Professional Documents
Culture Documents
وزارة التربية
المديرية العامة للمناهج
تأليف
الدكتور عبد اهلل عبد الرحيم السوداني الدكتــــور عبــــد اللطيـــف الطــــائي
علــوان عبــــد الحســــــن السلمـــــان الدكتورة عهود عبد الواحد العكيلــــي
ُمق ّدمة
هذا كتاب يتناول بالدراسة والتحليل تاريخ األدب العربي في العصر العباسي في
المشرق واألدب العربي في األندلس ،إذ انفتحت الحضارة العربية اإلسالمية
على حضارات األمم التي سبقتها ،الهندية و الفارسية واليونانية والرومانية،
فتأثرت بها وأكملت مسيرتها وواصلتها مضيفة إليها ،وكانت النتيجة أن
أَ ْث ّرِت الحضارة اإلنسانية وأسهمت في تق ُدمها ،وتأثر تبعاً لذلك أدبنا العربي
شعره ونثره ،فازدهرت فنونه وأفكاره وتطورت أساليبه ،وستلمس ذلك جلياً
في النتاج األدبي لشعراء العصر وكتابه ،بعد أن ع ّرفناهم تعريفاً غير ّ
مخل
وعرضنا لنماذج من شعرهم ونثرهم ،كما تناولنا بالدراسة تاريخ األدب العربي
في األندلس لما له من خصوصية ميزته من أدب المشرق ولما فيه من عبقرية
وخصوصية وإبداع غذتها تلك البقاع وأثرت في تكوينها.
وفقنا اهلل إلى سبيل الرشاد وهدانا لخدمة أوطاننا وأبنائنا وتراثنا الخالد
إنه ولي التوفيق.
المؤلفون
3
مقدمة عن العصر العباسي
ُعد العصر العباسي من أطول وأَغزر العصور األدبية التي رافقت نمو األدب العربي
ي ُّ
عصـريـن هما:
العصر العباسي األول من سنة ( 132هـ ) إلى سنة ( 334هـ ) في بداية حكم
البويهيين ؛ والعصر العباسي الثاني من سنة ( 334هـ ) إلى سنة ( 656هـ )
وهي سنة الغزو المغولي لبغداد ،ومع أهمية التقسيم الزمني في دراسة األدب الب َّ
ُد
أَن نشير إلى ضرورة تأكيد تطور الفنون األدبية في العصر كلِّه ألنه الجانب األه ّم
واألجدى واألنفع.
ً
فكرية ً
حركة أنتج
الحضاري الذي َ
ّ العباسي بجمل ِت ِه أوج االزدهار
ّ ويمثل العص ُر
ً
هيكال ً
رائعة امتازت بتدوين العلوم العربية اإلسالمية وبالعناية بعلوم مترابط ٍة ُت ِّ
كو ُن
المدارس في هذه المرحلة
ُ ْ
انتشرت فكرياً عربيًّا إسالميًّا في أصولِ ِه ورجالِ ِه .وقد
الكتب وأسواق الوراقين ،كدار الحكمة ،والمكتبات الشخصية
ِ ْ
منيةوظهرت دو ُر ًّ
الز
الحضاري في القرن
ّ ُ
الثالث الهجري لوالدة مسيرة االزدهار ُ
القرن والعامة وقد هيّأ
الذي تالهُ.
4
امتد ً
حاضرة لعلوم العرب والمسلمين بما امتلكت ُه من إرث حضاري َّ وصارت بغداد
من قبل اإلسالم ومن حضار ِة وادي الرافدين وم ّما ترك ُه اإلسال ُم من أثر فكري
وحضاري يتناسب وما في القرآن الكريم من نهض ٍة علمي ٍة وسياسي ٍة وفلسفي ٍة،
ْ
وصلت بغداد نتيجة أن هذا اإلرث العظيم قد دخلت ُه رواف ُد الثقاف ِة األجنبيةِ التي
على ّ
االمتزاج الحضاري بما عند األمم األخرى عن طريق النقل والترجم ِة .
مصادر الثقاف ِة العربي ِة األصيل ِة في القرنين الثاني
ِ وقد بدأت الحركة الجادة لتدوين
والثالث الهجريين ونشطت حركة التأليف والترجمة والنقل وأَظهرت اللغة العربية
عبقريتها الفذة في القدرة على استيعاب مصادر الثقافة والعلوم المبتكرة أو المنقولة
عن حضارات األمم االخرى ،كما أَظهرت مرونة رائعة في التحضر والسلوك مع
األطوار المدنية التي طبعت العصر ورسمت حياته الجديدة.
ْ
وبلغت َ
وتفوقها نضجها
َ ُ
العربية ُ
الحضارة ْ
استكملت العباسي الثاني
ّ وفي العصر
بعطائها وعمقها وأصالتها مرك َز الريادة األول في مجال الحضار ِة اإلنساني ِة في
والشعراء العباسيون يصدرون
ُ حين ِه.عن هذه المواقع الثقافي ِة المتقدم ِة صا َر ال ُك َّت ُ
اب
بنتاجاتهم ما آل إليه الواقع الحضاري الجديد من عمق الفكر وسمو المنطق وتعدد
مصا ِدر المعرفة ،وتطور أساليب البالغة واألداء اللغوي ،والتجديد في األوزان
والقوافي .
5
العباسي لم تقف عند حدود تخطي األشكال القديمة
ّ ّ
إن مظاه َر التجديد في األدب
مجال التعبير عن واقعهم الجديد أجادوا أيضاً في التعبير عن ذواتهم بأدب وجداني
رائع.
الذي وقف إلى جانب طبقة العامة الواسعة ،ومعاناتها أمام طبقة الحكام ،وأتباعهم
َ
الضعف السياسي الشعب من أي شيء ،ويبدو ّ
أن َ وهم ٌ
قلة ؛ ملكوا ُك َّل شيء وحرموا
بإقصاء
ِ بعض الشعراء وال ُك ّتاب،واقترَن َ
ذلك كان وراء هذا التحول في مناهج ِ
مواقع القياد ِة الحقيقي ِة في الدولة العربية وتفشي الفساد واألمراض
ِ العرب عن
ُ
وتفكك الدولة العربية وقيا ُم دويالت األقاليم ،من هـنا تتضح لنا وتعدد الكوارث
كما نرى في شعر الكثير من الشعراءكالحسين بن الحجاج والعكوك ،ولم يخل من
6
هذه الظاهرة حتى الشعراء الجا ّدون ،فهذا أبو العالء ال َمع ّ
َري يقول:
أسئلة للمناقشة
-1ماأهـمية العصر العباسي في األدب العربي ،وماذا يمثل؟
7
القسم األول -العصر العباسي
ٌ
مختلفة كان لها العباسيِة في سنة ( 132هـ) عوامل
ّ نشوء الدول ِة
ِ تضافرت بع َد
المجتمع
ُ َأث ٌر كثي ٌر في تكوين المجتمع العباسي وفي تلوين نثره وشعره ،وقد تلون
بعيدة عما َ
ألف ُه ً العادات والتقالي ِد والمفاهيم االجتماعي ِة التي ْ
كانت لوان شتى في َ
ِ ِ بأ ٍ
العرب في العصور السابقة لهذا العصر ،عن طريق االختالط والتزاوج.
ُ
ً
وفاعال عن طريق ُ
العربية بالثقافات األخرى امتزاجاً واسعاً ُ
الثقافة إذ امتزجت
ً
إقباال واسعاً ،وكان أث ُر هذا االمتزاج الترجم ِة التي َنشطت وأَقبل عليها َّ
الناس َّ
الفكري والثقافي واضحاً في شيوع األفكار الفلسفية والمصطلحات المنطقية التي لم
ُ
العناية بالعمران والتوسع فيه. ْ
وكثرت ً
شائعة قبل هذا العصر، تكن
كل مرحل ٍة منه بخصائص فني ٍة ثابت ٍة خاص ٍة ،و َم َّثل
تميزت ُُّّ
ْ مر بمراحل مختلفة
قد َّ
ّ
المقفع ُ
المرحلة األولى ابن ْ
فضمت ٌ
طائفة من ال ُك ّتاب، َّ
كل مرحلة من هذه المراحل
ُ
والرابعة القاضي الفاضل. ُ
والثالثة َ
ابن العميد، ُ
والثانية الجاحظ،
8
الخصائص الفنية للنثر والشعر في هذا العصر
أما الشع ُر وعلى الرغم من الثورة والتجديد التي شهدها فقد بقي كثير من شعراء
األسس التي
َ َ
يلتفتون إلى الشعر القديم ويتأثرون به ُمستمدين منه وشعرهم-
يقيمون عليها بناء قصيدتهم ،فهم لم يشاؤوا أَن يتحرروا من قيود الوزن والقافية
وعمود الشعر ،كما لم يتهيأ لهم أَن يتحللوا من كثير من األغراض والمعاني التي
طرقها األقدمون ،فكانوا يلتزمون وزناً واحداً وقافية واحدة في القصيدة الواحدة،
ويفتتحون القصائد بالنسيب أو ذكر األطالل ،كما كانوا يعالجون (يعرضون) في
9
شعراء لم يقفوا عند الحدود التي
َ فإن هناك ولكن مع ِّ
كل هذا اإلقتداء بالقدماء ّ
رسمها لهم األقدمون ،بل حاولوا تطوير الفنون التي ورثوها كما جهدوا في ابتداع
أصل َ
قبل هذا العصر. فنون أخرى لم يكن لها ٌ
ً
مختلفة منه ،يمكن إجمالها فيما جوانب
َ ْ
تناولت ٌ
كثيرة لقد طرأت على الشعر أُمو ٌر
يأتي:
من النسيب او ذكر األطالل فكان هذا التغير في استهالل الموضوعات جاء نتيجة
طيروحيوان ...وغيرها.
ِ
والتهكمي(السخرية) .
ُّ ظهور الشعر الهزلي
ُ -5
-6اإلكثار من وصف المعارك التي كانت تقع بين المسلمين وغيرهم من الروم
والصليبيين.
-7اإلكثار من التراسل بالشعر َّ
والتهاني وهو ما يسمى (اإلخوانيات) والسيما في
10
-8ضبط القواعد والعلوم بنظمها شعراً ،وهو ما يسمى الشعر التعليمي ،لحفظ
قواعد العلوم اللغوية والفقهية والحكمة والقصص واألمثال لتسهيل حفظها ،فقد
11
دِ ْع ُ
بل الخزاعي
بل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد اهلل بن بديل هو ِد ْع ُ
بن ورقاء الخزاعي .ودعبل لقب ُع ِر َف به ويكنى أبا علي ولد في الكوفة سنة
(148هـ) من أسرة عرف رجالها باألدب والعلم فقد كان والده شاعراً ،كذلك كان
ابناه وأخوه وابن أخيه وعمه وابن عمه ،وكان أخوه علي بن علي أديباً وقد صنف
كتابا كبيراً عن اإلمام الرضا (ع) ...واختلف في سنة وفاته ،لكن على األرجح ان
اهلل توفاه سنة ( 246هـ ) وله من العمر ثمان وتسعون ً
سنة .
ً
رفيعـة فـي العلـم واألدب والشعـر فقـــد ً
منزلة ُجمع مؤرخو األدب على ّ
أن لدعبل وي ْ
إن ابن شرف كـان كاتباً ومؤرخاً ومح ّدثًا وعالماً باألدب واللغة وأيام العرب .ح ّتى ّ
القيرواني وصفه في رسائل اإلنتقاد بأنه كان شاعر العلمـاء وعالـم الشعراء وقد
اشتغل برواية الحديث وكان من شيوخه الذين أخذ عنهم اإلمام مالك بن أنس(179هـ)
وسفيان الثوري ( 161هـ ).
من آثاره
ديوان شعر وكتابان مفقودان هما :
كتاب (الواحة في مثالب العرب ومناقبها) وكتاب (طبقات الشعراء).
وقد اشتهر دعبل الخزاعي بقصيدته التائية في رثاء آل البيت الكرام (عليهم السالم)
التي مطلعها-:
والنطقات
ِ اللفظ
ِ نوائح ُعج ُم
ُ والزفـــرات
ِ باإلرنان
()1
ِ تجاوبن
آت
مـاض وآخـ َر ِ
ٍ هوى
أسارى ً أنفس
يخبِّرن باألنفــاس عن ِس َّر ٍ
12
ومنها :
ات
ص ِ َو َم ُ
نزل َوحي ُمقف ُر ال َع َر َ آيات خلـت مـن تـالو ٍة
مدارس ٍ
ـل ب ْ
َـل هلكــا ض َّ
ُطلـب َ ال َ
أين ي ُ ً
وأيـــة سلكــا الشبـاب
ُ َ
أيـن
اللغة :
-2الغواية :الضالل.
13
التعليق النقدي
يب رأَسه، دون رجع ٍة بعد أَن َغ ّطى َّ
الش ُ يتساءل الشاع ُر عن الشباب الذي َولّى َ
وكان لقاء المقارنة بين الشباب والمشيب ...برقة اسلوب وسالس ِة عبار ٍة واستعمال
رسم ُ ُ َْ ُ
يتفنن في ِ بدع
باق والِجناس .والقصيدة تكشف عن ُم ٍ
كالط ِ
للمحسنات البديعي ِة ِ
النفس االنساني ِة ...باستعمال لغ ٍة شفاف ٍة مباشر ٍةِ اعماق
ِ والغوص في
ِ الصور ِة
ف عن قدر ٍة في رصد الواقع بجزئيا ِته ... قريب ٍة إلى ذهن المتلقي مع واقعي ٍة َت ْك ِش ُ
َ
استعان الشاع ُر باأللفاظ المباشرة ً
منقصة ،لقد َّ
فالشيب اليستثني أحداً وال يُعد
لتمثيل أفكار ِه وعواطف ِه (استعمال الداللة الحقيقية لأللفاظ) وبالصورة التي اختارها
حر َكت الجمادات (ضحك المشيب برأسه فبكى) فالشاعر يضفي على
ألوصاف ِه التي َّ
النص وحدة متماسكة هي وحدة الشعور واالحساس بانسجام األفكار والعواطف
ّ
والصور وائتالف اللفظ والتركيب مع المعنى العام .
أسئلة للمناقشة
ً
منزلة رفيعة في العلم واألدب والشعر -1يجمع مؤرخو األدب على أن ل ِد ْعبل
أوضــــح ذلك.
ِ -2ب َم وصف ابن شرف القيرواني الشاع َر ِد ْعبل في رسائل االنتقاد؟
14
البحتري
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي ،ولد بمدينة (منبج) بين حلب والفرات سنة
وفصح ُ
لسان ُه. َ ذهن ُه ً
عربية ،فصفا ُ ( 206هـ) في أسرة ليست بذات يُسر ،ونشأ ً
نشأة
َ
وتلقف ماتيَّس َر له من العلوم العربية اإلسالمية والعلوم الحديثة ،وظهرت عليه
ُ
مخايل َّ
النجاب ِة منذ ريعان صباه ،فاستهواه الشع ُر ومال إليه وعالج ُه وهو فتى،
وتهيأ له أن يلتقي بأبي تمام الذي رأى فيه ما يُنبئ بشاعرية فذة فتعهده ،ووضع
له منهجاً دقيقاً في طريقة معالجة الشعر واإلجادة فيه وذلك في وصيته المعروفة،
نشأ البحتري في الحقبة التي شهدت انعطاف أبي تمام بالشعر إلى المنطق والغوص
فترسم خطاه في البديعَّ ،
ووشح في المعاني ،والولوع بالبديع واالستعارات الجديدةّ ،
ً
سهال واضحاً َ
وج َن َح إلى الخيال والطبيع ِة فاستم َد به شعرهُ ،ولكنه َف َّ
ض َل ما كان منه
وعني عناية فائقة باأللفاظ وجرسها ،حتى ُع ِر َف بذلك ،وامتا َز به منهما معانيهُ ،
تتعقب
ُ ُ
العباسية ،وهي ُ
الجيوش الرائع لكثير من المعارك الحربي ِة التي خاضتها
ِ
والبحر.
ِ َّر
األعداء والمناوئين لها في الب ِ
َ
كتاب (الحماس ِة)وهما مطبوعان.
شعر ضخم ،و ُ ُ
ديوان ٍ توفاه اهلل سنة ( 284هـ) و له
15
(للدرس فقط)
ذئب:
صف ٍقال البحتري في َو ِ
الوفــا ٌء وال َعهــــــــ ُد
ســال ٌم عليكــ ُم َ
أحبـاب ُكـم ب ُّ
ُــد ِ أمـــــا ل ُكم ِم ْن َه ِ
ــجر
بـح فـــي اُخــريـا ِتــ ِه
الص َ َّ
كـــأن ُّ ولَ ٍ
يـل
ـــم ْ ُح َ ُ
افرنـد ُه ِغمـْ ُد ()1 ض َّ شاشة َن ٍ
صـل َ
وس ْن ُ
ـــان هـاجـــ ٌع والذئـب َ
ُ سـرب َْل ُتــ ُه
َت ْ
ْل مالَــ ُه بال َكـرى َع ْهـ ُد
ابن لَي ٍ
بعين ِ
ِ
ـــن َج َثمـا ِتـ ِه أثيـ ُر َ
القطــــا ال ُك َّ
ـدري َع ْ
عـالــب والــ ُربـْـ ُد ()2
ُ وتألَ ُفنــــي فيـ ِه َّ
الث
يح ُ
مــل َز ْو َر ُه العــين َ
ِ وأطلّـــَس ِم ِ
ــلء
ـن جانبيـ ِه َش َ
ـوى َنهـْ ُد ()3 وأضالع ُه ِم ْ
ُ
َجـــــر ُه
ُّ شــاء ي
الــر ِ
ثــل ِّ لـــــه َذ ٌ
نــب ِم ُ
ـوس أَ َع ُ
ـوج ُمنـْ ُّ
أد ()4 َ
و َمتـْ ٌن َك َم ِ
تـن الق ِ
اس َت َّ
مـر مـريـ ُر ُه َطوا ُه َّ
الطــــوى َّ
حتـى َ
والر ُو ُح ْ
وال ِجلـ ُد ()5 فما في ِه إال الع ْ
َظ ُم َّ
أس َّر ِتهـا الـردى ض ُع ً
صال فــي ِ يُقض ِق ُ
أر َعـد ُه البـْ َر ُد ()6
المقـرور ْ
ِ كق ْض َقضــ ِة
َ
ـوع مـا ِبـ ِه
الج ِ َسما لي وبي ِم ْن َّ
شـد ِة ِ
ْش ٌة َر ْغـ ُد
س بهـا ِعي َ
ْداء ل ْم ُت ْحسـَ ْ
ِب َبي َ
ُحــد ُث َن ْف َســـــ ُه
ذئـب ي ِّ
كــالنـــــا بهــا ٌ
ــســـ ُه الجـَــَ ُّد ُّ
والجــد يُت ِع ُ بصـاحبـ ِه
جـز ُت ِفهج ُتـ ُه ــوى ُثــم أقعــى ْ
وار َت ْ َع ّ
ْــرق َي ْتبعـُـ ُه َّ
الر ْعـ ُد ()7 َ ْ َ
فـأقبـل ِمثـــل الب ِ
16
ـــب ريشهــا
حس ُ خــرقــاَء َت ِ
فأوجر ُتـ ُه ْ
ُّ
ينقـض والليّــُل ُم ْس ُّ
ــود ()8 على َكو َكب
ً
وصـــرامـــة فمــــــا از ْدا َد إال ُج ً
ـــرأة
الج ُّ
ــــد أن األمــ َر ِم ْنــ ُه هــو ِ َُ
وأيقنـــت َّ
ـت َن ْص َ
لهــــــا ْ
فأضلل ُ فـأتب ْع ُتهـا أخـرى
والح ْقـــــ ُد
والرعـْ ُب ِ
ـب ُّيكون اللُ ُ
ُ ُ
بحيث
الــردى
ــل َّمنه َ َف َّ
خــر وقــــد أوردتــ ُه َ
الــــو ْر ُد علــى َظمــأ لــــو أنــَّه َع ُ
ــذ َب
ِ
واشتـوي ُتـ ُه
َ صــــى
َ الح
َّت َ ُ
وق ْم ُت فجمع ُ
مضـاء مـِ ْ
ــن تحـتــ ِه َوقــْ ُد ِ وللــر
َّ عليــ ِه
و ِن ْل ُ
ــت َخ ِسيسـاً ِمنـْـ ُه ثـُ َّـم تــر ْك َتــــــه
عنـــ ُه وهـــو ُم َن َع ِفـــ ٌر ْ
فـــر ُد ْــت ْ َ
وأقلع ُ
َ
اللغة :
َ -1نصل :بقيته.
بحشاش ِة :بقية .
ِ ْ
إفرن ُده :جوهره ووشيه ،ويقصد
دري :ضرب من القطا ُغبْر االلوان رقش الظهور صفر الحلوق.
-2ال ُك ِّ
ْرة إلى السوادُّ ،
وكل َم ْن كان على لونه فهو طلس. ّ -3
األطلَس :أي الذئب في لونه ُغب ٌ
شاء :الحبل.
الر ِ
ِّ -4
الطوى :الجوع.َّ -5
ُقضقض :يخرج صوتاً من أنيابه. -6ي ِ
(واالع َ
صل :األعوج في صالبة). ْ ً
عصال ُع ً
صال :اي أنياباً
-7أقعى :جلس مفترشاً رجليه وناصباً يديه.
-8فأوجرته :أصبت مقتله.
17
التعليق النقدي
َّ
إن ظاهرة وصف الذئب و حضوره في الشعر العربي قديمة .بدأت عند امرئ
القيس ومصاحبته له :وحتى البحتري الذي أكله .وهذا يعني أنها دورة تمثل دورة
العباسي) ...وتغير العالقات االجتماعية والوعي .ولعل أول شاعر فتح الباب ألدب
الذئب بعد
ُ َ
طريق الحذر ...فإذا ضحك ُ
العالقة فتأخذ سيفه ...وفي هذه المرحلة تتغير
َ
واطمأن له وتعاهدا على عدم الخيانة. ُ
الفرزدق َ
ضحك وشبع
َ أن َ
أكل
تراثنا القديم ،ومن أمثالهم الكثيرة في هذا المجال قولهم( :أظل ُم من ذئب).
تبدأ القصيدة بمقدمة التنفصل عن الموضوع ،وهو مقابلة الذئب واالنتصار عليه
أو بعبارة أخرى مقابلة المعوقات الكبيرة والتغلب عليها بحسم وإقدام .
19
يقضي البُحتري ليله وحيداً في البيداءْ ،إذ يوشك ذلك اللّيل على االنتهاء ليطل ّ
الصباُح
الس َح ُر وقتاً أو (الزمن
سيف متأللئة لم تغمدَّ ،إنه َ
ية ٍبق ُ
البيضاءَّ ،
َ وكأنه في إطاللت ِه
الرمادي) حين يلتقي بذئب وسنان ،في بحثه عن َّ
الطعام ،وهاجع بعين من شدة
فيتحر ُك حركة فيها
َّ حذره ،فال يعرف للنوم طعماً ،ينفعل البحتري أمام هذا الذئب،
وفتوةُ ،
حيث يسير مثيراً القطا الرمادي عن مراقده ،وهو الفتى الشجاع ٌ وبأس
ٌ ٌ
قوة
اللون ،وقد استند ص َدر ُه
ِ أطلس
ُ ذئب
فيقترب منه ٌ ُ الذي تعرفه وحوش تلك البيداء
يجر َذ َنباً كالحبل في اتساقه ،وله ظه ٌر كظهر
أطراف دقيق ٍة بارز ٍة ُّ
ٍ وأضالع ُه على
َ
صيَّره نحيفاً ،ليس فيه (إالَّ
الجوع الذي َ ذئب يُعاني آال َم القوس في َّّ
دق ِة انحنائه ،إنه ٌ
ِ
بصوت
ٍ ارتسمت على أسنان ِه ،وهي َّ
تصط ُك ْ الجوع قد العظم والروح والجلد) فثورة
ِ
الجائع ِّ
بكل مالمح ِه ُ الذئب
ُ مقرور أَفزعه البر ُد ،فقد َ
ظهر هذا ٍ َ
صوت أسنان يشبه
الجائع هو اآلخ ُر في فال ٍة قاسي ٍة َِجرداء،
ُ وسمات ِه البائس ِة الشديد ِة ،ليقابل البحتري
الغريب بين ذئبين جائعين إنساني وحيواني ،لقاء فيه عنص ُر التحدي
ُ اللقاء
ُ فكان
ومتوثب، متحرك دام ُ ُ
ٍ ٍ صراع ٍ
ٍ الصامت إلى الغريب
ُ اللقاء
ُ سيتحول هذا والصراع،
لالنقضاض على فريست ِه،
ِ ويجلس على مؤخرت ِه (أقعى) استعداداً
ُ الذئب
ُ فيعوي
البحتري بصوت ذئبي بحرار ٍة وقو ٍة قاصداً
ُ ُمعُلناً عن ِ
بدء الصراعِوالتحدي ،فيقابله
وتدفق مثل
ٍ َقب ُل علي ِه بقو ٍة َ
العنيف هذا في ِ
ِ إبعا َدهَ ،ب ْي َد أَن الذئب اليُبالي ِب َر ِّد الفعل
ُ
يدرك البحتري ادراكاً مدو ُ
حيث وصوت ٍّ
ٍ (البرق يتبعه الرعد) بحرك ٍة مزمجر ٍة
خاطف ولكن الطعنة تلك
ٍ سريع بسهم ُ
فيطعنه َ
محالة الذئب قاتل ُه ال
َ الشائبة فيهّ ،
أن
ٍ ٍ
لم تزجره أو ُت َقلِل من ش َّدِة عزم ِه على قبول التحدي واالندفاع في غمر ِة الصراع ،بل
طعنة أخرى ً
قاتلة، ً ذهول فيسد ُد له ْ
أذهلت البحتري أيَّما انطلق ِّ
بكل جرأ ٍة وصرام ٍة، َ
ٍ
20
الصراع الدامي ،وينتهي َم ْشه ُد التحدي ُ
حركة هذا يخر على إثرها ميتاًْ ،إذ تهدأ
ُّ
ِ
صى تمهيداً لِ َّ
شي الح َ
بجمع َ ً
مأساوية بالنسبة الى الذئب ،فيقوم البحتري ْ ً
نهاية
َ
اختلط د ُم ُه قليال ويتركه م ُم َّرغاً في ُّ
التراب غريمه ،ايماناً بانتصار ِهُ ،
فينال منه قدراً ً
أسئلة للمناقشة
-1من أين تبدأ دورة أدب الذئب ،وماذا تعني؟
-3هل يوحي ذكر الذئب اشارة إلى فكرة معينة ؟ أوضح ذلك.
21
المتنبي
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين من ساللة عربية صميمة ،ولد بالكوفة سنة
(303هـ) في محلة كندة ،من أبوين فقيرين ،ونشأ بها وتعلم في كتاتيبها ،ثم شدا
الخروج ِ الى البادية واتصل ببعض
َ تيسر له من علوم العربية المختلفة وارتأى
ما َّ
َ
الفصاحة وعشق واكتسب
َ فصح جس ُمه وصفا ذهنه ،وأخذ عنها َ
اللغة القبائل العربية َّ
ً
وخاصة الفلسفة التي كان لها في حياته صح ُ
لسان ُه ،وتأثر بالعلوم الحديثة َ
الحرية َف َف ُ
مجال فسيح.
وكان الشع ُر يترد ُد على لسان ِه ،وينساب قوياً هادراً ،وكان يتعاظم في شعره ،حتى
أن يلتقي بأمير عربي شجاع كريم ،هو سيف الدولة الحمداني ،فأُ ْعج َب ُّ
كل تسنى له ْ
ِ
ْ
جادت َ
أروع ما منهما بصاحبه ،وكان الشاع ُر يالزمه في حلِّ ِه وترحال ِه وي َْن ِظ ُم فيه
ُ
الشاعرة،ولكن سرعان مانشأ خالف بينه وبين سيف الدولة فغادر الى به عبقري ُت ُه
مصر قاصداً حاكمها كافوراً اإلخشيدي ،اال ان الشاعرغادر مصر ،وقد َ
نجح الشاع ُر
في الوصول إلى بغدا َد ومنها إلى عضد الدولة ووزيره ابن العميد في الشرق ،وعند
رجوعه اعترضه بعض مناوئيه ممن هجا بعضاً منهم محاولين النيل منه فقاتلهم
وسقط صريعاً سنة ( 354هـ).
ً
مشغوال كان المتنبي منذ نشأت ِه ،كبي َر النفس ،عالي الهمة ،عفيفاً َع ُزوفاً عن اللذات،
بطموحه إلى المجد ،محباً قومه ،ك َما كان حاد الذكاء قوي الحافظة ،متضلعاً من
ِ
والح َكم ،ح ّتى تكاد تطغى على أكثر ما
اللغة .وهو أكثر الشعراء حفاوة باألمثال ِ
وق ِّد َر له أَ ْن يَعرض هذه األمثال ِ
والح َكم عرضاً أدبياً رائعاً ،فدارت أثر له من شعرُ ،
ٌ
عميق بالحماسة إحساس
ٌ وقت َّ
وكل مناسب ٍة ،وفي شعر ِه على ألسنة الناس في ِّ
كل ٍ
والفروسية وهو ي ْ
َظه ُر واضحاً في أكثر فنونه الشعرية ،والسيما المدح والفخر
والوصف والرثاء والغزل.
22
وفي شعر ِه شي ٌء من التعقيد اللفظي ،ولعل َّ
مرد ذلك إلى ثقافت ِه اللغويةِ الواس ِعة التي
اغترفها من حياة البادية .
برع المتنبي في ِّ
كل الفنون الشعرية التي طرقها وأجا َد كثيراً في الوصف والسيما َ
صورها تصويراً َحيًّا المعارك الحربي ِة التي كان يخوضها ُ
سيف الدولة ،فقد َّ ِ وصف
رائعاً ،كما أجا َد في أغراض شعرية أخرى:كالمديح...والفخر والرثاء والهجاء
ٌ
مطبوع وقد شرحه كثي ُر من الشارحين . ٌ
ديوان والشكوى والحكمة ،له
مى :
الح َّ
قال أبو الطيب المتنبي في وصف ُ
10:أبيات) ((للحفظ
للحفظ 6ابيات )
الظــــالم
ِ فليــس تــزو ُر إال فــي
َ
حيـــــاء
ً وزائـــرتـــي َّ
كــأن بهـــــا
ـت فـي عظــامـــي ()1 َ
فعـاف ْتهـا وبا َت ْ ُ
بذلت لهـــا المطارف والحشــايــــا
()2 السقــــام فتــــوسعُــــه بأنـــواع
ِ يضيق الجلــ ُد عــن ْ
نفسي وعنهــا ُ
ِ
مــدا ُمـعـهــا بــأربـعــ ٍة سـجــــام ()3
ِ الصبح يطـردهـــا ف َتجـــــري
َ َّ
كــأن
ـــوق المستهــام ()4
َ أراقب وق َتهــــا مــن
ِ مراقبــة ال َمشــُ ِ شــوق
ٍ غيــر
ِ ُ
ـرب العظـــام ِ()5 َ ُ ُ
ويصدق وعــ ُدها
إذا ألقـــاك فــي الكـَ ِ والصـدق شـــــ ّ ر
الزحـــــام انت من
وصلت ِ
ِ َ
فكيف بنــــت
ٍ ُّ
كــــل الدهــــر عنـدي َ
أبنت
()6
ِ ِ
السهــــــام للسيــوف وال
ِ ٌ
مكــان مجـرحـاً لــــــم َ
يبـق فيـــه َّ جرحـت
ِ
ِ
عـنــان أو زمــــام
ٍ تـصــرف فــي أال يــــا َ
ليــت شعــر يـدي أتمســي
والطعــــــام وداؤك فـي شـرابــك أكلـــت شيـئـــاً
َ بيـب
الط ُِيقول لـــي َّ
ِ
ُ
طـــول الجـمــــام ()7 ـر بجسـمـه َ
أض َّ ومـــــــا فـــي طبـــّه أنـــي جـــوا ٌد
ِ
ويــدخـل مـن قـتــام فــي قتـــــام ()8
ِ تعــو َد ْ
أن يغبــّر فــي الســرايـــــــا َّ
()9 اللـجــــام والهـو فـي العليـق وال َ
اليطــال لـــــه فيـرعـــــى فامســك
ِ
ْ
وإن أحـمـ ْم فمــا ُح َّـم اعتـزامـــي مرض اصطبــاري ْ
أمرض فما ِ ْ
فإن
23
اللغة:
-1المطارف :جمع ِمطرف ،رداء من خ ّز (ثوب من حرير).
حشيّة .ماحشي من الفراش مما يجلس عليه.
الحشايا :جمع ِ
-2السقام :المرض .
-3سجام :منسكبة ،سج َم الدمع ،سال وانسكب.
-4المستهام :الشديد الشوق.
-5ال َكرب :جمع كربة ،وهي الشدة والمصيبة.
َ -6
أبنت الدهر :بنات الدهر شدائده.
-7الجمام :الراحة( .ان يترك الفرس فال يركب).
َ -8
يغبّر :يثير الغبار في المعارك.
السرايا :جمع سرية ،وهي القطعة من الجيش.
القتام :غبار المعارك.
-9اليطال له :اي اليطال له حبله ليتمكن من الرعي .والهو في السفر فيعلف من
المخالة المعلقة في رأسه الطعامه.
التعليق النقدي
َه ُّم
وهو ي ِ
هذه األبيات قالها المتنبي بمصر ،وكان طريح الفراش بسبب حمى أصابتهَ ،
عالقت ُه بحاكم مصر آنذاك ،كافور االخشيدي. حيل عن مصر بعد أَ ْن َ
ساء ْت ُ
بالر ِ
َّ
األول وقد َسب ََق ُه عشرون بيتاً في ديوان المتنبي ،يتحدث الشاعر فيها عن فروسيت ِه،
فالبيت ُ
ُ
المشوق َ
مراقبة َرقبُها الفراق َّ
كل يوم وليلة .وهو ي ْ ُ اللقاء وهذا
ُ الحمى .ويتك ُرر هذا
ّ بسبب
ِ
لف َو ْع َدها وال ٌ
مفارقة ،وهي ال َت ِْخ ُ شوق والرغب ٍة باللقاء ،وتلك المستهامِ بها،لكن من غير
ٍ
أي ّش ٍّر حين يلقيك في الشدائد
شر ّ الص َ
دق ٌّ ْ
وكذبت ألن هذا ِّ ْ
اخلفت َت ِْك ُ
ذب صاحبَها ،وليتها
ُ
فيقول لها ُ
فيكشف لنا عن اسمها أو كنيتها. يلتفت الشاعر إليها مخاطباً،
ُ والمحن .ثم
ِ
ً
مكانة .ويسألُها القريب ،مكاناً أو بنداء
ِ تختص
ُ ً
مستعمال همزة النداء التي (أبنت الدهر)،
ِ
ً
مستعمال التوكيد ْ
وصلت إلى قلب ِه المزدحم ِبالمصائب والخطوب ،وهي واحد منها َ
كيف
علي.
انتصرت َّ
ِ َس َخ ُر منها :التظني ِ
أنك اللفظي بالضمير (انت) إلبراز خصوصيتها .ثم ي ْ
الجراح، ً
رجال كثي َر جئت ً
رجال عرك ْت ُه األسفا ُر ،واألخطا ُر .ال ،لقد ِ إنك ص َر ْع ِت
والتقولي ِ
ِ
والسهاُم فيه موضعاً لغيرها.
السيوُف َّ لم ْ
تترك َّ
مس ُك يدي
ليت شعري هل َت ِْ
والحديث عنها وعن أمنياتها .فيقول َ
ِ ويعو ُد الشاع ُر إلى نفس ِه،
السفر ً
مرة أخرى؟ الفرس في الحرب ،أوزما َم الناق ِة في َّ
ِ َ
عنان
25
ثم يخبرنا بأسلوب متهكم متوجع معاً :
26
َ
القدرة في نفس ِه واليسعى إلى الكمال . فهو يعجب ممن يج ُد
أسلوب المتنبي في هذه القصيدة وسواها يعتم ُد على المفارق ِة الغريب ِة واالستعارات
َ َّ
إن
غير المألوفة ،واللغة الجزلة الفصيحة ،الـمتدفقة الـمفعمة بالعواطف الحارة ،والحكمة
المستقاة من تجارب ِه األليم ِة وخبرت ِه بالناس واألشياء ،وحسن اختياره لمطالعه وقوافيه
وأوزانه فال َش َّك َّأن َك تالحظ ُمالحرف ِالميم ِالمكسورة ِمن قدرة ٍ على االيحاء َّ
بالصوت
المنكسر الموحي بالضعف ،وهو ما يناسب حالة الشاعر في ضعف ِه ومرض ِه .
ي ُّ
َدل على ذلك أن ّه اختا َر في مطلعه ِ:
لفظة (ملومكما) والشائع عند الشعراء استعمال لفظة (العذل بدل اللوم) إال أنه أراد
أسئلة للمناقشة
-1ماسبب اختيارهذه القصيدة لتكون أنموذجاً لشعر المتنبي ؟
أسلوب المتنبي ؟
َ َ
وجدت َ -3
كيف
27
ضي الش ُ
ريف ال ّر ّ َ
الرضي ،ولد ببغداد سنة
ّ هو محمد بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف
(359هـ) ونشأ في رعاية والده الذي َّ
تعهد بتربيته وتعليمه العلوم العربية اإلسالمية
من أدب ونحو ولغة وشعر وفقه وفرائض فبرع في كثير من هذه العلوم ،وصنف
ُ
الشريف الرضي ُمكرماً ومحترماً في عصره ،وكان نقيباً للطالبيين فيها كتباً .عاش
رفيع المكانة بين الناس ،عفيفاً ذا ورع وزهد وقد انعكست أكث ُر
النفسَ ،
ِ كان أَ َّ
بي
ً
صورة صادقة ًلشعوره ،وعواطف ِه واختالجات هذه الصفات في شعره الذي كان
الرضي ً
مثاال للتسامح الديني ،يرتبط بعالقة ّ ُ
الشريف نفسه وتجاربه في الحياة وكان
ٌ
أدبية ُت ْظ ِه ْر ٌ
ومراسالت ٌ
صادقة ٌ
مودة طيبة باالديب أبي إسحاق الصابي ،وبينهما
المراسالت اإلخوانية األدبية الرفيعة .وحين توفي أبو اسحاق الصابي رثاه الشريف
ضياء النادي
ُ أعلمت َ
كيف خبا َ َ
أعلمت َم ْن حملـوا علـى االعـوا ِد
فألنــت ُ
أعلقهــم يــداً بــودادي َ إن لم تكن ِم ْن أسرتي وعشيرتي
28
نحا شعره -الذي قاله وهو في سن مبكرة من عمره فأجاده حتى أصبح من الشعراء
المرموقين -منحى أسالفه من شعراء العرب في العناية بالمعنى والحفاوة به ،وفي
المحافظة على قوة األسلوب ،وجمال اللفظ وشعره يتناول أغلب الفنون المعروفة
من آثاره المطبوعة (:حقائق التأويل في متشابه التنزيل ،تلخيص البيان عن
مجازات القرآن ،مجازات اآلثار النبوية ،نهج البالغة (جمع) فيه خطب اإلمام
()1 رعـــــاك
ِ القلـب َم
َ َهنك اليـو َم َّ
أن لِي ِ يا َ
ظبية البان تـرعـى فـي خمـائلـ ِه
()2 وليس يرويك إال مدمعــــي الباكي ٌ
مبـــذول لشـــاربـــ ِه الماء عنـــ َد ِك
ُ
()3 بعـ َد ال ُرقــا ِد عــرفنــاهــا ب َريّــــاِك ٌ
رائحـة ريـاح الغــور َهب ْ
َّت لنـا ِم ْن
ِ
()4 ذكــراك
ِ علــى ال ّرحــاِل َتعَلّلنــــــا ِب ربُث َّم انثنينــا إذا مــا هــزنــــا طــَ ٌ
مـرمـاك أبعـدت بــــالعراق لقد َم ْن ــم َ
()5 ِ ِ ِ أصـاب وراميــ ِه بــذي سل ٍَ سه ٌم
عينـي عينــاك ِ
َّ ياقرب مــــا كذ ْ
َّبـت َ لعينيـك عنـدي ماوفيـت بـــ ِه
ِ وعـ ٌد
ُ
الفضل للحاكي يوم اللقاء فكـــــان كت ُ
لحاظ ِك مــافي الريم من ُملَ ٍح َح ْ
()6 قـتالك
ِ عنك من أسماء
بما طوى ِ الجــزع يخبـرنـا
طـرفك يـوم ِ
ِ كـأن
وأحـــــالك
ِ فمــا أ َم َّر ِك فــي قلبــي والعــذاب لـــــه
ُ أنت النعي ُم لقلبــي
ِ
29
اللغة
-1البان :شجر طري األغصان .
التعليق النقدي
هذه واحدة من قصائد الشريف الرضي المعروفة بـ(الحجازيات) ،وهي قصائد
الرضي في حجه ،موضوعها الغزل والحنين إلى العراق ،وهي كما
ّ نظمها الشريف
ترى عفيفة األلفاظ ،تنم عن عاطفة نقية لم يشبها وصف رخيص أو عبارة جارحة
تخدش السمع أو الحياء أو األدب ،ولجمالها وصدقها عارضها الكثير من الشعراء
منهم الشاعر أحمد شوقي في قصيدته (جارة الوادي)التي مطلعها :
ذكراك
ِ ما يُشب ُه االحال َم من ُ
طربت وعا َدني ياجارة الوادي
يخاطب الرضي في هذه األبيات حسناء يتوهمها ظبية رشيقة القوام كأغصان البان
التي ترعى في الخمائل ومرعاها قلبه ،والتدري من تيمهم حبها ،والترى دموعهم
التي تترقرق ،ولقد هب َ
َّت عليهم رائحة زكية عبقة من الغور عرفوها لها من رياها
وعطرها ،فشغلت قلبه وعقله ،فلم تعد له ذكرى يتسلى بها غير ذكراها
30
ولقد أصابته سهام لحاظها،وهي الحسناء الحجازية وهو العراقي فمــا أبعد المرمــى !
وما أبعد إصابتها ولقد وعدت عيناها عينيه ،وما أقرب ما كذبت ما وعدته ! وأي
ً
وجماال ،تتحدث عمن صرعتهم وأسرتهم وهم عيون ؟ إنها تشبه عيون الريم مالحة
كثر حتى ضاع عليهـا َّ
عدهـم ،ومـع هـذا فهـي نعيـم قلبـه ،بـل هـي عذابه.
من عرض هذه القصيدة وقراءتها رأينا أبياتها سلسة األلفاظ سهلة واضحة المعاني
متسلسلة األلفاظ ،حتى لتبدو للسامع أنه قادر على مجاراتها والنظم على سننها
ونهجها ،فإذا حاول ذلك أعيا وعجز وهذا الذي نسميه (السهل الممتنع)،كما تبدو
فيها فنون البالغة وقد جاءت دون تكلف أو إعمال فكر وتعقيد ،فالشريف الرضي
ً
سهال ال تكلف فيه فطرفها يخبر، يشبه لحاظها بالسهام ،والمجاز في القصيدة يرد
والتشبيهات بسيطة يظن من يسمعها انه قادر على اإلتيان بها ،فهي نعيم لقلبه وهي
عذاب ،وهي مرة وهي حلوة ،فهو يجسد الصورة بمراعاته االضداد وهو ما نسميه
الطباق أو المقابلة،واخيراً يكني عن أشواقه بأنها رسائل يبلغها لها لوال الرقيب .
إنه غزل عفيف رائع ال يخدش سمعاً والحياء وال أدباً وال حساً .
أسئلة للمناقشة
-1من أية مجموعة من شعر الشريف الرضي هذه القصيدة ؟
-2كيف كانت صور الشريف الرضي وألفاظه في هذه األبيات ؟
-3لِ َم سميت هذه القصائد بـ (الحجازيات) ،وما ميزتها ؟
-4من عارضها من الشعراء ؟ وماذا قال؟
-5تغزل شعراء الحجاز في العصر األموي بالوافدات الى الحج ،فكيف كان غزلهم؟
31
ابن الفارض
هو عمر بن علي ،عربي النسب ،من عائلة أصلها من (حماة) ونزحت إلى القاهرة
وفيها ولد شاعرنا سنة( 576هـ) في بيت معروف بالتديّن وكان والده أحد القضاة.
نشأ ابن الفارض في رعاية والده الذي تولّى تربيته تربية دينية قويمة ،وتلقى
مجالس أبيه القضائية
َ العلوم العربية اإلسالمية على علماء عصره ،كما كان يحض ُر
والعلمية ،وكان منذ صباه يحب العزلة والتف ّرد ،وانتقل بعد وفاة والده إلى الحجاز
وبقي فيه م ّدًة طويلة ،كان يطوف في أوديته وشعابه ،حتى كان يأنس بالحيوان
والوحش ،وكان لمقامه الطويل في الحجاز أثر كبير في حياته وشعره واتجاهه .ثم
رجع إلى مصر وقضى فيها بقية حياته بالتبجيل واالحترام وكانت وفاته في سنة
(632هـ).
وكان منذ مطلع حياته -كما تقدم ً -
مياال إلى التعبد والتف ّرد مما رشحه هذا إلى أن
ينهج في حياته وشعره منهج التصوف الذي كان شائعاً في عصره ،والذي يتميّز
بالرياضة العنيفة للنفس والجسم على السواء ،والمجاهدة في مقاومة الملذات ِّ
بكل
وسيلة من أجل التق ّرب إلىاهلل.
وساع َد في هذا َّ
رقة طبعه ورهافة َ كان ابن الفارض يحب الشعر ويميل إليه،
إحساسه وموهبته الشعرية الجيدة ،ومشاهداته الكثيرة في مصر والحجاز وهو
النفس الطويل في الشعر ،ولكنه لم يكن مكثراً فهو على الرغم من نظمه الشعر
ذو َّ
32
يمتاز أغلب شعره بال َّرقة والسالسة والوضوح إذا أُخذ بظاهره ،كما يحفل بالصور
كثير من الفنون البديعية :من جناس
الجميلة ،واألخيلة اللطيفة ويشتمل على ٍ
وطباق ،ومن مميزات شعره اإلكثار من ظاهرة التصغير الذي من أغراضه َّ
التحبب
والتمليح ،غير أن بعض شعره اليخلو من غموض أو تعقيد.
من آثاره المطبوعة :ديوانه الذي شرح أكثر من م ّرة.
قال ابن الفارض من قصيدة طويلة :
(للدرس فقط)
َقـلـبـي يُـحـَ ّدثـنـي بـأِ ّنـك َ ُم ْتـلِ ِفـي
داك َع َر ْف َ
ت أم لم َتعرف ِ ()1
ِ
ُروحــــــي ِف َ
لم أقض ِ َحق َّ َهواك إن ُكنت الذي
()2 لم أقض ِفي ِه أسى ً و ِمثلي َ َمن ْ يَـفي
مالـي ِسـوى ُروحـي َوبـا ِذل ُ نفس ِه
َ
()3
في ُح ِّب َم ْن يَهـــوا ُه ليس َ ِب ِ
مـسرف ِ
أسع ْ
َفتني ضيـت ِبـها َفـقـ ْد ْ َفـلَـ ِئ ْ
ـن َر َ
سـعى إذا لــم ُتـسـ ِعـف ()4 يَا َخــــيب َ
ْة ال َم ْ
ِ
يـب الـمنـام ومـا ِنـحـي
يـامـا ِنـعي ِط َ
()5
السقـــــاِم به ِ ووج ِدي ال ُمت ِلف ِ
ثوب ّ
َ
يت ليَعـطـفـاً عـلى ر َمــقي وما أب ََق َ
()6
مي ال ُمضنى وقـَلبي ال ُمـدنـف ِ ِم ْن ِج ْس َِ
فـالـوجـد بـاق ٍ والـو ُ
صال م ُماطلـي ِ َ ُ
وفي ()7 ّ
واللـقاُء ُمـسـَ ِّ فــــــان والـصبـ ُر
َّ
ٍ
أخ ُل ِمن َح َسد ٍ َ
عليك فال ُت ِ
ضـــع لـــ ْم ْ
()8
يـــــال ال ُمرجـف ِ
ِ سـَهري ب َِتشنيع َ
الخ
33
ـأل ُنجـوم اللَّيـل َه ْل َزا َر الكرى
واس ْ
ْ
َف يَزو ُر َمن ْ لــ ْم يَعرف َِجفني و َكي َ
ال َغ َر َو إن َش َّحت ِبغمض ُجفو ِنهـــا
وســـحت بال ُدمــوع ُ
الذ َّرف عيني
()9
ِ َّ ْ
موقـف َّ
التوديع ِمن ِ وبما َجـ َرى في
ِ
()10
ألم ِ النوى شاهــ ْدت ُ َه ْو َل ال َموقف ِ
وصـــل لديك َفـ ِع ْد بــــه
ٌ إن ل ْم يـ ُك ْن
َ
وعـدت َوال تـفـي وماط ْل إن
ِ أملـي
فالمطـل ُ ِمنـك لَ َّ
ـدي إن َّ
عـز الوفــا
يحلُو َكوصل ٍ من حبيب ٍ ُمس ِع ِ
ـف ()11
َ
اللغة
ُ -1م ْتلفي :مهلكي ومعطبي .
-2أقضي َّ
حق هواك :أفي به .
34
-5الوجد :الحب .
الروح.
-6ال ّرمق :بقية ُّ
ال ُم ْضنى :المثقل بالمرض .
35
التعليق النقدي
يتح ّدث الشاعر في هذه األبيات ع ّما يُقاسيه من تباريح الهوى ،ومن صدود حبيبه
عنه ،فقلبه يخبره أن هذا الحبيب -الذي يفديه بروحه وقلبه -سيكون سبباً في
إهالكه وإفنائه ،وهو مع هذا يرى أنه ُمقص ّر في ِّ
حقه أو ّ
أن يبذل في سبيله روحه
وكيانه ،وأنه حقيق بالوفاء معروف به .
وهو اليملك من أموره سوى روح ِه التي يرى بذلها في مذبح الحب ليس إفراطاً في
ذلك أو تجاوزاً للحدودْ ،
فإن رضي هذا المحبوب فسيبعث في قلبه االطمئنان ،وفي
وأمر الحال .
َّ الرضا ،وإالَّ فما أقسى األمر،
نفسه ِّ
لب النوم من عينه ،والعافية من جسمه ،وليس له من عون في إبقاء ّ
إن ُحبَّه قد َس َ
الصحة عليه سواه ،مع بقاء الحب، مابقى من ذمائه()1
غيره ،وال مسعف في إسباغ ّ
أن ّ
تعذر اللقاء وزوال الوصال ،ونفاد الصبر ،وغياب اللقاء وأنه ليطمع -بعد ْ
حقيقة -أن يزوره خيال ُه ويُل ّم به طيفه ،فيرتاح إليه ،ويبثه أحزانه وأشجانه ،وليته
لم يخيّب أمله فيه ،ولم يفسد مايرجوه ،أو يتوقعه منه .
وهذا السهر -الذي هو وليد هذا الحب الطاغي -مالزم أجفان عيونه اليريد مبارحتها
أو التخلي عنها ،وشهيد هذه النجوم المستقرة في مواضعها ،فل ُتسأل عنه وتخبر
الدموع الغزار فهذا هو سلطان الجفون النوم ،و َت ُّ
ذرف
()2 ُ ض والع َج َب في أن َت ُ
رف َ َ
أن أفظـع ماشهـده ،وأشد ما أفزعـه َّ
وحل به ماحدث فـي الحب ،وهذا هو ديدنه ،غير َّ
ّ
الروع
()4
المحبين َّ ()3
موقف الوداع ،وهو الموقف الذي كثيراً مايُلقي في ُ
روع
والخوف واليأس ،إنه في هوله وشدته أشبه بموقف القيامة .
36
ويقف الشاعر بعد هذا الحديث الذي شرح فيه مايكابده من آالم حبه ،ويتلطف
محبوبه المتمنع راجياً منه -بعد ْ
أن يئس من لقائه -أن يؤمله بوعد ولو كان
ً
ممطوال ،ألنه سيعيش في ظل هذا الوعد الذي اليتحقق ،مخادعاً نفسه بأنه وصال
حقاً ،من حبيب ُم ِبر ٍبه .
ويذهب الحبيب ،ويبقى ُمح ُب ُه وحيداً يعاني ْ
الوج َد به ،والشوق إليه والتطلع إلى
أخباره ،وليس له من ينبئه بذلك سوى هبّات النسيم المحملة بعبقه الدال عليه،
التي يأمل أن تكون سبباً في إخماد أجيج النار ال ُمستعرة بين جوانحه ،وإن كان يحب
ويأمل أن اليكون بمقدورها فعل ذلك .
األبيات الغزلية هذه -التي صرف الشاعر الخطاب فيها إلى المذكر تصويراً
ُ ُت ّ
صوُر
ّ
ويضن عليه واضحاً ودقيقاً -حال المحب الذي يجفوه حبيبه ويمطل وعده
بالوصال.لقد ذكر الشاعر ّ
كل ماينتاب المحبين من اآلالم واألحزان والسهر والقلق،
والنحول واألمل ،والتعطف والتلطفّ ،
وكل مايبدر ِمن الحبيب ،من ّ
تمنع ووعود،
وتسويف وقسوة وقلّة مباالة ،ولقد أحسن ابن الفارض شرح ذلك كلّه ،بعبارات
سهلة واضحة مؤثرة ،مختاراً لها ّ
كل لفظ رقيق مناسب لمثل هذا الفن .وقد نحا في
أبياته منحى شعراء الغزل العفيف ،وارتفع فيها عن الغزل المادي الذي كاد أن يطبع
أكثر ما أثر للشعراء من غزل .وفي األبيات من اإلخبات ( )1والخشوع كأن الشاعر
يتهيب ويتحفظ حيال مناجاة حبيب ليس له مثيل ألنه متهيب من حبه للذات اإللهية،
واليجسر تأدباً من ذكرها ،فالشاعر يرمز إلى حبِّه ألنه صوفي النزعة .
37
واستعان الشاعر في إقامة عباراتهّ ،
وبث عواطفه وتوضيح مراميه بفنون بديعية
شتى ولكنه تهيأ له -بفضل قدرته الشعرية ،ومرونته البيانية ،وثقافته اللغوية -أن
يضفي عليها من اللطف والخفة ،حتى لتكاد َت ْخ َفى على القارئ .
فمن تلك الفنون الطباق كما في ( :عرفت أم لم تعرف) و (لم أقض ويفي) و(أسعفتني
وسحت) و(المطل والوفاء)
َّ و(شحت
َّ ولم تسعف) (مانعي ومانحي)و(باق ٍ وفان)
و(تنطفي وأن التنطفي).
ومنها الجناس كما في :
(لم ْاقضِ ولم أقضِ)و (مانعي ومانحي) و (شحت وسحت) و (موقف التوديع وهول
الموقف) .
الصوتي كالتقسيم الذي جاء في عبارات بعض األبيات فقد وازن
كما اعتنى بالتنغيم ّ
بين عبارتي (يامانعي طيب المنام) و(مانحي ثوب السقام) في البيت الخامس كما
وازن بين (فالوجد باقٍ) وبين (الصبرُ فانِ) و ُ
(الوصال مماطل) (واللقاء ُمسوفي)
في البيت السابع .
واألبيات -كما ترى-ظاهرة الداللة على أنها غزل مألوف كسائر ماعرف من شعر
الغزل ،وقد ذهب إلى مثل هذا بعض ُش َّراح الديوان ،ولكن بعضاً آخر من ُّ
الش ّراح
ذهب إلى أنها رمز للحب اإللهي ،باعتبار ّ
أن صاحبها شاعر صوفي ،فعلى هذا
تكون القصيدة رمزية .
أسئلة للمناقشة
-1هل وفق َالشاعر في ترجمة إِحساسه وشعوره؟ وكيف ؟
-2اتخذ ابن الفارض أسلوب الرمز عن ح َبّه للذات اإللهية ،أوضح ذلك .
-3عبَّر الشاعر عن عواطفه ومعانيه وصوره الشعرية بعبارات اصطبغت بفنون
البديعّ ،
أوضح ذلك .
38
ال ُك ّتاب /ابن المقفع
أصل غير عربي ،فهو مولى بني األهتم التميميين
هو عبد اهلل بن المبارك ،ينحدر من ٍ
ً
عامال على الخراج في العصر األموي (جور ) وكان والده
بالبصرة ،ولد بمدينة ُ
فضرب ضرباً شدياً ح ّتى تقفعت يده فلزمه هذا اللقب ُ
وعرف فاختلس بعض األموال ُ
مؤدبين ومعلمين ،وحين انتقل إلى البصرة استمد من تلك المدينة ثقافته العربية
اإلسالمية وهي يومئذ من أهم المراكز العلمية واألدبية ،وذلك بما أخذه من العلماء
وبعد تضلعه من هذه العلوم والمعارف،عمل كاتباً لعدد من الوالة في العهدين األموي
والعباسي .
بالترجمة عن الفارسية وكانت أكثر آثاره منها ،وفي مقدمة تلك اآلثار التي وصلت
إلينا كتاب (كليلة ودمنة) الهندي األصل وهو كتاب تدور قصصه على ألسنة الطير
والبهائم ظاهره لهو للعامة وباطنه سياسة للخاصة .كان الكاتب يجمع في أسلوبه
بين السهولة والجزالة (القوة) ،ويؤثر اإليجاز والتركيز في العبارة ،ويحفل بترتيب
األفكار وتنسيقها ،ويكثر من األمثال والحكم ،ويزهد في الزخرفة اللفظية ،من سجع
39
من آثاره المطبوعة :
(للدرس فقط)
()2 ()1
َشق َخ َشب ً
َة على وتدين ِ را ِكباً عليها قال َكليلَ ُة :زع ُموا َّ
أن ِقرداً َرأى َن ّجارًا ي ُ (( َ
()3
وأن َ
الن ّجار َ قا َم كاألسوار على َ
الفرس ،و ُكلَّما َش َّق منها ِذراعاً أ َد ْخ َل في ِه َوتداً َّ : ِ
()4
َ
الخشبة فانطلق ال ِقر ُد َي َتكلَّف ِم ِن ذلك َما ليس من َ
صناع ِته ،فركب َ عض شأن ِه ِلب ْ
َ َ
()7 ()6 َ ()5
الخ َ
شبة الو َتد انضمت َالش ّق ،فلما َن َزع َ الوت ِد ،وتدلى َذ َن َبُه في ِ
َل ذلك َ َو َو َج ُه ُه ِقب
الضرب ِ َّ
أشد ِمما على َذ َنب ِهَ ،فخ ّر مغشياً عليه .وجاء َّ
النجا ُر فكان ما لقي منه ِمن َّ
َم َّر أضعافاً َك ِث ً
يرة )) .
اللغــــــــة
-1زع ُموا :الزعم القول من غير التحقق من صحته .
40
أسئلة للمناقشة
-1بم أشتهر ابن المقفع ؟
التعليق النقدي
أن أحد القرود رأى نجاراً يمارس عمله الخاص به وهو شق
ص عن َّ يحكي َّ
الن ُ
خشبة ،وقد امتطاها وهيمن عليها ،وكان يستعين لتذليل عمله وإنجازه بوتدين،
َ
وحدث أن ذهب النجار فكان يضع واحداً منها بعد أن ينتهي من شق جزء منها،
لقضاء حاجة عرضت له ،فانتهز القرد هذه الفرصة السانحة وراح يقلّد عمل
تهتم بالمعنى اكثر من اهتمامها بالصياغة ،لذا جاءت ألفاظها سهلة يسيرة ،وكانت
41
الجاحظ
هو عمرو بن بحر بن محبوب الملقب بالجاحظ ،لجحوظ عينيه ،أي نتوؤهما ،كناني
النسب .
ولد بالبصرة في عائلة فقيرة ونشأ بها ،وكان فطناً محباً للدراسة والتعليم فكان
يختلف إلى ال ُك ّتاب والمساجد ،فيأخذ عن العلماء واألدباء ،يتردد إلى المربد()1فيشافه
األعراب ويأخذ عنهم اللغة والفصاحة ،كما كان شغوفاً بالكتب وما تضمُّه من علوم
ومعارف حتى قيل إنه لم يقع بيده كتاب إالّ استوفي قراءته أياً كان موضوع ُه ،فكان
يكتري دكاكين الوراقين ،ويبيت فيها للنظر والدراسة ومن أجل هذا كانت ثقافته،
عامة شاملة ،تأخذ من ِّ
كل شيء بطرف .
والوزراء وال ُك ّتاب والقضاة الذين أعجبوا به وبأدبه فأحاطوه برعايتهم وأغدقوا
عليه.
وتيسر له أن يزور بعض األقاليم والمدن ،توفي بالبصرة سنة (255هـ) وقد أثار
مو ُته حزناً في قلوب محبيه ومريديه ورثاه بعض ُّ
الشعراء. ُ
كان الجاحظ قصير القامة ،دميم الوجه ،ناتىء العينين ،ولكنه إلى جانب هذه الصفات،
كان يتحلى بكثير من حميد الخالل ،وجليل الشمائل كالذكاء الحاد وسرعة الخاطر،
( )1سوق في البصرة ،كان الشعراء يجتمعون فيه وينشدون شعرهم .
42
وكان لثـقافة الجـاحظ الواسعة أثـرها فيما أنتـجه من آثار عديدة تناولت شتى صنوف
العلم والمعرفة ،التي كانت شائعة في عصره ،حتى يمكن َعد ُه موسوعة علمية،
َد الجاحظ صاحب مدرسة في النثر العربي في ُغضون القرن الثالث الهجري ،له
و ُيع ُّ
أسلوبه الخاص الذي ُعرف به وهو (أسلوب الجاحظ) الذي يتميز بعدد من َ
الخصائص
والمميزات التي تظهر لكل من يأخذ نفسه بدراسة آثاره :كافتتاح الرسائل والكتب
-3البخالء .
43
قال الجاحظ في كتاب الحيوان ،على لسان صاحب ديك يذم الكلب :
(للدرس فقط)
فهو
ليال َخاله ،ودار حولَه ًخبز ّ بالنهار ِك َ
سرة ٍ ِ اللص
إن أطع َمه ُّصاحب الديكْ : ُ َ
قال
َ ُ
()2 ()1
ش ُ
وآكل ُس ْحت ٍَ ،و َهو مع ذلك أس َمج ُ الخلق ِ صوتاً ،وأحمق في هذا الوجه ِ ُم ْر َت ٍ
()3
ً
َّ
الجادة وعلى طريق ِ الحوافر ِ، ُ الخلق ِ يقظة ًونوماً ،ينام النهار َ كلَّه ُ على نفس ِ
()4
صب والص َخبَّ ،
والن َ ياح َّ كلِ سوق وملتقى طريقٍ ...وق ْد َس ِه َر الليل كلَّهُ ِ
بالص ِ
وفي ّ
ألنه ُ الجاني ذلك على ألنه أسوؤهم جزعاً .وأقلهم صبراًَّ ، حاال منهّ ، مبتلى أسوأ ً ً
نفسه ِ .
ِ
اللغة
السحت :الكسب الحرام .
ُّ -1
-2سمج :قبيح ،غير مهذب .
44
التعليق النقدي
يعد كتاب الحيوان للجاحظ من أقدم كتب الحيوان بالعربية قدمه الى الوزير محمد بن
عبد الملك الزيات فكافأه عليه خمسة اآلف دينار ،وهو يختلف عن كتب الحيوان
المعروفة بأنه يشتمل على وصف طبائع الحيوانات من ناحية عالقتها بالناس
ويتخلل ذلك فوائد أدبية واجتماعية وتاريخية .
ً
مناظرة وضعها الجاحظ على لسان شخصين ،األول والنص الذي أوردناه يتضمنَّ
صاحب ديك واآلخر صاحب كلب ،يفاضل كل شخص منهما صاحبه بفضائل ماعنده
من الحيوان ويذكر فوائده ونافع خصاله وجميل طباعه ،ويذكر معائب ماعند
صاحبه ومساوئه ،بعبارة بينة فصيحة ليس فيها التواء وال تكلف والصنعة لفظية
صنع ،فمما ورد من السجعأو بالغية ،إال ما جاءت عفواً دون إجهاد فكر وال َت ُّ
قوله( :بالصياح والصخب ،والنصب والتعب ،والغيظ والغضب) ،وهذه ميزة خاصة
بكتابات الجاحظ ،فهو اليحفل بالمحسنات اللفظية والبديعية ،واليكلف نفسه عناء
التنقيب عنها ،ألن غايته الفكرة ال اللفظ .
والجاحظ في أثناء كالمه يستعين بآي القران الكريم والحديث النبوي الشريف
ومأثور العرب من شعر ونثر ،كما يستعين بمعارف األمم كاليونان والرومان
والفرس والهنود مع الرجوع الى التجربة والمالحظة وينتقل في أثناء حديث ِه من
موضوع آلخر ثم يعود إلى موضوعه األول ترويحاً للقارئ ودفعاً للضجر والسأم
والملل ،وهو ما يسمى (باالستطراد) .
أسئلة للمناقشة
-1ماالموضوع الذي دارت عليه مقالة الجاحظ ؟
-2لمن رفع الجاحظ كتابه (الحيوان ) ؟ وبم كوفئ عليه ؟
-3لماذا لم يزين مقالته بالمحسنات اللفظية والبديعية ؟
-4يتسم أسلوب الجاحظ باالستطراد ،فما االستطراد ؟
45
ابن العميد
هو أبو الفضل محمد بن الحسين ،والعميد لقب والده الذي كان كاتباً للسامانيين
الذين كانت عادتهم تلقيب من يتولى ديوان الرسائل .التحق ابن العميد بدواوين
البويهيين ،فعمل عند ركن الدولة الحسن بن بويه ،حتى أصبح وزيره الى ان توفاه
ً
فضال اهلل ،كان ابن العميد عارفاً بعلوم مختلفة كالفلسفة والنجوم وقيادة الجيوش
والترسل والكتابة حتــى سموه (األستــاذ) ،وكــــان يلقب بـ
ّ عـــن نظم الشعر
(الجاحظ الثاني) لبراعته في الكتابة .
الترسل،
ّ أما أسلوبه في النثر فكان يضرب به المثل في البالغة والفصاحة وحسن
واليه المنتهى في الكتابة بالغة وفصاحة مع جزالة األلفاظ وسالستها وبراعة
المعاني وحسن السبك .
قال عنه ابن األثير (إنه من محاسن الدنيا ،اجتمع فيه مالم يجتمع في غيره من
حسن التدبير وسياسة الملك ،والكتابة التي أتى فيها بكل بديع ،مع حسن ُخ ْلق ولِ ِ
ين
ِعشرة وشجاعة تامة ومعرفة بأمور الحرب والمحاضرات) .
وقال فيه الثعالبي ُ (:ب ِد َئ ْت الكتابة بعبد الحميد ُ
وخت ِمت بابن العميد) .
ومدحه عدد من شعراء عصره كالمتنبي وابن ُنباته والصاحب بن عباد ،قال فيه
المتنبي يذكر مايجيد من معارف :
46
ومن كتاب البن العميد عن ركن الدولة إلى أحد الخارجين عليه يقول فيه:
ُرعى لك )
(للحفظ من :كتابي وأنا -ي ْ
()1
طمع فيكَ ،ويأسٍ منك ،وإقبالٍ عليكَ وإعراض عنك، ((كتابي وأنا مترجحٌ بين ٍ
()3 ()2
يوجب رعاية ويقتضيً ُ بسالف خدم ٍة ،أيس ُرها ِ فإنك ُت ِد ُّل بسابق ِ ُح ْر َم ٍة ،وت ُمت
ٌّ َ
()5 ()4
خالف َ ُ محافظة وع ِنايةُ ،ثم ّ تشفع ُ ً
ٍ ُهما بحادث ِ غلول ٍ وخيانة ،وتتبعُهما بآنف ِ
ُرعى لك . كل ما ي ُْحب ُط أعمالَك ،ويمحق َّ
ومعصية ،وأدنى ذلك َ ي ْ ِ
()6
ص ِّدمك َ ،وأُ َؤ ِخ ُر أخرى ً
رجال لِ َ ُ مد ّ عليك أُ َ
ق بين ميل ٍ اليك وميل ٍ َ
َ َ ُ وقفت أني الجرم
أن تأتي َ ِم ْن إحسا ِن َك بما ال ترتقبُه ُ أعداؤك َ . لَ ْم تحتسبْه أولياؤك فال َ
بدع ْ
آثرتَ ،و َسأُقيم ُ على رسمي في صنعت وسوء ما َ َ ْح ما ْصر فيها ُقب َ انتباه َة ُتب ِ
َ تنتب َه
()16 ()15
االستيناء والمطاولةِ ما أمكنَ طمعاً في إنابتكَ، ِ اإلبقاء َوالمماطل ِة ماصلُح ،وعلى ِ
الظن بك)).لح ْسن ِ ّ وتحكيماً ُ
47
اللغة :
-1إعراض :ص ّد وابتعاد .
ُ -2ت ِد ّل :تتفضل ،ومنه الدالل .
-3السالف :السابق .
-4شفعَ :ث ّنى وأتبع .
-5آنف :جديد ،مستأنف.
-6الجرم :حقاً.
ضنًاً :
بخال . ّ -7
-8الصنيعة :اليد والفضل .
-9الفيء :الرجوع والعود .
-10االنعطاف :الميْل .
-11يغرب :يبتعد .
-12يعزب :يسهو ويبتعد .
-13يثوب :يعود .
-14الغمرة :الجلبة .
-15االستيناء :التمهل والتباطؤ .
-16االنابة :العودة .
التعليق النقدي
هذه رسالة كتبها ابن العميد على لسان ركن الدولة البويهي إلى أحد الخارجين
ورجاء،
ٍ طمع
على الدولة ،يلين بها قلبه ويدعوه إلى الطاعة ،فهوفيه بين أمرينٍ ،
ويأس وبع ٍد في عودته الى ّ
صف الدولة ،وهو الذي له حرمة لخدمته السابقة ،وتلك ٍ
ً
وعناية به ،ويأسف ألنه شفع ذلك كله بعصيان وخيانة، توجب حقاً له ورعاية
وأيسر هذه األشياء يحبط عمله ،ويسقط مايحفظ له من رعاية .
48
وهو في َحيرة بين م ّد اليد إليه لرعايته والميل عليه ،فتراه يتردد بين استبقائه
ً
تأميال لعَود ِه لعله ينتبه ويتبصر ،فيما أقدم عليه واستصالحه وبين قطعه وبتره،
ً
بالغة بانتقاء ً
عناية ضناً وحسن َظ ًّن به ،وقد اعتنى ابن العميد في هذه الرسالة
سن صياغتها ورصف معانيها وجودة تركيبها ،من دون أن تطغى تلك
وح ِ
ألفاظه ُ
الصنعة اللفظية على معانيها ،فمن المحسنات البديعية التزامه السجع ،وهو التزام
حرف واحد في نهاية كل جملتين .كحروف الروي في الشعر ،وراعى في ذلك
الجناس في فواصل السجع ،كما في قوله اصطالمك واستصالحك ،ويثوب ويؤوب
...وغيرها اكثاره من الطباق والمقابلة ،فهو حين يذكره بخدمته السالفة يشفعه
بذكر موقفه الحاضر ليظهرعن طريقه سوء عمله ويقرنه بمقابلته بماضيه ،فيقول:
رجال وأؤخر أخرى ،ويقول :أبسط يداً الصطالمك ،تقابلها عبارة :أَثني ثانية
ً أُق َدُّم
الستبقائك واستصالحك ،ومثل ذلك كثير ،وهو لم يكتف بالسجع وحده بل زينه
ً
لوحة من ُ
الرسالة بالجناس واالستعارة والمحسنات البديعية بألوانها ،ح ّتى َب َد ْت
محسنات بديعية ،من دون تكلّف وال ثقل وال إمالل وتلك صنعة أجاد فيها ابن العميد
حتى أصبح فيها ً
قدوة ومنهجاً .
أسئلة للمناقشة
-3في رسالة ابن العميد مقابالت كثيرة ،استخرج اثنتين منها .
49
بديع الزمان الهمذاني
ضري النسب ولد بهمذان هو أحمد بن الحسين الملقب ببديع الزمان .عربي األصلُ ،م ّ
سنة (358هــ) ونشأ فيها وتتلمذ لبعض علماء العصر ،وحفظ القرآن أَ َّ
لم بتفسيره
كما درس الفارسية وأتقنها ،وبعد أن أمضى فترة في مسقط رأسه وجد في نفسه
حاجة إلى مبارحتها فقصد ع ّدة مدن منها (نيسابور) َفالتقى بالخوارزمي األديب
المعروف ،وجرت بينهما مناظرات مشهورة في فنون شتى ،من حفظ ونظم ونثر
وبديهة ،تهيأ للبديع الفوز فيها والفلح( )1وكان لظفره هذا أثر كبير في ذيع صيته
واشتهار أمره ،ثم رأى أن يبارح نيسابور إلى غيرها ،ومازال يتنقل ح ّتى انتهى
به المطاف إلى مدينة (هراة) التي اتخذها دار قراره ،ح ّتى دهمه الموت في سنة
(398هـ) كان البديع وسيماً خفيف الروح حسن العشرة ،ظريفاً ،ذا خلق رضي
ونفس أبية ،كما كان ذكي القريحة ،سريع الخاطر ،غزير الحفظ ،وله في كل
هذا أخبار عجيبة ،وحكايات بديعة غريبة .كان البديع أحد من جمع بين فني األدب
ً
مجاال شعره ونثره ،وإن غلب عليه الثاني منهما فقد كان يتخذ من فنه الكتابي
ً
جودة في لغته ومعانيه وأخيلته لتضمين شعره وبثه في تضاعيفه ،وهو شع ٌر اليقل
من شعر سواه من ُّ
الشعراء ُّ
والكتاب أمثاله .
وفنه الكتابي -تمثله رسائله ومقاماته -يقرب كثيراً في خصائصه من الشعر المنثور،
لقصر الجمل ،والتزام السجع ،وشيوع التشبيهات والمجازات واالستعارات ،وفنون
البديع والسيما الجناس .وتيسر للهمذاني -لما ُر ِز َقه من موهبة فذة ،وثقافة عميقة
وملكة مقتدرة ،ومحبة لإلبداع والتفنن -أن يبتدع فناً جديداً في األدب العربي وهو
ً
قليال قبل أن نسوق فن المقامات ،وألهمية هذا الفن يحسن بنا أن نتحدث عنه
أنموذجاً منه.
51
المقامة البغدادية
(للحفظ 6:أسطر) حدثنا عيسى ُ
بن هشام قال:
()5 ()4 ()3 ()2 ()1
فخرج ُت أنته ُز محال ُه حتى
ْ َ
ببغداذ ،وليس معي َع ْق ٌد على َن ْق ٍد، َ
األزاذ ،وأنا ُ
«اشتهيت
()7 ()6
ف بالعقد إزارهُُ ،
فقلت وق بالجهد ِحمارهَُ ،وي َ
ُط ِّر ُ أحلَّني الكرخ؛ فإذا أنا ِبسوا ِدي ي ُ
َس ُ
()8
َ
وافيت؟ وأين ْ
نزل َت؟ ومتى أين ْ
أقبل َت؟ َ َ
:ظ ِف ْرنا واهلل بصي ٍد ،وحياك اهلل أبا زيد ،من َ
()9
لعن واديُ :
لست بأبي زي ٍد ،ولكني أبو ُع َب ْي ٍد فقلت :نعم َ الس ُّ
البيت ،فقال َّ
ِ وهلُ َّم إلى
َ
52
()36 ()35 ()34 ()33
الحارة .اجلس
َّ ارة ويفثأ هذه اللُقم
الص َّ
مع هذه َّ ُشعشع بالثلج ْ
ليق َ ُ ماء ي
أحوجنا إلى ٍ
ُ
وجلست بحيث أراه وال ُ
خرجت ياأبا زيد حتى آتيك ب ّ
سقاٍء يأتيك بشربة ماء ،ثم ِ
اء
الشو ُ
َّ وادي إلى حمار ِه ،فاعتلق
الس ُّ ُ
أبطأت عليه قام َّ يصنع ،فلما
ُ يراني ،أنظر ما
وث َّنى عليه أكلت ،فقال أبو زيد :أكلت ُه ضيفاًَ ،فلَكم ُه ً
لكمةَ ، أين َث َم ُن ما َ
بإزار ِه وقالَ :
()38 ()37
وادي يبكي
الس ُّ زن...عشرين َف َجع َ
َل َّ الشواء :هاك ،ومتى دعوناكْ ،
َّ بلَطمة ثم قال
()39
وي ُّ
ُحل عقد ُه بأسنان ِه ويقول.
()40
ُ
فأنشدت: وهو ُ
يقول ،أنت أبو زي ٍد َ ذاك ُ
القري ِد ،أنا أبو ُعبَي ٍد، قلت لِ َ
كم ُ
ْ
حالـــــــه كل َال ْ
تق ُع َد َّن ب َّ رزقك ُك َّل آلـه
مل لِ َ
إع ْ
ْ
ِ
فالمرء َيعْج ُز ال محالة
ُ وانهـض ِب ُك َّل عظيمة
ْ
اللغة
-1األزاذ :نوع من التمر الجيد.
-2بغداذ :لغة في بغداد.
-3العقد :الوعاء أو الكيس.
-4انتهز :التمس.
المحال :جمع َم ِح ّل ،الموضع أو المكان.
ّ -5
-6السوادي :القروي من أهل السواد ،وسط العراق.
-7اإلزار :ثوب يحيط بالنصف األسفل من البدن.
يط ّرف اإلزار :يرد أحد طرفيه على اآلخر .
-8الصيد :المراد به هنا القروي.
-9هلم :تعال.
-10الدمنة :آثار الدار بعد ذهاب أهلها وخرابها.
53
البدار :المسارعة. ِ -11
-12الصدار :ثوب يغطي به الصدر.
-13جمع ّ
الكف :قبضت ُه.
غداء :نتاول منه. ً ُ -14ن ْ
صب
-15الشواء :المشوي من اللحم .
-16استفزته :استخفته .
-17الحمة :الشدة .
-18القرم :اشتداد الشهوة الى اكل اللحم .
-19اللقم :االكل السريع .
-20الجوذابات (جمع جوذابة) :خبز التنور .
-21المرق :الماء اغلي فيه اللحم .
وص َّف .
ض َّم ُ -22انضد ُ :
-23الرقاق :الخبز الرقيق .
السماق :حب احمر صغير حامض يتخذ ً
تابال . َّ -24
-25الساطور :آلة للجزار يقطع بها اللحم .
-26اللوزينج :الحلوى ،يشبه القطائف يسقي بدهن اللوز .
-27الرطل :معيار يوزن به أو يكال .
-28أمضى :أشد سرياناً .
-29اجرى :امضى سيراً .
ليلى العمر :أي صنع بالليل . ّ -30
-31يومي النشر :أي نشر من مصنعه بالنهار .
َ -32جر َد :اخرج يدخ من ثيابه .
-33يشعشع :يمزج .
الصارة :العطش . ّ -34
-35يقمع :يقهر ويدفع .
-36يفثأ :يسكن .
-37هاك ّ :
خذ .
اعط زنة عشرين درهماً . -38زن عشرين ِ :
-39عقده :ماله المعقود أي كيس نقوده .
القريد :تصغير قرد . ُ -40
54
التعليق النقدي
تتحدث هذه المقامة عن التحايل الذي يعمد إليه بعضهم وهو هنا ال ّراوي عيسى
باالسكندري ْ -إذ ينتهز الفرصة السانحة
ّ ابن هاشم وليس بطل المقامة المعروف
والشخص المناسب الذي تغلب عليه سالمة النية وبساطة التفكير .
ووجد ال ّراوي ماكان ينشد ُه في شخصية القروي الذي رآه في أحد محال بغداد
ً
متجوال فتظاهر بقديم معرفته له وألبيه ،وأظهر من الترحاب به واالشتياق إلى والده-
الذي زعم أنه تربطه به وشيجة صداقة قديمة -من غير أن يزيد عليها ،وحين علم
القروي قد مات -منذ زمن بعيد ،تظاهر بالحزن العميق عليه ،واألسف
ّ أن والد هذا
القروي وحيلولته دون ذلك .
ّ الشديد لوفاته ،فعمد إلى ثيابه يريد تمزيقها ،لوال منع
ُص َدُّق أن هذا
القروي ي َ
ّ وحين اطمأن الراوي إلى ّ
أن ما فعله وتظاهر به قد جعل ذلك
الرجل يعرفه ّ
حق المعرفةْ ،
وأن ال سبيل إلى الشك فيه ،استغل الفرصة السانحة
فدعاه إلى إضافته في بيته ،ولكنه سرعان ما عدل عن ذلك ُم َف َّ
ضًال أن يكون موضع
ِقراه( )1السوق ،بحجة قربه وطيب طعامه.
وبعد أن تناوال طعاماً شهياً دسماً ،وحلوى ذات نكهة وطعم لذيذ اقترح ال ّراوي أن
صر( )3فقام يُطفئ ما يحسان به من حرارة ،وما يشعران به من ظمأ بماء َقراح(َ )2خ ِ
ليأتي بذلك.
والحلوى ،وحين طال إياب ال ّراوي وقطع األمل من رجوعه ،نهض القروي ،يريد
مغادرة المكان فإذا به يطالب بثمن ما أكله ،وحين ادعى َّأن ُه كان ضيفاً انهالت عليه
55
الضربات واللكمات من ُك َّل جهة ،وهو يصيح ويستغيث ،العناً ذلك َ
الخ َُّب( )1المخادع
ُخل سبيله إال بعد أن َن َّق َد أصحاب َّ
الطعام ثمن ما أكله وناعتاً إياه ُ
بالقريد ،ولم ي َّ
وتناوله.
وتنتهي المقامة ببيتين من الشعر للراوي يدعو إلى وجوب االستعانة بكل وسيلة
ممكنة للحصول على الرزق والقوت.
واضح ّ
أن الغاية من إنشاء هذه المقامة والمقامات األخرى -كما تقدم -تعليم الناشئة
أمثلة مجتباة من التعبيرات البليغة ،واأللفاظ المنتقاة الرشيقة.
وعباراته سهلة كلّها ،بينة ،ال التواء فيها ،وال تعقيد وال تقديم وال تأخير ،وهي كلها
بليغة اعتنى في اصطفائها ،وجهد ْ
أن يصوغها أجمل صياغة.
وهذه العبارات على وضوحها كانت تؤدى بجمل قصيرة تنتهي بكلمات مسجوعة
حتى لتبدو -في أكثر االحيان -وكأنها شعر أو قريب منه كقوله:
(كالكحل سحقاً ،وكالطحن دقاً) و (ثم جلس وجلست وال يئس وال يئست)
يومي النشر
ّ ليلي العمر،
و (فهو أجرى في الحلوق وأمضى في العروق) ،و (ليكن َّ
كوكبي اللون).
ّ لؤلؤي الدهن
ّ رقيق القشر كثيف الحشو
وهي محبّرة بأفانين أخرى من البديع خاصة الجناس الذي كان البديع مولعاً به في
عامة نثره ،ومن أمثلته:
وشاب) ،و(البدار والصدار) ...وهو جناس
َ و(شاب
ٌّ (صيد وزيد) و(العهد والبعد)،
وترو.وال ّروح القصصي في هذه المقامة ،على الرغم
ٍّ خفيف اليكاد يلمح إال بصعوبة
من أنه لم يكن مقصوداً لذاته ،واضح كذلك ،فقد استطاع البديع أن يبعث في نفس
القارئ ما يزجيه إلى مواصلة القراءة ،ويشده إلى محاولة الوقوف على خاتمتها.
56
الفكاهي الذي يسري بين أعطافها .وهي تعكس لنا حالة
ّ الروح
وال تخلو المقامة من ُّ
اجتماعية ربما كانت سارية في محيط ذلك المجتمع ،كما تبين لنا لوناً من ألوان
الطعام الذي كان شائعاً في ذلك العصر وهو الشواء وكذلك بعض أنواع الحلوى كان
يتخذ بعد وجبات الطعام الدسمة كاللوزينج ،وهما ما زاال معروفين في العراق حتى
اآلن .كما تظهر شيوع استعمال الماء الخصر المثلج لدى أفراد المجتمع أيضاً .
أسئلة للمناقشة
-1ما المقامة ؟ما أهم ما امتازت به؟
-2يمكن أن ُت َّ
عد المقامة بداية لنشوء الفن القصصي .أوضح ذلك .
-3علل :جمع بديع الزمان الهمذاني فني األدب (الشعر والنثر) في المقامة
57
أثر الحروب الصليبية في األدب
لقد كان للحروب الصليبية أثر واضح في األدب ،فقد كثر األدباء الذين واكبوا هذه
الحروب ،كما كثر نتاجهم وغزر خالل هذه الحقبة العصيبة ،التي تعرضت لها البالد.
وعلى الرغم من أن فنون الشعر كانت مألوفة ومعروفة .إذ جرى فيها الشعراء على
سنن من تقدمهم :في المديح والفخر والرثاء والهجاء ،والتصوف واأللغاز والنظم
التعليميَّ ،
فأن الفن الحربي كان قد اتسع وكثر بسبب كثرة الحروب ،وتوالي المعارك
وكان هذا الفن الميدان الفسيح الذي انطلق فيه الشعراء مسجلين األحداث الخطيرة
ومصورين المالحم الطاحنة ،ومشيدين باالنتصارات الباهرة التي أحرزها األبطال
في ميادين القتال ،داعين إلى وجوب االستبسال ومقاومة العدو ،ومكبرين روح
البطولة والشهادة لما كان له أكبر األثر في الحماسة واالندفاع واالنتصار .
ّ
إن الخصائص الفنية لشعر هذا العصر قد ألمحنا إليها فيما تقدم عند حديثنا عن
مميزات الشعر العباسي عامة فقد تراوح أسلوبه بين القوة والسهولة على وفق
نوع الغرض الذي قيل فيه وقد يفرط أحياناً في السهولة الى درجة التدني إلى
العامية ويكثر فيه شيوع المحسنات اللفظية أو الزينات البديعية ،وهي سمة ظاهرة
وطاغية في ذلك العصر مما يجعل بعضه اليخلو من الكلفة والثقل ،وتسري في
أعطاف فنونه والسيما مديح األبطال ورثاؤهم ووصف المعارك حرارة العاطفة
المشبوبة التي تبعث فيه الحيوية والقوة.
والنثر الذي هو صنو الشعر في مواكبة أحداث هذا العصر قد كثر ُك َّتابه وتنوعت
فنونه ،وتعددت ألوانه ،فكان منه نثر ديواني ،ورسائل إخوانية وأدب سياسي ،وأدب
تأريخي ،وأدب قصصي ،وأدب شعبي ،وأدب تأليفي.
وهو في أكثره امتداد لما كان عليه النثر في غضون العصور السابقة لهذا العصر.
58
امتاز هذا النثر بخصائص ميزته من سواه من نثر العصور السابقة له منها :
كثرة العناية بالمحسنات اللفظية والبديعية من جناس وطباق وتورية ومراعاة نظير
والميل إلى االقتباس وتضمين آي القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر.
وكان االحتفال بالتجنيس الذي يُع ّد -في ذلك العصر -رأس البالغة ،يستحوذ على
عناية ال ُك َّتاب أكثر من سواه حتى بلغ ببعضهم أن يلتزمه في مؤلفاته.
ً
تسجيال دقيقاً ،فكان أثره لقد نهض النثر كصنوه الشعر بتسجيل األحداث الخطيرة
كبيراً في بث روح الحماسة واإلقدام وفي الحث على مواصلة القتال ،واالستنفار في
ّ
والحض على الجهاد والتحرير. سبيل درء الخطر عن البالد
59
الشعر
أُسامة بن منقذ
هو أسامة بن منقذ بن علي ،شاع ٌر و فارس ،ولد بمدينة (شيزر) الواقعة في الشمال
الغربي لحماة سنة(488هـ) في أسرة ذات شأن معروف في العلم واألدب والشجاعة
وتوارث اإلمارة ،نشأ في رعاية والده الذي غرس في نفسه الشجاعة والميل إلى
الشدة والصرامة في مجابهة الحياة ،كما زوده بعلوم العصر ومعارفه عن طريق
العلماء واألدباء الذين كانوا يختلفون إلى إمارة العائلة ،فكان لكل ذلك أثر ُه الكبير
في مجرى حياة أُسامة العلمية ،فقد عرف ببسالته ومشاركته في الكثير من أحداث
العصر العسكرية ،كما أسهم كثيراً في مجالي األدب ،شعره ونثره ،بما نظمه وما
ألف ُه وصنفه.
إن أكثر من سبب جعل أسامة ال يستقر بمكان واحد ،فقد كان كثير التنقل والتردد
بين المدن واالمصار :كالموصل ودمشق ومصر وقد أُعجب به كثير من القادة الذين
اشتهروا في ذلك العصر ممن كان لهم شرف المساهمة في تحرير الوطن من نير
االستعمار فقد صحبهم وشاركهم خوض المعارك الملحمية التي خاضتها الجيوش
اإلسالمية دفاعاً عن الحمى ،وذوداً عن الحرمات والمقدسات ،التي أبلى فيها أسامة
إن حياة الكفاح والنضال ضد العدو لم تثن أُسامة عن مجال العلم األدب ،فقد تهيأ في
َّ
60
ً
زلزاال قد أصاب مدينته (شيزر) وأهلك جل أهله ودمرت وكان في سفر ،وعاد فوجد
ديارهم ،فكتب في ذلك كتابه (المنازل والديار) ض ّمنه ما قاله ومارواه لغيره في رثاء
وانتهت حياته المفعمة بضروب البسالة والشجاعة ،والحافلة بفنون األدب بوفاته
كان أُسامة ممن يجمع بين فني األدب :الشعر والنثر واإلجادة فيهما جميعاً ،فقد أكثر
من النظم في فنون الشعر المعروفة من غزل ووصف ومدح ورثاء وفخر وشكوى
وقد احتفل بالشعر كثيراً ،ورد إليه روحه األصيلة المتمثلة بالبعد عن الزخرفة
والصنعة وسما به نحو القوة والجالل والوقارَ ،و ُع ِن َّي باستلهام الخواطر وتسلسلها
ٌ
وحفظ غزي ٌر لألمثلة العالية من الشعر العربي، ٌ
جيدة، ٌ
موهبة يُساعده في ُك َّل ذلك
ولعل محفوظه الكثير هذا كان من أسباب ولعه بتضمين شعره شعر اآلخرين ،كما
كان مغرماً بتهذيب شعره وتنقيحه على غرار ماكان عليه بعض القدامى ،ومن أجل
هذا َقلَّت فيه َ
الهنات أو العيوب التي يمكن أن يُؤاخذ عليها .
ولعل أهم ما يميز شعره الصور الحية الكثيرة لالحداث التي عايشها الشاعر في
الترجمة الشخصية في األدب العربي ،يتضح هذا في كتابه (االعتبار) الذي صور فيه
بأمانة ودقة الحياة السياسية واالجتماعية التي عاصرها وشارك فيها .
61
من آثاره المطبوعة :
-1كتاب االعتبار.
-2لباب اآلداب.
-3المنازل والديار.
-4البديع في نقد الشعر.
-5ديوانه.
قال أُسامة من قصيدة طويلة يذكر فيها انتصارات المسلمين ويعدد أسماء قادة
الفرنج الذين وقعوا في األسر ،وأسماء المدن والحصون التي استردها المسلمون
(للدرس فقط) من الصليبيين:
َ
يــكـون لـنــا األمـــــ ُر أبــى اهللُ إال أن
الدنيا وي َْفتخ َر َ
الف ْ
ـخ ُر لِ َتحيــــا ِب َنـا ُّ
مــنــا األيـــا ُم فـيـمـا َنـرو ُمـــ ُه
ـخــ ُد َ
و َت ْ
()1 الدهــ ُر طـوعـاً في َّ
أزمت ِنـا َّ وينقـا ُد ْ
اح ِعندنـا
الـر ِ مـاء العـِدا َ
أشـهـى مـن َّ ِد ُ
()2 والو ْت ُر
اي َ يه ُم َّ
الن ُ واضي ِف ُ
قع ال َم َِو َو ُ
وهـم عـِداً الحبيـب ُ نـواصـلـهم َو ْص َ
ـل ِ
ِ
ُّ
()3 زيـار ُتهم يَنحـط عنـا ِبهـا ِ
الــوز ُر
وفي ِسجننا ُ ُ
ابن الف ْن ِ
ش َخي ُر ملو ِكهم ِ
()4 ـن َخيْــ ٌُر لديهم والب َّر
وإن لـم يـ ُك ْ
ـن العَـريم ِة راغـماً
ـص ِ ْ
أسـرناه من ِح ْ
()5 فـرسـانـ ُه َفهـ ُم ُج ْ
ــز ُر ُ وقد ُقـ ِتلَ ْ
ـت
بـإقـليـس ّإنــه
َ الـوا ِدي
ـهـم َ َو َس ْ
ـل َع ْـن ُ
()6 اليـوم فيـ ِه مـن ِدما ِئهم ُغ ْد ُر
ِ إلـى
62
ُهـ ُم انـتـشـروا فيــ ِه لِــر َّد َر ِعـيـلِـنـــا
()7 ـن تـربـه يـو َم المـعـا ِد لــهم ُن ْشــ ُر
فـ ِم ْ
ـلي َن ولم َي ُك ْ
ــن ونـحـْ ُن أسـرنا ْ
الجو َس ِ َ
()8 بـة َتـع ُ
ْــــرو يخشى مـن األيـــام َنـائـِ ً
لِ َ
ِ
ــر أنــا َنـبـِـيـعُــــ ُه وكــان ي ُّ
َـظــن الـ ِغ ُّ َ
()9 ـــــر بمـال وكـَم َظ ٍّ
ــن بــه يَـهـلـِ ُك الـ ِغ ُّ ٍ
وجـيــش إذا َ
القـى الـعَــ ُد َّو ظـننتـُهـم ٍ
()10
ُف ُر ُ
عنـت لَها األد ُم والع ْ
ْ الشرىأ ُسو َد َّ ُ
الو َغى ِم ْث َل َس ْهم ِه
شهم في َترى كل ٍ
َ ُ َّ
()11 ــوف وال ُك ْثـــ ُر
نـفـوذاً فـمـا يَـثنـي ِه َخ ٌ
ُ
الصوارم َ
والق َنا ُه ُم االس ُد ِ ْ
بيض َّ ِ من ِ
()12 الو َغى ّ
الناُب الحدي َد ُة والظف ُر لَ ُهم في َ
تل ُخلداً َ
فكيف بالـ َي َر ْو َن لَهم في َ
الق ِ
()13 ــوم َقـتـلُـهم عـِنــ َد ُهـم ُع ْمـــ ُر َ
لقـاء لِـق ٍ
اللغة
-1نرومه :نطلبه.
أز َّمة :جمع زمام ،وهو خيط يش ّد في حلقة ثم يش ّد إلى طرف المقود .
ِ
الراح :الخمر.
َّ -2
وقع المواضي :صوت السيوف الباترة.
-3ينحط ،:يسقط.
ْ
الوز ُر :الذنب.
ابن ُ
الف ْنش :أحد قادة الفرنج. ُ -4
ِب ّر :صالح.
63
ِ -5ح ْص ِن العريمة :اسم موضع.
ً
:ذليال مكرهاً. راغماً
جزر :مخفف ُج ُزر بضمتين ،وهوجمع جزور وهي الناقة المجزورة،المذبوحة.
-6إقليس :اسم موضع.
ُغد ُر :جمع غدير ،وهو القطعة من الماء يغادرها السيل .
-7ال ّرعيل :الجماعة المتقدمة من الخيل.
المعاد :الحياة األخرى ،المرجع والمصير.
النشر ،البعث ،واألحياء.
-8الجوسلين :أحد ملوك الفرنج.
يخشى :يخاف.
نائبة :كارثة.
تعرو :تل ُم ،وتصيب.
-9ال ِغر :الجاهل ،المغفل.
-10الشرى :موضع كثير األسود يقال ،هم أُسد الشرى.
َّ
عنت :ظهرت واعترضت.
األُ ْدم :من الظباء :المشربة بياضاً.
العفر :األعفر من الظباء مايعلو بياضه حمرة.
-11الشهم:الصبور على القيام بما حمل ،السيد السديد الرأي.
الوغى :الحرب.
نفوذ :اختراق ومضاء.
-12الصوارم :السيوف القاطعة.
القنا :الرماح.
الخ ْلد :الدوام والبقاء.
ُ -13
64
التعليق النقدي
يبدأ النص بالحديث عن امتالك ناصية األمر ،وحيازة النصر ،مبيناً أن هذا من
إرادة اهلل تعالى ،لتدوم الحياة وتستمر ،ويفخر الزمن ويتباهى ،لتكون األيام طيعة،
والدهر منقاداً مذعناً ثم يتحدث عن أسباب هذا الظفر العظيم ،والنصر المبين،
فإذا بها ترجع إلى النفور إلى العدو ،والجهاد في سبيل اهلل والوطن والعزوف
عن المالهي والمالذ إلى اشتياق لقاء األعداء ،في سوح الوغى ،وااللتذاذ بصليل
السيوف القاطعة للرقاب عوضاً عن أنغام آالت الطرب والغناء .ويتحدث بعد ذلك
عن نتائج هذا اللقاء بين المدافعين عن وطنهم والذائدين عن حرماتهم ،وبين
الغزاة الطامعين المستعمرين فإذا باألعداء يندحرون ،وتتناثر جثث قتالهم في كل
صقع ،وتمأل دماؤهم كل منخفض وإذا بهم يفجؤون بما لم يكن في حسبانهم وال
في تقديرهم ،واذا قادتهم وملوكهم بين قتيل وأسير ،وحصونهم وقالعهم تتهاوى
وتتساقط .ثم يتحدث عن الجيش الذي كان له شرف الدفاع والنصر واالنقاذ فيصفه
العدو ،وقد تسلح أبناؤه بااليمان
َّ بالشجاعة واإلقدام والبسالة والمضي في مالقاة
والتصميم على َّ
الظفر ،فنذروا أرواحهم الطاهرة ،ونفوسهم األبية لهذا والصبر َّ
َّ
اليوم الحاسم ،وكان رائدهم الذي يُزجيهم إلى خوض هذه المعامع ،إيمانهم بأن
الحياة الخالدة ،والبقاء السرمدي في حسن الذكرالمتأتي من الفداء والبذل والجود
ً
جميال في البيتين األولين المعنى العام الذي بالروح والنفس .لقد ركز الشاعر تركيزاً
يمكن أن يسعى إليه النص كله ،وهو االنتصار والظفر كما أفلح في إسناد هذا الى اهلل
يعلل االسناد ويبرزه ،وأجاد في تصويرينس أن َشيء ولم ٍَ تعالى الذي هو أعلم َّ
بكل
وانشغال بالجهاد ،وشغف
ٍ حالة المدافعين عن الوطن والحرماتَ :م ْن تسلح باإليمان
ْف في
الضع ِ بلقاء العدو ومنازلته في ميادين القتال وابتعا ٍد عن َّ
كل ما من شأنه بعث َّ
لالعداء بلـقاء
ِ أن نعت َه َ
لقاء المجاهدين النفوس ،والخور في العزائم .وال شك في َّ
األحب ِة ،ينطوي على لفت ٍة فني ٍة بديع ٍة الشتمالها على تصوير عميـق لمـا يضطـرم
فـي نفـوس المجاهديـن من حرارة اللـقاء الـذي اليماثلـه سـوى لقـاء األحبــة بعـد
العدو بعــد المنازلـــة،
َّ والغيـاب .كمـــا أحسـن فــــي وصف حـــــال
ِ الجفـاء
ِ طـــول
65
وبعد انخذاله في سوح المعارك ،وركز الحديث عنه واقتضبه ،ولكنه تركيز واضح،
واقتضاب غير مخل ،يتضح في وصفه لجيش العدو الكثيف الذي جاء في مخيلته
الفوز والظفر ،وانتهى بالخذالن ،واالنحدار والتمزق والتفت الشاعر إلى الوادي
الذي جرت فيه المعركة طالباً مساءلته عن مصير العدو ،وعما آلت إليه دماؤه
وجثث قتاله .
وواضح أن حديث الشاعر عن العدو ونيَّا ِت ِه وأهدافه ومصيره ال يخلو من السخرية
والهزء والتنادر ،ووصفه الجيش الذي قام بدحر العدو وصفاً َشدَّد فيه على الشجاعة
كل ذلك باألُسو ِد المعروفة بقوتها وبسالتها
واإلقدام وسرعة الحركة ،وشبهه في َّ
وجرأتها وهو تشبيه دأب عليه الشعراء قبل أُسامة ،في أوصافهم ومدائحهم وال
شك في استحضاره تشبيه سرعة الجيش وانطالقه خلف العدو بسرعة األسو ِد
وشدة عدوها وراء ما ظهر أمامها من ظباء وغزالن لفتة فنية جميلة ،ال تخلو من
البراعة والجدة.على أن الشاعر قد أبدع كثيراً في خاتمة هذه األبيات ،فقد أودع قوله
ً
جميال جداً ،يكاد ينفرد به ،بل نراه جديراً بأن يكون رائد كل مدافع عن وطنه معنى
ومحام عن حرماته ،فالشهادة في سبيل الوطن ،ومقارعة العدو الغاشم هي الخلود
ٍ
السرمدي في جنات النعيم ،وهي حسن الثناء والذكر في ُّ
الدنيا ،بل هي العمر كله. َّ
أسئلة للمناقشة
-1ما الخصائص التي جاءت في شعر أسامة بن منقذ ؟
-2وضح تصوير الشاعر حالة الدفاع عن الوطن والحرمات .
-3علل:
أ -إجاد ة الشاعر نثراً وشعراً.
ب -عدم استقرار أسامة بن منقذ في مكان واحد.
جـ -قلة العيوب في شعر أسامة بن منقذ.
66
األبيوردي
هو محمد بن أحمد بن محمد ،ولد بـ (كوفن) إحدى المدن القريبة من أبيورد الواقعة
في خراسان في أُسرة ذات جاه ونعيم ،ونشأ في رعاية أُسرته وتثقف ثقافة واسعة،
وأخذ عن كثير من العلماء في عصره ،حتى غزر علمه ،وتوسعت معرفته ،وشهد
علم َّ ً
له بالتضلع من أكثر علوم العصر ،بل جعلته ثقافته الشاملة العميقة إماما في كل ٍ
وفن ،متقناً اللغة والنحو والنسب واالخبار ،وأمدته بيد باسطة في البالغة واإلنشاء
ٍ
كما كان أحد قراء أبيورد .ولم يقتصر األبيوردي على تلقي العلوم واالبداع فيها،
بل شارك في التأليف أيضاً فخلف آثاراً ُذ ِك َر ْت اسماؤها في بعض مصنفات َم ْن
ترجموا له.
قضى األبيوردي ردحاً من الزمن في مسقط رأسه ،ثم انتقل الى بغداد ومكث فيها
ُمقرباً من الخلفاء والوزراء ،عشرين سنة ،وتولى في غضون هذه الحقبة خزانة
ً
متنقال في خراسان حتى استقر به المقام في أصبهان الكتب النظامية ،ثم غادر بغداد
حيث ُع ِه َد إليه بوالية عمل كبير بقي فيه إلى أن توفي في سنة (507هـ) قال الشعر
منذ صباه ،إلى أواخر أيامه ،ولم يتخذه وسيلة للتكسب أو النيل من االخرين ،وانما
اتجه به الى الخلفاء والوزراء حين تعرضت موارده للنهب والسلب .
إن ما وصل إلينا من شعره يُع ُد من أجود الشعر وأحسنه ،وهو دليل بين على أصالة
شاعرية صاحبه ،لما امتاز به من سالمة التراكيب ،وانتقاء اللفظ ،وبالغة التعبير،
ً
علما بأن عصره كان عصرالعناية الفائقة بالبديع وقلة االحتفال بالبديع ،أو تكلفه،
وفي شعره روح حماسية عربية فياضة فقد تعالت هتافاته الحماسية هذه في أغلب ما
وصل إلينا من شعره ،وهو ينطلق فيها معتمداً على أُسس رصينة من أرومته( )1العربية
وأُ ْس َر ِت ِه الكريمة ،وخلقه َّ
الرفيع ومن أجل هذا كان الفخر والحماسة من أكثرما نظمه،
وأحسن ما قاله ،وله مع ذلك غزل كثير ،رقيق ،جاء بعضه في مطالع بعض قصائده
ً
مستقال . كما جاء بعضه منفرداً
67
من آثاره المطبوعة ،ديوانه :
قال األبيوردي لما استولى الفرنج على بيت المقدس في سنة (492هـ)
(للدرس والحفظ 8:أبيات)
ــواجــــم
ِ الس
دمــاء بالـدمـوع َّ
ً َمـزجـنـا
()1 للمراجـــــــم عرض ٌ
ــة َ َفلَــ ْم َ
يبـق منـا
ِ
ـر ِء َدمـ ٌع ي ُ
ُـفيـضـــ ُه ـــالح ال َم ْ
وشـــر ِس ِ
ُّ
ـــــوارم
ِ ـر ُب ُشبَّت نا ُرها َّ
بالص الح ْ
إذا َ
وراء ُكــــــم
َ َفــإيـهــاً بـنـي االســالم َّ
إن
()2 بالمنـاســــــم ُلح ْـق َن ُّ
الـذرى و ِقائـع َ ي ِ
ِ
وغ َ
ـبـطـــ ٍة ـن ِ ً
أتـهـويـمـــة فــي َّ
أم ٍ
ظــل ْ
()3 ناعــــــم ار َ
الخميــلة ــــو ِ
كن َّ ش ُ
وعـَيـْ ٍ
ِ
ـلء ُجـفـو ِنـهـــا وكيـف َتـنـا ُم الـع ُ
ْـيـن ِم َ
()4 نائــــم ـت كـــــُ َّل وات َ
أيـقظ ْ علـــىهـ َبـَ ٍ
ِ
ُضحي مقيلُ ُهــــم
ام ي ِ َّ ُ
وإخـوانـكـم بـالـش ِ
()5 القشاعــــم
ِ َ
بطون ظهو َر المـذاكي أو
َ
الـهــوان وانـتـــــم َت ُ
ـســو ُم ُ
ــهم الــرو ُم
()6 سالـــــم ْل ال ُم َتجرون َذي َ
ْل الخفض ِفع َ
ِ
مـاء قـد أُبيحت ومن ُدمـــى
و َكـ ْم مـن ِد ٍ
()7 بالمـعاصـــــم يـــاء ُح َ
سنـها تواري َح ً
ِ
مرة ُّ
الظبــــا البيض ُم َح ُ
ُ السيوُف
يث ِّب َح ُ
()8 ـهــــازمداميـــــات اللَّ
ُ وس ْم ُر العَوالي
ُ
ِ
ٌ
وقفـة الطعن والضرب اختالس َ
وبين
ِ ِ
ُّ
()9 وادم
شـيب القـــَ ِ
َ َتظـَل لــــــها ِ
الولـدان
مارهــــا روب ْ َ
من َي ِغب عن ِغ ِ وتلك ُح ٌ
نــــــادم ()10
ِ لِيَـسـلـ َم ي َْقـ َر ْع َبعْــــــ َدها ِس َّن
َسـلَ ْـل َ
ـن بـأيـدي ال ُمـشـركين قواضبــاً
والجماجـم ()11 َس ُت ْغ َم ُد ِم ْن ُهم فـــي ُّ
الطلـــى
ِ ِ
68
ـن المـُسـ َتـجـِ ُ
ــن بـطـيـبـــــة يـكـا ُد لَ ُ
ـه َّ
()12 هاشم وت :يـا َ
آل الص ِ
يُنادي بأعلـــى َّ
ِ
ُـشـر َ
عـون إلى العـــِدا ُ
أرى أمـَّتـي ال ي ِ
()13 الدعائــــم
ِ مـاحـهم والـ َّديـُن ِ
واهــي ِر َ
ويـجـتـنـبـون النــا َر خـوفاً من َّ
الردى َ
الزم َ َ
ـسـبـون العـــا َر ضربـــة ِ َـح
وال ي ْ
()14
ـحــــًة والحـرب ُ
تـرنـو ُمـلِ ّ ُ دعـونـاكـم
ـاعــــم بالحـــاظ النـُّسـور َ
الق َش ِ إلـيـنا
()15
ِ ِ
ً
عــربــيـــــة ــراقــب فــيــنــا غــارة
ُ ُت
األباهـــم الرو ُم َع َّ
ض تـطـيل عـليهــا ُّ
ِ
اللغة
-1السواجم :الغزيرة ،السائلة.
العرضة :عرضة للمراجم :مجال للظنون.
عمل ما.
حديث أو ٍ
ٍ -2إيْهاً :اس ُم ِ
فعل أمر لالستزادة من
الوقائع :األحوال َ
واألحداث مفرده ،وقعة.
ُّ
الذرى :جمع ذروة ،وذروة كل شيء :أعاله.
المناسم :جمع منسم ،وهو طرف خف البعير.
-3التهويمة:النوم الخفيف أو الشعور بالحاجة إلى النوم .
الغبطة:حسن الحال والمسرة.
النوار :الزهر ،واحدته َن ّوارة .
ُّ
الخميلة :الشجر المجتمع أو كل موضع كثر فيه النبات.
َ -4
الهبوات :جمع هبوة :غبرة المعارك
-5المقيل :القيلولة :أي النوم وسط النهار وموضع القيلولة .
المذاكي:الخيول.
القشاعم :جمع قشعمَّ ،
الن ْسر الذكر العظيم.
69
-6تسومهم :يوليه إياه ويزيده عليه .
الخفضِّ :
الدعة وسعة العيش.
-7أُبيح ّ :
أحل وأطلق.
دمى:جمع دمية :الصورة المتمثلة من العاج وغيره يضرب بها المثل في الحسن
والمراد هنا (النساء).
المعاصم:جمع معصم ،وهو موضع السوار من اليد.
الظبا :جمع ُظبة وهو ح ّد السيف أو السنان.
ُ -8
الرماح .
سمر العواليِّ :
اللهازم :جمع لهزم وهو ّ
كل شيء قاطع مع سنان أو سيف.
-9اختالس :انتهاز ومخاتلة.
وقفة:سكون وترقب.
القوادم :المراد بها هنا الشعر.
-10الغمار:الشدائد والمكاره جمع غمرة.
يقرع بعدها ِس َّن :يصكه ندماً.
-11القواضب :السيوف اللطيفة الرقيقة جمع قاضب.
س ُت ْغمد :س ُت َ
دخل.
الطلى :األعناق أو أصولها جمع ُطالة.
ّ
وسلَّم).
-12المستجن :المستتر ويريد الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ
وسلَّم).
طيبة :مدينة الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ
-13يشرعون رماحهم :يُسددونها.
رخ. َ
وا ٍه :ضعيف ُم ْست ٍ
الدعائم :جمع دعامة ،وهو عمود البيت الذي يقوم عليه .
-14ضربة الزم :مالزم ،ثابت
-15ترنو :تديم النظر في سكون َط ْرف.
ملحة :مواظبة ،ملحفة.
70
التعليق النقدي
في هذه األبيات يستحث الشاعر-الذي دهمه األمر ،وافظعه الخطب-العرب والمسلمين
على رد العدوان والقصاص من العدو الغازي الذي َد َّنس بوضر( )1احتالل ِه حرمات
البلد اآلمن المقدس ،فصور هذه المأساة الحزينة التي َحلّت بالعرب والمسلمين ونالت
منهم ،ما انبجست ُّ
الدموع غزيرة يخالطها الدم ،لهول ما وقع ،وعظيم ما حدث
ْوج ،بل َّ
إن أضعف السالح أن الدموع وحدها اليسعها ّ
حل مشكل ،أو إقامة ِمع َ غير َّ
الحرب ،وأكثره خطراً على أهله هو االكتفاء بسح ُّ
الدموع إذا ما استعر أوار
()2
واشتـ ّد قرع السيوف ،وأنتم أيها المسلمون تنتظركم إذا ما تقاعستم وتخاذلـتم
أهوال عظيمـة وأحـداث جسيمـة تقـلب كل شيء رأسـاً على عقـب ،وهل يجـوز في
ِّ
والحق والوطنية والحرمات االستكانة إلى التراخي واإلخالد إلى الدعة حكم الشرع
الرخي الرغيد في مثل هذه االحوال العصيبة الضاغطة ؟وإنه
واالطمئنان والعيش َّ
ألمر عجاب أن يستطاع نوم في جنب هذه االهوال المجلجلة التي أفزعت كل آمن
َه ْت ّ
كل راقد . َ
ونب َّ
العدو الغادر قد فعل االفاعيل بإخوان لكم أصبحوا بين حالين ،إما أن يمتطوا
ّ ّ
إن
صهوات جيادهم للذود عن الحياض ،وإما أن يصبحوا طعاماً سائغاً للعقبان والنسور،
وقد ذاقوا على أيدي هؤالء العُتاة كل ألوان الخسف ،وصنوف الهوان،وفي حين أنكم
أمن ودع ٍة
ترفلون بسوابغ النعم ،وتنعمون بلذائذ الحياة وكأنكم في ٍ َ أُيها المسلمون،
وسالم .
الح ُرمات قد ُهت ِك ْت وهؤالء فتياتكم دماء زكية كثيرة قد أُريقت وأُبيحت ،وإن ُ
إن ً ّ
ومعاص ِم ُه َّن ،وهن
ِ الحسان ليس لهن ما يسترن به جمالهن البارع سوى أ ُك َف ُه َّن
مأخوذات بسيوف العدو المصطبغة بدماء أوليا ِئ ُهن َّ،والذائدين عنهن.
إن هذه لحرب أو المأساة مخيفة جداً ،حتى لقد شاب لهولها وضراوتها صغار الفتيان
وإنها تهدف إلى االحتالل واالذالل فال مجال للتخاذل ،وال مفر من ركوب أهوالها
والع ْذ َر لمن يقعد متفرجاً
مهما َكلَّ َف األم ُر ،و َكبُرت التضحيات ،إنها حرب مصيريةُ ،
( )2االوار:حر الشمس ،النار واللهب . ( )1الوضر الخبث .
71
العدو فيكم وفي أرضكم ،وهذه سيوفه المشرعة ستتخذ من
ّ عليها ،ألنها قد أطمعت
رقابكم وجماجمكم أغماداً لها .ووقف الشاعر بعد هذا مستصرخاً العرب والمسلمين
للوقوف والصمود بوجه هذا الطغيان العاتي ومستحثهم على المنازلة والمقاومة
وسلَّم) لعترته من آل هاشم .
ومستنفرهم بصوت الرسول (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ
إن هذه الحرب الضروس تنظر إلينا نظرات حادة قوية وتنتظر منا صولة عربية
ماحقة ترعب العدو وترهبه وتمزق أوصاله وتبددها وتجعله يندم على فعلته النكراء
طويال .وهذه األبيات صرخة مدوية منً ويتجرع غصص الخيبة والخذالن أمداً
أعماق نفس مكلومة ،شعرت باألسى ،وأحست بالفادحة ،وقد صورت تصويراً حياً
َّ
كل ما أريد منها .
لقد بدت في هذه األبيات ألوان من الفنون البالغية ،من دون مبالغة بصنعة وبديع
ومجاز وكناية ،كقوله :الحرب شبت نارها ،وعيش ّ
كنوار الخميلة ،وتنام العين
ملء جفونها كناية عن األمان ،وعض األباهم فهي كناية عن الندم ،والمستجن
وسلَّم ) ،وغير ذلك كثير.
بطيبة كناية عن الرسول األعظم (صلّى اهلل علي ِه وآل ِه َ
كما أن التجسيم والتهويل في أكثر ما جاء كان مقصوداً ومتعمداً ،ليكون التأثير في
النفوس أعمق ،والحث على الجهاد واالستنفار أعظم ،وهو ما ينبغي أن يكون في
مثل هذا الفن أو المعنى .
عال في الصناعة ،ونفثة صادقة ملتهبة من نفثات شاعرعربي
إن هذه القصيدة مثال ٍ
ملتزم في وقت عز فيه وجود أمثاله ،ومن أجل هذا كله يحق لنا أن ننعتها (القصيدة
الجهادية).
أسئلة للمناقشة
-1ما خصائص شعر األبيوردي ؟
ً
صادقا في مشاعره العربية ،أيد هذه الفكرة بنص من القصيدة . -2كان األبيوردي
-3علل :أ -ميل الشاعر إلى التجسيم والتهويل في قصيدته .
ب -تطلع الشاعر في أحد أبيات القصيدة إلى غارة عربية موحدة .
ّ
وبين داللتها. جـ -في األبيات إشارات إلى األلوان ،استخرجها،
72
النثر
القاضي الفاضل
هو عبد الرحيم بن علي المعروف بالقاضي الفاضل ،عربي األصل من لخم ولد
بمدينة عسقالن( )1عام ( 529هـ ).وتلقى على والده قاضي عسقالن طرفاً من علوم
اللغة واألدب ،ثم قصد مصر وهو في أول صباه للتزود بالعلوم والمعرفة وتعلم فن
الكتابة ،فنزل باإلسكندرية واتصل بالقاضي ابن حديد الذي أعجب به ودربَّه تدريباً
جيداً على التمكن من الفن الكتابي ،وكانت الكتب تصل إلى القاهرة بإنشاء القاضي
الفاضل فأعجب به أولياء األمور وطلبوا إليه االنتقال إلى القاهرة ولما أصبحت
مصر تحت إمرة صالح الدين قربه واتخذه كاتباً ووزيراً ،وأصبح موقعه عنده
عظيماً جداً وقد أبدى القاضي مقدرة كبيرة في مجالي اإلدارة والكتابة طوال عهد
صالح الدين وكان يكتب ويسجل أحداث الدولة الخارجية والداخلية ،ثم الزم أوالد
صالح الدين بعد وفاته فكان موضع تقدير وحفاوة وإكرام ،حتى توفي في القاهرة
سنة (596هـ).
لق ،خيِّراً متديناً وفياً ،وكان ذا ُ
رض َّي السيرة ِ،حسن الخ ِ
كان القاضي الفاضل َم ِ
ُح ْن َك ٍة سياسية ،ومقدرة إدارية ،مما جعل صالح الدين يعتمد عليه اعتماداً كبيراً في
إدارة شؤون دولته ،في ظروف حربية متصلة بينه وبين الفرنج ،ولتحليه بالصفات
الكريمة فقد امتدحه الشعراء وأشادوا به كثيراً .
كان الفاضل يجمع بين فني األدب :الشعر والنثر ،وترك آثاراً كثيرة فيهما فله
ديوان شعر ،وله رسائل كثيرة في فنون متعددة من ديوانية وإخوانية وأدبية ،وقد
اشتهر كاتباً أكثر من شهرته شاعراً ،وكان ذا قدرة عجيبة في صناعة االنشاء
كل وقت ِّ
وكل فن ،وتهيأ للقاضي أن يبتكر وبراعة فائقة في تحرير الرسائل في ِّ
طريقة خاصة في األسلوب الكتابي ،مؤسسة في بعض أصولها على الطريقة التي
كان يتبعها كبار الكتاب في القرن الرابع الهجري،والتي كانت تحفل بالصناعة
اللفظية والمعنوية،فجعل طريقته التي ُع ِر َف بها قائمة على أساس الصناعة اللفظية
والمعنوية .
( )1عسقالن :بلدة كانت على ساحل فلسطين .
73
كل ما أنشأه من رسائل،حتى واكثر من السجع والتورية والجناس واالستعارة في ِّ
أغرت هذه الطريقة ال ُك َّتاب في عصره ،فاقتدوا بها وصرفوا هممهم وطاقاتهم الفنية
واألدبية إليها فأصبحت ً
دليال على بالغة الكاتب ،ومقياساً لقدرته الفنية واألدبية .
علو منزلته في الفن الكتابي قول صالح الدين في مأل من َّ
الناس وخير ما يصور َّ
(التظنوا مل ْك ُت البال َد بسيوفكم بل بقلم الفاضل ).
74
اللغة
-1تشظت :تطايرت قطعاً .
-2القنا :الرماح ،أوكل عصا مستوية أومعوجة .
-3شققاً :شظايا.
-4فرقه :طوائفه.
َ -5ف َرقاً :جزعاً وخوفاً .
ص ِّدعتُ :ش َّقت وكسرت.
ُ -6
-7الحصاة :العقل والرزانة.
-8الحصى :جمع حصاة يريد العدد الكثير.
-9كلت :ضعفت وتعبت.
-10تصرف :تدبر وتوجه .
-11ال ِعنان :سير اللجام الذي تمسك به الدابة (المقود).
-12العيان :الرؤية والمشاهدة.
ُ -13غ َّ
ض ْتُ :ك َّف ْت ُ
وخفضت.
-14دون :نقيض فوق ،وهو تقصير عن الغاية .
-15كسيفةُ :منكسة مخفوضة.
-16جفن سيفه :غمدهُ.
ُ -17تريق :تصب.
-18نطف :جمع نطفة ،القطرة ،والماء الصافي.
-19الكرى :النعاس والنوم.
-20جدعت :قطعت.
-21شامخة :متكبرة ،متعظمة .
-22راعفة :سائلة بالدماء .
-23المنون :الموت.
-24مهتومة :مكسورة.
75
-25المحامية :المدافعة.
-26الحامية :آخر من يدافع عنهم في حالة الهزيمة .
-27المتوافية :المتتامة.
-28مذعنة :منقادة ،مقرة.
-29المطامع :جمع مطمع :ما يستدعي الطمع ،وهو االمل والرجاء .
-30الوافية :التامة.
-31العُصرة :الملجأ والنجاة.
-32ال ِفناء :الساحة في الدار او بجانبها .
َت :أُلزمت وأُحيطت. ُ -33
ض ِرب ْ
-34المسكنة :الفقر والضعف.
-35المشأمة :الشؤم ،الشر.
-36الميمنة :البركة .
76
التعليق النقدي
النص عن خذالن العدو واندحاره ،عما أصاب جموعه الهائلة من تشتت
ّ يتحدث
وجبروته من تضعضع وغطرسته من وهن،وع ّما َد َّب في طوائفه من خور ،وفي
فرقة من فزع وذعر ،بل سرى ذلك كلّه إلى أسلحته وأدوات قتاله ،لما نالها من
الضربات القاصمة على أيدي ابناء البالد الشجعان .
ً
طاغيا ،أصبح - العدو الذي كان باالمس يصول ويجول ،ويشمخ بأنفه متجبراً
َّ ّ
إن
ً
-ذليال بعد أن لقنه األبطال المحررون دروساً قاسية في الشجاعة والتضحية والفداء
مهاناً يجر ذيول الخزي والعار طالباً النجاة ،مقراً بالهزيمة الئذاً بالفرار ،مستعداً
لتسليم البالد إلى أهلها .
وهكذا عادت القدس التي َّ
دنسها العدو إلى أصحابها األصليين الذين لم يبخلوا -
غال ونفيس . العادتها َمكرمة معززة ِّ
-بكل ٍ
أحسن الكاتب في تجسيم ّ
كل ما أراد تصويره من حاالت الوهن والضعف والخذالن
التي َدبّت في فصائل هذا العدو وضعضعت معنوياته.
انتقى الكاتب لغرضه األلفاظ المالئمة للصنعة التي أرادها كالتشظي والفرق والغل
والصدع والكالل ،والهدم والهتم واإلذعان والتسليم والذل والمسكنة .
كما أحسن اختيار العبارات المناسبة ذوات الدالالت القوية واآلثار العميقة في
النفوس والمشاعر ،حتى ليصعب المفاضلة بين عبارة وأخرى ،وهذا واضح في
الوصف الدقيق لحالة الهلع التي رانت على العدو المتغطرس ،وفقدانه السيطرة
على نفسه وضيق االرض على رحابتها ،والصراع النفسي الذي انتاب فلوله وقادته
فكانوا بين:منهزم ومستسلم وخانع ،كقوله :
(فبيوت الشرك مهدومة ،ونيوب الكفر مهتومة ،وطوائفه المحامية مجتمعة على
تسليم البالد الحامية وشجعانه المتوافية مذعنة ببذل المطامع الوافية .وقد ضربت
عليهم الذلة والمسكنة).
وعمد الكاتب -في تجسيم صوره ،وابراز معانيه كذلك إلى التبسيط في القول فأكثر
من الترادف في األلفاظ ،والتعاقب في المعاني ،فهذا الجزء من الرسالة -كما هو
77
واضح -يدور حول فكرة واحدة هي انخذال العدو وضعف قواه ولكن الكاتب تفنن
في عرضه وشرحه وتبيانه واستعان كذلك في تجسيم صوره وإيضاح معانيه
بوسائل بيانية وبديعية فالتزم السجع في عامة النص وقد تفنن به ،فمرة يجعل
الجملتين مختلفتين في عدد األلفاظ كقوله( :قد أظفر اهلل بالعدو الذي تشظت قناته
رقاً) ،ومرة يجعلهما متقاربتين كقوله (وعثرت قدمه وكانت سفقاً وطارت ِفرق ُه َف َ
االرض لها حليفة ،وغضت عينه وكانت عيون السيوف دونها كسيفه)كما اعتمد
الجناس واإلكثار منه كقولهِ ( :فرق ُه ف َرقاًَ ،
وحصات ُه وحصى ،وال ِعنان والعيان،وجفن
والجفون ،والمنى والمنون ،ومهدومة ومهتومة).
وكذلك استعان بالطباق كقوله (نام ويقظة ،والسيئة والحسنة ،ومشأمة والميمنة).
كما أكثر من استعمال المجاز كما في قوله (:ونام جفن سيفه ،وكانت يقظته وجدعت
أنوف رماحه ،ونيوب الكفر).
كما ضمن كالمه شيئاً من آي القرآن الكريم وهو قوله( :وقد ضربت عليهم ّ
الذلة
والمسكنة) .
أسئلة للمناقشة
78
القسم الثاني
األدب العربي في األندلس
ُ
مقدمة تأريخية
كانت األندلس آخر الجناح الغربي من الوطن العربي ،حيث تشكل األرض الممتدة في
الجنوب الغربي من أوربا ،ويفصل بينها وبين المغرب العربي من جهة البحر مضيق
جبل طارق .وتشمل أراضي األندلس في العصر الحديث ً
كال من اسبانيا والبرتغال،
كان فتح المغرب مقدمة لفتح بالد األندلس .
ففي سنة (92هـ) عبر الجيش العربي المضيق المؤدي إلى الجزيرة الخضراء في
الشاطئ االسباني بقيادة طارق بن زياد ،وبتوجيه من القائد العربي موسى بن نصير
المسمى (جبل طارق) ،ثم ألقى
َّ في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ،ونزلوا الجبل
((أيها الناس َ
أين المف ّر؟ البحر من ورائكم والعدو ّ خطبته المشهورة التي منها
أمامكم وليس لكم واهلل إال الصدق والصبر واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من
االيتام في مأدبة اللئام)).
وهكــذا فتح الــعرب االندلس وحكمهـــــا المسلمــون مـــــا يقــارب ثمانيــة قــرون
أثيال وحضارة وارفة،وعلوماً(92هـ 898-هـ) .وصنعوا خاللها لالندلس مجداً ً
غزيرة.
مقدمة في اتجاهاته وفنونه
كان الشعر أسبق الفنون األدبية ظهوراً في بيئة األندلس الجميلة ألنه مظهر الثقافة
العربية ،ومرآة حياة العربي العقلية واالجتماعية .وهو جزء اصيل من كيانه يشدو
َّ
وأيان ارتحل ،فال غرابة أن يقبل األندلسيون العرب على نظمه ،فتزدهر به َّأنى َّ
حل
كل ألوانه منذ أن ّ
حل العرب في األندلس إلى أن غابت فنونه وتنتشر بين الناس ّ
شمسهم عنها .ويقسم المؤرخون عصور األدب األندلسي على وفق العصور
فاإلمارة ،فالخالفة ،فملوك الطوائف ،فالمرابطين،السياسية :عصر الوالة،
فالموحدين ،وأخيراً عصر بني األحمر.لكن عصر ملوك الطوائف كان أزهى عصور
الشعر فيها ،إذ ظهر فيه كثير من فحول الشعراء مثل ابن زيدون وابن خفاجة وابن
79
عمار والمعتمد بن عباد ،ومما ساعد على نهضة الشعر وازدهاره في األندلس
استقرار السلطة في أيدي العرب المعروفين بموهبة الشعر المتأصلة في نفوسهم
وحرصهم الشديد على اللغة العربية وآدابها وجمال طبيعة بالد األندلس وفتنتها،
فتعلقت بها قلوب الشعراء وملكت مغاني جمالها نفوسهم ومشاعرهم حتى قال
شاعرهم :
ٌ
وظـل وأنها ٌر وأشجـا ُر ما ٌء أندلــس هلل در ُكــــــم
ٍ يــا أهل
َّرت هذا ْ ُ ُ
كن ُت أختا ُر ولو َتخي ُ ما َج َّنة الخل ِد إال في ِ
دياركـــ ُم
الدعة واالسترخاء والنعومة والثراء وما عرف عن ملوكهم وأُمرائهم من
مع حياة ِّ
رغبة في الشعر وقرضه ،وتقريبهم للشعراء وعقد المجالس لهم.
ومما أسهم في ازدهار الشعر تعاطي الحكام واألمراء والوزراء له نظماً وتذوقاً ،فقد
كان مؤسس الدولة األموية في األندلس عبد الرحمن الداخل شاعراً وأديباً ،ومثله
كثير من األمراء والخلفاء والملوك كالخليفة عبد الرحمن الناصر وملك إشبيلية
المعتمد بن عباد .
ومعظم الوزراء كانوا شعراء أيضاً مثل ابن زيدون ،وابن عمار وابن شهيد وابن
حزم ولسان الدين بن الخطيب.
الرحلة الدائمة بين المشرق والمغرب من عوامل
وكانت روح المنافسة للمشرق ،مع ِّ
ازدهار الشعر ونموه أيضاً.
تميز الشعر األندلسي بميزات واضحة منها ،أنه سهل األلفاظ ،سلس التركيب
واضح المعاني بعيد عن تعمق الفالسفة وتدقيق الحكماء ،وقد ألم ببعض المعاني
الطريفة المبتكرة ،مما سلك قسماً من شعرائه في عداد الشعراء المجددين ،ولجمال
طبيعة األندلس جال خيال شعرائها ورق وصفهم فكثرت لديهم التشبيهات البديعة
والتوليدات العجيبة الغريبة .ومما يلفت النظر كثرة الشواعر في األندلس ،فعددهن
كبير بالقياس إلى ما في المشرق العربي ،وربما يرجع ذلك إلى ما كانت تتمتع به
المرأة من العلم والمعرفة وربما الحرية بنصيب أوفر من نصيب أُختها في المشرق.
80
ابن زيدون
الشاعر الكاتب الوزير أبو الوليد أحمد بن عبد اهلل بن زيدون يرجع في نسبه إلى بني
مخزوم من قريش ،وقد وفد أجداده إلى األندلس أيام الفتح العربي .
و َُيع ُّ
َد من أشهر شعراء قرطبة ،عاش في أواخر عصر الخالفة ،وأدرك عصر الطوائف
إذ توفي في إشبيلية سنة (463هـ) .ت َم َّي َز بالظرافة ورقة الحديث وسرعة البديهة.
وأصدق ما وصف به هو (شاعر الحب والجمال) ،وله ديوان مطبوع ،أكثره في
الغزل بوالدة بنت المستكفي ،وكانت ذات شهرة عظيمة في قرطبة لجمالها وعلمها
وكما برع بالشعر فقد برع بالنثر أيضاً فقد كان ذا ثقافة واسعة كثير الميل لعلوم
العرب وفنون اللغة ،ونال مكانة مرموقة في مجالس قرطبة األدبية والسياسية .
81
قال في والدة بنت المستكفي
(للحفظ 8 :أبيات)
()1 األرض قد راقــــــا
ِ
* فق ٌ
طلق ومرأى واألُ ُ إِ ِّني َذكر ُت ِك بال ّزهراِء ُمشتاقـــــــــــــــاً
()2 فاع َت َّل إِشفاقـــــــــــــــــــا كأنه َّ
رق لــي ْ َّ ٌ
اعتالل في أصائلـــــــــــــــــ ِه ّ
وللنسيِم
()3 الفضي مبتســـــ ٌم كمـا َحلَ ْل ِت عن اللب ِ
َّات أطواقـــــــــــــــــا وض عن ما ِئ ِه ِّ
والر ُ
ُّ
()4 الده ُر ُسراقـــــــــــا بتنا لهــــا َ
حين نا َم َّ ْ
ــــــــــــــت انص َر َم يوم كأيَّام َّ
لذات لنا َ
()5 حتى َ
مال أعناقــــــــــــا َ
جـال َّ
الندى فيه َّ ــــــــر العين من َز َه
َ ُ
يستميل َن ْل ُ
هو بما
ٍ
()6 مع ر ِقراقــــــــــــا َب َك ْت لِمـا بي َف َ
جال َّ
الد ُ َ
عاينت أرقــــــــــــــــي أن َ
أعينه إذ َك َّ
ِ
()7 العين إشراقــــا
ِ فـازدا َد منه ّ
الضحى في تألق في َ
ضاحي َمنابتـــــــــــــ ِه ور ٌد َ
()8 الصدر ْ
أن ضاقـــا إليك لـــــم يَع ُد عنها َّ شوقـنـــــــــــــــا ُك ٌّل ُ
يهيج لنا ِذكرى ُت ِّ
()9
وق َخ َّفاقـــــــــــــــا َّ
بجناح الش ِ
ِ َفلَ ْم ي ْ
َطر ال َس َّك َن اهللُ قلباً َّ
عن ذكر ُكـــــــــــــــم
()10 وافـــا ُكم بـفـتى أضنـا ُه مـا القـــــــــــى الصبح حين َسرى
لوشاء َح ْملي نسي ُم ّ
األيام أخالقــــــــــــــا
ِ ـرم َ َ
لكــان مـن أك ِ كــان َو ّفى ال ُمنى في َج ْم ِعنا ِبكـــم
لو َ
( ) وتروى (ووجه).
*
82
اللغة
-1الزهرا ء :مدينة بناها عبد الرحمن الناصر بضواحي قرطبة.
طلق :مشرق كأنه باسم.
راق :أعجب.
-2اعتالل :مرض.
أصائله :جمع أصيل ،وهو وقت العشي.
-3اللّبّات :جمع الَّلبّة ،وهي أعلى ّ
الصدر ،وموضع القالدة منه.
األطواق :جمع طوق ،وهو ما يحيط بالعنق من الثوب والحلي.
-4انصرمت :انقطعت وانقضت.
-5جال :طاف.
َّ
الندى :المطر والبلل.
-6رقراق :صفة للدمع ألنه يدور في العين ،ويقال :ترقرق أي جاء وذهب.
-7تألق :لمع.
ضاحي المنابت :األرض المرتفعة التي غمرتها شمس ُّ
الضحى.
-8يعدو :يتجاوز.
ّ -9
عن :عرض.
-10سرى :سار ً
ليال.
أضناه :أمرضه.
َّ -11
التجاري :التسابق.
محض ِّ
الود :خالص الحب.
إطالق :جمع طلق وهو الشوط في السباق.
َ - 12سلَ ْو ُتم :نسيتم.
83
التعليق النقدي
يشيع في شعر األندلسيين المزج بين الطبيعة والغزل ،وهم مجددون في هذا بالقياس
إلى الشعراء العباسيين في المشرق ألننا تعودنا على مزجهم بين الطبيعة والخمر،
وقد يجمع الشعراء األُندلسيون بين الثالثة في بعض مقطوعاتهم.
وقد نبعت هذه الميزة عندهم من طبيعة حياتهم المملوءة بالحب فاتصل الحب والغزل
بالطبيعة فجعلوها مسرحاً لغزلهم وميداناً لقصص حبهم.
وابن زيدون مولع دائما بالربط بين جمال الطبيعة وجمال المرأة فكالهما رائع
الجمال وإن تباينت السمات فالطبيعة عنده قد ارتبطت بذكريات حبيب ِته ارتباطا وثيقاً
وكل ما فيها ِّ
يذكر ُه بحسن وأل َهبت عواطفه وحركت أشجانه وأنطقته بديع الشعر ّ ْ
قي َل َّ
بأن الميزة األولى هي في القفزة التي كان يقفزها إلى محبوبته وجمالها .وقد ِ
الحب اآلفل وعذاب الهجر ال ُم ّر.
الماضي فيصور لنا بالمقارنة سعادة ِّ
إن ابن زيدون في غزله هذا يعزف على قيثارة الشعر العربي القديم ،ألنه امتداد َّ
ْ ُ
له نابع من أصول واحدة .وهو يُشرك الطبيعة معه في ُح ِّب ِه حتى يجعلها ُت ِ
شار ُكه
َر ُّق له .
اعتالله وهمومه فالنسيم يعتل َوي ِ
أسئلة للمناقشة
-1مزج الشاعر بين الغزل والطبيعة في قصيدته ،أوضح ذلك.
84
الموشحات
تع ّد الموشحات في األدب فناً شعرياً نشأ في بالد االندلس خالل القرن الثالث الهجري
إلرضاء حاجة الشعب ،ويتميز بتعدد القوافي ،وبخروجه على بحور الشعر المعروفة
في بعض األحيان وتنويعها في الموشح الواحد ،وبتقسيمه إلى أجزاء ال نجدها في
ألوان النظم األخرى ،مع استعماله اللهجة العامية أو األعجمية في آخر أجزائه.
وي ُّ
ُعد الموشح من فضائل العرب في األندلس ،سبقوا فيه أهل المشرق ،واقتدى
(المطلع ،القفل ،الدور ،السمط ،الغصن ،البيت ،الخرجة) ،فالمطلع :هو القفل
في القافية والوزن وعدد األجزاء ،والدور :هو ما يأتي بعد المطلع في الموشح،
كل األدوار ،والسمط :هو ّ
كل شطر ولم يتكرر متفقا في الوزن وعدد األجزاء في ِّ
من أشطر الدور ،والغصن :هو الشطر الواحد من أشطر المطلع أو القفل ،والبيت
:ويتكون من الدور والقفل الذي يليه مجتمعين ،والخرجة :هي القفل األخير من
الموشح .
85
والخرجة :هي الجزء الوحيد في الموشح التي ال تلتزم باللغة الفصيحة وال باإلعراب.
و ُتع ّد أوزان الموشحات أكبر حركة للتجديد في أوزان الشعر العربي ،وثورة ضد
الرتيبة التي كانت َ
األشعار العربية تلتزم بها دائماً. القوافي َّ
أما أغراض الموشحات فهي متنوعة كتنوع أغراض الشعر العربي ،فقد نظمها
الوشاحون في الغزل والمدح والرثاء والهجاء والزهدْ ،
وإن كان الغزل أبرز أغراض
ومن أبرز الوشاحين في األندلس ابن سهل اإلشبيلي ويحيى بن بقي وابن قزمان
أسئلة للمناقشة
-1لم يكن الموشح ظاهرة منفصلة عن تطور الشعر العربي .وضح هذا القول.
-4تعد الموشحات أكبر حركة تجديد في الشعر العربي .ناقش هذا القول .
-5الغزل ووصف الطبيعة أبرز أغراض شعر األندلس ،والسيما الموشحات .وضح ذلك.
86
لسان الدين بن الخطيب
هو محمد بن عبداهلل بن سعيد المعروف بلسان الدين بن الخطيب ،يرجع في نسبه
إلى عرب اليمن ،إذ رحل بعض أجداده إلى دمشق ثم استقر بهم المقام في األندلس.
ولد ونشأ في غرناطة ،وعاش بين سنتي 776 - 713هـ ُ ،يع ُّ
َد من أبرز رجال
دولة بني األحمر في السياسة والعلم واألدب ،وإن كان األدب ألصق به من غيره،
إذ كان شاعراً وخطيباً ووشاحاً وكاتباً ومؤرخاً وزادت مؤلفاته على الستين كتاباً
الموشح
(للحفظ 7 :أبيات)
()1 باألندلــس
ِ الوصـل
ِ َ
زمـان يـــــا ْث َه َمـــىالغي ُ ُ
الغيث إذا َ جا َد َك
َ وصــلُ َك إلاَّ ُحلُمــــاً
()2 في ال َكـرى أو ُخلـِ َسة ال ُم ْختلِ ِ
س لــــ َم ي ُك ْن َ
***
()3 ـو على مـا َت ُ
رس ُم الخ ْ
ـط َ ـل َ َن ْـن ُ
ــق ُ الده ُر أَش َت َ
ات ال ُمنـــى إذ يَقو ُد َّ
()4 الحجيـج الموسـ ُم
َ مـِثلما يَدعـُو بــين ُفـــــرادى ُ
وثـنـا ُز َمـــراً َ
()5 هـر فيـه َتب ِ
ْسـ ُم َّ
الـــــز ِ َف ُ
ثغــــور والحيـا قــد َجلَّ َل َّ
الروض سنا َ
***
87
أنـــــس َروي مــالِ ٌك عن َ و َر َوى ُّ
الن ُ
()6 ِ كيف ي ِ السما
ماء َّعـمان عـن ِ
()7 يَــزدهــي منــه بــأبْهى ملبــس ـن ثــوباً ُمعْــلَما
ــس ُ
الح ْ
فـكـسـا ُه ُ
***
()8 ـــــرر
ِ موس ُ
الغ بـالدجى لوال ُش ُ
ُّ ــر الهـــوى
ـمـت ِس َّليـال َك َت ْ
فـي ٍ
ثــــــــر السير سع َد َ
األ الكــأس فيـها َ َ
()9 ِ مستقي َم َّ ِ وهـوى ِ مـال نجـ ُم
َـــصـــــر
لـــمــح الب َ َّأنــه َم َّ
ــر َك عيـب سـوى وطـ ٌر مـا فيـه ِم ْ َ
()10
ِ ـن ٍ
***
ـين َّ
لـذ الـنـو ُم شيئـاً أو كـمــــا
الحــــــرس
ِ ْح ُهجومَ َه َج َم ُّ
الصب ُ ِح َ
()11 ــــس
رج ِ ُ
عيون النــــَّ ِ َّأث َر ْت فينا ُمـــــا
ـهـب بـنـا أو رب َّ
الش ُغـارت ُّ
ِ
***
فيكون ال ّروُض قد ُم ِّكـن فيــــه
ُ شـيء المـرئ َقـــد َخـلـصــَا
ٍ أي
ُّ
كــره مــــا َت َتقـــيـ ِه ـت َأ ِم َن ْ تـنــهـب األزهـــا ُر فيـه ُ
()12 من َم ِ الف َرصـا ُ
()13 خـــليل بــــأخــيه
ٍ وخـــال ُّ
كـــل والحصــى
المـاء تـناجـى َ
ُ فـــإذا
***
()14 غيظ ِه مــا يَكتـــسي
يَكتسي من ِ ُتـبــصـ ُر الـور َد غـيــوراً ب ِ
َــرمـا
ـــرس َ َســر ُق َّ اآلس لـبـيـــبـاً َفـهـِمــا
()15 مــع بأذني ف ِ الس َ ي ِ وتـــرى َ
***
()16 ٌ
مــسكن أنتـــ ْم بــــ ِه وبقــلبــي ضا الحـي من وادي َ
الغ َ ِّ يا أُهيـل
()17 ـــرقـه من غـربــِ ِهال أُبــــالي ْش َ ضا ــب َ
الف َ رح ُ َ
ضاق عــن وج ِدي بكم ْ
()18 َتـعتــقوا عـاني ُكم مـن َكــربـــ ِه نس قــــد َم َُ
ضى فأعي ُدوا عه َد أ ٍ
***
َ َ
()19 ي َتـالشـى َنفـســاً فـــي َنـــف ِ
ـــس واتــقوا اهلل وأحـــيوا مغـــرمــا
()20 ُـس
الحب ِ
ــــفاء ُ
َ رض َ
ـــون َع َأفــــ َت َ القــلب علــي ُكم كـــَ َرمـــا
َ َس
َحب َ
***
88
اللغة
-1الغيث :المطر.
َه َمى َ :
سال.
-3أشتات :أنواع.
ومعنى البيت ان رواية مالك عن أبيه رواية صحيحة كرواية النعمان بن المنذر
عن جده ماء السما ،وفيها تورية بشقائق النعمان ،والمطر ماء السماء .
89
ُّ -8
الدجى :الظالم.
ُ
الغ َرر :جمع الغرة ،وغرة الشمس ما بدا من ضوئها أو الصبح.والغرة بياض
-9هوى :سقط.
-10وطر :حاجة.
-11غارت :اختفت.
تتقيه :تحذره.
-13خليل :صديق.
-14برم :ضجر.
-15لبيب :عاقل.
-17وجدي :حبي.
غمه وحزنه.
كربه َّ :
-19مغرم :مولع ومحب.
-20عفاء :هالك.
90
التعليق النقدي
يعارض ابن الخطيب في هذا الموشح موشحاً البن سهل اإلشبيلي :
صب حلَّه عن َم َك ِ
نس قلب ٍّ
َ أن َقد َحمى
الحمى ْ
بي ِهل درى َظ ُ
والمعارضة في الموشحات :أن ينظم َّ
الوشاح موشحاً على غرار موشح سابق
متفقاً معه بالغرض والوزن والقافية ،ولما كان موشح اإلشبيلي في المدح والغزل
ووصف الطبيعة جاء موشح ابن الخطيب ملتزماً بذلك أيضاً .
ويتميز هذا الموشح برقة األلفاظ وسهولة المعاني ووضوحها وهو مملوء
ويسمى هذا القفل المطلع .وقد ذكر ابن الخطيب قافيته ووزنه في القفل الثاني
والثالث ...الخ.
إذ يقود...
زمراً...
والحيا...
91
وقد تكرر بوزنه ،وعدد أجزائه بعد القفل الثاني والثالث ...الخ.
ُ
والخرجة في هذا الموشح هي آخر قفل .وهي غير مذكورة ألن الموشح غير كامل
فقد اقتصرنا على أربعة أبيات من أصل عشرة أبيات.والسمط فيه :إذ يقود الدهر
أشتات المنى ،أو :ننقل الخطو على ما ترسم ،وكل شطر من أشطر األدوار
أسئلة للمناقشة
-1تتميز موشحة لسان الدين بالدقة والسهولة والربط بين الطبيعة والغزل.أوضح
ذلك.
ّ -2
وضح ما يأتي:
أ -الموشح وأجزاءه .
ب -أغراض الموشحات.
جـ -المعارضة في الموشحات.
-3قال لسان الدين:
أنس )) َ
كيف يروي ٌ (( وروى ُ
مالك عن ِ السما
ماء َّ
النعمان عن ِ
اُذكر نبذة موجزة عن كل َعلَم َ
جاء في البيت.
-4اختر مقطعاً أعجبك وانثره في مقالة أدبية .
92
النثر مقدمة :
ً
مكمال لنهضة الشعر إن النثر صنو الشعر يتقدم ويتطور معه .كان الشعر األندلسي
في المشرق وكذلك النثر األندلسي كان امتداداً للنثر العربي في المشرق .وبدأ تأثير
ال ُك َّتاب األندلسيين واضحاً بأسلوب عبد الحميد الكاتب األموي ،وبأسلوب الجاحظ
في العصر العباسي ،وبأسلوب آخرين في العصور المتأخرة ،وامتد تأثرهم إلى
ما يُسمى بالنثر الفني أيضا ،فجاروا ابن المعتز وابن سالم في الطبقات والصولي
في كتاب األوراق .ويمكن أن نقسم النثر األندلسي على أربعة ألوان هي الخطابة
الخطابة :
لم يصل إلينا من خطب األندلسيين إال القليل على الرغم من دواعيها التي كانت
تقتضيها حياتهم ،ويمكن أن ُن َق ِّسم الخطابة األندلسية على قسمين ،فهي في عصورها
وخير من يمثلها منذر بن سعيد البلوطي الذي برز اسمه في عهد الخليفة عبد
الرحمن الناصر فنال إعجابه بعد أن استجاب له البيان وأعانه المنطق والتوفيق.
أما في عصورها المتأخرة فالغالب عليها التكلف واإلطالة واإلطناب والتزام الزخرفة
اللفظية ،وربما كان الخطباء يحذون في ذلك حذو المشارقة ْإذ سيطر اتجاه القاضي
الفاضل.
93
الرسائل :
أكثر ما يتمثل النثر االندلسي في الرسائل الفنية التي دبَّجها ال ُك ّتاب ومعظمهم كانوا
من الشعراء أيضاً ،فمنحوا النثر مواهبهم الشعرية وارتقوا به إلى أساليب فنية
جديدة حتى كادوا أن يجعلو ُه شعراً منثوراً ال ينقص ُه إال الوزن والقافية ليكون
ولج به ال ُك ّتاب كل الموضوعات َفع َ
ُرفت الرسائل الديوانية التي تس ّمى شعراً وقد َ
السلطانيات أيضاً.
والرسائل اإلخوانية التي تدور بين اإلخوان واألصدقاء عرف بها ابن برد ،والشاعر
ابن زيدون الذي كتب رسالته الجدية في عتاب الحاكم ابن جهور واستعطافه،
ورسالته الهزلية التي كتبها على لسان والدة يسخر فيها من منافسه ابن عبدوس،
وهي شبيهة برسالة الجاحظ(التربيع والتدوير) في السخرية من مهجوه أحمد بن
عبد الوهاب .ولعل من أبرز ُك ّتاب الرسائل في األندلس عامة هو ابن ُشهيَد الذي
كتب رسائل كثيرة في موضوعات وفنون متنوعة.
المناظرات :
المناظرات فن نثري يحاول فيه الكاتب إظهار قدرته البيانية وبراعته األسلوبية في
الموضوع الذي يكتب فيه معتمداً أسلوب الحوار بين األشخاص أو بين غيرالعقالء
من المخلوقات ،وتسمى المناظرات الخيالية ،كالحوار بين السيف والقلم أو بين
المدن األندلسية ،وقد أبدع األندلسيون في المناظرات التي كان يُجريها ال ُك َّتاب
بين الزهور والرياحين والورود وبقية النباتات وإلظهار حبهم لألندلس ،وتعلقهم
بأوطانهم كتبوا مناظرات لبيان فضائل األندلس وأهلها ،من ذلك مناظرة ابن حزم
الزمان والحريري ونسج على طريقتها األندلسيون ،تجسيداً لوحدة الفكر والفن
العربي ،فكتب أبو طاهر السرقسطي الذي وافاه األجل سنة (598هـ) (المقامات
السرقسطية).
وكتب لسان الدين ابن الخطيب مقامات عديدة منها( :مقامة السياسة) كما كتب ابن
شرف القيرواني مقامات عديدة عارض فيها مقامات بديع الزمان .
ابن ُش َه َ
يداألندلسي
أبو عامر أحمد بن عبدالملك بن شهيد األندلسي ،شاعر استوطن قرطبة كبرى
مدن األندلسَ ،
وظ َّل فيها إلى مطلع القرن الخامس الهجري حيث وافاه األجل سنة
(426هـ) .وهو من عائلة عريقة في قول الشعر ،تحدر الشعر في أربعة أجيال
متتالية منها حتى وصل إليه .لم تشغله السياسة على تقلبها في عصره وقربه
من ذوي السلطان بقدر ما شغلته ملذات قرطبة ومالهيها ،وعاش أكثر حياته في
صحبة الوزراء ومساجلة األدباء ،ونال منزلة عالية وشهرة واسعة بشعره ونثره
فقد كان شاعراً مبدعاً محسناً أنشأ العديد من الرسائل األدبية وكانت رسالة (التوابع
95
توابع الشعراء
شيطان امرئ القيس
(للدرس فقط)
والشعراء ،وماكان يألفهم من ِ طباء
الخ ِتذاكر ُت يوماً مع ُزهير بن ُنمير( )1أخبا َر ُ
ْ
َ
استأذن حتى اتفق منهم ؟ َ
قالَّ : لقاء من َ حيلة في ِلت :هل ٌ والزوابعْ ،
وق ُ التوابع َّ
ِ ِ
َ
فقال ُ :ح َّل على ِ
متن َ كلمح بالبصر ،وقد أ ِذ َن له، شيخنا ،وطار عني ثم انصرف ٍ
َ
َّ ()4
فالجو ،ويقطع الد َّو
َّ َجتاب(َّ )3
الجو كالطائر ي ُ
ِ الجوا ِد(ِ ،)2
فصرنا عليه ،وسا َر بنا
متفرع َ
الش َج ِر َع ِطر َ وشارفت(ّ )5جوًا ال َك ّجِونا،
ُ التمحت أَرضاً ال كأرضنا
ُ َّ
فالد َّو ،حتى
هر.
الز ِ َّ
الخطباء أولى
ُ الجن أبا عامر ،فبمن تري ُد أن تبدأ؟ ُق ُ
لت: أرض ِفقال لي :حللت َ َ
صاحب امرئ
َ قال :فمن ُتري ُد منهم؟ ُق ُ
لت: الشعراء أشوقَ ،
ِ بالتقديم ،ل ِك ِّني إلى
دوح ( )7تتكس ُر أشجا ُر ُه وتترن ُم َ
القيس .فأمال ال ِعنان إلى وا ٍد من األودي ِة ذي ٍ
()6
ِ
لجل، ويوم دار ِة ُج ُ بسقط اللوى( )8فحومل(،)9
ِ فصاح :يا ُع َتي َ
ْبة بن َنوفل، َ اطيا ُرهُ،
ِ
وعرفتنا األنس ِّي،
وسمعت من ِ َ ْرك،
عرضت علينا وجهك ،وأنشدتنا من ِشع ِ ْ إال ما
حيَّاك اهللُ َ
فقال: فرس َش ْق َ
راء كأنها َتل َت ُ
هب، كيف إجاز ُتك له.فظه َر لنا
فارس على ٍ
ٌ
ْبةَ ،
فقال لي : وأي َجمر ٍة يا ُع َتي ُ
َك ،أهذا فتاهم ؟ ْقلت:هو هذاُّ ، يا زهير،وحيّا صاحب َ
َ
وقبض فتطامح(ُ )10
طرفه واهت َز ِعطف ُه(،)11 َ ُ
فقلت :السي ُد أولى باإلنشا ِد، أنشد،
ِ
طوال عنا .وكر فاستقبلَنا َّ
بالصعد ِة، حض ُر ً
فسمت ُت ِ
وطَ ،
بالس ِ نان َّ
الشقراء ،وضربَها َّ ِع َ
َ
وجعل يُنشد. هازاً لها ،ثم ر َك َزها
شوق بع َد ما كان أقصرا) حتى أكملَها ثم قال لي ِ :
أنشد ،فه َم ْم ُت ٌ ()12
(سما لك
ُ
وأنشدت: اشتدت ُقوى نفسيبالحيْص ِة( ،)13ثم َّ
َ
مغان ( )15من ُسليمى وأ ُدو ُر ( )16حتى انتهيت فيها إلى قولي:
ٍ
()14
َشجته
96
َّ
فـتـحــــد ُر الـصبـا
ريــح َّ
ُ ـز ُّل بــهـا
َت ِ رأسـهـا ُ
الطـرف َ ُ
يـدرك ومن ُقبـ ٍة ال
وقـــ َد َجع ْ
َـلـت أمـواجه تـتـكســـــــ ُر َ
جـــــاش بَـحـره تكلفتها والليــل قـد
ِّ
ـالةالخط ( )19أ سـم ُر ِّ
الكـف من َع ّس وفـي ()18
فاسف ومن تحت ِحضني ٌ
أبيض( )17ذو َس ِ
-3يجتاب :يقطع.
َ -9حو َم ْل :اسم مكان وهذه الثالثة ذكرها امرؤ القيس في مطلع معلقته.
97
-13الحيصة :االنهزام والهرب.
مغان :منازل.
ٍ -15
أدو ُر :جمع دار.
ُ -16
-17واألبيض :السيف.
-18سفاسف :واحدها َ
سف َسفة او سفسوفة ،وهي جوهر السيف ووشيه.
ُ -20مقيالن :من الفعل أقال عثرته ،أي أزال عنه ما يسبب عثرته .
التعليق النقدي
هذه الرسالة (التوابع والزوابع) مما يمكن أن يندرج تحت باب القصص الخيالي
العربي القديم ،فابن شهيد يحكي فيها كيف التقى بشياطين الشعراء القدامى بأسلوب
فكاهي بديع ممتع ،وهو يتعرف بزهير بن نمير الجني وتتوثق العالقة بينهما
ويحرص على استدعائه كلما احتاج إليه ليصحبه في صورة خيالية جديدة يروي
سمى هذه الرسالة (بالتوابع والزوابع) ،يريد توابع ال ُك ّتاب ،وهم أصحابهم من
وقد َّ
الجن ،والزوابع شياطين الشعراء الذين يعينونهم على نظم الشعر (كما يتخيلون).
وقد حاول كثير من الكتاب أن يربطوا بين هذه الرسالة و (رسالة الغفران) البي
العالء المعري ،لما بينهما من أوجه الشبه ،ويذهب معظمهم إلى تأثر المعري بابن
شهيد لسبقه في تأليف رسالته وبعضهم يذهب إلى تاثر ابن شهيد بالمعري.
98
والحقيقة أنها رسالة مبتكرة لم يقلد ابن شهيد فيها أحداً ،وربما لم يقلده أحد ألن
أصل فكرتها مستمدة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ،ففيها حديث عن
معراج رسول اهلل (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى السماء وعن الجنة والنار.
كما ان الرسالة اعتمدت الفكرة الخيالية السائدة قبل اإلسالم وبعده ،وهي وجود
وبعد :فالرسالة تحتوي على رحالت شائقة جميلة قام بها المؤلف ،واشترك
خاللها في مناقشات أدبية ومعارضات شعرية ممتعة كما عرض فيها لشذرات من
النقد األدبي ،تنم عن نظرات جريئة وأفكار نقدية صائبة تتفق مع المناهج النقدية
الحديثة.
أسئلة للمناقشة
َ -1
أين تدرج هذه الرسالة؟
-5ماذا تعد هذه الرسالة وأمثالها في األدب العربي عامة وأدب األندلس خاصة؟
99
األدب في العصور المتأخرة
للدول كما للناس أعمار ،تبدأ قوية متمكنة يقوم على أمرها رجال ذوو بصر وبصيرة،
كالدولة العباسية ،ويمر الزمن فتبدو عليها عوامل الضعف والوهن والشيخوخة،
فيطمع فيها الطامعون والطامحون إلى السلطة فيقطعون أوصالها إلى دويالت.
فظهر التتر قوة جديدة في مشرق العالم اإلسالمي في أوائل القرن السابع الهجري
فهاجموا المدن الواقعة نحو الشرق األوسط ،مثل بخارى وسمرقند ،واجتاحوا دولة
ً
سهال يسيراً نحو العراق. خوارزم ،ففتح سقوطها الطريق
ووصلوا كرمانشاه القريبة من حدود العراق في سنة 618هـ ،وأغاروا على أربيل
والموصل وداقوق والسواد وخانقين وبعقوبة في سنوات مختلفة قبل هجومهم على
بغداد ،وعادوا ،ولم يروا رد فعل حازم على هجماتهم ،بل إن الخليفة أي خليفة كان
يشكر اهلل الذي كفاه شرهم ،وهم في هجماتهم تلك كانوا يقتلون الناس والحيوانات،
ويخربون ما يعترض طريقهم من مدن وعمارة وزرع ليبثوا الرعب في النفوس
والقلوب.
حتى إن ابن األثير يقول « :ولقد بقيت ع ّدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة كارهاً
لذكرها ،فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي اإلسالم والمسلمين ومن ذا الذي
يهون عليه ذلك؟»
لقد حمل عدد من المؤرخين المعاصرين الخلفاء العباسيين المتأخرين مسؤولية
سقوط بغداد سنة (656هـ) وليس المستعصم وحده ،وأفاضت الدراسات التي
تناولت هذه الحقبة بذكر أسباب سقوط الدولة العباسية ،وأخذت عليها تخبط سياستها
وقصر نظـر حكامـها وفسـادهم ،وإهـمالهم الجيـش وإسقاطـهم رواتب الجنـد من
الديـوان حتى اضطر بعضهم إلى سؤال الناس على إبواب الجوامع.كمـا كانت الفتن
الطائفية تنخر جسم الدولة ،وانحياز الجند إلى طائفة من الشعب من دون أخرى.
100
يضاف إلى ذلك إهمال شؤون الري وخراب مشاريعه ،وتوالي الفيضانات وسنوات
الجدب والقحط وغزوات الجراد في سني الدولة العباسية األخيرة،
كل ذلك يجري والخليفة المستعصم سادر في لهوه وعبثه كأنه ال يدري بما يدور
الط ْق َطقى في كتابه الفخري« :وكان المستعصم آخر الخلفاء
حوله .حتى قال ابن َ
شديد الكلف باللهو واللعب وسماع األغاني ،اليكاد مجلسه يخلو من ذلك ساعة...
وكان ندماؤه وحاشيته منهمكين معه في النعم واللذات».
وحذر الغيارى من الناس الخليفة من زحف المغول ومن العواقب الوخيمة التي
يعد جيشاً قوياً ويضرب المفسدين ويصلح األوضاع
تنتظر رعاياه والبالد ،إن لم َّ
الداخلية.
لقد أدرك الخالفة العباسية الضعف ،ولم يبق لها ما يساعدها على الوقوف في وجه
الغزو المغولي العنيف الضاري ،ح ّتى إذا تقدم جيش المغول نحو بغداد اجتاحها
بسهولة ويسر .زحف هوالكو نحو العراق بنحو مائتي ألف محارب ،فدخل بغداد
وشوه معالم
ّ سنة (656هـ) وقتل الخليفة وكثيراً من رجال حاشيته وخلقاً كثيراً،
الحضارة والمدنية المعمورة منذ قرون عديدة.
كان سقوط الخالفة العباسية ودمار بغداد حدثاً كبيراً وخطباً فادحاً أذهل الناس وأثار
عواطفهم ،فأنشأ الشعراء القصائد الباكية المؤثرة في بكائها ورثاء مجدها وعزها
وناسها ومعالمها.ولما استقر التتر في بغداد خضعت لهم مدن العراق كافة خوفاً
ورهبة وقاسى الناس في ظل حكمهم الويالت والمصائب.
وهلك هوالكو وتولى ابنه (أباقا) فطمأن الناس على أنفسهم وأموالهم بعض
األطمئنان ،ومات فاعقبه (تكودار خان) الذي أسلم وتس ّمى باسم (أحمد) ويستمر
الحكم فيهم ،حتى َملَ َك (غازان) الذي أسلم وأسلم معه مئة ألف من جنده ،هذا في
العراق.
101
ثم إن جيش هوالكو دهم مدينة (حلب) وخربها وقتل أهلها وهدم قلعتها في سنة
(657هـ)َ ،
وف َّر حاكم دمشق فاستسلمت المدينة.أما في مصر فقد وهن حكم األيوبيين
في أواخر أيامهم ،وتولت الحكم فيها (شجرة الدر) عقب وفاة زوجها الملك الصالح
األيوبي وق ِتلها ابن ُه (توران شاه) ،ثم أنها تزوجت مملوكها (عز الدين أيبك)
وتنازلت له عن الحكم في سنة (648هـ) فكان أول حاكم في سلسة المماليك،
وتولى الحكم بعده ابنه (المنصور نور الدين) ،وفي سنة (655هـ) ،وفي عهده
هاجم التتر بغداد واسقطوا الخالفة العباسية ،وهموا بالزحف على الشام ومصر،
فأحس المماليك بالخطر فخلعوا المنصور نور الدين ،وملكوا عليهم أتابكه (مربيه)
قطز سنة (657هـ).
راسل هوالكو قطز أمير مصر ،يطلب إليه التسليم والطاعة ،فقتل قطز رسل
هوالكو ،وكان مستعداً للقتال ،وخرج للقاء التتر ،فالتقاهم في موضعين بفلسطين،
في (عين جالوت) وفي (بيسان) فدحرهم وشتت جيوشهم.
وبعد عودته من القتال ،دبر عليه األمير (بيبرس) قائده مؤامرة قتله فيها ،سنة
(658هـ) وتسلم الحكم بعده .واستمر حكم المماليك في مصر حتى سنة (923هـ)
سنة استيالء العثمانيين على مصر .
102
الشعر والنثر
حين تكون حياة الناس تميل الى الرخاء سعيدة يكون هناك شعر ،وأُناس يق ّدرون
الكلمة الجميلة فلم ينضب الشعر بعد سقوط الدولة العباسية على الرغم من تولي
حكام أعاجم حكم البالد اإلسالمية ،لكنه لم يعد متدفقاً قوياً كما كان من قبل ،فالحكام
في العراق وبالد الشام ومصر أجانب من أصول غير عربية بل إن جلهم ال يفقهون
العربية ،فتقوضت مجالس األدب ،كما كان أكثر الناس غارقين في الجهل ،همهم
تيسير قوتهم وسبل معيشتهم.
لقد رعى عدد من حكام الشام وماردين ومماليك مصر من المستعربين الشعر
والشعراء وأصبح الشعر شائعاً بين مختلف طبقات المجتمع يتخذونه وسيلة للتسلية
والتفكه وتزجية الوقت في المجالس حيناً ،وللجد والعبرة في حين آخر .وقد نظم
الشعراء في مختلف األغراض كالمدح والفخر والحماسة والغزل والوصف والزهد
والتصوف والهجاء والمجون والخمريات.
وأصدقاءهم وفضالء الناس ،وهجوا من هجوا وانتشر
َ فمدح الشعراء أمراء عصرهم
المديح النبوي وشاع في عصر هدد فيه الصليبيون ديار المسلمين ومقدساتهم في
بالد الشام ومصر ،يستغيثون به ويطلبون عونه ويحثون الناس على االقتداء به
وبسيرته لرد المعتدين حتى ألفت في مدائحه دواوين كثيرة ،واشتهر في هذا العصر
البوصيري صاحب البردة القصيدة المشهورة التي مطلعها:
104
صفي الدين الحلي
الحلّي الطائي ،ولد في الحلة سنة (677هـ)
هو عبد العزيز بن سرايا بن نصر ِ
ألسرة على شيء من اليسار وسعة الحال ألحقته بال ُك ّتاب ،فتعلم القراءة والكتابة،
وحفظ األشعار ،وتدرب على ركوب الخيل ،وقد نظم الشعر في سن مبكرة.
في بداية حياته قتل خاله في حوادث جرت في مدينته الحلة ،خاض صفي الدين
غمارها فاظهر بطولة وفروسية ،وقد امتدت فاضطر إلى الرحيل إلى بغداد ،ووصل
في رحلته إلى (ماردين) ومدح أميرها الملك نجم الدين غازي بن أرتق ،فاكرمه
إكراماً بالغاً ،ونظم فيه صفي الدين ديواناً ،كانت حروف قوافيه على حروف
المعجم ،فهو يضم تسعاً وعشرين قصيدة كل قصيدة على حرف روي ،وفي كل
قصيدة تسعة وعشرون بيتاًّ ،
أسماه (درر النحور في مدائح الملك المنصور)،
ومدحه بقصائد أخرى ،كما مدح ابنه بعده ،وطاف في بالد الشام حتى استقر في
مصر زمناً ،وأخيراً توفي في بغداد في سنة (750هـ) حين انتشر الطاعون ،فأتى
عليه عن ثالث وسبعين سنة من العمر .
جمع صفي الدين الحلي ديوانه في حياته ،وقد نظم في أغراض الشعر العربي المعروفة
كالمدح والفخر والحماسة والرثاء والخمريات والغزل والشكوى والهجاء واأللغاز،
وقد أخذ على نفسه أال يمدح أحداً وال يهجو أحداً ،بل نظم في مدح الرسول الكريم
وآل بيته األطهار ،وفي الفخر بآبائه وأعطى صحابة الرسول الكريم حقهم من حبه
(للدرس) ومديحه بال تعصب ،يقول :
105
آثاره:
خلّف صفي الدين الحلي بعده آثاراً أدبية كثيرة منها:
-1ديوانه.
البديع.
-8الرسالة التوأمية.
106
قال صفي الدين الحلي يفخر بقومه :
(للحفظ 8 :أبيات)
()3 ِد ّنـــــــا األعـــادي كــــما كانوا يَدينونــا العــراق َو َقـ ْد
ِ زوراء
ِ يــا يـــــو َم وقــــع ِة
()4 ـــن َ
بــات يغزونـــا إلاّ لِنـــغـــزو بــــها َم ْ ســـومـــ ٍة
ــم ٍر مــــــاربـــطناهـــــا َم َّ ُ
بض َّ
()5 ْ
صــارت شــواهـــيـنــا تـــوه ْ
ــمـت ّ
أنــها ّ َّ
إن الــزرازيــ َر ل ّمـــا قـــا َم قــــــائ ُمهــــا
لـيس يــؤذينا
ــن َأن نــبتــدي بـــاألذى َم ْ ُ
أخـــالقنا شـــرفــــــــاً ْ ّإنـــا لَــقو ٌم ْ
أبــت
()7 ُخـــضـ ٌر مـــرابـــعُــنا حـمــ ٌر مـواضينـا ٌ
بيـــض صنـــائعُنــا ســــو ٌد وقــائـعُـنــا
107
اللغة :
- 1البيض :السيوف.
108
التعليق النقدي
هذه القصيدة واحدة من روائع شعر الحماسة وغرره على مدى العصور األدبية
المختلفة ،يخاطب بها صفي الدين الحلي على عادة الشعراء العرب امرأة يتوهمها
في فكره ،ويدعوها ألن تسأل الرماح العالية ،وهي أدرى يوم المعركة بشجاعتهم،
وتطلب شهادة السيوف وهي أعلم ،في يوم اللقاء تسألها هل خيبوا األمل أو
تخاذلوا ،واالستفهام هنا يراد به النفي ،يريد أنهم لم يخيبوا الرجاء فيهم ،فقد سعوا
بعزائم لم تهن عن تحقيق أهدافها ولم تضعف في أخذ الثأر من أعدائهم وواتريهم.
ويذكر وقعة الزوراء حين ثار وصحبه ثأراً لمقتل خاله ،فردوا عليهم ضربتهم يوم
تقدموا بجياد ضامرة أصيلة ،وقابلوا غزوة أعدائهم بمثلها ،قاد المعركة وأسهم
فيها فتية يستجيبون للنداء،ال يترددون وال يسألون عن الهدف وال عن السبب،
َ
ماكان برهانا في النائبات على ال يسألون أخاهم َ
حين يطلبهم
فهم قوم يقيمون العدل كالميزان ال خيانة فيه ،وهم جبابرة فراعنة عتاة إن خوصموا،
ينتقل بعد ذلك الى خصومهم ،فيصورهم بُغاثاً ضعيفة ال تستطيع لقاءهم وهم النسور
ً
طويال حتى إذا أمكنتهم الفرصة القوية ،لقد ُذ َّل أولئك الخصوم لسيوفهم زمناً
اظهروا حقدهم وعداوتهم وتلك سمة الجبان الغادر ،وأخيراً يفخر بقومه ،فهم ذو
أخالق وأدب ج ّم ،ال يبتدؤون اآلخرين باألذى والعدوان ،أعمالهم واضحة بيضاء،
وحروبهم نار وظالم وقتام على أعدائهم ،ومرابعهم خصبة خض ُر وسيوفهم حم ُر
109
من دماء أعدائهم ،كما أنهم ذو همم عالية وإقدام ال يقف العجز في سبيل تحقيق
هذا مقطع من واحدة من غرر روائع أدبنا العربي ،كانت صادقة العبارة بينة الفكرة
فاألفكار تتسلسل دونما تعقيد وال تكلف ،فال تكاد ترى ما فيها من فنون البالغة وإن
وردت فقد وردت عفواً دون تصنع وال قصد إليها ،جاءت المقابلة والمطابقة بين
بيض وسود ،وخضر وحمرّ ،
وكنى عن صغر خصومه وضعفهم وهوانهم بأنهم
زرازير وعن قوة قومه وقوتهم وشموخهم وسموهم ّ
كنى بالشواهين .
أسئلة للمناقشة
-1ما مناسبة القصيدة ،وفي َم قيلت؟
-2ماذا تعني كلمة (الزوراء) ؟
-3استخرج بيتين من القصيدة تراها في الفخر.
ِ -4ب َم استحقت هذه القصيدة البقاء؟
-5ما صلة األلوان ورموزها بالعلم العراقي؟
110
الموسوي
ّ ابن َمعتوق
هو شهاب الدين بن أحمد الموسوي الحويزي المعروف بابن معتوق ،من السادة
أمراء الحويزة ،ولد في الحويزة ،موطن آبائه ،في سنة (1025هـ) وبها ترعرع
وتعلم ،وتثقف بما كان سائداً في عصره من معارف .كعلوم العربية وآدابها شعرها
ونثرها ونحوها وصرفها ،وعلوم القرآن الكريم والحديث الشريف والتاريخ ،وبدا
ذلك جلياً في شعره .وقد ولد فقيراً ضعيف الحال ،فرعاه أمراء الحويزة وأكرموه
وعائلته ولذا كان ُّ
جل شعره في مدحهم وبيان أفضالهم عليه.
خلف ابن معتوق الموسوي ديوان شعر جمعه من بعده ابنه (معتوق) وهومطبوع،
يحتاج قارئه إلى العودة الى المعجم لمعرفة كثير من ألفاظه غير المألوفة في
االستعمال ،كما أنه يميل إلى اإلغراب والصناعة اللفظية وفنون البديع والبيان .
توفي ابن معتوق في شهر شوال من سنة (1087هـ) ،إثر إصابته بالفالج ،ومن
قصيدة له في مدح رسول اهلل (صلى اهلل عليه وآله وصحبه وسلم) وآل بيته األطهار قال:
(للحفظ 8 :أبيات)
ِّهــم والء ُه ْم وسقاني شكراَ آلالء ربــــي ُ
()1 كــــأس ُحب ِ
َ َ حيث ألهمنـــي
صـولهــــم ِ ()2
فـرع ِم ْ ُ
فخراً بأنـي ٌ تشر ْف ُت فيهم ُم ْح ِتداً وكفـــــــى
ـن أ ِ لقد َّ
111
نـفـسي ويـاخـَ َجـلي منــ ُه َ
وياندمي ُ
جـنـيت علـــى أسـتغـفـ ُر اهلل ّممـا قـد
اللغة :
- 1آالء :نعم.
ألهمني :علمني.
الح ّب والمتابعة.
الوالءُ :
ً
أصال. ُ - 2مح ِتداً:
- 3أُعزى :أُ َ
نس ُب.
الِنجار :األصل.
- 4خذ بيدي :أَ ّ
عني وساعدني
الح ْمل.
العبءِ :
-5المعاد :يوم القيامة.
- 6يُفضي :يُوصل.
112
التعليق النقدي
هذه أبيات انتزعناها من قصيدة البن معتوق الموسوي قالها في مدح الرسول
الكريم (ص) وآل بيته األطهار (ع) ،عارض فيها قصيدة البوصيري المشهورة بـ
(البردة) التي مطلعها:
مزجت دمعاً جرى ِم ْن مقل ٍة ب َد ِم
َ جيران بذي َسلَ ِم
ٍ أ ِم ْن تذ ِكر
أن ينظم الشاعر قصيدته على وزن وقافية قصيدة لشاعر آخر ،وهكذا والمعارضة ْ :
فعل ابن معتوق الموسوي.
حب رسول اهلل وآله،
فهو في هذه األبيات يشكر اهلل على نعمه البالغة ،إذ ألهمه ّ
وسقاه محبتهم وشرفه بها ،وهو وان كان ينتمي للدوحة العلوية ويرتبط برسول اهلل
بنسب كبير وفخر ،فهو منهم صليبة مع أنه يرى أنه من عبيدهم .
ً
حمال ال يستطيع النهوض ينتقل بعد ذلك ليطلب العون من رسول اهلل ،فهو يحمل
فيالخجلِ ِه منه إذ يالقيه! ويا لَند ِم ِه على
َ آثام ومعاص ٍ يستغفر اهلل منها،
به من ٍ
مااقترف! فمن شفيعه يومذاك إن لم يكن رسول اهلل شفيعه؟ فهو محتاج لنصرته
مما يسوؤه ،وهو المحب للرسول وآله حباً ال انقطاع له ،ولو فنيت عظامه وبليت.
وهو يرتبط بهم بالوالء ،ينثر الدمع في حبهم ،وينظم الشعر فيهم وألجلهم ،فسالم
عليهم ماسكر محبوهم بمودتهم .
أراد الشاعر في هذه القصيدة معارضة البردة للبوصيري ومحاكاتها في مدح رسول
ّ
(ص)وأنى له ذلك ،فما بلغ شأوه ،وال قرب من مضماره ،فالصنعة واضحة اهلل
بيّنة ،وحتى األفكار فهي تكاد تكون مأخوذة من قصيدة البوصيري.
وتلك سمة لشعر هذا العصر ،فال جديد فيه ،بل هو اجترار ألفكار السابقين من
الشعراء.
113
أسئلة للمناقشة
114
المحتويات
3 -1مقدمة ........................................
4 -2مقدمة عن العصر العباسي ........................
8 -3القسم األول -العصر العباسي ....................
-4الخصائص الفنية للنثر والشعر في هذا العصر 9 ....
12 -5دعبل الخزاعي .................................
15 -6البحتري .....................................
22 -7المتنبي .......................................
28 -8الشريف الرضي ................................
32 -9ابن الفارض . ..................................
39 -10ال ُك ّتاب /ابن المقفع ..........................
42 -11الجاحظ .....................................
46 -12ابن العميد ..................................
50 -13بديع الزمان الهمذاني .........................
51 -14المقامة .....................................
52 -15المقامة البغدادية ..............................
-16أثر الحروب الصليبية في األدب 58 ..................
60 -17الشعر /أسامة بن منقذ.........................
67 -18األبيوردي ...................................
73 -19النثر /القاضي الفاضل ........................
-20القسم الثاني -األدب العربي في األندلس 79 ..........
-21مقدمة في اتجاهاته وفنونه 79 ......................
81 -22ابن زيدون ...................................
85 -23الموشحات ...................................
87 -24لسان الدين بن الخطيب ........................
93 -25النثر /الخطابة .............................
94 الرسائل ...............................
94 المناظرات ..............................
95 المقامات................................
115
85 -26ابن شهيد األندلسي .........................
-27توابع الشعراء -شيطان امرئ القيس 96 ...........
-28األدب في العصور المتأخرة 100 ....................
103 -29الشعر والنثر .. ............................
105 -30صفي الدين الحلي ..........................
111 -31ابن معتوق الموسوي .........................
115 -32المحتويات .........................
116