You are on page 1of 161

‫دراسات ‪١٣‬‬

‫لسانيات المتون‬
‫قضايا أساسية‬
‫والتطبيق املتون‬
‫والمنهج‬ ‫في التأصيل ل�سانيات‬
‫ق�ضايا �أ�سا�سية يف الت�أ�صيل والتطبيق واملنهج‬
‫دراسات ‪١٣‬‬ ‫تأليف‬

‫د‪ .‬صالح بن فهد العصيمي‬


‫د‪ .‬صالح بن فهد العصيمي‬
‫دراسات ‪١٣‬‬

‫ل�سانيات املتون‬
‫ق�ضايا �أ�سا�سية يف الت�أ�صيل والتطبيق واملنهج‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬صالح بن فهد العصيمي‬


‫لسانيات املتون‬
‫قضايا أساسية يف التأصيل والتطبيق واملنهج‬
‫الطبعة األوىل‬
‫‪ 1439‬هـ ‪ ٢٠١٨ -‬م‬
‫مجيع احلقوق حمفوظة‬
‫اململكة العربية السعودية ‪ -‬الرياض‬
‫ص‪.‬ب ‪ 12500‬الرياض ‪11473‬‬
‫هاتف‪00966112581082 - 00966112587268:‬‬
‫الربيد اإلليكرتوين‪nashr@kaica.org.sa :‬‬

‫مركز امللك عبداهلل بن عبدالعزيز الدويل خلدمة اللغة‬


‫العربية‪1439 ،‬هـ‪.‬‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النرش‬
‫العصيمي‪ ،‬صالح فهد‬
‫التصميم واإلخراج‬ ‫لسانيات املتون‪ /.‬صالح فهد العصيمي ‪ -.‬الرياض‪1439 ،‬هـ‬
‫‪١٦٠‬ص؛ ‪ ١٧‬سم‪ -‬دراسات‪١٣ :‬‬
‫ردمك‪978- 603- 8221- ٠٨- ٢ :‬‬
‫‪ - 1‬علم اللغة أ‪.‬العنوان‪،‬‬
‫ب‪ .‬السلسلة‬
‫ديوي ‪1439/٣١٥٦ ٤٠١‬‬
‫رقم اإليداع‪1439/٣١٥٦ :‬‬
‫ردمك‪978- 603- 8221- ٠٨- ٢ :‬‬

‫اليسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب‪ ،‬أو نقله يف أي شكل أو وسيلة‪،‬‬


‫سواء أكان إلكرتونية أم يدوية أم ميكانيكية‪ ،‬بام يف ذلك مجيع أنواع تصوير املستندات بالنسخ‪ ،‬أو‬
‫التسجيل أو التخزين‪ ،‬أو أنظمة االسرتجاع‪ ،‬دون إذن خطي من املركز بذلك‪.‬‬
‫الإهداء‬
‫إىل من عوضتني عن فقد والديت رمحها اهلل‪،‬‬
‫إىل أختي الغالية لؤلؤة قلبي ونبض فؤادي‬
‫أم سعود حفظها اهلل‪.‬‬
‫املحتويات‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫مقدمة املؤلف ‬

‫‪13‬‬ ‫اجلزء األول‪ :‬القضايا األساسية ‬

‫‪15‬‬ ‫لسانيات املتون وعلوم اللغة ‬


‫‪15‬‬ ‫خمطط الفصل‪ :‬‬
‫‪16‬‬ ‫لسانيات املتون (‪ ،)Corpus Linguistics‬تعريفه وحدوده‪ :‬‬
‫‪18‬‬ ‫ترمجات مصطلح لسانيات املتون‪ :‬‬
‫‪19‬‬ ‫ترمجة كلمة ‪ :Corpus‬‬
‫‪21‬‬ ‫ترمجة كلمة ‪ :Linguistics‬‬
‫‪22‬‬ ‫ترمجة الكلمتني معا ‪ :Corpus Linguistics‬‬
‫‪24‬‬ ‫لسانيات املتون واللسانيات احلاسوبية‪ :‬‬
‫‪26‬‬ ‫تاريخ لسانيات املتون‪ :‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬عدم استخدام كلمة ‪ Corpus‬مع وجود اجتاه يستخدم منهجا‬
‫‪26‬‬ ‫مماثال للسانيات املتون‪ :‬‬
‫‪27‬‬ ‫املرحلة الثانية‪ :‬فرتة الركود‪ ،‬فرتة اخلمسينيات من القرن العرشين‪ :‬‬
‫‪28‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪ :‬فرتة نمو ثانية ‪ -‬دون تسمية متون‪ :‬‬
‫‪32‬‬ ‫فرتة استقرار التسمية والتأصيل واالزدهار‪ :‬‬
‫‪33‬‬ ‫جماالت استخدام املتون يف الدراسات اللغوية‪ :‬‬
‫‪34‬‬ ‫املتون مصدر للبيانات الطبيعية‪ :‬‬
‫‪34‬‬ ‫املتون واللسانيات‪ :‬‬
‫‪35‬‬ ‫املتون ودراسة املنطوق‪ :‬‬
‫‪36‬‬ ‫املتون ودراسة النحو‪ :‬‬

‫‪-4-‬‬
‫‪37‬‬ ‫املتون والدراسات املعجمية‪ :‬‬
‫‪39‬‬ ‫املتون ودراسة العالقات الداللية‪ :‬‬
‫‪40‬‬ ‫املتون ودراسة التداولية‪ :‬‬
‫‪40‬‬ ‫املتون وحتليل اخلطاب‪ :‬‬
‫‪41‬‬ ‫املتون واللسانيات االجتامعية‪ :‬‬
‫‪42‬‬ ‫املتون واللهجات والتنوعات الكالمية‪ :‬‬
‫‪43‬‬ ‫املتون واألسلوبية ولسانيات النص‪ :‬‬
‫‪44‬‬ ‫املتون واالكتساب اللغوي وتدريس اللغة‪ :‬‬
‫‪46‬‬ ‫املتون واللسانيات التارخيية‪ :‬‬
‫‪47‬‬ ‫املتون واللسانيات النفسية‪ :‬‬
‫‪48‬‬ ‫املتون والدراسات الثقافية‪ :‬‬
‫‪49‬‬ ‫املتون واللسانيات اجلنائية‪ :‬‬
‫‪49‬‬ ‫املتون والدراسات التقابلية والرتمجية‪ :‬‬
‫‪50‬‬ ‫املتون وعلم النفس االجتامعي‪ :‬‬
‫‪51‬‬ ‫جماالت إسهام املتون يف التطبيقات احلاسوبية وهندسة اللغة‪ :‬‬
‫‪51‬‬ ‫وسم نوع الكلمة (‪ :)Part-of-speech tagging‬‬
‫‪51‬‬ ‫املعجم اآليل‪ :‬‬
‫‪52‬‬ ‫التحليل النحوي عىل مستوى اجلمل والرتاكيب (‪ :)Parsing‬‬
‫‪52‬‬ ‫اإلفادة من املتن متعدد اللغات‪ :‬‬
‫‪53‬‬ ‫خامتة‪ :‬‬
‫‪55‬‬ ‫املصادر واملراجع‪ :‬‬
‫‪55‬‬ ‫املراجع العربية‪ :‬‬

‫‪-5-‬‬
‫‪56‬‬ ‫املراجع األجنبية‪ :‬‬
‫‪58‬‬ ‫مواقع الشبكة العنكبوتية‪ :‬‬
‫‪59‬‬ ‫اجلزء الثاين‪ :‬التطبيقات ‬

‫‪61‬‬ ‫خمطط الفصل‪ :‬‬


‫‪62‬‬ ‫مقدمة‪ :‬‬
‫‪65‬‬ ‫ميزات املتون اللغوية‪ :‬‬
‫‪71‬‬ ‫اجلدل الدائر حول استخدام املتون يف الفصل الدرايس‪ :‬‬
‫‪76‬‬ ‫إمكانات املتون وحدودها‪ :‬‬
‫‪79‬‬ ‫أنواع املتون‪ :‬‬
‫‪82‬‬ ‫مظاهر (عنارص) لغوية تفيد من املتون‪ :‬‬
‫‪82‬‬ ‫تدريس احلروف‪ :‬‬
‫‪83‬‬ ‫تدريس املفردات‪ :‬‬
‫‪85‬‬ ‫تدريس الرصف‪ :‬‬
‫‪86‬‬ ‫تدريس العبارات (املتواليات أو املتصاحبات)‪ :‬‬
‫‪89‬‬ ‫تدريس النحو والنحو املعجمي‪ :‬‬
‫‪90‬‬ ‫تدريس األسلوب‪ :‬‬
‫‪91‬‬ ‫تدريس االستامع‪ :‬‬
‫‪92‬‬ ‫تدريس الكالم‪ :‬‬
‫‪93‬‬ ‫تدريس القراءة‪ :‬‬
‫‪94‬‬ ‫تدريس الكتابة‪ :‬‬
‫‪94‬‬ ‫تدريس الثقافة‪ :‬‬

‫‪-6-‬‬
‫‪95‬‬ ‫من يستخدم املتن يف تدريس اللغة وكيفية ذلك‪ :‬‬
‫‪101‬‬ ‫التعلم املوجه بالشواهد (‪ :)Data-Driven Learning:DDL‬‬
‫‪104‬‬ ‫متى يمكن للمتعلم اإلفادة من املتون اللغوية‪ :‬‬
‫‪106‬‬ ‫خامتة وتوصيات‪ :‬‬
‫‪107‬‬ ‫املراجع (العربية فاإلنجليزية)‪ :‬‬

‫‪107‬‬ ‫العربية‪ :‬‬


‫‪108‬‬ ‫اإلنجليزية‪ :‬‬
‫مواقع املتون واملدونات املذكورة يف البحث عىل الشبكة (العربية فاإلنجليزية)‪118 :‬‬

‫‪118‬‬ ‫مواقع الشبكة العنكبوتية‪ :‬‬


‫‪119‬‬ ‫اجلزء الثالث‪ :‬التأصيل املعريف واملنهجيات (قضايا متقدمة) ‬

‫‪121‬‬ ‫خمطط الفصل‪ :‬‬


‫‪122‬‬ ‫متهيد‪ :‬تأصيل إبستمولوجلي‪ :‬‬
‫‪124‬‬ ‫مصطلحات منهجية‪ :‬‬
‫‪131‬‬ ‫إشكاالت مثارة ضد لسانيات املتون‪ :‬‬
‫‪139‬‬ ‫إجابات املؤيدين للسانيات املتون‪ :‬‬
‫‪143‬‬ ‫التأمل يف لسانيات املتون ويف اللسانيات بعامة‪ :‬‬
‫‪147‬‬ ‫إعادة النظر يف منهجيات لسانيات املتون ‬
‫‪154‬‬ ‫خامتة‪ :‬‬
‫‪156‬‬ ‫املراجع (العربية واملرتمجة ثم اإلنجليزية)‪ :‬‬

‫‪-7-‬‬
-8-
‫املقدمة‬

‫احلمد هلل الذي أنعم عيل بإنجاز هذا الكتاب حول لسانيات املدونات (املتون‪،‬‬
‫ومن هنا سأستخدم هذا املصطلح) وحول قضايا رئيسة يدور حوهلا اجلدل العلمي يف‬
‫التأصيل املعريف (اإلبستمولوجي)‪ ،‬والتطبيقات‪ ،‬واملناهج املتعددة هلا‪.‬‬
‫موجه للقراء املهتمني واملختصني عىل اختالف مستوياهتم؛ فقد أمل ّ‬ ‫هذا الكتاب ّ‬
‫بموضوعات شتى يف هذا امليدان املهم‪ .‬ويمكن للمبتدئ أن يقرأ الكتاب ما عدا فصله‬
‫الثالث الذي ُقصد أن يعالج ‪-‬بيشء من العمق‪ -‬قضايا إبستمولوجية متقدمة‪ .‬كام‬
‫يمكن ملن لديه خربة أن يتجاوز بعض مباحثه يف الفصل األول‪.‬‬
‫وقد كان اهلدف منه تعريف قراء العربية بمسائل لسانيات املتون وقضاياها املختلفة‬
‫يف العامل املتقدم؛ لكنه مع ذلك ‪-‬وهذه ميزة الكتاب وإسهامه العلمي‪ -‬مل يتجاهل‬
‫التأصيل الرتاثي لبعض القضايا ذات الصلة وال األمثلة الشارحة أو املقرتحة ليسدّ‬
‫فراغا يف املكتبة العربية واملعرفة العامة‪.‬‬
‫وإذا حتدثنا عن قيمة املحتوى يف هذا الكتاب ففصوله قد نرشت بعد حتكيم دقيق‬
‫معمق يف جمالت علمية حمكمة مرموقة تنتسب جلامعات عريقة أو ملرجعيات أو هيئات‬ ‫ّ‬
‫ذات سلطة (كمركز امللك عبداهلل الدويل خلدمة اللغة العربية) باإلضافة إىل متويل‬
‫بحثي‪ ،‬أو ورشة عمل مع خمتصني (كجامعة األمرية نورة بنت عبدالرمحن)‪ ،‬أو مؤمتر‬
‫علمي‪ ،‬باإلضافة إىل التحديث املستمر واملتابعة ملا حيدث يف امليدان من واقع املؤمترات‬

‫‪-9-‬‬
‫العلمية واملجالت املتخصصة وما يرد من أسئلة واستفسارات من الباحثني واملهتمني‪.‬‬
‫فالفصل األول منه يتحدث عن قضايا أساسية يف التعريف والرتمجة والتأريخ‬
‫واملجاالت البحثية يف العلوم اللغوية عامة وقد نرش عام ‪ 2013‬يف جملة كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ ،‬ظهر املزار‪-‬فاس‪ ،‬جامعة سيدي حممد بن عبداهلل‪ ،‬العدد ‪ -19‬السنة‬
‫اخلامسة والثالثون‪ ،67-37 :‬بعنوان لسانيات املتون وعلوم اللغة‪ .‬والقى البحث‬
‫قبوال بني أوساط طالب الدراسات العليا والباحثني‪ ،‬و ُطلب مني مرات عديدة؛ وهلذا‬
‫ضمن يف هذا الكتاب‪.‬‬ ‫قررت أن ُي ّ‬
‫أما الفصل الثاين فيناقش بعض التطبيقات العملية يف جمال تعليم اللغة‪ ،‬وقد كانت‬
‫مولته عامدة البحث العلمي بجامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬ ‫فكرته مرشوعا بحثيا ّ‬
‫يف اململكة العربية السعودية برقم (‪ ،)341003‬ثم نرش البحث عام (‪)2016/1437‬‬
‫بعنوان لسانيات املتون وتطبيقاهتا يف تعليم اللغة الثانية يف جملة العلوم العربية‪ ،‬جامعة‬
‫اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬العدد األربعون‪ ،‬رجب ‪.411-347 :1437‬‬
‫ويتحدث الفصل الثالث عن التأصيل املعريف (اإلبستمولوجي) واملنهجيات‬
‫فقد ناقش بيشء من العمق اجلدل الدائر حول لسانيات املتون (املدونات) اللغوية‬
‫(‪ ،)corpora language‬وحول استخدام املتون اللغوية يف الدرس اللغوي‪،‬‬
‫واإلشكاالت التي أوردها منتقدوها‪ ،‬واألجوبة التي طرحها املهتمون هبا‪ .‬وقد نرش يف‬
‫جملة اللسانيات العربية التابعة ملركز امللك عبداهلل الدويل خلدمة اللغة العربية (لسانيات‬
‫املتون بني القبول والرفض‪ :‬قضايا إبستمولوجية ومنهجية) العدد السادس‪ :‬ربيع اآلخر‬
‫‪ -1439‬يناير ‪.98-60 :2018‬‬
‫وقد كانت األمثلة التطبيقية املوجودة يف هذا الكتاب بفصوله الثالثة مدار نقاش‬
‫يف املؤمترات وامللتقيات التي أشارك فيها حتى تتبلور أفكارها وتنضج علميا عىل مدى‬
‫سبع سنوات (بني عامي ‪ ،)2017-2010‬فمن املؤمترات التي شاركت فيها ببعض‬
‫األفكار والتطبيقات‪:‬‬
‫‪1.1‬املؤمتر الدويل للغة العربية عن تفعيل اللغة العربية كعنرص حضاري‪ :‬مستقبل‬
‫اللغة العربية يف عرص العوملة بني األمل واليأس‪ ،‬الذي أقيم يف جاكرتا‪،‬‬
‫أندونيسيا عام ‪ ،2011‬وقد شاركت فيه بورقة بحثية عن بعض التطبيقات‬
‫العملية للمتون اللغوية يف تعليم اللغة العربية لغة ثانية‪.‬‬

‫‪-10-‬‬
‫‪ 2.2‬جلسات النقاش التحضريية لوضع اخلطة اإلسرتاتيجية لكلية اللغة العربية‬
‫بجامعة اإلمام املنعقدة يف ‪ ،1433‬وقد شاركت فيه بورقة عن اللغة العربية‬
‫والتقنية يف حمور (اللغة العربية والتقنية)‪.‬‬
‫‪3.3‬ورشة عمل بعنوان‪ :‬نامذج ألشهر املدونات اللغوية وجماالت البحث فيها‪،‬‬
‫التي أقامها كريس صحيفة اجلزيرة للدراسات اللغوية احلديثة عام ‪ ،1433‬يف‬
‫جامعة األمرية نورة بنت عبدالرمحن‪ ،‬الرياض‪ ،‬وقد شاركت فيها بورقتي عمل‬
‫عن (املدونات اللغوية وجماالت البحث فيها) بعنوان (استعراض املتن العريب‬
‫وكيفية اإلفادة منه يف الدرس اللغوي)‪ ،‬و(جماالت البحث اللغوي واألديب يف‬
‫املتون اللغوية وأمثلة عىل ذلك)‪.‬‬
‫ظلم باألكاديميني تنبع من عدم فهم‬ ‫ولعيل هبذا العمل أسقط هتمة طاملا ألصقت ً‬
‫ملاهية البحوث األكاديمية‪ ،‬هذه التهمة التي صارت ‪-‬أو كادت تكون‪ -‬قاعدة مطلقة‬
‫يروج هلا عىل أهنا حقيقة هي أن بحوث الرتقية ال قيمة هلا فعلية؛ إنام توضع عىل الرف‪،‬‬
‫وال يفاد منها يف واقع احلياة‪ .‬فهذه البحوث التي كانت لرتقيتي وهلل احلمد القت رواجا‪،‬‬
‫وطلبها مني الكثريون‪ ،‬مما دفعني إىل مجعها بني دفتي كتاب‪.‬‬
‫وال بد من شكر كل من أسهم يف إنجاز هذا العمل بداية بمركز امللك عبداهلل الدويل‬
‫عيل‬
‫يلح ّ‬
‫خلدمة اللغة العربية ممثال بأمينه النشيط الدكتور عبداهلل الوشمي الذي كان ّ‬
‫دائام بنرش البحوث والكتب حول املدونات (املتون) لتع ّطش اجلمهور العريب إىل مثل‬
‫هذا التخصص املفيد‪ .‬كام أشكر فريقا من الزمالء والطالب والباحثني الذين أثروا هذه‬
‫األعامل خالل مناقشايت معهم واستشاريت هلم يف كثري من املسائل املعروضة يف هذا‬
‫الكتاب وكذلك املحكمني الذي حكموا األعامل املضمنة يف هذا الكتاب‪.‬‬
‫وختاما أسأل اهلل أن جيعل عملنا خالصا لوجهه‪ ،‬وأن يكون هذا الكتاب مصدرا‬
‫لقراء العربية والباحثني فيها يلبي حاجتهم يف هذا امليدان املهم‪.‬‬

‫صالح بن فهد العصيمي‬


‫الرياض‬
‫‪1438/12/29‬هـ‬

‫‪-11-‬‬
-12-
‫اجلزء الأول‬
‫الق�ضايا الأ�سا�سية‬

‫‪-13-‬‬
‫بعد قراءتك هلذا الفصل تأمل املقوالت التالية‪:‬‬

‫األمثلة والشواهد املأخوذة من املتون تشبه الوجبة املعدّ ة واملطبوخة يف املنزل؛ بينام‬
‫تشبه األمثلة املصنوعة الوجبات الرسيعة (األكل القاممي‪.)food Junk:‬‬

‫املتون تشبه البنك اللغوي‪ ،‬واملستودع اللغوي ألصحاهبا‪.‬‬

‫املعب عن قيمها وعاداهتا وتقاليدها بشكل طبيعي تلقائي دون‬


‫متن أي أمة هو ّ‬
‫رتوش التعديل والتهذيب الرتبوي‪ .‬‬

‫‪-14-‬‬
‫ل�سانيات املتون وعلوم اللغة‬

‫خمطط الفصل‪:‬‬
‫ِ‬
‫لسانيات املتون للقارئ العريب‪ ،‬ويناقش القضايا املتعلقة بتعريفها‬ ‫ُ‬
‫الفصل‬ ‫يقدّ م هذا‬
‫وترمجتها إىل العربية‪ ،‬ويدرس نشأة هذا العلم الذي أخذ يف التطور والتفاعل ‪-‬تأثرا‬
‫ُ‬
‫يسلط الضو َء عىل جماالته وكيفية اإلفادة منه‬ ‫وتأثريا‪ -‬مع غريه من العلوم اللسانية‪ ،‬كام‬
‫يف اللسانيات بفروعها املتعددة مما يفتح آفاقا لإلفادة منه يف اللغة العربية كغريها من‬
‫اللغات األخرى‪.‬‬

‫‪-15-‬‬
‫لسانيات املتون (‪ ،)Corpus Linguistics‬تعريفه وحدوده‪:‬‬
‫نظرا حلداثة ظهور لسانيات املتون وتعدد جماالت استخدامها واإلفادة منها فقد‬
‫ظهرت حماوالت متعددة لتوصيفها وبيان خصائصها‪ ،‬تنطلق هذه املحاوالت من‬
‫وجهة نظر الباحث وجمال دراسته‪ ،‬وقد كانت هذه املحاوالت تتفق يف نقاط وختتلف يف‬
‫أخرى‪ ،‬وهذا أمر طبيعي‪ .‬ويف هذا اجلزء سأعرض بإجياز‪ -‬بعضا من هذه التوصيفات‬
‫التي حتاول رسم حدود هلذا العلم ومنهجه عىل الرغم من صعوبة التصدي هلذه املهمة؛‬
‫عرف لسانيات املتون تعريفا موجزا هو أقرب إىل التوصيف منه‬ ‫إذ إن بعض الباحثني ّ‬
‫إىل التعريف‪ ،‬فيام البعض اآلخر حتاشى التعريف مكتفيا برسد خصائصها التي متيزها‬
‫عن غريها من العلوم‪ ،‬فريى أهنا أصبحت علام من الوضوح واالنتشار بحيث ال حيتاج‬
‫إىل تعريف‪ ،‬وهناك فريق يرى أهنا «منهج» دراسة يستخدم يف عدة علوم لسانية وليس‬
‫«علام» مستقال بذاته‪.‬‬
‫فعىل سبيل املثال وضع بايرب وزمالؤه (‪ )Biber, D. et al., 1998:4‬خصائص‬
‫للتحليل اللغوي املبني عىل املتن‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1.1‬أنه إمربيقي (جتريبي)‪ ،‬حيلل األبنية الواقعية لالستخدام الطبيعي للنصوص؛‬
‫فال مكان خللق أمثلة وصنعها‪.‬‬
‫‪2.2‬أن تكون جمموعة النصوص الطبيعية هذه كثرية يمكن للباحث أن يطمئن إىل‬
‫شموليتها وأهنا كافية إلطالق حكم لغوي ما أو التأكد منه‪.‬‬
‫‪3.3‬أن تقوم عملية مجع النصوص عىل أسس ومبادئ ويكون هلا أهداف؛ وليست‬
‫مجعا عشوائيا‪.‬‬
‫‪4.4‬االعتامد عىل احلاسوب يف التحليل باستخدام برامج وتقنيات آلية وتفاعلية‪.‬‬
‫‪ 5.5‬اعتامده عىل تقنيات التحليل النوعي والكمي‪.‬‬
‫ونجد يف هذا التوصيف حماولة اإلحاطة بخصائص مهمة يف هذا امليدان كاإلشارة‬
‫إىل استخدام احلاسوب يف عملية اجلمع والتحليل ووجود هدف لعملية اجلمع‪.‬‬
‫وعرفه ماكنري وولسون (‪ )McEnery, T & Andrew Wilson, 2005:1‬بأنه‬ ‫ّ‬
‫«دراسة اللغة باعتامد أمثلة من االستخدام اللغوي الواقعي»‪ .‬ويركِّز هذا التعريف عىل‬
‫االستخدام الفعيل‪ ،‬فليس فيه دراسة إمكانية كذا وكذا؛ بل دراسة ما ورد وصدر فعال‬
‫من املتحدثني باللغة‪ .‬وهو تعريف عام أكَّد عىل املادة املدروسة وأهنا االستخدام اللغوي‬
‫الذي يصدر فعال من أهل اللغة‪.‬‬

‫‪-16-‬‬
‫أما ستوبس (‪ )Stubbs, Michael, 2006:106‬فقد حدّ د املتن اللغوي (‪language‬‬
‫‪ )corpus‬بأنه «جمموعة نصوص»‪ ،‬ووضع له ثالث خصائص‪:‬‬
‫‪1.1‬أنه كبري احلجم‪.‬‬
‫‪2.2‬يمكن قراءة نصوصه بواسطة احلاسوب‪.‬‬
‫‪ُ 3.3‬ص ِّمم هلدف التحليل اللغوي‪ ،‬أي وجود هدف معني من مجع هذه املادة‬
‫اللغوية‪ ،‬وليس مجعا عشوائيا ملجرد احلفظ والتخزين‪.‬‬
‫وهذا التحديد قريب من توصيف بايرب وزمالئه السابق‪.‬‬
‫وقريب من هذا التحديد ما ذكرته كونراد وكيمربيل (‪Conrad, Susan M. and‬‬
‫‪ )Kimberly R. Levells, 2010:539‬اللتان أكّدتا عىل أن لسانيات املتون «منهج‬
‫للبحث يف االستخدام اللغوي يوظف تقنيات احلاسوب لتحليل جمموعة مكتوبة أو‬
‫منطوقة هبدف وصف اللغة العادية [املطردة] أو اللغة غري العادية [النادرة] التي يقوم‬
‫املتكلم أو الكاتب باختيارها يف ظروف معينة» (األقواس املعكوفة من الباحث)‪.‬‬
‫عرفتاه بأنه منهج فقد وضعتا خصائص هلذا املنهج‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ولكوهنام ّ‬
‫‪1.1‬االعتامد عىل التحليل اإلمربيقي للظواهر املوجودة يف االستخدام اللغوي؛‬
‫فيقترص دور التخمني وأمهيته يف تفسري الظواهر ووصفها لكن الفيصل هو‬
‫وروده يف اللغة فعال من عدمه‪.‬‬
‫‪2.2‬استخدام متن معني هلذا التحليل‪ ،‬ويقصد به‪ :‬جمموعة من النصوص الطبيعية‬
‫املخزنة إلكرتونيا‪.‬‬
‫‪ 3.3‬التحليل يكون بمساعدة احلاسوب‪.‬‬
‫‪4.4‬استخدام إسرتاتيجيات التحليل الكمي إضافة إىل التفسري النوعي‪.‬‬
‫من هنا نخلص إىل أن التعريفات والتوصيفات السابقة تكاد ُتمع عىل قضيتني‬
‫مهمتني يف هذا املجال‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪1.1‬اعتامد لسانيات املتون عىل االستخدام الفعيل للغة؛ فليس فيها ختمني أو احتامل‬
‫أو إمكانية ورود صورة معينة‪.‬‬
‫‪2.2‬استخدام احلاسوب يف احلفظ والتصنيف والتحليل‪.‬‬
‫مفصل يضع حدودا للسانيات املتون متيزها عن‬ ‫وحني نحاول التعريف بشكل ّ‬
‫غريها من العلوم اللسانية األخرى يمكننا القول إهنا‪« :‬علم يدرس االستخدام الفعيل‬

‫‪-17-‬‬
‫للغة‪ ،‬مستخدما يف ذلك منهجا يقوم عىل دراسة متن أو جمموعة من النصوص املكتوبة‬
‫أو املنطوقة‪ ،‬وتكون هذه املادة اللغوية كبرية احلجم؛ فالصغري ال يمكن االعتامد عليه‬
‫إحصائيا وال الوثوق بنتائجه‪ .‬وهذا املتن ُجِع هلدف معني؛ أما احلفظ ملجرد احلفظ فيسمى‬
‫أرشيفا‪ ،‬ويكون بصورة إلكرتونية (رقمية)‪ ،‬ويمكن حتليله باستخدام برامج احلاسوب»‪.‬‬
‫وبذا نخلص إىل أن موضوع الدراسة هلذا العلم هو االستخدام الفعيل للغة والذي‬
‫صدر فعال من متحدثيها ال أن يقوم باحث أو عامل أو دارس بخلق أمثلة ليستدل هبا عىل‬
‫قضية معينة‪ ،‬فهو علم وصفي ال يقوم عىل املعيارية وال يعتمد عىل التجريد‪.‬‬
‫ومن املهم أن نشري إىل الفرق بني املتن والنص؛ حيث قد يتبادر إىل الذهن حني‬
‫نقول إن املتن جمموعة من النصوص أن املتن هو أن تأخذ نصا لتودعه يف املتن‪ .‬واألمر‬
‫حتام ليس هبذه البساطة والسطحية؛ وقد أشارت توقنييني (�‪Elena Tognini-Bobel‬‬
‫‪ )li, 2013‬يف املؤمتر اخلامس للسانيات املتون (‪ )CILC2013‬الذي أقيم يف أليكانتي‬
‫بأسبانيا إىل عدة فروق طريفة‪ ،‬منها عىل سبيل املقارنة‪:‬‬
‫ ‪-‬النص ُيقرأ كامال؛ بينام املتن تُقرأ شظايا منه ومقطعات‪.‬‬
‫ ‪-‬النص ُيقرأ بطريقة رأسية من أعىل الصفحة وصوال إىل أسفلها؛ بينام املتن يقرأ‬
‫بطريقة أفقية وكل سطر مستقل ومنقطع الصلة عام يليه وما يعلوه‪.‬‬
‫ ‪-‬النص يقرأ لفهم األحداث؛ بينام املتن يقرأ الستخالص األنامط تركيبية أو‬
‫داللية‪.‬‬
‫ ‪-‬النص متامسك املعنى بوصفه قطعة واحدة؛ بينام املتن ال يشكّل التامسك أمهية‬
‫لدى الباحث‪.‬‬
‫بعد هذا العرض الرسيع لتعريف لسانيات املتون وحدودها يف اللغة اإلنجليزية‬
‫ننتقل إىل ما كُتب يف املعاجم العربية حول ترمجتها وتعريفها وحدودها‪.‬‬
‫ترمجات مصطلح لسانيات املتون‪:‬‬
‫بادئ ذي بدء أود اإلشارة إىل أنني ترددت كثريا وتوقفت طويال كي أصل إىل ترمجة‬
‫مناسبة للسانيات املتون‪ ،‬والسبب يف ذلك يعود إىل تعدد الرتمجات التي عثرت عليها والتي‬
‫يستخدمها الباحثون العرب‪ .‬وهلذا سأعرض يف الفقرات القادمة بعضا من هذه الرتمجات‪.‬‬

‫‪-18-‬‬
‫وال بد لنا يف البداية من البحث يف مفرديت املصطلح اللتني يتكون منهام‪ ،‬ثم التعرف عىل‬
‫معنى املصطلح ككل ومفهومه املستخدم يف اإلنجليزية‪ .‬فهناك ثالث زوايا للمصطلح‪:‬‬
‫‪1.1‬ترمجة كلمة ‪.Corpus‬‬
‫‪2.2‬ترمجة كلمة ‪.Linguistics‬‬
‫‪3.3‬ترمجة الكلمتني معا ‪ Corpus Linguistics‬لتوصيل الفكرة املرتبطة باملفهوم‬
‫يف اللغة اإلنجليزية بطريقة تتيح للقارئ فهم املغزى من اختيار املصطلح الذي‬
‫ارتضيناه هنا‪.‬‬
‫املكونتني‬
‫املظان التي حاولت الرتمجة للمصطلح أو إلحدى الكلمتني ّ‬ ‫ّ‬ ‫وباستعراض‬
‫للمصطلح نجد التايل‪:‬‬
‫ترمجة كلمة ‪:Corpus‬‬
‫قبل استعراض ترمجة الكلمة التي بني أيدينا وتعريفها يف اللغة العربية ال بد من‬
‫الوقوف عىل تعريفها يف اللغة اإلنجليزية‪ .‬فقد ورد يف معجم اللسانيات والصوتيات‬
‫لكريستال (‪ )Crystal, David, 2003:112‬تعريف ‪ Corpus‬بأنه‪« :‬جمموعة من املواد‬
‫اللغوية سواء نصوص مكتوبة أو تفريغ للمنطوق‪ ،‬يمكن استخدامها نقط َة بداية‬
‫لوصف لغوي‪ ،‬أو وسيل ًة لتأكيد فرضيات حول اللغة»‪ .‬ثم حتدث عن ‪Computer‬‬
‫‪( Corpus‬متن حاسويب) ورشحه بأنه‪« :‬كتلة كبرية من النصوص املمكن قراءهتا آليا»‪.‬‬
‫أما يف اللغة العربية فقد ترجم حممد باكال وزمالؤه (باكال‪ ،‬حممد وآخرون‪:1983 ،‬‬
‫‪ 14‬مادة ‪ )corpus‬كلمة ‪ Corpus‬بـ «عينة البحث اللغوي»‪ .‬فيام ترمجها حممد اخلويل‬
‫وعرفها يف مادة ‪Corpora‬‬ ‫(اخلويل‪ ،‬حممد‪ 24 :1986 ،‬مادة ‪ )corpora‬بـ «مادة لغوية»‪ّ ،‬‬
‫‪-‬وهي مجع ‪ -Corpus‬بأهنا‪« :‬نصوص لغوية مكتوبة أو منطوقة ُتتار أو ُتمع لتكون‬
‫عينة ختضع للتحليل اللغوي»‪ .‬كام ترمجها يف كتاب له آخر (اخلويل‪ ،‬حممد‪60 :1991 ،‬‬
‫مادة ‪ )corpus‬بأهنا «مادة لغوية» ّ‬
‫وعرفها بأهنا‪« :‬األقوال املحكية أو املكتوبة التي يعتربها‬
‫الباحث هدفا للتحليل اللغوي أو مصدرا للبيانات اللغوية»‪ .‬وباستعراض معجم آخر‬
‫(بعلبكي‪ ،‬رمزي‪ 128 :1990 ،‬مادة ‪ )corpus‬نجد أنه ترجم ‪ Corpus‬بـ «متن» ثم ذكر‬
‫مدونة»‪.‬‬
‫هلذه الكلمة مصطلحات أخرى‪« :‬عينة البحث اللغوي‪ ،‬مادة‪ ،‬مادة لغوية‪ّ ،‬‬
‫وعرفها بأهنا «جمموعة املواد اللغوية املدونة‪-‬إما بالكتابة العادية أو بالكتابة الصوتية‪-‬‬
‫ّ‬
‫بغرض الدراسة والتحليل‪ ،‬والتي تشكل بنية لغة بعينها»‪.‬‬

‫‪-19-‬‬
‫وعرفها‪« :‬ما يشكّل‬
‫باملدونة ّ‬
‫ّ‬ ‫أما املعجم املوحد ملصطلحات اللسانيات فقد ترمجها‬
‫الرصيد اللغوي أو جمموع املعطيات اللغوية التي خيضعها الباحث للتحليل والدرس»‬
‫(مقتبس من حبيب‪ ،‬ماهر عيسى‪ .)5: 2007 ،‬وترجم عيل القاسمي (القاسمي‪ ،‬عيل‪،‬‬
‫‪ ،12 :2006‬مقتبس من حبيب‪ ،‬ماهر عيسى‪ Corpus )5 :2007 ،‬بـ «ا ُملدونة احلاسوبية»‬
‫وعرفها بـ «جمموعة مهيكلة من النصوص اللغوية الكاملة املكتوبة (أو املنطوقة) التي‬ ‫ّ‬
‫تُقرأ إلكرتوني ًا‪ .‬وكثري ًا ما تكون هذه النصوص مصحوبة بالشارات الشارحة ُلِكوناتاِ‬
‫املدونة باألدلة واألمثلة عىل كيفية استعامل اللغة يف سياقات طبيعية‪،‬‬ ‫اللغوية‪َ ،‬‬
‫وتُدّ نا َّ‬
‫خيتار مداخل‬‫َ‬ ‫يستطيع اللغوي إجراء بحوثه عليها‪ ،‬ويستطيع املعجمي أن‬ ‫ُ‬ ‫بحيث‬
‫معجمه‪ ،‬ويكتب مواده بصورة دقيقة وعلمية ‪ .»...‬وهذا التعريف أشمل التعريفات‬
‫التي مرت بنا‪ ،‬وربام يعود السبب يف ذلك إىل تأخره أو إىل السياق الذي ورد فيه رشح‬
‫املصطلح وهو سياق ارتباطه باملعجمية الذي يعد من أثرى املجاالت التي يمكن أن‬
‫ُيستخدم فيها كام سنرى الحقا‪ .‬وهو مقارب بشكل كبري للمفهوم اإلنجليزي الذي بني‬
‫(حبيب‪َ ،‬مـاهر عيسى‪ )7 :2007 ،‬الذي‬ ‫أيدينا‪ .‬وقد تابعه يف ذلك ماهر عيسى حبيب َ‬
‫«املدونة اإللكرتونية» و «املدونة احلاسوبية»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ترجم ‪ Corpus‬بـ‬
‫أما يف نقاشات الشبكة العنكبوتية التي كثريا ما يرد فيها استفسار عن ترمجة ملصطلح‬
‫‪ Corpus‬فنجد أنه يف سؤال يف املجموعة الربيدية (‪)Arabic-L:E-mailing list‬‬
‫التابعة ملجموعة اللغويني العرب والرابطة األمريكية ألساتذة العربية( (�‪Arabic Lin‬‬
‫‪ )guistics and the American Association of Teachers of Arabic‬وردت‬
‫ومدونة ‪-‬وقيل إهنا تنترش يف املغرب وقيل‬ ‫ّ‬ ‫الرتمجات التالية لـ ‪ :Corpus‬الكتلة اللغوية‪،‬‬
‫بل يف مرص‪ ،‬ومدونة لغوية "وقيل إهنا تنترش يف املغرب‪ ،‬ومكنز‪ ،‬وذخرية لغوية‪"،‬وقيل‬
‫ومدونة نصوص واسعة "وقيل إهنا تنترش يف مرص‪ ،‬وجمموعة‬ ‫ّ‬ ‫إهنا تنترش يف مرص‪،‬‬
‫مدونات جلمع الكلمة ‪ Corpora‬وتستخدم يف مرص‪.‬‬ ‫نصوص إلكرتونية‪ .‬ووردت ّ‬
‫من هنا نخلص إىل الرتمجات التالية لكلمة ‪:Corpus‬‬
‫ومدونة‬
‫ّ‬ ‫ومدونة لغوية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ومدونة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مادة لغوية‪ ،‬وعينة البحث اللغوي‪ ،‬ومتن‪ ،‬ومادة‪،‬‬
‫ومدونة‬
‫ّ‬ ‫حاسوبية‪ ،‬وكتلة لغوية‪ ،‬ومكنز‪ ،‬وذخرية لغوية‪ ،‬وجمموعة نصوص إلكرتونية‪،‬‬
‫ومدونة نصوص واسعة‪ .‬فال يوجد مصطلح موحد عريب مقابل للمصطلح‬ ‫ّ‬ ‫إلكرتونية‪،‬‬

‫‪-20-‬‬
‫اإلنجليزي‪ ،‬وهو ما يعكس صعوبة القبول برتمجة يطمئن الباحث إىل أهنا ستكون‬
‫مقبولة لدى املتلقي بسبب تعدد الرتمجات العربية التي اقرتحها علامء هلم باع يف امليدان‬
‫اللساين باإلضافة إىل انتشار لفظة عند إقليم دون آخر‪ ،‬كاملغرب العريب أو مرص‪.‬‬
‫بعد هذا البحث يف كلمة ‪ Corpus‬ننتقل إىل الكلمة األخرى ‪.Linguistics‬‬
‫ترمجة كلمة ‪:Linguistics‬‬
‫عىل الرغم من أن استخدام هذه الكلمة قديم إىل حد ما مقارنة بكلمة (‪)Corpus‬‬
‫فإننا نجد فيها أيضا عدة ترمجات عربية حتاول املقاربة للمصطلح اإلنجليزي‪ .‬ومع ذلك‬
‫فهي مستقرة يف املفهوم العريب بخالف الكلمة السابقة التي تعد حديثة إىل حد كبري يف‬
‫الدراسات العربية‪.‬‬
‫وقبل عرض الرتمجات العربية ال بد من استعراض تعريف الكلمة باإلنجليزية‬
‫لدى أحد املعاجم املتخصصة‪ ،‬فقد ذكر كريستال (‪ )Crystal, David, 2003:272‬أهنا‬
‫«دراسة اللغة دراسة علمية»‪ ،‬أي باستخدام املنهج العلمي‪.‬‬
‫أما يف العربية فرتجم سامي حنا وزمالؤه (حنا‪ ،‬سامي‪ ،‬وآخرون‪ 82 :1997 ،‬مادة‬
‫‪ )Linguistics‬كلمة ‪ Linguistics‬باللسانيات‪ .‬وترجم حممد اخلويل (اخلويل‪ ،‬حممد‪،‬‬
‫‪156 :1991‬مادة ‪ Linguistics )linguistics‬بـ علم اللغة‪ ،‬ثم تطرق إىل أن اللغويني‬
‫أطلقوا عليه أسامء عديدة مثل « فقه اللغة وعلم اللسان واللسانيات واللسنيات‬
‫واأللسنيات»‪ .‬وقريب من ذلك ترجم رمزي بعلبكي (بعلبكي‪ ،‬رمزي‪:1990 ،‬‬
‫‪ 288‬مادة ‪ Linguistics )linguistics‬بـعلم اللغة‪ ،‬وألسنية‪ ،‬وعلم اللغات‪ ،‬وعلم‬
‫اللغويات‪ ،‬ولِسانة‪ ،‬ولسانيات‪ ،‬ولِسانية‪ ،‬ولِ ْسنيات‪.‬‬
‫إذن هناك عدة مقابالت عربية لكلمة ‪:Linguistics‬‬
‫لسانيات‪ ،‬وعلم اللغة‪ ،‬وفقه اللغة‪ ،‬وعلم اللسان‪ ،‬واللسنيات‪ ،‬واأللسنيات‪،‬‬
‫وألسنية‪ ،‬وعلم اللغات‪ ،‬وعلم اللغويات‪ ،‬ولِسانة‪ ،‬ولِسانية‪ ،‬ولِ ْسنيات‪.‬‬
‫املكونتني‬
‫ِّ‬ ‫بعد هذا املرور الرسيع بكلمة ‪ Linguistics‬ننتقل إىل الكلمتني معا‬
‫للمصطلح الذي بني أيدينا‪.‬‬

‫‪-21-‬‬
‫ترمجة الكلمتني معا ‪:Corpus Linguistics‬‬
‫كام أرشنا سابقا فمصطلح ‪ Linguistics‬قديم مقارنة بمصطلح ‪ ،Corpus‬وهلذا‬
‫رأينا أن الكلمة األوىل أكثر استقرارا من ناحية مفهومها لدى الباحثني العرب من‬
‫األخرى حتى ولو اختلفت الرتمجة من باحث إىل آخر‪ ،‬والوضع بالنسبة للمصطلح‬
‫املركّب من املفردتني وهو مصطلح ‪ Corpus Linguistics‬أعقد من املفردتني مستقلتني‬
‫عن بعضهام‪ ،‬كام أنه أحدث استخداما؛ وهلذا فمن النادر أن نجد له ترمجة أو تعريفا يف‬
‫املعاجم العربية عىل خالف كل مفردة مستقلة عن األخرى‪.‬‬
‫وقد حاول عيل القاسمي (القاسمي‪ ،‬عيل‪ ،12 :2006 ،‬مقتبس من حبيب‪ ،‬ماهر‬
‫عيسى‪ )7 :2007 ،‬أن يضع مقابال له فذكر «لسانيات املدونة احلاسوبية»‪ ،‬وهو مقابل‬
‫يتكون من ثالث مفردات‪ .‬وقد مر بنا تعريفه الشامل للمدونة‪.‬‬
‫وقد تابعه يف ذلك ماهر عيسى حبيب (حبيب‪ ،‬مـاهر عيسى‪ )7 :2007 ،‬الذي‬
‫املدونة احلاسوبية»‪« :‬وهي‬ ‫ترمجه نقال عن موقع جامعة ‪ Essex‬بربيطانيا بأنه «لسانيات َّ‬
‫العلم الذي يدرس الظاهرة اللغوية من خالل مدونة أو جمموعة كبرية من النصوص‬
‫ٍ‬
‫سياقات تزودنا‬ ‫فتهدف إىل دراسة اللغة وحتليلها كام هي ماثلة يف‬
‫ُ‬ ‫التي يمكن قراءهتا آلي ًا‪،‬‬
‫هبا املدونة أي النصوص ا ُملقتبسة من العامل احلقيقي‪ .»(((.‬وكام هو ظاهر فاملصطلح يقوم‬
‫عىل ثالث مفردات‪.‬‬
‫أما يف الشبكة العنكبوتية التي كثريا ما يرد فيها استفسار عن ترمجة ملصطلح ‪Corpus‬‬
‫املدونات»‬
‫املدونة» و «لسانيات ّ‬ ‫‪ Linguistics‬فقد ورد فيها((( «لسانيات املتون» و»لسانيات ّ‬
‫ورجح حممد حممد يونس‬ ‫و»لسانيات الذخائر» و»لسانيات الذخرية» و «لسانيات املادة»‪ّ ،‬‬
‫عيل مصطلح «املتن» لوجوده يف الرتاث اللغوي‪ .‬ورشحه بأنه «يشري إىل املادة اللغوية التي‬
‫جتمع للدراسة‪ ...‬وهو ذلك الفرع من اللسانيات الذي ُيعنى بجمع املادة اللغوية لغرض‬
‫وصفها وحتليلها ودراستها‪ ،‬وهو يقوم عىل منهج يرى أن ما يقوله املتكلمون السليقيون للغة‬
‫املدروسة هو احلجة احلقيقية التي ينبغي االحتكام إليها يف دراسة اللغة‪ ،‬ولذلك اهتموا بجمع‬
‫اللغة وتوسعوا يف ذلك للحصول عىل نتائج موضوعية موثوقة» (منتدى ختاطب)‪.‬‬

‫‪.www.essex.ac.uk/linguistcs/clmt/w3c/corpus-ling/content/history.html -1‬‬
‫‪ http://www.ta5atub.com/montada-f14/topic-t170.htm -2‬دخول يف ‪ 15‬ذي احلجة ‪1431‬هـ د حممد حممد‬
‫يونس عيل‪.‬‬

‫‪-22-‬‬
‫نخلص من هذا كله إىل وجود عدد من الرتمجات هلذا املصطلح وإن كنت أرى أن‬
‫أفضلها هو مصطلح لسانيات املتون؛ ألنه يقترص عىل مفردتني كام هو احلال يف املصطلح‬
‫اإلنجليزي‪ ،‬كام أنه مصطلح غري مبتذل يف استخدامات وجماالت أخرى بخالف‬
‫واملدونة؛ إذ الذخرية تُستخدم يف السالح‪ ،‬وكلمة‬
‫ّ‬ ‫مصطلح الذخرية والذخائر واملادة‬
‫مدونة عىل‬
‫املدونة فقد انترش اآلن تسمية ّ‬
‫املادة كلمة عامة ال تصلح مصطلحا لعلم؛ أما ّ‬
‫املواقع الشخصية عىل الشبكة (‪ .)blog‬أما كلمة مكنز التي مرت بنا مقابال لـ ‪corpus‬‬
‫فأرى أهنا أقرب لكلمة ‪ Treebank‬املستخدمة يف اإلنجليزية ملفهوم خمتلف عام نحن‬
‫بصدده‪.‬‬
‫فلو فاضلنا بني مصطلحي املتون واملدونات‪ ،‬ومها أكثر املصطلحات شيوعا وتداوال‬
‫خلرجنا بالتايل‪:‬‬
‫مصطلح املتون كلمة تراثية‪ ،‬وليست مبتذلة‪ ،‬وال تلتبس إال باملتون الفقهية‪ ،‬وهذه‬
‫تستخدم يف جمال الفقه والرشيعة‪.‬‬
‫أما مصطلح املدونات فهي أيضا كلمة تراثية؛ إذ تستخدم كلمة املدونات الفقهية‪،‬‬
‫وليست مبتذلة؛ لكن مشكلتها التباسها بكلمة ‪ blog‬وهي املدونة الشخصية‪ .‬وهلذا كثريا‬
‫ما كنت أواجه يف املؤمترات العلمية تساؤال هل تقصد باملدونات املدونات الشخصية الـ‬
‫‪blog‬؟ وهلذا السبب حتديدا آثرت استخدام كلمة املتون‪.‬‬
‫فاملتون متتاز بأهنا ال تلتبس بكلمة أخرى؛ بينام يقع اللبس يف كلمة املدونة بكلمة‬
‫أخرى أشيع وأكثر استخدام‪.‬‬
‫يف املقابل متتاز كلمة املدونة بأهنا حاليا أكثر تداوال وشيوعا من املتون‪ .‬فنخلص إىل‬
‫أن كلمتي املتون واملدونات كالمها مقبول لكن مع متيز يف جانب ألحدمها عىل األخرى‪.‬‬
‫يفضل استخدام املدونات‪ .‬وال‬ ‫أفضل استخدام املتون؛ بينام الكثري من الباحثني ّ‬ ‫وأنا ّ‬
‫مشاحة يف االصطالح‪.‬‬
‫بعد هذا العرض للتعريف والرتمجة سنتناول يف الفقرة القادمة مصطلحا آخر يتداخل‬
‫مع لسانيات املتون وهو علم اللغة احلاسويب (‪ ،)Computational Linguistics‬وهو‬
‫لبسا لدى بعض داريس العربية‪ ،‬ويؤدي إىل جتاهل لسانيات املتون وعدم‬ ‫تداخل يس ّبب ً‬
‫إعطائها االهتامم الذي تستحقه‪ ،‬وقد يؤ ّدي كذلك إىل اقتصار االهتامم والوعي بعلم‬
‫اللغة احلاسويب أو اللسانيات احلاسوبية عىل حساب لسانيات املتون‪.‬‬

‫‪-23-‬‬
‫لسانيات املتون واللسانيات احلاسوبية‪:‬‬
‫يالحظ الباحث أن هناك وعي ًا وبداية نمو يف العامل العريب للسانيات احلاسوبية أو‬
‫علم اللغة احلاسويب ‪ Computational Linguistics‬من خالل ما ُيكتب عنها أو من‬
‫خالل إقرارها يف بعض الربامج الدراسية التخصصية للغة العربية؛ يف مقابل ذلك هناك‬
‫شح يف مؤلفات لسانيات املتون ‪ .Corpus Linguistics‬وأحد األسباب املؤدية إىل‬
‫ذلك تأخر ظهور لسانيات املتون كام سنرى‪ ،‬وعىل حد علمي ال يوجد اهتامم يف املواقع‬
‫العنكبوتية العربية بلسانيات املتون مقارنة باللسانيات احلاسوبية‪ .‬فهل يعود السبب يف‬
‫ذلك إىل االكتفاء بعلم اللغة احلاسويب عن لسانيات املتون؟ أم يعود إىل أن هناك تداخال‬
‫بني العلمني؟‬
‫وال بد لنا من التسليم بأن التداخل موجود بني هذين العلمني يف اللغات األخرى‬
‫لكن بدرجة ال حتول بني القدرة عىل التمييز بينهام‪ ،‬ومل حيل هذا التداخل بني الباحثني‬
‫واالهتامم بالعلمني معا‪ .‬فلو بحثنا عن تعريف اللسانيات احلاسوبية ‪Computational‬‬
‫‪ Linguistics‬لدى كريستال (‪ )Crystal, D. 2003:93‬سنجد اآليت‪« :‬فرع اللسانيات‬
‫حيث تقنيات احلاسب ومفاهيمه تطبق لتوضيحات اللسانيات واملشاكل الصوتية‪.‬‬
‫ومنه نشأت عدة فروع تشمل‪ :‬برجمة اللغة الطبيعية‪ ،‬توليد الكالم‪ ،‬حتليل الكالم‪،‬‬
‫املفهرسات‪ ،‬واختبار القواعد وغريها من املناطق مما يتطلب حتليال‬‫ِ‬ ‫الرتمجة اآللية‪ ،‬عمل‬
‫فاملفهرسات (الكشافات السياقية) داخلة أيضا يف لسانيات املتون‬‫ِ‬ ‫وعدّ ا إحصائيني»‪.‬‬
‫من حيث استخدامها مع تطبيقاهتا‪ ،‬وكذلك اختبار القواعد‪.‬‬
‫ومثل هذا نجده عند سامي حنا وزمالئه (حنا‪ ،‬سامي وآخرون‪ ،)26 :1997 ،‬ففي‬
‫مادة ‪ Computational Linguistics‬نرى تشاهب ًا يف تعريفه ورسد وظائفه مع تعريف‬
‫‪ Corpus Linguistics‬ووظائفه؛ إذ رشحوا أن ارتباط احلاسوب باالستخدام اللغوي‬
‫واملفهرسات وفهارس النصوص حتى تفرعت لتشمل‬ ‫ِ‬ ‫جاء يف جماالت قوائم الكلامت‬
‫عدة جماالت منها إحصاء الظواهر اللغوية وحتليل النصوص وحتقيق النصوص الرتاثية‬
‫وصناعة املعجم وحتليل عالقات املفردات وسامهتا الداللية؛ فغالب هذه الوظائف‬
‫تدخل أيض ًا يف جمال لسانيات املتون كام سيأيت حني احلديث عن جماالت استخدامه‪.‬‬
‫وترجم حممد اخلويل (اخلويل‪ ،‬حممد ‪Computational Linguis� )51 :1991 ،‬‬

‫‪-24-‬‬
‫وعرفه بأنه‪« :‬دراسة اللغة لتطويعها للحاسب اإللكرتوين‬ ‫‪ tics‬بعلم اللغة احلسايب ّ‬
‫واالستفادة من احلاسب يف الدراسات اللغوية والرتمجة اآللية»‪ .‬وهذا تعريف عام‬
‫يدخل ضمنه لسانيات املتون‪ .‬كام ترمجه يف (اخلويل‪ ،‬حممد‪ )21 :1986 ،‬بعلم اللغة اآليل‬
‫وعرفه بأنه‪« :‬فرع من علم اللغة التطبيقي ُيعنَى بتطويع اللغة للعقل‬
‫وعلم اللغة احلسايب ّ‬
‫اإللكرتوين واستخدام هذا العقل يف دراسة اللغة ذاهتا‪ .‬وهلذا ُيعنَى هذا العلم بالرتمجة‬
‫اآللية واستعادة املعلومات املختزنة يف ذاكرة العقل اإللكرتوين»‪.‬‬
‫أما رمزي بعلبكي (بعلبكي‪ ،‬رمزي‪ )110 :1990 ،‬فقد ترجم ‪Computational‬‬
‫وعرفه بأنه «فرع من علم اللغة ‪-‬ومن علم اللغة‬ ‫‪ Linguistics‬بعلم اللغة احلسايب ّ‬
‫الريايض حتديدا‪ُ -‬يعنَى باستخدام احلاسوب وتطبيق مناهج العلوم املعتمدة عليه يف‬
‫دراسة اللغة‪ ،‬والسيام يف جمال الرتمجة اآللية‪ ،‬ومتييز الكالم‪ ،‬والذكاء االصطناعي أي‬
‫العمليات التي تقوم هبا اآللة بعد تلقينها املعلومات يف حقل معني (كتمييز األصوات)»‪.‬‬
‫فبعض هذه التعريفات للسانيات احلاسوبية تعريفات عامة تدخل ضمنها لسانيات‬
‫املتون‪ ،‬ويبدو أن هؤالء الباحثني اكتفوا بالتعريف باللسانيات احلاسوبية عن تعريف‬
‫لسانيات املتون حيث مل يذكروا تعريف ًا للسانيات املتون يف معامجهم‪ ،‬أو أن اطالعهم عىل‬
‫فس التداخل يف التعريفات‬ ‫لسانيات املتون جاء متأخرا عن تأليفهم هذه املعاجم‪ .‬وقد ُي َّ‬
‫السابقة عىل أنه من قبيل التكامل بني العلوم‪ ،‬فيكون واضح ًا لدى هؤالء الباحثني‬
‫الفرق بني العلمني؛ لكن قد يكون يف ذلك ما جيعل املتلقي العريب يقترص بعلم اللغة‬
‫وسمه‬
‫احلاسويب ويكتفي به عن لسانيات املتون‪ .‬وهو ما أكّد عليه ماهر حبيب عيسى ّ‬
‫الفجوة الرقمية بني العامل العريب والغرب (حبيب‪ ،‬مـاهر عيسى‪.)8 :2007 ،‬‬
‫وربام يكون انعدام الوضوح يف العامل العريب أن احلاسويب الذي يدخل غامر البحث‬
‫يف علم اللغة احلاسويب غالبا يكون متخصصا باحلاسوب‪ ،‬واملتخصصون باحلاسب‬
‫كثر يف العامل العريب؛ بينام املتون أساسا ختصص لغوي حديث‪ ،‬والتخصصات اللغوية‬
‫احلديثة نادرة يف العامل العريب وفيها شح ظاهر؛ ألن اللغويات غالبا تقوم عىل التقليد‬
‫مع حتديث خجول يف بعض املجاالت التي ال تتطلب مهارات معقدة مثل املتون وعلم‬
‫اللغة اجلنائي وغريها‪ .‬يؤيد هذا التفسري أن بعض املصطلحات املوازية لعلم اللغة‬
‫احلاسويب مثل اسرتجاع املعلومات وهندسة اللغات الطبيعية واملكانز والذخائر شاعت‬
‫قبل شيوع املتون‪ ،‬فربام كان االعتامد سابقا عىل الرتمجة من حاسوبيني ال لغويني‪.‬‬

‫‪-25-‬‬
‫وينبغي لنا التأكيد عىل فرق دقيق بني هذين العلمني‪ ،‬وهو أن استخدام أو حماكاة‬
‫النظريات اللغوية إلنتاج برامج حاسوبية يدخل يف إطار علم اللغة احلاسويب؛ أما‬
‫اإلفادة من هذه الربامج يف التحليل اللغوي ودراسة الظواهر اللغوية دون التدخل يف‬
‫برجمتها فيقع يف إطار لسانيات املتون‪.‬‬
‫كام ذكر تشابيل (‪ )Chapelle, C. 2001:36‬أن اللغويات احلاسوبية هتتم أساسا‬
‫بطبيعة الربامج احلاسوبية التي تتعامل مع اللغة الطبيعية؛ بينام ينصب اهتامم لسانيات‬
‫املتون عىل النتائج التي حيصل عليها اللغوي من البيانات كبرية احلجم (النصوص‪/‬‬
‫املتون)‪.‬‬
‫وقد أطلق ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:227‬عىل اللغويات‬
‫احلاسوبية تسمية طريفة هي «األصدقاء القدامى‪ »old freinds:‬إشارة إىل التداخل بني‬
‫العلمني مع تركيز احلاسوبية عىل الربامج التي حتاكي ما يدور يف ذهن البرش حني إنتاج‬
‫أو حتليل اللغة‪.‬‬
‫بعد هذا العرض لتعريفات لسانيات املتون وترمجاهتا وتداخلها مع علم قريب هلا‬
‫ننتقل لدراسة تارخيها ونشأهتا وتطورها‪.‬‬

‫تاريخ لسانيات املتون‪:‬‬


‫مرت لسانيات املتون بمرحلة نمو ثم ركود ثم ازدهار خالل فرتات متقطعة‪ ،‬كام‬
‫أن لسانيات املتون "منهجيا‪ -‬قديمة ِقدَ م الدراسات اللسانية؛ لكن مل تستخدم كلمة‬
‫‪ Corpus Linguistics‬واملفاهيم األخرى املتعلقة هبا إال مؤخرا‪ .‬وهلذا فسنتحدث عن‬
‫تأرخيها مقسمني ذلك إىل عدة مراحل"مع التأكيد عىل تداخل بني هذه املراحل التي‬
‫ُق ِّسمت لغرض التوضيح فقط‪:‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬عدم استخدام كلمة ‪ Corpus‬مع وجود اجتاه يستخدم منهجا مماثال‬
‫للسانيات املتون‪:‬‬
‫يرى بعض الباحثني أن هذه الفرتة هي فرتة ما قبل اخلمسينيات من القرن العرشين‪،‬‬
‫رصح هاريس‬ ‫وإىل ما قبل انتقاد تشومسكي للمنهج اللغوي السائد يف ذلك الوقت‪ .‬فقد ّ‬
‫(‪ )Harris, R. A., 1993‬أن الدراسات اللغوية يف ذلك الوقت كانت تقوم عىل تسجيل‬
‫صويت للغة ما ثم حتلل بناء عىل هذا التسجيل‪ .‬كام يرى ماكنري وولسون( (�‪McEn‬‬

‫‪-26-‬‬
‫‪ )ery, Tony & Andrew Wilson, 2005:2‬أنه عىل رغم أن الدراسات اللغوية قبل‬
‫تشومسكي ‪-‬أي يف مرحلة األربعينيات من القرن املايض‪ -‬كانت مشاهبة لدراسات‬
‫مؤسسة‬
‫املتون إال أن اللغويني مل يطلقوا عىل دراستهم املتون‪ .‬ووجه الشبه أهنا كانت َّ‬
‫عىل االستخدام اللغوي الفعيل؛ إذ كان البنيويون ‪-‬عىل وجه اخلصوص‪ -‬يستخدمون‬
‫منهجية مشاهبة للسانيات املتون‪.‬‬
‫كام أكّد ماكنري وزمالؤه (‪ )McEnery, Tony et al., 2006:3‬أن الدراسات‬
‫املؤسسة عىل املتون والنصوص قديمة؛ إذ استخدمها البنيويون مثل سبري ‪ Spir‬ونيومان‬
‫‪ Newman‬وبلومفيلد ‪ Bloomfield‬مستعينني بأدوات قرطاسية ال حواسيب‪ ،‬فقد‬
‫كانت هذه الدراسات إمربيقية يف طبيعتها‪.‬‬
‫إذن كان اللغويون يف تلك املرحلة ‪-‬خصوصا البنيويني‪ -‬يستخدمون املنهج دون‬
‫التسمية‪ ،‬وقد استمر هذا إىل أن انتقد تشومسكي هذا املنحى من الدراسة‪ ،‬وهذا ما‬
‫سنعرض له يف اجلزء التايل‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬فرتة الركود‪ ،‬فرتة اخلمسينيات من القرن العرشين‪:‬‬
‫كانت األدوات املستخدمة جلمع متن لغوي يف اخلمسينيات وما قبلها ال تسمح‬
‫إال بمتن صغري احلجم وليس كاملوجود اآلن (ماليني أو باليني املفردات)‪ ،‬كام كان‬
‫هناك إشكال حول عجز املتن عن متثيل اللغة الفعلية متثيال شامال‪ ،‬وهذا صحيح يف‬
‫ذلك الوقت إذ كانت املتون صغرية احلجم؛ وهلذا انتُقدت انتقادا الذعا يف أواخر‬
‫هشت أو ُهجرت (‪ .)McEnery, Tony et al., 2006:3‬وكان‬ ‫اخلمسينيات حتى ُ ِّ‬
‫ممن شكّك فيها سوسري ‪ Saussure‬الذي شكّك يف دراسة املنطوق عموما‪ ،‬كام كان‬
‫الرتكيز عىل الدراسات البالغية ودراسات النصوص من أسباب الركود التي مر هبا‬
‫علم لسانيات املتون (‪ ،)Stubbs, Michael, 2006:109‬فكان الرتكيز منصبا عىل‬
‫اللغة النخبوية بفنوهنا األدبية الراقية‪ .‬أما أشهر من هامجها وانتقدها انتقادا الذعا فهو‬
‫تشومسكي؛ إذ يرى أن اللغوي جيب أن ينصب بحثه عىل الكفاية وليس عىل املنتج‬
‫أو األداء (‪)McEnery, Tony & Andrew Wilson,2005:6‬؛ بخالف لسانيات‬
‫املتون التي تبحث يف املنتَج دون الكفاية (‪ ،)Stubbs, Michael 2006:109‬كام كان‬
‫تشومسكي يرى أن اهتامم الدارس للغة ينبغي أن يكون منصبا عىل اللغة بوصفها‬
‫ظاهرة عاملية (‪Teubert, Wolfgang and Cermakova,( )Universal language‬‬

‫‪-27-‬‬
‫‪ )2007:50‬بمعنى الرتكيز عىل القواعد التي حتكم اللغة اإلنسانية بغض النظر عن‬
‫اختالف هذه اللغة من إنجليزية إىل عربية وغريها‪ ،‬فام هذه التنوعات اللغوية إال تنوع يف‬
‫التطبيق السطحي الذي ال يعكس اختالفا فيام وراء السطح‪ .‬وهلذا فتعد مرحلة أواخر‬
‫اخلمسينيات فرتة ركود أصاب العلم‪ ،‬وأصبح من الصعب أن جتد منهج لسانيات املتون‬
‫يستخدم لدراسة اللغة يف ذلك الوقت ما عدا قلة قليلة من املشاريع كمرشوع (‪)SEU‬‬
‫الذي سيذكر الحقا والذي يعد استثناء يف هذا امليدان (‪Teubert, Wolfgang and‬‬
‫‪.)Cermakova, 2007:52‬‬
‫وكام هي عادة العلوم احلية التي يدرسها علامء وباحثون يتفاعلون مع ما يطرح‬
‫فيها من أفكار وآراء ويثريون التساؤل والفحص والنقد فيام يقال من ِق َبل الدارسني‪،‬‬
‫فقد أدى ذلك إىل عدم التسليم بام يراه منتقدو العلم وإىل عرضه عىل مرشحة الفحص‬
‫واالنتقاد‪ .‬وهذا ما سنعرض له يف اجلزء التايل‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬فرتة نمو ثانية ‪ -‬دون تسمية متون‪:‬‬
‫بعد فرتة الركود التي أصابت لسانيات املتون وبعد هجوم تشومسكي عىل استخدام‬
‫املتن عادت الروح إليه من جديد يف أواخر اخلمسينيات والستينيات والسبعينيات‪،‬‬
‫فبداية النمو الثاين تؤرخ يف مرحلة ما بعد اخلمسينيا ت (�‪McEnery, Tony & An‬‬
‫‪ .)drew Wilson, 2005:6,20‬وقد كان من أسباب نمو هذا املنهج (لسانيات املتون)‬
‫أن بعض اللغويني أثاروا عددا من األسئلة التي تعرب عن عدم رضاهم عن اإلجابات‬
‫املعتمدة عىل التنظري والتأمل بعيدا عن امتالك األدلة الفعلية للغة املدروسة‪ .‬فعىل‬
‫سبيل املثال يرى بعض اللغويني أن قواعد النحو التي وضعها اللغويون حول التعدي‬
‫واللزوم والفاعل واملفعول واملبني للمجهول واملعلوم ال تصمد أمام ما يرد من أمثلة‬
‫مرض ومقنع؛ وهلذا أثريت عدة تساؤالت‬ ‫ٍ‬ ‫حية واقعية‪ ،‬أو هي ليست كافية بشكل‬
‫إمربيقية حول قيمة دراسة اللغة تنظريا دون دراسة املنتج الواقعي واالستخدام الفعيل‬
‫(‪ .)Teubert, Wolfgang and Cermakova, 2007:50,51‬واستؤنف عهد نمو‬
‫جديد خاص هبذا العلم‪.‬‬
‫واملالحظ يف األعامل واالجتاهات التي سترسد الحقا أهنا كام هي عادة العلوم يف‬
‫بدايتها‪ -‬ال تستقر فيها املصطلحات والتسميات إال يف املراحل الالحقة‪ ،‬كام يمكن‬
‫مالحظة تعدد اجلهود واألعامل التي تسهم يف نمو هذا العلم الوليد‪ .‬وهلذا سندرس‬

‫‪-28-‬‬
‫هذه املرحلة من خالل عدة أعامل أسهمت بشكل أو بآخر يف تأصيل العلم وتأصيل‬
‫منهجيته‪ .‬ونؤكد عىل أن التطور يف لسانيات املتون قد جاء من املتون للغة اإلنجليزية‬
‫والذي نام خالل الستينيات والسبعينيات والثامنينيات ومر خالهلا عرب كثري من نقاط‬
‫التحول املهمة يف تارخيها (‪ .)McEnery, Tony: 2003:452‬ويمكن تلخيص األعامل‬
‫واملشاريع العلمية فيام ييل‪:‬‬
‫‪ .1-3‬العمل األول الذي يمكن إطالق املتن عليه هو عمل الباحث روبرتو بوزا‬
‫‪ ،Roberto Busa‬وهو باحث مهتم بالقديس توماس أكويناس ‪St Thomas Aquinas‬‬
‫(أحد فالسفة العصور الوسطى)‪ ،‬وهو أول من أ ّلـف متنا يمكن قراءته حاسوبيا‪ .‬وهذا‬
‫املتن مؤلـَّف من عرشة آالف مجلة كانت عىل بطاقات‪ ،‬مجلة لكل بطاقة‪ ،‬وفهرس يدوي‬
‫مع اجلمل املراد بحثها‪ .‬وقد استطاع إقناع ‪ IBM‬يف نيويورك باستخدام احلاسوب لبطاقاته‬
‫املخرمة‪ ،‬وقد كان ذلك احلاسوب قادرا عىل البحث بواسطة الكلامت ثم ظهر ما ُعرف‬ ‫َّ‬
‫فيام بعد بـ املفهرس أو املكشاف (‪ .)concordance‬وقد استغرق العمل إلنجازه حوايل‬‫ِ‬
‫عقدين من الزمن (‪ )1967-1949‬كان روبرتو بوزا خالهلا قد صنّف متنا من مليون‬
‫وستمئة ألف كلمة لفلسفة القرون الوسطى باإلضافة إىل متن من مخسة ماليني كلمة‬
‫يف لغات خمتلفة كاألملانية والروسية‪ .‬ويعد التأثري األكثر أمهية لـعمل روبرتو بوزا أنه بدأ‬
‫تقليدا لدراسة اللغة باستخدام املناهج احلاسوبية وال يزال هذا التقليد هو املتبع إىل اليوم‬
‫(املعلومات املذكورة هنا من ‪.)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:20-21‬‬
‫‪ .2-3‬العمل الثاين املهم يف هذا امليدان هو عمل اللغوي ألفونس جويالند ‪Alphonse‬‬
‫املؤسس عىل املتن يف ‪ 1956‬حتى بدايات السبعينيات من‬ ‫‪ Juiland‬الذي بدأ مرشوعه َّ‬
‫القرن العرشين‪ .‬وينبغي مالحظة أنه مل يسم عمله متنا( (‪ )Corpus‬بل سامه (�‪Mechan‬‬
‫‪ .)olinguistics‬وقد كان يف عمله هذا جييب عن انتقادات تشومسكي للسانيات املتون‬
‫طور يف ضوء إجابته تلك تقنيات العينات باستخدام أنواع خمتلفة من‬ ‫ويرد عليها‪ .‬وقد ّ‬
‫وأسس مناهج لعدة جماالت ومفاهيم يف هذا العلم كالتحليل‬ ‫الكتابات والنصوص‪ّ ،‬‬
‫التقابيل بني اللغات باعتامد املتون‪ ،‬واإلحصاء الداليل للمفردات‪ ،‬والتوثيق‪ ،‬والعينة‪،‬‬
‫والتوازن‪ ،‬والعينة املم ِّثلة‪ ،‬هذه املفاهيم التي استمر استخدامها يف لسانيات املتون إىل اليوم‬
‫وهو ما دفع كثريا من املختصني إىل أن يعدوه رائدً ا للسانيات املتون احلديثة (‪McEnery,‬‬
‫‪ )Tony & Andrew Wilson, 2005:21‬و (‪.)McEnery, Tony, 2003:452‬‬

‫‪-29-‬‬
‫‪ .3-3‬االجتاه الثالث يف هذا امليدان هو جمموعة األعامل يف جمال دراسة قواعد‬
‫اإلنجليزية التي بدأت يف أوائل الستينيات من القرن املايض‪ ،‬فقد بدأ رتندولف كويرك‬
‫‪ Randolph Quirk‬عام ‪1960‬مرشوعه ‪( )Survey of English Usage (SEU‬دراسة‬
‫ضخم احلجم الذي يعتمد عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األول‬ ‫املرشوع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫العمل‬ ‫استخدام اإلنجليزية)‪ .‬ويعد هذا‬
‫مجع مادة لغوية لغرض التحليل اإلمربيقي للبحث يف القواعد ودراستها؛ ومع أنه أ ّثر‬
‫يف األعامل التالية بعده كمتن براون ‪ Brown Corpus‬الذي س ُيذكر بعد قليل إال أنه مل‬
‫يكن حاسوبيا يف ذلك الوقت‪ .‬كام كان مزجيا من املكتوب واملنطوق ويبلغ مليون كلمة‬
‫(‪ .)Teubert, Wolfgang and Cermakova, 2007:51‬ويف نفس السنة بدأ فرانشيس‬
‫‪ Francis‬وكوسريا ‪ Kucera‬العمل عىل متن براون ‪ Brown corpus‬املشهور الذي‬
‫استغرق إنجازه عقدين من الزمن‪ ،‬ويتألف من مليون كلمة مجعت عينات أللفي كلمة‬
‫من مخسمئة نص أمريكي تعود إىل مخسة عرش صنفا من أصناف الكتابة‪ ،‬و ُيعد سهل‬
‫االستخدام مقارنة بغريه من املتون‪ ،‬وقد ُصنِّف لإلنجليزية األمريكية‪.‬‬
‫بعد هذين املرشوعني توالت املشاريع األخرى املامثلة؛ فقد بدأ جان سفارتيك ‪Jan‬‬
‫‪ Svartik‬ببناء متن لندن ‪ London-Lund corpus‬عام ‪ ،1975‬وتكمن أمهيته يف كونه‬
‫املتن املنطوق األول املتاح لالستخدام بشكل واعسع (�‪Teubert, Wolfgang and Cer‬‬
‫‪ .)makova, 2007:52‬ثم ظهر املتن الوطني الربيطاين ‪ British National Corpus‬يف‬
‫منتصف التسعينيات‪ .‬وقد كان عمال كويرك ‪ Quirk‬وفرانشيس ‪ Francis‬وكوسريا‬
‫‪Kucera‬مهمني أيضا يف تدريب األكاديميني يف جمال تقاليد مناهج التحليل النحوي‬
‫مؤسسا عىل املتون‪ ،‬وأصبحوا فيام بعد روادا يف دراسات لسانيات املتون‬ ‫لإلنجليزية َّ‬
‫أسس يف جامعة النكسرت‬ ‫اإلنجليزية‪ .‬مثل جيوفري ليتش ‪ Geoffrey Leech‬الذي ّ‬
‫الربيطانية ‪ Lancaster‬مركز بحوث املتون الذي أنجز كثريا من املشاريع يف هذا امليدان‬
‫مثل ‪ .British National Corpus‬ومثله سيدين قرينبوم ‪ Sidney Greenbaum‬الذي‬
‫أسس مرشوع متن اإلنجليزية الدويل ‪.International Corpus of English project‬‬ ‫ّ‬
‫كام تنبع أمهية عميل كويرك ‪ Quirk‬وفرانشيس ‪ Francis‬وكوسريا ‪Kucera‬يف انتشار‬
‫هذا النوع من الدراسة يف أوروبا خالل السبعينيات والثامنينيات من القرن العرشين‪ ،‬فقد‬
‫بدأت مشاريع للغات الدول اإلسكندنافية وغرب أوربا ورشقها (‪McEnery, Tony‬‬
‫‪ .)& Andrew Wilson,2005:22‬وهلذا تعد دراسات لسانيات املتون للغة اإلنجليزية‬

‫‪-30-‬‬
‫التي بدأت يف أواخر اخلمسينيات يف أمريكا من خالل األعامل واملشاريع مثل متن براون‬
‫‪ Brown corpus‬ويف بريطانيا من خالل ‪( )Survey of English Usage (SEU‬دراسة‬
‫استخدام اإلنجليزية) من العوامل التي أ ّدت إىل ازدهار لسانيات املتون‪ .‬كام أن العمل‬
‫يف املتن اإلنجليزي نام خالل الستينيات والسبعينيات والثامنينيات من خالل تسجيل‬
‫وتفريغ اللغة املنطوقة يف بعض املتون‪ ،‬ومن خالل ترميز يدوي للسامت النحوية يف‬
‫بعضها‪ ،‬ومن خالل ترميز آيل للمعلومات النحوية يف أخرى‪ ،‬وهذه املفاهيم قد تطورت‬
‫فيام بعد يف هذا امليدان (‪ .)McEnery, Tony, 2003:452‬وقد كان متن براون ‪Brown‬‬
‫‪ corpus‬األمريكي ونظريه الربيطاين املؤ َّلف يف السبعينيات النكسرت وأوسلوبريجني‬
‫‪ )The LOB (Lancaster-Oslo-Bergen‬من املتون التي ُوسمت ‪-‬فيام بعد‪ -‬يدويا‬
‫مع معلومات وسامت نحوية‪.‬‬
‫ومن األمور امللفتة للنظر أنه بعد متن براون ‪َ Brown corpus‬ف َقد اللغويون‬
‫األمريكيون االهتامم هبذا النوع من الدراسات بخالف األوربيني الذين استمروا عىل‬
‫غرار متن ‪ ،)LOB (Teubert, Wolfgang and Cermakova, 2007:52-53‬وربام‬
‫يعود هذا إىل قوة تأثري تشومسكي يف التوجه األمريكي مقارنة بنظريه األوريب‪.‬‬
‫‪ .4-3‬املجال الرابع الذي أ ّثر يف لسانيات املتون يتم ّثل يف أعامل الفريثيني اجلدد‬
‫أسس ملفهوم السياق املوقفي الذي‬ ‫(‪ ،)neo-Firthians‬فمعلوم أن فريث (‪ )Firth‬قد ّ‬
‫أسس ملفهوم (‪( )Attested language‬توثيق‪/‬‬ ‫أ ّثر بدوره يف اللسانيات الربيطانية‪ .‬كام ّ‬
‫ورود) ومفهوم (‪( )Collocation‬تصاحب‪/‬سك)‪ ،‬وقد أ ّثرت هذه املفاهيم يف عدد من‬
‫اللغويني مثل هاليدي ‪ Halliday‬وهوي ‪ Hoey‬وسينكلري ‪ .Sinclair‬كام أ ّثرت يف بعض‬
‫املشاريع مثل مرشوع ‪ COBUILD‬الذي ُعمل يف جامعة بريمنقهام ‪Birmingham‬‬
‫حوايل الثامنينيات (‪ .)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:23-24‬و ُيعد‬
‫مرشوع ‪( English Lexical Studies‬دراسات املعجمية اإلنجليزية) الذي تأسس يف‬
‫إدنربة ‪ Edinburgh‬عام ‪ 1963‬و ُأكمل يف بريمنقهام ‪ Birmingham‬حتت إدارة جون‬
‫سينكلري ‪ John Sinclair‬من املشاريع املهمة يف هذا امليدان (‪Teubert, Wolfgang and‬‬
‫‪ )Cermakova, 2007:53‬التي أسهمت بشكل قوي يف لسانيات املتون‪.‬‬

‫‪-31-‬‬
‫فرتة استقرار التسمية والتأصيل واالزدهار‪:‬‬
‫عىل الرغم من ِقدَ م الدراسات التي استخدمت مناهج لسانيات املتون والتي أسست‬
‫هلذا العلم فإن املتن بصيغته احلديثة املحوسبة مل يظهر إال يف أواخر األربعينيات من‬
‫القرن العرشين‪ ،‬وقد ذكرنا أن لسانيات املتن اإلنجليزي بدأت يف أواخر اخلمسينيات‬
‫يف أمريكا من خالل متن براون ‪ ،Brown corpus‬ويف بريطانيا من خالل ‪Survey of‬‬
‫‪( )English Usage (SEU‬دراسة استخدام اإلنجليزية)‪ ،‬كام ب ّينّا أن العمل يف املتون‬
‫اإلنجليزية نام خالل الستينيات والسبعينيات والثامنينيات من خالل تسجيل اللغة‬
‫املنطوقة وتفريغها‪ ،‬ومن خالل ترميز املعلومات النحوية يدويا‪ ،‬ومن خالل ترميز آيل‬
‫أسست الزدهار العلم ونموه‪.‬‬ ‫للمعلومات النحوية‪ .‬وتُعد هذه الفرتة هي الفرتة التي ّ‬
‫أما مصطلح لسانيات املتون فلم يظهر إال يف بدايات الثامنينيات (‪McEnery, Tony,‬‬
‫‪ .)et al., 2006:3‬ويبدو أن نيلسون فرانشيس ‪( Nelson Francis‬مصنِّف متن براون‬
‫‪ )Brown Corpus‬هو أول من أطلق كلمة ‪ Corpus‬عىل جمموعة النصوص اإللكرتونية‬
‫(‪ .)Teubert, Wolfgang and Cermakova, 2007:53‬ثم ظهرت بعد هذه الفرتة ‪-‬‬
‫املتون الضخمة التي تضم مئات املاليني من الكلامت‪ ،‬كام ظهرت‬ ‫ُ‬ ‫أي يف التسعينيات‪-‬‬
‫خالل هذه الفرتة املتون متعددة اللغات‪ ،‬ثم ازدهر استخدام احلاسوب يف الرتميز‬
‫والسامت وتفريغ املنطوق آليا (‪.)McEnery, Tony, 2003:452‬‬
‫وال بد من اإلشارة إىل بعض العوامل التي أ ّثرت يف ازدهار العلم وانتشاره عىل نطاق‬
‫واسع‪ ،‬فتطور التقنية كان عامال مهام يف ظهور املتون كبرية احلجم التي كان أوهلا متن‬
‫صنِّف يف بداية الستينيات لإلنجليزية األمريكية (�‪McEn‬‬ ‫براو ن ‪ Brown Corpus‬الذي ُ‬
‫‪ ،)ery, Tony, et al., 2006:4‬كام أن فهرسة اإلنجيل ‪ Bible‬ودراسة أعامل شكسبري كانت‬
‫نقطة بداية يف دراسات املتون الداللية‪ ،‬كام تعد املعاجم التي تستخدم أمثلة من االستخدام‬
‫الفعيل للغة أحد األسباب التي أكّدت عىل أمهية دراسة املعنى يف سياق حمدد ونص معني‬
‫مثل معاجم اللغة اإلنجليزية (‪.)Stubbs, Michael, 2006:109-110‬‬
‫وقبل أن نختم احلديث عن تاريخ املتون نؤكد عىل أن بعض الباحثني يقسم لسانيات‬
‫املتون من حيث التأريخ لنشأهتا مرحلتني‪ :‬األوىل فرتة ما قبل اخلمسينيات من القرن‬
‫العرشين‪ ،‬والثانية مرحلة ما بعد اخلمسينيا ت (�‪McEnery, Tony & Andrew Wil‬‬

‫‪-32-‬‬
‫‪ ،)son, 2005:2‬وهناك باحثون آخرون يقسمون مراحل لسانيات املتون عىل حسب‬
‫عدد الكلامت يف املتن (‪ )Krishnamurthy, Ramesh, 2010‬و(‪Krishnamurthy,‬‬
‫‪ ،)Ramesh, 2002‬فريون أهنا بناء عىل هذا األساس(((‪:‬‬
‫Ÿ Ÿمرحلة الستينيات وهي مرحلة ظهور دراسات التحليل اللغوي‪ ،‬وقد ظهر‬
‫فيها املتن املنطوق يف املحادثات (‪ 135000‬كلمة‪ :‬لـ ‪ ،)Sinclair‬والنصوص‬
‫املكتوبة (مليون كلمة‪.)Brown University, USA :‬‬
‫Ÿ Ÿمرحلة السبعينيات وهي مرحلة املتون املتخصصة األكاديمية يف االقتصاد‬
‫واخلطاب الصفي (‪ 35000‬كلمة)‪.‬‬
‫استخدمت املتون لكتابة‬ ‫Ÿ Ÿمرحلة الثامنينيات وهي للمنطوق واملكتوب معا‪ ،‬وقد ُ‬
‫املعاجم وكتب القواعد (‪ 10-20‬مليون كلمة‪.)COBUILD :‬‬
‫Ÿ Ÿمرحلة بداية القرن الواحد والعرشين وقد استُخدمت يف لغات عدة‬
‫ولتخصصات شتى كتعلم اللغة وتعليمها‪ ،‬والرتمجة‪ ،‬واللغويات اجلنائية‬
‫وغريها (‪ 100‬مليون كلمة وأكثر)‪.‬‬
‫كام يرى تيوبرت ‪ Teubert‬وسريماكوفا ‪Cermakova(Teubert, Wolfgang and‬‬
‫‪ )Cermakova, 2007:50‬أن البداية الفعلية للسانيات املتون بوصفها منهجا لدراسة‬
‫اللغة كان يف الستينيات متزامنا مع التأثري الذي أحدثه تشومسكي يف الدراسات اللغوية‬
‫احلديثة‪.‬‬
‫بعد هذا العرض التارخيي املوجز ننتقل إىل استعراض جماالت استخدام املتون يف‬
‫الدراسات اللغوية لنتعرف عىل أمهية هذا امليدان يف الدراسات اللغوية‪ ،‬ولكي نن ّبه إىل‬
‫بعض اآلفاق التي يمكن أن يطرقها يف اللغة العربية‪.‬‬

‫جماالت استخدام املتون يف الدراسات اللغوية‪:‬‬


‫ُيعترب ظهور لسانيات املتون بالصورة التي هي عليها يف الوقت احلايل منعطفا مهام‬
‫يف العلوم اللسانية‪ ،‬ويرجع ذلك إىل طبيعتها اإلمربيقية التي جتعل من كالم املنظـِّر‬
‫موضوعيا ال ذاتيا‪ ،‬وذلك باعتامده عىل مادة فعلية وليس عىل التخمني أو احلدس‪،‬‬
‫وقد أ ّثر فعال استخدام املنهج املعتمد عىل متن لغوي يف النظريات املوجودة من حيث‬

‫‪ -1‬الذي أرشنا إليه تقسيم إمجايل يراعى فيه ضيق املكان عن ذكر التفصيالت غري املهمة فيام نحن بصدده‪.‬‬

‫‪-33-‬‬
‫استفزازها ومساءلتها وإثراؤها؛ فيمكن للسانيات املتون أن تسهم يف تطوير نظريات‬
‫اللسانيات أو حتى انتقاد التقليدي منها ورفضها يف مجيع فروع اللسانيات التطبيقية‪،‬‬
‫وقد أكّد ليتش ‪ )Leech, G., 1997:9( Leech‬أن حتليل املتن يمكن أن ُيستخدم يف‬
‫مجيع فروع اللسانيات (النظري منه أو التطبيقي)‪.‬‬
‫وبوجه عام هناك دوران يمكن للمتون أن تقوم هبام‪ :‬دور يف دراسة اللغة نفسها‬
‫وحتليلها‪ ،‬ودور يف تطوير أدوات حوسبة اللغة الطبيعية باعتبارها عنرصا مهام ملرحلة‬
‫تطوير الربجميات املستخدمة يف حوسبة اللغة(((‪ .‬ومع ما يف العلوم اللسانية من تداخل‬
‫أقسم املوضوع لغرض التوضيح والرشح مع‬ ‫وتكامل فسأحاول يف الفقرات التالية أن ِّ‬
‫التسليم بتداخل فروع العلوم وتقاطعها بشكل كبري قد يبدو لغري املتخصص رضبا من‬
‫التكرار‪.‬‬
‫املتون مصدر للبيانات الطبيعية‪:‬‬
‫القلب النابض وحجر‬‫َ‬ ‫ُيعد التحليل املبني عىل املادة اإلمربيقية واملعطيات الطبيعية‬
‫الزاوية للسانيات املتون‪ ،‬فبإمكان اللغوي االعتامد يف أحكامه عىل اللغة الفعلية‬
‫واستقرائها؛ لتكون أحكامه موضوعية بدل كوهنا ذاتية تعتمد عىل وعيه الشخيص‬
‫ومعرفته عن اللغة التي قد تكون ناقصة‪ .‬فاملتون تُعد مصدرا أساسيا وقوة استشهادية‬
‫للساين يف حتليله للظواهر اللغوية واستدالله هلا يف لغة ما‪ ،‬فوصف اللغة ووضع نظريات‬
‫هلا باعتامد املتن يقوم عىل املنهج العلمي للسلوك الفعيل لتلك اللغة وصوال الكتشاف ما‬
‫هو مطرد وما هو شاذ وما هو قليل باعتامد منهج إحصائي دقيق‪ ،‬كام تتيح املتون دراسة‬
‫اللهجات املحلية واإلقليمية أو هلجات القبائل بدل االعتامد عىل اللغة املعيارية الرسمية‬
‫وبدل االستغناء بنوع واحد من اللغة عن باقي التنوعات (انظر لنقاش هذه الفكرة‬
‫‪.)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:103‬‬

‫املتون واللسانيات‪:‬‬
‫متيل اللغة الطبيعية ‪-‬املكتوبة بوجه خاص‪ -‬يف بنائها اللغوي إىل الرتكيب والتعقيد‬
‫وطول اجلمل؛ بينام متيل كتب التنظري اللساين إىل اجلمل القصرية التي تقترص عىل مفردات‬

‫‪ -1‬يف الفقرات القادمة اعتمدت بشكل مكثف عىل املناقشة التي وردت يف (‪McEnery, Tony & Andrew‬‬
‫‪ )2005 ,Wilson‬خاصة فيام ال خيص التطبيقات واألمثلة عىل اللغة العربية‪.‬‬

‫‪-34-‬‬
‫قليلة ومجل قصرية تضم الشاهد فقط؛ وهلذا تزخر كتب اللسانيات بأمثلة مصنوعة‬
‫ليست من لغة احلياة الواقعية اليومية؛ بل إهنا إذا حاكاها متعلم اللغة تكون موضع تندر‬
‫وسخرية ودليال عىل أن مستخدمها يف سياق طبيعي متعلم للغة وليس من أبنائها‪.‬‬
‫واستدراكا هلذا الوضع غري الطبيعي بدأت مشاريع تأخذ منحى االعتامد عىل لغة‬
‫احلياة الفعلية بدل املصنوع الذي تكلفه اللساين املن ِّظر‪ .‬ولذلك تُعد املتون مصدرا مهام‬
‫يف الدراسات اللسانية يف استخدام شواهد فعلية من املتحدثني للتدليل عىل قضايا‬
‫لغوية‪ ،‬كام استُخدمت يف الشاهد النحوي وغريه يف الرتاث العريب‪ ،‬فاستخدام الشاهد‬
‫القرآين أو احلديث أو الشعر أو كالم العرب الذي تزخر به كتب اللغة والنحو العريب‬
‫ُيعد من قبيل اإلفادة من املتون املتاحة للدارس يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫أما يف الغرب فقد أكد بعض الباحثني أن تدريس لسانيات املتون وكيفية استغالهلا‬
‫واإلفادة منها يف التحليل اللساين بدأت تؤسس نفسها يف الدراسات اجلامعية وكذلك‬
‫العليا (‪ ،)McEnery, Tony, et al., 2006:97‬فهناك اجتاهان بدآ يؤسسان نفسيهام‪:‬‬
‫األول‪ :‬تدريس لسانيات املتون بوصفها فرعا من فروع اللسانيات وعلام قائام بذاته‬
‫له أصوله ومناهجه‪ .‬الثاين‪ :‬تدريسها لإلفادة منها يف فروع اللسانيات األخرى‪،‬‬
‫أي استخدامها بوصفها منهجا لإلفادة منها يف التنظري اللساين يف أي فرع من فروع‬
‫معرب‬‫اللسانيات‪ .‬كام أن هناك إمكانية لتعليم القواعد عن طريق التطبيق عىل متن َ‬
‫والتدرب عىل التحليل النحوي واإلعرايب من خالله ليكون تطبيقا تعليميا للتحليل‬
‫اللساين‪ ،‬فمجاالت اإلفادة من املتون يف التحليل اللغوي تزدهر يف الغرب حاليا‪ ،‬وهو‬
‫ما نجد له نظريا يف الرتاث اللغوي والنحوي العريب (انظر لنقاش مشابه ‪McEnery,‬‬
‫‪.)Tony & Andrew Wilson, 2005‬‬
‫املتون ودراسة املنطوق‪:‬‬
‫األصل يف املتن أن يشتمل عىل اللغة املكتوبة واللغة املنطوقة‪ ،‬فال يقترص عىل أحدمها‬
‫إال إذا كان يف أصل تصنيفه قد ُوضع لدراسة نوع واحد منهام‪ ،‬وال بد للمتن من أن يغطي‬
‫أصنافا متعددة من الكالم كالشعر‪ ،‬واإللقاء‪ ،‬واملحارضة‪ ،‬واللغة القضائية إلخ‪ ،‬كام ال‬
‫بد له من إعطاء صورة شاملة للمتكلمني‪ ،‬وأن يشتمل عىل معلومات عن املتغريات‬
‫التي تثري البحث مثل العمر‪ ،‬واجلنس‪ ،‬والطبقة االجتامعية؛ لتكون املتون بذلك شاملة‬
‫التعميم يف أي حكم واالطمئنان إىل إطالقه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يمكن من خالل شموهلا هذا‬

‫‪-35-‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك فاشتامل املتن عىل املنطوق يعطي اللغة الطبيعية موضوع الدراسة‬
‫صورة حقيقية بعيدة عن التصنع أو املعيارية‪ .‬وحتى تقوم املتون املنطوقة بدورها‬
‫الصحيح فال بد من تفريغها مع سامهتا الصوتية كالنرب‪ ،‬والتنغيم‪ ،‬والوقف‪ ،‬وزالت‬
‫اللسان والرتددات والرتاجعات وغريها من الظواهر اخلاصة باللغة املنطوقة‪ ،‬وهبذا‬
‫التفصيل يمكن دراسة هذه الظواهر الصوتية وعالقتها بالظواهر اللغوية مثل التحول‬
‫من لغة إىل أخرى لثنائي اللغة‪ ،‬أو التحول من فصحى إىل عامية أو العكس يف أصناف‬
‫متعددة يف الكالم‪ ،‬أو النرب يف مواضع من الكالم دون غريها‪.‬‬
‫وكام هو معلوم فاألنظمة الكتابية تغفل السامت الصوتية حني تسجيل اللغة املنطوقة‪،‬‬
‫وهو ما يشوه اللغة أو يعطي صورة ناقصة أو مضللة عنها؛ لذلك ال بد من تدارك ذلك‬
‫عن طريق حماولة تسجيل اللغة املنطوقة تسجيال حيافظ عىل صورهتا األصلية حني النطق‬
‫هبا باستخدام رموز تصف الظواهر اخلاصة باملنطوق (انظر لنقاش مشابه ‪McEnery,‬‬
‫‪ .)Tony & Andrew Wilson, 2005:104‬بل إن تعليم مهارات املنطوق واحلوار‬
‫يف كثري من الكتب املدرسية يعتمد عىل املكتوب املنزوع من السامت املميزة للمنطوق؛‬
‫وهلذا نجد بعض الطالب يتحدثون بلغة تقرب من اخلطابة التي تعلموها يف كتبهم‬
‫املدرسية وختلو من سامت احلوار وخصائصه كالتوقفات والنرب والتنغيم ومقاطعة‬
‫املتحدث واستخدام تراكيب تستخدم يف املنطوق وال تستخدم يف املكتوب مثل (أها‪،‬‬
‫الحظت اللغة اخلطابية طاغية عىل بعض املعلمني واملرشفني الرتبويني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إمم‪ ،‬إلخ)؛ بل‬
‫املتون ودراسة النحو‪:‬‬
‫تُعترب دراسات النحو إىل جانب الدراسات املعجمية ‪-‬التي سنتحدث عنها الحقا‪-‬‬
‫من أكثر الدراسات اللغوية التي اعتمدت عىل املتون وأفادت منها واستثمراهتا (�‪McEn‬‬
‫‪ .)ery, Tony & Andrew Wilson, 2005:109‬وتأيت أمهية املتن للنحو من حيث‬
‫متثيل العينة لرتكيب نحوي معني متثيال كميا إحصائيا‪ ،‬وكذلك لتأكيد فرضية نحوية‪ ،‬أو‬
‫قاعدة نظرية‪ ،‬أو تطويرمها‪ ،‬أو اختبارمها‪ ،‬أو توليدمها من األساس‪ .‬وتظهر أمهية مثل‬
‫هذه الدراسات يف إعطائنا صورة مم ِّثلة ومتكاملة عن صورة نحوية‪ :‬هل هي سامعية‪ ،‬أم‬
‫مطردة‪ ،‬أم شائعة‪ ،‬أم نادرة؛ فاحلكم عىل كلمة بأهنا مطردة أو نادرة كان يقوم سابقا عىل‬
‫اعتامد النحوي عىل معرفته باللغة؛ أما مع املتون فاحلكم عىل تركيب ما يقوم عىل أساس‬
‫علمي منهجي (إحصائي)‪.‬‬

‫‪-36-‬‬
‫وجيب التأكيد عىل أنه مل تنفك الدراسات النحوية من التنظري واالعتامد عىل احلدس‬
‫والذاتية حتى الربع األخري من القرن املايض (‪McEnery, Tony & Andrew Wilson,‬‬
‫‪ .)2005:110‬ولذلك بدأت ‪-‬يف اإلنجليزية مثال‪ -‬تظهر كتب القواعد املتخصصة التي‬
‫تعتمد عىل املتون يف تنظريها لدراسة بعض الظواهر النحوية كاالسم املوصول‪ ،‬وهذا‬
‫يفرق لنا بني النحوي املعياري والنحوي الوصفي الذي يصف‬ ‫النوع من الدراسات ّ‬
‫الظواهر املوجودة فعال‪ ،‬ومن املهم توضيح أنه حتى الوصفيون ال هيتمون بكل مثال بل‬
‫هيتمون بالظواهر األكثر شيوعا‪.‬‬
‫وهناك جانب آخر ألمهية املتون يف النحو وهو يف التفريق بني لغة املكتوب ولغة‬
‫املنطوق؛ إذ اعتمدت معظم كتب القواعد يف اإلنجليزية عىل املكتوب يف حني زعمت بعض‬
‫الدراسات أن االعتامد عىل املذهب التقليدي يف التقعيد الذي يعتمد عىل اجلمل املكتوبة‬
‫ال يصلح للمنطوق؛ إذ توجد فوارق بني اللغتني ‪))McEnery, Tony, et al., 2006:86‬؛‬
‫ُتهم باإلفراط يف ذاتيتها وقيامها‬
‫وهلذا فاملتون مصدر مهم ملق ِّعد اللغة ينأى بأحكامه من أن ت ّ‬
‫مهم (كاملنطوق)‪.‬‬‫يعتمد عىل جزء من اللغة (كاملكتوب مثال) ويغفل جز ًءا آخر ً‬
‫املتون والدراسات املعجمية‪:‬‬
‫قد تكون املتون نصوصا كاملة أو قد تكون عبارة عن شواهد وأمثلة الستخدام لغة‬
‫ما‪ .‬وباعتبار األمثلة والشواهد ‪-‬جتاوزا‪ -‬متنا فقد استخدم املعجميون منذ عهد قديم‬
‫يف دراساهتم اللغة الواقعية (املتون) التي استخدمها أهل اللغة أنفسهم بوصفها شواهد‬
‫لغوية‪ ،‬فليس هذا االجتاه جديدا يف الدراسات اللغوية؛ لكن اجلديد هو الثراء الذي‬
‫جاءت به لسانيات املتون كام سيأيت تفصيله يف هذا اجلزء‪ .‬وتعترب الدراسات املعجمية‬
‫من أكثر الدراسات اللغوية التي أفادت من املتون حيث ال يمكن تصور معجم دون‬
‫متن أو شواهد‪ .‬وال بد من التأكيد عىل أن مصنِّف املعجم يف السابق حني ال جيد أو ال‬
‫يتذكر مثاال حيا فإنه يتجه إىل خلق مثال معتمدا يف ذلك عىل حدسه ومعرفته باللغة؛‬
‫وهلذا فقد ساعد وجود املتن يف تصحيح مسار التنظري املعجمي وألغى االعتامد عىل‬
‫سليقة املعجمي يف قبول أو رد كلمة؛ إذ يرى بعض الدارسني أن سليقة املعجمي ليست‬
‫دائام صحيحة (‪.)Sinclair, 1991‬‬
‫ييس عمل املعجمي من ناحية االستغناء باملثال الفعيل‬
‫إن استخدام املتون يف املعجم ّ‬
‫عن احلاجة إىل خلق مثال مصطنع متكلف يف أحيان كثرية‪ ،‬كام أن وجود متن حاسويب‬

‫‪-37-‬‬
‫يسهل عملية بحث املعجمي عن الكلمة‪ ،‬وعن سياقها‪ ،‬وعن معلومات إضافية لذلك‬ ‫ّ‬
‫السياق كنوعه‪ ،‬وقائله‪ ،‬وجنسه‪ ،‬وعمره وغري ذلك من السامت التي تعني واضع املعجم‬
‫تيس‬
‫وتساعده عىل إخراج عمل وصفي دقيق‪ ،‬باإلضافة إىل أن وجود السامت النحوية ّ‬
‫عىل املعجمي عمله وجتعله يتفرغ لعمله األساس بدل التشتت بني علوم اللسانيات‬
‫املختلفة‪ .‬ومما يكشف لنا أمهية وجود هذه السامت والتوصيفات أننا نجد اللغة العربية‬
‫التي تفتقر إىل حوسبة مماثلة للغة اإلنجليزية يف جمال الصناعة املعجمية نجدها متأخرة‬
‫عنها يف املعاجم والتحليل اللغوي القائم عىل معاجم ومدونات‪.‬‬
‫وقد ُأ ّلفت يف اللغة اإلنجليزية معاجم كاملة تقوم عىل االستخدام احلي الفعيل‬
‫املتداول للمفردات‪ ،‬مثل معجم لونقامن لإلنجليزية املعارص ة (�‪The Longman Dic‬‬
‫‪( )tionary of Contemporary Englishh‬انظر �‪McEnery, Tony & Andrew Wil‬‬
‫‪ )son, 2005:106-109‬؛ بل أضاف هذا املعجم يف طبعته الثالثة عام ‪ 1995‬معلومات‬
‫إضافية مثل‪ :‬هل املفردة ضمن األلف أو األلفني أو الثالثة آالف كلمة الشائعة يف الكالم‬
‫أو الكتابة‪ ،‬وتعدى ذلك إىل معرفة ترصيفات الكلمة‪ ،‬وهل يشيع بعض التصاريف‬
‫لتوجد لوال‬
‫دون اآلخر أم ال‪ .‬فنجد هذا املعجم ثريا بمعلوماته ورشوحاته التي مل تكن َ‬
‫توفر متن معني يف هذا العمل الكبري‪.‬‬
‫وقد أفادت املعاجم أبعد من ذلك؛ إذ ظهر اجتاه يدرس شيوع معنى معني للكلمة‬
‫دون غريه (‪ ،)Word sense frequencies‬حتى ظهرت معاجم تدرس هذه الظواهر‬
‫الدقيقة التي ال يمكن دراستها وإنجازها دون متن موسوم سواء قام هبا شخص أو حتى‬
‫فريق عمل نظرا حلاجة هذه األعامل إىل وقت طويل وجهد كبري‪.‬‬
‫إن قدرة املتون عىل إظهار الكلامت ضمن استخدام واقعي مكّن الدارسني من‬
‫دراسة العالقات بني املفردات املتصاحبة فمثال معجم لونقامن لإلنجليزية املعارصة ‪The‬‬
‫‪ Longman Dictionary of Contemporary English‬اآلنف الذكر وضع بعض‬
‫اجلداول والرسومات لتوضيح سلوك بعض املفردات وعالقاهتا النحوية مثل الفعل‬
‫(حاول أن يعمل)‪ ،‬و(حاول عمل كذا)‪ ،‬وهكذا‪ .‬فكل هذه التوصيفات جتعل من قراءة‬
‫املعجم والرجوع إليه مصدر إثراء للباحث‪ ،‬والدارس‪ ،‬ومتعلم اللغة عىل حد سواء‪.‬‬
‫وقد ظهرت مفاهيم جديدة كاملصاحبات واملسكوكات والعبارات االصطالحية‪،‬‬
‫كام أفادت املتون يف التفريق بني الكلامت التي ُيتوهم أهنا مرتادفة؛ فبدراسة سلوك‬

‫‪-38-‬‬
‫املفردات املجاورة قد يظهر للباحث أن الرتادف سطحي فقط وال يشمل مجيع أوجه‬
‫املعنى وظالله‪ ،‬كام يمكن دراسة االشتقاق الرصيف وتفضيل بعض األبنية والرتاكيب‬
‫وشيوعها مثل استخدام (حاال) بدل (يف احلال)‪ ،‬أو (يوم كذا) بدل (يف يوم كذا)‪.‬‬
‫إذن أفادت املتون يف التأكيد عىل الشيوع وتكرار الكلمة‪ ،‬واملسكوكات‬
‫واالصطالحات‪ ،‬والتنوع االستخدامي ملفردة ما‪ ،‬واملفردة النحوية (مثال التعريف‬
‫بمفردة جمردة عن ملحقاهتا كالفعل الالزم جمردا من حرف اجلر)‪ ،‬واالستخدام الفعيل‬
‫ال االصطناعي املتكلف‪ ،‬كام أفاد املعجم يف قضية الكلامت الدخيلة من لغة إىل أخرى‪.‬‬
‫كام تساعد املتون يف دراسة ميل سلوك الكلمة إىل معنى معني وهو ما يسمى النظم‬
‫الداليل والتفضيل الداليل (‪)Semantic prosody and semantic preference‬؛‬
‫فهناك كلامت حينام تتصاحب تعطي معنى سلبيا أو إجيابيا مثل كلمة (رأي) و(شخيص)‬
‫فهام تعنيان شيئا ال يميل ال إىل سلبي وال إىل إجيايب؛ لكن قد يرى الباحث حني ورودمها‬
‫معا يف األمثلة الواقعية أهنام تعربان عن معنى سلبي أو انتقادي‪ .‬فالداللة هلا سلوك‬
‫معني وتفضيل معنى دون آخر يف االستخدام‪ .‬فاألجنبي أو حتى ابن اللغة قد جيهل‬
‫استخدامات معينة ملفردات اللغة التي ال تظهر إال يف أمثلة واقعية واستخدامات فعلية‬
‫ال تظهرها إال املتون املعدة هلذه األغراض‪ ،‬ومثلها كلمة (رشذمة) التي تأيت لوصف‬
‫جمموعة يف سياق سلبي وذم وتشنيع؛ يف مقابل لفظة (ثلة) أو (كوكبة) اللتني تأتيان‬
‫لوصف جمموعة يف سياق إلجيايب وثناء ومدح‪ .‬كل هذه التفريقات ما كان هلا أن تظهر‬
‫وتتطور بعيدا عن احلدس لوال املتون اللغوية (انظر ‪McEnery, Tony & Andrew‬‬
‫‪.)Wilson, 2005: 106-109‬‬
‫املتون ودراسة العالقات الداللية‪:‬‬
‫حتتاج دراسة العالقات اللغوية بني األلفاظ إىل شاهد ومثال من اللغة‪ ،‬وهلذا تعد‬
‫املتون من األسس التي قامت عليها الدراسة اللغوية الداللية دراسة موضوعية؛ فمعنى‬
‫املفردة جمردة يدل عليه املعجم ويصفه املعجمي؛ لكن ميزة املتن هو دراسة املفردة يف‬
‫حميط وسياق معني وكيفية سلوكها مع مفردات أخرى‪.‬‬
‫إننا قد نخرج بنتائج مهمة لو درسنا مثال استخدام السني وسوف للداللة عىل‬
‫املستقبل وما الذي حيكمهام بام حييط هبام أو العكس‪ ،‬كذلك تداخل األصناف‪ ،‬فمثال‬
‫النحويون يرون أن مفردة معينة فعل لكنها تسلك سلوك األسامء وال تدخلها عالماهتا‬

‫‪-39-‬‬
‫وهكذا‪ .‬ودراسة مثل هذه الظواهر ليست يسرية دون استخدام املتون؛ فدراسة املتون‬
‫يف الداللة تعطينا حكام قائام عىل شاهد حقيقي وموضوعي بدل الوصف التخميني‬
‫احلديس‪ ،‬وكذلك بإمكان املتن تزويدنا بالفروق الدقيقة بني املرتادفات أو شبه‬
‫املرتادفات‪ ،‬وكذلك يف استخدام مثال‪( :‬عمل كذا) أو (قام بعمل كذا)‪ ،‬أو يف استخدام‬
‫األلفاظ التالية للداللة عىل امللكية‪( :‬لدي)‪ ،‬و(عندي)‪ ،‬و(أملك)‪ ...‬ومثل استخدام‬
‫(ها) ليعود عىل مؤنث مفرد أو مجع‪.‬‬
‫وحتتاج دراسة املتون يف الداللة والعالقات الداللية إىل وقت وجهد لصعوبة‬
‫ميكنتها وآليتها؛ فهي تعتمد بشكل كبري عىل التحليل اليدوي للساين الذي يبحث يف‬
‫سلوك املفردات ويستكشف سياقاهتا وعالقاهتا مع املفردات األخرى؛ وهلذا ال يمكن‬
‫مقارنة إفادة النحو واملعجم من املتون بإفادة الداللة منها‪.‬‬
‫املتون ودراسة التداولية‪:‬‬
‫وكام هي احلال يف الداللة فدراسة التداولية املعتمدة عىل متن تعتمد عىل الوسم‬
‫والتحليل اليدوي ولذلك فهي حتتاج إىل وقت وجهد كبريين‪.‬‬
‫فمثال لو ُدرس استخدام كلمة (يعني) يف املنطوق واحلوار وكوهنا تعطي املتحدث فرصة‬
‫للتفكري وجتهيز ما سيقوله‪ ،‬وليس يقصد هبا املعنى احلريف للفظة‪ ،‬وكذلك متى تستخدم‬
‫نعم‪ ،‬أو صحيح‪ ،‬أو أكيد‪ ...‬وكام هي احلال يف استخدام األمر املبارش أو األمر بتلطف‪ .‬كل‬
‫هذه املظاهر التداولية يمكنها أن تُدرس مستثمرة املتون املؤلـَّفة هلذه األغراض‪.‬‬
‫وبسبب أنه يغلب عىل التداولية اعتامدها عىل املنطوق بشكل أكرب من اعتامدها عىل‬
‫املكتوب‪ ،‬وكذلك اعتامدها عىل وجود متن موسوم وحملل‪ ،‬فقد تأخرت هذه األنواع‬
‫من الدراسات إىل حد ما إذا ما قورنت بالنحو واملعجم‪.‬‬
‫وقد بدأت يف اآلونة األخرية دراسة التداولية التارخيية التي تدرس التحول التداويل‬
‫والتطور الداليل للمفردة عرب عصور‪ .‬ونظرا لكون التداولية من الدراسات التي يصعب‬
‫ميكنتها يف الوقت احلايل فال زالت إفادهتا من املتون يف بداياهتا‪.‬‬
‫املتون وحتليل اخلطاب‪:‬‬
‫يعتمد حتليل اخلطاب بطبيعته عىل متن لغوي‪ ،‬وهناك حتليل اخلطاب عىل نطاق‬
‫واسع وحتليله عىل نطاق ضيق ومتخصص‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة مدى شيوع مفردة عىل نطاق‬

‫‪-40-‬‬
‫واسع أي نطاق املتن بأصنافه اللغوية املتعددة‪ ،‬أو نطاق ضيق أي نطاق فن معني مثال‬
‫استخدام كلامت معينة يف الفن‪ ،‬وأخرى يف الدعوة‪ ،‬وأخرى يف احلياة األكاديمية‪ .‬كام‬
‫يمكن حتليل خطاب معني لشخص معني‪ ،‬ويعتمد عىل متن موجود لذلك الشخص‪.‬‬
‫وقد بدأ حتليل اخلطاب ينحو منحى متخصصا‪ ،‬مثل خطاب السياسة‪ ،‬وخطاب‬
‫اإلعالم‪ ،‬وخطاب املال واألعامل‪ ،‬وخطاب لغة القضاء‪ ،‬وخطاب اللغة الطبية‪ ...‬فمثال‬
‫مفردات شاعت خالل فرتة يف الصحافة ثم اندثرت وشاعت أخرى (وهذا اجلانب‬
‫يتداخل مع التداولية التارخيية التي مرت بنا يف الفقرة السابقة)‪ ،‬كاملفردات الثورية‬
‫يف عرص املد القومي‪ ،‬أو اخلطاب املاركيس يف حينه‪ ،‬أو اجلهادي يف عرص الصحوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬كام أن خطاب الصحافيات ولغتهن ختتلف عن خطاب الصحافيني الذكور‬
‫ولغتهم‪ ،‬وكام هي احلال يف الداللة والتداولية فاستخدام املتون يف حتليل اخلطاب ال زال‬
‫يف بدايته‪ ،‬وبدأ باالنتشار يف اخلطاب املتخصص يف حقل معني‪.‬‬
‫املتون واللسانيات االجتامعية‪:‬‬
‫الباحث يف اللسانيات االجتامعية يدرس عادة اللغة وعالقتها بجنس الكاتب‪،‬‬
‫أو طبقته االجتامعية‪ ،‬أو غريها من الصفات التي تساعده عىل أداء مهمته‪ ،‬ويمكن‬
‫للسانيات االجتامعية أن تستغل املتون لالستدالل عىل الظواهر االجتامعية التي تريد‬
‫دراستها؛ ولكن مل تُستثمر بصورة كبرية عىل الرغم من وجود بعض الدراسات يف هذا‬
‫امليدان‪ ،‬ويدور معظمها عىل حمور اللغة واجلنس مثل الدراسات التي تبحث يف التحيز‬
‫للمذكر يف استخدام الضامئر‪ ،‬وما موقع املرأة يف هذه االستخدامات‪ :‬هل هو موقع‬
‫الفاعل أم املستقبِل أم ماذا؟ وكذلك استخدام رجل رشطة ورجل أعامل يف مقابل ربة‬
‫بيت وسيدة منزل وهكذا‪.‬‬
‫وبسبب عزوف اللسانيني االجتامعيني عن دراسة املتون لعدم احتوائها عىل‬
‫املعلومات الرتميزية والسامت التي يبحثون فيها؛ فقد بدأ مصنِّفو املتون برتميزها‬
‫وتضمينها السامت اللسانية االجتامعية مثل‪ :‬جنس الكاتب وطبقته االجتامعية‪،‬‬
‫والكاتب وعمره‪ ،‬والكاتب وموقعه اجلغرايف وغريها من السامت‪ ،‬فهذه السامت التي‬
‫بدأ ُيلتفت إليها يف املتون اللسانية جتعل من املتن اللساين ميدانا خصبا للدرس اللساين‬
‫االجتامعي؛ ونتيجة لذلك بدأت دراسات مثل لغة العنف لدى أشخاص خمتلفي‬
‫اخلصائص واملشارب (‪.)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:115-117‬‬

‫‪-41-‬‬
‫وقياسا عىل ذلك يمكن مثال دراسة مظهر من مظاهر اللغة كالتلطف أو العنف أو سوء‬
‫استخدام السلطة أو غريها لدى األكاديمي‪ ،‬ولدى الداعية‪ ،‬ولدى الصغري وغريهم‪.‬‬
‫وقد ذكر ماكنري وولسون (‪)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:115‬‬
‫أن اللسانيات االجتامعية مثلها مثل اللسانيات التارخيية واللهجية واألسلوبية يف‬
‫اعتامدها عىل بيانات حمددة يف متن أو شواهد حمددة أكثر من اعتامدها عىل متون عامة‪.‬‬
‫بل إنه يف بعض األحيان يعمد اللساين االجتامعي إىل االستنطاق «‪ ،»elicitatoin‬أي أن‬
‫بياناته وأمثلته وشواهده غري طبيعية‪.‬‬
‫املتون واللهجات والتنوعات الكالمية‪:‬‬
‫ينصب االهتامم هنا عىل التنوعات اجلغرافية‪ ،‬وهذا فرع واسع من فروع اللسانيات‬
‫االجتامعية‪ ،‬ومثال ذلك متون اللغة اإلنجليزية الربيطانية‪ ،‬ومتون اللغة اإلنجليزية‬
‫األمريكية‪ ،‬واللغة املستعملة يف نيوزيلندا‪ ،‬واملستعملة يف اهلند أو غريها‪ ،‬وهذا النوع‬
‫من الدراسات بدأ يأخذ نصيبه من االهتامم يف اللغة اإلنجليزية (& ‪McEnery, Tony‬‬
‫‪.)Andrew Wilson, 2005:125‬‬
‫كام يمكن الرتكيز يف الدراسة عىل مظهر أو استخدام لغوي معني‪ ،‬مثل استخدام‬
‫حروف اجلر بني إقليم وآخر‪ ،‬ويمكن دراسة اللغة الوطنية أو الرسمية واللهجة املحلية‪،‬‬
‫وال يقترص فيها عىل الظواهر الصوتية واملفردات بل يمكن أن يتعدى ذلك إىل النحو‬
‫والقواعد والرتاكيب واملفردات‪ .‬وعن طريق هذه الدراسات املقارنة يمكن اخلروج‬
‫بنتائج مهمة يف اإلطار اللساين سواء للغة الرسمية أو اللهجة‪.‬‬
‫كام تفيد دراسة تنوعات الكالم كالفرق بني (يف احلقيقة‪ ،‬وحقيقة)‪ ،‬و (يف الواقع‪،‬‬
‫رصاحة‪ ،‬وبرصاحة‪ )...‬وما الفرق مثال يف لغة املحادثة واستخداماهتا ولغة املحارضة أو‬
‫اللغة األكاديمية‪ ،‬كام تُستخدم بعض الظواهر يف املنطوق بخالف املكتوب مثل اإلقالب‬
‫(ممبعدهم)‪ ...‬ومثل ذكر الفاعل والضمري بعد الفعل يف املحادثة‪( :‬ص ّلوا الطالب)‪...‬‬
‫وكون ذلك ممتنع ًا يف الكتابة‪.‬‬
‫وال بد من التأكيد عىل أن هذا النوع من الدراسات يتقاطع بشكل كبري مع اللسانيات‬
‫االجتامعية؛ لكن ألمهية دراسة اللغة اإلنجليزية ما بني األقاليم‪ ،‬ولوفرة بحوثها‬
‫وعلومها ُأفردت بحديث مستقل؛ بل صار لكل إقليم معامجه سواء مكتوبه أو منطوقه‪.‬‬
‫وقد يكون يف املستقبل مثيل له يف دراسة األقاليم الناطقة بالعربية‪ .‬كأن يدرس باحث‬

‫‪-42-‬‬
‫اللغة املستخدمة يف املرشق العريب وفرقها عن املستخدم يف املغرب العريب باالعتامد عىل‬
‫متون من اإلقليمني سواء صوتيا أو تركيبيا أو معجميا أو دالليا‪.‬‬
‫املتون واألسلوبية ولسانيات النص‪:‬‬
‫تتقاطع األسلوبية يف بعض جوانب دراستها مع دراسة تنوع اللهجات واجلنس‪،‬‬
‫وتدرس عادة العادات الكالمية والكتابية لشخص ما؛ إذ يميل تركيز األسلوبيني إىل‬
‫دراسة كاتب واحد أكثر من دراسة التنوع اللغوي يف نطاق كتّاب معدودين عىل رغم‬
‫وجود بعض األسلوبيني الذين يدرسون التنوع اللغوي لدى كتّاب عدة؛ وهلذا ال‬
‫يشكل املتن ميدانا واسعا هلم؛ إذا املتون عادة تضم كتّابا ال كاتبا واحدا‪.‬‬
‫ومهام يكن تركيز الدارس فالباحث األسلويب حيتاج يف أحكامه إىل سند كمي يدعم‬
‫حكمه حول كاتب معني‪ ،‬سواء يف اختياره ألسلوب معني أو يف اختيار كاتب ما من بني‬
‫كتّاب آخرين ألسلوب حمدد‪ .‬ومن هنا يأيت دور املتون يف هذا املجال ليكون جماال خصبا‬
‫للدراسة‪.‬‬
‫وتشكل املتون ميدانا خصبا لدراسة الفروق األسلوبية بني لغة الكتابة واللغة‬
‫املنطوقة‪ ،‬مثل‪ :‬دراسة إسرتاتيجيات النفي أو اإلثبات يف كل من اللغتني‪ .‬باإلضافة إىل‬
‫ُسجل اللغة املنطوقة كتابيا‪ ،‬وما التغريات التي حتصل خالل عملية‬ ‫دراسات كيف ت ّ‬
‫التسجيل وذلك لدراسة االختالفات بينهام (‪McEnery, Tony & Andrew Wilson,‬‬
‫‪.)2005:118‬‬
‫أما لسانيات النص فتتقاطع مع األسلوبية يف دراستها لبناء النص‪ ،‬وهو اجتاه من‬
‫اجتاهاهتا‪ .‬كام تشكّل دراسة لسانيات النص من خالل قناة الكالم (مكتوبا أو منطوقا)‬
‫أو نوع النص (كتابة علمية‪ ،‬صحفية‪ ،‬خيال علمي‪ ،‬دعوية‪ )...‬ميدانا ثريا يف املتون‪،‬‬
‫وهناك دراسات األنواع الكالمية واعتامد جنس أو نوع معني من الكالم عىل مفردات‬
‫أو أنواع نحوية معينة وتشكّل ميدانا خصبا للدراسة يف هذا املجال‪.‬‬
‫وال شك أن هذا النوع من الدراسات حيتاج إىل أن يكون املتن موسوما من حيث‬
‫اخلصائص التي حيتاجها الباحث يف هذا امليدان‪ ،‬وهو ما بدأت تتداركه بعض املتون‬
‫احلديثة؛ لكن هذا ال يعني أال يقوم الباحث بنفسه بتصنيف متن يضم العنارص‬
‫واخلصائص التي حيتاجها يف دراسته؛ إذ أصبح من السهل يف الوقت احلايل تصنيف متن‬
‫كبري يف وقت قصري وجهد قليل نظرا للثورة التقنية‪.‬‬

‫‪-43-‬‬
‫املتون واالكتساب اللغوي وتدريس اللغة‪:‬‬
‫يمكن للمتون أن تكون مصدرا مهام يف العملية التعليمية من عدة مسارات‪:‬‬
‫‪1 )1‬االكتساب اللغوي‪.‬‬
‫‪2 )2‬دراسة اللغة املرحلية لدارس اللغة‪.‬‬
‫‪3 )3‬إفادة املدرس منها يف تعليم اللغة‪.‬‬
‫‪4 )4‬إفادة دارس اللغة منها يف تعلم اللغة‪.‬‬
‫فهذه أربعة جماالت ستناقش يف الفقرات القادمة‪.‬‬
‫ففي احلني الذي متيل فيه كتب تعليم اللغة بطبيعتها التوضيحية وقيود الزمان واملكان‬
‫إىل استخدام األمثلة القصرية والواضحة وغرياملعقدة؛ يف املقابل نجد أن اللغة الطبيعية‬
‫متيل إىل الرتكيب واستخدام السياق واالستغناء به عن اللغة امللفوظة يف املواقف الطبيعية‬
‫للحياة اليومية؛ مما يدفع بواضع املنهج واملدرس إىل إعطاء أمثلة مصنوعة واالستغناء هبا‬
‫عن التي تعتمد االختصار ويشوهبا الغموض أحيانا بسبب اعتامدها عىل أمور غري لغوية‬
‫منطوقة‪ .‬وهذا ما جعل بعض الباحثني ينتقد أسلوب الكتب املؤ َّلفة لتعليم اللغة؛ فمن‬
‫الدراسات الطريفة التي بدأت تؤسس نفسها يف الغرب منتقدة هذا األسلوب التعليمي‬
‫دراسات مقارنة األمثلة يف الكتب املقررة لتدريس اللغة اإلنجليزية باملتون املوجودة‬
‫للمتحدثني األصليني‪ ،‬وقد وجدت هذه الدراسات فروقا بني هذين األسلوبني‪ ،‬وهو ما‬
‫يطرح عالمة استفهام حول الفائدة املرجوة من تدريس األجنبي وتعويده عىل مثل هذه‬
‫األمثلة املصنوعة (‪،)Conrad, Susan M. and Kimberly R. Levells, 2010:545‬‬
‫بل أكد بعض الباحثني أن دراسة اإلنجليزية مثال ووصفها باعتامد متن ما قد ينتج مبادئ‬
‫وآراء ختتلف عن كتب القواعد التقليدية (‪.)Hunston, S, 2002:169‬‬
‫و قد بدأ واضعو املناهج يف استدراك هذا اخللل فنشأت مشاريع تأخذ منحى االعتامد‬
‫عىل لغة احلياة الفعلية بدل املصنوع املتكلف‪ ،‬وقد أكد بعض الباحثني أن تدريس‬
‫لسانيات املتون وكيفية اإلفادة منها واستغالهلا يف تدريس اللغة بدأ يؤسس نفسه يف‬
‫الدراسات اجلامعية والعليا ‪-‬يف الغرب‪.)McEnery, Tony, et al., 2006:97( -‬‬
‫وقد بدأت دراسات منهج املتون تفيد يف جمال التدريس‪ ،‬ونظرية اللغة‪ ،‬ونظرية‬
‫التدريس أي فلسفتها‪ ،‬واملادة التي تُدرس أي يف اختيار املادة التي تُدرس‪ ،‬وكيف‬
‫ُصمم (فهي مفيدة للمدرس‪ ،‬وملصمم املنهج‪ ،‬ولكاتب املادة التعليمية‬ ‫ُدرس وكيف ت َّ‬‫ت َّ‬

‫‪-44-‬‬
‫متكنهم من تقرير حمتوى الربنامج الدرايس‪ ،‬والتامرين املساعدة لطالب اللغة‪ ،‬وتعطيهم‬
‫القدرة عىل تطوير الوسائل التعليمية‪ ،‬واألنشطة الصفية)‪ ،‬كام ظهرت اإلفادة من املتون‬
‫يف تدريب مدريس اللغة عىل اللغة الطبيعية‪ ،‬ويف اختبارات اللغة يف بنائها‪ ،‬وتصنيفها‪،‬‬
‫واختيارها؛ فباستخدام املتون تكون املادة املدروسة مادة حية مستعملة‪ ،‬وتتيح تفاعل‬
‫الطالب مع املتن حتليال ودراسة‪.‬‬
‫كام بدأ استخدام املتون يف دراسة اللغة املرحلية التي تعد مرحلة مفيدة يف االكتساب‬
‫اللغوي‪ ،‬وذلك عن طريق دراسة لغة متعلم لغة ما لتحليل أخطائه‪ ،‬وملقارنتها بلغة ابن‬
‫اللغة‪ ،‬أو مقارنة متون متعلمني للغة واحدة بعضهم ببعض لدراسة تأثري لغاهتم األم‬
‫يف مقابل مراحل التطور العاملية للغة اهلدف‪ .‬وهذه الدراسات تقوم عىل فلسفة‪ :‬إذا‬
‫أردنا فهم االكتساب اللغوي بناء عىل لغة املتعلم املرحلية فعلينا إجياد متن هلذا املتعلم‪،‬‬
‫وهذه املتون موجودة للغة اإلنجليزية وغريها من اللغات خالفا للعربية عىل حد علمي‬
‫إال عىل نطاق ضيق مؤخرا‪ ،‬وكام توجد اآلن متون لداريس اللغة‪ ،‬توجد متون للغة‬
‫التعلم يف الفصل الدرايس‪ .‬ورغم تعدد جماالت اإلفادة من لسانيات املتون يف دراسات‬
‫االكتساب اللغوي إال أهنا ال تزال يف بدايتها (‪Conrad, Susan M. and Kimberly‬‬
‫‪ )R. Levells, 2010:545‬وهي مصدر ثري للدراسة‪.‬‬
‫وكذلك انترش االعتامد عىل املتون يف تدريس اللغة ألغراض خاصة كاللغة‬
‫األكاديمية‪ ،‬واللغة التواصلية‪ ،‬واللغة الطبية‪ ،‬واللغة الرياضية‪ ،‬واللغة التقنية‪ ،‬ولغة‬
‫العلوم الطبيعية إلخ‪ .‬وهي من امليادين التي تعد فيها هذه املتون مصدرا ثريا هلذه الربامج‬
‫من حيث املفردات‪ ،‬ومدى شيوعها‪ ،‬وكيفية استخدامها‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫كام أن هناك إمكانية الستخدام املتن فيام يعرف بتدريس اللغة عن طريق احلاسوب‬
‫(‪ ،)Computer-assisted language learning:CALL‬ومل يقترص دور املتون عىل‬
‫دراسته من قبل املدرس أو اخلبري بل تعداه إىل املتعلم نفسه‪ ،‬حيث يقوم الطالب ‪-‬خاصة‬
‫املؤجه بالشواهد (‪data-driven‬‬ ‫َّ‬ ‫املتقدم‪ -‬بتحليل اللغة وحماكاهتا فيام يعرف بـالتعلم‬
‫‪ ،)learning: DDL‬ويسمى أيضا التعلم االستكشايف (‪( )discovery learning‬سيأيت‬
‫تفصيل ذلك يف الفصل الثاين من هذا الكتاب)‪.‬‬
‫ويغلب استخدام املتون يف االكتساب اللغوي عن طريق استخدام املدرسني‬
‫باملفهرس أو الكشاف السياقي أو املكشاف (‪،)concordance‬‬ ‫ِ‬ ‫والطالب ملا يعرف‬

‫‪-45-‬‬
‫فاملتون مفيدة يف اإلجابة عن تساؤالت الطالب األجنبي يف الفرق بني استخدام‬
‫مفردة أو تركيب واستخدام مفردة أو تركيب آخر‪ ،‬فاحلدس ال يملك اإلجابة دوما‪،‬‬
‫كام أن احلدس يتطلب ابن لغة؛ لكن املفهرس لديه إجابة واقعية يمكن بالنظر إليها‬
‫وحتليلها اخلروج بإجابة وصفية أقرب إىل الدقة من اإلجابة التلقائية التي تقوم عىل‬
‫احلدس والتخمني‪ .‬فمثال كلمة (شجب) و(استنكر) قد يصعب التفريق بينهام حدسا‬
‫مع عدم وجود تفريق جيد يف املعاجم؛ لكن يف االستخدام الفعيل والشواهد احلية قد‬
‫جيد الطالب أو املدرس ما يستطيع التفريق من خالله بني املفردتني إما يف السياقات أو‬
‫النظم الرتكيبي للجمل التي وردت فيها‪.‬‬
‫واعتامد املتون يف التدريس واالكتساب اللغوي يتوافق مع مبادئ شائعة يف تعليم‬
‫اللغة‪ ،‬منها (‪:)Conrad, Susan M. and Kimberly R. Levells, 2010:548‬‬
‫Ÿ Ÿاستقاللية املتعلم‪ ،‬باعتامد الطالب عىل نفسه بدل اعتامده عىل املدرس يف كل‬
‫يشء‪ .‬حيث يقوم الطالب بعملية البحث والتحليل‪ ،‬ويقترص دور املدرس عىل‬
‫التوجيه واإلرشاف‪.‬‬
‫Ÿ Ÿحني حياول الطالب التعميم فإنه يامرس عملية توليد فرضية واختبارها‪ ،‬وهذا‬
‫ينمي عنده احلس العلمي للبحث‪.‬‬
‫Ÿ Ÿيقوي التحليل االستقرائي بدل املنهج االستداليل الذي يقوم عليه النحو‬
‫التقليدي‪.‬‬
‫Ÿ Ÿالتحليل بنوعيه يقوي عملية املالحظة واإلدراك الواعي‪.‬‬
‫و ُيعد استخدام املتون يف هذه املجاالت التعليمية من أثرى املجاالت يف اللغة‬
‫اإلنجليزية وغريها من اللغات احلية‪ .‬وينبغي أن يكون ألهل العربية دور يف هذا امليدان‪.‬‬
‫املتون واللسانيات التارخيية‪:‬‬
‫يمكن للمتون التي ُتفظ عن السابقني أن تكون مصدرا غنيا للغات امليتة‬
‫وللحضارات القديمة‪ ،‬وقد يرى اللساين التارخيي أن يركز عىل ظواهر معينة لسانية‬
‫ويدرسها‪ ،‬ويمكن عىل أساس اعتبار املتون مادة غنية للسانيات التارخيية أن ُيفاد منها‬
‫يف جمالني (‪:)McEnery, Tony & Andrew Wilson, 2005:123‬‬
‫األول‪ :‬أن تُصنع املعاجم التي تدرس مراحل التطور الداليل للمفردا ت �‪diachron‬‬
‫‪ ،ic‬والتغري الذي يطرأ عىل املفردات عىل أساس تارخيي تعاقبي خالل عصور سابقة‬

‫‪-46-‬‬
‫(دراسة عمودية)‪ ،‬ويمكن تقسيم التاريخ إىل فرتات لدراسته لسانيا ولغويا عن طريق‬
‫اللغة املستخدمة يف ذلك العرص التارخيي؛ فاملتون اللغوية لعرص من العصور تعد كنزا‬
‫علميا ووثيقة تارخيية ال يمكن جتاهلها‪.‬‬
‫اآلخر‪ :‬دراسة األلفاظ من الناحية التارخيية يف فرتة معينة ‪( synchronic‬دراسة‬
‫أفقية) بدراسة شيوع ألفاظ أو خالفه لدراسة اشتقاقها وأصلها وهل جاءت بتأثري لغة‬
‫أو أ ّثرت يف لغة أخرى أم ال‪ .‬وال بد يف هذا النوع من الدراسات من توفر مادة ثرية‬
‫يمكن من خالهلا االطمئنان إىل صحة الفرضيات التي تقوم عليها الدراسة‪ .‬وال شك‬
‫أن اللغة العربية حتتفظ بكنوز الرتاث العريب وعيونه مما جيعل منه ميدانا خصبا ملثل هذا‬
‫النوع من الدراسات‪.‬‬
‫إن املدونة العربية املتاحة عىل الشبكة التي أنشأهتا مدينة امللك عبدالعزيز للعلوم‬
‫والتقنية تعد ميدانا خصبا إلجراء النوعني من الدراسات‪ ،‬فيمكن عىل سبيل املثال‬
‫أن أدرس لفظة (مدونة) وتطورها التارخيي عىل مدى العصور السابقة إطالقها عىل‬
‫املدونات الفقهية‪ ،‬ويمكن أن أجري عليها دراسة أفقية بالنظر إىل استخدامها يف العرص‬
‫احلارض وإطالقها عىل املدونة الشخصية (‪ )blog‬يف جمال‪ ،‬وإطالقها عىل املتون يف جمال‬
‫الدراسات اللسانية‪.‬‬
‫املتون واللسانيات النفسية‪:‬‬
‫هناك من يرى أن اللسانيات اللغوية النفسية بطبيعتها علم ينبغي أن ُيدرس يف املخترب‬
‫حول عمليات اإلدراك والوعي العقيل لإلنسا ن (�‪McEnery, Tony & Andrew Wil‬‬
‫‪ ،)son, 2005:127‬ومع ذلك فللمتون دور يمكن أن تقوم به يف اللسانيات النفسية‬
‫مثل‪ :‬تعود املتحدث عىل عدد معني من املفردات‪ ،‬أو ميله إىل الرتكيز عىل استخدام زمان‬
‫معني لدرجة أن يصري استخدامه هلذه املفردات أو لزمن معني بمنزلة عالمة لغوية فارقة‬
‫ومميزة له حتدده عن غريه من متحدثي اللغة‪.‬‬
‫زلت اللسان يف املحادثة بناء عىل متن موجود يرصد هذه املحادثة‪،‬‬ ‫كام يمكن دراسة ّ‬
‫كذلك فاملتن مفيد يف عالج عيوب الكالم التي تصدر أثناء عملية الكالم‪ ،‬وأثناء مراحل‬
‫التطور يف هذه العيوب واملراحل‪ ،‬كام أن دراسة اللغة بناء عىل متن ملن عنده عيوب نطق‬
‫أو للطفل العادي يف مراحل تطوره ونموه اللغوي مفيد جدا يف دراسات االكتساب‬
‫اللغوي وعالج عيوب الكالم‪ ،‬وهبذا يتم عالج النطق أو وصف مراحل االكتساب‬

‫‪-47-‬‬
‫اللغوي دراسة علمية موثوقة العتامدها عىل مناهج إحصائية بدل التخمني والتنظري‬
‫وحدمها‪ ،‬كام يمكن باالعتامد عىل متن موجود دراسة غموض مفردات معينة أو أنواع‬
‫معينة من الكالم واستخداماهتا لدى متكلمني أو كتّاب معينني‪.‬‬
‫املتون والدراسات الثقافية‪:‬‬
‫لكي يوصف املتن بإحاطته وشموليته ومتثيله للغة فهذا يتطلب وضع سامت‬
‫املتن وسياقاته التي تكشف للباحث عن الرشوط والصفات الثقافية لصاحب املتن‪،‬‬
‫ويستطيع الباحث املتخصص بدراسة مثل هذه املعلومات والبيانات املتوفرة أن يلمح‬
‫فيها مالمح ثقافية ملجموعة ثقافية معينة‪.‬‬
‫ففي اللغة اإلنجليزية عىل سبيل املثال بينت بعض الدراسات شيوع ألفاظ اجلريمة‬
‫والعنف يف املتن األمريكي مقارنة بالربيطاين مما يعكس ثقافة السالح يف املجتمع األمريكي‬
‫(‪ ،)Leech, G., and Fallon, R., 1992‬ويف اللغة العربية يمكن أن تقوم دراسات لسانية‬
‫ثقافية تبحث يف بعض الظواهر اللغوية مثل العادات الكتابية بني املرصيني والسوريني‬
‫كنقط الياء املتطرفة من عدمه‪ ،‬ومثل استخدام املرشق العريب للغة ما أو أسلوب معني‬
‫مقارنة باملغاربة‪ ،‬وكذلك االشتقاقات يف االستخدام ما بني دولة وأخرى والتي تعكس‬
‫بعدا ثقافيا للدولة أو ملجموعة الدول كميل املغاربة إىل االشتقاق من األسامء اجلامدة أكثر‬
‫من ميل املشارقة (وهذا حكم معتمد عىل الظن واحلدس)‪ ،‬ومثل ذلك استخدام ألفاظ‬
‫املناصحة والدعوة الوسطية باململكة العربية السعودية التي تعكس بعدا ثقافيا‪ ،‬ومن‬
‫املمكن مالحظة ألفاظ العوملة‪ ،‬وحقوق اإلنسان‪ ،‬وثقافة حقوق املرأة يف بعض الثقافات‪،‬‬
‫مها وهاجسا ثقافيا لدى األمة املعنية بالدرس اللساين‪ .‬وال شك أن هذا‬ ‫وهو ما يعكس ّ‬
‫النوع من الدراسات مل يلق االهتامم الذي يليق به يف عاملنا العريب‪.‬‬
‫بل إننا يمكن أن نلحظ القيم الثقافية لدى جمتمع من خالل متن لغوي له؛ فاملجتمع‬
‫الذي يتحدث باأللفاظ التي تدور عىل الكرامة واملامنعة السياسية مثال يمكن أن نعرف‬
‫أنه يعيش هاجسا حربيا؛ بينام املجتمع الذي تشيع فيه مفردات الرفاهية والتنمية مثل‬
‫دول اخلليج يمكن أن نستدل عىل أن التنمية واالزدهار له قيمة عليا يف تلك الدول‪.‬‬
‫ويف دراسة قائمة الشيوع لأللفاظ األكاديمية التي قام هبا الباحث والثبيتي (‪)2017‬‬
‫لوحظ شيوع أسامء سور القرآن الكريم مثل (األنعام) و(البقرة)؛ وذلك ملكانة القرآن يف‬
‫االستدالل العلمي خاصة الفقهي واللغوي‪ ،‬كام لوحظ شيوع أسامء األعالم كالزركيل‬

‫‪-48-‬‬
‫وابن تيمية مما يعطي إشارة إىل تأسيس اخلطاب والتفكري عىل ما كان يف املايض‪،‬‬
‫ويعطي إشارة أيضا بأمهية الرتاث يف احلقل األكاديمي العريب‪ ،‬ومثل األعالم أسامء‬
‫الكتب كالكشاف واألعالم‪ .‬هذا كله يعطينا بعض املالمح واإلشارت الثقافية خلطاب‬
‫األمم من خالل كتاباهتا األكاديمية التي تعد أعىل الكتابات وأكثرها زعام باملوضوعية‬
‫واحليادية وعدم التحيز‪.‬‬
‫املتون واللسانيات اجلنائية‪:‬‬
‫تتعلق اللسانيات اجلنائية باملرافعات واملحاكامت القضائية واستخدام الدليل‬
‫الشط‪ ،‬وقد بدأت املتون تؤدي دورا‬ ‫اللغوي يف القضايا املرفوعة للمحاكم وأقسام ُّ َ‬
‫مهام يف اللسانيات اجلنائية لتأثريها يف حياة الناس‪ ،‬ومن جماالت دراستها‪ :‬دراسة لغة‬
‫القانون والقضاء عموما‪ ،‬واخلطاب يف املحكمة‪ ،‬ونسبة الدليل اللغوي إىل صاحبه يف‬
‫قضية ما كاالعرتاف والشهادة‪ ،‬ونصوص الفدية‪ ،‬أو االبتزاز‪ ،‬أو االنتحار‪ ،‬وكذلك‬
‫املوضوع الواسع القديم املتجدد‪ :‬الرسقة األدبية واألمانة العلمية واحلقوق الفكرية‪.‬‬
‫ويف الغرب بدأ هذا التخصص يأخذ حيزا من االهتامم والبحث‪ ،‬فمثال هناك نوع‬
‫من الدراسات يركّز عىل قضية هل ُن ْطق القايض باحلكم حيمل ألفاظا متحيزة‪ ،‬أو أدبية‪،‬‬
‫أو قانونية حمددة وحمايدة؛ وذلك ملعرفة مدى حتيزه وعاطفيته من حياديته‪ ،‬وهل هذه‬
‫األلفاظ عرضة الختالف التفسري والتأويل أم ال‪ .‬وتعد هذه املنطقة من املناطق الواعدة‬
‫يف املستقبل؛ إذ تبني دورها الكبري الذي تقوم به يف املجتمع من جانب أمني وقضائي؛‬
‫فباستطاعة الدارس يف هذا امليدان حتديد البصمة اللغوية لشخص أو جمرم حمدد‪ ،‬كام‬
‫يستطيع الباحث الضليع أن يقرر مدى اعتامد القايض يف أحكامه عىل العاطفة بدراسة‬
‫حيثيات أحكامه‪ .‬وبكل أسف ال يوجد ما يدل عىل أي أثر هلذا امليدان يف عاملنا العريب‪.‬‬
‫قاض ما‪ ،‬وهل يستند يف تعليله ألحكامه‬ ‫ٍ‬ ‫فيمكن لشخص أن يدرس مثال أحكام‬
‫عىل املنطق أو العرف أو املستند القانوين أو الرشعي‪ ،‬وكذلك حجج املدعني هل تستند‬
‫عىل النصوص أم عىل املنطق والعرف‪.‬‬
‫املتون والدراسات التقابلية والرتمجية‪:‬‬
‫املقصود بذلك مقابلة لغتني ببعضهام من حيث نظرية حتليل كل لغة‪ ،‬أو وصفها‪ ،‬أو‬
‫عبت كل منهام عن‬ ‫ترمجتها‪ .‬فمن حيث النظرية تُقابل لغة بلغة أخرى وتقارن كيف ّ‬

‫‪-49-‬‬
‫الفكرة بأسلوهبا ونحوها اخلاص هبا‪ ،‬وال يتم ذلك إال يف ظل وجود متن لكال اللغتني‪.‬‬
‫ويف الرتمجة تعد املتون متعددة اللغات مصدرا غنيا لدراسات الرتمجة أو تدريسها‬
‫بمقارنة ترمجة لغة إىل أخرى ونص يف لغة مع نص يف لغة أخرى؛ فاملتون متعددة اللغات‬
‫مصدر مهم للرتمجة اآللية (‪ )machine translation:MT‬وكذلك للرتمجة بمساعدة‬
‫احلاسب (‪ .)computer-assisted translation:CAT‬وجمال اإلفادة من املتون يف‬
‫الرتمجة من أكثر امليادين التي أثرت البحث العلمي يف الغرب‪ ،‬فعىل سبيل املثال حني‬
‫مقابلة لغة برتمجتها يف لغة أخرى قد جيد الدارس أن اللغتني ختتلفان يف استعامل املفردات‬
‫الوظيفية أو املعجمية للنص نفسه‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك تعد املتون متعددة اللغات مفيدة لتدريب املرتمجني العاملني يف‬
‫ميدان الرتمجة‪ ،‬ومفيدة أيضا لتقييم عمل املرتمجني املتدربني‪.‬‬
‫والرتمجة اآللية هلا منحيان أو منهجان‪ :‬منحى أو منهج معتمد عىل القاعدة (‪rule-‬‬
‫‪ ،)based approach‬ومنحى معتمد عىل املثال (‪ ،)example-based approach‬وهذا‬
‫ويؤسس عليها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫األخري هو جمال املتون الذي يعتمدها‬
‫املتون وعلم النفس االجتامعي‪:‬‬
‫ال تقترص اإلفادة من املتون عىل اللغويني فقط؛ بل تتعداهم إىل غريهم يف امليادين‬
‫والتخصصات األخرى؛ فيمكن للغة الطبيعية التي يسجلها املتن أن تكون مصدرا مهام‬
‫لتحليل علامء النفس االجتامعيني‪ ،‬مثل استخدام إسرتاتيجيات الرشح‪ ،‬والتفسري‪ ،‬أو‬
‫التعليل يف ميدان علم النفس االجتامعي الذي حيتاج يف إنتاج نظرياته واختبارها إىل لغة‬
‫طبيعية صادرة فعال من متحدثيها؛ فمثال‪ :‬هل يستخدم شخص ما نظريات االستدالل‬
‫بناء عىل منهج شخيص أو بناء عىل مذهب مجاعة أو غري ذلك (& ‪McEnery, Tony‬‬
‫‪ ،)Andrew Wilson, 2005:129‬وهذه من امليادين اخلصبة للبحث التي حتتاج إىل متن‬
‫تعتمد عليه يف نظرياهتا وحتليلها‪.‬‬
‫وبعد أن درسنا بإجياز إسهام لسانيات املتون يف علوم اللغة‪ ،‬واالجتامع‪ ،‬والنفس‪،‬‬
‫أي يف علوم اللغة ذاهتا حتليال‪ ،‬وسربا لنظريات‪ ،‬أو اختبارا هلا‪ ،‬وجماالهتا يف الغرب يف‬
‫بعض ميادينها‪ ،‬وما يمكن أن تسهم به يف اللغة العربية ننتقل إىل مناقشة إسهام املتون يف‬
‫هندسة اللغة وحوسبتها‪ .‬وهو جمال معاجلة اللغة الطبيعية( (�‪natural language pro‬‬
‫‪ )cessing:NLP‬واللسانيات احلاسوبية (‪.)computational linguistics‬‬

‫‪-50-‬‬
‫جماالت إسهام املتون يف التطبيقات احلاسوبية وهندسة اللغة‪:‬‬
‫هناك عدة جماالت وتطبيقات تعتمد عىل املتن يف تصميمها‪ ،‬وقد أفادت منه بشكل‬
‫كبري‪ ،‬وسنناقش يف الفقرات القادمة بعض هذه املجاالت‪.‬‬
‫وسم نوع الكلمة (‪:)Part-of-speech tagging‬‬
‫تقوم هذه التقنية عىل إعراب (خيتلف عن اإلعراب النحوي التقليدي) الكلمة‬
‫ببيان نوعها‪ .‬واملح ِّلل نوعان‪ :‬نوع يعتمد عىل القواعد املل َّقمة للمحلـِّل‪ ،‬والنوع اآلخر‬
‫معرب‪ .‬وحتتاج املحلالت‬ ‫يعتمد عىل اإلحصاء‪ ،‬وهذا األخري هو الذي حيتاج إىل متن َ‬
‫(الواسامت) يف تصميمها إىل متن تبني عليه إحصائياهتا لكي تعطي إمكانية إعراب‬
‫حني صالحية أنواع متعددة لكلمة من الكلامت؛ فلكي يقوم الربنامج ِ‬
‫املعرب بعملية‬
‫معرب نحويا إعرابا يدويا‬
‫كب‪ ،‬فإنتاج متن َ‬ ‫اإلعراب آليا ال بد أن يعتمد عىل متن ص ُغر أو ُ‬
‫يف البداية هو نقطة األساس التي يعتمد عليها املحلـِّل (الواسم) اآليل‪ ،‬ويف حني ُيعد‬
‫املتن نقطة انطالق وتأسيس للمحلـِّل (الواسم) ُيعد أيضا مستفيدا طرفيا منه‪ ،‬فالعالقة‬
‫بينهام عالقة تبادلية ذات اجتاهني وليست عالقة باجتاه واحد‪ ،‬بمعنى أنه يمكن أن ُيعرب‬
‫جزء من املتن يدويا‪ ،‬وبعد تدريب الربنامج عىل اإلعراب اآليل يقوم بإعراب باقي املتن‪.‬‬
‫املعجم اآليل‪:‬‬
‫خيتلف استخدام اللغة يف متن طبيعي عن تنظري استخدامها يف املعاجم التقليدية‪،‬‬
‫وقد أفادت املعاجم اآللية من املتون بأنواعها التالية‪:‬‬
‫Ÿ Ÿاملعاجم أحادية اللغة‪.‬‬
‫Ÿ Ÿاملعاجم متعددة اللغات‪.‬‬
‫Ÿ Ÿبنوك املصطلحات‪.‬‬
‫ففي املعاجم أحادية اللغة استُخدمت املتون لدراسة العالقات النحوية والداللية‬
‫بني كلمة وأخرى مما أثرى دراسة املسكوكات واملتصاحبات‪ ،‬فتعتمد الدراسة عىل مدى‬
‫شيوع ورود كلمة مصاحبة ألخرى بناء عىل عملية إحصائية دقيقة‪.‬‬
‫ويف املعاجم متعددة اللغات تفيد املتون يف دراسة مقارنة الكلامت‪ ،‬وشبه اجلملة‪،‬‬
‫والرتاكيب يف لغة بأخرى؛ فإنتاج معجم ثنائي أو متعدد اللغة آليا يسهل إذا كان هناك‬
‫متون مقارنة بني لغتني أو أكثر‪.‬‬

‫‪-51-‬‬
‫واملتون أيضا مهمة يف بنوك املصطلحات خصوصا يف التخصصية منها‪ ،‬وهذان‬
‫النوعان (املعاجم متعددة اللغات وبنوك املصطلحات) مهامن يف الرتمجة اآللية أيضا‪.‬‬
‫وهبذا أصبحت تنترش املعاجم التي تعتمد عىل التقنية اآللية يف بنائها سواء من ناحية‬
‫معنى الكلمة يف لغة‪ ،‬أو ترمجتها يف لغة أخرى‪ ،‬أو حتى بيان نوع الكلمة يف املعجم‪ ،‬وشيوع‬
‫نو ٍع مقارن ًة بنوع آخر‪ .‬وهو حقل واعد لكن ينتظر تفعيله بشكل قوي يف العامل العريب‪.‬‬
‫التحليل النحوي عىل مستوى اجلمل والرتاكيب (‪:)Parsing‬‬
‫باستطاعة املحلـِّل اآليل النحوي أن يقوم بعدة مهام متتالية يف أداء وظيفته‪ ،‬وهذه‬
‫املهام هي‪ :‬حتديد الكلامت يف اجلمل‪ ،‬ثم إعطاء حتليل نحوي لكل كلمة‪ ،‬ثم توصيف‬
‫ما يزيد عىل الكلمة (شبه مجلة أو تركيب) توصيفا نحويا‪ .‬وهذا األخري هو الذي يطرح‬
‫إشكاال وصعوبة بالغة عىل امليكنة واآللية؛ وذلك ألنه يعتمد عىل عمليات معقدة‪ ،‬وعىل‬
‫مدى دقته يف املرحلتني السابقتني له (مرحلة حتديد كل مفردة‪ ،‬ومرحلة إعطاء صنف‬
‫نحوي هلا)‪.‬‬
‫يؤسس للمحلل النحوي اآليل ويفيد منه أيضا يف عالقة تبادلية؛ لكن‬ ‫واملتن ِّ‬
‫ينبغي اإلشارة إىل أن مستوى الدقة الذي وصلته حملـِّالت نوع الكلمة أعىل بكثري مما‬
‫وصلته املحلالت عىل مستوى الرتاكيب‪ ،‬وكام هو احلال أيضا يف حملـِّل نوع الكلمة‬
‫فهناك حملـِّالت اجلمل القائمة عىل القواعد وهناك املحلـِّالت املعتمدة عىل اإلحصاء‬
‫والكمية‪ ،‬باإلضافة إىل قسم ثالث يزاوج بني القواعد واإلحصاء‪.‬‬
‫وتنبع حاجة املحلـِّل عىل مستوى الكلمة أو اجلملة إىل متن لغوي من حاجة املحلـِّل‬
‫اآليل إىل تدريب‪ ،‬وهذا التدريب يعتمد عىل متن حملـَّل يدوي ًا‪ ،‬أو عىل قواعد حمدودة‬
‫ليقوم بتطبيقها عىل مجل جديدة‪.‬‬
‫اإلفادة من املتن متعدد اللغات‪:‬‬
‫مل تقترص اإلفادة من املتون عىل متن لغة واحدة؛ بل تعداها ذلك إىل إجياد املتون لعدد‬
‫من اللغات‪ ،‬وتوجد املتون متعددة اللغات لتسجيل حمارض اجتامعات االحتاد األوريب‬
‫ووثائقه لكل الدول التي تنضوي حتت مظلته‪.‬‬
‫ومن التطبيقات التي يفيد منها مقابلة متن لغة بنظريه من لغة أخرى‪:‬‬
‫Ÿ Ÿالرتمجة اآللية‪.‬‬

‫‪-52-‬‬
‫Ÿ Ÿاسرتداد املعلومات‪.‬‬
‫Ÿ Ÿتلخيص صفحات الشبكة العنكبوتية (التلخيص اآليل)‪.‬‬
‫Ÿ Ÿتعليم اللغة املعتمد عىل احلاسوب‪.‬‬
‫واملقابلة قد تكون عىل مستوى الكلمة أو اجلملة‪ ،‬وهناك الربامج املوجودة حاليا‬
‫ملقابلة متن لغة بأخرى عىل مستوى الكلمة وعىل مستوى اجلملة؛ فاملقارنة بني لغتني يف‬
‫تؤسس للرتمجة اآللية ولغريها من التطبيقات كالتحليل اللغوي التقابيل بينهام‪،‬‬ ‫ترمجتها ِّ‬
‫ومن أهم التطبيقات التي أفادت من املتون متعددة اللغات جمال الرتمجة اآللية بني لغتني‬
‫اعتامدا عىل متن موجود‪.‬‬
‫كام أن هناك تقنيات إلفادة هندسة اللغة الطبيعية من لسانيات املتون‪ ،‬منها‪ :‬أن املتن‬
‫املوسوم يفيد يف إزالة الغموض (‪)disambiguation‬؛ فهي مفيدة جدا يف تدريب اآللة‬
‫أو الربنامج عىل متن موجود وتلقيمها قواعد االستخدام‪ ،‬كام أن املتون مفيدة يف تقييم‬
‫برامج اهلندسة للغة الطبيعية؛ فاملتن املوسوم يمكن أن يكون معيارا يقاس به جودة‬
‫الربنامج‪.‬‬
‫وباختصار فمجال إفادة هندسة اللغة من املتن جمال واعد يتطور باستمرار‪ ،‬وحيتاج‬
‫إىل التفاتة من املختصني بالعربية‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫بعد هذا العرض املوجز للسانيات املتون التي أخذت مكاهنا يف اللسانيات احلديثة‬
‫تبني لنا أنه يمكن أن تُدرس مستقلة بذاهتا‪ ،‬أو أن ُيفاد منها بوصفها منهجا ُيستخدم‬
‫يف جماالت وفروع كثرية منها اللساين‪ ،‬ومنها غري اللساين (كاالجتامعي والنفيس‬
‫واجلنائي)‪ ،‬ومنها التقني‪ .‬فقد ذكر ماكنري وولسون (‪McEnery, T & Andrew‬‬
‫‪ )Wilson, 2005:1‬أنه بعد ما كانت لسانيات املتون هامشية ال تُستخدم إال يف‬
‫اللسانيات اإلنجليزية ويف دراسات النحو والقواعد للغة اإلنجليزية هنضت مؤخرا‬
‫لتدخل جماالت جديدة‪.‬‬
‫ويتنبأ هلا الباحثون يف هذا امليدان بمستقبل مزدهر وانتشار كبري ملا تؤسس له من‬
‫موثوقية يف نتائجها واستغناء الدارس هبا عن احلاجة إىل التنظري النابع من احلدس‬
‫والتخمني أو أن يعضد املتن التنظري التأميل‪ .‬وقد بدأت بوادر ازدهارها يف الغرب بكثرة‬
‫الكتب التي تبحث يف جوانبها املتعددة‪ ،‬وكذلك يف صدور جمالت ودوريات علمية‬

‫‪-53-‬‬
‫حمكّمة موضوعها لسانيات املتون‪ ،‬باإلضافة إىل إقامة مؤمترات‪ ،‬وندوات‪ ،‬ودورات‬
‫تدريبية تدور حول هذا التخصص؛ بل حول فروعه املتخصصة‪ ،‬كام ظهرت املشاريع‬
‫التي ُينفق عليها بسخاء والتي يستغرق بعضها سنوات طويلة إلنجازه من ِق َبل فرق‬
‫عمل ومؤسسات بحثية رائدة‪.‬‬
‫وحني يقارن الدارس ذلك بام لدينا نحن العرب يف اهتاممهم هبذا العلم جيد البون‬
‫الشاسع بني استخدامه يف اللغات العاملية احلية واستخدامه يف اللغة العربية‪ ،‬وهذا ما‬
‫دعاين لكتابة هذا الفصل املوجز لعله يسهم يف لفت نظر الباحثني يف اللغة العربية إىل‬
‫هذا التخصص‪ ،‬وإىل املجاالت التي يمكن أن يفيد منها يف اللغة العربية‪ ،‬ولعل املستقبل‬
‫يكون أفضل‪ .‬وهذا ما بأت بوادره تظهر؛ إذ نجد أن هناك متخصصني يف العامل العريب‬
‫بدؤوا يكتبون ويستخدمون هذا العلم يف دراساهتم ومرشوعاهتم البحثية مما سيثمر‬
‫بإذن اهلل لصالح اللغة العربية‪.‬‬

‫‪-54-‬‬
‫املصادر واملراجع‪:‬‬
‫املراجع العربية‪:‬‬
‫باكال‪ ،‬حممد‪ ،‬وحميي الدين خليل الريح‪ ،‬وجورج نعمة سعد‪ ،‬وحممود إسامعيل صيني‪،‬‬
‫وعيل القاسمي‪( 1983 .‬معجم مصطلحات علم اللغة احلديث)‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫بعلبكي‪ ،‬رمزي منري‪( 1990 .‬معجم املصطلحات اللغوية)‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليني‪ :‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫حبيب‪ ،‬ماهر عيسى‪( 2007 .‬االرتقاء بتعليم العربية التقليدي إىل ا ُملستوى اإللكرتوين‪:‬‬
‫بحث ُمقدم إىل ندوة تطوير املناهج واالختصاصات اجلامعية‪ .‬جامعة حلب ‪–30‬‬
‫‪ 31‬أيار ‪.)2007‬‬
‫حنا‪ ،‬سامي عياد‪ ،‬وكريم زكي حسام الدين‪ ،‬ونجيب جريس‪(1997 .‬معجم اللسانيات‬
‫احلديثة)‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪ :‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫اخلويل‪ ،‬حممد عيل‪( 1986 .‬معجم علم اللغة التطبيقي)‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫اخلويل‪ ،‬حممد عيل‪(1991 .‬معجم علم اللغة النظري)‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫القاسمي‪ ،‬عيل‪( 2006 .‬لسانيات املدونة احلاسوبية وصناعة املعجم العريب‪ :‬بحث‬
‫ُمقدم إىل املؤمتر السنوي اخلامس ملجمع اللغة العربية بدمشق ‪ 22 – 20‬ترشين‬
‫الثاين ‪.)2006‬‬
‫مكتب تنسيق التعريب‪( 2002 .‬املعجم املوحد ملصطلحات اللسانيات)‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪-55-‬‬
:‫املراجع األجنبية‬
Biber, Douglas, Susan Conrad & Randi Biber. 1998. Corpus Linguistics:
Investigating Language Structure and Use. Cambridge: Cambridge
University Press.
Conrad, Susan M. and Kimberly R. Levells. 2010. Corpus Linguistics
and Second Language Instruction. In Bernard Spolsky and
Francis M. Hult (eds). The Handbook of Educational Linguistics
(pp. 539-556). Blackwell Publishing.
Crystal, David. 2003. A Dictionary of Linguistics & Phonetics. Fifth
Edition. Blackwell Publishing.
Harris, R. A. 1993. The Linguistics Wars, Oxford: Oxford University
Press.
Hunston, Susan, 2002. Corpora in Applied Linguistics. Cambridge:
Cambridge University.
Krishnamurthy, Ramesh. 2002. The Bank of English: past, present, and
future. The 2nd ILASH Workshop on Computational Language
Resources. Sheffield, UK.
Krishnamurthy, Ramesh. 2010. Corpus Linguistics. A lecture
notes during a summer school on Corpus Linguistics at Aston
University. Birmingham: UK.
Leech, G., and Fallon, R. 1992. Computer corpora – what do they tell
us about culture?, ICAME Journal. 16: 29-50.
Leech, G. 1997. Teaching and language corpora: a convergence. In
A. Wichman, S. Fligestone, A. McEnery and G. Knowles (eds)
Teaching and Language Corpora (pp. 1-23). London: Longman.

-56-
McEnery, Tony. 2003. Corpus Linguitics. In Ruslan Mitkov (Ed). The
Oxford Handbook of Computational Linguistics. Oxford: Oxford
University Press.
McEnery, Tony & Andrew Wilson. 2005. Corpus Linguistics. 2nd
edition. Edinburgh: Edinburgh University Press.
McEnery, Tony, Richard Xiao and Yukio Tono. 2006. Corpus-Based
Language Studies: an advance resource book. Routledge Applied
Linguistics.
Sinclair, J. 1991. Corpus Concordance Collocation. Oxford: Oxford
University Press.
Stubbs, Michael. 2006. Language Corpora. In Alan Davies and
Catherine Elder (eds). The Handbook of Applied Linguistics (pp.
106-132). Blackwell publishing.
Teubert, Wolfgang and Anna Cermakova. 2007. Corpus Linguistics: A
Short Introduction. Continuum.

-57-
:‫مواقع الشبكة العنكبوتية‬
‫) التابعة ملجموعة‬Arabic-L: E-mailing list( ‫املجموعة الربيدية للغة العربية‬
Arabic Linguistics and( ‫اللغويني العرب و الرابطة األمريكية ألساتذة العربية‬
)the American Association of Teachers of Arabic
www.essex.ac.uk/linguistcs/clmt/w3c/corpus-ling/content/history.
html.
:‫منتدى ختاطب‬
http://www.ta5atub.com/montada-f14/topic-t170.htm.
.‫ د حممد حممد يونس عيل‬.‫هـ‬1431 ‫ ذي احلجة‬15 ‫دخول يف‬

-58-
‫اجلزء الثاين‬
‫التطبيقات‬

‫‪-59-‬‬
‫بعد قراءتك هلذا الفصل تأمل املقوالت التالية‪:‬‬

‫قد ترتادف كلمتان وتتشاهبان يف املعنى ال يف االستخدام‪ ،‬مثل كلمتي‪ :‬غني‪ ،‬ثري‪.‬‬
‫هل يمكن أن أقول‪ :‬ثري عن البيان‪.‬‬

‫القواعد النحوية التي وضعها النحويون هل تنطبق عىل املكتوب واملنطوق؟ هل‬
‫يمكن أن أحكم بمعايري املكتوب عىل املنطوق؟‬

‫املعجم املنطوق للفرد خيتلف عن معجمه املكتوب‪.‬‬

‫‪-60-‬‬
‫ل�سانيات املتون وتطبيقاتها يف تعليم اللغة الثانية‬

‫خمطط الفصل‪:‬‬
‫بعد أن ناقشنا يف الفصل السابق القضايا املتعلقة بتعريف لسانيات املتون وترمجتها‬
‫وعرفنا‬
‫إىل العربية‪ ،‬وكذلك نشأهتا وتطورها وتفاعلها مع غريها من العلوم األخرى‪ّ ،‬‬
‫جماالته وكيفية اإلفادة منه يف اللسانيات بفروعها املتعددة ننتقل اآلن لنتحدث عن‬
‫استخدام املتون اللغوية (‪ )language corpora‬يف تعليم اللغة الثانية‪ ،‬ونناقش‬
‫امليزات اخلاصة بذلك يف قاعة الدرس‪ ،‬ثم نعرض بعض األمثلة التوضيحية حول كيفية‬
‫استخدام املتون اللغوية يف تعلم وتعليم العنارص واملهارات اللغوية‪ ،‬ونعطي إرشادات‬
‫تطبيقية يفيد منها متعلم اللغة ومعلمها يف الفصل الدرايس وخارجه‪ .‬وخيلص احلديث‬
‫من ذلك كله إىل أن تدريس اللغة الثانية (يف هذه احلالة العربية) عند االستعانة باملتون‬
‫اللغوية سيجني فوائد كثرية ‪-‬لغوية وتربوية‪ -‬سواء ملعلم اللغة أو ملتعلمها أو للباحث‬
‫فيها؛ ولذلك نويص باإلفادة من تطبيقات هذا العلم الثرية يف جمال تعليم اللغة العربية‬
‫سواء ألهلها أو بوصفها لغة ثانية‪ ،‬خصوصا مع تقدم وسائل االتصال والعالقة الوثيقة‬
‫بني اللغة والتقنية يف العرص احلارض‪.‬‬

‫‪-61-‬‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫إن الدارس لتاريخ لسانيات املتون بحقوله وفروعه املتعددة جيد أن ظهوره يف تلك‬
‫احلقول والفروع خيتلف يف النشأة والظهور (ناقش الفصل األول من هذا الكتاب ذلك‬
‫مناقشة مستفيضة)‪ .‬ففي الوقت الذي يعود فيه االهتامم بلسانيات املتون بوجه عام يف‬
‫الدراسات اللغوية واللسانيات إىل ما قبل مخسينيات القرن امليالدي املايض (القرن‬
‫العرشين) (ماكنري وآخرون‪ ) McEnery et al., 2006:3‬نجد أن االهتامم بدراسة‬
‫متن املتعلم والبحث فيه (وهو أحد فروع لسانيات املتون التي بدأت تزدهر بشكل‬
‫كبري) قد تأخر إىل هنايات ثامنينيات القرن امليالدي املايض (قرانقر ‪.)Granger, 2012:7‬‬
‫ويعود سبب االهتامم بمتن املتعلم يف االكتساب اللغوي إىل أن اللغوي عادة هو مدرس‬
‫لغة يف نفس الوقت (قرانقر ‪ .)Granger, 2012:7‬ويأيت متأخرا عن ذلك كله ما نحن‬
‫بصدد احلديث عنه وهو ما يتعلق بتطبيق نتائج الدراسات املعتمدة عىل املتون يف تدريس‬
‫اللغة؛ إذ مل يبدأ االهتامم به إال يف بداية التسعينيات امليالدية من القرن العرشين (ماكنري‬
‫وآخرون ‪ .)McEnery et al., 2006:97‬ويعود سبب تأخر تطبيقات لسانيات املتون‬
‫يف الفصل الدرايس خاصة ويف حقل تدريس اللغة عامة عن بداية لسانيات املتون وعدم‬
‫تزامنهام معا إىل طبيعة العلوم حني والدهتا ثم تفرعها‪ ،‬وكذلك يعود إىل أمور سنذكرها‬
‫فيام بعد تتعلق بطبيعة تطبيق املتون يف الفصل املدريس وما حييط به من ختوف املعلم‬
‫كل فعىل الرغم من تأخر االهتامم باستخدام املتون‬ ‫ومن حاجته إىل مهارات تقنية‪ .‬عىل ٍ‬
‫اللغوية يف تعليم اللغة إال أن هناك اهتامم ًا متزايد ًا يف السنوات األخرية بلسانيات املتون‬
‫متزامن ًا مع استخدامها يف التدريس (ريبن ‪.)Reppen, 2010:1‬‬
‫ويتمثل االهتامم املتزايد بلسانيات املتون يف صدور املجالت العلمية املختصة‬
‫والبحوث والكتب املخصصة والفصول من كتب اللسانيات (ماكنري وآخرون‬
‫‪)McEnery et al., 2006:97‬؛ إذ أخذت فروعه تتشكل بوصفها علوما مستقلة هلا‬
‫باحثوها واملهتمون هبا‪ .‬وهناك اآلن مؤمترات وكتب خاصة باملتون اخلاصة باملتعلم‬
‫وتطبيقات املتون أيضا‪.‬‬
‫وقد أ ّثرت لسانيات املتون يف تدريس اللغة الثانية تأثريا مهام كام يذكر الباحثون؛‬
‫إذ نقلت كونراد (‪ )Conrad, 1999‬عن كثري من الباحثني (منهم مثال جونز ‪Johns,‬‬

‫‪-62-‬‬
‫املفهرس (أو الكشاف السياقي‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،1994‬وأستون ‪ )Aston, 1995‬تأكيدهم عىل فائدة‬
‫كام يسميه بعض الباحثني‪ .‬انظر مثال حممود إسامعيل صالح ‪Concordanc�( )2012 ،‬‬
‫‪ )er‬للمفردات والقواعد؛ وذلك ألنه يعرض استخدام اللغة الطبيعي‪ ،‬وجيعل الطالب‬
‫نشطني وحمللني مستقلني للغة‪ ،‬وألنه يعطي دليال جتريبيا (أو شاهدا كام يسمى يف‬
‫تراثنا العريب) حول استخدام اللغة؛ بل يرى ماكنري وزمالؤه (‪McEenry et al.,‬‬
‫‪ )2006:101‬أن املتون اللغوية لن يقترص تأثريها عىل كوهنا ثورة يف املواد التعليمية‬
‫كالقواعد كام هي احلال يف القرن الواحد والعرشين فحسب (انظر أيضا كونرا د �‪Con‬‬
‫‪ rad, 2000‬يف ماكنري وآخرون ‪)McEenry et al., 2006:101‬؛ بل ستغري طرق‬
‫التدريس بام يف ذلك ماذا ندرس وكيف ندرسه‪.‬‬
‫ويستطرد أوكيفي وزمالؤه (‪ )O’Keeffe, et all. 2007:21‬يف بيان الكيفية التي‬
‫أ ّثرت فيها املتون يف تدريس اللغة‪ ،‬وهي أن املتون زودتنا بدليل مادي إضافة إىل احلدس‬
‫الذي لدينا حول اللغة‪ ،‬ويف الوقت نفسه نبهتنا إىل أن هذا احلدس قد يكون خاطئا كام‬
‫يف الداللة [واملعجم] والقواعد يف بعض األحيان؛ ولذلك قد يكون للمتون تأثري عىل‬
‫دور املدرس وعىل الرتبية بشكل عام‪ .‬كام ترى هنستون (‪ )Hunston, 2002:213‬أن‬
‫املتون اللغوية أسهمت يف اللغويات التطبيقية من ثالثة طرق‪:‬‬
‫‪1.1‬أتاحت فرصا بحثية مل تكن متاحة من قبل مثل الشيوع احلقيقي الفعيل القائم‬
‫عىل اإلحصاء‪ ،‬وإمكانية املقارنة بني متن وآخر ومتحدث وآخر اعتامدا عىل‬
‫أدلة فعلية وشواهد حقيقية وليست مصنوعة‪.‬‬
‫‪2.2‬غريت نظرتنا إىل اللغة‪ :‬كالنظرة إىل الكلمة عىل أهنا الوحدة املعجمية الصغرى‬
‫َ‬
‫عوامل مهمة يف حتديد‬ ‫إىل اعتامد السياق احلقيقي والتصاحب الفعيل للمفردات‬
‫املعنى املعجمي للمفردات‪.‬‬
‫موجه وحم ِّلل‬
‫خممن للفروق بني املفردات إىل ِّ‬‫‪3.3‬غريت نظرة املدرس إىل دوره من ِّ‬
‫وميس للعملية اللغوية‬ ‫ٍ‬
‫والفت لنظر املتعلمني إىل االستخدام الفعيل‬ ‫للمتن‬
‫ّ‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫إذن فانتقال املتون اللغوية إىل الفصل الدرايس ليس من قبيل الرتف األكاديمي بقدر‬
‫ما يعرب عن حاجة عملية ودور مهم تقوم به لسانيات املتون واملتون اللغوية؛ فام ذكره‬
‫ملحة تسدّ ها املتون‬
‫الباحثون أعاله تسنده الدراسات امليدانية التي أشارت إىل حاجة ّ‬

‫‪-63-‬‬
‫يعبان عن تلك احلاجة‪ .‬املثال األول ما وجده مينت‬ ‫اللغوية‪ ،‬ونشري هنا إىل مثالني ّ‬
‫(‪ Mindt, 1996:232‬مقتبس من ماكنري وآخرون ‪)McEnery, et al., 2006:98‬‬
‫من أن بنية قواعد اإلنجليزية التي تُدرس يف الكتب املدرسية ختتلف عن البنى نفسها يف‬
‫تدرس نوعا من اإلنجليزية‬ ‫استخدام املتحدثني باإلنجليزية؛ ألن هذه الكتب املدرسية ّ‬
‫املدرسية التي ال وجود هلا إال داخل الصف الدرايس‪ ،‬ولذلك جيد املتعلمون صعوبة‬
‫يف التواصل الناجح خارج قاعة الدرس‪ .‬وهلذا فقد برز سؤال حول مدى فائدة كتب‬
‫التقعيد التي تعتمد عىل حدس النحوي وسليقته وحدها‪ ،‬وظهر اجتاه يقدّ م كتب‬
‫القواعد مبنية عىل متون اللغة‪ .‬ولعل معلمي اللغة العربية للناطقني بغريها من اللغات‬
‫ومتعلميها جيدون هذا األمر يف اللغة العربية واضحا بشكل كبري وذلك لوجود فجوة‬
‫بني ما يتعلمونه أو يعلمونه يف الفصل وبني ما حيتاجه املتعلم خارج أسوار املنشأة أو‬
‫املعهد أو املركز‪ ،‬باإلضافة إىل شدة ارتباط مناهج تعليم اللغة العربية بالرتاث املبني عىل‬
‫أساس حتليل اللغة ووصفها وتقعيدها وليس عىل أساس تعليم اللغة لغة ثانية معتمدا‬
‫عىل أسس تربوية ونفسية ومدارس لغوية حديثة تنظر إىل اللغة عىل أهنا أداة استخدام‪.‬‬
‫املثال الثاين هو الدراسة التي قام هبا رومر (‪ )Romer, 2009‬حيث وزع استبانة عىل‬
‫مدريس اإلنجليزية األملان ملعرفة حاجاهتم يف التدريس‪ ،‬وظهر أن أهم املحاور التي‬
‫تدور عليها حاجاهتم‪:‬‬
‫احلاجة إىل مواد تدريسية أفضل‪ ،‬وإىل دعم يف تصميم املواد‪ ،‬وإىل مشورة‬
‫املتحدث األصيل أو املخرب اللغوي وابن اللغة‪ ،‬وإىل مصادر مرجعية موثوقة (‪Romer,‬‬
‫‪ .)2009:89‬وهذه األمور األربعة يمكن أن يلبيها املتن اللغوي؛ بل إنه يقوم بدور ِ‬
‫املخب‬
‫اللغوي باقتدار‪ ،‬ويعد مرجعا موثوقا يف اللغة اهلدف خاصة حني يقوم بتدريسها من هم‬
‫يدرس العربي َة فيها من‬
‫ليسوا من أبناء اللغة كام هي احلال مثال يف البالد اإلسالمية التي ِّ‬
‫ليسوا من أبناء العربية الناطقني هبا‪ ،‬فاحلاجة هنا إىل متن لغوي الستشارته والرجوع إليه‬
‫أمس وآكد‪ .‬وهلذا يذهب رومر (‪ )Romer, 2009:95‬يف دراسته إىل أبعد من ذلك؛ إذ‬ ‫ّ‬
‫يرى أن كثريا من املشاكل والصعوبات التي يواجهها معلمو اللغة يمكن حلها أو حل‬
‫جزء كبري منها يف حالة تلقي هؤالء املدرسني تدريبا ودعام من لسانيي املتون‪.‬‬
‫وعىل الرغم مما يمكن للسانيات املتون واملتون اللغوية أن تقدمه لتعليم اللغة الثانية‬
‫واكتساهبا من إمكانات فال تزال غري واسعة االنتشار يف اكتساب اللغة الثانية (كونراد‬

‫‪-64-‬‬
‫وليفيل ‪ .)Conrad and Levelle, 2010:545‬وهذا ما يتعلق باللغة اإلنجليزية التي‬
‫هي لغة العلم‪ ،‬فام بالنا باللغة العربية! وهلذا نحاول يف هذا املبحث أن نطلع القارئ‬
‫العريب عىل ما يمكن للمتون اللغوية أن تسهم به يف قاعة تدريس اللغة العربية لغة‬
‫ثانية‪ .‬إذ ال يوجد عىل حد علم الباحث من كتب فيها بالعربية؛ فغالب املنشور باللغة‬
‫اإلنجليزية وإن كانت التطبيقات التي يشري إليها الباحثون تصلح ألي لغة (كونراد‬
‫وليفيل ‪ .)Conrad and Levelle, 2010:539‬فلدينا مشكلة هي أنه ال يوجد من‬
‫كتب فيها بالعربية أو ذكر تطبيقات عىل اللغة العربية(((‪ .‬فكثري ممن التقاهم الباحث يف‬
‫امليدان ليس هلم معرفة بإمكانات لسانيات املتون يف التدريس فضال عن معرفة املدرسني‬
‫لتطبيقاهتا يف فصوهلم؛ هلذا سننتقل يف الفقرة التالية لذكر بعض ميزات استخدام املتون‬
‫يف الفصل الدرايس لتعليم اللغة لعلها تكشف للقارئ مدى الفائدة املرجوة منها وتقنعه‬
‫بإن هذا امليدان خصب إذا تم استغالله بالشكل املطلوب‪.‬‬

‫ميزات املتون اللغوية‪:‬‬


‫هناك عدد من امليزات التي ذكر الباحثون أن لسانيات املتون تتمتع هبا إذا ما‬
‫استُخدمت يف تعليم اللغة الثانية‪ .‬ويمكن أن نقسم امليزات قسمني‪ :‬ميزات لغوية‪،‬‬
‫وأخرى تربوية‪( .‬قد يالحظ القارئ بعض التداخل يف بعض امليزات وذلك ملحاولة‬
‫اإلحاطة والتفصيل فيام طبيعته التداخل والتكامل)‪:‬‬
‫أما امليزات اللغوي ة فأوالها أن املتون اللغوية متثل اللغة الطبيعية (هنستون �‪Hun‬‬
‫‪ )ston, 2002:106‬واألصلية التي صدرت من أهل اللغة‪ ،‬وليست مصنوعة أو صادرة‬
‫عن تكلف (ريبن ‪.)Reppen, 2010:4‬‬
‫وقد ذكر ريتشاردز (‪ )Richards‬يف مقدمته لكتاب ريبن (‪ )Reppen, 2010:ix‬أنه‬
‫قد يكون من أكرب التحديات التي تواجه املدرس ومصمم املواد التعليمية يف إعدادمها‬
‫للمواد التعليمية تزويد الدارسني بدخل لغوي يعكس وبدقة االستخدام اللغوي‬
‫الطبيعي الفعيل‪ .‬يف املايض كانت الفطرة اللغوية والتأمل مصدرين مهمني يف ذلك‬

‫‪ -1‬بعد نرش البحث نرشت مي زكي بحثها‪ :‬التدريس املؤسس عىل املتون يف فصل اللغة العربية‪:‬رؤى نطرية وتطبيقية‬
‫(‪Corpus-based teaching in the Arabic classroom: theoretical and practical .2017 ,Zaki, mai‬‬
‫‪)541-27,2:514 .perspectives. International Journal of Applied Linguistics‬‬

‫‪-65-‬‬
‫مع أهنام قد يكونا مضللني وغري دقيقني‪ .‬وقد ذكرت تسوي (‪ )Tsui, 2004:40‬أن‬
‫املتعلمني يف بعض السياقات قد ال يكون لدهيم فرصة التعرض الطبيعي للغة‪ ،‬وال شك‬
‫مه ًا أكرب‪.‬‬
‫أنه يف حال تعلم العربية يف غري بلداهنا سيشكّل عدم التعرض الطبيعي للغة ّ‬
‫ومن هنا جاءت لسانيات املتون حلل هذه اإلشكاالت؛ ملا تتمتع به من كوهنا مادة أصلية‬
‫وطبيعية من إنتاج أهل اللغة املكتوب واملنطوق‪ .‬ومن خالل جتربتي مع أساتذة اللغة‬
‫العربية يف اجلامعات األندونيسية حني عرضت هلم املدونات العربية كان تفاعلهم رائعا‬
‫ووجدوها مفيدة جدا هلم‪.‬‬
‫إن مسألة استخدام مواد أصلية نوقشت كثريا يف جمال تعليم اللغة (انظر مثال بورنز‬
‫وباربرا ‪ ،)Burns and Barbara, 2002‬وهي بوجه عام أفضل من املادة املصنوعة‬
‫املتكلفة‪ ،‬مع أن الطبيعية ال تقتيض بشكل آيل أهنا جيدة أو تناسب املتعلم وحاجاته‬
‫وأهدافه‪ .‬وقد ذكر أوكيفي وآخرون (‪ )O’Keeffe et al., 2007:26‬أن اجلدل حول‬
‫تأسيس منهج اللغة عىل لغة أصلية يعود إىل السنوات الثالثني املاضية‪ ،‬وقد عاد اجلدل‬
‫مرة أخرى حني بدأ استخدام املتون‪ ،‬فلكي يتواصل املتعلم بشكل فعال ال بد من‬
‫االعتامد عىل اللغة الطبيعية ال املصنوعة ألغراض تدريسية‪ .‬وقد ذكر الكثري من الباحثني‬
‫(مثال ريتشارد ز ‪ ،Richards, 2001:214‬وكارتر ‪ ،Carter, 2001‬ومكارثي �‪McCa‬‬
‫‪ ،rthy, 2001‬وفريامن ‪ Larsen-Freeman, 2001‬كلهم يف ريتشاردز ‪Richards,‬‬
‫‪ )2001:215‬أن من مبادئ تعليم اللغة الثانية‪ :‬أن التعلم س ُيهيأ عن طريق التعرض للغة‬
‫الطبيعية ومن خالل استخدام اللغة ألغراض تواصل حقيقة؛ إذ إن استخدام املتون‬
‫للغة الطبيعية أساسا لفهم االستخدام املعجمي والقواعدي وكذلك دور متون اللغة‬
‫الطبيعية مهامن يف فهم كيف تستخدم اللغة يف سياقات طبيعية‪ ،‬ومثل هذه املتون يمكن‬
‫مصادر للتدريس و كذلك يف إعداد املواد التعليمية‪.‬‬
‫َ‬ ‫استخدامها‬
‫وهلذا فقد استُخدمت املتون فعال إلنتاج مواد أصلية (بارلو ‪.)Barlow, 1996:30‬‬
‫كام ذكر توملينسون (‪ )Tomlinson, 2001:69‬أن هناك تزايدا للكتب التي تفيد من‬
‫استخدام بيانات املتون لتعكس االستخدام الفعيل للغة أكثر من التي تعكس الدخل‬
‫اآليديولوجي أو املعياري الذي يريده النحوي وربام ال يعكس الواقع الفعيل‪.‬‬
‫امليزة الثانية أن املتون غنية‪ ،‬فهي تزود الدارس بامدة ثرية تفوق ما حيتاجه يف اللغة؛‬
‫وحيسن من مهاراته اللغوية‬ ‫ّ‬ ‫مما يقوي معرفته السابقة باللغة ويضيف إىل وعيه اللغوي‬

‫‪-66-‬‬
‫(جونز ‪ Johns, 1991a‬مقتبس من أستون ‪ .)Aston 2001:7‬وهي يف غناها تقوم بدور‬
‫مزدوج‪ :‬ففي الوقت الذي تعد فيه املتون مصدرا ثريا للتنوع اللغوي من لغة أكاديمية‬
‫إىل سياسية إىل دينية إىل إعالمية إىل منطوقة إلخ (هنستون ‪ )Hunston, 2002:102‬فهي‬
‫يف الوقت نفسه حتل إشكاال كبريا لدى املدرسني‪ ،‬أي أن تنوع اللغة وعدم القدرة أحيانا‬
‫عىل إعطاء النصح للمتعلمني حول اللغة األكاديمية أو السياسية دون متن موجود؛‬
‫لكن مع املتن يمكن التفريق بني التنوعات اللغوية بسهولة مما جينب املدرس حرج‬
‫اإلجابة التي ربام ال يمتلكها (ملناقشة مشاهبة انظر كونراد ‪ .)Conrad, 2004‬بمعنى‬
‫أهنا غنية ويف الوقت نفسه متيز بني املستويات اللغوية وتفرق بينها وهو األمر الذي قد‬
‫ال يمتلكه معلم اللغة‪.‬‬
‫وكام ذكرت سيدهلوفر (‪ )Seidlhofer, 2001:64‬أن التطور يف تقنية املعلومات‬
‫يتيح فرصا مهمة مع املتون املنطوقة املتزايدة يف احلجم ويف العدد لبنى اللغة مما يمكّن‬
‫الباحثني من تصميم وصف دقيق لالستخدام اللغوي‪ .‬وأكّدت هنستون (‪Hunston,‬‬
‫‪ )2002:123‬أن من تطبيقات املتون يف اللغويات التطبيقية معرفة املعلومات الثقافية‬
‫للمثال وغريها من املعاين الكامنة خلف العبارات‪ ،‬فاللغوي عليه أن ينظر إىل املعاين‬
‫خلف العبارات ويفرس ويالحظ ذلك كله‪ .‬وهذا كله إغناء للغة ولتحليلها جاءت به‬
‫املتون اللغوية‪.‬‬
‫امليزة الثالثة املحافظة عىل خصائص أهل اللغة‪ .‬حيث يشمل املت ُن اللغ َة الصادرة عىل‬
‫طبيعتها من أهل اللغة دون تعديل أو تغيري خاصة اللغة املنطوقة‪ .‬ولو قورنت منطوقة‬
‫ابن اللغة بمنطوقة املتعلم أو األجنبي لظهرت فروق بينهام؛ إذ أشار بحث برودرومو‬
‫(‪ )Prodromou, 2005‬مقتبس من أوكيفي وآخرون (‪)O’Keeffe et al., 2007:76‬‬
‫إىل أنه يمكن التفريق بني اإلنجليزي ابن اللغة واملتعلم املتقدم من غري أبنائها باستخدام‬
‫الكتل أو العبارات (‪ )chunk‬مثل (أنت تعرف ‪ ،)you know‬و(نوع من‪) sort of‬‬
‫وغريها من املتصاحبات التي يستخدمها ابن اللغة كثريا بينام قد ال نجد هلا أثرا لدى‬
‫املتعلم‪ ،‬خاصة املتعلم الذي درس بالطريقة التقليدية التي ال تستخدم املتن اللغوي؛‬
‫ألن هذه اخلصائص اللغوية البن اللغة ال تشري إليها كتب تعليم اللغة وال كتب القواعد‬
‫يف أغلب األحيان‪ .‬ففي اللغة العربية مثال يستخدم املتكلم صيغة (أنت معي؟) أو عبارة‬
‫(يعني) أو (طبعا) وال نجد هلا أثرا يف كتب التعليم‪ ،‬بخالف ما لو وجد متن منطوق‬

‫‪-67-‬‬
‫للعربية‪ .‬وبسبب غياب هذه الظواهر عن تعليم اللغة نجد أن حديث األجنبي يكون‬
‫واضحا فيه التصنع وعدم الطبيعية وأنه ملتكلم غري ناطق باللغة أو أن حديثه يشبه قطعة‬
‫نثرية مكتوبة وليس حديثا مرجتال متدفقا بشكل شفهي وعفوي‪.‬‬
‫امليزة الرابعة أن املتن حيافظ عىل سياق الكلمة التي وردت فيه من خالل املفهرسات‬
‫املفهرسات املفرد َة وحميطها اللغوي الذي‬
‫ُ‬ ‫أو املكشاف (‪)concordancers‬؛ إذ تعرض‬
‫وردت فيه‪ .‬ويرى سينكلري (‪ )Sinclair, 1991‬مقتبس من بينت (‪)Bennett, 2010:2‬‬
‫أن الكلمة مستقلة بنفسها ال حتمل معنى؛ لكن هذا املعنى يظهر غالبا من خالل جمموعة‬
‫متوالية من الكلامت (سياق الكلمة)‪ .‬أي أن سياق الكلمة هو الذي يكشف معناها‬
‫احلقيقي وظالل املعنى فيها‪ ،‬ولذلك فحني حتافظ املتون عىل سياق املفردات فيها يكون‬
‫ذلك ميزة هلا‪ .‬وقد أكّد سينكلري (‪ )Sinclair, 1996:76-77‬عىل أمهية السياق وإسهامه‬
‫يف معنى املفردة ويف أنامطها النحوية؛ فاملتون أكرب أدوات اإلسهام يف هذه امليادين‪.‬‬
‫امليزة اخلامسة أن األنشطة التدريسية املعتمدة عىل املتن تسهم يف تطور كفاية املتعلم‬
‫وتزيد من معرفته باللغة اهلدف وبثقافة اللغة اهلدف وأهلها (أستون ‪.)Aston, 2001:5‬‬
‫فاملتعلم يتصل اتصاال مبارشا بإنتاج أهل اللغة دون غربلة واضعي املناهج أو املدرسني‬
‫مما يولد لديه حسا لغويا طبيعيا وينمي ذائقته اللغوية‪ ،‬واللغة بطبيعتها تنقل الثقافة‬
‫فيكون املتن مصدرا مهام للخصائص الثقافية للهدف‪ .‬مثال يف العربية انتشار كلامت‬
‫(إن شاء اهلل‪ ،‬بإذن اهلل‪ ،‬بحول اهلل) التي تعترب خاصية عربية إسالمية ال نجد هلا مثيال‬
‫يف اللغات األخرى ونجد من الصعوبة وضع مقابل هلا عند الرتمجة‪ ،‬ووجود مثل هذه‬
‫التعبريات لدى متعلم العربية لغة ثانية قد جيعلنا نصنف كفايته أعىل ممن ال يستخدمها‬
‫أو ال يعرف استخداماهتا والسياقات التي ترد فيها‪.‬‬
‫امليزة السادسة أهنا تنمي لدى املتعلم من غري الناطقني باللغة احلس والذوق الفعيل‬
‫للغة املستعملة لدى أهل اللغة وأبنائها الناطقني هبا (بينت ‪)Bennett, 2010:93‬؛ بل‬
‫يرى بينت أن الذوق ينمو لدى املتعلم ليقارب ذوق ابن اللغة بشكل معقول (بينت‬
‫‪ .)Bennett, 2010:115‬فاحتكاك املتعلم بلغة طبيعية جيعله يتعود عىل أساليبها‬
‫واستخداماهتا كام هي عند أهلها‪ ،‬ويلغي قضية الوساطة بني اللغة واملتعلم يف الفصل‬
‫ترصف فيها واضعو املناهج باحلذف والتعديل وربام التشويه‪،‬‬ ‫الدرايس ومقرراته والتي ّ‬
‫وهذا كله ينمي لديه احلس اللغوي السليم والذائقة الطبيعية للغة‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫امليزة السابعة أن املتون موثوقة أكثر من حدس املعلم (أستون ‪)Aston, 2001:41‬‬
‫خصوصا املعلم الذي ليس من أبناء اللغة اهلدف‪ .‬فكون املتن هو الصادر من ابن اللغة‬
‫يف مواقف طبيعية يعطيه موثوقية ومصداقية أكثر مما يعطي املعلم األجنبي عن اللغة‬
‫أو حتى املعلم ابن اللغة الذي حياول اصطناع مثال أو شاهد عىل قضية لغوية بطريقة‬
‫رسيعة يف حلظة تكلف‪ ،‬وربام نشبه املثال املتكلف املصطنع وليد اللحظة بالوجبات‬
‫الرسيعة التي ُطبخت عىل عجل وهي ذات رضر وتفتقد للتغذية املفيدة التي تتصف‬
‫هبا الوجبات املطبوخة منزليا‪ ،‬فيمكن أن نش ّبه كثريا من األمثلة املتكلفة باألكل القاممي‬
‫(‪ )junk food‬خالية الطعم والفائدة‪ .‬هذه امليزة سيكون هلا انعكاس عىل املتعلم ولغته‬
‫وذائقته‪.‬‬
‫امليزة الثامنة أن أنشطة الصف الدرايس املعتمدة عىل املتون واملستخدمة هلا تساعد‬
‫املتعلمني يف تطوير قدرهتم يف استخدام اللغة تواصليا من ناحية االستيعاب واإلنتاج‬
‫(أستون ‪)Aston, 2001:5‬؛ إذ سيحاول املتعلمون حماكاة اللغة املوجودة يف املتن مما‬
‫يسهم يف ارتقاء كفايتهم التواصلية‪.‬‬
‫امليزة التاسعة أن أنشطة املتون تساعد عىل الدقة والطالقة (برنارديني ‪Bernardini,‬‬
‫‪ )2001:243‬وتفيد يف الدقة من خالل الوقت الكايف املتاح للمتعلم ليستكشف البنى‬
‫النحوية يف أمثلة املفهرس فيكتسب الدقة يف رحلته االستكشافية‪ ،‬والطالقة من خالل‬
‫نقاش املتعلم مع أقرانه سواء خالل تأدية التدريب أو بعده‪.‬‬
‫إن ميزات املتون ليست مقترصة عىل التميز اللغوي للمتن أو عىل الرقي باجلانب‬
‫اللغوي لدى املتعلم؛ بل تتعداها إىل جوانب نفسية وجدانية تربوية قد تسهم يف زيادة‬
‫االكتساب اللغوي لدى املتعلمني؛ بل إن لسانيي املتون أكدوا عىل تواؤم أنشطة املتون‬
‫مع كثري من املبادئ الرتبوية (كونراد ‪ .)Conrad, 2010:548‬من هذه املبادئ‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬زيادة االستقاللية لدى املتعلم؛ إذ يمكن ‪ -‬إذا تم تدريبه عىل استخدام املتون‬
‫وأنشطته‪ -‬أن تزيد االستقاللية لديه ويتزود بأداة تعلم يمكن له أن يستثمرها مستقال‬
‫عن املدرس (أستون ‪Aston, 2001:5,7‬؛ برنارديني ‪)Bernardini, 2001:223‬؛‬
‫بل يمكنه أن يستخدم ذلك داخل الفصل وخارجه دون التحكم املبارش من املدرس‬
‫(أستون ‪ .)Aston, 2001:41‬ويرى بينت (‪ )Bennett, 2010:115‬أن تدريب املتعلم‬
‫عىل االختيارات واالحتامالت يف االستخدام الفعيل والذي يوجد يف املتون اللغوية‬

‫‪-69-‬‬
‫ينمي لديه االستقاللية‪ .‬وترى كونراد (‪ )Conrad, 2010:548‬أن االستقاللية تزيد‬
‫باستخالص املتعلم القاعدة بنفسه دون االعتامد عىل املعلم ليمليها عليه‪ .‬واالستقاللية‬
‫صفة هلا دور كبري يف تعلم اللغة (إليس ‪.)Ellis, 2008‬‬
‫ويعد استخدام املفهرسات ممكِّنا للدارسني أنفسهم ليقوموا باكتشافات مبارشة‬
‫حول اللغة (جونز ‪ ;Johns, 1991a‬تريبل وجونز ‪ Tribble & Jones, 1990‬مقتبس‬
‫من ماكنري وآخرون ‪ )2006:198‬باستقاللية تامة‪ ،‬وربام يكون ذلك دافعا لفضوهلم‬
‫العلمي يف استعراض الشواهد املرسودة يف املتون واإلبحار لالستكشاف يف السياقات‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬زيادة الدافعية لدى املتعلمني (برنارديني ‪)Bernardini, 2001:223‬‬
‫الناجتة عن اإلضافة النوعية التي متنحها املتون للمتعلم مما يقوي معرفته السابقة باللغة‬
‫ويضيف إىل وعيه اللغوي‪ ،‬وحيسن من مهاراته اللغوية (جونز ‪ Johns, 1991a‬مقتبس‬
‫من أستون ‪ ،)Aston, 2001:7‬وهذا كله يعطي املتعلم إحساسا باإلنجاز ويرفع من‬
‫دافعيته‪ .‬والدافعية من العوامل التي تؤدي دورا إجيابيا يف تعلم اللغة (راجع مثال إليس‬
‫‪.)Ellis, 2008‬‬
‫الثالثة‪ :‬ما ذكره ريتشاردز (‪ )Richards‬يف مقدمته لكتاب ريبن (‪Reppen,‬‬
‫‪ )2010:xi‬من أن لسانيات املتون متنح كال من املدرس واملتعلم ثقة يف أن اللغة املوجودة‬
‫يف املتون هي التي سيصادفها املتعلم خارج قاعة الفصل الدرايس‪ .‬فلو ُوجد املتعلم مثال‬
‫يف بيئة غري اللغة اهلدف فسيواجه مشكالت كثرية حني احتكاكه بأهل اللغة اهلدف ألن‬
‫لغته ستكون لغة مدرسية أو كام يسميها ريبن (‪ )Reppen‬شبيهة الكتاب (‪)booklike‬‬
‫(‪ .)Reppen, 2010:xi‬ففي حال كان مستحيال إجياد بيئة توفر للمتعلم اكتساب اللغة‬
‫اكتسابا طبيعيا عن طريق االنغامس والغمر اللغويني فاملتون تلعب دورا مهام يف توفري‬
‫بعض الفرص لذلك اجلو يف مناخ الفصل الدرايس والبيئة املدرسية والسياق التعليمي‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن املتون تساعد عىل زيادة الثقة بالنفس (برنارديني ‪Bernardini,‬‬
‫‪ )2001:223‬من خالل استقالل املتعلم بنفسه وممارسته التحليل اللغوي مبارشة دون‬
‫وسيط‪.‬‬
‫اخلامسة‪ :‬أن استخدام املتعلم للمتون يساعد عىل رفع قدرته عىل التخمني وعىل‬
‫صقل املهارات اإلدراكية األخرى من املفهرس وأمثلته (برنارديني ‪Bernardini,‬‬
‫‪ .)2001:41‬وكذلك يريب لدى املتعلم استخدام كلامت االحتامل وعدم القطع يف‬

‫‪-70-‬‬
‫الكالم العلمي‪ ،‬وهو أسلوب علمي جيد (بينت ‪ .)Bennett, 2010:115‬وكذلك‬
‫يساعد عىل توليد الفرضيات واختبارها وتعميمها‪ ،‬وعىل تشجيع املالحظة وزيادة‬
‫الوعي عن طريق لفت االنتباه إىل بنية معينة‪ ،‬كام أن التعلم االستنتاجي (‪)inductive‬‬
‫وهو مقابل الطريقة املوجودة يف كتب القواعد ( االستنباطية ‪ )deductive‬قد يلبي‬
‫بعض أساليب املتعلمني والفروق الفردية بينهم (‪ )Conrad, 2010:548‬ويسهم يف‬
‫تغطية أشمل ملتعددي الذكاءات يف الفصل الدرايس‪.‬‬
‫إن عرضنا هلذه امليزات بشقيها اللغوي والرتبوي ال يعني بأي حال أن املتون‬
‫واستخدامها يف الفصل الدرايس موضع ترحيب من مجيع الباحثني أو أنه ال يوجد فيها‬
‫معوقات وأهنا خالية من العيوب أو أهنا تعطي فرصة حاملة للتعلم؛ بل لقد جوهبت لسانيات‬
‫املتون واستخدامها يف الفصل وكذلك استخدام متن املتعلم من كثري من الباحثني ألسباب‬
‫علمية خمتلفة‪ ،‬كام يكتنف استخدامها بعض الصعوبات واملعوقات؛ لكن يستحسن النظر‬
‫إىل هذه املعوقات عىل أهنا حتديات تعطي املتعلم واملعلم فرصة البتكار احللول والتغلب‬
‫عليها؛ ال أهنا عوائق ال يمكن جتاوزها‪ .‬وسنناقش يف الفقرات التالية اجلدل الدائر حول‬
‫نعرج عىل إمكانات املتون وحدودها‪.‬‬
‫استخدام املتون يف التدريس‪ ،‬ثم ّ‬

‫اجلدل الدائر حول استخدام املتون يف الفصل الدرايس‪:‬‬


‫يمكننا القول إن املتون أثرت امليدان اللغوي عموما وميدان تعليم اللغة بوجه‬
‫غي نظرة الباحثني إىل‬‫خاص‪ ،‬وجلب استخدا ُمها يف امليادين اللغوية والرتبوية ثراء ّ‬
‫اللغة وإىل االستخدام اللغوي الفعيل (انظر إجيمري ‪ .)Aijmer, 2009:1‬وعىل الرغم من‬
‫ذلك إال أن هناك من وقف ضدها أو حت ّفظ ‪-‬من مدرسني ومتعلمني ولغويني ‪ -‬أو ضد‬
‫استخدامها يف التوصيف اللغوي ويف التدريس بشكل خاص (هناك مراجع حتدثت‬
‫عن اجلدل يف لسانيات املتون منها‪ McEnery, Tony, et al., 2006 :‬إذ يوجد فصل‬
‫كامل ‪ 131-144‬عن االعرتاض عىل املتون ودراسات وبحوث حول ذلك؛ وكذلك‬
‫انظر لتلخيص االعرتاضات ومناقشتها هنستون ‪ ،Hunston, 2002‬وسنعرض لبعض‬
‫النقاط هنا من هذين املرجعني)‪ .‬ومن الذين عارضوا االعتامد عليها يف التوصيف‬
‫اللغوي ويف أخذ الدروس منها ويدوسون (‪ )Widdowson, 2000‬وكوك (‪Cook,‬‬
‫‪ .)1998‬ويمكن تلخيص اعرتاضاهتام (انظر ‪ )Hunston, 2002:192‬بام ييل‪:‬‬

‫‪-71-‬‬
‫نصا؛ لكنه يف الوقت نفسه‬ ‫‪1.1‬أن املتن يعد لغة طبيعية بشكل حمدود‪ ،‬فهو يعطي ّ‬
‫خال من السياق‪ ،‬والسياق مهم للمتعلم‪ .‬فاملتن يعطي النص ولكن ال يعطي‬ ‫ٍ‬
‫السياق وال اخلطاب؛ إنام يعرض النص دون سياق أو خطاب‪ ،‬وإن قلنا إنه‬
‫يعطي السياق جتوزا فهو ناقص‪.‬‬
‫‪2.2‬املدرسون وواضعو املناهج جيب أال يستخدموا املتون دليال وحيدا يف التدريس‬
‫والتأليف؛ إذ شيوع كلمة ال يغني عن مدى كوهنا مفيدة للمتعلم وذات قيمة‬
‫له أم ال‪ .‬وربام نضيف مدى قابلية الكلمة للتعلم (‪ )learnability‬وللتعليم‬
‫(‪.)teachability‬‬
‫‪3.3‬املتعلم أحيانا حيس بالراحة عن طريق التعلم عن طريق القواعد والداللة‬
‫فينبغي عدم دفعه بالقوة إىل القرص عىل االستخدام للمتون يف عملية التعلم‪.‬‬
‫خصوصا املتعلم الذي تعود عىل التعلم بطريقة معينة ومن الصعب حماولة‬
‫حرفه عن الطريقة التي ألفها ووجدها مرحية له؛ فينبغي مراعاة الفروق الفردية‬
‫والذكاءات املتعددة بني املتعلمني‪.‬‬
‫كام أن املتون اللغوية يمكن أن تستخدم يف التدريس عىل حمورين‪:‬‬
‫األو‪:‬ل‪ :‬متون املتعلمني (اللغة املرحلية)‪ .‬وهو كام ذكر ماكنري وآخرون (�‪McEn‬‬
‫‪ )ery, et al., 2006:101‬أنه جمال من أحدث املجاالت وأكثرها إثارة للتطور يف‬
‫دراسات اللغة املعتمدة عىل املتون‪ ،‬وهو اخرتاع واستخدام متن املتعلم يف تدريس‬
‫اللغة ويف دراسات اللغة املرحلية‪ .‬ويمكن اإلفادة منها يف تصميم املناهج وإعداد املواد‬
‫ومناهج (منهجية) تدريس اللغة وكذلك يف املعاجم اللغوية (انظر الفيفي‪ ،1436 ،‬فقد‬
‫حتدث يف فصل كامل عن مدونات املتعلمني؛ كام حتدث سينكلري وغريه من الباحثني يف‬
‫كتابه ‪ Sinclair, 2004‬كامال عن استخدام املتون يف تدريس اللغة واجلدل حول ذلك)‪.‬‬
‫وهناك دراسات تقوم عىل مقارنات بني متعلم اللغة وابن اللغة‪ .‬ويشري بعض الباحثني‬
‫مثل ميونري (‪ )Meunier, 2002 in McEnery, Tony, et al., 2006:101‬إىل رضورة‬
‫أن يلفت نظر الدارس عن طريق التدريبات إىل الفجوات بني لغتهم املرحلية واللغة‬
‫اهلدف‪ .‬كام يرى نيسلهوف (‪ )Nesselhauf, 2004:131‬أن متن املعلم يمكن أن يساعد‬
‫يف دراسة خمتلف أنواع األغالط‪ ،‬والتداولية‪ ،‬واخلطاب‪ ،‬وإسرتاتيجيات التواصل مع‬
‫إنتاج املتعلم‪.‬‬

‫‪-72-‬‬
‫الثاين‪ :‬متون أبناء اللغة يف قاعة الدرس‪.‬‬
‫وكال االستخدامني كانا مثار جدل؛ إذ ترى (قرانقر ‪ )Granger, 2009:18‬أن حتليل‬
‫اللغة املرحلية يرفضه كثري من علامء االكتساب اللغوي‪ .‬كام يرى نيسلهوف( (�‪Nessel‬‬
‫‪ )hauf, 2004:131‬أن هناك بعض احلدود؛ إذ عدم وجود ظاهرة ال يدلنا عىل الكثري‬
‫من معرفة املتعلم حوهلا‪ .‬بمعنى أن املتعلم يتحاشى استخداما ليس ألنه جيهله بل ربام‬
‫خياف أن خيطئ فيه؛ وهبذا يكون االستدالل بعدم ورود مجلة يف املتن مضلال‪.‬‬
‫كام كان هناك جدل ساخن بني ويدسون وسينكلري يف جامعة جورجتاون عىل طاولة‬
‫مستديرة حول دور املتون خاصة يف تدريس اللغة وتعلمها (انظر ‪McEnery et al. ,‬‬
‫‪.)2006:131, 140‬‬
‫وسنعرض فيام ييل اجلدل حول ميزات املتون واستخدام متون أبناء اللغة يف قاعة‬
‫الدرس‪ :‬الطبيعية‪ ،‬والسياق‪ ،‬والشيوع‪.‬‬
‫ففي الوقت الذي تعد طبيعية املتون ميزة جيدة من الناحية اللغوية والرتبوية يرى‬
‫بعض الباحثني (انظر مثال ‪.Richards, Jack, and Theodore S. Rogers, 2001‬؛‬
‫و ‪ ).Larsen-Freeman, Diane, 2000‬أنه ينبغي أال نغفل قضية املفهومية أو قابلية‬
‫الفهم ‪Comprehensibility‬؛ إذ قد تكون املواد التعليمية املعطاة للمتعلم دون تعديل‬
‫(املتون) صعبة الفهم‪ ،‬وغري مفهومة؛ ولذلك نقوم ببعض التعديل والتهذيب يف‬
‫املواد األصلية (املتون) حتى ُيتأكد من املفهومية‪ .‬وهذا يعني بالتايل إما تيسري اجلانب‬
‫اللغوي أو إضافة بعض احلشو والزيادات للرشح‪ ،‬بمعنى تزويد الدارسني بإرشادات‬
‫وإسرتاتيجيات ملساعدهتم يف فهم املواد مما يعني عمليا أن النصوص مل تعد طبيعية متاما‬
‫وأن أهم ميزة للمتون قد ُف ّرغت من مضموهنا‪ ،‬وعدنا إىل قضية النصوص املصطنعة أو‬
‫املتكلفة‪.‬‬
‫كام أنه يف الوقت الذي يعد الباحثون استخدام املفهرسات (املكشاف أو الكشاف‬
‫السياقي) يف التعليم أسلوبا جيدا حيث ترد الكلمة بسياقاهتا يرى البعض (انظر أوكيفي‬
‫وآخرون ‪ )O’Keeffe et al., 2007:76‬أن أمثلة املتون عن طريق املفهرسات منتزعة‬
‫من سياقها وليست بالتايل طبيعية يف حميطها الطبيعي؛ ألنه من حني أخذك املادة لوضعها‬
‫يف التدريس فأنت تنتزعها من سياقها األعم (قارن بالفقرة السابقة)‪ .‬ويف املقابل يرى‬

‫‪-73-‬‬
‫املؤيدون للمتون واستخدامها يف التدريس أن االختيار بعناية واملحافظة عىل السياق‬
‫الطبيعي تساعد املتعلم يف استخدام اللغة‪ ،‬وعىل أية حال فاللغة الطبيعية أفضل من‬
‫املصنوعة مهام افتقدت من خصائص ومهام يرى البعض فيها من عيوب‪ .‬كام أن‬
‫ويدسون ( ‪)Widdowson, 1990; 2000 in McEnery, Tony, et al., 2006:101‬‬
‫يرى أنه جيب إعادة املتون إىل اخلطاب الصفي يف تدريس اللغة‪.‬‬
‫ويف الوقت الذي يعد اعتامد املتون عىل شيوع األلفاظ واالستخدامات ميزة كبرية؛‬
‫بل من أبرز إجيابياهتا يرى البعض أهنا أيضا مصدر نقص‪ ،‬كام ذكر ميونري (‪Meunier,‬‬
‫‪ )2002 in McEnery, Tony, et al., 2006:101‬أن اللغة املأخوذة من شيوع ابن‬
‫اللغة فحسب ليست كافية لتصميم املناهج واملواد التعليمية؛ إذ البد من املوازنة بني‬
‫استخدام ما يشيع لدى ابن اللغة بأمور أخرى مثل الصعوبة والعالقة باملادة املدروسة‪.‬‬
‫واملدرسون وواضعو املناهج جيب أال يستخدموا املتون دليال وحيدا يف التدريس‬
‫والتأليف؛ إذ شيوع كلمة ال يغني عن مدى كوهنا مفيدة للمتعلم وذات قيمة له أم‬
‫ال (ويدوسون‪ Widdowson, 2000‬؛ وكوك ‪ Cook, 1998‬يف هنستون ‪Hunston,‬‬
‫‪ .)2002:192‬فقد يكون مثال هناك ألفاظ شائعة لدى أهل اللغة لكن جيد املتعلمون‬
‫عنتا يف تعلمها يف حني جيدون ألفاظا أخرى أقل صعوبة من حيث التعلم (قارن بقضيتي‬
‫املفهومية وقابلية التعلم)‪ .‬كام يرى كوك (‪Cook, 1998:61 in McEnery, Tony,‬‬
‫‪ )et al., 2006:101‬أن حمتوى املتن يف تعلم اللغة باعتامده عىل الشيوع عىل حساب‬
‫العبارات النادرة (غري الشائعة لكنها مهمة للمتعلم) والتي قد تكون أهم وأكثر تأثريا‬
‫يف تعلمه يفقر التعلم؛ يف مقابل ذلك يرى جوذالز( (�‪Goethals, 2003:424 in McEn‬‬
‫‪ )ery, Tony, et al., 2006:102‬أن الشيوع مقياس لتتابع وتنوع مواد التعلم‪ .‬كام يرى‬
‫هونستون (‪)Hunston, 2002:194-195 in McEnery, Tony, et al., 2006:102‬‬
‫أن الشيوع يعكس خصائص ثقافية لدى أهل اللغة فحتى لو بدا أن املواد املهمة ويف‬
‫نفس الوقت غري شائعة فهي تلك التي تعكس قيمة ثقافية كبرية عىل الرغم أنه يف‬
‫حاالت كثرية األمهية الثقافية ليست عىل خالف الشيوع وال نقيضة له؛ بل كل ما هو‬
‫مهم يظهر غالبا يف املتون‪ .‬كام أنه يف حني أن معلومات الشيوع متاحة يف املتون فال يوجد‬
‫لساين متني قال إن األشيع هو األكثر أمهية؛ بل عىل العكس جادل كينيدي( (�‪Ken‬‬

‫‪-74-‬‬
‫‪ )nedy, 1998:290 in McEnery, Tony, et al., 2006:102‬أن الشيوع جيب أن‬
‫يكون واحدا من ضمن معايري أخرى يف التدريس‪ ،‬وأن االستخدام اللغوي بمفهومه يف‬
‫لسانيات املتون جيب أال يكون عائقا للتدريس‪ .‬كام يرى ليتش (‪Leech, 1997b:16 in‬‬
‫‪ )McEnery, Tony, et al., 2006:102‬أنه مهام قلنا بعدم جودة املفردات والرتاكيب‬
‫األكثر شيوعا فيصعب رفض أن معلومات الشيوع املستقاة من لسانيات املتون هلا وزن‬
‫وقيمة جتريبية للمواد التعليمية اللغوية‪.‬‬
‫وهناك إشكاالت تثار خارج اإلطار اللغوي والرتبوي‪ .‬عىل سبيل املثال‪ ،‬بسبب‬
‫اعتامد املتون عىل التقنية فقد يكون ذلك عائقا أمام املدرسني يف الفصل الدرايس إما‬
‫رهبة من التقنية كليا أو لعدم امتالكهم املهارات الكافية ألداء املهمة‪ ،‬كام ذكر إجيمري‬
‫(‪ )Aijmer, 2009:1‬أن املدرسني متخوفون ربام لعدم اقتناعهم بجدواها‪ ،‬أو ليس‬
‫لدهيم املهارات الكافية الستخدامها بكفاءة‪ ،‬ولذلك فاستخدام املتون نادر يف فصول‬
‫اإلنجليزية لغة أجنبية‪ .‬فإذا كانت هذه احلال مع اللغة اإلنجليزية فهي يف العربية أشد‪.‬‬
‫واحلل يف نظر البعض هو تدريب املعلمني عىل استخدام املتون يف التدريس إذ جيب أن‬
‫يكون الستخدام املتون دور مهم يف تدريب املعلمني كام ذكر جراناث (‪Granath, 2009‬‬
‫‪ )in Aijmer, 2009:9‬يف هذا الكتاب أنه لو كان املتن مشموال بمواد أخرى كالرتكيب‬
‫(‪ )syntax‬والرتمجة ألصبح من الطبيعي البحث يف املتون كام يبحث املتعلم ويتصفح يف‬
‫كتاب قواعد أو قاموس‪ .‬وهلذا فيقع إقناع املدرسني بفائدهتا عىل عاتق الباحثني يف املتون‬
‫اللغوية؛ أما املهارات التقنية فالبد للمدرسني من التسلح هبا بأنفسهم‪ .‬هذا بالطبع إذا‬
‫اهلجر البعيدة عن‬‫افرتضنا توفر التقنية وعدم انعدامها كام هو بعض البلدان الفقرية أو ِ‬
‫املدن‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك الرتدد الذي يبديه بعض الدارسني واملتعلمني الستخدام املتون يف‬
‫قاعة الدرس (موخرجي مقتبس من أجيمري ‪Mukherjee, 2009 in Aijmer, 2009:8‬‬
‫)‪ .‬ربام يكون من أسباب الرتدد الوقت واجلهد اللذان يتطلبهام يف البداية‪ ،‬ويرى بينت‬
‫(‪ )Bennett, 2010:94‬أنه سيصبح مع التعود سهال ورسيعا مثله مثل أي تقنية جديدة‪.‬‬
‫وعىل الرغم من هذه التحفظات اإلشكاالت والتخوفات التي يمكن االتفاق معها‬
‫أو االختالف حوهلا والرد عليها أو معاجلتها عمليا فريى موخرجي (‪Mukherjee,‬‬

‫‪-75-‬‬
‫‪ )2009 in Aijmer, 2009:8‬يف دراسته أن مستقبل املتون مرشق وواعد يف الفصل‬
‫الدرايس ويف تعليم اللغة الثانية؛ بل يرى ماكنري وآخرون أن املتون لن تكون ثورة‬
‫يف املواد كالقواعد يف القرن الواحد والعرشين كام يراها كونراد (‪Conrad, 2000 in‬‬
‫‪)McEnery, Tony, et al., 2006:102‬؛ بل ستغري طرق التدريس بام يف ذلك ماذا‬
‫ندرس وكيف ندرسه‪ .‬وهناك اهتامم متزايد باملتون لتعلم وتعليم اللغة مهام أثري من‬ ‫ِّ‬
‫نقاش حول فائدة استخدام املتون يف تدريس اللغة (‪.)McEnery et al., 2006:195‬‬
‫ونرجو أن يكون مستقبلها يف تعليم العربية واعدا أيضا ألنه يضاف إىل التحديات‬
‫اخلاصة بالعربية عدم مواكبة التطور املوجود يف اللغات األخرى املتقدمة سواء عىل‬
‫مستوى التحليل اللغوي أو عىل مستوى التدريس يف الفصل‪ ،‬كام أن العربية تربز فيها‬
‫مشكلة الضبط بالشكل وعدم وجوده يف الكتب أو الصحف؛ وقد عاجلها ديلورث‬
‫باركنسون يف متنه بإمكانية الكتابة عن طريق الرومنة (‪)transliteration‬؛ ولكنها تبقى‬
‫مشكلة حقيقية تواجه املتون العربية واستخدامها‪ .‬وكذلك كثرة األخطاء اإلمالئية يف‬
‫املكتوب أو اختالف تقاليد الكتابة من قطر إىل آخر‪.‬‬
‫بعد هذا العرض الرسيع إلشكاالت استخدامات املتون كام يراها بعض الباحثني‬
‫وحماولة التغلب عليها يف نظر أقراهنم املؤيدين هلا والستخدامها ننتقل إىل األشياء التي‬
‫تستطيعها املتون واألشياء التي ال تستطيعها وذلك لوضعها يف سياقها الطبيعي دون‬
‫الغلو فيها أو جتاهلها‪.‬‬

‫إمكانات املتون وحدودها‪:‬‬


‫إن استخدام املتون سواء يف التحليل والتوصيف اللغوي أو يف قاعة الدرس حمدود‬
‫ومرهون بام تستطيع املتون أن تقدمه يف هذين املجالني (التحليل وقاعة الدرس)‪ .‬وتعد‬
‫طريقة مجعها وتصنيفها العامل احلاسم فيام تستطيع املتون أن تقدمه للمستخدم‪ ،‬ففي‬
‫حني يستطيع متن ما أن يزودنا بإجابات عن تساؤالت معينة‪ ،‬ال يمكن ملتن آخر أن‬
‫يمدنا بإجابة مشاهبة‪ ،‬أي أن املتون تتفاوت يف قدرهتا عىل تلبية احلاجات معتمدة يف‬
‫ذلك عىل اهلدف الذي ُصممت من أجله‪ .‬ولكن بوجه عام هناك أسئلة يمكن للمتون‬
‫بتنوعاهتا أن متدنا بإجاباهتا بكل اقتدار‪ ،‬مثال‪:‬‬

‫‪-76-‬‬
‫‪1.1‬ما الكلامت أو العبارات األكثر شيوعا يف العربية يف ضوء املتن الذي بني أيدينا؟‬
‫هذا السؤال يمكن ملتن شامل أن جييب عنه بطريقة علمية (إحصائية) موثوقة‪.‬‬
‫‪2.2‬ما الفرق بني اللغة املنطوقة واملكتوبة يف العربية؟ يمكن ملتن مجع بني املنطوق‬
‫واملكتوب أن يعطينا إجابة عنه من خالل األمثلة التي يعرضها لنا‪ ،‬فنخرج‬
‫بمواصفات كل تنوع لغوي عىل حدة‪.‬‬
‫‪3.3‬ما أكثر األزمنة استخداما بني أهل اللغة؟ يستطيع متن ُح ّش (‪)annotated‬‬
‫ووسم (‪ )tagged‬بتحليل حول األزمنة أن يمدنا باإلجابة عن هذا السؤال‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪4.4‬ما حروف اجلر اخلاصة بأفعال الزمة معينة؟ فبإمكان متن يشتمل عىل وصف‬
‫أو تصنيف للفعل الالزم ووصف وتصنيف حلروف اجلر أن جييب عن هذا‬
‫السؤال‪.‬‬
‫‪5.5‬أي الكلامت تستخدم يف مواقف رسمية فصحى وأهيا يستخدم يف مواقف أقل‬
‫رسمية وأقل فصاحة؟ فيستطيع املحلل أن ينظر يف متن ُصنّف يف تصميمه‬
‫و ُف ّرق فيه بني الفصيح وغريه من املواقف اللغوية أن يعطينا إجابة عن هذا‬
‫السؤال‪.‬‬
‫‪6.6‬ما التعابري املسكوكة املستخدمة يف اللغة العربية؟ وما املتصاحبات يف اللغة‬
‫العربية؟ فاملتن الذي استُخدم فيه برنامج يميز املتصاحبات واملسكوكات عن‬
‫املفردات يمكن له أن يزودنا بإجابات عن هذه األسئلة‪.‬‬
‫‪7.7‬كم من الكلامت جيب أن يتعلمها الدارس ليتمكن من القيام بمحادثة‬
‫يومية؟ وكم من الكلامت عموما يستخدمها ابن اللغة يف املحادثة؟ (مكارثي‬
‫‪ .)2-2004:1 ,McCarthy‬فمتن قد ُصمم ملتحدث ما أو ملحادثات يومية‬
‫ملتحدثني باللغة العربية يمكنه أن يعطينا اإلجابة عن هذا السؤال‪.‬‬
‫إذن فقد جتيب املتون عن أسئلة معينة‪ ،‬وقد جييب بعضها عن أنواع أخرى من األسئلة‬
‫بناء عىل طريقة التصنيف واجلمع والربجمة؛ بل إن ماكنري وهاردي (& ‪McEnery‬‬
‫‪ )Hardie, 2012:237‬يريان أنه مع ازدهار مناهج املتون هناك إمكانية لطرح أسئلة‬
‫جديدة‪ ،‬وجماالت أكاديمية جديدة‪ ،‬ومنهجيات جديدة لتضم مع بعضها وتتكامل‪ .‬ويف‬
‫مقابل ذلك فإن هناك أسئلة ال يمكن ألي متن مهام كان هدفه وطريقة تصنيفه أن يمدنا‬
‫بإجابة هلا‪ ،‬هذه األسئلة كام ذكرها بعض الباحثني‪:‬‬

‫‪-77-‬‬
‫‪1.1‬املتون غري قادرة عىل إعطاء دليل بالعدم (أي الدليل السلبي)‪ ،‬بل يقترص دورها‬
‫عىل إخبارنا عن كون اليشء موجودا أو غري موجود يف املتن الذي بني أيدينا‪،‬‬
‫فقد تكون الظاهرة غري موجودة يف املتن ألهنا غري شائعة يف األسلوب املم َّثل‬
‫له يف املتن الذي بني أيدينا بينام هي موجودة يف االستخدام (بينت ‪,Bennett‬‬
‫‪ .)3-2010:2‬فإذا مل نجد شاهدا عىل قضية ما فليس املعنى انعدامها‪ .‬فال يمتد‬
‫نفس عدم‬ ‫االستشهاد باملتون إىل ما وراءها‪ ،‬أي إىل اللغة كاملة‪ ،‬وال نستطيع أن ّ‬
‫الورود باملتن بأنه عدم وجود للظاهرة يف اللغة‪.‬‬
‫‪2.2‬املتن ال يستطيع إخبارنا بالصحة أو اإلمكانية أو املقبولية‪ ،‬فاملتن ليس معياريا‬
‫بطبيعته‪ ،‬وال ينتظر منه أن يصدر األحكام اخلاصة باللغة‪ .‬املتن يعرض ما هو‬
‫موجود فيه فقط دون الذهاب إىل ما هو أبعد من ذلك تفسريا أو حتليال أو‬
‫تصحيحا أو ختطئة‪.‬‬
‫‪3.3‬املتن غري قادر عىل تعليل الظاهرة اللغوية أو اإلجابة عن سؤال (ملاذا)‪ ،‬فهو‬
‫جييب عن سؤال (ماذا) فحسب (بينت ‪)2010:3 ,Bennett‬؛ أما التعليل‬
‫فوظيفة اللغوي أو املدرس أو أهل اللغة مستخدمني يف ذلك الفطرة أو السليقة‬
‫أو التخمني أو املعرفة اللغوية لدهيم‪ .‬ويرى بينت (‪ )2010:8 ,Bennett‬أنه‬
‫عىل رغم أن التخمني والسليقة ال تكون موثوقة دائام حول استخدام اللغة فهي‬
‫مفيدة يف اإلجابة عن ملاذا‪ .‬فيمكن لنا القول إن اجتامع املتون مع السليقة (ماذا‬
‫وملاذا) يف صيغة تكاملية هو الوضع النموذجي للتحليل اللغوي‪.‬‬
‫‪4.4‬املتن غري قادر عىل إعطاء مجيع األمثلة واإلمكانات واالحتامالت (بينت‬
‫‪ .)3-2010:2 ,Bennett‬فقد تكون هناك أمثلة غري موجودة يف املتن الذي بني‬
‫أيدينا‪ .‬أي أن املتن مهام كان ال يمكن له أن حييط بجميع اللغة؛ ولذلك من اخلطأ‬
‫تصور أنه يمكن أن نصنف متنا شامال للغة العربية بتوعاهتا وأساليبها‪ .‬كام أن‬
‫من اخلطأ أن نظن أن وجود متن كبري للغة العربية يغنينا عن أن نصنف متونا‬
‫أخرى؛ فاإلنتاج اللغوي متجدد بتجدد احلياة‪ ،‬ومن اخلطأ تصور اإلحاطة للغة‬
‫يف أي جهد برشي‪ ،‬أو حتى أن نتصور متنا شامال لفرد من أبناء اللغة؛ فام ينتجه‬
‫أي متحدث للغة ال يمكن أن حييط به أي متن‪.‬‬

‫‪-78-‬‬
‫‪5.5‬املتون غري قادرة عىل التعامل مع اإلدراك واإلبداع (وهو جمال تشومسكي)‬
‫(انظر ماكنري وهاردي‪ .))2012:225 ,McEnery & Hardie‬فاملتن تسجيل‬
‫لألداء فحسب‪.‬‬
‫إذن فاملتون مهام كانت قد ال متلك اإلجابة عن أسئلة معينة‪ ،‬وقد جييب بعضها عن‬
‫أنواع معينة من األسئلة يف الوقت الذي ال جييب بعضها اآلخر عن األسئلة نفسها‪،‬‬
‫ولذلك ال بد من تصنيف متون متنوعة لتجيب عن أسئلة خمتلفة‪ ،‬ومن اخلطأ تصور‬
‫أنه يمكن أن ُيصنف متن حميط بالعربية و ُيكتفى به إلجراء البحوث املختلفة األهداف‬
‫عليه‪ .‬وامتدادا حلديثنا هنا سنتعرض يف الفقرة التالية ألنواع املتون ونتحدث عن األنواع‬
‫التي يمكن أن تُستثمر يف الفصل الدرايس‪.‬‬

‫أنواع املتون‪:‬‬
‫للمتون أنواع متعددة تعكس أهدافها وطريقة تصنيفها‪ ،‬منها ما يصلح توظيفه‬
‫يف فصل تعليم اللغة مبارشة‪ ،‬ومنها ما ال يصلح لذلك؛ بل يقترص دوره عىل البحث‬
‫والتحليل اللغوي‪ .‬وأنواع املتون الرئيسة ثامنية‪ ،‬منها أربعة تصلح للتوظيف مبارشة‬
‫يف فصل تعليم اللغة‪ ،‬وأربعة أخرى ال تصلح لذلك (بينت ‪ )Bennett, 2010:13‬إال‬
‫بعد تكييفها للمهمة التعليمية املقصودة‪ .‬وستُرسد أوال األنواع التي يصلح توظيفها يف‬
‫الفصل الدرايس‪:‬‬
‫‪1.1‬املتن العام (‪ :)Generalized Corpus‬وغالبا ما يكون ضخام من ماليني‬
‫الكلامت فأكثر مثل يب إن يس‪ :‬املتن الوطني الربيطاين( (�‪BNC:The Brit‬‬
‫‪ )ish National Corpus‬وإيه إن يس‪ :‬املتن الوطني األمريكي (‪ANC:The‬‬
‫‪ .)American National Corpus‬وعادة يشمل املنطوق واملكتوب‪ ،‬فاملكتوب‬
‫من الصحف واملجالت ومقاالهتا واألدب والكتابة العلمية واملجالت العلمية‬
‫األكاديمية‪ ،‬واملنطوق من املحادثات اليومية ومقابالت العمل والتعامالت‬
‫الشفهية يف اإلدارات احلكومية واملواقع العامة‪ .‬فإذا كان هدف املدرس هو‬
‫البحث يف اللغة بكاملها وبتنوعاهتا فهذا النوع هو املناسب له‪ ،‬مع التأكيد‬
‫عىل أن أي متن عىل اإلطالق مهام كان حجمه ال يمكن أن يضم اللغة بأكملها‬
‫(بينت ‪.)Bennett, 2010:13‬‬

‫‪-79-‬‬
‫وفيام خيص اللغة العربية هناك متون (مدونات) عديدة لكن الذي يستخدمه‬
‫الباحث كثريا (لتوفره عىل شبكة اإلنرتنت‪ ،‬وجمانيته) املتن العريب (‪)Arabic corpus‬‬
‫الذي صنفه ديلوورث باركنسون (‪ )Dilworth Parkinson‬وحيتوي عىل أكثر من مئة‬
‫وثالث وعرشين مليون كلمة (‪ )123000000‬موزعة عىل الصحف واألدب والقرآن‬
‫الكريم واللهجة املرصية‪ .‬فهو إذن يشمل اللغة املنطوقة واملكتوبة‪ ،‬وموقع املتن عىل‬
‫الشبكة‪.)/http://arabicorpus.byu.edu( :‬‬
‫‪2.2‬املتن املختص (‪ :)Specialized Corpus‬وهو الذي خيدم نوعا حمددا من‬
‫لغة ما‪ .‬مثل لغة الطفل أو اللغة األكاديمية أو لغة التمريض أو اللغة املنطوقة‬
‫أو اللغة املكتوبة ‪ ...‬ومن أمثلته متن متشقان لإلنجليزية األكاديمية املنطوقة‬
‫(‪.)The Michigan Corpus of Academic Spoken English:MICASE‬‬
‫وال حدود حلجمه‪ ،‬فقد يكون كبريا‪ ،‬وقد يكون صغريا يعرب عن هدف معني‬
‫وحمدود (بينت ‪.)Bennett, 2010:13‬‬
‫ويف اللغة العربية هناك املدونة العربية أو املدونة اللغوية العربية ملدينة امللك عبدالعزيز‬
‫للعلوم والتقنية‪ ،‬وهي إحدى املشاريع اإلسرتاتيجية ملبادرة امللك عبداهلل للمحتوى‬
‫العريب‪ .‬وهيدف مرشوع املدونة هذا يف مرحلته األولية إىل مجع سبعامئة مليون كلمة‬
‫(‪ )700000000‬بدءا بالعرص اجلاهيل وحتى العرص احلديث ومن خمتلف مناطق وبلدان‬
‫العامل العريب‪ .‬أما املرحلة التالية فهدفه الوصول إىل بليون كلمة (‪.)1000000000‬‬
‫ويشمل املخطوطات‪ ،‬والصحف‪ ،‬والكتب‪ ،‬واملجالت‪ ،‬والدوريات علمية‪ ،‬واألدب‪،‬‬
‫والزال حتت التطوير واالختبار‪ .‬ومما جيب التنبه له أهنا تشتمل عىل املكتوب فقط دون‬
‫املنطوق؛ وهلذا وضعت هنا ومل توضع يف القسم السابق‪ .‬وموقع املدونة عىل الشبكة‪:‬‬
‫(‪.) /http://corpus.kacst.edu.sa‬‬
‫وال بد من توضيح أمر مهم‪ ،‬وهو أنه يمكن أن نصنّف املتن ونصفه بأنه متن عام‬
‫(أي من القسم األول) بالنظر إىل أنه مل يوضع هلدف حمدد؛ إنام ألهداف عامة وحمتملة‪،‬‬
‫وبناء عىل ذلك يمكن تصنيف مدونة مدينة امللك عبدالعزيز بأهنا متن عام؛ بينام املتن‬
‫املختص هو الذي ُصنّف خلدمة أهداف بحثية حمددة مثل خطاب تنوع معني‪.‬‬
‫وقد ذكر أستون أنه من وجهة نظر تعليمية فاملتن املتخصص صغري احلجم له ميزة تفوق‬
‫املتن العام كبري احلجم (أستون ‪ Aston, 1997‬مقتبس من ‪ )Aston, 2001:37‬وذلك‬
‫لسهولة مجعه وتصنيفه‪ ،‬وسهولة حتليله واستكشاف مفهرسه‪ ،‬باإلضافة إىل وضوح هدفه‪.‬‬

‫‪-80-‬‬
‫‪3.3‬متن املتعلم (‪ :)Learner Corpus‬وهو نوع من أنواع املتون املختصة (أي‬
‫النوع السابق) يضم إما مكتوبا أو منطوقا (أو كليهام) للغة املتعلم للغة ما (أي‬
‫إنتاجه اللغوي يف اللغة اهلدف التي يتعلمها)‪ .‬وقد ُأفرد هنا بقسم خاص ألن‬
‫هذا النوع من املتون بدأ يزدهر ويؤسس نفسه عىل فلسفة خمتلفة وأهداف‬
‫خمتلفة؛ إذ اهلدف منه دراسة أخطاء داريس لغة ما‪ ،‬وحتليل اللغة املرحلية‬
‫(‪ .)intralanguage‬ومن أمثلته املتن الدويل ملتعلمي اإلنجليزية (�‪The In‬‬
‫‪ )ternational Corpus of Learner English:ICLE‬الذي يضم كتابات‬
‫لداريس اإلنجليزية من ‪ 14‬لغة أم خمتلفة‪ ،‬وكذلك املتن املعياري الختبار‬
‫الكالم (‪ )The Standard Speaking Test Corpus:SST‬ملقابالت امتحان‬
‫متعلمني يابانيني‪ .‬ويكون هذا املتن مأخوذا من املتعلمني أنفسهم‪ .‬وهلذا فهو‬
‫كثري األخطاء؛ بل قد تكون هذه األخطاء هي املقصودة‪ .‬ويف العربية هناك عدة‬
‫مدونات منها مدونة عبداهلل الفيفي وإريك آتويل (املدونة اللغوية ملتعلمي‬
‫اللغة العربي ة ‪ )Arabic Learner Corpus‬عىل الرابط‪http://arabi� :‬‬
‫‪.)Alfaifi, et al,. 2014( clearnercorpus.com‬‬
‫‪4.4‬متن تدرييس (‪ :)Pedagogic Corpus‬وهو املتن الذي يشمل اللغة‬
‫املستخدمة يف الفصل الدرايس‪ .‬وقد تكون مادته كتابة أكاديمية أو تفاعال‬
‫شفهيا بني أطراف الفصل الدرايس‪ ،‬فهذه اللغة هي التي يصادفها املتعلم يف‬
‫الغالب ويفيد منها يف تعلمه (انظر‪ .)O’Keeffe, et all., 2007 :‬وال يوجد يف‬
‫العربية متن من هذا النوع عىل حد علم الباحث‪.‬‬
‫أما ما ال يصلح للتوظيف مبارشة يف قاعة الدرس فهي األنواع التالية‪ :‬املتن التارخيي‬
‫(‪ ،)Historical Corpus‬وهو اخلاص بفرتة تارخيية معينة‪ ،‬وقد ال يكون مفيدا ملتعلم‬
‫اللغة الثانية القتصاره عىل فرتة معينة ربام ال تفيده يف تعلمه إذا كان هدفه التواصل‪.‬‬
‫وكذلك املتن املتعدد أو املوازي (‪ ،)Parallel Corpus‬وقد يكون للغتني أو أكثر‪ ،‬وربام‬
‫ال يصلح إال لطالب الرتمجة أو داريس التحليل التقابيل‪ .‬وكذلك املتن املقارن( (�‪Com‬‬
‫‪ ،)parable Corpus‬وهو الذي يقارن متنا بآخر‪ ،‬وقد يكون للغتني أو أكثر‪ .‬واملتن‬
‫املراقب (أو املعيار أو املتابع أو الراصد) (‪ ،)Monitor Corpus‬وهو الذي يكون معيارا‬
‫ملتون أخرى نرصد فيه ما تم يف متن بام نجده يف هذا املتن املعيار‪.‬‬

‫‪-81-‬‬
‫فإن أراد املدرس استخدام متن يف تدريسه فأول سؤال جيب طرحه‪ :‬هل يوجد متن‬
‫املدرس متنا‬
‫ُ‬ ‫متوفر يناسب هديف وغريض من استخدامه؟ يف اللغة العربية قد يكيف‬
‫موجودا ويطوعه ألهدافه وال يكون قادرا عىل اإلفادة من مجيع املجاالت التي يمكن‬
‫اإلفادة منها يف التدريس؛ وذلك لندرة املتون عموما‪ ،‬فضال عن املتون املتخصصة التي‬
‫تناسب أهدافا معينة‪ .‬وهذا مما يدفعنا إىل حث املختصني بالعربية إىل العمل يف هذا‬
‫امليدان البكر واحليوي‪.‬‬
‫ويف حاالت أخرى قد يكون هناك رضورة للمدرس أن يصنّف متنا خاصا به يف‬
‫حال امتلك املهارات الالزمة وكانت اللغة نفسها خمدومة كاإلنجليزية مثال‪ .‬ففي حال‬
‫مل يكن هناك متن متوفر يناسب أغراض املدرس فاملدرس مضطر لتصنيف متن خاص‬
‫يلبي أهدافه‪ ،‬وعليه يف هذه احلالة طرح السؤال التايل‪ :‬ما الذي أريده من متني الذي‬
‫سأمجعه؟ وكيف يمكن أن أصممه خلدمة أهدايف وأغرايض؟ وما املهارات التي تلزمني‬
‫إلنجاز مهمتي؟‬
‫بعد هذه اللمحة الرسيعة ألنواع املتون سنعرض يف الفقرات التالية املجاالت‬
‫والعنارص واملظاهر اللغوية التي يمكن للمتون أن تؤدهيا وتفيد فيها‪ ،‬وسأعرض لبعض‬
‫األمثلة التوضيحية إن كان هذا متاحا بالعربية‪.‬‬

‫مظاهر (عنارص) لغوية تفيد من املتون‪:‬‬


‫قد يطرح القارئ أو املدرس سؤاال مرشوعا‪ :‬إذا كانت هذه ميزات املتون وإسهاماهتا‬
‫يف الفصل الدرايس فكيف أفيد منها تطبيقيا؟ أي ما املظاهر التي يمكنني أن أفيد منها يف‬
‫تدرييس؟ وهذه الفقرات خمصصة لإلجابة عن هذا السؤال وما يتفرع عنه‪ ،‬فسنتحدث‬
‫عن املظاهر والعنارص واملهارات اللغوية التي يمكن أن يكون للمتون دور فيها مع‬
‫بعض اإلجراءات العملية يف هذا الصدد‪ .‬ونؤكد عىل أن الغرض ليس اإلحاطة بقدر‬
‫ما هو إلقاء الضوء عىل ما يمكن أن يطور فيه املدرس ويبدع ويطور حسب قدرته‬
‫واإلمكانات املتاحة‪.‬‬
‫تدريس احلروف‪:‬‬
‫يف مرحلة تدريس احلروف العربية قد حيتاج املدرس إىل توضيح احلروف أو التمثيل‬
‫هلا يف مفردات أو تراكيب لغوية‪ ،‬وهذه املفردات أو الرتاكيب التي يستخدمها املدرس‬

‫‪-82-‬‬
‫قد يرى أن تكون من الكلامت األكثر شيوعا كي يفيد منها املتعلم‪ ،‬أو قد يرى رضب‬
‫أمثلة عىل مجل بسيطة طبيعية صادرة من أهل اللغة ومستخدميها‪ .‬والشكل التايل من‬
‫املدونة العربية للكلامت العرش األوىل األكثر شيوعا يف تلك املدونة‪:‬‬

‫شكل (‪)1‬الكلامت العرش األوىل األكثر شيوعا يف املدونة العربية‬

‫فقد يرى املعلم أن إطالع املتعلم املبتدئ عىل كلامت شائعة هييئه ملرحلة تعلم املفردات‬
‫التالية للمرحلة التي هو فيها‪ .‬طبعا هذا ال يقترص عىل الكلامت األكثر شيوعا يف متن‬
‫عام؛ بل يمكن اإلفادة منه يف هذا املجال مع وجود متن جيد يزودنا بالكلامت األكثر‬
‫شيوعا يف امليدان األكاديمي ملتعلم اللغة األكاديمية مثال أو امليدان الطبي للطبيب‪ ،‬أي‬
‫متعلم اللغة ألغراض خاصة‪.‬‬
‫تدريس املفردات‪:‬‬
‫يتصل باملوضوع السابق موضوع املفردات التي تُقدَّ م للمتعلم‪ ،‬فواضع املنهج‬
‫التعليمي يواجهه اإلشكال الدائم املتمثل يف‪ :‬ما املفردات التي ينبغي أن أقدمها للمتعلم‬
‫يف املنهج؟ وتقدّ م املتون مادة غنية للمفردات الشائعة سواء املفردات العامة أو املفردات‬

‫‪-83-‬‬
‫املتخصصة‪ ،‬ودائام ما يعتمد معدو الربامج للغة اإلنجليزية عىل املتون يف اختيار‬
‫املفردات الشائعة سواء للغة العامة أو لألغراض املتخصصة (ليونز‪،Lyons, 2001‬‬
‫وإيفانز ‪ .)Evans, 2001‬ففي شكل ‪ 1‬السابق ال يمكن لربنامج لغة عربية أن يتجاهل‬
‫الكلامت الواردة فيه ألن املتعلم سيقابلها يف مراحل تعلمه املختلفة أو عىل األقل يغلب‬
‫أن يواجهها يف مراحل التعلم األوىل‪ .‬وقد ذكر كارتر (‪ )Carter, 2001:43‬أن هناك‬
‫صلة وثيقة قديمة بني معجمية تدريس اللغة اإلنجليزية واملتون (املنطوقة واملكتوبة)‬
‫خصوصا ما يتعلق بقوائم املفردات‪ .‬كام أن استخدام املتون يتيح لنا التأكيد عىل الشيوع‬
‫ومدى شيوع الكلمة ويف أي نوع تشيع وكذلك أي معاين الكلمة أكثر شيوعا (هنستون‬
‫ٍ‬
‫معان متعددة وال يمكن معرفة األشيع إال باملتن‬ ‫‪)Hunston, 2002:95‬؛ فقد يكون هلا‬
‫مثل‪( :‬غني عن القول) مقارنة بـ (غني) مرادفة (ثري)‪ .‬فتنص املعاجم العربية يف‬
‫أول رشح لكلمة (غني) عىل أهنا (ثري)‪ ،‬وكذلك العكس؛ وهلذا قد خيلط املتعلم بني‬
‫استخدام (غني) و(ثري) إذا قال له املعجم إهنام مرتادفان أو إذا رشح معنى أحدمها‬
‫(غني) رقم‬
‫ّ‬ ‫الغني‪ .‬ويف‬
‫ّ‬ ‫(ثري)‬
‫ّ‬ ‫باآلخر‪ .‬فقد ورد يف املعجم العريب األسايس‪ :‬يف معنى‬
‫«غني احلرب‪ :‬حديث النعمة‪ ،‬من استغل وقت‬ ‫ّ‬ ‫(ثري) ثم ورد بعد املعاين املفردة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫غني عن البيان أو القول‪ :‬واضح ليس بحاجة إىل توضيح»‪ .‬ولو قمنا‬ ‫احلرب للثراء ّ‬
‫وثري (قد قام الباحث بذلك فعال يف املتن العريب‬ ‫ّ‬ ‫غني‬
‫بخطوات البحث يف كلمتي‪ّ :‬‬
‫ولكن من الصعب عرض األشكال حلاجتها إىل حيز كبري) لوجدنا شيوع (غني عن‬
‫البيان‪ ،‬وغني عن القول) وأنه ال يمكن استخدام (ثري عن القول‪ ،‬وثري عن البيان)‬
‫بشكل تباديل‪ ،‬وكذلك نجد اختالف الكلامت املصاحبة لكل منهام واختالف الكلامت‬
‫املحيطة بكل منهام قبال وبعدا‪ .‬وهلذا ينبه املتعلمون إىل أهنام يتشاهبان يف املعنى وليس‬
‫كل منهام خيتلف عن‬ ‫يف االستخدام؛ فعىل الرغم من التشابه يف املعنى فاالستخدام يف ٍ‬
‫اآلخر‪ ،‬والنمط الرتكيبي والداليل لكل منهام خيتلف عن اآلخر‪ .‬وقد ذكرت كونراد‬
‫(‪ )Conrad, 2010:5485, 49‬أنه عىل رغم ثراء تدريس املفردات باستخدام املتون‬
‫فامليدان بحاجة إىل معرفة تأثري أنشطة املتون عىل التعلم مثل اكتساب املفردات وغريها‪.‬‬

‫‪-84-‬‬
‫تدريس الرصف‪:‬‬
‫هناك جمال واسع لتدريس الرصف باستخدام املتون اللغوية‪ ،‬سواء عن طريق األمثلة‬
‫أو عن طريق الصيغ الشائعة للكلمة‪ .‬فلو بحثنا مثال يف املتن العريب (‪)Arabic Corpus‬‬
‫يف بعض ترصيفات كلمة (قال) (قال‪ ،‬يقول‪ ،‬مقال‪ ،‬قائل) لوجدنا شيوع كلمة قال‬
‫‪( 500128‬أكثر من نصف مليون مرة) انظر الشكل رقم ‪ 2‬أدناه‪ .‬ويستغرق البحث يف‬
‫كلمة (قال) وقتا أطول من الترصيفات األخرى بسبب شيوعها‪.‬‬

‫شكل (‪ )2‬خالصة البحث عن كلمة قال يف املتن العريب (‪)Arabic Corpus‬‬

‫أما كلمة (يقول) فقد وردت أقل بكثري من الترصيف املايض؛ إذ بلغت ‪ 142589‬مرة‬
‫يف املتن السابق (نظرا للحيز الذي يأخذه إظهار الشكل فسأقترص عىل إيراد املعلومات‬
‫واإلحصائيات‪ ،‬ويمكن مراسلة الباحث فيام خيص األشكال)‪ .‬وبلغت كلمة (مقال)‬
‫أقل بكثري‪ 47371 :‬مرة‪ ،‬وأقل من اجلميع كلمة (قائل)‪ .18555 :‬فهذه املعلومات مفيدة‬
‫للمدرس ولواضع املنهج لكي هيتم بترصيفات الكلمة حسب شيوعها إن كان الشيوع‬
‫معيارا لدهيام يستخدمانه يف التدريس أو يف التأليف‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل شيوع كلمة (يقول) بني أصناف املتون املتعددة فإننا نجد املعلومات‬
‫التالية‪ :‬وردت كلمة (يقول) يف مجيع األصناف املوجودة يف املتن ‪ 142589‬مرة‪ ،‬ووردت‬

‫‪-85-‬‬
‫يف الصحف ‪ ،54515‬ويف األدب احلديث ‪ 966‬مرة‪ ،‬ويف القصص ‪ 480‬مرة‪ ،‬ويف ما قبل‬
‫العرص احلديث ‪ 3890‬مرة‪ ،‬ويف اللهجة املرصية ‪ 172‬مرة‪ ،‬وعند النحويني ‪ 1350‬مرة‬
‫(ربام يعكس هذا كثرة الرشوح لدهيم ورضب األمثلة)‪ ،‬ويف علوم القرون الوسطى‬
‫‪ ،129‬ويف القرآن الكريم ‪ 78‬مرة‪ ،‬ويف ألف ليلة وليلة ‪ 481‬مرة‪ .‬فهناك اختالف وتنوع‬
‫يف شيوع الترصيف الواحد للكلمة ما بني صنف من أصناف املتن إىل آخر قد حيتاجها‬
‫املعلم أو املتعلم أو واضع املنهج أو الباحث اللغوي‪.‬‬
‫كام أن البحث يف املتن يعطي ثراء من ناحية شيوع مفردات معينة مع بعض ترصيفات‬
‫الكلمة‪ .‬مثل مفردات معينة تأيت مع قال أو أخرى خمتلفة مع يقول‪ .‬فيحتاج املعلم إىل أن‬
‫يلفت نظر الدارس إىل اختالف شيوع ترصيفات الكلامت وكذلك اختالف ما يصاحب‬
‫الترصيفات‪ ،‬باإلضافة إىل توفر مادة طبيعية هلذه الترصيفات بدل خلق أمثلة مصنوعة يف‬
‫التدريس (للمزيد انظر أوكيفي ‪ .)O’keeffe, 2007‬ومثل (قال وترصيفاهتا)‪( :‬درس‪،‬‬
‫يدرس‪ ،‬دارس‪ ،‬مدرس‪ ،‬مدروس‪ ،‬مدرسة)‪ ،‬فيمكن أن ننظر يف خمتلف أنواع املتن مثال‬
‫يف اخليال واألدب ويف الصحف‪ ،‬أو يف أكثر املعاين شيوعا ما بني الترصيفات املختلفة‪،‬‬
‫أو يف ما يصاحب كل ترصيف من مفردات أو اجتاهات (سيأيت رشح ذلك تاليا)‪.‬‬
‫تدريس العبارات (املتواليات أو املتصاحبات)‪:‬‬
‫تسهم املتون بشكل كبري جدا يف ما يسمى فريزيولزجي (‪( )Phraseology‬هنستون‬
‫‪ )Hunston, 2002:101‬أي دراسة العبارات‪( ،‬وقد ترجم بعلبكي ‪ 1990‬هذا املصطلح‬
‫إىل أسلوب)‪ .‬فدراسة العبارات( (‪ )Phraseology‬تشمل املتصاحبات (�‪Colloca‬‬
‫‪ )tions‬وتفضيالت التوايل بني املفردات يف اللغة‪ .‬فبعض املفردات تشيع معها مفردات‬
‫وتصاحبها بشكل كبري‪ .‬واملتصاحبات تعني أنه حني ترد أو تستخدم كلمة فهناك‬
‫إمكانية عالية (إحصائيا) أن كلمة أو كلامت أخرى سرتد معها (‪)Bennett, 2010:8‬‬
‫مثل مفردة صفقة‪ ،‬فقد يكثر مصاحبة كلامت معها مثل الكلامت اخلاصة باملبالغ وكلامت‬
‫أخرى مثل‪ :‬قيمة‪ /‬رابحة‪/‬خارسة‪/‬كبرية‪/‬عظيمة‪...‬وإذا قلنا التوايل بإمكانية إحصائيا‬
‫فهو أيضا ممكن أو متوقع إدراكيا أي يف عقل املتحدث‪ .‬وفيام ييل الشكل ‪ 3‬يوضح ذلك‪.‬‬

‫‪-86-‬‬
‫شكل (‪ )3‬مصاحبات كلمة صفقة يف املتن العريب (‪)Arabic Corpus‬‬

‫وضحت هنستون (‪ )Hunston, 2002:137‬أن املفردات يف الرتكيب ال ختضع‬ ‫وقد ّ‬


‫للقواعد النحوية فحسب؛ بل ختضع أيضا ملتوالية مفضلة كاملتصاحبات وظهور بعض‬
‫األفعال مبنية للمجهول فقط والتعدي بحروف معينة‪ ...‬مما جيعل املفردات ترتكب‬
‫بشكل منتظم غري عشوائي‪ .‬فاللفظة ختتار لفظة أخرى تتصاحب معها أو ترد يف سياقها‬
‫بشكل مقصود وإن كان أحيانا جمهوال للمتعلم بل البن اللغة أحيانا‪.‬‬
‫ويدخل يف ذلك ما يمكن تسميته باحلزم املعجمية (‪Bennett,( )Lexical Bundles‬‬
‫توال دائم لثالث كلامت أو أكثر (انظر بايرب وآخرون ‪Biber et al.,‬‬ ‫‪ )2010:9‬وهي ٍ‬
‫‪ .)1999‬فقد يشيع يف املحادثة ورود املفردات (هل تريد أن‪ ...‬وال أعرف ما‪ ،)...‬ففي‬
‫املحادثات املرصية وردت املصاحبات لكلمة تريد كام يف الشكل ‪.4‬‬

‫‪-87-‬‬
‫شكل (‪ )4‬مصاحبات كلمة تريد يف املحادثات املرصية يف املتن العريب (‪)Arabic Corpus‬‬

‫ومثل‪ :‬من املحتمل أن‪ ،‬من املتوقع أن‪ ،‬من املمكن أن‪ ،‬من األفضل أن‪ ،‬من اجلائز‬
‫أن‪ ،‬من املفرتض أن‪(...‬وكذلك يف العربية استخدام املصدر املؤول أو األداة املصدرية‬
‫والفعل)‪ .‬والشكل رقم ‪ 5‬يوضح بعض املصاحبات لكلمة املحتمل‪:‬‬

‫شكل (‪ )5‬مصاحبات كلمة املحتمل يف املتن العريب (‪)Arabic Corpus‬‬

‫‪-88-‬‬
‫واحلزم املعجمية ختتلف عن املسكوكات (‪ )idioms‬يف أن املسكوكات ال يمكن‬
‫اشتقاق معناها من أجزائها املكونة هلا بخالف احلزم‪ ،‬كام أن احلزم غري مكتملة املعنى‬
‫أحيانا؛ أما املسكوكات فكاملة( (‪ .)Bennett, 2010:9‬وقد ذكر موخرجي (�‪Mukher‬‬
‫‪ )jee, 2009:212‬أن الطريقة الواضحة لرفع كفاية املتعلم يف املتصاحبات هي دمج‬
‫املتصاحبات عالية التصاحب والشيوع يف املواد التعليمية لتصبح جزءا من املقرر‪ .‬كام‬
‫اقرتح أيضا (موخرجي ‪ )Mukherjee, 2009:214‬أن املتعلمني قد يفيدون من أنشطة‬
‫املتون يف املتصاحبات ويف تعليم اللغة املنطوقة وقواعدها‪ ،‬وهي متجاهلة يف فصول‬
‫تدريس اللغة اإلنجليزية ‪-‬وهي يف العربية أشد جتاهال‪ .-‬وورد احلزم املعجمية يف حديث‬
‫أو كتابة متعلم لغة ما (أي يف إنتاجه) يعطي إشارة أنه ذو مستوى عال يف كفايته اللغوية‪.‬‬
‫إذن فاملتون تشكّل مادة غنية يف بيان العبارات واملتواليات واملصاحبات وكذلك‬
‫يف ترتيب هل هي بعد اللفظة أم قبلها‪ .‬هذه املجاالت التي ُذكرت (احلروف والرصف‬
‫واملفردات والعبارات) مما يسهل إىل حد ما التمثيل له بالعربية لعدم حاجته إىل متن‬
‫حمشى وموسوم باخلصائص اللغوية‪ ،‬وهو مع ذلك حيتاج إىل بعض اإلسرتاتيجيات‬ ‫ّ‬
‫ليقوم هبا املعلم‪ .‬سننتقل فيام ييل إىل ما ذكرته املراجع مما هو موجود يف اإلنجليزية لكن‬
‫يصعب وجوده يف العربية دون التحشية والوسم اجليدين من املظاهر والعنارص اللغوية‪.‬‬
‫وهلذا لن يتمكن الباحث من وضع أمثلة تطبيقية عليها أو أشكال توضيحية‪.‬‬
‫تدريس النحو والنحو املعجمي‪:‬‬
‫للمتون اللغوية تطبيقات مهمة لفهم القواعد وتدريسها (ماكنري وويلسون ‪McEnery‬‬
‫‪and Wilson, 1996‬؛ وبايرب وآخرون ‪ .))Biber et al., 1998‬فاملفهرسات تبحث يف قواعد‬
‫بيانات هائلة سواء للمنطوق أو املكتوب لتحديد أنامط وتراكيب نحوية معينة (سينكلري‬
‫أرص‪+‬عىل‪+‬كذا‪ ،‬أو أرص‪+‬عىل‪+‬أن‪+‬يفعل‪،‬‬ ‫‪ .)Sinclair, 1990‬وقد نم ّثل عىل استخدام ّ‬
‫أو أرص‪+‬عىل‪+‬املصدر (فعل كذا‪ ،‬القيام بكذا‪ ،‬عمل كذا‪ ،‬تنفيذ كذا)‪ .‬سيكون البحث‬
‫ِ‬
‫املستعلم الباحث الكلامت التالية‪ :‬فعل‬ ‫بناء عىل الصيغة وليس عىل املادة‪ ،‬أي سيدخل‬
‫مايض‪+‬حرف جر‪+‬مصدر‪ ،‬وهكذا‪ .‬فلو أراد املدرس مثال لفت نظر الطالب إىل تركيب أن‬
‫املصدرية والفعل وحرف اجلر واملجيء بأمثلة حية لسهل عليه يف حال وجود متن لغوي‬
‫معرب بشكل جيد يف العربية‪ .‬لكن للتغلب عىل هذا املشكل يمكن ملعلم العربية أن يبحث‬
‫باللفظة نفسها أي باملحتوى اللغوي بدال من الرتكيب واإلعراب والوسم‪.‬‬

‫‪-89-‬‬
‫ويف اللغة اإلنجليزية ُيتوقع للبحث املؤسس عىل املتون أن يقود تطورات يف جمال‬
‫القواعد بسبب إتاحة بيانات أكرب منطوقة أو مكتوبة لبناء النظريات (فريامن ‪Diane‬‬
‫‪ .)Larsen-Freeman, 2001:40‬كام أن املتون قد حتمل إجابات ال يملكها املدرسون‬
‫ألهنا قد جتيب عن أسئلة املتعلمني غري املوجودة يف كتب القواعد (إجيمري ‪Aijmer,‬‬
‫‪ ،)2009:4‬ويرى إجيمري (‪ )Aijmer, 2009:4‬أن املتون والبحوث املؤسسة عىل املتون‬
‫قد تؤثر عىل تصميم املقررات والكتب املدرسية واملعاجم وكتب القواعد؛ بل بدأت يف‬
‫التأثري فعال يف تصميم مقررات تعليم اللغة اإلنجليزية‪.‬‬
‫كام أن هناك حمورا نحويا آخر وهو ما يسمى النحو املعجمي( (�‪Lexicogram‬‬
‫‪ )mar‬بمعنى وجود مفردات تأيت أكثر بصيغ معينة كاملايض أو األمر أو املضارع‪ ،‬أو‬
‫أن هناك قوالب وصيغا معينة ختتص بمفردات معينة دون غريها‪ .‬ولو كان يف العربية‬
‫متن موسوم وحمشى باملعلومات النحوية والرصفية لسهل البحث يف ذلك‪ .‬ففي اللغة‬
‫اإلنجليزية مثال هناك أفعال معينة يكثر ورودها بأزمنة معينة (‪.)Bennett, 2010:10‬‬
‫وقد تكون لفظة قال يقول السابق مثاال مبسطا عىل ذلك؛ لكن املتن اجليد يف مثالنا‬
‫هذا يعطي الفروق بخاصية بحث واحدة وخيارات متعددة‪ .‬وقد أكّد كارتر (‪Carter,‬‬
‫‪ )2001:47‬أن هناك تزايدا ونموا يف املتون املنطوقة لإلنجليزية مما يتيح الفرصة ملقارنة‬
‫املنطوقة باملكتوبة مما يفيد املتعلم يف اكتسابه النحوي املعجمي‪ .‬وقد ذكرت هنستون‬
‫(‪ )Hunston, 2002:104‬أن من ميزات املتون اللغوية التأكيد عىل اجلمع والتفاعل‬
‫بني املعلومات النحوية واملعجمية مثل شيوع بعض األفعال بصيغ املايض أو بعضها‬
‫باملضارع وكذلك اختصاص بعض األفعال املتعدية بحروف جر معينة‪.‬‬
‫تدريس األسلوب‪:‬‬
‫األسلوب أو االستخدام أو التنوع اللغوي (السجل ‪ )Register‬معناه وجود أسلوب‬
‫معني يف التواصل يف كل سياق بحسبه‪ .‬فلنا أسلوب مع والدينا‪ ،‬ولنا أسلوب آخر خمتلف إىل‬
‫ٍ‬
‫حد ما مع زمالئنا‪ ،‬ولنا أسلوب خمتلف مع طالبنا‪ ،‬فنستخدم لغة خمتلفة مع املخاطب املختلف‬
‫ويف أوقات خمتلفة وألسباب خمتلفة (‪ ،)Bennett, 2010:11‬أو كام يقال لكل مقام مقال‪ .‬ففي‬
‫املتون التي توسم وحتشى بمختلف السامت واخلصائص الالزمة للتفريق بني األنواع املختلفة‬
‫واملتعددة لألساليب يكون هناك فرصة للبحث فيها بناء عىل كلامت استعالم حمددة‪.‬‬

‫‪-90-‬‬
‫ففي اإلنجليزية مثال تُستخدم الضامئر أكثر من األسامء يف اللغة املنطوقة؛ بينام تُستخدم‬
‫األسامء أكثر بكثري من الضامئر يف األدب (خيال)‪ ،‬واألخبار‪ ،‬والكتابة األكاديمية (بايرب‬
‫وآخرون ‪ )Biber et al., 1999:235‬وكذلك يف الكتابة األكاديمية باللغة العربية تشيع‬
‫األسامء أكثر من األفعال بناء عىل مدونة يقوم عليها الباحث مع عبداملحسن الثبيتي (‪)2017‬‬
‫مع قائمة بألفاظها‪ .‬وكذلك صيغة املايض تُستخدم أكثر يف الكتابة؛ بينام احلارض ُيستخدم‬
‫أكثر يف املنطوق أو املحادثة (بايرب وآخرون ‪)Biber et al., 1999:456‬؛ بل إن هناك من‬
‫يرى (ريبن ‪ )Reppen, 2010‬وجود فروق بني شيوع األسامء واألفعال يف األكاديمية‬
‫املنطوقة أو املكتوبة‪ .‬فقد يقوم املدرس باستعراض الكلامت األكثر شيوعا يف الصحف‬
‫للطالب الذين يريدون كتابة مقالة صحفية‪ ،‬وقد يستعرض معهم ما يشيع أكاديميا ملن‬
‫سيواصل دراسته األكاديمية‪ ،‬وقد يستعرض ما يشيع يف حقل الدعوة مثال ملن يريد أن‬
‫يصبح داعية وهكذا‪ .‬وقد ذكر إيفانز (‪)Tony Dudley-Evans, 2001:134,135‬‬
‫أن البحوث التي تستخدم املتون واملفهرسات مفيدة يف حتليل األسلوب ودراسات‬
‫الفريزولوجي عن طريق فحص املتصاحبات للمظاهر النحوية عالية التصاحب‪ ،‬وأهنا‬
‫تستخدم للبحث يف الفريزولوجي اخلاص بأساليب معينة يف مهن وميادين متخصصة‪.‬‬
‫بعد هذا االستعراض الرسيع للعنارص واملظاهر اللغوية التي يمكن اإلفادة من‬
‫املتون فيها سننتقل يف الفقرات القادمة لتوضيح كيف يمكن للمهارات اللغوية األربع‬
‫أن تفيد من املتون يف التدريس‪.‬‬
‫تدريس االستامع‪:‬‬
‫ُ‬
‫املتون‬ ‫يمكن للمعلم تدريس مهارة االستامع باستخدام املتون اللغوية‪ .‬فقد حتوي‬
‫املنطوق مسجال تسجيال صوتيا باإلضافة إىل التفريغ اليدوي (بايرب وزمالؤه ‪Biber‬‬ ‫َ‬
‫‪ ،et al., 1998; 1999‬ودوييل ‪ ،)Doyle, 2012‬وقد يكون مفرغا تفريغا (منسوخا)‬
‫كتابيا كام هي احلال يف أغلب املتون املوجودة‪ .‬وقد ذكر موخرجي (‪Mukherjee,‬‬
‫‪ )2009:225‬أن املواد التعليمية ستفيد من التوصيفات القائمة عىل املتون للغة املنطوقة‬
‫كالتكرار والتوقفات اململوءة (‪ ،)filled pauses‬فهذه الظواهر لن تكون موجودة يف‬
‫اللغة املكتوبة‪ .‬وبام أن املعلم يشكل املعيار واملصدر الوحيد للمتعلم يف قاعة الدرس‬
‫للمنطوقة فمن الرضورة بمكان أن يتم تدريب املتعلمني يف دوراهتم ودراساهتم وأثناء‬
‫خدمتهم عىل اإلفادة من املتون املنطوقة بشكل أكرب‪.‬‬

‫‪-91-‬‬
‫ويف حال التفريغ اليدوي فال بد أن يكون التفريغ دقيقا وممثال للمنطوق بشكل كبري‪،‬‬
‫فتكتب الرتددات و ُمدَ ُدها وحتى الضحك والسعال يف بعض املتون‪ .‬وتتوقف الدقة يف‬
‫تفريغ السامت املنطوقة عىل الغرض من تصنيف املتن‪ ،‬فمثال قد يدرس شخص نرب‬
‫الكالم وتنغيمه‪ ،‬ويف هذه احلالة ال بد من تقييد هذه السامت‪ ،‬وقد يريد شخص ما‬
‫دراسة مدد التوقف يف الكالم‪ ،‬ويف هذه احلالة ال بد من تسجيل ذلك‪ .‬وحني تكون‬
‫املتون املنطوقة مفرغة وشاملة كلامت مثل (إم‪ ،‬أه‪ ،‬يعني‪ ،‬أقصد‪ )...‬فهي فرصة للمتعلم‬
‫أن يطلع عىل منطوق أبناء اللغة دون أن يمر هذا املنطوق بمرحلة فلرتة وترشيح وتعديل‬
‫ملم باالستخدام اللغوي وكيف ينتجه يف مرحلة الحقة هي‬ ‫وتعيري‪ .‬وهبذا يكون املتعلم ّ ً‬
‫مرحلة الكالم التي سنناقشها يف الفقرة القادمة‪.‬‬
‫تدريس الكالم‪:‬‬
‫الكالم هو اإلنتاج املعتمد عىل مرحلة االستامع السابقة‪ ،‬أو هو اخلرج املقابل للدخل‪،‬‬
‫فاملتون املنطوقة سواء مفرغة أو مسجلة صوتيا تساعد يف تدريسها للمتعلمني يف كيفية‬
‫استخدام كلامت قد يغفلها الفصل الدرايس واملعاجم والكتب املقررة مثل الكلامت‬
‫(إم‪ ،‬أه‪ ،‬آها‪ ،‬يعني‪ ،‬أقصد‪( )...‬انظر زورزي ‪.)Zorzi, 2001‬‬
‫وقد ذكر ليتش وآخرون (‪ )Leech et al., 1995‬وسيدهلوفر (‪Seidlhofer,‬‬
‫‪ )2001:61‬أن هناك بحثا متقدما ومهام وحيويا وهو التعاون بني التقنية احلاسوبية‬
‫وصوتيات تدريس التهجئة بمساعدة احلاسب وتصنيف املتون املنطوقة وحتليلها؛ ألنه‬
‫يمكن حينئذ إعطاء توصيف تدرييس مبني عىل توصيف لغوي أفضل‪ .‬وهبذا يستطيع‬
‫املتعلم حماكاة ما هو موجود يف املتون‪ .‬فاإلفادة من التقنية يف جمال املتون تعد من أوسع‬
‫املجاالت التي تتنامى يف الوقت الراهن‪.‬‬
‫وقد أظهرت دراسة موخرجي (‪( )Mukherjee, 2009‬مقتبسة من إجيمري ‪Aijmer,‬‬
‫‪ )2009:8‬أن املتعلمني أكثر تقييدا وأقل طالقة يف إنتاجهم املنطوق من املكتوب يف بعض‬
‫املظاهر اللغوية‪ ،‬وربام يعود ذلك يف رأيي إىل االعتامد عىل املكتوب بخصائصه أكثر من‬
‫االعتامد عىل املنطوق حتى يف تدريس املنطوق‪ .‬كام ظهر أن تقنيات التكرار والتوقف لدى‬
‫الناطق األصيل تعينه عىل التفكري بخالف املتعلم الذي ال يامرس هذه التقنيات لعدم‬
‫اطالعه عىل متن منطوق فيكون أقل طالقة وتلقائية؛ ولذلك فتقنيات اإلنتاج رضورية‪.‬‬
‫فتدريس اللغة حاليا يقوم عىل الدقة يف خصائص اللغة املكتوبة وعدم مراعاة هذه الدقة‬

‫‪-92-‬‬
‫يف التوصيف واخلصائص حني تدريس املنطوقة؛ وهلذا نجد أن املتعلم الذي درس هبذه‬
‫الطريقة قد يكون أفضل من الناحية الكتابية منه يف نواحي الكالم‪ .‬أو قد يكون إنتاجه‬
‫املنطوق أقرب منه إىل املكتوب (وهذا ما يواجهه الباحث بوصفه مدرسا للغة العربية‬
‫لغة ثانية)‪ ،‬ووجدت كونراد (‪ )Conrad, 2004:545‬أن حمارضة من كتاب تدريب يف‬
‫كتب مدرسية ضللت بعض االستخدامات اللغوية حتى بدت املحارضة كأهنا قطعة‬
‫نثرية أكثر من كوهنا كالمية؛ وهلذا فقد بدأت الدراسات تستدرك هذه األمور وتعطيها‬
‫اهتامما كبريا‪ .‬وقد أكّد موخرجي (‪ )Mukherjee, 2009:203‬أن املنطوقة ختتلف عن‬
‫املكتوبة بشكل كبري يف املفردات والقواعد‪ ،‬وليس مر ّد ذلك إىل العيوب يف املنطوقة بقدر‬
‫ما هو اتباع نظام معني وخاص بكل من النظامني‪ .‬فعلينا أن ندرك أن املنطوق يف اللغة‬
‫العربية باختالفه عن املكتوب ليس أقل منه دقة وصحة نحوية؛ إنام ألن لكل أسلوب‬
‫ما يميزه عن اآلخر‪ ،‬ومن اخلطأ أن نحكم عىل أسلوب املنطوق بمعايري املكتوب‪ .‬كام‬
‫أثبتت الدراسة التي قام هبا (‪ )Mukherjee, 2009:216,218‬أن استخدام (تعرف ‪you‬‬
‫‪ )know‬يف املنطوقة ألبناء اللغة شائع؛ بينام يندر استخدامها لدى املتعلمني‪ .‬كام أظهرت‬
‫الدراسة أن بعض املتعلمني أقل طبيعية وطالقة من بعض وذلك لعدم حماكاهتم اللغة‬
‫املنطوقة وخطاهبا؛ وهلذا فمن وجهة نظر تدريسية من الرضوري رفع وعي املتعلم‬
‫باالستخدام الطبيعي لبعض مظاهر خطاب املنطوق يف احلديث التلقائي وكذلك جعل‬
‫هذه املظاهر آلية‪ .‬مثال ذلك كلمتا (طبعا) و (يعني) اللتان تردان كثريا جدا يف الكالم‬
‫املنطوق ألهل العربية‪ ،‬وتكادان ختتفيان من لغة املتعلمني‪.‬‬
‫تدريس القراءة‪:‬‬
‫ذكر أستون (‪ )Aston, 2001:28‬أن املتون اللغوية مصدر مفيد يف القراءة ويف‬
‫تطوير املهارات القرائية لدى املتعلمني‪ ،‬كام ذكر أن األدبيات حول دور املتون يف تطوير‬
‫مهارات القراءة تعاين يف الوقت نفسه من ندرهتا‪ .‬فاملتون مادة من املكتوب كبرية‬
‫احلجم يستطيع الدارس أن يستخدمها ويتفاعل معها‪ .‬وقد ذكر بروداين (‪Brodine,‬‬
‫‪ )2001:139‬أن نظرية القراءة وتطبيقها يف السنوات األخرية نُظر إليها عىل أهنا تفاعلية‬
‫بني الكاتب والقارئ عرب النص (الذي هو املتن)‪ .‬فاملتعلم يستكشف بنفسه‪ ،‬ويقوم‬
‫يإسرتاتيجيات القراءة إما بنفسه أو بمساعدة املدرس مستخدما يف ذلك املفهرس‬
‫ومستكشفا املصاحبات واملفردات التابعة أو الالحقة مما يثري خمزونه اللغوي‪ .‬ولو‬

‫‪-93-‬‬
‫حمشاة وموسومة ألمكن تطبيق املدرس عىل أي ظاهرة‬ ‫وجدت متون لغوية عربية ّ‬
‫لغوية يريد لفت نظر الدارس إليها عرب اختيار أنسب نص من بني النصوص املوجودة‬
‫يف املتون‪ .‬كام أن املتون اللغوية تعد مادة أساسية الستخراج نصوص القراءة سواء‬
‫يستخرجها املدرس أو واضع املنهج التعليمي أو املمتحن إذا توفرت متون تشبه قواعد‬
‫البيانات والبنوك اللغوية يف ضخامتها‪.‬‬
‫تدريس الكتابة‪:‬‬
‫بام أن أغلب املتون مكتوبة فهي مصدر غني لتدريس الكتابة‪ ،‬فيمكن أن تدرس‬
‫عن طريقها عالمات الرتقيم وقواعد الكتابة وغريها مما يدرس يف الكتابة‪ ،‬كام يمكن‬
‫أن تدرس أساليب التعبري عن مفردة من املفردات أو قضية من القضايا‪ ،‬فالكتابة‬
‫هي الوجه اإلنتاجي للقراءة‪ ،‬وي ّطلع املتعلم عن طريقها عىل كيفية استخدام الكثري‬
‫من املفردات واملتصاحبات لكي يقلدها يف إنتاجه الكتايب واإلنشائي‪ .‬فمثال حني‬
‫يستكشف املتن ويرى أن (يدعو) تنصب املفعول يف مثل يدعو اهلل ويف مثل يدعوه إىل‬
‫وليمة وقد تأيت مع حرف جر كـ يدعو له أو يدعو عليه‪ ...‬هذه الرتاكيب كلها ستكون‬
‫حارضة لديه حني الكتابة إن كان قد سبق له أن رآها يف متن ما خصوصا املتن الذي‬
‫يراعي املتصاحبات والرتاكيب‪ .‬كام يمكن عن طريق املتن أن يعرف املتعلم معاين أكثر‬
‫مما يمكّنه من استخدامها والتنويع فيها مع مراعاة السياق حني الكتابة (أستون ‪Aston,‬‬
‫‪.)2001:35,36‬‬
‫ويمكننا القول إن مهارة الكتابة هي أكثر مهارة يمكن إفادهتا فعليا من املتون لتوفر‬
‫املعطيات واملادة املكتوبة سواء عىل شكل متون مصنفة أو حتى نصوص جمموعة بطريقة‬
‫معينة‪.‬‬
‫تدريس الثقافة‪:‬‬
‫إذا اعتربنا الثقافة خامس املهارات كام يعدها بعض املهتمني بتعليم اللغة الثانية‪،‬‬
‫فاملتون غنية باإلشارات الثقافية واملظاهر التداولية واخلطاب بأنواعه‪.‬‬
‫جلدّ ة مثال بام تبثه‬
‫فيمكن أن نرى من خالل متن للغة اإلنجليزية كيف ينظرون إىل ا َ‬
‫جلدّ ة‬
‫ثقافتهم من فكاهة حوهلا؛ يف مقابل االحرتام والتقدير الكبريين اللذين حتظى هبام ا َ‬
‫يف الثقافة العربية‪ .‬فمتن أي أمة هو املعرب عن قيمها وعاداهتا وتقاليدها بشكل تلقائي‬
‫ودون رتوش التعديل والتهذيب الرتبوي‪.‬‬

‫‪-94-‬‬
‫كام يمكن أن نطل من خالل متن أمريكي عىل ثقافة املرسح والسينام السائدة‪.‬‬
‫باإلضافة إىل املظاهر التداولية يف احلوارات مثل أن يتلو النفي شكر كام يف‪:‬‬
‫?‪Do you need a help‬‬ ‫ ‬ ‫هل حتتاج خدمة؟‬
‫‪No, thanks‬‬ ‫ ‬ ‫ال‪ ،‬وشكرا‬
‫أو أن تتلو عبارة من فضلك اإلجياب‪ ،‬كام يف‪:‬‬
‫?‪Do you need a help‬‬ ‫ ‬ ‫هل حتتاج خدمة؟‬
‫ ‪Yes, please‬‬ ‫ ‬ ‫نعم‪ ،‬من فضلك‬
‫كام يزخر املتن بخصائص اخلطاب ألهل ذلك املتن‪ ،‬مثل أن يكون اخلطاب توجيهيا‬
‫يف اخلطاب الديني مثال‪ ،‬وكذلك اخلطاب الرتبوي مع بعض املحاوالت للنقاش‬
‫واإلقناع يف اخلطاب األكاديمي وهكذا‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬يتبني بعد هذه اإلطاللة أنه يمكن اإلفادة من املتون يف املهارات كلها؛ إذ املتون‬
‫اللغوية مفيدة يف التدريس لكل من املدرس واملتعلم يف التحليل اللغوي مما يقوي‬
‫معرفة املتعلم السابقة (النظرية) باللغة‪ ،‬ويضيف إىل وعيه اللغوي‪ ،‬وحيسن من مهاراته‬
‫اللغوية (جونز ‪ Johns, 1991a‬مقتبس من أستون ‪ ،Aston, 2001:7‬وبينت ‪Bennett,‬‬
‫‪ )2010:93‬وال يقترص استخدام املتن عىل الباحث اللغوي وال عىل املعلم أو املتعلم‬
‫(بينت ‪)Bennett, 2010:94‬؛ بل يتعداهم إىل جمموعة من املستخدمني الذين هم مدار‬
‫احلديث يف الفقرة التالية‪.‬‬

‫من يستخدم املتن يف تدريس اللغة وكيفية ذلك‪:‬‬


‫تذكر املصادر أن استخدام املتون اللغوية يف تدريس اللغة ال يقترص عىل الدارس؛‬
‫إنام يتعداه إىل غريه ممن له عالقة بتدريس اللغة‪ .‬ويف هذه الفقرة سنناقش من يمكنه أن‬
‫يستخدم املتون وكيفية استخدامه هلا لتكون نقطة انطالق وإبداع ملن يريد خوض غامر‬
‫هذا امليدان اخلصب والبكر‪.‬‬
‫املستخدم األول معلم اللغة‪ .‬فقد ذكرت الكثري من املراجع العلمية (انظر مثال‬
‫أستون ‪ ،Aston, 2001:7,16‬واملراجع التي سرتد يف هذه الفقرة) أنه مفيد للمدرس‬
‫يف التحليل اللغوي‪ ،‬كام أن املتون تفيد املدرس يف تدريسه ألهنا متده ببيانات وأمثلة‪،‬‬
‫وتفرس له بعض الظواهر وتصفها‪ ،‬ومتنحه فرصة التحقق منها (جونسون ‪Johansson,‬‬

‫‪-95-‬‬
‫‪ .)2009:36,37‬كام أن املتون مادة ثرية لتزويد املدرس بأمثلة واقعية (شواهد) (ماكنري‬
‫وويلسون ‪)McEnery & Wilson, 1996:120‬؛ بل ذهب جافيويل وأستون وكذلك‬
‫بارتنجتون (‪Gavioli and Aston, 2001; 2006:195; Partington, 2001:46-‬‬
‫يدرس‪ ،‬ف ُينظر إليه عىل أنه‬
‫‪ )62‬إىل أن املتن مصدر مهم للمدرس ليقرر بناء عليه ماذا ّ‬
‫رضوري الختيار املدرس ملادته التعليمية‪ .‬وذكرت كونراد وكيمربيل (‪Conrad and‬‬
‫‪ )Kimberly, 2010:547‬أن املعلم قد يفيد من لسانيات املتون عن طريق الكتب‬
‫املدرسية املؤسسة عىل املتون وكذلك عن طريق استخدام البحث املؤسس عىل املتون‬
‫لتقرير حمتوى الربنامج وكذلك بوصفها علام لغويا (أي لسانيات) لتكون أدوات‬
‫مساندة يف التطبيقات املختلفة‪ .‬فاملتون ولسانيات من األركان الرئيسة للمعلم إذا ُأريد‬
‫للعملية التعليمية أن تكون حماكية للغة الواقعية التي تُستعمل خارج الصف الدرايس‪.‬‬
‫هذا االستخدام للمتون وللسانياهتا واإلفادة منها يتطلب تغري ًا يف مفهوم دور‬
‫املعلم؛ إذ لن يكون هو الوحيد الذي يرضب األمثلة للدارسني ويزودهم هبا أو حيكم‬
‫بصحتها ووجودها يف اللغة من عدمه؛ بل سيعتمد يف ذلك عىل املتن اللغوي‪ .‬ويرى‬
‫أستون (‪ )Aston, 2001:41‬أنه يمكن للمتون إزاحة سلطة املدرس بصفته متحك ًام‬
‫وميس ًا فقط‪ .‬ومعلوم‬
‫ِّ‬ ‫لغوي ًا‪ .‬وذكر جونز (‪ )Johns, 1991a‬أن املدرس سيكون مه ِّيئ ًا‬
‫أن مدرس اللغة التقليدي أو احلايل ال حيسن التعامل مع املتن وال أساليب اإلفادة منه؛‬
‫ولذلك ال بد من تقديم املتون وتدريسها يف برامج إعداد املعلمني أو التدريب أثناء‬
‫اخلدمة‪ ،‬وهذا مدار احلديث يف الفقرة التالية حول املستخدم الثاين للمتون‪.‬‬
‫املستخدم الثاين من يقوم بتدريب املعلمني (ماكنري وآخرون ‪McEnery, et‬‬
‫‪ .)al., 2006:100‬ويرى إجيمري (‪ )Aijmer, 2009:9‬وكذلك كونراد (‪Conrad,‬‬
‫‪ )1999‬أنه جيب أن يكون الستخدام املتون وكيفية اإلفادة منها دور مهم يف تدريب‬
‫املعلمني‪ .‬كام ذكر جراناذ (‪ )Granath, 2009‬أنه لو كان املتن مشموالً يف مواد أخرى‬
‫كالرتاكيب (‪ )syntax‬أي بناء اجلملة والرتمجة ألصبح من الطبيعي البحث يف املتن كام‬
‫درس املتن كام تدرس‬ ‫يبحث املتعلم يف كتاب قواعد أو يف قاموس‪ ،‬أي أنه جيب أن ُي َّ‬
‫مواد اللغويات األخرى‪ .‬كام اقرتح أيض ًا (‪ )Granath, 2009:47,64‬تدريس املتن يف‬
‫السنة األوىل لطالب اجلامعة يف برنامج اإلنجليزية لغة أجنبية؛ بل بالغ يف ذلك وذكر‬

‫‪-96-‬‬
‫أن املتن قد يكون أفضل أداة يمكن أن نزود هبا معلمي اللغة املستقبليني؛ وهذا يعود‬
‫ال جونسون ‪Johansson,‬‬ ‫إىل دوره املهم كام يراه جراناذ وغريه من املختصني (انظر مث ً‬
‫‪ )2009:39,40‬يف تعليم اللغة‪ .‬ولذلك ال بد للقائمني عىل برامج تدريب معلمي اللغة‬
‫وتأهيلهم أن يضيفوا مادة لسانيات املتون وتطبيقاهتا يف براجمهم لكي ال حيس املعلم‬
‫بصعوبة وجفوة يف تطبيقاهتا ويف اإلفادة منها‪ .‬ويرى جراناذ (‪ )Granath, 2009:47‬أنه‬
‫عىل الرغم من فائدة املتون يف حتسني وصف اللغة إال أن استخدامها يف فصول تعليم‬
‫اللغة اإلنجليزية لغة أجنبية ال يزال نادر ًا‪ ،‬ولعل ذلك يرجع إىل أن كيفية استخدام املتون‬
‫ليست يف الغالب ضمن برامج تدريب املعلمني‪ .‬وال حاجة للقول إهنا يف برامج تدريب‬
‫معلمي العربية أندر‪ .‬ويقرتح رومر (‪ )Romer, 2009:95‬أن يكون هناك يوم تدريبي‬
‫مفتوح هلؤالء املدرسني يتم فيه إعطاؤهم املهارات الالزمة الستخدام املتون اللغوية يف‬
‫فصول التعليم‪.‬‬
‫املستخدم الثالث مصممو املناهج واملقررات واملواد التعليمية (ريبن ‪Reppen,‬‬
‫ال بارلو ‪Barlow, 1996:30‬؛ وبارتنجتون‬ ‫‪ .)2010:14‬فقد ذكر الباحثون (انظر مث ً‬
‫‪ )Partington, 2001:46-62‬أنه حري بمن يعمل يف إعداد املناهج وتصميم املواد‬
‫التعليمية (أستون ‪ )Aston, 2001:16‬وكذلك من يعمل يف إعداد الكتب الدراسية‬
‫وكتب القواعد وإعداد أنشطة الفصل الدرايس (جونسون ‪)Johnsson, 2009:39,40‬‬
‫وكذلك من يعمل يف تطوير وتنقيح وإعداد املواد التعليمية وكتب القواعد واملهامت‬
‫واألنشطة الصفية (تشنج ‪Cheng, 2009:174‬؛ وهنستون ‪)Hunston, 2002:95‬‬
‫ومن يصمم برناجم ًا لغوي ًا أو دورة لغوية (فلوردو ‪ ،)Flowerdew, 1993‬حري هبم أن‬
‫يفيدوا من املادة الثرية التي تقدمها هلم املتون اللغوية للقيام بمهامهم عىل وجه يقرب من‬
‫يسهل هلم عملية التأليف والتطوير‬‫االستخدام اللغوي الطبيعي للغة وكذلك عىل وجه ّ‬
‫والتنقيح‪ .‬فكل هذه الفرق العاملة يف التأليف وعمليات إخراج املنهج واملقرر واألنشطة‬
‫تواجه صعوبات كثرية حني قيامها بمهامها‪ .‬ولو اعتمدت استخدام املتون اللغوية لربام‬
‫جعل ذلك بعض مهامها أسهل؛ ألن املتون جتعل املادة اللغوية يف متناول اليد وختترص‬
‫كثري ًا من اجلهد والوقت يف البحث عن النصوص اللغوية املناسبة‪ ،‬وهذا ما أظهرته‬
‫نتائج دراسة ميونري وجوفرينيور (‪ )Meunier and Gouverneur, 2009:197‬من أن‬

‫‪-97-‬‬
‫األمثلة الطبيعية وكيفية حتشية املتون قد تساعد مصممي املواد التعليمية يف التغلب عىل‬
‫التحديات الرتبوية اجلديدة يف التأليف والتصميم‪ .‬باإلضافة إىل أنه قد انترشت الكتب‬
‫التي ترشح القواعد اإلنجليزية بناء عىل متون لغوية‪ ،‬ووجدت فروق ًا بينها وبن الكتب‬
‫التقليدية التي ال تعتمد يف تأليفها عىل املتون اللغوية (بينت ‪ .)Bennett, 2010:12‬وقد‬
‫ذكرت برين (‪ )Breen, 2001:156‬أن املقررات املعجمية ومفردات مناهجها (‪lexical‬‬
‫‪ُ )syllabus‬ح ِّفزت بقضية أن تعلم اللغة يمكن أن ُيبنى حول مفردات هلا صلة وعالقة‬
‫باملتعلم (انظر أيض ًا‪ .)Carter and McCarthy, 1988; D. Willis, 1990‬واقرتاح هذا‬
‫النوع من املقررات ف ّعل من إتاحة املتون املعجمية الضخمة يف قواعد البيانات‪ .‬ومن‬
‫ال حاس ًام يف‬‫املتوقع أن تكون املتون املبنية عىل احلاسوب والتي تعتمد اللغة الطبيعية عام ً‬
‫تنظيم حمتوى املقررات يف املستقبل‪.‬‬
‫املستخدم الرابع مصممو االختبارات اللغوية (ماكنري وآخرون ‪McEnery,‬‬
‫‪et al., 2006:100‬؛ وريبن ‪ .)Reppen, 2010:14‬فقد ذكر جونسون (‪Johnsson,‬‬
‫‪ )2009:39,40‬أن املتون اللغوية تعد مصدر ًا مه ًام يف تصميم االختبارات اللغوية‪ .‬كام‬
‫نقلت كونراد (‪ )Conrad, 1999‬أن كثري ًا من املقاالت أشارت إىل فائدة استخدام املتن‬
‫لالختبارات اللغوية‪ .‬كام يمكن أن تكون املتون أيضا معيار ًا يقاس به أداء متعلمي اللغة‬
‫يف اختباراهتم وتقارن إجاباهتم بام هو موجود يف متن ابن اللغة‪ ،‬وهذه منطقة ثرية للبحث‬
‫والكتشاف خصائص أداء املتعلم بابن اللغة‪ .‬كام ذكر جاميسون (‪)Jamieson, 2005‬‬
‫أن التطورات احلديثة يف االختبارات املبنية عىل احلاسوب تشمل إسهام لسانيات املتون‬
‫يف تزويدنا باختبارات أقرب إىل الطبيعية‪ ،‬ويف تصميم مهامت أكثر تعقيد ًا يف االختبارات‬
‫املؤداة باحلاسوب‪ ،‬ويف إمدادنا بربامج للمنطوق واملكتوب لتصحيح اإلنتاج الشفهي‬
‫والكتايب (يف االختبار ووضع الدرجات)‪ .‬كام أ ّثرت يف طرح أسئلة مثل‪ :‬هل تؤثر‬
‫األداة االختبارية املبنية عىل احلاسوب يف طبيعة وبناء ما يقاس؟ وكيف يتم ذلك؟‬
‫وضحت‬ ‫(دوجالس وهيجيلهيمري ‪ .)Douglas & Hegelheimer, 2008:116‬كام ّ‬
‫هنستون (‪ )Hunston, 2002:205‬أنه يمكن معرفة مدى كون استخدام ما شائع ًا أم ال‪،‬‬
‫وكذلك التصحيح بمقارنة متن‪ ،‬مثل مدى شيوع أو ندرة املصاحبات يف نص (ملتعلم‬
‫مثال) مقارنة بوجودها بمتن موجود‪ .‬وقد ذكر ماكنري وآخرون (‪McEnery, et al.,‬‬

‫‪-98-‬‬
‫وضح جوانب لإلفادة من املتون يف‬ ‫‪ )2006:100‬أن ألديرسون (‪ّ )Alderson, 1996‬‬
‫االختبارات‪ ،‬منها بناء االختبار وتصنيفه واختياره‪...‬وقد استخدم يف اإلنجليزية‪ ،‬كام‬
‫استخدم أيضا بمساعدة برامج تعني عىل ميكنة االمتحان اعتامد ًا عىل املتن‪ .‬وقد صمم‬
‫كازبوكي ووجونسوكا (‪ )Kaszubski and Wojnowska, 2003‬برناجم ًا لبناء تدريبات‬
‫لتدريس اللغة اإلنجليزية (باين االختبار ‪.)TestBuilder‬‬
‫املستخدم اخلامس العاملون يف معاجم اللغة (هنستون ‪.)Hunston, 2002:95‬‬
‫فيمكن للمعجمي أن يفيد من املتون اللغوية (جونسون ‪)Johnsson, 2009:39,40‬‬
‫يف عدة مظاهر منها‪ :‬املفردات التي يوردها يف املعجم بناء عىل قوائم الشيوع يف‬
‫املتون‪ ،‬وكذلك اإلفادة من نتائج دراسات الباحثني يف املتون اللغوية (تشنج ‪Cheng,‬‬
‫‪ ،)2009:174‬ويف ذكر األمثلة الطبيعية ألهل اللغة‪ ،‬ويف سياق اللغة ألغراض خاصة‬
‫كاألكاديمية يف األنامط املعجمية للمفردات يف حقل معني ومدى شيوعها وسياقاهتا‬
‫ومصاحباهتا (بروداين ‪ .)Brodine, 2001:171‬كام أن االعتامد عىل متن معني حيل‬
‫بعض اإلشكاالت حول ترصيفات الكلمة الواحدة‪ ،‬مثال‪ :‬جذر (ق و ل) تورد الكلمة‬
‫التي يشيع ورودها يف املتن وهي مثال املايض ‪-‬كام رأينا سابقا‪ -‬يف الرتتيب األلفبائي‬
‫ثم يشار إىل ارتباطها بكلمتي يقول ومقال دون رشح معانيهام؛ بل توردان يف مكاهنام‬
‫يف الرتتيب األلفبائي‪ .‬ومن خالل خربيت يف املقررات كثريا ما يرد سؤال بأي صيغة‬
‫نضع املفردة‪ ،‬وربام يكون املتن ودراسات الشيوع عامال مهام يف اإلجابة عن مثل هذه‬
‫التساؤالت‪.‬‬
‫املستخدم السادس النارشون‪ .‬ففي اللغة اإلنجليزية يتزايد اهتامم كبار النارشين يف‬
‫جمال تعليم اللغة اإلنجليزية وينمو استخدامهم للمتون اللغوية سواء تلك التي ألبناء‬
‫اللغة أو التي ملتعلميها‪ ،‬وتعد مصدر دخل ملوادهم التي ينتجوهنا؛ إذ يبنون عليها سالسل‬
‫مواد مرجعية وتدريسية كاملعاجم وكتب القواعد وكتب املفردات (ميونري وجوفرينيور‬
‫‪ .)Meunier and Gouverneur, 2009:197‬وعىل الرغم من تقدم اإلنجليزية يف هذا‬
‫امليدان مقارنة باللغات األخرى فريى ميونري وجوفرينيور( (�‪Meunier and Gou‬‬
‫‪ )verneur, 2009: 197‬أنه من املستغرب أن اإلنجليزية لألغراض العامة ال تزال بعيدة‬
‫عن اإلفادة من هذه املصادر إفادة تليق بام يمكن أن تقدمه املتون اللغوية ولسانيات‬
‫املتون للنارشين واملنتجني‪ .‬كام ذكرت كونراد (‪ )Conrad, 2010:545‬أن عدد ًا كبري ًا‬

‫‪-99-‬‬
‫من الدراسات يف لسانيات املتون اإلنجليزية قارنت اللغة املستخدمة يف املتون باللغة‬
‫املدرسة للمتعلم يف الكتب املدرسية وأشارت إىل أنه يمكن للنارشين العمل بشكل‬ ‫َّ‬
‫أفضل حني يراعون نتائج املتن بشكل أفضل حني إنتاجهم للكتب املدرسية‪ .‬ومن‬
‫املعلوم أن املقصود بالنارشين هم الذين يتولون طباعة ونرش الكتب العلمية؛ إذ يف‬
‫الغرب يقوم النارشون بمهامت تشبه ما تقوم به اجلامعات واملراكز العلمية من بحث‬
‫وحتكيم ونرش علمي‪ .‬فإذا كان هذا حال اللغة اإلنجليزية يف عدم استفادهتا بشكل كبري‬
‫من املتون يف هذا املجال فاحلال يف اللغة العربية أكرب وأبعد‪.‬‬
‫املستخدم السابع املتعلم‪ .‬ومتعلم اللغة هو املستفيد النهائي من املتون اللغوية‬
‫ودراساهتا‪ ،‬ويكون مستخدم ًا بوسيط (أي بطريق غري مبارش) عن طريق املستخدمني‬
‫السابقني الذين يفيدون من املتون يف الفصل الدرايس وينقلوهنا له‪ ،‬أو قد يفيد املتعلم‬
‫من املتون اللغوية بشكل مبارش حني يبحث فيها بنفسه مبارشة دون وسيط‪ .‬فاملتون‬
‫اللغوية تساعد املتعلم عىل مهام لغوية تعينه يف تعلمه‪ .‬عىل سبيل املثال ذكر أستون‬
‫(‪ )Aston, 2001:7,16‬أن املتون مفيدة للمتعلم يف التحليل والتوصيف اللغوي؛ بل‬
‫ذهب جوهانسون (‪ )Johansson, 2009:37‬إىل أن أنشطة املتون متكّن املتعلم من أن‬
‫يبني فرضية لغوية ما عن طريق االستنتاج‪ ،‬وأن خيتربها بالطريقة العكسية (االستقراء)‬
‫يف املتن‪ .‬وهذه طرق عليا يف التفكري والتحليل‪ .‬وبطريقة أكثر تفصي ً‬
‫ال فقد ذكر إبيلينق‬
‫(‪ )Ebeling, 2009:77‬أن املتون متنح املتعلم فرصة ليصري مكتشفا للغة بنفسه‪ ،‬وأنه من‬
‫وجهة نظر تربوية فإدراج املتن يف تعلم وتعليم اللغة مفيد للطالب؛ إذ تعريض الطالب‬
‫للغة طبيعية أصلية من سطور املفهرس ومن تدريبات معتمدة عىل املتن تسمح بمنهج‬
‫يرتكز عىل الطالب وتعطي الطالب فرصة لتقييم البيانات وعمل خالصاته واستنتاجاته‬
‫اخلاصة (إبيلينق ‪ .)Ebeling, 2009:81‬فاملتون اللغوية إن استُخدمت يف التدريس فهي‬
‫مادة ثرية لتزويد املتعلم بأمثلة واقعية فعلية (ماكنري وولسون ‪McEnery & Wilson,‬‬
‫‪ .)1996:1200‬وقد أظهرت نتائج دراسة ميونري وجوفرينيور (�‪Meunier and Gou‬‬
‫‪ )verneur, 2009: 197‬أن األمثلة الطبيعية وكيفية حتشية املتون قد تساعد املتعلم يف‬
‫التغلب عىل التحديات الرتبوية اجلديدة يف تعلمه اللغة‪ .‬ويرى جافيويل وأستون( (�‪Gav‬‬
‫‪ )ioli and Aston, 2001‬أنه ينبغي تقديم املتون للمتعلم ليتعلم منها مبارشة بنفسه؛ بل‬

‫‪-100-‬‬
‫اقرتح جونز (‪ )Johns, 1991‬أنه جيب مواجهة املتعلم مبارشة بقدر املستطاع باملتون‪.‬‬
‫ومن فكرة جونز هذه التي يرى وجوب تقديم املتن ومواجهة املتعلم به خرج‬
‫مصطلح (الطالب‪/‬املتعلم الباحث‪ )The learner as researcher :‬وهي فكرة من‬
‫طورها جونز (‪)Johns, 1991‬‬ ‫أكثر األفكار أمهية يف استخدام املتن يف تدريس اللغة ّ‬
‫يف مصادر متعددة من إنتاجه وبحوثه‪ ،‬وتبعه يف ذلك آخرون (نولز‪, nowles, 1990‬‬
‫‪K‬؛‬
‫املوجه بالشواهد (‪data-driven‬‬‫وبارلو ‪ .)Barlow, 1996‬ومنها خرجت فكرة التعلم َّ‬
‫‪ )learning:DDL‬وهو ما سنفرد له احلديث يف الفقرة التالية ألمهيته لدى الباحثني‪.‬‬

‫التعلم املوجه بالشواهد (‪:)Data-Driven Learning:DDL‬‬


‫يعد جونز يف كتاباته املتعددة (‪ )Johns 1991; 1994; 1997‬أول من أطلق‬
‫مصطلح التعلم املوجه بالشواهد‪ .‬ويقصد به استخدام املفهرسات لتحليل اللغة إما‬
‫عن طريق االستنباط (وذلك باستخراج الفرضية والتعميامت واحلقائق اللغوية من‬
‫البيانات والشواهد املوجودة يف املتن ابتداء)‪ ،‬أو عن طريق االختبار (باختبار الفرضية‬
‫والتعميامت واحلقائق املعروفة مسبق ًا عىل املعلومات والشواهد) (أستون ‪Aston,‬‬
‫‪ )2001:19‬أي الطريق العكيس للطريقة السابقة (قارن بفكرة مقاربات املتون التي‬
‫ستأيت يف الفصل الثالث)‪ .‬وهبذا النوع من التعلم يصري «متعلم اللغة باحث ًا» (‪The‬‬
‫‪)learner as researcher‬؛ ألنه يتعامل مع املتن عىل أساس أنه باحث لغوي (جونز‬
‫ال الفرق بني وصفي مجيل‬ ‫‪ )Johns, 1991‬وليس جمرد متعلم ٍ‬
‫متلق‪ .‬كأن يستكشف مث ً‬
‫ووسيم‪ ،‬أو طويل ومرتفع‪ .‬وأطلق برنارديني ‪ ))Bernardini, 2001:22‬عىل املتعلم‬
‫مسافر ًا أو متجوالً (‪ ،)The learner as traveler‬وسمى هذا النوع من التعلم (التعلم‬
‫االستكشايف ‪( )Discovery Learning:DL( :‬انظر أيض ًا ماكنري وآخرون �‪McEn‬‬
‫‪ ،)ery, et al., 2006:99‬ويرى أن التعلم يتحول إىل رحلة (برنارديني ‪Bernardini,‬‬
‫وسمي استكشافي ًا ألن هذا‬ ‫‪ )2001:223‬يبحر املتعلم من خالهلا إىل اللغة والثقافة‪ُ .‬‬
‫النوع من التعلم يشجع املتعلم ‪-‬خصوص ًا املتقدم‪ -‬عىل استكشاف السلوك اللغوي للغة‬
‫اهلدف‪ ،‬أو اختبار قواعد االستخدام‪ ،‬أو حتى تعريفات املعاجم للمفردات (هنستون‬
‫‪ )Hunston, 2002:172‬وأنامط الرتاكيب واالستخدامات اللغوية‪ .‬فاستخدام املتون‬

‫‪-101-‬‬
‫ال يف إدخال تقنية جديدة هلم؛ بل اهلدف منه‬ ‫مع املتعلمني ليس اهلدف منه ترف ًا متمث ً‬
‫إكساهبم منهج ًا حتليلي ًا (جافيويل ‪ ،)Gavioli, 2001:129‬ويتطلب ذلك مهامت خاصة‬
‫(برنارديني ‪ )Bernardini, 2001:223‬من املتعلم ومهارات جديدة وأدوار ًا جديدة؛‬
‫بل ال نبعد إذا قلنا طريقة منهجية للتفكري جديدة‪.‬‬
‫وطريقة التعلم املوجه بالشواهد هي الطريقة الثانية من طرق استخدام املتن يف‬
‫التدريس ويف قاعة الدرس‪ ،‬إذ هناك من استخدم املتون يف التدريس وتصميم املواد‬
‫واملفردات‪ ،‬ويف هذه احلالة فاملدرس أو اللغوي (مجيع املستخدمني الستة يف الفقرة‬
‫السابقة) يكون غرباالً أو وسيط ًا بني املتون واملتعلم‪ .‬الطريقة األخرى ترى أنه ال‬
‫رضورة هلذا التوسط؛ إذ يرى جونز (‪ )Johns, 1991; 1994‬أن املتعلم يمكنه التفاعل‬
‫مبارشة مع املتن دون وسيط عن طريق التعلم املوجه بالشواهد‪ ،‬وهبذا يكون قد نقل‬
‫منهجية املتن من املخترب اللغوي إىل الفصل الدرايس (جافيويل ‪)Gavioli, 2001:108‬‬
‫مبارشة دون وسيط‪ ،‬وهبذا ينتقل التعلم من إدارة املدرس كام هي يف احلالة األوىل إىل‬
‫أن يكون بقيادة املتعلم وهو ما يرى ماكنري وآخرون (‪)McEnery, et al., 2006:99‬‬
‫فيه أنه يساعد عىل االستقاللية وعىل أن يكون املتعلم باحث ًا (ليتش ‪.)Leech, 1997:10‬‬
‫ويرى جونز (‪ )Johns, 1991‬أن التعلم املوجه بالشواهد مفيد وذو تأثري إجيايب عىل‬
‫وميس بينام املتعلم يتعلم‬
‫ِّ‬ ‫الطالب واملدرسني حول العامل‪ ،‬فاملدرس يتحول إىل مهيئ‬
‫عن طريق املالحظة وتفسري أنامط االستخدام وكذلك السياقات‪.‬‬
‫وقد ذكر عدد من الباحثني بعض األمثلة عىل تطبيقات التعلم املوجه بالشواهد‪،‬‬
‫يوجه املتعلم إىل ما خيطئ‬‫منها ما ذكره نيسلهوف (‪ )Nesselhauf, 2004:140‬وهو أن َّ‬
‫فيه لرياه يف املتن بالطريقة الصحيحة ليكتشف ما خيطئ فيه بنفسه فيدرسه تطبيقيا بدل‬
‫أن يقال له هذا خطأ‪ .‬كام ذكر أيضا (‪ )Nesselhauf, 2004:140‬أنه يمكن استخدام‬
‫ال عىل العدم مثل ما هو دليل عىل الوجود‪ ،‬أي‬ ‫أنشطة التعلم املوجه بالشواهد دلي ً‬
‫ال سلبي ًا مثله مثل الدليل اإلجيايب‪ ،‬باإلضافة إىل أنه يمكن أن تستخدم‬
‫يكون املتن دلي ً‬
‫تلك األنشطة عىل مرحلتني‪ :‬توعية املتعلم عن طريق مناقشة الدليل العدمي والدليل‬
‫والوجودي‪ ،‬ثم التأسيس لالستخدام الصحيح (‪ .)Nesselhauf, 2004:140‬وال شك‬
‫وجتول املتعلم بينها تزوده بقدر كبري من املالحظات واالكتشافات‬ ‫ّ‬ ‫أن هذه األنشطة‬
‫(‪ )Nesselhauf, 2004:140‬التي سيصادفها يف رحلته‪ .‬كام ذكر جونز (‪)Johns, 1991‬‬

‫‪-102-‬‬
‫ثالث مراحل لطريقة التعلم املوجه بالشواهد‪:‬‬
‫ِ‬
‫املفهرس أو الكشاف السياقي)‪،‬‬ ‫املرحلة األوىل‪ :‬املالحظة (لدليل‬
‫ثم الثانية‪ :‬التصنيف (للخصائص املميزة)‪،‬‬
‫ثم الثالثة األخرية‪ :‬التعميم (أو القاعدة)‪.‬‬
‫ويمكن لنا للتوضيح أن نرضب لذلك بمثال من اللغة العربية بأن ُيعطى املتعلمون‬
‫مفهرسها الذي يرسد الكلمة‪ ،‬ثم ُيسألون ما الكلامت التي عن‬ ‫ِ‬ ‫كلمة (غضب) مع‬
‫يسارها؟ وما الكلامت التي عن يمينها؟ هذه كلها تشجع عىل املالحظة واالستكشاف‬
‫ال متوالية‪ :‬غضب من كام يف‬ ‫يف الدروس التي يأخذوهنا واملفردات التي يدرسوهنا مث ً‬
‫الشكل التايل رقم (‪)6‬‬

‫شكل (‪ )6‬متوالية (غضب من) يف املتن العريب‬


‫ال وجود تركيب أن املصدرية‪+‬الفعل مثبت ًا أو منفي ًا بـ ال‪+‬من أو عىل‪.‬‬ ‫كام يالحظ مث ً‬
‫فيمكن أن يكون الدارسون قد درسوا هذه األشياء سابقا أو يكون املتن معروض ًا‬
‫هلم ليستخلصوا منه القاعدة (وهنا يامرسون عمليتي التعلم العكسيتني‪ :‬االستنتاج‬
‫واالستقراء)‪ .‬إذن فالتعلم املوجه بالشواهد قد تُع ِّلم اللغة ابتداء‪ ،‬وقد جيلب املعلم أدلة‬
‫للمتعلمني ويسأهلم ويطلب منهم بناء فرضيات واخلروج بخالصات واستنتاجات‬

‫‪-103-‬‬
‫خاصة (انظر لنقاش مشابه هنستون ‪ .)Hunston, 2002:184‬كام تساعدنا املتون يف‬
‫مالحظة الشيوع‪ ،‬ومالحظة انتظام يشء أو نمط شائع‪ ،‬ومالحظة انتظام استخدام ما‬
‫(هنستون ‪ .)Hunston, 2002:136‬ويمكن توجيه املتعلم ليستكشف املتن بطريقة‬
‫استكشافية (برنارديني ‪ )Bernardini, 2004:22‬أي دون فرض أي إطار له للتعلم أو‬
‫أي قاعدة مسبقة‪ .‬وال شك أن املتعلم املتفاعل هبذه الطريقة سيتغري دوره من وعاء ٍ‬
‫متلق‬
‫إىل متفاعل يف العملية التعليمية‪ ،‬وسيحتاج يف املقابل إىل مهارات خاصة وتدريب عىل‬
‫االستخدام والتحليل‪.‬‬
‫وقد ذكر (برنارديني ‪ )Bernardini, 2004:23‬أن الطريقة قد تصدم الدارسني يف‬
‫البداية لكنها مفيدة خصوص ًا للمستويات العليا‪ .‬وهذا يأخذنا للحديث عن املستويات‬
‫التي يمكن أن تفيد من املتون اللغوية يف تعلم اللغة‪ ،‬وهو مدار احلديث يف الفقرة التالية‪.‬‬
‫متى يمكن للمتعلم اإلفادة من املتون اللغوية‪:‬‬
‫نظر ًا لكون املتون اللغوية حتتاج إىل مهارات معينة الستخدامها وكذلك حتتاج إىل‬
‫أجهزة حواسيب فقد يتساءل املرء‪ :‬هل ختتص اإلفادة من املتون اللغوية بمرحلة معينة؟‬
‫كاملستويات املتقدمة مثالً؟‬
‫اإلجابة عن هذا السؤال لدى املتحمسني الستخدام املتون اللغوية يف التدريس قد‬
‫تبدو مفاجئة لدى الذين مل يطلعوا عىل كيفية استخدام املتون يف التدريس أو هم حديثو‬
‫عهد بذلك؛ فريى بينت (‪ )Bennett, 2010:94‬أنه يمكن استخدام املتن اللغوي جلميع‬
‫املستويات من املبتدئ إىل املتقدم؛ لكنه يرى يف الوقت نفسه أنه يستهلك وقت ًا وجهد ًا‬
‫ال ورسيع ًا‪ .‬كام يشري كارتر (‪ )Carter, 2001‬إىل أن‬‫يف البداية ثم يصبح مع التعود سه ً‬
‫تعلم املفردات عن طريق املتون متاح للمستويات املبتدئة واملتقدمة‪ .‬وال بد من اإلشارة‬
‫إىل أن مجيع املهارات والعنارص واملظاهر اللغوية يمكن أن تدرس جلميع املستويات مع‬
‫مراعاة مستوى الصعوبة واملهارات املطلوبة يف كل مستوى عىل حدة‪ .‬يف املقابل يرى‬
‫إجيمري (‪ )Aijmer, 2009:4‬أن املتون قد ال تناسب مجيع املتعلمني وذلك للحاجة إىل‬
‫التدريب واملهارة‪.‬‬
‫وال بد من التنبيه عىل أن التعليم باملتن ال يستغني عن الكتاب املقرر؛ بل هو رديف‬
‫ال مساعد ًا للمقرر ووسيلة‬ ‫ومواز له (بينت ‪ ،)Bennett, 2010:94‬وقد يكون عام ً‬ ‫ٍ‬
‫تعليمية مساندة‪ .‬كام يمكن أن ُيستخدم يف الفصل الدرايس وضمن اجلدول الدرايس‪،‬‬

‫‪-104-‬‬
‫أو أن يستخدمه املتعلم يف املكتبة وخارج الوقت الرسمي للتعلم أي تعلام ذاتيا‪ .‬ويمكن‬
‫لنا أن نذكر مراحل تطبيقية الستخدام املتون يف أي نشاط لغوي‪ .‬وتكون كالتايل (قرانقر‬
‫‪:)Granger, 2012‬‬
‫Ÿ Ÿاختيار ظاهرة أو مفردة موضوع ًا للدرس‪.‬‬
‫Ÿ Ÿحتديد متن الستخدامه وإجراء التطبيق عليه‪.‬‬
‫Ÿ Ÿالبحث عن الظاهرة أو الكلمة يف املفهرس‪.‬‬
‫Ÿ Ÿحتليلها سطحي ًا ومبدئي ًا (أولي ًا)‪.‬‬
‫Ÿ Ÿتفسري التحليل لبناء فرضية وحماولة تعميمها‪.‬‬
‫ِ‬
‫املفهرس‬ ‫Ÿ Ÿاختبار الفرضية عىل كمية أكرب من املعلومات باالعتامد عىل سطور‬
‫(املكشاف)‪ .‬أي اختبار التعميم وحماولة تأكيدها أو دحضها وختطئتها‪.‬‬
‫ال بنفسه أو بمساعدة املدرس‪.‬‬ ‫Ÿ Ÿتكليف املتعلم بأن يقوم بمهمة مشاهبة مستق ً‬
‫ويمكن استخدام املتون يف التدريس بدء ًا من مساعدة املدرس يف حمتوى الربنامج‪،‬‬
‫مرور ًا برتتيب عرض املعلومات‪ ،‬وانتها ًء برتك املتعلم يتفاعل بنفسه مع املتن (ريبن‬
‫‪ .)Reppen, 2010:17‬ويرى بينت (‪ )Bennett, 2010‬أن من املهم اقتصار الطالب‬
‫عىل النظر مبدئي ًا لألسطر األوىل حتى ال يضيعوا بني أسطر شواهد املفهرس التي قد‬
‫تصل إىل اآلالف ثم حيبطوا ويتوقفوا عن اإلفادة من املتون‪ .‬وقد يكتفى بثالثني مثاال أو‬
‫بام تسعه نافذة احلاسب الذي يستخدمه‪.‬‬
‫وقد ذكرت كونراد (‪ )Conrad, 2010:542‬أن غالب أنشطة التدريس وتطبيقاته‬
‫ِ‬
‫املفهرس‬ ‫اليوم وغالب ما يستخدمه املدرسون هو الربنامج األكثر استخدام ًا وشيوع ًا‬
‫أو املكشاف السياقي (‪ ،)concordance‬وكذلك تقوم عىل قوائم الشيوع‪ .‬بمعنى أن‬
‫األمر ال يتطلب برامج معقدة أو خاصة لكي يطبق املعلم أو املتعلم أنشطة املتون يف‬
‫العملية التعليمية سواء داخل الفصل أو خارجه‪ ،‬وسواء كان ذلك بتوجيه أو مستقال‬
‫دون توجيه من أحد‪.‬‬

‫‪-105-‬‬
‫خامتة وتوصيات‪:‬‬
‫وهنا نختم هذا الفصل التي استعرضنا فيها استخدام املتون اللغوية يف فصول‬
‫تعليم اللغة الثانية من جوانب متعددة ذكرنا فيها الفوائد التي يمكن أن جتنيها العملية‬
‫التعليمية من إدخال املتون يف قاعة الدرس‪ ،‬بعد ذلك تعرفنا عىل حدود إمكانيات املتون‬
‫اللغوية وعىل بعض التساؤالت التي ال تستطيع املتون اللغوية أن جتيب عنها‪ ،‬ثم حتدثنا‬
‫عن أنواع املتون التي يمكن أن يفيد منها الفصل الدرايس لتعليم اللغة ورأينا أن هناك‬
‫متون ًا ال تفيد بشكل مبارش دون إدخال بعض التعديالت عليها‪ ،‬تال ذلك حديث عن‬
‫العنارص اللغوية واملهارات اللغوية األربع أو اخلمس التي قد تستخدم املتون لإلفادة‬
‫منها ورأينا كيف أن املتون ‪-‬مع بعض التعديالت البسيطة عىل املتون املوجودة أو مع‬
‫تصنيف متن خاص للغرض املراد‪ -‬قد تكون رافد ًا مه ًام للعنارص واملهارات اللغوية‬
‫ويف مجيع املستويات اللغوية سواء املبتدئ منها أو املتقدم‪ .‬بل ذكر دانيلسون( (�‪Daniels‬‬
‫‪ )son, 2004:226‬أن ازدياد عدد اللغويني واملدرسني الذين يدخلون جمال املتون خيلق‬
‫فرص ًا جديدة للعمل التي يمكن أن يقوم هبا املتن‪.‬‬
‫وبناء عىل هذا احلديث فإننا نويص بإقرار تدريس مادة لسانيات املتون يف املراحل‬
‫اجلامعية خاصة ما يتعلق بالتخصصات اللغوية حتى يفيد منها اللغوي يف البالد العربية‬
‫يف مستقبله املهني باحث ًا أو مدرس ًا‪ .‬كام نويص بتدريس املتون اللغوية ماد ًة من مواد‬
‫برامج تدريب معلمي اللغة العربية لغة أوىل وثانية حتى يتعرف املدرس عىل ما يمكن‬
‫أن تقدمه له املتون اللغوية يف مهنته ولطالبه‪ ،‬وحتى يزول حاجز الرهبة الذي ربام يكون‬
‫لديه من جراء نقص املهارة التقنية أو من عدم وجود مراجع عربية متوفرة تفيده يف‬
‫ذلك‪ .‬كام نرى إدخال املتون اللغوية إما بشكل مبارش يف قاعة الدرس ليستخدمها‬
‫املتعلم بنفسه أو بشكل غري مبارش عن طريق املستخدمني الذين أرشنا إليهم‪.‬‬
‫وحتى نواكب التطور التقني يف اللغات احلية بام يتناسب مع مكانة اللغة العربية‬
‫بني اللغات فال بد من تضافر اجلهود ما بني التقنيني واللغويني لتأسيس رشاكة منتجة‬
‫لصالح تطوير برامج حاسوبية ختدم اللغة العربية وجتعل التعامل معها متاح ًا للعاملني‬
‫يف املجال اللغوي دارسني ومدرسني وباحثني‪.‬‬

‫‪-106-‬‬
‫املراجع (العربية فاإلنجليزية)‪:‬‬
‫العربية‪:‬‬
‫باكال‪ ،‬حممد‪ ،‬وحميي الدين خليل الريح‪ ،‬وجورج نعمة سعد‪ ،‬وحممود إسامعيل صيني‪،‬‬
‫وعيل القاسمي‪( .1983 .‬معجم مصطلحات علم اللغة احلديث)‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫بعلبكي‪ ،‬رمزي منري‪ .1990 .‬معجم املصطلحات اللغوية‪ .‬دار العلم للماليني‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫حبيب‪ ،‬ماهر عيسى‪( .2007 .‬االرتقاء بتعليم العربية التقليدي إىل ا ُملستوى اإللكرتوين‪:‬‬
‫بحث ُمقدم إىل ندوة تطوير املناهج واالختصاصات اجلامعية‪ .‬جامعة حلب ‪30‬‬
‫– ‪ 31‬أيار ‪.)2007‬‬
‫حنا‪ ،‬سامي عياد‪ ،‬وكريم زكي حسام الدين‪ ،‬ونجيب جريس‪( .1997 .‬معجم‬
‫اللسانيات احلديثة)‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبة لبنان نارشون‪ :‬بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫اخلويل‪ ،‬حممد عيل‪( .1986 .‬معجم علم اللغة التطبيقي)‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫اخلويل‪ ،‬حممد عيل‪( .1991 .‬معجم علم اللغة النظري)‪ ،‬طبعة جديدة‪ ،‬مكتبة لبنان‪:‬‬
‫بريوت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫صالح‪ ،‬حممود إسامعيل‪ .2012 .‬احلاسوب والبحث اللغوي (املدونات اللغوية‬
‫نموذج ًا)‪ .‬كريس بحث صحيفة اجلزيرة للدراسات اللغوية احلديثة‪ .‬الرياض‪:‬‬
‫جامعة األمثرة نورة بنت عبدالرمحن‪.‬‬
‫العصيمي‪ ،‬صالح؛ وعبداملحسن الثبيتي‪ .2017 .‬قائمة األلفاظ األكاديمية العربية‪.‬‬
‫حتت الطباعة‪.‬‬
‫الفيفي‪ ،‬عبداهلل‪1436 .‬هـ‪ .‬مدونات املتعلمني‪ .‬يف‪ :‬املدونات اللغوية العربية‪ ،‬بناؤها‬
‫وطرائق اإلفادة منها‪ .‬حترير صالح بن فهد العصيمي‪ .‬مركز امللك عبداهلل الدويل‬
‫خلدمة اللغة العربية‪.136-95 .‬‬
‫القاسمي‪ ،‬عيل‪( .2006 .‬لسانيات املدونة احلاسوبية وصناعة املعجم العريب‪ :‬بحث‬
‫ُمقدم إىل املؤمتر السنوي اخلامس ملجمع اللغة العربية بدمشق ‪ 22 – 20‬ترشين‬
‫الثاين ‪.)2006‬‬
‫مكتب تنسيق التعريب‪( .2002 .‬املعجم املوحد ملصطلحات اللسانيات)‪ ،‬الرباط‪.‬‬

‫‪-107-‬‬
‫ طبعة‬.‫ املعجم العريب األسايس‬.1989 .‫املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‬
.‫الروس‬
:‫اإلنجليزية‬
Aijmer, Karin (ed). 2009. Corpora and Language Teaching. John
Benjamins Publishing Company.
Alderson, C. 1996. Do corpora have a role in language assessment?.
In J. Thomas and M. Short (eds). Using Corpora for Language
Research, 248-259. London: Longman.
Alfaifi, Abdullah, Atwell, Eric, and Hedaya, Ibraheem. 2014. Arabic
Learner Corpus (ALC) v2: A New Written and Spoken Corpus
of Arabic Learners. In the proceedings of the Learner Corpus
Studies in Asia and the World (LCSAW 2014). 31 May – 01 June
2014, Kobe, Japan.
Aston, G. 1995. Corpora in language pedagogy: matching theory and
practice. In G. Cook and B. Seidlhofer (eds). Principle and Practice
in Applied Linguistics: Studies in Honour of H. G. Widdowson,
257-270. Oxford: Oxford University Press.
Aston, G. 1997.Small and large corpora in language learning. In
Lewandowska-Tomaszczyk and Melia (eds). PALC’97: Practical
applications in language corpora.51-62.
Aston, G. (ed). 2001. Learning with Corpora.Italy, Bologna: CLUEB.
Barlow, M. 1996. Corpora for theory and practice.International Journal
of Corpus Linguistics 1(1):1-37.
Bennett, Gena R. 2010. Using Corpora in the Language Learning
Classroom: Corpus Linguistics for Teachers.The University of
Michigan.
Bernardini, Silvia. 2001. Spoilt for Choice: A Learner Explores General

-108-
Language Corpora. In Aston, Guy (ed). Learning with Corpora.
Italy, Bologna: CLUEB. 220-249.
Bernardini, Silvia. 2004. Corpora in the classroom: An overview and
some reflections on future developments. In John McH. Sinclair
(ed). How to Use Corpora in Language Teaching.15-36.
Biber, Douglas, Susan Conrad & Randi Biber. 1998. Corpus Linguistics:
Investigating Language Structure and Use. Cambridge: Cambridge
University Press.
Biber, D., Johnson, S., Leech, G., Conrad, S., and Finegan, E. 1999.
Longman grammar of spoken and written English. New York:
Longman.
Breen, Michael P. 2001. Syllabus design. In Carter, Ronald and David
Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching English to
Speakers of Other Languages.Cambridge University Press. 151-
159
Brodine, Ruey. 2001. Integrating Corpus Work Into An Academic
Reading Course. In Aston, Guy (ed). Learning with Corpora.
Italy, Bologna: CLUEB.138-176.
Brown, H. Douglas. and Abeywickrama, Priyanvada. 2010. Language
Assessment: Principles and Classroom Practices. Pearson
Longman. Second edition.
Burns, Anne. And Barbara Seidlhofer. 2002. Speaking and Pronunciation.
In Norpert Schmitt (ed). An Introduction to Applied Linguistics.
(211-232). Hodder Arnold.
Carter, Ronald. 2001. Vocabulary. In Ronald Carter and David Nunan
(eds). The Cambridge Guide to Teaching English to Speakers of
Other Languages.Cambridge University Press.42-47.

-109-
Carter, Ronald and David Nunan (eds). 2001. The Cambridge Guide to
Teaching English to Speakers of Other Languages. Cambridge
University Press.
Carter, R. A. and M. J. McCarthy. 1988. Vocabulary and Language
Teaching. London: Longman.
Chapelle, Carol. 2001. Computer Applications in Second Language
Acquisition: Foundations for teaching, testing and research.
Cambredge University Press.
Cheng, Winnie. 2009. Income/interest/net: Using internal criteria to
determine the aboutness of a text. In Karin Aijmer (ed). Corpora
and Language Teaching. John Benjamins Publishing Company.
157-177.
Conrad, S. 1999. The importance of corpus-based research for language
teachers.System 27: 1-18.
Conrad, S. 2000. Will corpus linguistics revolutionize grammar teaching
in the 21st century?.TESOL Quarterly 34: 548-560.
Conrad, Susan. 2004 .Corpus linguistics, language variation, and
language teaching. In Sinclair, John McH (ed). How to Use
Corpora in Language Teaching.(67-85). John Benjamins
Publishing Company.
Conrad, Susan. And Kimberly R. Levelle. 2010. Corpus Linguistics
and Second Language Instruction. In Spolsky, Bernard and
Francis M. Hult (eds). The Handbook of Educational Linguistics.
Wiley-Blackwell. Blackwell Publishing. 539-556.
Cook, G. 1998. The uses of reality: a reply to Ronald Carter. ELTJ
52:57-64.
Crystal, David. 2003. A Dictionary of Linguistics & Phonetics. Fifth

-110-
Edition. Blackwell Publishing.
Danielsson, Pernilla. 2004. Simple Perl programming for corpus work.
In Sinclair, John McH (ed). How to Use Corpora in Language
Teaching.(225-246). John Benjamins Publishing Company.
Douglas, D. & Hegelheimer, V. 2008. Assessing language using
computer technology.Annual Review of Applied Linguistics 27,
115-132.
Doyle, Paul. 2012. Visualizing a Corpus of Spoken Classroom
Discourse. In the proceedings of The First Asia Pacific Corpus
Linguistics Conference. Auckland. New Zealand.
Ebeling, Signe. Oksefjell. 2009. Oslo Interactive English: Corpus-
driven exercises on the Web. In Karin Aijmer (ed). Corpora and
Language Teaching.John Benjamins Publishing Company.67-82.
Ellis, Rod. 2008. The Study of Second Language Acquisition. Oxford
University Press.Second edition.
Evans, Tony Dudley-. 2001. English for specific purposes. In Carter,
Ronald and David Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching
English to Speakers of Other Languages.Cambridge University
Press131-136.
Flowerdew, J. 1993. Concordancing as a tool in course design.System
21/3: 231-243.
Freeman, Diane Larsen-. 2000. Techniques and Principles in Language
Teaching. Oxford University Press.
Freeman, Diane Larsen-. 2001. Grammar. In Ronald Carter and David
Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching English to
Speakers of Other Languages.(34-41). Cambridge University
Press.

-111-
Gavioli, Laura. 2001. The Learner as Researcher: Introducing Corpus
Concordancing in The Classroom. In Aston, Guy (ed). Learning
with Corpora. Italy, Bologna: CLUEB.108-137.
Gavioli, L. and Aston, G. 2001. Enriching reality: language corpora in
language pedagogy.ELT Journal 55/3: 238-246.
Goethals, M. 2003. EET: the European English Teaching vocabulary-
list. In B. Lewandowska-Tomaszczyk (ed). Practical Applications
in Language and Computers. 417-427. Frankfurt: Peter Lang.
Granath, Solveig. 2009. Who benefits from learning how to use
corpora?. In Karin Aijmer (ed). Corpora and Language Teaching.
John Benjamins Publishing Company. 47-67.
Granger, Sylviane. 2009. The contribution of learner corpora to second
language acquisition and foreign language teaching: A critical
evaluation. In Aijmer, Karin (ed). 2009. Corpora and Language
Teaching. John Benjamins Publishing Company: 13-32.
Granger, Sylviane. 2012. How to Use Foreign and Second Language
Learner Corpora. In Mackey, Alison., and Susan M. Gass (eds).
Research Methods in Second Language Acquisition: A Practical
Guide. Wiley-Blackwell: 7-29.
Harris, R. A. 1993. The Linguistics Wars, Oxford: Oxford University
Press.
Hunston, Susan. 2002. Corpora in Applied Linguistics. Cambridge:
Cambridge University Press.
Jamieson, J. 2005. Trends in computer-based second language
assessment.Annual Review of Applied Linguistics, 25, 228-242.
Johansson, Stig. 2009. Some thoughts on corpora and second-language
acquisition. In Karin Aijmer (ed). Corpora and Language

-112-
Teaching.John Benjamins Publishing Company. 33-44
Johns, T. 1991. Should you be persuaded: two examples of data-driven
learning. In Johns T and P. King (eds). Classroom concordancing.
ELR journal, 4.(1-16). University of Birmingham.
Johns, T. 1994. From printout to handout: grammar and vocabulary
teaching in the context of data-driven learning. In Odlin, T. (ed).
Perspectives on pedagogical grammar. Cambridge: Cambridge
University Press. 293-313.
Johns, T. 1997. Contexts: the background, development and trialling
of a concordance-based CALL program. In Wichmann, A., S.
Fligelstone, T. McEnery and G. Knowles (eds). Teaching and
language corpora. London: Longman. 100-115.
Kaszubski, P. and Wojnowska, A. 2003. Corpus-informed exercises for
learners of English: the TestBuilder program. In E. Oleksy and
B. Lewandowska-Tomaszczyk (eds) Research and Scholarship in
Integration Processes: Poland – USA – EU. 337-3540.
Kennedy, G. 1998. An Introduction to Corpus Linguistics. London:
Longman.
Knowles, G. 1990. The use of spoken and written corpora in the teaching
of language and linguistics.Literacy and Linguistic Computing
5(3): 77-90.
Krishnamurthy, Ramesh. 2002. The Bank of English: past, present, and
future. The 2nd ILASH Workshop on Computational Language
Resources. Sheffield, UK.
Krishnamurthy, Ramesh. 2010. Corpus Linguistics. A lecture
notes during a summer school on Corpus Linguistics at Aston
University. Birmingham: UK.

-113-
Leech, G. 1997. Teaching and language corpora: a convergence. In
Wichmann, S. Fligelstone, A. McEnery and G. Knowlea (eds).
Teaching and Language Corpora. London:Longman. 1-23.
Leech, G., and Fallon, R. 1992. Computer corpora – what do they tell
us about culture?, ICAME Journal. 16: 29-50.
Leech, G.; G. Myers and J. Thomas (eds). 1995. Spoken English on
Computer. London: Longman.
Lyons, Liz Hamp-. 2001. English for academic purposes. In Carter,
Ronald and David Nunan (eds). The Cambridge Guide to
Teaching English to Speakers of Other Languages.Cambridge
University Press. 126-130
Mackey, Alison., and Susan M. Gass (eds). 2012. Research Methods
in Second Language Acquisition: A Practical Guide. Wiley-
Blackwell.
McCarthy, Michael. 2001. Discourse. In Ronald Carter and David Nunan
(eds). The Cambridge Guide to Teaching English to Speakers of
Other Languages.(48-55). Cambridge University Press.
McCarthy, M. 2004. Touchstone: From corpus to course book.
Cambridge, UK: Cambridge University Press.
McEnery, Tony. 2003. Corpus Linguitics. In Ruslan Mitkov (Ed). The
Oxford Handbook of Computational Linguistics. Oxford: Oxford
University Press.
McEnery, Tony & Andrew Hardie. 2012. Corpus Linguistics: Method,
Theory and Practice. Cambridge Textbooks in Linguistics.
McEnery, Tony & Andrew Wilson. 2005. Corpus Linguistics. 2nd
edition. Edinburgh: Edinburgh University Press.
McEnery, T. and A. Wilson. 1996. Corpus Linguistics. Edinburgh:

-114-
Edinburgh University Press.
McEnery, Tony, Richard Xiao and Yukio Tono. 2006. Corpus-Based
Language Studies: an advance resource book. Routledge Applied
Linguistics.
Meunier, F. 2002. The pedagogical value of native and learner corpora
in EFL grammar teaching. In S. Granger, J. Hung and S. Petch-
Tyson (eds). Computer Learner Corpora, Second Language
Acquisition and Foreign Language Teaching. Philadelphia: John
Benjamins.119-142.
Meunier, Fanny. and Celine, Gouverneur. 2009. New types of corpora
for new educational challenges: Collecting, annotating and
exploiting a corpus of textbook material. In Karin Aijmer (ed).
Corpora and Language Teaching. John Benjamins Publishing
Company.179-201
Mindt, D. 1996. English corpus linguistics and the foreign language
teaching syllabus. In J. Thomas and M. Short (eds). Using corpora
for language research. London: Longman.232-247
Mukherjee, Joybrato. 2009. Who benefits from learning how to use
corpora?. In Karin Aijmer (ed). Corpora and Language Teaching.
John Benjamins Publishing Company. 203-231.
Nesselhauf, Nadja. 2004. Learner corpora and their potential for
language teaching.In Sinclair, John McH (ed). How to Use
Corpora in Language Teaching. John Benjamins Publishing
Company. 126-152.
O’Keeffe, Anne., Michael McCarthy and Ronald Carter. 2007. From
Corpus to Classroom: Language Use and Language Teaching.
Cambridge University Press.

-115-
Partington, Alan. 2001. Corpora and Their Uses in Language Research.
In Aston, Guy (ed). Learning with Corpora. Italy, Bologna:
CLUEB.46-62.
Prodromou, L. 2005. You see, it’s sort of tricky for the L2-user: The
puzzle of idiomaticity in English as a lingua franca. Unpublished
PhD dissertation, University of Nottingham, UK.
Reppen, Randi. 2010. Using Corpora in The Language Classroom.
Cambridge University Press.
Richards, Jack C. 2001. Postscript: The ideology of TESOL. In Carter,
Ronald and David Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching
English to Speakers of Other Languages.Cambridge University
Press.213-217.
Richards, Jack, and Theodore S. Rogers. 2001. Approaches and
Methods in Language Teaching. Cambridge University Press.
Second edition.
Romer, Ute., 2009. Corpus research and practice: What help do teachers
need what can we offer?. In Karin Aijmer (ed). Corpora and
Language Teaching. John Benjamins Publishing Company.83-98.
Seidlhofer, Barbara. 2001. Pronunciation. In Carter, Ronald and David
Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching English to
Speakers of Other Languages.Cambridge University Press.56-65.
Sinclair. J. (ed). 1990. Collins COBUILD English Grammar. London:
Collins.
Sinclair, J. 1991. Corpus, concordance, collocation. Oxford, UK:
Oxford University Press.
Sinclair, John (ed). 2004. How to Use Corpora in Language Teaching.
John Benjamins Publishing Company.

-116-
Sinclair, J. 1996. Units of Meaning.Textus 9, 75-106.
Stubbs, Michael. 2006. Language Corpora. In Alan Davies and
Catherine Elder (eds). The Handbook of Applied Linguistics (pp.
106-132). Blackwell publishing.
Teubert, Wolfgang and Anna Cermakova. 2007. Corpus Linguistics: A
Short Introduction. Continuum.
Tognini-Bonelli, Elena. 2013. Revisiting Corpus Linguistics and Its
Rather Rsdical Implications. In the 5th International Conference
on Corpus Linguistics:CILC2013. Alicante:Spain.
Tomlinson, Brian. 2001. Materials development. In Carter, Ronald and
David Nunan (eds). The Cambridge Guide to Teaching English to
Speakers of Other Languages.Cambridge University Press.66-71.
Tribble, C. and Jones, G. 1990. Concordances in the Classroom: A
Resource Book for Teachers. London: Longman.
Tsui, Amy B M. 2004. What teachers have always wanted to know -
and how corpora can help. In Sinclair, John McH (ed). How to
Use Corpora in Language Teaching. John Benjamins Publishing
Company.40-61.
Widdowson, H. 1990. Aspects of Language Teaching. Oxford: Oxford
University Press.
Widdowson, H. G. 2000. On the limitations of linguistics applied.
Applied Linguistics 21/1:3-25.
Willis, D. 1990. The Lexical Syllabus: A New Approach to Language
Teaching. London: HarperCollins.
Zorzi, Daniela. 2001. The Pedagogic Use of Spoken Corpora: Learning
Discourse Markers in Italian. In Aston, Guy (ed). Learning with
Corpora. Italy, Bologna: CLUEB.85-107.

-117-
:)‫مواقع املتون واملدونات املذكورة يف البحث عىل الشبكة (العربية فاإلنجليزية‬
:‫املدونة العربية أو املدونة اللغوية العربية ملدينة امللك عبد العزيز للعلوم والتقنية‬
http://www.kacstac.org.sa/Pages/Default.aspx

./http://arabicorpus.byu.edu .)Arabic corpus( ‫مدونة املتن العريب‬

http://arabiclearnercorpus.com
=ANC: The American National Corpus. http://www.
americannationalcorpus.org/
=BNC: The British National Corpus. http://www.natcorp.ox.ac.uk/
=ICLE: The International Corpus of Learner English.http://www.
uclouvain.be/en-cecl-icle.html
=MICASE: The Michigan Corpus of Academic Spoken English. http://
micase.elicorpora.info/
SST: The Standard Speaking Test Corpus

:‫مواقع الشبكة العنكبوتية‬


‫) التابعة ملجموعة‬Arabic-L: E-mailing list( ‫املجموعة الربيدية للغة العربية‬
Arabic Linguistics and the( ‫اللغويني العرب و الرابطة األمريكية ألساتذة العربية‬
)American Association of Teachers of Arabic

www.essex.ac.uk/linguistcs/clmt/w3c/corpus-ling/content/history.
html.

http://www.ta5atub.com/montada-f14/topic-t170. :‫منتدى ختاطب‬


.‫ د حممد حممد يونس عيل‬.‫هـ‬1431 ‫ ذي احلجة‬15 ‫ دخول يف‬.htm

-118-
‫اجلزء الثالث‬
‫الت�أ�صيل املعريف واملنهجيات (ق�ضايا متقدمة)‬

‫‪-119-‬‬
‫بعد قراءتك هلذا الفصل تأمل املقوالت التالية‪:‬‬

‫ينصب عىل األداء والشواهد‪ ،‬وال يذهب إىل ما هو أبعد‬


‫ّ‬ ‫التحليل اللغوي ينبغي أن‬
‫من ذلك‪ :‬السياق أو املعنى أو الوظيفة‪.‬‬

‫التنظري النحوي جتريد عاجي ال يراعي االستخدام وال امليدان وال استقراء‬
‫الشواهد‪.‬‬

‫رأي تشومسكي يف املتون قريب من رأي النحويني العرب‪ ،‬وال قيمة كربى للمتون‬
‫يف التقعيد للغة وال يف اكتشاف فرضيات جديدة أو اختبار القديم منها‪.‬‬

‫‪-120-‬‬
‫الت�أ�صيل املعريف واملنهجيات‪:‬‬
‫ل�سانيات املتون بني القبول والرف�ض‬

‫خمطط الفصل‪:‬‬
‫ُ‬
‫الفصل اجلدل الدائر حول لسانيات املتون (املدونات)‪ ،‬وحول استخدام‬ ‫يعرض هذا‬
‫املتون اللغوية (‪ )language corpora‬يف الدرس اللغوي‪ ،‬واإلشكاالت التي أوردها‬
‫منتقدوها‪ ،‬واألجوبة التي طرحها املهتمون هبا‪ .‬ويربط هذا اجلدل بأصوله املعرفية‬
‫(اإلبستمولوجية) لكال الفريقني‪ ،‬باسط ًا النقاش حول املصطلحات ذات العالقة سواء‬
‫لدى الرافضني أو املؤيدين والتي استُخدمت أسلح ًة يستعني هبا كل فريق لتأييد وجهة‬
‫خضم‬
‫ّ‬ ‫نظره‪ ،‬وكذلك يسلط الضوء عىل أنواع لسانيات املتون ومنهجياهتا التي بزغت يف‬
‫هذا اجلدل العلمي العميق‪ .‬وخيلص إىل أن من يرفض هذا النوع من العلوم ال يرفضه‬
‫لذاته بقدر ما هو رفض للمنهجية التي يقوم عليها‪ .‬كام أن من يستخدمها ال يزعم أهنا‬
‫بدون حدود وقيود جيب االعرتاف هبا‪.‬‬

‫‪-121-‬‬
‫متهيد‪ :‬تأصيل إبستمولوجلي‪:‬‬
‫لغرض هذا البحث وحلرص حديثنا حول لسانيات املتون وإشكاالهتا املنهجية‬
‫فسنتابع ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:168‬يف تقسيم املدارس‬
‫يف التفكري والنظر اللساين إىل مدرستني رئيسيتني(((‪:‬‬
‫‪1.1‬املدرسة الشكلية (‪ :)Formalist School‬وهي التي تنزع إىل حتليل اللغة‬
‫ووحداهتا منعزلة‪ ،‬أو لنقل‪ :‬مستقلة عن أي عامل خارجي عنها كالسياق‬
‫واملعنى والوظيفة‪ .‬فهي حترص نظرها عىل ما تراه أمامها من شكل البنية اللغوية‪.‬‬
‫وقد ذكر كريستال (‪ )Crystal, 1980:185-6‬أن كلمة ‪( form‬أي شكل أو بنية)‬
‫حني تطلق مقابلة لكلمتي ‪( meaning‬معنى) أو ‪( function‬وظيفة) فهي تشري‬
‫إىل البنية النحوية الداخلية لوحدة التحليل (أكل‪ ،‬يأكل‪ ،‬آكل) يف مقابل دورها‬
‫أو وظيفتها يف اجلملة (مثال‪ :‬فاعل أو مبتدأ أو مسند ‪ .)...‬وغالبا ما يقرتن‬
‫إطالق الكلمة عىل اللسانيات البنيوية (‪)Structural Linguistics‬؛ وذلك‬
‫لعنايتها باملبنى والشكل دون املعنى والوظيفة‪ .‬كام تقرتن بالتوليدية( (�‪Genera‬‬
‫‪ )tive‬يف التحليل اللغوي وتفسري هذا التحليل بطرق منطقية ومصطلحات‬
‫ومعادالت رياضية‪ .‬وقد م ّثل ماكنري وهاردي (‪McEnery & Hardie,‬‬
‫‪ )2012:168‬هلذه املدرسة بمثال رئيس وهو «تشومسكي واملقاربة التوليدية‬
‫(املذهب التوليدي) للغة ‪ .»generative approach‬فهي ‪-‬كام ذكرا‪ -‬ال حتتفي‬
‫بالسياق؛ إذ املعرفة باللغة نظام جمرد يمكن تفسريه بمصطلحاهتا دون حاجة إىل‬
‫الذهاب أبعد مما هو ظاهر يف وحدة التحليل اللغوي الظاهرة أمامنا‪.‬‬
‫ومن أصوهلا املنهجية ظهرت التفرقة بني الكفاية( (‪ )competence‬واألداء (�‪per‬‬
‫ورفضت معطيات املتون كام سنرى الحقا‪ ،‬وصار اعتامدها عىل التأمل‬ ‫‪ُ ،)formance‬‬
‫(‪ )introspection‬وعىل النظر إىل اللغة بوصفها نظاما إدراكيا مستقال عن أي عامل‬
‫سياق أو معنى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وظيفة أو ٍ‬ ‫آخر ال صلة له ببنيتها وشكلها مثل النظر إىل‬
‫‪2.2‬املدرسة الوظيفية (‪ :)Functionalism: Functional Linguistics‬وهي التي‬
‫تعطي اهتامما مركزيا بالوظيفة لوحدة التحليل اللغوي‪ .‬سواء كانت الوظيفة‬

‫‪ -1‬قــد جيــد القــارئ بعــض االختصــار واالختــزال هنــا؛ لكنــه مقصــود لكــي يقتــر النقــاش ‪-‬قــدر اإلمــكان‪ -‬عــى‬
‫مــا نحــن بصــدده دون اإلغــراق يف التفصيــات التــي يمكــن الرجــوع إليهــا يف مظاهنــا‪.‬‬

‫‪-122-‬‬
‫نحوية (مثل فاعل) أو اجتامعية كالتواصل( (‪( )communication‬انظر �‪Crys‬‬
‫‪ .)tal, 1980:191-2‬وقد ظهرت بديال عن النظرة الشكلية للغة يف سبيعينيات‬
‫القرن العرشين( (‪ )Crystal, 1980:191‬بعد رفض املبدأ الشكيل (�‪McEn‬‬
‫‪ .)ery & Hardie, 2012:168‬ففي هذه املدرسة تُدرس بنية الكلمة وتُرشح‬
‫باالعتامد عىل ‪-‬أو بالنسبة إىل‪ -‬الوظائف التي توضع فيها اللغة؛ فاللغة ليست‬
‫نظاما جمردا معزوال من بنى فحسب؛ إنام نظام ُيستخدم لتوصيل املعنى حمكوما‬
‫بطرق أداء هذا املعنى املستخدَ م وبالسياقات التي تظهر هبا وببنية اإلدراك‬
‫اإلنساين‪.‬‬
‫وهي تضم عدة مذاهب للنظر إىل اللغة منها اللسانيات اإلدراكية (‪Cognitive‬‬
‫‪ )Linguistics‬التي ترى املعنى ‪-‬وهو جزء من اإلدراك البرشي‪ -‬جزءا من التحليل‬
‫اللغوي (انظر ‪ .)Crystal, 1980:79-80‬وبتأكيدها عىل االستخدام فهي تتعاطى مع‬
‫لسانيات املتون كام سيأيت الحقا‪.‬‬
‫عىل أية حال‪ ،‬فالتفريق بني املدرستني وما تفرع عنهام من مدارس ومذاهب ليس‬
‫حديا‪ ،‬فمدرسة تشومسكي البنائية اللغوية تستخدم معطيات املتون (الشواهد) يف بعض‬
‫األحوال‪ ،‬مثل لغة الطفل حيث ال يتاح معرفة حدس أو فطرة أو سليقة الطفل كام تتاح‬
‫لدى الكبري (‪ ،)McEnery & Hardie, 2012:168‬فال يمكن استشارة الطفل حول‬
‫نحوية اجلمل من عدمها كام نفعل مع البالغ الكبري؛ فمساءلة حدس الطفل واستثارة‬
‫تأمله غري ممكن؛ ولذلك ليس أمامنا إال أداؤه اللغوي الذي هو عبارة عن شاهد أو جزء‬
‫من متن لغوي ترفده كفاية ما‪.‬‬
‫ففي الوقت الذي يرى تشومسكي أنه يمكن ‪-‬بل جيب‪ -‬أن ندرس اللغة منعزلة‬
‫عن استخدامها وإدراكها (‪( )usage & cognitive‬املدرسة األوىل يف التفكري اللساين)؛‬
‫تقوم اللسانيات اإلدراكية (‪( )Cognitive linguistics‬املدرسة األخرى يف التفكري‬
‫اللساين) بدراسة اللغة واضعة أولوية للتفكري اإلنساين بوصفه تفسريا للهيئة أو‬
‫املالحظ (‪ .)McEnery & Hardie, 2012:169‬فيمكن‬ ‫َ‬ ‫التمظهر والتشكل اللغوي‬
‫القول هنا إن التفكري مرآة صادقة وصدى يعكس امللفوظ املادي املحسوس‪ .‬وهو ما‬
‫ال يقره تشومسكي‪.‬‬

‫‪-123-‬‬
‫ومن رحم املدرسة الوظيفية ظهر فريث (‪ )J. R. Firth‬اللساين الربيطاين الذي‬
‫تعزى إليه «النظرية السياقية للمعنى» (‪ ،)Contextual Theory of Meaning‬وهي‬
‫إحدى مبادئ نظريته ودعائمها املركزية (‪ .)Crystal, 1980:181‬وهي التي ترى أمهية‬
‫للسياق‪ ،‬وال تنظر إليه عىل أنه معزول عن اللفظة‪ .‬ويمكن أن يطلق أيضا عىل نظريته‬
‫«النظرية السياقية للغة» (روبنز‪.)349 :1997 .‬‬
‫ومن فريث وآرائه ظهر من يطلق عليهم (الفريثيون اجلدد ‪ ،)neo-Firthian‬وهم‬
‫الباحثون الذين درسوا وبحثوا ضمن إطار الدرس اللغوي الذي اقرتحه فريث‪،‬‬
‫وهؤالء الباحثون استخدموا مذهب لسانيات املتون عىل الرغم من أن ماكنري وهاردي‬
‫(‪ )McEnery & Hardie, 2012:122‬ذكرا أن توقنيني بونييل (‪Tognini-Bonelli,‬‬
‫‪ )2001:157‬أشارت إىل أن فريث نفسه لن يؤيد مناهج املتون أو يتفق معها؛ إذ ال يمكن‬
‫أن ُيستنتج تبنيه ملوقف معني (انظر أيضا روبنز‪.)352 :1997 .‬‬
‫وهناك فكرتان مركزيتان يف لسانيات املتون يؤيدمها الفريثيون اجلدد( (�‪neo-Firthi‬‬
‫‪ )ann‬مها‪ :‬التصاحب (‪ ،)collocation‬واخلطاب (‪McEnery & Har�( )discourse‬‬
‫‪ .)die, 2012:122‬هاتان الفكرتان املحوريتان مها التطبيق الفعيل للسياق لدى فريث‪.‬‬
‫و ُيعد جون سينكلري ‪ John Sinclair‬أول من جلب أفكار فريث ومبادئه إىل منهجية‬
‫لسانيات املتون (‪.)McEnery & Hardie, 2012:122‬‬
‫هذه االختالفات يف زوايا النظر سيكون هلا انعكاس وأصداء تطبيقية ومنهجية يف‬
‫دراسة كل مذهب أو مدرسة للغة ويف حتليلها للظواهر اللغوية كام سنرى الحقا‪ .‬وبعد‬
‫هذه اخلالصة القصرية لإلبستمولوجيا للمدارس اللسانية سننتقل يف الفقرات التالية‬
‫لنقاش األصول النظرية ملنهجية لسانيات املتون وبعض املصطلحات ذات العالقة‪.‬‬

‫مصطلحات منهجية‪:‬‬
‫يف هذه الفقرات سنعرض لبعض املصطلحات املنهجية التي طرحتها املصادر مفرقة‬
‫حني نقاشها ملسائل متفرقة تتعلق باألصول النظرية املعرفية (اإلبستمولوجية) للسانيات‬
‫املتون؛ ألهنا يف نظري رضورية لفهم بعض املسائل املعقدة يف هذا اجلدل‪ .‬ونبدأ بام ذكره‬
‫تيوبرت وسريماكوفا (‪ )Teubert and Cermakova, 2007:37‬من أن لسانيات املتون‬
‫تنظر إىل اللغة بوصفها ظاهرة اجتامعية‪ ،‬فكل شخص يستخدم املفردة استخداما خمتلفا‬

‫‪-124-‬‬
‫عن غريه‪ ،‬ويف الديمقراطية ٍ‬
‫لكل رأيه املعترب مثل غريه‪ .‬وهذا ملمح طريف يشري إىل أن‬
‫االستخدام هو املعترب يف قوهلام (ظاهرة اجتامعية)‪ ،‬وربط ذلك بملمح طريف آخر وهو‬
‫الديمقراطية وأحقية كل فرد باللغة؛ فال يوجد رأي لشخص أعىل (نخبة أو من أهل احلل‬
‫والعقد) ورأي لشخص أقل (رعاع أو ال يعتد بكالمه)‪ .‬وبالرضورة ال توجد نخبة حيق‬
‫هلا ما ال حيق لغريها ممن ُيطلق عليهم رعاع أو غوغاء مثال‪ .‬فالكل متساوون يف استخدام‬
‫اللغة وبالتايل حجيتها؛ بخالف ما يراه النحويون العرب مثال من أن اللغة العربية تؤخذ‬
‫من السابق الفصيح ال الالحق أو من بعض القبائل الفصيحة وال ُيعتد بقبائل أخرى‬
‫لعدم فصاحتها‪ .‬فقد وضع الفارايب قائمة لتصنيف القبائل املحتج بكالمها وكانت هذه‬
‫القائمة مقبولة لدى علامء اللغة (انظر األفغاين‪ .)23-24 :1407 ،‬ومن القبائل حمل‬
‫االستشهاد‪ :‬قريش‪ ،‬وقيس‪ ،‬ومتيم‪ ،‬وأسد‪ .‬ومل يؤخذ عن خلم‪ ،‬وال جذام‪ ،‬وال قضاعة‪،‬‬
‫وال غريهم وال عن حرضي وال عن سكان الرباري ممن هلم جماورة واحتكاك بالعجم‬
‫وال أهل املدر (السيوطي‪)55 :1427 ،‬؛ بل نقل عن البرصيني افتخارهم عىل الكوفيني‬
‫بقوهلم‪« :‬نحن نأخذ اللغة من حرشة الضباب‪ ،‬وأكلة الريابيع‪ ،‬وأنتم تأخذوهنا عن‬
‫أكلة الشواريز [اللبن الثخني الرائب]‪ ،‬وباعة الكواميخ [نوع من األدم]» (السيوطي‪،‬‬
‫‪ .)157 :1427‬فليس كل ناطق بالعربية حيتج برأيه؛ فال مكان لديمقراطية لغوية‪ .‬أما‬
‫السيوطي فريى أن كالم اهلل تعاىل وكالم رسولنا صىل اهلل عليه وسلم وكالم العرب قبل‬
‫البعثة وبعدها إىل فساد األلسن هو مسموع جيوز االحتجاج به (السيوطي‪.)39 :1427 ،‬‬
‫وقد رد عىل بعض النحاة املتقدمني الذين يعيبون بعض القراءات القرآنية وينسبوهنا إىل‬
‫اللحن (السيوطي‪ )40 :1427 ،‬مما يدل عىل أنه حتى كالم اهلل سبحانه يف بعض قراءاته‬
‫ال يستشهد به عند بعض علامء العربية‪ .‬أما كالم الرسول صىل اهلل عليه وسلم فليس حمل‬
‫االستدالل إال ما روي بلفظه وليس بمعناه (السيوطي‪ .)43 :1427 ،‬فهدف النحوي‬
‫العريب احلفاظ عىل اللغة التي استخدمها الفصحاء يف عرص االستشهاد والتوقف عند‬
‫تلك الفرتة حفاظا عليها من اللحن؛ بخالف من يدرس اللغة دون هدف احلفاظ عليها‬
‫أو عىل مستوى معني من مستوياهتا‪.‬‬
‫وقد ذهب تيوبرت (‪ )Teubert, 2005:2-3‬أبعد من ذلك فيام نقله عنه ماكنري‬
‫وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:132-3‬من أن تركيز لسانيات املتون‬
‫ينصب عىل املعنى؛ إذ هو عملة التواصل بني أعضاء مجاعة اخلطاب (‪.)discourse‬‬

‫‪-125-‬‬
‫وهي (لسانيات املتون) بذلك تنظر إىل اللغة من منظور اجتامعي‪ ،‬ويف الوقت نفسه‬
‫يراها تيوبرت ليست متعلقة باملظاهر النفسية للغة‪ .‬فلسانيات املتون كام يراها ال تدّ عي‬
‫أي معرفة مميزة إلعامل العقل أو امللكة الفطرية أو احلدس للغة‪ ،‬فلسانيات املتون‬
‫تستكشف اخلطاب وال تزعم أي إسهام للظواهر العقلية الداخلية للغة‪ .‬وبعبارة أكثر‬
‫تفصيال يمكننا القول يف معنى كالم تيوبرت إن لسانيات املتون تستكشف اخلطاب‬
‫بظواهر استخدامه التي يشرتك فيها أعضاؤه‪ ،‬وال تناقش ظواهر اإلدراك والتأمل والتي‬
‫قد تُعزى لكل فرد مستقال عن اآلخرين‪ ،‬وهذا ربام من وجهة نظري ما يبعدها عن‬
‫اللسانيات اإلدراكية‪.‬‬
‫ويؤكد عىل رفض املعنى اإلدراكي املستقل وكذلك رفض استقالل اللغة عن‬
‫املعطيات األخرى والتأكيد عىل معنى االستخدام للغة ماكنري وهاريدي (�‪McEn‬‬
‫‪ )ery & Hardie, 2012:220‬حني ناقشا نقاط التقارب بني لسانيات املتون ومدرسة‬
‫الفريثيني اجلدد من جهة واللسانيات الوظيفية واللسانيات النفسية من جهة أخرى‪،‬‬
‫من هذه النقاط (ذكرا سبع نقاط ال داعي لذكرها هنا ويمكن للمهتم الرجوع إليها)‬
‫أن اللغة ليست نظاما إدراكيا مستقال؛ إنام هي متظهر أو تطبيق ‪ application‬لعمليات‬
‫اإلدراك العامة‪ ،‬وأن دراسة اللغة تتم بشكل إمربيقي‪/‬جتريبي‪ ،‬وهذا التفسري رفض‬
‫لنظرة تشومسكي الشكلية (البنائية) ‪ Chomeskyan Formalist view‬التي تؤكد عىل‬
‫النظام البنيوي للغة (ناقش ماكنري وهاردي العالقات بني لسانيات املتون واحلقول‬
‫واالجتاهات اللسانية األخرى مثل اللسانيات اإلدراكية‪ ،‬واللسانيات الوظيفية وغريها‬
‫من حيث استخدام معطيات املتون ومناهجها يف كثري من تطبيقاهتا فريجع له من يريد‬
‫االستزادة)‪.‬‬
‫ننتقل اآلن خلاصية أكّد عليها الباحثون املؤيدون للسانيات املتون وهي اإلحاطة‬
‫الشاملة أو ما يمكن أن نطلق عليه االستقراء الكامل (‪ )total accountability‬إذ يرى‬
‫ليتش (‪ ،Leech, 1992:112‬مذكور يف ‪ ،McEnery & Hardie, 2012:14‬وانظر أيضا‬
‫‪ )Svartvik, 1992‬أن استخدام املتون يتيح للغوي دراسة اللغة يف سياق الطريقة العلمية‬
‫واملنهج العلمي عن طريق مبدأ أساس هو اإلحاطة الشاملة أو ما يمكن أن يطلق عليه‬
‫االستقراء الكامل‪ .‬وهذا عىل اعتبار أن الدارس للغة يستعرض املتن دون أحكام مسبقة‬
‫يبحث عام يؤكّدها‪ .‬أما لو درس الباحث املتن ولديه نظرية أو حكم مسبق أو فرضيات‬

‫‪-126-‬‬
‫يسعى لتأكيدها فحسب عن طريق شواهد املتن وأمثلته فهو عرضة للوقوع يف إشكالية‬
‫التحيز التأكيدي (‪( )confirmation bias‬انظر ‪.)McEnery & Hardie, 2012:14‬‬
‫وقد ذكر ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:14-5‬أن هذا يعني أن‬
‫أي نظرية ال يمكن ختطئتها أو دحضها من ناحية املبدأ‪ ،‬فالباحث سيبحث عام يدعم‬
‫وجهة نظره‪ ،‬وخطورة ذلك ‪-‬إذا أضفنا إليه مبدأ الديمقراطية واالحتجاج بجميع‬
‫املتحدثني األصليني‪ -‬أن هذا يتعارض مع سمة رئيسة للمنهجية العلمية وهي قابلية‬
‫الدحض أو قابلية التخطئة (‪ )falsifiability‬وهي من السامت الرئيسة للمنهج العلمي‬
‫(انظر ‪ .)Popper, 2006:18‬وللتغلب عىل هذه املشكلة ال بد من أن نستخدم كامل‬
‫املتن الختبار فرضياتنا دون أن نغفل شاهدا أو مثاال أو عىل األقل ‪-‬كام ذكر ليتش‪ -‬أن‬
‫يتجنب اللغوي االختيار املتعمد للشواهد‪ .‬لكن من الناحية العملية هل هذا ما حيدث‬
‫وحدث سابقا لدى اللغويني؟‬
‫نحن نعرف أنه ال يوجد قضية متفق عليها متام االتفاق يف األمور اللغوية‪ ،‬بل إننا لو‬
‫نظرنا مثال إىل اللغة العربية يف تقعيدها لوجدنا أهنا بنيت عىل استقراء ناقص وليس عىل‬
‫استقراء كامل‪ ،‬بدليل كثرة الشذوذ يف األحكام النحوية؛ بل حتى يف قاعدة رئيسية مثل‬
‫املسامر» والتي جاء‬
‫َ‬ ‫الثوب‬
‫ُ‬ ‫رفع الفاعل ونصب املفعول جاء ما خيالفها يف شاهد «خرق‬
‫فيها الفاعل منصوبا واملفعول مرفوعا عىل خالف األصل‪ ،‬وقد ذكر ابن عقيل يف رشحه‬
‫عىل األلفية أن رفع املفعول به ونصب الفاعل حيصل عند أمن اللبس‪ ،‬وال يقاس عىل‬
‫ذلك؛ إنام يقترص عىل السامع (ابن عقيل‪ ،)1400 ،‬كام ذكر السيوطي (انظر السيوطي‪،‬‬
‫احلجر» وأن املسوغ لذلك فهم املعنى‬
‫َ‬ ‫الزجاج‬
‫ُ‬ ‫‪1413‬؛ والسيوطي‪ )1427 ،‬ورود «كرس‬
‫وارتفاع اللبس‪ ،‬وأن هذا األمر مقصور عىل ما ورد من املسموع (انظر النقاش املوسع‬
‫والتخرجيات النحوية يف السيوطي‪ .)1413 ،‬طبعا هذا ال يعني أيضا أن التقعيد للغة‬
‫أمر يسري‪ ،‬أو أن وضع قاعدة تشمل مجيع ما نطق به أهل اللغة أمر يسري‪ ،‬فهو بال شك‬
‫أمر عسري املنال‪ ،‬وال يتصور استيعاب مجيع القواعد اللغوية للغة واسعة مثل العربية‬
‫وإحاطة هذه القواعد بجميع ما نطقه أهلها‪ .‬ولذلك قد ينتج املتن شواهد متعارضة‪،‬‬
‫وهلذا جيب عدم استثناء األدلة والشواهد التي ال تدعم الفرضية أو عىل األقل جيب عدم‬
‫إمهاهلا وإغفاهلا؛ بل ال بد من التفاعل معها وأخذها يف احلسبان‪.‬‬

‫‪-127-‬‬
‫ومن املعروف أن بعض النحويني من البرصيني استبعدوا بعض املسموعات؛‬
‫فأحكامهم النحوية بنيت عىل استقراء ناقص (انظر مثال‪ :‬العمرييني‪،641/2 :1423 ،‬‬
‫وحسان‪1411 ،‬؛ وعيد‪ .)1988 ،‬وقد كان لالستقراء الناقص منهجا يف النظر النحوي‬
‫آثاره اللغوية مثل احلكم بالقبح أو اإلمهال (العمرييني‪ .)746-773/2 :1423 ،‬بل إن‬
‫النحو العريب كله قائم حتام عىل االستقراء الناقص‪ .‬بل إن متام حسان يراه ميزة علمية‬
‫(انظر حسان‪)14-15 :1411 ،‬؛ إذ توضع القواعد بناء عىل شواهد معدودة ثم تعمم‪،‬‬
‫وهو املتاح يف زمنهم (انظر عيد‪ ،)151-153 :1988 ،‬وهذا مقارب ملا يراه تشومسكي‬
‫منطقا علميا وسيأيت الحقا‪ .‬بل نقل ابن جني عن أيب عمرو بن العالء قوله‪« :‬ما انتهى‬
‫إليكم مما قالت العرب إال أقله‪ ،‬ولو جاءكم وافرا جلاءكم علم وشعر كثري» (ابن جني‪،‬‬
‫‪.)1/386 :1952‬‬
‫عىل أية حال ينبغي أال نبالغ كثريا يف مطالبة التقعيد اللغوي املعتمد عىل متن لغوي‬
‫باإلحاطة الشاملة لكل اللغة؛ إذ املتن نفسه مل يكن وليد استقراء تام وكامل جلميع شواهد‬
‫اللغة وشواردها‪ .‬فكام ذكر ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:15‬من‬
‫أن املتن نفسه عينة ممثلة وليس كل اللغة‪ .‬أي أنه بالرضورة ‪-‬وهذا معلوم للباحثني بل‬
‫ومفهوم أيضا‪ -‬يمثل جزءا ويغفل جزءا آخر‪ .‬وهلذا كانت صفتا التمثيل( (�‪represent‬‬
‫‪ )ativeness‬والتوازن (‪ )balance‬حمل عناية الباحثني يف لسانيات املتون واهتاممهم‪.‬‬
‫ويقصد بالتمثيل «قدرة املدونة [املتن] عىل متثيل اللغة أو صورها املختلفة حمل الدراسة»‬
‫(الثبيتي‪ ،)158 :2015 ،‬أما التوازن «فهو أن متثل نصوص املدونة [املتن]الواقع اللغوي‬
‫كام هو يف خارجها فال تكون منحازة ملحتوى أو مستوى دون آخر» (الثبيتي‪:2015 ،‬‬
‫‪ .)159‬وهبذين املعيارين يمكن تفادي التحيز أو االنتقائية يف املتون اللغوية‪.‬‬
‫ويؤكد هذا املنحى ماكنري وهاردي (‪)McEnery & Hardie, 2012:15‬؛ إذ يريان‬
‫التخفف من غلواء االستقراء الكامل؛ إذ جيب أن تقترص هذه اخلاصية عىل متننا الذي‬
‫بني أيدينا وال نتصور أن يكون أي متن حميطا باللغة مهام كان‪ .‬وقد عقدا مقارنة طريفة‬
‫بني اللسانيات يف هذه اخلاصية وعلم الفلك (‪( )astronomy‬أي العلوم الطبيعية الصلبة‬
‫األخرى) فرييان أن هذا النقد ليس مقترصا عىل اللغويات أو عىل لسانيات املتون بل‬
‫يتعداه إىل علم الفلك وغريه من العلوم الطبيعية األخرى؛ إذ نظرياهتا تعتمد عىل أمثلة‬
‫من الكون أو العامل املتاح للبرش ‪-‬أصحاب النظرة الناقصة بطبيعتهم‪ -‬وكل جيل حياول‬

‫‪-128-‬‬
‫دحض أو تأكيد أو ربام مساءلة نتائج سابقة‪ ،‬ومثلها اللغويات ولسانيات املتون‪ .‬وهلذا‬
‫جيب احلرص عىل أال يشوه املتن متثيل اللغة مثله يف ذلك مثل الفضاء والفلك‪ ،‬فلو‬
‫افرتضنا أن علامء الفلك افرتضوا أن لكل كوكب قمرا اعتامدا عىل ما الحظوه من أقامر‬
‫لكواكب األرض واملريخ واملشرتي وعمموا الفرضية أن لكل كوكب قمرا؛ لكن يف‬
‫احلقيقة كوكب عطارد وكوكب الزهرة ليس هلام أقامر‪ ،‬فهل نبطل القاعدة التي بنيناها‬
‫بناء عىل مشاهدتنا للكواكب الثالثة األوىل؟‬
‫جييب عن هذا التساؤل ماكنري وهاردي (‪)McEnery & Hardie, 2012:156‬‬
‫يف أن هذا التساؤل يقودنا إىل قضية أخرى من املنهجية العلمية التي جيب مراعاهتا‬
‫يف العلوم مجيعها وهي قابلية التكرر أو التعدي إىل أمثلة أخرى (‪،)replicability‬‬
‫وهي مهمة سواء جتريبيا أو عن طريق املالحظة‪ .‬ففي املنهج العلمي ويف كل العلوم‬
‫تعد النتائج اجلديدة مؤقتة حتى يمكن تعدهيا أو تعميمها (‪ )replicability‬إىل أمثلة‬
‫وشواهد أخرى غري ما بنيت عليه القاعدة العلمية‪ ،‬وهبذه العملية املتكررة يمكن حتقق‬
‫مبدأ الدحض أو التخطيئية‪.‬‬
‫فلسانيات املتون مثلها مثل العلوم الطبيعية يف أن مفهوم تعدي النتائج وتعميمها‬
‫(‪ )replicable results‬يبدو أمرا مهام لكثري من الباحثني (انظر مثال ‪)Doyle, 2005‬‬
‫ألجل حتقق أمر منهجي معه وهو املصداقية أو املوثوقية (‪McEnery &( )credibility‬‬
‫‪ .)Hardie, 2012:16‬فلسانيات املتون ليست شذوذا عن القواعد العلمية األخرى‪،‬‬
‫فهي تقوم بناء عىل معطيات وشواهد وأمثلة معينة‪ ،‬ثم تُستقرأ معطيات جديدة‪ ،‬ويتم‬
‫تأكيد أو تعديل القواعد بناء عىل هذه العلمية املتكررة‪ ،‬ومع الوقت وتغري املعطيات‬
‫يمكن للتحيز أن ُيتجنب‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬يمكن اختصار ما مر بنا (انظر أيضا نقاش ماكنري وهاردي & ‪McEnery‬‬
‫‪ )Hardie, 2012:13-6‬من أننا إذا أجرينا االستقراء الكامل عىل املعطيات التي بني‬
‫أيدينا (أي املتن بجميع شواهده وشوارده) يمكن أن نطمئن إىل أن ما ندعيه أو نزعمه‬
‫بناء عىل هذا املتن حيقق مبدأ اإلحاطة الشاملة ومبدأ الدحض (‪ .)falsifiability‬وهذا‬
‫ينطبق عىل اقتصارنا عىل متننا؛ أما لو قمنا باستقراء كامل ملعطيات أخرى غري تلك التي‬
‫يف متننا من خالل عملية التحقق وإعادة التحقق فذلك يطمئننا أن ادعاءنا وزعمنا قام‬
‫بعد أن حتقق معيار التعدي والتعميم (‪.)replicability‬‬

‫‪-129-‬‬
‫وإذا حتقق لعلم من العلوم مبدأ الدحض( (‪ )falsifiability‬والتعدي (�‪replica‬‬
‫‪ )bility‬يمكن هلذا االدعاء أن يقال عنه إنه حقق املصداقية واملوثوقية (‪،)validity‬‬
‫وباطمئناننا إىل صدق لسانيات املتون عرب حتقق هذه املعايري واملبادئ الرضورية ألي‬
‫منهج علمي يمكن لنا أن نصفها بأهنا مرشوع علمي جتريبي (إمربيقي) يتوافر عىل‬
‫الرشوط العلمية املنهجية الالزمة لكي يكون حمل ثقة الباحثني والعلامء (‪McEnery‬‬
‫‪.)& Hardie, 2012:16‬‬
‫ويف سياق التشجيع عىل بناء الفرضيات عىل أساس التخلص من التحيز والبحث‬
‫عن مثال يرفد ادعاء اللغوي يذكّرنا ماكنري وهاردي (‪McEnery & Hardie,‬‬
‫‪ )2012:16‬بأن اختيار أو انتقاء املعطيات ليس بالرضورة سيئا يف كل األحوال؛ بل‬
‫قد يكون استعراض املتن بحثا عن شاهد (مثال) أو جمموعة منهام أمرا مطلوبا كونه‬
‫هو اليشء الصحيح والطريقة املنهجية العلمية الناجعة‪ ،‬مع التسليم بأن هذا املنحى‬
‫هو فعال ما حيدث من بعض املحللني واللغويني يف بعض الظروف اخلاصة‪ .‬لكن كيف‬
‫يمكن لنا أن نقول إنه هو املنهج العلمي الصحيح يف بعض احلاالت؟‬
‫جييب عن ذلك ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:16‬بأننا قد‬
‫نبحث عن مثل معني لندحض (‪ )falsify‬فرضياتنا عندما يكون وجود مثال واحد‬
‫كافيا لدحض االدعاء‪ .‬ففي متن يضم ماليني اجلمل قد يكون املثال الواحد أو جمموعة‬
‫فرعية من األمثلة والشواهد هو األهم من ناحية الفرضية التي نريد دحضها‪ .‬وهلذا ففي‬
‫هذه احلالة فاستخدام املتن للبحث عن مثال ليس متوافقا مع املنهج العلمي فحسب؛‬
‫بل متوافق أيضا مع مبدأ االستقراء التام ليتحقق هتذيب القاعدة أو تعديلها‪ ،‬وهو ما‬
‫يسمى البحث املدعوم أو املستأنس بالبيانات (‪( )corpus-informed‬انظر ‪McEnery‬‬
‫‪& Hardie, 2012:16-8‬؛ وسيأيت احلديث عن هذا البحث الحقا)‪ .‬مثال ذلك أن‬
‫نبحث يف متن للغة العربية عن أمثلة ملجيء الفاعل مصدرا مؤوال بعد أن رأينا كثرة‬
‫املجيء اسام رصحيا‪ ،‬فعثورنا عىل أمثلة عىل املصدر املؤول فاعال جيعلنا نقول إن الفاعل‬
‫اسم رصيح أو مصدر مؤول‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك تنزع بعض العلوم اللغوية التي تنحو منحى التحليل الكيفي‬
‫العميق والثري للمعطيات إىل تفضيل استخدام املتن (الصغري املشتمل عىل أمثلة قليلة)‬
‫وحتليلها بعمق كيفي (نوعي) ثري أكثر من تعاملها مع املتن الكبري مثل حتليل اخلطاب‬

‫‪-130-‬‬
‫الناقد؛ وذلك حلاجة هذه العلوم إىل حتليل السياق االجتامعي للمثال أو الشاهد وحتليل‬
‫ما هو أبعد منه وعدم االقتصار عىل التحليل اللغوي للمثال يف املتن (لنقاش موسع‬
‫حول نزعة بعض العلوم وامليادين واملجاالت خلرق معيار التحيز والتعميم يف األساس‬
‫انظر ‪.)McEnery & Hardie, 2012:16‬‬
‫كام ذكر ليتش( (‪ ،Leech, 1992‬مذكور يف ماكنري وويلسون �‪McEnery & Wil‬‬
‫‪ )son, 2005:15‬أن املتن أقوى منهجيا من وجهة نظر علمية من التأمل الذي يقوم به‬
‫اللغوي التقليدي؛ ألنه يمكن تطبيق التحقق املوضوعي (‪)objective verification‬‬
‫عىل النتائج العتامده عىل اآللة واستقالله عن ذاتية الباحث واملحلل اللغوي؛ يف املقابل‬
‫نجد أن هذه الصفة املنهجية غري ممكنة التحقق يف التأمل أو حتى يف احلدس‪ .‬كام أضاف‬
‫فيلمور (‪ )Fillmore, 1992‬أن التأمل ال ُيعتمد عليه دائام؛ يف مقابل ما يمنحه املتن من‬
‫تفوق باألصالة (‪ )authenticity‬واملوثوقية‪.‬‬
‫خالصة القول أن املؤيدين للسانيات املتون يرون أهنا تتصف بصفات منهجية‬
‫تقوهيا وجتعلها ختتط لنفسها طريق املنهج العلمي الصحيح؛ يف مقابل ذلك هناك فريق‬
‫آخر يرى أن لسانيات املتون ال ختلو من إشكاالت منهجية تقدح يف استخدامها بوصفها‬
‫علام موثوقا‪ .‬وهذا حمل نقاشنا يف الفقرات التالية‪.‬‬

‫إشكاالت مثارة ضد لسانيات املتون‪:‬‬


‫لعلنا ال نبالغ إذا قلنا إن لسانيات املتون نشأت وبدأت بدايات خجولة‪-‬إن صح‬
‫لنا الوصف‪ -‬ما بني حماولة إلثبات نفسها ميدانا من امليادين العلمية التي تستخدم‬
‫املنهج العلمي السائد يف وقته‪ ،‬وبني صمودها يف وجه االعرتاضات العنيفة التي‬
‫صدرت من شخصية هلا حجيتها وتعترب مرجعية علمية مثل تشومسكي الذي خصها‬
‫بنقده الالذع وانتقص من منهجها الذي تستخدمه ومن بياناهتا ومعطياهتا ومادهتا التي‬
‫تدرسها وس ّفه بعض نتائجها‪ .‬وقد أكد ماكنري وويلسون (‪McEnery & Wilson,‬‬
‫‪ )2005:1‬أن لسانيات املتون كانت هامشية تُستخدم يف لسانيات اللغة اإلنجليزية ويف‬
‫دراسات النحو اإلنجليزي إىل أن هنضت مؤخرا لتدخل جماالت جديدة ولغات غري‬
‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬باإلضافة إىل ذلك ذكر ماكنري وهاردي (‪McEnery & Hardie,‬‬
‫‪ )2012:225‬أن املرحلة األوىل للسانيات املتون إىل ثامنينات القرن املايض وبزوغها‬

‫‪-131-‬‬
‫كانت مرحلة كفاح [وربام إثبات ذات] يف وجه انتقادات ومعارضات وجهة النظر‬
‫التشومسكية‪ .‬بل ذكر فيلمور (‪ )Fillmore, 1992:35‬أن لساين املتون ال حيظى بسمعة‬
‫جيدة يف الدوائر العلمية اللسانية‪ .‬وربام كان هذا يف وقت سابق‪.‬‬
‫والستعراض نشأة هذا العلم ثم ترنحه ‪-‬إن صح التعبري‪ -‬ثم تثبيته لقدمه وترسيخها‬
‫يف امليدان يمكن الرجوع إىل املناقشة املستفيضة يف الفصل األول الذي ّأرخ هلا بيشء من‬
‫التوسع والتفصيل‪.‬‬
‫أما ما هيمنا اآلن فهو االعرتاضات التي أثريت يف وجه الباحثني يف لسانيات املتون‪،‬‬
‫وكذلك اإلجابات عن هذه االعرتاضات إضافة إىل التحوالت املنهجية التي اضطر‬
‫إليها الباحثون استجابة لالعرتاضات الوجيهة املثارة‪.‬‬
‫ولكي نتمكن من اإلملام باالعرتاضات الشائكة املتناثرة يف األدبيات فسوف‬
‫نخصص اجلزء األكرب النتقادات تشومسكي أو ما يمكن وصفه بالتشومسكيني كام‬
‫وصفهم كثري من اللغويني (انظر مث ال ‪McEnery & Hardie, 2012‬؛ وكذلك �‪Lan‬‬
‫‪ .)dau, 1984:276‬وقد حتدث ليتش (‪ )Geoffrey Leech‬وهو واحد من رواد‬
‫لسانيات املتون (‪ )Landau, Sidney. I. 1984:276‬عن تأثري تشومسكي عىل من‬
‫بعده من اللسانيني النظريني يف عدم مناسبة املتون يف مقابل مناسبة احلدس ()‪intuition‬‬
‫‪ .)(Leech, G. 1991‬وال بد من أن نشري إىل إن تشومسكي بوصفه عاملا إدراكيا وعاملا‬
‫توليديا من الطبيعي أن يقف ضد ما يعتمد عىل األداء املرصود واالستخدام بوجه حاد‪.‬‬
‫وقد كان موقفه كام يصفه ماكنري وزمالؤه (‪ )McEnery et al. , 2006:131‬عدائيا‬
‫ضد املتون واستخدامها يف التحليل اللغوي‪ .‬كام أن الدارسني الذين يقبلون لسانيات‬
‫املتون خيتلفون يف آرائهم حول استخدام املتون عىل حسب األهداف البحثية (ماكنري‬
‫وزمالؤه ‪.)McEnery et al. , 2006:131‬‬
‫وقبل اخلوض يف اإلشكاالت املثارة ال بد من اإلشارة إىل أن االجتاه اللغوي املنهجي‬
‫املالحظة أو املدونة‪ ،‬وهذا يف‬
‫َ‬ ‫السائد يف اللسانيات كان معتمدا عىل استخدام اللغة‬
‫الواقع متن لغوي وإن مل تتم تسميته بذلك (‪ .)McEnery & Wilson, 2005:2‬وأتفق‬
‫مع ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson, 2005:2‬يف أن اللسانيني امليدانيني‬
‫‪ field linguists‬مثل بواز ‪ Boas 1940‬ومن جاء بعده من اللغويني البنيويني أصحاب‬
‫التقاليد البنيوية ‪ structuralist tradition‬يف الدرس اللغوي يستخدمون منهجية يمكن‬

‫‪-132-‬‬
‫أن يطلق عليها أهنا قائمة أو معتمدة عىل املتن (‪ )corpus-based‬وإن مل يسموا أنفسهم‬
‫لسانيي املتون‪ .‬بل إن علامء اللغة الذين مجعوا اللغات األمريكية اهلندية وأ ّلفوا املعاجم‬
‫املالحظة يف املكان‬
‫َ‬ ‫هلا كانوا متأثرين ببلومفيلد وأفكاره ويعتمدون عىل «الظواهر‬
‫والزمان» (روبنز‪ .)334 :1997 ،‬كام أن دراسات اكتساب اللغة والتطور اللغوي لدى‬
‫األطفال بتسجيل (تدوين) يومياهتم اللغوية التي يقوم هبا والدوهم يف القرن التاسع‬
‫عرش وبداية العرشين من قبيل دراسات املتون (‪.)McEnery & Wilson, 2005:2‬‬
‫فمالحظة النمو اللغوي لدى الطفل تعتمد اعتامدا كليا عىل ملفوظاته التي هي عبارة‬
‫عن متن‪ .‬وتعد أعامل بلوم (‪ )Bloom, 1970‬وبراون (‪ )Brown, 1973‬من األمثلة عىل‬
‫مجع ملفوظات (متن) األطفال للتحليل اللغوي للتطور (النمو) اللغوي لدى األطفال‬
‫(‪.)McEnery & Wilson, 2005:2‬‬
‫ويرى هاريس (‪ )Harris, 1993‬أن االجتاه السائد لدى اللسانيني التقليديني يقوم‬
‫عىل مجع ملفوظات مسجلة (متن) جيري حتليلها فيام بعد‪ .‬والبد من اإلشارة إىل أنه مل‬
‫يستخدم لفظ متن (‪ )corpus‬إال مؤخرا (انظر الفصل األول من هذا الكتاب)‪ .‬بل لعلنا‬
‫نذهب أبعد من ذلك فنقرر أن العرب يف مجعهم للغة من أطراف البادية ومن الفصحاء‬
‫يقومون بمنهجية مشاهبة ملنهجية لسانيات املتون‪ ،‬وما يتم مجعه إنام هو متن لغوي سواء‬
‫أطلق عليه هذا املسمى أم ال‪ ،‬أي أن هذا املنحى كان قبل ما يسمى باللسانيني التقليديني‬
‫يف اللسانيات احلديثة الغربية‪ .‬أي أن مجع اللغة العربية من البوادي وكذلك تدوين‬
‫احلديث الرشيف ُيعدّ مجعا للمتون اللغوية والدينية؛ فليست منهجية املتون مقترصة‬
‫عىل اللغويني املحدثني‪ .‬فيمكننا القول إن مجع الشواهد واألمثلة لتقعيد اللغة املعياري‬
‫وإن كان قد انتهى يف العربية لكنه يف املجاالت األخرى مثل حتليل اخلطاب (السيايس‪،‬‬
‫الديني‪ )... ،‬ويف اللغة املنطوقة ووصفها‪ ،‬وعلم اللغة االجتامعي‪ ،‬وعلم اللغة النفيس‬
‫واكتساب اللغة واللهجة ال يمكن أن يستغني عن الشواهد واألمثلة متمثلة بمنهجية‬
‫لسانيات املتون ولو بشكل جزئي‪.‬‬
‫كام يرى ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson, 2005:4‬أن البحوث‬
‫والدراسات يف جمال تقاليد التهجئة وهو يشبه ما نسميه لغة احلارضة أو البادية أو لغة‬
‫متيم ولغة طيء مثال‪ ،‬وبيداغوجيا اللغة‪ ،‬واللسانيات املقارنة‪ ،‬والقواعد (سينتاكس‪:‬‬
‫‪ )Syntax‬والداللة (سيامنتيك‪ )Semantic :‬كلها من الدراسات التي تعتمد عىل متون‬

‫‪-133-‬‬
‫جيمعها الباحثون اللغويون (وقد رضبا لذلك أمثلة تراجع ص‪ 3‬وص‪ .)4‬إذن يمكننا‬
‫القول إن مجع املتون والشواهد واألمثلة ليست ابتكارا حديثا أو خاصا بلسانيي املتون‬
‫املحدثني‪ .‬ومن هنا ليس هلم ال فضل االبتكار وال عليهم تبعات اإلشكاالت املنهجية‪.‬‬
‫بعد هذه التوطئة للمجاالت التي استخدمت املتون قبل تشومسكي وقبل هجومه‬
‫العنيف سننتقل إىل ما يراه تشومسكي خمال باملنهجية العلمية للباحث اللغوي‪ .‬وسبب‬
‫الرتكيز عىل تشومسكي أنه يمثل مرجعية علمية حتظى بالتقدير يف األوساط العلمية‬
‫عامة واللسانية خاصة‪ ،‬كام أنه كان النتقاداته املقبولة دور يف هتذيب لسانيات املتون ويف‬
‫املنعطفات املنهجية التي سلكتها كام سنرى‪.‬‬
‫فاملرتكز الذي ينطلق منه تشومسكي أن اللغوي جيب أن ينصب جهده عىل نمذجة‬
‫أو حماكاة (‪ )model‬الكفاية اللغوية لدى الناطق األصيل وليس األداء أو املنتَج؛ ولذلك‬
‫فاملتن ال يعد أداة مفيدة للتحليل اللغوي ألنه أداء (لغة خارجية‪ )E Language :‬وليس‬
‫كفاية أو نظام اللغة الداخيل (‪ ،)I Language‬بل إن األداء مرآة مضللة للكفاية؛ ألهنا‬
‫تتأثر بعوامل خارجية متعددة مثل الذاكرة أو الرشب ( أي كون املتحدث خممورا)‬
‫(‪ .)McEnery & Wilson, 2005:6‬وهناك مؤثرات أخرى تتعلق بالعيوب النطقية‬
‫لدى املتحدثني مثل لو استمعنا إىل شخصني مصابني باحلبسة أو بمرض آخر كالتأتأة‬
‫فإننا سنصور الكفاية لدهيم بشكل خاطئ اعتامدا عىل معطيات املتن املشوه الذي أنتجاه‬
‫وهو يف احلقيقة األداء (‪ )McEnery & Wilson, 2005:7‬بينام كفايتهم الداخلية ليس‬
‫فيها العيوب التي ظهرت يف أدائهم‪ .‬بل يرى ماكنري وويلسون( (�‪McEnery & Wil‬‬
‫‪ )son, 2005:6‬أنه حتى لو حاولنا استبعاد إمكانية أن املتن مضلل وقمنا بجمع متن‬
‫ممتاز خال من األغالط فتشومسكي لن يرىض أيضا‪ .‬فالكفاية تعتمد عىل قواعد حمدودة‬
‫تولد مجال غري حمدودة‪ ،‬وال يمكن االستدالل بالنهائي املحدود عىل الالهنائي وغري‬
‫املحدود‪ ،‬فاملتن بطبيعته ناقص وجزئي ويمثل جزءا من اللغة ال اللغة كلها الكامنة‬
‫بيولوجيا يف دماغ املتحدث (انظر النقاش املستفيض هلذه اجلزئية يف ماكنري وويلسون‬
‫‪.)McEnery & Wilson, 2005:6-12‬‬
‫حمرف‬‫وقد نص تشومسكي (‪ )Chomsky 1962:159‬عىل «أن املتن بطبيعته ّ‬
‫(‪ )Skewed‬وأن أي توصيف ُيبنى عليه لن يعطينا أكثر من جمرد قوائم» فاملتن بطبيعته كام‬
‫يراه جزئي وناقص ويشوه اللغة‪ .‬ولذلك ‪-‬حسب تشومسكي‪ -‬فاملتن اللغوي ينمذج‬

‫‪-134-‬‬
‫أو حياكي املصدر اخلطأ (وهو األداء بدال عن الكفاية التي هي مناط التحليل اللغوي)‪.‬‬
‫فريى تشومسكي أن وظيفة اللساين ليست إحصاء أو توصيف الظاهرة األدائية املتمثلة‬
‫يف املتن؛ إنام تكمن وظيفته الصحيحة يف تأمل وتفسري الكفاية اللغوية يف عقل املتحدث‬
‫األصيل (‪ .)McEnery & Wilson, 2005:12‬بينام اللغة اخلارجية (‪)E-language‬‬
‫«هتدف إىل مجع البيانات ثم توصيف خصائص هذه البيانات‪ ...‬مستقلة عن خصائص‬
‫عقل املتكلم» (‪ )Cook and Newson, 2007:13‬يف الوقت الذي هيتم النظام الداخيل‬
‫للغة (‪ )I-language‬بام يعرفه املتكلم وبمصدر هذه املعرفة؛ فتتعامل مع اللغة‬
‫بوصفها سمة داخلية يف عقل املتكلم وليس شيئا خارجيا عنه (‪Cook and Newson,‬‬
‫‪ )2007:13‬الذي يمثله األداء بإشكاالته وعيوبه‪ .‬وهلذا ‪-‬حسب تشومسكي‪ -‬فحتى‬
‫لو قبلنا اإلحصاء والتوصيف هدفني للغوي (اللساين) يظهر أن ذلك غري متاح؛ ألن‬
‫اللغة الهنائية‪ ،‬وبالتايل فمحاولة اإلحصاء والتوصيف لن تنتج توصيفا مناسبا للغة عىل‬
‫اإلطالق؛ إذ كيف يكون متن ناقص هو املصدر الوحيد للغة الالهنائية (& ‪McEnery‬‬
‫‪ .)Wilson, 2005:12‬وقد نص الندو عىل أن تشومسكي وأتباعه وغريه من اللسانيني‬
‫األمريكيني يف الواليات املتحدة بتأثري من تشومسكي يتبنّون موقفا عدائيا من التحليل‬
‫الكمي برمته بل ويستهجنونه لعدم قدرته عىل شمولية مجيع االستخدامات الكامنة‬
‫للغة البرشية (‪ .)Landau, 1984:275-6‬فلدينا استخدام (أداء) وهو هنائي‪ ،‬وكفاية‬
‫إبداعية وهي القدرة عىل توليد عدد ال حمدود من اجلمل‪ ،‬واستخدام كامن ال هنائي‬
‫مل يظهر فيام ُجع (‪ )Landau, 1984:275‬مهام بلغ هذا املجموع‪ .‬وبمعنى أخر‪ ،‬لدينا‪:‬‬
‫‪1.1‬كفاية إبداعية خالقة‪.‬‬
‫‪2.2‬استخدام كامن غري ما مجع يف املتون‪.‬‬
‫‪3.3‬استخدام تم مجعه يف املتون‪.‬‬
‫وال بد من توضيح أن مفهوم األداء (‪ )performance‬والكفاية (‪)competence‬‬
‫يتوافق جزئيا مع مفهوم اللغة الداخلية والنظام الداخيل للغة( (�‪Cook and New‬‬
‫‪ ،son, 2007:15‬وانظر أيضا ‪ .)Andor, 2004:93‬فمصطلح اللغة الداخيل بألفاظ‬
‫تشومسكي «يشري إىل املكون اخلاص الواقع يف النظام البيولوجي (العضوي) اإلدراكي‬
‫للعقل البرشي» (‪ )Andor, 2004:93‬وهو يشء حمسوس (‪ .)Andor, 2004:94‬فهو‬
‫يرى أن دراسة األداء أو اخلطاب أو التفاعل االجتامعي دراسة لتمظهر القدرة وليس‬

‫‪-135-‬‬
‫دراسة للقدرة نفسها (‪ .)Andor, 2004:94-5‬كام ال يرى اللغة اخلارجية مفيدة يف دراسة‬
‫الطبيعة الداخلية للقدرة اللغوية لدى البرش (‪ .)Andor, 2004:101‬فتشومسكي يرى‬
‫رضورة توجه الدراسة إىل امللكة اإلدراكية الداخلية (‪ .)Andor, 2004:103‬فهو يركز‬
‫عىل قضايا أساسية يف دراسة اللغة منها العضو اإلدراكي لدى البرش وامللكة نفسها‬
‫وليس متظهرها وتشكلها عرب األداء‪ ،‬وكذلك يرى رضورة وجود إطار مفاهيمي نظري‬
‫للبحث ُيبنى عرب التأمل‪ .‬ومتييز تشومسكي بني مقدرة املتكلم واملنطوقات هي من‬
‫أفكار دي سوسري الذي يرى أن الكالم هو «املادة التي يمكن احلصول عليها مبارشة»‬
‫بينام «اهلدف الصحيح للغوي هو (النج) [لغة] كل مجاعة لغوية‪ ،‬أي املعجم والقواعد‬
‫والفنلجيا املغروسة يف كل فرد بسبب نشأته يف املجتمع املعني وتنشئته عىل األسس التي‬
‫وفقا هلا يتكلم لغة هذا املجتمع ويفهمها» (روبنز‪ 320 :1997 .‬املعقوفان يف األصل)‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ما سبق فقد كان تشومسكي مهتام باللغة بوصفها ظاهرة عاملية( (�‪Uni‬‬
‫‪ )versal language‬أي الرتكيز عىل القواعد املوجودة يف ذهن املتكلم (الكائن البرشي)‬
‫وعقله التي حتكم اللغة اإلنسانية بغض النظر عن اختالف تطبيقات هذه اللغة من‬
‫إنجليزية إىل عربية وغريها‪ .‬فاللغات باآلالف وخمتلفة بني البرش وليست ماد َة الدراسة‬
‫الصحيحة لعملية اكتساب الفرد للغة والتي هي واحدة يف كل البرش‪ .‬بل إن الدرس‬
‫اللغوي برمته بدأ يأخذ هذا املنحى وزاد عدم رضا اللغويني عن وصف اللغات منفردة‬
‫(‪ .)Teubert, and Cermakova, 2007:50-1‬فعملية االكتساب (نؤكد عىل كلمة‬
‫عملية) هي نفسها واحدة ال تتغري إال يف متظهرها وتشكلها ما بني املتكلمني واللغات‬
‫الذين خيتلفون باملليارات‪ .‬فنظرية القواعد الكلية هتتم «بالبناء الداخيل يف عقل املتكلم‪،‬‬
‫الصوت باملعنى» (‪Cook and Newson,‬‬ ‫َ‬ ‫يب)‬
‫الريايض (احلاسو ُ‬
‫ُ‬ ‫أي كيف يربط النظا ُم‬
‫‪ ،2007:11‬يف هذا الكتاب نقاش تفصييل معمق لنظرية تشومسكي حول القواعد‬
‫الكلية)‪ .‬واكتساب اللغة لدى تشومسكي ليس مستقال عن عضو االكتساب املغروس‬
‫يف عقل املتكلم (‪)Cook and Newson, 2007:184‬؛ بل نص تشومسكي عىل أننا «ال‬
‫نتعلم اللغة؛ إنام تنمو القواعد يف أذهاننا (عقولنا)» (‪ .)Chomsky, 1980:134‬وإلعالء‬
‫مكانة التأمل ‪ introspection‬عند اللغويني يرى سابري وهو أحد أعالم اللسانيات‬
‫األمريكية أن هناك متاثال بني جتريد اللغوي وحدس ابن اللغة (روبنز‪.)333 :1997 .‬‬
‫ويف مقالة له بعنوان (يف الدفاع عن اللغة الشعبي‪:‬ة‪In Defense of Public Lan�:‬‬

‫‪-136-‬‬
‫‪ )guagee‬يرى ميليكان (‪ )Milikan, 2003:1‬أن تشومسكي ينتقد اللغة الشعبية (�‪pub‬‬
‫‪ )lic language‬أو ما يسمى (اللغة اخلارجية‪ )externalized language:‬ألهنا ليست‬
‫مادة مؤهلة ألن تكون حمال الهتامم اللغوي املهتم باملنهج العلمي؛ فليست إال مادة‬
‫مصطنعة «‪»artifactual‬؛ بل أيضا ندّ د بمقولة أن اهلدف من اللغة هو التواصل‪ .‬إذن‬
‫يمكن القول إن تشومسكي ال يقلل من قيمة األداء مادة علمية فحسب؛ بل أيضا ال‬
‫يرى أن اهلدف األساس من اللغة هو التواصل كام هو واضح من كالم ميليكان (وانظر‬
‫أيضا ‪ .)Andor, 2004:107-9‬ويرى ميليكان (‪ )Milikan, 2003:2‬أن هذا املوقف‬
‫املتطرف مر ّده إىل الفلسفة التي تقوم عليها نظرية تشومسكي يف نقده لبعض مواقف‬
‫التواصل مثل موقف من ينكر شيئا يعلم أن املستمعني أو القراء ال يوافقونه عليه (هناك‬
‫نقاش أعمق يف ‪ Milikan, 2003‬فيمكن مراجعته للقارئ املهتم)‪ .‬ويرى تشومسكي‬
‫أن هناك الكثري من الفشل يف التواصل‪ ،‬كام أن معظم استخدام اللغة هو حوار داخيل‬
‫بني املرء ونفسه وللتفكري (انظر ‪ ،)Andor, 2004:108-9‬فلو قارنّا احلوار الداخيل ألي‬
‫إنسان بمنطوقه ومكتوبه لوجدنا أن حواره الداخيل أضعاف ما ينتجه؛ فبالتايل املتون‬
‫اللغوية أقل من اللغة الفعلية التأملية عرب احلوار الداخيل‪ ،‬وال متثل اللغة‪ .‬وهذه بال شك‬
‫ملحوظة ذكية من تشومسكي‪.‬‬
‫ويف مقابلته (‪ )Andor, 2004:97‬يقرر تشومسكي أن «لسانيات املتون ال تعني شيئا»‬
‫مربرا حكمه العنيف هذا بأن املنهج املتعارف عليه يف العلم ليس مجع كمية هائلة من‬
‫البيانات الستنتاج تعميامت وأحكام من هذه البيانات؛ إنام العلم بناء مفاهيم وإجراء‬
‫بعض التجربة داخل أطر نظرية‪ .‬وواضح أنه ينتقد املقاربة املؤسسة عىل املتون( (�‪cor‬‬
‫‪ .)pus-based approach‬وقد ش ّبه دراسة اللغة بدراسة الفيزياء والكيمياء لدى العلامء‬
‫الذين يضعون النظرية ثم يستدلون هلا من العامل وال يقومون بتسجيل وقائع العامل ليبنوا‬
‫عليها النظريات (‪ .)Andor, 2004:97-8‬فهو يرى قيمة كربى للتجربة‪ ،‬وال يرى بأسا‬
‫من أن تأخذ من لسانيات املتون بعض األفكار والتلميحات ثم تصمم جتربة وتسأل‬
‫أهل اللغة‪ ،‬ويكون هناك إطار نظري تبحث من خالله كام فعل قاليلو (‪ )Galileo‬يف‬
‫منهجه العلمي (‪ )Andor, 2004:99‬وهو هنا يعمم نقده ‪-‬بل هجومه الالذع‪ -‬عىل‬
‫لسانيات املتون وحتليل اخلطاب والربامجاتية (التداولية) أيضا‪.‬‬

‫‪-137-‬‬
‫وحياول ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson, 2005:7‬البحث عن مربر‬
‫هلجوم تشومسكي فيذكران أنه قد يكون نابعا من االعتقاد اخلاطئ لدى لسانيي املتون‬
‫أن اجلمل هنائية‪ ،‬وهو ما يراه غري صحيح؛ وهم يرون ذلك ألهنا املصدر الوحيد املتاح‬
‫للغوي‪ ،‬وهذا طبعا افرتاض خاطئ‪ .‬فاألصل يف اجلمل لدى تشومسكي هو اإلبداع‬
‫وليس التكرار‪ .‬لكن يستدرك ماكنري وويلسون (‪)McEnery & Wilson, 2005:7‬‬
‫أنه ليس كل لسانيي املتون يرون أن اجلمل املوجودة يف املتن تعكس هنائية اجلمل لدى‬
‫املتحدث؛ فهناك مثال هاريس (‪ )Harris, 1951‬وهوكيت (‪ )Hockett, 1948‬اللذان‬
‫يريان أن اللغوي جيب أن يراعي املعطى غري املوجود يف املتن سواء يف القواعد أو يف‬
‫غريها‪ .‬فام هو غري موجود يف املتن جيب أن يكون حمل اهتامم اللغوي‪ .‬أي ال يقترص‬
‫اهتاممه عىل املادة التي يف املتن‪ .‬أيضا يقرر ماكنري وويلسون( (�‪McEnery & Wil‬‬
‫‪ )son, 2005:8‬من باب أن السياقات التي يف املتن ليست نسخا مكررة أنك لو أخذت‬
‫أي مجلة يف هذا البحث لن ترى أي مجلة مشاهبة هلا يف املتن يف أي بحث آخر بسبب‬
‫تنوع االختيارات املعجمية والنحوية‪ ،‬وهذا ما جيعل مبدأ اإلنتاج املتجدد واإلبداعي‬
‫موجودا يف املتن‪.‬‬
‫وقد كان للغويني آخرين مها فيلمور (‪ )Fillmore, 1992:35‬وبول بوستال‬
‫(‪ ،Paul Postal‬وهو نحوي توليدي قبل تشومسكي كام ذكر ذلك ماكنري وولسون‪،‬‬
‫‪ 2005‬نقال عن هاريس‪ )1993 ،‬موقفان متشددان ال خيلوان من السخرية والتهكم‬
‫عىل لسانيي املتون الذين جيمعون املعطيات ويصنفوهنا ثم يصفون طريقتهم بالعلمية‬
‫والصالبة والرصامة واالنضباط! فهام يريان أن لسانيي املتون يعتنون باجلمع واإلحصاء‬
‫والتصنيف لركام هائل من البيانات ثم يسمون هذا علام صلبا! (لالطالع عىل رأييهام‬
‫ومناقشتهام فيه انظر ماكنري وويلسون ‪.)McEnery & Wilson, 2005:10-1‬‬
‫وقد نقل ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson, 2005:11‬حوارا لطيفا‬
‫بني تشومسكي وهاترش (‪ )Hatcher‬حول صالحية املتن للدراسة اللغوية حتدث فيه‬
‫تشومسكي ضاربا مثال بالفعل ‪( perform‬يؤدي) وما يتبعه من أسامء فجاء حكم‬
‫تشومسكي حمتجا بأنه يعرف احلكم ألنه متحدث أصيل ذو سليقة سليمة ومستخدما‬
‫املثال دليال عىل صحة كالمه؛ لكن جاء حكمه خاطئا بدليل ورود ما يراه غري صحيح‬
‫يف املتن الوطني الربيطاين (‪ .)BNC: British National Corpus‬فهذا يعطينا داللة‬

‫‪-138-‬‬
‫عىل أن التأمل والسليقة حتى وإن كانت من عامل لغوي حجة مثل تشومسكي فضال عن‬
‫ابن اللغة أو املتحدث األصيل ال تستغني عن املتن اللغوي يف إطالق األحكام‪ ،‬فاللغة‬
‫‪-‬أي لغة‪ -‬ال حييط هبا خملوق‪.‬‬
‫وهناك اعرتاض طرحه اللغوي أبريكرومبي (‪ ،Abercrombie, 1965‬مذكور يف‬
‫‪ )McEnery & Wilson, 2005:12-3‬يبدو أكثر عملية من الناحية التطبيقية يف فرتة ما‬
‫قبل مخسينيات القرن املايض‪ ،‬ففي نقاشه ملنهجية املتون ذكر (اإلجراءات الزائف‪:‬ة‪pseu�:‬‬
‫‪ )do-procedure‬أي التي تبدو علمية لكنها ليست كذلك‪ ،‬وهذا االنتقاد ينطبق بشكل‬
‫رئيس عىل مقاربة التحليل القائمة عىل املتن ‪( corpus-based Approach‬سنفصل‬
‫القول الحقا يف معناها)‪ ،‬وهو أن البحث يف املتون بطيء ومكلف وحيتاج إىل وقت‬
‫وجهد‪ ،‬واحتامل اخلطأ فيه كبري‪ .‬وهذا االعرتاض واضح أنه يتوجه إىل مقاربة التحليل‬
‫القائمة عىل املتن ‪ corpus-based Approach‬يف مخسينيات القرن املايض قبل تطور‬
‫احلاسوب؛ إذ كان التحليل املتاح للغويني يف ذلك الوقت بطيئا ويستغرق الكثري من‬
‫اجلهد والوقت‪ .‬لكن مع الثورة التقنية وتطور وسائل وتقنيات احلاسب اهلائلة واملتاحة‬
‫للغويني يبدو أن هذا االعرتاض ليس له وجاهة اآلن‪ .‬باإلضافة إىل أن النقد يتوجه‬
‫بشكل مبارش للذي يستنطق املتن ليستخرج منه األحكام ويبنيها منه ويؤسسها عليه‪،‬‬
‫وهو ما يمكن أن نسميه منهجيا النظرية املجذرة (‪ )Grounded theory‬وهي التي‬
‫املالحظ والبيانات واملعطيات أكثر منه‬
‫َ‬ ‫ترتكز عىل استخالص الفرضيات وتوليدها من‬
‫من التجريد والتأمل (انظر مثال ‪.)Robson, 1993:90,548‬‬
‫بعد هذا العرض التفصييل لإلشكاالت املثارة ضد لسانيات املتون ستكون الفقرات‬
‫التالية خمصصة إلجابات العلامء املهتمني بلسانيات املتون عىل اإلشكاالت املنطقية‬
‫املثارة‪ ،‬وللتحوالت التي كانت بعض التساؤالت سببا مبارشا فيها‪.‬‬

‫إجابات املؤيدين للسانيات املتون‪:‬‬


‫ذكر ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:5‬أنه يوجد يف كل‬
‫التخصصات العلمية التفريق بني املنهج العقيل التأميل واملنهج اإلمربيقي التجريبي‪،‬‬
‫فالسؤال املطروح باستمرار‪ :‬هل نبني نظرية لغوية عىل التأمل أم عىل املعطيات املالح َظة‬
‫لكل من املنهجني ميزات وسلبيات‪ ،‬وليس هذا مكان نقاشها‪.‬‬ ‫(املتن‪-‬التجربة)‪ ،‬طبعا ٍ‬

‫‪-139-‬‬
‫وهذا السؤال ينطبق أيضا عىل التقعيد للغة العربية؛ إذ االختالف بني مدرستي الكوفة‬
‫والبرصة يف النحو العريب مشهور ومعروف بنزعة البرصيني إىل السامع واعتداد الكوفيني‬
‫بالقياس؛ بل يف من يصح االعتداد بالسامع منه (انظر العمرييني‪733 :1423 ،‬؛ وانظر‬
‫أيضا القاسمي‪16 :2014،‬؛ الذي يرى قرب تشومسكي من مذهب البرصيني لبنائه‬
‫عىل أمثلة مسموعة وعدم اعتداده بالقياس بخالف الكوفيني)‪ .‬وهذا يف رأيي مما يثري‬
‫الدراسات اللغوية وجيعل حراكها مستمرا وغري حمنط عند نقطة زمنية معينة‪ .‬فاخلالف‬
‫إذن يف أي املذهبني ُيتبنى‪ ،‬وكال هذين املذهبني يعد منهجا علميا مقبوال‪ ،‬وال يصح‬
‫منهجيا ‪-‬يف رأيي‪ -‬أن يكون هناك تثريب من أي منهج منهام عىل اآلخر‪ .‬وال بد من‬
‫التنبيه عىل أن األخذ برأي تشومسكي قد يسقط النحو العريب برمته؛ إذ هو قائم عىل‬
‫األداء املنتج (نثرا وشعرا)؛ وهلذا قد نضيف عىل تشبيه القاسمي بأن الباحثني يف أصول‬
‫النحو وعلله هم األقرب إىل منهج تشومسكي‪.‬‬
‫وقد قرر ماكنري وويلسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:5‬أن اجلدل بني فريقي‬
‫املعارضني واملؤيدين للسانيات املتون سواء من تشومسكي أو من خصومه واملدافعني‬
‫عن لسانيات املتون هو امتداد تارخيي للجدل القديم املتجدد ما بني التوجهني العلميني‬
‫(اإلمربيقي‪/‬التجريبي‪ empiricists :‬والتوجه العقيل التأميل ‪ ،)rationalists‬فالتوجه‬
‫اإلمربيقي يف اللسانيات ينزع إىل التأسيس عىل حتليل البيانات واملعطيات اخلارجية مثل‬
‫النصوص والشواهد واملتون ( النحو الكويف مثال)؛ بينام ينزع التوجه العقيل يف اللسانيات‬
‫إىل االعتامد عىل التأمل أكثر من اعتامده عىل املعطيات اخلارجية (انظر & ‪McEnery‬‬
‫‪( )Wilson 2005:198‬النحو البرصي مثال‪ ،‬أو علم أصول النحو وعلله)‪.‬‬
‫بناء عىل ما تقدم يمكننا االطمئنان إىل أن االنتقاد الالذع املوجه ضد لسانيات املتون‬
‫ليس لضعف يف منهجيتها بقدر ما هو نزعة أو توجه تؤطر الدرس اللغوي لدى املنتقد‪.‬‬
‫وال ختتص لسانيات املتون هبذا النقد بل يمتد إىل غريها من امليادين األخرى مثل حتليل‬
‫اخلطاب والتداولية‪ .‬فمنهج لسانيات املتون هو أحد املناهج املعتربة يف العلوم اإلنسانية‪.‬‬
‫إضافة إىل ذلك فكام ذكر ماكنري وويلسون (‪)McEnery & Wilson 2005:16‬‬
‫من أن بعض انتقادات تشومسكي كانت وجيهة ومقبولة من الناحية املنهجية‪ ،‬وكان‬
‫هلا دور يف تعديل اجتاه لسانيات املتون وتقويم مسارها ليكون أكثر علمية ومقبولية‬
‫منهجيا؛ يف مقابل ذلك يمكن عد بعض االنتقادات غري الوجيهة أو التي مل ِ‬
‫تبال بنقاط‬

‫‪-140-‬‬
‫قوة املتون ليست ذا بال‪ .‬فربام يكون تشومسكي بطبعه حادا عىل خمالفيه‪ .‬وهذا يف رأيي‬
‫واضح عنده يف استخدام ألفاظ قطعية تسفيهية مثل (ال تقول شيئا)‪.‬‬
‫كام أن وصف تشومسكي الالذع قد طال سكينر( (‪ )Skinner‬والبنائية (�‪Structur‬‬
‫‪)alist‬؛ إذ وصف منهج سكنر منذ عام ‪ 1957‬بأنه ليس يوصف بأنه ال يرشح شيئا‬
‫فحسب بل أيضا بأنه ال يرشح أي يشء ذا قيمة‪ ،‬مما دفع اللسانيني إىل هجر البنائية‬
‫والعمل يف إطار العقلية( (‪ )mentalism‬ودمج اللسانيات يف العلوم اإلدراكية (�‪cog‬‬
‫‪ ،Stockwell, 2007: 31( )nitive science‬ولالستزادة حول العلوم اإلدراكية انظر‬
‫‪.)Stockwell, 2007: 40-1‬‬
‫فيمكن تقسيم االنتقادات يف رأيي ثالثة أقسام‪ :‬انتقادات ال يمكن حلها أو يستحيل‬
‫عمل يشء إزاءها‪ ،‬وانتقادات تغفل عن نقاط القوة أو لنقل جتاوزها الزمن وتغري حال‬
‫لسانيات املتون وإجراءاهتا التقنية‪ ،‬وانتقادات وجيهة أسهمت يف تعديل مسار لسانيات‬
‫املتون وهتذيبه‪.‬‬
‫فمن االعرتاضات التي ال يمكن رفضها ويف الوقت نفسه ال يمكن عمل يشء جتاهها‬
‫(القسم األول) مسألة ال هنائية اللغة (‪ )McEnery & Wilson 2005:19‬واإلبداعية‬
‫الكامنة يف امللكة العقلية‪ ،‬فال يمكن للمتون إال أن تقبل هبذا النقد واقعا ال يمكن جتاهله‬
‫وال يمكن التغلب عليه يف الوقت نفسه‪ .‬ومثل ذلك قضية العوامل اخلارجية التي تؤثر‬
‫يف األداء اللغوي وتشوه الكفاية اللغوية (‪ )McEnery & Wilson 2005:19‬فال يمكن‬
‫إال القبول بذلك واالعرتاف به‪ .‬عىل أية حال‪ ،‬فاملتون اللغوية ال تدّ عي أهنا تعالج اللغة‬
‫كاملة؛ إنام تتعامل مع معطيات تعرتف بأهنا مت ّثل جزءا من اللغة‪ ،‬وهبذا تكون قد أقرت‬
‫بحدودها وقدرهتا‪ .‬وعىل الباحث أن يتعامل معها عىل هذا األساس‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك فقد اعرتض ماكنري وولسون (‪McEnery & Wilson‬‬
‫‪ )2005:15‬عىل ما أثاره تشومسكي من أن املتن (املعطيات الطبيعية ‪ )natural data‬يعد‬
‫مرآة مضللة للكفاية ألن األداء أو اإلنتاج اللغوي يتأثر بعوامل أخرى غري الكفاية مما‬
‫يشوه الكفاية أو يعكس صورة مغلوطة عنها‪ .‬فتشومسكي (‪ )1965:8‬انتقد املعطيات‬
‫الطبيعية نقدا الذعا ووصفها بأهنا ذات جودة منحطة ‪ .degenerate quality‬كام نقل‬
‫البوف (‪ )Labov, 1969:201‬عن تشومسكي زعمه يف عدة حمارضات له أن ‪95%‬‬
‫كل فقد ذكرت‬ ‫من ملفوظات اللغة الطبيعية ليست نحوية ‪ .ungrammatical‬عىل ٍ‬

‫‪-141-‬‬
‫الدراسات أن هذا االدعاء غري دقيق؛ إذ جادل البوف (‪ )Labov, 1969:201‬من خالل‬
‫عمله مع املتون املنطوقة أن معظم امللفوظات يف كل السياقات مجل تامة (كاملة)‪ .‬بل‬
‫حتى لو قلنا إهنا غري نحوية فاملتن البد أن حيتوي عىل ما هو نحوي‪ ،‬أو عىل األقل أن‬
‫نفرتض أن انعدام النحوية ليس كحدة االفرتاض السابق (راجع هذه النقطة ومناقشة‬
‫البوف العرتاضات تشومسكي يف ‪.)McEnery & Wilson 2005:15-6‬‬
‫عالوة عىل ذلك هناك جتاهل من تشومسكي ومن يقلل من قيمة لسانيات املتون‬
‫لنقاط القوة التي تتحىل هبا املتون وال تتوفر يف غريها من امليادين األخرى (وهو القسم‬
‫الثاين من االنتقادات)‪ .‬مثال ذلك كون املتن مقروءا عن طريق اآللة مما يمكّن من الدقة‬
‫يف التحليل والبحث واحلسبة والتصنيف (‪ )McEnery & Wilson 2005:17‬بل‬
‫واملوضوعية والبعد عن الذاتية التي تؤثر عىل املحلل اللغوي‪ .‬كام أن أسئلة البحث‬
‫املوجهة معجميا ‪ lexically driven‬جتيب عنها لسانيات املتون بجدارة (‪McEnery‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ،)& Wilson 2005:17‬فال يمكن أن نتصور معجام ألي لغة دون أن يتأسس كليا عىل‬
‫األمثلة والشواهد (املتون)‪.‬‬
‫ويف الوقت ذاته هناك انتقادات يمكن التعامل معها واإلفادة منها يف هتذيب منهجية‬
‫املتون وتقويتها علميا (وهو القسم الثالث من االنتقادات)؛ بل هذا ما حدث فعال حني‬
‫أفاد الباحثون يف املتون من انتقادات تشومسكي وغريه‪ .‬وبناء عليه فهناك بعض املفاهيم‬
‫واإلجراءات التي أخذت هبا لسانيات املتون مثل التوازن( (‪ )balance‬والتمثيل (�‪rep‬‬
‫‪ )resentativeness‬والتي كانت إجابة مبارشة النتقادات تشومسكي (& ‪McEnery‬‬
‫مساهة ربام من غري قصد منه يف تطور ونمو‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،)Wilson 2005:5‬فقد كانت انتقاداته‬
‫لسانيات املتون وقواعدها ومناهجها نظرا لتأثريها القوي يف احلقل اللغوي وملا يتمتع‬
‫به تشومسكي من سلطة علمية ومرجعية قوية‪ .‬فلسانيو املتون كانوا يسمعون ملنتقدهيم‬
‫ويعاجلون القصور يف منهجهم بناء عىل ما لدهيم من معطيات متاحة‪.‬‬
‫يف املقابل فقد جادل ماكنري وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:13‬يف أن‬
‫حذر من أن رفض املعطيات األدائية مصدرا للدليل غري‬ ‫تشومسكي نفسه (‪ّ )1964‬‬
‫مناسب لدراسات اكتساب اللغة‪ .‬أي أن األداء ال غنى عنه مهام اعرتاه من مظاهر‬
‫قصور‪ .‬ولذلك فهناك فروع من اللسانيات مل تفقد املتون فيها دورها حتى مع نقد‬
‫تشومسكي (‪ .)McEnery & Wilson 2005:14‬وكذلك ّقرر ماكنري وولسون‬

‫‪-142-‬‬
‫(‪ )McEnery & Wilson 2005:27‬أنه يف الدراسات اللسانية التارخيية ال غنى عن‬
‫األداء واملتن حيث ال يمكن سؤال املتحدث األصيل ألنه غري موجود‪ .‬فاملصادر املتاحة‬
‫لدينا عن اللغة العربية الفصحى يف عرص اجلاهلية وصدر اإلسالم وما تبعه من عصور‬
‫إىل عرص النهضة وعرصنا هذا هي املتون فحسب‪ ،‬ففي اللغة العربية الفصحى ليس لنا‬
‫إال أن نقبل ما لدينا من متون لغوية ألهنا املصدر الوحيد املتاح لدينا للغة‪ ،‬فال سليقة وال‬
‫حدس للعرب القدامى يمكننا مساءلتها‪.‬‬
‫أما اعرتاض تشومسكي عىل أمهية املعطيات الكمية؛ فهو يرى كام نقل عنه ماكنري‬
‫وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:14-6‬أنه ال أمهية للمعطيات الكمية بالنسبة‬
‫للغوي؛ بل يرى أن مجع املعطيات الكمية عديم الفائدة‪ ،‬ولتأكيد فكرته ذكر من انعدام‬
‫األمهية ووصفها حرفيا بأهنا تافهة أو حتصيل حاصل (‪ ،)trivial‬ذكر يف معرض نقاشه‬
‫وازدرائه أن جميء مجلة (أنا أعيش يف نيويورك) بشكل أشيع من (أنا أعيش يف ديتن‬
‫أو أوهايو) ليس له قيمة لنظرية لغوية أو توصيف لغوي‪ .‬وهذا صحيح كام ذكر‬
‫لينقويست (‪ )Lindquist, 2009:8-9‬يف بعض النتائج؛ لكن ليس األمر صحيحا يف‬
‫كل النتائج‪ ،‬ونالحظ هنا أن تشومسكي اختار مثاال غري مفيد ربام للتقليل من قيمة‬
‫اخلصوم يف انتقاء أضعف وأوهى احلجج واألمثلة‪ .‬ولإلجابة عن هذه الفكرة يمكن‬
‫القول إن املتن اللغوي مصدر مهم وأداة رضورية للمعطيات الكمية التي بدورها (أي‬
‫املعطيات الكمية) أثمرت نتائج جيدة للغويني مثل دراسة سفارتفيك (‪Svartvik,‬‬
‫‪ ،)1966‬فالتعامل اآليل‪/‬احلاسويب (األوتوماتيكي) مع إعراب الكلمة ووسمها (‪part‬‬
‫‪ )of speech tagging‬أثمر نتائج ال يمكن هلا أن تثمر دون املتون (لنقاش موسع حول‬
‫هذه الفكرة راجع ‪McEnery & Wilson 2005:14-6‬؛ و ‪.)Lindquist, 2009:8-9‬‬
‫سننتقل إىل فكرة مهمة لدى تشومسكي ومدرسته ولدى املدافعني عن لسانيات‬
‫املتون أال وهي التأمل (‪ )introspection‬ومكانته لدى الباحث واملحلل اللغوي‪.‬‬

‫التأمل يف لسانيات املتون ويف اللسانيات بعامة‪:‬‬


‫تذكر لنا املصادر اللسانية (انظر مث ال ‪ )Lindquist, 2009:8-9‬أن التأمل (�‪in‬‬
‫‪ )trospection‬يعد لدى اللسانيني التوليديني الوسيلة الرئيسية جلمع البيانات حتقيقا‬
‫ألهم مبدأ لدهيم يف دراسة النحو العقيل (‪ )mental grammar‬للمتحدث النموذجي‬

‫‪-143-‬‬
‫(املثايل) أي ما حيدث داخل عقله‪ .‬يف توصيف ذلك اللساين املتأمل ّ‬
‫سك فيلمور( (�‪Fill‬‬
‫‪ )more, 1992‬مصطلح (اللغوي ذو الكريس الوثري) (‪( )armchair linguist‬وانظر‬
‫أيضا ‪ .)Lindquist, 2009:8-9‬أي أنه ال يكلف نفسه عناء البحث اإلمربيقي؛ بل‬
‫جيلس عىل كرسيه الوثري يف برجه العاجي متأمال ومطلقا األحكام اللغوية‪ .‬فقد نقل عنه‬
‫ماكنري وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:15‬تصويره الظريف يف معرض‬
‫جدله عن منهج التأمل بالنسبة للغوي؛ إذ يقول يف (‪« :)Fillmore,1992:35‬بأنه‬
‫[اللغوي] جيلس عىل كريس ناعم (وثري) يفكر بعمق وعيناه مغمضتان ويداه مطوقتان‬
‫خلف رأسه ثم فجأة يفتح عينيه وجيلس صارخا (واو ما هذه احلقيقة املنضبطة ‪neat‬‬
‫‪ !)fact‬ثم يمسك قلمه ويكتب شيئا ما‪ ...‬وليس بفعله أقرب إىل معرفة ماهية اللغة من‬
‫غريه»‪ .‬ففيلمور يرى أن تأمله ال جيعله أقرب إىل احلقيقة اللغوية من غريه ممن يسلك‬
‫طريقا آخر‪.‬‬
‫عىل كل ففيلمور (‪ )Fillmore, 1992:35‬وصف اللغوي الوثري الذي ين ّظر من‬
‫كرسيه الوثري ويعتقد أن تنظرياته حقائق حول اللغة‪ ،‬ثم أعقبه باللغوي املتني الذي‬
‫يستخلص ما يراه حقائقه الثانوية (معطيات املتن) من حقائقه األولوية (املتن بصورة‬
‫مبدئية)‪ .‬ثم عقب بخالصتني مهمتني نابعتني من ملحوظاته يف عمله عىل املتون‪ ،‬وهاتان‬
‫اخلالصتان يف رأيي متثالن رأيا منصفا غري متحيز ال إىل املتون وال إىل ضدها‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أنه ال يوجد متن مهام كرب غطى كل ما يريده حول املعجم والنحو اإلنجليزي‪.‬‬
‫ونتفق معه يف هذا األمر أيضا فيام يتعلق باللغة العربية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أنه مهام صغر املتن الذي عمل من خالله فقد تعلم أشياء جديدة مل يكن‬
‫يعرفها من خالل أي قناة أخرى غري هذه املتن الصغري (ال التأمل وال غريه)‪ .‬وهذا أيضا‬
‫واضح لدى من جيرب االستكشاف ملفهرسات املتون والسياقات؛ إذ يتبدى له أشياء‬
‫إضافية عىل ما لديه حول اللغة (وهذا من خالل جتربتي يف املتون)‬
‫ولذلك خلص إىل القول بحاجة اللغوي الوثري إىل املتني وحاجة املتني إىل اللغوي‬
‫الوثري ليعمال جنبا إىل جنب‪.‬‬
‫يف مقابل ذلك نرى تشومسكي حيتفي بالتأمل ويف الوقت نفسه يقلل من قيمة‬
‫منهجية لسانيات املتون؛ إذ يقول يف مقابلته مع أندور (‪:)Andor, 2004:97‬‬

‫‪-144-‬‬
‫«لسانيات املتون ال تعني شيئا‪ .‬فهي شبيهة بام لو قلنا إن الفيزيائيني والكيميائيني بدل‬
‫اعتامدهم عىل التجارب سيقومون بتسجيل مقاطع فيديو هائلة ملا حيدث يف الكون‬
‫أمال يف أهنم سيحصلون عىل تعميامت أو أفكار من هذا الركام اهلائل من الفيديوهات‪.‬‬
‫لكن كام تعلم العلوم ال تقوم هبذا الشكل‪ .‬وربام هم عىل خطأ‪ .‬ربام عىل العلوم مجع‬
‫الكثري من البيانات (املعطيات) ليطوروا نتائج منها‪ .‬إذا أراد شخص القيام بذلك فال‬
‫بأس لكن لن حيصل عىل دعم من أقسام الفيزياء والكيمياء واألحياء‪ .‬ونحن يف دولة‬
‫حرة اعمل ذلك وسوف نحكم عليك بناء عىل النتائج التي خترج‪».‬‬
‫يرجح العمليات العقلية‬‫فريى تشومسكي بشكل واضح أن التحليل اللغوي ِّ‬
‫الباطنية (التأمل) مصدرا وحيدا للمعطيات اللغوية عىل حساب املعطيات املالح َظة‬
‫(انظر يف نقاش هذه الفكرة ‪ .)McEnery & Hardie, 2012:25‬عىل ٍ‬
‫كل فهو يقر بأن‬
‫سبب تبني التأمل هو أنه يتابع يف ذلك املنهج املتبع يف عرصه يف علوم الفيزياء والعلوم‬
‫احليوية والطبيعية ويف قسمه العلمي‪.‬‬
‫عىل أية حال يرى ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:25-6‬أن‬
‫تأثري تشومسكي يعتمد عىل الدرجة أكثر من كونه يلغي كليا منهج لسانيات املتون؛‬
‫إذ حتى اللغويون الذين يعملون حتت مظلة مذهب تشومسكي بشكل عام سيقومون‬
‫يف وقت ما بجمع عينة صغرية من متن لغوي‪ ،‬وقد ظلت املجالت العملية تقوم عىل‬
‫املتون‪ ،‬وإن كان اعتامد اللغويني األكرب عىل العمليات العقلية الباطنية للعقل (التأمل)‪.‬‬
‫ويف رأيي أن مما ساهم يف انتعاش وازدهار لسانيات املتون أنه وجد فريق من الباحثني‬
‫يستخدمون منهجية املتون يف البحث اللغوي (السياق اللغوي‪ :‬املتصاحبات واخلطاب)‬
‫وليسوا تابعني لتشومسكي يف تقليله من شأن لسانيات املتون وفائدهتا العلمية يف البحث‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫وهناك موقف وسط أسهب فيه لينقويست (‪ )Lindquist, 2009:10‬وهو أنه جيب‬
‫أن ننبه عىل عدد من املحاذير‪ ،‬منها‪ :‬أنه نظرا لكون اجلمل املنتجة الهنائية فلن تكون‬
‫املتون شاملة لكل ما يمكن إنتاجه من املتكلم ألي لغة (قارن بكالم فيلمور السابق)‪.‬‬
‫وأن بعض النتائج فعال تافهة (وهذا موقف فيه تأييد لتشومسكي) وغري ذات أمهية‪.‬‬
‫وأن سليقة املتحدث الرسمي لن يستغنى عنها لتحديد النحوي من غريه (وهذا أيضا‬
‫تأييد للتوليديني‪ ،‬وقارنه بكالم فيلمور)‪ .‬وأنك سوف حتتاج نظرية لغوية لتبحث عن‬

‫‪-145-‬‬
‫يشء معني يف املتن أو ترشح ما جتده فيه‪ ،‬أي لست خايل الذهن (قارن املقاربة املعتمدة‬
‫املوجهة باملتون)‪ .‬وأنه يف هذه األيام صارت لسانيات املتون أعقد‬
‫عىل املتون‪ ،‬واملقاربة ّ‬
‫من الناحية النظرية‪ ،‬وقد تنبه لسانيوها إلجيابياهتا وللتحفظات عليها‪ ...‬كام أن املتون‬
‫يستخدمها كثري من اللغويني واللسانيني الذين ال يصنفون أنفسهم عىل أهنم لسانيو املتون‪،‬‬
‫فاملتون ومنهجية وأدوات املتون تستخدم مع أدوات أخرى لدى الباحثني يف اللسانيات‬
‫اإلدراكي ة ‪ ،cognitive linguistics‬والباحثني يف اللسانيات الوظيفية �‪functional lin‬‬
‫‪ ،guistics‬والباحثني يف اللسانيات التارخيية ‪ ،historical linguistics‬والباحثني يف علم‬
‫الداللة ‪ ،semantics‬وغريها من العلوم اللغوية األخرى‪ .‬فربام نعترب لينقويست وفيلمور‬
‫متقاربني يف الرأي يف عدم رفضهام املطلق للسانيات املتون وكذلك عدم القبول املطلق هبا‪.‬‬
‫فال بد من التكامل بني األدوات واملنهجيات حتى تكون صورة التحليل أشمل وأكمل‪.‬‬
‫ونؤكد عىل ما ذهب إليه ماكنري وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:15‬من‬
‫أنه جيب أال نستبعد التأمل كليا‪ ،‬ألننا بذلك لن نستطيع معرفة اجلمل املخالفة للقواعد‬
‫(غري الواردة يف املتن) وال فك الغموض‪ .‬بل عىل لسانيات املتون أن تعتمد عىل التأمل‬
‫مع املعطيات الطبيعية‪ ،‬وال تغفل التأمل كليا‪ ،‬وال السليقة واحلدس‪ ،‬فالسليقة والتأمل‬
‫(وما يعتمد عليه من سليقة وحدس) يف مقابل التجريب والشواهد مكمالن لبعضهام‬
‫ال خصامن متضادان‪ ،‬وجيب أن ينظر إليهام عىل أهنام يتكامالن ال طريف نقيض (ماكنري‬
‫وولسون ‪ .)McEnery & Wilson 2005:19,24,25‬بل ذهب فيلمور أبعد من ذلك‬
‫فقرر (‪ )Fillmore 1992:35‬أن لسانيي املتون ولسانيي غري املتون حيتاجون إىل بعضهم‬
‫البعض‪ .‬كام رد ماكنري وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:14,15‬عىل معارضة‬
‫تشومسكي للتكرار؛ إذ يرى أن مجع املعطيات الكمية عديم الفائدة بأنه لو افرتضنا أن‬
‫لساين املتن عبد للمعطيات املتاحة فكذلك غري املتني سيكون تابعا لنزوة خياله وتأمالته‬
‫النظرية [العاجية] وعبدا هلا كذلك‪.‬‬
‫وبالتأكيد عىل فكرة التكامل ما بني منهجية التأمل ومنهجية لسانيات املتون يتميز‬
‫البحث اللغوي الذي يقوم عليهام عن البحث احلاسويب الرصف يف هذا امليدان‪،‬‬
‫وينبهنا إىل خطورة احلاسويب الرصف لوحده؛ فال بد من أن يكون للتأمل دوره املهم‬
‫يف لسانيات املتون‪ ،‬ال أن نكون مبهورين بام أنتجته لنا التقنية فنهمل الدور التقليدي‬
‫للغوي وحدسه؛ بل وذاتيته‪.‬‬

‫‪-146-‬‬
‫وقد ذكر لينقويست (‪ )Lindquist, 2009:10‬أنه حتى الباحثون ذوو اخللفية‬
‫النهجية التوليدية بدؤوا يعون أمهية املتون عىل األقل الختبار الفرضيات‪ ،‬أي استخدام‬
‫املنهج املعتمد عىل املتون‪ .‬كام نقل (‪ )Lindquist, 2009:10‬عن واسو (‪Wasow,‬‬
‫‪ )2002:163‬أنه مع توفر البيانات اللغوية املستخدمة طبيعيا وتوفر وإتاحية األدوات‬
‫البحثية ذات التعقيد العايل فال يوجد عذر مقبول ملن ال خيترب النتاج النظري باملتون‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار ال بد لنا من اإلشارة إىل املناهج املتعددة التي تفرعت منها لسانيات‬
‫املتون والتي كانت نتيجة مبارشة لالنتقادات املوجهة إليها (وهو جزء من القسم‬
‫الثالث يف االنتقادات املوجهة إىل لسانيات املتون) خاصة قضية التأمل بوصفه أداة‬
‫بحث كربى يعتمد عليها اللساين يف حتليله اللغوي‪ ،‬هذه االنتقادات أسهمت كام يذكر‬
‫ماكنري وولسون (‪ )McEnery & Wilson 2005:25‬يف التنبيه عىل رضورة إعادة‬
‫النظر يف منهجية البحث املعتمد عىل املتون (‪ )corpus-based‬بوصفها منهجية بحث‬
‫يف اللسانيات واحلقل اللغوي بعامة مع عدم التقليل من أمهية الدراسات الكمية اللغوية‬
‫(املتون)‪ .‬وهذا موضوع الفقرات التالية‪.‬‬

‫إعادة النظر يف منهجيات لسانيات املتون‬


‫نؤكد بداية أن موقف تشومسكي السلبي من معطيات املتون يتأسس عىل مبدأ مهم‬
‫لديه وهو أن هذه املعطيات ال يمكن استخدامها مصدرا للمعرفة (‪ )knowledge‬حول‬
‫طبيعة اللغة (‪ .)McEnery & Hardie, 2012:147‬هذا التأصيل اإلبستمولوجي قاد‬
‫الباحثني إىل التفريق بني عدة منهجيات يف لسانيات املتون وحماولة مواءمتها مع املنهج‬
‫العلمي السائد‪ ،‬وهلذا يمكن أن نقول إن املنهجيات تفرعت إىل ثالث منهجيات رئيسة‪،‬‬
‫هي‪:‬‬
‫املوجهة باملتون (‪)Corpus-driven approach‬‬
‫املقاربة َّ‬
‫املقاربة القائمة‪/‬املعتمدة عىل املتون (‪)Corpus-based approach‬‬
‫املقاربة املستأنسة‪/‬املستعينة‪/‬املدعومة باملتون (‪)Corpus-informed approach‬‬
‫سنحاول يف الفقرات التالية توضيح الفروق بني كل مقاربة من هذه املقاربات‬
‫الثالث‪ .‬وسيستخدم مصطلح منهجية مع مصطلح مقاربة لنفس الظاهرة تبادليا‪.‬‬

‫‪-147-‬‬
‫بادئ ذي بدء‪ ،‬ال بد من اإلشارة إىل أن استخدام هذه املصطلحات خيتلف من باحث‬
‫إىل آخر‪ ،‬كام أن الفروق بينها ليست حدية واضحة املعامل خصوصا عند التطبيق‪ .‬نقول‬
‫هذا عىل الرغم من املحاوالت اجلادة التي قام هبا الباحثون للتفريق بني هذه املنهجيات‬
‫واملقاربات‪ .‬وسنحاول يف الفقرات الالحقة أن نسلط الضوء عىل النقاش املستفيض بني‬
‫الباحثني يف رسم معامل وحدود التفريق بني هذه املنهجيات‪.‬‬
‫كل فأتفق مع توقنيني (‪ ،Tognini-Bonelli, 2001‬مذكور يف ‪Lindquist,‬‬ ‫ومع ٍ‬
‫‪ )2009:10‬يف أن هذه املناهج متثل متصال طيفيا ما بني متقابلني‪ ،‬يقع بينهام تطبيقات‬
‫املتون لكثري من الباحثني اللغويني عىل اختالف يف درجة القرب بني احلدين كام هو‬
‫موضح يف الشكل التايل‪:‬‬
‫املنهج املوجه باملتون <‪ >----------------‬املنهج املعتمد عىل املتون‬
‫باإلضافة إىل ذلك فقد جادل ماكنري وزمالؤه (‪ )McEnery et al., 2006:8‬يف أن‬
‫التفريق إىل حد ما «مبالغ فيه» وأن هذه املواقف التي تنظر إىل هذه املناهج بحدية صارمة‬
‫ينبغي النظر إليها عىل أهنا «متشددة»‪ .‬ويف رأيي أهنا نظرية ال تعكس الواقع التطبيقي متاما‪.‬‬
‫املوجه باملتون (‪ )corpus-driven linguistics‬أو ما يسمى املذاهب‬ ‫ّ‬ ‫فاملنهج‬
‫املوجهة باملتون يكون البحث فيها ُمقادا بام جيده الباحث يف املتن من معطيات‪ ،‬وهو‬
‫كام ذكرت توقنيني (‪ ، Tognini-Bonelli, 2000‬وانظر أيضا املجيول ‪240 :1436‬؛‬
‫وكذلك بول بيكر ‪ )180 :1435‬يقوم عىل النظر إىل املدونة (املتن) ومالحظة املسائل‬
‫اللغوية أو الرصفية أو الرتكيبة أو الداللية أو السياقية‪ ،‬والتوجه من املتن إىل صياغة‬
‫فرضيات البحث وأسئلته‪ .‬فاملتن يف هذا املنهج كام يشري االسم توجه وتقود الفرضية‬
‫اللغوية‪ .‬والباحث يستخدم «املتن ويف ذهنه بعض األفكار والفرضيات ليصل إىل‬
‫التحليل اعتامدا عىل املتن» (‪ ،Tognini-Bonelli, 2001‬مذكور يف ‪Lindquist,‬‬
‫‪ .)2009:10‬إذن فاملذاهب «املوجهة باملتون متيل إىل استخدام متن بطريقة استقرائية‬
‫ألجل بناء فرضيات حول اللغة‪ ،‬وليس باإلشارة [أو اإلحالة] إىل إطارات لغوية‬
‫موجودة» (بول بيكر ‪ ،180 :1435‬ما بني املعقوفني زيادة من الباحث)‪ .‬وقيل عن بعض‬
‫اللسانيني ذوي «اللسانيات املوجهة باملتون قيل عنهم إهنم ملتزمون بـ «سالمة البيانات‬
‫كال متكامال» (‪( »)Togning-Bonelli, 2001:84‬بول بيكر ‪ .)180 :1435‬فالبيانات‬
‫برمتها أساس يف حسبان اللسانيني املنتهجني هلذا املنهج‪ .‬فالبيانات كلها معتربة لدى‬

‫‪-148-‬‬
‫اللغوي يف صياغته لفرضيته‪ .‬وهي شبيهة إىل حد ما بتطبيقات وإجراءات النظرية‬
‫املجذرة (‪ )Grounded Theory‬أو تصميامت البحوث املرنة (‪)Flexible design‬‬
‫(انظر يف هذه النظرية والتصميامت ‪ .)Robson, 1993‬وهو ما حتدث عنه القاسمي‬
‫اللغوي‪ ،‬وال إيامن ًا‬
‫ّ‬ ‫تصور ًا مسبق ًا للوصف‬
‫(‪ )313 :2014‬قائال‪« :‬فالباحث هنا ال يملك ّ‬
‫الفعيل كام تقدّ مه‬
‫ّ‬ ‫بنظر ّية مع ّينة‪ .‬وإنّام يستخلص نتائجه من مالحظته عىل االستعامل‬
‫املدونة»‪ .‬فاملتن نفسه مو ِّلد للفرضية (‪.)hypothesis generating‬‬
‫َّ‬
‫يف الضفة املقابلة من هذا الطيف يقع ما يسمى املنهج أو املذاهب املعتمدة عىل املتون‬
‫(‪ )Corpus-based‬الذي يتوجه البحث فيه إىل املتن مع افرتاضات وفرضيات وأسئلة‬
‫حياول أن جييب عنها وحيللها ويفرسها بام جيده يف املتن (‪، Tognini-Bonelli, 2000‬‬
‫وانظر أيضا املجيول ‪ ،240 :1436‬وكذلك بول بيكر ‪.)180 :1435‬‬
‫فاملتن يمثل نقطة اعتامد وليس نقطة توجيه وقيادة‪ ،‬وهو مرتكز لالختبار والتفسري‬
‫للفرضية أو القاعدة النحوية وليس مو ّلدا هلا وال موجها (انظر أيض ا �‪Tognini-Bonel‬‬
‫‪ ،li, 2001‬مذكور يف ‪ .)Lindquist, 2009:10‬وكام ذكر بيكر «متيل اللسانيات القائمة‬
‫عىل املتون إىل استخدام املتون ألجل اختبار أو صقل‪-‬هتذيب‪ -‬فرضيات موجودة‬
‫مأخوذة من مصادر أخرى» (بول بيكر ‪.)180 :1435‬‬
‫وبسبب أن املتن ومعطياته ليست مركزية يف التحليل اللغوي فقد ذكر بيكر (بول‬
‫بيكر ‪ )180 :1435‬أن بعضا من «اللسانيني من ذوي التوجه القائم عىل املتون ُاتموا‬
‫بتجاهل األدلة غري املالئمة التي ال تناسب نظرية ما قبل املتون»‪ ،‬أي أهنم يقدمون النظرية‬
‫والفرضية اللغوية عىل ما جاء به املتن‪ ،‬ويعدون املتن ذا درجة متأخرة أو ثانوية تستخدم‬
‫دعام للفرضية‪ .‬ويف ظني أهنا شبيهة إىل حد ما بتطبيقات تصميامت البحوث الثابتة (‪Fixed‬‬
‫‪( )design‬انظر يف هذه التصميامت ‪ )Robson, 1993‬وكذلك تشبه منهج البرصيني يف‬
‫تقعيدهم للغة العربية إذ خيّرجون ما ند عن القواعد التي ارتضوها‪ .‬والباحث هنا «يبحث‬
‫اللغوي أو لتأثيث نظر ّية قائمة باألمثلة»‬
‫ّ‬ ‫املدونة للعثور عىل األد ّلة التي تدعم وصفه‬
‫يف َّ‬
‫(القاسمي‪ .)313 :2014 ،‬ويمكن أن تعد ممتحنة للفرضية (‪.)hypothesis testing‬‬
‫ويف هذا اجلدل من املهم التفصيل قليال يف النقاش الذي أورده ماكنري وهاردي‬
‫(‪ )McEnery & Hardie, 2012‬يف معرض حديثهام عن هذه املذاهب أو املناهج‪،‬‬
‫فقد ذكرا أن اللسانيات املوجهة باملتون ‪-‬مع األخذ بعني االعتبار اختالف التحديد من‬
‫باحث إىل آخر‪ -‬قد تشري إىل نوعني من التعريف‪:‬‬

‫‪-149-‬‬
‫‪1.1‬مقاربة الفريثيني اجلدد يف اللسانيات « ‪neo-Firthian approach to corpus‬‬
‫‪.)241(« linguistics‬‬
‫‪2.2‬املنهج املستخدم يف املتون والذي يبدأ من األسفل صعودا إىل األعىل أو‬
‫التصاعدي (‪ )entirely bottom-up‬وليس من األعىل نزوال إىل األسفل أو‬
‫التنازيل (‪ .)top down‬واملقصود يف األعىل هنا هو التجريد والنظرية؛ بينام‬
‫األسفل هو االنطالق من الشاهد أو املثال يف املتن أرضية للتقعيد‪.‬‬
‫كام ذكرا أنه يف مقابل ذلك فاللسانيات املعتمدة عىل املتون كذلك قد ختتلف يف‬
‫تعريفها وحتديدها من باحث إىل آخر وقد تشري كذلك إىل نوعني من التعريف‪:‬‬
‫‪1.1‬أي مذهب أو منهج يستخدم معطيات املتون (‪McEnery & Hardie,‬‬
‫‪ .)2012:241‬فهو هنا يطلق عىل لسانيات املتون بغض النظر عن الفروقات‬
‫بينها‪ .‬وأعتقد أن هذا يستخدم بشكل أكرب من خارج لسانيي املتون‪ .‬فغالبية‬
‫بغض النظر عن املنهجية التي تستخدمها‪.‬‬ ‫بحوث املتون تطلق هذه التسمية ّ‬
‫‪2.2‬املذهب الذي يستخدم مناهج املتون لكن ال تنطبق عليه مبادئ املذهب اآلخر‬
‫(املوجه باملتون) وال يشرتك معه يف مبادئه‪ .‬فهو هنا يعني أي مذهب يعتمد عىل‬
‫املتون ال يمكن عده من النوع السابق‪.‬‬
‫كام أضافا (‪ )McEnery & Hardie, 2012:242‬نوعا ثالثا رئيسيا أطلقا عليه‬
‫اللسانيات املستأنسة أو املدعومة باملتون (‪ )corpus-informed linguistics‬وهي‬
‫التي تستخدم املتون أداة بحث هلا لكن ال هتدف وال تطمح إىل حتقيق مبدأ اإلحاطة‬
‫الشاملة (‪ .)total accountability‬ويمكن لنا أن نستنتج أهنام يقصدان استخدام منهج‬
‫االستدالل باملعطيات يف املتون بصورة عارضة وليس أصيلة‪ .‬وهذا منهج معدود بني‬
‫املنهجني الرئيسيني السابقني‪.‬‬
‫ومن املهم اإلشارة إىل أن استخدام مصطلح (املقاربة املعتمدة عىل املتون) أشمل‬
‫(املوجهة باملتون) وقد يعني اجلميع‪ ،‬خاصة ملن هم خارج ميدان لسانيات‬ ‫ّ‬ ‫من مقابلها‬
‫املتون؛ بينام إذا استخدم املصطلحان جمتمعني ومتقابلني فهناك فروقات دقيقة بينهام لكن‬
‫جيب أن نؤكد عىل ما يراه ماكنري وهاردي من أن املبالغة ال تصمد بقوة أمام التطبيق‬
‫الفعيل‪ ،‬وأنه جيب أال نبالغ يف تضخيم هذه التفريقات؛ بل ننظر عىل أهنا طيف متواصل‬
‫بني مصطلحني‪.‬‬

‫‪-150-‬‬
‫ونحن يف خضم هذه التفريعات من املهم اإلشارة إىل النقاش املطول والثري يف‬
‫ماكنري وهاردي (‪ )McEnery & Hardie, 2012:147-51‬يف الفصل الذي عقداه‬
‫حول هذه املصطلحات‪ ،‬ألهنام ينظران إىل املنهجية من زاوية أخرى تتكامل مع ما نوقش‬
‫سابقا‪ ،‬ويرشح هذا الفصل موقفهام الذي ينظر من زاوية أخرى غري ما سبق باإلضافة‬
‫إىل عدم رفضه ما سبق‪.‬‬
‫فقد حتدثا عن املتن بوصفه نظرية (‪ )corpus-as-theory‬يف مقابل املتن بوصفه‬
‫فوضحا أن املعطيات قد ترشح‬ ‫منهج بحث أو أداة دراسة (‪ّ .)corpus-as-method‬‬
‫أو تدعم أو تدحض أو تسهم يف بناء أو دحض النظرية اللغوية‪ ،‬وبقدر اعتداد اللغوي‬
‫بأحدمها (البيانات مقابل النظرية) يمكن أن نفرق بني املصطلحات الواردة‪ .‬وإن كان‬
‫يف رأيي تفريقا ليس دقيقا مئة باملئة‪.‬‬
‫والفكرة التي يؤكدان عليها هي‪ :‬هل استخدم املتن بوصفه املصدر الوحيد للنظرية‬
‫اللغوية أم ال‪ .‬وهذه مضادة لفكرة تشومسكي الذي يرى التأمل مصدرا للنظرية؛ بينام‬
‫الفرثيون اجلدد ‪ neo-Firthian approach‬يرون أنه ال مصدر للتقعيد اللغوي غري‬
‫املتن‪ .‬فمصدر تشومسكي التأمل؛ بينام مصدر الفريثيني هو املتون‪ .‬فاملنهج األول يرى‬
‫أن املتن نظرية ‪ corpus-as-theory‬ويف الوقت نفسه الظاهرة اللغوية نفسها‪ ،‬وهي‬
‫التي ترفض أي فرضية تستخرج مبارشة من املتن‪ .‬وهي يف مقاب ل �‪corpus-as-meth‬‬
‫‪ .od‬التي ترى أن املتون مصدر من ضمن املصادر املتاحة (ص‪.)148‬‬
‫وقد ذكرا (ص‪ )150‬أن التفريق بني املنهج املعتمد عىل املتون ‪ corpus-based‬يف‬
‫مقابل املنهج املوجه باملتون ‪ corpus-driven‬نُقل عن توقنيني (‪Tognini-Bonelli,‬‬
‫‪ )2001:65-6‬حني ذكرت أن «مصطلح املنهج املعتمد عىل املتون يستخدم لإلشارة‬
‫إىل املنهجية التي تستخدم املتن لتفسري واختبار ورشح النظريات والتوصيفات التي‬
‫ُطرحت قبل أن يكون املتن متاحا‪ ... ،‬فاملتن ُيغر َبل‪ »...‬و ُيص ّفى بحثا عام هو موجود‬
‫نظريا قبل وجود املتن؛ يف املقابل «ينظر إىل املتن ليس عىل أنه جمرد خمزن أو مستودع‬
‫للشواهد التي تدعم النظريات املوجودة قبال بل األطروحات النظريات تتزامن مع‬
‫املثال من املتن [الرتمجة هنا باملعنى للتوضيح بام يناسب السياق العريب]‪ ،‬فال توجد‬
‫النظرية مستقلة عن املثال بل املالحظة تؤدي إىل الفرضية التي تؤدي إىل التعميم الذي‬
‫يؤدي إىل التضام مع األطروحة النظرية»‪ .‬وقد ع ّقبا بأن هذا التفريق ال يصمد حني‬

‫‪-151-‬‬
‫التطبيق العميل‪ ،‬فالعملية تدويرية أكثر من كوهنا هذا قبل هذا أو هذا ينتج ذاك أي ذات‬
‫اجتاه واحد‪ .‬فمن الواضح أن املنهج املعتمد عىل املتون لدى توقنيني يفهم عىل أنه ما‬
‫أشارا إليه بـ ‪ .corpus-as-method‬وأن املنهج املوجه باملتون ينظر إليه عىل أنه منهج‬
‫الفريثيني و‪ .corpus-is-theory‬عىل أية حال فمصطلح املنهج املوجه باملتون استخدم‬
‫ليشري إىل أي بحث تصاعدي استنتاجي (‪ )inductive bottom-up‬باستخدام بيانات‬
‫متن خام سواء التزم أم مل يلتزم بموقف النظرية الفرثية ‪.neo-Firthian approach‬‬
‫وقد ذكرا (ص‪ )151‬أن هناك باحثني يستخدمون املصطلحني دون تفريق‪ ،‬فال‬
‫يلتزمون بالفرق بينهام بل يستخدمون مصطلح املنهج املعتمد عىل املتون ليشمل‬
‫االجتاهني كليهام‪ .‬فهناك عدم وضوح يف التطبيق للتفريق بني االجتاهني ألسباب كثرية‬
‫منها‪ :‬أن التفريق بني االثنني يعتمد عىل درجة األولوية الستخدام بيانات املتن‪ .‬كام أن‬
‫املنهج املوجه باملتون ال يعتمد كليا عىل البيانات فقط‪ ،‬ولذلك يمكن القول إن التفريق‬
‫بني التسميات املتعددة للمصطلحات ملتزم به لكن العربة بتغليب التنظري يف مقابل‬
‫هيذب نظريته‬‫تغليب املنهجية اللغوية التي تستخدم املتون‪ .‬وال أعتقد أن باحثا لن ِّ‬
‫أو قاعدته بناء عىل تقوية الشواهد عنده وكذلك العكس حني يرفض الشواهد لقوة‬
‫القاعدة عنده‪.‬‬
‫من زاوية أخرى عالج تيوبريت وسريماكوفا (‪)Teubert, and Cermakova, 2007‬‬
‫املوضوع من زاوية معجمية إىل حد ما؛ إذ أكدا عىل تفريق توقنيني( (�‪Tognini-Bonel‬‬
‫‪ )li, 2001‬بني املنهجني أو املقاربتني (‪corpus-based and the corpus-driven‬‬
‫‪ )approaches‬وذلك بأن توصف نتائج الدراسات اللغوية (ويشمل ذلك حمتوى‬
‫املعاجم) بأهنا منهج معتمد عىل املتون إذا كان كل ما يطرح يو ّثق و ُيفحص بالدليل من‬
‫املتن؛ يف مقابل ذلك توصف النتائج اللغوية بأهنا موجهة باملتون إذا تم استخراجها من‬
‫املتن بداية ثم ُبني عليها فرضية أو حكم لغوي أو تم إعامل العقل املثقف فيها لينتج عنه‬
‫نتيجة لغوية (‪( )results‬ص‪.)57‬‬
‫كام ذكرا (‪ )Teubert, and Cermakova, 2007:58‬أن املذهب املعتمد عىل املتون‬
‫يتعامل مع اإلطار النظري اخلاص باللسانيات املعيارية (‪)standard linguistics‬؛ فهذا‬
‫املذهب يعد مكمال للسانيات املعيارية لكن ال يضيف عليها ما مل تره يف التقعيد‪ .‬فهو‬
‫(املذهب املعتمد عىل املتون) يدعم اللسانيات املعيارية وليس مثل املوجه باملتون الذي‬

‫‪-152-‬‬
‫يزيد ويضيف عليها (أي اللسانيات املعيارية) قواعد بناء عىل الشواهد يف املتن‪.‬‬
‫وقد خلصا (‪ )Teubert, and Cermakova, 2007:137‬إىل أنه سواء نظرنا إىل‬
‫لسانيات املتون بوصفها نظرية (مشتقة من النظرية ‪ )theory :‬أو إطارا مفاهيميا (�‪con‬‬
‫‪ )ceptual framework‬فهي تقدم تصورا حول اللغة خيتلف عن التصور املعهود‬
‫للسانيات اإلدراكية (‪ )cognitive linguistics‬التي تعتمد بصورة كبرية عىل التأمل‬
‫أكثر من االعتامد عىل البيانات الطبيعية (نقاله عن ‪ .)Teubert 2005:2‬فلسانيات املتون‬
‫تقوم عىل خالف ما تقوم عليه اللسانيات التي تعتمد عىل التأمل (‪)introspection‬‬
‫وعىل احلدس (‪ )intuition‬مع وجود املنهجني املشهورين‪ :‬املعتمد عىل املتون واملوجه‬
‫هبا‪ ،‬ويعد املنهج املعتمد عىل املتون أكثر املنهجني خمالفة للسانيات القائمة عىل غري‬
‫عرفت توقنيني (‪ )Tognini-Bonelli, 2001:87‬املنهج‬ ‫املعطيات الطبيعية للغة‪ .‬وقد ّ‬
‫املوجه باملتون بأنه هيدف إىل استخالص التصنيفات اللغوية بشكل منظم من تكرار‬
‫األنامط والتوزيعات الشائعة التي تنشأ من اللغة يف سياقها الطبيعي‪ .‬فلسانيات املتون‬
‫تنظر إىل اللغة عىل أهنا ظاهرة اجتامعية وتركز عىل املعنى‪ .‬كام ذكر كروفورد كسومي‬
‫(‪ )Crawford and Csomay, 2015:9-11‬أن توقنيني ‪))Tognini-Bonelli, 2001‬‬
‫فرقت بينهام عىل اعتبار أن املذهب املعتمد عىل املتون يسرتشد بنتائج وقضايا لغوية‬
‫سابقة وحمددة‪ ،‬فاللساين يستخدم املتن ويف ذهنه أشياء أو أفكار أو قضايا حمددة مسبقا‪.‬‬
‫يف مقابل ذلك املنهج املوجه باملتون الذي يستخدمه اللساين وليس يف ذهنه قضايا‬
‫حمددة؛ بل يستكشف القضايا من املتن الذي يدرسه مثل قضايا شيوع األنامط املعجمية‬
‫أو األنامط النحوية يف متن ما‪ .‬ويمكن تشبيه ذلك بالنظرية العلمية املجذرة التي تنطلق‬
‫من امليدان بلوغا إىل التجريد أو ما تسمى البحوث املرنة (انظر ‪.)Robson, 1993‬‬
‫فالباحث إما أن خيوض غامر املتن وهو حمدد عام يبحث أو أن خيوضه مفتوح االحتامالت‬
‫عىل القضايا حمل الدراسة‪ .‬بالطبع قد خيوض البحث ويف ذهنه بعض األفكار التي يقبل‬
‫تعديلها وتغيريها؛ فال يتصور خلو الذهن متاما يف رأيي‪.‬‬

‫‪-153-‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫الفصل اجلدل الدائر حول لسانيات املتون (املدونات) اللغوية‪ ،‬ما‬ ‫ُ‬ ‫عرض هذا‬
‫بني مؤيد هلا‪ ،‬ومنتقص منها‪ .‬كام عرض بيشء من التفصيل اإلشكاالت التي أوردها‬
‫رافضوها‪ ،‬وهي إشكاالت ال ختص لسانيات املتون وحدها؛ بل تطال كل ميدان‬
‫يستخدم املعطيات اللغوية ويعول عليها يف البحث اللغوي‪ .‬كام ناقش بيشء من اإلجياز‬
‫عالقة ذلك بالتقعيد النحوي العريب‪ .‬وختم بمنهجيات لسانيات املتون املتعددة التي‬
‫نشأت من جراء اجلدل العلمي العميق‪ .‬وخيلص البحث إىل تأييد فكرة أن لسانيات‬
‫املتون منهج معترب ال يستغني عن اللغوي وال يستغني عنه اللغوي ال جزئيا وال كليا‪،‬‬
‫ومن ال يرى عمقه املنهجي يقبله عىل عالته وحدوده التي يعرتف هبا مؤيدوها‪ .‬ونتفق‬
‫مع نيلسون (‪ ) Nelson, 2000 in McEnery et al. , 2006:131‬يف أن املوقف العدائي‬
‫الذي يتبناه تشومسكي قد فقد مصداقيته يف السنوات األخرية حتى غدت أمهية املتون‬
‫ليست مثار سؤال بداية‪ .‬كام أشار ماكنري وزمالؤه (‪)McEnery et al. , 2006:144‬‬
‫إىل عدة نقاط مهمة‪ ،‬منها‪ :‬أن املناهج املبنية عىل احلدس ليست معادية للمناهج املبنية‬
‫عىل املتون بل ينبغي النظر إليهام عىل أهنام مكمالن لبعضهام‪ ،‬كام أن اإلفادة عىل املتون‬
‫تعتمد بشكل كبري عىل ما يطرحه الباحثون من أسئلة بحثية وما يستخدمونه من أدوات‬
‫ومناهج لإلجابة عن األسئلة التي يطرحوهنا‪ ،‬كام جيب أن نعلم أن املتون ليست‬
‫بالرضورة قادرة عىل اإلجابة عن كل ما نراه يف املتن‪ ،‬وهذه املحدودية يف القدرات ال‬
‫ينبغي أن تكون سببا لطرحها جانبا‪ ،‬وأخريا تبقى املتون أداة ومنهجية ذات قيمة كربى‬
‫يف التحليل اللغوي ويف تعليم اللغة وتدريسها أيضا‪.‬‬

‫وسأختم بقضيتني أصادفهام يف أي فعالية علمية عربية حول املتون‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬حيتج زمالئي الرتاثيون برأي تشومسكي يف إسقاط لسانيات املتون‪ .‬وهذا‬
‫يف رأيي يسقط االحتجاج بالتقعيد العريب؛ فتشومسكي غري مهتم بالتوصيف أو التقعيد‬
‫النحوي اللغوي ألي لغة؛ ولذلك ال يرى البيانات (الشواهد واملتون) حمال لتحليل‬
‫اللساين؛ إنام القواعد العقلية التي حتكم عملية االكتساب واإلدراك‪.‬‬
‫األخرى‪ :‬يرى زمالئي املتحمسون للفصحى أن املتون للغة العربية خطر عىل‬
‫الفصحى ألهنا تشمل العاميات وما خيلو من اإلعراب؛ وهلذا يميلون إىل االحتجاج‬

‫‪-154-‬‬
‫برأي تشومسكي حوهلا‪ .‬وإجابتي أن املتون متاحة‪ ،‬فمن أراد االقتصار عىل الفصيح‬
‫فدونه متن القرآن الكريم‪ ،‬واملتون الرتاثية‪ ،‬ومن أراد حتليل اخلطاب السيايس أو‬
‫االجتامعي فلديه املتون املعارصة‪ .‬فاملتن مادة وبيانات يمكن استخدامها أو استخدام‬
‫بعضها دون اآلخر‪ .‬فمن يرى خصوصية للغة العربية فليدرس املتون التي يراها حجة‬
‫دون غريها‪.‬‬

‫‪-155-‬‬
‫املراجع (العربية واملرتمجة ثم اإلنجليزية)‪:‬‬
‫األفغاين‪ ،‬سعيد‪ .1407 .‬يف أصول النحو‪ .‬املكتب اإلسالمي‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫بيكر‪ ،‬بول‪ .1435 .‬مناهج املتون يف اللسانيات‪ .‬يف‪ :‬مناهج البحث يف اللسانيات‪.‬‬
‫حترير‪ :‬ليا ليتوسيليتي‪ .‬ترمجة‪ :‬صالح بن فهد العصيمي‪ .‬جامعة اإلمام حممد بن‬
‫سعود اإلسالمية‪ :‬معهد امللك عبداهلل للرتمجة والتعريب‪219-177 .‬‬
‫الثبيتي‪ ،‬عبداملحسن بن عبيد‪1436 .‬هـ‪ .‬تصميم املدونات اللغوية وبناؤها‪ .‬يف‪:‬‬
‫املدونات اللغوية العربية‪ ،‬بناؤها وطرائق اإلفادة منها‪ .‬حترير صالح بن فهد‬
‫العصيمي‪ .‬مركز امللك عبداهلل الدويل خلدمة اللغة العربية‪.178-147 .‬‬
‫ابن جني‪ ،‬عثامن‪ .1952 .‬اخلصائص‪ .‬حتقيق حممد النجار‪ .‬الطبعة الثانية دار الكتاب‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪ :‬لبنان‪.‬‬
‫حسان‪ ،‬متام‪ .1411 .‬األصول (دراسة إبستمولوجية ألصول الفكر اللغوي العريب)‪.‬‬
‫دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ :‬املغرب‪.‬‬
‫روبنز‪ ،‬ر‪ .‬ه‪ .1997 .‬موجز تاريخ علم اللغة (يف الغرب)‪ .‬ترمجة‪ :‬أمحد عوض‪ .‬عامل‬
‫املعرفة‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين‪ .1413 .‬مهع اهلوامع يف رشح مجع‬
‫اجلوامع‪ .‬حتقيق ورشح‪ :‬عبد السالم هارون وعبدالعال سامل مكرم‪ .‬بريوت‪:‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫السيوطي‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر‪ ،‬جالل الدين‪1427 .‬هـ‪ .‬االقرتاح يف أصول النحو‪.‬‬
‫حتقيق‪ :‬عبد احلكيم عطية وعالء الدين عطية‪ .‬دار البريويت‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫العصيمي‪ ،‬صالح‪ .2013.‬لسانيات املتون وعلوم اللغة‪ .‬جملة كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ظهر املزار‪-‬فاس‪ :‬جامعة سيدي حممد بن عبداهلل‪ ،‬العدد ‪ -19‬السنة‬
‫اخلامسة والثالثون‪.67-37 :‬‬
‫ابن عقيل‪ ،‬عبد اهلل بن عبد الرمحن العقييل اهلمداين املرصي‪ 1400 .‬هـ‪ .‬رشح ابن عقيل‬
‫عىل ألفية ابن مالك‪ .‬حتقيق‪ :‬حممد حميي الدين عبد احلميد‪ .‬دار الرتاث ‪ -‬القاهرة‪،‬‬
‫دار مرص للطباعة‪ ،‬سعيد جودة السحار ورشكاه‪ .‬الطبعة‪ :‬العرشون‪.‬‬

‫‪-156-‬‬
‫ رسالة دكتوراه‬.‫ االستقراء الناقص وأثره يف النحو العريب‬.‫هـ‬1423 .‫ حممد‬،‫العمرييني‬
.‫ جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬.‫ كلية اللغة العربية‬.‫غري مطبوعة‬
‫ االستشهاد واالحتجاج باللغة (رواية اللغة‬.‫ الطبعة الثالثة‬.1988 .‫ حممد‬،‫عيد‬
.‫ القاهرة‬.‫ عامل الكتب‬.)‫واالحتجاج هبا يف ضوء علم اللغة احلديث‬
‫ مكتبة لبنان‬:‫ لبنان‬.‫ صناعة املعجم التارخيي للغة العرب ّية‬.2014 .‫ عيل‬،‫القاسمي‬
.‫نارشون‬
‫ البحث اللغوي يف املدونات العربية احلاسوبية‬.‫هـ‬1436 .‫ سلطان بن نارص‬،‫املجيول‬
‫ بناؤها وطرائق‬،‫ املدونات اللغوية العربية‬:‫ يف‬.‫بني املمكن واملحتمل واملأمول‬
‫ مركز امللك عبداهلل الدويل خلدمة‬.‫ حترير صالح بن فهد العصيمي‬.‫اإلفادة منها‬
.281-235 .‫اللغة العربية‬
Abercrombie, D. 1965. Studies in Phonetics and Linguistics. London,
Oxford University Press.
Andor, J. 2004. The Master and his Performance: An Interview with
Noam Chomsky. Intercultural Pragmatics, 1 (1): 93-112.
Bloom, L. 1970. Language Development: Form and Function in
Emerging Grammars. Cambridge, MA: MIT Press.
Boas, F. 1940. Race, Language and Culture. New York. Macmillan.
Brown, R. 1973. A First Language: The Early Stages. Cambridge, MA:
Harvard University Press.
Chomsky, N. 1962. Paper given at the University of Texas 1958, 3rd
Texas Conference on problems of Linguistics Analysis in English,
Austin: University of Texas.
Chomsky, N. 1964. Formal Discussion. In Bellugi and Brown 1964,
37-9.
Chomsky, N. 1965. Aspects of the Theory of Syntax. Cambridge, MA:
MIT Press.

-157-
Chomsky, N. 1980. Rules and Representations. Oxford: Blackwell.
Cook, V.J and Mark Newson. 2007. Chomsky’s Universal Grammar:
An Introduction. Blackwell Publishing. Third edition.
Crawford, W. and Eniko Csomay. 2015. Doing Corpus Linguistics.
Routledge.
Crystal, David. 1980. A Dictionary of Linguistics & Phonetics. Fifth
Edition. Blackwell Publishing.
Doyle, Paul. 2005. Replication and Corpus Linguistics: Lexical
Networks in Texts.
Fillmore, C. 1992. Corpus Linguistics or Computer-Aided Armchair
Linguistics. In J. Svartvik (ed.). Directions in Corpus Linguistics:
Proceedings of the Nobel Symposium 82, Stockholm, 4-8 August
1991, 35-60. Berlin: Mouton de Gruyter.
Harris, R. A. 1993. The Linguistics Wars. Oxford: Oxford University
Press.
Harris, Z. 1951. Methods in Structural Linguistics. Chicago: University
Chicago Press.
Hockett, C. F. 1948. A Note on Structure. International Journal of
American Linguistics. 14: 269-71.
Labov, W. 1969. The Logic of Non-Standard English. Georgetown
Monographs on Language and Linguistics 22. Reprinted in P. P.
Giglioli (ed.). Language and Social Context. London: Penguin,
1992.
Landau, Sidney. I. 1984. Dictionaries: The Art and Craft of Lexicography.
Cambridge University Press. 2nd edition.
Leech, G. 1991. The State of the Art in Corpus Linguistics. In: Karin
Aijmer and Bengt Altenberg (eds). English Corpus Linguistics:

-158-
Studies in Honor of Jan Svartvik. Longman: London.
Lindquist, Hans. 2009. Corpus Linguistics and the Description of
English. Edinburgh University Press.
McEnery, Tony & Andrew Hardie. 2012. Corpus Linguistics: Method,
Theory and Practice. Cambridge Textbooks in Linguistics.
McEnery, Tony & Andrew Wilson. 2005. Corpus Linguistics.
Edinburgh: Edinburgh University Press. 2nd Edition.
McEnery, Tony, Richard Xiao and Yukio Tono. 2006. Corpus-Based
Language Studies: an advance resource book. Routledge Applied
Linguistics.
Millikan, R.G. 2003. In Defense of Public Language. In L. M. Antony
and Hornstein (eds). Chomsky and His Critics. Oxford: Blackwell.
Nelson, M. 2000. A Corpus-based Study of Business English and
Business English Teaching Materials. PhD thesis. University of
Manchester. www.kielikanava.com/thesis.html.
Popper, K. 2006. Logic of Scientific Discovery. New York: Routledge.
Robson, C, 1993. Real World Research. Blackwell Publishing. 2nd
Edition.
Stockwell, P (ed). Trask, R. L. 2007. Language and Linguistics: the
Key Concepts. 2nd edition. Routledge: Taylor & Francis Group.
Svartvik, J. 1966. On Voice in the English Verb. The Hague: Mouton.
Svartvik, J. (ed). 1992. Directions in Corpus Linguistics. Berlin:
Mouton De Gruyter.
Tognini-Bonelli, E. 2000. Lexis in contrast. In: Granger, S. and
Altenberg, B. (eds). Studies in Corpus Linguistics. Benjamins,
Amsterdam. 3-48.

-159-
Tognini-Bonelli, Elena. 2001. Corpus Linguistics at Work. John
Benjamins Publishing.
Teubert, W. 2005. My Version of Corpus Linguistics. International
Journal of Corpus Linguistics. 10 (1), 1-13.
Teubert, Wolfgang and Anna Cermakova. 2007. Corpus Linguistics: A
Short Introduction. Continuum.
Wasow, Thomas. 2002. Postverbal Behavior. Stanford: CSLI

-160-

You might also like