقه َّ‬
‫الرفيع ومن أجل هذا كان الفخر والحماسة من أكثرما نظمه‪،‬‬
‫وأحسن ما قاله‪ ،‬وله مع ذلك غزل كثير‪ ،‬رقيق ‪ ،‬جاء بعضه في مطالع بعض قصائده‬
‫ً‬
‫مستقال ‪.‬‬ ‫كما جاء بعضه منفرداً‬

‫(‪ )1‬األرومة‪ :‬األصل والحسب‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫من آثاره المطبوعة‪ ،‬ديوانه ‪:‬‬
‫قال األبيوردي لما استولى الفرنج على بيت المقدس في سنة (‪492‬هـ)‬
‫(للدرس والحفظ ‪ 8:‬أبيات)‬
‫ــواجــــم‬
‫ِ‬ ‫الس‬
‫دمــاء بالـدمـوع َّ‬
‫ً‬ ‫َمـزجـنـا‬
‫(‪)1‬‬ ‫للمراجـــــــم‬ ‫عرض ٌ‬
‫ــة‬ ‫َ‬ ‫َفلَــ ْم َ‬
‫يبـق منـا‬
‫ِ‬
‫ـر ِء َدمـ ٌع ي ُ‬
‫ُـفيـضـــ ُه‬ ‫ـــالح ال َم ْ‬
‫وشـــر ِس ِ‬
‫ُّ‬
‫ـــــوارم‬
‫ِ‬ ‫ـر ُب ُشبَّت نا ُرها َّ‬
‫بالص‬ ‫الح ْ‬
‫إذا َ‬
‫وراء ُكــــــم‬
‫َ‬ ‫َفــإيـهــاً بـنـي االســالم َّ‬
‫إن‬
‫(‪)2‬‬ ‫بالمنـاســــــم‬ ‫ُلح ْـق َن ُّ‬
‫الـذرى‬ ‫و ِقائـع َ ي ِ‬
‫ِ‬
‫وغ َ‬
‫ـبـطـــ ٍة‬ ‫ـن ِ‬ ‫ً‬
‫أتـهـويـمـــة فــي َّ‬
‫أم ٍ‬
‫ظــل ْ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ناعــــــم‬ ‫ار َ‬
‫الخميــلة‬ ‫ــــو ِ‬
‫كن َّ‬ ‫ش ُ‬
‫وعـَيـْ ٍ‬
‫ِ‬
‫ـلء ُجـفـو ِنـهـــا‬ ‫وكيـف َتـنـا ُم الـع ُ‬
‫ْـيـن ِم َ‬
‫(‪)4‬‬ ‫نائــــم‬ ‫ـت كـــــُ َّل‬ ‫وات َ‬
‫أيـقظ ْ‬ ‫علـــىهـ َبـَ ٍ‬
‫ِ‬
‫ُضحي مقيلُ ُهــــم‬
‫ام ي ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وإخـوانـكـم بـالـش ِ‬
‫(‪)5‬‬ ‫القشاعــــم‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫بطون‬ ‫ظهو َر المـذاكي أو‬
‫َ‬
‫الـهــوان وانـتـــــم‬ ‫َت ُ‬
‫ـســو ُم ُ‬
‫ــهم الــرو ُم‬
‫(‪)6‬‬ ‫سالـــــم‬ ‫ْل ال ُم‬ ‫َتجرون َذي َ‬
‫ْل الخفض ِفع َ‬
‫ِ‬
‫مـاء قـد أُبيحت ومن ُدمـــى‬
‫و َكـ ْم مـن ِد ٍ‬
‫(‪)7‬‬ ‫بالمـعاصـــــم‬ ‫يـــاء ُح َ‬
‫سنـها‬ ‫تواري َح ً‬
‫ِ‬
‫مرة ُّ‬
‫الظبــــا‬ ‫البيض ُم َح ُ‬
‫ُ‬ ‫السيوُف‬
‫يث ّ‬‫ِب َح ُ‬
‫(‪)8‬‬ ‫ـهــــازم‬‫داميـــــات اللَّ‬
‫ُ‬ ‫وس ْم ُر العَوالي‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬
‫وقفـة‬ ‫الطعن والضرب‬ ‫اختالس‬ ‫َ‬
‫وبين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫(‪)9‬‬ ‫وادم‬
‫شـيب القـــَ ِ‬
‫َ‬ ‫َتظـَل لــــــها ِ‬
‫الولـدان‬
‫مارهــــا‬ ‫روب ْ‬ ‫َ‬
‫من َي ِغب عن ِغ ِ‬ ‫وتلك ُح ٌ‬
‫نــــــادم (‪)10‬‬
‫ِ‬ ‫لِيَـسـلـ َم ي َْقـ َر ْع َبعْــــــ َدها ِس َّن‬
‫َسـلَ ْـل َ‬
‫ـن بـأيـدي ال ُمـشـركين قواضبــاً‬
‫والجماجـم (‪)11‬‬ ‫َس ُت ْغ َم ُد ِم ْن ُهم فـــي ُّ‬
‫الطلـــى‬
‫ِ ِ‬
‫‪68‬‬
‫ـن المـُسـ َتـجـِ ُ‬
‫ــن بـطـيـبـــــة‬ ‫يـكـا ُد لَ ُ‬
‫ـه َّ‬
‫(‪)12‬‬ ‫هاشم‬ ‫وت‪ :‬يـا َ‬
‫آل‬ ‫الص ِ‬
‫يُنادي بأعلـــى َّ‬
‫ِ‬
‫ُـشـر َ‬
‫عـون إلى العـــِدا‬ ‫ُ‬
‫أرى أمـَّتـي ال ي ِ‬
‫(‪)13‬‬ ‫الدعائــــم‬
‫ِ‬ ‫مـاحـهم والـ َّديـُن ِ‬
‫واهــي‬ ‫ِر َ‬
‫ويـجـتـنـبـون النــا َر خـوفاً من َّ‬
‫الردى‬ ‫َ‬
‫الزم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ـسـبـون العـــا َر ضربـــة ِ‬ ‫َـح‬
‫وال ي ْ‬
‫(‪)14‬‬

‫ـحــــًة‬ ‫والحـرب ُ‬
‫تـرنـو ُمـلِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫دعـونـاكـم‬
‫ـاعــــم‬ ‫بالحـــاظ النـُّسـور َ‬
‫الق َش‬ ‫ِ‬ ‫إلـيـنا‬
‫(‪)15‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫عــربــيـــــة‬ ‫ــراقــب فــيــنــا غــارة‬
‫ُ‬ ‫ُت‬
‫األباهـــم‬ ‫الرو ُم َع َّ‬
‫ض‬ ‫تـطـيل عـليهــا ُّ‬
‫ِ‬
‫اللغة‬
‫‪ -1‬السواجم‪ :‬الغزيرة‪ ،‬السائلة‪.‬‬
‫العرضة‪ :‬عرضة للمراجم ‪ :‬مجال للظنون‪.‬‬
‫عمل ما‪.‬‬
‫حديث أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -2‬إيْهاً‪ :‬اس ُم ِ‬
‫فعل أمر لالستزادة من‬
‫الوقائع‪ :‬األحوال َ‬
‫واألحداث مفرده‪ ،‬وقعة‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الذرى‪ :‬جمع ذروة‪ ،‬وذروة كل شيء ‪ :‬أعاله‪.‬‬
‫المناسم‪ :‬جمع منسم‪ ،‬وهو طرف خف البعير‪.‬‬
‫‪ -3‬التهويمة‪:‬النوم الخفيف أو الشعور بالحاجة إلى النوم ‪.‬‬
‫الغبطة‪:‬حسن الحال والمسرة‪.‬‬
‫النوار‪ :‬الزهر‪ ،‬واحدته َن ّوارة ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الخميلة‪ :‬الشجر المجتمع أو كل موضع كثر فيه النبات‪.‬‬
‫‪َ -4‬‬
‫الهبوات‪ :‬جمع هبوة ‪ :‬غبرة المعارك‬
‫‪ -5‬المقيل ‪ :‬القيلولة‪ :‬أي النوم وسط النهار وموضع القيلولة ‪.‬‬
‫المذاكي‪:‬الخيول‪.‬‬
‫القشاعم‪ :‬جمع قشعم‪َّ ،‬‬
‫الن ْسر الذكر العظيم‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫‪ -6‬تسومهم‪ :‬يوليه إياه ويزيده عليه ‪.‬‬
‫الخفض‪ِّ :‬‬
‫الدعة وسعة العيش‪.‬‬
‫‪ -7‬أُبيح ‪ّ :‬‬
‫أحل وأطلق‪.‬‬
‫دمى‪:‬جمع دمية ‪:‬الصورة المتمثلة من العاج وغيره يضرب بها المثل في الحسن‬
‫والمراد هنا (النساء)‪.‬‬
‫المعاصم‪:‬جمع معصم‪ ،‬وهو موضع السوار من اليد‪.‬‬
‫الظبا‪ :‬جمع ُظبة وهو ح ّد السيف أو السنان‪.‬‬
‫‪ُ -8‬‬
‫الرماح ‪.‬‬
‫سمر العوالي‪ِّ :‬‬
‫اللهازم‪ :‬جمع لهزم وهو ّ‬
‫كل شيء قاطع مع سنان أو سيف‪.‬‬
‫‪ -9‬اختالس‪ :‬انتهاز ومخاتلة‪.‬‬
‫وقفة‪:‬سكون وترقب‪.‬‬
‫القوادم‪ :‬المراد بها هنا الشعر‪.‬‬
‫‪-10‬الغمار‪:‬الشدائد والمكاره جمع غمرة‪.‬‬
‫يقرع بعدها ِس َّن ‪:‬يصكه ندماً‪.‬‬
‫‪ -11‬القواضب ‪:‬السيوف اللطيفة الرقيقة جمع قاضب‪.‬‬
‫س ُت ْغمد‪ :‬س ُت َ‬
‫دخل‪.‬‬
‫الطلى‪ :‬األعناق أو أصولها جمع ُطالة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وسلَّم)‪.‬‬
‫‪ -12‬المستجن‪ :‬المستتر ويريد الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ‬
‫وسلَّم)‪.‬‬
‫طيبة ‪ :‬مدينة الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ‬
‫‪ -13‬يشرعون رماحهم‪ :‬يُسددونها‪.‬‬
‫رخ‪.‬‬ ‫َ‬
‫وا ٍه‪ :‬ضعيف ُم ْست ٍ‬
‫الدعائم‪ :‬جمع دعامة ‪ ،‬وهو عمود البيت الذي يقوم عليه ‪.‬‬
‫‪ -14‬ضربة الزم‪ :‬مالزم ‪ ،‬ثابت‬
‫‪ -15‬ترنو‪ :‬تديم النظر في سكون َط ْرف‪.‬‬
‫ملحة‪ :‬مواظبة‪ ،‬ملحفة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫في هذه األبيات يستحث الشاعر‪-‬الذي دهمه األمر‪ ،‬وافظعه الخطب‪-‬العرب والمسلمين‬
‫على رد العدوان والقصاص من العدو الغازي الذي َد َّنس بوضر(‪ )1‬احتالل ِه حرمات‬
‫البلد اآلمن المقدس‪ ،‬فصور هذه المأساة الحزينة التي َحلّت بالعرب والمسلمين ونالت‬
‫منهم‪ ،‬ما انبجست ُّ‬
‫الدموع غزيرة يخالطها الدم‪ ،‬لهول ما وقع‪ ،‬وعظيم ما حدث‬
‫ْوج‪ ،‬بل َّ‬
‫إن أضعف السالح‬ ‫أن الدموع وحدها اليسعها ّ‬
‫حل مشكل‪ ،‬أو إقامة ِمع َ‬ ‫غير َّ‬
‫الحرب‬ ‫‪ ،‬وأكثره خطراً على أهله هو االكتفاء بسح ُّ‬
‫الدموع إذا ما استعر أوار‬
‫(‪)2‬‬

‫واشتـ ّد قرع السيوف‪ ،‬وأنتم أيها المسلمون تنتظركم إذا ما تقاعستم وتخاذلـتم‬
‫أهوال عظيمـة وأحـداث جسيمـة تقـلب كل شيء رأسـاً على عقـب‪ ،‬وهل يجـوز في‬
‫ِّ‬
‫والحق والوطنية والحرمات االستكانة إلى التراخي واإلخالد إلى الدعة‬ ‫حكم الشرع‬
‫الرخي الرغيد في مثل هذه االحوال العصيبة الضاغطة ؟وإنه‬
‫واالطمئنان والعيش َّ‬
‫ألمر عجاب أن يستطاع نوم في جنب هذه االهوال المجلجلة التي أفزعت كل آمن‬
‫َه ْت ّ‬
‫كل راقد ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ونب َّ‬
‫العدو الغادر قد فعل االفاعيل بإخوان لكم أصبحوا بين حالين‪ ،‬إما أن يمتطوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫صهوات جيادهم للذود عن الحياض‪ ،‬وإما أن يصبحوا طعاماً سائغاً للعقبان والنسور‪،‬‬
‫وقد ذاقوا على أيدي هؤالء العُتاة كل ألوان الخسف‪ ،‬وصنوف الهوان‪،‬وفي حين أنكم‬
‫أمن ودع ٍة‬
‫ترفلون بسوابغ النعم‪ ،‬وتنعمون بلذائذ الحياة وكأنكم في ٍ‬ ‫َ‬ ‫أُيها المسلمون‪،‬‬
‫وسالم ‪.‬‬
‫الح ُرمات قد ُهت ِك ْت وهؤالء فتياتكم‬ ‫دماء زكية كثيرة قد أُريقت وأُبيحت ‪ ،‬وإن ُ‬
‫إن ً‬ ‫ّ‬
‫ومعاص ِم ُه َّن‪ ،‬وهن‬
‫ِ‬ ‫الحسان ليس لهن ما يسترن به جمالهن البارع سوى أ ُك َف ُه َّن‬
‫مأخوذات بسيوف العدو المصطبغة بدماء أوليا ِئ ُهن َّ‪،‬والذائدين عنهن‪.‬‬
‫إن هذه لحرب أو المأساة مخيفة جداً‪ ،‬حتى لقد شاب لهولها وضراوتها صغار الفتيان‬
‫وإنها تهدف إلى االحتالل واالذالل فال مجال للتخاذل‪ ،‬وال مفر من ركوب أهوالها‬
‫والع ْذ َر لمن يقعد متفرجاً‬
‫مهما َكلَّ َف األم ُر‪ ،‬و َكبُرت التضحيات‪ ،‬إنها حرب مصيرية‪ُ ،‬‬
‫(‪ )2‬االوار‪:‬حر الشمس‪ ،‬النار واللهب ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬الوضر الخبث ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫العدو فيكم وفي أرضكم‪ ،‬وهذه سيوفه المشرعة ستتخذ من‬
‫ّ‬ ‫عليها‪ ،‬ألنها قد أطمعت‬
‫رقابكم وجماجمكم أغماداً لها‪ .‬ووقف الشاعر بعد هذا مستصرخاً العرب والمسلمين‬
‫للوقوف والصمود بوجه هذا الطغيان العاتي ومستحثهم على المنازلة والمقاومة‬
‫وسلَّم) لعترته من آل هاشم ‪.‬‬
‫ومستنفرهم بصوت الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ‬
‫إن هذه الحرب الضروس تنظر إلينا نظرات حادة قوية وتنتظر منا صولة عربية‬
‫ماحقة ترعب العدو وترهبه وتمزق أوصاله وتبددها وتجعله يندم على فعلته النكراء‬
‫طويال ‪ .‬وهذه األبيات صرخة مدوية من‬‫ً‬ ‫ويتجرع غصص الخيبة والخذالن أمداً‬
‫أعماق نفس مكلومة‪ ،‬شعرت باألسى‪ ،‬وأحست بالفادحة‪ ،‬وقد صورت تصويراً حياً‬
‫َّ‬
‫كل ما أريد منها ‪.‬‬
‫لقد بدت في هذه األبيات ألوان من الفنون البالغية‪ ،‬من دون مبالغة بصنعة وبديع‬
‫ومجاز وكناية‪ ،‬كقوله ‪ :‬الحرب شبت نارها‪ ،‬وعيش ّ‬
‫كنوار الخميلة‪ ،‬وتنام العين‬
‫ملء جفونها كناية عن األمان‪ ،‬وعض األباهم فهي كناية عن الندم‪ ،‬والمستجن‬
‫وسلَّم )‪ ،‬وغير ذلك كثير‪.‬‬
‫بطيبة كناية عن الرسول األعظم (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ‬
‫كما أن التجسيم والتهويل في أكثر ما جاء كان مقصوداً ومتعمداً‪ ،‬ليكون التأثير في‬
‫النفوس أعمق‪ ،‬والحث على الجهاد واالستنفار أعظم‪ ،‬وهو ما ينبغي أن يكون في‬
‫مثل هذا الفن أو المعنى ‪.‬‬
‫عال في الصناعة‪ ،‬ونفثة صادقة ملتهبة من نفثات شاعرعربي‬
‫إن هذه القصيدة مثال ٍ‬
‫ملتزم في وقت عز فيه وجود أمثاله‪ ،‬ومن أجل هذا كله يحق لنا أن ننعتها (القصيدة‬
‫الجهادية)‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ما خصائص شعر األبيوردي ؟‬
‫ً‬
‫صادقا في مشاعره العربية‪ ،‬أيد هذه الفكرة بنص من القصيدة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬كان األبيوردي‬
‫‪ -3‬علل ‪ :‬أ‪ -‬ميل الشاعر إلى التجسيم والتهويل في قصيدته ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تطلع الشاعر في أحد أبيات القصيدة إلى غارة عربية موحدة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وبين داللتها‪.‬‬ ‫جـ‪ -‬في األبيات إشارات إلى األلوان‪ ،‬استخرجها‪،‬‬

‫‪72‬‬
‫النثر‬
‫القاضي الفاضل‬
‫هو عبد الرحيم بن علي المعروف بالقاضي الفاضل‪ ،‬عربي األصل من لخم ولد‬
‫بمدينة عسقالن(‪ )1‬عام (‪ 529‬هـ )‪.‬وتلقى على والده قاضي عسقالن طرفاً من علوم‬
‫اللغة واألدب‪ ،‬ثم قصد مصر وهو في أول صباه للتزود بالعلوم والمعرفة وتعلم فن‬
‫الكتابة‪ ،‬فنزل باإلسكندرية واتصل بالقاضي ابن حديد الذي أعجب به ودربَّه تدريباً‬
‫جيداً على التمكن من الفن الكتابي‪ ،‬وكانت الكتب تصل إلى القاهرة بإنشاء القاضي‬
‫الفاضل فأعجب به أولياء األمور وطلبوا إليه االنتقال إلى القاهرة ولما أصبحت‬
‫مصر تحت إمرة صالح الدين قربه واتخذه كاتباً ووزيراً‪ ،‬وأصبح موقعه عنده‬
‫عظيماً جداً وقد أبدى القاضي مقدرة كبيرة في مجالي اإلدارة والكتابة طوال عهد‬
‫صالح الدين وكان يكتب ويسجل أحداث الدولة الخارجية والداخلية‪ ،‬ثم الزم أوالد‬
‫صالح الدين بعد وفاته فكان موضع تقدير وحفاوة وإكرام‪ ،‬حتى توفي في القاهرة‬
‫سنة (‪596‬هـ)‪.‬‬
‫لق‪ ،‬خيِّراً متديناً وفياً‪ ،‬وكان ذا‬ ‫ُ‬
‫رض َّي السيرة ِ‪،‬حسن الخ ِ‬
‫كان القاضي الفاضل َم ِ‬
‫ُح ْن َك ٍة سياسية‪ ،‬ومقدرة إدارية‪ ،‬مما جعل صالح الدين يعتمد عليه اعتماداً كبيراً في‬
‫إدارة شؤون دولته‪ ،‬في ظروف حربية متصلة بينه وبين الفرنج‪ ،‬ولتحليه بالصفات‬
‫الكريمة فقد امتدحه الشعراء وأشادوا به كثيراً ‪.‬‬
‫كان الفاضل يجمع بين فني األدب ‪ :‬الشعر والنثر‪ ،‬وترك آثاراً كثيرة فيهما فله‬
‫ديوان شعر‪ ،‬وله رسائل كثيرة في فنون متعددة من ديوانية وإخوانية وأدبية‪ ،‬وقد‬
‫اشتهر كاتباً أكثر من شهرته شاعراً‪ ،‬وكان ذا قدرة عجيبة في صناعة االنشاء‬
‫كل وقت ِّ‬
‫وكل فن ‪ ،‬وتهيأ للقاضي أن يبتكر‬ ‫وبراعة فائقة في تحرير الرسائل في ِّ‬
‫طريقة خاصة في األسلوب الكتابي‪ ،‬مؤسسة في بعض أصولها على الطريقة التي‬
‫كان يتبعها كبار الكتاب في القرن الرابع الهجري‪،‬والتي كانت تحفل بالصناعة‬
‫اللفظية والمعنوية‪،‬فجعل طريقته التي ُع ِر َف بها قائمة على أساس الصناعة اللفظية‬
‫والمعنوية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عسقالن‪ :‬بلدة كانت على ساحل فلسطين ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫كل ما أنشأه من رسائل‪،‬حتى‬ ‫واكثر من السجع والتورية والجناس واالستعارة في ِّ‬
‫أغرت هذه الطريقة ال ُك َّتاب في عصره‪ ،‬فاقتدوا بها وصرفوا هممهم وطاقاتهم الفنية‬
‫واألدبية إليها فأصبحت ً‬
‫دليال على بالغة الكاتب‪ ،‬ومقياساً لقدرته الفنية واألدبية ‪.‬‬
‫علو منزلته في الفن الكتابي قول صالح الدين في مأل من َّ‬
‫الناس‬ ‫وخير ما يصور َّ‬
‫(التظنوا مل ْك ُت البال َد بسيوفكم بل بقلم الفاضل )‪.‬‬

‫من آثاره المطبوعة ‪:‬‬


‫‪ -1‬ديوانه ‪.‬‬
‫‪ -2‬مجموعة من رسائله مبثوثة في (صبح األعشى ) وغيره ‪.‬‬
‫قال القاضي الفاضل في رسالة طويلة كتبها عن صالح الدين األيوبي إلى الخليفة العباسي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪:‬‬ ‫الناصر لدين اهلل ببغداد يُبشره بفتح القدس واسترجاعها من أيدي الفرنج‬
‫(للحفظ ‪ 6 :‬أسطر )‬
‫(‪)5‬‬ ‫(‪4‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫يفه فصار‬ ‫رق ُه َفرقاً ُ‬


‫‪،‬وف َّل َس ُ‬ ‫(قد أَ َظ َف َر اهلل (‪ِّ )6‬‬
‫بالعدو الذي َت َش َّظ ْت َق َنا ُت ُه ُش َق َقاً‪ ،‬وطارت ِف ُ‬ ‫َ‬
‫(‪)9‬‬ ‫(‪)8‬‬ ‫(‪7‬‬
‫وكانت ُقد َر ُة اهلل‬
‫ْ‬ ‫األكثر عدداً وحصى‪ ،‬فكلَّت َح َمالت ُه‬ ‫دع ْت َحصات ُه وكان َ‬ ‫وص َ‬ ‫َعصا‪ُ ،‬‬
‫(‪)12‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يدان‪ ،‬وعثرت قد ُمه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َت ُ‬
‫(‪)15‬‬ ‫(‪)14‬‬
‫لصاحب يَد بها ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالعيان‪ ،‬عقوبة من اهلل ليس‬
‫(‪)13‬‬
‫ِ‬ ‫صرف فيه ال ِعنان‬
‫دونها كسيفة‪ ،‬ونا َم‬ ‫السيوف َ‬ ‫عينهُوكانت ُعيُون ّ‬ ‫ض ْت ُ‬ ‫وغ َّ‬‫حليفة‪ُ ،‬‬‫ً‬ ‫ُ‬
‫األرض لها‬ ‫ْ‬
‫وكانت‬
‫(‪)20‬‬ ‫(‪)19‬‬ ‫(‪)18‬‬ ‫(‪)17‬‬ ‫(‪)16‬‬
‫رماحه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أنوف‬ ‫وج ُد َع ْت‬
‫ون‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫من الجف ِ‬ ‫ريق ُن َط َف الكرى‬ ‫يقظت ُه ُت ُ‬ ‫وكانت َ‬
‫ْ‬ ‫َج ْف ُن َس ِيف ِه‬
‫(‪)23‬‬ ‫(‪)22‬‬ ‫(‪)21‬‬
‫ون‪.‬‬ ‫فة ُ‬ ‫راع ً‬ ‫شامخة ُ‬ ‫ً‬
‫(‪)25‬‬ ‫بالمن ِ‬ ‫بالمنى أو ِ‬
‫(‪)24‬‬
‫وطالما كانت‬
‫مجتمعة على‬ ‫ٌ‬ ‫المح ُ‬
‫امية‬ ‫ُ‬ ‫ومة وطوائف ُه‬ ‫ُوب ال ُكفر مه ُت ٌ‬ ‫ُ‬ ‫مهدومة‪ ،‬وني‬‫ٌ‬ ‫الشرك‬ ‫َفبيُوت ُّ‬
‫(‪)30‬‬ ‫(‪)29‬‬ ‫(‪)28‬‬ ‫(‪)27‬‬
‫ِ‬ ‫(‪)26‬‬
‫ذعنة ببذل المطامع الوافية‪ ،‬اليَرون في‬ ‫جعانه المتوافية ُم ٌ‬ ‫وش ُ‬ ‫تسليم البال ِد الحامية‪ُ ،‬‬
‫(‪)33‬‬ ‫(‪)32‬‬ ‫(‪)31‬‬
‫الذلة‬‫َت عليهم ُّ‬ ‫ضرب ْ‬ ‫ماء الحديد لهم ُعصرة‪ ،‬وال في فناء األفنية لَ ُهم ُنصرة‪ ،‬وقد ُ‬
‫(‪)34‬‬
‫أصحاب‬ ‫َ‬
‫الحسنة‪ ،‬ونقل بيت ِعبادت ِه‪ ،‬من أيدي‬ ‫والمسكنة َّ‬
‫وبدل اهلل مكان السيئ ِة‬
‫ِ‬ ‫(‪)36‬‬ ‫(‪)35‬‬
‫أصحاب الميمن ِة )‪.‬‬
‫ِ‬ ‫المشأم ِة إلى أيدي‬

‫(‪ )1‬صبح األعشى ‪ ،493/6:‬وفيات األعيان ‪181/7‬‬

‫‪74‬‬
‫اللغة‬
‫‪ -1‬تشظت‪ :‬تطايرت قطعاً ‪.‬‬
‫‪ -2‬القنا‪ :‬الرماح‪ ،‬أوكل عصا مستوية أومعوجة ‪.‬‬
‫‪ -3‬شققاً‪ :‬شظايا‪.‬‬
‫‪ -4‬فرقه‪ :‬طوائفه‪.‬‬
‫‪َ -5‬ف َرقاً‪ :‬جزعاً وخوفاً ‪.‬‬
‫ص ِّدعت‪ُ :‬ش َّقت وكسرت‪.‬‬
‫‪ُ -6‬‬
‫‪ -7‬الحصاة‪ :‬العقل والرزانة‪.‬‬
‫‪ -8‬الحصى‪ :‬جمع حصاة يريد العدد الكثير‪.‬‬
‫‪ -9‬كلت‪ :‬ضعفت وتعبت‪.‬‬
‫‪ -10‬تصرف‪ :‬تدبر وتوجه ‪.‬‬
‫‪ -11‬ال ِعنان‪ :‬سير اللجام الذي تمسك به الدابة (المقود)‪.‬‬
‫‪ -12‬العيان‪ :‬الرؤية والمشاهدة‪.‬‬
‫‪ُ -13‬غ َّ‬
‫ض ْت‪ُ :‬ك َّف ْت ُ‬
‫وخفضت‪.‬‬
‫‪ -14‬دون‪ :‬نقيض فوق‪ ،‬وهو تقصير عن الغاية ‪.‬‬
‫‪ -15‬كسيفة‪ُ :‬منكسة مخفوضة‪.‬‬
‫‪ -16‬جفن سيفه‪ :‬غمدهُ‪.‬‬
‫‪ُ -17‬تريق‪ :‬تصب‪.‬‬
‫‪ -18‬نطف‪ :‬جمع نطفة‪ ،‬القطرة‪ ،‬والماء الصافي‪.‬‬
‫‪ -19‬الكرى ‪:‬النعاس والنوم‪.‬‬
‫‪ -20‬جدعت‪ :‬قطعت‪.‬‬
‫‪ -21‬شامخة‪ :‬متكبرة‪ ،‬متعظمة ‪.‬‬
‫‪ -22‬راعفة‪ :‬سائلة بالدماء ‪.‬‬
‫‪ -23‬المنون‪ :‬الموت‪.‬‬
‫‪ -24‬مهتومة‪ :‬مكسورة‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪ -25‬المحامية‪ :‬المدافعة‪.‬‬
‫‪ -26‬الحامية‪ :‬آخر من يدافع عنهم في حالة الهزيمة ‪.‬‬
‫‪ -27‬المتوافية ‪ :‬المتتامة‪.‬‬
‫‪ -28‬مذعنة‪ :‬منقادة‪ ،‬مقرة‪.‬‬
‫‪ -29‬المطامع ‪:‬جمع مطمع ‪:‬ما يستدعي الطمع‪ ،‬وهو االمل والرجاء ‪.‬‬
‫‪ -30‬الوافية‪ :‬التامة‪.‬‬
‫‪ -31‬العُصرة‪ :‬الملجأ والنجاة‪.‬‬
‫‪ -32‬ال ِفناء‪ :‬الساحة في الدار او بجانبها ‪.‬‬
‫َت‪ :‬أُلزمت وأُحيطت‪.‬‬ ‫‪ُ -33‬‬
‫ض ِرب ْ‬
‫‪ -34‬المسكنة‪ :‬الفقر والضعف‪.‬‬
‫‪ -35‬المشأمة ‪ :‬الشؤم‪ ،‬الشر‪.‬‬
‫‪ -36‬الميمنة‪ :‬البركة ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫النص عن خذالن العدو واندحاره‪ ،‬عما أصاب جموعه الهائلة من تشتت‬
‫ّ‬ ‫يتحدث‬
‫وجبروته من تضعضع وغطرسته من وهن‪،‬وع ّما َد َّب في طوائفه من خور‪ ،‬وفي‬
‫فرقة من فزع وذعر‪ ،‬بل سرى ذلك كلّه إلى أسلحته وأدوات قتاله‪ ،‬لما نالها من‬
‫الضربات القاصمة على أيدي ابناء البالد الشجعان ‪.‬‬
‫ً‬
‫طاغيا‪ ،‬أصبح ‪-‬‬ ‫العدو الذي كان باالمس يصول ويجول‪ ،‬ويشمخ بأنفه متجبراً‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫ً‬
‫‪-‬ذليال‬ ‫بعد أن لقنه األبطال المحررون دروساً قاسية في الشجاعة والتضحية والفداء‬
‫مهاناً يجر ذيول الخزي والعار طالباً النجاة‪ ،‬مقراً بالهزيمة الئذاً بالفرار‪ ،‬مستعداً‬
‫لتسليم البالد إلى أهلها ‪.‬‬
‫وهكذا عادت القدس التي َّ‬
‫دنسها العدو إلى أصحابها األصليين الذين لم يبخلوا ‪-‬‬
‫غال ونفيس ‪.‬‬ ‫العادتها َمكرمة معززة ِّ‬
‫‪-‬بكل ٍ‬
‫أحسن الكاتب في تجسيم ّ‬
‫كل ما أراد تصويره من حاالت الوهن والضعف والخذالن‬
‫التي َدبّت في فصائل هذا العدو وضعضعت معنوياته‪.‬‬
‫انتقى الكاتب لغرضه األلفاظ المالئمة للصنعة التي أرادها كالتشظي والفرق والغل‬
‫والصدع والكالل‪ ،‬والهدم والهتم واإلذعان والتسليم والذل والمسكنة ‪.‬‬
‫كما أحسن اختيار العبارات المناسبة ذوات الدالالت القوية واآلثار العميقة في‬
‫النفوس والمشاعر‪ ،‬حتى ليصعب المفاضلة بين عبارة وأخرى‪ ،‬وهذا واضح في‬
‫الوصف الدقيق لحالة الهلع التي رانت على العدو المتغطرس‪ ،‬وفقدانه السيطرة‬
‫على نفسه وضيق االرض على رحابتها‪ ،‬والصراع النفسي الذي انتاب فلوله وقادته‬
‫فكانوا بين‪:‬منهزم ومستسلم وخانع‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫(فبيوت الشرك مهدومة‪ ،‬ونيوب الكفر مهتومة‪ ،‬وطوائفه المحامية مجتمعة على‬
‫تسليم البالد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة ببذل المطامع الوافية‪ .‬وقد ضربت‬
‫عليهم الذلة والمسكنة)‪.‬‬
‫وعمد الكاتب ‪ -‬في تجسيم صوره‪ ،‬وابراز معانيه كذلك إلى التبسيط في القول فأكثر‬
‫من الترادف في األلفاظ‪ ،‬والتعاقب في المعاني ‪،‬فهذا الجزء من الرسالة ‪ -‬كما هو‬
‫‪77‬‬
‫واضح ‪ -‬يدور حول فكرة واحدة هي انخذال العدو وضعف قواه ولكن الكاتب تفنن‬
‫في عرضه وشرحه وتبيانه واستعان كذلك في تجسيم صوره وإيضاح معانيه‬
‫بوسائل بيانية وبديعية فالتزم السجع في عامة النص وقد تفنن به‪ ،‬فمرة يجعل‬
‫الجملتين مختلفتين في عدد األلفاظ كقوله‪( :‬قد أظفر اهلل بالعدو الذي تشظت قناته‬
‫رقاً)‪ ،‬ومرة يجعلهما متقاربتين كقوله (وعثرت قدمه وكانت‬ ‫سفقاً وطارت ِفرق ُه َف َ‬
‫االرض لها حليفة‪ ،‬وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفه)كما اعتمد‬
‫الجناس واإلكثار منه كقوله‪ِ ( :‬فرق ُه ف َرقاً‪َ ،‬‬
‫وحصات ُه وحصى‪ ،‬وال ِعنان والعيان‪،‬وجفن‬
‫والجفون‪ ،‬والمنى والمنون‪ ،‬ومهدومة ومهتومة)‪.‬‬
‫وكذلك استعان بالطباق كقوله (نام ويقظة‪ ،‬والسيئة والحسنة‪ ،‬ومشأمة والميمنة)‪.‬‬
‫كما أكثر من استعمال المجاز كما في قوله ‪(:‬ونام جفن سيفه‪ ،‬وكانت يقظته وجدعت‬
‫أنوف رماحه‪ ،‬ونيوب الكفر)‪.‬‬
‫كما ضمن كالمه شيئاً من آي القرآن الكريم وهو قوله‪( :‬وقد ضربت عليهم ّ‬
‫الذلة‬
‫والمسكنة) ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬

‫‪ -1‬أين تلمح تأثر الكاتب بالقرآن الكريم في النص؟‬


‫‪ -2‬يُعد القاضي الفاضل صاحب مدرسة في الكتابة‪ ،‬ما أهم مميزاتها؟‬
‫وهل تتبين في هذا النص بعض مالمحها ؟ َعي ْ‬
‫ِّن ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬اُذكر أمثلة من الرسالة تحتوي على فنون بديعية‪ ،‬واذكر نوع هذه الفنون ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫القسم الثاني‬
‫األدب العربي في األندلس‬
‫ُ‬
‫مقدمة تأريخية‬
‫كانت األندلس آخر الجناح الغربي من الوطن العربي‪ ،‬حيث تشكل األرض الممتدة في‬
‫الجنوب الغربي من أوربا‪ ،‬ويفصل بينها وبين المغرب العربي من جهة البحر مضيق‬
‫جبل طارق ‪.‬وتشمل أراضي األندلس في العصر الحديث ً‬
‫كال من اسبانيا والبرتغال‪،‬‬
‫كان فتح المغرب مقدمة لفتح بالد األندلس ‪.‬‬
‫ففي سنة (‪92‬هـ) عبر الجيش العربي المضيق المؤدي إلى الجزيرة الخضراء في‬
‫الشاطئ االسباني بقيادة طارق بن زياد‪ ،‬وبتوجيه من القائد العربي موسى بن نصير‬
‫المسمى (جبل طارق)‪ ،‬ثم ألقى‬
‫َّ‬ ‫في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك‪ ،‬ونزلوا الجبل‬
‫((أيها الناس َ‬
‫أين المف ّر؟ البحر من ورائكم والعدو‬ ‫ّ‬ ‫خطبته المشهورة التي منها‬
‫أمامكم وليس لكم واهلل إال الصدق والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من‬
‫االيتام في مأدبة اللئام))‪.‬‬
‫وهكــذا فتح الــعرب االندلس وحكمهـــــا المسلمــون مـــــا يقــارب ثمانيــة قــرون‬
‫أثيال وحضارة وارفة‪،‬وعلوماً‬‫(‪92‬هـ ‪ 898-‬هـ) ‪ .‬وصنعوا خاللها لالندلس مجداً ً‬
‫غزيرة‪.‬‬
‫مقدمة في اتجاهاته وفنونه‬
‫كان الشعر أسبق الفنون األدبية ظهوراً في بيئة األندلس الجميلة ألنه مظهر الثقافة‬
‫العربية‪ ،‬ومرآة حياة العربي العقلية واالجتماعية‪ .‬وهو جزء اصيل من كيانه يشدو‬
‫َّ‬
‫وأيان ارتحل‪ ،‬فال غرابة أن يقبل األندلسيون العرب على نظمه‪ ،‬فتزدهر‬ ‫به َّأنى َّ‬
‫حل‬
‫كل ألوانه منذ أن ّ‬
‫حل العرب في األندلس إلى أن غابت‬ ‫فنونه وتنتشر بين الناس ّ‬
‫شمسهم عنها ‪ .‬ويقسم المؤرخون عصور األدب األندلسي على وفق العصور‬
‫فاإلمارة‪ ،‬فالخالفة‪ ،‬فملوك الطوائف‪ ،‬فالمرابطين‪،‬‬‫السياسية ‪:‬عصر الوالة‪،‬‬
‫فالموحدين‪ ،‬وأخيراً عصر بني األحمر‪.‬لكن عصر ملوك الطوائف كان أزهى عصور‬
‫الشعر فيها‪ ،‬إذ ظهر فيه كثير من فحول الشعراء مثل ابن زيدون وابن خفاجة وابن‬
‫‪79‬‬
‫عمار والمعتمد بن عباد ‪ ،‬ومما ساعد على نهضة الشعر وازدهاره في األندلس‬
‫استقرار السلطة في أيدي العرب المعروفين بموهبة الشعر المتأصلة في نفوسهم‬
‫وحرصهم الشديد على اللغة العربية وآدابها وجمال طبيعة بالد األندلس وفتنتها‪،‬‬
‫فتعلقت بها قلوب الشعراء وملكت مغاني جمالها نفوسهم ومشاعرهم حتى قال‬
‫شاعرهم ‪:‬‬
‫ٌ‬
‫وظـل وأنها ٌر وأشجـا ُر‬ ‫ما ٌء‬ ‫أندلــس هلل در ُكــــــم‬
‫ٍ‬ ‫يــا أهل‬
‫َّرت هذا ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫كن ُت أختا ُر‬ ‫ولو َتخي ُ‬ ‫ما َج َّنة الخل ِد إال في ِ‬
‫دياركـــ ُم‬
‫الدعة واالسترخاء والنعومة والثراء وما عرف عن ملوكهم وأُمرائهم من‬
‫مع حياة ِّ‬
‫رغبة في الشعر وقرضه‪ ،‬وتقريبهم للشعراء وعقد المجالس لهم‪.‬‬
‫ومما أسهم في ازدهار الشعر تعاطي الحكام واألمراء والوزراء له نظماً وتذوقاً‪ ،‬فقد‬
‫كان مؤسس الدولة األموية في األندلس عبد الرحمن الداخل شاعراً وأديباً‪ ،‬ومثله‬
‫كثير من األمراء والخلفاء والملوك كالخليفة عبد الرحمن الناصر وملك إشبيلية‬
‫المعتمد بن عباد ‪.‬‬
‫ومعظم الوزراء كانوا شعراء أيضاً مثل ابن زيدون‪ ،‬وابن عمار وابن شهيد وابن‬
‫حزم ولسان الدين بن الخطيب‪.‬‬
‫الرحلة الدائمة بين المشرق والمغرب من عوامل‬
‫وكانت روح المنافسة للمشرق‪ ،‬مع ِّ‬
‫ازدهار الشعر ونموه أيضاً‪.‬‬
‫تميز الشعر األندلسي بميزات واضحة منها‪ ،‬أنه سهل األلفاظ‪ ،‬سلس التركيب‬
‫واضح المعاني بعيد عن تعمق الفالسفة وتدقيق الحكماء‪ ،‬وقد ألم ببعض المعاني‬
‫الطريفة المبتكرة ‪ ،‬مما سلك قسماً من شعرائه في عداد الشعراء المجددين‪ ،‬ولجمال‬
‫طبيعة األندلس جال خيال شعرائها ورق وصفهم فكثرت لديهم التشبيهات البديعة‬
‫والتوليدات العجيبة الغريبة‪ .‬ومما يلفت النظر كثرة الشواعر في األندلس‪ ،‬فعددهن‬
‫كبير بالقياس إلى ما في المشرق العربي‪ ،‬وربما يرجع ذلك إلى ما كانت تتمتع به‬
‫المرأة من العلم والمعرفة وربما الحرية بنصيب أوفر من نصيب أُختها في المشرق‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ابن زيدون‬
‫الشاعر الكاتب الوزير أبو الوليد أحمد بن عبد اهلل بن زيدون يرجع في نسبه إلى بني‬

‫مخزوم من قريش‪ ،‬وقد وفد أجداده إلى األندلس أيام الفتح العربي ‪.‬‬
‫و َُيع ُّ‬
‫َد من أشهر شعراء قرطبة‪ ،‬عاش في أواخر عصر الخالفة‪ ،‬وأدرك عصر الطوائف‬

‫إذ توفي في إشبيلية سنة (‪463‬هـ)‪ .‬ت َم َّي َز بالظرافة ورقة الحديث وسرعة البديهة‪.‬‬

‫وأصدق ما وصف به هو (شاعر الحب والجمال)‪ ،‬وله ديوان مطبوع‪ ،‬أكثره في‬

‫الغزل بوالدة بنت المستكفي‪ ،‬وكانت ذات شهرة عظيمة في قرطبة لجمالها وعلمها‬

‫وأدبها‪ ،‬وقصائده فيها مشهورة ‪.‬‬

‫وكما برع بالشعر فقد برع بالنثر أيضاً فقد كان ذا ثقافة واسعة كثير الميل لعلوم‬

‫العرب وفنون اللغة‪ ،‬ونال مكانة مرموقة في مجالس قرطبة األدبية والسياسية ‪.‬‬

‫ومن مؤلفاته ‪:‬‬

‫‪ -1‬رسائل ابن زيدون ‪.‬‬

‫‪ -2‬ديوان شعر مطبوع ومشهور‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫قال في والدة بنت المستكفي‬

‫(للحفظ ‪ 8 :‬أبيات)‬
‫(‪)1‬‬ ‫األرض قد راقــــــا‬
‫ِ‬
‫*‬ ‫فق ٌ‬
‫طلق ومرأى‬ ‫واألُ ُ‬ ‫إِ ِّني َذكر ُت ِك بال ّزهراِء ُمشتاقـــــــــــــــاً‬
‫(‪)2‬‬ ‫فاع َت َّل إِشفاقـــــــــــــــــــا‬ ‫كأنه َّ‬
‫رق لــي ْ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫اعتالل في أصائلـــــــــــــــــ ِه‬ ‫ّ‬
‫وللنسيِم‬
‫(‪)3‬‬ ‫الفضي مبتســـــ ٌم كمـا َحلَ ْل ِت عن اللب ِ‬
‫َّات أطواقـــــــــــــــــا‬ ‫وض عن ما ِئ ِه ِّ‬
‫والر ُ‬
‫ُّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫الده ُر ُسراقـــــــــــا‬ ‫بتنا لهــــا َ‬
‫حين نا َم َّ‬ ‫ْ‬
‫ــــــــــــــت‬ ‫انص َر َم‬ ‫يوم كأيَّام َّ‬
‫لذات لنا َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫حتى َ‬
‫مال أعناقــــــــــــا‬ ‫َ‬
‫جـال َّ‬
‫الندى فيه َّ‬ ‫ــــــــر‬ ‫العين من َز َه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يستميل‬ ‫َن ْل ُ‬
‫هو بما‬
‫ٍ‬
‫(‪)6‬‬ ‫مع ر ِقراقــــــــــــا‬ ‫َب َك ْت لِمـا بي َف َ‬
‫جال َّ‬
‫الد ُ‬ ‫َ‬
‫عاينت أرقــــــــــــــــي‬ ‫أن َ‬
‫أعينه إذ‬ ‫َك َّ‬
‫ِ‬
‫(‪)7‬‬ ‫العين إشراقــــا‬
‫ِ‬ ‫فـازدا َد منه ّ‬
‫الضحى في‬ ‫تألق في َ‬
‫ضاحي َمنابتـــــــــــــ ِه‬ ‫ور ٌد َ‬
‫(‪)8‬‬ ‫الصدر ْ‬
‫أن ضاقـــا‬ ‫إليك لـــــم يَع ُد عنها َّ‬ ‫شوقـنـــــــــــــــا‬ ‫ُك ٌّل ُ‬
‫يهيج لنا ِذكرى ُت ِّ‬
‫(‪)9‬‬
‫وق َخ َّفاقـــــــــــــــا‬ ‫َّ‬
‫بجناح الش ِ‬
‫ِ‬ ‫َفلَ ْم ي ْ‬
‫َطر‬ ‫ال َس َّك َن اهللُ قلباً َّ‬
‫عن ذكر ُكـــــــــــــــم‬

‫(‪)10‬‬ ‫وافـــا ُكم بـفـتى أضنـا ُه مـا القـــــــــــى‬ ‫الصبح حين َسرى‬
‫لوشاء َح ْملي نسي ُم ّ‬
‫األيام أخالقــــــــــــــا‬
‫ِ‬ ‫ـرم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لكــان مـن أك ِ‬ ‫كــان َو ّفى ال ُمنى في َج ْم ِعنا ِبكـــم‬
‫لو َ‬

‫نـس َجرينا فيه إطالقـــــــــــــا‬‫َ ُ‬ ‫الو ِّد ُمذ‬ ‫كان َّ‬


‫(‪)11‬‬ ‫مـيدان أ ٍ‬ ‫زمـــن‬
‫ٍ‬ ‫بمحض ُ‬
‫ِ‬ ‫جاري‬
‫الت ِ‬
‫(‪)12‬‬ ‫نحن ُع َّشاقــــــــــــــــا‬
‫َســلَ ْو ُتم َوبَقـينا ُ‬ ‫فـاآلن أحمـد مـا ُكنَّـا لعه ِد ُكــــــــــــم‬
‫َ‬

‫( ) وتروى (ووجه)‪.‬‬
‫*‬

‫‪82‬‬
‫اللغة‬
‫‪ -1‬الزهرا ء‪ :‬مدينة بناها عبد الرحمن الناصر بضواحي قرطبة‪.‬‬
‫طلق‪ :‬مشرق كأنه باسم‪.‬‬
‫راق ‪ :‬أعجب‪.‬‬
‫‪ -2‬اعتالل‪ :‬مرض‪.‬‬
‫أصائله‪ :‬جمع أصيل‪ ،‬وهو وقت العشي‪.‬‬
‫‪ -3‬اللّبّات‪ :‬جمع الَّلبّة‪ ،‬وهي أعلى ّ‬
‫الصدر‪ ،‬وموضع القالدة منه‪.‬‬
‫األطواق‪ :‬جمع طوق‪ ،‬وهو ما يحيط بالعنق من الثوب والحلي‪.‬‬
‫‪ -4‬انصرمت‪ :‬انقطعت وانقضت‪.‬‬
‫‪ -5‬جال‪ :‬طاف‪.‬‬
‫َّ‬
‫الندى‪ :‬المطر والبلل‪.‬‬
‫‪ -6‬رقراق‪ :‬صفة للدمع ألنه يدور في العين‪ ،‬ويقال ‪ :‬ترقرق أي جاء وذهب‪.‬‬
‫‪ -7‬تألق‪ :‬لمع‪.‬‬
‫ضاحي المنابت ‪ :‬األرض المرتفعة التي غمرتها شمس ُّ‬
‫الضحى‪.‬‬
‫‪ -8‬يعدو‪ :‬يتجاوز‪.‬‬
‫‪ّ -9‬‬
‫عن‪ :‬عرض‪.‬‬
‫‪ -10‬سرى‪ :‬سار ً‬
‫ليال‪.‬‬
‫أضناه‪ :‬أمرضه‪.‬‬
‫‪َّ -11‬‬
‫التجاري ‪ :‬التسابق‪.‬‬
‫محض ِّ‬
‫الود‪ :‬خالص الحب‪.‬‬
‫إطالق‪ :‬جمع طلق وهو الشوط في السباق‪.‬‬
‫‪َ - 12‬سلَ ْو ُتم‪ :‬نسيتم‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫يشيع في شعر األندلسيين المزج بين الطبيعة والغزل‪ ،‬وهم مجددون في هذا بالقياس‬
‫إلى الشعراء العباسيين في المشرق ألننا تعودنا على مزجهم بين الطبيعة والخمر‪،‬‬
‫وقد يجمع الشعراء األُندلسيون بين الثالثة في بعض مقطوعاتهم‪.‬‬
‫وقد نبعت هذه الميزة عندهم من طبيعة حياتهم المملوءة بالحب فاتصل الحب والغزل‬
‫بالطبيعة فجعلوها مسرحاً لغزلهم وميداناً لقصص حبهم‪.‬‬
‫وابن زيدون مولع دائما بالربط بين جمال الطبيعة وجمال المرأة فكالهما رائع‬
‫الجمال وإن تباينت السمات فالطبيعة عنده قد ارتبطت بذكريات حبيب ِته ارتباطا وثيقاً‬
‫وكل ما فيها ِّ‬
‫يذكر ُه بحسن‬ ‫وأل َهبت عواطفه وحركت أشجانه وأنطقته بديع الشعر ّ‬ ‫ْ‬
‫قي َل َّ‬
‫بأن الميزة األولى هي في القفزة التي كان يقفزها إلى‬ ‫محبوبته وجمالها ‪ .‬وقد ِ‬
‫الحب اآلفل وعذاب الهجر ال ُم ّر‪.‬‬
‫الماضي فيصور لنا بالمقارنة سعادة ِّ‬
‫إن ابن زيدون في غزله هذا يعزف على قيثارة الشعر العربي القديم ‪ ،‬ألنه امتداد‬ ‫َّ‬
‫ْ ُ‬
‫له نابع من أصول واحدة ‪ .‬وهو يُشرك الطبيعة معه في ُح ِّب ِه حتى يجعلها ُت ِ‬
‫شار ُكه‬
‫َر ُّق له ‪.‬‬
‫اعتالله وهمومه فالنسيم يعتل َوي ِ‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬مزج الشاعر بين الغزل والطبيعة في قصيدته‪ ،‬أوضح ذلك‪.‬‬

‫(س َّراقاً) في أحد األبيات‪ ،‬فهل وفق الشاعر في استعمالها ولماذا؟‬


‫‪ -2‬وردت كلمة ُ‬
‫توجه المعاني التي جاءت في الفقرات اآلتية؟‬
‫‪ -3‬كيف ِّ‬
‫وض عن مائ ِه ال ِف ِّ‬
‫ضي مبتس ٌم‪.‬‬ ‫والر ُ‬
‫أ‪ُّ -‬‬
‫الندى فيه حتى مال أَعناقا‪.‬‬
‫ب‪ -‬جال َّ‬

‫وق خفاقا‪.‬‬ ‫َّ‬


‫يط ْر بجناح الش ِ‬
‫جـ‪ -‬لم ِ‬

‫‪84‬‬
‫الموشحات‬
‫تع ّد الموشحات في األدب فناً شعرياً نشأ في بالد االندلس خالل القرن الثالث الهجري‬

‫إلرضاء حاجة الشعب‪ ،‬ويتميز بتعدد القوافي‪ ،‬وبخروجه على بحور الشعر المعروفة‬

‫في بعض األحيان وتنويعها في الموشح الواحد‪ ،‬وبتقسيمه إلى أجزاء ال نجدها في‬

‫ألوان النظم األخرى‪ ،‬مع استعماله اللهجة العامية أو األعجمية في آخر أجزائه‪.‬‬
‫وي ُّ‬
‫ُعد الموشح من فضائل العرب في األندلس‪ ،‬سبقوا فيه أهل المشرق‪ ،‬واقتدى‬

‫المشارقة بهم في نظمه‪.‬‬

‫ناظميه هم شعراء عرب كانوا‬


‫وهو ليس ظاهرة مستقلة عن الشعر العربي‪ ،‬ألن ِ‬
‫آن واحد‪.‬‬ ‫َقر ُ‬
‫ضون الشعر وينظمون الموشحات في ٍ‬ ‫ي ِ‬
‫أول َّ‬
‫وشاح أندلسي‪ ،‬فقال بعضهم َّإن ُه محمد بن‬ ‫وقد اختلف المؤرخون في تسمية ِ‬
‫حمود القبري‪ ،‬وقال آخرون ‪َّ :‬إنه ابن عبد ربَّه األندلسي ‪ .‬أما أجزاء الموشح فهي‬

‫أجزاء يكون مجموعها الموشح الكامل وهي ‪:‬‬

‫(المطلع ‪ ،‬القفل ‪ ،‬الدور ‪ ،‬السمط ‪ ،‬الغصن ‪ ،‬البيت ‪ ،‬الخرجة) ‪ ،‬فالمطلع ‪ :‬هو القفل‬

‫األول من الموشح ‪ ،‬والقفل ‪ :‬هو الجزء المتكرر في الموشح‪ ،‬والمتفق مع المطلع‬

‫في القافية والوزن وعدد األجزاء ‪ ،‬والدور‪ :‬هو ما يأتي بعد المطلع في الموشح‪،‬‬
‫كل األدوار‪ ،‬والسمط ‪ :‬هو ّ‬
‫كل شطر‬ ‫ولم يتكرر متفقا في الوزن وعدد األجزاء في ِّ‬

‫من أشطر الدور ‪ ،‬والغصن ‪ :‬هو الشطر الواحد من أشطر المطلع أو القفل ‪ ،‬والبيت‬

‫‪ :‬ويتكون من الدور والقفل الذي يليه مجتمعين ‪ ،‬والخرجة ‪ :‬هي القفل األخير من‬

‫الموشح ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫والخرجة ‪ :‬هي الجزء الوحيد في الموشح التي ال تلتزم باللغة الفصيحة وال باإلعراب‪.‬‬

‫و ُتع ّد أوزان الموشحات أكبر حركة للتجديد في أوزان الشعر العربي‪ ،‬وثورة ضد‬
‫الرتيبة التي كانت َ‬
‫األشعار العربية تلتزم بها دائماً‪.‬‬ ‫القوافي َّ‬
‫أما أغراض الموشحات فهي متنوعة كتنوع أغراض الشعر العربي‪ ،‬فقد نظمها‬
‫الوشاحون في الغزل والمدح والرثاء والهجاء والزهد‪ْ ،‬‬
‫وإن كان الغزل أبرز أغراض‬

‫عم األندلس‪ ،‬وتلحينها في مجالس‬


‫الموشحات‪ ،‬لصلتها الوثيقة بفن الغناء الذي َّ‬
‫ْ‬
‫وارتفعت بها أصوات الجواري‪.‬‬ ‫اللهو والطرب‪ ،‬فتغنى بها المغنون في مجالسهم‪،‬‬

‫ومن أبرز الوشاحين في األندلس ابن سهل اإلشبيلي ويحيى بن بقي وابن قزمان‬

‫ولسان الدين بن الخطيب (‪.)1‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬لم يكن الموشح ظاهرة منفصلة عن تطور الشعر العربي‪ .‬وضح هذا القول‪.‬‬

‫‪ -2‬من أول من نظم الموشح ؟‬

‫‪ -3‬ما الخرجة وبماذا تختلف عن سائر أجزاء الموشحة ؟‬

‫‪ -4‬تعد الموشحات أكبر حركة تجديد في الشعر العربي‪ .‬ناقش هذا القول ‪.‬‬

‫‪ -5‬الغزل ووصف الطبيعة أبرز أغراض شعر األندلس ‪ ،‬والسيما الموشحات ‪.‬وضح ذلك‪.‬‬

‫سم ثالثة من الوشاحين االندلسيين ‪.‬‬


‫‪ِّ -6‬‬

‫(‪ )1‬يستعان بموشحة ابن الخطيب لتوضيح اجزاء الموشح عملياً‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫لسان الدين بن الخطيب‬
‫هو محمد بن عبداهلل بن سعيد المعروف بلسان الدين بن الخطيب‪ ،‬يرجع في نسبه‬
‫إلى عرب اليمن‪ ،‬إذ رحل بعض أجداده إلى دمشق ثم استقر بهم المقام في األندلس‪.‬‬
‫ولد ونشأ في غرناطة‪ ،‬وعاش بين سنتي ‪ 776 - 713‬هـ ‪ُ ،‬يع ُّ‬
‫َد من أبرز رجال‬
‫دولة بني األحمر في السياسة والعلم واألدب ‪ ،‬وإن كان األدب ألصق به من غيره‪،‬‬
‫إذ كان شاعراً وخطيباً ووشاحاً وكاتباً ومؤرخاً وزادت مؤلفاته على الستين كتاباً‬

‫ومما طبع منها‪:‬‬


‫(اإلحاطة في أخبار غرناطة ) و (الكتيبة الكامنة في من لقيناه من شعراء ال ِمئة‬
‫الثامنة ) و (رقم الحلل في نظم الدول) و (جيش التوشيح)‪.‬‬
‫وع ِر َف بعمق تفكيره وأصالته وبحبه‬
‫اشتهر بذي الوزارتين‪ ،‬القلم والسيف‪ُ ،‬‬
‫ألمته‪ ،‬والدفاع عنها بالفكر والرأي‪.‬‬
‫ومن موشحاته المشهورة قوله من موشحة طويلة يعارض فيها موشحة ابن سهل‬
‫اإلشبيلي ويمزج فيها المدح بالغزل ووصف الطبيعة ‪.‬‬

‫الموشح‬
‫(للحفظ‪ 7 :‬أبيات)‬
‫(‪)1‬‬ ‫باألندلــس‬
‫ِ‬ ‫الوصـل‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫زمـان‬ ‫يـــــا‬ ‫ْث َه َمـــى‬‫الغي ُ‬ ‫ُ‬
‫الغيث إذا َ‬ ‫جا َد َك‬
‫َ‬ ‫وصــلُ َك إلاَّ ُحلُمــــاً‬
‫(‪)2‬‬ ‫في ال َكـرى أو ُخلـِ َسة ال ُم ْختلِ ِ‬
‫س‬ ‫لــــ َم ي ُك ْن َ‬
‫***‬
‫(‪)3‬‬ ‫ـو على مـا َت ُ‬
‫رس ُم‬ ‫الخ ْ‬
‫ـط َ‬ ‫ـل َ‬ ‫َن ْـن ُ‬
‫ــق ُ‬ ‫الده ُر أَش َت َ‬
‫ات ال ُمنـــى‬ ‫إذ يَقو ُد َّ‬
‫(‪)4‬‬ ‫الحجيـج الموسـ ُم‬
‫َ‬ ‫مـِثلما يَدعـُو‬ ‫بــين ُفـــــرادى ُ‬
‫وثـنـا‬ ‫ُز َمـــراً َ‬
‫(‪)5‬‬ ‫هـر فيـه َتب ِ‬
‫ْسـ ُم‬ ‫َّ‬
‫الـــــز ِ‬ ‫َف ُ‬
‫ثغــــور‬ ‫والحيـا قــد َجلَّ َل َّ‬
‫الروض سنا‬ ‫َ‬
‫***‬

‫‪87‬‬
‫أنـــــس‬ ‫َروي مــالِ ٌك عن‬ ‫َ‬ ‫و َر َوى ُّ‬
‫الن ُ‬
‫(‪)6‬‬ ‫ِ‬ ‫كيف ي ِ‬ ‫السما‬
‫ماء َّ‬‫عـمان عـن ِ‬
‫(‪)7‬‬ ‫يَــزدهــي منــه بــأبْهى ملبــس‬ ‫ـن ثــوباً ُمعْــلَما‬
‫ــس ُ‬
‫الح ْ‬
‫فـكـسـا ُه ُ‬
‫***‬
‫(‪)8‬‬ ‫ـــــرر‬
‫ِ‬ ‫موس ُ‬
‫الغ‬ ‫بـالدجى لوال ُش ُ‬
‫ُّ‬ ‫ــر الهـــوى‬
‫ـمـت ِس َّ‬‫ليـال َك َت ْ‬
‫فـي ٍ‬
‫ثــــــــر‬ ‫السير سع َد َ‬
‫األ‬ ‫الكــأس فيـها َ‬ ‫َ‬
‫(‪)9‬‬ ‫ِ‬ ‫مستقي َم َّ ِ‬ ‫وهـوى‬ ‫ِ‬ ‫مـال نجـ ُم‬
‫َـــصـــــر‬
‫لـــمــح الب َ‬ ‫َّأنــه َم َّ‬
‫ــر َك‬ ‫عيـب سـوى‬ ‫وطـ ٌر مـا فيـه ِم ْ‬ ‫َ‬
‫(‪)10‬‬
‫ِ‬ ‫ـن ٍ‬
‫***‬
‫ـين َّ‬
‫لـذ الـنـو ُم شيئـاً أو كـمــــا‬
‫الحــــــرس‬
‫ِ‬ ‫ْح ُهجومَ‬ ‫َه َج َم ُّ‬
‫الصب ُ‬ ‫ِح َ‬
‫(‪)11‬‬ ‫ــــس‬
‫رج ِ‬ ‫ُ‬
‫عيون النــــَّ ِ‬ ‫َّأث َر ْت فينا‬ ‫ُمـــــا‬
‫ـهـب بـنـا أو رب َّ‬
‫الش ُ‬‫غـارت ُّ‬
‫ِ‬
‫***‬
‫فيكون ال ّروُض قد ُم ِّكـن فيــــه‬
‫ُ‬ ‫شـيء المـرئ َقـــد َخـلـصــَا‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫ُّ‬
‫كــره مــــا َت َتقـــيـ ِه‬ ‫ـت َ‬‫أ ِم َن ْ‬ ‫تـنــهـب األزهـــا ُر فيـه ُ‬
‫(‪)12‬‬ ‫من َم ِ‬ ‫الف َرصـا‬ ‫ُ‬
‫(‪)13‬‬ ‫خـــليل بــــأخــيه‬
‫ٍ‬ ‫وخـــال ُّ‬
‫كـــل‬ ‫والحصــى‬
‫المـاء تـناجـى َ‬
‫ُ‬ ‫فـــإذا‬
‫***‬
‫(‪)14‬‬ ‫غيظ ِه مــا يَكتـــسي‬
‫يَكتسي من ِ‬ ‫ُتـبــصـ ُر الـور َد غـيــوراً ب ِ‬
‫َــرمـا‬
‫ـــرس‬ ‫َ‬ ‫َســر ُق َّ‬ ‫اآلس لـبـيـــبـاً َفـهـِمــا‬
‫(‪)15‬‬ ‫مــع بأذني ف ِ‬ ‫الس َ‬ ‫ي ِ‬ ‫وتـــرى َ‬
‫***‬
‫(‪)16‬‬ ‫ٌ‬
‫مــسكن أنتـــ ْم بــــ ِه‬ ‫وبقــلبــي‬ ‫ضا‬ ‫الحـي من وادي َ‬
‫الغ َ‬ ‫ِّ‬ ‫يا أُهيـل‬
‫(‪)17‬‬ ‫ـــرقـه من غـربــِ ِه‬‫ال أُبــــالي ْش َ‬ ‫ضا‬ ‫ــب َ‬
‫الف َ‬ ‫رح ُ‬ ‫َ‬
‫ضاق عــن وج ِدي بكم ْ‬
‫(‪)18‬‬ ‫َتـعتــقوا عـاني ُكم مـن َكــربـــ ِه‬ ‫نس قــــد َم َ‬‫ُ‬
‫ضى‬ ‫فأعي ُدوا عه َد أ ٍ‬
‫***‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪)19‬‬ ‫ي َتـالشـى َنفـســاً فـــي َنـــف ِ‬
‫ـــس‬ ‫واتــقوا اهلل وأحـــيوا مغـــرمــا‬
‫(‪)20‬‬ ‫ُـس‬
‫الحب ِ‬
‫ــــفاء ُ‬
‫َ‬ ‫رض َ‬
‫ـــون َع‬ ‫َأفــــ َت َ‬ ‫القــلب علــي ُكم كـــَ َرمـــا‬
‫َ‬ ‫َس‬
‫َحب َ‬
‫***‬

‫‪88‬‬
‫اللغة‬

‫‪ -1‬الغيث‪ :‬المطر‪.‬‬
‫َه َمى ‪َ :‬‬
‫سال‪.‬‬

‫‪ -2‬الكرى ‪ :‬النعاس أو النوم‪.‬‬

‫الخلسة ‪ :‬الفرصة من الخلس وهو السلب‪.‬‬

‫‪ -3‬أشتات ‪ :‬أنواع‪.‬‬

‫‪ُ -4‬زمر ‪ :‬جمع زمرة‪ ،‬وهي الجماعة‪.‬‬

‫ُثنا ‪ :‬اثنين اثنين‪.‬‬

‫‪ -5‬الحيا ‪ :‬الندى أو المطر‪.‬‬

‫سنا ‪ :‬حسن وجمال‪.‬‬

‫‪ -6‬النعمان ‪ :‬األزهار المعروفة بشقائق النعمان‪.‬‬

‫ماء السماء ‪ :‬المطر‪.‬‬

‫مالك ‪ :‬اإلمام المحدث مالك بن أنس‪.‬‬

‫ومعنى البيت ان رواية مالك عن أبيه رواية صحيحة كرواية النعمان بن المنذر‬

‫عن جده ماء السما‪ ،‬وفيها تورية بشقائق النعمان‪ ،‬والمطر ماء السماء ‪.‬‬

‫‪ُ -7‬معْلَماً ‪ :‬مصبوغاً ومرسوماً ‪.‬‬

‫يزدهي ‪ :‬يستخف ‪.‬‬

‫أبهى ‪ :‬أجمل ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ُّ -8‬‬
‫الدجى ‪ :‬الظالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫الغ َرر ‪ :‬جمع الغرة‪ ،‬وغرة الشمس ما بدا من ضوئها أو الصبح‪.‬والغرة بياض‬

‫في الجبين وأراد الوجوه البيض ‪.‬‬

‫‪ -9‬هوى ‪ :‬سقط‪.‬‬

‫‪-10‬وطر ‪ :‬حاجة‪.‬‬

‫‪-11‬غارت ‪ :‬اختفت‪.‬‬

‫الشهب ‪ :‬واحدها الشهاب‪ ،‬وهو الكوكب الساطع‪.‬‬

‫‪َ -12‬م ْك ُر ُه ‪ :‬احتياله وخديعته‪.‬‬

‫تتقيه ‪ :‬تحذره‪.‬‬

‫‪ -13‬خليل ‪ :‬صديق‪.‬‬

‫‪ -14‬برم ‪ :‬ضجر‪.‬‬

‫‪ -15‬لبيب ‪ :‬عاقل‪.‬‬

‫‪ -16‬أهيل ‪ :‬تصغير أهل‪.‬‬

‫‪-17‬وجدي ‪ :‬حبي‪.‬‬

‫‪ -18‬تع ِتقوا ‪ :‬تحرروا‪.‬‬

‫غمه وحزنه‪.‬‬
‫كربه ‪َّ :‬‬
‫‪ -19‬مغرم ‪ :‬مولع ومحب‪.‬‬

‫‪-20‬عفاء ‪ :‬هالك‪.‬‬

‫الحبُس ‪ :‬جمع حبيس وهـو السجين‪.‬‬


‫ُ‬

‫‪90‬‬
‫التعليق النقدي‬

‫يعارض ابن الخطيب في هذا الموشح موشحاً البن سهل اإلشبيلي ‪:‬‬

‫صب حلَّه عن َم َك ِ‬
‫نس‬ ‫قلب ٍّ‬
‫َ‬ ‫أن َقد َحمى‬
‫الحمى ْ‬
‫بي ِ‬‫هل درى َظ ُ‬
‫والمعارضة في الموشحات ‪ :‬أن ينظم َّ‬
‫الوشاح موشحاً على غرار موشح سابق‬

‫متفقاً معه بالغرض والوزن والقافية‪ ،‬ولما كان موشح اإلشبيلي في المدح والغزل‬

‫ووصف الطبيعة جاء موشح ابن الخطيب ملتزماً بذلك أيضاً ‪.‬‬

‫ويتميز هذا الموشح برقة األلفاظ وسهولة المعاني ووضوحها وهو مملوء‬

‫بالتشبيهات الجميلة والصور الزاهية ‪.‬‬

‫أجزاء الموشح ‪:‬‬

‫والقفل األول في هذا الموشح هو البيتان األول والثاني‪:‬‬


‫ُ‬
‫الغيث‪.‬‬ ‫َ‬
‫جادك‬

‫لم يكن وصلك‪.‬‬

‫ويسمى هذا القفل المطلع ‪ .‬وقد ذكر ابن الخطيب قافيته ووزنه في القفل الثاني‬

‫والثالث ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫أما الدور فيه فهو‪:‬‬

‫إذ يقود‪...‬‬

‫زمراً‪...‬‬

‫والحيا‪...‬‬

‫‪91‬‬
‫وقد تكرر بوزنه‪ ،‬وعدد أجزائه بعد القفل الثاني والثالث ‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫ُ‬
‫والخرجة في هذا الموشح هي آخر قفل‪ .‬وهي غير مذكورة ألن الموشح غير كامل‬

‫فقد اقتصرنا على أربعة أبيات من أصل عشرة أبيات‪.‬والسمط فيه ‪ :‬إذ يقود الدهر‬

‫أشتات المنى‪ ،‬أو ‪ :‬ننقل الخطو على ما ترسم‪ ،‬وكل شطر من أشطر األدوار‬

‫األخرى والغصن فيه‪ :‬جادك الغيث إذا الغيث همى ‪.‬‬

‫أو ‪ :‬يا زمان الوصل باألندلس‪.‬‬


‫ّ‬
‫وكل شطر من أشطر األقفال األخرى‪.‬‬

‫أما البيت فهو مكون من المقطع الثاني (الدور) إذ يقود‪...‬‬

‫والمقطع الثالث (القفل) وروى النعمان ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬

‫‪ -1‬تتميز موشحة لسان الدين بالدقة والسهولة والربط بين الطبيعة والغزل‪.‬أوضح‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫وضح ما يأتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الموشح وأجزاءه ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أغراض الموشحات‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬المعارضة في الموشحات‪.‬‬
‫‪ -3‬قال لسان الدين‪:‬‬
‫أنس ))‬ ‫َ‬
‫كيف يروي ٌ‬ ‫(( وروى ُ‬
‫مالك عن ِ‬ ‫السما‬
‫ماء َّ‬
‫النعمان عن ِ‬
‫اُذكر نبذة موجزة عن كل َعلَم َ‬
‫جاء في البيت‪.‬‬
‫‪ -4‬اختر مقطعاً أعجبك وانثره في مقالة أدبية ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫النثر مقدمة ‪:‬‬
‫ً‬
‫مكمال لنهضة الشعر‬ ‫إن النثر صنو الشعر يتقدم ويتطور معه‪ .‬كان الشعر األندلسي‬

‫في المشرق وكذلك النثر األندلسي كان امتداداً للنثر العربي في المشرق‪ .‬وبدأ تأثير‬

‫ال ُك َّتاب األندلسيين واضحاً بأسلوب عبد الحميد الكاتب األموي‪ ،‬وبأسلوب الجاحظ‬

‫في العصر العباسي‪ ،‬وبأسلوب آخرين في العصور المتأخرة‪ ،‬وامتد تأثرهم إلى‬

‫ما يُسمى بالنثر الفني أيضا‪ ،‬فجاروا ابن المعتز وابن سالم في الطبقات والصولي‬

‫في كتاب األوراق‪ .‬ويمكن أن نقسم النثر األندلسي على أربعة ألوان هي الخطابة‬

‫والرسائل والمناظرات والمقامة‪.‬‬

‫الخطابة ‪:‬‬
‫لم يصل إلينا من خطب األندلسيين إال القليل على الرغم من دواعيها التي كانت‬

‫تقتضيها حياتهم‪ ،‬ويمكن أن ُن َق ِّسم الخطابة األندلسية على قسمين‪ ،‬فهي في عصورها‬

‫األولى تتميز بالسهولة والوضوح واإليجاز مع البُعد عن التكلف والزخرفة اللفظية‪،‬‬

‫وخير من يمثلها منذر بن سعيد البلوطي الذي برز اسمه في عهد الخليفة عبد‬

‫الرحمن الناصر فنال إعجابه بعد أن استجاب له البيان وأعانه المنطق والتوفيق‪.‬‬

‫أما في عصورها المتأخرة فالغالب عليها التكلف واإلطالة واإلطناب والتزام الزخرفة‬

‫اللفظية‪ ،‬وربما كان الخطباء يحذون في ذلك حذو المشارقة ْإذ سيطر اتجاه القاضي‬

‫الفاضل‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫الرسائل ‪:‬‬
‫أكثر ما يتمثل النثر االندلسي في الرسائل الفنية التي دبَّجها ال ُك ّتاب ومعظمهم كانوا‬
‫من الشعراء أيضاً‪ ،‬فمنحوا النثر مواهبهم الشعرية وارتقوا به إلى أساليب فنية‬
‫جديدة حتى كادوا أن يجعلو ُه شعراً منثوراً ال ينقص ُه إال الوزن والقافية ليكون‬
‫ولج به ال ُك ّتاب كل الموضوعات َفع َ‬
‫ُرفت الرسائل الديوانية التي تس ّمى‬ ‫شعراً وقد َ‬
‫السلطانيات أيضاً‪.‬‬
‫والرسائل اإلخوانية التي تدور بين اإلخوان واألصدقاء عرف بها ابن برد‪ ،‬والشاعر‬
‫ابن زيدون الذي كتب رسالته الجدية في عتاب الحاكم ابن جهور واستعطافه‪،‬‬
‫ورسالته الهزلية التي كتبها على لسان والدة يسخر فيها من منافسه ابن عبدوس‪،‬‬
‫وهي شبيهة برسالة الجاحظ(التربيع والتدوير) في السخرية من مهجوه أحمد بن‬
‫عبد الوهاب‪ .‬ولعل من أبرز ُك ّتاب الرسائل في األندلس عامة هو ابن ُشهيَد الذي‬
‫كتب رسائل كثيرة في موضوعات وفنون متنوعة‪.‬‬

‫المناظرات ‪:‬‬
‫المناظرات فن نثري يحاول فيه الكاتب إظهار قدرته البيانية وبراعته األسلوبية في‬
‫الموضوع الذي يكتب فيه معتمداً أسلوب الحوار بين األشخاص أو بين غيرالعقالء‬
‫من المخلوقات‪ ،‬وتسمى المناظرات الخيالية‪ ،‬كالحوار بين السيف والقلم أو بين‬
‫المدن األندلسية‪ ،‬وقد أبدع األندلسيون في المناظرات التي كان يُجريها ال ُك َّتاب‬
‫بين الزهور والرياحين والورود وبقية النباتات وإلظهار حبهم لألندلس‪ ،‬وتعلقهم‬
‫بأوطانهم كتبوا مناظرات لبيان فضائل األندلس وأهلها‪ ،‬من ذلك مناظرة ابن حزم‬

‫في فضائل علماء األندلس ‪.‬‬


‫‪94‬‬
‫المقامات‪:‬‬
‫وهي لون من الحكايات الفنية القصيرة وضع تقاليدها أدباء المشرق مثل بديع‬

‫الزمان والحريري ونسج على طريقتها األندلسيون‪ ،‬تجسيداً لوحدة الفكر والفن‬

‫العربي‪ ،‬فكتب أبو طاهر السرقسطي الذي وافاه األجل سنة (‪598‬هـ) (المقامات‬

‫السرقسطية)‪.‬‬

‫وكتب لسان الدين ابن الخطيب مقامات عديدة منها‪( :‬مقامة السياسة) كما كتب ابن‬

‫شرف القيرواني مقامات عديدة عارض فيها مقامات بديع الزمان ‪.‬‬

‫ابن ُش َه َ‬
‫يداألندلسي‬
‫أبو عامر أحمد بن عبدالملك بن شهيد األندلسي‪ ،‬شاعر استوطن قرطبة كبرى‬
‫مدن األندلس‪َ ،‬‬
‫وظ َّل فيها إلى مطلع القرن الخامس الهجري حيث وافاه األجل سنة‬

‫(‪426‬هـ)‪ .‬وهو من عائلة عريقة في قول الشعر‪ ،‬تحدر الشعر في أربعة أجيال‬

‫متتالية منها حتى وصل إليه‪ .‬لم تشغله السياسة على تقلبها في عصره وقربه‬

‫من ذوي السلطان بقدر ما شغلته ملذات قرطبة ومالهيها‪ ،‬وعاش أكثر حياته في‬

‫صحبة الوزراء ومساجلة األدباء‪ ،‬ونال منزلة عالية وشهرة واسعة بشعره ونثره‬

‫فقد كان شاعراً مبدعاً محسناً أنشأ العديد من الرسائل األدبية وكانت رسالة (التوابع‬

‫والزوابع) أشهر رسائله األدبية التي منها‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫توابع الشعراء‬
‫شيطان امرئ القيس‬
‫(للدرس فقط)‬
‫والشعراء‪ ،‬وماكان يألفهم من‬ ‫ِ‬ ‫طباء‬
‫الخ ِ‬‫تذاكر ُت يوماً مع ُزهير بن ُنمير(‪ )1‬أخبا َر ُ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫استأذن‬ ‫حتى‬ ‫اتفق منهم ؟ َ‬
‫قال‪َّ :‬‬ ‫لقاء من َ‬ ‫حيلة في ِ‬‫لت ‪ :‬هل ٌ‬ ‫والزوابع‪ْ ،‬‬
‫وق ُ‬ ‫التوابع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فقال ‪ُ :‬ح َّل على ِ‬
‫متن‬ ‫َ‬ ‫كلمح بالبصر‪ ،‬وقد أ ِذ َن له‪،‬‬ ‫شيخنا‪ ،‬وطار عني ثم انصرف ٍ‬
‫َ‬
‫َّ (‪)4‬‬
‫فالجو‪ ،‬ويقطع الد َّو‬
‫َّ‬ ‫َجتاب(‪َّ )3‬‬
‫الجو‬ ‫كالطائر ي ُ‬
‫ِ‬ ‫الجوا ِد(‪ِ ،)2‬‬
‫فصرنا عليه‪ ،‬وسا َر بنا‬
‫متفرع َ‬
‫الش َج ِر َع ِطر‬ ‫َ‬ ‫وشارفت(‪ّ )5‬جوًا ال َك ّجِونا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التمحت أَرضاً ال كأرضنا‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫فالد َّو‪ ،‬حتى‬
‫هر‪.‬‬
‫الز ِ‬ ‫َّ‬
‫الخطباء أولى‬
‫ُ‬ ‫الجن أبا عامر‪ ،‬فبمن تري ُد أن تبدأ؟ ُق ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫أرض ِ‬‫فقال لي‪ :‬حللت َ‬ ‫َ‬

‫صاحب امرئ‬
‫َ‬ ‫قال ‪ :‬فمن ُتري ُد منهم؟ ُق ُ‬
‫لت‪:‬‬ ‫الشعراء أشوق‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫بالتقديم‪ ،‬ل ِك ِّني إلى‬
‫دوح (‪ )7‬تتكس ُر أشجا ُر ُه وتترن ُم‬ ‫َ‬
‫القيس‪ .‬فأمال ال ِعنان إلى وا ٍد من األودي ِة ذي ٍ‬
‫(‪)6‬‬
‫ِ‬
‫لجل‪،‬‬ ‫ويوم دار ِة ُج ُ‬ ‫بسقط اللوى(‪ )8‬فحومل(‪،)9‬‬
‫ِ‬ ‫فصاح‪ :‬يا ُع َتي َ‬
‫ْبة بن َنوفل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اطيا ُرهُ‪،‬‬
‫ِ‬
‫وعرفتنا‬ ‫األنس ِّي‪،‬‬
‫وسمعت من ِ‬ ‫َ‬ ‫ْرك‪،‬‬
‫عرضت علينا وجهك‪ ،‬وأنشدتنا من ِشع ِ‬ ‫ْ‬ ‫إال ما‬
‫حيَّاك اهللُ‬ ‫َ‬
‫فقال‪:‬‬ ‫فرس َش ْق َ‬
‫راء كأنها َتل َت ُ‬
‫هب‪،‬‬ ‫كيف إجاز ُتك له‪.‬فظه َر لنا‬
‫فارس على ٍ‬
‫ٌ‬
‫ْبة‪َ ،‬‬
‫فقال لي ‪:‬‬ ‫وأي َجمر ٍة يا ُع َتي ُ‬
‫َك‪ ،‬أهذا فتاهم ؟ ْقلت‪:‬هو هذا‪ُّ ،‬‬ ‫يا زهير‪،‬وحيّا صاحب َ‬
‫َ‬
‫وقبض‬ ‫فتطامح(‪ُ )10‬‬
‫طرفه واهت َز ِعطف ُه(‪،)11‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقلت ‪ :‬السي ُد أولى باإلنشا ِد‪،‬‬ ‫أنشد‪،‬‬
‫ِ‬
‫طوال عنا‪ .‬وكر فاستقبلَنا َّ‬
‫بالصعد ِة‪،‬‬ ‫حض ُر ً‬
‫فسمت ُت ِ‬
‫وط‪َ ،‬‬
‫بالس ِ‬ ‫نان َّ‬
‫الشقراء‪ ،‬وضربَها َّ‬ ‫ِع َ‬
‫َ‬
‫وجعل يُنشد‪.‬‬ ‫هازاً لها‪ ،‬ثم ر َك َزها‬
‫شوق بع َد ما كان أقصرا) حتى أكملَها ثم قال لي ‪ِ :‬‬
‫أنشد‪ ،‬فه َم ْم ُت‬ ‫ٌ‬ ‫(‪)12‬‬
‫(سما لك‬
‫ُ‬
‫وأنشدت‪:‬‬ ‫اشتدت ُقوى نفسي‬‫بالحيْص ِة(‪ ،)13‬ثم َّ‬
‫َ‬
‫مغان (‪ )15‬من ُسليمى وأ ُدو ُر (‪ )16‬حتى انتهيت فيها إلى قولي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫(‪)14‬‬
‫َشجته‬

‫‪96‬‬
‫َّ‬
‫فـتـحــــد ُر‬ ‫الـصبـا‬
‫ريــح َّ‬
‫ُ‬ ‫ـز ُّل بــهـا‬
‫َت ِ‬ ‫رأسـهـا‬ ‫ُ‬
‫الطـرف َ‬ ‫ُ‬
‫يـدرك‬ ‫ومن ُقبـ ٍة ال‬
‫وقـــ َد َجع ْ‬
‫َـلـت أمـواجه تـتـكســـــــ ُر‬ ‫َ‬
‫جـــــاش بَـحـره‬ ‫تكلفتها والليــل قـد‬
‫ِّ‬
‫ـالةالخط (‪ )19‬أ سـم ُر‬ ‫ِّ‬
‫الكـف من َع ّس‬ ‫وفـي‬ ‫(‪)18‬‬
‫فاسف‬ ‫ومن تحت ِحضني ٌ‬
‫أبيض(‪ )17‬ذو َس ِ‬

‫ُمقيال ن (‪)20‬من َج ِّد (‪ )21‬الفتىحين أعثر‬ ‫باي من لَــ ُد ْن ُك ُ‬


‫نت يافعاً‬ ‫صاح َ‬
‫همــا ِ‬

‫فلما انتهيت تأملَّني ُع َتي ُ‬


‫َبة ثم قال ‪ :‬اذهب َف َقد أجز ُتك‪ ،‬وغاب عنا ‪.‬‬
‫اللغة‬
‫‪ -1‬زهير بن نمير‪ :‬اسم الجني الذي يصحبه ابن شهيد‪.‬‬

‫‪ -2‬متن الجواد‪ :‬ظهر الحصان‪.‬‬

‫‪ -3‬يجتاب‪ :‬يقطع‪.‬‬

‫‪ -4‬الدو‪ :‬الفالة ‪.‬‬

‫‪ -5‬شارفت‪ :‬أشرف عليه‪.‬‬

‫‪ -6‬العنان‪ :‬مقود الحصان‪.‬‬

‫‪ -7‬دوح‪ :‬واحدها دوحة‪ ،‬وهي الشجرة العظيمة ‪.‬‬

‫‪ -8‬بسقط اللوى ‪ :‬الباء للقسم‪ ،‬وسقط ‪ :‬ما تساقط من الرمل‪.‬‬


‫واللوى ‪ :‬منقطع الرمل حين يرق ‪.‬‬

‫‪َ -9‬حو َم ْل ‪ :‬اسم مكان وهذه الثالثة ذكرها امرؤ القيس في مطلع معلقته‪.‬‬

‫‪ -10‬تطامح طرفه‪ :‬ارتفع بصره‪.‬‬


‫‪ْ -11‬‬
‫عط ُفه ‪ :‬جانبه‪.‬‬

‫‪َ -12‬سمالك ‪ :‬مطلع قصيدة مشهورة المرئ القيس‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ -13‬الحيصة ‪ :‬االنهزام والهرب‪.‬‬

‫‪َ -14‬ش َج ْت ُه ‪ :‬أحزنته ‪.‬‬

‫مغان ‪ :‬منازل‪.‬‬
‫‪ٍ -15‬‬
‫أدو ُر ‪ :‬جمع دار‪.‬‬
‫‪ُ -16‬‬
‫‪ -17‬واألبيض ‪ :‬السيف‪.‬‬
‫‪ -18‬سفاسف ‪ :‬واحدها َ‬
‫سف َسفة او سفسوفة‪ ،‬وهي جوهر السيف ووشيه‪.‬‬

‫‪ -19‬عسالة الخط ‪ :‬الرمح وكذا أسمر‪.‬‬

‫‪ُ -20‬مقيالن ‪ :‬من الفعل أقال عثرته‪ ،‬أي أزال عنه ما يسبب عثرته ‪.‬‬

‫‪ -21‬ج َد ‪ :‬حظ ‪.‬‬

‫التعليق النقدي‬
‫هذه الرسالة (التوابع والزوابع) مما يمكن أن يندرج تحت باب القصص الخيالي‬

‫العربي القديم ‪،‬فابن شهيد يحكي فيها كيف التقى بشياطين الشعراء القدامى بأسلوب‬

‫فكاهي بديع ممتع‪ ،‬وهو يتعرف بزهير بن نمير الجني وتتوثق العالقة بينهما‬

‫ويحرص على استدعائه كلما احتاج إليه ليصحبه في صورة خيالية جديدة يروي‬

‫وقائعها بأسلوب قصصي ‪.‬‬

‫سمى هذه الرسالة (بالتوابع والزوابع)‪ ،‬يريد توابع ال ُك ّتاب‪ ،‬وهم أصحابهم من‬
‫وقد َّ‬
‫الجن‪ ،‬والزوابع شياطين الشعراء الذين يعينونهم على نظم الشعر (كما يتخيلون)‪.‬‬

‫وقد حاول كثير من الكتاب أن يربطوا بين هذه الرسالة و (رسالة الغفران) البي‬

‫العالء المعري‪ ،‬لما بينهما من أوجه الشبه‪ ،‬ويذهب معظمهم إلى تأثر المعري بابن‬

‫شهيد لسبقه في تأليف رسالته وبعضهم يذهب إلى تاثر ابن شهيد بالمعري‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫والحقيقة أنها رسالة مبتكرة لم يقلد ابن شهيد فيها أحداً‪ ،‬وربما لم يقلده أحد ألن‬

‫أصل فكرتها مستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف‪ ،‬ففيها حديث عن‬

‫معراج رسول اهلل (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى السماء وعن الجنة والنار‪.‬‬

‫كما ان الرسالة اعتمدت الفكرة الخيالية السائدة قبل اإلسالم وبعده‪ ،‬وهي وجود‬

‫شياطين الشعراء يعينونهم على قول الشعر‪.‬‬

‫وبعد ‪ :‬فالرسالة تحتوي على رحالت شائقة جميلة قام بها المؤلف‪ ،‬واشترك‬

‫خاللها في مناقشات أدبية ومعارضات شعرية ممتعة كما عرض فيها لشذرات من‬

‫النقد األدبي‪ ،‬تنم عن نظرات جريئة وأفكار نقدية صائبة تتفق مع المناهج النقدية‬

‫الحديثة‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪َ -1‬‬
‫أين تدرج هذه الرسالة؟‬

‫‪ -2‬ما العالقة بين هذه الرسالة و (رسالة الغفران)؟‬

‫‪ -3‬ما األصل الذي يمكن ان ُنرجع إليه فكرة هذه الرسالة؟‬

‫‪ -4‬ماذا احتوت الرسالة ؟‬

‫‪ -5‬ماذا تعد هذه الرسالة وأمثالها في األدب العربي عامة وأدب األندلس خاصة؟‬

‫‪99‬‬
‫األدب في العصور المتأخرة‬
‫للدول كما للناس أعمار‪ ،‬تبدأ قوية متمكنة يقوم على أمرها رجال ذوو بصر وبصيرة‪،‬‬
‫كالدولة العباسية‪ ،‬ويمر الزمن فتبدو عليها عوامل الضعف والوهن والشيخوخة‪،‬‬
‫فيطمع فيها الطامعون والطامحون إلى السلطة فيقطعون أوصالها إلى دويالت‪.‬‬
‫فظهر التتر قوة جديدة في مشرق العالم اإلسالمي في أوائل القرن السابع الهجري‬
‫فهاجموا المدن الواقعة نحو الشرق األوسط‪ ،‬مثل بخارى وسمرقند‪ ،‬واجتاحوا دولة‬
‫ً‬
‫سهال يسيراً نحو العراق‪.‬‬ ‫خوارزم‪ ،‬ففتح سقوطها الطريق‬
‫ووصلوا كرمانشاه القريبة من حدود العراق في سنة ‪618‬هـ‪ ،‬وأغاروا على أربيل‬
‫والموصل وداقوق والسواد وخانقين وبعقوبة في سنوات مختلفة قبل هجومهم على‬
‫بغداد‪ ،‬وعادوا‪ ،‬ولم يروا رد فعل حازم على هجماتهم ‪ ،‬بل إن الخليفة أي خليفة كان‬
‫يشكر اهلل الذي كفاه شرهم‪ ،‬وهم في هجماتهم تلك كانوا يقتلون الناس والحيوانات‪،‬‬
‫ويخربون ما يعترض طريقهم من مدن وعمارة وزرع ليبثوا الرعب في النفوس‬
‫والقلوب‪.‬‬
‫حتى إن ابن األثير يقول ‪« :‬ولقد بقيت ع ّدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة كارهاً‬
‫لذكرها‪ ،‬فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي اإلسالم والمسلمين ومن ذا الذي‬
‫يهون عليه ذلك؟»‬
‫لقد حمل عدد من المؤرخين المعاصرين الخلفاء العباسيين المتأخرين مسؤولية‬
‫سقوط بغداد سنة (‪656‬هـ) وليس المستعصم وحده‪ ،‬وأفاضت الدراسات التي‬
‫تناولت هذه الحقبة بذكر أسباب سقوط الدولة العباسية‪ ،‬وأخذت عليها تخبط سياستها‬
‫وقصر نظـر حكامـها وفسـادهم‪ ،‬وإهـمالهم الجيـش وإسقاطـهم رواتب الجنـد من‬
‫الديـوان حتى اضطر بعضهم إلى سؤال الناس على إبواب الجوامع‪.‬كمـا كانت الفتن‬
‫الطائفية تنخر جسم الدولة‪ ،‬وانحياز الجند إلى طائفة من الشعب من دون أخرى‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫يضاف إلى ذلك إهمال شؤون الري وخراب مشاريعه‪ ،‬وتوالي الفيضانات وسنوات‬
‫الجدب والقحط وغزوات الجراد في سني الدولة العباسية األخيرة‪،‬‬
‫كل ذلك يجري والخليفة المستعصم سادر في لهوه وعبثه كأنه ال يدري بما يدور‬
‫الط ْق َطقى في كتابه الفخري‪« :‬وكان المستعصم آخر الخلفاء‬
‫حوله‪ .‬حتى قال ابن َ‬

‫شديد الكلف باللهو واللعب وسماع األغاني‪ ،‬اليكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة‪...‬‬
‫وكان ندماؤه وحاشيته منهمكين معه في النعم واللذات»‪.‬‬
‫وحذر الغيارى من الناس الخليفة من زحف المغول ومن العواقب الوخيمة التي‬
‫يعد جيشاً قوياً ويضرب المفسدين ويصلح األوضاع‬
‫تنتظر رعاياه والبالد‪ ،‬إن لم َّ‬
‫الداخلية‪.‬‬
‫لقد أدرك الخالفة العباسية الضعف‪ ،‬ولم يبق لها ما يساعدها على الوقوف في وجه‬
‫الغزو المغولي العنيف الضاري‪ ،‬ح ّتى إذا تقدم جيش المغول نحو بغداد اجتاحها‬
‫بسهولة ويسر‪ .‬زحف هوالكو نحو العراق بنحو مائتي ألف محارب‪ ،‬فدخل بغداد‬
‫وشوه معالم‬
‫ّ‬ ‫سنة (‪656‬هـ) وقتل الخليفة وكثيراً من رجال حاشيته وخلقاً كثيراً‪،‬‬
‫الحضارة والمدنية المعمورة منذ قرون عديدة‪.‬‬
‫كان سقوط الخالفة العباسية ودمار بغداد حدثاً كبيراً وخطباً فادحاً أذهل الناس وأثار‬
‫عواطفهم‪ ،‬فأنشأ الشعراء القصائد الباكية المؤثرة في بكائها ورثاء مجدها وعزها‬
‫وناسها ومعالمها‪.‬ولما استقر التتر في بغداد خضعت لهم مدن العراق كافة خوفاً‬
‫ورهبة وقاسى الناس في ظل حكمهم الويالت والمصائب‪.‬‬
‫وهلك هوالكو وتولى ابنه (أباقا) فطمأن الناس على أنفسهم وأموالهم بعض‬
‫األطمئنان‪ ،‬ومات فاعقبه (تكودار خان) الذي أسلم وتس ّمى باسم (أحمد) ويستمر‬
‫الحكم فيهم‪ ،‬حتى َملَ َك (غازان) الذي أسلم وأسلم معه مئة ألف من جنده‪ ،‬هذا في‬
‫العراق‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫ثم إن جيش هوالكو دهم مدينة (حلب) وخربها وقتل أهلها وهدم قلعتها في سنة‬
‫(‪657‬هـ)‪َ ،‬‬
‫وف َّر حاكم دمشق فاستسلمت المدينة‪.‬أما في مصر فقد وهن حكم األيوبيين‬
‫في أواخر أيامهم‪ ،‬وتولت الحكم فيها (شجرة الدر) عقب وفاة زوجها الملك الصالح‬
‫األيوبي وق ِتلها ابن ُه (توران شاه)‪ ،‬ثم أنها تزوجت مملوكها (عز الدين أيبك)‬
‫وتنازلت له عن الحكم في سنة (‪648‬هـ) فكان أول حاكم في سلسة المماليك‪،‬‬
‫وتولى الحكم بعده ابنه (المنصور نور الدين)‪ ،‬وفي سنة (‪655‬هـ)‪ ،‬وفي عهده‬
‫هاجم التتر بغداد واسقطوا الخالفة العباسية‪ ،‬وهموا بالزحف على الشام ومصر‪،‬‬
‫فأحس المماليك بالخطر فخلعوا المنصور نور الدين‪ ،‬وملكوا عليهم أتابكه (مربيه)‬
‫قطز سنة (‪657‬هـ)‪.‬‬
‫راسل هوالكو قطز أمير مصر‪ ،‬يطلب إليه التسليم والطاعة‪ ،‬فقتل قطز رسل‬
‫هوالكو‪ ،‬وكان مستعداً للقتال‪ ،‬وخرج للقاء التتر‪ ،‬فالتقاهم في موضعين بفلسطين‪،‬‬
‫في (عين جالوت) وفي (بيسان) فدحرهم وشتت جيوشهم‪.‬‬
‫وبعد عودته من القتال‪ ،‬دبر عليه األمير (بيبرس) قائده مؤامرة قتله فيها‪ ،‬سنة‬
‫(‪658‬هـ) وتسلم الحكم بعده‪ .‬واستمر حكم المماليك في مصر حتى سنة (‪923‬هـ)‬
‫سنة استيالء العثمانيين على مصر ‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫الشعر والنثر‬
‫حين تكون حياة الناس تميل الى الرخاء سعيدة يكون هناك شعر‪ ،‬وأُناس يق ّدرون‬
‫الكلمة الجميلة فلم ينضب الشعر بعد سقوط الدولة العباسية على الرغم من تولي‬
‫حكام أعاجم حكم البالد اإلسالمية‪ ،‬لكنه لم يعد متدفقاً قوياً كما كان من قبل‪ ،‬فالحكام‬
‫في العراق وبالد الشام ومصر أجانب من أصول غير عربية بل إن جلهم ال يفقهون‬
‫العربية‪ ،‬فتقوضت مجالس األدب‪ ،‬كما كان أكثر الناس غارقين في الجهل‪ ،‬همهم‬
‫تيسير قوتهم وسبل معيشتهم‪.‬‬
‫لقد رعى عدد من حكام الشام وماردين ومماليك مصر من المستعربين الشعر‬
‫والشعراء وأصبح الشعر شائعاً بين مختلف طبقات المجتمع يتخذونه وسيلة للتسلية‬
‫والتفكه وتزجية الوقت في المجالس حيناً‪ ،‬وللجد والعبرة في حين آخر‪ .‬وقد نظم‬
‫الشعراء في مختلف األغراض كالمدح والفخر والحماسة والغزل والوصف والزهد‬
‫والتصوف والهجاء والمجون والخمريات‪.‬‬
‫وأصدقاءهم وفضالء الناس‪ ،‬وهجوا من هجوا وانتشر‬
‫َ‬ ‫فمدح الشعراء أمراء عصرهم‬
‫المديح النبوي وشاع في عصر هدد فيه الصليبيون ديار المسلمين ومقدساتهم في‬
‫بالد الشام ومصر‪ ،‬يستغيثون به ويطلبون عونه ويحثون الناس على االقتداء به‬
‫وبسيرته لرد المعتدين حتى ألفت في مدائحه دواوين كثيرة‪ ،‬واشتهر في هذا العصر‬
‫البوصيري صاحب البردة القصيدة المشهورة التي مطلعها‪:‬‬

‫بدم‬ ‫ً‬ ‫َ‬


‫مزجت دمعا جرى ِم ْن مقل ٍة ِ‬ ‫جيران بذي َسلَ ِم‬
‫ٍ‬ ‫أ ِم ْن َتذكر‬

‫التي عارضها كثير من الشعراء‪ ،‬وترسموا خطاها‪ ،‬كابن معتوق الموسوي‬


‫كما سنرى‪ ،‬وأحمد شوقي وغيرهم‪ .‬ورثى الشعراء أصدقاءهم وأحباءهم‬
‫ومشاهير الناس والعلماء‪ ،‬وشاع في هذه الفترة رثاء المدن التي دمرت في‬
‫‪103‬‬
‫الحروب والفتن كرثاء بغداد وحلب‪ .‬وظلت الفنون الشعرية األخرى على حالها ‪.‬‬
‫واهتم الشعراء باإلكثار من المحسنات البديعية واللفظية‪ ،‬حتى غدت ه ّم الشعراء‬
‫ووكدهم يطلبونها ويثقلون بها نظمهم‪ ،‬واقتبسوا من القرآن الكريم والحديث النبوي‬
‫الشريف وضمنوا شعرهم منه لفظاً ومعنى‪ ،‬وضمنوا شعرهم أبياتاً من قصائد‬
‫ّ‬
‫وشطروا وخ ّمسوا‬ ‫مشهورة لسابقيهم من الشعراء‪ ،‬وعارضوا قصائد مشهورة‪،‬‬
‫قصائد أخرى وأغرقوا في الصنعة اللفظية وقصدوا إليها قصداً على حساب الفكرة‬
‫والشاعرية‪.‬‬
‫المعربة ‪ :‬كالدوبيت والموشح والزجل والمواليا والكان‬
‫َّ‬ ‫وشاعت الفنون الشعرية‬
‫وكان والقوما والبند‪ ،‬وكان اكثرها معروفاً من قبل ‪ .‬واهتم بهذه الفنون شعراء‬
‫مجيدون‪ ،‬مثل صفي الدين الحلي‪ ،‬الذي الف فيها كتاباً ّ‬
‫أسماه (العاطل الحالي‬
‫ضم َن كتابه (دار‬
‫والمرخص الغالي) كما نظم ابن سناء الملك موشحات كثيرة َّ‬
‫الطراز) كثيراً منها‪.‬‬
‫أما النثر فقد َنحا منحى الشعر في اإلغراق بالمحسنات اللفظية والبديعية‪ ،‬التي تثقل‬
‫النص على حساب الفكرة والمضمون‪ ،‬فأصبحت الرسائل نسيجاً ً‬
‫ثقيال من السجع‬
‫وفنون البالغة المتكلفة وذلك لتبلد األذواق ونبو االسماع‪.‬‬
‫هذه لمحة مختصرة نلقي شيئاً من ضوء على ماطرأ على األدب وفنونه بعد العصر‬
‫العباسي نأمل أن تكون قد بينت بعضاً من مالمح تلك الفنون األدبية ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫صفي الدين الحلي‬
‫الحلّي الطائي‪ ،‬ولد في الحلة سنة (‪677‬هـ)‬
‫هو عبد العزيز بن سرايا بن نصر ِ‬
‫ألسرة على شيء من اليسار وسعة الحال ألحقته بال ُك ّتاب‪ ،‬فتعلم القراءة والكتابة‪،‬‬
‫وحفظ األشعار‪ ،‬وتدرب على ركوب الخيل‪ ،‬وقد نظم الشعر في سن مبكرة‪.‬‬
‫في بداية حياته قتل خاله في حوادث جرت في مدينته الحلة‪ ،‬خاض صفي الدين‬
‫غمارها فاظهر بطولة وفروسية‪ ،‬وقد امتدت فاضطر إلى الرحيل إلى بغداد‪ ،‬ووصل‬
‫في رحلته إلى (ماردين) ومدح أميرها الملك نجم الدين غازي بن أرتق‪ ،‬فاكرمه‬
‫إكراماً بالغاً‪ ،‬ونظم فيه صفي الدين ديواناً‪ ،‬كانت حروف قوافيه على حروف‬
‫المعجم‪ ،‬فهو يضم تسعاً وعشرين قصيدة كل قصيدة على حرف روي‪ ،‬وفي كل‬
‫قصيدة تسعة وعشرون بيتاً‪ّ ،‬‬
‫أسماه (درر النحور في مدائح الملك المنصور)‪،‬‬
‫ومدحه بقصائد أخرى‪ ،‬كما مدح ابنه بعده‪ ،‬وطاف في بالد الشام حتى استقر في‬
‫مصر زمناً‪ ،‬وأخيراً توفي في بغداد في سنة (‪750‬هـ) حين انتشر الطاعون‪ ،‬فأتى‬
‫عليه عن ثالث وسبعين سنة من العمر ‪.‬‬
‫جمع صفي الدين الحلي ديوانه في حياته‪ ،‬وقد نظم في أغراض الشعر العربي المعروفة‬
‫كالمدح والفخر والحماسة والرثاء والخمريات والغزل والشكوى والهجاء واأللغاز‪،‬‬
‫وقد أخذ على نفسه أال يمدح أحداً وال يهجو أحداً‪ ،‬بل نظم في مدح الرسول الكريم‬
‫وآل بيته األطهار‪ ،‬وفي الفخر بآبائه وأعطى صحابة الرسول الكريم حقهم من حبه‬
‫(للدرس)‬ ‫ومديحه بال تعصب‪ ،‬يقول ‪:‬‬

‫حب الصحابة ُم ْف َع ُم‬‫وقلبي ِم ْن ّ‬ ‫آلل المصطفى عق ُد مذهبـي‬


‫والئي ِ‬
‫أقـــوام عليهم تقدموا‬ ‫مسب َ‬
‫َّـــة‬ ‫بحبّهــم‬ ‫ومـــا أنــا م ّم ْن يستجيــ ُز ِ‬
‫ٍ‬
‫بحــال األفضلي ِة أعلــم‬
‫ِ‬ ‫و َربّـي‬ ‫الفريقين َح َّقهم‬
‫ِ‬ ‫ولكننـــي أُعطــي‬

‫‪105‬‬
‫آثاره‪:‬‬
‫خلّف صفي الدين الحلي بعده آثاراً أدبية كثيرة منها‪:‬‬

‫‪ -1‬ديوانه‪.‬‬

‫‪ -2‬الكافية البديعية‪ ،‬وهي قصيدة تقع في (‪145‬بيتاً) ضمنها (‪151‬نوعاً) من فنون‬

‫البديع‪.‬‬

‫‪ -3‬نتائج األلمعية في شرح الكافية البديعية‪.‬‬

‫‪ -4‬الدر النفيس في أجناس التجنيس‪.‬‬

‫‪ -5‬العاطل الحالي والمرخص الغالي‪.‬‬

‫‪ -6‬المثالث والمثاني في المعالي والمعاني‪.‬‬

‫‪ -7‬لوعة الشاكي ودمعة الباكي‪.‬‬

‫‪ -8‬الرسالة التوأمية‪.‬‬

‫‪ -9‬رسالة الدار في محاورات الفار‪.‬‬

‫‪ -10‬الخدمة الجلية‪ ،‬رسالة في وصف الصيد بالبندق‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫قال صفي الدين الحلي يفخر بقومه ‪:‬‬

‫(للحفظ‪ 8 :‬أبيات)‬

‫(‪)1‬‬ ‫خاب الَّرجا فينــا‬


‫هل َ‬‫البيض ْ‬
‫َ‬ ‫واستشهدي‬ ‫الــرمـاح العـوالي عـــــن معالينـا‬
‫َ‬ ‫سلـي‬

‫(‪)2‬‬ ‫عــ ّمـــا نــرو ُم وال خــاب ْ‬


‫َت مـــساعيــنـــا‬ ‫لمـــا سعـــينا فــمــا َر ّق ْ‬
‫ــت عزائــ ُمنـــــا‬

‫(‪)3‬‬ ‫ِد ّنـــــــا األعـــادي كــــما كانوا يَدينونــا‬ ‫العــراق َو َقـ ْد‬
‫ِ‬ ‫زوراء‬
‫ِ‬ ‫يــا يـــــو َم وقــــع ِة‬

‫(‪)4‬‬ ‫ـــن َ‬
‫بــات يغزونـــا‬ ‫إلاّ لِنـــغـــزو بــــها َم ْ‬ ‫ســـومـــ ٍة‬
‫ــم ٍر مــــــاربـــطناهـــــا َم َّ‬ ‫ُ‬
‫بض َّ‬

‫لقـــولــنا أَو َد َعـــونـــاهـــم أجــابــونـــا‬ ‫ـــل أَصغـــوا مســـامعَهـــم‬


‫إن َن ُق ْ‬
‫َوفتــي ٍة ْ‬

‫ــكــمـوا كـانـوا مـوازيـنا‬ ‫يـــومـــاً َو ْ‬


‫إن ُح ِّ‬ ‫ً‬
‫فراعنـة‬ ‫استخــصموا كـــانوا‬
‫ِ‬ ‫َقــــو ٌم إذا‬

‫قــــالـــت األيـــا ُم آمـــيــنــــا‬


‫ِ‬ ‫َو ْ‬
‫إن َدعــوا‬ ‫صد ً‬
‫قة‬ ‫جـــاءت الـــدنيــــا ُم ِّ‬
‫ِ‬ ‫إذا ا ّدعــــوا‬

‫(‪)5‬‬ ‫ْ‬
‫صــارت شــواهـــيـنــا‬ ‫تـــوه ْ‬
‫ــمـت ّ‬
‫أنــها‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬
‫إن الــزرازيــ َر ل ّمـــا قـــا َم قــــــائ ُمهــــا‬

‫(‪)6‬‬ ‫َومــــا َد َر ْت َّأنـــه قـــ ْد َ‬


‫كــان تـــهــوينـــــا‬ ‫ــهب َع ْن جـَ َز ٍع‬ ‫ُّ‬ ‫ظن ْت ّ‬
‫َّ‬
‫تــأني البــزا ِة الش ِ‬

‫تحــ ّكــمــوا أظــهـــروا أحــقـا َدهــم فـينا‬ ‫طــول الـــزمــــان ف ُم ْ‬


‫ــذ‬ ‫َ‬ ‫ُذلُّــوا ألسيــا ِفنا‬
‫ِ‬

‫لـيس يــؤذينا‬
‫ــن َ‬‫أن نــبتــدي بـــاألذى َم ْ‬ ‫ُ‬
‫أخـــالقنا شـــرفــــــــاً ْ‬ ‫ّإنـــا لَــقو ٌم ْ‬
‫أبــت‬
‫(‪)7‬‬ ‫ُخـــضـ ٌر مـــرابـــعُــنا حـمــ ٌر مـواضينـا‬ ‫ٌ‬
‫بيـــض صنـــائعُنــا ســــو ٌد وقــائـعُـنــا‬

‫َولَـــو رأيــنــا المــنـايــا فــي أمـــانــيــــا‬ ‫منى‬


‫نيــل ً‬
‫دون ِ‬ ‫َــج ُز ّ‬
‫منــا َ‬ ‫ال يـــظـه ُر الع ْ‬

‫‪107‬‬
‫اللغة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬البيض ‪ :‬السيوف‪.‬‬

‫الرجا‪ :‬أي الرجاء‪ ،‬األمل‪.‬‬

‫استشه ْد‪ :‬اطلب شهادة ‪.‬‬


‫‪ّ -2‬‬
‫رق ْت ‪ :‬وهنت وضعفت‪.‬‬

‫نروم ‪ :‬نبتغي ونريد‪.‬‬


‫ْ‬
‫خابت ‪ :‬فشلت‪.‬‬

‫‪ - 3‬دان ‪ :‬خضع‪ ،‬وجازى‪ ،‬وكافأ ‪.‬‬

‫‪ - 4‬ض ّمر ‪ :‬جمع ضامر‪ ،‬وهي الرشيقة األصيلة من الخيل‪.‬‬

‫مسومة ‪ :‬عليها وسم‪ ،‬عالمة على كرم أصلها‪.‬‬

‫‪ - 5‬الزرازير‪ :‬أكبر من العصفور ‪.‬‬

‫باز‪ ،‬وهو ضرب من الطيور الكاسرة‪،‬‬


‫‪ - 6‬البزاة‪ :‬جمع ٍ‬
‫الشواهـين ‪ :‬مفردهـا شاهين وهو جنس من الصقر طويل الجناحين ‪.‬‬

‫تهوينا ‪ :‬استهانة واستصغاراً‪.‬‬

‫‪ - 7‬صنائعنا ‪ :‬أفضالنا وأيادينا‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫التعليق النقدي‬
‫هذه القصيدة واحدة من روائع شعر الحماسة وغرره على مدى العصور األدبية‬

‫المختلفة‪ ،‬يخاطب بها صفي الدين الحلي على عادة الشعراء العرب امرأة يتوهمها‬

‫في فكره‪ ،‬ويدعوها ألن تسأل الرماح العالية‪ ،‬وهي أدرى يوم المعركة بشجاعتهم‪،‬‬

‫وتطلب شهادة السيوف وهي أعلم‪ ،‬في يوم اللقاء تسألها هل خيبوا األمل أو‬

‫تخاذلوا‪ ،‬واالستفهام هنا يراد به النفي‪ ،‬يريد أنهم لم يخيبوا الرجاء فيهم‪ ،‬فقد سعوا‬

‫بعزائم لم تهن عن تحقيق أهدافها ولم تضعف في أخذ الثأر من أعدائهم وواتريهم‪.‬‬

‫ويذكر وقعة الزوراء حين ثار وصحبه ثأراً لمقتل خاله‪ ،‬فردوا عليهم ضربتهم يوم‬

‫تقدموا بجياد ضامرة أصيلة‪ ،‬وقابلوا غزوة أعدائهم بمثلها‪ ،‬قاد المعركة وأسهم‬

‫فيها فتية يستجيبون للنداء‪،‬ال يترددون وال يسألون عن الهدف وال عن السبب‪،‬‬

‫تماماً كما فعل فرسان الجاهلية من قبل‪ ،‬فهم ‪:‬‬

‫َ‬
‫ماكان برهانا‬ ‫في النائبات على‬ ‫ال يسألون أخاهم َ‬
‫حين يطلبهم‬

‫فهم قوم يقيمون العدل كالميزان ال خيانة فيه‪ ،‬وهم جبابرة فراعنة عتاة إن خوصموا‪،‬‬

‫تستجيب لندائهم الدنيا فتصدقهم في ما يقولون ويدعون ‪.‬‬

‫ينتقل بعد ذلك الى خصومهم‪ ،‬فيصورهم بُغاثاً ضعيفة ال تستطيع لقاءهم وهم النسور‬
‫ً‬
‫طويال حتى إذا أمكنتهم الفرصة‬ ‫القوية‪ ،‬لقد ُذ َّل أولئك الخصوم لسيوفهم زمناً‬

‫اظهروا حقدهم وعداوتهم وتلك سمة الجبان الغادر‪ ،‬وأخيراً يفخر بقومه‪ ،‬فهم ذو‬

‫أخالق وأدب ج ّم‪ ،‬ال يبتدؤون اآلخرين باألذى والعدوان‪ ،‬أعمالهم واضحة بيضاء‪،‬‬

‫وحروبهم نار وظالم وقتام على أعدائهم‪ ،‬ومرابعهم خصبة خض ُر وسيوفهم حم ُر‬

‫‪109‬‬
‫من دماء أعدائهم‪ ،‬كما أنهم ذو همم عالية وإقدام ال يقف العجز في سبيل تحقيق‬

‫أهدافهم‪ ،‬ولو كان الموت معترضاً سبيل تحقيقها ‪.‬‬

‫هذا مقطع من واحدة من غرر روائع أدبنا العربي‪ ،‬كانت صادقة العبارة بينة الفكرة‬

‫فاألفكار تتسلسل دونما تعقيد وال تكلف‪ ،‬فال تكاد ترى ما فيها من فنون البالغة وإن‬

‫وردت فقد وردت عفواً دون تصنع وال قصد إليها‪ ،‬جاءت المقابلة والمطابقة بين‬
‫بيض وسود‪ ،‬وخضر وحمر‪ّ ،‬‬
‫وكنى عن صغر خصومه وضعفهم وهوانهم بأنهم‬
‫زرازير وعن قوة قومه وقوتهم وشموخهم وسموهم ّ‬
‫كنى بالشواهين ‪.‬‬

‫والجناس ال يكاد يبين كما في قوله ‪ :‬ا ّدعوا‪ ،‬و َد َعوا‪.‬‬


‫ً‬
‫فضال عن سمو موضوعها وسالسة الفاظها‬ ‫وتلك ميزة أكسبت هذه القصيدة الخلود‬

‫ووضوح معانيها ونبل مقاصدها‪.‬‬

‫أسئلة للمناقشة‬
‫‪ -1‬ما مناسبة القصيدة‪ ،‬وفي َم قيلت؟‬
‫‪ -2‬ماذا تعني كلمة (الزوراء) ؟‬
‫‪ -3‬استخرج بيتين من القصيدة تراها في الفخر‪.‬‬
‫‪ِ -4‬ب َم استحقت هذه القصيدة البقاء؟‬
‫‪ -5‬ما صلة األلوان ورموزها بالعلم العراقي؟‬

‫‪110‬‬
‫الموسوي‬
‫ّ‬ ‫ابن َمعتوق‬
‫هو شهاب الدين بن أحمد الموسوي الحويزي المعروف بابن معتوق‪ ،‬من السادة‬

‫أمراء الحويزة‪ ،‬ولد في الحويزة‪ ،‬موطن آبائه‪ ،‬في سنة (‪1025‬هـ) وبها ترعرع‬

‫وتعلم‪ ،‬وتثقف بما كان سائداً في عصره من معارف‪ .‬كعلوم العربية وآدابها شعرها‬

‫ونثرها ونحوها وصرفها‪ ،‬وعلوم القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ‪ ،‬وبدا‬

‫ذلك جلياً في شعره‪ .‬وقد ولد فقيراً ضعيف الحال‪ ،‬فرعاه أمراء الحويزة وأكرموه‬
‫وعائلته ولذا كان ُّ‬
‫جل شعره في مدحهم وبيان أفضالهم عليه‪.‬‬

‫خلف ابن معتوق الموسوي ديوان شعر جمعه من بعده ابنه (معتوق) وهومطبوع‪،‬‬

‫ورتبه في ثالثة فصول‪ ،‬األول في المدائح‪ ،‬والثاني في المراثي‪ ،‬والثالث في‬

‫موضوعات متفرقة من مقاطيع ودوبيت وبنود ومواليا‪ ،‬وهو في شعره تقليدي‪،‬‬

‫يحتاج قارئه إلى العودة الى المعجم لمعرفة كثير من ألفاظه غير المألوفة في‬

‫االستعمال‪ ،‬كما أنه يميل إلى اإلغراب والصناعة اللفظية وفنون البديع والبيان ‪.‬‬

‫توفي ابن معتوق في شهر شوال من سنة (‪1087‬هـ)‪ ،‬إثر إصابته بالفالج ‪ ،‬ومن‬

‫قصيدة له في مدح رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله وصحبه وسلم) وآل بيته األطهار قال‪:‬‬
‫(للحفظ‪ 8 :‬أبيات)‬
‫ِّهــم‬ ‫والء ُه ْم وسقاني‬ ‫شكراَ آلالء ربــــي ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫كــــأس ُحب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حيث ألهمنـــي‬

‫صـولهــــم ِ (‪)2‬‬
‫فـرع ِم ْ ُ‬
‫فخراً بأنـي ٌ‬ ‫تشر ْف ُت فيهم ُم ْح ِتداً وكفـــــــى‬
‫ـن أ ِ‬ ‫لقد َّ‬

‫(‪)3‬‬ ‫هـم‬ ‫اعـتـقـادي ّأنـي ِم ْ‬


‫ـن عـبـيـ ِد ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬ ‫جار علـى‬ ‫ُ‬
‫أصبحت أعزى إليهم بال ِن ِ‬
‫(‪)4‬‬ ‫ـت ِعـبْـئاً فيـه لـم ُأق ِّ‬
‫ـــم‬ ‫فـَ َقـ ْد تحـم ْ‬
‫َّـل ُ‬ ‫يـارسـول اهلل ُخ ْـذ بيــــدي‬
‫َ‬ ‫ياسيـدي‬

‫‪111‬‬
‫نـفـسي ويـاخـَ َجـلي منــ ُه َ‬
‫وياندمي‬ ‫ُ‬
‫جـنـيت علـــى‬ ‫أسـتغـفـ ُر اهلل ّممـا قـد‬

‫(‪)5‬‬ ‫هلل وال ِن َـق ِـم‬


‫عـذاب ا ِ‬
‫ِ‬ ‫يُـجيـرنـي ِم ْ‬
‫ــن‬ ‫إن ل ْم ت ُك ْن لي شفيعاً في المعا ِد ف َم ْ‬
‫ـن‬ ‫ْ‬

‫(‪)6‬‬ ‫يـسـوء وما يُفضـي إلى ال ّت‬


‫ُ‬ ‫ِم ّما‬ ‫مـحتـاج لنـصـر ِتــكـ ْم‬ ‫َ‬
‫دعـوة‬ ‫مـوالي‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫(‪)7‬‬ ‫منصـر ِم‬
‫ِ‬ ‫هـوى مـقـي ٌم َو ٌ‬
‫شـوق غي ُر‬ ‫ً‬ ‫تـبـلـى عـظـامـي وفيها ِم ْن مودتكـم‬

‫المدح فـي َكلِمي‬


‫ِ‬ ‫الدموع ونظ َم‬
‫ِ‬ ‫نث َر‬ ‫ــر ذكــ ُركــم إال وألــزمـنــــــــي‬
‫مـا َم َّ‬
‫هـــم‬ ‫أرواح ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ذكر ِ‬ ‫راح ِ‬
‫أهل التقى في ِ‬ ‫ُ‬ ‫هلل مــــا َسـ ِكـــرت‬
‫صـلـوات ا ِ‬ ‫عـليـك ُم‬

‫اللغة ‪:‬‬
‫‪ - 1‬آالء‪ :‬نعم‪.‬‬

‫ألهمني‪ :‬علمني‪.‬‬

‫الح ّب والمتابعة‪.‬‬
‫الوالء‪ُ :‬‬
‫ً‬
‫أصال‪.‬‬ ‫‪ُ - 2‬مح ِتداً‪:‬‬

‫‪ - 3‬أُعزى‪ :‬أُ َ‬
‫نس ُب‪.‬‬
‫الِنجار‪ :‬األصل‪.‬‬
‫‪ - 4‬خذ بيدي ‪ :‬أَ ّ‬
‫عني وساعدني‬

‫الح ْمل‪.‬‬
‫العبء‪ِ :‬‬
‫‪ -5‬المعاد‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬

‫يجيرني ‪ :‬يدفع عني الجور و الظلم‪.‬‬

‫‪ - 6‬يُفضي ‪ :‬يُوصل‪.‬‬

‫‪ - 7‬منصرم ‪ُ :‬م ْنقطع‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫التعليق النقدي‬

‫هذه أبيات انتزعناها من قصيدة البن معتوق الموسوي قالها في مدح الرسول‬
‫الكريم (ص) وآل بيته األطهار (ع)‪ ،‬عارض فيها قصيدة البوصيري المشهورة بـ‬
‫(البردة) التي مطلعها‪:‬‬
‫مزجت دمعاً جرى ِم ْن مقل ٍة ب َد ِم‬
‫َ‬ ‫جيران بذي َسلَ ِم‬
‫ٍ‬ ‫أ ِم ْن تذ ِكر‬
‫أن ينظم الشاعر قصيدته على وزن وقافية قصيدة لشاعر آخر‪ ،‬وهكذا‬ ‫والمعارضة ‪ْ :‬‬
‫فعل ابن معتوق الموسوي‪.‬‬
‫حب رسول اهلل وآله‪،‬‬
‫فهو في هذه األبيات يشكر اهلل على نعمه البالغة‪ ،‬إذ ألهمه ّ‬
‫وسقاه محبتهم وشرفه بها‪ ،‬وهو وان كان ينتمي للدوحة العلوية ويرتبط برسول اهلل‬
‫بنسب كبير وفخر‪ ،‬فهو منهم صليبة مع أنه يرى أنه من عبيدهم ‪.‬‬
‫ً‬
‫حمال ال يستطيع النهوض‬ ‫ينتقل بعد ذلك ليطلب العون من رسول اهلل‪ ،‬فهو يحمل‬
‫فيالخجلِ ِه منه إذ يالقيه! ويا لَند ِم ِه على‬
‫َ‬ ‫آثام ومعاص ٍ يستغفر اهلل منها‪،‬‬
‫به من ٍ‬
‫مااقترف! فمن شفيعه يومذاك إن لم يكن رسول اهلل شفيعه؟ فهو محتاج لنصرته‬
‫مما يسوؤه‪ ،‬وهو المحب للرسول وآله حباً ال انقطاع له‪ ،‬ولو فنيت عظامه وبليت‪.‬‬
‫وهو يرتبط بهم بالوالء‪ ،‬ينثر الدمع في حبهم‪ ،‬وينظم الشعر فيهم وألجلهم‪ ،‬فسالم‬
‫عليهم ماسكر محبوهم بمودتهم ‪.‬‬
‫أراد الشاعر في هذه القصيدة معارضة البردة للبوصيري ومحاكاتها في مدح رسول‬
‫ّ‬
‫(ص)وأنى له ذلك‪ ،‬فما بلغ شأوه‪ ،‬وال قرب من مضماره‪ ،‬فالصنعة واضحة‬ ‫اهلل‬
‫بيّنة‪ ،‬وحتى األفكار فهي تكاد تكون مأخوذة من قصيدة البوصيري‪.‬‬
‫وتلك سمة لشعر هذا العصر‪ ،‬فال جديد فيه‪ ،‬بل هو اجترار ألفكار السابقين من‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫أسئلة للمناقشة‬

‫‪ -1‬ما موضوع هذه القصيدة ؟‬


‫‪ -2‬كيف كانت لغة الشاعر وأفكاره؟‬
‫‪ -3‬هناك قصيدة لشاعر آخر سبقه على وزنها وقافيتها‪ ،‬وقلدها شعراء كثر‪ ،‬من‬
‫ذلك الشاعر‪ ،‬وما اسم قصيدته ؟‬

‫مر بك من قبل‪.‬‬ ‫‪َ -4‬ع ِّر ِف المعارضة ؟ واذكر ً‬


‫مثاال لها َّ‬

‫‪114‬‬
‫المحتويات‬
‫‪3‬‬ ‫‪ -1‬مقدمة ‪........................................‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪ -2‬مقدمة عن العصر العباسي ‪........................‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪ -3‬القسم األول ‪ -‬العصر العباسي ‪....................‬‬
‫‪ -4‬الخصائص الفنية للنثر والشعر في هذا العصر ‪9 ....‬‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -5‬دعبل الخزاعي ‪.................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -6‬البحتري ‪.....................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -7‬المتنبي ‪.......................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫‪ -8‬الشريف الرضي ‪................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫‪ -9‬ابن الفارض ‪. ..................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -10‬ال ُك ّتاب ‪ /‬ابن المقفع ‪..........................‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪ -11‬الجاحظ ‪.....................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫‪ -12‬ابن العميد ‪..................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -13‬بديع الزمان الهمذاني ‪.........................‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -14‬المقامة ‪.....................................‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -15‬المقامة البغدادية ‪..............................‬‬
‫‪ -16‬أثر الحروب الصليبية في األدب ‪58 ..................‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪ -17‬الشعر ‪ /‬أسامة بن منقذ‪.........................‬‬
‫‪67‬‬ ‫‪ -18‬األبيوردي ‪...................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪ -19‬النثر ‪ /‬القاضي الفاضل ‪........................‬‬
‫‪ -20‬القسم الثاني ‪ -‬األدب العربي في األندلس ‪79 ..........‬‬
‫‪ -21‬مقدمة في اتجاهاته وفنونه ‪79 ......................‬‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -22‬ابن زيدون ‪...................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -23‬الموشحات ‪...................................‬‬
‫‪87‬‬ ‫‪ -24‬لسان الدين بن الخطيب ‪........................‬‬
‫‪93‬‬ ‫‪ -25‬النثر ‪ /‬الخطابة ‪.............................‬‬
‫‪94‬‬ ‫الرسائل ‪...............................‬‬
‫‪94‬‬ ‫المناظرات ‪..............................‬‬
‫‪95‬‬ ‫المقامات‪................................‬‬

‫‪115‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -26‬ابن شهيد األندلسي ‪.........................‬‬
‫‪ -27‬توابع الشعراء ‪ -‬شيطان امرئ القيس ‪96 ...........‬‬
‫‪ -28‬األدب في العصور المتأخرة ‪100 ....................‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪ -29‬الشعر والنثر ‪.. ............................‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -30‬صفي الدين الحلي ‪..........................‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪ -31‬ابن معتوق الموسوي ‪.........................‬‬
‫‪115‬‬ ‫‪ -32‬المحتويات ‪.........................‬‬

‫مت بعون اهلل‬


‫تعالى‬

‫‪116‬‬

You might also like