You are on page 1of 3

‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬

‫أستاذ مربّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[العلم بني النمذجة واحلقيقة]‬

‫النمذجة يف العلم‬
‫جذاذة مراجعة‬

‫نبتش‬

‫" الحقائق أشياء نصنــعها ال أشياء نكتشفها؛‬


‫بول فاليري‬ ‫إنها بنــــاءات وليست كنـــوزا"‬

‫إعداد‪ :‬الصحيب بوقرة‬

‫إحراجات املسألة‪:‬‬ ‫اإلهتمام‬


‫دواعينبتش‬

‫‪ -‬ما املقصود بالنمذجة وأي داللة للنموذج وأي منزلة له يف الفكر العلمي؟‬ ‫‪ -‬فرض التوسّع يف دائرة العلم وتزايد نظرياته وتعددّ أساليب البحث فيه‪ ،‬مراجعة ملقتضيات البحث العلمي‬
‫‪ -‬هل متثل النمذجة جمرد مسار أو منهج أو طريقة يتبعها العلماء يف حبثهم أم أنّ‬ ‫وطبيعة العالقة اليت تشدّها إىل الواقع ‪...‬‬
‫النمذجة ال تعد طريقة علمية وإنّما طريقة تستعمل العلم؟‬ ‫‪ -‬أحدثت التحوالت يف العلم نقلة نوعية ‪ ...‬وهذا يعين أنه إذا كان العلم قد أحدث حلظة ظهوره ثورة غيّرت‬
‫‪ -‬هل ميكن النظر إىل النمذجة مبا هي امتداد للعقالنية الكالسيكية أم مبا هي‬ ‫مسار العقل‪ ،‬فإنّ النمذجة اليوم أحدثت ثورة على الثورة ذاتها‪...‬‬
‫إعالن عن براديغم جديد مغاير يف مبادئه ومعايريه ونتائجه؟‬ ‫‪ -‬ارتبط احلديث عن النمذجة وعن مسار بناء النماذج اليوم بظهور مباحث علمية جديدة (علوم‬
‫‪ -‬وإذا أخذنا بعني االعتبار بنية النمذجة أو أبعادها الرتكيبية والداللية والرباغماتية‪،‬‬ ‫االسرتاتيجيات‪ ،‬علوم االتّصال‪ ،‬املعلوماتية‪ ،‬السيبارنيطيقا) وهي مباحث كما غريت من إنتاجات العلم غريت‬
‫فكيف نفهم العالقة بني اجلانب الرتكييب واجلانب الداللي واجلانب التداولي؟‬ ‫من مبادئه وأسسه‪...‬‬
‫‪ -‬هل أن الواقع هو ما ميثلّ أساس إنتاج البنية الرتكيبية للنموذج ليكون احلدس هو‬ ‫‪ -‬كشف تاريخ العلم وحاضره جتربة اإلنسان يف فكّ ألغاز العامل من حوله‪ ،‬وألن الواقع يزداد غموضا والتباسا‬
‫منطلق هذا البناء أم أنّ البعد الرتكييب يتشكل صوريا ثم جيد جمال انطباقه يف الواقع؟‬ ‫كلّما اقرتبنا منه‪ ،‬إبتدع العقل العلمي لنفسه طريقة خيرتق بها حجب الغموض‪ ،‬إىل حدّ أصبح ممكنا معه‬
‫‪ -‬أي عالقة للنمذجة باملنهج التجرييب يف داللته الوضعية من ناحية وبالباراديغم الوضعي‬ ‫ترمجة الرموز واقعيّا‪ ،‬وصياغة الواقع رمزيّا‪...‬‬
‫أو اخلربي أو الواقعي من ناحية أخرى؟ هل ي عد النموذج جمرد انعكاس لواقع معطى أم‬ ‫‪ -‬ساد إعتقاد ‪ -‬ساهم املوقف الوضعي يف تثبيته ‪ -‬بأنّ العلم وصف وحتديد وكشف موضوعي للواقع‪ ،‬يف حني‬
‫أنّه إنشاء لواقع ال يتحقق إال بالقطع مع املعطى؟ وأي عالقة للنموذج والنظرية؟ هل هو‬ ‫يكشف لنا واقع العلم تفاعليّة تكشف التداخل بني الذات العارفة واملوضوع‪ ،‬حبيث لنا أن نرتاب من مثل‬
‫جمرد جتسيد للنظرية العلمية أم هو النظرية ذاتها؟ أم ينبغي النظر إىل هذه العالقة‬ ‫هكذا إعتقاد‪...‬‬
‫جدليا حبيث ال ينتج العامل منوذجه إال وفق تصور نظري ما قبلي وأنّ النموذج من شأنه أن‬ ‫‪-‬كثريا ماانتظرنا من العلم حتقيق أحالم اإلنسان وضمان سعادته‪ ،‬وكثرية هي الوضعيات اليت حتقق فيها‬
‫يعدل النظرية أو يدفعها إىل مراجعة مبادئها ومسلماتها ومفاهيمها؟ ثم هل من معنى‬ ‫احللم وجتسّمت السعادة‪ ،‬ولكن كشفت بعض الوضعيات الراهنة عن توظيفات ال إنسانيّة حولتّ األحالم‬
‫للموضوعية يف النمذجة واحلال أنّ عالقة الذات باملوضوع مل تعد "حمايدة" على معنى‬ ‫كوابيس والسعادة وهما‪....‬‬
‫املوضوعية األنطولوجية‪ ،‬يف مقابل احلديث عن عالقة تفاعلية بني املالحظ وموضوعه‪،‬‬ ‫‪ -‬ما يسم العلم املعاصر هو تعددّ االختصاصات العلميةّ وتداخلها‪ ،‬األمر الذي يربرّ إنشاء علم مركّب جيعل من‬
‫هي من جنس العالقة الفينومونولوجية حيث ال يدعي املنمذج أنه يصف الواقع كما هو‬ ‫النسق مفهوما حموريّا‪ ،‬إذ مل يعد بإمكان منظومة املفاهيم السائدة استيعاب ما تطرحه التطوّرات العلمية من‬
‫وإمنا يصف الواقع كما يتمثله؟‬ ‫إشكاليات‪...‬‬
‫‪ -‬كيف نفهم عالقة النموذج يف جانبه اإلبستيمولوجي بالبعد التداولي والسجل‬ ‫‪ -‬ترجع قوانني الطبيعة إىل ماابتكره العقل حتّى صار على هذا الدربّ قدرا يؤثثّ به املعرفة العلميّة بشبكات‬
‫التيليولوجي؟ هل يهدف مثل هذا التحول إىل حتقيق ضرب من املصاحلة بني الواقع العلمي‬ ‫من الرموز مبهرة وعجيبة ‪ ،‬ال لكونها تتناسب مع الواقع فحسب بل لكونها قادرة على خلقه ‪...‬‬
‫والواقع اإلنساني جتاوزا للطابع اجلاف واجملرد للعلم أم أنّه إعالن عن عالقة عضوية‬
‫بالعقل األداتي جتعل من النجاعة بدل احلقيقة ومن التحكّم بدل التفسري القيمة‬
‫األمسى للعلم؟‬
‫رهانات التفكري يف املسالة‪:‬‬
‫‪ -‬أال يدفعنا هذا القول إىل االرتياب من مسار بناء النماذج؟ وهل يدعونا القول بأن العلم‬
‫منذجة إىل التضحية باحلقيقة؟ هل حنن مدعوون اليوم إىل االنتصار للنمذجة بدل‬ ‫رهانات نظرية أو إبستيمولوجية‪:‬‬
‫احلقيقة؟ وهل من معنى خلطاب مل تعد تعدّ احلقيقة فيه مطلبا؟‬ ‫ـ الكشف عن منزلة النموذج والنمذجة يف البناء العلمي وبالتالي الوعي بآليات إنتاج العلم للمعرفة‪.‬‬
‫ـ الكشف عن عالقة العلم بالواقع وإبراز معنى القول أن الواقع العلمي واقع منشأ وليس واقعا معطى‪.‬‬
‫ـ الوعي بأن العلم هو الذي ينتج نظامه وحيكم تنظيم األشياء والوقائع‪.‬‬
‫"النموذج تقريب ال يكتمل البتة" برباروس‬ ‫ـ التأكيد على الطابع املركب للبناء العلمي من جهة بعده الرتكييب والداللي والتداولي‪.‬‬
‫ـ تبني عالقة النموذج والنمذجة بالنظرية‪ ،‬والوعي مبنزلة احلقيقة يف العلم‪.‬‬
‫رهانات عملية أو إيتيقية‪:‬‬
‫"إن القيمة النفعية للعديد من نظرياتنا قد تكون صفرا‪،‬‬ ‫ـ الكشف عن الطابع التيليولوجي للعلم والوعي مبنزلة الغايات يف املعرفة العلمية‪.‬‬
‫انفيلد‬ ‫ولكنها تعيننا على فهم العامل الذي نعيش فيه"‬ ‫ـ بيان طبيعة العالقة بني العلم والتقنية وسبل توظيفها يف عالقة بالواقع اإلنساني‪.‬‬
‫ـ بيان ما يلف احلديث عن النمذجة من لبس وتظنن من جهة عالقتها مبا هو إيديولوجي‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫أستاذ مربّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[العلم بني النمذجة واحلقيقة]‬

‫يف داللة النموذج‬


‫يعرّف النموذج حسب فاليزار " مبا هو كل متثل لنسق واقعي سواء كان ذهنيا أو ماديا‪ ،‬يتم التعبري عنه بلغة أدبية أو يف شكل رسوم بيانية أو رموز رياضية" كما يعرّفه دوران‬
‫بقوله" يشمل معنى النموذج يف داللته األكثر اتساعا كل متثل لنسق واقعي مهما كان شكل هذا التمثل"‪ .‬والنمذجة وفق هذا التحديد هي التمشي املنهجي الذي يفضي إىل‬
‫إنتاج النموذج والذي يعين التمثل لكائن ما يوجد يف الواقع ولكيفية اشتغاله‪.‬‬
‫فاليزار بقوله " ال ينفصل مفهوم النسق يف احلقيقة عن مفهوم النموذج منظورا إليه كنسق تصوّري لنسق واقعي‪ .‬وكل نسق واقعي ال يعرّف إال بالعودة إىل مناذج تصورية‬
‫(التصورات الذهنية أو التصورات الصورية)‪...‬‬
‫أبعاد النموذج‬

‫البعد التداولي‬ ‫البعد الداللي‬ ‫البعد الرتكييب‬


‫‪ -‬أهداف النموذج مبا هو متثيل لكيفية اشتغال نسق ما بغرض‬ ‫كلّ منوذج يف بعض وجوهه‪ ،‬ميكن أن يعدّ وسيطا بني حقل‬ ‫يصاغ كلّ منوذج يف لغة صورية إىل حدّ ما‪ .‬وتتكوّن‬
‫معرفته والتحكّم فيه‪.‬‬ ‫نظري ميثّل تأويال له وحقل جترييب ميثّل تأليفا له‪ ،‬وتتحدّد‬ ‫كلّ لغة صورية من جمموعة عناصر أوّلية أو رموز ومن‬
‫‪ -‬العالقة بني منتجي النماذج ومستعمليها والفاعلني يف النسق‬ ‫طبيعة النموذج حبسب نوعية العالقة اليت له باملرجع الذي‬ ‫جمموعة قواعد منظّمة هلذه الرموز ‪ ...‬تبعا لذلك ترتبط‬
‫على اعتبار أنّ املعرفة موجّهة حنو الفعل‪.‬‬ ‫حييل عليه والذي يعبّر عن بنيته وكيفية اشتغاله‪،‬‬ ‫مستويات صورنة النموذج بنوعية اللّغة املستعملة اليت إمّا‬
‫‪ -‬يشرتط يف النموذج أن يكون ذي أداء ثابت واجيابي‪ ،‬بسيطا‪،‬‬ ‫كل ما يتعلق مبضمامني القواعد‪ ،‬وما يعطي معنى للنسق‪.‬‬ ‫أن تكون أدبية أو رمزية أو رياضية منطقية‪ ،‬أي كل ما‬
‫مرنا‪ ،‬وقابال للتوظيف‪.‬‬ ‫يتعلق بالعناصر األوّلية والعالقات‪.‬‬

‫ترتبط النمذجة باملالحظ املبتكر [‪ ،] OBSERVATEUR CONCEPTEUR‬ويؤكد لوموانيو أن املعرفة املبنية أو املنمذجة ذات طبيعة فينومينولوجية‪ ،‬واليت‬
‫من التفسري إىل الفهم‬
‫مبوجبها ال ميكن أن نفصل بني الذات العارفة والظاهرة موضوع املعرفة‪ ،‬أمّا الفرضية الثانية فمن طبيعة تيلولوجية(تدرس التيلولوجيا نظام الغايات أو نسق األهداف) تتصل باهلدف الذي حيرّك الذات‬
‫العارفة ملعرفة ظاهرة أو موضوع ما‪ .‬تنظر هذه املقاربة اإلبستمولوجية إىل املعرفة مبا هي "معرفة فاعلة " على حد عبارة لوموانيو‪ ،‬حبيث ال ينبغي البحث عن التفسري وإمنا عن متثالت ميكن لنا‬
‫إبداعها‪ .‬و يفيد الفهم الفعل [ أنا أفهم يعين أنا أجسّد] على حد عبارة الدريار‪ .‬فعوض أن نفرض على النموذج مهمة تفسري الكون‪ ،‬ميكننا أن نبين وأن نشرع النظر إىل العمل العلمي [النمذجة] مبا هو‬
‫مناذج للفهم (روني توم) أو مبا هو وسائط للعقلنة (سوزان بشالر)‪ ،‬أو مبا هو متثالت إجرائية ميكنها أن تلعب دور الفعل‪.‬‬

‫من احلقية إىل املعنى‬


‫تقرتح ابستيمولوجيا النمذجة معرفة بوصفها متثال‪ ،‬أو منوذجا يسمح الفهم الذي يقدّمه لنا بشأن ظاهرة ما من الفعل فيها طاملا " أنّ احلقيقي هو‬
‫الفعل ذاته " أو طاملا " أنّ احلقائق ليست أشياء تكتشف ‪ ...‬إنها أبنية وليست كنوزا"‪.‬إنطالقا من هذا الفهم باإلمكان إنتاج معرفة على صورة السنفونية أو اللحن املوسيقي الطويل املركب‪،‬فال ميكننا‬
‫وفق هذه املقاربة احلديث عن املعرفة وكأنها بناء معماري تكون قاعدته صخرة ثابتة عليها تتأسس املعرفة احلقي قية ولكن ميكننا أن نقيم مباحث متعددة ترتابط فيما بينها وتنتج معرفة خمتلفة‬
‫يف داللتها عن التصور الكالسيكي للمعرفة ‪.‬وهو ما يشرع حللول املعنى بدل احلقيقة أو النظر إىل احلقيقة مبا هي إمكان‪ ،‬أو حكم عرفاني مفتوح ومرن وأن معيار هذا احلكم هو االنسجام الداخلي‬
‫والفعالية‪ ،‬وهو ما يتأكد من خالل قول بياجي" ال نعرف موضوعا إال بالفعل فيه وحتويله"‬

‫يف صالحيّة النماذج‬


‫‪ -‬الصالحيّة هي ما جيعل منوذجا ما صاحلا وهذا يعين أن مفهوم الصالحية حييل على جتاوز ملنطق املطابقة مع الواقع املعطى‪{ .‬جتاوز ملنطق اخلطأ والصواب}‪.‬‬
‫‪ -‬مستويات الصالحية‪ :‬يتحدث روني توم عن سعي للسيطرة على وضعيات تتطور بشكل غري متوقع‪ ،‬شئ حيدث مبحض االتفاق مبساعدة النمذجة‪.‬‬
‫‪ -‬تفيد السيطرة أنّ النموذج يستمد صالحيته من صالحيته التداولية غري أنّ الصالحية ال ختتزل يف البعد التداولي إذ أنّ الصالحية التداولية ترتبط بصالحية تركيبية وأخرى جتريبية‪.‬‬

‫صالحية تداوليّة‪{ :‬البعد التداولي}‬ ‫صالحية جتريبية‪{ :‬البعد الداللي}‬ ‫صالحية نظرية‪{ :‬البعد الرتكييب}‬
‫عالقة النموذج باملشروع‪ :‬الفهم‪+‬الفعل‪+‬التحكّم‬ ‫التربير املا بعدي للنموذج وهو جمابهة النموذج مع التجربة‬ ‫التربير املا قبلي للنموذج وهو تربير منطقي أو نظري‬
‫الصالحيّة‪ :‬كما حتيل على معنى منطقي حتيل على معنى تيليولوجي‬ ‫‪ -‬الصالحيّة تتمثّل يف اخلصوبة‪+‬املرونة‪+‬القابليّة للدحض‬ ‫‪ -‬وهو ما به ميكن تعقل األنساق املركبة املركبة‪.‬‬
‫‪-‬املعايري املنطقية للنموذج‪ :‬متماسك ‪ /‬تام‪ /‬مشبع‪/‬مستقل‪...‬‬

‫حدود فلسفيّة‬ ‫حدود النمذجة‬ ‫حدود إبستيمولوجية‬

‫مطلب احلقيقة‬ ‫اإلختزاليّة‬


‫مشكل املعنى‬ ‫التارخييّة‬
‫مشكل املسؤولية‬ ‫األنظمة التقنيّة‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬


‫إعداد‪ :‬الصّحيب بوقرّة‬ ‫اجلمهوريّة التونسيّة‬
‫أستاذ مربّز يف الفلسفة‬ ‫وزارة التربية‬

‫[العلم بني النمذجة واحلقيقة]‬

‫حدود إبستيمولوجيّة‪ :‬نقد من داخل العلم‬

‫اإلختزاليّة‬
‫أن إعتماد اإلهمال كإسرتاتيجيا ال يعدّ حدّ من حدود النموذج‪ ،‬وإمنا احلدّ يكمن يف إستتباعات هذا القول وهذا يعين أنهّ علينا أن منيزّ بني‬
‫معنى االسرتتيجيا اليت تكشف ذكاء املنمذج وقصديّة اإلهمال‪ ،‬ومعنى االختزاليّة اليت تكشف عيبا يف النموذج وحمدوديّة النمذجة‪.‬‬
‫أن الفرضية الفينومنولوجية للنمذجة تفيد أن املالحظ املبتكر أو منتج النماذج ال يعكس إال واقعه‪ ،‬أ ي رؤيته للواقع‪ ،‬وكأن النموذج إمنا يبين واقعه‪ ،‬وفق هذا التحديد ال تكون النمذجة إال إختزالية‪،‬‬
‫وإذا ما استحضرنا عالقة إنتاج النماذج بالسياق من ناحية وبالبعد التيلولوجي من ناحية أخرى تأكد لنا هذا البعد اإلختزالي‪.‬‬
‫تنتهي هذه االسرتاتيجيا إذا إىل التالعب بالواقع وتفتيت وحدته حبيث ال ميكن ل لنمذجة أن توفر صورة عن الواقع كما هو يف حقيقته بقدر ما توفر لنا الصورة اليت نتمثل والتأويل الذي يسعى إىل حتقيق‬
‫التوافق بني النموذج والنسق‪.‬‬

‫التارخييّة‬
‫إذا كانت املشاريع تعبّر عن حلظة تارخيية من حلظات الطموح البشري فإنّ تغيّرا يف املشاريع يفقد النماذج اليت متّ إنشاءها كلّ قيمة إبستيمولوجية‪ ،‬وإذا‬
‫كان النموذج حالّ ملشكل تارخيي‪ ،‬فإنّ تغريا يف املشكل يعين ضرورة جتاوزا للحلّ التارخيي‪ ،‬وحبثا عن مناذج وبالتالي حلول أخرى أكثر قدرة على جتسيم مشاريع وطموحات اإلنسان‪.‬‬

‫األنظمة التقنية‬
‫إنّ ما يسم هذا الراهن هو التواطؤ الكلّي بني التقنية والعلم إىل درجة دفعت البعض إىل اعتباره عصر السيربنيطيقا‪ ،‬إن املشكل يكمن يف‬
‫اعتباره التقنية منط وجود إنساني مل يعد اإلنسان يتحكم فيه‪ ،‬بل أصبح خاضعا للفكر التقين وهذا يفضي إىل إعتبار املعاجلة التكنولوجيّة اساسا إلنتاج املعرفة‪ ،‬حبيث يتحوّل العلم ذاته إىل‬
‫قوّة إنتاجيّة‪.‬‬

‫حدود فلسفيّة‪ :‬نقد من خارج العلم‬


‫مطلب احلقيقة‬
‫أنّ تعثّر العلم يف سعيه لكشف احلقيقة وفكّ لغزيّة الواقع ال يعدّ مأخذا حقيقيّا‪ ،‬ألنّ التعثّر قد يكون دليل حبث وسعي وراء احلقيقة‪ ،‬وإمنّا ما نعيبه على‬
‫العلم حقّا هو التخلّي عن طلب احلقيقة‪ ،‬إذ ما الذيّ سيبقى يف خطاب مل تعد فيه احلقيقة قيمة تطلب‪ .‬إذ قيمة العلم واملعرفة العلميّة ال تكمن يف إدراكها وإمنا يف نُشدانها‪.‬‬

‫مشكل املعنى‬
‫إذا كان اإلنسان يعيش يف العامل ويف ذهنه عامل‪ ،‬وإذا كان عامل الذهن هو عامل رؤاه أي عامل األنظمة الرمزيّة اليت بفضلها يضفي اإلنسان املعنى على العامل‪،‬‬
‫فإن إختزال رؤى اإلنسان فيما يوفّره العلم من تصورّ ومتثّل للواقع‪ ،‬يضيّق على الفضاء الرمزي لإلنسان ويفقد العامل من حوله ثراءه‪.‬‬

‫مشكل املسؤولية‬
‫إذا كانت النمذجة بكل حتوالتها وانزياحاتها هي ما يرس م مالحم العلم اليوم فهل هي املتسببة يف جعل وضعية رجل العلم مأساوية؟ هل يظل‬
‫بإمكاننا احلديث عن رهان إنساني إيتيقي ملمارسة البحث العلمي ضمن مالبسات حتمل شبهة اجملازفة مبعاني االستقاللية واملسؤولية؟‬
‫يكشف واقع تقدم املمارسة العلمية عن غلبة املصاحل االقتصاديـــ ـــــــــة والسياسيــــــــــــــــة والعسكرية على شروط ومسارات انتاج النماذج مما يؤكّد اتساع اهلوة اليت تفصل بني‬
‫العلــــــــــــم والوجود احلقيقي للبشر وذلك على أساس ضمور االيتيقي حلساب التقين‪.‬‬
‫ولعلّ ما يثري مشكل املسؤوليّة اليوم هو اننا نشهد واقع يعلن عن ال مسؤوليّة معممّة‪.‬‬
‫ليست النمذجة وفق قراءة بولو طريقة علمية وإنّما طريقة تستعمل العلم‪ ،‬وخاصة علم اإلعالمية الذي يستخدم وسيطا وأساس االنتقال من حقل العلم إىل جمال اجملتمع‪ ،‬وغموض‬
‫النمذجة يكمن يف تقدميها يف صورة علم خالص من كلّ ال شوائب أو "علم مطهّر" يف حني أنها منغرسة يف رهانات خمصوصة وتابعة جلهات غري علمية حتّى وإن بدت النمذجة متماسكة يف بنيتها‪،‬‬
‫وصارمة يف لغتها‪ ،‬إذ مثلما ميكن أن نغالط باستعمال اللغة الطبيعية‪ ،‬ميكن أن نغالط باستعمال النماذج " وليس للرياضيات بهذا اخلصوص أية فضيلة تطهريية‪ ،‬على خالف ذلك تكون الرياضيات‬
‫الصحيحة يف ظاهرها‪ ،‬لياقة وأدبا ميكن أن خيفي الغايات األقلّ نبال"‪ .‬وهو ما يؤكد أنّ النمذجة ال تعرب عن السمة املميزة للعلم وإنّ ما "عن الصورة البورجوازية للعلم" على حدّ عبارة آالن باديو‪ ،‬صورة‬
‫يعلن فيها العلم على وجه املأل عالقته العضوية برأس املال بعد أن كان يتخفى وراء املوضوعية واحلياد‪.‬‬
‫إن النظر إىل العلم مبا هو منذجة يكشف بذلك عن افتقاده االستقاللية‪ ،‬ولكأننا أمام عقالنية "تربر السيطرة واهليمنة واالضطهاد" استعارة لقول ماركوز‪ ،‬لتستحيل العقالنية العقالنية‪ ،‬والتعقل‬
‫جنونا‪ ،‬والذ كاء غباء‪ ،‬مادام العلم يتحول باسم هذه املقاربة إىل خطاب يعاجل مشاكل جزئية وينتج متثالت يف مكاتب اخلرباء أو مكاتب الدراسات ورجال األعمال واملؤسسات العابرة للقارات‬
‫واملؤسسات العسكرية‪ ،‬بغاية الفعل والتحكم دون قراءة للعواقب‪ ،‬أو املخاطر اليت ميكن أن تنجر عن هوس املصلحة واملنفعة واجلدوى والنجاعة‪ ،‬واألمثلة عديدة يف هذا االجتاه سواء تعلق األمر بثقب‬
‫األوزون‪ ،‬أو باألسلحة الغبية أو ما تسمى باطال باألسلحة الذكية‪ ،‬أو الزراعات احملولة جينيا ‪.‬‬

‫املسؤولية من حيث هي حتكم يف القدرة على الفعل هي‬


‫"يمكن بفضل العلم و التكنولوجيا أن نلتقي بكائنات غريبة‪،‬‬
‫ما يؤمن البقاء للطبيعة واإلنسان‪.‬‬
‫نورمان سبينغاد‬ ‫و سنكون نحن هذه الكائنات الغريبة "‬
‫إيتيقا املسؤولية‪ :‬الوعي بضرورة التحكم يف التقدم‬
‫أنشتاين " من المؤسف أن يكون تفوّق التقنية اليوم على اإلنسانيّة أمرا بديهيّا"‬
‫التكنولوجي املؤذن جبر اإلنسانية إىل مزيد من الكوارث‬

‫فرنسوا دي مورياك‬ ‫"لن يفيد اإلنسان في شيء إدراكه القمر إذا فقد األرض "‬ ‫مشروعية األمل يف انبثاق أفق كوني إنساني إيتيقي ينقذ‬
‫العلم من االحندار حنو املآل الكارثي الذي ينتظره يف ظل‬
‫جون روستون‬ ‫" لقد جعل العلم منّا آاهة قبل أن نكون جديرين بإنسانيتنا"‬ ‫النمذجة إذا ظلت متنصلة من املسؤولية‪.‬‬

‫‪philofoubouguerra@yahoo.fr‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الصّحبــي بـ ـ ــوقرّة‬

You might also like