Professional Documents
Culture Documents
أحمد األلفى
يعرف الشمول المالى financial inclusiveبأنه اتاحة الخدمات المالية والمصرفية لجميع فئات المجتمع
بمختلف شرائح الدخول بتكلفة معقولة وبجودة عالية وبانتشار جغرافى كبير ،وتتضمن هذه الخدمات المالية و
المصرفية خدمات المدخرات و االئتمان القصير و الطويل األجل و التأجير التمويلى و تحويل المرتبات و
التأمين و الرهون العقارية للمساكن و بطاقات االئتمان و التحويالت المالية المحلية و الخارجية ،وما الى ذلك
من خدمات مالية و مصرفية متعددة سواء كانت تقليدية أو رقمية.
مؤخرا بموضوع الشمول المالى ,وذلك فى أعقاب نشر كل من البنك ً وانشغلت األوساط المالية والمصرفية
الدولى و األمم المتحدة احصائيات عالمية تبين أوجه القصور فى عدم حصول معظم سكان العالم على الخدمات
المالية و المصرفية ،وال سيما فى العالم العربى ،حيث يحصل حوالى %18فقط من السكان على الخدمات المالية
و المصرفية بينما ال يحصل السواد األعظم من السكان و بنسبة %82على الخدمات المالية و المصرفية.
أى أن حوالى خمس السكان العرب فقط يتعاملون مع البنوك و لديهم حسابات مصرفية ,بينما أربعة أخماس
السكان العرب – أى الغالبية العظمى منهم – ال تعرف التعامل مع البنوك و ليس لديها حسابات مصرفية ,هذا
على مستوى العالم العربى.
أما على المستوى العالمى فان الوضع ال يختلف كثيرا عنه فى العالم العربى الكبير من المحيط الى الخليج ,
فطبقًا ألرقام البنك الدولى فإن نصف البالغين في أنحاء العالم ،أى حوالى 2.5مليار نسمة ،ال يحصلون على
خدمات مالية و مصرفية باإلضافة إلى أن % 75من الفقراء ال يتعاملون مع البنوك بسبب ارتفاع التكاليف و بُعد
المسافات والمتطلبات المعقدة في معظم األحيان لفتح حساب مصرفى ,وبالتالي ال يدخر سوى نحو % 25من
البالغين في العالم الذين يكسبون أقل من دوالرين للفرد الواحد يوميًا أموالهم في مؤسسات مالية رسمية.
ومع تحفظنا الشديد على حد الدوالرين الواحد كمقياس و كحد دولى لخط الفقر ,فعند هذا الحد أو الخط الذى ال
يمكن أن يسمح بأى هامش من األدخار ببساطة شديدة ألنه بمثابة حد كفاف ال يكفى أو قد يكفى بالكاد
الشباع الحاجات االساسية لمجرد بقاء االنسان على قيد أوعلى هامش الحياة من جهة.
ومن جهة أخرى فان معظم هؤالء القابعين على خط الفقر أو دونه لديهم أسر وعائالت ينفقون عليهم من هذين
الدوالرين ,فاذا كان قوام األسرة المعيلة بدوالرين يوميا أربعة أفراد مثال ,فان خط الفقر الدولى هذا يهبط
الى نصف دوالر فقط للفرد يوميا ,وعلي هذا الفرد أن يبادر بفتح حساب مصرفى يدفع عليه للبنك عمولة تدنى
الرصيد ليحقق الشمول المالى و يفيد االقتصاد ! ليحقق الشمول المالى الهدف الذى فشل البنك الدولى فى
تحقيقه على مدى ستة عقود أال وهو القضاء على الفقر العالمى ,وما البنك الدولى و توأمه صندوق النقد الدولى
اال رعاه دوليين النتشار رقعة الفقر العالمى.
و أسفر هذا االنشغال عن عقد عدة مؤتمرات داعمة و محفزة للشمول المالى فى العالم العربى اعماال لالعالن
العالمى لألمم المتحدة لحقوق االنسان والذى تضمن الحق فى الحصول على االئتمان باعتباره حقا اصيال من
حقوق االنسان ,و دائما ما تعرب األمم المتحدة عن قلقها و أرقها الدائم من جراء عدم حصول 2.5مليار نسمة
فى العالم على حقوقهم الطبيعية فى كل من االئتمان و الخدمات المصرفية ,حتى بات الحق فى اتاحة
الشمول المالى للشعوب يؤرق االمم المتحدة بدرجة أرق تعادل – وربما تفوق – درجة أرقها و قلة نومها
ازاء عدم انتشار السالم العالمى و ال سيما فى فلسطين!!.
و يشارك البنك الدولى األمم المتحدة فى هذا األرق العالمى الكبير بسبب خروج 2.5مليار نسمة من دائرة
الشمول المالى ,ولكن ال يؤرقهما على االطالق انتشار رقعة الفقر بسبب النهب المنظم للموارد من الجنوب الى
الشمال واستضافة بنوك الشمال ألموال كافة الحكام الفسدة للجنوب برعاية دولية و أممية!!
و بعيدا عن األرق المزمن لألمم المتحدة و البنك الدولى فمن الناحية االقتصادية المجردة ,يحقق تعزيز الشمول
المالى على مستوى األقتصاد الكلى لالقتصاد عدة مزايا و وفورات اقتصادية كبيرة محفزة و داعمة للنمو
االقتصادى عن طريق دوران األموال داخل المنظومة المالية و المصرفية و تحويل المجتع من مجتمع نقدى
يتعامل بالنقود عدا و نقدا الى مجتمع غير أو ال نقدى يتعامل بأدوات الدفع المالية و المصرفية.
وفى سبيل تعزيز الشمول المالى قامت عدة دول باتخاذ اجراءات اصطناعية لتوسيع قاعدة المتعاملين مع
القطاعين المالى و المصرفى من أهمها ميكنة مرتبات العاملين بتحويلها للبنوك لصرفها من ماكينات الصارف
األلى التى تشهد تكدسا كبيرا فى أيام صرف المرتبات ,وذلك لعدم كفاية البنية األساسية التكنولوجية المصرفية
لخدمة هذا العدد الكبيرمن عمالء الشمول المالى الجبرى!.
ومن أهم العوامل المقيدة للشمول المالى فى الدول النامية ،العوامل التالية:-
1-تدنى مستويات الدخول الفردية
تعانى الدول النامية من انخفاض الناتج القومى المحلى األجمالى ,ومن ثم تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل
القومى و انخفاض فى مستويات المعيشة ,و يتبلور ذلك فى تراجع معدالت االدخار القومى لعدم كفاية الدخل
للمتطلبات المعيشية لغالبية السكان ,وال سيما فى المناطق غير الحضرية ,لذلك تنعدم امكانيات تعاملهم مع
البنوك و المؤسسات المالية بشكل عام بسبب عدم كفاية الدخول.
2-االختالل و عدم العدالة فى توزيع الدخل القومى
وفضال عن تدنى مستويات الدخول الفردية عدم العدالة فى توزيع الدخل القومى فى الدول النامية ,فان عدم
العدالة فى توزيع الدخل القومى تظهر جليا فى هذه الدول مقارنة بالدول المتقدمة ,حيث تستأثر قلة بالدخول
المرتفعة و تترك الفتات لغالبية السكان ,وال تعرف هذه المجتمعات الحد األدنى و ال الحد األقصى لألجور كاّلية
للحد من االختالالت فى توزيع الدخل القومى ,لذا تكون الفرصة شبه معدومة أمام الغالبية العظمى من السكان
للتعامل مع البنوك الذى يتطلب حد أدنى من المال ال تتيحه لهم دخولهم بشكل عام.
3-ارتفاع معدالت الفقر و العوز
ولقد أسفر كل من تدنى مستويات الدخول الفردية و عدم العدالة فى توزيع الدخل القومى فى الدول النامية عن
تزايد معدالت الفقر فى هذه الدول بشكل كبير ,حيث يقع حوالى % 50من السكان تحت خط الفقر الدولى و
المحدد دوليا بأقل من دوالرين فى اليوم – دون التفرقة بين مجتمع و اّخر و ال اقتصاد و اّخر – ويؤدى
ارتفاع معدالت الفقر الى ندرة المال المؤهل للتعامل مع البنوك و المؤسسات المالية بال شك.
4-ارتفاع معدالت البطالة
تسجل معدالت البطالة بالدول النامية معدالت مرتفعة للغاية مقارنة بالدول المتقدمة ,حيث يعجز االقتصاد عن
خلق الوظائف بسبب قصور االدخار المحلى و عدم كفايته لتمويل االستثمار المحلى الالزم لتوليد فرص العمل
الجديدة من جهة ,ومن جهة أخرى ال يستوعب القطاع االقتصادى األولى العمالة المحلية بالكامل ,و يترتب
على ذلك وجود شريحة كبيرة عاطلة من قوة العمل ليس لها دخل ,ومن ثم ال يمكن أن تتمتع بالخدمات المالية و
المصرفية النعدام الدخل.
5-ارتفاع معدالت التضخم
تسجل الدول النامية معدالت تضخم مرتفعة للغاية مقارنة بالدول المتقدمة ,ويختلف التضخم فى الدول النامية
عنه فى الدول المتقدمة فى كونه تضخم هيكلى ناشئ أساسا بسبب االختالل فى الهيكل االقتصادى بهذه الدول و
االعتماد المفرط على القطاع األولى (الزراعة و الصناعات االستخراجية) .
بينما يعد التضخم فى الدول المتقدمة مجرد ظاهرة نقدية تنشأ بسبب زيادة التيار النقدى على التيار السلعى فى
االقتصاد ’ لذلك يمكن احتوائها دائما بادوات السياسة النقدية المتعارف عليها ,لذلك تكون معدالت التضخم فى
الدول المتقدمة أقل بكثير من مثيلتها فى الدول النامية ,و تؤدى معدالت التضخم المرتفعة فى الدول النامية الى
تراجع القوة الشرائية لعمالتها و تفضيل االستهالك على االدخار نظرا للتراجع المستمر فى قيمة العمالت
المحلية بفعل معدالت التضخم المرتفعة التى تحد كثيرا من وظائف النقود كمستودع للقيمة ,لذلك تحد معدالت
التضخم المرتفعة فى الدول النامية من تمدد الشمول المالى.
6-زيادة حجم االقتصاد غير الرسمى
يبلغ حجم االقتصاد غير الرسمى فى الدول النامية حوالى %50من حجم االقتصاد ,حيث يعادل حجم االقتصاد
الرسمى فى بعض الدول ,و يفوق فى بعض الدول حجم االقتصاد الرسمى بمساحة كبيرة تبلغ فى بعضها %70
من حجم النشاط االقتصادى ,بينما ال يتجاوز حجم االقتصاد غيرالرسمى فى الدول المتقدمة %20من حجم
النشاط االقتصادى.
و بطبيعة الحال ال يروق لالقتصاد غير الرسمى التعامل مع البنوك و المؤسسات المالية ألنه اقتصاد يكره
األوراق و المستندات و ال يحب أن يكشف عن هويته أبدًا ,لذلك فان اتساع رقعة االقتصاد غير الرسمى فى
الدول النامية يعد بمثاية حجر عثرة أمام كافة استراتيجيات الشمول المالى.
7-ضعف مؤشر الكثافة المصرفية
تقاس الكثافة المصرفية بمؤشر عدد الفروع و /أو الوحدات لكل عشرة آالف نسمة من السكان ,ففى الدول
النامية يكون مؤشر الكثافة المصرفية ضعيفا للغاية ,حيث يتوفر لكل خمسين أو ستين ألف – و ربما مائة ألف
– نسمة من السكان فرع لبنك أو وحدة مصرفية ,بينما المؤشر الطبيعى أن يكون لكل عشرة آالف نسمة من
السكان وحدة مصرفية أو فرع لبنك.
لذلك يرتبط مؤشر الكثافة المصرفية بالشمول المالى بعالقة طردية مؤكدة ,فكلما زادت وانتشرت وحدات
البنوك و فروعها ,كلما زاد مستوى الشمول المالى و العكس صحيح تماما ,لذلك يعد ضعف مؤشر الكثافة
المصرفية عائقا للشمول المالى.
8-ارتفاع درجة التركز المصرفى و الجغرافى للبنوك
حيث تستحوذ عدة بنوك كبيرة على أكثر من % 50من السوق المصرفى من جهة ,ومن جهة أخرى تتركز
معظم فروع البنوك ووحداتها المصرفية فى األحياء و المناطق األعلى دخال و يندر تواجدها فى األحياء و
المناطق االقل دخال أو ذات الدخول المتوسطة ,وهذا التركز يعوق الشمول المالى بتكدس المعامالت فى بنوك
قليلة و حرمان البنوك الصغيرة األخرى منها من جهة ,ومن جهة أخرى يكرس التواجد المصرفى جغرافيا فى
األحياء الغنية و يهمل األحياء و المناطق األقل دخال.
9-ارتفاع معدالت االعالة
تعانى العديد من الدول النامية من مشكالت سكانية كبيرة ,ال تقتصر على زيادة السكان أو االنفجار السكانى
فحسب ,بل تتضمن عادات و تقاليد موروثة مثل كثرة االنجاب ,ومن ثم يكون عدد أفراد األسرة كبيرا ,و
يرتفع معدل االعالة فى االقتصاد ,و فى ظل انخفاض متوسط نصيب الفرد من الدخل القومى وانخفاض فى
مستويات المعيشة فى الدول النامية يكون دخل العائل غير كاف لالنفاق على عدد المعالين الكبير ,ومن ثم تنعدم
الفرص أمام هؤالء للحصول على الخدمات المالية و المصرفية لعدم كفاية الدخل بسبب ارتفاع معدل االعالة.
10-ضعف الوعى و الثقافة المصرفية
يعد ضعف الوعى و الثقافة المصرفية بمثابة العامل األقل تأثيرا ألنه عامل غير هيكلى ,لذا يمكن معالجته و
احتوائه بالحمالت االعالنية
و برغم هذه المعوقات التى تحد من تمديد الشمول المالى فى الدول النامية ,اال أنه خالل السنوات القليلة الماضية
قد ظهرت أنماط مختلفة من ُمقدِّّمي الخدمات المالية تتيح إمكانيات جديدة للفقراء من غير المتعاملين مع البنوك ,
وتتضمن هذه الجهات منظمات غير حكومية ،وجمعيات تعاونية ،ومؤسسات لتنمية المجتمعات المحلية ،وبنوك
تجارية وحكومية ،وشركات تأمين وشركات بطاقات االئتمان ،فضال عن مقدمي الخدمات السلكية والالسلكية
والتحويل البرقي ،ومكاتب البريد ،وغيرها من األنشطة التي تتيح الوصول إلى منافذ البيع ,و احتواء قطاع كبير
من الفقراء بادراجهم ضمن الشمول المالى المأمول.
ولكن يبقى اتساع رقعة الفقر و انخفاض – و ربما انعدام – الدخول بمثابة العائق الرئيسى للشمول المالى ,
فالحديث عن الشمول المالى فى ظل محدودية الدخول و عدم العدالة فى توزيعها سراب كبير لن يتححقق
بالمؤتمرات و ال بغيرها ,وأخيرا لن يتحقق الشمول المالى اال بمحو أسباب عدم تحققه و فى مقدمتها عدم وجود
الدخول أو تدنيها.
–CNAمقال بقلم ،،أحمد األلفى ،الخبير المصرفى
مديرا بأحد البنوك المصرية ..له مؤلفات عديدة فى المجاالت المصرفية والمالية ً الكاتب ..مصرفى يعمل
http://www.cashnewseg.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D9%88%D9%84-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-
/%D8%AE%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1