Professional Documents
Culture Documents
أخطاء شائعة في الكتابة لدى تلاميذ الباكلوريا
أخطاء شائعة في الكتابة لدى تلاميذ الباكلوريا
انطالقا من هنا ،ومما خبرناه في تجربتنا المباشرة مع التالميذ ،فإننا نلمس فعليا وبشكل واضح معاناة حقيقة للغالبية العظمى من
التالميذ مع الكتابة اإلنشائية الفلسفية؛ إذ تعوزهم القدرات والمهارات التي تستدعيها هذه الكتابة كتجسيد لممارسة عقلية إبداعية.
وكخطوة أولى لتنبيه التالميذ ألهم األخطاء التي يتم ارتكابها أثناء الكتابة المتعلقة بتحليل ومناقشة نص فلسفي ،سأقدم لهم إحصاءا
قمت من خالله بجرد لجملة من األخطاء التي ارتكبها تالميذي في الفرض المحروس األول لهذه السنة ،ويتعلق األمر بأربعة أقسام
لمستوى الثانية علوم الحياة واألرض.
وقبل أن أقدم لكم األخطاء ،أشير أوال إلى بعض األرقام اإلحصائية:
-أعلى نقطة هي ،14حصلت عليها تلميذة واحدة .وأقل نقطة هي 1حصل عليها تلميذان.
وإليكم اآلن األخطاء المرتكبة:
-1األخطاء اللغوية/األسلوبية:
بالنسبة لهذا النوع من األخطاء سجلت في أوراق التالميذ التي صححتها األخطاء التالية:
-غياب النقط والفواصل؛ فمعظم التالميذ ال يستخدمون الفواصل أثناء الكتابة ،وإن استخدموا النقط فهم يضعون نقطة بعد كتابة أربعة
أسطر أو أكثر!!
-الركاكة أو عدم التعبير بدقة عن األفكار؛ وهذا مؤشر في نظري على ضعف الرصيد اللغوي لدى التلميذ ،والناتج بدوره عن قلة أو
انعدام المطالعة.
-وجود األخطاء النحوية والتركيبية؛ وهي مسألة ترجع أيضا إلى ضعف رصيد القراءة لدى التلميذ.
-عدم وضوح الخط؛ وهي مالحظة تنطبق على بعض األوراق التي ال يتمكن المصحح من قراءة جملها وكلماتها ،فكيف به أن
يستوعب ما تحمله من مضامين وأفكار .والنتيجة هي نقطة سلبية تمنح للتلميذ.
-التمهيد غير المناسب؛ فمن المعروف أن الكتابة اإلنشائية الفلسفية المتعلقة بتحليل النص ومناقشته ،تبدأ بتمهيد يكون الغرض منه
هو التأسيس لطرح اإلشكال المتضمن في النص.
لذلك يجب أن يراعي التلميذ أن يكون هذا التمهيد مستمدا من النص ،أو على األقل مناسبا لموضوعه ،ويؤدي الوظيفة المتوخاة منه؛
وهي إعطاء مبررات لصياغة اإلشكال الكامن في النص.
لكن ،ولألسف ،فكثير من التالميذ يكتبون أشكاال من التمهيد تكون جاهزة ،وال توجد بينها وبين الصياغة اإلشكالية روابط قوية
ومتماسكة.
-كما نشير هنا إلى بعض أنواع التمهيد الطويلة ،والتي قد يفوق طولها أحيانا طول التحليل والمناقشة ( العرض) نفسه! وهي أنواع
من التمهيد غالبا ما تتضمن أفكارا ومعلومات هي مجرد حشو زائد ال عالقة عضوية تجمعه بالطرح اإلشكالي.
-إسقاط إشكاالت وتساؤالت على النص من الخارج .وهذا غير مقبول؛ إذ يجب أن يكون اإلشكال مستمدا من داخل النص ،ومعبرا
بصدق عن اإلشكال الحقيقي الكامن فيه.
-غياب الطرح اإلشكالي أحيانا؛ إذ وجدت بعض األوراق –وهي قليلة على أية حال -ال يطرح أصحابها إشكال النص ،بل يكتفون بتقديم
عام يعقبه عرض لمواقف الفالسفة!
-غياب الدقة في طرح اإلشكال؛ إذ غالبا ما يطرح التلميذ إشكاالت زائفة أو خاطئة ال يستدعيها النص ،وال تعبر عن جوهر الطرح
اإلشكالي الثاوي فيه.
-اقتصار التحليل على مجرد تكرار عبارات النص؛ حيث وجدت بعض التالميذ ال يمتلكون المهارات اللغوية والقدرات العقلية على
تفكيك عبارات النص والبحث عن دالالتها العميقة ،والتعبير عن كل ذلك بأسلوب لغوي خاص ،فيكتفون بمجرد تكرار عبارات النص
ونقلها حرفيا وكأنهم مجرد آالت\ كاتبة ،وليسوا كائنات عاقلة ومبدعة!
-عدم إغناء النص بمعلومات وأمثلة من رصيد التلميذ؛ فيتم االقتصار على مجرد الشرح اللغوي والمقتضب لجمل النص وفقراته.
فالمطلوب من التلميذ هو الغوص و التوسع في تقديم دالالت العبارات الواردة في النص ،وما تحتمله من معاني ممكنة ،وتوضيح ذلك
من خالل معارف فلسفية أو غير فلسفية مستمدة من المعيش اليومي للتلميذ.
-الفهم الخاطئ لعبارات النص؛ وهذا ناتج في نظري عن قلة احتكاك التلميذ بالنصوص الفلسفية وعدم تمرسه على تحليلها؛ مما يجعله
ال ينتبه عادة إلى كلمات النص ،والتركيب الذي جاءت وفقه ،والمعنى الذي تستهدفه ،فيحملها معاني خاطئة غير تلك الكامنة فيها على
وجه الدقة.
-غياب المستويين الحجاجي والمفاهيمي في تحليل النص؛ إذ يقتصر بعض التالميذ على مجرد عرض أفكار النص بشكل مختصر دون
توضيح األساليب الحجاجية (مثال ،مقارنة ،استشهاد ،تشبيه )...التي استخدمها الفيلسوف إما إلثبات أطروحته أو دحض أطروحات
أخرى.
كما ال يعرف التالميذ بالمفاهيم األساسية في النص وتحديد العالقات الموجودة بينها ،وهو ما يساعد على ضبط تمفصالت النص
والكشف عن أطروحته الحقيقية.
-غياب الربط بين التحليل والمناقشة؛ إذ من المفترض بعد االنتهاء من تحليل النص واستخالص أطروحته النهائية أن يطرح التلميذ
تساؤال حول هذه األطروحة لنقدها وتبيان حدودها ،من أجل التمهيد لمناقشتها الحقا .لكن لألسف كثير من التالميذ ينتقلون من لحظة
التحليل إلى لحظة المناقشة دون أي رابط يذكر.
-غياب المناقشة الداخلية؛ إذ يستحسن أن تتضمن المناقشة مستويين؛ مستوى المناقشة الداخلية التي يقوم التلميذ خاللها بإبراز مدى
قوة أفكار النص وتماسك حججه ،أو إبراز العكس؛ أي ضعف هذه األفكار و عدم تماسك الحجج المدعمة لها .ثم يأتي بعد ذلك إلى
مستوى المناقشة الخارجية التي يعرض فيها مواقف فلسفية متنوعة إما مؤيدة للنص أو معارضة له أو مكملة لموقفه .لكن المالحظ
هو أن التلميذ يكتفي بالمناقشة الخارجية دون الداخلية ،ألن األولى يستدعي فيها ذاكرته فقط بينما يغيب الثانية ألنها تتطلب منه قدرات
عقلية في فهم النص والدخول في سجال معه .وال شك أن الدخول في مثل هذا السجال مع النص هو تعبير عن لحظة تفلسف وإبداع
عقلي ال يقوى عليها إال التالميذ النجباء.
-غياب المناقشة نهائيا؛ وهذا خطأ نادر بطبيعة الحال ،إذ اكتفى بعض التالميذ –وهم قلة -بالوقوف عند مستوى تحليل النص دون
مناقشته .ولعل هذا راجع إلى الخواء المعرفي لدى التلميذ.
-عدم ربط مواقف الفالسفة بالنص؛ إذ يكتفي كثير من التالميذ بعرض مواقف الفالسفة كما التقطتها ذاكرة التلميذ من الدرس ،دون
إدخالها في حوار مباشر وحقيقي مع أفكار النص وأطروحته .وهذا يؤدي إلى وجود هوة أو فجوة واضحة بين لحظة التحليل ولحظة
المناقشة ،وكأننا أمام موضوعين منفصلين!
-عدم التوسع في عرض مواقف الفالسفة؛ إذ يكتفي التلميذ هنا بتقديم أطروحة الفيلسوف في سطرين أحيانا دون أن يقدم بعض
التفاصيل والجزئيات التي تستدعيها هذه األطروحة وترتبط بها .والنتيجة هي أن موضوع التلميذ يأتي ضعيفا وشحيحا من الناحية
المعرفية.
-غياب الربط بين الفالسفة أثناء المناقشة؛ حيث يقدم كل فيلسوف معزوال عن اآلخر ،وال نجد أي حوار بينهما.
-غياب مواقف فلسفية متعارضة في المناقشة؛ حيث يكتفي بعض التالميذ بعرض موقف أو مواقف فلسفية مدعمة ألطروحة النص،
ويتم بالمقابل تغييب المواقف الفلسفية المعارضة لها .وهذا ال يتناسب مع طبيعة التفكير الفلسفي الذي يقوم على االختالف في الرأي،
وتقديم مقاربات متعددة بصدد اإلشكال قيد المعالجة.
-الحشو؛ وهو تقديم بعض المعارف الفلسفية التي ال تخدم مناقشتنا للنص ،مادامت تبتعد عن جوهر اإلشكال المطروح فيه .وحتى ولو
كانت تلك المعارف صحيحة ،لكن تظل مع ذلك بدون قيمة إذا لم تكن تتمحور حول اإلشكال الذي تمت معالجته في الموضوع.
-غياب الخالصة التركيبية؛ هناك بعض المواضيع من ضمن األوراق التي صححتها ،ال نجد فيها أية خالصة تركيبية؛ إذ يقف التلميذ
عند حدود االنتهاء من المناقشة دون أن يعرض النتائج والخالصات التي انتهى إليها الموضوع!
-الخالصة الجاهزة وغير المتناسبة مع ما تم عرضه في التحليل والمناقشة؛ حيث وجدت أن بعض التالميذ يأتون بخالصات جاهزة
يحفظونها عن ظهر قلب ،ويزجون بها في الموضوع زجا .وهذا غير مقبول بتاتا؛ إذ أن المطلوب هو أن تكون الخالصة تركيبا لما
سبق ،ومتناسبة مع ما تم تقديمه في العرض ،وأنها مرآة تعكس نتائجه الحقيقة.
-تضمن الخالصة لنتيجة لم يتم الدفاع عنها واالنتصار لها في لحظة العرض؛ وأقصد أن التلميذ يعالج اإلشكال انطالقا من تحليله
للنص ،ثم يقدم بشكل محايد موقفين فلسفيين متعارضين؛ أحدهما مؤيد للنص واآلخر معارض له ،ثم يأتي في الخالصة النهائية ويعلن
انتصار أحد الموقفين الفلسفيين .وهذا غير مقبول في نظري؛ إال إذا قدم التلميذ مبررات أثناء العرض توضح انتصاره لهذا الموقف
الفلسفي دون ذاك ،مع تدعيم ذلك بحجج وأدلة .وقد يكون هذا االنتصار لصالح النص ومؤيديه أو لصالح معارضيه .في هذه الحالة
األخيرة فقط ،يمكن للخالصة أن تكون تعبيرا عن األطروحة التي دافع عنها التلميذ وانحاز للفالسفة الذين عبروا عنها.
أما إذا كان التلميذ محايدا ،ال يدافع عن النص وال عن معارضيه ،فإن عليه أن يعبر في لحظة العرض عن انتقاده وعدم تبنيه
لألطروحتين معا ،ويقدم بالمقابل موقفا جديدا هو عبارة عن تركيب بينهما أو يتجاوزهما معا .وبطبيعة الحال يجب عليه أن يعكس كل
ذلك على مستوى الخالصة النهائية.
إذن فما نريد التأكيد عليه هنا ،هو أن الخالصة تعكس بصدق وبكيفية تلقائية عما تم تبنيه وعرضه في لحظتي التحليل والمناقشة.
ولذلك فمن الخطأ أن يظل التلميذ محايدا منذ بداية الموضوع إلى نهايته ،ثم يأتي في األخير ويعلن بشكل فجائي عن موقفه مشفوعا
بحجج ومبررات .إن هذا غير مستساغ؛ إذ يفترض أن يبرز التلميذ ذاته في كل أجزاء الموضوع ،منذ بدايته إلى نهائيته .فهو –أي
التلميذ -مطالب مثال بعد االنتهاء من تحليل النص أن يناقشه داخليا ،وهذه المناقشة وال شك هي تعبير عن موقف التلميذ من أفكار
النص وأطروحته؛ فإذا كان مساندا لها فعليه أن يوضح مساندته أيضا للمواقف المدعمة لها ،وإن لم يكن مساندا لها فعليه أن ينتقد
مؤيديها ويساند معارضيها .وكل هذه العمليات يقوم بها التلميذ أثناء العرض ،وهي تعكس وال شك موقفه الشخصي الذي نضطلع عليه
قبل الخالصة النهائية ،وتكون هذه األخيرة مجرد تحصيل حاصل ،إذ يتم توقعها مسبقا.
-السؤال المفتوح المشابه لإلشكال الذي تمت معالجته؛ وهذا من األخطاء التي
عثرت عليها أيضا في مواضيع التالميذ ،فيقوم هؤالء بطرح سؤال مفتوح في األخير هو نفسه اإلشكال الذي تمت معالجته في
الموضوع .وهذا غير مقبول إذ يجب أن يكون السؤال المفتوح مغايرا لذلك الذي تضمنه النص وتمت مناقشته من طرف الفالسفة .لكن
يكون بينهما رابط ما؛ إذ أن الخالصات والنتائج التي تتضمنها الخالصة النهائية ،والتي تكون بصدد مناقشة إشكال النص ،هي التي
توحي في الحقيقة بطرح السؤال المفتوح في األخير؛ فيكون معبرا عن نوع من النقد وتبيان حدود هذه الخالصة النهائية نفسها،
وصعوبة تبنيها بحذافيرها وقبولها من شتى األوجه.
هذه إذن هي أهم األخطاء التي تمكنت من تدوينها من خالل عمل استقرائي ،انطلقت فيه من كتابات التالميذ أنفسهم؛ فصححت
مواضيعهم على مهل ،ومنحتها العناية التي تستحق .كما قمت بمناقشة هذه األخطاء مع تالميذي داخل الفصل ،في أفق الوعي بها
وتجاوزها الحقا.