You are on page 1of 11

‫مقدمة ‪:‬‬

‫الجريمة قديمة قدم اإلنسان ‪ ،‬ومنذ أن نشأت الجريمة وهي تثير التساؤالت عن األسباب التي تدفع إلى‬
‫ارتكابها ‪ .‬ولذلك فقد اهتم المفكرون والفالسفة بأمر الجريمة وحاولوا أن يجدوا تفسيرا لها وحاولوا البحث‬
‫عن األسباب الحقيقية التي تدفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة‪.‬‬

‫إن المدرسة الوضعية لها دورا بارزا في علم اإلجرام ونشأته وتطوره ‪ ،‬فال نبالغ لو قلنا أنها تعد حجر‬
‫الزاوية في مولد علم اإلجرام بمفهومه الحديث ‪.‬‬

‫خطة البحث ‪:‬‬

‫مقدمة‬

‫المبحث األول ‪ :‬الجريمة وتفسيرها قبل المدرسة الوضعية‬

‫المطلب األول ‪ :‬قبل ظهور المدرسة الوضعية‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬ظهور المدرسة اإلحصائية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬المدرسة الوضعية‬

‫‪1‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬دور المدرسة الوضعية في علم اإلجرام‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬شيزاري لومبوزو [‪]1909-1835‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬ماهية علم اإلجرام وعالقته بالعلوم األخرى‬

‫المطلب األول تعريف علم اإلجرام‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الجريمة التي يهتم علم اإلجرام بدراستها‬

‫المطلب الثالث ‪:‬فروع علم اإلجرام‬

‫المطلب الرابع ‪:‬علم اإلجرام وعالقته بالعلوم الجنائية‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬الجريمة وتفسيرها قبل المدرسة الوضعية‬

‫المطلب األول ‪ :‬قبل ظهور المدرسة الوضعية‬

‫إن البحث في أسباب الجريمة في بادئ األمر كان متجردا (تماما) من الطابع العلمي وغير مبني على‬
‫أسباب منطقية‪.‬‬

‫حيث أن قديما‪1‬اكتفى اإلنسان بنسبة الجريمة إلى األرواح الشريرة التي تتقمص شخص المجرم وتدفعه إلى‬
‫الجريمة ‪ ،‬ومن ثم فقد انحصرت أسباب الجريمة في األرواح الشريرة التي تسيطر على المجرم فتسخر‬
‫أعضاء جسمه في اقتراف األفعال اإلجرامية ‪ ،‬وبناء على ذلك كان العقاب يتجه إلى تعذيب المجرم حتى‬
‫يتخلص من األرواح الشريرة التي تسكن جسده‪.‬‬

‫أما فالسفة االغريق مثل أبوقراط ‪ ،‬أرسطو ‪ ،‬سقراط ‪ ،‬فقد أرجعوا الجريمة إلى فساد المجرم ‪ ،‬وهذا‬
‫الفساد يرجع إلى عيوب خلقية جسمية فيه ‪ ،‬وقد أرجع بعضهم الجريمة إلى نقص في الوازع الديني لدى‬
‫مرتكبها أو ضعف تمسكه بالقيم األخالقية ‪ ،‬وفي سنة ‪1586‬م وضع ديالبورتا مؤلفا في علم اإلجرام‬
‫وربط فيه بين الجريمة والعيوب الخلقية الظاهرة في وجه المجرم (العينين ‪ ،‬الجبهة ‪ ،‬األنف ‪...‬الخ) مع‬
‫مالحظة أن هناك فالسفة آخرون قد أبدوا تلك النظرية مثل دي الشامبر وداروين ‪ .‬وهناك من الباحثين من‬
‫اعتبر الجريمة مرضا مثل الجنون ينشأ كالهما من مصدر واحد هو التركيب المعيب للمخ‪.‬‬

‫‪ - 1‬د‪.‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬علم اإلجرام العام ‪ ،‬جامعة االسكندرية ‪ ،‬ص‪ 45‬ومابعدها ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وقد تعددت النظريات التي حاولت تفسير الجريمة وتحديد أسبابها لكن جميعها كانت نظريات متجردة من‬
‫الطابع العلمي ‪ ،‬تقوم على الخيال والتخمين ‪ ،‬ومن ثم فإن تلك المحاوالت كانت أقرب إلى التصورات‬
‫الفلسفية منها إلى النظريات العلمية‪.‬‬

‫حيث أن الدراسة العلمية للجريمة والمجرم لم تكن ممكنة إال بتطور العلوم التي تقدم للباحثين معلومات‬
‫أولية في أسباب الجريمة تتعلق بشخصية اإلنسان والبيئة التي يحيا فيها وهي علوم (الطب ‪ ،‬النفس ‪،‬‬
‫االجتماع)‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬ظهور المدرسة اإلحصائية‬

‫في بداية القرن التاسع عشر بدأت بوادر الدراسة العلمية لعوامل اإلجرام حيث ظهرت المدرسة اإلحصائية‬
‫التي تزعمها عالمان إحداهما فرنسي وهو العالم (جيري) واآلخر بلجيكي الجنسية ويدعى كتليه ‪،‬‬
‫وقدسميت المدرسة اإلحصائية بهذا االسم ألنها قامت أساسا على مالحظة اإلحصاءات الجنائية التي بدأت‬
‫فرنسا في نشرها منذ ‪1826‬م‪.‬‬

‫حيث أن جيري في عام ‪1833‬م أصدر مؤلفا تناول فيه بالدراسة العوامل الفردية االجتماعية لإلجرام على‬
‫ضوء ماتشير إليه اإلحصاءات الفرنسية ‪ ،‬وفي ‪1865‬م نشر جيري مؤلفا آخر قارن فيه بين اإلحصاءات‬
‫الفرنسية واالنجليزية ‪ .‬أما العالم كتليه فقد أصدر مؤلفا عام ‪1859‬م تناول فيه دراسة إحصائية لطائفة من‬
‫المجرمين في مناطق مختلفة وفي النهاية خلص منها إلى ترجيح دور العوامل االجتماعية في إنتاج السلوك‬
‫اإلجرامي‪.‬‬

‫وكان للمدرسة اإلحصائية (الفرنسية البلجيكية) الفضل في إلقاء الضوء على أهمية العوامل االجتماعية في‬
‫نطاق الدراسات اإلجرامية ‪ ،‬ومن ثم كانت المدرسة الفرنسية البجليكية بمثابة تمهيد لصياغة نظرية‬
‫اجتماعية في تفسير السلوك اإلجرامي ‪ ،‬وقد أدى تركيز المدرسة اإلحصائية على دور العوامل االجتماعية‬
‫في السلوك اإلجرامي إلى ظهور اتجاه مضاد يركز على شخص المجرم وذلك إلظهار أثر تكوينه الداخلي‬
‫في الدفع إلى السلوك اإلجرامي ‪ ،‬حيث كان االهتمام بشخص المجرم هو حجر الزاوية في فكر المدرسة‬
‫‪2‬‬
‫الوضعية اإليطالية التي دفعت علم اإلجرام إلى األمام سنوات طويلة بعد أن أنشأته إنشاءا‪.‬‬

‫‪ - 2‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 49‬‬

‫‪3‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المدرسة الوضعية‬

‫المطلب األول ‪ :‬دور المدرسة الوضعية في علم اإلجرام‬

‫إن الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية لم تبدأ إال بعد ظهور المدرسة الوضعية اإليطالية التي كان لروادها‬
‫الثالثة (لمبروزو ‪ ،‬فيري ‪ ،‬جاروفالو) دورا بارزا في نشأة وتطور علم اإلجرام ‪ ،‬حيث أن علم اإلجرام بدأ‬
‫مع هذه المدرسة استكمال مقومات الكيان العلمي ‪ ،‬وبناء على ذلك فإن ظهور المدرسة الوضعية اإليطالية‬
‫بما لها وماعليها وتوجيهها أنظار الباحثين والمهتمين بالدراسات اإلجرامية إلى أهمية الدراسة العلمية‬
‫‪3‬‬
‫لشخص المجرم وفحصه جسمانيا ونفسيا بمثابة مولد لعلم اإلجرام في مفهومه الحديث‪.‬‬

‫حيث طالبت المدرسة الوضعية بدراسة أشخاص المجرمين وتقسيمهم إلى طوائف معينة بحسب العوامل‬
‫المؤثرة في سلوكهم اإلجرامي ‪ .‬فتناولت المجرم بالميالد ‪ ،‬أو الرجل المجرم ‪ ،‬والمجرم المجنون ‪،‬‬
‫والمجرم العرضي ‪ ،‬والمجرم المعتاد ‪ ،‬والمجرم العاطفي ‪ .‬حيث أن اإلجرام في نظر هذه المدرسة ليس‬
‫إال ظاهرة طبيعية شأنه في ذلك شأن المرض ‪ ،‬والمجرم مريض يجب على المجتمع أن يهتم بعالجه ‪،‬‬
‫ولذلك فإن الغرض من العقوبة ليس الردع أو إرضاء شعور العدالة وإنما هو إجراء يتخذه المجتمع لحماية‬
‫نفسه ولعالج المجرم وإصالحه وإعادته إلى الدرجة التي يستطيع معها أن يتالءم مع األنظمة القانونية‬
‫السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم فإنه يجب على المجتمع أن يهتم بعالجه ‪ ،‬كذلك فإن ـــــــــــ‬

‫)‪(1‬انظر ‪:‬‬

‫العقوبة يجب أن تقدر تبعا لخطورة كل مجرم ‪ .‬ويتفق رواد هذه المدرسة على الخطوط الرئيسية من حيث‬
‫استخدام المنهج العلمي في بحث ظاهرة الجريمة ‪ ،‬ومن حيث النتائج العامة التي انتهوا إليها ‪ ،‬ومن حيث‬
‫الت ركيز على دراسة اإلنسان من الناحية األنتروبولوجية على أساس أنها المحور العلمي الذي تقوم عليه‬
‫الجريمة كظاهرة إنسانية ‪ .‬وعلى حد تعبير العالم فيري فإن الدراسات األنتروبولوجية قد بينت بواسطة‬
‫الوقائع أن المجرم ليس إنسانا عاديا بل بالعكس هو نوع خاص من البشر يتميز بخصائص شاذة من‬
‫‪4‬‬
‫الناحية الجسمانية والنفسية الوراثية والمكتسبة‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬شيزاري لومبوزو [‪]1835-1909‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬لومبروزو ونظريته‪:‬‬

‫اليوجد شخص يدرس علم اإلجرام واليعرف من هو لومبروزو ‪ ،‬ذلك االسم الرنان والموجود في جميع‬
‫المراجع التي تدرس ظاهرة الجريمة ‪ ،‬وهو أب لعلم اإلجرام بمعناه الحديث ‪ .‬هو إيطالي الجنسية بدأ حياته‬
‫العملية ضابطا في الجيش ‪ ،‬ثم مدرسا بكلية األمراض العقلية في جامعة (بفيا) ومديرا لمستشفى األمراض‬
‫العقلية بها ‪ ،‬ثم انتقل أستاذا للطب الشرعي في جامعة تورينو‪.‬‬

‫‪ - 3‬د‪/‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪50‬‬


‫‪ - 4‬د‪/‬عبد األحد جمال الدين ‪ ،‬د‪/‬جميل عبدالباقي الصغير ‪ ،‬المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي ‪ ،‬القسم العام ‪ ، 1999 ،‬ص‪. 15‬‬

‫‪4‬‬
‫الحظ لومبروزو ‪ 5‬أثناء عمله وقيامه بفحص بعض الجنود أن بهم خصائص جسدية لم تكن موجودة لدى‬
‫غيرهم من الجنود ‪ ،‬وأن بهم عيوب في التكوين الجسماني الداخلي ‪ ،‬حيث تصادف أن قام لومبروزو‬
‫بتشريح جثة قاطع طريق من جنوب ايطاليا يدعى فييال ‪ ،‬حيث وجد في مؤخرة جبهته فراغا مجوفا شبيها‬
‫بذلك الذي يوجد في القرود ‪ ،‬ومن هنا كانت بداية أبحاث لومبرزو التي بنى عليها نظريته عن اإلنسان‬
‫المجرم ‪ ،‬أو المجرم بالميالد أو بالطبيعة ‪ ،‬حيث بنى لومبروزو أبحاثه واستنتاجاته على أن هناك من‬
‫المجرمين حاملين خصائص عضوية تميزهم عمن سواهم ‪ ،‬وأن هذه الخصائص تختلف باختالف فئات‬
‫المجرمين‪.‬‬

‫مثال ‪ :‬يقول لومبروزو أن من له ميل إلى جرائم االغتصاب الجنسي يتميز بطول أذنيه وانخساف دماغه‬
‫وزيغ وتقارب عينيه وانبعاج وضخامة أنفه وطول ذقنه ‪ ،‬وقد أرجع لومبروزو هذه الخصائص إلى أن‬
‫المجرم نموذج لإلنسان البدائي المتوحش يظهر في المجتمع الحديث ‪ ،‬حيث أن اختالف الخصائص البدنية‬
‫للمجرمين عمن سواهم تفسيره أن المجرمين صور لإلنسان البدائي انتقلت إليهم خصائص اإلنسان القديم‬
‫بالوراثة ‪ ،‬وهذه النماذج البشرية لم تخضع للعوامل التي قومت أجسام غيرهم من الناس أو هذبت أخالقهم‬
‫ونفسيتهم ‪ ،‬ومن ثم ظلوا على سيرتهم األولى وهي خصائص حتما تقودهم إلى اإلجرام حيث أطلق‬
‫لومبروزو على هذه النماذج البدائية "اإلنسان المجرم" ‪ ،‬وقد كان هذا االسم هو عنوان مؤلفه الذي ضم‬
‫خالصة مالحظاته وظهر في عام ‪1876‬م وأحدث دويا هائال‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬تقدير نظرية لومبروزو‬

‫كانت لنظرية لومبروزو صدى كبير في األوساط العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن‬
‫العشرين ‪ ،‬حيث تضمنت النظرية آراء هامة قلبت أسلوب البحث العلمي في ميدان الجريمة رأسا على‬
‫عقب ‪ ،‬ومن ثم فقد وجب تقدير هذه النظرية‪.‬‬

‫التأييد‪:‬‬

‫اتخذ لومبروزو في دراسته منهجا علميا حيث اعتمد على المالحظة واالستخالص ‪ ،‬حيث الحظ‬
‫لومبروزو وجود خصائص غير متغيرة في الرجل المجرم ومنها استخلص قوانين تحكم الظاهرة‬
‫اإلجرامية ‪ .‬وفضال عن ذلك فقد اعتمد على دراسة اإلحصائيات القليلة ‪ ،‬ومن ثم فيمكن القول أنه استعمل‬
‫المنهج التاريخي أيضا وقد أحاط بكافة األبحاث األنتروبولوجية والطبيعية التي سبقته واعتمد عليها في‬
‫استخالص النتائج التي تؤيد اتجاهه‪.‬‬

‫المعارضة‪:‬‬

‫‪ -/1‬كانت دراساته قائمة على دراسة خصائص المجرم وهو في حالة سكون ‪ staitque‬وليس ديناميكية‬
‫‪dynamique .‬‬

‫‪ - 5‬د‪/‬عبد األحد جمال الدين ‪ ،‬د‪/‬جميل عبدالباقي الصغير ‪ ،‬المرجع سالف اإلشارة إليه ‪ ،‬ص‪. 17‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -/2‬وجه فيري انتقاده وبناه على أساس أن لومبروزو عند بحثه للجمجمة وأبعاد الوجه لم يالحظ التفاوت‬
‫في األعمار بين األشخاص موضوع المالحظة حيث أنه من الثابت أن هناك عالقة بين العمر والحجم‬
‫بصفة عامة‪.‬‬

‫‪ -/3‬أيضا اعتمد "هوتون" في انتقاده لنظرية لومبروزو على أن لومبروزو عند بحثه لتناسق وشكل‬
‫الجمجمة فقد استند إلى وصف شخص ولم يحاول أن يعمق النظر إلى أكثر من ذلك‪.‬‬

‫‪ -/4‬لومبروزو لم يحاول أن يتحقق من صحة البيانات واإلحصاءات التي اعتمد عليها في أبحاثه‪.‬‬

‫‪ -/5‬لومبروزو استخدم طريقة روائية في دراسته مما جعل القارئ يتشعب في متاهات جعلت الحصيلة‬
‫العلمية الناتجة من هذه األبحاث غير واضحة وغير محددة‪.‬‬

‫‪ -/6‬أيضا قد عيب على لومبروزو أنه لم يستعمل المجموعة الضابطة ‪ groupe de conrtie‬التي كانت‬
‫معروفة في وقته وإن كان قد استعملها في دراسة إجرام النساء‪.‬‬

‫ولكن بالرغم من االنتقادات العديدة التي تعرضت لها نظرية لومبروزو وتعرضت لها طريقة بحثه ‪ ،‬إال‬
‫أننا النستطيع إغفال أو تجاهل األثر العظيم لهذه النظرية في علم اإلجرام‪.‬‬

‫وقد ازدهر علم اإلجرام في السنوات األخيرة واستعان الباحثون فيه بكافة األساليب العلمية المتطورة التي‬
‫تستخدم في فحص اإلنسان بصفة عامة ‪ .‬حيث تعنى غالبية جامعات العالم بتدريس علم اإلجرام وعلى‬
‫المستوى الدولي تكونت جمعيات تهتم بالدراسات والبحوث اإلجرامية من أبرزها الجمعية الدولية لعلم‬
‫اإلجرام‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬ماهية علم اإلجرام وعالقته بالعلوم األخرى‬

‫المطلب األول تعريف علم اإلجرام‬

‫إذا أردنا أن نضع تعريفا لعلم اإلجرام فإننا لن نجد تعريفا واحدا ينعقد عليه إجماع الباحثين ‪ ،‬حيث قيل في‬
‫هذا الصدد أنه يوجد تعريفات لعلم اإلجرام بعدد مايوجد من العلماء المتخصصين في هذا العلم ‪ ،‬ولكن‬
‫ليس هناك مايمنع أن نتعرض لبعض التعريفات التي قيلت‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أوسع التعريفات التي قيلت في علم اإلجرام هو تعريف العالم اإليطالي أنريكو فيري حيث يرى‬
‫فيري أن عل م اإلجرام هو ‪ :‬مجموع العلوم الجنائية كافة ‪ ،‬وهو يضم بصفة خاصة قانون العقوبات الذي‬
‫اليعدوا أن يكون الشق القانوني من علم اإلجرام ‪ .‬وقد أخذ بهذا التعريف بعض تالميذ فيري من العلماء‬
‫وبعض علماء االجتماع أيضا أخذوا بهذا التعريف‪.6‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أما التعريفات المضيقة لعلم اإلجرام فجميعها متفقة على استبعاد قانون العقوبات من مجال علم‬
‫اإلجرام حيث أن كال منهما علما متميزا عن اآلخر في موضوعه ومنهجه ووظيفته‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ونحن نتفق مع تعريف العالم اإليطالي آنريكو فيري ونؤيده إذ أن قانون العقوبات جزءا اليتجزأ من‬
‫علم اإلجرام ‪ ،‬حيث أن كال منهما يتناول بالدراسة الجريمة والمجرم ‪ ،‬وقانون العقوبات يمد علم اإلجرام‬
‫بمادة بحثه األساسية وهي الجريمة والمجرم أيضا قانون العقوبات هو الذي يحدد من بين صور السلوك‬
‫‪ - 6‬د‪/‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪6‬‬
‫اإلنساني تلك التي ينطبق عليها وصف الجريمة بحيث يعد مرتكبها مجرما ‪ ،‬فالفعل اليعد جريمة‬
‫والشخص اليصير مجرما إال إذا وجد نص في قانون العقوبات يضفي على بعض األفعال الصفة غير‬
‫المشروعة من الناحية الجنائية ‪ ،‬وبناءا عليه فإن قانون العقوبات يعد مصدرا لعلم اإلجرام ‪ ،‬وهو مصدر‬
‫الغنى لعلم اإلجرام عنه والوجود له بدونه‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬علم اإلجرام في الفقه المصري ‪ :‬هناك شبه اتفاق على حصر نطاق علم اإلجرام في دراسة‬
‫الجريمة والمجرم ‪ .‬وإن كان هناك تعريفات متعددة لعلم اإلجرام وهي كاآلتي‪:‬‬

‫التعريف األول ‪ :‬علم اإلجرام هو ‪ :‬العلم الذي يدرس أسباب الجريمة كظاهرة فردية واجتماعية ليحدد‬
‫القوانين المنطقية التي تحكمها وتفسرها في مظاهرها المتنوعة‪.‬‬

‫تعريف آخر ‪ :‬علم اإلجرام هو ‪ :‬العلم الذي يدرس الجريمة من الوجهة الواقعية دراسة علمية كظاهرة‬
‫فردية واجتماعية بقصد الكشف عن العوامل التي تسببها‪.‬‬

‫تعريف آخر ‪ :‬هو العلم الذي يبحث في الجريمة وعواملها التي تؤدي بإنسان معين إلى ارتكابها‪.‬‬

‫ونحن نرى أن علم اإلجرام هو العلم الذي يتناول بالدراسة األسباب الداخلية والخارجية التي دفعت‬
‫الشخص إلى ارتكاب الجريمة وكيفية مواجهة ومعالجة تلك األسباب للحد من انتشار الجريمة‪.‬‬

‫وفي النهاية النستطيع إال أن نقول أنه أيا كان الخالف اللفظي بين التعريفات التي تناولت علم اإلجرام فإن‬
‫جوهرها اليختلف ‪ ،‬حيث أنها تتفق في نقطة أساسية وهي أن علم اإلجرام هو الذي يدرس ظاهرة اإلجرام‬
‫باعتبارها سلوكا فرديا أو كظاهرة اجتماعية‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريف الجريمة التي يهتم علم اإلجرام بدراستها‬

‫تمهيد وتقسيم‪ :‬سبق وأن قلنا أن علم اإلجرام يدرس الجريمة ويحاول أن يجد لها تفسيرا ‪ ،‬ومن ثم كان‬
‫يتعين علينا التعرض لتعريف الجريمة وأركانها في عجالة شديدة‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تعريف الجريمة‪ :‬هي انتهاك للتشريع الجنائي لدولة ما ناتج عن سلوك إنساني ومقرر له عقوبة‬
‫واليمكن تبريره بأنه يتضمن أداء لواجب أو استعماال لحق‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أركان الجريمة‬

‫(أ) ركن مادي‪(.‬ب) ركن معنوي‪(.‬ج) ركن شرعي‪.‬الركن المادي‪:‬‬

‫هو السلوك اإلنساني الذي يترتب عليه نتيجة يعاقب عليها القانون الجنائي مع مالحظة أن السلوك اإلنساني‬
‫هذا يشمل الفعل واالمتناع عن الفعل حيث أن كال منهما يمكن أن يكون محال للعقاب إذا ترتب عليه نتيجة‬
‫معينة في الحيز الخارجي يعاقب عليها القانون الجنائي ‪ ،‬حيث أن وجود (النتيجة اإلجرامية) يكون عادة‬
‫شرطا رئيسيا لتدخل القانون الجنائي ‪ ،‬ومن الضروري أيضا وجود (رابطة سببية) بين السلوك اإلنساني‬

‫‪7‬‬
‫وبين النتيجة التي يجرمها القانون الجنائي وهذه العناصر كلها تمثل الواقعة اإلجرامية ‪ ،‬وهي التي تشكل‬
‫الجانب المادي للجريمة‪.7‬‬

‫الركن المعنوي‪:‬‬

‫بالركن المعنوي تكتمل صورة الجريمة ‪ ،‬حيث أن السلوك اإلنساني الذي يسبب الجريمة يجب أن يكون‬
‫إثما ‪ ،‬أو على األقل يتوافر فيه الخطأ غير العمدي حتى يكون هناك وجه للمساءلة الجنائية ‪ ،‬فالجريمة‬
‫تفترض وجود العمد أو الخطأ غير العمدي في السلوك اإلنساني حتى نستطيع أن نقول أن صاحبه محال‬
‫للمسئولية ‪ .‬وبناء على ذلك فإننا نستطيع أن نقول أن للركن المعنوي للجريمة صورتين هما العمد والخطأ‬
‫غير العمدي‪.‬‬

‫مع مالحظة أن تشريعنا لم يتضمن تعريفا خاصا للركن المعنوي للجريمة ‪ ،‬وإن كان ذلك مستفاد من‬
‫تعريفات الكثير من الجرائم والنصوص التي تتعلق بانعدام المسئولية الجنائية كالمواد ‪ ، 61‬و‪ ، 62‬و‪64‬‬
‫من قانون العقوبات المصري ‪..‬الخ ‪ ،‬وقد حرص مشروع قانون العقوبات المصري علىأن ينص على‬
‫الركن المعنوي للجريمة في المادة ‪ 25‬منه ‪ ،‬والتي حدد فيها صورتي الركن المعنوي بقوله ‪ :‬اليسأل‬
‫شخص عن جريمة إال إذا ارتكبها عمدا أو خطأ ‪.‬‬

‫الركن الشرعي‪:‬‬

‫جرى الفقه التقليدي على تعريفه بأنه النص القانوني على تجريم هذا السلوك اإلنساني مع عدم وجود سبب‬
‫من أسباب اإلباحة بالنسبة له ‪ .‬فالركن الشرعي هو خالق الجريمة (إذ أنه العقوبة والجريمة إال بنص)‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬فروع علم اإلجرام‬

‫تمهيد وتقسيم‪:‬‬

‫إن تطور البحوث اإلجرامية وتخصصها أدى إلى تشعب فروع علم اإلجرام فقد نشأ أوال علم البيولوجيا‬
‫الجنائية ‪ ،‬ثم علم النفس الجنائي ‪ ،‬وأخيرا علم االجتماع الجنائي ومنهم جميعا يتكون علم اإلجرام ‪ .‬وسوف‬
‫نتناول كال من العلوم السابقة بإيجاز شديد‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬علم البيولوجيا الجنائية‪:‬‬

‫وهو علم يعنى بدراسة الخصائص العضوية للمجرم وأجهزة جسمه الداخلية وصاحب الفضل في ظهور‬
‫هذا العلم هو لومبروزو وأبحاثه التي قام بها وانتهت إلى تبنيه لفكرة اإلنسان المجرم أو المجرم بالميالد أو‬
‫بالطبيعة وهو شخص يتميز بخصائص بدنية وأخالقية معينة تقربه من نموذج اإلنسان البدائي القديم كما‬
‫يتميز بنزعته اإلجرامية الموروثة وبإنقياده الحتمي إلى اإلجرام ‪ ،‬وقد سبق أن تعرضنا لهذه النظرية في‬
‫صدر هذا البحث ‪ .‬ومن النتائج التي تترتب على األبحاث في علم البيولوجيا الجنائية التحقق من أن إجرام‬
‫بعض األفراد قد يرجع سببه إلى التكون العضوي والحالة العقلية للمجرم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬علم النفس الجنائي‪:‬‬

‫‪ - 7‬د‪/‬عبداألحد جمال الدين ‪ ،‬النطرية العامة للجريمة ‪ ،‬الجزء األول ‪ ، 1996-1995 ،‬ص‪.302‬‬

‫‪8‬‬
‫يعنى بدراسة التكوين النفسي للمجرم لتحديد أوجه الخلل النفسي الذي قد يكون هو سبب انزالقه إلى‬
‫اإلجرام‪.‬‬

‫حيث أن اإلنسان ليس كيانا بدنيا ماديا فحسب بل هو كذلك كيانا نفسيا يتأثر بالتكوين البدني ويؤثر فيه‬
‫وبناء عليه فإن أبحاث علم النفس الجنائي تشكل جانبا هاما من جوانب تفسير أسباب الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬علم االجتماع الجنائي‪:‬‬

‫يعنى بدراسة خصائص الجماعة والظروف المحيطة بها سواء كانت ظروف اجتماعية أو طبيعية أو‬
‫اقتصادية أو ثقافية وبيان أثر خصائص الجماعة وظروفها على حركة اإلجرام واتجاهات تطوره ‪ .‬ومن ثم‬
‫فإن دراسة أسباب الظاهرة اإلجرامية التكتمل إال بدراسة العوامل المتعلقة بالبيئة التي يحيا فيها الفرد‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪:‬علم اإلجرام وعالقته بالعلوم الجنائية‬

‫تقسيم‪:‬‬

‫ونتناول فيه عالقة علم اإلجرام بعلم العقاب والسياسة الجنائية وعالقته أيضا بعلم الكشف الفني عن‬
‫الجريمة وأخيرا عالقة علم اإلجرام بعلم الوقاية العامة من اإلجرام ‪ .‬وسوف نتناول كال منهم في فرع‬
‫مستقل‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬عالقة علم اإلجرام بعلم العقاب‪:‬‬

‫كال العلمين يتناوالن بالدراسة الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬

‫علم اإلجرام ‪ :‬يبحث في الظاهرة اإلجرامية من حيث أسبابها والقوانين التي تحكم نشأتها وتطورها‪.‬‬

‫علم العقاب ‪ :‬يبحث في كيفية مواجهة الظاهرة اإلجرامية‪.‬‬

‫هذا االرتباط بين العلمين دفع بعض الفقهاء إلى القول بأن علم العقاب فرعامن فروع علم اإلجرام ‪ ،‬ومن‬
‫ثم كان علينا أن نعرض ألوجه الشبه وأوجه االختالف بين كال من العلمين‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أوجه االختالف‪:‬‬

‫علم اإلجرام ‪:‬‬

‫‪ -/1‬يدرس الظاهرة اإلجرامية باعتبارها سلوك فردي وظاهرة اجتماعية لكي يحدد األسباب التي تدفع‬
‫إليها سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة‪.‬‬

‫‪ -/2‬علم اإلجرام يغلب على أبحاثه الطابع الوصفي إذ أنه يتناول الظاهرة اإلجرامية بالتحليل لبيان العوامل‬
‫الدافعة إلى اإلجرام‪.8‬‬

‫‪ - 8‬د‪/‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪. 35‬‬

‫‪9‬‬
‫علم العقاب‪:‬‬

‫‪ -/1‬يدرس الجزاءات الجنائية باعتبارها إحدى وسائل مكافحة اإلجرام والوقاية منه فهو يحدد أغراض‬
‫الجزاء الجنائي ويوضح كيفية اختياره وأساليب تنفيذه التي يكون من شأنها أن تحقق أغراضه المستهدفة‪.‬‬

‫‪ -/2‬علم العقاب يغلب على أبحاثه الطابع التطبيقي التجريبي ‪ ،‬إذ أنه يهتم بالتحقق من مدى مالءمة‬
‫جزاءات معينة وأساليب تنفيذ هذه الجزاءات لمكافحة اإلجرام‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أوجه الشبه‪:‬‬

‫علم اإلجرام‪ :‬غاية علم اإلجرام مكافحة الجريمة وإن اختلفت الوسيلة‪.‬‬

‫علم العقاب‪ :‬غاية علم العقاب مكافحة الجريمة وإن اختلفت الوسيلة‪.‬‬

‫إن الجزاءات الجنائية التي يضعها علم العقاب لكي تحقق غرضها وهو إصالح المجرم وتأهيله فالبد أن‬
‫يكون هناك إلمام مسبق باألسباب التي دفعت المجرم إلى اإلجرام وهذا اليأتي إال عن طريق دراسة‬
‫شخصية المتهم وهي من أهم موضوعات علم اإلجرام‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫إن كان هناك أوجه تمييز بين علم اإلجرام وعلم العقاب تجعل لكل منهما ذاتيته من ناحية الهدف والمنهج ‪،‬‬
‫فإن هذا اليعني بأي حال من األحوال انفصالهما ‪ ،‬بل على العكس فإن كل علم منهما يعتبر وسيلة من‬
‫وسائل اآلخر‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫يقدم علم اإلجرام لهذا العلم خدمة كبيرة عندما يحدد العوامل التي تدفع إلى ارتكاب بعض الجرائم حيث أن‬
‫الوقوف على تلك العوامل يجعل من السهل اختيار الوسائل المناسبة للقضاء عليها أو الحد من مفعولها‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫‪ -‬د‪.‬فتوح عبدهللا الشاذلي ‪ ،‬علم اإلجرام العام ‪ ،‬جامعة االسكندرية ‪.‬‬

‫‪ -‬د‪/‬عبد األحد جمال الدين ‪ ،‬د‪/‬جميل عبدالباقي الصغير ‪ ،‬المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي ‪ ،‬القسم‬
‫العام ‪. 1999 ،‬‬

‫‪11‬‬

You might also like