Professional Documents
Culture Documents
عقيدة الشيخ الألباني في الإيمان والتكفير
عقيدة الشيخ الألباني في الإيمان والتكفير
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا ٍ
حممد وعلى آلة وصحبه أمجعني ّأما بعد:
فقد كثر الكالم عن آراء الشيخ األلباين يف مسائل اإلميان والتكفري ،وقد اجتهدت يف كتابة
هذا البحث املختصر؛ ملعرفة عقيدته يف هذا الباب العظيم "باب األمساء واألحكام " .
وقد تيسر يل قراءة مامجعه األستاذ/شادي بن حممد ال نعمان من خالل املوسوعة اليت
مسّاها" :جامع تراث األلباين يف العقيدة " ،أو موسوعة األلباين يف العقيدة " يف 9أجزاء ،.
مركز النعمان للبحوث والدراسات/مكتبة ابن عباس للنشر والتوزيع .
فقرأهتا كاملة ،وأخرجت منها ما يتعلّق بكالمه يف هذه املسائل .فأقول مستعينا با هلل/
هو الكفر القلبي ،لكن هناك أقوال وأعمال قد تصدر من اإلنسان تنيب ّ
عما وقريف قلبه من
الكفر " .
أقول :وهذا تصريح حبصر الكفر بالقلب "االعتقاد " .وهو مذهب غالة املرجئة .
عما في
-2وقال كما يف املوسوعة (" :)169/4هناك أعمال تصدرمن اإلنسان تنبئ ّ
القلب من الكفر والطغيان " .
وهذا تصريح بأ ّن األعمال الكفرية راجعة لكفر القلب ،وهو بعينه ما عليه املرجئة .
ثم قال بعد ذكره لمراتب التكذيب " :فإن قيل :السجود بين يدي الصنم كفر،
ّ
مجرد ال يدخل تحت هذه الروابط ،فهل هو أصل آخر؟ قلنا :ال،
وهو فعل ّ
فإ ّن الكفر يف اعتقاده تعظيم الصنم ،وذلك تكذيب لرسول ا هلل صلّى ا هلل عليه وسلّم
وللقرآن ،ولكن يعرف اعتقاده تعظيم الصنم تارة بصريح لفظه ،وتارة باإلشارة إن كان
يدل عليه داللة قاطعة ،كالسجود حيث ال حيتمل أن يكون السجود أخرس ،وتارة ٍ
بفعل ّ
هلل " .
لذا نجد األلباني يؤّكد ذلك كما في الموسوعة ()458/4بقوله" :يستحيل أن
يكون الكفر العملي خروجاً عن الملّة إالّ إذا كان الكفر قد انعقد في قلب هذا
الكافر عملً " .
وقد ذكر اإلمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة (" :)261-260/1أ ّن القرآن
ذكر أ ّن الكفر أقسام:
والعوام
ّ أحدها :كفر صادر عن ٍ
جهل وضالل وتقليد األسالف؛ وهو كفر أكثر األتباع
جحود ٍ
وعناد وقصد خمالفة احلق . .وغالب ما يقع هذا النوع فيمن له ٍ .الثاين :كفر
رياسة علميّة في قومه من الك ّفار ،أو رياسة سلطانية ،أومن له ما كل وأموال في
قومه ،فيخاف هذا على رياسته ،وهذا على ما له ومأكله؛ فيؤثر الكفر على اإلميان
عمدا .
الثالث :كفر إعر ٍ
اض حمض ،ال ينظر فيما جاء به الرسول ،وال حيبّه وال يبغضه ،وال يواليه
وال يعاديه ،بل هو معرض عن متابعته ومعاداته .
وهذان القسمان أكثر المتكلّمين ينكرونهما ،وال يثبتون من الكفر إالّ األول،
ويجعلون الثاني والثالث كفراً؛ لداللته على األول ،ال ألنّه في ذاته كفر؛ فليس
رد ابن القيم على قول المتكلمين فقال:ثم ّمجرد الجهل ّ ،. .
عندهم الكفر إالّ ّ
تأمل القرآن والسنّة ،وسير األنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى معهم
"ومن ّ
ٍ
ومعرفة عامة كفر األمم عن تي ّق ٍن ٍ
وعلم جزم بخطأ أهل الكلم فيما قالوه ،وعلم أ ّن ّ
وصحة دعواهم وما جاءوا به " .
بصدق أنبيائهم ّ
-3وقال األلباين كما يف املوسوعة (" :)361/4شهادة أن الإله إالّ ا هلل تنجي قائلها
من اخللود يف النار يوم القيامة ولوكان ال يقوم بشيء من أركان اإلسلم الخمسة
األخرى كالصلة وغيرها " .
أقول :وهذا تصريح منه بأن تارك أعمال اجلوارح بالكلية مسلم تنجيه كلمة ال إله إالّ ا
هلل .
قال اإلمام إسحاق بن راهويه كما نقله عنه ابن رجب يف فتح الباري (:)25/1
"غلت المرجئة حتى صار من قولهم أ ّن قوماً يقولون :من ترك المكتوبات ،وصوم
ٍ
جحود لها ال نكفره ،يرجأ أمره إلى وعامة الفرائض من غير
والحج ّ
ّ رمضان ،والزكاة
ا هلل بعد إذ هو مقر .فهؤالء المرجئة الذين الشك فيهم " .
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف اإلميان األوسط ص" :577وقد تبني أ ّن الدين الب ّد
فيه من ٍ
قول وعمل ،وأنّه ميتنع أن يكون الرجل مؤمنا باهلل ورسوله ،بقلبه أو بقلبه ولسانه،
يؤد واجبا ظاهرا ال صالة ،وال زكاة ،وال صياما ،وال غري ذلك من الواجبات ،. . .
ومل ّ
ومن قال بحصول اإليمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات . .كان مخطئاً
خطئاً بيّناً ،وهذه بدعة اإلرجاء التي أعظم السلف واألئمة الكلم في أهلها ،وقالوا
وأعمها ،وأولها
فيها من المقاالت الغليظة ما هو معروف ،والصلة فهي أعظمها ّ
وأجلّها " .
وذكر رمحه ا هلل كما يف اإلميان األوسط ص 557-556أ ّن "من الممتنع أن يكون
الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه ،بأ ّن اهلل فرض عليه الصلوات والزكاة والصيام
والحج ،ويعيش دهره ال يسجد هلل سجدةً ،وال يصوم يوماً من رمضان ،وال يؤدي
نفاق يف القلب وز ٍ
ندقة، هلل زكاةً ،وال يحج إلى بيته ،فهذا ممتنع ،وال يصدر هذا إالّ مع ٍ
ّ
المع ٍ
إميان صحيح " .
وقال اإلمام محمد بن علي الكرجي القصاب في تفسيره :نكت القرآن الدالّة على
جل وعل" :فإن تابوا وأقاموا الصلة وءآتوا البيان ()481-480/1على قوله ّ
نصه" :أن تارك الصالة والزكاة يكفر يف الظاهر؛ أل ّن ا
الزكاة فإخوانكم في الدين " ما ّ
جل وتعاىل مل يأمر بتخلية سبيل املشركني وال مسّاهم إخوان املؤمنني إالّ بإقامة الصالة
هلل ّ
والزكاة مع التوبة ،وهي ثالث شرائط .
(وهومن أهم كتب الفرق )في حديثه عن المرجئة" :وقد ذكرت املرجئة يف كتابنا هذا
أوال وآخرا ،إذ قوهلا خارج من التعارف والعقل .
حرم ا
وحرم ما ّ
أال ترى أ ّن منهم من يقول :من قال :ال إله إالّ ا هلل ،حممد رسول ا هللّ ،
أحل ا هلل دخل اجلنة إذا مات ،وإن زىن ،وإن سرق ،وقتل ،وشرب اخلمر،
أحل ما ّ
هلل ،و ّ
يسوف
مقراً بهاّ ،
وقذف احملصنات ،وترك الصلوات ،والزكاة ،والصيام ،إذا كان ّ
يضره وقوعه على الكبائر ،وتركه للفرائض ،وركوبه الفواحش ،وإن فعل
التوبة ،لم ّ
ذلك استحلالً كان كافراً با هلل مشركاً ،وخرج من إيمانه ،وصار من أهل النار " .
وقال أيضا (" :)155/4الذي فهمناه من أدلّة الكتاب والسنّة ومن أقوال األئمة من
وأئم ٍة مجتهدين أ ّن ما جاوز العمل القلبي وتع ّداه إلى ما يتعلّق ٍ
صحابة وتابعين ّ
بالعمل البدني فهو شرط كمال وليس شرط ٍ
صحة " .
وقال اإلمام إسماعيل المزني (تلميذ الشافعي) في شرح السنة واعتقاد السلف
ص( 505من اجلامع يف عقائد ورسائل أهل السنة واألثر )" :واإلميان قول وعمل مع
اعتقاده باجلنان ،وقول اللسان ،وعمل اجلوارح واألركان ،وهما سيّان ،ونظامان،
النفرق بينهما ،فل إيمان إالّ ٍ
بعمل ،وال عمل إالّ بإيمان " . وقرينانّ ،
وقال اإلمام أحمد" :اإليمان ال يكون إالّ بالعمل " ،نقله عنه الخلل في السنة
". " 962
نقله عنه الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( ،)1593وابن كثير في
طبقات الشافعية ( ،)4/1وابن رجب في جامع العلوم والحكم (. )104/1
وقال سهل بن عبدا هلل التستري" :اإليمان إذا كان قوالً بل عمل فهو كفر ،وإذا
كان قوالً وعملً بل نيّ ٍة فهو نفاق ،وإذا كان قوالً وعملً ونيّةً بل سنّة فهو بدعة " .
وقد قال ا هلل تعالى ذكره" :إ ّن الذين ءآمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنّات
الفردوس نزالً " الكهف. 107 :
ظ له في الجنة .
كل من ال يقترن عمله بقوله؛ فل ح ّ
فأخبر أ ّن ّ
ثم اهتدى " طه. 82 :
وقال ا هلل " :وإنّي لغفار لمن تاب وءآمن وعمل صالحاً ّ
فأخبر تعالى أنّه ال يغفر إالّ لمن يجمع له القول والعمل ،فهو ال ينفع أحدهما دون
صاحبه .
وقال عز وجل" :إ ّن الذين ءآمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية "البينة:
.7
فوصف أ ّن اإليمان قول وعمل ،وأ ّن القول ال ينفع إالّ بالعمل ،كما أ ّن العمل ال
ينفع إالّ بالقول " .أ .هـ .
وقال اإلمام ابن بطة في اإلبانة الكبرى (" :)1175فقد تلوت عليكم من كتاب
يدل العقلء من المؤمنين أ ّن اإليمان قول وعمل ،وأ ّن من ص ّدق بالقول اهلل ما ّ
وترك العمل كان مك ّذباً ،وخارجاً من اإليمان ،وأ ّن ا هلل ال يقبل قوالً إالّ ٍ
بعمل ،وال
عملً إالّ بقول " .
ما أورده الشهرستاين يف امللل والنحل ( )101/1عن أيب احلسن األشعري أنّه قال:
"اإلميان هو التصديق باجلنان ،و ّأما القول باللسان والعمل باألركان ففروعه ،فمن ص ّدق
أقر بوحدانيّة ا هلل تعاىل ،واعرتف بالرسل تصديقا هلم فيما جاءوا به من
بالقلب؛ أيّ :
صح إيمانه حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمناً ناجياً " .
عند ا هلل تعاىل بالقلب ّ
وإذا كان إميانه صحيحا بدون العمل ،فركنه :هو التصديق كما ذكر األشعري آنفا ،وال
خيرج العبد من اإلميان إالّ جبحود ما أدخله فيه .
وقال الطحاوي يف مشكل اآلثار(" :)204/8وإسالمه كان بإقراره باإلسالم ،وكذلك
احتج به األلباني في كتابه/حكم
ردته ال تكون إالّ بجحوده اإلسلم " ،وهذا النص ّ
مرد له " .
تارك الصلة قائلً" :وهذا فقه جيد وكلم متين ال ّ
وقال القاضي عياض في المعلم شرح مسلم ( )203/1وهو يتكلّم عن مفهوم
اإليمان" :حقيقته يف وضع اللغة :التصديق ،ويف عرف الشرع :التصديق بالقلب
لكن كماله
واللسان ،فإذا حصل هذا :حصل اإلميان املنجي من اخللود يف النار؛ ّ
المنجي من دخولها رأساً بكمال خصال اإلسلم " .
وقال الغزالي في قواعد العقائد ص" :258فإن قلت :فقد ما ل االختيار إىل أ ّن
اإلميان حاصل دون العمل ،وقد اشتهر عن السلف قوهلم( :اإلميان عقد ،وقول،
وعمل)فما معناه؟
وقال البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد ص" :72والعمل شرط كمال من
حصل الكمال ،ومن تركه
المختار عند أهل السنة (يعني :األشاعرة)فمن أتى به فقد ّ
فوت على نفسه الكمال إذا مل يكن استحالل أو عناد للشارع فهو مؤمن ،لكنّه ّ
أوشك يف مشروعيته ،وإالّ فهو كافر فيما علم من الدين بالضرورة " .
ّ
وهذا بعينه ما عليه األلباني .
وقال محمد زاهد الكوثري الجهمي في تعليقه على التنبيه والرد على أهل األهواء
للملطي ص" :41عمل الجوارح من كمال اإليمان ال أنّه جزء من ما هيّة اإليمان
لئلّ يلزم االنزالق إلى مذهب المعتزلة والخوارج " .
قلت :وهذا غيض من فيض من كلم األشاعرة ومن سلك سبيلهم في عدم ركنية
العمل في اإليمان ،وإنما هو كمال أو شرط كمال على اختلف عباراتهم في
ومؤداها واحد .
ذلك ّ
بل ذكر اآلمدي في غاية المرام في علم الكلم ص 309مفهوم اإليمان عند
ثم قال" :وبهذا يتبيّن أيضاً فساد قول الحشوية :أ ّن
األشاعرة ،وأنّه التصديق ّ ،. .
اإليمان هو التصديق بالجنان ،واإلقرار باللسان ،والعمل باألركان " .
وأيضاً /يتبين أ ّن نسبة األلباني للسلف القول بأ ّن األعمال شرط كمال كذب
أئمة السلف المتقدمين . ٍ
عليهم ،فهو قول محدث لم يؤثر عن أحد من ّ
-5وقال األلباني مؤّكداً أ ّن المناط في التكفير هو القلب كما في
الموسوعة(" :)460/4اآلن مناط الحكم والبحث والتفريق بين كف ٍر وكفر هو أن
المستقر
ّ ننظر إلى القلب ،فإن كان القلب مؤمناً والعمل كافراً فهنا يتغلّب الحكم
المستقر في العمل " .
ّ في القلب على الحكم
أقول :الكفر ال يختص باالعتقاد والتكذيب ،بل يقع بالقول والعمل .
يختص
ّ قال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص" :552والكفر ال
بالتكذيب؛ بل لو قال :أنا أعلم إنك صادق لكن ال أتبعك ،بل أعاديك وأبغضك
فلما كان الكفر املقابل لإلميان ليس هو
وأخالفك وال أوافقك لكان كفره أعظمّ ،
التكذيب فقط ،علم أ ّن اإلميان ليس هو التصديق فقط ،بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا
ويكون خمالفة ومعاداة وامتناعا بالتكذيب ،فالب ّد أن يكون اإلميان تصديقا مع مو ٍ
افقة
ومواالةٍ وانقياد ال يكفي جمرد التصديق " .
-6يرى األلباين أنّه الب ّد من قصد الكفر(انشراح الصدر به) فقال كما يف
كل من وقع يف الكفر وقع الكفر عليه؛ ألنّنا نعلم املؤاخذة
املوسوعة(" :)553/5ليس ّ
قصد ال قيمة إلميانه ،ومن كفر دون ٍ
قصد للكفر هو كاإلميان ،فمن آمن هكذا دون ٍ
فل يحكم بكفره ،إنما األعمال بالنيات " .
أقول :وهذا قول غالة املرجئة الذين يرون حصر الكفر يف العناد ،وال خيفى بطالن ذلك؛
أل ّن نصوص الوحي دلّت على أ ّن الكفر يكون باإلعراض ويكون باإلباء واالستكبار مع
التصديق ،وهذا ليس عنادا .
وأهل السنة ال يقيدون الكفر بالقصد-أي قصد الكفر-بل بقصد الفعل ،مبعىن أن
يسجد لصن ٍم أو لصاحب ضريح كالبدوي أو الدسوقي أو احلسني خمتارا دون إكراه؛ أل ّن
احلكم بالكفر واإلميان مبنامها على الظاهر دون النظر إىل املقاصد والنيّات .
ثم حكم على ساب اهلل ورسوله بأنه فاسق فقال" :فأنا أريد أن أصل ،هذا واقعنا
ّ
مع األسف الشديد ،يعني ما في من يقيم الحكم الشرعي على هذا الفاسق " .
وفي الموسوعة ( )614/5سئل األلباني /وردت بعض اآلثار عند بعض األئمة وعن
األئمة كاإلمام أحمد بكفر شاتم اهلل أو
بعض الصحابة كخالد بن الوليد ،وبعض ّ
ردة ،فهل هذا على إطلقه؟ نرجو اإلفادة .
الرسول واعتبروه كفر ّ
فأجاب" :ما نرى ذلك على اإلطلق ،فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل
ٍ
ومعرفة ،فإذا غفلة ،وأخيراً :قد يكون عن ٍ
قصد وعن سوء التربية ،وقد يكون عن ٍ
ٍ
ومعرفة فهو ومعرفة ،فإذا كان بهذه الصورة وعن ٍ
قصد ٍ كان بهذه الصورة عن ٍ
قصد
الردة الذي ال إشكال فيهّ ،أما إذا احتمل وجه من الوجوه األخرى التي أشرت إليها
ّ
أهم إسلميّاً من المسارعة إلى التكفير " .
فاالحتياط في عدم التكفير ّ
أقول :فكلمه صريح في عدم تكفير ساب اهلل إذا كان السب ناتجاً عن سوء تربية
وعن جهل (مع أنه ال يتصور الجهل في أعظم المعارف اهلل جل وعل) .
أقول :وهذا تأكيد منه على عقيدته الجهمية بأ ّن الكفر عنده قصد الكفر ال قصد
الفعل .
ونقل رحمه اهلل إجماع أهل السنة على كفر ساب اهلل ورسوله كما في الصارم
سب اهلل تعالى أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً،
المسلول ص 310فقال" :إ ّن ّ
محرم أو كان مستحل أو كان ذاهلً عن اعتقاده،
سواء كان الساب يعتقد أ ّن ذلك ّ
هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة والجماعة القائلين بأ ّن اإليمان قول وعمل،
وقد قال إسحاق بن راهويه" :قد أجمع المسلمون على أ ّن من سب اهلل أو سب
مقراً بما أنزل اهلل " .
رسوله أنه كافر بذلك وإن كان ّ
وقال اإلمام أحمد في رواية عبداهلل وأبي طالب :من شتم النبي صلّى اهلل عليه
النبي صلّى
وسلّم قتل ،وذلك أنه إذا شتم فقد ارت ّد عن اإلسلم ،وال يشتم مسلم ّ
اهلل عليه وسلّم " .
وهو بعينه ما عليه األلباين ،فقد سئل كمايف املوسوعة( :)630/5ما حكم سب الدين؟
ويكفي في إبطال قول األلباني بالترادف بين اإليمان والتصديق ،قول النبي صلى
اهلل عليه وسلّم " :العينان تزنيان وزناهما النظر ،واألذنان تزنيان وزناهما السمع،
والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " رواه البخاري .
ّأما قول األلباني بأ ّن إبليس لم يكن مص ّدقاً فهذا واهلل من أعجب ما يكون ،فاهلل
يقول في كتابه" :إالّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " .فحكم بكفره
بمجرد استكباره وامتناعه عن السجود ،ولم يذكر أنه لم يكن مصدقاً .
قال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص" :360-359ونصوص
تدل على أ ّن الك ّفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب ،. .
القرآن في غير موض ٍع ّ
وكما قال عن إبليس " :فسجد الملئكة كلهم أجمعون .إالّ إبليس استكبر وكان
من الكافرين "(ص )74 :فلم يصفه إالّ باإلباء واالستكبار ومعارضة األمر ،لم
يصفه بعدم العلم " .
وقال في اإليمان األوسط ص" :418وكفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم ،لم
يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم ،فإبليس لم يخبره أحد بخبر ،بل أمره ا
هلل بالسجود آلدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين ،فكفره باإلباء واالستكبار وما
يتبع ذلك ،ال ألجل تكذيب " .
أقول :وهذا بعينه ما عليه غالة املرجئة؛ لذا ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية فساد قول
جه ٍم ومن اتبعه من متأخري أصحاب أيب حنيفة كاملاتريدي يف أ ّن ما علم من األقوال
الظاهرة أ ّن صاحبه كافر ،فأل ّن ذلك مستلزم عدم ذلك التصديق يف القلب فقال كما يف
اإلميان األوسط ص" :493جعلوا ما علم أ ّن صاحبه كافر-مثل إبليس وفرعون واليهود
وأيب طالب وغريهم-أنّه إّّنا كان كافرا؛ أل ّن ذلك مستلزم لعدم تصديقه يف الباطن ،وهذا
مكابرة للعقل واحلس " .
وقال كما في اإليمان الكبيرص" :354واحل ّذاق يف هذا املذهب كأيب احلسن
والقاضي
وجه لأللباني عن حكم من مات من المسلمين وهو يجهل التوحيد- ، وفي ٍ
سؤال ّ
ومثّل السائل بالصوفية والقاديانية-فقال" :هذا النوع من المسلمين ! ! ! يعاملون
رب العالمين معاملة من لم تبلغهم الدعوة " .
فيما نعلم من دين اإلسلم عند ّ
كما في الموسوعة (. )762/5
وقال تلميذه أبو اليسر أحمد خشاب الذي الزمه في مكتبته 9سنوات" :اتصل
هاتفيّاً باأللباني أحد المشايخ الصوفيين في األردن قبل عشرين عاماً في بداية مقدم
عمان ،قائلً له :يا شيخ ناصر الغريب الب ّد أن يكون أديباً .فقال
الشيخ إلى ّ
األلباني" :ما هذه اإلقليمية التي عندك يا شيخ فلن؟ قال الصوفي" :ألنك
وتلميذك تك ّفرون المسلمين! فقال األلباني" :نحن؟ ! قال الصوفي" :نعم
.فقال األلباني :إني سائلك سؤاالً ،قال الصوفي" :سل .قال األلباني :ما ذا تقول
بصوت مرتفع :نويت أن أصلي ركعتينٍ رجل يقف أمام قب ٍر ناوياً ،ويقول
في ٍ
لصاحب هذا القبر؟ ! قال الصوفي :هذا كافر مشرك .
فقال األلباني" :نحن ال نقول :كافر مشرك! نحن نقول :جاهل ،ونعلّمه ،فمن
الذي يك ّفر الناس يا شيخ فلن؟ ! نحن أم أنت؟ ! فإذا بهذا الشيخ الصوفي
عما بدر منه ،ويأتي إليه في بيته ويعتذر إليه ويقبّل يده " .
يستسمح األلباني ّ
وأقره ،ونقله تلميذ األلباني
وهذا الكلم ذكره علي الحلبي تلميذ األلباني في موقعه ّ
أحمد الخشاب المصري مقراً له ،ونقله غير ٍ
واحد من تلميذ األلباني .فالقوم ّ
يشهدون بصحته .
أقول :فصار هذا الصوفي أحسن حاالً من األلباني في حكمه على هذه الصورة الشركية
بأن صاحبها كافر مشرك ،بينما األلباني رفض الحكم عليه بأنه مشرك وال حول وال قوة
إالّ باهلل .
ّأما الرد على ما سبق من ضلالت األلباني فيمكن إيجازها فيما يلي:
أوالً :عدم تكفير األلباني لمن انتحل مذهب القاديانية من أعجب ما يكون .
أوال :أ ّن ما ّادعاه مريزا غالم أمحد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه ،إنكار صريح ملا
ثبت من الدين بالضرورة ثبوتا قطعيا يقينيا من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا ٍ
حممد ،وأنه ال ّ ّ
أحد بعده ،وهذه الدعوى من ميرزا غلم أحمد تجعله وسائر من ينزل وحي على ٍ
يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن اإلسلم " .
أقول :واجملامع الفقهية يف عصرنا متثّل هيئات االجتهاد اجلماعي ،وكما سبق نقله صدر
قراران جممعيان من اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي ،ومن جممع الفقه
اإلسالمي الدويل التابع ملنظمة العامل اإلسالمي .
مثّ يأيت األلباين وحيكم بإسالم من اعتنق مذهب هذه النحلة اخلبيثة القاديانية! ! ! .
ثانياً :تسمية األلباني من يدعون األولياء ويطوفون بقبورهم ويستغيثون بهم بأنهم
"مسلمون " بل و "إخواننا " تسمية باطلة ،مبنية على أنّه ال يعلم مناط الحكم على
المعين بالكفر أو اإلسلم .
فالحكم على معيّ ٍن بالكفر أو اإلسلم مناطه :أصل اإلسلم وجوداً وعدماً .فمن
كل من نطق بالشهادتين وأظهر
كان عنده أصل اإلسلم فهو مسلم ،ويشمل ذلك ّ
يضاد ذلك من نواقض اإلسلم الصريحة؛ إذ أحكام
ّ اإلسلم ،ولم يظهر منه ما
الدنيا مدارها على الظاهر .فمن أظهر الشرك أو الكفر الصريح ،فالحكم للظاهر؛
إذ ال يجتمع أصل اإلسلم –وهو التوحيد-مع ض ّده من الشرك أو الكفر الصريح .
جل وعل" :فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن با هلل فقد والدليل على ذلك :قوله ّ
استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها واهلل سميع عليم " .
وقوله صلّى ا هلل عليه وسلّم" :من قال ال إله إالّ ا هلل وكفر بما يعبد من دون ا هلل
حرم دمه وماله وحسابه على ا هلل " رواه مسلم .
ومن دعا األولياء واستغاث بهم وذبح ونذر لهم ،وطاف بأضرحتهم فإنهّ لم يح ّقق
الكفر بالطاغوت ،وأعظمه/ترك عبادة غيرا هلل .
ويف اآلخرة أمرهم إىل ا هلل إذا مل تقم عليهم احلجة .
قال ابن القيم يف طريق اهلجرتني ص" :608واإلسالم هو :توحيد ا هلل وعبادته وحده ال
ٍ
بمسلم شريك له ،واإلميان برسوله ،واتباعه فيما جاء به؛ ومالم يأت العبد بهذا فليس
.وإن لم يكن كافراً معانداً ،فهو كافر جاهل .
فغاية هذه الطبقة :أنهم ك ّفار جهال غير معاندين ،وعدم عنادهم ال يخرجهم عن
كونهم ك ّفاراً؛ فإ ّن الكافر :من جحد توحيدا هلل تعاىل ،وك ّذب رسلهّ :إما عناداّ ،
وإما
جهال وتقليدا ألهل العناد . " . . .
فأجاب" :ك ّفار ال مسلمينّ ،أما عذابهم فل يكون حتى يبعث لهم رسول .ويف ّ
قصة
اجملانني وأهل الفرتات :أنّه يبعث هلم عنق من النار "أ .هـ من جمموع فتاوى ورسائل
الشيخ (. )246/1
أقول :الشاهد من كلمه أنّه بيّن أ ّن أهل الفترة كفار ومشركون في الدنيا ،وإّنا
اخلالف يف اآلخرة ،هل يدخلون النار أم يعذرون؛ ألنّه مل يأهتم نذير؟ .
لكن ٍ
قال الشيخ عبدالعزيز بن باز كما يف جمموع فتاوى ومقاالت متنوعة (" :)49/1و ّ
يتقربون إليهم بالذبح
التقرب إىل أهلها بالطواف هبا ،كما ّ
الغالب على عباد القبور هوّ :
يغسل ،وال
كل ذلك شرك أكرب ،من ما ت عليه ما ت كافراً ،ال ّ هلم والنذر هلم؛ و ّ
يصلّى عليه ،وال يدفن في مقابر المسلمين ،وأمره إلى ا هلل في اآلخرة ،إن كان ممّن
مل تبلغه الدعوة فله حكم أهل الفرتة " .
قال الشيخ عبد العزيزبن باز كما يف فتاوى نور على الدرب (" :)262/1أهل الفرتة
هم الذين مل تبلغهم الرسالة ،. .ال مسعوا بالقرآن وال بالرسول ،هؤالء يقال هلم :أهل
الفرتة؛ ّأما من بلغه القرآن؛ أو بلغه خبر الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم أ ّن ا هلل بعثه
إلى الناس يدعوهم ولم يبال ليس من أهل الفترة " .
وقال أيضاً كما في فتاوى نور على الدرب(" :)256-255/1أمور العقيدة التي
تتعلّق بالتوحيد والشرك ال يعذر فيها بالجهل وهوبين المسلمين ،ويسمع القرآن
واألحاديث ،ويستطيع أن يسأل ،ما يعذر بدعوة القبور ،واالستغاثة باألموات وأشباه
ذلك .بل يجب عليه أن يتعلّم ،وأن يتف ّقه ،وليس له أن يتساهل في هذا األمر " .مثّ
إ ّن أهل الفرتة كفار يف أحكام الدنيا بإمجاع العلماء ،وقد سبق ذكر شيء من ذلك،
وبناء عليه ألحق بهم عباد
بينما صريح كلم األلباني أنهم ليسوا كفاراً في الدنيا ً
القبور باعتبار أنهم مسلمون ،وهذا غلط شنيع آخر وقع فيه األلباني .
تبني له احلق وعرفه وعانده واختار الضالل؛ قال تعاىل" :ومن يشاقق األول :من ّ
توىل ونصله جهنّم
الرسول من بعد ما تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما ّ
وساءت مصريا " النساء . 115 :وهذا الصنف قليل .
الثاني :من بلغه العلم ومت ّكن من التعلّم ،ولوكان جاهال؛ إذ إ ّن جهله إنّما هو سبب
قال اإلمام الشافعي" :لو عذر اجلاهل ألجل جهله ،لكان اجلهل خريا من العلم؛ إذ
حجة للعبد
ط عن العبد أعباء التكليف ،ويريح قلبه من ضروب التعنيف .فل ّ
كان حي ّ
في جهله الحكم بعد التبليغ والتمكين( ،لئلّ يكون للناس على ا هلل حجة بعد
الرسل) " .
نقله عنه الزركشي يف املنثور يف القواعد (. )15/2
فبني الشافعي أ ّن العذر ليس مناطه اجلهل اجملرد كما قال" :لو عذر اجلاهل ألجل جهله
ّ
" ،وإّّنا مناطه :اجلهل مع عدم القدرة على العلم ،وميكن أن نضرب له مثاال حبال األربعة
الذين يدلون على ا هلل حبجتهم يوم القيامة ،كما يف احلديث الذي رواه اإلمام أمحد يف
أصم ال يسمع
النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم أنّه قال" :أربعة يوم القيامة :رجل ّ
املسند عن ّ
رب لقد األصم فيقولّ " :
ّ فأما
شيئا ،ورجل أمحق ،ورجل هرم ،ورجل ما ت يف فرتة ّ .
جاء اإلسالم وما أمسع شيئا " .و ّأما األمحق فيقول" :لقد جاء اإلسالم والصبيان
رب لقد جاء اإلسالم وما أعقل شيئا " .و ّأما
حيذفونين بالبعر " .وأما اهلرم فيقولّ " :
رب ما أتاين لك رسول " .فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه
الذي ما ت يف الفرتة فيقولّ " :
.فريسل إليهم أن ادخلوا النار. :قال" :فو الذي نفس ٍ
حممد بيده! لو دخلوها لكانت
عليهم بردا وسالما " .
ففي هذا احلديث ّبني صلّى ا هلل عليه وسلّم الذين يعذرون ،وعلّة عذرهم هي :عدم
القدرة على الفهمّ ،إما لعدم بلوغ العلم كالذي عاش يف الفرتة ،أو لعدم القدرة لفقد آليّة
الفهم كاألصم واهلرم واجملنون .
-1قال اإلمام الربهباري يف شرح السنة ص" :64وال خنرج أحدا من أهل القبلة من
أويرد شيئا من آثار رسول ا هلل صلّى ا هلل عليه
يرد آية من كتاب ا هللّ ،
حىت ّ
اإلسالم ّ
وسلّم ،أو يذبح لغيرا هلل ،أو يصلّي لغيرا هلل ،فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب
عليك أن تخرجه من اإلسلم " .
-2وقال ابن جريرالطربي يف التبصري يف معامل الدين (ص ،)15-13مع تعليق الشيخ
ابن باز" :مثّ لن يعد ومجيع أمور الدين-الذي امتحن ا هلل به عباده -معنيني :أحدمها:
حالل وحرٍام و ٍ
أقضية وأحكام . توحيدا هلل وعدله .واآلخر :شرائعه اليت شرعها خللقه من ٍ
-3شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل
اإلسالم وعبادات أهل الشرك ص 70قال" :ومنهم من يسجد من باب املكان املبين
على القرب ،ومنهم من يستغين بالسجود لصاحب القرب عن الصوات اخلمس ،فيسجدون
يظن به اخلري ،وليس
هلذا امليت وال يسجدون للخالق ،وقد يكون ذلك امليت ممّن ّ
كذلك ،كما يوجد مثل هذا يف مصر ،والشام ،والعراق ،وغري ذلك .
ومنهم من يطلب من امليت ما يطلبه من ا هلل ،فيقول :إغفر يل ،وارزقين ،وانصرين ،وحنو
يشك منذلك كما يقول املصلّي يف صالته هلل تعاىل ،إىل أمثال هذه األمور اليت ال ّ
حرمه ا هلل
فإّنا من الشرك الذي ّ
عرف دين اإلسالم ّأّنا خمالفة لدين املرسلني أمجعنيّ ،
ورسوله ،بل من الشرك الذي قاتل عليه الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم املشركني ،وأ ّن
الحجة لم تقم عليهم ،كما يعذر من لم
أصحابها إن كانوا معذورين بالجهل ،وأ ّن ّ
يبعث إليه رسول ،كما قال تعالى" :وماكنّا مع ّذبين حتى نبعث رسوالً " اإلسراء:
. 15وإالّ كانوا مستحقين من عقوبة الدنيا واآلخرة ما يستح ّقه أمثالهم من
المشركين ،قال تعاىل" :فال جتعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون " البقرة. 22 :
والذين يؤمنون بالرسول إذا تبيّن ألحدهم حقيقة ما جاء به الرسول ،وتبيّن أنّه
مشرك ،فإنّه يتوب إلى اهلل ويج ّدد إسلمه ،فيسلم إسلماً يتوب فيه من هذا الشرك
".
قلت :فكالمه صريح يف تسمية هؤالء "مشركين "و ّأّنم إن عذروا باجلهل فحاهلم كحال
من مل يبعث إليه رسول وهم أهل الفرتة يف عقوبة الدنيا واآلخرة ،وأ ّن الواحد من هؤالء
املشركني قد يتوب فيجدد إسالمه ،فيسلم إسالما يتوب فيه من هذا الشرك .
-4وقال الشيخان حسني وعبدا هلل ابنا الشيخ حممد بن عبدالوهاب رمحهم ا هلل" :من
ما ت من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة ،فالذي حيكم عليه :أنّه إذا كان معروفا
بفعل الشرك ويدين به ،ومات على ذلك ،فهذا ظاهره أنّه ما ت على الكفر .وال يدعى
يتصدق عنه .و ّأما حقيقة أمره فإىل ا هلل تعاىل ،فإن كانت قامت
يضحى له ،وال ّ
له ،وال ّ
احلجة يف حياته وعاند فهذا كافر يف الظاهر والباطن .وإن مل تقم عليه احلجة فأمره
عليه ّ
إىل ا هلل تعاىل " .
كل
)ونصهاّ " :
-5ماورد يف فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء برقم (ّ 4400
من آمن برسالة نبينا ٍ
حممد صلّى ا هلل عليه وسلّم وسائر ما جاء يف الشريعة إذا سجد بعد ّ
ويل وصاحب ق ٍرب أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرت ّداً عن اإلسلم مشركاً
ذلك لغريا هلل من ٍّ
مع ا هلل غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده؛ إلتيانه بما ينقض قوله
من سجوده لغيرا هلل ،لكنّه قد يعذر لجهله فل تنزل به العقوبة حتى يعلّم وتقام عليه
الحجة وميهل ثالثة أيام إعذارا إليه لرياجع نفسه عسى أن يتوب ،فإن ّ
أصر على سجوده ّ
النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم" :من ب ّدل دينه فاقتلوه "
لغريا هلل بعد البيان قتل لردته؛ لقول ّ
.أخرجه اإلمام البخاري يف صحيحه عن ابن عباس رضي ا هلل عنهما ،فالبيان وإقامة
يسمى
ليسمى كافراً بعد البيان ،فإنّه ّ الحجة لإلعذار إليه قبل إنزال العقوبة به ال ّ
ٍ
سجود لغيرا هلل أو نذره قربةً أو ذبحه شا ًة مثلً لغيرا هلل " . كافراً بما حدث منه من
فتاوى اللجنة الدائمة( )220/1مجع وترتيب :أمحد الدويش ،طبع ونشر مكتبة
العبيكان ،الطبعة الثانية1412 :هـ .
نصه كما يف ٍ -6ماورد يف جو ٍ
اب للشيخ حممد بن عثيمني رمحه ا هلل على سؤال هذا ّ
فتاوى نور على الدرب (" )431/1ما مصري املسلم الذي يصوم ويصلّي ويزّكي ،ولكنّه
يعتقد باألولياء االعتقاد الذي يسمونه يف بعض الدول اإلسالمية اعتقادا جيدا أ ّّنم
يضرون وينفعون ،كما أنّه يقوم بدعاء هذا الويل فيقول :يا فالن ،لك كذا وكذا إذا شفي
ّ
ابين أو بنيت .أوبا هلل يا فالن .فماحكم مثل هذه األقوال .وما مصري املسلم فيه؟
فأجاب" :تسمية هذا الرجل ،الذي ينذر للقبور واألولياء ويدعوهم مسلماً جهل
ٍ
بمسلم؛ ألنّه مشرك ،قال ا هلل تعاىل" :وقال المسمي ،ففي الحقيقة هذا ليس
ّ من
ربكم ادعوين أستجب لكم إ ّن الذين يستكربون عن عباديت سيدخلون جهنّم داخرين "
وأ ّكد رمحه ا هلل على كفر تارك التوحيد بعينه فقال كما يف تفسري سورة املائدة
(" :)403/1كما أنّنا لو رأينا رجال كافرا فإنّنا نعامله معاملة الكافر ،وال نقول :إنّنا
ال نك ّفره بعينه ،كما اشتبه على بعض الطلبة اآلن ،يقولون :إذا رأيت الذي ال يصلّي
ال تك ّفره بعينه ،كيف ال أك ّفره بعينه! ! إذا رأيت الذي يسجد للصنم ال تكفره بعينه؛
ألنّه رّمبا يكون قلبه مطمئنّا باإلميان ،هذا غلط عظيم ،نحن نحكم بالظاهر ،فإذا
وجدنا شخصاً ال يصلّي قلنا :هذا كافر بملء أفواهنا ،إذا رأينا من يسجد للصنم
قلنا :هذا كافر ،ونعيّنه ونلزمه بأحكام اإلسلم ،فإن لم يفعل قتلناهّ ،أما في اآلخرة
ٍ ٍ
ال نشهد ألحد معيّ ٍن ال بجنة وال نار إالّ من شهد له ّ
النبي صلّى ا هلل عليه وسلّم،
أو جاء ذلك في القرآن " .
أئمة السنة في الحكم على من وقع في أقول :ما سبق نقله يبيّن تواتر النقل عن ّ
الشرك األكبر بأنّه "مشرك "بعينه ،وتترتّب عليه أحكام ذلك في الدنيا؛ أل ّن هذا
الباب مبني على الظاهر .
وقد ذكر التفريق في التكفير بين أحكام الدنيا واآلخرة شيخ اإلسلم ابن تيمية كما
في شرح العمدة ( )93-92/2فقال" :الكفر على قسمين:
قسم تنبني عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح ومنع التوارث والعقل
وحل الدم والمال وغير ذلك ،فهذا إنّما يثبت إذا ظهر لنا كفرهّ ،إما ٍ
بقول يوجب ّ
عمل ،مثل :السجود للصنم وإلى غير القبلة ،واالمتناع عن الصلة، الكفر ،أو ٍ
وشبه ذلك . .والثاين :ما يتعلّق بأحكام اآلخرة واالحنياز عن أمة ٍ
حممد ،واللحاق بأهل ّ
الكفر وحنو ذلك ،فهذا قد جيوز على كث ٍري ممّن ي ّدعي اإلسالم ،وهم املنافقون الذين
أمرهم بالكتاب والسنة معلوم . " . . .
ثالثاً :منشأ بدعة عذر الجاهل في المكفرات الصريحة ،ومنها/الشرك األكبر في
عدم تسميته "مشركا ":
أول ٍ
بدعة ظهرت في ذلك :هي بدعة الجاحظ وعبيدا هلل العنبري من المعتزلة،
وهي إطلق العذر بالجهل ،والزعم أ ّن الحجة ال تقوم إالّ على من عاند الحق
ممن ٍ
كل أحد وقع في المكفرات الصريحة المنافية لإلسلمّ ، وقصد الضلل ،في ّ
ينتسب لإلسلم أو يدين بغيره ،ورتّبا على ذلك :أ ّن وجود الجهل واالجتهاد
الحجة ،وأ ّن غير المعاند ال يؤثّم ،بل قد يؤجر يوم القيامة.
والشبهة ما نع من قيام ّ
كل مسائل ال ّدين ،دون ٍ
تفريق بين أصول اإلسلم التي كما زعما إطلق ذلك في ّ
هي المسائل الظاهرة وبين المسائل الخفية .
فمن قال بالتثليث كالنصارى أو بوحدة الوجود كالصوفية ،أو بدعاء األموات واالستغاثة
هبم كما عليه الرافضة والقبورية فهو جمتهد معذور هذا ما ّأداه إليه اجتهاده ما مل يكن
معاندا .
وإن مل ينظر من حيث مل يعرف وجوب النظر ،فهو أيضا معذور .وإنّما اآلثم المع ّذب
هو :المعاند فقط؛ أل ّن ا هلل تعاىل قال" :ال يكلّف ا هلل نفسا إالّ وسعها "البقرة286 :
.وهؤالء قد عجزوا عن درك احلق ،ولزموا عقائدهم خوفا من ا هلل؛ إذ است ّد عليهم طريق
ٍ
مسعية لكن الواقع خالف هذا؛ فهو باطل بأدلٍّة املعرفة " ،إىل أن قال. . " :و ّ
ضرور ٍية."..
وقال اآلمدي يف اإلحكام يف أصول األحكام(" :)215/3وقال اجلاحظ وعبيدا هلل بن
ط اإلمث عن خمالف ملّة اإلسالم إذا نظر واجتهد ،وأنّه
احلسن العنربي من املعتزلة حب ّ
معذور ،بخلف المعاند " .
"اجلاحظ :اإلمث بعد االجتهاد قبيح ،السيّما مع كثرة اآلراء ،واعتوار الشبه وعدم
القواطع اجلوازم " ،ويلزمه رفع اإلثم عن منكري الصانع والبعث والنبوات واليهود
أداهم
ليقربونا)؛ إذ اجتهادهم ّ
والنصارى وعبدة األوثان الذين قالوا( :ما نعبدهم إالّ ّ
إلى ذلك " .
وممّن أنكر بدعة اجلاحظ املعتزيل/اإلمام ابن جرير الطربي يف تفسريه لقوله تعاىل" :إّنم
اختذوا الشياطني أولياء من دون ا هلل وحيسبون أّنم مهتدون " األعراف. 30 :
وقال ابن قدامة يف روضة الناظر صّ " :362أما الذي ذهب إليه اجلاحظ ،فباطل يقينا،
النيب
وكفر با هلل تعاىل ورد عليه وعلى رسوله صلّى ا هلل عليه وسلّم ،فإنّا نعلم قطعا :أ ّن ّ
وذمهم على إصرارهم،صلّى ا هلل عليه وسلّم أمر اليهود والنصارى باإلسالم واتّباعهّ ،
يقل ،إنّما األكثر
مما ّونقاتل مجيعهم ونقتل البالغ منهم .ونعلم أ ّن المعاند العارف ّ
مقلّدة اعتقدوا دين آبائهم تقليداً ،ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه .واآليات
الدالّة يف القرآن على هذا كثرية ،كقوله" :وحيسبون أ ّّنم على شيء " اجملادلة،18 :
ضل سعيهم يف احلياة
وقوله" :وحيسبون أّنم مهتدون " األعراف ،30 :وقوله" :الذين ّ
الدنيا وهم حيسبون أّنم حيسنون صنعا .أولئك الذين كفروا بآيات رهبم ولقائه "
الكهف. 105-104 :
أقول :وقد وقع األلباني في ٍ
جزء من بدعة الجاحظ عندما حصر الكفر في المعاند
دون من عداه ،وطب ّقها على المعيّنين من عبّاد األولياء واألضرحة المشركين .
رابعاً :أول من ابتدع بدعة التلزم بين التكفير وقيام الحجة مطلقاً ،ودعوى أ ّن
كل المك ّفرات الصريحة ،كإنكار وجود اهلل ،والقول بأ ّن اهلل ال
المعيّن الواقع في ّ
يعلم باألشياء حتى تقع كما عليه القدرية الغلة ،والقول بوحدة الوجود كما عليه
غلة الصوفية ،والقول بدعاء األولياء كما عليه عبّاد القبور ال يك ّفر حتى تقام عليه
الحجة ويفهم وتزول عنه الشبهة .مع أخذه ببدعة الجاحظ المعتزلي وهي/إطلق
ّ
الحجة ال تقوم إالّ على من عاند الحق وقصد الضلل .
العذر بالجهل ،والزعم أ ّن ّ
هو القبوري النقشبندي داود بن جرجيس العراقي من أل ّد أعداء الدعوة السلفية،
دعوة الشيخ محمدبن عبدالوهاب رحمه ا هلل .
وقد تص ّدى أئمة الدعوة رحمهم ا هلل لقمع هذا القبوري ،وتفنيد شبهاته ،كالشيخ
عبدالرحمن بن حسن ،وابنه عبداللطيف ،والشيخ عبدا هلل أبابطين وغيرهم ،وألّفوا
الردود المتينة على هذا المبطل .
حتى ظهر في زماننا من ينصر بدعة ابن جرجيس باسم السلفية كذباً ،والسلفية
منهم براء ،بل هم سفهيون يدافعون عمن يخالف ملّة إبراهيم ويسمونه مسلماً "ومن
يرغب عن ملة إبراهيم إالّ من سفه نفسه " .
قال تعالى" :قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا
ومما تعبدون من دون ا هلل كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء
برآء منكم ّ
أبداً حتى تؤمنوا باهلل وحده " الممتحنة. 4 :
استدل داود بن جرجيس بقوله تعاىل" :ال يكلّف ا هلل نفسا إالّ وسعها " البقرة:
ّ وقد
. 286
رد الشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن بن حسن على فهمه السقيم كما يف منهاج
وقد ّ
التأسيس والتقديس ص 16-15بقوله" :والعراقي مل يفقه هذا ،لغلظ فهمه وعدم
الحجة وبلوغ الدعوة ،ينفي
علمه؛ بل هو يعتقد أ ّن كلم أهل العلم وتقييدهم بقيام ّ
سماها الشارع
اسم الكفر والشرك والفجور ونحو ذلك من األفعال واألقوال ،التي ّ
الحجة يثاب على خطئه مطلقاً " .
بتلك األسماء ،بل ويعتقد أ ّن من لم تقم عليه ّ
استدل هذا القبوري العراقي بقوله" :وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت
و ّ
فيه غنم القوم وكنّا حلكمهم شاهدين .ففهمناها سليمان وكالًّ آتينا حكما وعلما "
األنبياء. 79-78 :
فرد الشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن بن حسن على استدالله كما يف منهاج التأسيسّ
حمل النزاع؛ فإيراد العراقي هلا تكثّر
والتقديس ص 218-217بقوله" :واملسألة ليست يف ّ
مبا ليس له ،وتكبري حلجم الكتاب مبا ال يغين عنه فتيال .وهل أوقع االحتادية واحللولية
رب العاملني ،إالّ
فيماهم عليه من الكفر البواح والشرك العظيم والتعطيل حلقيقة وجود ّ
خطؤهم يف هذا الباب الذي اجتهدوا فيه ،فضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل .وهل قتل
احلالج باتفاق أهل الفتوى على قتله إالّ ضالل اجتهاده .وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما
انتحلوه من الفضائح الشنيعة ،وخلعوا ربقة الشريعة ،إالّ باجتهادهم فيما زعموا .وهل
األئمة االثين
قالت الرافضة ما قالت واستباحت ما استباحت من الكفر والشرك وعبادة ّ
عشر وغريهم ،ومسبّة أصحاب الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم و ّأم املؤمنني الص ّديقة بنت
الص ّديق رضي ا هلل عنهما إالّ باجتهادهم فيما زعموا .وهؤالء سلف العراقي يف قوله إ ّن
كل خطٍإ مغفور؛ وهذا الزم ال حميص عنه " . ّ
مثّ أشار الشيخ عبداللطيف إىل ما الت قول داود بن جرجيس ص 215فقال" :وقد
ق ّدمنا أ ّن طرد قول العراقي واستدالله يفيد :عدم التأثيم والتكفير في الخطإ في
جميع أصول الدين ،كاإلميان بوجود ا هلل وربوبيته وإهليته ،وقدره وقضائه ،واإلميان
بصفات كماله الذاتية والفعلية ،ومسألة علمه باحلوادث والكائنات قبل كوّنا .
أقول :واأللباين وافق بدعة داود بن جرجيس يف التالزم بني العذر باجلهل وبني نفي
التكفري .بخلف ما عليه أهل السنة فإنهم ال يرون هذا مطلقاً في أحكام الدنيا
ويرون تسمية المشرك "مشركاً " ،وتترتّب عليه آثار التسمية في أحكام الدنيا ،من
ترك الصلة عليه إذا ما ت ،وعدم االستغفار والترحم عليه ،وعدم إرثه ونحو
ذلك.
وقال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص " :406-405ومن هنا
جمرد تصديق
يظهر خطأ قول "جهم بن صفوان " ومن اتبعه حيث ظنّوا أ ّن اإلميان ّ
القلب وعلمه ،مل جيعلوا أعمال القلب من اإلميان ،وظنّوا أنّه قد يكون اإلنسان مؤمنا
يسب ا هلل ورسوله ،ويعادي ا هلل ورسوله ،ويعاديكامل اإلميان بقلبه ،وهو مع هذا ّ
أولياء ا هلل ،ويوايل أعداء ا هلل ،ويقتل األنبياء ،ويهدم املساجد ،ويهني املصاحف ،ويكرم
ٍ
معاص التنافي الكفار غاية الكرامة ،ويهني املؤمنني غاية اإلهانة ،قالوا :وهذه كلّها
اإليمان الذي في قلبه ،بل يفعل هذا وهو يف الباطن عند ا هلل مؤمن ،قالوا :وإّّنا ثبت
له يف الدنيا أحكام الك ّفار؛ أل ّن هذه األقوال أمارة على الكفر ،فيحكم بالظاهر كما
أقر به ،وخبالف ما شهد
حيكم باإلقرار والشهود ،وإن كان الباطن قد يكون خبالف ما ّ
به الشهود ،فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة واإلجماع على أ ّن الواحد من هؤالء
كافر في نفس األمر ،مع ّذب في اآلخرة ،قالوا :فهذا دليل على انتفاء التصديق
والعلم من قلبه ،فالكفر عندهم شيء واحد وهو اجلهل ،واإلميان شيء واحد وهو
العلم ،أو تكذيب القلب وتصديقه ،. . .وهذا القول مع أنّه أفسد ٍ
قول قيل يف اإلميان
فقد ذهب إليه كثري من أهل الكالم املرجئة " .
قلت :والشاهد من كالمه أنّه ذكر بدعة غلة المرجئة وهي/أ ّن الوقوع يف الشرك األكرب
واملك ّفرات الصرحية ال ينقض أصل إسالم الواقع فيها ،ويتصور وجوده صحيحا معها .
وأيضا من فوائد كلم شيخ اإلسلم ابن تيمية/أ ّن غالة املرجئة ملا أوردت عليهم
ّ
املعني ممّن وقع يف املكفرات الصرحية
نصوص الكتاب والسنة واإلمجاع على أ ّن الواحد ّ
خللو قلبه من التصديق ،ال لذات الفعل كسب ا هلل وإهانة املصحف ،قالوا :إّّنا كفر ّ
املك ّفر .
وأيضا :من فوائد كلم شيخ اإلسلم ابن تيمية :أنّه نقل اإلمجاع على كفر الواحد
املعني يف املك ّفرات الصرحية .
ّ
ومن فوائده أيضاً :أ ّن الذي يقول بإسالم الواقع يف الشرك األكرب قد ّقرر قول غالة
جوزوا وجود أصل اإلسالم صحيحا مع املرجئة املتكلمني الذين نصروا قول اجلهم ،حيث ّ
التلبّس باملك ّفرات الصرحية .
قال اإلمام ما لك" :واملرجئة أخطأوا وقالوا قوال عظيما .قالوا :إن أحرق الكعبة ،أو
كل شيء فهو مسلم .
صنع ّ
وقويل فيهم :ما قال ا هلل تعاىل" :فإن تابوا وأقاموا الصالة وءآتوا الزكاة فإخوانكم يف
الدين " .
أقول :ومن فوائد كلم اإلمام ما لك :توضيح أ ّن املرجئة ال يك ّفرون باملكفرات الصرحية،
ومثّل لذلك حبرق الكعبة .
أئمة السنة كشيخ اإلسلم مهمة جداً وهي :أنّه يرد في كلم بعض ّوهاهنا مسألة ّ
ابن تيمية رحمه ا هلل وغيره /التوقف في تكفير المشرك حتى تقام عليه الحجة بتوفّر
الشروط وانتفاء الموانع ،فما مرادهم بذلك؟
كل ٍ
حكم فيقال في جواب ذلك :أوالً :أنّهم يقيّدون ذلك بأحكام الوعيد؛ وهي ّ
بالكفر يترتّب عليه عذاب في اآلخرة ،كقوله تعالى " :وماكنّا مع ّذبين حتى نبعث
رسوالً " اإلسراء ،15 :أوحكم بالكفر على معيّن يترتب عليه عقوبة في الدنيا،
بردته وقتله الذي يصدره القاضي .
كالحكم ّ
يقول شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(" :)372/10فإ ّن نصوص
األئمة بالتكفري والتفسيق وحنو ذلك ،ال يستلزم
الوعيد اليت يف الكتاب والسنّة ،ونصوص ّ
املعني ،إالّ إذا توفّرت الشروط وانتفت املوانع؛ ال فرق يف ذلك بني
حق ّ ثبوت موجبها يف ّ
األصول والفروع .هذا في عذاب اآلخرة ،فإ ّن المستح ّق للوعيد من عذاب ا هلل
ولعنته وغضبه في الدار اآلخرة خالد في النار ،أو غير خالد ،وأسماء هذا الضرب
من الكفر والفسق ،يدخل في هذه القاعدة " .
لكن تكفير الواحد المعيّن منهم والحكم وقال في موض ٍع آخر(ّ " :)500/28
بتخليده في النّار ،موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه . " . . .
وسئل رحمه اهلل كما في جامع المسائل ( )151-147/3عن ٍ
قوم يعظّمون
ويتضرعون إليهم ،ويزورون قبورهم
ّ املشايخ ،بكون أّنم يستغيثون هبم يف الشدائد،
ويقبّلوّنا ،ويتربكون برتاهبا ،ويوقدون املصابيح طول الليل ،ويتخذون هلا مواسم يقدمون
عليها من البعد يسموّنا ليلة "احمليا " فيجعلوّنا كالعيد ،وينذرون هلا ،ويصلّون عندها
حيل هلؤالء القوم هذا الفعل أم حيرم عليهم أم يكره؟ . . .
.فهل ّ
فأجاب" :احلمد هلل رب العاملني .من استغاث مبي ٍ
ت أو ٍ
غائب من البشر حبيث يدعوه ّ ّ
يف الشدائد والكربات ،ويطلب منه قضاء احلوائج ،فيقول :يا سيّدي الشيخ فالن! أنايف
العدو عليه! يستوحيه ويستغيث به؟
حسبك وجوارك؟ أو يقول عند هجوم ّ
أو يقول ذلك عند مرضه وفقره وغري ذلك من حاجاته :فإ ّن هذا ضال جاهل مشرك
ٍ
عاص هلل باتفاق المسلمين فإنهم متفقون على أ ّن الميت ال يدعى وال يطلب منه
شيء ،سواء كان نبيّاً أو شيخاً ،أو غير ذلك " . .
ثم ذكر الكفر المترتب عليه الحكم بردته وقتله/وهو بقيام الحجة فقال" :وهذا
ّ
الحجة فيه ومل ينته وجب قتله كقتل أمثاله من
ّ الشرك إذا قامت على اإلنسان
يصل عليه ،و ّأما إذا كان جاهال مل يبلغه
املشركني ،ومل يدفن يف مقابر املسلمني ،ومل ّ
النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم املشركني فإنه
العلم ،ومل يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه ّ
ال حيكم بكفره " .
ومراده/الكفر المترتب عليه الحكم بردته وقتله ،فإقامة الحجة ألجل ذلك ،وإالّ
فهو مشرك في نفس األمر؛ بدليل أ ّن الشيخ رحمه ا هلل قال في أول جواب الفتيا
"فإ ّن هذا ضال جاهل مشرك ٍ
عاص هلل باتفاق المسلمين " .
أقول :وبهذا يتبين أ ّن الشيخ األلباني في باب اإليمان والتكفير على عقيدة غلة
المرجئة الجهمية وذلك من خلل ما نقلنا من كلمه الموثّق من موسوعة عقيدته .
أقول :وهنا يورد بعضهم أمران عن األلباني فيما يتعلّق بمسائل اإليمان والتكفير
وهما:
-2أ ّن العبارة جمملة ليست صرحية يف كفر تارك العمل ،فهو يقول :اإلميان بدون ٍ
عمل
صا ٍحل ال يفيد ،فهل مراده اليفيد صاحبه وال ينفعه حبيث ينتفي عنه أصل اإلميان؟ أو
مراده :أنّه ال يفيده يف الدنيا ،لكن قد ينجو يف اآلخرة من اخللود يف النار مبجرد قوله
صرح كما سبق بأ ّن ال إله إالّ ا هلل تنجي صاحبها من اخللود
لكلمة ال إله إالّ اهلل؛ ألنّه ّ
يف النار ولوكان ال يقوم بشيء من أركان اإلميان اخلمسة .
توضح مراده منها . فتبقى عبارته جمملة ليست صرحية إالّ بقر ٍ
ينة ّ
-3على التسليم بأ ّن عبارته حتتمل بأ ّن تارك العمل ليس مبسل ٍم؛ فإنّنا نقول :ليت األلباين
ثبت عليها ومل يأت مبا يناقضها؛ أل ّن تقريراته املتأخرة إىل وفاته تناقضها متام املناقضة .
فلو ثبت عليها (مع أّنا ليست صرحية)؛ ألّنا حمتملة فيمكن أن حنملها على ذلك،
كل ٍ ٍ
لكنّها قيلت يف مرحلة متق ّدمة من حياته وذلك يف شرحه لكتاب األدب املفرد ،و ّ
تقريراته بعدها إىل وفاته تنقضها وهتدمها بإصراره على تقرير عقيدة غالة املرجئة اجلهمية.
أقول :وصاحب السنّة المعظّم لنصوص الوحي ولعقيدة السلف هو من يقبل ذلك
ويعترف بانحراف األلباني في هذا الباب العظيم من أبواب السنة واالعتقادّ ،أما
والمتحزب فهذا ال حيلة فيه .وال يجوز شرعاً نسبة عقيدة األلباني
ّ المتعصب
ّ
الباطلة-عقيدة غلة المرجئة الجهمية-ألهل السنة ،فهذا من الكذب والخداع
والغش .
هذا ما تيسر يل حتريره يف هذا املوضوع الذي كثر احلديث عنه .
وصلّى ا هلل وسلّم على نبينا ٍ
حممد وعلى آله وصحبه أمجعني .