You are on page 1of 98

‫جامعة زيان عاشور بالجلف ـ ــة‬

‫كليـ ــة اآلداب واللغات والفنون‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫كليـة اآلداب واللغات والف ـنون‬

‫قصيدة " النّاس" ألبي‬


‫شابي دراسة‬‫القاسم ال ّ‬
‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في اللغة العربية وآدابها‬
‫أسلوبية‬
‫إشراف األستاذ الدكتور‪:‬‬
‫تخصص ‪:‬تحليل الخطاب‬
‫إعداد الطالبان‪:‬‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطالبان‪:‬‬

‫د‪ /‬فضة امليلود‬ ‫‪ -‬صخري حممد‬


‫‪ -‬نــارة جناة‬

‫الموسم الجامعي‪6102/6102:‬‬
‫جامعة زيان عاشور بالجلف ـ ــة‬
‫كليـ ــة اآلداب واللغات والفنون‬

‫قسم اللغة العربية وآدابها‬ ‫كليـة اآلداب واللغات والف ـنون‬

‫قصيدة " النّاس" ألبي‬


‫شابي دراسة‬‫القاسم ال ّ‬
‫أسلوبية‬
‫مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في اللغة العربية وآدابها‬

‫تخصص ‪:‬تحليل الخطاب‬


‫أعضاء لجنة المناقشة ‪:‬‬
‫د‪.................................................................................../‬رئيسا‬
‫د‪........................................................................./‬مشرفا و مقررا‬
‫د‪............................................................................../‬عضوا ممتحنا‬

‫الموسم الجامعي‪6102/6102:‬‬
‫إهــــداء‬
‫أهدي هذا العمل المتواضع للوالدين‬
‫الكريمين ‪ ،‬و إلى كل أفراد عائلة‬
‫صخري وعائلة نارة ‪ ،‬وأبنائي‬
‫األعزاء( عبد الرحمان ومريم‬
‫ويوسف وسلسبيل)‬
‫وإلى كل طالب علم‪.‬‬
‫كلمة شكر وتقدير‬
‫عزوجلّ على أن وفقنا إلتمام دراسة مذكرتنا‬
‫نشكر هللا ّ‬
‫فضة الميلود الّذي‬
‫‪،‬ثمّ نشكر األستاذ الدكتور الكريم ّ‬
‫كان له الفضل في اختيار موضوعنا هذا واإلشراف عليه‬
‫كما أشكر األستاذ الدكتور قناني الميلود ‪ ،‬وجميع‬
‫أساتذة كلية األدب قسم اللّغة العربيّة وآدابها وطاقمها‬
‫اإلداري بجامعة زيّان عاشور بالجلفة ‪ ،‬وأعضاء لجنة‬
‫المناقشة‪ ،‬وكل من ساعدنا من قريب أو من بعيد‪،‬في‬
‫إنجاز هذه المذكرة فبارك هللا فيكم‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬
‫مقدمة‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫ةلقد انطلق الشاعر الحداثي في تأسيسه لعالم القصيدة الحداثية من فكرة المجهول‪ ،‬فهو لم‬
‫يكتف بمحاكاة الواقع الخارجي‪ ،‬من حيث هو واقع بصري‪ ،‬بل عمل على صياغة هذا الواقع‬
‫صياغة جديدة‪ ،‬محوال إياه إلى واقع فني ارتدت من خالله القصيدة الحداثية قناع الكشف‬
‫والتجاوز ‪ ،‬وما إلى ذلك من السمات األخرى التي جعلت نص قصيدة الحداثة نصا منفتحا‬
‫على العديد من المدلوالت‪.‬‬

‫ولقد أولتها الدراسات النقدية المعاصرة بدورها اهتماما كبي ار ‪ ،‬فظهرت األسلوبية والسيميائية‬
‫والبنيوية ‪ ،‬وكلها تحاول فك وفهم بنياتها ‪،‬وما يوجد فيها من غموض ‪.‬‬

‫ومن أهمها الدراسات األسلوبية والتي لها دور في محاولة لفهم الخطاب األدبي واستخراج ما‬
‫يحويه من قيم جمالية وفنية‪ ،‬وذلك بإتباع مستويات التحليل األسلوبي‪.‬‬

‫لقد وقع االختيار على الشاعر التونسي" أبالقاسم الشابي " المعروف بتحليقاته الحداثية‬
‫تنظي ار وابداعا‪ ،‬وكان موضوع مذكرتنا هو ( قصيدة " الناس " لشاعر أبي القاسم الشابي‬
‫دراسة أسلوبية ) ‪ ،‬نكشف من خاللها مختلف الظواهر األسلوبية في شعره‪.‬‬

‫ومن األسباب التي أغرت فضولنا بتناول هذا الموضوع نذكر ‪ :‬قلة االهتمام أو االشتغال‬
‫على أسلوبية القصيدة الحداثية في الشعر التونسي الحديث والمعاصر ؛ ألن االهتمام بهذا‬
‫المجال كان منصبا على الشعر المشرقي بشكل عام ‪ .‬ناهيك عن الفصل القائم بين جماليات‬
‫القصيدة الحداثية و آليات أو مستويات التحليل األسلوبي‪.‬‬

‫وبناء على هذا كانت إشكالية البحث على النحو التالي‪:‬‬


‫فمن هو أبو القاسم الشابي ؟ وما هو الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة وما معناها؟ وما‬
‫مدى نجاع المنهج األسلوبي الذي اعتمد في الدراسة ؟‬

‫ولذالك انتهجنا المنهج األسلوبي كتحليل للقصيدة‪،‬وعملنا على هندسة وتصميم خطة هذه‬
‫األطروحة في ثالثة فصول على النحو التالي ‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬خصصناه لدراسة فنية‪ ،‬لماهية األسلوب واألسلوبية وينقسم إلى أربعة مباحث‪،‬‬
‫األول تحدثنا فيه عن مفهوم األسلوب‪ ،‬وتياراته‪ ،‬والثاني مفهوم األسلوبية‪ ،‬اتجاهاتها‪ ،‬والثالث‬
‫عن الفرق بين األسلوب واألسلوبية‪ ،‬أما المبحث الرابع فيتحدث عن مستويات التحليل‬
‫األسلوبي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬خصصناه للشاعر والقصيدة حيث تطرقنا لحياة الشاعر ونشأته وزواجه‬
‫ومرضه في المبحث األول‪ ،‬أما في المبحث الثاني فتطرقنا لمذهب الشاعر وفكره وأغراضه‬
‫الشعرية وآثاره األدبية‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬دراسة تطبيقية درسنا فيه السمات األسلوبية بمستوياته الثالث‪:‬‬
‫المستوى اإليقاعي(الصوتي والصرفي)‪:‬درسنا فيه الموسيقى الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫المستوى التركيبي ( النحوي)‪:‬درسنا فيه الجملة بأنواعها في القصيدة أسمية وفعلية‪ ،‬مثبتة‪،‬‬
‫منفية‪...‬‬
‫المستوى المعجمي وحقوله الداللية‪ :‬وهو ما جاء في القصيدة من إشعارات‬
‫ودالالت‪،‬ومحسنات واأللفاظ الخ ‪….‬‬
‫وفي األخير الخاتمة التي تعتبر خالصة البحث وأهم النتائج المتوصل إليها‪،،‬ثم تأتي قائمة‬
‫المصادر والمراجع التي كان لها الفضل لما تحصلنا عليه من معلومات‪ ،‬وحتى تكون هذه‬
‫الخطة ناجحة كان من الضروري اختيار المنهج المناسب لها فتتبعنا المنهج الوصفي‬
‫التحليلي بصفته من المناهج التي تستطيع فك الرموز والكلمات في النص الشعري إضافة‬
‫إلى المنهج اإلحصائي الذي نعتقد أنه ضروري لرصد كافة الظواهر الصوتية والصرفية‬
‫والتركيبية ‪.‬‬
‫ولقد وجدنا في بحثنا العلمي بعض الصعوبات والعراقيل التي واجهتنا ومن بينها‪:‬‬
‫انعدام المراجع التي درست قصيدة الناس ألبي القاسم الشابي أسلوبيا‬
‫كثرة المراجع في الجانب النظري مما يتطلب وقتا كبي ار لالطالع عليها و أخذ الزبدة‬
‫منها ‪.‬‬
‫وفي األخير نرجو أن نكون قد وفقنا في دراسة هذا الموضوع ‪ ،‬وقدمنا ما فيه الفائدة لمن‬
‫يهتم بالدراسة األسلوبية ‪ ،‬وبالرغم مما واجهنا من صعوبات وعراقيل تمكنا بفضل هللا وعونه‬
‫من تذليلها ‪ ،‬ونوجه الشكر والعرفان إلى كل من ساعدنا من قريب أو بعيد في انجاز هذا‬
‫البحث وأخص بالذكر األستاذ المشرف الذي كان له الفضل في التوجيه والنصح ‪.‬‬
‫الفصل األول‬

‫ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم األسلوب وتياراته‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬مفهوم األسلوبية و اتجاهاتها‪.‬‬ ‫المبحث‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الفرق بين األسلوبية واألسلوب‪.‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي‬


‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم األسلوب وتياراته‪.‬‬

‫‪ )1‬مفهوم األسلوب‪:‬‬

‫أ) لغة ‪ :‬يعرفه ابن منظور في (اللسان) ‪ " :‬ويقال للسطر من النخيل والمذهب أسلوب وكل‬
‫طريق ممتد فهو أسلوب ‪ ،‬وأسلوب الطريق ‪ ،‬والجوه‪ ،‬المذهب يقال أنتم في أسلوب سوء ‪،‬‬
‫ويجمع أساليب "واألسلوب الطريق تأخذ فيه واألسلوب بالضم ‪ :‬الفن‪ ،‬يقال أخذ فالن في‬
‫أساليب من القول أي ‪ :‬أفانين منه ‪.‬‬
‫ويقول مجدي وهبة أيضا‪(ً:‬إن لفظ أسلوب مشتقة من األصل الالتيني للكلمة األجنبية الذي‬
‫يعني القلم ‪.‬‬
‫أما الزيدي في كتابه تاج العروس فال يزيد شيئا عما ذكره ابن منظور في معجمه حول‬
‫لفظ أسلوب واألسلوب في المعاجم العربية يدل على المذهب‪ ،‬أو الطريقة أو الفن‪ ،‬أي انه‬
‫يدل على الطريقة تدمغ الشيء الذي يطلق عليه بسمة محددة ‪،‬أما الزمخشري فيقول ‪:‬سلبه‬
‫ثوبه وهو سليب ‪،‬واخذ سلب القتيل و أسالب القتلى ‪،‬ولبست الثكلى السالب والحداد‬
‫‪،‬وتسلبت وسلبت على ميتها فهي مسلب واألحداد على الزوج ‪ ،‬والتسليب عام ‪،‬وسلكت‬
‫أسلوب فالن ‪:‬طريقته وكالمه على اسليب حسنة‪ ،‬ومن المجاز ‪:‬سلبه فؤاده وعقله واستلبه ‪،‬‬
‫وهو مستلب العقل ‪،‬وشجرة سليب اخذ ورقها وثمرها ‪ ،‬وناقة سلوب اخذ ولدها ‪ ،‬ويقال‬
‫للمتكبر ‪:‬انفه في أسلوب إذا لم يلتفت يمينه وال يساره ‪.‬‬

‫أما كلمة أسلوب باللغة اإلنجليزية فهي ملتصقة بالمفهوم العام لألسلوب في الثقافة الغربية‬
‫مادامت تشير إلى أداة الكتابة‪ ،‬كما هي أداة للكتابة على ألواح الشمع‪.‬‬

‫واألسلوب ينتقل فيه الكالم من التعبير المحايد غير المتأسلب إلى التعبير المتأسلب‪،‬وهناك‬
‫من يرى أن األسلوب يتضمن سمة لغوية في ذاتها قيمة أسلوبية معينة‪.‬‬

‫واألسلوب في اللغة العربية كلمة غير مرتبطة بأصل مادتها "سلب" على الرغم من أنها تدل‬
‫على سمة معينة أو خصيصة معينة يتضمنها شيء ما ‪،‬وليس ضرورة كتابة ما أو الكالم ‪.‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫وقد تطرق علماء اللغة األوربيون في العصور الوسطى إلى بعض مفاهيمه في تقسيماتهم‬
‫لألساليب الممكنة في الكتابة ‪،‬وقرروا تقسيم األسلوب إلى ثالثة أقسام هي‪":‬البسيط أو الوطئ‬
‫‪،‬والوسيط ‪،‬و األنياذة نموذج للسامي" ‪،‬ثم صار يعني أية طريقة خاصة الستعمال اللغة‬
‫بحيث تكون هذه الطريقة صفة مميزة للكاتب‪ ،‬أو مدرسة ‪،‬أو فترة زمنية ‪،‬أ وجنس أدبي ما‪.‬‬
‫ب) اصطالحا‪:‬‬
‫ب‪ )1‬عند قدامى العرب ‪ :‬يعد حازما لقرطاجي من أوائل العلماء العرب الذين تعرضوا‬
‫لمفهوم األسلوب اصطالحا ويسجل في كتاب منهج البلغاء مايلي ‪ ":‬يجب أن تكون نسبة‬
‫األسلوب إلى المعاني ‪ ،‬ويجب أن تكون نسبة النظم إلى األلفاظ ‪.‬‬
‫ويعلل ذلك نبيل قواس في سجنيات أبي فراس الحمداني بقوله ‪.... ":‬ألن األسلوب يحصل‬
‫عن كيفية االستمرار في أوصاف جهة من الجهات‪ ،‬فكان بمنزلة النظم في األلفاظ الذي هو‬
‫‪1‬‬
‫صورة كيفية االستمرار في األلفاظ و العبارات‪"...‬‬
‫أما عند عبد القاهر الجرجاني ‪ :‬يرتبط مفهوم األسلوب بمفهوم النظم من حيث هو نظم‬
‫للمعاني وترتيب لها ‪ ،‬وهو يطابق بينهما من حيث كانا يمثالن تنوعا لغوي واختيار ‪ ،‬ومن‬
‫حيث إمكانية هذه التنوعات في أن تصنع نسقا وترتيبا يعتمد على إمكانيات النحو‪....‬‬
‫وعالقة النظم باألسلوب هو عالقة الجزء بالكل‪ ،....‬واألسلوب عند الجرجاني هو " الضرب‬
‫‪2.‬‬ ‫من النظم والطريقة فيه‬
‫ويذكر عبد القادر عبد الجليل في كتابه أسلوبية وثالثية الدوائر البالغية أن " النظم عند‬
‫الجرجاني يتحقق عن طريق إدراك المعاني النحوية ‪ ،‬واستغالل هذا اإلدراك في حسن‬
‫االختيار والتأليف ‪.‬‬

‫‪ ) 1‬نبيل قواس ‪،‬سجنيات أبي فراس الحمداني ‪ ،‬دراسة أسلوبية ‪ ،‬المدخل ‪ ( ،‬د‪.‬ص ) ‪ ،‬ص‪. 22‬‬
‫‪ )2‬ابن خلدون ( عبد الرحمان بن محمد ابوزيد ولي الدين الحضرمي االشبيلي ) ‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬ط‪، 4‬دار إحياء التراث العربي‬
‫‪ ،‬بيروت ‪( ،‬دت ) ‪ ،‬ص‪.75‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫أما في العصر الحديث نجد أحمد الشايب يطرح ثالث تعريفات لألسلوب ‪:‬‬
‫‪ )1‬فن من الكالم يكون قصصيا أوحواريا أو تشبيها ‪،‬أو مجا از ‪،‬أوكناية ‪،‬أو تقري ار أو حكما‪.‬‬
‫‪ )2‬وهو طريقة الكتابة أو طريقة اإلنشاء‪ ،‬أو طريقة اختيار األلفاظ وتأليفها للتعبير بها عن‬
‫المعاني قصد اإليضاح والتأثير‪.‬‬
‫‪ )3‬هو الصورة اللفظية التي يعبر بها عن المعاني‪ ،‬أو نظم الكالم‪ ،‬وتأليفه ألداء األفكار‪،‬‬
‫المعاني‪1.‬‬ ‫وعرض الخيال‪ ،‬أو العبارات اللفظية المنسقة ألداء‬
‫ب‪ )2‬عند المحدثين‪ :‬اعتمد أحمد الزيات في دراسته لألسلوب على المقارنة بين البالغة‬
‫القديمة ومفهوم األسلوب عند الغربيين ومن هذا المنطلق عرف األسلوب بأنه‪" :‬طريقة الكاتب‬
‫أو الشاعر الخاصة في اختيار األلفاظ وتأليف الكالم‪ ،...‬وحاول الربط بين اللغة وصفات‬
‫األمة من حيث تبادل التأثير بينهما‪ ...‬وتحدث عن قضية الشكل والمضمون‪ ،‬أو الفظ‬
‫والمعني "‪ ،‬وهكذا يالحظ أن "الزيات" أقام دراسته على المبدع والمتلقي واألسلوب والعالقة‬
‫العناصر‪2.‬‬ ‫القائمة بين هذه العناصر الثالث واألساليب تتعدد وتسمو وتهبط تبعا لهذه‬
‫أما صالح فضل فتحدث في كتابه "علم األسلوب " عن موضوعات عديدة تتعلق بهذا‬
‫الموضوع بقوله أن هذا العلم لم يظفر بما يستحق في اللغة العربية من رعاية واهتمام‪..‬‬
‫ينحدر من أصالب مختلفة وترجع إلى أبوين هما ‪ " :‬اللسانيات وعلم الجمال "‪3‬وخالصتها‬
‫أن األسلوب يخضع الهتمامات عديدة‪:‬‬
‫األسلوب هو السلوك (علم النفس)‪ ،‬األسلوب هو الحدث (علم البالغة)‬
‫األسلوب هو الفرد (األديب) ‪ ،‬األسلوب هو الشيء الكامن الفقيه اللغوي) األسلوب هو‬
‫المتكلم الخفي أو الضمني( الفيلسوف)‪4.‬‬

‫‪ )1‬يوسف أبوالعدوس ‪،‬األسلوبية الرؤية والتطبيق‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المسيرة ‪2225‬م ‪ ،‬ص‪.11-11‬‬
‫‪2‬‬
‫) بكاي أخذاري ‪ ،‬تحليل الخطاب الشعري قراءة أسلوبية في قصيدة قذى بعينيك للخنساء ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬و ازرة الثقافة‬
‫‪2225،‬م ‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫‪3‬‬
‫) منذر العياشي ‪،‬األسلوبية وتحليل الخطاب ‪،‬ط‪ ،1‬مركز اإلنماء الحضاري ‪2222،‬م‪،‬ص‪.12‬‬
‫‪4‬‬
‫) )بيار جيرو ‪:‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬منذر عياشي‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪. 6‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫ب‪ ) 3‬عند الغربيين‪:‬‬

‫بدأ مفهوم األسلوب يتحدد ويتسع في الوقت ذاته‪ ،‬حيث تقترح علينا القواميس الحديثة "ما لم‬
‫يقل عن عشرين تعريفا لهذه الكلمة‪ ،‬يذهب أهمها من طريقة التعبير عن الفكر إلى طريقة‬
‫العيش‪ ،‬مرو ار بالطريقة الخاصة لكاتب من الكتاب‪ ،‬أو الفنان ‪ ،‬أو الفن‪ ،‬أو الثقافة‪ ،‬أو‬
‫آخره‪1‬‬ ‫الجنس‪ ،‬أو العصر‪ ...،‬إلى‬

‫وقد ارتبط مفهوم األسلوب عند الغربيين بخصائص مختلفة ‪ ،‬أهمها خاصية التفرد واالنزياح‬
‫واإلحصاء‪ ،‬إذ نجد األسلوب عند" جون ديبوا "و أصحابه هو" ‪ :‬سمة األصالة الفردية للذات‬
‫‪3‬‬ ‫‪ ،‬و هو أيضا" طريقة متميز ة و فريدة و خاصة بكاتب معين"‬ ‫الخطاب‪2‬‬ ‫الفاعلة في‬
‫عند" جورج مولينيه"‪ ،‬هذا وقد استمد" شارل بالي" فكرة ثنائية" اللغة والكالم "من أستاذه دي‬
‫سوسير واستثمرها في تعريف األسلوب فحصره في تفجير الطاقات التعبيرية الكامنة في‬
‫صميم اللغة ‪ ،‬بخروجها من عالمها االفتراضي إلى حيز الوجود اللغوي الذي يمثل الكالم أو‬
‫االستعمال الفعلي والفردي والمميز للغة‪ ،‬وبالتالي إدخال عناصر اللغة في عالقات تربطها‬
‫بعضها البعض‪ ،‬للحصول على نص مكتمل‪ ،‬أو بنية نصية دالة‪ ،‬هذه البنية هي األسلوب‬
‫‪،‬‬ ‫الذي هو"انحراف اللهجة الفردية ‪ ،4‬ويعده" سبتزر" انحرافا فرديا بالقياس إلى قاعدة ما)‬
‫‪7‬‬

‫ويعرفه ‪":‬بيار جيرو " بأنه" انزياح‬ ‫‪7‬‬ ‫و"بول فالير" يقر بأن األسلوب" انزياح بالنسبة للقواعد‬
‫معيار‪.1‬‬ ‫يعرف كميا بالقياس إلى‬

‫‪ )1‬يوسف وغليسي ‪:‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،2008 ، 1‬‬
‫ص‪. 182‬‬
‫‪2‬‬
‫) جورج مولينيه ‪:‬األسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬وتقديم بسام بركة‪ ،‬المؤسسة الجمعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1111 ،‬‬
‫‪ )3‬جان كوھين ‪ :‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد المولى ومحمد الغمري‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫ط‪ ، 1986 ، 1‬ص‪. 15‬‬
‫‪4‬‬
‫) المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.17،16 ، 15‬‬
‫‪ )7‬بيار جيرو ‪:‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬منذر عياشي ‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪ ،.‬ص‪. 09‬‬
‫‪1‬‬
‫) جان كوھين ‪:‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ص‪. 17‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫هذا التعريف األخير مستند إلى اإلحصاء هو ما أكده" كوهين "في مفهومه لألسلوب الذي‬
‫يعتمد هو أيضا على اإلحصاء‪ ،‬إذ يكون األسلوب الشعري لديه هو" متوسط انزياح مجموعة‬
‫القصائد‪ ،‬الذي سيكون من الممكن نظريا االعتماد عليه لقياس) معدل شاعرية) أية قصيدة‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫كيفما كانت)‬
‫لقد كان من الدوافع الرئيسية الستخدام اإلحصاء في دراسة األسلوب هو إضفاء موضوعية‬
‫معينة على الدراسة نفسها‪ ،‬و كذلك من أجل تخطي عوائق تمنع من استجالء مدى رفعة‬
‫أسلوب معين أو حتى تشخيصه‪.‬‬
‫وكثي ار ما يجري التركيز في ماهية أو تعريف األسلوب على جانبه الفرداني ويتضح ذلك جليا‬
‫أيضا في أطروحات روالن بارت حيث األسلوب هو" ‪:‬شيء الكاتب هو روعته و سجنه‪ ،‬إنه‬
‫عزلته)‪ ، (...‬وألنه مسعى مغلق للشخص فإنه ال يكون قط نتاج اختيار أو تفكير في األدب‬
‫‪/‬إنه الجانب الخصوصي في الطقوس )‪ (...‬األسلوب صوت مزخرفا يزين لحنا مجهوال‬
‫)‪(...‬ليس لألسلوب سوى بعد عمودي يغوص في الذاكرة المنغلقة للشخص‪ ،‬و يكون كثافته‬
‫انطالقا من تجربة معينة للمادة‪ ،‬إن األسلوب ما هو إال استعارة أي معادلة ما بين البنية‬
‫‪ ،‬بهذا المفهوم قدم لنا روالن بارت ملخصا وجي از‬ ‫‪2‬‬ ‫األدبية والبينة اللحمية للكاتب)‬
‫لمواصفات برنامجه األسلوبي‪ ،‬فاألسلوب عنده هو ما يتميز به الكاتب من سمات أسلوبية‬
‫تحقق له التفرد و الخصوصية عن غيره من الكتاب‪ ،‬و هو في الوقت ذاته محاولة من‬
‫الكاتب تسعى إلى رسم شخصيته عن طريق تأليف الخطاب النصي تأليفا خاصا يشبه‬
‫السحر‪ ،‬وهذا ما يسمى عادة ب ‪:‬كيفية القول أو طريقة التعبير ‪.‬‬

‫‪ )1‬جان كوھين‪ ،‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ص ‪. 06‬‬


‫‪2‬‬
‫) روالن بارت‪ ،‬الدرجة الصفر للكتابة‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد برادة‪ ،‬الشركة المغربية للناشرين المتحدثين‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط ‪3‬‬
‫‪ ،1985‬ص‪. 35‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫وعلى هذا النحو عرف بيار جيرو األسلوب أيضا بأنه" طريقة في الكتابة و هو استخدام‬
‫الكاتب ألدوات تعبيرية من أجل غايات أدبية ‪ 1 ،‬و في مقابل ذلك نجد ميشال فوكو‬

‫يعرف هو اآلخر األسلوب بأنه" ‪:‬طريقة معينة في القول("‪ ، 2‬و من الواجب هنا أال نقع في‬
‫شرك التمييز السخيف بين األسلوب و المضمون أو ب ين ما يقال" ‪ ،‬و بين" كيفية القول" ؛‬
‫ألن القول هو ما يشكل" المحتوى " أو" المدلول" أو" الموضوع"‪ ،‬الخطاب إذا ما لم ينشئ‬
‫الخطاب مقابل صمت الوجود المجرد أو ضمن همهمة ارتعاش األشياء السابقة على اللغة‪،‬‬
‫فإنه ال يكون هناك فرق بين الدال و المدلول بين الذات و الموضوع‪ ،‬بين الرمز و المعنى‪،‬‬
‫و هذه الفروق في الواقع هي نتيجة الحادث الخطابي‪ ،‬لكن هذا الحادث يبقى دون وعي‬
‫لهدفه الحقيقي‪ ،‬و هو أن يوجد و أن يقنع عشوائية وجوده بقناع القول البسيط و األسلوب هو‬
‫طريقة هذا الكشف و اإلخفاء المتزامنين في الخطاب‪.‬‬

‫إذن أصبح األسلوب عند الحداثيين أقرب إلى رصد الهروب من هذه السمات العامة نشدانا‬
‫لتحقيق السمات الفردية للكاتب التي أشار إليها بارت‪ ،‬فاألسلوب عند بارت فردي يتسم‬
‫بالفرادة والتميز في حين أن الكتابة جماعية‪.‬‬

‫وما نستنتجه من هذه الماهيات هو أن األسلوب طريقة الكاتب في التعبير عن موقف ما‪،‬‬
‫واإلبانة من خالل هذا الموقف عن شخصيته األدبية‪ ،‬و تفردها و تميزها عن سواها في‬
‫اختيار المفردات و تأليفها و صياغة العبارات و سحرها و الصوت و لحنه‪ ،‬و ما إلى ذلك‬
‫من االستخدام المتميز للتشبيهات البالغية‪ ،‬وبعبارة موجزة األسلوب هو الفرد‬

‫أو الشخص أو شيء الكاتب‪ ،‬إنه التركيب الذي يشكل معادلة رمزية داللية تحمل في طياتها‬
‫أبهى صورة من صور استخدام الكالم لدى كاتب ما‪.‬‬

‫‪ )1‬بيار جيرو‪ ،‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬منذر عياشي‪ ،‬ص ‪. 9‬‬


‫‪ )2‬جون ستروك‪ ،‬البنيوية وما بعدھا من ليفي شتراوس إلى دريدا‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد عصفور‪ ،‬المجلس الوطني‬
‫للفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪ 1996 1‬ص ‪. 119‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫األسلوب كاختيار‪:‬يرى أصحاب هذا االتجاه أن نظام اللغة‬ ‫‪ -2-‬تيارات األسلوب‪:‬‬


‫يقدم للمبدع إمكانيات هائلة يمكنه أن يستخدمها حسب حاجاته النفسية وأذواقه الشخصية‬
‫النابعة من حجم ثقافته ‪،‬إذن فالمبدع حر في اختيار ما يريد ما دام ما يختاره يخدم رؤيته و‬
‫تصوره وموقفه ‪،‬لكن مع ذلك تختلف قدرات التعبير لدى األشخاص حسب رصيدهم اللغوي‬
‫والمعرفي ‪،‬إن االختيار يعني وجود تعبيرين أو أكثر لهما معنى نفسه بيد أنهما يختلفان في‬
‫طرائق تأديتهما‪.‬‬

‫أ ) األسلوب كانزيا ح أو انحراف ‪:‬‬

‫إن تعريف األسلوب بوصفه عدوال (انزياح) يثير بعض المشاكل والمصاعب تتبعها كال من‬
‫فضل‪. 1‬‬ ‫حسن ناظم وقبله صالح‬
‫ويمكن حصرها فيما يلي‪ - :‬ما هو المعيار الذي نقيس بواسطته مدى العدول‬
‫‪ -‬ماذا عن النصوص الخالية من أي عدول عن قاعدة ما ؟‬
‫‪ -‬هل كل عدول يحمل قيمة أسلوبية‪ ،‬وهل كل قيمة أسلوبية ناتجة عن عدول؟‬
‫ويمكن أن نعرف االنزياح على أنه خروج عن المألوف أو بما يقتضيه الظاهر أو الخروج‬
‫عن المعيار اللغوي السائد‪،‬ورأى بعض الباحثين أن األسلوب في أي نص أدبي انزياح أو‬
‫‪2‬‬
‫انحراف عن نموذج الكالم‬

‫‪ )1‬صالح فضل ‪،‬علم األسلوب ومبادئه واجراءاته ‪،‬دار األفاق ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪1197 ،1‬م ‪ ،‬ص‪. 71‬‬
‫‪)2‬رشيد بديدة ‪،‬البنيات األسلوبية في مرثية بالقيس لنزار قباني ‪ ،‬رسالة ماجيستير ‪،‬جامعة باتنة ‪ ،‬دفعة ‪.2212/2221‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫ب) األسلوب كاضافة أو تضمن ‪:‬‬

‫أي أنه إضافة بعض الخصائص أو السمات األسلوبية إلى النصوص المحايدة وتنقلها من‬
‫حيادها فتصبح بذلك أسلوبا فاألسلوب حسب هذه النظرية مجموعة من الخصائص أو‬
‫السمات التي تضاف إلى لغة التواصل العادية‪ ،‬وهذه اإلضافة قد تكون زخرفا وتحسينا‬
‫‪1‬‬
‫وتجميال لعبارات محايدة بريئة من أي أساليب ممكنة‪.‬‬

‫ج) األسلوب كإحصاء ‪:‬‬

‫لقد كانت من الدوافع الرئيسية الستخدام اإلحصاء في الدراسات األسلوبية هو إضفاء‬


‫موضوعية معينة على الدراسة نفسها وكذالك لمحاولة تخطي عوائق تمنع من استجالء مدى‬
‫رفعة أسلوب معين أو حتى تشخيصه ‪ ،‬والمهم في تطبيق المنهج اإلحصائي هو أننا يجب‬
‫أن نمارس تحليال أسلوبيا يتجاوز المعالجة اإلحصائية ‪ ،‬في النص الشعري إلى معالجات‬
‫أخرى أكثر جوهرية ‪ ،‬إذ ال يمكن االقتصار على مجموعة اإلحصاءات فقط تجيز ممارسة‬
‫‪2‬‬
‫تحليل أسلوبي من دون أن نتفحص النص المحلل من نواحي أخرى ‪.‬‬

‫‪ )1‬سعد مصلوح‪ ،‬األسلوب ‪،‬ط‪،3‬عالم الكتب ‪ ،1112،‬ص‪.21‬‬

‫‪ )2‬حسن ناظم ‪ ،‬البني األسلوبية" دراسة في أنشودة المطر "للسياب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫د ت ‪ ،‬ص ‪. 41-47‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم األسلوبية و اتجاهاتها‬

‫‪ )1‬مفهوم األسلوبية‪:‬‬

‫إذا كانت األسلوبية هي علم دراسة األسلوب أو هي " تطبيق المعرفة األلسنية في دراسة‬
‫األسلوب ‪ ،1‬فقد تطورت داللتها االصطالحية عبر القرون؛ من الداللة على كيفية التنفيذ في‬
‫القرن ‪ 14‬م‪ ،‬إلى" كيفية التعارك أو التصرف " في القرن ‪ 15‬م‪ ،‬إلى كيفية التعبير في القرن‬
‫‪16‬م‪ ،‬لتتحول داللتها على" كيفية معالجة موضوع م ا "في نطاق الفنون الجميلة خالل القرن‬
‫‪17‬م‪ ،‬لتستقر الداللة االصطالحية في حقل الكتابة ‪ -‬على كيفية الكتابة من جهة‪ ،‬و من‬
‫‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫جهة أخرى ‪:‬كيفية الكتابة الخاصة بكاتب ما‪ ،‬أو جنس ما‪ ،‬أو عهد معين‬

‫واذا انتقلنا إلى الساحة النقدية العربية فإننا نقول ‪ :‬إن انتقال األسلوبية إلى الخطاب النقدي‬
‫العربي قد تأخر إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي بفعل جهود مشتركة أسهم فيها‬
‫كل من ‪ :‬عبد السالم المسدي و شكري عياد‪ ،‬و جوزيف ميشال شريم وعدنان بن ذريل و‬
‫لطفي عبد البديع‪ ،‬و صالح فضل و محمد عبد المطلب‪ ،‬و منذر عياشي و بسام بركة و‬
‫محمد الهادي الطرابلسي و محمد عزام و سعد مصلوح و عبد الملك مرتاض و حميد‬
‫لحميداني‪ ،‬و بعض األسماء الجزائرية يتصدرها نور الدين السد الذي خص األسلوبية‬
‫بأطروحة علمية ضخمة‪ ،‬و عبد الحميد بوزوينة و علي مالحي و رابح بوحوش‪...‬‬

‫لعل أهم خاصية و ميزة قامت عليها األسلوبية هي بحثها الدائم عما يتميز به الكالم الفني‬
‫عن غيره من أصناف الخطاب‪ ،‬و هذا التميز غالبا ما يتحقق عن طريق خرق القواعد‬
‫المعروفة للنظام اللغوي المألوف في مستواه الصوتي أو الصرفي أو التركيبي أو الداللي الخ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫) يوسف وغليسي ‪:‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد‪ ،‬ص ‪. 175‬‬
‫‪2‬‬
‫) المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 175‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫وقد ينطلق" جان كوهين من هذه الخاصية الجمالية في تحديده لماهية األسلوبية فهي" علم‬
‫إذن االنزياح في مفهوم جان كوهين هو" المجاوزة الفردية أو طريقة في‬ ‫اللغوية(" ‪،1‬‬ ‫االنزياح‬
‫واحد"‪2.‬‬ ‫الكتابة خاصة بمؤلف‬
‫و يرى" جاكبسون أن األسلوبية هي" ‪:‬بحث عما يتميز به الكالم الفني عن بقية مستويات‬
‫‪.3‬‬ ‫الخطاب أوال‪ ،‬وعن سائر أصناف الفنون اإلنسانية ثانيا‬

‫إذن من مهام األسلوبية المعاصرة التي تقدم نفسها على أنها مطمح علم كما يرى" جيرار‬
‫جنجمبري أنها دائما تبحث أو تحيل على السمة الفردية لمدرسة أو جنس في استعمال اللغة‬
‫(‪ ،4‬أما األسلوب عند" جون ديبوا وأصحابه فهو" سمة األصالة الفردية للذات الفاعلة في‬
‫الخطاب("‪ ،7‬كما أن األسلوبية هي الدراسة العلمية لألسلوب في األعمال األدبية(‪ ،1‬وتشدد‬
‫مجمل التعريفات الغربية لألسلوب على بعده الفردي المتفرد كما سنرى الحقا‪ ،‬فهو" طريقة‬
‫متميزة وفريدة‪ ،‬وخاصة‪ ،‬بكاتب معين)‪ 5‬عند" جورج مولينيه تعني "‪:‬دراسة المتغيرات اللسانية‬
‫إزاء المعيار القاعدي‪ ،‬وهذا ما يتطابق مع التقليد القديم الذي يضع البالغة في مواجهة‬
‫القواعد‪.‬‬

‫‪ )1‬جان كوھين ‪:‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد المولى ومحمد الغمري ‪ ،‬ص‪, 16‬‬
‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 23‬‬
‫‪)3‬‬
‫محمد عزام ‪:‬األسلوبية منهاجا نقديا‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪ ، 1989 ، 1‬ص‪. 11‬‬
‫‪ )4‬يوسف وغليسي ‪:‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد‪ ،‬ص ‪. 181‬‬
‫‪7‬‬
‫) المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 182‬‬
‫‪ )1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪. 182‬‬
‫‪ )5‬جورج مولينيه ‪:‬األسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬وتقديم‪ ،‬بسام بركة ‪ ،‬ص‪. 11‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫والقواعد في هذا المنظور هي مجموعة القوانين؛ أي مجموعة القوانين وااللتزامات التي‬
‫يفرضها النظام والمعيار على مستعمل اللغة‪ ،‬فاألسلوبية تحدد نوعية الحريات في داخل هذا‬
‫النظام )‪ (...‬القواعد هي العلم الذي ال يستطيع الكاتب أن يصنعه‪ ،‬أما األسلوبية فهي ما‬
‫النص‪1‬‬ ‫يستطيع فعله و ما يفعله؛ ألن هذا الموضوع نقد األسلوب على المستوى‬

‫وفي هذا السياق تصبح أعظم سمة تميز األساليب عند الكاتب على نحو خاص هو تفردها‬
‫من ناحية‪ ،‬و من ناحية أخرى هو كونها دليال على شخصيات أولئك في تصرفاتهم في‬
‫األلفاظ‪ ،‬األمر الذي يجعل األسلوبية بحثا في كيفية هذه التصنيفات الحرة‪ ،‬الستكشاف‬
‫قوانينها المسيرة وخصائصها المميزة‪.‬‬

‫‪ )1‬بيار جيرو ‪:‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬منذر عياشي‪ ،‬ص‪. 1-9‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )2‬اتجاهات األسلوبية‪:‬‬
‫أ) األسلوبية التعبيرية ‪ :‬عند شارل بالي و يعد من أهم مؤسسي األسلوبية الحديثة وهي‬
‫كشف القيم التعبيرية والجمالية عند الفرد وهي تقوم على وصف وقائع اللغة ‪،‬أي دراسة القيم‬
‫التعبيرية الكامنة في اللغة من أجل الوقوف على العالقة بين المحتوى العاطفي والصيغ‬
‫النحوية ‪،‬هذا ما جاء به دي سوسير ‪.‬‬
‫لكن بالي تجاوز ما قاله أستاذه وذلك من خالل تركيزه الجوهري واألساسي على‬
‫العناصر الوجدانية للغة فقد اهتم في دراسته بالبحث عن عالقة الفكر بالتعبير وابراز الجهد‬
‫الذي يبذ له المتكلم ليوفق بين رغبة بالقول وما يستطيع قوله في المنشئ‪.‬‬
‫فالمنشئ سواء كان متحدثا عاديا أم أدبيا فهو يجتهد في إيصال أفكاره إلى المتلقي ‪،‬وفي‬
‫أحيان كثيرة يتضمن خطابه شحنات عاطفية بغرض التأثير في متلقيه ‪،‬وكان جل اهتماماتها‬
‫على تلك الشحنات العاطفية في الخطاب ‪،‬فاألسلوبية إذا كما يرى تدرس الصيغ التعبيرية‬
‫إسنادا على موضوعها المؤثر ‪،‬أي ندرسها بالنظر إلى اإلعراب عن اإلحساس بواسطة اللغة‬
‫باإلحساس‪1.‬‬ ‫‪،‬وبالنظر إلى تأثر اللغة‬
‫ب) األسلوبية النفسية‪:‬‬
‫والتي ظهرت عند سبيتزر حيث بدأ في دراسته من مقولة "بوفن" الشهيرة األسلوب هو الرجل‬
‫من أجل تحديد نفسية الكاتب وميوله ونزاعاته معاديا في دراسته هذه الدراسات السابقة التي‬
‫أهملت دور الكاتب ودرست النص كنص قائم بذاته ولم تراعي أن النص منتج يجب دراسة‬
‫‪2.‬‬ ‫العوامل التي أدت به إلى كتابة هذا النص‬

‫‪ )1‬لخضر الحرابي ‪ ،‬المدارس النقدية المعاصرة ‪،‬دار الغرب النشر والتوزيع ‪ ،‬دط ‪ ،2221،‬ص‪.231‬‬
‫‪ )2‬يوسف أبو العدوس األسلوبية الرؤية و التطبيق ‪ ،‬ص‪.119‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫انه يركز في دراسته على التحوالت التي تحدث الكلمات وهو يهتم من خالل هذا اإلجراء إلى‬
‫تحديد المفاهيم في حقيقة زمنية معينة و يركز على الجانب النفسي للكلمة والسياق مراعيا‬
‫يقول ستار بكنسي (‪...‬ليس األسلوب عند سبيتزر فرديا بحتا وال هو‬ ‫‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫المقام الذي قيلت فيه‬
‫بالكلي المحض ‪،‬لكنه فوري في طريقته إلى الكلية ‪،‬وكلي يعتزل ليصل إلى الحرية الفردية ‪،‬‬
‫وغاية سبيتزر من أسلوبية أن يضع على هذا التفوق الفردي والجماعي معا إلى لحظة من‬
‫التاريخ مغايرة ‪،‬ومن خالل فرادة األسلوب)‪.‬‬
‫ج) األسلوبية البنيوية‪:‬‬
‫في هذا اإلطار يعتبر النص بنية خاصة أو جهاز لغوي يستمد الخطاب من القيمة األسلوبية‬
‫وهذا يعني أن هناك نوعان من التداخل والتخرج بين األسلوبية والبنيوية ‪، 2‬فاألسلوبية تأثرت‬
‫بنفس االتجاهات التي أسهمت في تشكيل البنيوية ‪،‬فهناك ترابط بين اللسانيات واتجاهات‬
‫دراسة األساليب التعبيرية ‪،‬فاألسلوبية البنيوية تعد مدا مباش ار من اللسانيات البنيوية التي‬
‫تعتمد أساسا على دراسات دي سوسير كما هو معروف تنطلق في دراستها من النص‬
‫بوصفه بنية منغلقة وتركز األسلوبية البنيوية على تناسق أجزاء النص اللغوية‪،‬وبالدالالت‬
‫واإليحاءات التي تحققها تلك الوحدات اللغوية وهنا نذكر اسمين بارزين "جاكبسون " "ريفاتير"‬
‫الذي يستبعد علم البالغة والتحليل األدبي لعجزها عن كشف أدبية النص ألنها تقوم على‬
‫تعميم الظواهر الموجودة في النصوص كما يستبعد النقد األدبي ألنه يقوم على اصدار أحكام‬
‫معيارية ويكتفي بتحليل النص من خالل لغته‪. 3‬‬

‫‪ )1‬يوسف وغسيلي ‪ ،‬مناهج النقد األدبي ‪ ،‬ص‪.55‬‬


‫‪ )2‬لخضر الحرابي ‪ ،‬المدارس النقدية المعاصرة ‪ ،‬ص‪.271‬‬
‫‪ ) 3‬محمد عزام ‪ ،‬تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحديثة ‪ ،‬دراسة في نقد النقد ‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب‬
‫العرب ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬دط‪،2223 ،‬ص‪13‬‬

‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫د) األسلوبية االحصائية‪:‬‬

‫هي الوصول إلى مالمح األسلوبية للنص عن طريق الكم وتقترح إبعاد الحدس لصالح القيم‬
‫العددية و تقوم بتعداد العناصر المعجمية في النص (بيركيرو) أو بالنظر إلى متوسط طول‬
‫الكلمات والجمل أو العالقات بين النعوت واألسماء واألفعال ثم مقارنة العالقات الكمية مع‬
‫مثيالتها في النصوص األخرى‪،‬وكلما كانت المقاييس المعتمدة متنوعة كلما كانت اإلحصائية‬
‫دقيقة كلما كان المثل المحلل واسع ‪.1‬‬

‫ه) األسلوبية الوصفية ‪:‬‬

‫إن األسلوبية الوصفية تركز على القيم التعبيرية و المتغيرات األسلوبية بغية الكشف عن‬
‫الطلقات التعبيرية الكامنة في اللغة و تحاول هذه األخيرة وصف أسلوب اللغة أو على األقل‬
‫وصف إمكانيات اللغة ونمطها األسلوبي أنها تربط أنواع الوحدات اللغوية (الصفات الجمل‬
‫‪.2‬‬ ‫الرئيسية ‪،‬السلوك اللغوي التكرار ربط الجمل) بتأثيرات أسلوبية محددة‬

‫‪ )1‬هنريش بليث ‪( ،‬ت ‪ ،‬ر) محمد العمري ‪ ،‬البالغة واألسلوبية نحو نموذج سيميائي لتحليل النص ‪ ،‬دار النشر المغرب ‪،‬‬
‫(د‪،‬ط) ‪ ، 1111،‬ص‪.79‬‬

‫‪ )2‬لخضر الحرابي ‪ ،‬المدارس النقدية المعاصرة ‪ ،‬دار الغرب النشر والتوزيع ‪ ،‬دط ‪ ،2221،‬ص‪.277‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫المبحث الثالث‪ :‬الفرق بين األسلوبية واألسلوب‪:‬‬

‫ميز الدارسون ن بين مصطلح األسلوب واألسلوبية من حيث االستخدام والنشأة فرأو أن‬
‫األول قد نشأ قبل القرن الهجري أما الثاني فنشأ بعده بقرون عديدة ‪ ،‬وأن العرب قد استخدموا‬
‫مصطلح األسلوب منذ القدم في مصنفاتهم ودراساتهم األدبية والنقدية ‪،‬أما عند الغرب فقد‬
‫نشأ متأخ ار ودخل في المعاجم الغربية مع بدايات القرن الخامس عشر أما المصطلح الثاني‬
‫األسلوبية فنشأته غربية وقد استخدمه الغربيون في مطلع القرن العشرين ‪،‬وارتبط استخدامه‬
‫بظهور الدراسات اللغوية الحديثة ‪،‬ومدارس علم اللغة كمدرسة فردينا دي سوسير الذي قرر‬
‫أن يتخذ في األسلوب علما يدرس بذاته ويوظف في خدمة التحليل األدبي أو النفسي أو‬
‫االجتماعي‪ ،1‬ومن بين أهم الفروق التي ذكرت في كتابه نظرية النظم لصالح بالعيد‪:‬‬

‫‪ -‬األسلوب دراسة لغوية البالغة أما األسلوبية دراسة لغوية األسلوب‪.‬‬

‫‪ -‬األسلوب غير قابل للقياس أحيانا أما األسلوبية غير قابلة للقياس مطلقا‪.‬‬

‫‪ -‬األسلوب انزياح لساني جمالي أما األسلوبية انزياح مزاجي ضمن وسط و ثقافة ‪.‬‬

‫‪ -‬األسلوب ال يفرق بين اللغة و الكالم بينما األسلوبية تفرق بينهما‪.‬‬

‫‪ -‬مفهوم األسلوب بالغي قديم أما مفهوم األسلوبية بنيوي حداثي ‪.‬‬

‫‪ )1‬احمد درويش ‪ ،‬األسلوب واألسلوبية ‪ ،‬مجلة الفصول ‪ ،‬صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬المجلد‬
‫الخامس ‪ ،‬ع‪ ، 1194 ،1‬ص‪.11‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫المبحث الرابع‪ :‬مبادئ ومستويات التحليل األسلوبي‪:‬‬

‫لكي يكون المحلل األسلوبي ناجحا ‪ ،‬ال يكتفي بالتعرف على المستويات المتشابهة المستوى‬
‫الصرفي‪ ،‬و الصوتي‪ ،‬و التركيبي و الداللي – بل يجب عليه أن يفسر تماسكها في ضوء‬
‫لون الحساسية الجمالية الالزمة في أية قراءة نقدية ‪ ، 1‬كما يجب عليه أن يستنتج اآلليات‬
‫النقدية المناسبة لدراسة نص أدبي و ذلك من خالل قراءته لذلك النص؛ ألن النص الحداثي‬
‫هو الذي يبوح للدارس بمجموعة من اآلليات أو الطرق أو الخطوات التي تمكنه من الغوص‬
‫في مكنونات أو جماليات النص األدبي‪ ،‬وليس المنهج هو الذي يفرض على النص األدبي‬
‫آليات معينة‪.‬‬

‫واذا تساءلنا عن دور المحلل األسلوبي نقول إنه" ‪ :‬يكتفي بتأشير البني األسلوبية اللسانية‬
‫التي تخلق توت ار أو برو از في النص‪ ،‬و تمارس ضغطا على القارئ و تأثي ار فيه وغالبا ما‬
‫يستعان باإلحصاء في هذا العمل الذي يقيس متوسط االنزياح في النص عن قوانين الصوت‬
‫أو التركيب أو الداللة ‪ ، 2‬فالمحلل األسلوبي يقوم برصد السمات األسلوبية البارزة في‬
‫النص‪ ،‬التي تمارس تأثيرها المباشر على ذوقه النقدي‪ ،‬حيث يقوم المحلل األسلوبي‬
‫بإحصاء هذه البنى األسلوبية ثم يقيس متوسط االنزياح في النص على مستويات عدة‪ ،‬بدا‬
‫بالمستوى الصوتي فالصرفي فالتركيبي فالداللي‪ ،‬دون نسيان معدل التكرار وتواتره في النص‪.‬‬

‫‪ )1‬صالح فضل ‪ :‬علم األسلوب وصلته بعلم اللغة‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مج‪ ، 5‬ع‪ 1884،1‬ص ‪. 75‬‬
‫‪2‬‬
‫) بشرى موسى صالح ‪:‬المنھج األسلوبي في النقد العربي الحديث‪ ،‬مجلة عالمات جدة‪ ،‬مج ‪ ، 10‬ع ‪40‬‬
‫ص‪.299،291‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫أما هدف التحليل األسلوبي فيوجزه ميشال ريفاتير بأنه" ‪:‬اإليهام الذي يخلقه النص في ذهن‬
‫القارئ(" ‪ ،1‬فالبحث األسلوبي عند" ريفاتير" يستدعي انتقاء وقائع أسلوبية متميزة‪ ،‬و ال يمكن‬
‫فهم هذه الوقائع إال في اللغة‪ ،‬بمعنى أن اإلطار الذي يضم هذه الوقائع إنما هو اللغة‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك فإن النصوصة األدبية ال تعد كذلك إال إذا دخلت في عالقة مع القارئ فمن‬
‫المؤكد أن النصوص إنما هي كلمات‪ ،‬لكن هذه الكلمات ال تستوفي شروط تحقيق سمة‬
‫األدب إال في ضوء عالقتها بالقارئ و لهذا مارس" ريفاتير "استثناءات عدة من أجل إعالء‬
‫مكانة التحليل األسلوبي واعطائه األولوية على سائر المقاربات األخرى( ‪ 2‬إن التحليل الوحيد‬
‫األسلوبي‪3‬‬ ‫لدى ريفاتير الذي يبحث عن فردية النص األدبي هو التحليل‬
‫بقي ريفاتير ‪ -‬إذن محافظا على المنطلق المحايث في دراسة األسلوب‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫إدخاله للقارئ في التحليل األسلوبي إال أنه بقي هو هو من حيث المبدأ‪ ،‬و بقي يدعى‬
‫باألسلوب البنيوي ‪ ،‬ذلك أن ما يميز اتجاهه أنه يرى الواقعة اللسانية تكتسي السمة األسلوبية‬
‫فتتحول إلى واقعة أسلوبية‪ ،‬و أن هذه األخيرة إنما تدرك عبر العالقة الجدلية بين النص‬
‫)‪4‬‬ ‫والقارئ‪ ،‬وليست في النص وحده‪ ،‬أو في القارئ وحده‬
‫إن مهمة التمييز هذه تحال ‪ -‬ضمن منظور ريفاتير ‪ -‬إلى المتلقي أو القارئ بوصفه قطبا‬
‫رئيسا في عملية االتصال‪ ،‬إن المهمة هنا تحال بشكل أكثر دقة إلى القارئ الذي يتلقى‬
‫النص األدبي بطريقة مختلفة حتما عن الطريقة التي يتلقى بها اللسانيين النص نفسه‪ ،‬و من‬
‫النص ( ‪.7‬‬ ‫هنا تنصب عناية ريفاتير على الطريقة التي يفكك بها القارئ شفرة‬

‫‪ )0‬د حسن ناظم ‪ :‬البني األسلوبية" دراسة في أنشودة المطر "للسياب‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪.‬د ت‪ ،‬ص‪. 73‬‬
‫‪2‬‬
‫) المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫‪3‬‬
‫) محمد الهادي الطرابلسي ‪:‬بحوث في النص األدبي‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪ ،1988 ، 1‬ص ‪.17،11‬‬
‫‪4‬‬
‫) حسن ناظم ‪ :‬البني األسلوبية‪ ،‬دراسة في أنشودة المطر للسياب‪ ،‬ص‪75‬‬
‫‪7‬‬
‫) المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 73‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫وتتحقق خصوصية أو هوية النص األدبي من خالل السمات األسلوبية التي تتبدى في كل‬
‫خلية من خالياه الصوتية‪ ،‬أو الصرفية‪ ،‬أو النحوية‪ ،‬أو الداللية‪ ،‬و تطبعه بطابعها فتهيمن‬
‫عليه هيمنة تامة‪.‬‬
‫إذا كان األسلوبيين قد ركزوا في تحليلهم األسلوبي على الكلمات المفاتيح للبحث عن الداللة‬
‫الرئيسة أو النواة الداللية في النص‪ ،‬فإنهم استخدموا أيضا عنوان القصيدة؛ ألن" العنوان ذو‬
‫صلة عضوية بالقصيد أو العمل األدبي عموما ‪...‬إنه اإلشارة األولى التي يرسلها المبدع إلى‬
‫قارئه‪ ،‬و هو النداء الذي يبعثه العمل األدبي إلى مبدعه‪ ،‬إنه الرابطة األولى و األخيرة بين‬
‫فالعنوان في الدراسة األسلوبية يهدي القارئ إلى‬ ‫( ‪، )1‬‬ ‫الكاتب و العمل األدبي و القارئ‬
‫الطريق الذي يصل به إلى النواة الداللية التي يسعى إلى الوصول إليها‪ ،‬و كثي ار ما نجد‬
‫أيضا أن العنوان يحمل في تركيبته اللغوية سمة أسلوبية‪.‬‬

‫يتجه المحلل أو الدارس األسلوبي من القارئ إلى دراسة الكلمات المفاتيح إلى السمة‬
‫األسلوبية للعنوان إلى االنزياح أو االنحراف أو العدول عن القاعدة‪ ،‬و هذا ما وضعه فريمان‬
‫في الحقل النقدي الذي تتحرك فيه األسلوبية في ثالثة أنماط وهي‪:‬‬

‫‪-1‬األسلوب بوصفه انحرافا عن القاعدة‪.‬‬

‫‪ -2‬األسلوب بوصفه توات ار أو تك ار ار ألنماط لسانية‪.‬‬

‫النحوية (‪)2‬‬ ‫‪-3‬األسلوب بوصفه استثما ار لإلمكانات‬

‫‪ )1‬شكري عياد ‪:‬مدخل إلى علم األسلوب‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الرباط ‪ ، 1983 ، 1‬ص‪. 74‬‬
‫‪ )2‬محمد عبد المطلب ‪:‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬الھيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬د ط‪ ، 1984 ،‬ص ‪.147‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )1‬االنزياح ‪ :‬االنزياح يتخذ أنماطا مختلفة من ناحية تنوعاته أو تحقيقاته العينية في‬
‫النصوص األدبية‪ ،‬كما أن وجهة نظر الدراسة التي تطبق مقولة االنزياح يمكن أن‬
‫تتنوع كذلك‪ ،‬ما دام جوهر عملية تطبيق مقولة االنزياح‪ ،‬إنما هو إجراء مقارنة‪،‬‬
‫فالتطبيق تطبيق مقارن‪ ،‬يضع النص األدبي و يتأمله ال كشيء في ذاته ‪ ،‬و إنما‬
‫كشيء مرتبط بطريقة معينة بآخر حاضر في الذهن‪ ،‬سواء أكان هذا اآلخر متجسدا‬
‫‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫كنص آخر أم كنمط حقبة معينة سابقة عن حقبة النص)‬
‫لقد جعل الكثير من منظري األسلوبية مقولة االنزياح من المسلمات التي تشمل‬
‫تنوعات النص األدبي من دون محاولة تحديده بنمط معين من النصوص األدبية‪.‬‬
‫لقد ارتبط مفهوم األسلوبية ‪ -‬إذن ‪-‬بمفهوم االنزياح عن القاعدة العامة‪ ،‬و لكن هذا‬
‫الربط كثي ار ما يثير مشكالت تتعلق بكيفية تحديد االنزياح التي يرتكبها النص‬
‫األدبي‪ ،‬و كيفية تحديد القاعدة العامة التي انحرف عنها ذلك النص‪ ،‬فتحديد‬
‫االنحراف ربما يخضع لمحددات تاريخية و ثقافية و ربما يخضع للخبرة و المعرفة‪،‬‬
‫اللتين تتعلقان بالقاعدة‪ ،‬فالسياقات التاريخية و الثقافية ربما تحدد أنماطا من االنزياح‬
‫في حقبة معينة وثقافة معينة فقط ‪ ،‬بحيث ال تمثل تلك األنماط انزياحا ما في حقبة‬
‫أخرى و سياق ثقافي آخر‪ ،‬و من هنا نستنتج أن القيم األسلوبية هي قيم متغير ة و‬
‫غير ثابتة‪ ،‬ربما يعثر القارئ على بنى أسلوبية في نص شعري عائد إلى العصر‬
‫الجاهلي‪ ،‬لم تكن تمثل أي ملمح أسلوبي بالنسبة إلى قارئ عاصر ذلك النص‪ ،‬و‬
‫العكس بالعكس‪ ،‬و لكي يحدد االنزياح في نص أدبي معين ‪ ،‬البد لنا من أن نتوفر‬
‫على معرفة دقيقة و حساسة إزاء القواعد العامة التي يقاس االنزياح على ضوئها‪.‬‬
‫فليس كل انزياح يتوفر على قيمة أسلوبية‪ ،‬كما أنه ليس كل قيمة أسلوبية يتوقف‬
‫وجودها على تحقيق االنزياح‪ ،‬إذن نستطيع القول‪ :‬من الذي يحدد االنزياح؟) ‪. 2‬‬

‫‪ )1‬محمد عبد المطلب ‪:‬البالغة واألسلوبية ‪ ،‬ص‪. 43‬‬


‫‪ )2‬حسن ناظم ‪:‬البنى األسلوبية‪ ،‬دراسة في" أنشودة المطر"‪ ،‬للسياب‪ ،‬ص ‪. 45، 44‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫لقد أجاب" حسن ناظم "عن هذا الطرح من خالل مشروع" جان كوهن" أن الذي يحدد‬
‫االنزياح بمختلف أنواعه إنما هو عالم اللسانيات‪ ،‬في حين يحدد االنزياح في مشروع ميشال‬
‫القراء)‪1‬‬ ‫ريفاتير إنما هو القارئ أو مجموعة‬
‫للغة ‪2‬‬ ‫ومن أنماط االنزياح المعنوي حسب" ريفاتير" "الصورة‪ ،‬أو االستعمال المجازي‬
‫والصورة بهذا الطرح في الدراسة أو الحقل األسلوبي تتجاوز مفاهيمها المتداولة‪،‬والتي‬
‫يحصرها المعاصرون في االستعارة والتشبيه والكناية والمجاز‪ .‬لقد صنف الغربيون االنزياح‬
‫في خمسة نماذج استنادا إلى معايير تحدد االنزياح نفسه‪:‬‬
‫‪ )1‬تصنيف االنزياح استنادا إلى درجة انتشارها في النص بوصفها انزياح متمو ضع في‬
‫سياق النص كاالستعارة التي تعد انزياحا موضعيا عن النظام اللساني‪ ،‬أو بوصفها انزياح‬
‫يشمل النص األدبي في عمومه كالتكرار الذي يمكن تحديد درجة انزياحه طبقا لعمليات‬
‫إحصائية‪.‬‬
‫‪ )2‬تصنيف االنزياح بالنظر إلى نظام القواعد اللسانية فتبرز لنا انزياح سلبي كتخصيص‬
‫القاعدة العامة‪ ،‬وانزياح إيجابي كإضافة قيود معينة مثل القافية‪.‬‬
‫‪)3‬تصنيف االنزياح بالنظر إلى عالقة القاعدة بالنص المحلل‪ ،‬فتبرز لنا انزياح داخلي يتمثل‬
‫في انفصال وحدة لسانية عن القاعدة المهيمنة على النص‪ ،‬و انزياح خارجي يتمثل في‬
‫اختالف أسلوب النص عن القاعدة التي كتب النص بلغتها‪.‬‬

‫‪ )4‬تصنيف االنزياح بالنظر إلى المستوى اللساني الذي تستند إليه ذالك االنزياح فتبرز لنا‬
‫انزياح خطي وصوتي وصرفي ومعجمي‪ ،‬ونحوي وداللي‪.‬‬

‫‪ )1‬حسن ناظم ‪:‬مفاھيم الشعرية دراسة في األصول والمنھج والمفاھيم‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪ ، 1994 ،‬ص‪.118 ، 117‬‬
‫‪ )2‬نور الدين السد ‪:‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬دراسة في النقد العربي الحديث‪ ،‬األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ج‪ ، 1‬دار‬
‫ھومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪ ، 1997 ،‬ص‪. 181‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )5‬تصنيف االنزياح بالنظر إلى مبدأي االختيار و التأليف طبقا لفرضية" ياكبسون" في‬
‫إسقاط مبدأ التماثل من محور االختيار على محور التأليف‪ ،‬فتبرز لنا انزياح استبدالي يحطم‬
‫قواعد االختيار كوضع المفرد مكان الجمع والصفة مكان الموصوف واللفظ الغريب مكان‬
‫المألوف) ‪ ،1‬فعمليات االنزياح و الخرق و التجاوز من صالحيات الكاتب الذي ال يستكين‬
‫إلى ساكن‪ ،‬بل يظل في بحث مستديم عن أفق يتجاوز من خالله العالقات السياقية‬
‫المتعارف عليها‪ ،‬فهو يقوم بعملية هدم القوانين و العالقات الداللية ليخلق لنصه عالقات‬
‫جديد ة وسياقات لغوية غير معهود ة وال مألوفة؛ ألجل إثارة المتلقي‪ ،‬ألن النص األدبي‬
‫بحاجة الستكمال جميع وظائفه‪ ،‬ولعل الوظيفة التأثيرية هي أجل تلك الوظائف جميعا‪.‬‬
‫إن عملية الخرق هي نوع من اللحن المبرر كما عند" تودوروف" أو نوع من الخطأ المقصود‬
‫‪2‬‬
‫عند جون كوهين‪ ،‬أو عملية نابعة ‪ ،‬من اختيار منهج كما عند جاكسون)‬

‫‪ )2‬التحول ‪ :‬من آليات المقاربة األسلوبية أيضا آلية التحول و هي سمة جوهرية في‬
‫مجال الفنون األدبية يقترب معناها من معنى التجاوز والتداعي‪ ،‬تعمل على تخطي الوظيفة‬
‫المرجعية و القاعدية للواقع الخارجي‪ ،‬إلى وظائف و قواعد جمالية جديدة‪ ،‬تؤسس قوانينها‬
‫المستقلة بعيدا عن ذلك الواقع العيني‪ ،‬فتحد ث أثرها في نفسية المتلقي من خالل الطاقات‬
‫التي تولدها أنظمتها اللغوية الخاصة‪ "،‬من هذا المنظور يصبح النص مجموعة من نقاط‬
‫التجاذب بين قطبين‪ ،‬يجره األول في اتجاه المرجع و يجره الثاني في اتجاه معاكس‪ ،‬و هو‬
‫ما يسمح بالقول بأن النص كالجسم الحي ال يقوم إال على قوة سالبة وأخرى موجبة ‪ ،‬و هو‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫سابقا‪3‬‬ ‫أخي ار كشأن كل الظواهر الكونية التي تكتسب حيويتها من القوتين المذكورتين‬
‫من مظاهر سمات التحول ‪:‬التقديم و التأخير‪ ،‬و الذكر و الحذف والتنكير والتعريف‬
‫وااللتفات‪...‬‬

‫‪ )1‬صالح فضل ‪،‬علم األسلوب مبادئه واجراءاته‪ ،‬منشورات دار األفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ، 1985 ، 1‬ص‬
‫‪.186 ،181‬‬
‫‪ )2‬محمد كعوان ‪:‬التأويل وخطاب الرمز‪ ،‬قراءة في الخطاب الشعري الصوفي العربي المعاصر‪ ،‬دار بهاء‬
‫الدين‪ ،‬الجزائر‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪ ، 1‬ص‪. 2010 ، 89‬‬
‫‪ )3‬توفيق الزيدي‪ ،‬مفهوم األدبية في التراث النقدي‪ ،‬دار سراس للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪ ، 1985 ، 1‬ص ‪. 117‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )3‬االختيار والتأليف ‪ :‬من غايات الدراسة األسلوبية الوقوف على أسس و مبدأ‬
‫االختيار التي تضفي على النص قيما جمالية‪ ،‬مؤثر ة و تجليه وسائل االستخدام للوحدات‬
‫اللغوية ضمن النسيج الداللي العام‪ ،‬و تحديد طرق االتساق التي يوفرها السياق‪،‬وبشكل‬
‫واضح‪ ،‬فإن كل كاتب يعتمد على الذخيرة العامة للغة وأن ما يجعل أساليبه متميزة إنما هو‬
‫اختياره للمفردات وتوزيعها وتشكيلها‪ ،‬فالمؤلف يختار سمات معينة من الموارد الكلية للغة‪.‬‬
‫إن الختيار في جوهره واحد‪ ،‬لكنه مختلف من ناحية طبيعته الظاهرة‪ ،‬و كيفية تحققه‪ ،‬األمر‬
‫الذي يضفي عليه ميزة معينة تجعله لصيقا باللغة المتميزة‪ ،‬فثمة إذن اختياران أحدهما لساني‬
‫أو كالمي يستخدم في االستعمال العادي للغة‪ ،‬و ثانيهما متميز يستخدم في االستعمال غير‬
‫االعتيادي للغة‪ ،‬و ذلك هو االختيار األسلوبي‪ ، 1‬و المتمثل في عالقات الغياب و هي ذات‬
‫طبيعة إيجابية ت قوم على إمكان االستبدال على محور عمودي‪ ،‬فكل كلمة في أية جملة‬
‫هي اختيار حدث من سلسلة عمودية من الكلمات التي يصح أن تحل محلها إما لتشابه‬
‫صوتي بينهم ا واما لتشابه نحوي‪ ،‬واما لتشابه داللي‪ ،‬إذن االختيار هو مبدأ من مبادئ‬
‫المقاربة األسلوبية و هو اختيار واع للكلمات كما يرى شكري عياد‪ ،‬و هو أيضا في نظره‬
‫يتجاوز حدود الكلمة المفردة إلى التركيب أو الجملة و التركيب يقتضي صياغة الكلمات‬
‫المختارة وفق نظام مخصوص‪ ،‬لتؤدي الصورة األدبية وظيفتها التأثيرية والبالغية والجمالية‪.‬‬
‫ومحور لمقارباتهم‬
‫ا‬ ‫لقد أسرف األسلوبيين في اعتبار الشكل في النص األدبي أساسا لنشاطاتهم‬
‫‪ ،‬فالشكل بكل ما يبنيه و ما يحتويه من سمات أسلوبية يهدف إلى توصيل داللة ما إلى‬
‫المتلقي‪.‬‬

‫‪ )1‬حسن ناظم ‪:‬البنى األسلوبية‪ ،‬دراسة في" أنشودة المطر "للسياب‪ ،‬ص ‪.54، 53‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )4‬التقابل ‪ :‬من أعظم السمات التي برزت في الدراسة األسلوبية وحظيت باهتمام كبير‬
‫سمة" التقابل "و قد بدأت أهميتها تظهر في وقت مبكر عند علماء األلسنية المحدثين‪ ،‬و بدأ‬
‫ارتباطها بالداللة جليا في دراساتهم الفونولوجية ‪ ،‬و على سبيل المثال هناك تقابل فونولوجي‬
‫بين" السين "و" الصاد"‪ ،‬فكلمة سائر تخالف في الداللة كلمة صائر‪ ،‬و كلمة سبر تخالف في‬
‫المعنى و الداللة كلمة صبر وهنا نقول بأن السين وحدة فونولوجية والصاد وحدة فونولوجية‬
‫الواحدة) ‪1‬‬ ‫أخرى‪ ،‬ولكن الفيصل هو التقابل الداللي في اللغة‬
‫إذن التقابل يعد سمة أسلوبية‪ ،‬ألنه يرصد المتقابالت في النص األدبي على مستوى الشكل‬
‫والمضمون‪ ،‬و يبرز الفوارق المميزة بين عناصر البناء الفني‪ ،‬و هو منهج في البناء يشكله‬
‫الشاعر بواسطة العناصر المكونة للقصيدة‪ ،‬على نحو واع أو غير واع‪ ،‬حيث يرى ريفاتير‬
‫على مستوى البناء أنه" ‪ :‬تزداد قوة المقابلة على قدر وضوح النسق‪ ،‬فالسياق القصصي ذو‬
‫األفعال الماضية ‪ -‬مثال ‪ -‬يهيئ للمقابلة بحاضر تمثيلي منفرد‪ ،‬و تسلسل الجملة الخطابية‬
‫الطويلة يؤدي إلى مقابلة مع متوالية من الجمل االسمية القصيرة المنفصلة و على مستوى‬
‫‪2‬‬ ‫المضمون فثمة مقابالت تصويرية تقوم بإبراز التناقض بين الطرفين‬
‫‪ )7‬التماثل ‪ :‬يقف التماثل بين اآلليات المتجاور ة و بكل ضروبه على خط مواز للمقابالت‬
‫رأى كوهين أن التماثل في البناء يكون على صعيد الدال كالتجانس‪ ،‬و على صعيد المدلول‪،‬‬
‫كالترادف‪ ،‬ثمة تماثل‪ -‬كذلك ‪-‬على صعيد العالقة ‪ 3‬وقد تتضافر السمات األسلوبية فتتراكم‬
‫مسالك أسلوبية عديدة لخدمة فكرة محددة‪ ،‬فيعظم تأثيرها؛ كأن تجتمعا خاصيتا ‪:‬المقابلة و‬
‫المماثلة بكل ما يندرج تحتها من روافد لتغذي نقطة معينة في بنية النص؛ اجتماع تلك‬
‫التأثيرية لها ( ‪4‬‬ ‫المبادئ يضاعف من الطاقات‬

‫‪ )0‬محمود فھمي حجازي ‪:‬أصول البنیویة في علم اللغة والدراسات اإلثنولوجیة‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬مج‪ ، 3‬ع) ‪1‬‬
‫وزارة اإلعالم‪ ،‬الكویت‪ ، 1982 ،‬ص‪. 164‬‬

‫‪ ) 6‬شكري عیاد ‪:‬اتجاھات البحث األسلوبي‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الریاض‪ ،‬ط ‪ ، 1985 ، 1‬ص‪. 149‬‬
‫‪3‬‬
‫) جان كوھين ‪:‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد الولي ومحمد الغمري‪ ،‬ص ‪. 126‬‬
‫‪4‬‬
‫) شكري عياد ‪:‬اتجاھات البحث األسلوبي‪ ،‬ص ‪. 150‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫‪ )6‬التكرار‪ :‬من أبرز المبادئ التي تتضافر مع المبادئ األخرى في القصيدة الحداثية مبدأ‬
‫التكرار‪ ،‬الذي ال يكاد يخلو منه نص شعري معاصر أو حداثي ‪ ،‬فالشاعر المعاصر وظف‬
‫التكرار إلبراز قيم شعورية معينة‪ ،‬لها أهميتها التي تميزها عن بقية عناصر الموقف الشعري‪،‬‬
‫فيأتي التكرار ليحققه جماليا أما الدوافع الفنية للتكرار فإن ثمة إجماعا على أنه يحقق توازنا‬
‫‪1‬‬ ‫موسيقيا‪ ،‬فيصبح النغم أكثر قدرة على استثارة المتلقي والتأثير في نفسيته‬
‫وللتكرار في الشعر الحداثي أنماط عديدة‪ ،‬سواء أكان ذلك على مستوى الصوت الواحد‪ ،‬أم‬
‫الكلمة‪ ،‬أم الجملة‪ ،‬فالتكرار يفاجئ المتلقي بما ال يتوقعه بأنماط مختلفة من خالل ثنائية‬
‫الحضور والغياب‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن التكرار بأنماطه المختلفة ثمرة من ثمرات االختيار والتأليف‪ ،‬من‬
‫حيث توزيع الكلمات على مواقعها‪ ،‬و ترتيبها ترتيبا تنتج عنه تلك األنساق المكررة التي تقيم‬
‫عالقاتها مع عناصر النص األخرى‪ ،‬و يختلف الشعراء فيما بينهم من حيث اختياراتهم التي‬
‫يشكلون منها تلك األنساق‪ ،‬فمنهم من يميل إلى حروف الجر أو الظروف أو أشباه الجمل‪،‬‬
‫أو الجمل االسمية أو الفعلية‪ ،‬و يقدم ويؤخر في تلك الجمل ولكل منهم أغراضه الجمالية من‬
‫هذا البناء‪ ،‬فكل شاعر حر في بناء تركيباته التي يكرره‪ ، 2‬وفي الجانب المقابل قد تفقد‬
‫بعض التعبيرات خصوصيتها‪ ،‬ألنها تستخدم في سياقات مكررة ومتباينة ‪ ،‬هذا و قد قام‬
‫صالح فضل بحصر مستويات التحليل األسلوبي في ثالثة مستويات هي ‪:‬المستوى الصوتي‬
‫و المعجمي و النحوي‪ ،‬مشي ار في الوقت نفسه على البدء في عملية التحليل األسلوبي بعلم‬
‫األسلوب الصوتي‪ ،‬الذي يبحث عن الداللة الوظيفية لألصوات و أنواعها ‪...‬ثم االنتقال إلى‬
‫علم األسلوب المعجمي الذي يبحث عن الوسائل التعبيرية للكلمات في لغة معينة‪ ،‬و ما‬
‫يترتب عن ظواهر نشأتها‪ ،‬وحاالت الترادف واإلبهام و التضاد و التجريد و التجديد و الغرابة‬
‫و األلفة‪ ،‬ثم يتدرج هذا البحث لتحليل الصور على المستوى‬

‫‪ )1‬محمد مصطفى السعدني ‪:‬البنيات األسلوبية في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪ ،. 1987‬ص‪. 173‬‬
‫‪ ) 2‬عدنان حسين قاسم ‪ :‬االتجاه األسلوبي البنوي في نقد الشعر العربي‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1‬‬
‫‪ ،1992‬ص‪. 214‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫نفسه‪ ،‬ثم ينتقل المحلل األسلوبي إلى دراسة أسلوب التراكيب والجمل والكلمات ليختبر ا لقيم‬
‫التعبيرية للتراكيب النحوية على ثالثة مستويات أيضا‪ :‬مكونات الجمل‪ ،‬من صيغ نحوية‬
‫فردية‪ ،‬و حاالت لنفي و اإلثبات و غيرها‪ ،‬ثم الوحدات العليا التي تتألف من جمل بسيطة‬
‫المباشرة)‪1‬‬ ‫مثلما تكون اللغة المباشرة وغير‬
‫‪ -‬إن المقاربة األسلوبية تتناول النص األدبي من مستويات عدة أولها ‪:‬‬
‫المستوى الصوتي ‪ :‬وهو الذي يتناول فيه المحلل ما في النص األدبي من مظاهر الصوت‬
‫ومصادر اإليقاع فيه‪ ،‬كالنغمة و النبرة والتكرار و الوزن‪ ،‬و ثاني هذه المستويات هو‬
‫المستوى النحوي أو التركيبي‪ :‬فهذا المستوى يبحث عن غلبة بعض أنواع التراكيب على‬
‫النص‪ ،‬فهل يغلب ع ليه التركيب الفعلي أو االسمي أو تغلب عليه أشباه الجمل‪ ،‬وهنا نلحظ‬
‫دور األسلوبية النحوية في دراسة العالقات و الترابط و االنسجام الداخلي في النص وتماسكه‬
‫عن طريق الروابط النحوية المختلفة‪.‬‬
‫وتواصل األسلوبية تأملها و بحثها الدائم في عالم النص األدبي عن طريق التركيز على‬
‫الوظيفة األسلوبية للصوت و التركيب فهي دائما تحاول"‪ :‬الكشف عن تلك التراكيب اللغوية‬
‫التي تحمل الشحنات الشعورية‪ ،‬و األدوات الجمالية التي تبرزه ا‪ ،‬وتنتصب المفارقة‪ -‬في‬
‫مثل هذه الحالة ‪ -‬بين األساليب الشعرية و الكالم العادي على قاعدة اإليحاء و محققاته و‬
‫التعبير غير ا لمباشر و مستلزماته و آلية النغم ومسبباته‪ ،‬على أن يجسد ذلك فردية الشاعر‬
‫ووعيه الجمالي ‪. 2‬‬
‫أما في المستوى الداللي‪ :‬فيهتم المحلل األسلوبي بدراسة استخدام المنشئ لأللفاظ وما فيها‬
‫من خواص تؤثر في األسلوب ‪ ،‬كتصنيفها إلى حقول داللية‪ ،‬و دراسة هذه التصنيفات و‬
‫معرفة أي نو ع من األلفاظ هو الغالب‪ ،‬فالشاعر الرومانسي مثال داللة ألفاظه دائما مستمدة‬
‫من الطبيعة الجامد ة والحية ‪...‬ويدرس المحلل األسلوبي في هذا المستوى أيضا طبيعة‬

‫‪ )1‬بشير تاوريريت ‪ :‬محاضرات في مناھج النقد األدبي المعاصر‪ ،‬دراسة في األصول والمالمح واإلشكاالت النظرية‬
‫‪ ،‬والتطبيقية‪ ،‬دار الفجر للطباعة والنشر‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2006 ، 1‬ص‪. 191‬‬
‫‪ ) 2‬عدنا حسین قاسم ‪ :‬االتجاه األسلوبي البنوي في نقد الشعر العربي‪ ،‬ص‪.113 ، 112‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫األلفاظ وما تمثله من انزياح وعدول في المعنى‪.‬‬
‫ومن هذا المنظور الثالثي نستطيع القول إن األسلوبية ترسم تأملها لعالم النص األدبي رسما‬
‫تتعدد فيه القراءة‪ ،‬أحدهم يق أر النص قراءة أسلوبية صوتية واآلخر يقرأه قراءة أسلوبية تركيبية‬
‫نحوية والثالث يقرأه قراءة أسلوبية داللية جمالية‪.‬‬
‫إن ما تقدم من مستويات هو في الواقع معالم عريضة ينتهجها المحلل األسلوبي في تحليله‬
‫لجماليات النص األدبي و ال تقف المقاربة األسلوبية عند تضافر هذه المستويات وتالحمها‪،‬‬
‫بل تتجاوز ذلك إلى مقاربة ثالثة عناصر جوهرية في العمل األدبي إذ حددها" محمد كريم‬
‫الكواز "علم النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ )1‬العنصر اللغوي ‪ :‬إذ يعالج التحليل نصوصا‪ ،‬قامت اللغة بوصفها‪.‬‬
‫‪ )2‬العنصر النفعي ‪ :‬الذي يؤدي إلى إدخال عناصر غير لغوية في عملية التحليل كالمؤلف‬
‫والقارئ والموقف التاريخي‪ ،‬وهدف النص األدبي وغير ذلك‪.‬‬
‫‪ )3‬العنصر الجمالي األدبي ‪ :‬ويكشف عن تأثير النص في القارئ ‪. 1‬‬
‫هذا و قد تعددت مداخل التحليل األسلوبي فقد يكون من مباني المفردات وتراكيب الجمل و‬
‫أشكال النصوص و هندسة اآلثار و قد يكون المدخل دالليا ينطلق فيه من صور معانيه‬
‫الجزئية و موضوعاته الفردية‪ ،‬و أغراضه الغالبة‪ ،‬و مقاصده العامة‪ ،‬و أجناسه المعتمدة‪،‬‬
‫كما قد يكون المدخل بالغيا ينطلق فيه من الظاهرة األسلوبية‪ ،‬أو مجموعة الظواهر‬
‫المستخدمة‪ ،‬و قد يكون الدخول إليه من الباب التقني‪ ،‬فتعتمد فيه المقارنة أو الموازنة أو‬
‫كما يرى" محمد الهادي الطرابلسي‪".‬‬ ‫‪2‬‬ ‫التقنيات المقايسة أو اإلحصاء‬
‫هذا وقد استعانت األسلوبية في مقاربتها للنصوص األدبية بعلم العالمات "السيميولوجيا"‪ ،‬إذ‬
‫لم تتوقف مجاالت مقاربتها للنص األدبي عند البنية اللغوية‪ ،‬وما تختزنه هذه البنية من‬
‫طاقات إيحائية‪ ،‬تجليها عالقات المفردات ببعضها في إطار التجاوز أو االستبدال‪ ،‬بل‬
‫حددت دالالت التراكيب النحوية عن طريق تتبع الظروف التي اكتنفت نشأتها‪ ،‬فأكسبتها‬

‫‪ )1‬محمد كريم الكواز ‪ :‬علم األسلوب‪ ،‬مفاھيم وتطبيقات‪ ،‬دار المنشورات‪ ،‬جامعة السابع من أبريل‪ ،‬ط‪ ، 1‬ط ت‪،‬‬
‫ص ‪. 115‬‬
‫‪2‬‬
‫) ينظر ‪ :‬محمد الهادي الطرابلسي ‪ :‬تحاليل أسلوبية‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪ ، 1112 ، 1‬ص‪21‬‬

‫الفصل األول ‪:‬األسلوب و األسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬


‫دالالت هامشية أو رئيسة‪ ،‬و من خالل تقصي العوامل الفاعلة للسياق الذي وقعت فيه‪.‬‬
‫وقد أثرى" ريفاتير "ذلك حين طرح فكرة السياق لتضاف إلى الفكرة التي كانت مهيمنة على‬
‫المقاربة األسلوبية‪ ،‬و هي فكرة االختيار أو االنحراف‪ ،‬وكان البحث عن التقابالت من‬
‫المجاالت الرئيسة في المقاربة ذاتها‪ ،‬حيث نبه" ليفي شتراوس" إلى هذه التقابالت في دراسته‬
‫لصلة القرابة في القبائل القديمة وامتد طيف هذه التقابالت ليدخل أطروحات اللسانيين إلى أن‬
‫‪1‬‬ ‫وصلت عدوى هذه التقابالت إلى الدراسات األسلوبية الحديثة‬
‫ومعنى هذا الكالم أن دراسة البنية النحوية دراسة أسلوبية صحيحة تقتضى بالضرورة وضع‬
‫مجمل التراكيب النحوية في سياق عام تحدده مجمل االختيارات أو االنحرافات و التقابالت و‬
‫العالقات الداخلية المستخدمة‪ ،‬التي من ش أنها أن تشكل ظاهرة أسلوبية مميزة‪.‬‬
‫بناء على ما تقدم يمكن القول ‪ :‬إن المقاربة األسلوبية للنصوص تنطلق من فعاليات العنصر‬
‫اللغوي في موقعه على مستويات عدة‪ ،‬هذه المقاربة ال تتغذى على آليات أو قواعد جاهزة‪،‬‬
‫بل لكل نص أدبي قواعده األسلوبية المميزة التي بموجبها يتحول هذا األثر األدبي إلى أثر‬
‫جمالي ‪ ،‬و الجمال المتوصل إليه من جراء هذه المقاربة هو جمال متفرد و متميز مادامت‬
‫األسلوبية تبحث دوما عن الفرادة في العمل األدبي‪ ،‬وال يتحقق نجاح المقاربة األسلوبية إال‬
‫بتوفر محللي األسلوب على ثقافة لغوية و أدبية وذوقية عامة‪ ،‬فهذه الثقافة المتنوعة تمكن‬
‫صاحبها من الغوص في جماليات النص المراد تحليله‪.‬‬
‫وهذا يتطلب دراسة مستوياته الصوتية و المعجمية و النحوية والداللية‪ ،‬و اختياراته وتأليفا ته‬
‫و انحرافاته في ضوء العوامل الداخلية المبثوثة في ثناياه ذلك ؛ ألن التحليل األسلوبي محكوم‬
‫بآليات إجرائية أهمها االختيار و التأليف‪ ،‬االنزياح و أنواعه و أيضا التكرار وأنماطه والتماثل‬
‫والتقابل والتحول وأسلوبيه العنوان‪.‬‬

‫‪ )1‬ینظر ‪ :‬عدنان حسین قاسم ‪ :‬االتجاه األسلوبي البنیوي في نقد الشعر العربي‪ ،‬ص)‪. 115‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫نبذة عن حياة الشابي وأدبه‬

‫المبحث األول ‪ :‬لمحة عن حياة الشابي‬

‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬مولده ونشأته‬


‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬دراسته و شخصيته‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬قصة زواجه و مرضه‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أدب الشابي‬

‫‪ ‬المطلب األول‪ :‬مذهبه وفكره‬


‫‪ ‬المطلب الثاني‪ :‬األغراض الشعرية‬
‫‪ ‬المطلب الثالث‪ :‬آثاره األدبية‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫المبحث األول ‪ :‬لمحة عن حياة الشابي‬

‫المطلب األول‪ :‬مولده ونشأته‬


‫ولد أبو القسم الشابي في ‪ 24‬فيفري من سنة ‪ 1121‬م ‪ ،‬في بلدة الشابة ‪ ،‬توزر في تونس‬
‫وكان والده الشيخ محمد بن بالقاسم الشابي ‪ ،‬قد تخرج من الجامع األزهر‪ ،‬بعد دراسة سبع‬
‫سنوات ‪ ،‬في مصر ‪ ،‬في أوائل القرن العشرين ‪ ،‬ثم التحق بجامع الزيتونة في تونس ‪ ،‬ونال‬
‫في نهاية المطاف ما كان يسمى شهادة التطويع وعين قاضيا شرعيا متنقال في المناطق‬
‫‪1‬‬ ‫التونسية‬
‫نشاء الشابي بعيدا عن مسقط رأسه ‪ ،‬ولم يأتي إليه إال مرتين األولى كانت في الخامسة من‬
‫عمره ‪ ،‬والثانية كان فيها زائ ار ‪ ،‬وكان له أخ هو محمد األمين ‪ ،‬فكانت حياته غير‬
‫مستقرة تميزت بكثرة الترحال و التنقل الذي استمر حوالي عشرين سنة مفكان له أث ار في‬
‫نفسه ‪ ،‬وفكره وشعره ‪ ،‬وقد منحه هذا التنقل التعرف على عدة بلدان تونسية وتأمل طبيعتها‬
‫الجذابة ‪ ،‬األمر الذي كان له أثر كبير في إنضاج تجربته الشعرية ‪.‬‬
‫سوفي عام ‪1121‬م نكب الشاعر بوفاة والده بعد أن رافقه عليال من بلدة زغوان إلى توزر‬
‫مسقط رأسه ‪،‬فاضطلع بمسؤولية العائلة بعد وفاة والده ‪.‬‬
‫أما عن مواصفات الشابي تنقل كتب األدب أنه كان ضعيف البنية ‪ ،‬نحيف الجسم ‪ ،‬مديد‬
‫القامة قوي البديهة ‪ ،‬حاد الذكاء ‪ ،‬سريع االنفعال كريما وديعا قنوعا متواضعا كثير التسامح‬
‫‪ ،‬يحب الفكاهة ‪ ،‬محبا لبالده صادق الوطنية ‪.‬‬

‫‪ )1‬ابوالقاسم محمد كرو ‪ ،‬عبقرية فريدة وشاعرية متجددة ‪ ،‬دار البعث ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬د ط‪ ، 2221 ،‬ص ‪. 25‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬


‫المطلب الثاني‪ :‬دراسته و شخصيته‬
‫تلقى أبو القاسم دروسه األولى على يد والده بالدرجة األولى ‪ ،‬ثم أرسله إلى الكتاب في بلدة‬
‫قابس ‪،‬كما كان أبوه محمد الشابي يحرص على تحفيظه القرآن وقد أتم حفظه ‪ ،‬وهو في‬
‫‪1‬‬ ‫التاسع من عمره ‪ ،‬ويخصص له دروسا في البيت ‪.‬‬
‫وفي الثانية عشر ة من عمره قدم إلى العاصمة تونس سنة ‪ 1122‬م ‪ ،‬حيث التحق بجامع‬
‫الزيتونة للدراسة ‪ ،‬حيث تهيأت له الفرصة من أجل التحصيل العلمي ‪ ،‬فقضى سبع سنوات‬
‫يدرس ويطالع ‪ ،‬وبذالك فقد كون لنفسه ثقافة واسعة عربية بحتة ‪ ،‬جمعت بين التراث العربي‬
‫في أزهى عصوره ‪ ،‬وبين روائع األدب الحديث بمصر والعراق وسوريا والمهجر ‪ ،‬ولم يكن‬
‫يعرف لغة أجنبية ‪ ،‬إال أنه اطلع على آداب الغرب من خالل ما كانت تنشره الدروب‬
‫العربية من تلك اآلداب والحضارات ‪،‬تلقى على يد والده العلوم والمعارف التي كونت لديه‬
‫مادة غنية أثرت ثقافته األدبية ‪،‬وفجرت في نفسه ملكات اإلبداع والعبقرية ‪ ،‬جمع الشابي‬
‫ثقافة واسعة عربية وغربية عن طريق ما قرأه من ترجمات من اآلداب الغربية ‪ ،‬لذالك‬
‫تفتحت قرائحه الشعرية في سن مبكر في حدود الثانية عشرة من عمره ‪ ،‬وكانت قصيدة (يا‬
‫حب )التي نظمها سنة ‪1123‬م من أوائل شعره ‪.‬‬
‫وكان يساهم في شعره بتلك الفترة في مساندة حركات التجديد ‪ ،‬وبعث حركة المسلمين ‪،‬‬
‫وعمل على مناصرة تحرير المرأة ‪ ،‬وهذا ما نلمسه في دعوته إلى التجديد في األدب من‬
‫خالل (الخيال الشعري عند العرب ) مما جعله يتعرض لحملة شرسة شنها عليه ناقدوه ‪،‬‬

‫‪ )1‬زين العابدين السنوسي ‪ ،‬الشابي حياته وأدبه ‪ ،‬دار الكتب الشرقية ‪ ،‬تونس ‪ ،‬د ط ‪ ، 1171 ،‬ص‪. 12‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬


‫ولكن وقوف والده إلى جانبه أكسبه ثقة وقوة في االستمرار أمام معارضيه ‪ ،‬وفي سنة‬
‫‪1121‬م ظهر شعره مجموعا في مجلد األول من كتاب " األدب التونسي في القرن الرابع‬
‫عشر " ألستاذ زين العابدين السنوسي ‪،‬وبدأت نشاطاته الثقافية واألدبية مع حركة الشبان‬
‫المسلمين الداعين إلى التجديد وتحرير المرأة من كل أشكال الجمود والتخلف ‪ ،‬وفي سنة‬
‫‪1125‬م نال الشابي شهادة التطويع حيث أنهى دروسه في جامع الزيتونة ‪ ،‬وفي العام التالي‬
‫‪1129‬م انتسب إلى المدرسة للحقوق ونال إجازتها سنة ‪1132‬م ‪ ،‬تظهر شخصية الشابي‬
‫‪1‬‬ ‫التي أثرت في تكوينه فيما يلي‬
‫‪ )1‬مرضه الذي ولد لديه حالة تشاؤمية في نظرته إلى الوجود‪ ،‬وقد انعكس ذالك في سلوكه‪،‬‬
‫إذ جعل منه رجال شديد االنفعال‪.‬‬
‫‪ )2‬واقعه المادي الذي نشأ من ضغط أعباء الحياة ‪ ،‬ال سيما وفاة والده الذي كبده تحمل‬
‫أعباء المسؤولية األسرية مبك ار ‪ ،‬مما حرمه الكثير من الحرية التي كان ينبغي أن يتمتع بها‬

‫‪ )3‬مطالعته الفكرية واألدبية التي صقلت موهبته‪ ،‬وطبعت شعره بمسحة من الخيال‪ ،‬وأدخلت‬
‫عليه شيئا من الجد و الصرامة‪.‬‬

‫‪ )4‬واقع الحياة في وطنه حيث البؤس االجتماعي‪ ،‬والتخلف الثقافي‪ ،‬وضعف األداء السياسي‬
‫الناتج من مورثات االستعمار‪.‬‬

‫‪ )7‬عبقرية الشابي األصيلة وشاعريته الفياضة ‪،‬تبين لنا شخصية أدبية مضطربة عاجزة حينا‬
‫‪ ،‬ومتمردة طموحة أحيانا أخرى ‪.‬‬

‫‪ )1‬خليفة محمد التليسي ‪ ،‬الشابي وجبران‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪ ، 1159 ، 4‬ص‪. 34‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫المطلب الثالث‪ :‬قصة زواجه و مرضه‬


‫تزوج الشابي عام ‪1129‬م قبل أن يتخرج من كلية الحقوق ‪ ،‬يقول زين العابدين السنوسي‬
‫‪" :‬إن الشابي لم يكن حازما أمره على الزواج ‪ ،‬ولكن والده كان يحب أن يتخذ ولده لنفسه‬
‫عرق خلود وبقاء ‪ ،‬والشيخ أحرص ما يكون على بقاء جذوره ‪ ،...‬وجاء الشابي إلى صديقه‬
‫ومعتمده في شؤونه يمشي على استحياء وقال له ‪ :‬جئتك ألستشيرك ‪...‬هل أتزوج ؟ وقال‬
‫السنوسي ‪ :‬شعرت أنا بثقل مسؤولية تلك االستشارة ‪ ،‬فهو ينفض عن صدره تخوفه على قلبه‬
‫المريض ثم هو يميل إلى الزواج إضافة ألبيه ومن وراء ذالك كنت أرى من حديثه بأن‬
‫‪1‬‬ ‫الزواج من الميول البشرية الخالدة "‬

‫‪، 2‬‬ ‫تزوج الشابي بالفعل وأرضى والده ‪ ،‬وقد أشرف أبوه على تنسيق هذا الزواج ومباركته‬
‫ولقد تضاربت اآلراء في شأن نجاح الزواج ففي حين يؤكد السنوسي أن الشابي في زواجه‬
‫كان سعيدا وموفقا ‪ ،‬أن زوجته كانت مطيعة له ‪ ،‬وتشفق عليه وتترضاه ‪ ،‬في حين يرى‬
‫آخرون أن هذا الزواج كلن فاشال ‪ ،‬ولكن الشاعر على الرغم من أنه قد أقنع نفسه بضرورة‬
‫الزواج إرضاء لوالده ‪ ،‬وعلى الرغم من أنه رزق ولدين ‪ ،‬وعلى الرغم مما رواه السنوسي‬
‫على نجاح هذا الزواج ‪ ،‬إال أن الشابي حسب ما نجده في ديوانه ‪ ،‬ال يدل على أنه كان‬
‫سعيدا في حياته الزوجية ‪ .‬إن هذا الزواج لم يهبه االطمئنان الذي كان يحلم به‬

‫ذالك أنه كان يعشق فتاة منذ عهد طفولته ولكن شاءت األقدار أن تأتيها المنية ‪ ،‬فترك‬
‫موتها في نفسه أسا عميقا ‪،‬تردد في أشعاره ‪ ،‬وضل يذكر هذا الحب لفترة طويلة ‪.‬‬

‫‪ )1‬زين العابدين السنوسي ‪ ،‬الشابي حياته أدبه ‪ ،‬ص‪. 15‬‬


‫‪ )2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫أما عن مرضه فقد أصيب الشابي بمرض القلب ‪ ،‬لكن أعراض الداء لم تظهر عليه‬
‫واضحة إال سنة ‪1121‬م ‪ ،‬وكان والده قد رغب أن يزوج ابنه وأن يشهد هذا الزواج ‪ ،‬فتوجه‬
‫الشابي برفقة صديقه الصحفي السنوسي الستشارة الدكتور " محمد الماطري " ‪ ،‬فشخص له‬
‫مرضه وحقيقة أمره غير أنه حذره على كل حال من عواقب اإلجهاد الفكري والجسدي ‪.‬‬

‫عالج الشابي عند مجموعة من أطباء القلب ‪ ،‬ومنهم الطبيب الفرنسي " ركالو" ‪ ،‬وكان‬
‫ينصحه باإلقامة في األماكن المعتدلة المناخ ‪ ،‬وفي أواخر عام ‪1131‬م وقبل أن يرزق بولده‬
‫البكر بدأت تنتابه نوبات قلبية ‪ ،‬يروي أخوه محمد األمين الشابي للسنوسي خبر النوبة‬
‫القلبية التي انتابته عام‪1132‬م حيث يقول‪ " :‬كان الشابي يعتلج من ضائقة صدرية ‪،‬فزعت‬
‫لها أمه وزوجته ‪،‬عندما كان أبو القاسم الشابي ينظر إليهم بعينيين ال ترجوان معونة من احد‬
‫‪ ،‬إال من قلبه لو استعاد اتزانه ‪ ،......‬نوبة دامت ساعتين يقلب في أثنائهما وجهه وال ينبس‬
‫أال بقطرات من العرق تتألأل على وجهه بالجهد الذي تبطله الحياة لتحق وجودها ‪. 1‬‬

‫وطلب ورقة وقلم‪،‬فأخذ يكتب ‪:‬‬

‫‪2‬‬ ‫ياإله الوجود هذه جراح ****** في فؤادي تشكوا إليك الدواهي‬

‫‪ )1‬مجيد طراد ‪ ،‬ديوان أبي القاسم الشابي ورسله ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬تونس ‪ ،‬ط‪ ،1114 ،2‬ص‪.14،17‬‬
‫‪ )2‬أبو القاسم‪ ،‬أغاني الحياة‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1177 ،1‬ص‪.347‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫منها تطور المرض مع الزمن ثم ضعفت بنية الشاعر وساءت أحواله ‪ ،‬قضى الشابي صيف‬
‫‪1132‬م مستشفيا وراح ينتقل بين المصايف والمنتجعات ‪ ،‬ولكن ذالك لم يجد له نفعا بل‬
‫ساءت حالته في آخر عام ‪1133‬م ‪،‬واشتد عليه المرض فاضطر إلى مالزمة الفراش ‪ ،‬حرم‬
‫عليه أطباؤه الكتابة والمطالعة ونصحوه بالتنقل إلى توزر طلبا للراحة ‪ ،‬وأخي اًر أعياه المرض‬
‫فدخل مستشفى الطليان في الثالث من تشرين األول سنة ‪ 1134‬م قبل وفته في التاسع منه‬
‫‪1‬‬ ‫على الساعة الرابعة صباحاً يوم االثنين ونقل جثمانه إلى وسقط رأسه توزر ودفن فيها ‪.‬‬

‫‪ )1‬مجيد طراد ‪ ،‬ديوان أبي القاسم الشابي ورسله ‪ ،‬ص‪.11‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أدب الشابي‬


‫المطلب األول‪ :‬مذهبه وفكره‬
‫اتبع الشابي في المذهب الرومانسي ‪ 1.‬القائم على الخروج عن األساليب الشعر القديم ‪،‬‬
‫فكان من جيل الشباب الخارجين عن عمود الشعر العربي القديم في عصره فتعددت وتنوعت‬
‫القوافي في القصيدة الواحدة ونوع في أشكال القصيدة من عامودية إلى الموشحات ‪.‬‬
‫ومن خصائص المذهب الرومنسي التي نجدها عند الشابي قلة استعماله األلفاظ اإلسالمية ‪،‬‬
‫فال نجد من التراث الديني عنده سوى ما يتعلق بقضية اإليمان بالقضاء والقدر ‪ ،‬وقضية‬
‫الموت التي كان لها أثرها في شعره والميل إلى الطبيعة والتغني بها ‪،‬وهو ما نجده بشكل‬
‫بارز في ديوان الشابي‪ ،‬على أنه لم يصفها لغرض وصفها فقط ‪ ،‬بل عمل على رسمها‬
‫واظهارها بعينيه ونفسيته ‪ ،‬فألبسها حزنه تارًة وفرحه تارًة أخرى ‪،‬‬
‫فظهرت من خاللها عاطفته وأفكاره حيث يقول ‪:‬‬

‫‪2.‬‬ ‫أقبل الصبح يغني للحياة الناعسة *****والربى تحلم في ظل الغصون المائسة‬

‫‪ )1‬أبو زيان السعدي ‪ ،‬حول شاعرية الشابي ‪ ،‬مجلة الفكر ‪ ،‬ع‪ ، 1194 ، 1‬ص‪. 41‬‬
‫‪ )2‬أبو القاسم الشابي ‪ ،‬أغاني الحياة ‪ ،‬ص‪.172‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫انطلق الشابي في شعره من فكر وجودي فلسفي في الحياة والموت ‪ ،‬فكانت فكرته عنها‬
‫أفالطونية معقدة ‪ ،‬وتلك بتأثر من أحواله النفسية وهو في تأمله للحياة والموت كثير التساؤل‬
‫‪ ،‬فإذا كان كل شيئ زائل ال محالة ‪ ،‬فما قيمة الحياة نفسها حيث يقول ‪:‬‬
‫إن لم يكن من لقاء المنايا ***** مناص عن حل هذا الوجود‬

‫فأي غناء لهذه الحياة ***** وهذا الصراع‪ ،‬العنيف الشديد‬

‫‪1‬‬ ‫وذالك الجمال الذي ال يمل***** وتلك األغاني‪ ،‬وذالك النشيد‬

‫وجودية الشابي وفلسفته غامضة وتشبه وجودية طرفة في بحثهما عن الخلود والطموح في‬
‫الوصول إليه فشكل لكل منهما هاجر عبر كل منهما عنه بطريقته وفكره فطرفة يرى أن‬
‫فلسفة الموت والحياة تنفي القيم وعليه أن يمنع نفسه وال يحرمها من لذات الحياة ومتعها وهو‬
‫بهذا يثبت وجوده في الحياة ويصل إلى الخلود ‪،‬والشابي رأى في بحثه عن المثالية وعالم‬
‫المثل العليا أن البشر ال يريدون المثل األعلى إال وهو منقطع عن أسباب الحياة واذا وجد‬
‫هذا المثل في شخص كذبوه وأهانوه يقول ‪:‬‬

‫ما قدس المثل األعلى وجمله*****في أعين الناس إال أنه حلم‬

‫صنم‪2‬‬ ‫ولو مشى فيهم حيا لحطمه*****قوم وقالوا بخبث أنه‬

‫‪ )1‬أبو القاسم الشابي ‪ ،‬أغاني الحياة ‪ ،‬ص‪.172‬‬


‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.159‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األغراض الشعرية‬


‫كان يتغنى بالحياة وجمالها من أجل ترغيب اآلخرين في أن يتوجهوا إلى ذواتهم أوال‬
‫فيصلحون من أنفسهم ‪ ،‬ثم يتأملون الطبيعة التي يلفت أنظارهم إلى جمالها ‪ ،‬ليدركوا أهمية‬
‫الحياة وبالتالي أهمية الحرية ‪ ،‬غير أن االستجابة لدعواته لم تكن بالحجم الذي أراده ‪،‬‬
‫فنهال على الخاملين والكسالى بالتقريع ‪ ،‬وينصرف عنهم متوجها إلى الطبيعة متأث ار‬
‫بالرمنطيقيين لعله يجد راحة لنفسه المتمردة ‪ ،‬ففي الغاب الذي توجه إليه عودة إلى الفطرة‬
‫وعلم الغاب بالمفهوم الرمنطيقي عالم خيالي عاطفي ‪ ،‬والحديث عنه يدل على إحساس‬
‫الشاعر بالغربة وهو بين أهله وقومه هذا اإلحساس يتطور مع مرور الزمن إلى ملل‬
‫واشمئزاز ‪ ،‬إذ جعل الشابي من الشعر منطلقا ليعبر عن ذاته وما يعتلج فيها من هموم ‪.‬‬

‫أما طريقته في النظم فإنها تقوم على أسس ومنطلقات تراعي بمجملها أمرين هما‪ :‬عمق‬
‫المعاني ‪ :‬الرتباطها باإلنسان وبالحياة وبالشعور وسهولة األلفاظ ‪ :‬ألفاظ لينة فيها قوة وقدرة‬
‫على حمل المعاني المختلفة‪ ،‬تتداخل من خاللها المحسوسات ‪ ،‬مما يقرب العبارة إلى الرمزية‬
‫‪1.‬‬ ‫لما يكتنفها من غموض أو خيال عميق ‪ ،‬وكما اهتم بالفظة المفردة وبالمعنى العميق‬

‫‪ )1‬مجيد طراد ‪ ،‬ديوان أبي القاسم الشابي ورسله ‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي و أدبه‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثاره األدبية‬


‫تعود شهرة الشابي إلى ديوانه بالدرجة األولى ‪ ،‬ثم إلى كتابه الموسم ( الخيال الشعري عند‬
‫العرب ) باإلضافة إلى أعمال أخرى نذكر منها ‪:‬‬

‫‪ ‬قصة الهجرة النبوية‬


‫‪ ‬في المقبرة وهي رواية‬
‫‪ ‬السكير وهي مسرحية‬
‫‪ ‬مجموعة رسائل توجه إلى أصدقاءه ومنهم البشروش ‪ ،‬والحليوي ‪ ،‬وأبو شادي ‪ ،‬وابراهيم‬
‫ناجي ‪ ،‬وعلى ناصر وغيرهم‬
‫‪ ‬مذكرات بدأ بتدوينها سنة ‪1132‬م‬
‫‪ ‬األدب العربي في العصر الحاضر‬
‫‪ ‬شعراء المغرب‬
‫‪ ‬جميل بثنية‬
‫‪ ‬صفحات دامية‬
‫‪ ‬مقاالت مختلفة‬

‫ديوانه‪ :‬جمع الشابي ديوانه في صيف ‪1134‬م وسماه ( أغاني الحياة ) وقد رتبه بنفسه ‪،‬‬
‫واختار ما يريد من قصائد وأهمل البعض ‪ ،‬وكان يعده للطبع ‪ ،‬والكن الموت منعه من ذالك‬
‫‪ ،‬فتولى أخوه محمد الشابي تلك المهمة فنشر الديوان بإشراف أحمد زكي أبو شادي سنة‬
‫‪1.‬‬ ‫‪1174‬م‬

‫‪ )1‬أبو القاسم الشابي ‪ ،‬أغاني الحياة ‪ ،‬ص ‪. 135‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬
‫المبحث األول‪ :‬قصيدة الناس‬

‫‪ -‬نص القصيدة‬

‫‪ -‬شرح القصيدة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المستوى الصوتي‬

‫تمهيد ‪:‬عن اإليقاع الصوتي الداخلي والخارجي‬

‫‪ -‬اإليقاع الداخلي‬

‫‪ -‬االيقاع الخارجي‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المستوى التركيبي‬

‫‪ -‬الجملة النحوية‬

‫‪ -‬الجملة البالغية‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المستوى الداللي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬

‫‪1‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬قصيدة الناس‬


‫‪ )1‬نص القصيدة‬

‫قصيدة الناس‬

‫النِاس َإال أََن ُه ُحلُم‬


‫َعي ِن َ‬
‫ِ‬
‫في أ ُ‬ ‫َعَلى َو َج َّمَل ُه‬ ‫َما َق َّد َس َ‬
‫المثَ َل َاأل ْ‬

‫صَن ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َقوم وَقال ُوا ب ُخ ْبث إَن ُه َ‬ ‫َوَل ْو َم َشى ِفيهم َحيا ًل َحط َم ُه‬

‫الناس ِإ َال كل من ِ‬
‫الع َد ُم‬ ‫ُممنع َوِل َم ْن َح َاب ُ‬
‫اه ُم َ‬ ‫عد ُم‬ ‫ْ‬ ‫عبد َّ َ‬
‫الَ َي ُ‬

‫الرَم ُم‬ ‫ِ‬


‫مج َد َها َ‬
‫الشَقاء َوَتلَقى ْ‬
‫َيلَقى َ‬ ‫حبهم‬
‫ُ‬ ‫األَف َذا ُذ‬ ‫العَباق َرةُ‬
‫َحتَى َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحتَى إ َذا َما تَو َارى َع ْن ُه ُم َند ُ‬
‫موا‬ ‫الحي َب ْيَنهمُ‬ ‫الَّن ُ‬
‫اس ال ُي ْنصفو َن َ‬

‫الش ِر تَ ْحتَِد ُم‬


‫يح َ‬ ‫الزماَ ُن ِ‬
‫ور ُ‬
‫ي ِ‬
‫مشي َ‬ ‫َ‬ ‫اس ِم ْن أَهو ِائ ِهم أََب َدا‬
‫للن ِ‬
‫يل َّ‬
‫الو ُ‬
‫َ‬

‫‪ )1‬ديوان أبي القاسم الشابي ‪ ،‬أحمد حسن ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬منشورات محدد على بيضون ‪ ،‬ط ‪، 4‬‬
‫‪ ، 2227‬ص ‪. 139‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬

‫‪ )2‬شرح القصيدة ‪:‬‬


‫يقدم الشاعر في قصيدة الناس رؤيته للواقع الذي يعيشه الناس وذلك من خالل التحذير‬
‫والوعيد من األهواء ويربطها باالستم اررية الزمنية التي تشير الى عقيدة دينية خالصة تشبع‬
‫بها الشاعر تتلخص في األخالق السامية والمثل العليا وما يناقضها في الواقع من الخطية‬
‫الزمنية ‪،‬فإشارة الشاعر إلى الملحوظ الزمني فيه إيحاء خفي إلى مسألة اآلجال المحددة‬
‫لكل العناصر الكونية المخلوقة ‪،‬ثم يربطها مرة أخرى بمسألة الشر وهذه المسألة تدلل مرة‬
‫أخرى على العقيدة الراسخة عند الشاعر التي تجعل لكل شيء سببا ولكل عمل موضع داخل‬
‫فضاء الثنائية المعروفة (الشر والخير) فلوال العقيدة الدينية لزالت مسألة الخير والشر أصال‬
‫ولما احتاج اإلنسان إلى البحث فيها ‪،‬وفي إشارة الشاعر إلى الشر تنويه آخر بالدور‬
‫الحضاري الذي ينبغي أن يجسده الناس لينتشر العدل بينهم ويأخذ كل ذي حق حقه ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المستوى الصوتي‬


‫تمهيد ‪:‬عن اإليقاع الصوتي الداخلي والخارجي‪:‬‬

‫يمثل الجانب الصوتي في البناء الشعري مكونا جماليا وأساسا في بنائه‪ ،‬فهو تنظيم فني‬
‫للنظام الصوتي في اللغة‪ ،‬واذا ما أردنا تحليل المؤثرات الصوتية في القصيدة يجب علينا‬
‫التفريق بين القالب الصوتي في ذاته وبين األداء المستقل عن هذا القالب‪.‬‬

‫ويحتوي اإليقاع الشعري على مستويين ‪:‬المستوى الخارجي الصوتي والمستوى الداخلي غير‬
‫الصوتي‪ ،‬أما المستوى الخارجي فهو حركة صوتية تنشأ عن نسق معين بين العناصر‬
‫الصوتية في القصيدة‪ ،‬ويدخل ضمن هذا المستوى كل ما يوفره الجانب الصوتي من وزن‬
‫وقافية وتكرار ومحسنات بديعية وما إلى ذلك‪ ،‬أما المستوى الداخلي فهو حركة موقعة في‬
‫بناء القصيدة أو نسيجها مجردة من عنصر الصوت ‪.‬وهي حركة ال يتم إدراكها من خالل‬
‫حاسة السمع أو البصر‪ ،‬وانما من خالل نمو الحركة داخل البناء الكلي للقصيدة‪.‬‬

‫واذا كان اإليقاع الخارجي قابال بطبيعته للتقعيد والنمذجة‪ ،‬فإن اإليقاع الداخلي غير قابل‬
‫بطبيعته لذلك‪ ،‬وهذا ما يجعل لكل نص شعري متكامل إيقاعه الداخلي الخاص به‪.‬‬

‫لقد عملت الحداثة الشعرية على توسيع دائرة اإليقاع الشعري وجعلته ال يقتصر على الوزن‬
‫والقافية‪ ،‬بل تعداهما إلى طبيعة التراكيب اللغوية‪ ،‬كالتقابل والتكرار والتنويع‪ ،‬والتوازي الخ ‪...‬‬
‫وظهر ما يسمى بالموسيقى الداخلية‪ ،‬إال أن هذا المصطلح أخذ تعريفات عديدة ولم يحدد‪،‬‬
‫فعبد الحميد جيدة يعرفه ب"‪:‬النغم الذي يجمع بين األلفاظ والصورة‪ ،‬بين وقع الكالم والحالة‬
‫النفسية للشاعر‪ ،‬إنها مزاوجة تامة بين المعنى والشكل بين الشاعر والمتلقي("‪ 1‬إذ يمكننا‬
‫إدراج الموسيقى الداخلية كعنصر داخل بنية اإليقاع‪ ،‬فإيقاع القصيدة التقليدية متمثل في‬
‫الوزن والقافية في حين إيقاع القصيدة الحداثية هو إبداع في الوزن والقافية‪ ،‬إضافة إلى‬

‫‪ )1‬ديوان أبي القاسم الشابي ‪ ،‬أحمد حسن ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬منشورات محدد على بيضون ‪ ،‬ط ‪، 4‬‬
‫‪ ، 2227‬ص ‪. 139‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫عناصر جديدة كعالقات األلفاظ من الجانب الصوتي والتراكيب اللغوية) ‪ 1‬فاإليقاع يرتبط‬
‫ببنية القصيدة‪ ،‬كما يرتبط بالحالة النفسية للمتلقي بحيث يصل التذوق الموسيقى للمقاطع وفق‬
‫إحداث المفاجأة( ‪ 2‬إذن الشاعر يتفاعل مع األصوات مدفوعا في ذلك باإليقاع الذي يسيطر‬
‫عليه سابقا لعملية" التشكيل اإلبداعي "والشاعر يحاول إخضاع الكلمات لمطالب هذا‬
‫التشكيل )‪(...‬وما نزوع اإليقاع إلى التشكيل إال من أجل تبيان تشكل الكلمات له‪ ،‬وهو الذي‬
‫يكسبها مواضعها في أنظمة لغوية تحقق بنية القصيدة وداللتها الرمزية ‪ ،‬وبذلك تصبح‬
‫األصوات عالمات دالة على معان يصنع من فاعلية كل منها مع اآلخر وجدليتها نبض‬
‫الفعل الموسيقي‪.‬‬

‫ويقوم اإليقاع على آلية التكرار‪ ،‬الذي يعد" أسلوب تعبيري يصور اضطراب النفس ويدل على‬
‫تصاعد انفعاالت الشاعر‪ ،‬وهو منبه صوتي يعتمد الحروف المكونة للكلمة في اإلشارة إلى‬
‫الحركات أيضا‪ ،‬إذ بمجرد تغيير حركة يتغير المعنى ويتغير النغم‪"( 1‬‬

‫ويكون على مستوى الصوت والكلمة والجملة باإلضافة إلى عنصر التكرار‪ ،‬هناك عناصر‬
‫أخرى مثل النبر الذي ينشأ عن الضغط على بعض المقاطع الصوتية‪ ،‬كما ينشأ اإليقاع عن‬
‫التجانس والتنافر بين الكلمات " وعن تساوي الحركات والسكنات مع الحالة الشعورية لدى‬
‫الشاعر‪ ،‬وهو توقيعات نفسية تنفذ إلى صميم المتلقي لتهز أعماقه في هدوء ورفق‬

‫إذن فالشاعر الحداثي ال يستطيع االستغناء عن اإليقاع الداخلي‪ ،‬لما له من أهمية‬

‫في إبراز الحالة الشعورية‪ ،‬أو لتجسيد تجربته بطريقة تؤثر في المتلقي‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫التوحيد بين اإليقاعين الداخلي والخارجي ‪.‬‬

‫‪ )1‬ينظر ‪ :‬رواية يحياوي ‪ :‬شعر أدونيس ‪ :‬البنية والداللة‪ ،‬اتجاه الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ، 2229 ، 1‬ص‪.211‬‬

‫‪ )2‬عبد الحميد جيدة ‪ ،‬اإلتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر ‪ ،‬ص ‪. 371‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫‪ )1‬اإليقاع الداخلي‪:‬‬

‫لقد تجلى اإليقاع الداخلي بخصوصياته السالفة تجليا واضحا في ديوان" الشابي "من خالل‬
‫تلك المظاهر الحداثية‪ ،‬ومن خالل األلفاظ والتراكيب التي تقوم بتوليد تناسق بين عناصر‬
‫المقطع‪ ،‬إنه يولد دالالت المقطع وايحاءاته المتميزة التي ال تنفصل عن الحالة النفسية‬
‫للشاعر‪ ،‬ذلك ما أضفى على أشعار" ابوالقاسم الشابي "‬

‫الكثير من الجمالية الشعرية‪ ،‬التي تبدو الحداثة قد حققتها باعتمادها على اإليقاع الداخلي‬
‫بدل الوزن الخليلي‪.‬‬

‫ويمكن للمتلقي أن يقف عند اإليقاع الداخلي في قصائد" الناس "من ديوان "الشابي" ‪ ،‬وقد‬
‫حقق هذا اإليقاع في القصيدة الحداثية عند" ابوالقاسم الشابي "انفتاحا وحرية وانعتاقا من‬
‫قيد النظام الوزني‪.‬‬

‫أ) األصوات المجهورة‬

‫تعد ظاهرة الجهر من الظواهر الصوتية التي كان لها شأن كبير في تمييز األصوات اللغوية‪،‬‬
‫وتقابلها ظاهرة الهمس‪ ،‬ويعرف" ابن جني "الصوت المجهور بأنه‪:‬‬

‫"حرف أشبع االعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه‪ ،‬حتى ينقض االعتماد‪،‬‬

‫ويجري الصوت ‪ ،‬ويعرف الجهر أيضا بأنه" ‪:‬اهتزاز الوترين الصوتيين عند النطق واألصوات‬
‫‪1‬‬ ‫المجهورة هي‪ ( :‬ب‪ ،‬ج‪ ،‬د‪ ،‬ذ‪ ،‬ر‪ ،‬ز‪ ،‬ض‪ ،‬ظ‪ ،‬ع‪ ،‬غ‪ ،‬ل‪ ،‬م‪ ،‬ن‪ ،‬ي‪ ،‬و)‬

‫وبالنسبة لشيوعها في الكالم فأنها تشكل فكان كاآلتي‪:‬‬

‫‪ )1‬خولة طالب اإلبراهيمي ‪ ،‬مبادئ في السانيات ‪،‬ص ‪. 79‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫تواتر األصوات المجهورة على مستوى كل بيت‬

‫مجموع‬ ‫الصوت‬

‫األصوات‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت ‪ 1‬البيت‪2‬‬

‫المجهورة‬
‫‪7‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ب‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ج‬
‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫د‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ذ‬
‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ر‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ز‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ض‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ظ‬
‫‪8‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ع‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫غ‬
‫‪31‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ل‬
‫‪29‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫م‬
‫‪17‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ن‬
‫‪11‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ي‬
‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫و‬
‫‪129‬‬ ‫المجموع الكلي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫من خالل هذا الجدول تواتر األصوات المجهورة لقصيدة " الناس " للشاعر أبي القاسم‬
‫الشابي ‪ 121‬مرة وقد كانت الحروف المهيمنة هي ‪:‬الالم و الميم و النون وكانت حصة‬
‫األسد لصوت) الالم (‪ ،‬ولالم مكانة خاصة في اللغة العربية‪ ،‬فهو واأللف من عالمات‬
‫التعريف فالالم صامت منحرف؛ ألن اللسان ينحرف عند النطق به وهذا ما يتوافق تماما مع‬
‫انحراف شعراء الحداثة عن قيود اللغة القاموسية ‪ ،‬في ارتيادهم لتخوم المجهول المشحون‬
‫بالمغامرة والتمرد والتحدي‪.‬‬
‫فصوت الالم غاري جاني مجهور وظف في سياقات كثيرة دلت على األلم والتوجع والغضب‬
‫في نحو قوله ‪ :‬لحطمه ‪ ،‬العدم ‪ ،‬الشقاء ‪ ،‬الويل ‪ ،‬الشر ‪...‬‬
‫(الميم )هو حرف شفوي مجهور متوسط يدل على المعاني السامية ‪،‬ولكنه في هذه القصيدة‬
‫أتى صوت روي وقد وظف في سياقات كثيرة دلت على الفخر والحسرة نحو قوله ‪ :‬حلم ‪،‬‬
‫صنم ‪ ،‬منعدم‪ ،‬ندموا ‪ ،‬الرمم ‪.‬‬
‫فصوت )النون (هو من األصوات األنفية المجهورة‪ ،‬يحمل داللة المعاناة والحزن والبكاء و‬
‫‪ ،‬و هو أيضا يوحي بموسيقى حزينة و‬ ‫النواح)‪( 1‬‬ ‫األلم و األسى لذلك يدعي بالصوت‬
‫بمسحة أنين)‪ ، "( 2‬و نمثل له ذا الصوت ببعض المقاطع الشعرية الحداثية التي احتضنت‬
‫صوت النون بشكل مكثف‪ ،‬على نحو قوله ‪ :‬صنم ‪ ،‬منعدم ‪ ،‬الزمان ‪ ،‬ندموا ‪ ،‬أعين‬
‫‪.‬وصوت ( الواو) هو غاري مجهور يرتبط في هذه القصيدة بالتوجع والتحذير نحو قوله ‪:‬‬
‫الويل ‪ ،‬توارى ‪ ،‬ندموا ‪...‬‬
‫نستنتج من خالل الجداول السابقة التي رصدت لنا الحروف المجهورة هو أنها جاءت بنسب‬
‫متفاوتة و عالية‪ ،‬و كل قصيدة من قصائد الشاعر جاءت حافلة بكم هائل من هذه األصوات‬
‫رغم التفاوت الملحوظ من قصيدة إلى أخرى ‪ ،‬و هذا أمر طبيعي‪ ،‬ألن الشاعر في حالة ثورة‬
‫و غضب و تمرد و انفعال داخلي‪ ،‬فجاءت قصائده كأنها شظايا من حمم بركانية‪ ،‬لذا نجد‬
‫الشاعر كتب و بصوت جهور ي عال ليعبر باألصوات المجهورة عن إحساسه بالتناقض‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫من خالل هذا الجدول تواتر األصوات المجهورة لقصيدة " الناس " للشاعر أبي القاسم‬
‫الشابي ‪ 121‬مرة وقد كانت الحروف المهيمنة هي ‪:‬الالم و الميم و النون وكانت حصة‬
‫األسد لصوت) الالم (‪ ،‬ولالم مكانة خاصة في اللغة العربية‪ ،‬فهو واأللف من عالمات‬
‫التعريف فالالم صامت منحرف؛ ألن اللسان ينحرف عند النطق به وهذا ما يتوافق تماما مع‬
‫انحراف شعراء الحداثة عن قيود اللغة القاموسية ‪ ،‬في ارتيادهم لتخوم المجهول المشحون‬
‫بالمغامرة والتمرد والتحدي‪.‬‬
‫فصوت الالم غاري جاني مجهور وظف في سياقات كثيرة دلت على األلم والتوجع والغضب‬
‫في نحو قوله ‪ :‬لحطمه ‪ ،‬العدم ‪ ،‬الشقاء ‪ ،‬الويل ‪ ،‬الشر ‪...‬‬

‫(الميم )هو حرف شفوي مجهور متوسط وقد وظف في سياقات كثيرة دلت على الفخر‬
‫والحسرة نحو قوله ‪ :‬حلم ‪ ،‬صنم ‪ ،‬منعدم‪ ،‬ندموا ‪ ،‬الرمم ‪.‬‬

‫فصوت )النون (هو من األصوات األنفية المجهورة‪ ،‬يحمل داللة المعاناة والحزن والبكاء و‬
‫األلم و األسى لذلك يدعي بالصوت النواح ‪ ، 1‬و هو أيضا يوحي بموسيقى حزينة و بمسحة‬
‫أنين)‪ ، "( 2‬و نمثل له ذا الصوت ببعض المقاطع الشعرية الحداثية التي احتضنت صوت‬
‫النون بشكل مكثف‪ ،‬على نحو قوله ‪ :‬صنم ‪ ،‬منعدم ‪ ،‬الزمان ‪ ،‬ندموا ‪ ،‬أعين ‪.‬‬

‫وصوت ( الواو) هو غاري مجهور يرتبط في هذه القصيدة بالتوجع والتحذير نحو قوله ‪:‬‬
‫الويل ‪ ،‬توارى ‪ ،‬ندموا ‪...‬‬

‫‪ )1‬ينظرأمانب سليمان داود‪ ،‬األسلوبية والصوفية في شعرالحسين ابن منظور الحالج‪ ،‬دار مجدالوي ‪،‬عمان‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ ، 2222‬ص ‪, 97‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ب) األصوات المهموسة‪:‬‬

‫الصوت المهموس عند علماء األصوات هو" ‪ :‬حرف أضعف االعتماد في موضعه حتى‬
‫جرى معه النفس ‪ ، 1‬فإذا انفرج الوتران الصوتيان على نحو ال يتيح مجاال ألي توتر‪ ،‬فإن‬
‫مهموس) ‪2‬‬ ‫الصوت يوصف بأنه‬

‫ويعرفه إبراهيم أنيس بقوله هو الصوت" الذي ال يهتز معه الوتران الصوتيان‪ ،‬وال يسمع لها‬
‫و هو أيضا" صوت أضعف الضغط في موضع الضغط أثناء نطقه‬ ‫‪،3‬‬ ‫رنينا حين النطق بها‬
‫جهرا) ‪4‬‬ ‫مع جري النفس فإنك ال تسمع له‬

‫واألصوات المهموسة هي ‪:‬ح‪ ،‬ث‪ ،‬ه‪ ،‬ش‪ ،‬خ‪ ،‬ص‪ ،‬ف‪ ،‬س‪ ،‬ك‪ ،‬ت‪ ،‬ط‪ ،‬ق‪.‬‬

‫وهناك وحدة صوتية واحدة ال هي مجهورة و ال هي مهموسة و هي همزة القطع ‪ ،‬وفي ما‬
‫يلي سنوضح تواتر هذه األصوات في القصائد الحداثية ألبي القاسم الشابي في الجداول‬
‫اآلتية‪:‬‬

‫‪ )1‬عبد القادر عبد الجليل‪ :‬هندسة المقاطع وموسيقى الشعر العربي‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ ،1119 ،1‬ص‪.42‬‬
‫‪ )2‬محمود فهمي حجازي‪ :‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪ ،1112 ،1‬ص‪.71‬‬
‫‪3‬‬
‫) إبراهيم أنيس‪ :‬األصوات اللغوية‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪4‬‬
‫) تمام حسان‪ :‬اللغة معناها ومبناها‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،1113 ،3‬ص‪.12‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫تواتر األصوات المهموسة على مستوى كل بيت من قصيدة الناس ‪:‬‬

‫مجموع‬

‫األصوات‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫الصوت البيت ‪ 1‬البيت‪2‬‬

‫المهموسة‬
‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ح‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫خ‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ف‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ك‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ش‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ص‬
‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫س‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ط‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ت‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ث‬
‫‪4‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ق‬
‫‪09‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ه‬
‫‪41‬‬ ‫المجموع الكلي‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫أما صوت )الهاء ( في هذا القصيدة يدل على االهتزاز واالضطراب‪ ،‬فالشاعر في حالة‬
‫تشويش نفسي وغربة نفسية وروحية ناتجة عن إحساسه بالضياع والتيه في زخم الحياة‬
‫ومتناقضاتها وخطاياها وعن مبتغاه ‪ ،‬وهدفه المنشود يعبر عما يكمن في النفس من حزن و‬
‫ألم و شقاء‪ ،‬فصوت) الهاء ( ليس مجرد صوت‪ ،‬و إنما هو‬
‫داللة قوية على حالة عواطف الشاعر المتأججة الحافلة بالهزات و االنفعاالت حين يصور‬
‫مشاعر نفاذ الصبر و اليأس و االنهيار الذي ينبع من صميم العواطف المجروحة‪ ،‬ونجد‬
‫ذالك في ‪ :‬حاباهم ‪ ،‬أهوائهم ‪ ،‬لحطمه ‪...‬‬
‫أما صوت ( السين) فهو صوت لثوي مهموس احتكاكي صفيري ‪ ،‬والصفير صوت زائد‬
‫يخرج من الشفتين وسمي بذالك ألنك تسمع له صوتا يشبه صوت الجراد ‪ ،‬ونجده في ‪ :‬ما‬
‫قدس ‪ ،‬الناس‪ ،‬وجاء هنا للتنفيس على ما يجول في نفس الشاعر من تحسر وأسى ‪.‬‬
‫وصوت (الحاء) صوت حلقي رخوي مهموس له داللة التفاؤل في نحو قوله ‪ :‬حلم ‪ ،‬حي ‪.‬‬
‫واذا ما نظرنا الى األصوات في القصيدة من خالل الجدولين السابقين يتبين لنا أن عدد‬
‫األصوات المجهورة أكثر من المهموسة حيث تواترت المجهورة( ‪ ) 121‬مرة مقابل (‪)41‬‬
‫صوت مهموس ‪.‬‬
‫والجهر سمة صوتية توحي بالقوة والرفض والتحدي وهو يدل على ارتفاع الصوت ‪،‬فجاءت‬
‫األصوات المجهورة تعبر عن رفض الواقع واألخالق التي يعيشها الناس والكشف عن حقيقة‬
‫التعامل بين الناس والذي يرفضه الشاعر ‪،‬وقد خدمت هذه األصوات غرض الشاعر في هذه‬
‫القصيدة ‪،‬والهمس يدل على انخفاض الصوت وهدوئه وموضوع القصيدة ال يدل على الهدوء‬
‫وهذا ما يبرر كثرة األصوات المجهورة ‪.‬‬

‫ت) األصوات االحتكاكية‬

‫و هي أصوات تتكون بأن يضيق مجرى الهواء الخارج من الرئتين في موضع من المواضع‪،‬‬
‫)‪1‬‬ ‫ويمر من خالل منفذ ضيق نسبيا يحدث في خروجه احتكاكا مسموعا‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬كمال بشر‪ :‬علم األصوات‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2222 ،1‬ص‪215‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫وتسمى باألصوات الرخوية‪ ،‬وتحمل صفة الصفيرية وعددها ثالثة عشر ) ‪ ( 13‬صوتا‪ ،‬وهي‬
‫‪1‬‬ ‫)ف‪ ،‬ث‪ ،‬ذ‪ ،‬ط‪ ،‬س‪ ،‬ز‪ ،‬ص‪ ،‬ش‪ ،‬خ‪ ،‬غ‪ ،‬ح‪ ،‬ع‪ ،‬ه)‬

‫تواتر األصوات االحتكاكية على مستوى كل بيت من قصيدة الناس ‪:‬‬

‫المجموع‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت‪2‬‬ ‫الصوت البيت‪1‬‬


‫‪9‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ه‬
‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ح‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫خ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ش‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ص‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ض‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ز‬
‫‪5‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫س‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ف‬
‫‪33‬‬ ‫المجموع الكلي‬

‫من خالل دراستنا للجدول نجد أن تواتر األصوات االحتكاكية هو ‪ 33‬مرة و أكثر‬
‫األصوات توات ار هو صوت ‪( :‬الحاء) ‪( ،‬الهاء)‬

‫(الحاء) صوت حلقي رخوي مهموس له داللة التفائل في قوله ‪ :‬حلم ‪ ،‬حي ‪.‬‬

‫اما (الهاء) صوت حلقي رخوي مهموس احتكاكي له داللة الحسرة واأللم ن نجد ذالك في ‪:‬‬
‫أهوائهم ‪ ،‬حاباهم ‪ ،‬لحطمه ‪...‬‬

‫‪ )1‬عبد القادر عبد الجليل‪ :‬هندسة المقاطع وموسيقى الشعر العربي ‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ث) األصوات االنفجارية أو الشديدة‪ :‬عادة ما يصطلح ع ليها ب" ‪ :‬الوقفات االنفجارية" ‪،‬‬
‫و تتكون" بأن بحبس مجرى الهواء الخارج من الرئتين حبسا تاما في موضع من المواضع‪ ،‬و‬
‫ينتج عن هذا الحبس أو الوقف أن يضغط الهواء ثم يطلق سراح المجرى الهوائي فجأة‪،‬‬
‫فيندفع الهواء محدثا صوتا انفجاريا ‪ ، 1‬فباعتبار الحبس أو الوقف يمكن تسميتها بالوقفات و‬
‫لكن باعتبار االنفجار يمكن تسميتها باألصوات االنفجارية و يسميها أيضا عبد القادر عبد‬
‫الجليل بالشديد أو اآلنية ويتم إنتاجها على مراحل ثالث‪:‬‬

‫‪-1‬االنحباس‪-2 ،‬الزوال‪-3 ،‬االنفجار‪.‬‬


‫عددها ثمانية أصوات و هي ‪( :‬ط‪ ،‬ب‪ ،‬ق‪ ،‬ك‪ ،‬د‪ ،‬ج‪ ،‬ت‪ ،‬ص‪ ،‬ء) ‪،2‬‬
‫الهمزة ال هي بالمجهور و ال بالمهموس ‪ ،‬و في ما يلي نقوم بعرض جميع األصوات‬
‫االنفجارية التي عجت بها قصيدة الناس ‪:‬‬

‫المجموع‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت‪2‬‬ ‫البيت‪1‬‬


‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ك‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ت‬
‫‪7‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ب‬
‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫د‬
‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ط‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫ض‬
‫‪4‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ق‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ج‬
‫‪25‬‬ ‫المجموع الكلي‬

‫‪ )1‬ينظر‪ :‬كمال بشر‪ :‬علم األصوات‪ ،‬ص‪. 215‬‬


‫‪)2‬عبد القادر عبد الجليل‪ :‬هندسة المقاطع وموسيقى الشعر العربي ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫نالحظ من خالل الجدول أن األصوات األكثر تكرار هي‪ :‬صوت ( الدال) ‪:‬صوت انفجاري‬
‫ونجده في الكلمات التالية ‪ :‬قدس ‪ ،‬يعبد ‪،‬مجدها‪...‬‬
‫في حين نجد صوت) الباء( يوحي بذلك الضعف الداخلي الذي يولد االنفجار‪ ،‬وهذا ما حدث‬
‫للشاعر الذي وظف حرف) الباء ( كمتنفس عن الكبت الذي يعيشه وهذه الحالة النفسية‬
‫واضحة في ‪ :‬بخبث ‪ ،‬يعبد ‪،‬حبهم ‪...‬‬
‫ومن هنا نالحظ أن الشاعر استعمل األصوات االنفجارية معب ار عن نفسه المغمورة بالغضب‬
‫على ما وما آل إليه الناس من انحطاط وتعليق المثل و القيم العليا كالعدل والمساواة وكل‬
‫األخالق الطيبة بالحلم ‪.‬‬

‫ج) األصوات المنحرفة‪ :‬الالم وعند نطقها يخرج الهواء من حافتي اللسان منحرفا في حين أن‬
‫طرفه ملتصق بالنطع ‪ ،1‬وقد توزعت في القصيدة على النحو التالى ‪:‬‬

‫المجموع‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت‪2‬‬ ‫الصوت البيت‪1‬‬


‫‪31‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ل‬
‫نالحظ من خالل الجدول أن الالم قد تواتر ‪ 31‬وهو صوت جانبي مجهور منفتح بين الشدة‬
‫والرخاوة وقد دل في هذه القصيدة على األلم والتوجع ونجد ذالك في قوله ‪ :‬العدم‪،‬الشقاء‬
‫‪،‬الرمم‪،‬الويل ‪....‬‬

‫ح) أصوات اللين ‪:‬‬

‫صفة صوتين (الواو‪،‬الياء) ألنهما أوسع الصوامت مخرجا وأقربهما إلى المصوتات أي‬
‫الحركات في مخرجها ليونة أي الحبس والضغط وهذا هو حال المصوت لذاك سماهما‬
‫اليونان بأشباه المصوتات أو أشباه الصوامت وتسمى في العرب ية بحروف العللة مع (‬
‫‪2‬‬ ‫األلف ) لكثرة تقلبها وتغير أحوالها في النطق‬

‫‪ )1‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ في اللسانيات ‪ ،‬ص‪.71‬‬


‫‪)2‬المرجع نفسه ص‪. 79،71‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫المجموع‬ ‫البيت‪1‬‬ ‫البيت‪7‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت‪2‬‬ ‫الصوت البيت‪1‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫و‬
‫‪11‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ي‬
‫‪47‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪9‬‬ ‫ا‬
‫‪66‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬ ‫المجموع ‪11‬‬
‫من خالل الجدول نالحظ ان اصوات المد ( الف ‪ ،‬الواو ‪ ،‬الياء ) هي اصوات مجهورة وقد‬
‫تواترت ‪ 11‬مرة فنجد الياء تكرر في الكلمات التالية ‪ :‬اعين ‪،‬يعبد‪،‬يلقى ‪،‬الويل ‪،‬ريح ‪....‬‬

‫وكذلك نرى صوت الواو قد تكرر في ما يلي‪ :‬قوم ‪،‬ينصفون ‪،‬توارى ‪ ،‬الويل ‪....‬‬

‫أما صوت األلف كان هو األكثر تك ار ار في القصيدة اذ يبدو أنه الصوت األقدر على التعبير‬
‫عن مشاعر األلم و التحسر ونجده في ‪ :‬األعلى ‪،‬األفذاذ ‪ ،‬مشى ‪،‬قالوا ‪،‬حاباهم ‪،‬الشقاء ‪....‬‬

‫خ) األصوات المفخمة ‪:‬‬

‫هي (ق ‪،‬ظ ‪،‬ط ‪،‬ض ‪،‬ص ‪،‬خ ‪،‬ع ) والتفخيم ظاهرة صوتية تحدث كلما استعلى اللسان نحو‬
‫مؤخر الفم فيتشكل تجويف الحلق والفم تشكيلة خاصة تقوي االهت اززات المفخمة فيصير‬
‫جرس الصوت غليظا وثقيال أي مفخما وقد تسمى أيضا المستعلية أو المطبقة ألن اللسان‬
‫‪1‬‬ ‫يستعلي فيها يكاد ينطبق على الحنك األعلى‬
‫وقد توزعت األصوات المفخمة في القصيدة غلى النحو التالي‪:‬‬

‫‪ )1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫المجموع‬ ‫البيت‪ 7‬البيت‪1‬‬ ‫البيت‪4‬‬ ‫البيت‪3‬‬ ‫البيت‪2‬‬ ‫الصوت البيت‪1‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ق‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ظ‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ض‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫خ‬
‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫غ‬
‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ط‬
‫‪21‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫المجموع ‪1‬‬

‫نجد من خالل الجدول تواتر األصوات (‪ )1‬مرات وأكثر األصوات المتواترة ( القاف) هو‬
‫صوت لهوي شديد مهموس منفتح ذو داللة على االستمرار والعتاب مثل‪ :‬الشقاء‪ ،‬يلقى‪،‬‬
‫قوم‪...‬‬

‫ويظهر لنا أن الشاعر اعتمد على أصوات الحروف ليشكل صورة سمعية تالءم القصيدة‬
‫وجعل منها أداة توصيلية للدقة الشعورية من صوت وحركة وان هناك عالقة بين التكرار‬
‫الصوتي وبين صوت الشاعر الداخلي وهي من وسائل الشاعر في إبداعه الفني ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬

‫‪ )2‬االيقاع الخارجي‪:‬‬
‫أ) تعريف العروض‪ :‬العروض علم من علوم اللغة العربية ‪،‬أو اللسان العربي على األصح‬
‫‪،‬يختص بالبحث في أحوال القصيدة العربية من حيث أوزانها ‪،‬أوقوافيها ‪،‬ومعرفة الصالح من‬
‫الفاسد فيها ‪ ،‬ويرشح المؤرخون تاريخ نشأت علم العروض إلى القرن الثاني هجري ‪،‬على يد‬
‫الخليل بن أحمد بمكة المكرمة ‪،‬وسماه بها تبركا ‪،‬ومكة تدعى (العروض ) العتراضها وسط‬
‫البالد ‪ ،‬وهناك قول آخر يقول أنه سماه باسم عمان حيث كان يقيم ‪،‬ومن قال سمي علم‬
‫العروض ألن الشعر يعرض عليه ‪.‬‬
‫ينقل عن ابن خلكان أن الخليل بن أحمد الفراهدي كان إماما في علم النحو ‪،‬وأنه هو الذي‬
‫استخرج علم العروض ‪ ،‬وحصره في خمس دوائر‪،‬كل دائرة تحتوي على مجموعة من أبحر‬
‫‪1‬‬ ‫لسان الشعر العربي ‪.‬‬
‫للعروض مصطلحا ته ككل العلوم ‪ ،‬وهذه بعضها ‪:‬‬
‫القصيدة ‪:‬هي مجموعة من أبيات الشعر ال تقل عن سبعة أبيات على أرجح األقوال ‪ ،‬ويرى‬
‫األخفش أن القصيدة تتكون من ثالث أبيات كحد أدنى ‪ ،‬أما عند ابن جني فالقصيدة ما‬
‫كانت مؤلفة من ستة عشر بيت فأكثر‪ ،‬واألرجح عند عامة العلماء أنها سبعة أبيات فأكثر‪.‬‬

‫البيت‪ :‬هو الوحدة األساسية التي تبنى عليها القصيدة‪ ،‬ويتكون البيت من قسمين متساويين‬
‫هما‪ :‬الشطر األول يدعى الصدر‪ ،‬الشطر الثاني يدعى العجز‪ ،‬كما يسمى شط ار البيت‬
‫البيت‪.2‬‬ ‫بالمصراعين تشبيها لهما ببابي‬

‫‪ )1‬الفضيل بن عمرة ‪ ،‬الكامل في العروض ‪،‬دار الهومة للطباعة والنشر والتوزيع ‪،‬الجزائر ‪ ،2229 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ )2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 9‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ب) الوزن ومناقشته‪:‬‬

‫يعرفه ابن رشيق بقوله" ‪:‬الوزن أعظم أركان حد الشعر‪ ،‬وأوالهما به خصوصية وهو مشتمل‬
‫على القافية وجالب لها ضرورة ) ‪ ، 1‬وهو المعيار الذي يقاس به الشعر‪ ،‬فبدونه ال يكون‬
‫الكالم شعرا؛ ألنه اإليقاع الذي يضفي على الكالم رونقا وجماال‪ ،‬ويحرك النفس ويثير فيها‬
‫النشوة والطرب‪ ،‬فالوزن إذن سمة جمالية قابلة للتوظيف شعريا‪.‬‬

‫ولهذا فقد ضبط الشعر العربي القديم وفق نظام األوزان الشعرية الخليلية غير أن تمرد الشعر‬
‫العربي الحداثي تجاوز تحطيم البيت الشعري إلى لعب بالتفعيالت وفق الشكل الذي يخدم‬
‫ويتماشى مع جماليات القصيدة الحداثية‪ ،‬يقول" أدونيس "عن مسألة الوزن‪: "...‬هي مسألة‬
‫تاريخية‪ ،‬ومسألة كالمية‪ ،‬ال لسانية‪ ،‬ومسألة ترتبط بجانب محدود من اإلبداع ال بشموليته ‪...‬‬
‫‪2‬‬ ‫فبإمكان اللسان العربي أن يتجسد شع ار في بنية غير بنية الوزن والقافية )‬

‫إال أن أصحاب الكتابة الشعرية الجديدة أو ما يعرف بشعراء الشعر الحر أو الحداثي‪ ،‬غيروا‬
‫في البناء الشكلي للقصيدة‪ ،‬وحافظوا على نظام التفعيلة بالطريقة الموروثة في القصائد‬
‫القديمة‪.‬‬

‫والبحور الشعرية هي مجموع األوزان التي اخترعها الخليل بن أحمد الفراهدي ‪،‬وسمي الواحد‬
‫منها بح ار تشبيها لشطريه بشاطئ البحر ‪،‬ويقال للشاعر إذا اتسع له القول استبحر أي انطلق‬
‫كأنه بحار يغوص إلى األعماق ‪،‬أو هائم فيه على ظهر سفينة الشعر ‪،‬وقد ظهرت بحور‬
‫الشعر العربي كوسائل قياس تمييز الصالح منه وغير الصالح‪.‬‬

‫وبعد تفحص قصيدة الناس نلمح أن إيقاعها ينتمي إلى البحر البسيط فقمنا بالتقطيع التالي‪:‬‬

‫‪ )1‬ابن رشيق القيرواني ‪:‬العمدة في محاسن الشعر وآدابھ ونقده‪ ،‬ج‪ ، 1‬تحقيق ‪:‬محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار‬
‫‪ ،. 1981‬ص ‪ ، 134‬الجبل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪. 5‬‬
‫‪2‬‬
‫) ينظر ‪:‬رواية يحياوي ‪:‬شعر أدونيس ‪:‬البنية والداللة‪ ،‬ص ‪. 271‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫حلمو‬ ‫في أعين نناس الال أنهو‬ ‫مثل االعلى وجمملهو‬ ‫ماقددسل‬
‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIII OIIOIOI‬‬
‫مستفعلن فعلن‬ ‫فاعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫مستفعلن فعلن‬ ‫مستفعلن فعلن‬
‫ولو مشى فيهمو حيين لحطمهو قومن وقالو بخبثن إننهو صنمو‬

‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬

‫فاعلن مستفعلن فعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن‬

‫ممننعن ولمن حاباهمو العدمو‬ ‫ال يعبد نناس إل الكلل منعدمن‬

‫‪OIII OIIOIOI OIII‬‬ ‫‪OIIOII‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬

‫يلق ششقاء وتلقا مجدهر رممو‬ ‫حببهمو‬ ‫حتتل عباقرة ألفذاذ‬

‫‪OIII OIIOIOI OIII OIIOIOI‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIII OIIOIOI‬‬

‫مستفعلن فعلن‬ ‫فعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫مستفعلن فعلن‬ ‫مستفعلن فعلن‬

‫حتتا ذا ما توارى عنهمو ندمو‬ ‫أنناس الينصفون لحيي بينهمو‬

‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬

‫مستفعلن فعلن‬ ‫فاعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن‬

‫يمشز زمان وريح ششرر تحتدمو‬ ‫الويل لنناس من أهوائهم أبدن‬

‫‪OIII OIIOIOI OIII OIIOIOI‬‬ ‫‪OIII OIIOIOI OIIOI OIIOIOI‬‬

‫فعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫فعلن‬ ‫مستفعلن‬ ‫مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫نالحظ أن عدد التفعيالت في هذه القصيدة هو (‪ )49‬تفعيلة كانت متنوعة و متفاوتة من‬
‫حيث العدد و يمكن إدراجها كاآلتي‪:‬‬

‫عدد التفعيالت في القصيدة والتنويع في اإليقاعات ‪:‬‬

‫‪-)1‬إيقاع التفعيالت السالمة ‪ :‬بلغ عدد التفعيالت السالمة (‪ )32‬تفعيلة بنسبة (‪%11،11‬‬
‫) منها (‪ )22‬تفعيلة "مستفعلن" بنسبة (‪ )%957،1‬و‪ 12‬تفعيالت "فاعلن" بنسبة‬
‫(‪، )%27،31‬وطغيان الوحدات السالمة يتناسب مع الحالة الشعورية للشاعر‪.‬‬

‫‪-)2‬إيقاع التفعيالت المخبونة‪ :‬بلغ عدد التفعيالت المخبونة (‪ )22‬تفعيلة بنسبة‬


‫(‪ )%34،33‬منها (‪ )2‬تفعيلة "متفعلن" بنسبة(‪ )%12‬ووجدنا (‪ )19‬تفعيلة "فعلن" بنسبة‬
‫(‪. )%12‬‬

‫والخبن في اللغة العربية من خبن ومنه الخبنة أي ما تحمله في حضنك فهو مخبون بمعنى‬
‫محضون والشاعر هنا استعمل الخبن داللة على أنه احتضن مشاكل الناس ‪.‬‬

‫هكذا يتغير عدد التفعيالت وفقا للحالة الشعورية التي ينقلها الشاعر‪ ،‬فإيجازها متسق مع‬
‫حالة الشخصية ونوع االنفعال‪ ،‬فالعدد القليل للتفعيالت يعطي زمنا مكثفا وحركة سريعة‪ ،‬أما‬
‫العدد األكبر فيحمل داللة السرد والتوضيح وهذا ما الحظناه في األسطر الشعرية السابقة‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ج) القافية وداللتها‪:‬‬

‫ج‪ )1‬تعريف القافية‪:‬‬

‫لقد أدرك العرب القيمة الموسيقية للقافية‪ ،‬فأوصى بعضهم بنيه قائال" ‪ :‬أطلبوا الرماح فإنها‬
‫قرون الخيل‪ ،‬و أجيدوا القوافي فإنها حوافر الشعر‪ ،‬أي عليها جريانه(‪ .‬وأطراده‪ ،‬وهي مواقفه‪،‬‬
‫فإن صحت استقامت جريته وحسنت مواقفه ونهاياته‪ ، 1‬أما المحدثون فلم يبتعد و عن‬
‫تعريف لخليل للقافية‪ ،‬بيد أنهم ركزوا على قيمتها الموسيقية فإبراهيم أنيس يعرفها بأنها" ‪:‬عدة‬
‫أصوات تتكرر في أواخر األسطر أو األبيات من القصيدة‪ ،‬و تكرارها هذا يكون جزء ا هاما‬
‫من الموسيقى الشعرية‪ ،‬فهي بمثابة الفواصل الموسيقية يتوقع السامع ترددها و يستمتع بهذا‬
‫التردد الذي يطرق اآلذان في فترات زمنية منتظمة‪ ،‬و بعد عدد معين من مقاطع ذات نظام‬
‫خاص يسمى بالوزن ("‪ 2‬و هي تحفظ للقصيدة وحدتها و نغمتها األخيرة‪ ،‬فهي المقطع األخير‬
‫و لبنة الختام‪ ،‬مما يجعلها أكثر المنازل حساسية وأصدقها تصوي ار لتعامل الشاعر مع اللغة‪.‬‬
‫ومنهم من جعل التوفيق في القافية ميزة وحدا للشعر العربي‪ ،‬حيث يقول محمد الهادي‬
‫الطرابلسي "‪ :‬نعتبر عملية القطع أبرز مميزة للشعر في كالم العرب‪ ،‬و أن نجد الشعر‬
‫العربي الحق بأنه الكالم الذي يلتزم فيه الشاعر بضرورة القطع و يوفق في احترامها ‪ 3‬هذا‬
‫و قد شهدت القافية تعاريف عديد ة و مختلفة عند القدماء ‪ ،‬فهي على مذهب الخليل بن‬
‫أحمد الفراهيدي" من آخر حرف ساكن في البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل‬
‫الساكن األول ‪. 4‬‬

‫‪ )1‬محمد شكري عياد ‪ ،‬موسيقى الشعر العربي ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪ ، 1159 ، 2‬ص ‪. 113‬‬
‫‪ )2‬إب ارھيم أنيس ‪:‬موسيقى لشعر‪ ،‬ص‪. 246‬‬
‫‪ )3‬محمد الهادي الطرابلسي ‪:‬خصائص األسلوب في الشوقيات‪ ،‬ص‪. 518‬‬
‫‪ )4‬ابن منظور ‪:‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ، 15‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ، 1990 ،1‬ص‪. 195‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ويرى األخفش أنها" ‪:‬آخر كلمة في البيت ‪،،1‬و جعلها النقاد العرب القدامى ركنا من أركان‬
‫‪2‬‬ ‫الشعر األساسية حيث عرفوه بأنه" قول موزون و مقفى يدل على معنى)‬
‫واتفقوا أيضا على أن القافية قسيمة الوزن و شريكته‪ ،‬و خصوها بعلم سموه علم القوافي‪،‬‬
‫وعدوا القافية" ‪:‬شريكة الوزن في االختصاص بالشعر و ال يسمى شع ار حتى يكون له‬
‫‪.3‬‬ ‫وزن وقافية‬

‫انطالقا من هذه التعاريف تتحدد قيمة القافية و تجسد جانبا من الجوانب اإليقاعية‪ ،‬وذلك بما‬
‫يحدثه تكرارها من تطريب و ترنم يقوي األثر الموسيقي‪ ،‬و يوثق وحدة النغم بواسطة تضافر‬
‫جملة من األصوات تتكرر في أواخر األبيات من القصيد ة األمر الذي يعمل على استشاره‬
‫طاقة جمالية مختزنة في ثنايا هذه األصوات تكسب النص الشعري أبعادا جمالية تشي ببراعة‬
‫الشاعر و قدراته‪ ،‬و هو أمر يؤكد أن للقافية" قيمة صوتية وداللية تستشف من تك ارره او‬
‫حسن اختيارها ‪ ، 4‬فدور القافية إذن ال ينتهي بمجرد انتهاء األثر اإليقاعي بل تحمل في‬
‫طياتها قيمة داللية ترتبط ارتباطا وثيقا بفكرة الشاعر وبالمعنى الذي يريد ترجمته‪.‬‬

‫القافية في الشعر الحداثي إذن أخذت وظيفة جديدة كونها عنص ار في بناء النص الشعري‪،‬‬
‫فهي التي تبين نهاية السطر الشعري في بعض القصائد‪ ،‬و لم تعد موحدة كما في القصيد ة‬
‫العمودية‪ ،‬و إن توحدت في بعض األسطر الشعرية‪ ،‬فهي ليست خاضعة لصورة قبلية أو‬
‫لمعيار منسق‪.‬‬

‫‪ )1‬ابن منظور ‪:‬لسان العرب ‪ ،‬ص‪. 195‬‬


‫‪ )2‬قدامة بن جعفر ‪:‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق عبد المنعم خفاجي‪ ،‬مكتبة الكلية األزھرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1980 ، 1‬ص‪، 64‬‬
‫‪3‬‬
‫) ابن طباطبا العلوي ‪:‬عيار الشعر‪ ،‬تحقيق طھ الحاجري ومحمد زغلول سالم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬د ت‪ ،‬ص‪. 05‬‬
‫‪ )4‬محمد تاكراكبي ‪:‬خصائص الخطاب الشعري في ديوان أبي نواس الهمذاني ‪ ،‬دراسة صوتية تركيبية ‪ ،‬دار هومة‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪، 2003 ، 1‬ص‪.63‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫أول ما تخلصت منه القافية الجديدة التكرار‪ ،‬و ارتبطت بالذات المبدعة‪ ،‬و رغبتها لم تعد‬

‫ترتبط بالقواعد الواردة في علم مفصل ينشد الثبوت و االكتمال‪ ،‬بل نهج الشعراء الحداثيون‬
‫القافية المتغيرة‪.‬‬

‫ج‪ )2‬داللتها‪:‬‬

‫القافية تشكل فسحة للراحة والتأمل مشحونة باألثر الموسيقي اللحظي بين البيت واآلخر هذا‬
‫ما جاء به الشاعر أبو القاسم الشابي وهو في هذه القصيدة اعتمد قافية واحدة التزامها في‬
‫جميع أبياته ‪،‬وكان نوع القافية في هذه القصيدة القافية المتراكبة وهي كل قافية فيها ثالث‬
‫أحرف متحركة بين ساكنين ‪)OIIIOI (:‬‬

‫إن المهم في القافية أصواتها المكونة لها وفي مقدمتها صوت الروي الذي هو صوت "الميم"‬
‫وصوت الميم كما يسميه بعض الباحثين المشتغلين بمعاني األصوات أن الميم حرف السماء‬
‫فهو يعبر عن المعاني السامية ‪،‬وهذا ما هو ظاهر في قصيدة الشاعر التي جاءت في شكل‬
‫كناصحة للناس لما هم عليه من غفلة ويرد على هذا الكالم اعتراض مفاده أن الروي صوت‬
‫يلزم القصيدة ككل للزوم قافيتها‪،‬فان تنوع شيوع صوت الميم في هذه القصيدة ليس لكون‬
‫الشاعر أراد من خالله التعبير عن معنى خفي ولكن لكونه عرفا قافويا ملزما ‪،‬وكان الشاعر‬
‫قد نظم البيت األول إلى غاية قوله ‪":‬انه حلم" ‪ ،‬ثم لزمه بعد ذلك الميم كروي لهذه القصيدة ‪،‬‬
‫بعيدا عن االعتبارات المعنوية ويرد هذا االعتراض بما يقدمه صوت الميم داخل حشو‬
‫األبيات من فك لبعض الشفرات المعنوية‪ ،‬وهذا ما ناقشناه في الموسيقى الداخلية‪.‬‬
‫ما نالحظه في هذه القصيدة ذلك التجانس الصوتي بين (حلم‪ ،‬صنم‪ ،‬عدم‪ ،‬رمم ) الذي‬
‫يحقق نوعا من التقارب الداللي المتمثل في الحالة المأساوية والحزينة التي أصبح عليها‬
‫الناس‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ولقد استخدم الشاعر أبو القسم الشابي في قصيدته الناس القافية المطلقة واعتمد فيها على‬
‫الوصل المضموم و يأتي الوصل المضموم في المرتبة الثانية بعد الوصل المكسور‪ ،‬وهي‬
‫مرتبة تدل على أهمية هذا الوصل الذي يعد لدى الشاعر بمثابة تحقيق االنتصار من خالل‬
‫‪1‬‬ ‫الصبر والكتم في الذات‪ ،‬وهو أيضا يوحي" بالفخر واالعتزاز والشموخ والتعالي )‬

‫إذ انسجمت الضمة عند‬ ‫‪،‬‬ ‫‪2‬‬ ‫والضم عند" محمد ساير الطربولي "يدل على األبهة والفخامة"‬
‫الشاعر مع حالة التظاهر بالكتمان والصبر وهو أمر يوحي بقوة شخصيته وعزتها وكبريائها‪.‬‬

‫ح) الروي‪:‬‬

‫الروي ركن ضروري من أركان القافية‪ ،‬فهي مرهونة ببقائه‪ ،‬وال تتحدد قيمتها إال به‪ ،‬لذلك ال‬
‫نجد قصيدة من قصائد العرب في القديم تخلو منه‪ ،‬فهو الصوت الذي يتكرر في آخر كل‬
‫الشنفرى( ‪3‬‬ ‫بيت من أبيات القصيدة‪ ،‬وبه تسمى فيقال دالية المعري‪ ،‬وسينية البحتري‪ ،‬والمية‬
‫وهو أيضا الحرف الذي تبنى عليه القصيدة‪ ،‬ويسمى مطلقا إن كان متحركا‪ ،‬ويسمى مقيدا‬
‫إن كان ساكنا‪.‬‬
‫ولقد ذكرنا سابقا أن صوت الميم صوت يدل على المعاني السامية ولكنه في هذه القصيدة‬
‫جاء كصوت روي ومن ثمة فشيوعه بسبب العرف الشعري في القافية وهنا يمكن أن نقول أن‬
‫الميم مفتاح صوتي بسبب كونه تكرر في مستوى األبيات بصورة ملفتة للنظر بغض النظر‬
‫عن كونه رويا خاصة في نهاية األشطر األولى من البيت الثالث والرابع والخامس في قوله ‪:‬‬
‫(منعدم‪ ،‬حبهم ‪،‬بينهم ) ‪.‬‬
‫لروي الميم داللة وايحاء كبيرين ‪ ،‬فهو يعبر عما يجيش في نفس الشابي من حركة المشاعر‬
‫الغاضبة والمضطربة والرافضة للواقع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫‪ )1‬أماني سليمان ‪:‬األسلوبية والصوفية‪ ،‬ص ‪. 71‬‬


‫‪ )2‬نسيمة قط ‪:‬جماليات قصيدة المديح في شعر عبد هلل بن الحداد‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬ص ‪. 152‬‬
‫‪ )3‬أحمد كشك‪ ،‬القافية تاج اإليقاع الشعري‪ ،‬دار غريب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2224 ،‬ص‪.21‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫المبحث الثالث‪ :‬المستوى التركيبي‪.‬‬

‫‪ )1‬الجملة النحوية ‪:‬‬

‫أ) تعريف النحو‪ :‬كلمة النحو تطلق في اللغة العربية على عدة معاني ‪ :‬منها الجهة ‪،‬‬
‫تقول ‪ :‬ذهبت نحو فالن ‪ ،‬أي جهته ‪ ،‬ومنها الشبه والمثل تقول ‪ ،‬محمد نحو علي ‪،‬‬
‫أي شبهه ومثله وتطلق كلمة نحو في اصطالح العلماء على ‪ :‬العلم بالقواعد التي‬
‫يعرف بها أحكام أواخر الكلمات بالعربية في حال تركيبها ‪ :‬من اإلعراب والبناء وما‬
‫يتبع ذالك وموضوع علم النحو من جهة البحث عن أحوالها المذكورة وثمرة تعلمه‬
‫صيانة السان عن الخطأ في الكالم العربي ‪ ،‬وفهم القرآن الكريم والحديث النبوي فهما‬
‫صحيحاً اللذين هما أصل الشريعة اإلسالمية وعليهما مدارها وهو من العلوم العربية‬
‫والمشهور أن أول واضع لعلم النحو هو أبو األسود الدؤلي نأمر من أمير المؤمنين‬
‫‪1.‬‬ ‫علي بن أبي طالب (رضي هللا عنه)‬
‫تعريف الجملة‪ :‬لقد اختلف العرب القدامى في تحديد مفهوم الجملة‪ ،‬فمنهم‬ ‫ب)‬

‫"الزمخشري "الذي يرى أن" الكالم هو المركب من كلمتين أسندت إحداهما إلى‬
‫األخرى‪ ،‬وذلك ال يأتي إال في اسمين كقولك ‪:‬زيد أخوك‪ ،‬وبكر صاحبك‪ ،‬أو في فعل‬
‫واسم نحو قولك ‪:‬ضرب زيد وانطلق بكر‪ ،‬وتسمى جملة ‪ ، 2‬ويقول ابن جني" ‪:‬أما‬
‫الكالم فكل لفظ مستقل بنفسه‪ ،‬مفيد لمعناه‪ ،‬وهو الذي يسميه النحويين الجمل ‪...‬فكل‬
‫‪3‬‬ ‫لفظ استقل بنفسه‪ ،‬وجنيت منه ثمرة معناه‪ ،‬فهو كالم‬

‫‪ )1‬محمد محي الدين عبد الحميد‪،‬التحفة السنية بشرح المقدمة األجرومية ‪،‬دار اإلمام مالك للكتاب ‪،2224 ،‬ص‪4‬‬
‫‪ )2‬فتحي عبد الفتاح الدجني ‪ :‬الجملة النحوية نشأة وتطو ار واعراباً‪ ،‬مكتبة الفالح ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪ 1159 ، 1‬ص‪. 15‬‬
‫‪ )3‬بالقاسم دقة ‪ :‬في النحو العربي ‪ ،‬رؤية علمية في المنهج ‪ ،‬الفهم التعليم التحليل ‪ ،‬دار الهدى عين المليلة ‪ ،‬الجزائر ‪،‬‬
‫دط ‪ ،2222‬ص‪. 14‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ويرى ابن يعيش أيضا" ‪:‬أن الكالم عند النحويين عبارة عن كل لفظ مستقل بنفسه مفيد‬
‫لمعناه‪ ،‬ويسمى الجملة‪ ،‬نحو ‪:‬زيد أخوك‪ ،‬قام بكر ‪ 1‬من خالل هذه التعاريف نلحظ أن الكالم‬
‫جاء مطابقا لمصطلح الجملة ومرادفة لمعناها الداللي‪.‬‬
‫وهناك من العلماء من فصل وفرق بين الكالم والجملة وأقروا باختالفهما شكال ومضمونا‪ ،‬من‬
‫بينهم ‪:‬ابن هشام األنصاري في كتابه( مغني اللبيب )الذي يرى أن الكالم هو القول المفيد‬
‫بالقصد والمراد بالمفيد‪ ،‬ما دل على معنى يحسن السكوت عليه‪ ،‬والجملة عبارة عن فعل‪،‬‬
‫ولهذا يظهر لك أنهما ليس مترادفين كما يتوهم كثير من الناس ‪ ، 2‬ما عبد القاهر الجرجاني‬
‫فيرى أن" الجملة عبارة عن مركب من كلمتين‪ ،‬أسندت إحداهما إلى األخرى‪ ،‬سواء أفاد‬
‫كقولك ‪:‬زيد قائم‪ ،‬أو لم يفد كقولك ‪:‬إن يكرمني‪ ،‬فإنه جملة ال تفيد إال بعد مجيء جوابه‬
‫فمصطلح ‪ ،‬الجملة عند هؤالء هو مخالف للكالم‪،‬‬ ‫‪،3‬‬ ‫فتكون الجملة أعم من الكالم مطلقا‬
‫حيث يعتبرون الجملة أعم من الكالم الحتوائها معنى اإلفادة وعدم احتوائها لذلك المعنى على‬
‫خالف الكالم الذي يشترط فيه القصدية‪.‬‬

‫أما إذا انتقلنا إلى اللغويين المحدثين العرب‪ ،‬نجد الحاج صالح عبد الرحم يعتبر الجملة" ‪:‬نواة‬
‫"‪4‬‬ ‫لغوية تدل على معنى وتفيد فائدة‬

‫‪ )1‬بالقاسم دقة‪ :‬في النحو العربي‪ ،‬رؤية علمية في المنهج‪ ،‬ص‪.17‬‬


‫‪2‬‬
‫) فتحي عبد الفتاح الدجني ‪:‬الجملة النحوية‪ ،‬نشأة وتطو ار واعرابا‪ ،‬ص ‪.17 ، 18‬‬
‫‪ )3‬بلقاسم دفة ‪:‬في النحو العربي‪ ،‬رؤية علمية في ‪ :‬المنھج‪ ،‬الفھم‪ ،‬التعليم‪ ،‬التحليل‪ ،‬ص) ‪. 16‬‬
‫‪ )4‬الموجع نفسه ‪،‬ص ‪.16‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫وقد عرف إبراهيم أنيس الجملة بقوله" ‪:‬إن الجملة في أقصر صورها هي أقل قدر من‬
‫أو أكثر‪1‬‬ ‫الكالم يفيد السامع معنى مستقال بنفسه‪ ،‬سواء تركب هذا القدر من كلمة واحدة‬
‫أما إبراهيم السامرائي فيقول" ‪:‬ولن نخرج في بحثنا في مسألة الجملة عن اإلسناد‪ ،‬فالجملة‬
‫"‪2‬‬ ‫كيفما كانت اسمية أو فعلية قضية إسنادية‬

‫فالسمرائي خالف إبراهيم أنيس في قضية اإلسناد‪ ،‬حيث تمسك بها واعتبرها عنص ار هاما في‬
‫تحقيق الجملة اللغوية سواء أكانت اسمية أم فعلية‪.‬‬

‫وبرغم تعدد واختالف اآلراء حول مفهوم الجملة إال أنها تبقى القاعدة أو النواة األساس‬
‫المكونة للكالم‪ ،‬تؤدي إلى معنى واضح في سياق معين‪ ،‬ويمكننا القول إن الجملة هي‬
‫خالصة اتحاد مجموعة من العناصر اللغوية المترابطة نحويا ذات معنى مفيد يقبله السامع‪،‬‬
‫وهي تركيب إسنادي( مسند ومسند إليه)‪ ،‬وقد تكون الجملة قصيرة ذات إسناد واحد وتسمى‬
‫بالجملة البسيطة‪.‬‬

‫وقد تحوي على مجموعة من اإلسناد وتكون بذلك جملة مركبة‪.‬‬

‫‪ )1‬محمد أحمد نحلة ‪:‬مدخل على دراسة الجملة العربية‪ ،‬دار النھضة العربية‪ ،‬بيروت لبنان د ط‪ 1988)،‬ص‪. 21‬‬
‫‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص)‪. 22‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫‪ )2‬أنواع الجملة‪:‬‬
‫أ) الجملة الفعلية‪ :‬وهي التي تبتدئ بفعل ولها ركنان الفعل والفاعل وقد استخدم الشاعر‬
‫الجملة الفعلية حوالي ‪12‬مرة من مجموع الجمل ‪ ،‬وهذا يناسب القصيدة التي تعبر عن‬
‫األحوال التي يعيشها الناس ‪ ،‬واألخالق السائدة بينهم وتعبر عن رفض الشاعر للمساوئ‬
‫الموجودة داخل المعامالت القائمة بين الناس‪.‬‬
‫والجمل الفعلية تعبر عن التجدد واالستم اررية والحدث المرتبط بالزمن‪ ،‬وتميزت الجملة في‬
‫قصيدة الناس بالقصر والطول ومن بين هذه الجمل مثالً‪:‬‬
‫ما قدس المثل األعلى وجمله‪.‬‬
‫يلقى الشقاء ‪.‬‬
‫قالوا بخبث ‪ ":‬إنه صنم "‪.‬‬
‫يمشي الزمان ‪.‬‬
‫والجمل في هذه القصيدة تتميز بثنائية التركيب ‪ ،‬فكل جملة مرتبطة بجملة أخرى تناسبها‬
‫وتتكامل معها لتعطينا في األخير نمط في البناء في النص مثل ‪( :‬ما قدس المثل‬
‫األعلى وجمله) مرتبطة بالجملة ( في أعين الناس إال أنه حلم ) ‪ ،‬وأيضا نجده في جملة‬
‫( يمشي الزمان ) مرتبطة بجملة ( وريح الشر تحتدم ) ‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف الفعل‪:‬‬
‫الفعل ما دل على معنى في نفسه مقترن بزمن‪ ،‬ومن عالماته أن يقبل" قد "نحو" ‪:‬قد‬
‫حضر المعلم"‪ ،‬أو السين نحو" ‪:‬سيأتي اُلعلم"‪ ،‬أو سوف نحو" سوف أزورك"‪ ،‬أو تاء‬
‫نجحت في االمتحان"‪ ،‬أو‬
‫ُ‬ ‫حضرت هند"‪ ،‬أو ضمير الفاعل نحو"‬
‫ْ‬ ‫التأنيث الساكنة‪ ،‬نحو"‬
‫نون التوكيد‪ ،‬نحو" ‪:‬أكتُبن ) ‪ ،1‬أو تاء الضمير نحو" ‪َ:‬ن َ‬
‫جحت "أو ياء المخاطبة نحو‬
‫"تَدرسين "أو النواصب نحو" ‪:‬لن ْينجح الكسول "أو الجوازم‪ ،‬نحو "لم أَتََقاعس عن‬
‫عصرنة وطني‪".‬‬

‫‪ )1‬حسن حمد ‪:‬معتمد الطالب في قواعد النحو لجميع المراحل‪ ،‬ص) ‪. 07‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ينقسم الفعل باعتبار الزمن إلى ثالثة أقسام ‪:‬ماض‪ ،‬حاضر‪ ،‬مستقبل‪ ،‬ويكون ذلك نظ ار‬
‫لحال التكلم ‪:‬فإذا كان زمن الحدوث قبل التكلم سمي ماضيا‪ ،‬واذا كان عند التكلم سمي‬
‫مضارعا‪ ،‬واذا كان بعد التكلم سمي أم ار أو مستقبال‪ ،‬والفعل عند" محمد الهادي‬
‫هو عنوان الحركة عامة"‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الطرابلسي‬
‫وكان لألفعال دورها في هذه الجمل وقد ارتبطت بعضها البعض ارتباطا عضويا ومن هذه‬
‫األفعال‪ :‬قدس‪ ،‬جمل‪ ،‬مشى‪ ،‬حطم‪ ،‬يعبد‪ ،‬يلقى تحتدم‪ ،....‬وأيضاً الفعل في الجملة أكثره‬
‫جاء في صيغة الماضي مما يعطي للنص داللة توحي بتمسك الشاعر بمبادئه وقيمه التي‬
‫ينكر بها على الناس ما ال يعجبه مما يسود بينهم ‪ ،‬مثل ولمن حاباهم العدم ‪،‬يلقى الشقاء ‪،‬‬
‫وأيضا هيمن الفعل الماضي على المضارع ألن الفعل الماضي هو األنسب في التعبير على‬
‫ما انتشر بين الناس من أقوال وأفعال فالشاعر يخبرنا عن أشياء حصلت وطغيان الفعل‬
‫الماضي في القصيدة يعطيها نوع التميز الدال على معايشة الشاعر لألحداث والتفاعل معها‬
‫‪،‬فهو يتحلى بوظيفة أساسية تتمثل في منح النص درجة عالية من الهدوء والتمعن ومثالنا‬
‫على ذلك قول الشاعر في المقطع الخامس من القصيدة ‪ :‬حتى توارى عنهم ندموا ‪.‬‬

‫وأيضا نالحظ حضور الفعل المضارع فتك ارره منسجم مع الجو العام للقصيدة و النفسية‬
‫االنفعالية للشاعر وذلك من خالل تأكيده على التحذير من عاقبة عدم إعطاء الناس‬
‫المتفوقين منهم حقهم واكرامهم في حياتهم فال فائدة من إكرامهم بعد موتهم وانتهائهم‪,‬ونجدها‬
‫في نحو قوله‪ :‬يمشي ‪ ،‬يلقى ‪ ،‬تحتدم‪ ،‬يعبد ‪،‬ينصفون ‪.‬‬

‫وهكذا فقد كان للجمل الفعلية حضو ار ممي از داخل النسيج التركيبي للنص الشعري عند أبي‬
‫القاسم الشابي بحيث رسمت أهم خاصية للبنية التركيبية عنده بحيث تميزت بالنمطية‬
‫واالرتباط الثنائي والتكرار الذي قد تكون له عالقة بصورة االرتباط النفسي والوجداني بين‬
‫الشاعر والناس ‪.‬‬

‫‪ )1‬محمد الهادي الطرابلسي ‪،‬تحليل أسلوبية ‪،‬دراسات أدبية و نقدية عالم الكتاب ‪،‬نهج نابلسي ‪،‬تونس ‪، 2221 ،‬‬
‫ص‪. 25‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ب) الجملة االسمية ‪ :‬وهي ما ابتدأت باسم وركناها المسند و المسند إليه وتنقسم إلى‬
‫البسيطة وهي التي خبرها مفرد‪ ،‬الموسعة وهي التي خبرها جملة نالحظ في‬ ‫( ‪)1‬‬ ‫قسمين ‪:‬‬
‫القصيدة أن هناك استخدام للجملة االسمية كما وجدت من قبل الفعلية حيث كان تواترها في‬
‫القصيدة حوالي سبعة مرات من مجموع الجمل ونجدها مثال في ‪ :‬الناس ال ينصفون الحي‪،‬‬
‫الويل للناس من أهوائهم ‪ ،‬ريح الشر تحتدم‪.‬‬

‫‪ -‬تعريف االسم ‪ :‬اإلسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بزمان‪ ،‬ومن عالماته أن‬
‫يقبل التنوين‪ ،‬نحو" ‪:‬معلم "و"أل "التعريف نحو" ‪:‬البيت "والنداء نحو" ‪ :‬زيد أو حرف الجر‪،‬‬
‫نحو" ‪:‬على الشجرة طائر ‪.‬إن االقتراب من الخطاب الشعري الحداثي وفك شفراته‪ ،‬ال يعني‬
‫بالضرورة تحليل دواله ومدلوالته‪ ،‬وعالقتها بنفسية صاحبها‪ ،‬وال يعني أيضا عالقتها بالجملة‬
‫المركزية‪ ،‬بل يجب على المتلقي الحداثي تفكيك نظام هذه الجمل‪ ،‬ودراسة عالقاتها فيما بينها‬
‫والقواعد التي تحكمها بوصفها بنية نحوية والتحليل النحوي يكشف لنا عن وظائف هذه األبنية‬
‫وقد‬ ‫ودالالتها؛ ألن اللغة أصوات وكلمات وجمل وظفت عن غرض ما (‪. )2‬‬
‫كان ظهور االسم للقصيدة بار از حيث كان شاعرنا بصدد إخبار ونقل و وقائع ثابتة ومظاهر‬
‫عينية فبرز االسم على الفعل لتتناسب هذه البنية مع طبيعة الموقف والموضوع ‪ ،‬وبروز‬
‫االسم ‪ ،‬تتناسب هذه المعرفة على النكرة يوحي باالهتمام الكبير لهذه الصورة أو نقل يتضح‬
‫األعلى ‪،‬‬ ‫تعظيم الشاعر لها ومما يؤكد ذالك كثرة النعوت في القصيدة نحو قوله ‪:‬‬
‫األفذاذ ‪ ،‬العباقرة ‪...‬‬

‫‪ )1‬يوسف أبوالعدوس ‪ ،‬األسلوبية الرؤية التطبيق ‪ ،‬ص‪257‬‬


‫‪ )2‬حسن حمد ‪:‬معتمد الطالب في قواعد النحو لجميع المراحل‪ ،‬عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪ ،2009 ، 1‬ص ‪. 07‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫‪ -‬التكرار‪ :‬هو إعادة اللفظ لتقرير معناه ويأتي التكرار لعدة أغراض بالغية منها التأكيد‬
‫التعجب التحسر وغيرها من المعاني البالغية المتولدة من هذا األسلوب وقد انتشرت ظاهر‬
‫التكرار في الشعر الحديث واتخذت دورها في بناء النص فالتكرار ليس ضربا من التطرف وال‬
‫مجرد فعل عشوائي يقصد به إكثار من الكلمات بل له وظائفه الفنية ا لمساهمة في إبراز‬
‫الجوانب المهمة التي يريد الشاعر اإلفصاح عنها ‪.‬‬
‫ومن نماذج هذا التكرار في قصيدة الشابي تكرار األلفاظ التالية ‪:‬‬
‫الناس تكررت أربعة مرات وهو يبرز هنا اهتمامه الكبير بقضايا المجتمع وعالقات الناس‬
‫بعضهم البعض ‪.‬‬
‫ونجد في البيت الرابع تكرار عبارة يلقى وهو هنا يظهر حزنه واساه على ما آل إليه حال‬
‫المتميزين في المجتمع‪.‬‬
‫وأيضا لفظة حي كررها مرتين وهي تبرز أمله في إحياء المثل العليا األخالق المثلى بين‬
‫الناس ‪ ،‬ونظ ار لكون قصيدة الناس قليلة األبيات فهي مفتقرة إلى التكرار‪.‬‬

‫‪ -‬التقديم والتأخير‪:‬هو سمة أسلوبية من أهم سمات المستوى التركيبي بحيث له قيمة في‬
‫التراكيب النحوية ومن جهة البالغية‪.‬‬
‫وهو تحول في بنية الجملة نحو إعادة ترتيب المفردات وتركيبها في الجملة على نحو يرتبط‬
‫أسلوبي وفكريا بالمنشئ ‪،‬ويوضح طريقته في هذا اإلنشاء‪،‬فالعناصر التي تتركب منها الجملة‬
‫‪1‬‬ ‫تنقسم إلى قسمين‬

‫األول‪:‬اختيار لهذه العناصر من جملة اإلمكانات الهائلة التي تتيحها اللغة ‪ ،‬وهذا عمل‬
‫أسلوبي محض ‪.‬‬

‫الثاني ‪:‬إعادة تركيب عناصر الجملة ‪ ،‬وهذا اختيار نحوي في الحدود التي يسمح بها النظام‬
‫النحوي والتركيبي للغة‪.‬‬

‫‪ )1‬يوسف أبوالعدوس ‪ ،‬األسلوبية الرؤية التطبيق ‪ ،‬ص ‪.251‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫ومن ابرز مظاهر التقديم والتأخير في القصيدة نجد‪ :‬وتلقى مجدها الرمم‪ ،‬حيث قدم المفعول‬
‫به" مجدها" على الفاعل "الرمم" وهذا التقديم جاء لألهمية الكبيرة التي يوليها الشاعر لألمجاد‬
‫فهي مفخرة العقالء من الناس‪.‬‬

‫وأيضا نجد التقديم في "يمشي الزمان" حيث تقدم الخبر يمشي على المبتدأ الزمان وهذا‬
‫التقديم يبرز اهتمامه وحسرته على ما يضيعه الناس من محاسن مع مرور الزمن ‪ ،‬وأيضا‬
‫نجدها في البيت الرابع تقدم الخبر "تلقى مجدها " وهو جملة فعلية على المبتدأ "الرمم"‬
‫لالهتمام بأمر المتقدم ويبرز األمجاد الضائعة والتحسر عليها‪.‬‬

‫وما الحظناه في قصيدة الناس أن ظاهرة التقديم والتأخير كثيرة وتفسير ذلك يعود إلى‬
‫األسلوب الذي اتبعه الشاعر فهو يخدم بناء القصيدة ويخدم أغراضها وايصال المعنى إلى‬
‫المتلقي بطريقة راقية ‪،‬كما تخدم أبعادا داللية عميقة و تجارب نفسية و روحية معقدة في‬
‫النص ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫‪ )3‬الجملة البالغية‪:‬‬
‫أ) تعريف البالغة‪:‬البالغة تفكير عبر الكالم وممارسة للخطاب (األدبي‪ ،‬فلسفي‪،‬‬
‫سياسي‪ ، )...‬وتعد أي ممارسة للخطاب البالغي عملية معقدة و مشروطة بتكثيف‬
‫أساليب بالغية عديدة‪ ،‬تعتبر من قضايا فكرية‪ ،‬وعاطفية وذاتية‪ ،‬وتاريخية موجودة في‬
‫مشاعر الشاعر‪.‬‬
‫وقد درسنا من بعض األساليب البالغية الموجودة في القصيدة كالتالي‪:‬‬
‫ب) االستعارة‪ :‬لغة‪:‬هي رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر يقال استعار فالن سهما‬
‫من كنانته‪ ،‬رفعه وحوله منها إلى يده‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬قال القاضي الجرجاني ‪:‬فأما االستعارة فهي أحد أعمدة الكالم وعليها المعول‬
‫في التوسع والتصرف وما يتوصل الى تزيين اللفظ وتحسين النظم والنثر يقسم البالغيون‬
‫االستعارة الى ‪:‬تصريحية ومكنية ‪.‬‬

‫ج) أنواع اإلستعارة ‪:‬‬

‫ج‪ )1‬االستعارة التصريحية ‪ :‬وهي ما يصرح فيها بلفظ المشبه به أو ما استعير فيها لفظ‬
‫المشبه به للمشبه‪.‬ومثال ذلك في القصيدة ‪( :‬تلقى مجدها الرمم) إذ شبه األمجاد بالرماد‬
‫وهنا يوضح الشاعر أن المتفوقين والذين لهم أمجاد ال يقيمها الناس وتلقى الرمم‪ ،‬فهي‬
‫استعارة تصريحية ‪.‬‬
‫ج‪ )2‬االستعارة المكنية‪ :‬هي ما حذف فيها المشبه به أو المستعار منه ورمز له بأحد لوازمه‬
‫‪ 1‬ومثال ذلك في القصيدة ‪(:‬يمشي الزمان ) إذ شبه الزمان باإلنسان إذ أن الزمان يمر كما‬
‫يفنى اإلنسان وهنا يبرز الشاعر إنكاره للشرور التي يقوم بها الناس وال تنسى حتى بمرور‬
‫الزمن‪،‬فهو هنا حذف المشبه به وأبقى على أحد خصائصه وهي المشي‪ ،‬فهي استعارة مكنية‪.‬‬

‫‪)1‬‬
‫عبد العزيز عتيق‪ ،‬علم المعاني البيان والبديع‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪.311‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫المبحث الرابع ‪ :‬المستوى الداللي ‪:‬‬
‫‪ )1‬علم الداللة والمستوى المعجمي‪:‬‬

‫إذا كانت اللغة نظاما من العالمات‪ ،‬تحكمها أنساق معينة‪ ،‬فإنه ال يمكن فهم مكوناتها‬
‫األساس إال إذا تم تحليل دالالتها ضمن سياقات محددة‪.‬‬
‫"ويعنى علم الداللة بدراسة معاني األلفاظ والجمل دراسة وصفية موضوعية‪ ،‬وقد ظهر‬
‫االهتمام بالدراسات الداللية في أوروبا الغربية من خالل المحاضرات التي كان يلقيها" ريسيغ‬
‫(‪)1‬‬ ‫حوالي ‪ 1825‬في حديثه عن الفيلولوجيا الالتينية"‬
‫أول من استعمل مصطلح الداللة‪ ،‬وذلك في كتابه(التجربة الداللية ) سنة ‪ ، 1897‬ثم توسع‬
‫استعماله في فرنسا‪ ،‬وفي البالد الناطقة باالنجليزية ‪ ،‬فدرءا للبس وتحديدا إلطار الدراسة‬
‫العلمية‪ ،‬استقر رأي علماء اللغة المحدثين على استعمال مصطلح" علم الداللة "مرادفا‬
‫لمصطلح" ‪:‬السيمانتيك" باألجنبية وأبعدوا مصطلح" المعنى "وحصروه في الدراسة الجمالية‬
‫لأللفاظ‪ ،‬والتراكيب اللغوية‪ ،‬وهو ما يخص" علم المعاني "في البالغة العربية‪ ،‬ولعل للداللة‬
‫أهمية قصوى في فهم الرؤية التي تعبر عنها اللغة‪ ،‬وتحليل التراكيب‪ ،‬والخطابات‪ ،‬وهو أمر‬
‫ال مجال إلنكاره أو إغفاله‪ ،‬على الرغم من أنهم لم يعرفوا النظرية بالمفهوم المتداول عند‬
‫الدارسين العرب أو الغربيين في العصر الحديث‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬ ‫لقد عرف علم الداللة تعريفات عديدة ‪ ،‬منها ما ذكره أحمد مختار عمر "قائال‪:‬‬
‫يعرفه بعضهم بأنه ‪ :‬دراسة المعنى‪ ،‬أو العلم الذي يدرس المعنى‪ ،‬أو ذلك الفرع من علم‬
‫اللغة الذي يتناول نظرية المعنى أو ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توفرها في الرمز‬
‫حتى يكون قاد ار على حمل المعنى ومن المؤكد أن كل شاعر مطالب بالتعامل مع الكلمة‬
‫على أساس الكشف عن داللتها‪ ،‬وما يمكن أن تؤديه من دور في نفس التجربة الشعورية‬
‫المتجددة‪ ،‬لهذا يجب أن يكون محيطا بأسرار اللغة مستنبطا دالالتها‪ ،‬حيث يعمل على تفجير‬
‫ما فيها من طاقات تعبيرية‪،‬‬
‫‪ )1‬أحمد مومن ‪ :‬اللسانيات النشأة والتطور ‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الساحة المركزية ‪،‬بن عكنون ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬دط‬
‫‪ ، 2222،‬ص‪.231‬‬
‫‪ )2‬أحمد مختار نعلم الداللة العربي ‪،‬عالم الكتب ‪ ،‬القاهرة ‪،‬مصر ‪ ،‬ط‪ ، 2221، 1‬ص ‪. 11‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫لتتالءم مع مواقفه ومشاعره‪ ،‬ويستطيع استغالل تلك الطاقات في اللغة بما في ذلك من‬
‫تشعب في الدالالت وانسجام كل لفظة بأخرى مجاورة لها‪ ،‬وهذا ما أكد عليه عبد القاهر‬
‫الجرجاني‪ ،‬إذ أنه ال قيمة للكلمة في ذاتها‪ ،‬وانما قيمتها تكمن بمجاورتها لغيرها‪ ،‬ومؤانستها‬
‫واأللفاظ ال تحدد قيمتها إال إذا أسبغ عليها الشاعر طاقة أو حركة أو عاطفة‪،‬‬ ‫( ‪)1‬‬ ‫ألخواتها‬
‫وبذلك يتجدد أسلوب المبدع‪.‬‬
‫إن الشاعر مبدع‪ ،‬ولكل مبدع معجمه الشعري الخاص به الذي يميزه عن غيره‪ ،‬و يرتبط‬
‫المعجم ارتباطا حيا بتجربة الشاعر وموقفه ورؤيته للحياة‪ ،‬والمعجم اللغوي ألي مبدع هو ابن‬
‫بيئته‪ ،‬فالمجتمع والبيئة لهما تأثير على معجم الشاعر اللغوي )‪ (...‬إن ما يشكل معجم‬
‫ومعانيه ) (‪)2‬‬ ‫الشاعر ومفرداته ودالالتها تجربة الشاعر الشعرية‪ ،‬فيستمد منها مفرداته‬
‫واستخدام الشاعر لغة التجربة يمنحه طاقة هائلة وقدرة على تجاوز نفسه‪ ،‬أو تجديدها‪،‬‬
‫و أبو القاسم الشابي كشاعر يعيش وسط الجماهير‪ ،‬ظل يبحث عن لغة جديدة للشعر كوعاء‬
‫لدفاعه عن العدالة والحرية والوطن والسالم والشرف والعفة والطهارة للناس ‪ ،‬لذلك أصبحت‬
‫اللغة في شعره كائنا حيا حاض ار موجودا‪ ،‬وهو الواقع الذي يتم من خالله تقمص اللغة‬
‫لمالمح األشياء التي يفكر فيها ويحسها‪.‬‬

‫‪ ) 1‬عبد القاهر الجرجاني ‪ ،‬دالئل اإلعجاز ‪ ،‬شرح وتعليق عبد المنعم خفاجي ‪،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪ ، 2224‬ص‪. 59‬‬
‫‪ )2‬راشد الحسيني ‪،‬النى األسلوبية في النص الشعري ‪،‬دار الحكمة ‪،‬لندن ‪،‬ط‪ ، 2224، 1‬ص‪.112 ، 111‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬


‫‪ )2‬الحقوال لداللية ‪:‬‬
‫أ) حقل الدين‪:‬‬

‫لقد استلهم الشاعر أفكاره في هذا الحقل من عمقه المتأصل والمتشرب بالدين فهو حافظ‬
‫لكتاب هللا من صغره ونجد هذا في الكلمات التالية‪ :‬قدس‪ ،‬صنم‪ ،‬يعبد‪.‬‬

‫ب) حقل االنسان‪:‬‬

‫وهنا نجد أيضا الكلمات المرتبطة بهذا الحقل وهي‪ :‬أعين‪ ،‬الناس‪ ،‬قوم‪ ،‬العباقرة‪ ،‬األفذاذ‪.‬‬

‫ج) حقل الموت والحياة‪:‬‬

‫ونالحظ في هذا الحقل الكلمات التالية‪" :‬حلم" وهي دالة على الحياة‪ ،‬حيا‪ ،‬حطم دالة على‬
‫الموت‪ ،‬صنم دالة على الموت‪ ،‬العدم‪ ،‬الرمم‪...‬‬

‫لقد وظف الشاعر داللة الموت والفناء بعدة رموز وبشكل الفت للنظر إلى بعض هذه‬
‫الرموز‪:‬العدم‪ ،‬حطم‪ ،‬الرمم‪ ...‬فالموت بالنسبة له يمثل قطب العالقات المضمونة في الحقول‬
‫الداللية ألنه يعني الواقع الذي يأتي بالخالص كحتمية للحياة التي تكررت في معظم‬
‫القصائد الحداثية‪.‬‬

‫حقل الطبيعة‪ :‬لم يتطرق الشاعر كثي ار إلى هذا الحقل ألنه في ذه القيدة لم يحتج إلى ذلك و‬
‫الكلمة الوحيدة الموجودة في القيدة وتدل على الطبيعة وهي "ريح" وقد جاءت هنا للداللة على‬
‫االنتشار الواسع للشر‪.‬‬
‫الـخاتمة‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫بعد هذه الرحلة الشاقة والممتعة في تحليل قصيدة الناس للشاعر أبوا لقاسم الشابي ‪ ،‬وبعد‬
‫النهل من جماليات القصيدة باالعتماد على آليات وأدوات إجرائية تنتمي في عمومها إلى‬
‫فصيلة انقد األسلوبي في مستواه الصوتي والتركيبي والداللي ‪.‬‬
‫توصلنا بعد ذلك إلى مجموعة من الخالصات والنتائج آثرنا عرضها على النحو التالي ‪:‬‬
‫على المستوى الفصل األول ‪ :‬عملنا على مطاردة مختلف الماهيات الجزئية لمفردة األسلوبية‬
‫وكذا مبادئ ومستويات المقاربة األسلوبية ‪ ،‬حيث تم تحديد مفهوم األسلوبية تحديداً واضحاً ‪،‬‬
‫وذلك من خالل االستئناس بآراء منظري األسلوبية أكانوا عرب أم أجانب ‪.‬‬
‫واألسلوبية في كل ذلك ال تعدوا أن تكون وسيلة إجرائية لدراسة األسلوب بوصفه طريقة في‬
‫الكتابة و اإلنشاء ‪ ،‬فإن األسلوب تحول إلى مادة أو موضوع لدراسة األسلوبية ‪،‬وتبقى مادة‬
‫هذه الدراسة ماثلة في تلك اآلليات والمستويات التي قمنا بتحديدها في عناصرها الجوهرية‬
‫تمثلت في أسلوبية البني الصوتية والتركيبية والداللية ‪.‬‬
‫على مستوى الفصل الثاني تطرقنا لنبذة من حياة الشاعر أبو القاسم الشابي مولده ونشأته‬
‫ودراسته وقصة زواجه ومرضه وعن أهم أغراضه الشعرية وآثاره األدبية‪ ،‬فالشابي شاعر‬
‫مجدد حول في معظم شعره أن يجانب األغراض التي وردت في الشعر العربي قديما وحديثا‬
‫وأن يستفيض عنها بأغراض من الحياة الشخصية واإلنسانية الحاضرة ‪،‬مع أن الشابي لم يكن‬
‫يعرف غير اللغة العربية ‪ ،‬وشعر الشابي شعر شخصي في الدرجة األولى يدور حول ما‬
‫يشعر به الفرد بقطع النظر عن اإلرث االجتماعي ‪.‬‬

‫أما على مستوى الفصل الثالث ‪ :‬ومن خالل تحليلنا واحصائنا في المستوى الصوتي فإن‬
‫القصيدة تتكون من عدة أصوات أخذت طابع التنوع بين الهمس والجهر واالحتكاك واالنفجار‬
‫‪ ،‬هذا التنوع يكشف عن اضطراب الحالة النفسية للشاعر وتذبذبها بين الهدوء والثورة ‪،‬‬
‫فكانت األصوات المهموسة والمهجورة هي الغالبة إذ تحتل األصوات المجهورة حصة األسد‬
‫بالقياس لألصوات المهموسة ‪ ،‬فقد بلغ توترها (‪ ) 129‬صوتاً ‪ ،‬والصوت األكثر تك ار اًر هو‬
‫صوت اآلم تواتره (‪ )31‬صوتاً ‪ ،‬أما األصوات المهموسة فكان تواترها (‪ )41‬صوتاً ‪،‬‬
‫والصوت األكثر تواتر هو الحاء ب(‪ )12‬صوتاً ‪.‬‬
‫فجاء زخم األصوات المجهورة واضحا ليعبر عن الرفض والكشف عن الحقيقة المأساوية‪،‬‬
‫وهذا مايتناسب مع موضوع القصيدة االجتماعي ‪ ،‬ولقصر القصيدة فال نالحظ أي تكرار‬
‫للكلمات سوى في كلمة " الناس " التي كررت (‪ 4‬مرات) ألن موضوع القصيدة اجتماعي ‪.‬‬
‫أما فيما يخص أسلوبية البني الصوتية الخارجية وبعد تفحص القصيدة وجدنا أنها تنتمي إلى‬
‫البحر البسيط ‪ ،‬كما أن الشاعر استعمل قافية واحدة ‪ ،‬ملتزماً بذالك باألوزان الخليلية إلثبات‬
‫قدرة الشكل اإليقاعي القديم على تبني ما تعرضه الحداثة من مضامين شعرية ‪ ،‬وأساليب‬
‫فنية تعبيرية ‪ ،‬وبذالك التزم الشاعر بقافية واحدة وحرف روى واحد‪.‬‬

‫كما التمسنا في تحليلنا غلبة األسماء على األفعال ‪ ،‬فنجد (‪ )29‬اسما مقابل (‪ )11‬فعال ‪،‬‬
‫أما بالنسبة لألفعال فقد أدى استقرائنا على إحصاء (‪ )1‬أفعال ماضية و (‪ )1‬أفعال‬
‫مضارعة وال يوجد فعل أمر ‪.‬‬
‫طغى على القصيدة الزمن الماضي داللة على تمسك الشاعر بحالوة الماضي ‪،‬كما جعله‬
‫سالح للدفاع عن حاضره ‪،‬ودل استخدام األسماء على السكينة التي خيمت على نفسية‬
‫الشاعر وحدت من اضطرابها وتواترها ‪،‬وقد عمل تكثيف األفعال على بث شيء من الحركية‬
‫التي تتجلى في روح شاعرية ثائرة ومتمردة على الوضع الراهن ‪،‬فكانت تلك األفعال بمثابة‬
‫الجسر الرابط بين الشاعر والمتلقي في نقل أحاسيسه ومشاعره الحزينة ‪.‬‬
‫وما لحظناه في قصيدتنا أن ظاهرة التقديم والتأخير كثيرة يعود ذالك غلى طبيعة البناء العام‬
‫للقصيدة‪ ،‬أما على المستوى الداللي فكشفت هذه المقاربة األسلوبية عن طغيان حقل اإلنسان‬
‫وحقل الموت والحياة ثم حقل الدين‪ ،...‬وهي حقول تكشف عن ث ارء المعجم اللغوي للشاعر‬
‫أبوالقاسم الشابي واتساع ثقافته ‪.‬‬
‫هذه هي أهم الخالصات والنتائج التي توصلنا إليها‪ ،‬من خالل الدراسة األسلوبية‪ ،‬فكان عملنا‬
‫ماثال في أفكار محفوفة بالحجارة وباألشواك‪.‬‬
‫وتبقى هذه المحاولة المتواضعة عرضة للنقد والتصويب ‪ ،‬نأمل أننا قد وفقنا في بحثنا هذا ‪،‬‬
‫فمن اجتهد وأصاب فله أجر واحد ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد‪.‬‬
‫مــلحق‬

‫‪1‬‬ ‫نص قصيدة الناس‬

‫قصيدة الناس‬

‫النِاس َإال أََن ُه ُحُلم‬


‫َعي ِن َ‬
‫ِ‬
‫في أ ُ‬ ‫َعَلى َو َج َّمَل ُه‬ ‫َما َق َّد َس َ‬
‫المثَ َل َاأل ْ‬

‫صَن ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َقوم وَقال ُوا ب ُخ ْبث إَن ُه َ‬ ‫َوَل ْو َم َشى ِفيهم َحيا ًل َحط َم ُه‬
‫الناس ِإ َال كل من ِ‬
‫الع َد ُم‬
‫اه ُم َ‬‫ُممنع َولِ َم ْن َح َاب ُ‬ ‫عد ُم‬ ‫ْ‬ ‫عبد َّ َ‬‫الَ َي ُ‬

‫الرَم ُم‬ ‫ِ‬


‫مج َد َها َ‬
‫الشَقاء َوَتلَقى ْ‬
‫َيلَقى َ‬ ‫حبهم‬
‫ُ‬ ‫األَف َذا ُذ‬ ‫العَباق َرةُ‬
‫َحتَى َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َحتَى إ َذا َما تَو َارى َع ْن ُه ُم َند ُ‬
‫موا‬ ‫اس ال ُي ْنصفو َن َ‬
‫الحي َب ْيَنهمُ‬ ‫الن ُ‬

‫الش ِر تَ ْحتَِد ُم‬


‫يح َ‬ ‫الزماَ ُن ِ‬
‫ور ُ‬
‫ي ِ‬
‫مشي َ‬ ‫َ‬ ‫اس ِم ْن أَهو ِائ ِهم أََب َدا‬
‫للن ِ‬
‫يل َّ‬
‫الو ُ‬
‫َ‬

‫‪ )0‬ديوان أبي القاسم الشابي ‪ ،‬أحمد حسن ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬منشورات محدد على بيضون ‪ ،‬ط ‪، 4‬‬
‫‪ ، 2227‬ص ‪. 139‬‬
‫المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫أوالً المصادر‪:‬‬

‫ديوان أبي القاسم الشابي ‪ ،‬أحمد حسن ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪،‬‬
‫منشورات محدد على بيضون ‪ ،‬ط ‪.2227 ، 4‬‬

‫ثانيا المراجع العربية‪:‬‬

‫أحمد كشك‪ :‬القافية تاج اإليقاع الشعري‪ ،‬دار غريب للطباعة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2224‬‬

‫بكاي أخذاري ‪ :‬تحليل الخطاب الشعري قراءة أسلوبية في قصيدة قذى بعينيك‬
‫للخنساء ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬و ازرة الثقافة ‪2225،‬م ‪ ،‬ص‪.15‬‬

‫بشرى موسى صالح ‪ :‬المنھج األسلوبي في النقد العربي الحديث‪ ،‬مجلة‬


‫عالمات جدة‪ ،‬مج ‪ ، 10‬ع ‪40‬‬

‫بشير تاوريريت ‪ :‬محاضرات في مناھج النقد األدبي المعاصر‪ ،‬دراسة في‬


‫األصول والمالمح واإلشكاالت النظرية ‪ ،‬والتطبيقية‪ ،‬دار الفجر للطباعة والنشر‪،‬‬
‫قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪.2006 ، 1‬‬

‫بالقاسم دقة ‪ :‬في النحو العربي ‪ ،‬رؤية علمية في المنهج ‪ ،‬الفهماالتعليم ‪،‬‬
‫التحليل ‪ ،‬دار الهدى عين المليلة ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬دط ‪.2222‬‬

‫توفيق الزيدي ‪ :‬مفهوم األدبية في التراث النقدي‪ ،‬دار سراس للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‬
‫‪. 1985 ، 1‬‬

‫حسن حمد‪ :‬معتمد الطالب في قواعد النحو لجميع المراحل‪ ،‬عالم الكتب‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.،2009 ، 1‬‬

‫حسن ناظم ‪ - :‬البني األسلوبية" دراسة في أنشودة المطر "للسياب‪ ،‬المركز‬


‫الثقافي العربي‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪ 1‬د ت‪.‬‬

‫‪ -‬مفاھيم الشعرية دراسة في األصول والمنھج والمفاھيم‪ ،‬المركز الثقافي‬


‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪. 1994، 1‬‬
‫خليفة محمد التليسي ‪ :‬الشابي وجبران‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪، 4‬‬
‫‪.1159‬‬

‫رشيد بديدة ‪ :‬البنيات األسلوبية في مرثية بالقيس لنزار قباني ‪ ،‬رسالة ماجيستير‬
‫‪،‬جامعة باتنة ‪ ،‬دفعة ‪.2221‬‬

‫زين العابدين السنوسي ‪ :‬الشابي حياته وأدبه ‪ ،‬دار الكتب الشرقية ‪ ،‬تونس ‪ ،‬د‬
‫ط ‪1171 ،‬‬

‫سعد مصلوح ‪ :‬األسلوب ‪،‬ط‪،3‬عالم الكتب ‪.1112،‬‬

‫عبد الحميد جيدة‪ :‬االتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر‪ ،‬مؤسسة‬


‫نوفل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1192 ، 1‬‬

‫صالح فضل ‪ - :‬علم األسلوب مبادئه واجراءاته‪ ،‬منشورات دار األفاق الجديدة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪.1985 ، 1‬‬

‫علم األسلوب وصلته بعلم اللغة‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مج‪ ، 5‬ع‪. 1884،1‬‬

‫عدنان حسين قاسم ‪ :‬االتجاه األسلوبي البنوي في نقد الشعر العربي‪ ،‬دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1992 ، 1‬‬

‫عبد العزيز عتيق‪:‬علم المعاني البيان والبديع‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة‬
‫والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫فتحي عبد الفتاح ‪ :‬فتحي عبد الفتاح الدجني ‪ :‬الجملة النحوية نشأة وتطو ار‬
‫واعراباً‪ ،‬مكتبة الفالح ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪.1159 ، 1‬‬

‫أبو الفضل جمال الدين ( ابن منظور )‪ :‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ، 15‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪. 1990 ،1‬‬

‫الفضيل بن عمرة ‪ :‬الكامل في العروض ‪،‬دار الهومة للطباعة والنشر والتوزيع‬


‫‪،‬الجزائر ‪2229 ،‬عبد القادر عبد الجليل‪- :‬هندسة المقاطع وموسيقى الشعر‬
‫العربي‪ ،‬دار صفاء‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪.1119 ،1‬‬
‫‪ -‬أسلوبية ثالثية الدوائر البالغية‪ ،‬دار الصفاء للنشر والتوزيع‪ ،‬سلطنة عمان‪،‬‬
‫ط‪ 4‬ن ‪.،2222‬‬

‫عبد القاهر ( الجرجاني ) ‪ :‬دالئل اإلعجاز‪ ،‬شرح وتعليق عبد المنعم خفاجي‬
‫‪،‬دار الجيل ‪،‬بيروت ‪،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.2224 ،1‬‬

‫لخضر الحرابي ‪ :‬المدارس النقدية المعاصرة ‪،‬دار الغرب النشر والتوزيع ‪ ،‬دط‬
‫‪.2221،‬‬

‫ابوالقاسم محمد كرو ‪ :‬عبقرية فريدة وشاعرية متجددة ‪ ،‬دار البعث ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬د‬
‫ط‪. 2221 ،‬‬

‫أبو القاسم‪ :‬أغاني الحياة‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1177 ،1‬‬

‫كمال بشر‪ :‬علم األصوات‪ ،‬دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪.2222‬‬

‫محمد الهادي الطرابلسي ‪ - :‬تحليل أسلوبية ‪،‬دراسات أدبية و نقدية عالم‬


‫الكتاب ‪،‬نهج نابلسي ‪،‬تونس ‪.2221 ،‬‬

‫‪ -‬تحاليل أسلوبية‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬ط‪. 1112 ، 1‬‬

‫‪ -‬بحوث في النص األدبي‪ ،‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس‪ ،‬ط ‪.1988 ، 1‬‬
‫محمد بن أحمد (ابن طباطبة) ‪ :‬قدامة بن جعفر ‪:‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق عبد المنعم‬
‫خفاجي‪ ،‬مكتبة الكلية األزھرية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪. 1192، 1‬‬

‫محمد شكري (عياد)‪ -:‬إتجاھات البحث األسلوبي‪ ،‬دار العلوم‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫‪. 1985 ،‬‬

‫‪ -‬موسيقى الشعر العربي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1159 ،2‬‬

‫محمد كريم كواز‪ :‬علم األسلوب‪ ،‬مفاھيم وتطبيقات‪ ،‬دار المنشورات‪ ،‬جامعة‬
‫السابع من أبريل‪ ،‬ط‪ ، 1‬ط ت‪.‬‬
‫محمد كعوان ‪ :‬التأويل وخطاب الرمز‪ ،‬قراءة في الخطاب الشعري الصوفي‬
‫العربي المعاصر‪ ،‬دار بهاء الدين‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫عالم الكتب الحديث‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪. 2010 ، 1‬‬

‫محمد مصطفى السعدني ‪ :‬البنيات األسلوبية في الشعر العربي المعاصر‪،‬‬


‫منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬ط‪. 1987 ، 1‬‬

‫محمد عبد المطلب‪ :‬البالغة واألسلوبية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬


‫مصر‪ ،‬د ط‪. 1984 ،‬‬

‫محمد نحلة ‪ :‬مدخل على دراسة الجملة العربية‪ ،‬دار النھضة العربية‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان د ط‪1988،‬‬

‫محمد محمود فهمي حجازي ‪ - :‬أصول البنيوية في علم اللغة والدراسات‬


‫اإلثنولوجية‪ ،‬عالم الفكر‪ ،‬مج‪ ، 3‬ع) ‪ 1‬و ازرة اإلعالم‪ ،‬الكويت‪، 1982 ،‬‬

‫‪ -‬مدخل إلى علم اللغة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪،1112 ،1‬‬

‫محمد عزام‪- :‬األسلوبية منهاجا نقديا‪ ،‬دار اآلفاق‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط ‪، 1‬‬
‫‪.1989‬‬

‫‪ -‬تحليل الخطاب األدبي على ضوء المناهج النقدية الحديثة ‪ ،‬دراسة في نقد‬
‫النقد ‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬دط‪. 2223 ،‬‬

‫محمد تاكراكبي ‪ :‬خصائص الخطاب الشعري في ديوان أبي نواس الهمذاني ‪،‬‬
‫دراسة صوتية تركيبية ‪ ،‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ،‬ط ‪، 1‬‬
‫‪. 2003‬‬

‫محمد محي الدين عبد الحميد‪ :‬التحفة السنية بشرح المقدمة األجرومية ‪،‬دار‬
‫اإلمام مالك للكتاب ‪.2224 ،‬‬

‫مجيد طراد ‪ :‬ديوان أبي القاسم الشابي ورسله ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬تونس ‪،‬‬
‫ط‪.1114 ،2‬‬
‫نور الدين السد ‪ :‬األسلوبية وتحليل الخطاب‪ ،‬دراسة في النقد العربي الحديث‪،‬‬
‫األسلوبية واألسلوب‪ ،‬ج‪ ، 1‬دارھومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪،‬‬
‫‪.1997‬‬

‫يوسف وغسيلي‪ - :‬مناهج النقد األدبي‪.‬مفاهيم وأسسها وتاريخها وروادها و‬


‫تطبيقاتها العربية ‪ ،‬جسور للنشر والتوزيع ‪ ،‬ط‪.2212 ، 3‬‬
‫‪ -‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد‪ ،‬منشورات االختالف‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬ط‪ ،2008 ، 1‬ص‪. 182‬‬

‫عبد القادر عبد الجليل‪ - :‬إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي‬


‫الجديد‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2008، 1‬‬

‫يوسف أبوالعدوس ‪،‬األسلوبية الرؤية والتطبيق‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المسيرة ‪2225‬م‪.‬‬

‫أبو القاسم‪ :‬أغاني الحياة‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1177 ،1‬‬

‫ابن رشيق القيرواني ‪:‬العمدة في محاسن الشعر وآدابھ ونقده‪ ،‬ج‪ ، 1‬تحقيق‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪. 1981، 5‬‬ ‫محمد محي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار الجبل‪،‬‬

‫ثالثا المراجع المترجمة ‪:‬‬

‫بيار جيرو ‪ :‬األسلوب واألسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬منذر عياشي‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬د ط‪ ،‬د ت‪.‬‬

‫جان كوھين ‪ :‬بنية اللغة الشعرية‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد المولى ومحمد الغمري‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪. 1986 ، 1‬‬

‫جورج مولينيه ‪:‬األسلوبية‪ ،‬ترجمة ‪:‬وتقديم بسام بركة‪ ،‬المؤسسة الجمعية‬


‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪.1111 ،‬‬

‫جون ستروك ‪:‬البنيوية وما بعدھا من ليفي شتراوس إلى دريدا‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد‬
‫عصفور‪ ،‬المجلس الوطني للفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪1996 1.‬‬
‫روالن بارت ‪ :‬الدرجة الصفر للكتابة‪ ،‬ترجمة ‪:‬محمد برادة‪ ،‬الشركة المغربية‬
‫للناشرين المتحدثين‪ ،‬الرباط‪ ،‬ط‪. 1985 ، 3‬‬
‫هنريش بليث ‪( :‬ت ‪ ،‬ر) محمد العمري ‪ ،‬البالغة واألسلوبية نحو نموذج‬
‫سيميائي لتحليل النص ‪ ،‬دار النشر المغرب ‪( ،‬د‪،‬ط) ‪. 1111،‬‬

‫رابعاً الرسائل االجامعية‪:‬‬

‫شتيوي شهيرة ‪ :‬المستويات السلوبية في الشعر المعاصر قصيدة "ياقدس " لعبد‬
‫‪ ،‬جامعة‬ ‫الرحمان األخضري ‪ :‬مذكرة لنيل شهادة الماستر ‪ ،‬أدب جزائري‬
‫زيان عاشور ‪ ،‬الجلفة ‪ ،‬دفعة ‪. 2211/2217‬‬

‫بن علجية غزالة وبن ميلود فطيمة‪ :‬التحليل األسلوبي لقصيدة "ثورة مغني الربابة‬
‫" ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر‪ ،‬تحليل الخطاب ‪ ، ،‬جامعة زيان عاشور ‪ ،‬الجلفة‬
‫‪ ،‬دفعة ‪. 2217/2214‬‬

‫هواجة ثامر‪ :‬السمات األسلوبية في الشعر العربي الحديث ‪ ،‬دراسة تحليلية في‬
‫ديوان أبي القاسم الشابي ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر ‪ ،‬تحليل الخطاب ‪،‬‬
‫جامعة زيان عاشور ‪ ،‬الجلفة ‪ ،‬دفعة ‪2217/2214‬‬

‫المهدي نعامة و لخضر زكراوي ‪ :‬السمات األسلوبية في الشعر العربي أبي‬


‫القاسم الشابي ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستر ‪ ،‬أدب جزائري ‪ ،‬جامعة زيان عاشور‬
‫‪ ،‬الجلفة ‪ ،‬دفعة ‪2217/2214‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪:‬‬
‫مقدمة‪1..............................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ماهية األسلوب واألسلوبية ومستويات التحليل األسلوبي‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم األسلوب وتياراته‬

‫‪ )1‬مفهوم األسلوب ‪4..........................................................‬‬


‫أ) لغة‪4.......................................................................‬‬
‫ب) اصطالحا‪5...............................................................‬‬
‫ب‪ )1‬عند قدامى العرب‪5......................................................‬‬

‫ب‪ )2‬عند المحدثين‪6..........................................................‬‬

‫ب‪ ) 3‬عند الغربيين‪7..........................................................‬‬

‫‪ )2‬تيارات األسلوب ‪11.......................................................‬‬

‫أ ) األسلوب كانزياح أو انحراف‪11............................................‬‬

‫ب) األسلوب كإضافة أو تضمن‪11............................................‬‬

‫ج) األسلوب كإحصاء‪11......................................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مفهوم األسلوبية و اتجاهاته‬

‫‪ )1‬مفهوم األسلوبية‪12........................................................‬‬

‫‪ )2‬اتجاهات األسلوبية‪15......................................................‬‬
‫أ) األسلوبية التعبيرية‪15............................................................... .‬‬
‫ب) األسلوبية النفسية‪15..............................................................‬‬

‫ج) األسلوبية البنيوية‪16...............................................................‬‬

‫د) األسلوبية اإل حصائية‪17............................................................‬‬

‫ه) األسلوبية الوصفية ‪17...........................................................‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الفرق بين األسلوبية واألسلوب‪11..................................‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬مبادئ ومستويات التحليل األسلوبي‪11.................................‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬نبذة عن حياة الشابي وأدبه‬

‫المبحث األول ‪ :‬لمحة عن حياة الشابي‬


‫المطلب األول‪ :‬مولده ونشأته‪32...........................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دراسته و شخصيته‪33...................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬قصة زواجه و مرضه‪35 ................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أدب الشابي‬

‫المطلب األول‪ :‬مذهبه وفكره‪31........................................‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬األغراض الشعرية‪41.....................................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬آثاره األدبية‪41............................................‬‬


‫الفصل الثالث‪ :‬مستويات التحليل األسلوبي لقصيدة الناس‬

‫المبحث األول‪ :‬قصيدة الناس‬

‫‪ -‬نص القصيدة‪43..............................................‬‬

‫‪ -‬شرح القصيدة ‪44.............................................‬‬


‫المبحث الثاني‪ :‬المستوى الصوتي‬

‫تمهيد ‪:‬عن اإليقاع الصوتي الداخلي والخارجي‪45.............................‬‬


‫‪ )1‬اإليقاع الداخلي‪41..........................................................:‬‬

‫أ) األصوات المجهورة ‪47.............................................................‬‬


‫ب) األصوات المهموسة‪51............................................................‬‬
‫ت) األصوات اإلحتكاكية‪53............................................................‬‬
‫ث) األصوات اإلنفجارية‪55............................................................‬‬
‫ج) األصوات المنحرفة‪56.............................................................‬‬
‫ح) األصوات الّلين‪56.................................................................‬‬
‫خ) األصوات المفخمة‪57..............................................................‬‬

‫‪)2‬اإليقاع الخارجي‪51.........................................................‬‬
‫أ) تعريف العروض‪51..................................................................‬‬
‫ب) الوزن ومناقشته‪61.................................................................‬‬
‫ج) القافية وداللتها‪63..................................................................‬‬
‫ح) حرف الروي ‪66......................................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المستوى التركيبي‬

‫‪ -1‬الجملة النحوية‪67......................................................‬‬
‫أنواع الجملة‪71........................................................‬‬
‫أ)الجملة الفعلية‪71.....................................................‬‬
‫ب)الجملة االسمية‪72..................................................‬‬
‫‪ -2‬الجملة البالغية‪75.....................................................‬‬
‫‪ -3‬تعريف االستعارة‪75....................................................‬‬
‫‪ -4‬أنواع االستعارة‪75.....................................................‬‬
‫الرابع‪ :‬المستوى الداللي‬ ‫المبحث‬
‫علم الداللة والمستوى المعجمي‪76.......................................‬‬
‫لحقول الداللية…‪71…....…….......................................‬‬

‫الخاتمة‪11.............................................................................‬‬

‫مــلحق‪ :‬نص قصيدة الناس ‪12 ........................................................‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪13.............................................................‬‬

‫فهرس الموضوعات ‪11.................................................................‬‬

You might also like