You are on page 1of 69

‫ان اآلراء و التحاليل الواردة في هذه الدراسة هي اراء ووجهات نظر ألصحابها و ال تعكس بالضرورة وجهات نظر‬

‫المنظمة الدولية للهجرة أو الدول األعضاء‪.‬‬


‫تلتزم المنظمة الدولية للهجرة بمبدأ أن الهجرة االنسانية و المنظمة تفيد المهاجرين و المجتمع‪ .‬و تعمل المنظمة بصفتها‬
‫منظمة حكومية دولية مع شركائها في المجتمع الدولي على المساعدة في مواجهة التحديات التشغيلية للهجرة و تعزيز كرامة‬
‫الذات االنسانية و سعادة المهاجرين و فهم قضايا الهجرة و تشجيع التنمية االجتماعية و االقتصادية من خالل الهجرة‪.‬‬
‫تمت ترجمة الدراسة في اطار مشروع ‪ NOAH V‬المنفذ من قبل المنظمة الدولية للهجرة بتونس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‬

‫توط ـئــة عــامــة‬

‫التقدمي العام للهجرة غري النظامية‬

‫‪ .I‬مفهوم اهلجرة غري النظامية‪:‬‬

‫‪ .1‬تعريف اهلجرة‬

‫‪ .2‬أنواع اهلجرة‬

‫‪ .3‬تعريف اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .4‬أطراف اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .5‬حجم اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .6‬املخاطر اليت يواجهها املهاجرون‬

‫‪ .II‬التطور التارخيي لظاهرة اهلجرة غري النظامية إىل أورواب‪:‬‬

‫‪ .1‬مرحلة تشجيع اهلجرة النظامية‬

‫‪ .2‬مرحلة إيقاف اهلجرة وبروز ظاهرة اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .3‬دراسة ميدانية لظاهرة اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .4‬مالمح املهاجر غري النظامي "احلارق"‬

‫‪2‬‬
‫‪ .III‬االحصائيات واملسالك‪:‬‬

‫‪ .1‬االحصائيات‬

‫‪ .2‬املسالك‬

‫‪ -‬من تونس‬

‫‪ -‬من داخل إفريقيا‬

‫‪ -‬من الشرق األوسط‬

‫‪ .IV‬أسباب اهلجرة غري النظامية‪:‬‬

‫‪ .1‬األسباب االقتصادية‬

‫‪ .2‬األسباب االجتماعية‬

‫‪ .3‬األسباب السياسية‬

‫‪ .4‬األسباب البيئية‬

‫‪ .5‬الدوافع ّ‬
‫املشجعة على اهلجرة‬

‫‪ .V‬نتائج اهلجرة غري النظامية وانعكاساهتا‬

‫‪ .1‬النتائج االقتصادية والتنموية‬

‫‪ .2‬انعكاسات اهلجرة غري النظامية يف اجملال ّ‬


‫الصحي‬

‫‪ .3‬انعكاسات اهلجرة غري النظامية على اجملتمع‬

‫‪3‬‬
‫‪ .4‬االنعكاسات يف اجملال األمين‬

‫‪ .5‬االنعكاسات على املهاجر نفسه‬

‫‪ .6‬العوامل النفسية والذاتية‬

‫‪ .7‬دور االعالم ‪ :‬سيف ذو ح ّدين‬

‫املتوسط‪ :‬املصري اجملهول‬


‫‪ .VI‬اهلجرة غري النظامية عرب ّ‬

‫‪ .1‬وضعية احلارقني التونسيني مبراكز اإليقاف إبيطاليا‬

‫‪ّ .2‬‬
‫التطور املتزايد لعدد املهاجرين غري النظاميني‬

‫‪ .3‬مصري املهاجرين غري النظاميني‬

‫‪ .VII‬مالمح االسرتاتيجية الوطنية ملكافحة ظاهرة اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .VIII‬مقرتح لدعم االسرتاتيجية الوطنية للتحكم يف اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ .IX‬التوصيات املنبثقة عن ورشة عمل مغلقة حول ظاهرة اهلجرة غري النظامية ابملعهد التونسي‬

‫للدراسات االسرتاتيجية‬

‫‪ .X‬اخلالصة العامة‬

‫‪ .XI‬مــالحـ ـ ـ ـ ـق‬

‫‪4‬‬
‫فريق البحث‬

‫‪ -‬السيد معز الغرييب‪ ،‬مدير قسم اجليوسياسي ابملعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية‬

‫‪ -‬السيد احلبيب الليلي‪ ،‬ملحق اجتماعي سابق بسفارة تونس بروما‬

‫‪ -‬السيد شاكر ساسي‪ ،‬رئيس اجلمعية التونسية للوقاية من اهلجرة السرية‬

‫ابملساعدة التقنية للمنظمة الدولية للهجرة بتونس‬

‫‪5‬‬
‫ـامـ ـة‬
‫تــوط ـئــة ع ـ ّ‬

‫‪6‬‬
‫تعرف اهلجرة أبهنا االنتقال من مكان إىل آخر‪ ،‬وبظهور فكرة الدولة ورسم املعامل واحلدود وسن النصوص والتشريعات‬

‫وتقنينها وبروز سيادة الدولة على إقليمها سواء كان براي أو حبراي أو جواي‪ ،‬أعطيت مفاهيم أخرى للهجرة حسب الطريقة‬

‫اليت متت هبا فإذا كانت حسب قوانني الدخول إىل إقليم الدولة فهي هجرة نظامية‪ ،‬وإذا كانت مبخالفة تلك القوانني‬

‫فتسمى هجرة غري نظامية‪.‬‬

‫عرف اإلنسان اهلجرة من خالل حبثه وسعيه للتكيف مع الطبيعة اليت يهاجر إليها‪ ،‬واليت تتوافر فيها سبل العيش الكرمي‬

‫له وألفراد أسرته أو العشرية اليت ينتمي إليها‪.‬‬

‫مع تزايد حاجات اإلنسان االقتصادية واالجتماعية وعدم قدرته على تلبيتها‪ ،‬وازدايد الشعور ابحلرمان‪ ،‬إىل جانب‬

‫ضعف الرتبية والتوعية بدءا من األسرة إىل ابقي األطوار التعليمية األخرى‪ ،‬وما يعانيه الفرد من مشاكل اقتصادية انجتة‬

‫عن ضعف الدخل‪ ،‬إىل املشاكل االجتماعية املصاحبة‪ ،‬إىل عدم قدرة الفرد على لعب األدوار املنوطة إليه‪ ،‬إىل املشاكل‬

‫السياسية الناجتة عن فقدان الثقة ابألنظمة‪ ،‬إىل جانب دور اإلعالم‪ ،‬كل هذه العوامل تصبح حافزا يصور أن ما وراء‬

‫البحر هو اجلنة املوعودة‪ .‬مع رغبة من حيلم ابهلجرة إىل الربح السريع والوفري وحتقيق االستقرار االجتماعي أحياان‪ .‬فإن‬

‫مل يستطع اهلجرة ابلطرق القانونية‪ ،‬ضرب ابلقوانني اليت متنعه عن االنتقال إىل الضفة األخرى من حوض املتوسط عرض‬

‫احلائط ليعمد إىل هجرة غري نظامية أي خمالفة لألنظمة والقوانني لدول االستقبال واليت تتطلب اهلجرة النظامية إليها‬

‫أتشرية للدخول فتسمى هجرة غري نظامية‪.‬‬

‫تتعدد وسائل وطرق اهلجرة غري النظامية لتحقيق احللم وهو الوصول إىل الضفة املقابلة‪ ،‬فيكون ذلك عن طريق الرب أو‬

‫البحر أو اجلو ومعظمها يتم عن طريق البحر‪ ،‬لينتهي هبم األمر من خالل قوارب تفتقر إىل أدىن شروط األمان وضمان‬

‫البقاء على قيد احلياة إما غرقا يف أعماق البحر أو كمجرمني أبيدي حرس الشواطئ لدول االستقبال أو إيقافهم يف‬

‫‪7‬‬
‫البلد األصل‪ .‬وتتم اهلجرة غري النظامية أما فرادى ويكون ذلك يف إطار خمالفة القوانني أو هجرات مجاعية لتشكل‬

‫إجراما‬

‫منظّما‪ ،‬ومن يكتب له النجاح يف الوصول إىل الضفة األخرى دون أن يهلك يف البحر أو يقع أبيدي حرس الشواطئ‪،‬‬

‫يصبح ضحية بني أيدي شبكات اجرامية منظمة متتهن االجتار ابألشخاص لتكون عاقبته أسوء ما يكون‪.‬‬

‫تطال اهلجرة غري النظامية الشباب من الرجال والنساء أيضا وحىت األطفال‪ .‬فاهلجرة غري النظامية ظاهرة مقلقة على‬

‫املستويني الداخلي واخلارجي تستوجب معاجلة جذرية وسريعة لألسباب املؤدية هلا وعليه تطرح إشكالية مدى جناعة‬

‫التشريعات والقوانني الوطنية والدولية يف التصدي للجرائم املرتبطة ابهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫وبصفة عامة ميكن اعتبار ظاهرة اهلجرة غري النظامية إحدى نتائج جرمية االجتار ابألشخاص اليت تتم عرب االتفاق مع‬

‫الضحية على نقله بطريقة سرية وغري نظامية خارج حدود الوطن مقابل مبلغ مايل وعموما تكون عملية النقل غري مؤمنة‬

‫يتم تركهم أحياان يف املياه أو يف الصحراء‬


‫حيث تتعرض نسبة كبرية من الشباب للموت احملقق أثناء عمليات التهريب إذ ّ‬
‫يصارعون املوت ويعانون من اليأس واإلحباط‪ .‬مث وإثر وصوهلم اىل الضفة االخرى‪ ،‬يتم استقطاهبم واستغالهلم من قبل‬

‫الشبكات االجرامية‪ ،‬حيث يقع تقييد حريتهم وهتديدهم واجبارهم على العمل دون مقابل‪٠‬‬

‫طرحت ثورة ‪ 14‬جانفي يف تونس حتدايت عديدة ومفاهيم جديدة للحرية والدميقراطية واألسرة ومنط العيش والشغل‪،‬‬

‫خاصة من الشباب على ممارسة‬


‫وقد غ ّذى كل ذلك نوعا من عدم املسؤولية وعدم احرتام القانون مما شجع شرائح ّ‬
‫اهلجرة الغري نظامية والتسلل إىل الضفة الشمالية للبحر األبيض املتوسط حبثا عن العيش األفضل والربح السريع‪ ،‬وكلنا‬

‫يتذ ّكر العدد املهول الذي غادر تونس إابن ‪ 2011‬إىل السواحل اإليطالية بصفة غري نظامية حيث جتاوز العدد الـ‪26‬‬

‫ألف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ولئن مازالت أسباب اهلجرة غري النظامية أو "احلرقة" جتد مربرات هلا لدى السلط الوطنية أو يف بلدان االستقبال فإن‬

‫خماطرها احلقيقية ظلت شبه غائبة لدى من ميارسوهنا إذ كثريا ما تنتهي ابملئات من املغامرين إما ابملوت غرقا يف البحر‬

‫أو ابالخنراط يف اجلرمية ويف عامل املخدرات‬

‫السجن يف بلد اإلقامة‪ ،‬وإما القتل من قبل عصاابت اإلجرام كما أن هناك عددا كبريا من التونسيني‬
‫وينجر عن ذلك إما ّ‬
‫ّ‬
‫املقيمني على األراضي اإليطالية أو يف بلدان أوروبية أخرى ممن تسللوا خلسة أو برخص سياحية يقع استغالهلم بطرق‬

‫غري قانونية أيضا للعمل يف الضيعات الفالحية وحضائر البناء وغريها من املهن مبقابل زهيد وبدون ضماانت قانونية‬

‫وهذه األعمال اهلشة كثريا ما تنتهي مبشاكل ال حصر هلا‪.‬‬

‫إن عددا من التونسيني حسب نتائج الدراسة االولية حول االجتار ابالشخاص يف تونس ‪Etude exploratoire‬‬

‫‪ sur la traite des personnes en Tunisie‬اليت قامت املنظمة الدولية للهجرة ابعدادها يف إطار مشروع‬

‫شار‪ 1‬واليت مت االعالن عن نتائجها يف جوان ‪ ،2013‬وقعوا ضحية لالجتار ابألشخاص يف بعض الدول األوروبية اين‬

‫مت استغالهلم واستعبادهم يف العمل القسري‪٠‬‬

‫‪9‬‬
‫تقدمي عام للهجرة غري النظامية‬

‫التطور التارخيي‪ ،‬األسباب والنتائج‬


‫املفهوم‪ّ ،‬‬

‫‪10‬‬
‫مفهـوم اهلجـرة غيـر النظامية‬ ‫‪.I‬‬

‫إلعطاء مفهوم واضح للهجرة غري النظامية‪ ،‬البد أن نقوم ّأوال بتعريف اهلجرة ومن ضمنها اهلجرة النظامية اليت‬

‫تتم طبقا للقوانني املعمول هبا‪.‬‬

‫‪ .1‬تعريف اهلجرة‪:‬‬

‫اهلجرة ظاهرة جغرافية تعرب عن ديناميكية سكانية‪ ،‬على شكل تنقل فرد أو جمموعة من األفراد من مكان إىل آخر‪،‬‬

‫وذلك بتغيري مكان االستقرار االعتيادي وهي جزء من احلركة العامة للسكان‪.‬‬

‫وتعرف املنظمة الدولية للهجرة مصطلح اهلجرة‪" :‬أبنّه مغادرة أو التواجد يف بلد معني بغرض االستقرار يف بلد أخرى‪.‬‬

‫حيث تنص املعايري الدولية حلقوق اإلنسان على أن مجيع األشخاص هلم حرية التنقل واملغادرة إىل أي بلد‪ ،‬حىت داخل‬

‫بلده األصلي‪ ،‬وهذا حيدث يف ظروف حمدودة جداً عندما تفرض بعض الدول قيوداً على حق الفرد يف مغادرة إقليمه"‪.‬‬

‫(قاموس مصطلحات اهلجرة)‪.‬‬

‫‪ .2‬أنواع اهلجرة‪:‬‬

‫للهجرة عدة أنواع خمتلفة حسب الظروف املؤدية هلا منها اهلجرة الداخلية أو الطوعية أو القسرية أو اجلربية أواملقيدة‬

‫أوالدولية‪.‬‬

‫أ‪ .‬اهلجرة الداخلية‪:‬‬

‫اهلجرة الداخلية هي اهلجرة اليت يتم فيها انتقال األفراد واجلماعات من مكان اإلقامة املعتاد‪ ،‬إىل مكان آخر يف نفس‬

‫البالد‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ب‪ .‬اهلجرة الطوعية‪:‬‬

‫هذه اهلجرة تكون مبحض اإلرادة‪ ،‬وبدون أي مساندة أو إكراه مهما كان نوعه (اقتصادي أو ديين أو عرقي)‪ ،‬وهي إما‬

‫فردية أو عائلية أو مجاعية‪.‬‬

‫ت‪ .‬اهلجرة القسرية أو اجلربية أو املقيّدة‪:‬‬

‫هذا النوع من اهلجرة يكون خارج إرادة الفرد ورغباته‪ ،‬أي أن هناك أسباب تدفع ابألفراد أو العائالت أو اجلماعات‬

‫إىل ترك أوطاهنم واالجتاه إىل أوطان أخرى ليستقروا فيها‪ ،‬إما بصفة دائمة أو مؤقتة‪ ،‬وحيدث مثل هذا النوع يف احلروب‬

‫داخلية كانت أم خارجية (سوراي‪ ،‬ليبيا)‪ ،‬وكذلك نتيجة االضطهاد مهما كان نوعه سياسي‪ ،‬ديين‪ ،‬عرقي‪.‬‬

‫ث‪ .‬اهلجرة الدولية‪:‬‬

‫اهلجرة الدولية هي أن يهاجر الفرد خارج حدود الدولة إىل دول أخرى وهي أحد العوامل الرئيسية يف التطورات اليت‬

‫يعرفها العامل يف هذا العصر‪ ،‬كما تلعب دورا أساسيا يف صريورة التحوالت االجتماعية واالقتصادية والسياسية على‬

‫املستوى الوطين‪.‬‬

‫ج‪ .‬االجتار ابألشخاص‪:‬‬

‫يعد االجتار ابألشخاص اثلث أكرب جتارة غري مشروعة يف العامل بعد هتريب األسلحة وجتارة املخدرات حيث يضطر‬

‫متخصصة يف تسفري البشر بطرق غري نظامية وعادة ما خيضع هؤالء املهاجرون‬
‫ّ‬ ‫الشباب أحياان إىل اللجوء إىل عصاابت‬

‫سواء ابلقوة أو ابلغش أوابخلداع إىل االستغالل يف أعمال السرقة أوالدعارة أوجتارة املخدرات‪ .‬ويتم إجبارهم على العمل‬

‫القسري أو ممارسة البغاء وذلك حىت يتسىن هلم تسديد ديوهنم اليت تتفاقم نتيجة دفعهم إجيار غرفة املبيت وفوائد الديون‬

‫املستمرة وهتديدهم ابإليذاء اجلسدي لضمان التزامهم ابلتعليمات‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فضال عن حبسهم ومراقبتهم‬

‫‪12‬‬
‫ويعرف القانون األساسي عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 2016‬مؤرخ يف ‪ 3‬أوت ‪ 2016‬يتعلق مبنع االجتارابألشخاص‬

‫ومكافحته ‪" :‬يعد اجتارا ابألشخاص استقطاب أو جتنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو حتويل وجهتهم أو‬

‫ترحيلهم أو إيواءهم أو استقباهلم ابستعمال القوة أو السالح أو التهديد هبما أو غري ذلك من أشكال اإلكراه أو‬

‫االختطاف أو االحتيال أو اخلداع أو استغالل حالة استضعاف أو استغالل نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية‬

‫أو مزااي أو عطااي أو وعود بعطااي لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد االستغالل أاي‬

‫كانت صوره سواء من طرف مرتكب تلك األفعال أو بوضعه على ذمة الغري الستغالله‪ .‬ويشمل االستغالل‬

‫استغالل بغاء الغري أو دعارته أو غريها من أشكال االستغالل اجلنسي أو السخرة أو اخلدمة قسرا أو االسرتقاق‬

‫أو املمارسات الشبيهة ابلرق أو االستعباد أو التسول أو نزع األعضاء أو األنسجة أو اخلالاي أو األمشاج أو‬

‫األجنة أو جزء منها أو غريها من أشكال االستغالل األخرى"‪( .‬الفصل ‪.)2‬‬

‫وحسب دليل قانون االجتار ابألشخاص الذي قامت املنظمة الدولية بنشره ابلتعاون مع اهليئة الوطنية ملكافحة االجتار‬

‫ملكملني التفاقية األمم‬


‫ابألشخاص يف تونس‪ ،‬يوجد تعريف لالجتار ابألشخاص وهتريب املهاجرين يف الربوتوكولني ا ّ‬
‫املتحدة ملكافحة اجلرمية املنظمة عرب الوطنية (‪ .)2000‬و"يقصد بتعبري "هتريب املهاجرين" تدبري الدخول غري املشروع‬

‫لشخص ما إىل دولة طرف وليس ذلك الشخص من رعاايها أو من املقيمني الدائمني فيها‪ ،‬وذلك من أجل احلصول‪،‬‬

‫بصورة مباشرة أو غري مباشرة‪ ،‬على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى" (املادة ‪ ،3‬فقرة (أ) من بروتوكول مكافحة هتريب‬

‫املهاجرين عن طريق الرب والبحر واجلو)‪ .‬ويقصد "بتعبري "الدخول غري املشروع" عبور احلدود دون تقيّد ابلشروط الالزمة‬

‫للدخول املشروع إىل الدولة املستقبلة" (املادة ‪ ،3‬فقرة (ب) من الربوتوكول املذكور)‪.‬‬

‫يتبني من التعريف‪ ،‬فإن املهاجرين يلتحقون غالبا يف مسار التهريب بصورة طوعية وال يقعون ضحية االستغالل‪،‬‬
‫وكما ّ‬
‫يف حني أنه يف حالة االجتار ابألشخاص فإن الضحااي يعملون بصورة قسرية بغرض استغالهلم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫املكملني التفاقية األمم املتحدة ملكافحة اجلرمية املنظمة عرب الوطنية‪ ،‬فإن االجتار ابألشخاص‬
‫ويف ضوء الربوتوكولني ّ‬
‫املصدر‪" :‬دليل حول قانون منع االجتار ابألشخاص" املنظمة الدولية للهجرة ‪.2017‬‬ ‫وهتريب املهاجرين يتميزان بصورة أساسية كما يلي‪:‬‬

‫االجتار ابألشخاص‬ ‫هتريب املهاجرين‬

‫ال يقتضي االجتار ابألشخاص وجواب عبور‬


‫يقتضي هتريب املهاجرين وجواب عبور احلدود احلدود ألهنا ميكن أن تقع داخل الوطن (االجتار‬
‫عبور احلدود‬
‫الداخلي)‪ .‬ويف حالة (االجتار اخلارجي)‪ ،‬ميكن‬ ‫بصورة غري نظامية‪.‬‬
‫أن يتّم عبور احلدود بصورة نظامية أو غري نظامية‪.‬‬
‫يتّم احلصول عليها عن طريق التزوير أو ابالحتيال‬
‫مزورة أو مسروقة أو غري‬
‫أو "أبية طريقة غري مشروعة أخرى" أو ميكن أن تكون أصلية أو ّ‬
‫"يستخدمها شخص غري صاحبها الشرعي" أو موجودة‪ .‬ويقوم اجلناة مبصادرة واثئق الضحية‬ ‫واثئق اهلوية أو السفر‬
‫املهربون أحياان هبدف الضغط عليها‪.‬‬
‫غري موجودة أصال‪ .‬ويساعد ّ‬
‫املهاجرين للحصول على الواثئق قبل التهريب‪.‬‬
‫ال يكون املهاجرون عرضة لالستغالل من قبل‬
‫االستغالل هو اهلدف النهائي لالجتار‬
‫املهربني‪ .‬غري أنه ميكن لتهريب املهاجرين أن‬
‫ّ‬ ‫االستغالل‬
‫ابألشخاص‪.‬‬
‫يتقاطع مع االجتار ابألشخاص‪.‬‬
‫يف إطار هتريب املهاجرين‪ ،‬يقوم املهاجرون بتدبري‬
‫املهربني وابلتايل فهم ليسوا ابلضرورة يقع ضحااي االجتار ابألشخاص حتت سيطرة‬
‫اتفاق مع ّ‬
‫حتركاهتم‪ .‬أضف إىل ذلك وعند شخص أو أكثر طوال مدة حالة االجتار حبيث‬ ‫عرضة لتقييد ّ‬ ‫التح ّكم ابألشخاص‬
‫حبرية التنّقل للضحااي‪.‬‬
‫الوصول إىل املكان املقصود‪ ،‬فإن املهاجرين ال يتحكم هؤالء ّ‬
‫يبقون عموما حتت سيطرة شبكات التهريب‪.‬‬
‫االجتار ابألشخاص جرمية تقع ضد األشخاص‪.‬‬ ‫يعترب هتريب املهاجرين جرمية واقعة ضد الدولة‪.‬‬ ‫على من تقع اجلرمية؟‬

‫إال أنه ابلرغم من االختالف بني االجتار ابألشخاص وهتريب املهاجرين‪ ،‬جند أوجه تشابه بني اجلرميتني على النحو التايل‪:‬‬

‫‪ ‬تعترب الظاهراتن من األنشطة االجرامية املرحبة‪.‬‬

‫‪ ‬غالبا ما يتّم استخدام شبكات هتريب املهاجرين لتمكني الضحااي من عبور احلدود هبدف استغالهلم‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫املهربون واملتاجرون إىل نفس الشبكة االجرامية حبيث يتّم إجبار املهاجر الذي حياول‬
‫‪ ‬يف حاالت أخرى‪ ،‬ينتمي ّ‬
‫عبور احلدود بطريقة غري مشروعة على تسديد دينه عرب إخضاعه إلحدى أشكال االستغالل أثناء مسار اهلجرة‬

‫أو عند الوصول إىل املكان املقصود‪.‬‬

‫‪ ‬أخريا‪ ،‬ميثّل املهاجرون غري النظاميني فئة مستضعفة لكافة أشكال االستغالل واالجتار ابألشخاص على وجه‬

‫اخلصوص‪.‬‬

‫‪ .3‬تعريف اهلجرة غري النظامية‬

‫اهلجرة غري النظامية ظاهرة يقصد هبا اجتياز احلدود دون موافقة سلطات الدولة األصل وكذلك الدول املستقبلة‪،‬‬

‫إذ ال ميكن الدخول إىل أي بلد إال وفقا لقوانينه وذلك بعد القيام جبميع اإلجراءات القانونية الالزمة للهجرة‪ ،‬لتكون‬

‫عملية االنتقال نظامية‪ ،‬ويف غياب ذلك يصبح انتقاله غرينظامي مهما كانت الوسائل املستعملة يف ذلك‪ ،‬سواء بتزوير‬

‫الواثئق أو غريها وسواء كان ذلك برا أو حبرا أو جوا‪ ،‬ويكون ذلك بعيدا عن املراقبة األمنية واجلمركية‪.‬‬

‫وبناء على ذلك يتبني أن اهلجرة غري النظامية جرمية وطنية ملا تتضمنه من خرق للقوانني واألنظمة الوطنية وجرمية منظمة‬

‫عابرة للحدود الوطنية لعدم اقتصارها على الدولة الواحدة بل‬

‫امت ّد أثرها إىل الدول األخرى املستقبلة للهجرة غري النظامية‪ ،‬وملا تنطوي عليه من خطورة خاصة عندما يتعلق األمر‬

‫جبرمية هتريب املهاجرين‪.‬‬

‫من خالل ما تقدم يتضح أن هناك عدة عوامل تتحكم يف ظاهرة اهلجرة منها ما هو متعلق ابلطبيعة مثل اجلفاف‬

‫والزالزل والفيضاانت إىل غري ذلك ومنها ما هو متعلق أبعمال البشر كاالستبداد أواحلروب‪ ،‬إىل جانب اهلجرة اإلدارية‬

‫يف ح ّد ذاهتا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ .4‬أطراف اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ ‬املهاجر املهرّب‪ :‬وهو أي شخص يكون هدفا لعملية هتريب إىل خارج حدود الدولة‪.‬‬

‫‪ ‬مسسار التهريب ‪:‬وهو الشخص الذي يقوم ابلتوسط النتقال شخص أو أشخاص بطريقة غري نظامية من دولة‬

‫إىل أخرى من أجل احلصول بصورة مباشرة أو غري مباشرة على منفعة مادية‪.‬‬

‫‪ ‬اجلماعة اإلجرامية املنظمة‪ :‬اجلماعة املؤلفة وفق تنظيم معني من شخصني فاكثر حسب القانون رقم ‪ 6‬لسنة‬

‫‪ 2004‬للعمل بصفة مستمرة أو ملدة معيّنة من الزمن هبدف ارتكاب جرمية هتريب املهاجرين وذلك من أجل‬

‫احلصول بشكل مباشر أو غري مباشر على منفعة مادية‪.‬‬

‫‪ ‬الناقل ‪:‬وهو كل شخص طبيعي تكون مهنته نقل الركاب أو البضائع برا أو حبرا أو جوا حتقيقا ملكسب جتاري‬

‫بشكل غري نظامي‪ .‬وميكن تفسري أغلب احلوادث املأساوية يف البحر بعدم حرفية الناقل وسوء حالة الوسيلة‪.‬‬

‫‪ ‬بعض شركات السياحةالومهية‪ :‬هي شركات سياحية غري معروفة تقوم بعمل حساابت ومهيّة بغرض استخراج‬

‫أتشريات سياحية لراغيب اهلجرة إىل الدول األوربية ويكون ذلك بوضع مبالغ مالية يف حساب املهاجر واحلصول‬

‫على ضماانت من ذويه يف تونس هبدف احلصول على أتشرية لدخول الدولة املستقبلة ومن مث يقوم املهاجر بتجاوز‬

‫م ّدة التأشرية واالختفاء والعمل بشكل غري قانوين إىل غاية احلصول على إقامة أو جنسية تلك الدولة‪.‬‬

‫‪ .5‬حجم اهلجرة غري النظامية‬

‫تشري بعض التقارير الدولية أن ظاهرة اهلجرة غري النظامية من إفريقيا إىل أورواب جتاوزت مئات اآلالف يف السنوات‬

‫األخرية‪ ،‬خاصة بعد األحداث األخرية يف منطقة الشرق األوسط ويف ليبيا ومصر وسوراي والعراق واليمن‪ .‬أعلنت املنظمة‬

‫الدولية للهجرة‪ ،‬أن حوايل ‪ 16‬ألفا و‪ 89‬مهاجرا وصلوا إىل أورواب عن طريق البحر املتوسط منذ مطلع العام اجلاري‬

‫‪16‬‬
‫وحىت الثامن من أفريل ‪ ،2018‬وهو ما يقل عن نصف الوافدين خالل الفرتة املماثلة من العام املاضي‪ ،‬وأشارت إىل‬

‫وفاة ‪ 521‬مهاجرا غرقا يف املتوسط خالل نفس الفرتة‪.‬‬

‫وذكرت املنظمة األممية‪ ،‬أن أغلب الوافدين وصلوا إىل إيطاليا بينما وصل الباقون إىل إسبانيا واليوانن وقربص‪ ،‬وأشارت‬

‫إىل أن هذا العدد يقل عن نصف الوافدين إىل املنطقة خالل نفس الفرتة من العام املاضي‪ ،‬اليت شهدت وصول ‪33‬‬

‫ألفا و‪ 355‬مهاجرا‪.‬‬

‫ووفقا لإلحصائيات اليت أعلنتها وزارة الداخلية اإليطالية‪ ،‬فقد وصل ‪ 6994‬مهاجرا إىل إيطاليا عن طريق البحر‬

‫املتوسط منذ بداية العام احلايل‪ ،‬وهو ما يقل بنسبة ‪ %74.37‬عن أعداد املهاجرين الذين وصلوا للبالد خالل‬

‫الفرتة املماثلة من العام املاضي‪ ،‬والذين بلغوا ‪ 26902‬من الرجال والنساء واألطفال‪.‬‬

‫‪ 6‬املخاطر اليت يواجهها املهاجرون‬

‫الرحيل من وطنه واملوت يالزمه ويرافقه سواء عرب الصحراء أو عرب الدول اليت يعربها أو وسط خضم‬
‫يقرر املهاجر ّ‬
‫منذ أن ّ‬
‫أدل عن ذلك آالف‬
‫أمواج البحر العاتية – املوت جوعا أو عطشا أو خلف القضبان أو غرقا يف أعماق البحر – وليس ّ‬

‫اجلثث اليت يلفظها البحر على شواطئ املتوسط مشاله وجنوبه وتنقل صورها القنوات التلفزية‪.‬‬

‫‪ ‬خماطر الرحلة عرب الصحراء‪( :‬ابلنسبة للقادمني عرب الساحل والصحراء)‬

‫تبدأ املخاطر مع بداية الرحلة يف الصحراء الواسعة وحرارهتا الشديدة وكثباهنا الرملية مما يعين وجود ع ّدة خماطر كاملوت‬

‫الرحلة حتدد كميّة الغذاء واملاء بدقة وذلك‬


‫جوعا أو عطشا أو توهاان يف الصحراء أو فريسة لقطاع الطرق‪ ،‬فعند بداية ّ‬
‫اصة من املهاجرين حيث يكافح األشخاص من أجل إجياد مكان للجلوس‬
‫لضيق املكان يف الشاحنة بسبب األعداد املرت ّ‬
‫وأحياان يتك ّدسون يف أكوام أحدهم فوق اآلخر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫من املخاطر اليت هتدد املهاجرين عرب الصحراء تعطّل الشاحنة أو استنفاذ البنزين أو الضياع يف الصحراء مما يعين املوت‬

‫جوعا أو عطشا‪.‬‬

‫ومن املخاطر أيضا االزدحام الشديد الذي يؤدي إىل تساقط بعض املسافرين من ظهر الشاحنة أثناء الرحلة مما ينتج‬

‫عنه إصابة بعضهم أو موهتم حيث أن بعض املسافرين ال ميكنهم مقاومة ضغط االكتظاظ لظروفهم الصحية فيضطرون‬

‫إىل النزول يف عرض الصحراء فهم يف عداد املوتى ال حمالة سواء من االزدحام الشديد أو من ظروف الصحراء الصعبة‪.‬‬

‫للمهربني‬
‫ومن املخاطر اليت ميكن أن تعرتض املسافرين املال الذي حيملونه لتغطية مصاريفهم أثناء الرحلة مما جيعلهم فريسة ّ‬
‫وقطاع الطرق أو بعض حرس احلدود الفاسدين (املرتشني)‪.‬‬

‫‪ ‬خماطر الرحلة عرب البحر‬

‫يهمه إال مجع املال‪ ،‬وابلتايل فإن املهربني ال يهتمون‬


‫تتم الرحلة عرب البحر من خالل صفقة بني املهاجر واملهرب الذي ال ّ‬
‫حبالة املراكب والظروف اجلوية املناسبة لإلحبار حيث ال خيار للمهاجر إال اإلحبار خوفا من االعتقال واحلجز وابلتايل‬

‫التعرض للعديد من املخاطر منها‪:‬‬

‫‪ ‬االزدحام واملوت غرقا‬

‫فمن أكثر املخاطر االزدحام الشديد يف املراكب اليت يستقلّها املهاجرون وهذا االزدحام ينجم عن احلمولة الزائدة من‬

‫املسافرين ألن املهرب يريد أن يضمن أكرب عدد ممكن من األشخاص بقدر قد يفوق قدرة وحجم املركب حيث ترتاوح‬

‫طاقة استيعاب هذه املراكب بني ‪ 20‬و‪ 200‬شخص وابلتايل فإن االزدحام جيربهم على اجللوس على ركبهم وعلى‬

‫احملرك أو استنفاذ البنزين‬


‫صدورهم مرتاصني‪ ،‬يف وضع سيء ومن املخاطر اليت ميكن أن تعرتضهم يف أعماق البحار تعطل ّ‬
‫لبعض املراكب مما يؤدي إىل اجنرافها يف البحر مما قد يسفر عنه املوت احملتوم‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ ‬عدم حرفية ّ‬
‫الرابن والظروف السيئة‪ :‬من املشاكل اخلطرية أن سائقي املراكب ليسوا من احملرتفني أو املهربني‬

‫أنفسهم بل هم من املهاجرين الذين ليست هلم دراية وخربة يف قيادة القوارب أو ابلبحر ونظرا ألن السائق يعفى‬

‫من دفع كلفة الرحلة فإن ذلك يش ّجع الكثري من املتطوعني على قيادة املراكب يف عرض البحر استنادا إىل‬

‫بوصلة لتحديد اجتاههم وابلتايل فإن الكثري من الرحالت تفقد اجتاهها املقصود وتتوه يف عرض البحر‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬ورشة عمل املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية – أكتوبر ‪ – 2017‬ظاهرة اهلجرة غري االنظامية‬

‫ظروف السفر السيئة ومشاكل العنف‪ :‬إن ظروف السفر عرب البحر قاسية وصعبة جدا ّ‬
‫خاصة إذا كانت‬ ‫‪‬‬

‫القوارب مزدمحة والظروف اجلوية غري مناسبة لإلحبار مما قد يتسبب يف سقوط العديد من املسافرين يف عرض البحر‪ ،‬أما‬

‫‪19‬‬
‫املشاكل األكثر خطورة فهي قلة النظافة بسبب الغائط والتبول والقيء مما قد يتسبب يف انتشار العديد من األمراض‬

‫املهربني كاالعتداء اجلنسي والضرب والقتل مبا يف ذلك رمي‬


‫إضافة إىل العنف اليت ميكن أن يواجهه املهاجرون من قبل ّ‬
‫وخاصة عند ازدايد احلمولة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األطفال خارج القوارب‬

‫املصدر‪ :‬ورشة عمل املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية – أكتوبر ‪ – 2017‬ظاهرة اهلجرة غري النظامية‬

‫‪20‬‬
‫التطور التارخيي لظاهرة اهلجرة غري النظامية إىل أورواب‬ ‫‪.II‬‬

‫لقد كانت أورواب وال زالت حمورا أساسيا ومهما للتحركات السكانية خاصة وأن حضاراهتا تضرب يف عمق التاريخ نظرا‬

‫يتوسط العامل‪ ،‬كما أن هناك مجلة من العوامل خاصة االقتصادية منها واليت جعلتها من أهم مناطق‬
‫ملوقعها اجلغرايف الذي ّ‬
‫اهلجرة الوافدة‪.‬‬

‫وقد مرت اهلجرة حنو أورواب مبرحلتني إثنتني تتمثل األوىل يف مرحلة تشجيع اهلجرة واليت مل تدم طويال نتيجة للتدفق الكبري‬

‫الذي ميزها‪ .‬مثّ جاءت مرحلة إيقاف اهلجرة وتشجيع عودة املهاجرين إىل أوطاهنم وهو ما ّأدى إىل بروز ظاهرة اهلجرة‬

‫غري النظامية أو غري القانونية‪.‬‬

‫‪ .2‬مرحلة تشجيع اهلجرة النظامية‬

‫شهدت فرتة االستعمار الفرنسي موجات كبرية للهجرة وكانت أكرب هذه املوجات يف فرتة ما قبل احلرب العاملية األوىل‬

‫دمر خالل احلرب بعد هنايتها‪ .‬وقد ساعدت على ذلك بعض‬
‫الستقدامهم خلدمة احلرب أوال مث إلعادة إعمار ما ّ‬
‫القوانني اليت أصدرهتا السلطات الفرنسية لصاحل اهلجرة منها القانون الصادر سنة ‪ 1914‬والذي نص على رفع القيود‬

‫وتشجيع اهلجرة التلقائية‪ ،‬مث عملية اإلشراف على اهلجرة سنة ‪ 1916‬من طرف السلطات الفرنسية نفسها حيث‬

‫أسست" مصلحة عمال املستعمرات" وتنظيمها لصاحل احلاجيات الفرنسية‪ ،‬حيث مت استغالل اليد العاملة لدول مشال‬

‫إفريقيا للعمل يف املصانع واملناجم ويف صفوف اجليش الفرنسي‪ ،‬ويف هذا اإلطار تذكر بعض الدراسات التارخيية أن دول‬

‫املغرب العريب ّأمنت للدولة الفرنسية حوايل ‪ 175‬ألف جندي و‪ 150‬ألف عامل خالل احلرب العاملية األوىل‪.‬‬

‫كانت فرنسا قد واجهت خالل الفرتة ‪ 1939-1900‬نقصا غري مسبوق يف اليد العاملة ونتج هذا بسبب اخنفاض‬

‫هامة خالل احلرب العاملية األوىل‪.‬‬


‫معدل الوالدات على نطاق واسع‪ ،‬ابإلضافة إىل ما رافقه من خسائر بشرية ّ‬

‫‪21‬‬
‫ومع تزايد احلاجة إىل اليد العاملة األجنبية وتزايد تع ّكر األوضاع االقتصادية يف الدول املغاربية‪ ،‬شهدت الفرتة املمت ّدة‬

‫من بداية الستينيات إىل أوائل سبعينيات القرن املاضي موجات كبرية للهجرة فقد كانت هذه الفرتة عالمة فارقة يف‬

‫اهلجرة إىل الدول األوروبية اجملاورة حىت أن بعض الدراسات اعتربت استيعاب هذه الدول لليد العاملة املغاربية يف هذه‬

‫الفرتة من أهم العوامل اليت ساعدت على حتقيق االستقرار يف منطقة املغرب العريب فقد قدر عدد املهاجرين من دول‬

‫املغرب العريب إىل فرنسا وحدها منتصف السبعينيات حبوايل ‪ 1,1‬مليون مهاجر‪.‬‬

‫وما جيلب االنتباه خالل هذه املرحلة وجود هجرة عكسية أي من بعض دول أورواب إىل تونس‪ ،‬نتيجة ظروف أمنية‬

‫خاصة يف فرتة ما بعد احلرب العاملية الثانية‪:‬‬


‫ّ‬

‫‪22‬‬
‫‪La dépêche tunisienne‬‬ ‫‪Aujourd'hui‬‬

‫حيث ورد أبحد الصحف التونسية الصادرة ابللغة الفرنسية بتاريخ ‪:1947/08/04‬‬

‫‪ -‬جريدة «‪ «La Dépéche Tunisienne‬أن الوطن القبلي هو املالذ اآلمن للمهاجرين غري النظاميني‬

‫القادمني من مرسيليا‪ ،‬ومل يقتصر اخلرب على ذلك فقط بل أشار أب ّن عدد املهاجرين مرتفعا وانّه متّ إيقاف حوايل‬

‫‪ 30‬من بعض هؤالء املهاجرين غري الشرعيني القادمني من إيطاليا (‪.)1‬‬

‫‪ .3‬مرحلة إيقاف اهلجرة وبروز ظاهرة اهلجرة النظامية‪:‬‬

‫‪ 1‬مقال جريدة ‪ Aujourd’hui‬الفرنسية الصادرة بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪ 1953‬والذي ورد به ّ‬


‫أن عدد المهاجرين غير النظاميين‬
‫من ايطاليا يقطعون ‪ 250‬كلم عبر المتوسط مرورا بسيسيليا للوصول للوطن القبلي هروبا من الموت والسجن‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫سنتعرض إىل‬
‫تطورات ع ّدة ففي تلك املرحلة مل تكن هذه الظاهرة موجودة وابلتايل ّ‬
‫إثر االستقالل عرفت ظاهرة اهلجرة ّ‬
‫خمتلف مراحل اهلجرة واهلجرة غري النظامية إىل حدود سنة ‪.2017‬‬

‫‪ ‬قبل ‪ :1985‬أين كانت الدول األوروبية ال تزال حباجة إىل اليد العاملة من دول جنوب ّ‬
‫املتوسط‪ ،‬حيث كانت‬

‫خمتصة‬
‫الوجهة الرئيسية للتونسيني هي فرنسا خاصة منذ الستينات حلاجة االقتصاد الفرنسي ليد عاملة غري ّ‬
‫إضافة إىل أ ّن فرنسا كانت تستهوي العديد من األجيال املهاجرة نظرا للتوجه الثقايف الفرنكفوين الذي اخنرطت‬

‫فيه الدولة وعدد كبري من النخب‪.‬‬

‫‪ ‬بني ‪ 1985‬و‪( :1995‬يف سنة ‪ 1986‬متّ فرض التّأشرية على التونسيني للدخول إىل إيطاليا ومت تطبيق هذا‬

‫القانون بصرامة سنة ‪.)1990‬‬

‫متيزت هذه الفرتة ببداية ظهور التناقضات املرتبطة ابملهاجرين النظاميني (تكوين عائالت وارتفاع اعدادهم)‬

‫ومزامحتهم أبناء البلد على مستوى العمالة مقابل تزايد رغبة أبناء دول جنوب حوض املتوسط يف اهلجرة‪ .‬ووافق‬

‫ذلك دخول اتفاقية شنغن املوقّعة بني كل من فرنسا وأملانيا ولكسمبورغ وهولندا حيز التنفيذ يف جوان ‪1995‬‬

‫مث التحاق اسبانيا والربتغال‪.‬‬

‫‪ ‬من ‪ 1995‬إىل ‪:2011‬‬

‫هذه املرحلة أخذت طابعا أمنيّا صارما ابلنسبة للسياسة األوروبية عرب تنفيذ مقررات "القانون اجلديد للهجرة" وتفعيل‬

‫االتفاقيات واملعاهدات‪ ،‬مقابل التزام دول جنوب املتوسط ابالتفاقيات وبتطبيق القانون بصرامة‪.‬‬

‫‪ ‬من ‪ 2011‬إىل ‪ 2017‬سنتعرض إىل ذلك من خالل جدول اإلحصائيات‪.‬‬

‫‪ .4‬نتائج دراسة ميدانية قام هبا املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫قام املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية(‪ )2‬بدراسة ميدانية لظاهرة اهلجرة غري النظامية ومتّ اختاذ جمالني للبحث‬

‫يتم عن عشوائية او اعتباط حيث متّ اختيار ريف جهة املهدية (توفرت يف جهة املهدية مجلة من‬
‫امليداين وهو اختيار مل ّ‬
‫املعطيات املوضوعية اليت رجحتها أل ّن تكون جماال للبحث – غرق مهاجرين من جهة املهدية‪ ،‬جمال ريفي وقروي كبري‬

‫قرب اجلهة جغرافيا من السواحل االيطالية) هذه العوامل أهلت اجلهة لتمثل ما يعرف يف العلوم االجتماعية ابلتجربة‬

‫اجلاهزة‪ ،‬وقد مشلت هذه التجربة ما يقارب ‪ 30‬شااب وقع تدوين حماداثهتم (مع احرتام اخلصوصية واهلوايت)‪.‬‬

‫كما وقع يف مرحلة اثنية اختيار (حي التضامن ودوار هيشر) ميداان للبحث اعتمادا على مجلة من العوامل املوضوعية‬

‫امهها الرغبة يف مقارنة اجملال الريفي والقروي ابجملال احلضري املدين وما متثله هذه األحياء من عوامل هتميش حضري‬

‫التسلل هلذين احليني نتيجة الريبة اليت‬


‫ّ‬ ‫انتج عن غياب التخطيط العمراين املنظم وتنامي الكثافة السكانية‪ .‬ورغم "عسر"‬

‫يبديها السكان متاشيا مع ثقافة "احليطة واحلذر" اليت متيّز النسق الثقايف الفرعي ألغلب القاطنني فا ّن فريق البحث مت ّكن‬

‫من دخول اجملتمع التحيت (‪ )La Société souterraine‬الذي يقبع خلف اجملتمع الرمسي من خالل االستعانة‬

‫ببعض أعوان اخلدمة االجتماعية الذين ينسجون عالقات وطيدة مع العديد من العائالت‪ ،‬إضافة إىل االستعانة ببعض‬

‫الطلبة القاطنني ابجلهة‪ ،‬حيث مت التحادث مع ما يقارب ‪ 30‬شااب‪.‬‬

‫ابالعتماد على تقنيات البحث (متّ اعتماد احملاداثت املباشرة‪ ،‬املالحظة على عني املكان‪ :‬حتليل الواثئق‪ ،‬االحصائيات)‬

‫متّ حتديد مجلة أخرى من األسباب االجتماعية واالقتصادية وخاصة النفسية ال تع ّد دافعة وضاغطة إالّ إذا اخنرطت يف‬

‫سياقات اجتماعية حمددة واستعدادات نفسية دقيقة تكون عوامل مهيأة لالخنراط يف ظاهرة اهلجرة غري النظامية‪ ،‬من‬

‫أمهّمها‪:‬‬

‫ورشة عمل المعهد التونسي للدراسات االستراتيجية – أكتوبر ‪ – 2017‬ظاهرة الهجرة غير النظامية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬
‫أ‪ -‬االنقطاع املدرسي املب ّكر‪ّ :‬‬
‫تبني من خالل البحث امليداين (‪ 20‬من ريف املهدية و‪ 29‬من حي التضامن ودوار‬

‫هيشر ممن مشلهم البحث) أ ّن غددا من هؤالء انقطعوا مب ّكرا عن الدراسة وهو ما سلبهم القدرة على التمييز وعقلنة‬

‫حل بديل خارج احلدود وابلتحديد السواحل االيطالية من خالل‬


‫األشياء وجعلهم ينخرطون يف مهمة البحث عن ّ‬
‫اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫ب‪ -‬البطالة‪ 58 :‬حالة ممن مشلهم البحث يعانون البطالة‪ ،‬حيث تدفع البطالة ّ‬
‫جل الشباب يف ظل الفراغ الثقايف‬

‫يتسم ابهلشاشة االجتماعية واالقتصادية إىل االدمان على‬


‫أي شكل حلياة مجعياتية يف واقع ريفي واسع ّ‬
‫وغياب ّ‬
‫يتحرك فيه الفاعل (الشاب‬
‫الكحول‪ ،‬املخدرات‪ ،‬تنامي ظاهرة العنف‪ ،‬عموما إنّه السياق االجتماعي العام الذي ّ‬
‫وتصرفاته ورؤاه‪ ،‬وهو ما يش ّكل ضغط على الشباب املذكور ابجتاه البحث عن‬
‫احلارق) والذي حيدد سلوكاته ّ‬
‫حل "سحري" و"جذري" من خالله يستطيعون حتقيق نقلة نوعية يف مستوى معاملتهم‪.‬‬

‫ت‪ -‬التص ّدع االجتماعي‪ :‬نتيجة للهجرة بفرعيها النظامي وغري النظامي استطاع املهاجرون أن يغريوا من مالمح‬

‫وحتولوا بذلك إىل " فئة‬


‫دشرهتم وقراهم ومنازهلم وسط األحياء الشعبية‪ ،‬فقذ غريوا منط املسكن واللباس واألكل‪ّ ،‬‬
‫" جتلب االنتباه يف حلوهلا وترحاهلا ويف تصرفاهتا واستطاعوا احتكار الرأمساليني املادي واألديب وذلك على النحو‬

‫التايل‪:‬‬

‫يف جمال رأس املال املادي‪:‬‬

‫‪ -‬استطاع املهاجرون فتح حساابت تتداوهلا ألسن شباب القرى واألحياء الشعبية ومتكنوا من بناء فيالت حديثة على‬

‫خالف أبناء القرى واألحياء ممّن مل يسافروا‪.‬‬

‫هامة وعقارات قيمة‪.‬‬


‫‪ -‬استطاع املهاجرون من شراء أراضي ّ‬
‫‪ -‬جلب املهاجرون معهم بعض السيارات والشاحنات اخلفيفة إىل جانب التجارة يف السلع اليت جيلبوهنا معهم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يف جمال رأس املال الرمزي‪:‬‬

‫وحتول بعضهم إىل وساطات لقضاء احلاجات‬


‫‪ -‬استطاع املهاجرون أن يقيموا شبكة عالقات مع " النافذين" يف اجلهة ّ‬
‫هامة للنفوذ االجتماعي‪.‬‬
‫واستحوذوا على مصادر ّ‬
‫‪ -‬متكن بعض املهاجرون من مصاهرة بعض العائالت الكربى خاصة يف الوسط الريفي ومن الزواج من صاحبات‬

‫الشهادات العليا خاصة يف األحياء الشعبية‪.‬‬

‫وابإلضافة إىل السلوك التفاخرى واالستفزازي للمهاجرين أثناء عودهتم يف إجازاهتم السنوية كل ذلك يفسر التصدع‬

‫العميق والشعور ابإلحباط لدى بقية الشباب ويقوي الرغبة لديهم يف ركوب البحر واهلجرة سواء بطريقة نظامية أو غري‬

‫نظامية‪.‬‬

‫عموما استطاعت اهلجرة القانونية منها أو غري القانونية أن تعيد صياغة السلم‪ /‬الرتاتب االجتماعي الذي مبقتضاه أصبح‬

‫املهاجرون (احلراقة) يف بعض األوساط "علية القوم" اجلدد وهو ما أصاب بعض الشباب العاطل واحلامل ابلصدمة وحىت‬

‫أصحاب الشهادات العليا الذين يالحظون ارتقاء املهاجر(احلارق) يف السلم االجتماعي احمللي مناصب تصعب على‬

‫العديد منهم‪ ،‬وقد أدى العديد من الذين مشلهم البحث امليداين إىل االقتناع أ ّن الطريق األضمن واألسرع لبناء الذات (‬

‫يكون روحوا) واملقصود بذلك طبعا االرتقاء ابملستوى املعيشي ومتلك عالمات النجاح االجتماعي هو اهلجرة غري‬
‫ّ‬
‫النظامية‪.‬‬

‫مالمح املهاجر غري النظامي "احلارق"‬ ‫‪.5‬‬

‫هل ميكن احلديث عن مالمح للمهاجر غري النظامي؟‬

‫‪27‬‬
‫إىل حدود التسعينات كانت الرغبة يف "احلرقة" حكرا على الشباب الذي يعاين ظروف اجتماعية قاسية‪ ،‬يعاين التهميش‪،‬‬

‫البطالة‪ ،‬عدم توفر الفرص‪ ،‬والرغبة يف االنفتاح على اجملتمعات األوروبية‪ ،‬حىت أنّنا نالحظ بسهولة يف األحياء الشعبية‬

‫مالحما هلؤالء ممّن حاولوا التسلّل إىل الفضاء األورويب أو يرغب يف "احلرقة" أو من الذين خاضوا جتربة "احلرقة" واخنرطوا‬

‫يف بعض النشاطات املشبوهة كاملخدرات مثال ومتّ التفطّن إليهم وطردهم إىل بلدهم األم بعد استيفاء م ّدة معينة من‬

‫العقوبة‪.‬‬

‫يف تلك الفرتة‪ ،‬كانت هذه الفئة حتاول احلديث ابللغة اإليطالية‪ ،‬حىت أ ّن بعض شباب األحياء الشعبية يلقب أبمساء‬

‫إيطالية وأمساء للعاصمة االيطالية‪ ،‬وابلضرورة جند يف كل حي شعيب شخص يسمى بــ"روما" وشخص آخر يسمى‬

‫"طليان" وذلك انعكاس لتأثر الشباب التونسي بظاهرة "احلرقة"‪ .‬ونستطيع إىل جانب النطق ببعض الكلمات ابللغة‬

‫اإليطالية أن نالحظ نوعية املالبس الرايضية اليت كان يرتديها بعض الشباب يف تلك الفرتة إىل جانب األحذية الرايضية‬

‫الرفيعة‪ ،‬إىل جانب محلهم لسالسل ذهبية متيّزهم عن بقية شباب احلي‪ ،‬كما أ ّن عدد كبري من هؤالء الشباب كانوا‬

‫يرتبطون بصفة أو أبخرى يف أحيائهم بتجارة املخدرات "الزطلة" للتعبري أبهنم جزء من شبكات حملية أو كانوا جزءا من‬

‫شبكات انشطة يف إيطاليا‪...‬‬

‫هذه رمبا صورة تقليدية ملالمح املهاجرين غري النظاميني خالل فرتة التسعينات يف تونس‪ ،‬لكن اليوم هل ميكن احلديث‬

‫عن هذه األفكار ومبثل هذه الطريقة؟‬

‫لقد أصبحت اهلجرة غري النظامية ال تقتصر على الشباب العاطل من األحياء الشعبية بل دخلت فئات اجتماعية أخرى‬

‫وأصبحت جزءا من الظاهرة‪ ،‬أصبحت الفتاة والشابة بدورها تشارك هذه التجربة‪ ،‬أصبحت بعض األمهات العازابت‬

‫يشاركن كذلك يف عملية "احلرقة" مستغلني وضعية أبنائهم لتسوية وضعياهتم يف مراكز االحتفاظ‪ ،‬أصبحنا جند أطفاال‬

‫‪28‬‬
‫التعمق يف نوعية األطفال الذين أصبحوا يعيشون نفس ظروف‬
‫يف قوارب املوت ممّن يشاركون يف هذه الرحلة ومبزيد ّ‬
‫الضغط اليت يعيشها الشباب‪ ،‬ميكن تصنيفهم إىل ‪ 03‬أصناف أساسية وهي كالتايل‪:‬‬

‫األول‪ ،‬من فاقدي السند حيث فشلت منظومة احلماية بصفة عامة‪ ،‬وابلتايل ينخرط الطفل يف مواجهة‬
‫الصنف ّ‬ ‫‪-‬‬

‫الواقع وحتديد املصري عن طريق "احلرقة"‪.‬‬

‫الصنف الثاين‪ ،‬من األطفال الذين يعيشون وضعيات اجتماعية قاسية وصعبة وينتمون لعائالت بسيطة وانقطعوا‬ ‫‪-‬‬

‫مب ّكرا عن الدراسة وابلتايل حيملون وزر حتسني ظروف العائلة االقتصادية برمتها‪ ،‬إضافة إىل إمكانية أن يعيش هذا‬

‫الصنف مشاكل طالق الوالدين والتهميش األسري‪.‬‬

‫الصنف الثالث‪ّ ،‬‬


‫يتكون من أطفال ينتمون لعائالت ميسورة نسبيّا لكن املؤثرات اخلارجية جعلتهم يتوقون‬ ‫‪-‬‬

‫خلوض غمار جتربة "احلرقة" بغية ابراز الذات أمام األقران‪.‬‬

‫إىل جانب النساء‪ ،‬األطفال‪ ،‬أصبحنا جند من بني "احلارقني" شباب يتمتعون مبستوى تعليمي مرتفع‪ ،‬وحىت من أصحاب‬

‫لعل اخنراط الشباب‬


‫لعل فرتة ما بعد ‪ 2011‬تثبت اخنراط الشباب املتعلّم يف ظاهرة اهلجرة غري النظامية و ّ‬
‫الشهائد و ّ‬
‫املتعلّم يف "احلرقة" جيد منطقا يف انسداد األفق والظروف االقتصادية الصعبة اليت يعيشها الشباب يف تونس‪.‬‬

‫وما يؤّكد هذه الفكرة هو مسألة هجرة األدمغة والكفاءات والباحثني الذين اختاروا اهلجرة حبثا عن فرص أفضل وابلتايل‬

‫لعل سعي احلكومة التونسية خالل‬


‫يصبح هاجس مغادرة البالد مسألة خطرية جيب الوقوف عندها والبحث فيها‪ ،‬و ّ‬
‫ندوة "الكفاءات التونسية ابخلارج تونس ‪ "2030‬إىل إعداد اسرتاتيجية كاملة الستقطاب هذه الكفاءات‪ ،‬خري دليل‬

‫على ذلك‪ ،‬وحسب استبيان اجنزه مركز تونس للبحوث االسرتاتيجية فإ ّن ‪ %83‬من الكفاءات التونسية ترغب يف اهلجرة‬

‫حبثا عن فرص أفضل (استبيان مشل ‪ 250‬شخصا من الكفاءات)‪ ،‬كما أ ّن ‪ % 55‬من الطلبة التونسيني ابخلارج‪ ،‬ال‬

‫يعودون إىل تونس‪ ،‬بل يستقرون أبورواب للعمل هناك‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫عامة فإ ّن الصعوابت االقتصادية وتنامي البطالة دفع أبصحاب الشهائد إىل البحث عن فرص أخرى يف أورواب‬
‫وبصفة ّ‬
‫حىت ولو كان من خالل "احلرقة"‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫االحصائيات واملسالك‬ ‫‪.III‬‬

‫االحصائيات‬ ‫‪.1‬‬

‫احصائيات املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية‬

‫متيّزت الفرتة من ‪ 2011‬إىل اآلن هبجرة أكثر من ‪ 20‬ألف تونسي ّإابن الثورة وهو ما ش ّكل صدمة لبالدان وللدول‬

‫عامة‪.‬‬
‫األوروبية وهتديدا لكل من إيطاليا وفرنسا مثّ ألورواب بصفة ّ‬

‫عدد التونسيني‬ ‫عدد اجملتازين‬


‫عدد التونسيني‬ ‫عدد احملتجزين‬ ‫عدد احملتجزين‬ ‫عدد‬
‫اجملتازين عبد املنافذ‬ ‫اللذين وصلوا‬
‫اجملتازين عرب املوانئ‬ ‫األجانب الذين‬ ‫التونسيني الذين‬ ‫العمليات‬ ‫السنة‬
‫الرمسية ابستعمال‬ ‫حسب املصادر‬
‫التجارية‬ ‫متّ إيقافهم‬ ‫مت إيقافهم‬ ‫احملبطة‬
‫واثئق مدلسة‬ ‫اإليطالية‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪26710‬‬ ‫‪1196‬‬ ‫‪6399‬‬ ‫‪283‬‬ ‫‪2011‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪2147‬‬ ‫‪255‬‬ ‫‪975‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪2012‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪759‬‬ ‫‪534‬‬ ‫‪586‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪2013‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1525‬‬ ‫‪499‬‬ ‫‪692‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪2014‬‬
‫‪153‬‬ ‫‪672‬‬ ‫‪842‬‬ ‫‪922‬‬ ‫‪889‬‬ ‫‪71‬‬ ‫‪2015‬‬
‫‪234‬‬ ‫‪1261‬‬ ‫‪1100‬‬ ‫‪97‬‬ ‫‪938‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪2016‬‬
‫‪184‬‬ ‫‪1815‬‬ ‫‪5031‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪2443‬‬ ‫‪253‬‬ ‫‪2017‬‬
‫اجملموع خالل ‪03‬‬ ‫اجملموع خالل ‪03‬‬ ‫‪38114‬‬ ‫‪3533‬‬ ‫‪12922‬‬ ‫‪930‬‬ ‫اجملموع‬
‫سنوات ‪571‬‬ ‫سنوات ‪3748‬‬ ‫خالل ‪07‬‬
‫سنوات‬
‫املصدر‪ :‬ورشة عمل املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية – أكتوبر ‪ – 2017‬ظاهرة اهلجرة غري النظامية‬

‫يف قراءة حلصيلة السبع سنوات األخرية منذ ‪ 2011‬واىل سنة ‪ , 2017‬متّ احباط ‪ 930‬عملية هجرة غري نظامية‪.‬‬

‫أسفرت العمليات احملبطة من ‪ 2011‬اىل ‪ 2017‬عن إيقاف ‪ 12922‬من التونسيني و‪ 3533‬من األجانب‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫لكن ابلرغم من اجملهودات املبذولة من السلطات التونسية للتص ّدي للهجرة غري النظامية‪ ،‬فان العدد اجلملي‬

‫للمجتازين الذين وصلوا اىل األراضي اإليطالية بلغ ‪.38114‬‬

‫هذا االرتفاع سنة ‪ 2011‬يف عدد اجملتازين يعود ابألساس اىل الظروف اليت عاشتها البالد التونسية‪ ،‬ليصل عدد‬

‫اجملتازين الذين وصلوا األراضي اإليطالية اىل ‪.26710‬‬

‫عمليات اهلجرة غري النظامية احملبطة‬

‫‪32‬‬
‫عمليات اهلجرة غري النظامية احملبطة (انطالقا من السواحل التونسية)‬

‫* وإىل حدود شهر اكتوبر ‪ 2017‬توزعت عمليات اهلجرة غري النظامية بني ‪ 10‬والايت تونسية ساحلية لتتص ّدر‬

‫والية صفاقس القائمة وخاصة جزيرة قرقنة يف العمليات اليت متّ إحباطها (‪ 62‬عملية) مثّ والية انبل (حوايل‪34‬‬

‫عملية) بنزرت (‪ 24‬عملية) جرجيس (‪11‬عملية)‪ .‬وما يالحظ ابلنسبة للتوزيع الزمين لعمليات اهلجرة النظامية‬

‫ليتم إحباط حوايل‬


‫احملبطة إرتفاع وترية هذه العمليات إنطالقا من شهر أوت ‪ 2017‬حيث متّ إحباط ‪ 36‬عملية ّ‬
‫‪ 69‬عملية خالل شهر سبتمرب و‪ 78‬عملية حىت شهر أكتوبر ‪.2017‬‬

‫املختصة‬
‫ّ‬ ‫ان عودة ارتفاع حموالت اهلجرة غري النظامية مع تضاعف اجملهودات اليت تقوم هبا خمتلف املصاحل األمنية‬

‫ّأدى اىل احباط ‪ 102‬حماولة هجرة غري نظامية سنة ‪ 2016‬تشمل ‪ 1035‬جمتاز وكذلك اىل احباط ‪253‬‬

‫حماولة هجرة غري نظامية سنة ‪ 2017‬تشمل حوايل ‪ 2747‬جمتاز‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫االحصائيات على املستوى الدويل )احصائيات املنظمة الدولية للهجرة(‬

‫‪34‬‬
‫املسالك‬ ‫‪.2‬‬

‫مسالك اهلجرة غري النظامية يف اجتاه أورواب‪:‬‬

‫‪ ‬املسالك عرب تونس‬

‫تتخذ اهلجرة غري النظامية أغلب املسالك التالية‪:‬‬

‫* حمور الوطن القبلي والشمال‬

‫بنزرت – سيسيليا‪ 104 :‬ميل حبري‬


‫قليبية– سيسيليا‪ 84 :‬ميل حبري‬
‫قليبية– بنتالراي‪ 41 :‬ميل حبري‬

‫* حمور منطقة الساحل واجلنوب‪:‬‬

‫‪ 67 :‬ميل حبري‬ ‫املهدية – ملبيدوزة‬


‫اللوزة – ملبيدوزة‪ 83 :‬ميل حبري‬
‫قرقنة– ملبيدوزة‪ 68:‬ميل حبري‬
‫احملرس – ملبيدوزة ‪ 124 :‬ميل حبري‬
‫‪ 140 :‬ميل حبري‬ ‫جرجيس – ملبيدوزة‬

‫تتع ّدد مسالك اهلجرة غري النظامية انطالقا من تونس ابجتاه إيطاليا‪ .‬وتتع ّدد هذه املسالك من السواحل اجلنوبية للبالد‬

‫التونسية اىل سواحل الوطن القبلي‪.‬‬

‫ابلنسبة حملور الوطن القبلي والشمال‪ ،‬ختتلف املسالك انطالقا من بنزرت ابجتاه سيسيليا وكذلك انطالقا من قليبية‬

‫كل من سيسيليا وبنتالراي حيث تفصل بني ‪ 40‬و‪ 80‬ميل حبري السواحل التونسية عن السواحل‬
‫واهلوارية ابجتاه ّ‬
‫اإليطالية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ابلنسبة حملور الوسط تتع ّدد مسالك اهلجرة غري النظامية انطالقا من شواطئ سوسة واملهدية يف اجتاه ملبيدوزة لتكون‬

‫املسافة الفاصلة بينهما بني ‪ 70‬و‪ 80‬ميل حبري‪.‬‬

‫كذلك جند يف الوسط والية صفاقس كأهم نقاط انطالق ملسالك العبور غري النظامية يف اجتاه ملبيدوزة واليت ال تبعد عن‬

‫سواحل صفاقس سوى ‪ 124‬ميل حبري‪.‬‬

‫أما ابلنسبة حملور اجلنوب‪ ،‬تكون نقاط االنطالق للهجرة غري النظامية من سواحل جربة و جرجيس يف اجتاه ملبيدوزة و‬

‫اليت تعترب أكثر املناطق اإليطالية استقباال للمهاجرين غري النظاميني‪.‬خريطة املسالك البحرية عرب تونس‬

‫املصدر‪ :‬ورشة عمل مبقر املعهد التونسي للدراسات االسرتاتيجية أكتوبر ‪.2017‬‬

‫املسالك عرب افريقيا‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وخاصة منها غرب افريقيا ودول الساحل والصحراء يقوم عدد‬


‫ّ‬ ‫نظرا للظروف القاسية اليت تعيشها بعض الدول االفريقية‬

‫كبري من الشباب والنساء واألطفال مبغامرة احلياة عرب الصحراء للوصول إىل مشال إفريقيا ومنها للقيام مبغامرة املوت عرب‬

‫املتوسط‪ ،‬عرب ‪ 03‬دول بصفة عامة (ليبيا‪ -‬تونس‪ -‬املغرب) وتتعدد املسالك كالتايل‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬طريق السينيغال‪ -‬موريطانيا – جزر الكناري‪ -‬اسبانيا‪.‬‬

‫‪ -‬طريق ابماكو – قاو‪( -‬مايل) ‪-‬اجلزائر – وجدة ‪-‬مليلية‪ -‬اسبانيا‪.‬‬

‫‪ -‬طريق (غاان‪ -‬نيجرياي‪ -‬الكامرون) التجمع يف النيجرياي مت ابجتاه سبها‪ -‬طرابلس ليبيا فايطاليا‪ -‬ملبدوزة‪.‬‬

‫‪ -‬طريق القرن االفريقي (كينيا‪ -‬الصومال‪ -‬أثيوبيا) ‪ -‬السودان‪ -‬ليبيا‪ -‬إيطاليا‪.‬‬

‫املتوسط من داخل إفريقيا‬


‫خريطة املسالك إىل ّ‬

‫‪37‬‬
‫خريطة مسالك دول الساحل والصحراء والغرب اإلفريقي‬

‫خريطة مسالك القرن اإلفريقي والشرق اإلفريقي‬

‫‪38‬‬
‫املسالك عرب املتوسط‬ ‫‪‬‬

‫إ ّن مسالك املهاجرين غري النظاميني ال تقتصر على دول مشال افريقيا بل هناك عدّة مسالك نستعرضها كالتايل‪:‬‬

‫‪ -‬طريق غرب البلقان‪ :‬حيث متّ تسجيل ‪ 9.964‬حالة عبور غري نظامية (من جانفي إىل أكتوبر ‪ )2017‬من‬

‫البلدان التالية (الباكستان ‪ – 3.560‬أفغانستان ‪ – 2.875‬العراق ‪.)802‬‬

‫‪ -‬طريق شرق املتوسط‪ :‬حيث متّ تسجيل ‪ 33.779‬حالة عبور غري نظامية (من جانفي إىل أكتوبر ‪ )2017‬من‬

‫البلدان التالية‪( :‬سوراي ‪ – 13.115‬العراق ‪ – 5.747‬أفغانستان ‪.)3.238‬‬

‫‪ -‬طريق احلدود الشرقية‪ :‬حيث متّ تسجيل ‪ 588‬حالة عبور غري نظامية (من جانفي إىل أكتوبر ‪ )2017‬من البلدان‬

‫التالية‪( :‬فيتنام ‪ -178‬أوكرانيا ‪ – 82‬روسيا االحتادية ‪.)62‬‬

‫‪ -‬طريق غرب افريقيا‪ :‬حيث متّ تسجيل ‪ 244‬حالة عبور غري نظامية (من جانفي إىل أكتوبر ‪ )2017‬من البلدان‬

‫التالية‪( :‬السنيغال ‪ – 95‬املغرب ‪ – 71‬غينيا ‪.)37‬‬

‫املتوسط‪ :‬حيث مت تسجيل ‪ 112.103‬حالة عبور غري نظامية (من جانفي إىل أكتوبر ‪ )2017‬من‬
‫‪ -‬طريق وسط ّ‬
‫البلدان التالية (نيجرياي ‪ -17.467‬غينيا ‪ – 9.374‬ساحل العاج ‪.3)8.940‬‬

‫‪ www.informigrants.net3‬هم ج ن ز ‪.2017‬‬

‫‪39‬‬
‫أسباب اهلجرة غري النظامية‬ ‫‪.IV‬‬

‫إ ّن املتأمل يف السياسة الدولية ملكافحة ظاهرة اهلجرة غري النظامية يالحظ حرص الدول األوروبية عقد االتفاقيات‬

‫املشرتكة والثنائية مع دول مشال املتوسط والدول االفريقية الدارة اهلجرة ‪ .‬حيث تقوم الدول األوروبية بتطوير قدرات‬

‫أعوان احلدود ومصاحل اجلمارك حول آخر مستجدات تزويد جوازات السفر‪ ،‬ودعم الدول املص ّدرة للمهاجرين غري‬

‫املزورة وغريها من الواثئق اليت تش ّكل هتديدا لألمن‬


‫النظاميني بتجهيزات حتتوي آخر تقنيات الكشف عن اجلوازات ّ‬
‫وخاصة ملوظّفي دول‬
‫ّ‬ ‫واالستقرار)‪ .‬ونفس الشيء ابلنسبة لآلليات البحرية من خالل القيام بدورات لتطوير القدرات‬

‫مشال إفريقيا (تونس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬مصر‪ ،‬اجلزائر‪ ،‬املغرب)‪.‬‬

‫ليتم يف مرحلة الحقة ترحيل املهاجرين غري‬


‫إىل جانب هذه اإلجراءات تقوم الدول األوروبية إبنشاء مراكز احتفاظ ّ‬
‫يصور "احلارق" أو "املهاجر غري النظامي" مثاال للشباب الذي جيري وراء سراب‬
‫النظاميني إىل بلداهنم‪ ،‬ويف هذا املستوى ّ‬
‫ومكسب سهل أو كخطر على األمن‪ .‬ولكن ما ميكن أتكيده أ ّن ظاهرة اهلجرة غري النظامية ليست مسألة ظرفية تتعلّق‬

‫بوضع اسرتاتيجية أمنية وإرجاع "احلارقني" إىل بلداهنم بعد االحتفاظ هبم مل ّدة زمنية معينة بل جيب وضع بدائل وحلول‬

‫عملية أل ّن ما يفكر به الشباب غري الذي تفكر به األنظمة واحلكومات‪.‬‬

‫يربر عدد كبري من الشباب رغبته يف السفر إىل اخلارج حبثا عن مالذ آمن وطريقة حياة أفضل من اليت‬
‫عامة ّ‬
‫بصفة ّ‬
‫يعيشها‪ ،‬يغادر الشباب وأصبحنا نرى ع ّدة أصناف من احلارقني‪ ،‬حيث أصبحنا جند األطفال والنساء‪ ،‬والشاابت‪،‬‬

‫والعائالت‪ ،‬للبحث عن منط حيايت جديد‪ ،‬للبحث عن فرص أفضل للحياة والعمل‪ ،‬لضمان مستقبل األبناء وللبحث‬

‫وأتزم نفسياهتم‪ ،‬كذلك يغادرون الحنراف البعض‬


‫عن النجاح‪ ،‬يغادرون لتعرضهم للظلم‪ ،‬يغادرون لشعورهم ابلضغط ّ‬

‫التعمق يف‬
‫رغم أ ّن ظروفهم يف بلدهم األم لو توفّرت لغريهم ملا أقدموا على "احلرقة" كل هذه األفكار تستوجب مزيد ّ‬
‫أسباب "احلرقة" ونتائجها إلجياد احللول املالئمة‪ .‬فما هي أبرز هذه األسباب؟‬

‫‪40‬‬
‫‪ .1‬األسباب االقتصادية‪:‬‬

‫وتتلخص‬
‫وهي أهم األسباب اليت تدفع األفراد خلوض هذه املغامرة دون اكرتاث مبا يكتنفها من خماطر أو خمالفات قانونية ّ‬
‫هذه األسباب فيما عاانه هؤالء املهاجرون يف أوطاهنم من بطالة أو اخنفاض يف األجور وتدين مستوى املعيشة‪ ،‬ويف‬

‫مقابل ذلك تطلّعهم إىل اجلنة املوعودة يف بالد املهجر واليت تتمثل يف األجور اجملزية وتسهيالت البحث العلمي والتقدير‬

‫الذي يلقاه املوهوبون إىل غري ذلك من العوامل اليت جتذب األفراد والكفاءات إىل هذه البلدان‪.‬‬

‫وخيتلف العامل االقتصادي يف حد ذاته ابختالف مصدر اهلجرة فإذا كانت شرحية املهاجرين من إفريقيا جنوب صحراء‬

‫فهي مدفوعة بعامل الفقر والعوز الشديد الذي قد يصل إىل حد العجز عن توفري الغذاء‪ ،‬وهو ما يفسر إصرار تلك‬

‫الشرائح على العبور إىل أورواب مهما كان الثمن‪ ،‬مواجهة بذلك كل خماطر عبور البحر وخماطر اجتياز الصحراء أوال‪ ،‬أما‬

‫الشرحية الثانية من حماويل اهلجرة غري النظامية فتكون مدفوعة ابلطموح إىل حتسني الوضع املادي وحتقيق الرفاهية‪.‬‬

‫وهكذا تلعب العوامل االقتصادية دورا كبريا ودافعا قواي حمركا للهجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ .2‬األسباب االجتماعية‪:‬‬

‫ترتبط الدوافع االجتماعية ابلدوافع االقتصادية ارتباطا وثيقا فالبطالة وتدين مستوايت املعيشة على الرغم من كوهنا عوامل‬

‫اقتصادية إال أهنا ذات انعكاسات اجتماعية ونفسية وأمنية سلبية يف اجملتمع الذي تنشأ فيه‪.‬‬

‫فاألفراد يتطلّعون إىل اهلجرة بدافع حلم النجاح االجتماعي أو حبثا عن الوجاهة االجتماعية املفقودة يف بلداهنم بفعل‬

‫البطالة والفقر ويندفعون حنو اهلجرة وقبول املخاطرة إىل ح ّد أهنم قد يقبلون فيه أبي عمل –سعيا وراء حتقيق أحالمهم‬

‫فتحولت فكرة اهلجرة إىل عملية ضرورية مل ّدة سنتني أو مخس سنوات يتم خالهلا مجع أكرب قدر من امل ّدخرات الالزمة‬
‫ّ‬
‫للزواج وتوفري مسكن الئق ومشروع صغري الستكمال مسرية احلياة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وتبعا لذلك فإن الفشل يف حل املشكالت االجتماعية املتمثلة يف الفقر واجملاعة والبطالة واألمراض وشعور األفراد ووعيهم‬

‫حبدة ووطأة هذه املشكالت مقابل ما يرونه يف الضفة األخرى من إغراءات ورغبتهم يف حتسني وضعيتهم املعيشية وحتقيق‬

‫حلمهم ابهلجرة من جهة ومن جهة أخرى نظرا لإلجراءات األمنية الصارمة‪ ،‬وعدم السماح هلم بدخول دول االستقبال‪،‬‬

‫يتعرضوا إليها‪ ،‬أقساها املوت غرقا يف عرض‬


‫يكون عامل ضغط إىل اهلجرة غري النظامية رغم مجيع املخاطر اليت ميكن أن ّ‬
‫البحر‪.‬‬

‫وهكذا تصبح األوضاع االجتماعية إحدى دوافع الشباب إىل اهلجرة إىل البلدان الغنية وهذا ما ّأدى إىل انتشار ظاهرة‬

‫حىت بصورة غري نظامية‪.‬‬


‫اهلجرة ّ‬

‫‪ .3‬األسباب السياسية‪:‬‬

‫تؤدي الصراعات السياسية ونظم احلكم اجلائرة إىل هروب نسبة كبرية من املواطنني إىل الدول اجملاورة األكثر دميقراطية‬

‫أو اليت يشيع فيها اهلدوء والسالم‪.‬‬

‫ولكن احلروب الدولية واحلروب األهلية أتيت على رأس قائمة الدوافع السياسية اليت تؤدي إىل اهلجرة إىل أي بلد آخر‬

‫حيث األمن واالستقرار‪ ،‬فإذا مل يفتح هذا البلد حدوده هلؤالء املنكوبني الفارين من جحيم احلروب بطريقة مشروعة‪ ،‬فال‬

‫خيار أمامهم سوى اهلجرة غري النظامية مهما كانت العواقب‪.‬‬

‫وقد شهدت املنطقة العربية سلسلة من األحداث والصراعات واحلروب اليت جعلتها من بني أكثر املناطق توترا يف العامل‪،‬‬

‫فقد شهد العراق أكثر احلروب ضراوة يف العقود األخرية كحرب اخلليج األوىل والثانية‪.‬‬

‫أما السودان فمازال يعاين حرواب يف جنوبه وغربه‪ ،‬هذا ابإلضافة إىل ما تشهده بعض البلدان العربية يف اآلونة األخرية‬

‫من زعزعة النظام ونشوب ثورات شعبية من أجل إسقاط النظام وكل ما تبع ذلك من نشوء مجاعات إرهابية وانعدام‬

‫‪42‬‬
‫األمن واالستقرار ومثال ذلك الوضع احلايل يف كل من سوراي واليمن وليبيا‪ ،‬ويضاف إىل مجيع هذه احلاالت االحتالل‬

‫اإلسرائيلي لألراضي الفلسطينية‪ ،‬ويف ظل هذه األوضاع السياسية وغياب األمن الذي يشكل إحدى ركائز التنمية تواجه‬

‫شرائح جمتمعية متعددة السيما الشباب آفاق مسدودة لذلك يلجأ الشباب إىل اهلجرة سواء النظامية أو غري النظامية‬

‫سعيا وراء األمن والسالمة‪.‬‬

‫‪ .4‬األسباب البيئية‪:‬‬

‫متثل البيئة أحد أهم العوامل الطاردة واجلاذبة يف ذات الوقت‪ ،‬ابعتبار أن البيئة وعلى مر التاريخ كان هلا دور أساسي يف‬

‫نشأة وزوال العديد من احلضارات واجملتمعات‪ ،‬فالعوامل املناخية السيئة والتقلبات املناخية والكوارث اإليكولوجية‪ ،‬تدفع‬

‫كل سنة أبعداد بشرية هائلة للحراك واهلجرة السيما يف اجملتمعات والدول ذات البنيات واهلياكل االقتصادية اهلشة واليت‬

‫تعتمد على الزراعة‪ ،‬ابإلضافة إىل انعدام العدالة يف التوظيف وتوزيع الثروات‪.‬‬

‫املشجعة على اهلجرة‪:‬‬


‫ّ‬ ‫‪ .5‬بعض الدوافع‬

‫صورة النجاح االجتماعي الذي يظهره املهاجر عند عودته إىل بلده لقضاء العطلة‪ ،‬حيث يتفاىن يف إبراز مظاهر الرفاه‬

‫املادي‪ :‬سيارة‪ ،‬هدااي‪ ،‬استثمار يف العقارات اخل‪ ...‬كل هذه املظاهر تغذيها وسائل اإلعالم املرئية‪ .‬وهكذا يرى من حيلم‬

‫ابالنتقال واهلجرة إىل الضفة الغربية أهنا مدينة األحالم واجلنة املنتظرة وأهنا األمل الوحيد يف حتقيق ما يرغب به أي شاب‬

‫طموح ومتطلع إىل غد أفضل حىت لو كان ذلك بطرق غري نظامية وعلى حساب حياته أيضا‪.‬‬

‫الظروف القانونية‪ :‬ابلنسبة ملن اجتازوا احلدود الربية أو البحرية البد من مالحظة ليونة بعض قوانني اهلجرة اليت متكن‬

‫من احلصول على إذن اإلقامة بشكل أقل تعقيدا يف إيطاليا اليت عادة ما يقصدها الشباب املهاجرون من تونس قبل‬

‫غريها من دول البحر األبيض املتوسط لقرهبا من البالد التونسية مقارنة مع بقية الدول األوروبية اجملاورة حيث‬

‫‪43‬‬
‫توفر السلطات اإليطالية للناجني من الغرق وسائل العيش فور وصوهلم إىل موانئ الدولة مث حيتجز البالغني منهم ملدة‬

‫زمنية للتعرف على هويتهم يف مراكز احتجاز جمهزة ابلطعام واملياه والعالج ومن مث تعيدهم إىل بالدهم على نفقتها‬

‫اخلاصة ويف حالة مرور الفرتة القانونية دون التعرف على هويتهم يتم إخالء سبيلهم بشرط مغادرة البالد يف فرتة زمنية‬

‫حم ّددة‪ .‬وهو دوما ما يتجاهله عدد من "احلارقني" لالنتشار يف كامل أورواب‪ ،‬ليشكلوا بذلك خطرا على الدول األوروبية‬

‫وعلى األمن العام‪.‬‬

‫‪ .6‬العوامل النفسية والذاتية‪:‬‬

‫احلل املالئم جلميع مشاكله‪ ،‬فإ ّن املهاجر غري‬


‫إىل جانب وقوع "احلارق" فريسة تصوير السمسار أب ّن "احلرقة" هي ّ‬
‫حل جاهز يتسلمه مباشرة بنجاح عملية "احلرقة" حيث يضع أمام‬
‫النظامي يعتقد أ ّن أورواب واجلانب اآلخر من البحر‪ّ ،‬‬
‫خاصة إذا كان احلارق متعلّما والذين جنحوا من‬
‫عينيه مناذجا سبقته وجنحت يف عملية "احلرقة" ال تفوته يف أي شيء ّ‬
‫قبله من غري املتعلمني‪ ،‬حيث تؤّكد الدراسات احلديثة أ ّن هناك خالاي تنشط يف املخ وتفرز مواد "حم ّفزة" حني يشعر‬

‫ويتصرف وكأنّه حتت أتثري خم ّدر‪ ،‬رغم توفّر معطيات‬


‫الشخص أنّه سوف حيصد أمواال وجناحا وهو ما يساهم يف اندفاعه ّ‬
‫أ ّن عدد كبري من الشباب الذي يركب مراكب "للحرقة" يستهلكون املخدرات قبل العملية لتجاوز اخلوف ولتكون عامال‬

‫للدفع أمام رحلة املوت‪.‬‬

‫إذا بصفة عامة يكون الدافع النفسي أحد الدوافع املباشرة يف عملية اهلجرة النظامية فهل هناك عوامل أخرى؟‬

‫‪ .7‬دور اإلعالم ‪ /‬سيف ذو ح ّدين‪:‬‬

‫إ ّن الثورة اإلعالمية اليت يعرفها العامل جعلت منه قرية متقاربة املسافات فإىل جانب ثورة اهلوائيات كان لالنرتنيت ووسائل‬

‫التواصل االجتماعي األثر الكبري يف تغيري األفكار‪ ،‬وتسهيل كل شيء على شباب طموح يسعى للتغيري نظرا النسداد‬

‫األفق أمامه وملشاهدته صور ومناذج حياتية أفضل‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫تقوم وسائل اإلعالم من خالل ع ّدة برامج بنقل صور مشرقة عن أورواب ال سيما الربامج الشبابية اليت تصور النجاحات‬

‫وتصور منط عيش الشباب وهو ما جنده يف كليبات "الرأي" اليت أثّرت على الشباب التونسي أتثريا كبريا من خالل‬
‫ّ‬
‫يصعده البعض يف عمليات "احلرقة"‪.‬‬
‫ماليني املشاهدات اليت ترتك أثرا نفسيا داخل هؤالء ّ‬

‫املتوسط‬
‫وتصور صعوبة العيش يف اجلانب اآلخر من ّ‬
‫تصور بعض وسائل اإلعالم خطورة عملية "احلرقة" ّ‬
‫ويف املقابل ّ‬
‫ولكن ما مدى أتثري ذلك أمام ّقوة دفع للشباب املراهق الذي يعيش بدوره احللم حنو األفضل‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫نتائج اهلجرة غري النظامية وانعكاساهتا‬ ‫‪.V‬‬

‫يف البداية كانت النظرة املصاحبة للهجرة بصفة عامة وللهجرة غري النظامية بصفة خاصة إجيابية‪ ،‬حيث كانت اهلجرة‬

‫مرغوبة من الطرفني "البلدان املص ّدرة للمهاجرين والبلدان املستقبلة هلم" ابعتبار أن هناك استفادة للطرفني‪ .‬فالدول‬

‫املص ّدرة للمهاجرين تتمتع بطاقة بشرية كربى لكنها تعاين من ضعف اقتصادي أما الدول املستقبلة فتتمتع ابقتصاد قوي‬

‫حتوالت اقتصادية واجتماعية أصبحت‬


‫وفائض مايل كبري ولكنها تفتقر إىل اليد العاملة‪ ،‬ومع مرور الوقت وحدوث ّ‬
‫اهلجرة غري النظامية مشكلة تؤرق الدول املستقبلة هلؤالء املهاجرين وعلى رأسها دول أورواب اليت تعترب املقصد األول‬

‫للمهاجرين غري النظاميني من دول مشال إفريقيا‪.‬‬

‫وتبعا لذلك أصبحت للهجرة غري النظامية آاثر عديدة‪ ،‬على خمتلف اجلوانب األمنية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫فهي عامل مساهم يف ظهور اجلرائم على خمتلف أنواعها‪ ،‬كما أهنا مصدر النتشار األوبئة واألمراض على اختالفها‪،‬‬

‫ابإلضافة إىل أتثريها على املهاجر نفسه الذي قد جيد صعوبة يف التكيف مع وضعيته من أبرز اآلاثر اليت ختلفها‬

‫اهلجرة غري النظامية‪:‬‬

‫‪ .1‬النتائج االقتصادية والتنموية‬

‫للهجرة غري النظامية أتثريات متنوعة تتوزع بني اإلجيابية والسلبية لكل من الدول املص ّدرة للمهاجرين أو املستقبلة هلا‪.‬‬

‫ابلنسبة للدول املستقبلة للمهاجرين هناك بعض النتائج اإلجيابية فقد أصبح هؤالء الشباب القوة املنتجة واملثمرة يف‬

‫اقتصادايت هذه الدول واليت بفضلهم استطاعت أن حتقق قدرا كبريا من التطور االقتصادي وزايدة يف الدخل الوطين‬

‫حقق ازدهارا ورفاهة جملتمعاهتا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ومع ذلك فاألمر ال خيلو من بعض النتائج السلبية من الناحية االقتصادية هلذه الدول واليت تتمثل يف خلق عدم توازن‬

‫بني العرض والطلب نتيجة كثرة اليد العاملة املتسللة للدولة وظهور سوق موازية لليد العاملة اليت تقبل أبجور أقل وشروط‬

‫عمل قاسية ابإلضافة إىل تزايد نسبة البطالة بني اليد العاملة اهلامشية والضغط على املرافق العامة و اخلدمات األساسية‬

‫وانتشار املشاريع الومهية مما أدى إىل تزايد جرائم غسل األموال وتبعا لذلك حتولت النظرة اإلجيابية هلؤالء املهاجرين إىل‬

‫نظرة سلبية وأصبحوا ميثلون خطرا على األمن واالستقرار وأصبحوا مطالبني ابلرحيل‪.‬‬

‫أما ابلنسبة للدول املص ّدرة للمهاجرين فإن إجيابيات هذه الظاهرة تتمثل يف التحويالت املالية اليت تتدفق عليها من‬

‫مواطنيها املهاجرين واليت تساهم يف عملية التنمية االقتصادية وحتسن مستوى العيش‪.‬‬

‫ومع ذلك للهجرة غري النظامية انعكاسات سلبية على الدول املص ّدرة هلا وتتمثل يف التزايد الكبري لعدد املهاجرين مما‬

‫يؤدي إىل نقص فادح يف اليد العاملة ابإلضافة إىل اإلحباط الذي يصيب اليد العاملة احمللية اليت قد تفقد الثقة ابلدولة‬

‫وتشعر بعدم الوالء للمؤسسات الوطنية إذا قامت مبقارنة مبا يتقاضاه العامل يف بلدها وما يتقاضاه العامل يف دول‬

‫املهجر‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإنه على الرغم مما جتلبه التحويالت املالية ملهاجري البلدان املص ّدرة لليد العاملة من عملة صعبة فإهنا‬

‫ال تفيد يف عملية التنمية حيث أن هذه التحويالت ال تذهب ابلضرورة إىل قنوات االستثمار اإلنتاجية وغالبا ما تذهب‬

‫إىل اجملاالت ذات الرحبية السريعة مما يؤدي إىل زايدة يف نسبة التضخم يف هذه الدول نتيجة تطور نسبة اإلنفاق‬

‫االستهالكي‪.‬‬

‫‪ .2‬انعكاسات اهلجرة غري النظامية يف اجملال الصحي‪:‬‬

‫للهجرة غري النظامية انعكاسات سلبية على اجملال الصحي تتجلى يف الظروف الصعبة إلقامة املهاجرين يف البيوت‬

‫القصديرية وعلى قارعة الطريق فهؤالء املهاجرين قد يكونون عرضة للعديد من األمراض‪ ،‬إضافة إىل انعدام اإلمكانيات‬

‫‪47‬‬
‫املالية الالزمة لديهم للوصول اىل العالج‪ ،‬فغالبيتهم ال يدخلون يف مظلة التأمني الصحي على قدر املساواة مع غريهم‬

‫من املهاجرين النظاميني واملقيمني بصفة قانونية‪.‬‬

‫وتبعا لذلك يتزايد ضعف املهاجرين إزاء اإلصابة ابالضطراابت النفسية وتعاطي املخ ّدرات وإدمان الكحول والعنف‬

‫ابإلضافة إىل عدم استفادهتم من تعويضات الضمان االجتماعي الوطين وبرامج التأهيل عند إصابتهم أبمراض أو‬

‫عاهات ألسباب مهنية‪.‬‬

‫‪ .3‬انعكاسات اهلجرة غري النظامية على اجملتمع‬

‫للهجرة غري النظامية انعكاسات على جمتمعات البلدان واملؤسسات ذات العالقة هذا إضافة إىل أتثريها االجتماعي‬

‫املباشر على املهاجر غري النظامي الذي قد يتعرض للموت يف البحر‪ .‬ومن أهم االنعكاسات التفكك األسري‬

‫واالجتماعي حيث ان املهاجر حيدث تفككا أسراي بعد أن يرتك أسرته وأهله وذويه‪ ،‬ويف مجيع األحوال سيقتلع‬

‫املهاجر من روابط اجتماعية مبا يف ذلك أقرب رابطة وهي األسرة وهو ما سيؤثر على استقراره االجتماعي وانتمائه‬

‫اإلنساين وكذلك على روابطه يف وطنه األم‪.‬‬

‫وتبعا لذلك تربز العديد من االنعكاسات االجتماعية السلبية الناشئة عن ظاهرة اهلجرة غري النظامية سواء يف البلدان‬

‫املستقبلة للمهاجرين أو يف البلدان املص ّدرة هلم على ح ّد السواء‪.‬‬

‫فإن غياب الزوج عن حمل الزوجية يفقد األطفال السند الرئيسي يف تربيتهم مما قد ينجم عنه نسبة كبرية من األطفال‬

‫والشباب املنحرفني أخالقيا وسلوكيا وتزايد نسبة الطالق لغياب الزوج مدة طويلة عن حمل الزوجية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ .4‬انعكاسات اهلجرة غري النظامية يف اجملال األمين‬

‫وتنوعها وتزيد من‬


‫يشكل هاجس األمن املشكلة األكرب واألخطر‪ ،‬حيث تزيد هذه الظاهرة من ح ّدة معدالت اجلرمية ّ‬
‫خطورهتا عند عدم التعرف على هوية مرتكبها‪ ،‬كما قد تؤدي اهلجرة إىل ظهور األفكار املتطرفة أو االجتار ابألشخاص‪،‬‬

‫وغري ذلك من اجلرائم‪..‬‬

‫وهناك نوع من االجتار ابألشخاص يسمى السلعة وتتمثل يف الشخص الذي ميكن بيعه أو جتنيده‪ ،‬أو نقله أو إيواءه‬

‫أو استقباله يف أي بلد آخر غري بلده األصلي‪ ،‬وذلك بقصد استغالله‪ ،‬ويتم هذا االستغالل عن طريق تقدمي عمل‬

‫مشروع ولكن دون احلصول على املقابل املادي املالئم هلذا العمل‪ ،‬ودون التأمني عليه‪ ،‬أو هتيئة إقامة مشروعة له يف‬

‫الدولة املضيفة‪ ،‬مما جيعله يدخل يف نطاق األعمال غري املشروعة كاالستغالل اجلنسي وممارسة البغاء قسرا ونزع األعضاء‪،‬‬

‫ويتمثل هذا اإلكراه يف استعمال القوة أواخلطف أواالحتيال أوالنصب إىل غري ذلك من أشكال العنف وعادة ما يكون‬

‫الضحية من النساء واألطفال‪ ،‬دون التقيد بسن معينة‪ ،‬وحيصل هؤالء يف بعض األحيان على مقابل الستغالهلم عادة‬

‫ما يكون ضئيال ال يفي لتسديد مصاريفهم‪.‬‬

‫‪ .5‬االنعكاسات على املهاجر نفسه‬

‫إن اختاذ قرار اهلجرة ليس ابألمر السهل والبسيط ويف مجيع األحوال تتزامن هذه املرحلة مع مشاعر اخلوف من املستقبل‬

‫الرتدد واليأس من الوضع الذي يعيشه الشاب يف وطنه ابإلضافة إىل الشعور ابإلحباط وفقدان األمل يف حتسني أحواله‬
‫و ّ‬
‫فتصبح املغامرة واهلجرة هي الطريق الوحيد للنجاة أو على األقل أفضل اخليارات املتاحة أمامه‪.‬‬

‫إن للطّرق اليت اتبعها املهاجر من أجل اجتياز احلدود خلسة أتثريا كبريا يف تكيفه واندماجه وحالته النفسية فيما بعد‬

‫وتكون حياته حمفوفة ابملخاطر حيث أنه يعرب احلدود عن طريق شبكات مافيا التهريب يف قوارب املوت املكتظة‪ ،‬فكل‬

‫‪49‬‬
‫مرت بسالم يتح ّدث عنها أبمل وحزن ويصفها أبهنا ش ّكلت له صدمة مل يكن‬
‫حىت وإن ّ‬
‫من عاش جتربة هذه القوارب ّ‬
‫الصحة النفسية واإلحساس ابألمان النفسي‪.‬‬
‫يتوقّعها وهذه الصدمة ترتك له أثرا سلبيا على ّ‬

‫بعد وصول املهاجر إىل ّبر األمان يصطدم ابلواقع الذي ينتظره ويكتشف أن االستقرار والطمأنينة املنشوداتن أصعب‬

‫بكثري مما كان يف اعتقاده‪ ،‬فيصطدم حباجز اللغة وصعوبة التخاطب مع اآلخرين وفهم كل ما حييط به وهذا ما يولّد له‬

‫الشعور ابخليبة واالحباط‪.‬‬

‫تؤدي به إىل اإلدمان على شرب الكحول‬


‫فمن النتائج السلبية لذلك احلالة النفسية الصعبة اليت يعيشها املهاجر واليت ّ‬
‫وحىت تعاطي املخ ّدرات كمحاولة للنسيان واهلروب من ظروف الغربة وقسوهتا وهو ما يؤدي‬
‫كوسيلة لتخفيف القلق عنه ّ‬
‫به يف مرحلته األخرية إىل فقدان القدرة على التفكري السوي واإلدراك الصحيح وإىل العزلة وتزايد خماطر اإلصابة ابألمراض‬

‫املزمنة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ .VI‬اهلجرة غري النظامية عرب املتوسط‪ :‬املصري اجملهول‬

‫قامت اجلمعية التونسية للوقاية من اهلجرة السريّة وهي مجعية ذات صبغة عامة أسست سنة ‪ 2012‬وهتدف إىل‬

‫مساندة اجلهود الرامية للحد من ظاهرة اهلجرة الغري نظامية واملسامهة يف توعية الشباب وأوليائهم (ال سيما وانه ثبت‬

‫تورط العديد منهم يف حتفيز أبنائهم ومساعدهتم على خوض مغامرة اإلحبار خلسة خاصة يف اجلنوب الشرقي‪ :‬جرجيس‬

‫وقابس) خبطورة الظاهرة وانعكاساهتا السلبية على األرواح واألموال وانكبت اجلمعية منذ أتسيسها على دراسة الظاهرة‬

‫من خمتلف جوانبها فتم تنظيم ملتقيات علمية وأايم دراسية ابلشراكة مع خمابر ووحدات حبث من تونس وخارجها‬

‫ونظمت ثالثة ملتقيات مغاربية مت فيها خاصة تثمني جناح التجربة املغربية يف التعاطي مع الظاهرة واليت اعتمدت احللول‬

‫االقتصادية القائمة على التنمية والدعوة لالستئناس هبا وحماكاهتا‪ ،‬كما قامت اجلمعية إبسناد بعض الشبان من ابعثي‬

‫املشاريع الصغرى والسعي معهم للحصول على الدعم الالزم ومتت مرافقتهم يف مجيع مراحل مشاريعهم إلمياهنا ابن توفري‬

‫حلول اقتصادية يساعد بشكل واضح يف عدول الشاب عن قرار اهلجرة الغري النظامية‪.‬‬

‫كما قام أعضاء اجلمعية مبعاينة مناطق العبور يف الداخل فتبني أهنا عديدة وال ميكن السيطرة عليها امنيا ابلشكل‬

‫املطلوب وال يعود ذلك إىل تقاعس السلطات األمنية وإمنا صعوبة حراسة السواحل وما يتطلّبه ذلك من معدات لوجستية‬

‫كبرية ومتطورة وال نعتقد أيضا ان بتوفرها سيحل اإلشكال السيما وان التجارب املقارنة أثبتت مبا ال يدع جماال للشك‬

‫أن اعتماد احلواجز واحللول األمنية لوحدها ال يكفي وال حيد من ظاهرة التسلل وخري مثال على ذلك احلائط الفاصل‬

‫بني الوالايت املتحدة األمريكية واملكسيك والذي كلف مبالغ ضخمة مت صرفها من اجل حائط مدعم أبحدث‬

‫تكنولوجيات املراقبة واستطاع املكسيكيون اخرتاقه وال يزالوا يتسللون سنواي ابملاليني‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ .1‬وضعية احلارقني التونسيني مبراكز اإليقاف إبيطاليا‬

‫مكنت اجلمعية أعضائها من القيام بزايرة ميدانية سنة ‪ 2014‬إليطاليا حيث متت زايرة مركز اإلغاثة واإليواء األويل‬

‫بلمبيدوزا ومركز اإليواء بكاالبراي (كابوريتسوتو) ومجعنا لقاء بعمدة ملبيدوزا وانشطني وابحثني ووسائل إعالم إيطالية‬

‫فتبينت لنا حقائق مثرية كنا جنهلها من بينها الوضعية الصعبة ملركز اإلغاثة واإليواء األويل بلمبيدوزا‪.‬‬

‫وعدم قدرة هذا املركز على استيعاب جحافل املهاجرين الغري نظاميني من خمتلف اجلنسيات وقد طرح ذلك لدينا‬

‫تساؤالت وخماوف يف طريقة التصرف مع جمموعات املهاجرين الغري نظاميني الذين اقرتب وصوهلم من سواحل ملبيدوزا‬

‫عندما ال تتحمل طاقة استيعاب املركز الوحيد املزيد فكيف سيتم التعامل مع من هم يف عرض البحر وشارفوا على‬

‫الوصول ليست لدينا إجابة مسؤولة عن هذه اهلواجس ولكننا عملنا على تنبيه الشباب أثناء محالتنا التوعية والتحسيسية‬

‫اليت نقوم هبا بصفة دورية يف دور الشباب واملعاهد بصعوبة الوضعية ذلك سعيا منا لتوعيتهم أبهوال الرحلة وما قد ينجر‬

‫عنها‪.‬‬

‫اكتشفنا كذلك أثناء مكوثنا مبركز اإلغاثة واإليواء األويل بلمبيدوزا أن "احلرقة" وما تعنيه من حرق لإلجراءات واملراحل‬

‫وحرق لواثئق اهلوية خشية الرتحيل السريع إىل املوطن قد تطورت لتصبح حرق البصمة الذي يقوموا به بعض املهاجرين‬

‫غري النظاميني مباشرة إثر إيداعهم ابملراكز األولية لإلغاثة واإليواء للتمويه وعدم اإلفصاح عن جنسياهتم احلقيقية السيما‬

‫وأن حرق أطراف األصابع أمر هني ابلنسبة للناجي من مغامرة اإلحبار خلسة وال يزعجه كثريا بعد أن عايش أهوال‬

‫املوت أثناء رحلته‪.‬‬

‫كما متت معاينة وجود انجني من اإلانث منهم من وضعت مولودها ابملركز أو كانت مصحوبة بطفل أو طفلني فاهلجرة‬

‫الغرينظامية مل تعد حلما ذكوراي بل أصبحت تستقطب النساء كذلك ومن خالل متابعتنا للموضوع تبني أن نسبة‬

‫‪52‬‬
‫مرتفعة من األمهات العازابت أصبحت تراودهن فكرة اهلجرة الغري نظامية من أجل غد أفضل ال تراه ممكنا يف بلدها‬

‫وأن اصطحاهبا لطفل سيساهم يف تسهيل إجراءات إقامتها ببلد الوجهة‪..‬‬

‫‪ .2‬التطور املتزايد لعدد املهاجرين غري النظاميني‬

‫يعرب عن انتهاء رحلة اإلحبار خلسة او احلرقة ابجلملة التالية‪" :‬من مل تبتلعه البحار تعتقله الشرطة" وال توجد إحصائيات‬

‫واضحة عن املفقودين والغرقى والناجني وال ميكن حسب رأينا حتميل اجلانب الرمسي التونسي مسؤولية إعطاء األرقام‬

‫الصحيحة ألن ذلك غري ممكن لعدم وجود مرصد وطين للهجرة غري النظامية وحىت وإن وجد فليس هنالك آليات تعطيه‬

‫أرقاما دقيقة ومفصلة ويف هذا اإلطار تتنوع اإلحصائيات وتتضارب وال ميكن اجلزم بصحتها أو خبطئها وهي تتقارب‬

‫عادة وهذا املهم فهي تعطي أعدادا تقريبية كلها تصب يف إطار إبراز تنامي الظاهرة منذ سنة‪ 2011‬وقد م ّدتنا وزارة‬

‫الداخلية إبحصائيات تعطي عدد عمليات التجاوز والعمليات احملبطة مع العلم أن السلطات اإليطالية ال تعطي هي‬

‫األخرى أرقاما دقيقة خاصة لعدم إفصاح املهاجرين الغري نظاميني عن هوايهتم احلقيقية وألن البواخر اليت تقل املهاجرين‬

‫من السواحل التونسية أو الليبية حتمل على متنها جنسيات خمتلفة فمسألة اإلحصائيات الدقيقة مسألة صعبة وال جيب‬

‫الرتكيز عليها كأولوية ألن األهم هو التفكري يف إجياد حلول للحد من الظاهرة املميتة وليس تدقيق اإلحصائيات‪.‬‬

‫لقد صرحت الناشطة التونسية املقيمة يف إيطاليا السيدة‪ :‬زينة كشط أن أكثر من ‪ 500‬شاب تونسي معتقلني منذ‬

‫سنة ‪ 2011‬فيما يشبه السجون السرية وأن السلطات اإليطالية ال تريد اإلفصاح عن ذلك وهم حسب رأيها مفقودين‬

‫وأكدت على ذلك يف برانمج "احلقيقة" على قناة حنبعل والذي حضرت فيه اجلمعية التونسية للوقاية من اهلجرة السريّة‬

‫وواجهت فيه الرأي العام على املباشر مساء يوم ‪ 21‬ماي ‪.2014‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ .3‬مصري املهاجرين غري النظاميني‬

‫تزامن ما أكدته الناشطة احلقوقية املذكورة مع متسك العديد من األمهات ابلضغط على السلطات التونسية من أجل‬

‫البحث عن أبنائهم املفقودين وجتاوبت السلطات التونسية بعد أن طالبتها السلطات اإليطالية إبرسال قاعدة بياانت‬

‫املفقودين مرفوقة ببصماهتم مث يف فرتة الحقة ابلتحليل اجليين وتعقدت املسألة واتبعها عديد األطراف ومل يصل أي‬

‫منهم لنتيجة واضحة بل فقط لقناعة أن امللف هو لغز حمري نعتقد أن اإلجابة عن خفاايه ميكن أن جيدها طالب املعلومة‬

‫لدى السيد‪ :‬عبد الرمحان اهلذيلي الرئيس السابق للمنتدى التونسي للحقوق االجتماعية واالقتصادية والذي اتبع‬

‫املوضوع بكل جدية ولكن أمهية هذا املعطى ابلنسبة إلينا انه يفسر وبوضوح أن مصري الناجني من الرحلة ليس ابلضرورة‬

‫إغاثتهم وإعطائهم فرصة إتباع اإلجراءات القانونية للتمتع حبق اللجوء ‪.‬ولقد الحظنا سهولة اخرتاق هذا املركز خاصة‬

‫وان جدرانه سهلة االجتياز والدخول واخلروج منه أمر هني‪ ،‬خالصة القول أن املفقودين قد ابتلعت البحار عدد منهم‬

‫ولكن البقية واجهوا مصريا آخر جمهول ونعتمد على هذا املعطى يف محالت التوعية والتحسيس ليستوعب شبابنا احلامل‬

‫أهوال الرحلة وماقد يتعرضون إليه عند جناهتم‪.‬‬

‫‪ .VII‬مالمح االسرتاتيجية الوطنية ملكافحة ظاهرة اهلجرة غري النظامية‪:‬‬

‫تش ّكل اهلجرة غري النظامية حتداي لسيادة الدولة‪ ،‬واحلرقة يف تونس ال تقتصر عن التونسيني الذين حياولون مغادرة احلدود‬

‫خلسة بل أيضا يف األفارقة من الساحل ومن العمق اإلفريقي الذين حياولون الدخول إىل تونس بصفة غرينظامية أو‬

‫الذين يقيمون بصفة غرينظامية بعد أن دخلوا يف مرحلة سابقة عرب املنافذ احلدودية الرمسية‪ ،‬متح ّدين بذلك طرق اإلقامة‬

‫والقوانني اجلاري هبا العمل‪.‬‬

‫فكيف حتمي الدولة شباهبا وأطفاهلا من ظاهرة "احلرقة" وابلتايل اإلعتداء على سيادهتا وعلى سيادة الدول اجملاورة؟‬

‫‪54‬‬
‫وكيف حتمي بدورها حدودها من العابرين من دول الساحل وإفريقيا؟ وكيف تتعامل مع مقيمني بطرق غري قانونية؟ وهل‬

‫هناك اسرتاتيجية وطنية ملكافحة ظاهرة اهلجرةغري النظامية من اخلارج حنو الداخل‪ ،‬ومن الداخل حنو اخلارج؟‬

‫وخاصة من إيطاليا (أقرب نقطة‪ -‬قليبية‪ ،‬ابنتاالراي ‪ 41‬ميل حبري) فقد ساهم‬
‫ّ‬ ‫حبكم موقع بالدان القريب من أورواب‬

‫ذلك يف أن تكون تونس منطقة تصدير وعبور للمهاجرين غري النظاميني وهو ما يثري ع ّدة إشكاالت؟‬

‫مالحظات ّأولية‪:‬‬

‫‪ -1‬تونس بلد مص ّدر للهجرة غري النظامية‪ :‬منذ التسعينات بدأت هذه الظاهرة يف التنامي سواء على املستوى الكمي‬

‫خاصة بعد ثورة ‪ 2011‬أو على مستوى نوعية الذين اخنرطوا يف "احلرقة" اليت‬
‫واملقصود على مستوى األعداد‪ ،‬اليت ارتفعت ّ‬
‫مل تعد قسرا على الشباب من الذكور‪ ،‬بل أصبحت اإلانث‪ ،‬جزءا من صنف "احلارقني" واألطفال‪ ،‬والعائالت أحياان‪،‬‬

‫التطور يف األصناف يفرض‬


‫األمهات العازابت‪ ،‬وحىت الشباب من أصحاب الشهائد‪ ،‬واملتيسرين ماداي كذلك‪ ،...‬هذا ّ‬
‫خاصة يف اجملال األمين ويف الربامج التعليمية واالجتماعية والتعاطي النفسي مع‬
‫مراجعة املنظومة التشريعية وطرق العمل ّ‬
‫هؤالء إىل جانب ضرورة اتباع سياسة إعالمية نوعية كجزء من االسرتاتيجية الوطنية ملكافحة هذه الظاهرة‪.‬‬

‫‪ -2‬بعد سنة ‪ 2011‬أصبحت تونس بدورها‪ ،‬بلد استقرار مؤقّت لبعض الذين كانوا يعتربوهنا بلد عبور ّ‬
‫وخاصة القادمني‬

‫من بلدان إفريقياجنوب الصحراء‪ ،‬وما يش ّكل ذلك من انتهاك مباشر لسيادة الدولة‪.‬‬

‫‪ -3‬هذا التشابك بني املهاجرين غري النظاميني احملليني واملهاجرين غري النظاميني األفارقة‪ ،‬وبروز ظاهرة جديدة وهي‬

‫حماولة دخول السوريني إىل بالدان من احلدود اجلزائرية يطرح أسئلة عن إمكانية وجود شبكات إقليمية للجرمية املنظّمة‬

‫واملهربني واخلطر الذي ميكن أن يش ّكله ذلك‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -4‬إ ّن هذه التطورات واملتغريات املتسارعة حول ظاهرة اهلجرة غري النظامية كانت حمور اهتمام جملس األمن القومي‬

‫التونسي خالل أكتوبر ‪ 2017‬حيث متّ عقد جلسة عمل يوم ‪ 11‬أكتوبر ‪ 2017‬بقصر قرطاج متّ خالله مناقشة مشروع‬

‫االسرتاتيجية الوطنية لتأمني احلدود كما متّ استعراض اجلهود اليت قامت هبا وزاريت الدفاع والداخلية يف جمال مكافحة‬

‫اهلجرة غري النظامية واحلد من ظاهرة اجلرمية املنظمة يف احلوض املتوسطي‪ ،‬إلحباط حماوالت اهلجرة غري النظامية وإنقاذ‬

‫أرواح املئات من املهاجرين ‪ ،‬ويف هذا اإلطار أوصى اجمللس بضرورة دعم آليات التعاون والتنسيق اإلقليمي والدويل‬

‫ملكافحة هذه الظاهرة وتكاتف جهود مجيع أجهزة الدولة للتعاطي مع أسباهبا االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪.‬‬

‫وبصفة عامة فان السلطات التونسية تتبع منذ فرتة اسرتاتيجية متعددة األبعاد ملكافحة اهلجرة غري النظامية وتتجلى‬

‫معاملها خاصة من خالل‪:‬‬

‫‪ ‬البعد التشريعي ملكافحة اهلجرة غري النظامية‬

‫‪ ‬تتجلى معامله من خالل القانون األساسي عدد ‪ّ 6‬‬


‫املؤرخ يف ‪ 2004/2/3‬والذي متّ مبقتضاه تنقيح بعض الفصول‬

‫املؤرخ يف ‪( 1975/5/14‬واملتعلّق جبوازات السفر وواثئق السفر) مع إضافة ‪ 18‬فصال‬


‫الواردة ابلقانون عدد ‪ّ 40‬‬
‫تضمن عقوابت زجرية رادعة ملنظمي عمليات اهلجرة غري النظامية مع توسيع دائرة التجرمي‬
‫إىل ذات القانون‪ ،‬الذي ّ‬
‫توسط أو نظّم أبيّة وسيلة كانت – ولو دون مقابل‪ -‬دخول‬
‫سهل أو ساعد أو ّ‬
‫كل من أرشد أو دبّر أو ّ‬
‫لتشمل ّ‬
‫شخص إىل الرتاب التونسي أو مغادرته خلسة سواء من نقاط العبور املعتمدة من قبل املسافرين أو غريها‪ ،‬علما‬

‫وأ ّن الفصل ‪( 44‬جديد) أقر عقااب ابلسجن يصل إىل ‪ 15‬عاما مع خطية قدرها ‪ 50‬ألف دينارا إذ نتج عن‬

‫اجلرمية املشار إليها سقوط بدين لألشخاص الواقع إدخاهلم إىل الرتاب التونسي أو إخراجهم منه تفوق نسبة ‪،%20‬‬

‫السجن م ّدة ‪ 20‬عاما مع خطية قدرها ‪ 100‬ألف دينارا إذا نتج عن ذات اجلرمية موت‬
‫هذا ويرتفع العقاب إىل ّ‬
‫التعرض إليهم‪.‬‬
‫األشخاص السالف ّ‬

‫‪56‬‬
‫‪ ‬إصدار القانون االساسي عدد ‪ 61‬لسنة ‪ 2016‬مؤرخ يف ‪ 3‬أوت ‪ 2016‬يتعلق مبنع االجتارابألشخاص‬

‫ومكافحته‪.‬‬

‫‪ ‬بصدد االنتهاء من مشروع قانون اللجوء‪.‬‬

‫‪ ‬قانون عدد ‪ 3‬لسنة ‪ 2004‬مؤرخ يف ‪ 20‬جانفي ‪ 2004‬متعلق بتنقيح وإمتام جملة التجارة البحرية‪.‬‬

‫‪ ‬قانون عدد ‪ 6‬لسنة ‪ 2003‬مؤرخ يف ‪ 21‬جانفي ‪ 2003‬يتعلق ابملوافقة على بروتوكول مكافحة هتريب املهاجرين‬

‫اجلو املكمل التفاقية األمم املتحدة ملكافحة اجلرمية املنظمة عرب الوطنية‪.‬‬
‫الرب والبحر و ّ‬
‫عن طريق ّ‬
‫‪ ‬قانون عدد ‪ 6‬لسنة ‪ 1985‬مؤرخ يف ‪ 24‬أفريل ‪ 1985‬يتعلق ابملصادقة على اتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار‪.‬‬

‫‪ ‬قانون عدد ‪ 48‬لسنة ‪ 2009‬مؤرخ يف ‪ 08‬جويلية ‪ 2009‬يتعلق إبصدار جملة املوانئ البحرية‪.‬‬

‫‪ ‬قانون عدد ‪ 4‬لسنة ‪ 2004‬مؤرخ يف ‪ 20‬جانفي ‪ 2004‬يتعلق بتنقيح وإمتام جملة التنظيم اإلداري للمالحة‬

‫البحرية‪.‬‬

‫‪ ‬االتفاقية الدولية لسالمة األرواح البشرية يف البحار ‪)Solas( 78/74‬‬

‫‪ ‬االتفاقية الدولية للبحث واإلنقاذ يف البحر لعام ‪)SAR( 1979‬‬

‫‪ ‬االتفاقية الدولية لإلعالم لسنة ‪.1989‬‬

‫املهمشة أين ينطلق منها أغلب املهاجرين غري‬


‫‪ ‬بعد اجتماعي يهدف إىل مزيد تنمية ما يعرف ابملناطق ّ‬
‫النظاميني التونسيني وذلك من خالل‬

‫املخصصة للتونسيني يف إطار‬


‫ّ‬ ‫خيص عقود العمل‬ ‫‪ ‬إبرام اتفاقيات مع البلدان األوروبية للرتفيع يف ّ‬
‫حصة تونس فيما ّ‬
‫اهلجرة النظامية (حسب الشروط ايل ضبطها قانون اهلجرة األورويب)‪.‬‬

‫صرح السيد حممد الناصر –رئيس جملس نواب الشعب‪ -‬يوم ‪ 30‬أكتوبر ‪ 2017‬إثر اللقاء الذي‬
‫ويف هذا اإلطار ّ‬
‫مجعه برئيس الربملان األورويب مبجلس نواب الشعب يف تونس إنّه من املتوقّع أن تصبح عمليات اهلجرة غري النظامية‬

‫‪57‬‬
‫منظمة ويف مستوى حاجيات البلدان األوروبية وابالتفاق والتعاون بني ال ّدول اليت ستستقبل املهاجرين والدولة‬

‫التونسية ستضمن يف هؤالء الذين سيسافرون يف نطاق اهلجرة‪.‬‬

‫‪ ‬تشجيع االستثمار ابملناطق املهمشة مع تقدمي التسهيالت اإلدارية واالمتيازات اجلبائية للمستثمرين التونسيني‬

‫واألجانب الذين يعتزمون إقامة مشاريع بتلك املناطق‪.‬‬

‫‪ ‬حتسني وتطوير البنية التحتية ابملناطق املشار إليها ابعتبارها شرطا ضروراي ألي مشروع استثماري‪.‬‬

‫‪ ‬تفعيل آليات متويل املؤسسات الصغرى واملتوسطة هبدف توفري أكثر ما ميكن من فرص العمل‪.‬‬

‫‪ ‬البعد األمين‬

‫عامة تبقى ابألساس من مشموالت وزارة ال ّداخلية ووزارة الدفاع من خالل‬


‫أ ّن منظومة مراقبة احلدود الربيّة والبحرية ّ‬
‫وحدات احلرس الوطين واجليش الوطين ومن خالل االنتشار على طول احلدود الربية والبحرية وابلتنسيق مع بقية املنظومات‬

‫األمنية‪.‬‬

‫العامة لألمن الوطين معاضدة هذه اجلهود عن طريق املصاحل املعنية حبماية احلدود الربية والبحرية من‬
‫كما تتوىل اإلدارة ّ‬
‫خالل مكافحة ظاهرة اهلجرة غري النظامية على مستوى املعابر واملنافذ احلدودية كل ذلك يؤّكد وجود اسرتاتيجية أمنية‬

‫حلماية احلدود البحرية والربية من الداخل ومن اخلارج‪.‬‬

‫لذلك متّ القيام إبصالحات هيكلية من خالل انشاء اإلدارة العامة للحدود الربية والبحرية للحرس الوطين واإلمضاء‬

‫العامة لألمن الوطين‪ ،‬إىل جانب اختاذ مجلة من االجراءات‬


‫على مشروع احداث االدارة العامة للحدود واألجانب ابإلدارة ّ‬
‫تتمثّل يف‪:‬‬

‫وحبرا وعلى املوانئ وعلى البواخر الراسية ابملوانئ التجارية مع احكام اجراءات التفتيش األمين‬
‫‪ -‬تشديد املراقبة ّبرا ّ‬
‫والديواين‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬تشديد املراقبة على واثئق السفر‬

‫‪ -‬مراقبة احلدود الربية والبحرية ابستعمال الوسائل التقنية والتنسيق مع اجلانب األورويب وخاصة اإليطايل و الفرنسي‬

‫يف كل طارئ‪.‬‬

‫‪ ‬مكافحة اهلجرة غري النظامية من خالل التعاون الدويل‬

‫أن الدولة التونسية بصدد دراسة إبرام اتفاق مع االحتاد األورويب خبصوص إعادة القبول وتسهيل احلصول على‬

‫التأشرية (التنقل) مبا سيساهم يف تقليص عدد املهاجرين غري النظاميني (مت الشروع يف املفاوضات منذ أكتوبر‬

‫‪. )2016‬‬

‫متّ التوقيع على اتفاقيات ثنائية بني الدولة التونسية وبعض البلدان األوروبية (على غرار إيطاليا وأملانيا وسويسرا‪).....‬‬

‫إلعادة قبول التونسيني والتعاون الفين من خالل تبادل التجارب واخلربات والدعم ابلتجهيزات املتطورة ملكافحة اهلجرة‬

‫غري النظامية‪.‬‬

‫اهلجرة غري النظامية قضية متع ّددة األسباب وهي تتمحور حول نقطتني أساسيتني االنسان والثروة وهو ما يؤّكده العامل‬

‫وإما أن يرحل البشر حيث توجد‬


‫"إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر ّ‬
‫الفرنسي "ألفريد صويف" الذي يشري إىل ّ‬
‫حق طبيعي قبل نشأة الدساتري والقوانني والبقاء بعيدا عن الرزق والثروة بقاء "جاف" مآله‬
‫الثروات"‪ ،‬حق البقاء هو ّ‬
‫خاصة بعد ‪ ،2011‬وأمام تفاقم‬
‫املوت واالنداثر‪ .‬وابلنظر إىل الظروف االقتصادية واالجتماعية اليت تعيشها تونس ّ‬
‫عامة فإ ّن الوضع لن يتحسن أو يعود كما كان عليه قبل ‪ 05‬سنوات على أقل تقدير‪ ،‬فقضية اهلجرة‬
‫املؤشرات بصفة ّ‬
‫غري النظامية هتم معظم دول العامل‪ ،‬وأمام تواصل األسباب اليت انتجت وزادت من ح ّدة الظاهرة‪ ،‬يستبعد إجياد حلول‬

‫على املدى القريب أو املتوسط وهو ما يستوجب عقد ملتقى إقليمي‪/‬دويل جيمع دول مشال افريقيا ودول الساحل‬

‫يضم ‪ 27‬دولة بينها دول ذات اقتصادايت قويّة ومتماسكة ميكن أن تلعب دورا هاما‬
‫والصحراء واالحتاد األورويب الذي ّ‬

‫‪59‬‬
‫ورد بعض اجلميل‬
‫جتعلها قاطرة لبلورة سياسات اقتصادية واجتماعية انجحة من شأهنا مساعدة دول جنوب املتوسط ّ‬
‫لدول كانت ابألمس القريب أحد عوامل قفزهتا االقتصادية‪.‬‬

‫واملقاربة األمنية والقانونية ال تكفي للح ّد من ظاهرة اهلجرة غري النظامية‪ ،‬واالعالم واخلرباء االجتماعيون وحدهم ال‬

‫يستطيعون إثناء شاب‪ ،‬حامل‪ ،‬عاطل عن العمل من إجياد حلول ما مل تتوفر آليات وأرضية جديدة تبعث األمل يف‬

‫كل هذه‬
‫صفوف املواطن التونسي (ابعتبار اهلجرة غري النظامية أصبحت غري مقتصرة على الشباب) وانطالقا من ّ‬
‫التمشي يف االسرتاتيجية الوطنية‬
‫الظروف نقرتح ما يلي لالنطالق يف حلول جذرية للح ّد من ظاهرة احلرقة يف إطار ّ‬

‫ملكافحة اهلجرة غري النظامية‪:‬‬

‫إنشاء هيكل مباشر لعملية اهلجرة غري النظامية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫إ ّن انشاء هيكل إداري خمتص ين ّفذ عمله على امليدان مباشرة حاجة أكيدة بل وماسة لتحقيق النتائج املوجودة وابعتبار‬

‫متس ابألمن القومي فيجب أن يرتبط مباشرة مبجلس األمن القومي وحتت إشراف‬
‫أ ّن مسألة " اهلجرة غري النظامية" ّ‬
‫وزارة الشؤون االجتماعية وابلتحديد "كتابة الدولة للهجرة" اهليكل املختص يف الظاهرة‪.‬‬

‫ومن املمكن أن يقع تنسيق العمل إىل ‪ 03‬مستوايت‪:‬‬

‫‪ ‬هيئة قيادية تتوىل االشراف والتنسيق‪ :‬وتكون حتت إشراف جملس االمن القومي ّ‬
‫وتتكون من وزارة الشؤون اخلارجية‪،‬‬

‫وزارة الداخلية‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم‪ ،‬وزارة التكوين املهين والتشغيل‪ ،‬وزارة الشؤون الثقافية‪ ،‬وزارة املرأة واألسرة‬

‫والطفولة واملسنني‪ ،‬ويكون العمل ابلتنسيق مع رائسة احلكومة إىل جانب الدور اهلام الذي يلعبه اجملتمع املدين‪.‬‬

‫‪ ‬هيئة تعمل على املستوى الداخلي‪ :‬من خالل دور وزارة الرتبية يف املناهج التعليمية وأتثري ذلك على الناشئة؛ تكثيف‬

‫األنشطة ابلفضاءات التابعة لوزارة الثقافة (دور الشباب)؛ وضع برامج تكوينية ابلفضاءات التابعة لوزارة التكوين املهين‬

‫‪60‬‬
‫والتشغيل ؛ تقريب األمن من املواطن من خالل برامج شرطة اجلوار؛ فتح الفضاءات التابعة لوزارة الدفاع واليت ميكن‬

‫وصفها ابلبيئة الرابعة لتكوين الناشئة بعد (األسرة‪ ،‬املدرسة‪ ،‬اجملتمع)‪ ،‬واملعروف بدور اخلدمة الوطنية اليت تساهم يف‬

‫هتذيب السلوك والرتبية على حب الوطن واالنضباط والتعويل على النفس فضال عما توفره من تكوين يف كل‬

‫االختصاصات تقريبا‪ ،‬وهو ما يساعد الشباب على إمتام اخلدمة العسكرية وهو متسلح بشهادة يف االختصاص املهين‬

‫الشيء الذي ميكنه من االنضمام إىل سوق الشغل الداخلية أو االنضمام إىل قائمات اهلجرة املنظمة والتعاون الفين‪.‬‬

‫إضافة إىل ذلك ميكن للشباب من خالل االخنراط يف العمل اجلمعيايت والعمل السياسي من اكتساب اخلربات‬

‫االجتماعية واملسامهة يف اختاذ القرارات املصريية وابلتايل التحكم يف مصريه ويف مستقبله‪.‬‬

‫كما ميكن لدور اإلعالم املسامهة من خالل هيئة العمل على املستوى الداخلي يف إانرة فكر الشباب وتوجيهه حنو‬

‫العمل وحنو التسلّح بشهائد اختصاص ليساهم يف بناء الداخل قبل اخلارج‪.‬‬

‫‪ ‬هيئة تعمل على املستوى اخلارجي‪ :‬وهي هيئة ّ‬


‫خمتصة من خالل التنسيق األمين املشرتك وتبادل املعلومات حينيا عن‬

‫املختصة إضافة إىل الدور اهلام للسفراء والقناصل وامللحقون االجتماعيون والثقافيون‪ ،‬كما يلعب اجملتمع‬
‫ّ‬ ‫طريق األجهزة‬

‫املدين ابخلارج دورا هاما من خالل اجلمعيات واملنظمات يف ترشيد ظاهرة اهلجرة غري النظامية ومن حتسني صورة تونس‬

‫هاما من خالل املسامهة يف حتقيق االستثمار ابلداخل‬


‫والتونسيني ابخلارج‪ ،‬ميكن كذلك لرجال األعمال أن يلعبوا دورا ّ‬
‫عن طريق جلب مشاريع االستثمار الكربى وهي مشاريع تساهم يف عملية استقرار شبابنا وتساهم يف خلق الثروة‬

‫واالستقرار االجتماعي‪.‬‬

‫وميكن كذلك لكتابة الدولة للهجرة وديوان التونسيني ابخلارج من العمل على رفع حصص قبول التونسيني يف التعاون‬

‫الفين ابخلارج ابلدول الشقيقة والصديقة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫إىل جانب عمل هذه اهليئات هناك عوامل أخرى ميكن أن تساهم يف مكافحة الظاهرة وفتح جمال االلتحاق ابلعمالة‬

‫النمو للدول املص ّدرة واملستقبلة للهجرة من خالل‪:‬‬


‫املاهرة وابلتايل املسامهة يف ّ‬

‫‪ ‬استغالل الدور اهلام الذي تلعبه املنظمات الدولية‪:‬‬

‫حتتل املنظمات الدولية مكانة هامة يف اجملتمع الدويل وتلعب دورا هاما يف محاية املهاجرين وهو دور جوهري ال‬

‫ميكن االستغناء عنه وتشمل اجلهود اليت تقوم هبا هذه املنظمات يف هذا اإلطار ع ّدة جوانب منها إعداد ع ّدة‬

‫دراسات حول ظاهرة اهلجرة غري النظامية وسبل حلّها ومثال ذلك الدور الرايدي الذي تلعبه املنظمة الدولية للهجرة‬

‫‪ OIM‬يف جمال حوكمة اهلجرة و تنقل األشخاص بطريقة منظمة و امنة و نظامية كما تستحوذ منظمات اخرى‬

‫مهتمة ابهلجرة غري النظامية منها‬


‫لألمم املتحدة كاليونسكو واملفوضية السامية لشؤون الالجئني و ع ّدة منظمات ّ‬
‫اجلهاز الدائم ملراقبة اهلجرة الدولية ‪ SOPEMI‬ومركز األحباث الدولية للهجرة ‪ CEMI‬ومنظمة العمل‬

‫الدولية‪ ،OIT‬وهذه األخرية تلعب دورا هاما من خالل وضع اتفاقيات دولية تنظم هجرة العمال وتضمن حقوق‬

‫اليد العاملة املهاجرة وتبذل ما بوسعها ملساعدة الدول على حتديد سياساهتا املتعلّقة ابهلجرة ابإلضافة إىل إجرائها‬

‫لدراسات وأحباث حول أثر هذه السياسات على املهاجرين أنفسهم‪.‬‬

‫جيدر االشارة أن السلطات التونسية ابلشراكة مع املنظمة الدولية للهجرة تعمل على انضمام تونس اىل املشروع‬

‫األويل "لالتفاق العاملي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية" والذي يهدف إىل إنشاء إطار مشرتك وغري ملزم‬

‫قانوان إلدارة ظاهرة اهلجرة مع حتفيز للحوكمة السياسية والتشريعية واالدارية للهجرة على الصعيد الوطين والدويل‬
‫ا‬

‫ووضع الوسائل الكفيلة حلسن ادارهتا‪ .‬يف نطاق احملاداثت احلكومية الدولية‪ ،‬ترأست السلطات التونسية‪ ،‬مع‬

‫املنظمة الدولية للهجرة يف تونس‪ ،‬يومي ‪ 10‬و‪ 11‬ماي ‪ 2018‬يف تونس‪ ،‬استشارة وطنية تعددية حول املشروع‬

‫األويل "لالتفاق العاملي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ونظامية"‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫كان اهلدف األساسي من االستشارة الوطنية التعرف على خمتلف املتدخلني واجلهات الفاعلة يف جمال اهلجرة يف تونس‬

‫و استشارهتم من أجل ابداء التوصيات إلثراء املشروع األويل لالتفاق العاملي‪.‬‬

‫‪ ‬الدور األساسي لألسرة يف التنشئة االجتماعية لألطفال‪:‬‬

‫الرتبية هي عملية تثقيف جمتمعي تبدأ من حلظة الوالدة األوىل وتنتهي مع آخر حلظة يف احلياة‪ ،‬وتشارك يف هذه العملية‬

‫املستمرة الرتبية العائلية والرتبية الدينية والرتبية املدرسية والرتبية املهنية اليت تقوم بدورها يف تكوين شخصية اإلنسان ويف‬

‫توجيه سلوكه والتعليم هو سالح األمة الذي تواجه به كل تيارات طمس اهلوية‪ ،‬وهو صمام األمان يف أمنها القومي‪.‬‬

‫إن وظيفة األسرة هو ضمان األمن ألفرادها وتربية أطفاهلا‪ ،‬ومن خالهلا يتعلم هؤالء األطفال لغة وعادات وتقاليد‬

‫ويتعرف على معايري وقيم اجملتمع‬


‫ويكونون شخصياهتم‪ ،‬فالطفل يتعلّم تدرجييا كيف يندمج مع عامله األسري ّ‬
‫جمتمعاهتم ّ‬
‫يتحصل عليها‪ ،‬وابلتايل تدخل هذه الرتبية يف بنيته‬
‫ّ‬ ‫الذي يعيش فيه‪ ،‬فهو يتصرف وفق األطر اليت تفرضها الرتبية اليت‬

‫الشخصية‪ ،‬وتكوين عقله وتشكيل إنسانيته‪ ،‬ورغم أن هذا التكوين يوصف ابحلياد واالستقاللية إال أنه يف الواقع إعادة‬

‫إنتاج للنظام االجتماعي املوجود‪.‬‬

‫إذا كانت األسرة هي عامل التنشئة األول فهي كذلك عامل موجد لالحنراف إذا غاب دورها يف تنشئة اجتماعية سليمة‪،‬‬

‫فنقص العاطفة األبوية حنو األطفال ومواقفهم الصارمة جدا حنوهم قد يؤدي إىل ظهور صراعات ال حل هلا ابإلضافة‬

‫بتصرفات خاطئة ومنحرفة فيما بعد‪.‬‬


‫إىل أحاسيس ابلذنب الذي حياول الفرد التغلّب عليها عن طريق القيام ّ‬

‫يقع على عاتق األولياء تربية أبنائهم تربية صاحلة‪ ،‬وتنشئتهم على حب اخلري والفضيلة‪ ،‬إن التنشئة األوىل للطفل داخل‬

‫أسرته هلا ابلغ األثر يف تكوين شخصيته فيما بعد‪ ،‬فإن كانت تنشئة على أسس سليمة فإن الطفل يكتسب شخصية‬

‫سويّة أما إذا كانت تنشئة غري سليمة فإن الطفل يكون مه ّددا ابالحنراف‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وعند خروج الطفل من البيت والتحاقه ابملدرسة فإن على املعلمني يف مجيع املراحل التعليمية أن أيخذوا الرسالة على‬

‫حممل اجلد فعليهم أتدية واجباهتم بكل أمانة وإخالص وحماولة ترسيخ وتثبيت اهلوية الوطنية لدى الناشئة‪.‬‬

‫‪ ‬دعم جماالت الرتبية والتكوين والتعليم العايل والبحث العلمي‪:‬‬

‫يعترب التعليم والتكوين الركيزة األساسية لتطوير وتنمية أي بلد وتبعا لذلك وجب االهتمام هبا من خالل وضع بعض‬

‫القطاعات ضمن مركز اهتمام الدولة وذلك بتحسني مستوى التعليم عن طريق فتح حوار دائم ومنتظم حول السياسات‬

‫التعليمية يهدف ابخلصوص إىل اإلعداد والتدريب املهين والتكنولوجي وإعطاء نفس األمهية للتعليم العايل والبحث‬

‫العلمي وتشجيع التعاون بني اجلامعات التونسية ونظرياهتا يف اخلارج لتبادل اخلربات والربامج وعقد ندوات ودراسات‬

‫مشرتكة وفتح جمال التكوين يف اخلارج وحماولة استقطاب الطلبة وإقناعهم ابلعودة إىل أرض الوطن حيث يالحظ استقرار‬

‫املتفوقني الذين تكفلت هبم الدولة ملواصلة دراستهم يف اخلارج هبذه الدول‪.‬‬
‫أغلب الطلبة ّ‬

‫وعليه يتجلى الدور اهلام الذي ميكن أن يلعبه املستثمرون ورجال األعمال من خالل بعثهم للمشاريع واستثمار أمواهلم‬

‫يف تونس وابلتايل تساهم عملية التكوين يف حتقيق التنمية االقتصادية من خالل إجياد الظروف املالئمة لعودة واستقرار‬

‫الطلبة الذين تكفلت هبم الدولة إىل وطنهم وفتح قنوات جديدة للعمل وتشجيع املبادرات الفردية للشباب يف إطار بعث‬

‫املؤسسات الصغرية واملتوسطة‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ .VIII‬التوصيات املنبثقة لورشة عمل مغلقة حول ظاهرة اهلجرة غري النظامية ابملعهد التونسي‬

‫للدراسات االسرتاتيجية‪:‬‬

‫‪ .1‬توصيات االطراف املتداخلة يف اجملال األمين‪:‬‬

‫‪ -‬دعم الشباب ودعم دور املنظمات واجملتمع املدين يف أتطري الشباب لتحفيز للشعور ابلوطنية وابالنتماء‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير مناهج الرتبية والتكوين والتشغيل‪.‬‬

‫‪ -‬تدعيم العمليات الوقائية‪.‬‬

‫‪ -‬إنشاء هيكل موحد يعىن بظاهرة اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ -‬إجياد حلول ملسألة التأشريات‪.‬‬

‫‪ -‬برجمة محالت وطنية لتحسيس الشباب مبخاطر اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ -‬برجمة مؤمترات ومنتدايت مع الدول املعنية بظاهرة اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ -‬جترمي أفعال املهاجرين غري النظاميني من خالل نصوص قانونية مع تشديد العقوبة يف شأهنم‪.‬‬

‫‪ -‬تعزيز التواجد األمين يف جزيرة قرقنة‪.‬‬

‫‪ .2‬توصيّات األطراف املتداخلة يف اجملال االجتماعي‪:‬‬

‫‪ -‬القيام حبمالت توعية وحتسيس يف املدارس واملنظمات‪.‬‬

‫‪ -‬تدعيم القدرات خاصة يف اجلهات املهمشة إلدراجهم يف سوق الشغل‪.‬‬

‫‪ -‬وضع برامج تكوين حىت يتمكن الشباب من خلق مشروعه اخلاص‪.‬‬

‫‪ -‬القيام بدراسات هتم مالمح املهاجرين غري النظاميني‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -‬إطالق تفكري شامل يف أفق ‪.2030‬‬

‫‪ -‬تطوير اجلهات الرمسية جلهاز ينسق بني اهلياكل االجتماعية اليت تعىن ابهلجرة وجيمع املعطيات واملعلومات ويضع‬

‫السياسات الضرورية لتنظيم اهلجرة القائمة واخلارجة للحد من سلبياهتا‪.‬‬

‫‪ -‬عدم اغالق أبواب اهلجرة ابلكامل نظامية كانت أم غري نظامية‪ ،‬إذ منعها الكامل قد حيدث انفجارا اجتماعيا‬

‫امام تواصل عدم قدرة االقتصاد على استيعاب البطالة وخاصة بطالة الشباب‪.‬‬

‫‪ -‬على اجلوار األورويب أن يدرك أن خطر غلق حدود البالد ابلكامل هو خطر على تونس واملتوسط والفضاء‬

‫األورويب أال يعامل املهاجر غري النظامي وكأنه مقرتف جرمية وأن يقع انتقاء القادرين منهم للتأهيل وإعدادهم‬

‫للهجرة املنظمة‪.‬‬

‫‪ -‬العمل على دعم وتطوير االتفاقيات اخلاصة ابهلجرة املنظمة مع دول االحتاد األورويب‪.‬‬

‫‪ -‬إحداث جهاز متوسطي يعىن مبعاجلة أسباب اهلجرة ووضع سياسات وبرامج للحد منها‪.‬‬

‫‪ -‬وضع برامج خمتصة يف املدارس للمسامهة يف دعم ثقة الشباب يف الدولة‪.‬‬

‫‪ .3‬توصيات ممثلي املنظمة الدولية للهجرة‪:‬‬

‫‪ -‬وضع اسرتاتيجية مع املنظمات واجملتمع املدين للقيام حبمالت توعوية لتحذير الشباب والعائالت من خماطر‬

‫اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ -‬دراسة ظاهرة اهلجرة غري النظامية وخاصة مالمح املهاجر غريالنظامي‪.‬‬

‫‪ -‬اعتماد اسرتاتيجية اتصال لتدعيم شعور الشباب التونسي ابهلوية ولتفادي ظاهرة العود لدى فئة الشباب اللذين‬

‫حاولوا اهلجرة سابقا‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -‬فتح حوارات للشباب للتواصل معهم ولتحديد افاقهم املستقبلية‪.‬‬

‫‪ -‬فتح حوار بني الدول املعنية بظاهرة اهلجرة غري النظامية والقيام ابتفاقيات معها‪ ،‬واإلمضاء على شرعية دولية‬

‫"عهد" حول اهلجرة وخلق نظام جديد للشراكة والتضامن الدويل‪.‬‬

‫‪ -‬حتقيق اهداف التنمية املستدامة "تونس ‪ " 2030‬واإلقرار ابهلجرة كآلية للتنمية الدولية‪ ،‬واحلوار حول اهلجرة‬

‫والتنمية جيب ان يتجاوز مرحلة النقاش إىل احللول العملية طويلة املدى‪.‬‬

‫‪ -‬مراجعة التشريعات و النصوص املتعلقة ابهلجرة وسهولة احلركة والتنقل بني الدول‪.‬‬

‫‪ -‬اجياد فرص هجرة نظامية للشباب الذي يسعى للهجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ .4‬توصيات ممثلي السفارات بتونس‪:‬‬

‫‪ -‬تدعيم التعاون األمين بني تونس وايطاليا‪.‬‬

‫‪ -‬تدعيم املراقبة على احلدود‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير التبادل الثقايف بني تونس وأورواب‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير التفكري االسرتاتيجي املشرتك‪.‬‬

‫‪ -‬التباحث حول االشكاليات املشرتكة بني تونس وأملانيا‪.‬‬

‫‪ -‬تطوير التنسيق العمليايت على املستوى األمين‪ ،‬خاصة يف جمال مقاومة الشبكات اإلجرامية املنظمة لعمليات‬

‫اهلجرة غري النظامية‪.‬‬

‫‪ -‬عدم اعتبار املهاجر غري النظامي ضحية وتطبيق القانون يف شأنه ابعتباره مذنباً‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ـامــة‬
‫الـخالصـة الع ـ ّ‬

‫‪68‬‬
‫اهلدف من طرح موضوع اهلجرة غري النظامية هو إجياد طريقة عملية وحلول للمحافظة على آالف األرواح اليت‬

‫جراء رحالت السفر الشاقة ومعاانة الكثري من العائالت اليت خيرج ويل أمرها‬
‫تبتلعها البحار أو تدفن يف الصحاري ّ‬
‫لتحسني ظروف عيشه فيختفي مع أحالمها‪ ،‬وآالف من الشباب واألطفال وحىت النساء الذين راحوا ضحية‬

‫اإلجراءات املتش ّددة للبلدان الألجنبية يف منح الواثئق فجعلت منهم أشخاصا يعيشون ويكربون وميوتون يف الظل‬

‫ويف حالة فرار دائم من السلطات خوفا من االعتقال والرتحيل دون أن يكون هلم أدىن احلقوق‪.‬‬

‫وابلتايل فإن مشكلة اهلجرة غري النظامية ليست مشكلة قوانني وحدود بل هي مشكلة إنسانية تتطور تدرجييا‬

‫لتحل حمل اللجوء الذي كان يف وقت ما الشغل الشاغل للعامل وهذا ما يعزز املقرتح الداعي إىل وجوب معاجلتها‬

‫يف إطار منظمة فرعية لألمم املتحدة توضع فيها اتفاقية خاصة تعاجل كل القضااي اليت تطرحها هذه الظاهرة وحتمي‬

‫األشخاص الذين يدخلون يف إطارها‪.‬‬

‫ويف اآلخر ما ميكن استنتاجه أن ظاهرة اهلجرة غري النظامية هي ظاهرة مع ّقدة وخطرية بكل أبعادها االجتماعية‬

‫والسياسية والقانونية وابلتايل ال ميكن القضاء عليها من خالل تشديد اإلجراءات العقابية أو قمع كل حماوالت‬

‫التسلّل وإمنا ابلقضاء على األسباب املؤدية إليها وذلك بتفعيل دور الشباب على أساس العدل واملساواة وتكافئ‬

‫الفرص ابإلضافة إىل االعتماد على منوال تنمية وطين يرتكز على ثالث مبادئ أساسية هي النجاعة االقتصادية‬

‫واالجتماعية والعدالة والشفافية يف توزيع الثروات وأيخذ بعني االعتبار البعدين االجتماعي واالقتصادي والبنية‬

‫األساسية وحتسني مناخ االستثمار وتقدمي حوافز للمستثمرين ورجال األعمال خللق الثروات وخلق مواطن الشغل‬

‫لتحسني ظروف العيش وتشجيع املبادرات الفردية للشباب يف إطار بعث املؤسسات الصغرى واملتوسطة‪.‬‬

‫وملا كان اهلدم أسهل بكثري من البناء فإننا على يقني من أن قوى البناء ستنتصر على قوى التخريب واهلدم مىت‬

‫صح العزم وخلصت النوااي‪.‬‬

‫‪69‬‬

You might also like