Professional Documents
Culture Documents
الاجرام
الاجرام
الجريمة قديمة قدم اإلنسان ،ومنذ أن نشأت الجريمة وهي تثير التساؤالت عن األسباب التي تدفع إلى
ارتكابها .ولذلك فقد اهتم المفكرون والفالسفة بأمر الجريمة وحاولوا أن يجدوا تفسيرا لها وحاولوا البحث
عن األسباب الحقيقية التي تدفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة.
إن المدرسة الوضعية لها دورا بارزا في علم اإلجرام ونشأته وتطوره ،فال نبالغ لو قلنا أنها تعد حجر
الزاوية في مولد علم اإلجرام بمفهومه الحديث .
مقدمة
1
المطلب األول :دور المدرسة الوضعية في علم اإلجرام
خاتمة :
إن البحث في أسباب الجريمة في بادئ األمر كان متجردا (تماما) من الطابع العلمي وغير مبني على
أسباب منطقية.
حيث أن قديما1اكتفى اإلنسان بنسبة الجريمة إلى األرواح الشريرة التي تتقمص شخص المجرم وتدفعه إلى
الجريمة ،ومن ثم فقد انحصرت أسباب الجريمة في األرواح الشريرة التي تسيطر على المجرم فتسخر
أعضاء جسمه في اقتراف األفعال اإلجرامية ،وبناء على ذلك كان العقاب يتجه إلى تعذيب المجرم حتى
يتخلص من األرواح الشريرة التي تسكن جسده.
أما فالسفة االغريق مثل أبوقراط ،أرسطو ،سقراط ،فقد أرجعوا الجريمة إلى فساد المجرم ،وهذا
الفساد يرجع إلى عيوب خلقية جسمية فيه ،وقد أرجع بعضهم الجريمة إلى نقص في الوازع الديني لدى
مرتكبها أو ضعف تمسكه بالقيم األخالقية ،وفي سنة 1586م وضع ديالبورتا مؤلفا في علم اإلجرام
وربط فيه بين الجريمة والعيوب الخلقية الظاهرة في وجه المجرم (العينين ،الجبهة ،األنف ...الخ) مع
مالحظة أن هناك فالسفة آخرون قد أبدوا تلك النظرية مثل دي الشامبر وداروين .وهناك من الباحثين من
اعتبر الجريمة مرضا مثل الجنون ينشأ كالهما من مصدر واحد هو التركيب المعيب للمخ.
- 1د.فتوح عبدهللا الشاذلي ،علم اإلجرام العام ،جامعة االسكندرية ،ص 45ومابعدها .
2
وقد تعددت النظريات التي حاولت تفسير الجريمة وتحديد أسبابها لكن جميعها كانت نظريات متجردة من
الطابع العلمي ،تقوم على الخيال والتخمين ،ومن ثم فإن تلك المحاوالت كانت أقرب إلى التصورات
الفلسفية منها إلى النظريات العلمية.
حيث أن الدراسة العلمية للجريمة والمجرم لم تكن ممكنة إال بتطور العلوم التي تقدم للباحثين معلومات
أولية في أسباب الجريمة تتعلق بشخصية اإلنسان والبيئة التي يحيا فيها وهي علوم (الطب ،النفس ،
االجتماع).
في بداية القرن التاسع عشر بدأت بوادر الدراسة العلمية لعوامل اإلجرام حيث ظهرت المدرسة اإلحصائية
التي تزعمها عالمان إحداهما فرنسي وهو العالم (جيري) واآلخر بلجيكي الجنسية ويدعى كتليه ،
وقدسميت المدرسة اإلحصائية بهذا االسم ألنها قامت أساسا على مالحظة اإلحصاءات الجنائية التي بدأت
فرنسا في نشرها منذ 1826م.
حيث أن جيري في عام 1833م أصدر مؤلفا تناول فيه بالدراسة العوامل الفردية االجتماعية لإلجرام على
ضوء ماتشير إليه اإلحصاءات الفرنسية ،وفي 1865م نشر جيري مؤلفا آخر قارن فيه بين اإلحصاءات
الفرنسية واالنجليزية .أما العالم كتليه فقد أصدر مؤلفا عام 1859م تناول فيه دراسة إحصائية لطائفة من
المجرمين في مناطق مختلفة وفي النهاية خلص منها إلى ترجيح دور العوامل االجتماعية في إنتاج السلوك
اإلجرامي.
وكان للمدرسة اإلحصائية (الفرنسية البلجيكية) الفضل في إلقاء الضوء على أهمية العوامل االجتماعية في
نطاق الدراسات اإلجرامية ،ومن ثم كانت المدرسة الفرنسية البجليكية بمثابة تمهيد لصياغة نظرية
اجتماعية في تفسير السلوك اإلجرامي ،وقد أدى تركيز المدرسة اإلحصائية على دور العوامل االجتماعية
في السلوك اإلجرامي إلى ظهور اتجاه مضاد يركز على شخص المجرم وذلك إلظهار أثر تكوينه الداخلي
في الدفع إلى السلوك اإلجرامي ،حيث كان االهتمام بشخص المجرم هو حجر الزاوية في فكر المدرسة
2
الوضعية اإليطالية التي دفعت علم اإلجرام إلى األمام سنوات طويلة بعد أن أنشأته إنشاءا.
3
المبحث الثاني :المدرسة الوضعية
إن الدراسة العلمية للظاهرة اإلجرامية لم تبدأ إال بعد ظهور المدرسة الوضعية اإليطالية التي كان لروادها
الثالثة (لمبروزو ،فيري ،جاروفالو) دورا بارزا في نشأة وتطور علم اإلجرام ،حيث أن علم اإلجرام بدأ
مع هذه المدرسة استكمال مقومات الكيان العلمي ،وبناء على ذلك فإن ظهور المدرسة الوضعية اإليطالية
بما لها وماعليها وتوجيهها أنظار الباحثين والمهتمين بالدراسات اإلجرامية إلى أهمية الدراسة العلمية
3
لشخص المجرم وفحصه جسمانيا ونفسيا بمثابة مولد لعلم اإلجرام في مفهومه الحديث.
حيث طالبت المدرسة الوضعية بدراسة أشخاص المجرمين وتقسيمهم إلى طوائف معينة بحسب العوامل
المؤثرة في سلوكهم اإلجرامي .فتناولت المجرم بالميالد ،أو الرجل المجرم ،والمجرم المجنون ،
والمجرم العرضي ،والمجرم المعتاد ،والمجرم العاطفي .حيث أن اإلجرام في نظر هذه المدرسة ليس
إال ظاهرة طبيعية شأنه في ذلك شأن المرض ،والمجرم مريض يجب على المجتمع أن يهتم بعالجه ،
ولذلك فإن الغرض من العقوبة ليس الردع أو إرضاء شعور العدالة وإنما هو إجراء يتخذه المجتمع لحماية
نفسه ولعالج المجرم وإصالحه وإعادته إلى الدرجة التي يستطيع معها أن يتالءم مع األنظمة القانونية
السائدة في المجتمع الذي يعيش فيه ومن ثم فإنه يجب على المجتمع أن يهتم بعالجه ،كذلك فإن ـــــــــــ
)(1انظر :
العقوبة يجب أن تقدر تبعا لخطورة كل مجرم .ويتفق رواد هذه المدرسة على الخطوط الرئيسية من حيث
استخدام المنهج العلمي في بحث ظاهرة الجريمة ،ومن حيث النتائج العامة التي انتهوا إليها ،ومن حيث
الت ركيز على دراسة اإلنسان من الناحية األنتروبولوجية على أساس أنها المحور العلمي الذي تقوم عليه
الجريمة كظاهرة إنسانية .وعلى حد تعبير العالم فيري فإن الدراسات األنتروبولوجية قد بينت بواسطة
الوقائع أن المجرم ليس إنسانا عاديا بل بالعكس هو نوع خاص من البشر يتميز بخصائص شاذة من
4
الناحية الجسمانية والنفسية الوراثية والمكتسبة.
اليوجد شخص يدرس علم اإلجرام واليعرف من هو لومبروزو ،ذلك االسم الرنان والموجود في جميع
المراجع التي تدرس ظاهرة الجريمة ،وهو أب لعلم اإلجرام بمعناه الحديث .هو إيطالي الجنسية بدأ حياته
العملية ضابطا في الجيش ،ثم مدرسا بكلية األمراض العقلية في جامعة (بفيا) ومديرا لمستشفى األمراض
العقلية بها ،ثم انتقل أستاذا للطب الشرعي في جامعة تورينو.
4
الحظ لومبروزو 5أثناء عمله وقيامه بفحص بعض الجنود أن بهم خصائص جسدية لم تكن موجودة لدى
غيرهم من الجنود ،وأن بهم عيوب في التكوين الجسماني الداخلي ،حيث تصادف أن قام لومبروزو
بتشريح جثة قاطع طريق من جنوب ايطاليا يدعى فييال ،حيث وجد في مؤخرة جبهته فراغا مجوفا شبيها
بذلك الذي يوجد في القرود ،ومن هنا كانت بداية أبحاث لومبرزو التي بنى عليها نظريته عن اإلنسان
المجرم ،أو المجرم بالميالد أو بالطبيعة ،حيث بنى لومبروزو أبحاثه واستنتاجاته على أن هناك من
المجرمين حاملين خصائص عضوية تميزهم عمن سواهم ،وأن هذه الخصائص تختلف باختالف فئات
المجرمين.
مثال :يقول لومبروزو أن من له ميل إلى جرائم االغتصاب الجنسي يتميز بطول أذنيه وانخساف دماغه
وزيغ وتقارب عينيه وانبعاج وضخامة أنفه وطول ذقنه ،وقد أرجع لومبروزو هذه الخصائص إلى أن
المجرم نموذج لإلنسان البدائي المتوحش يظهر في المجتمع الحديث ،حيث أن اختالف الخصائص البدنية
للمجرمين عمن سواهم تفسيره أن المجرمين صور لإلنسان البدائي انتقلت إليهم خصائص اإلنسان القديم
بالوراثة ،وهذه النماذج البشرية لم تخضع للعوامل التي قومت أجسام غيرهم من الناس أو هذبت أخالقهم
ونفسيتهم ،ومن ثم ظلوا على سيرتهم األولى وهي خصائص حتما تقودهم إلى اإلجرام حيث أطلق
لومبروزو على هذه النماذج البدائية "اإلنسان المجرم" ،وقد كان هذا االسم هو عنوان مؤلفه الذي ضم
خالصة مالحظاته وظهر في عام 1876م وأحدث دويا هائال.
كانت لنظرية لومبروزو صدى كبير في األوساط العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن
العشرين ،حيث تضمنت النظرية آراء هامة قلبت أسلوب البحث العلمي في ميدان الجريمة رأسا على
عقب ،ومن ثم فقد وجب تقدير هذه النظرية.
التأييد:
اتخذ لومبروزو في دراسته منهجا علميا حيث اعتمد على المالحظة واالستخالص ،حيث الحظ
لومبروزو وجود خصائص غير متغيرة في الرجل المجرم ومنها استخلص قوانين تحكم الظاهرة
اإلجرامية .وفضال عن ذلك فقد اعتمد على دراسة اإلحصائيات القليلة ،ومن ثم فيمكن القول أنه استعمل
المنهج التاريخي أيضا وقد أحاط بكافة األبحاث األنتروبولوجية والطبيعية التي سبقته واعتمد عليها في
استخالص النتائج التي تؤيد اتجاهه.
المعارضة:
-/1كانت دراساته قائمة على دراسة خصائص المجرم وهو في حالة سكون staitqueوليس ديناميكية
dynamique .
- 5د/عبد األحد جمال الدين ،د/جميل عبدالباقي الصغير ،المرجع سالف اإلشارة إليه ،ص. 17
5
-/2وجه فيري انتقاده وبناه على أساس أن لومبروزو عند بحثه للجمجمة وأبعاد الوجه لم يالحظ التفاوت
في األعمار بين األشخاص موضوع المالحظة حيث أنه من الثابت أن هناك عالقة بين العمر والحجم
بصفة عامة.
-/3أيضا اعتمد "هوتون" في انتقاده لنظرية لومبروزو على أن لومبروزو عند بحثه لتناسق وشكل
الجمجمة فقد استند إلى وصف شخص ولم يحاول أن يعمق النظر إلى أكثر من ذلك.
-/4لومبروزو لم يحاول أن يتحقق من صحة البيانات واإلحصاءات التي اعتمد عليها في أبحاثه.
-/5لومبروزو استخدم طريقة روائية في دراسته مما جعل القارئ يتشعب في متاهات جعلت الحصيلة
العلمية الناتجة من هذه األبحاث غير واضحة وغير محددة.
-/6أيضا قد عيب على لومبروزو أنه لم يستعمل المجموعة الضابطة groupe de conrtieالتي كانت
معروفة في وقته وإن كان قد استعملها في دراسة إجرام النساء.
ولكن بالرغم من االنتقادات العديدة التي تعرضت لها نظرية لومبروزو وتعرضت لها طريقة بحثه ،إال
أننا النستطيع إغفال أو تجاهل األثر العظيم لهذه النظرية في علم اإلجرام.
وقد ازدهر علم اإلجرام في السنوات األخيرة واستعان الباحثون فيه بكافة األساليب العلمية المتطورة التي
تستخدم في فحص اإلنسان بصفة عامة .حيث تعنى غالبية جامعات العالم بتدريس علم اإلجرام وعلى
المستوى الدولي تكونت جمعيات تهتم بالدراسات والبحوث اإلجرامية من أبرزها الجمعية الدولية لعلم
اإلجرام.
إذا أردنا أن نضع تعريفا لعلم اإلجرام فإننا لن نجد تعريفا واحدا ينعقد عليه إجماع الباحثين ،حيث قيل في
هذا الصدد أنه يوجد تعريفات لعلم اإلجرام بعدد مايوجد من العلماء المتخصصين في هذا العلم ،ولكن
ليس هناك مايمنع أن نتعرض لبعض التعريفات التي قيلت.
أوال :أوسع التعريفات التي قيلت في علم اإلجرام هو تعريف العالم اإليطالي أنريكو فيري حيث يرى
فيري أن عل م اإلجرام هو :مجموع العلوم الجنائية كافة ،وهو يضم بصفة خاصة قانون العقوبات الذي
اليعدوا أن يكون الشق القانوني من علم اإلجرام .وقد أخذ بهذا التعريف بعض تالميذ فيري من العلماء
وبعض علماء االجتماع أيضا أخذوا بهذا التعريف.6
ثانيا :أما التعريفات المضيقة لعلم اإلجرام فجميعها متفقة على استبعاد قانون العقوبات من مجال علم
اإلجرام حيث أن كال منهما علما متميزا عن اآلخر في موضوعه ومنهجه ووظيفته.
ثالثا :ونحن نتفق مع تعريف العالم اإليطالي آنريكو فيري ونؤيده إذ أن قانون العقوبات جزءا اليتجزأ من
علم اإلجرام ،حيث أن كال منهما يتناول بالدراسة الجريمة والمجرم ،وقانون العقوبات يمد علم اإلجرام
بمادة بحثه األساسية وهي الجريمة والمجرم أيضا قانون العقوبات هو الذي يحدد من بين صور السلوك
- 6د/فتوح عبدهللا الشاذلي ،المرجع السابق ،ص.24
6
اإلنساني تلك التي ينطبق عليها وصف الجريمة بحيث يعد مرتكبها مجرما ،فالفعل اليعد جريمة
والشخص اليصير مجرما إال إذا وجد نص في قانون العقوبات يضفي على بعض األفعال الصفة غير
المشروعة من الناحية الجنائية ،وبناءا عليه فإن قانون العقوبات يعد مصدرا لعلم اإلجرام ،وهو مصدر
الغنى لعلم اإلجرام عنه والوجود له بدونه.
رابعا :علم اإلجرام في الفقه المصري :هناك شبه اتفاق على حصر نطاق علم اإلجرام في دراسة
الجريمة والمجرم .وإن كان هناك تعريفات متعددة لعلم اإلجرام وهي كاآلتي:
التعريف األول :علم اإلجرام هو :العلم الذي يدرس أسباب الجريمة كظاهرة فردية واجتماعية ليحدد
القوانين المنطقية التي تحكمها وتفسرها في مظاهرها المتنوعة.
تعريف آخر :علم اإلجرام هو :العلم الذي يدرس الجريمة من الوجهة الواقعية دراسة علمية كظاهرة
فردية واجتماعية بقصد الكشف عن العوامل التي تسببها.
تعريف آخر :هو العلم الذي يبحث في الجريمة وعواملها التي تؤدي بإنسان معين إلى ارتكابها.
ونحن نرى أن علم اإلجرام هو العلم الذي يتناول بالدراسة األسباب الداخلية والخارجية التي دفعت
الشخص إلى ارتكاب الجريمة وكيفية مواجهة ومعالجة تلك األسباب للحد من انتشار الجريمة.
وفي النهاية النستطيع إال أن نقول أنه أيا كان الخالف اللفظي بين التعريفات التي تناولت علم اإلجرام فإن
جوهرها اليختلف ،حيث أنها تتفق في نقطة أساسية وهي أن علم اإلجرام هو الذي يدرس ظاهرة اإلجرام
باعتبارها سلوكا فرديا أو كظاهرة اجتماعية.
تمهيد وتقسيم :سبق وأن قلنا أن علم اإلجرام يدرس الجريمة ويحاول أن يجد لها تفسيرا ،ومن ثم كان
يتعين علينا التعرض لتعريف الجريمة وأركانها في عجالة شديدة.
أوال :تعريف الجريمة :هي انتهاك للتشريع الجنائي لدولة ما ناتج عن سلوك إنساني ومقرر له عقوبة
واليمكن تبريره بأنه يتضمن أداء لواجب أو استعماال لحق.
هو السلوك اإلنساني الذي يترتب عليه نتيجة يعاقب عليها القانون الجنائي مع مالحظة أن السلوك اإلنساني
هذا يشمل الفعل واالمتناع عن الفعل حيث أن كال منهما يمكن أن يكون محال للعقاب إذا ترتب عليه نتيجة
معينة في الحيز الخارجي يعاقب عليها القانون الجنائي ،حيث أن وجود (النتيجة اإلجرامية) يكون عادة
شرطا رئيسيا لتدخل القانون الجنائي ،ومن الضروري أيضا وجود (رابطة سببية) بين السلوك اإلنساني
7
وبين النتيجة التي يجرمها القانون الجنائي وهذه العناصر كلها تمثل الواقعة اإلجرامية ،وهي التي تشكل
الجانب المادي للجريمة.7
الركن المعنوي:
بالركن المعنوي تكتمل صورة الجريمة ،حيث أن السلوك اإلنساني الذي يسبب الجريمة يجب أن يكون
إثما ،أو على األقل يتوافر فيه الخطأ غير العمدي حتى يكون هناك وجه للمساءلة الجنائية ،فالجريمة
تفترض وجود العمد أو الخطأ غير العمدي في السلوك اإلنساني حتى نستطيع أن نقول أن صاحبه محال
للمسئولية .وبناء على ذلك فإننا نستطيع أن نقول أن للركن المعنوي للجريمة صورتين هما العمد والخطأ
غير العمدي.
مع مالحظة أن تشريعنا لم يتضمن تعريفا خاصا للركن المعنوي للجريمة ،وإن كان ذلك مستفاد من
تعريفات الكثير من الجرائم والنصوص التي تتعلق بانعدام المسئولية الجنائية كالمواد ، 61و ، 62و64
من قانون العقوبات المصري ..الخ ،وقد حرص مشروع قانون العقوبات المصري علىأن ينص على
الركن المعنوي للجريمة في المادة 25منه ،والتي حدد فيها صورتي الركن المعنوي بقوله :اليسأل
شخص عن جريمة إال إذا ارتكبها عمدا أو خطأ .
الركن الشرعي:
جرى الفقه التقليدي على تعريفه بأنه النص القانوني على تجريم هذا السلوك اإلنساني مع عدم وجود سبب
من أسباب اإلباحة بالنسبة له .فالركن الشرعي هو خالق الجريمة (إذ أنه العقوبة والجريمة إال بنص).
تمهيد وتقسيم:
إن تطور البحوث اإلجرامية وتخصصها أدى إلى تشعب فروع علم اإلجرام فقد نشأ أوال علم البيولوجيا
الجنائية ،ثم علم النفس الجنائي ،وأخيرا علم االجتماع الجنائي ومنهم جميعا يتكون علم اإلجرام .وسوف
نتناول كال من العلوم السابقة بإيجاز شديد.
وهو علم يعنى بدراسة الخصائص العضوية للمجرم وأجهزة جسمه الداخلية وصاحب الفضل في ظهور
هذا العلم هو لومبروزو وأبحاثه التي قام بها وانتهت إلى تبنيه لفكرة اإلنسان المجرم أو المجرم بالميالد أو
بالطبيعة وهو شخص يتميز بخصائص بدنية وأخالقية معينة تقربه من نموذج اإلنسان البدائي القديم كما
يتميز بنزعته اإلجرامية الموروثة وبإنقياده الحتمي إلى اإلجرام ،وقد سبق أن تعرضنا لهذه النظرية في
صدر هذا البحث .ومن النتائج التي تترتب على األبحاث في علم البيولوجيا الجنائية التحقق من أن إجرام
بعض األفراد قد يرجع سببه إلى التكون العضوي والحالة العقلية للمجرم.
- 7د/عبداألحد جمال الدين ،النطرية العامة للجريمة ،الجزء األول ، 1996-1995 ،ص.302
8
يعنى بدراسة التكوين النفسي للمجرم لتحديد أوجه الخلل النفسي الذي قد يكون هو سبب انزالقه إلى
اإلجرام.
حيث أن اإلنسان ليس كيانا بدنيا ماديا فحسب بل هو كذلك كيانا نفسيا يتأثر بالتكوين البدني ويؤثر فيه
وبناء عليه فإن أبحاث علم النفس الجنائي تشكل جانبا هاما من جوانب تفسير أسباب الظاهرة اإلجرامية.
يعنى بدراسة خصائص الجماعة والظروف المحيطة بها سواء كانت ظروف اجتماعية أو طبيعية أو
اقتصادية أو ثقافية وبيان أثر خصائص الجماعة وظروفها على حركة اإلجرام واتجاهات تطوره .ومن ثم
فإن دراسة أسباب الظاهرة اإلجرامية التكتمل إال بدراسة العوامل المتعلقة بالبيئة التي يحيا فيها الفرد.
تقسيم:
ونتناول فيه عالقة علم اإلجرام بعلم العقاب والسياسة الجنائية وعالقته أيضا بعلم الكشف الفني عن
الجريمة وأخيرا عالقة علم اإلجرام بعلم الوقاية العامة من اإلجرام .وسوف نتناول كال منهم في فرع
مستقل.
علم اإلجرام :يبحث في الظاهرة اإلجرامية من حيث أسبابها والقوانين التي تحكم نشأتها وتطورها.
هذا االرتباط بين العلمين دفع بعض الفقهاء إلى القول بأن علم العقاب فرعامن فروع علم اإلجرام ،ومن
ثم كان علينا أن نعرض ألوجه الشبه وأوجه االختالف بين كال من العلمين:
-/1يدرس الظاهرة اإلجرامية باعتبارها سلوك فردي وظاهرة اجتماعية لكي يحدد األسباب التي تدفع
إليها سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة.
-/2علم اإلجرام يغلب على أبحاثه الطابع الوصفي إذ أنه يتناول الظاهرة اإلجرامية بالتحليل لبيان العوامل
الدافعة إلى اإلجرام.8
9
علم العقاب:
-/1يدرس الجزاءات الجنائية باعتبارها إحدى وسائل مكافحة اإلجرام والوقاية منه فهو يحدد أغراض
الجزاء الجنائي ويوضح كيفية اختياره وأساليب تنفيذه التي يكون من شأنها أن تحقق أغراضه المستهدفة.
-/2علم العقاب يغلب على أبحاثه الطابع التطبيقي التجريبي ،إذ أنه يهتم بالتحقق من مدى مالءمة
جزاءات معينة وأساليب تنفيذ هذه الجزاءات لمكافحة اإلجرام.
علم اإلجرام :غاية علم اإلجرام مكافحة الجريمة وإن اختلفت الوسيلة.
علم العقاب :غاية علم العقاب مكافحة الجريمة وإن اختلفت الوسيلة.
إن الجزاءات الجنائية التي يضعها علم العقاب لكي تحقق غرضها وهو إصالح المجرم وتأهيله فالبد أن
يكون هناك إلمام مسبق باألسباب التي دفعت المجرم إلى اإلجرام وهذا اليأتي إال عن طريق دراسة
شخصية المتهم وهي من أهم موضوعات علم اإلجرام.
خاتمة :
إن كان هناك أوجه تمييز بين علم اإلجرام وعلم العقاب تجعل لكل منهما ذاتيته من ناحية الهدف والمنهج ،
فإن هذا اليعني بأي حال من األحوال انفصالهما ،بل على العكس فإن كل علم منهما يعتبر وسيلة من
وسائل اآلخر.
10
يقدم علم اإلجرام لهذا العلم خدمة كبيرة عندما يحدد العوامل التي تدفع إلى ارتكاب بعض الجرائم حيث أن
الوقوف على تلك العوامل يجعل من السهل اختيار الوسائل المناسبة للقضاء عليها أو الحد من مفعولها.
-د/عبد األحد جمال الدين ،د/جميل عبدالباقي الصغير ،المبادئ الرئيسية في القانون الجنائي ،القسم
العام . 1999 ،
11