You are on page 1of 41

‫عقيدة األلباني في اإليمان والتكفير ‪.

‬‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا ٍ‬
‫حممد وعلى آلة وصحبه أمجعني ّأما بعد‪:‬‬

‫فقد كثر الكالم عن آراء الشيخ األلباين يف مسائل اإلميان والتكفري‪ ،‬وقد اجتهدت يف كتابة‬
‫هذا البحث املختصر؛ ملعرفة عقيدته يف هذا الباب العظيم "باب األمساء واألحكام " ‪.‬‬

‫وقد تيسر يل قراءة مامجعه األستاذ‪/‬شادي بن حممد ال نعمان من خالل املوسوعة اليت‬
‫مسّاها‪" :‬جامع تراث األلباين يف العقيدة "‪ ،‬أو موسوعة األلباين يف العقيدة " يف ‪9‬أجزاء ‪،.‬‬
‫مركز النعمان للبحوث والدراسات‪/‬مكتبة ابن عباس للنشر والتوزيع ‪.‬‬

‫الطبعة األوىل ‪1431/‬هـ ‪ -‬املوافق ‪2010‬م ‪.‬‬

‫فقرأهتا كاملة‪ ،‬وأخرجت منها ما يتعلّق بكالمه يف هذه املسائل ‪.‬فأقول مستعينا با هلل‪/‬‬

‫‪-1‬جاء يف املوسوعة (‪ )163/4‬قال األلباين‪" :‬الذي أفهمه في هذه المسألة أ ّن األصل‬

‫هو الكفر القلبي‪ ،‬لكن هناك أقوال وأعمال قد تصدر من اإلنسان تنيب ّ‬
‫عما وقريف قلبه من‬
‫الكفر " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا تصريح حبصر الكفر بالقلب "االعتقاد " ‪.‬وهو مذهب غالة املرجئة ‪.‬‬

‫عما في‬
‫‪-2‬وقال كما يف املوسوعة (‪" :)169/4‬هناك أعمال تصدرمن اإلنسان تنبئ ّ‬
‫القلب من الكفر والطغيان " ‪.‬‬

‫وهذا تصريح بأ ّن األعمال الكفرية راجعة لكفر القلب‪ ،‬وهو بعينه ما عليه املرجئة ‪.‬‬

‫قال األشعري يف مقاالت اإلسالميني(ص‪ )140-139‬عن الفرقة العاشرة من فرق‬


‫المرجئة وهي "التومنية "أصحاب أبي معاذ التومني‪" :‬وكان أبو معاذ "يزعم أ ّن من‬
‫قتل نبيّا أو لطمه كفر وليس من أجل اللطمة والقتل كفر‪ ،‬ولكن من أجل‬
‫االستخفاف والعداوة والبغض له " ‪.‬‬
‫وقال عياض املالكي يف الشفا (‪" :)619/2‬القول عندي أ ّن الكفر با هلل هو‪ :‬اجلهل‬
‫أحل‪ ،‬وال رأ ٍي إالّ أن يكون هو‬
‫بوجوده ‪.‬واإلميان با هلل‪ :‬هو العلم بوجوده‪ ،‬وأنّه ال يكفر ٍ‬
‫نص اهلل ورسوله أو أمجع املسلمون أنّه ال يوجد إالّ‬ ‫اجلهل با هلل‪ ،‬فإن عصى ٍ‬
‫بقول أو ٍ‬
‫فعل ّ‬
‫من كاف ٍر ‪. .‬أو يقوم دليل على ذلك؛ فقد كفر‪ ،‬ليس ألجل قوله أو فعله؛ لكن لما‬
‫يقارنه من الكفر " ‪.‬‬

‫وقال الغزالي في كتابه‪/‬االقتصاد في االعتقاد (ص‪)303‬مبيّناً ضابط الكفر‪:‬‬


‫أي‪:‬‬ ‫"واألصل املقطوع به‪ :‬أ ّن ّ‬
‫كل من ك ّذب حممدا صلّى ا هلل عليه وسلّم فهو كافر ‪ّ .‬‬
‫خملّد يف النّار بعد املوت‪ ،‬ومستباح الدم واملال يف احلياة " ‪.‬فحصر الكفر بالتكذيب‬
‫واالعتقاد ‪.‬‬

‫ثم قال بعد ذكره لمراتب التكذيب ‪" :‬فإن قيل‪ :‬السجود بين يدي الصنم كفر‪،‬‬
‫ّ‬
‫مجرد ال يدخل تحت هذه الروابط ‪ ،‬فهل هو أصل آخر؟ قلنا‪ :‬ال‪،‬‬
‫وهو فعل ّ‬
‫فإ ّن الكفر يف اعتقاده تعظيم الصنم‪ ،‬وذلك تكذيب لرسول ا هلل صلّى ا هلل عليه وسلّم‬
‫وللقرآن‪ ،‬ولكن يعرف اعتقاده تعظيم الصنم تارة بصريح لفظه‪ ،‬وتارة باإلشارة إن كان‬
‫يدل عليه داللة قاطعة‪ ،‬كالسجود حيث ال حيتمل أن يكون السجود‬ ‫أخرس‪ ،‬وتارة ٍ‬
‫بفعل ّ‬
‫هلل " ‪.‬‬

‫لذا نجد األلباني يؤّكد ذلك كما في الموسوعة (‪)458/4‬بقوله‪" :‬يستحيل أن‬
‫يكون الكفر العملي خروجاً عن الملّة إالّ إذا كان الكفر قد انعقد في قلب هذا‬
‫الكافر عملً " ‪.‬‬

‫وقد ذكر اإلمام ابن القيم في مفتاح دار السعادة (‪" :)261-260/1‬أ ّن القرآن‬
‫ذكر أ ّن الكفر أقسام‪:‬‬

‫والعوام‬
‫ّ‬ ‫أحدها‪ :‬كفر صادر عن ٍ‬
‫جهل وضالل وتقليد األسالف؛ وهو كفر أكثر األتباع‬
‫جحود ٍ‬
‫وعناد وقصد خمالفة احلق ‪. .‬وغالب ما يقع هذا النوع فيمن له‬ ‫ٍ‬ ‫‪.‬الثاين‪ :‬كفر‬
‫رياسة علميّة في قومه من الك ّفار‪ ،‬أو رياسة سلطانية‪ ،‬أومن له ما كل وأموال في‬
‫قومه‪ ،‬فيخاف هذا على رياسته‪ ،‬وهذا على ما له ومأكله؛ فيؤثر الكفر على اإلميان‬
‫عمدا ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬كفر إعر ٍ‬
‫اض حمض‪ ،‬ال ينظر فيما جاء به الرسول‪ ،‬وال حيبّه وال يبغضه‪ ،‬وال يواليه‬
‫وال يعاديه‪ ،‬بل هو معرض عن متابعته ومعاداته ‪.‬‬

‫وهذان القسمان أكثر المتكلّمين ينكرونهما‪ ،‬وال يثبتون من الكفر إالّ األول‪،‬‬
‫ويجعلون الثاني والثالث كفراً؛ لداللته على األول‪ ،‬ال ألنّه في ذاته كفر؛ فليس‬
‫رد ابن القيم على قول المتكلمين فقال‪:‬‬‫ثم ّ‬‫مجرد الجهل ‪ّ ،. .‬‬
‫عندهم الكفر إالّ ّ‬
‫تأمل القرآن والسنّة‪ ،‬وسير األنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى معهم‬
‫"ومن ّ‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة‬ ‫عامة كفر األمم عن تي ّق ٍن ٍ‬
‫وعلم‬ ‫جزم بخطأ أهل الكلم فيما قالوه‪ ،‬وعلم أ ّن ّ‬
‫وصحة دعواهم وما جاءوا به " ‪.‬‬
‫بصدق أنبيائهم ّ‬
‫‪-3‬وقال األلباين كما يف املوسوعة (‪" :)361/4‬شهادة أن الإله إالّ ا هلل تنجي قائلها‬
‫من اخللود يف النار يوم القيامة ولوكان ال يقوم بشيء من أركان اإلسلم الخمسة‬
‫األخرى كالصلة وغيرها " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا تصريح منه بأن تارك أعمال اجلوارح بالكلية مسلم تنجيه كلمة ال إله إالّ ا‬
‫هلل ‪.‬‬

‫وهو بعينه ما عليه غالة املرجئة ‪.‬‬

‫قال اإلمام إسحاق بن راهويه كما نقله عنه ابن رجب يف فتح الباري (‪:)25/1‬‬
‫"غلت المرجئة حتى صار من قولهم أ ّن قوماً يقولون‪ :‬من ترك المكتوبات‪ ،‬وصوم‬
‫ٍ‬
‫جحود لها ال نكفره‪ ،‬يرجأ أمره إلى‬ ‫وعامة الفرائض من غير‬
‫والحج ّ‬
‫ّ‬ ‫رمضان‪ ،‬والزكاة‬
‫ا هلل بعد إذ هو مقر ‪.‬فهؤالء المرجئة الذين الشك فيهم " ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف اإلميان األوسط ص‪" :577‬وقد تبني أ ّن الدين الب ّد‬
‫فيه من ٍ‬
‫قول وعمل‪ ،‬وأنّه ميتنع أن يكون الرجل مؤمنا باهلل ورسوله‪ ،‬بقلبه أو بقلبه ولسانه‪،‬‬
‫يؤد واجبا ظاهرا ال صالة‪ ،‬وال زكاة‪ ،‬وال صياما‪ ،‬وال غري ذلك من الواجبات ‪،. . .‬‬
‫ومل ّ‬
‫ومن قال بحصول اإليمان الواجب بدون فعل شيء من الواجبات ‪. .‬كان مخطئاً‬
‫خطئاً بيّناً‪ ،‬وهذه بدعة اإلرجاء التي أعظم السلف واألئمة الكلم في أهلها‪ ،‬وقالوا‬
‫وأعمها‪ ،‬وأولها‬
‫فيها من المقاالت الغليظة ما هو معروف‪ ،‬والصلة فهي أعظمها ّ‬
‫وأجلّها " ‪.‬‬

‫وذكر رمحه ا هلل كما يف اإلميان األوسط ص‪ 557-556‬أ ّن "من الممتنع أن يكون‬
‫الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه‪ ،‬بأ ّن اهلل فرض عليه الصلوات والزكاة والصيام‬
‫والحج‪ ،‬ويعيش دهره ال يسجد هلل سجدةً‪ ،‬وال يصوم يوماً من رمضان‪ ،‬وال يؤدي‬
‫نفاق يف القلب وز ٍ‬
‫ندقة‪،‬‬ ‫هلل زكاةً‪ ،‬وال يحج إلى بيته‪ ،‬فهذا ممتنع‪ ،‬وال يصدر هذا إالّ مع ٍ‬
‫ّ‬
‫المع ٍ‬
‫إميان صحيح " ‪.‬‬

‫وقال اإلمام محمد بن علي الكرجي القصاب في تفسيره‪ :‬نكت القرآن الدالّة على‬
‫جل وعل‪" :‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وءآتوا‬ ‫البيان (‪)481-480/1‬على قوله ّ‬
‫نصه‪" :‬أن تارك الصالة والزكاة يكفر يف الظاهر؛ أل ّن ا‬
‫الزكاة فإخوانكم في الدين " ما ّ‬
‫جل وتعاىل مل يأمر بتخلية سبيل املشركني وال مسّاهم إخوان املؤمنني إالّ بإقامة الصالة‬
‫هلل ّ‬
‫والزكاة مع التوبة‪ ،‬وهي ثالث شرائط ‪.‬‬

‫األمة خلفاً في أ ّن‬


‫فإذا ترك واحدا أو اثنني مل ينفعه الشرط الباقي‪ ،‬وال أعلم بين ّ‬
‫الخارج من الكفر إلى اإليمان لو قال‪ :‬أؤمن با هلل‪ ،‬وأؤمن بأ ّن الصلة والزكاة حق؛‬
‫ولكن ال أقيمهما وأقتصر على القول بالشهادة أنه ال يقبل منه‪ ،‬وأنه كافر كما كان‬
‫حلل الدم والمال " ‪.‬‬
‫وقال اإلمام أبو الحسين الملطي في كتابه‪":‬التنبيه والرد على أهل األهواء والبدع"‬

‫(وهومن أهم كتب الفرق )في حديثه عن المرجئة‪" :‬وقد ذكرت املرجئة يف كتابنا هذا‬
‫أوال وآخرا‪ ،‬إذ قوهلا خارج من التعارف والعقل ‪.‬‬

‫حرم ا‬
‫وحرم ما ّ‬
‫أال ترى أ ّن منهم من يقول‪ :‬من قال‪ :‬ال إله إالّ ا هلل‪ ،‬حممد رسول ا هلل‪ّ ،‬‬
‫أحل ا هلل دخل اجلنة إذا مات‪ ،‬وإن زىن ‪ ،‬وإن سرق‪ ،‬وقتل‪ ،‬وشرب اخلمر‪،‬‬
‫أحل ما ّ‬
‫هلل‪ ،‬و ّ‬
‫يسوف‬
‫مقراً بها‪ّ ،‬‬
‫وقذف احملصنات‪ ،‬وترك الصلوات‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬إذا كان ّ‬
‫يضره وقوعه على الكبائر‪ ،‬وتركه للفرائض‪ ،‬وركوبه الفواحش‪ ،‬وإن فعل‬
‫التوبة‪ ،‬لم ّ‬
‫ذلك استحلالً كان كافراً با هلل مشركاً‪ ،‬وخرج من إيمانه‪ ،‬وصار من أهل النار " ‪.‬‬

‫فرقوا بين اإليمان والعمل‬


‫‪-4‬قال األلباين كما يف املوسوعة (‪" :)52/4‬السلف ّ‬
‫فجعلوا العمل شرط كمال ولم يجعلوه شرط صحة " ‪.‬‬

‫وقال أيضا (‪" :)155/4‬الذي فهمناه من أدلّة الكتاب والسنّة ومن أقوال األئمة من‬
‫وأئم ٍة مجتهدين أ ّن ما جاوز العمل القلبي وتع ّداه إلى ما يتعلّق‬ ‫ٍ‬
‫صحابة وتابعين ّ‬
‫بالعمل البدني فهو شرط كمال وليس شرط ٍ‬
‫صحة " ‪.‬‬

‫كل املخالفة‪ ،‬بل كالمهم على خالف قول األلباين ‪.‬‬


‫أقول‪ :‬وهذا خمالف لكالم السلف ّ‬
‫قال اإلمام األوزاعي‪" :‬ال يستقيم اإلميان إالّ بالقول‪ ،‬وال يستقيم اإلميان والقول إالّ‬
‫افقة للسنّة‪ ،‬وكان من مضى من‬ ‫بنية مو ٍ‬
‫بالعمل‪ ،‬وال يستقيم اإلميان والقول والعمل إالّ ٍ‬
‫يفرقون بين اإليمان والعمل " ‪.‬‬
‫سلفنا ال ّ‬
‫نقله عنه اإلمام ابن تيمية في اإليمان الكبير ص‪. 557‬‬

‫وقال اإلمام إسماعيل المزني (تلميذ الشافعي) في شرح السنة واعتقاد السلف‬
‫ص‪( 505‬من اجلامع يف عقائد ورسائل أهل السنة واألثر )‪" :‬واإلميان قول وعمل مع‬
‫اعتقاده باجلنان‪ ،‬وقول اللسان‪ ،‬وعمل اجلوارح واألركان‪ ،‬وهما سيّان‪ ،‬ونظامان‪،‬‬
‫النفرق بينهما‪ ،‬فل إيمان إالّ ٍ‬
‫بعمل‪ ،‬وال عمل إالّ بإيمان " ‪.‬‬ ‫وقرينان‪ّ ،‬‬
‫وقال اإلمام أحمد‪" :‬اإليمان ال يكون إالّ بالعمل "‪ ،‬نقله عنه الخلل في السنة‬
‫"‪. " 962‬‬

‫وقال اإلمام الشافعي‪" :‬وكان اإلجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن‬


‫أدركناهم يقولون‪ :‬إ ّن اإليمان‪ :‬قول وعمل ونية‪ ،‬ال يجزئ واحد من الثلثة إالّ‬
‫باآلخر " ‪.‬‬

‫نقله عنه الللكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (‪ ،)1593‬وابن كثير في‬
‫طبقات الشافعية (‪ ،)4/1‬وابن رجب في جامع العلوم والحكم (‪. )104/1‬‬

‫وقال سهل بن عبدا هلل التستري‪" :‬اإليمان إذا كان قوالً بل عمل فهو كفر‪ ،‬وإذا‬
‫كان قوالً وعملً بل نيّ ٍة فهو نفاق‪ ،‬وإذا كان قوالً وعملً ونيّةً بل سنّة فهو بدعة " ‪.‬‬

‫نقله عنه ابن بطة في اإلبانة الكبرى "‪. " 1196‬‬

‫وقال ابن الحنبلي عبدالوهاب الشيرازي في الرسالة الواضحة (‪:)802/2‬‬


‫"والداللة أيضاً على أ ّن اإليمان قول وعمل‪ ،‬قول ا هلل تعالى‪" :‬إليه يصعد الكلم‬
‫الطيب والعمل الصالح يرفعه " فاطر‪. 10 :‬‬

‫فدل على أ ّن قوالً ال‬


‫فأخبرا هلل تعالى أ ّن القول ال يرفع إالّ بالعمل؛ إذ العمل يرفعه‪ّ ،‬‬
‫يقترن بالعمل ال يرفع ‪.‬‬

‫وقد قال ا هلل تعالى ذكره‪" :‬إ ّن الذين ءآمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنّات‬
‫الفردوس نزالً " الكهف‪. 107 :‬‬

‫ظ له في الجنة ‪.‬‬
‫كل من ال يقترن عمله بقوله؛ فل ح ّ‬
‫فأخبر أ ّن ّ‬
‫ثم اهتدى " طه‪. 82 :‬‬
‫وقال ا هلل ‪" :‬وإنّي لغفار لمن تاب وءآمن وعمل صالحاً ّ‬
‫فأخبر تعالى أنّه ال يغفر إالّ لمن يجمع له القول والعمل‪ ،‬فهو ال ينفع أحدهما دون‬
‫صاحبه ‪.‬‬

‫وقال عز وجل‪" :‬إ ّن الذين ءآمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية "البينة‪:‬‬
‫‪.7‬‬

‫فوصف أ ّن اإليمان قول وعمل‪ ،‬وأ ّن القول ال ينفع إالّ بالعمل‪ ،‬كما أ ّن العمل ال‬
‫ينفع إالّ بالقول " ‪ .‬أ ‪.‬هـ ‪.‬‬

‫وقال اإلمام ابن بطة في اإلبانة الكبرى (‪" :)1175‬فقد تلوت عليكم من كتاب‬

‫يدل العقلء من المؤمنين أ ّن اإليمان قول وعمل‪ ،‬وأ ّن من ص ّدق بالقول‬ ‫اهلل ما ّ‬
‫وترك العمل كان مك ّذباً‪ ،‬وخارجاً من اإليمان‪ ،‬وأ ّن ا هلل ال يقبل قوالً إالّ ٍ‬
‫بعمل‪ ،‬وال‬
‫عملً إالّ بقول " ‪.‬‬

‫يفرقون بني اإلميان والعمل‪ ،‬بل‬


‫يتبني أ ّّنم ال ّ‬
‫أئمة السنة ّ‬
‫أقول‪ :‬ومبا سبق نقله عن بعض ّ‬
‫ينفك أحدمها عن اآلخر‬
‫عندهم أ ّن اإلميان ال يستقيم إالّ بالعمل‪ ،‬و ّأّنما قرينان ال ّ‬
‫وقرر عقيدة املرجئة ‪.‬‬
‫خبالف قول األلباين الذي خالفهم يف ذلك ّ‬
‫يصح بدونه‪ ،‬وال خيفى أ ّن هذا‬
‫و ّأما قول األلباين بأ ّن العمل شرط كمال فمراده أ ّن اإلميان ّ‬
‫قول املرجئة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫ما أورده الشهرستاين يف امللل والنحل (‪ )101/1‬عن أيب احلسن األشعري أنّه قال‪:‬‬
‫"اإلميان هو التصديق باجلنان‪ ،‬و ّأما القول باللسان والعمل باألركان ففروعه‪ ،‬فمن ص ّدق‬
‫أقر بوحدانيّة ا هلل تعاىل‪ ،‬واعرتف بالرسل تصديقا هلم فيما جاءوا به من‬
‫بالقلب؛ أي‪ّ :‬‬
‫صح إيمانه حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمناً ناجياً " ‪.‬‬
‫عند ا هلل تعاىل بالقلب ّ‬
‫وإذا كان إميانه صحيحا بدون العمل‪ ،‬فركنه‪ :‬هو التصديق كما ذكر األشعري آنفا‪ ،‬وال‬
‫خيرج العبد من اإلميان إالّ جبحود ما أدخله فيه ‪.‬‬
‫وقال الطحاوي يف مشكل اآلثار(‪" :)204/8‬وإسالمه كان بإقراره باإلسالم‪ ،‬وكذلك‬
‫احتج به األلباني في كتابه‪/‬حكم‬
‫ردته ال تكون إالّ بجحوده اإلسلم "‪ ،‬وهذا النص ّ‬
‫مرد له " ‪.‬‬
‫تارك الصلة قائلً‪" :‬وهذا فقه جيد وكلم متين ال ّ‬
‫وقال القاضي عياض في المعلم شرح مسلم (‪ )203/1‬وهو يتكلّم عن مفهوم‬
‫اإليمان‪" :‬حقيقته يف وضع اللغة‪ :‬التصديق‪ ،‬ويف عرف الشرع‪ :‬التصديق بالقلب‬
‫لكن كماله‬
‫واللسان‪ ،‬فإذا حصل هذا‪ :‬حصل اإلميان املنجي من اخللود يف النار؛ ّ‬
‫المنجي من دخولها رأساً بكمال خصال اإلسلم " ‪.‬‬

‫وقال الغزالي في قواعد العقائد ص‪" :258‬فإن قلت‪ :‬فقد ما ل االختيار إىل أ ّن‬
‫اإلميان حاصل دون العمل‪ ،‬وقد اشتهر عن السلف قوهلم‪( :‬اإلميان عقد‪ ،‬وقول‪،‬‬
‫وعمل)فما معناه؟‬

‫ومتمم " ‪.‬‬


‫مكمل له ّ‬
‫قلنا‪ :‬ال يبعد أن يع ّد العمل من اإليمان؛ ألنّه ّ‬
‫أقول‪ :‬وهذا بعينه ما عليه األلباين ‪.‬‬

‫وقال الشهرستاني في نهاية اإلقدام ص‪ 475‬مبيّناً منزلة العمل لدى األشاعرة‪:‬‬


‫مقوماً له حتى يقال بعدمه‪ :‬يكفر‬
‫"فعلم قطعاً أ ّن العمل غير داخل في اإليمان ركناً ّ‬
‫ويخرج من اإليمان في الحال‪ ،‬ويع ّذب ويخلّد في النار في ثاني الحال " ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وهذا بعينه ما عليه األلباين‪ ،‬حيث إ ّن ركن اإلميان عنده التصديق‪ ،‬ويف ٍ‬
‫كالم له‬
‫آخر التصديق والقول‪ ،‬و ّأما العمل فال ‪.‬‬

‫وقال البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد ص‪" :72‬والعمل شرط كمال من‬
‫حصل الكمال‪ ،‬ومن تركه‬
‫المختار عند أهل السنة (يعني‪ :‬األشاعرة)فمن أتى به فقد ّ‬
‫فوت على نفسه الكمال إذا مل يكن استحالل أو عناد للشارع‬ ‫فهو مؤمن‪ ،‬لكنّه ّ‬
‫أوشك يف مشروعيته‪ ،‬وإالّ فهو كافر فيما علم من الدين بالضرورة " ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهذا بعينه ما عليه األلباني ‪.‬‬

‫وقال محمد زاهد الكوثري الجهمي في تعليقه على التنبيه والرد على أهل األهواء‬
‫للملطي ص‪" :41‬عمل الجوارح من كمال اإليمان ال أنّه جزء من ما هيّة اإليمان‬
‫لئلّ يلزم االنزالق إلى مذهب المعتزلة والخوارج " ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬وهذا غيض من فيض من كلم األشاعرة ومن سلك سبيلهم في عدم ركنية‬
‫العمل في اإليمان ‪ ،‬وإنما هو كمال أو شرط كمال على اختلف عباراتهم في‬
‫ومؤداها واحد ‪.‬‬
‫ذلك ّ‬
‫بل ذكر اآلمدي في غاية المرام في علم الكلم ص‪ 309‬مفهوم اإليمان عند‬
‫ثم قال‪" :‬وبهذا يتبيّن أيضاً فساد قول الحشوية‪ :‬أ ّن‬
‫األشاعرة ‪ ،‬وأنّه التصديق ‪ّ ،. .‬‬
‫اإليمان هو التصديق بالجنان‪ ،‬واإلقرار باللسان‪ ،‬والعمل باألركان " ‪.‬‬

‫ومراده‪/‬باحلشوية أهل السنة الذين يرون ركنية العمل باألركان ‪.‬‬

‫وأيضاً‪ /‬يتبين أ ّن نسبة األلباني للسلف القول بأ ّن األعمال شرط كمال كذب‬
‫أئمة السلف المتقدمين ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عليهم‪ ،‬فهو قول محدث لم يؤثر عن أحد من ّ‬
‫‪ -5‬وقال األلباني مؤّكداً أ ّن المناط في التكفير هو القلب كما في‬
‫الموسوعة(‪" :)460/4‬اآلن مناط الحكم والبحث والتفريق بين كف ٍر وكفر هو أن‬
‫المستقر‬
‫ّ‬ ‫ننظر إلى القلب‪ ،‬فإن كان القلب مؤمناً والعمل كافراً فهنا يتغلّب الحكم‬
‫المستقر في العمل " ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في القلب على الحكم‬

‫وقال أيضاً كما في الموسوعة(‪" :)706/5‬نحن نأخذ القاعدة ونستريح‪ ،‬الكفر‬


‫المخرج عن الملّة يتعلّق بالقلب‪ ،‬ال يتعلّق باللسان " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الكفر ال يختص باالعتقاد والتكذيب‪ ،‬بل يقع بالقول والعمل ‪.‬‬
‫يختص‬
‫ّ‬ ‫قال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص‪" :552‬والكفر ال‬
‫بالتكذيب؛ بل لو قال‪ :‬أنا أعلم إنك صادق لكن ال أتبعك‪ ،‬بل أعاديك وأبغضك‬
‫فلما كان الكفر املقابل لإلميان ليس هو‬
‫وأخالفك وال أوافقك لكان كفره أعظم‪ّ ،‬‬
‫التكذيب فقط‪ ،‬علم أ ّن اإلميان ليس هو التصديق فقط‪ ،‬بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا‬
‫ويكون خمالفة ومعاداة وامتناعا بالتكذيب‪ ،‬فالب ّد أن يكون اإلميان تصديقا مع مو ٍ‬
‫افقة‬
‫ومواالةٍ وانقياد ال يكفي جمرد التصديق " ‪.‬‬

‫‪-6‬يرى األلباين أنّه الب ّد من قصد الكفر(انشراح الصدر به) فقال كما يف‬
‫كل من وقع يف الكفر وقع الكفر عليه؛ ألنّنا نعلم املؤاخذة‬
‫املوسوعة(‪" :)553/5‬ليس ّ‬
‫قصد ال قيمة إلميانه‪ ،‬ومن كفر دون ٍ‬
‫قصد للكفر‬ ‫هو كاإلميان‪ ،‬فمن آمن هكذا دون ٍ‬
‫فل يحكم بكفره‪ ،‬إنما األعمال بالنيات " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا قول غالة املرجئة الذين يرون حصر الكفر يف العناد‪ ،‬وال خيفى بطالن ذلك؛‬
‫أل ّن نصوص الوحي دلّت على أ ّن الكفر يكون باإلعراض ويكون باإلباء واالستكبار مع‬
‫التصديق‪ ،‬وهذا ليس عنادا ‪.‬‬

‫وأهل السنة ال يقيدون الكفر بالقصد‪-‬أي قصد الكفر‪-‬بل بقصد الفعل‪ ،‬مبعىن أن‬
‫يسجد لصن ٍم أو لصاحب ضريح كالبدوي أو الدسوقي أو احلسني خمتارا دون إكراه؛ أل ّن‬
‫احلكم بالكفر واإلميان مبنامها على الظاهر دون النظر إىل املقاصد والنيّات ‪.‬‬

‫جل وعل‪" :‬قل هل ننبئكم‬


‫قال ابن جريرالطبري في تفسيره (‪ )428/15‬عند قوله ّ‬
‫ضل سعيهم يف احلياة الدنيا وهم حيسبون أّنم حيسنون صنعا‬
‫باألخسرين أعماال ‪.‬الذين ّ‬
‫أدل الدالئل على خطأ قول من زعم أنّه ال‬
‫" ‪.‬الكهف ‪ " 104-103 :‬وهذا من ّ‬
‫يكفر با اهلل أحد إالّ من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته‪ ،‬وذلك أ ّن اهلل‬
‫تعاىل ذكره أخرب عن هؤالء الذين وصف صفتهم يف هذه اآلية‪ ،‬أ ّن سعيهم الذي سعوا‬
‫يف الدنيا ذهب ضالال‪ ،‬وقد كانوا حيسبون أّنم حمسنون يف صنعهم ذلك‪ ،‬وأخرب عنهم‬
‫ّأّنم هم الذين كفروا بآيات رهبم‪ ،‬ولوكان القول كما قال الذين زعموا أنّه ال يكفر باهلل‬
‫أحد إالّ من حيث يعلم‪ ،‬لوجب أن يكون هؤالء القوم يف عملهم الذي أخربا هلل عنهم‬
‫لكن القول‬
‫أّنم كانوا حيسبون فيه أّنم حيسنون صنعه‪ ،‬كانوا مثابني ماجورين عليها؛ و ّ‬
‫جل ثناؤه عنهم ّأّنم با هلل كفرة‪ ،‬وأ ّن أعماهلم حابطة " ‪.‬‬
‫خبالف ما قالوا‪ ،‬فأخرب ّ‬
‫قال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في الصارم المسلول (‪" :)339/2‬وباجلملة فمن‬
‫قال أو فعل الكفر‪ ،‬كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً‪ ،‬إذ ال يقصد الكفر أحد‬
‫إالّ ما شاء اهلل " ‪.‬‬

‫الرد على من حصر الكفر في المعاند كما في‬


‫وقال الشيخ عبدا هلل أبابطين في ّ‬
‫خص ذلك الوعيد بالمعاند فقط‪ ،‬وأخرج‬
‫الدررالسنية (‪" :)85-84/12‬فمن ّ‬
‫والمتأول والمقلّد‪ ،‬فقد شا ّق ا هلل وسوله‪ ،‬وخرج عن سبيل المؤمنين‬ ‫ّ‬ ‫الجاهل‬
‫‪.‬والفقهاء يص ّدرون باب حكم املرتد مبن أشرك‪ ،‬ومل يقيّدوا ذلك باملعاند " ‪.‬‬

‫لساب ا هلل ورسوله ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الطامة الكبرى عند األلباني هو عدم تكفيره‬
‫‪ّ -7‬‬
‫يقول كما في الموسوعة (‪" :)609/5‬أنا أعتقد أ ّن هؤالء الذين تصدر منهم هذه‬
‫الكفريات اللفظية ‪ ،. .‬نحن نسمع الكثيرين منهم‪ ،‬منهم من يتبع كفره باالستغفار‪،‬‬
‫مرًة أخرى إلى‬
‫هذا إيش معناه‪ ،‬معناه أنّه هذا يحتاج إلى عصايتين ثلثة ولن يعود ّ‬
‫مثل هذه اللفظة الكافرة ‪.‬أريد أن أقول‪ :‬هذا من سوء التربية " ‪.‬‬

‫ثم حكم على ساب اهلل ورسوله بأنه فاسق فقال‪" :‬فأنا أريد أن أصل‪ ،‬هذا واقعنا‬
‫ّ‬
‫مع األسف الشديد‪ ،‬يعني ما في من يقيم الحكم الشرعي على هذا الفاسق " ‪.‬‬

‫وفي الموسوعة (‪ )614/5‬سئل األلباني ‪/‬وردت بعض اآلثار عند بعض األئمة وعن‬
‫األئمة كاإلمام أحمد بكفر شاتم اهلل أو‬
‫بعض الصحابة كخالد بن الوليد‪ ،‬وبعض ّ‬
‫ردة‪ ،‬فهل هذا على إطلقه؟ نرجو اإلفادة ‪.‬‬
‫الرسول واعتبروه كفر ّ‬
‫فأجاب‪" :‬ما نرى ذلك على اإلطلق‪ ،‬فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة‪ ،‬فإذا‬ ‫غفلة‪ ،‬وأخيراً‪ :‬قد يكون عن ٍ‬
‫قصد‬ ‫وعن سوء التربية‪ ،‬وقد يكون عن ٍ‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة فهو‬ ‫ومعرفة‪ ،‬فإذا كان بهذه الصورة وعن ٍ‬
‫قصد‬ ‫ٍ‬ ‫كان بهذه الصورة عن ٍ‬
‫قصد‬
‫الردة الذي ال إشكال فيه‪ّ ،‬أما إذا احتمل وجه من الوجوه األخرى التي أشرت إليها‬
‫ّ‬
‫أهم إسلميّاً من المسارعة إلى التكفير " ‪.‬‬
‫فاالحتياط في عدم التكفير ّ‬
‫أقول‪ :‬فكلمه صريح في عدم تكفير ساب اهلل إذا كان السب ناتجاً عن سوء تربية‬
‫وعن جهل (مع أنه ال يتصور الجهل في أعظم المعارف اهلل جل وعل) ‪.‬‬

‫وقال األلباني كما في الموسوعة (‪" :)464/4‬إذا ّ‬


‫سب الرسول صلّى اهلل عليه وسلّم‬
‫كما كان يف بعض األسئلة‪ ،‬هذا يستتاب‪ ،‬فإن تاب وإالّ قتل‪ّ ،‬أما وهو فورا استغفراهلل‬
‫وأناب؛ فهذا دليل على أ ّن الرجل ما خرج ذلك عن ٍ‬
‫قصد منه للكفر " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا تأكيد منه على عقيدته الجهمية بأ ّن الكفر عنده قصد الكفر ال قصد‬
‫الفعل ‪.‬‬

‫شك أ ّن هذا مخالف للنصوص واإلجماع ‪.‬‬


‫أقول‪ :‬وال ّ‬
‫ليقولن إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباهلل وآياته ورسوله‬
‫ّ‬ ‫قال تعالى ‪" :‬ولئن سألتهم‬
‫كنتم تستهزءون ‪.‬ال تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " ‪.‬‬

‫نص في أ ّن االستهزاء باهلل‬


‫قال ابن تيمية في الصارم المسلول ص‪" :310‬وهذا ُّ‬
‫فالسب المقصود بطريق األولى " ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وآياته ورسوله كفر‪،‬‬

‫ونقل رحمه اهلل إجماع أهل السنة على كفر ساب اهلل ورسوله كما في الصارم‬
‫سب اهلل تعالى أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً‪،‬‬
‫المسلول ص‪ 310‬فقال‪" :‬إ ّن ّ‬
‫محرم أو كان مستحل أو كان ذاهلً عن اعتقاده‪،‬‬
‫سواء كان الساب يعتقد أ ّن ذلك ّ‬
‫هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة والجماعة القائلين بأ ّن اإليمان قول وعمل‪،‬‬
‫وقد قال إسحاق بن راهويه‪" :‬قد أجمع المسلمون على أ ّن من سب اهلل أو سب‬
‫مقراً بما أنزل اهلل " ‪.‬‬
‫رسوله أنه كافر بذلك وإن كان ّ‬
‫وقال اإلمام أحمد في رواية عبداهلل وأبي طالب‪ :‬من شتم النبي صلّى اهلل عليه‬
‫النبي صلّى‬
‫وسلّم قتل‪ ،‬وذلك أنه إذا شتم فقد ارت ّد عن اإلسلم‪ ،‬وال يشتم مسلم ّ‬
‫اهلل عليه وسلّم " ‪.‬‬

‫وقال محمد بن سحنون‪-‬وهو أحد فقهاء المالكية‪" :-‬أجمع العلماء أ ّن شاتم‬


‫النبي صلّى ا هلل عليه وسلّم المنتقص له كافر‪ ،‬والوعيد جا ٍر عليه بعذاب ا هلل‪،‬‬
‫ّ‬
‫شك في كفره وعذابه كفر " ‪.‬‬
‫األمة القتل‪ ،‬ومن ّ‬
‫وحكمه عند ّ‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية كما يف الصارم املسلول (‪" :)957/3‬وهذا موضع الب ّد‬
‫الساب يف نفس األمر إّّنا هو الستحالله‬
‫ّ‬ ‫من حتريره‪ ،‬وجيب أن يعلم أ ّن القول بأ ّن كفر‬
‫السب زلّة منكرة وهفوة عظيمة ‪ ،. .‬وإّنا وقع من وقع يف هذه ما تلقوه من كالم ٍ‬
‫طائفة‬
‫متأخري املتكلمني وهم اجلهمية اإلناث الذين ذهبوا مذهب اجلهمية األوىل يف أ ّن‬
‫من ّ‬
‫اإلميان هو جمرد التصديق الذي يف القلب وإن مل يقرتن به قول اللسان‪ ،‬ومل يقتض عمال‬
‫يف القلب واليف اجلوارح " ‪.‬‬

‫وهو بعينه ما عليه األلباين‪ ،‬فقد سئل كمايف املوسوعة(‪ :)630/5‬ما حكم سب الدين؟‬

‫استحل ذلك بقلبه؛ فهو كفر " ‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فأجاب‪" :‬حرام ‪ ،‬ومن‬

‫كسب دين اإلسالم مبثابة املعاصي وليست كفرا ‪.‬‬


‫فجعل املكفرات الصرحية؛ ّ‬
‫أقول‪ :‬وبهذا يتبين مخالفة األلباني للنصوص واإلجماع ووقوعه في مذهب غلة‬
‫المرجئة ‪.‬‬

‫‪ -8‬من األغلط الشنيعة التي وقع فيها األلباني‪/‬دعواه أ ّن اإليمان هو التصديق‪،‬‬


‫وأ ّن كفر إبليس ليس ألجل امتناعه واستكباره عن السجود‪ ،‬بل ألجل عدم‬
‫تصديقه! ! !‬
‫ففي الموسوعة (‪ )173-172/4‬يقول األلباني "ما هو الدليل من القرآن أو السنة‬
‫األئمة أنّه التصديق هو يباين اإلميان‪ ،‬يلتقي مع اإلميان ويباينه‪ ،‬فاآلن مثالنا‬
‫أو أقوال ّ‬
‫وجل يف مثل قوله‪:‬‬
‫إبليس الرجيم باتفاق اجلميع مثّ ملّا كفر يف استنكاره حكم ا هلل عز ّ‬
‫"أأسجد ملن خلقت طينا "‪ ،‬كفر أي مل يبق مؤمنا‪ ،‬لكنّي أنا أقول أيضاً‪ :‬لم يبق‬
‫مصدقاً؛ ألنّه لوكان مص ّدقاً وبقي مصدقاً لسجد " ‪.‬‬

‫مرةٍ أسمع التفريق بين التصديق وبين اإليمان"‪.‬‬


‫وقال (‪" :)176/4‬حقيقةً أنا ألول ّ‬
‫وقال (‪" :)173/4‬أنا ال أعلم في حدود ما علمت (وفوق كل ذي ٍ‬
‫علم عليم)أ ّن‬
‫تمر بنا وقد ننساها‬
‫يفرقون بين اإليمان والتصديق‪ ،‬والنصوص التي قد ّ‬ ‫العلماء ّ‬
‫ول يأتي من بعدي‬‫وذكرنا إحداها آنفاً هي ترادف اإليمان تماماً‪( ،‬ومصدقاً برس ٍ‬
‫اسمه أحمد "أي ومؤمناً ‪(.‬أخطأ األلباني في قرآءة اآلية‪ ،‬وهي في سورة الصف‪:‬‬
‫ٍ‬
‫برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ‪.‬‬ ‫"ومبشراً‬
‫أقول‪ :‬وهذه عقيدة األشاعرة والماتريدة(غلة المرجئة)دعواهم أ ّن اإليمان هو‬
‫التصديق القلبي فقط ‪ ،‬وهذا واضح البطلن بالكتاب والسنة واإلجماع ‪.‬‬

‫ويكفي في إبطال قول األلباني بالترادف بين اإليمان والتصديق‪ ،‬قول النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلّم ‪" :‬العينان تزنيان وزناهما النظر‪ ،‬واألذنان تزنيان وزناهما السمع‪،‬‬
‫والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " رواه البخاري ‪.‬‬

‫فدل على أ ّن اإليمان يباين‬


‫سمى العمل وهو فعل الفرج بالزنا تصديقاً‪ّ ،‬‬
‫حيث ّ‬
‫التصديق ‪.‬‬

‫ّأما قول األلباني بأ ّن إبليس لم يكن مص ّدقاً فهذا واهلل من أعجب ما يكون‪ ،‬فاهلل‬
‫يقول في كتابه‪" :‬إالّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين " ‪.‬فحكم بكفره‬
‫بمجرد استكباره وامتناعه عن السجود‪ ،‬ولم يذكر أنه لم يكن مصدقاً ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص‪" :360-359‬ونصوص‬
‫تدل على أ ّن الك ّفار كانوا في الدنيا مصدقين بالرب ‪،. .‬‬
‫القرآن في غير موض ٍع ّ‬
‫وكما قال عن إبليس ‪" :‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون ‪.‬إالّ إبليس استكبر وكان‬
‫من الكافرين "(ص‪ )74 :‬فلم يصفه إالّ باإلباء واالستكبار ومعارضة األمر‪ ،‬لم‬
‫يصفه بعدم العلم " ‪.‬‬

‫وقال في اإليمان األوسط ص‪" :418‬وكفر إبليس وفرعون واليهود ونحوهم‪ ،‬لم‬
‫يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم‪ ،‬فإبليس لم يخبره أحد بخبر‪ ،‬بل أمره ا‬
‫هلل بالسجود آلدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين‪ ،‬فكفره باإلباء واالستكبار وما‬
‫يتبع ذلك‪ ،‬ال ألجل تكذيب " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا بعينه ما عليه غالة املرجئة؛ لذا ذكر شيخ اإلسالم ابن تيمية فساد قول‬
‫جه ٍم ومن اتبعه من متأخري أصحاب أيب حنيفة كاملاتريدي يف أ ّن ما علم من األقوال‬
‫الظاهرة أ ّن صاحبه كافر‪ ،‬فأل ّن ذلك مستلزم عدم ذلك التصديق يف القلب فقال كما يف‬
‫اإلميان األوسط ص‪" :493‬جعلوا ما علم أ ّن صاحبه كافر‪-‬مثل إبليس وفرعون واليهود‬
‫وأيب طالب وغريهم‪-‬أنّه إّّنا كان كافرا؛ أل ّن ذلك مستلزم لعدم تصديقه يف الباطن‪ ،‬وهذا‬
‫مكابرة للعقل واحلس " ‪.‬‬

‫وقال كما في اإليمان الكبيرص‪" :354‬واحل ّذاق يف هذا املذهب كأيب احلسن‬
‫والقاضي‬

‫ومن قبلهم من أتباع ٍ‬


‫جهم‪ ،‬عرفوا أ ّن هذا تناقض يفسد األصل‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال يكون‬
‫كل من حكم الشرع بكفره؛‬
‫أحد كافرا إالّ إذا ذهب ما يف قلبه من التصديق‪ ،‬والتزموا أ ّن ّ‬
‫فإنّه ليس يف قلبه من معرفة ا هلل وال معرفة رسوله‪ ،‬ولهذا أنكر هذا عليهم جماهير‬
‫العقلء‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذا مكابرة وسفسطة " ‪.‬‬
‫وقال في موض ٍع آخر من اإليمان الكبير ص‪" :408‬ظنّهم أ ّن ّ‬
‫كل من حكم الشارع‬
‫بأنه كافر خملد يف النار‪ ،‬فإّنا ذاك ألنه مل يكن يف قلبه شيء من العلم والتصديق ‪.‬وهذا‬
‫أمر خالفوا به احلس والعقل والشرع‪ ،‬وما أمجع عليه طوائف بين آدم السليمي الفطرة‬
‫ومجاهري النظّار؛ فإ ّن اإلنسان قد يعرف أن الحق مع غيره ومع هذا يجحد ذلك‬
‫لحسده إياه‪ ،‬أو لطلب علوه عليه‪ ،‬أو لهوى النفس‪ ،‬ويحمله ذلك الهوى على أن‬
‫وعامة من‬ ‫بكل ٍ‬
‫طريق‪ ،‬وهو في قلبه يعلم أ ّن الح ّق معه ‪ّ ،‬‬ ‫يعتدي عليه ويرد ما يقول ّ‬
‫وإما‬
‫ك ّذب الرسل علموا أ ّن الحق معهم وأنهم صادقون‪ ،‬لكن إما لحسدهم ّ‬
‫وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه‪ ،‬وما يحصل لهم به من‬
‫إلرادتهم العلو والرياسة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ورياسة وصداقة أقوام‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬فريون يف اتباع الرسل ترك‬ ‫األغراض؛ كأموال‬
‫األهواء احملبوبة إليهم‪ ،‬أو حصول أموٍر مكروه ٍة إليهم‪ ،‬فيكذبوّنم ويعادوّنم فيكونون من‬
‫أكفر الناس كإبليس وفرعون‪ ،‬مع علمهم بأّنم على الباطل والرسل على احلق " ‪.‬‬

‫يسمي المشركين الذين يدعون غير ا هلل من‬


‫‪ -9‬من انحرافات األلباني الشنيعة‪/‬أنه ّ‬
‫األولياء ويذبحون لهم ويطوفون بأضرحتهم (مسلمون)‪ ،‬بل ويصفهم بأنهم من‬
‫يظن أحداً يقوله اليوم‪ ،‬وهو‬
‫صرح هو أنه ال ّ‬‫إخواننا المسلمين! ‪ ،‬بل ويرى رأياً ي ّ‬
‫وجود أناس من أهل الفترة موجودون بين ظهرانينا! ! ! ‪ ،‬بل وصل به األمر أنّه‬
‫يصرح بأ ّن من دخل في مذهب القاديانية فهو مسلم! ! !‬
‫ّ‬
‫أظن أحد يقولها اليوم‪ ،‬أنا‬
‫ففي الموسوعة (‪ )627/5‬يقول‪" :‬أنا أقول قولةً ما ّ‬
‫أقول‪ :‬أهل الفترة موجودون بين ظهرانينا‪ ،‬وأعني هؤالء الجهلة الذين يجدون من‬
‫يؤيد ضللهم‪ :‬استغاثتهم بغير اهلل‪ ،‬والنذر لغيرا هلل‪ ،‬والذبح لغيرا هلل‪ ،‬فهؤالء من أين‬
‫لنا أن نكفرهم وهم لم تبلغهم دعوة الكتاب والسنّة! " ‪.‬‬

‫ويقول في (‪" :)765/5‬فنحن إذا تصورنا هؤالء المساكين الضالين من إخواننا‬


‫المسلمين بسبب علماء السوء يقعون في الشرك وفي الضلل‪ ،‬يستغيثون بغير اهلل‪،‬‬
‫وينادون األموات‪ ،‬وهم ال يسمعون ‪. . .‬فاعتقادنا أن ا هلل ال يؤاخذ اإلنسان إالّ بعد‬
‫قيام الحجة " ‪.‬‬

‫العامة الذين يطوفون حول القبور لغلبة‬


‫وقال في (‪" :)627/5‬أنا ال أك ّفر هؤالء ّ‬
‫الجهل " ‪.‬‬

‫وجه لأللباني عن حكم من مات من المسلمين وهو يجهل التوحيد‪- ،‬‬ ‫وفي ٍ‬
‫سؤال ّ‬
‫ومثّل السائل بالصوفية والقاديانية‪-‬فقال‪" :‬هذا النوع من المسلمين ! ! ! يعاملون‬
‫رب العالمين معاملة من لم تبلغهم الدعوة " ‪.‬‬
‫فيما نعلم من دين اإلسلم عند ّ‬
‫كما في الموسوعة (‪. )762/5‬‬

‫وقال تلميذه أبو اليسر أحمد خشاب الذي الزمه في مكتبته ‪9‬سنوات‪" :‬اتصل‬
‫هاتفيّاً باأللباني أحد المشايخ الصوفيين في األردن قبل عشرين عاماً في بداية مقدم‬
‫عمان‪ ،‬قائلً له‪ :‬يا شيخ ناصر الغريب الب ّد أن يكون أديباً ‪.‬فقال‬
‫الشيخ إلى ّ‬
‫األلباني‪" :‬ما هذه اإلقليمية التي عندك يا شيخ فلن؟ قال الصوفي‪" :‬ألنك‬
‫وتلميذك تك ّفرون المسلمين! فقال األلباني‪" :‬نحن؟ ! قال الصوفي‪" :‬نعم‬
‫‪.‬فقال األلباني‪ :‬إني سائلك سؤاالً‪ ،‬قال الصوفي‪" :‬سل ‪.‬قال األلباني‪ :‬ما ذا تقول‬
‫بصوت مرتفع‪ :‬نويت أن أصلي ركعتين‬‫ٍ‬ ‫رجل يقف أمام قب ٍر ناوياً‪ ،‬ويقول‬
‫في ٍ‬
‫لصاحب هذا القبر؟ ! قال الصوفي‪ :‬هذا كافر مشرك ‪.‬‬

‫فقال األلباني‪" :‬نحن ال نقول‪ :‬كافر مشرك! نحن نقول‪ :‬جاهل‪ ،‬ونعلّمه‪ ،‬فمن‬
‫الذي يك ّفر الناس يا شيخ فلن؟ ! نحن أم أنت؟ ! فإذا بهذا الشيخ الصوفي‬
‫عما بدر منه‪ ،‬ويأتي إليه في بيته ويعتذر إليه ويقبّل يده " ‪.‬‬
‫يستسمح األلباني ّ‬
‫وأقره‪ ،‬ونقله تلميذ األلباني‬
‫وهذا الكلم ذكره علي الحلبي تلميذ األلباني في موقعه ّ‬
‫أحمد الخشاب المصري مقراً له‪ ،‬ونقله غير ٍ‬
‫واحد من تلميذ األلباني ‪.‬فالقوم‬ ‫ّ‬
‫يشهدون بصحته ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬فصار هذا الصوفي أحسن حاالً من األلباني في حكمه على هذه الصورة الشركية‬
‫بأن صاحبها كافر مشرك‪ ،‬بينما األلباني رفض الحكم عليه بأنه مشرك وال حول وال قوة‬
‫إالّ باهلل ‪.‬‬

‫ّأما الرد على ما سبق من ضلالت األلباني فيمكن إيجازها فيما يلي‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬عدم تكفير األلباني لمن انتحل مذهب القاديانية من أعجب ما يكون ‪.‬‬

‫ومتشرف بمخاطبة ا هلل‬


‫ّ‬ ‫نبي‬
‫فنبي القاديانية هو‪/‬غلم أحمد ميرزا الذي قال‪" :‬أنا ّ‬
‫ُّ‬
‫والتكلّم معه‪ ،‬أنا أسأله فيجيبني‪ ،‬ويظهر علي أشياء من غيبه‪ ،‬ويخبرني عن أسرار‬
‫سميت نبياً " ‪.‬‬
‫العالم التي تحدث في المستقبل ‪. . .‬وألجل ذلك ّ‬
‫‪-‬مكتوب غالم أمحد املرسل إىل جريدة "عام بالهو "املؤرخ ‪ 23‬ما يو‪1908‬م ‪.‬‬

‫نقلً عن القاديانية للشيخ إحسان إلهي ظهير ص‪. 138‬‬


‫ٍ‬
‫محمد صلّى ا هلل عليه وسلّم‪ ،‬وإنما بغلم ميرزا ‪ ،‬وأ ّن‬ ‫فالنبوة عندهم لم تختم بنبينا‬
‫الوحي ينزل عليه ‪.‬‬

‫ونصه‪" :‬وبعد أن تداول‬


‫وقد صدر قرار اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي ّ‬
‫جملس اجملمع الفقهي يف هذه املستندات وسواها من الوثائق الكثرية‪ ،‬املفصحة عن عقيدة‬
‫القاديانيني‪ ،‬ومنشئها‪ ،‬وأسسها‪ ،‬وأهدافها اخلطرية يف هتدمي العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪،‬‬
‫قرر المجلس باإلجماع‪ :‬اعتبار العقيدة‬ ‫وحتويل املسلمني عنها حتويال وتضليال‪ّ ،‬‬
‫المسماة أيضاً باألحمدية‪ ،‬عقيدةً خارجةً عن اإلسلم خروجاً كاملً‪ ،‬وأ ّن‬
‫ّ‬ ‫القاديانية‬
‫معتنقيها كفار مرتدون عن اإلسلم‪ ،‬وأ ّن تظاهر أهلها باإلسلم إنما هو للتضليل‬
‫والخداع‪ ،‬ويعلن جملس اجملمع الفقهي أنه جيب على املسلمني حكومات ‪ ،‬وعلماء‪،‬‬
‫وكتابا ومف ّكرين ودعاة وغريهم مكافحة هذه النحلة الضالة وأهلها يف كل ٍ‬
‫مكان من‬ ‫ّ‬
‫العامل ‪. . .‬وباهلل التوفيق " ‪.‬‬
‫وجاء يف قرار جممع الفقه اإلسالمي التابع ملنظمة املؤمتر اإلسالمي بشأن القاديانية ما‬
‫نصه‪" :‬إ ّن جملس جممع الفقه اإلسالمي املنبثق عن منظمة املؤمتر اإلسالمي يف دورة‬
‫ّ‬
‫انعقاد مؤمتره الثاين جبدة‪ ،‬من ‪ 16-10‬ربيع اآلخر ‪1406‬هـ‪22/‬ديسمرب ‪1985‬م بعد‬
‫أن نظر يف االستفتاء املعروض عليه من جملس الفقه اإلسالمي يف كيبتاون جبنوب أفريقيا‪،‬‬
‫كل من القاديانية والفئة املتفرعة عنها اليت تدعي الالّهورية‪ ،‬من حيث‬
‫بشأن احلكم يف ٍّ‬
‫اعتبارمها يف عداد املسلمني أو عدمه‪ ،‬بشأن صالحية غري املسلم للنظر يف مثل هذه‬
‫ٍ‬
‫ومستندات يف هذا املوضوع عن‬ ‫القضية‪ ،‬ويف ضوء ما ق ّدم ألعضاء اجملمع من ٍ‬
‫أحباث‬
‫مريزا غالم أمحد القادياين الذي ظهر يف اهلند يف القرن املاضي ‪ ،. . .‬وبعد التأ ّكد أ ّن‬
‫نيب مرسل يوحى إليه‪ ،‬وثبت عنه هذا يف مؤلفاته اليت‬ ‫مريزا غالم أمحد قد ا ّدعى النبوة بأنه ُ‬
‫وظل طيلة حياته ينشر هذه الدعوة‪ ،‬ويطلب إىل الناس‬
‫ّادعى أ ّن بعضها وحي أنزل عليه‪ّ ،‬‬
‫يف كتبه وأقواله االعتقاد بنبوته ورسالته‪ ،‬كما ثبت عنه إنكار كثري ممّا علم بالضرورة‬
‫كاجلهاد‪ ،‬وبعد أن اطلع اجملمع أيضا على ما صدر عن اجملمع الفقهي مبكة املكرمة يف‬
‫املوضوع نفسه‪ّ ،‬قرر ما يلي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أ ّن ما ّادعاه مريزا غالم أمحد من النبوة والرسالة ونزول الوحي عليه‪ ،‬إنكار صريح ملا‬
‫ثبت من الدين بالضرورة ثبوتا قطعيا يقينيا من ختم الرسالة والنبوة بسيدنا ٍ‬
‫حممد‪ ،‬وأنه ال‬ ‫ّ ّ‬
‫أحد بعده‪ ،‬وهذه الدعوى من ميرزا غلم أحمد تجعله وسائر من‬ ‫ينزل وحي على ٍ‬
‫يوافقونه عليها مرتدين خارجين عن اإلسلم " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬واجملامع الفقهية يف عصرنا متثّل هيئات االجتهاد اجلماعي‪ ،‬وكما سبق نقله صدر‬
‫قراران جممعيان من اجملمع الفقهي التابع لرابطة العامل اإلسالمي‪ ،‬ومن جممع الفقه‬
‫اإلسالمي الدويل التابع ملنظمة العامل اإلسالمي ‪.‬‬

‫مثّ يأيت األلباين وحيكم بإسالم من اعتنق مذهب هذه النحلة اخلبيثة القاديانية! ! ! ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تسمية األلباني من يدعون األولياء ويطوفون بقبورهم ويستغيثون بهم بأنهم‬
‫"مسلمون " بل و "إخواننا " تسمية باطلة‪ ،‬مبنية على أنّه ال يعلم مناط الحكم على‬
‫المعين بالكفر أو اإلسلم ‪.‬‬

‫فالحكم على معيّ ٍن بالكفر أو اإلسلم مناطه‪ :‬أصل اإلسلم وجوداً وعدماً ‪.‬فمن‬
‫كل من نطق بالشهادتين وأظهر‬
‫كان عنده أصل اإلسلم فهو مسلم‪ ،‬ويشمل ذلك ّ‬
‫يضاد ذلك من نواقض اإلسلم الصريحة؛ إذ أحكام‬
‫ّ‬ ‫اإلسلم‪ ،‬ولم يظهر منه ما‬
‫الدنيا مدارها على الظاهر ‪.‬فمن أظهر الشرك أو الكفر الصريح‪ ،‬فالحكم للظاهر؛‬
‫إذ ال يجتمع أصل اإلسلم –وهو التوحيد‪-‬مع ض ّده من الشرك أو الكفر الصريح ‪.‬‬

‫جل وعل‪" :‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن با هلل فقد‬ ‫والدليل على ذلك ‪ :‬قوله ّ‬
‫استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها واهلل سميع عليم " ‪.‬‬

‫وقوله صلّى ا هلل عليه وسلّم‪" :‬من قال ال إله إالّ ا هلل وكفر بما يعبد من دون ا هلل‬
‫حرم دمه وماله وحسابه على ا هلل " رواه مسلم ‪.‬‬

‫ومن دعا األولياء واستغاث بهم وذبح ونذر لهم ‪ ،‬وطاف بأضرحتهم فإنهّ لم يح ّقق‬
‫الكفر بالطاغوت‪ ،‬وأعظمه‪/‬ترك عبادة غيرا هلل ‪.‬‬

‫ّأماالعذر بالجهل فمناطه‪ :‬اجلهل مبسائل الدين الذي ال يستطيع ّ‬


‫املعني رفعه عن نفسه‪،‬‬
‫كحال أهل الفرتة الذين ال يستطيعون االنفكاك ممّا هم فيه من الضالل لعدم بلوغ‬
‫الرسالة إليهم؛ قال تعاىل‪" :‬مل يكن الذين كفروا من أهل الكتاب واملشركني منفكني‬
‫مطهرة " البينة ‪. 2-1‬‬
‫حىت تأتيهم البينة ‪.‬رسول من ا هلل يتلو صحفا ّ‬
‫عماهم فيه‬
‫جل وعل المشركين من أهل الفترة الذين ال يستطيعون االنفكاك ّ‬
‫فذكر ّ‬
‫النبي صلّى ا هلل عليه وسلّم فيهم ووصول الكتاب إليهم‪،‬‬
‫من الضلل؛ لعدم بعثة ّ‬
‫فهم معذورون في عذاب اآلخرة؛ لعدم بلوغ الحجةّ‪ ،‬وإالّ فهم ك ّفار في أحكام‬
‫الدنيا ‪.‬‬
‫ويلحق بأهل الفرتة‪ :‬من وقع يف املكفرات الصرحية املنافية ألصل اإلسالم؛ كعبّاد القبور‬
‫الذين يستغيثون باألولياء وينذرون ويذحبون هلم فهم كفار ويسمون "مشركني " ‪.‬‬

‫ويف اآلخرة أمرهم إىل ا هلل إذا مل تقم عليهم احلجة ‪.‬‬

‫قال ابن القيم يف طريق اهلجرتني ص‪" :608‬واإلسالم هو‪ :‬توحيد ا هلل وعبادته وحده ال‬
‫ٍ‬
‫بمسلم‬ ‫شريك له‪ ،‬واإلميان برسوله‪ ،‬واتباعه فيما جاء به؛ ومالم يأت العبد بهذا فليس‬
‫‪.‬وإن لم يكن كافراً معانداً‪ ،‬فهو كافر جاهل ‪.‬‬

‫فغاية هذه الطبقة‪ :‬أنهم ك ّفار جهال غير معاندين‪ ،‬وعدم عنادهم ال يخرجهم عن‬
‫كونهم ك ّفاراً؛ فإ ّن الكافر‪ :‬من جحد توحيدا هلل تعاىل‪ ،‬وك ّذب رسله‪ّ :‬إما عنادا‪ّ ،‬‬
‫وإما‬
‫جهال وتقليدا ألهل العناد ‪. " . . .‬‬

‫اجلهال املقلّدة ألهل العناد‪ ،‬وهذا يشمل أهل‬


‫قلت‪ :‬فهنا ذكر أ ّن من أصناف الك ّفار‪ّ :‬‬
‫الفرتة الذين مل يأهتم رسول وال نذير‪ ،‬ويشمل اجلهال املقلدة الذين بلغهم العلم فأعرضوا‬
‫عنه ‪.‬‬

‫يسمون ك ّفارا أو‬


‫وسئل الشيخ حممد بن إبراهيم رمحه ا هلل عن أهل الفرتة‪" :‬هل ّ‬
‫مسلمني؟ "‬

‫فأجاب‪" :‬ك ّفار ال مسلمين‪ّ ،‬أما عذابهم فل يكون حتى يبعث لهم رسول ‪.‬ويف ّ‬
‫قصة‬
‫اجملانني وأهل الفرتات‪ :‬أنّه يبعث هلم عنق من النار "أ ‪.‬هـ من جمموع فتاوى ورسائل‬
‫الشيخ (‪. )246/1‬‬

‫وقال الشيخ حممد األمني الشنقيطي يف دفع إيهام االضطراب عن آي الكتاب‬


‫ص‪" :138-137‬اعلم أوال‪ :‬أ ّن من لم يأته نذير في دار الدنيا وكان كافراً حتى ما‬
‫ت‪ ،‬اختلف العلماء هل هومن أهل النار لكفره؟ أو معذور؛ ألنه مل يأته نذير؟ ‪ ،. .‬إىل‬
‫أن قال‪" :‬قال مقيده عفا ا هلل عنه‪ :‬الظاهر‪ :‬أ ّن التحقيق يف هذه املسألة اليت هي‪ :‬وهو‬
‫هل يع ّذر المشركون بالفترة أوال؟ هو‪ّ :‬أّنم معذورون بالفرتة يف الدنيا‪ ،‬وأ ّن اهلل يوم‬
‫القيامة ميتحنهم بنا ٍر يأمرهم باقتحامها ‪.‬فمن اقتحمها دخل اجلنّة الذي كان يص ّدق‬
‫الرسل لو جاءته يف الدنيا ‪.‬ومن امتنع دخل النار وع ّذب فيها‪ ،‬وهو الذي كان يك ّذب‬
‫الرسل لو جاءته يف الدنيا " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬الشاهد من كلمه أنّه بيّن أ ّن أهل الفترة كفار ومشركون في الدنيا‪ ،‬وإّنا‬
‫اخلالف يف اآلخرة‪ ،‬هل يدخلون النار أم يعذرون؛ ألنّه مل يأهتم نذير؟ ‪.‬‬

‫لكن‬ ‫ٍ‬
‫قال الشيخ عبدالعزيز بن باز كما يف جمموع فتاوى ومقاالت متنوعة (‪" :)49/1‬و ّ‬
‫يتقربون إليهم بالذبح‬
‫التقرب إىل أهلها بالطواف هبا‪ ،‬كما ّ‬
‫الغالب على عباد القبور هو‪ّ :‬‬
‫يغسل‪ ،‬وال‬
‫كل ذلك شرك أكرب‪ ،‬من ما ت عليه ما ت كافراً‪ ،‬ال ّ‬ ‫هلم والنذر هلم؛ و ّ‬
‫يصلّى عليه‪ ،‬وال يدفن في مقابر المسلمين‪ ،‬وأمره إلى ا هلل في اآلخرة‪ ،‬إن كان ممّن‬
‫مل تبلغه الدعوة فله حكم أهل الفرتة " ‪.‬‬

‫يظن أحداً يقول‬


‫وأما قول األلباني بأ ّن أهل الفترة موجود بين ظهرانينا‪ ،‬وأنه ال ّ‬
‫أقول‪ّ :‬‬
‫بهذه المقالة في زمننا هذا‪ ،‬فهذا من أعجب ما يكون! ؛ أل ّن أهل الفرتة‪ :‬هم ما بني‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫كل نبيني‪ ،‬فقد ذكر ابن كثري يف تفسريه (‪ )35/2‬تعريف الفرتة فقال‪" :‬هي ما بني ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وحممد صلّى ا هلل عليه وسلّم ‪.‬‬ ‫نبيني كانقطاع الرسالة من عيسى عليه السالم‬
‫ّ‬
‫وذكر السبكي يف مجع اجلوامع (‪ )63/1‬تعريف الفرتة‪ :‬وهي ما كانت بني رسولني مل‬
‫يرسل إليه األول ومل يدرك الثاين " ‪.‬‬

‫ونقل األلوسي يف روح املعاين (‪ :)103/6‬إمجاع املفسرين بأ ّن الفرتة هي انقطاع ما بني‬


‫رسولني ‪.‬‬
‫وهؤالء الذين يدعون األولياء والصاحلني ويستغيثون هبم قدبلغتهم رسالة نبينا ٍ‬
‫حممد صلّى‬
‫ا هلل عليه وسلّم ومسعوا القرآن‪ ،‬فكيف يكونون من أهل الفرتة؟ !‬

‫قال الشيخ عبد العزيزبن باز كما يف فتاوى نور على الدرب (‪" :)262/1‬أهل الفرتة‬
‫هم الذين مل تبلغهم الرسالة ‪ ،. .‬ال مسعوا بالقرآن وال بالرسول‪ ،‬هؤالء يقال هلم‪ :‬أهل‬
‫الفرتة؛ ّأما من بلغه القرآن؛ أو بلغه خبر الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم أ ّن ا هلل بعثه‬
‫إلى الناس يدعوهم ولم يبال ليس من أهل الفترة " ‪.‬‬

‫وقال أيضاً كما في فتاوى نور على الدرب(‪" :)256-255/1‬أمور العقيدة التي‬
‫تتعلّق بالتوحيد والشرك ال يعذر فيها بالجهل وهوبين المسلمين‪ ،‬ويسمع القرآن‬
‫واألحاديث‪ ،‬ويستطيع أن يسأل‪ ،‬ما يعذر بدعوة القبور‪ ،‬واالستغاثة باألموات وأشباه‬
‫ذلك ‪.‬بل يجب عليه أن يتعلّم‪ ،‬وأن يتف ّقه‪ ،‬وليس له أن يتساهل في هذا األمر " ‪.‬مثّ‬
‫إ ّن أهل الفرتة كفار يف أحكام الدنيا بإمجاع العلماء‪ ،‬وقد سبق ذكر شيء من ذلك‪،‬‬
‫وبناء عليه ألحق بهم عباد‬
‫بينما صريح كلم األلباني أنهم ليسوا كفاراً في الدنيا ً‬
‫القبور باعتبار أنهم مسلمون‪ ،‬وهذا غلط شنيع آخر وقع فيه األلباني ‪.‬‬

‫فالحجة القاطعة للعذر تقوم على المعيّن بأمرين‪:‬‬


‫ّ‬ ‫قلت‪:‬‬

‫تبني له احلق وعرفه وعانده واختار الضالل؛ قال تعاىل‪" :‬ومن يشاقق‬ ‫األول‪ :‬من ّ‬
‫توىل ونصله جهنّم‬
‫الرسول من بعد ما تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما ّ‬
‫وساءت مصريا " النساء‪ . 115 :‬وهذا الصنف قليل ‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬من بلغه العلم ومت ّكن من التعلّم‪ ،‬ولوكان جاهال؛ إذ إ ّن جهله إنّما هو سبب‬

‫عما جاءه من الحق؛ قال تعاىل‪" :‬وأوحي ّ‬


‫إيل هذا القرآن ألنذركم به ومن بلغ‬ ‫إعراضه ّ‬
‫"األنعام‪. 19 :‬‬

‫ممن يدعو األولياء ويستغيثون بهم ويذبحون‬


‫عامة المشركين اليوم ّ‬
‫وهو ما عليه ّ‬
‫وينذرون لهم ‪.‬‬

‫قال اإلمام الشافعي‪" :‬لو عذر اجلاهل ألجل جهله‪ ،‬لكان اجلهل خريا من العلم؛ إذ‬
‫حجة للعبد‬
‫ط عن العبد أعباء التكليف‪ ،‬ويريح قلبه من ضروب التعنيف ‪.‬فل ّ‬
‫كان حي ّ‬
‫في جهله الحكم بعد التبليغ والتمكين‪( ،‬لئلّ يكون للناس على ا هلل حجة بعد‬
‫الرسل) " ‪.‬‬
‫نقله عنه الزركشي يف املنثور يف القواعد (‪. )15/2‬‬

‫فبني الشافعي أ ّن العذر ليس مناطه اجلهل اجملرد كما قال‪" :‬لو عذر اجلاهل ألجل جهله‬
‫ّ‬
‫"‪ ،‬وإّّنا مناطه‪ :‬اجلهل مع عدم القدرة على العلم‪ ،‬وميكن أن نضرب له مثاال حبال األربعة‬
‫الذين يدلون على ا هلل حبجتهم يوم القيامة‪ ،‬كما يف احلديث الذي رواه اإلمام أمحد يف‬
‫أصم ال يسمع‬
‫النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم أنّه قال‪" :‬أربعة يوم القيامة‪ :‬رجل ّ‬
‫املسند عن ّ‬
‫رب لقد‬ ‫األصم فيقول‪ّ " :‬‬
‫ّ‬ ‫فأما‬
‫شيئا‪ ،‬ورجل أمحق‪ ،‬ورجل هرم‪ ،‬ورجل ما ت يف فرتة ‪ّ .‬‬
‫جاء اإلسالم وما أمسع شيئا " ‪.‬و ّأما األمحق فيقول‪" :‬لقد جاء اإلسالم والصبيان‬
‫رب لقد جاء اإلسالم وما أعقل شيئا " ‪.‬و ّأما‬
‫حيذفونين بالبعر " ‪.‬وأما اهلرم فيقول‪ّ " :‬‬
‫رب ما أتاين لك رسول " ‪.‬فيأخذ مواثيقهم ليطيعنّه‬
‫الذي ما ت يف الفرتة فيقول‪ّ " :‬‬
‫‪.‬فريسل إليهم أن ادخلوا النار‪. :‬قال‪" :‬فو الذي نفس ٍ‬
‫حممد بيده! لو دخلوها لكانت‬
‫عليهم بردا وسالما " ‪.‬‬

‫ففي هذا احلديث ّبني صلّى ا هلل عليه وسلّم الذين يعذرون‪ ،‬وعلّة عذرهم هي‪ :‬عدم‬
‫القدرة على الفهم‪ّ ،‬إما لعدم بلوغ العلم كالذي عاش يف الفرتة‪ ،‬أو لعدم القدرة لفقد آليّة‬
‫الفهم كاألصم واهلرم واجملنون ‪.‬‬

‫الحجة ورد ذكرهما في فتوى اللجنة‬


‫ّ‬ ‫أقول‪ :‬وهذان الصنفان اللذان تقوم عليهما‬
‫الدائمة لإلفتاء في المملكة(رقم‪)11043 :‬؛ حيث بيّنوا حكم املعاند بقوهلم‪:‬‬
‫للضر أو كشفا للكرب‪ّ ،‬بني له أ ّن ذلك شرك‪،‬‬
‫"فمن استغاث بأصحاب القبور دفعا ّ‬
‫أصر بعد البيان‪ ،‬فهو مشرك يعامل يف‬
‫احلجة أداء لواجب البالغ ‪.‬فإن ّ‬
‫وأقيمت عليه ّ‬
‫استحق العذاب األليم يف اآلخرة إذا مات على ذلك " ‪.‬‬
‫الدنيا معاملة الكافرين‪ ،‬و ّ‬
‫مثّ بينوا حكم من بلغه العلم ومت ّكن من التعلّم‪ ،‬كمن عاش بني املسلمني‪ ،‬بقوهلم‪" :‬ومن‬
‫ثم ال يؤمن وال يطلب الح ّق‬ ‫ٍ‬
‫عاش في بلد يسمع فيها الدعوة إلى اإلسلم وغيره‪ّ ،‬‬
‫وأصر على الكفر " ‪.‬‬
‫من أهله‪ ،‬فهو في حكم من بلغته الدعوة اإلسلمية ّ‬
‫وهذا ينطبق على المشرك الجاهل ‪.‬‬

‫أئمة السنة السابقين والمعاصرين في تسمية من دعا‬


‫أقول‪ :‬وقد تواترت النقول عن ّ‬
‫غير ا هلل أو سجد لغيرا هلل أو ذبح أو نذر لغيرا هلل "مشركاً " وعدم عذر من فعل‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪-1‬قال اإلمام الربهباري يف شرح السنة ص‪" :64‬وال خنرج أحدا من أهل القبلة من‬
‫أويرد شيئا من آثار رسول ا هلل صلّى ا هلل عليه‬
‫يرد آية من كتاب ا هلل‪ّ ،‬‬
‫حىت ّ‬
‫اإلسالم ّ‬
‫وسلّم‪ ،‬أو يذبح لغيرا هلل‪ ،‬أو يصلّي لغيرا هلل‪ ،‬فإذا فعل شيئاً من ذلك فقد وجب‬
‫عليك أن تخرجه من اإلسلم " ‪.‬‬

‫‪-2‬وقال ابن جريرالطربي يف التبصري يف معامل الدين (ص‪ ،)15-13‬مع تعليق الشيخ‬
‫ابن باز‪" :‬مثّ لن يعد ومجيع أمور الدين‪-‬الذي امتحن ا هلل به عباده‪ -‬معنيني‪ :‬أحدمها‪:‬‬
‫حالل وحرٍام و ٍ‬
‫أقضية وأحكام ‪.‬‬ ‫توحيدا هلل وعدله ‪.‬واآلخر‪ :‬شرائعه اليت شرعها خللقه من ٍ‬

‫اس ‪.‬و ّأما شرائعه‪:‬‬


‫فأما توحيده وعدله‪ :‬فمدركه حقيقة علمه استدالال مبا أدركته احلو ّ‬
‫ّ‬
‫حاسة‬
‫حسا بالسمع‪ ،‬وعلم بعضها استدالال مبا أدركته ّ‬ ‫فمدركه حقيقة علم بعضها ّ‬
‫السمع ‪.‬مثّ القول فيما أدركت حقيقة علمه منه استدالال على وجهني‪ :‬أحدمها‪ :‬معذور‬
‫فيه باخلطأ‪ ،‬واملخطئ ما جور فيه على االجتهاد ‪. . .‬إىل أن قال "وذلك اخلطأ فيما‬
‫كانت األدلّة على الصحيح من القول فيه خمتلفة غري مؤتلفة‪ ،‬واألصول يف الداللة عليه‬
‫مفرتقة غري متفقة‪ ،‬وإن كان ال خيلو من ٍ‬
‫دليل على الصحيح من القول فيه ‪ ،. .‬إىل أن‬
‫قال‪" :‬واآلخر منهما غير معذوٍر فيه مكلّف قد بلغ ح ّد األمر والنهي‪ ،‬ومك ّفر‬
‫بالجهل به الجاهل؛ وذلك ما كانت األدلّة الدالة على صحته متفقةً وغير مفترقة‪،‬‬
‫للحواس ‪. .‬إلى أن قال‪" :‬فلذلك‬
‫ّ‬ ‫ومؤتلفةً غير مختلفة‪ ،‬وهي مع ذلك ظاهرة‬
‫افترق القول في حكم الخطأ في التوحيد وحكم الخطأ في شرائع الدين وفرائضه "‬
‫‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكلمه صريح في عدم العذر للمخالف والمخطئ في باب التوحيد‪ ،‬ويك ّفر‬
‫به المخالف ‪.‬‬

‫‪-3‬شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في قاعدة عظيمة في الفرق بين عبادات أهل‬
‫اإلسالم وعبادات أهل الشرك ص‪ 70‬قال‪" :‬ومنهم من يسجد من باب املكان املبين‬
‫على القرب‪ ،‬ومنهم من يستغين بالسجود لصاحب القرب عن الصوات اخلمس‪ ،‬فيسجدون‬
‫يظن به اخلري‪ ،‬وليس‬
‫هلذا امليت وال يسجدون للخالق‪ ،‬وقد يكون ذلك امليت ممّن ّ‬
‫كذلك‪ ،‬كما يوجد مثل هذا يف مصر‪ ،‬والشام‪ ،‬والعراق‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬

‫ومنهم من يطلب من امليت ما يطلبه من ا هلل‪ ،‬فيقول‪ :‬إغفر يل‪ ،‬وارزقين‪ ،‬وانصرين‪ ،‬وحنو‬
‫يشك من‬‫ذلك كما يقول املصلّي يف صالته هلل تعاىل‪ ،‬إىل أمثال هذه األمور اليت ال ّ‬
‫حرمه ا هلل‬
‫فإّنا من الشرك الذي ّ‬
‫عرف دين اإلسالم ّأّنا خمالفة لدين املرسلني أمجعني‪ّ ،‬‬
‫ورسوله‪ ،‬بل من الشرك الذي قاتل عليه الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم املشركني‪ ،‬وأ ّن‬
‫الحجة لم تقم عليهم‪ ،‬كما يعذر من لم‬
‫أصحابها إن كانوا معذورين بالجهل‪ ،‬وأ ّن ّ‬
‫يبعث إليه رسول‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وماكنّا مع ّذبين حتى نبعث رسوالً " اإلسراء‪:‬‬
‫‪. 15‬وإالّ كانوا مستحقين من عقوبة الدنيا واآلخرة ما يستح ّقه أمثالهم من‬
‫المشركين‪ ،‬قال تعاىل‪" :‬فال جتعلوا هلل أندادا وأنتم تعلمون " البقرة‪. 22 :‬‬

‫والذين يؤمنون بالرسول إذا تبيّن ألحدهم حقيقة ما جاء به الرسول‪ ،‬وتبيّن أنّه‬
‫مشرك‪ ،‬فإنّه يتوب إلى اهلل ويج ّدد إسلمه‪ ،‬فيسلم إسلماً يتوب فيه من هذا الشرك‬
‫"‪.‬‬

‫قلت‪ :‬فكالمه صريح يف تسمية هؤالء "مشركين "و ّأّنم إن عذروا باجلهل فحاهلم كحال‬
‫من مل يبعث إليه رسول وهم أهل الفرتة يف عقوبة الدنيا واآلخرة‪ ،‬وأ ّن الواحد من هؤالء‬
‫املشركني قد يتوب فيجدد إسالمه‪ ،‬فيسلم إسالما يتوب فيه من هذا الشرك ‪.‬‬
‫‪-4‬وقال الشيخان حسني وعبدا هلل ابنا الشيخ حممد بن عبدالوهاب رمحهم ا هلل‪" :‬من‬
‫ما ت من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة‪ ،‬فالذي حيكم عليه‪ :‬أنّه إذا كان معروفا‬
‫بفعل الشرك ويدين به‪ ،‬ومات على ذلك‪ ،‬فهذا ظاهره أنّه ما ت على الكفر ‪.‬وال يدعى‬
‫يتصدق عنه ‪.‬و ّأما حقيقة أمره فإىل ا هلل تعاىل‪ ،‬فإن كانت قامت‬
‫يضحى له‪ ،‬وال ّ‬
‫له‪ ،‬وال ّ‬
‫احلجة يف حياته وعاند فهذا كافر يف الظاهر والباطن ‪.‬وإن مل تقم عليه احلجة فأمره‬
‫عليه ّ‬
‫إىل ا هلل تعاىل " ‪.‬‬

‫الدرر السنية (‪. )142/10‬‬

‫كل‬
‫)ونصها‪ّ " :‬‬
‫‪-5‬ماورد يف فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واالفتاء برقم (‪ّ 4400‬‬
‫من آمن برسالة نبينا ٍ‬
‫حممد صلّى ا هلل عليه وسلّم وسائر ما جاء يف الشريعة إذا سجد بعد‬ ‫ّ‬
‫ويل وصاحب ق ٍرب أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرت ّداً عن اإلسلم مشركاً‬
‫ذلك لغريا هلل من ٍّ‬
‫مع ا هلل غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده؛ إلتيانه بما ينقض قوله‬
‫من سجوده لغيرا هلل‪ ،‬لكنّه قد يعذر لجهله فل تنزل به العقوبة حتى يعلّم وتقام عليه‬

‫الحجة وميهل ثالثة أيام إعذارا إليه لرياجع نفسه عسى أن يتوب‪ ،‬فإن ّ‬
‫أصر على سجوده‬ ‫ّ‬
‫النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم‪" :‬من ب ّدل دينه فاقتلوه "‬
‫لغريا هلل بعد البيان قتل لردته؛ لقول ّ‬
‫‪.‬أخرجه اإلمام البخاري يف صحيحه عن ابن عباس رضي ا هلل عنهما‪ ،‬فالبيان وإقامة‬
‫يسمى‬
‫ليسمى كافراً بعد البيان‪ ،‬فإنّه ّ‬ ‫الحجة لإلعذار إليه قبل إنزال العقوبة به ال ّ‬
‫ٍ‬
‫سجود لغيرا هلل أو نذره قربةً أو ذبحه شا ًة مثلً لغيرا هلل " ‪.‬‬ ‫كافراً بما حدث منه من‬

‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‬

‫الرئيس‬ ‫نائب رئيس اللجنة‬ ‫عضو‬

‫عبدالعزيز بن باز‬ ‫عبدالرزاق عفيفي‬ ‫عبدا هلل بن قعود‬

‫فتاوى اللجنة الدائمة(‪ )220/1‬مجع وترتيب‪ :‬أمحد الدويش‪ ،‬طبع ونشر مكتبة‬
‫العبيكان‪ ،‬الطبعة الثانية‪1412 :‬هـ ‪.‬‬
‫نصه كما يف‬ ‫ٍ‬ ‫‪-6‬ماورد يف جو ٍ‬
‫اب للشيخ حممد بن عثيمني رمحه ا هلل على سؤال هذا ّ‬
‫فتاوى نور على الدرب (‪" )431/1‬ما مصري املسلم الذي يصوم ويصلّي ويزّكي‪ ،‬ولكنّه‬
‫يعتقد باألولياء االعتقاد الذي يسمونه يف بعض الدول اإلسالمية اعتقادا جيدا أ ّّنم‬
‫يضرون وينفعون‪ ،‬كما أنّه يقوم بدعاء هذا الويل فيقول‪ :‬يا فالن‪ ،‬لك كذا وكذا إذا شفي‬
‫ّ‬
‫ابين أو بنيت ‪.‬أوبا هلل يا فالن ‪.‬فماحكم مثل هذه األقوال ‪.‬وما مصري املسلم فيه؟‬

‫فأجاب‪" :‬تسمية هذا الرجل‪ ،‬الذي ينذر للقبور واألولياء ويدعوهم مسلماً جهل‬
‫ٍ‬
‫بمسلم؛ ألنّه مشرك‪ ،‬قال ا هلل تعاىل‪" :‬وقال‬ ‫المسمي‪ ،‬ففي الحقيقة هذا ليس‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫ربكم ادعوين أستجب لكم إ ّن الذين يستكربون عن عباديت سيدخلون جهنّم داخرين "‬

‫الضر‪ ،‬وهو الذي‬


‫هلل وحده‪ ،‬فهو الذي يكشف ّ‬ ‫(غافر‪. )60 :‬فالدعاء ال جيوز إالّ‬
‫جييب املضطر إذا دعاه ويكشف السوء وجيعلكم‬ ‫جيلب النفع‪ ،‬كما قال تعاىل‪ّ " :‬أمن‬
‫خلفاء األرض "(النمل‪. )62 :‬فهذا وإن صلّى وصام وزّكى‪ ،‬وهو يدعو غريا هلل‪ ،‬ويعبده‬

‫وينذر له‪ ،‬فإنّه مشرك‪ ،‬قد ّ‬


‫حرم ا هلل عليه اجلنّة‪ ،‬ومأواه النار‪ ،‬وما للظاملني من أنصار " ‪.‬‬

‫وأ ّكد رمحه ا هلل على كفر تارك التوحيد بعينه فقال كما يف تفسري سورة املائدة‬
‫(‪" :)403/1‬كما أنّنا لو رأينا رجال كافرا فإنّنا نعامله معاملة الكافر‪ ،‬وال نقول‪ :‬إنّنا‬
‫ال نك ّفره بعينه‪ ،‬كما اشتبه على بعض الطلبة اآلن‪ ،‬يقولون‪ :‬إذا رأيت الذي ال يصلّي‬
‫ال تك ّفره بعينه‪ ،‬كيف ال أك ّفره بعينه! ! إذا رأيت الذي يسجد للصنم ال تكفره بعينه؛‬
‫ألنّه رّمبا يكون قلبه مطمئنّا باإلميان‪ ،‬هذا غلط عظيم‪ ،‬نحن نحكم بالظاهر‪ ،‬فإذا‬
‫وجدنا شخصاً ال يصلّي قلنا‪ :‬هذا كافر بملء أفواهنا‪ ،‬إذا رأينا من يسجد للصنم‬
‫قلنا‪ :‬هذا كافر‪ ،‬ونعيّنه ونلزمه بأحكام اإلسلم‪ ،‬فإن لم يفعل قتلناه‪ّ ،‬أما في اآلخرة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ال نشهد ألحد معيّ ٍن ال بجنة وال نار إالّ من شهد له ّ‬
‫النبي صلّى ا هلل عليه وسلّم‪،‬‬
‫أو جاء ذلك في القرآن " ‪.‬‬
‫أئمة السنة في الحكم على من وقع في‬ ‫أقول‪ :‬ما سبق نقله يبيّن تواتر النقل عن ّ‬
‫الشرك األكبر بأنّه "مشرك "بعينه‪ ،‬وتترتّب عليه أحكام ذلك في الدنيا؛ أل ّن هذا‬
‫الباب مبني على الظاهر ‪.‬‬

‫وقد ذكر التفريق في التكفير بين أحكام الدنيا واآلخرة شيخ اإلسلم ابن تيمية كما‬
‫في شرح العمدة (‪ )93-92/2‬فقال‪" :‬الكفر على قسمين‪:‬‬

‫قسم تنبني عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح ومنع التوارث والعقل‬
‫وحل الدم والمال وغير ذلك‪ ،‬فهذا إنّما يثبت إذا ظهر لنا كفره‪ّ ،‬إما ٍ‬
‫بقول يوجب‬ ‫ّ‬
‫عمل‪ ،‬مثل‪ :‬السجود للصنم وإلى غير القبلة‪ ،‬واالمتناع عن الصلة‪،‬‬ ‫الكفر‪ ،‬أو ٍ‬
‫وشبه ذلك ‪. .‬والثاين‪ :‬ما يتعلّق بأحكام اآلخرة واالحنياز عن أمة ٍ‬
‫حممد‪ ،‬واللحاق بأهل‬ ‫ّ‬
‫الكفر وحنو ذلك‪ ،‬فهذا قد جيوز على كث ٍري ممّن ي ّدعي اإلسالم‪ ،‬وهم املنافقون الذين‬
‫أمرهم بالكتاب والسنة معلوم ‪. " . . .‬‬

‫ثالثاً‪ :‬منشأ بدعة عذر الجاهل في المكفرات الصريحة‪ ،‬ومنها‪/‬الشرك األكبر في‬
‫عدم تسميته "مشركا "‪:‬‬
‫أول ٍ‬
‫بدعة ظهرت في ذلك‪ :‬هي بدعة الجاحظ وعبيدا هلل العنبري من المعتزلة‪،‬‬
‫وهي إطلق العذر بالجهل‪ ،‬والزعم أ ّن الحجة ال تقوم إالّ على من عاند الحق‬
‫ممن‬ ‫ٍ‬
‫كل أحد وقع في المكفرات الصريحة المنافية لإلسلم‪ّ ،‬‬ ‫وقصد الضلل‪ ،‬في ّ‬
‫ينتسب لإلسلم أو يدين بغيره‪ ،‬ورتّبا على ذلك‪ :‬أ ّن وجود الجهل واالجتهاد‬
‫الحجة‪ ،‬وأ ّن غير المعاند ال يؤثّم‪ ،‬بل قد يؤجر يوم القيامة‪.‬‬
‫والشبهة ما نع من قيام ّ‬
‫كل مسائل ال ّدين‪ ،‬دون ٍ‬
‫تفريق بين أصول اإلسلم التي‬ ‫كما زعما إطلق ذلك في ّ‬
‫هي المسائل الظاهرة وبين المسائل الخفية ‪.‬‬
‫فمن قال بالتثليث كالنصارى أو بوحدة الوجود كالصوفية ‪ ،‬أو بدعاء األموات واالستغاثة‬
‫هبم كما عليه الرافضة والقبورية فهو جمتهد معذور هذا ما ّأداه إليه اجتهاده ما مل يكن‬
‫معاندا ‪.‬‬

‫كاجلهال ومن لديهم شبهة‪،‬‬


‫احلق ويعانده‪ّ ،‬‬
‫لكل من مل يتبني له ّ‬
‫فهو يرى العذر مطلقا ّ‬
‫ومن كان جمتهدا يف أي ٍ‬
‫ضالل كان ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الغزايل يف املستصفى (‪" :)359/2‬ذهب اجلاحظ إىل‪ :‬أ ّن مخالف ملّة اإلسلم‬
‫قال ّ‬
‫من اليهود والنصارى والدهرية‪ ،‬إن كان معانداً على خلف اعتقاده‪ ،‬فهو آمث ‪.‬وإن‬
‫نظر فعجز عن درك الحق‪ ،‬فهو معذور غير آثم ‪.‬‬

‫وإن مل ينظر من حيث مل يعرف وجوب النظر‪ ،‬فهو أيضا معذور ‪.‬وإنّما اآلثم المع ّذب‬
‫هو‪ :‬المعاند فقط؛ أل ّن ا هلل تعاىل قال‪" :‬ال يكلّف ا هلل نفسا إالّ وسعها "البقرة‪286 :‬‬
‫‪.‬وهؤالء قد عجزوا عن درك احلق‪ ،‬ولزموا عقائدهم خوفا من ا هلل؛ إذ است ّد عليهم طريق‬
‫ٍ‬
‫مسعية‬ ‫لكن الواقع خالف هذا؛ فهو باطل بأدلٍّة‬ ‫املعرفة "‪ ،‬إىل أن قال‪. . " :‬و ّ‬
‫ضرور ٍية‪."..‬‬

‫وقال اآلمدي يف اإلحكام يف أصول األحكام(‪" :)215/3‬وقال اجلاحظ وعبيدا هلل بن‬
‫ط اإلمث عن خمالف ملّة اإلسالم إذا نظر واجتهد‪ ،‬وأنّه‬
‫احلسن العنربي من املعتزلة حب ّ‬
‫معذور‪ ،‬بخلف المعاند " ‪.‬‬

‫قال الطويف يف شرحه ملختصر الروضة(‪ )610/3‬ذاكرا قول اجلاحظ‪:‬‬

‫"اجلاحظ‪ :‬اإلمث بعد االجتهاد قبيح‪ ،‬السيّما مع كثرة اآلراء‪ ،‬واعتوار الشبه وعدم‬
‫القواطع اجلوازم "‪ ،‬ويلزمه رفع اإلثم عن منكري الصانع والبعث والنبوات واليهود‬
‫أداهم‬
‫ليقربونا)؛ إذ اجتهادهم ّ‬
‫والنصارى وعبدة األوثان الذين قالوا‪( :‬ما نعبدهم إالّ ّ‬
‫إلى ذلك " ‪.‬‬
‫وممّن أنكر بدعة اجلاحظ املعتزيل‪/‬اإلمام ابن جرير الطربي يف تفسريه لقوله تعاىل‪" :‬إّنم‬
‫اختذوا الشياطني أولياء من دون ا هلل وحيسبون أّنم مهتدون " األعراف‪. 30 :‬‬

‫حق عليهم الضاللة إّّنا ضلّوا عن سبيل‬


‫حيث قال‪" :‬يقول تعاىل ذكره‪ :‬إ ّن الفريق الذي ّ‬
‫احملجة‪ ،‬باختاذهم الشياطني نصراء من دون ا هلل وظهراء‪ ،‬جهلً‬
‫ا هلل وجاروا عن قصد ّ‬
‫هدى‬
‫منهم بخطر ما هم عليه من ذلك؛ بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على ً‬
‫وحق‪ ،‬وأ ّن الصواب ما أتوه وركبوا ‪.‬وهذا من أبين الداللة على خطإ قول من زعم‬
‫علم‬ ‫ٍ‬
‫ضللة اعتقدها‪ ،‬إالّ أن يأتيها بعد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معصية ركبها أو‬ ‫أ ّن ا هلل ال يع ّذب أحداً على‬
‫منه بصواب وجهها‪ ،‬فيركبها عناداً منه لربّه فيها؛ أل ّن ذلك لوكان كذلك مل يكن بني‬
‫فريق الضاللة الذي ضل وهو حيسب أنّه ٍ‬
‫هاد وفريق اهلدى فرق‪ ،‬وقد ّفرق ا هلل بني‬ ‫ّ‬
‫أمسائهما وأحكامهما يف هذه اآلية " ‪.‬‬

‫وقال ابن قدامة يف روضة الناظر ص‪ّ " :362‬أما الذي ذهب إليه اجلاحظ‪ ،‬فباطل يقينا‪،‬‬
‫النيب‬
‫وكفر با هلل تعاىل ورد عليه وعلى رسوله صلّى ا هلل عليه وسلّم‪ ،‬فإنّا نعلم قطعا‪ :‬أ ّن ّ‬
‫وذمهم على إصرارهم‪،‬‬‫صلّى ا هلل عليه وسلّم أمر اليهود والنصارى باإلسالم واتّباعه‪ّ ،‬‬
‫يقل‪ ،‬إنّما األكثر‬
‫مما ّ‬‫ونقاتل مجيعهم ونقتل البالغ منهم ‪.‬ونعلم أ ّن المعاند العارف ّ‬
‫مقلّدة اعتقدوا دين آبائهم تقليداً‪ ،‬ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه ‪ .‬واآليات‬
‫الدالّة يف القرآن على هذا كثرية‪ ،‬كقوله‪" :‬وحيسبون أ ّّنم على شيء " اجملادلة‪،18 :‬‬
‫ضل سعيهم يف احلياة‬
‫وقوله‪" :‬وحيسبون أّنم مهتدون " األعراف‪ ،30 :‬وقوله‪" :‬الذين ّ‬
‫الدنيا وهم حيسبون أّنم حيسنون صنعا ‪.‬أولئك الذين كفروا بآيات رهبم ولقائه "‬
‫الكهف‪. 105-104 :‬‬
‫أقول‪ :‬وقد وقع األلباني في ٍ‬
‫جزء من بدعة الجاحظ عندما حصر الكفر في المعاند‬
‫دون من عداه‪ ،‬وطب ّقها على المعيّنين من عبّاد األولياء واألضرحة المشركين ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬أول من ابتدع بدعة التلزم بين التكفير وقيام الحجة مطلقاً‪ ،‬ودعوى أ ّن‬
‫كل المك ّفرات الصريحة‪ ،‬كإنكار وجود اهلل‪ ،‬والقول بأ ّن اهلل ال‬
‫المعيّن الواقع في ّ‬
‫يعلم باألشياء حتى تقع كما عليه القدرية الغلة‪ ،‬والقول بوحدة الوجود كما عليه‬
‫غلة الصوفية‪ ،‬والقول بدعاء األولياء كما عليه عبّاد القبور ال يك ّفر حتى تقام عليه‬
‫الحجة ويفهم وتزول عنه الشبهة ‪.‬مع أخذه ببدعة الجاحظ المعتزلي وهي‪/‬إطلق‬
‫ّ‬
‫الحجة ال تقوم إالّ على من عاند الحق وقصد الضلل ‪.‬‬
‫العذر بالجهل‪ ،‬والزعم أ ّن ّ‬
‫هو القبوري النقشبندي داود بن جرجيس العراقي من أل ّد أعداء الدعوة السلفية‪،‬‬
‫دعوة الشيخ محمدبن عبدالوهاب رحمه ا هلل ‪.‬‬

‫وقد تص ّدى أئمة الدعوة رحمهم ا هلل لقمع هذا القبوري‪ ،‬وتفنيد شبهاته‪ ،‬كالشيخ‬
‫عبدالرحمن بن حسن‪ ،‬وابنه عبداللطيف‪ ،‬والشيخ عبدا هلل أبابطين وغيرهم‪ ،‬وألّفوا‬
‫الردود المتينة على هذا المبطل ‪.‬‬

‫حتى ظهر في زماننا من ينصر بدعة ابن جرجيس باسم السلفية كذباً‪ ،‬والسلفية‬
‫منهم براء‪ ،‬بل هم سفهيون يدافعون عمن يخالف ملّة إبراهيم ويسمونه مسلماً "ومن‬
‫يرغب عن ملة إبراهيم إالّ من سفه نفسه " ‪.‬‬

‫قال تعالى‪" :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا‬
‫ومما تعبدون من دون ا هلل كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء‬
‫برآء منكم ّ‬
‫أبداً حتى تؤمنوا باهلل وحده " الممتحنة‪. 4 :‬‬

‫استدل داود بن جرجيس بقوله تعاىل‪" :‬ال يكلّف ا هلل نفسا إالّ وسعها " البقرة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقد‬
‫‪. 286‬‬

‫كل ذلك مطلقا؛ ليشمل الواقعني‬


‫على العذر باجلهل والشبهة واالجتهاد‪ ،‬ونفي التأثيم يف ّ‬
‫يف الشرك األكرب املنايف لإلسالم ‪.‬‬

‫رد الشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن بن حسن على فهمه السقيم كما يف منهاج‬
‫وقد ّ‬
‫التأسيس والتقديس ص ‪ 16-15‬بقوله‪" :‬والعراقي مل يفقه هذا‪ ،‬لغلظ فهمه وعدم‬
‫الحجة وبلوغ الدعوة‪ ،‬ينفي‬
‫علمه؛ بل هو يعتقد أ ّن كلم أهل العلم وتقييدهم بقيام ّ‬
‫سماها الشارع‬
‫اسم الكفر والشرك والفجور ونحو ذلك من األفعال واألقوال‪ ،‬التي ّ‬
‫الحجة يثاب على خطئه مطلقاً " ‪.‬‬
‫بتلك األسماء‪ ،‬بل ويعتقد أ ّن من لم تقم عليه ّ‬
‫استدل هذا القبوري العراقي بقوله‪" :‬وداود وسليمان إذ حيكمان يف احلرث إذ نفشت‬
‫و ّ‬
‫فيه غنم القوم وكنّا حلكمهم شاهدين ‪.‬ففهمناها سليمان وكالًّ آتينا حكما وعلما "‬
‫األنبياء‪. 79-78 :‬‬

‫فرد الشيخ عبداللطيف بن عبدالرمحن بن حسن على استدالله كما يف منهاج التأسيس‬‫ّ‬
‫حمل النزاع؛ فإيراد العراقي هلا تكثّر‬
‫والتقديس ص ‪218-217‬بقوله‪" :‬واملسألة ليست يف ّ‬
‫مبا ليس له‪ ،‬وتكبري حلجم الكتاب مبا ال يغين عنه فتيال ‪.‬وهل أوقع االحتادية واحللولية‬
‫رب العاملني‪ ،‬إالّ‬
‫فيماهم عليه من الكفر البواح والشرك العظيم والتعطيل حلقيقة وجود ّ‬
‫خطؤهم يف هذا الباب الذي اجتهدوا فيه‪ ،‬فضلّوا وأضلّوا عن سواء السبيل ‪.‬وهل قتل‬
‫احلالج باتفاق أهل الفتوى على قتله إالّ ضالل اجتهاده ‪.‬وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما‬
‫انتحلوه من الفضائح الشنيعة‪ ،‬وخلعوا ربقة الشريعة‪ ،‬إالّ باجتهادهم فيما زعموا ‪.‬وهل‬
‫األئمة االثين‬
‫قالت الرافضة ما قالت واستباحت ما استباحت من الكفر والشرك وعبادة ّ‬
‫عشر وغريهم‪ ،‬ومسبّة أصحاب الرسول صلّى ا هلل عليه وسلّم و ّأم املؤمنني الص ّديقة بنت‬
‫الص ّديق رضي ا هلل عنهما إالّ باجتهادهم فيما زعموا ‪ .‬وهؤالء سلف العراقي يف قوله إ ّن‬
‫كل خطٍإ مغفور؛ وهذا الزم ال حميص عنه " ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مثّ أشار الشيخ عبداللطيف إىل ما الت قول داود بن جرجيس ص ‪215‬فقال‪" :‬وقد‬
‫ق ّدمنا أ ّن طرد قول العراقي واستدالله يفيد‪ :‬عدم التأثيم والتكفير في الخطإ في‬
‫جميع أصول الدين‪ ،‬كاإلميان بوجود ا هلل وربوبيته وإهليته‪ ،‬وقدره وقضائه‪ ،‬واإلميان‬
‫بصفات كماله الذاتية والفعلية‪ ،‬ومسألة علمه باحلوادث والكائنات قبل كوّنا ‪.‬‬

‫رد على من ك ّفر معطّلة الذات‪ ،‬ومعطّلة الربوبية‪،‬‬


‫واملنع من التكفري والتأثيم يف هذا كلّه‪ّ :‬‬
‫ومعطّلة األمساء والصفات‪ ،‬ومعطّلة إفراد ا هلل تعاىل باإلهلية‪ ،‬والقائلني بأنّه ال يعلم‬
‫الكائنات قبل كوّنا كغالة القدرية‪ ،‬ومن قال بإسناد احلوادث إىل الكواكب العلوية ‪.‬‬
‫أضل من اليهود والنصارى ‪.‬وإن زعم أ ّن مثّ فارقا‬
‫اقي هذا كلّه‪ ،‬فهو أكفر و ّ‬
‫فإن التزم العر ّ‬
‫رب‬
‫بني هذا وبني مسألة النزاع اليت هي‪ :‬دعاء األموات والغائبني فيما ال يقدر عليه إالّ ّ‬
‫العاملني‪ ،‬فليوجدنا هذا الفرق‪ ،‬وليوجدنا دليال على صحته ‪.‬فإن مل يفعل ولن يفعل‪ ،‬بطل‬
‫تقريره وتأصيله " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬واأللباين وافق بدعة داود بن جرجيس يف التالزم بني العذر باجلهل وبني نفي‬
‫التكفري ‪ .‬بخلف ما عليه أهل السنة فإنهم ال يرون هذا مطلقاً في أحكام الدنيا‬
‫ويرون تسمية المشرك "مشركاً "‪ ،‬وتترتّب عليه آثار التسمية في أحكام الدنيا‪ ،‬من‬
‫ترك الصلة عليه إذا ما ت‪ ،‬وعدم االستغفار والترحم عليه ‪ ،‬وعدم إرثه ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬

‫وإنّما يلحقون من لم تبلغه الحجة بأهل الفترة في عذاب اآلخرة ‪.‬‬


‫خامساً‪ :‬أول ٍ‬
‫بدعة ظهرت فيما يتعلّق بنواقض اإلسلم هي‪ :‬بدعة غلة المرجئة‬
‫المتكلمين الذين نصرو اقول الجهم بن صفوان في اإليمان؛ وحاصلها‪ :‬أ ّن الوقوع‬
‫في الشرك األكبر والمكفرات الصريحة‪ ،‬كعبادة األصنام والصالحين‪ ،‬وسب ا هلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وإهانة المصحف ونحوها من نواقض اإلسلم‪ ،‬ال تنقض أصل إسلم‬
‫ويتصور وجوده صحيحاً معها‪ ،‬ومثل هذا عندهم يكون كافراً في الدنيا‬
‫ّ‬ ‫الواقع فيها‪،‬‬
‫لخلو قلبه من التصديق ‪.‬‬
‫ال لذات المك ّفر ‪ ،‬وإنّما ّ‬
‫قال األشعري يف مقاالت اإلسالميني ص‪" :133-132‬والفرقة الثانية من املرجئة‬
‫يزعمون‪ :‬أ ّن اإلميان هو‪ :‬املعرفة با هلل فقط‪ ،‬والكفر هو‪ :‬اجلهل به فقط؛ فال إميان باهلل‬
‫إالّ املعرفة به‪ ،‬وال كفر باهلل إالّ اجلهل به ‪.‬وأ ّن قول القائل‪" :‬إ ّن ا هلل ثالث ثالثة "ليس‬
‫بكف ٍر؛ ولكنّه ال يظهر إالّ من كافر ‪.‬وذلك أ ّن ا هلل سبحانه أكفر من قال ذلك " ‪.‬‬

‫وقال شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في اإليمان الكبير ص ‪" :406-405‬ومن هنا‬
‫جمرد تصديق‬
‫يظهر خطأ قول "جهم بن صفوان " ومن اتبعه حيث ظنّوا أ ّن اإلميان ّ‬
‫القلب وعلمه‪ ،‬مل جيعلوا أعمال القلب من اإلميان‪ ،‬وظنّوا أنّه قد يكون اإلنسان مؤمنا‬
‫يسب ا هلل ورسوله‪ ،‬ويعادي ا هلل ورسوله‪ ،‬ويعادي‬‫كامل اإلميان بقلبه‪ ،‬وهو مع هذا ّ‬
‫أولياء ا هلل‪ ،‬ويوايل أعداء ا هلل‪ ،‬ويقتل األنبياء‪ ،‬ويهدم املساجد‪ ،‬ويهني املصاحف‪ ،‬ويكرم‬
‫ٍ‬
‫معاص التنافي‬ ‫الكفار غاية الكرامة‪ ،‬ويهني املؤمنني غاية اإلهانة‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذه كلّها‬
‫اإليمان الذي في قلبه‪ ،‬بل يفعل هذا وهو يف الباطن عند ا هلل مؤمن‪ ،‬قالوا‪ :‬وإّّنا ثبت‬
‫له يف الدنيا أحكام الك ّفار؛ أل ّن هذه األقوال أمارة على الكفر‪ ،‬فيحكم بالظاهر كما‬
‫أقر به‪ ،‬وخبالف ما شهد‬
‫حيكم باإلقرار والشهود‪ ،‬وإن كان الباطن قد يكون خبالف ما ّ‬
‫به الشهود‪ ،‬فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة واإلجماع على أ ّن الواحد من هؤالء‬
‫كافر في نفس األمر‪ ،‬مع ّذب في اآلخرة‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا دليل على انتفاء التصديق‬
‫والعلم من قلبه‪ ،‬فالكفر عندهم شيء واحد وهو اجلهل‪ ،‬واإلميان شيء واحد وهو‬
‫العلم‪ ،‬أو تكذيب القلب وتصديقه ‪ ،. . .‬وهذا القول مع أنّه أفسد ٍ‬
‫قول قيل يف اإلميان‬
‫فقد ذهب إليه كثري من أهل الكالم املرجئة " ‪.‬‬

‫قلت‪ :‬والشاهد من كالمه أنّه ذكر بدعة غلة المرجئة وهي‪/‬أ ّن الوقوع يف الشرك األكرب‬
‫واملك ّفرات الصرحية ال ينقض أصل إسالم الواقع فيها‪ ،‬ويتصور وجوده صحيحا معها ‪.‬‬

‫وأيضا من فوائد كلم شيخ اإلسلم ابن تيمية‪/‬أ ّن غالة املرجئة ملا أوردت عليهم‬
‫ّ‬
‫املعني ممّن وقع يف املكفرات الصرحية‬
‫نصوص الكتاب والسنة واإلمجاع على أ ّن الواحد ّ‬
‫خللو قلبه من التصديق‪ ،‬ال لذات الفعل‬ ‫كسب ا هلل وإهانة املصحف‪ ،‬قالوا‪ :‬إّّنا كفر ّ‬
‫املك ّفر ‪.‬‬

‫وأيضا‪ :‬من فوائد كلم شيخ اإلسلم ابن تيمية‪ :‬أنّه نقل اإلمجاع على كفر الواحد‬
‫املعني يف املك ّفرات الصرحية ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن فوائده أيضاً‪ :‬أ ّن الذي يقول بإسالم الواقع يف الشرك األكرب قد ّقرر قول غالة‬
‫جوزوا وجود أصل اإلسالم صحيحا مع‬ ‫املرجئة املتكلمني الذين نصروا قول اجلهم‪ ،‬حيث ّ‬
‫التلبّس باملك ّفرات الصرحية ‪.‬‬
‫قال اإلمام ما لك‪" :‬واملرجئة أخطأوا وقالوا قوال عظيما ‪.‬قالوا‪ :‬إن أحرق الكعبة‪ ،‬أو‬
‫كل شيء فهو مسلم ‪.‬‬
‫صنع ّ‬
‫وقويل فيهم‪ :‬ما قال ا هلل تعاىل‪" :‬فإن تابوا وأقاموا الصالة وءآتوا الزكاة فإخوانكم يف‬
‫الدين " ‪.‬‬

‫نقله عنه القاضي عياض يف ترتيب املدارك (‪. )48/2‬‬

‫أقول‪ :‬ومن فوائد كلم اإلمام ما لك‪ :‬توضيح أ ّن املرجئة ال يك ّفرون باملكفرات الصرحية‪،‬‬
‫ومثّل لذلك حبرق الكعبة ‪.‬‬

‫أئمة السنة كشيخ اإلسلم‬ ‫مهمة جداً وهي‪ :‬أنّه يرد في كلم بعض ّ‬‫وهاهنا مسألة ّ‬
‫ابن تيمية رحمه ا هلل وغيره ‪/‬التوقف في تكفير المشرك حتى تقام عليه الحجة بتوفّر‬
‫الشروط وانتفاء الموانع‪ ،‬فما مرادهم بذلك؟‬
‫كل ٍ‬
‫حكم‬ ‫فيقال في جواب ذلك‪ :‬أوالً‪ :‬أنّهم يقيّدون ذلك بأحكام الوعيد؛ وهي ّ‬
‫بالكفر يترتّب عليه عذاب في اآلخرة‪ ،‬كقوله تعالى ‪" :‬وماكنّا مع ّذبين حتى نبعث‬
‫رسوالً " اإلسراء‪ ،15 :‬أوحكم بالكفر على معيّن يترتب عليه عقوبة في الدنيا‪،‬‬
‫بردته وقتله الذي يصدره القاضي ‪.‬‬
‫كالحكم ّ‬
‫يقول شيخ اإلسلم ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(‪" :)372/10‬فإ ّن نصوص‬
‫األئمة بالتكفري والتفسيق وحنو ذلك‪ ،‬ال يستلزم‬
‫الوعيد اليت يف الكتاب والسنّة‪ ،‬ونصوص ّ‬
‫املعني‪ ،‬إالّ إذا توفّرت الشروط وانتفت املوانع؛ ال فرق يف ذلك بني‬
‫حق ّ‬ ‫ثبوت موجبها يف ّ‬
‫األصول والفروع ‪.‬هذا في عذاب اآلخرة‪ ،‬فإ ّن المستح ّق للوعيد من عذاب ا هلل‬
‫ولعنته وغضبه في الدار اآلخرة خالد في النار‪ ،‬أو غير خالد‪ ،‬وأسماء هذا الضرب‬
‫من الكفر والفسق‪ ،‬يدخل في هذه القاعدة " ‪.‬‬

‫لكن تكفير الواحد المعيّن منهم والحكم‬ ‫وقال في موض ٍع آخر(‪ّ " :)500/28‬‬
‫بتخليده في النّار‪ ،‬موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه ‪. " . . .‬‬
‫وسئل رحمه اهلل كما في جامع المسائل (‪ )151-147/3‬عن ٍ‬
‫قوم يعظّمون‬
‫ويتضرعون إليهم‪ ،‬ويزورون قبورهم‬
‫ّ‬ ‫املشايخ‪ ،‬بكون أّنم يستغيثون هبم يف الشدائد‪،‬‬
‫ويقبّلوّنا‪ ،‬ويتربكون برتاهبا‪ ،‬ويوقدون املصابيح طول الليل‪ ،‬ويتخذون هلا مواسم يقدمون‬
‫عليها من البعد يسموّنا ليلة "احمليا " فيجعلوّنا كالعيد‪ ،‬وينذرون هلا‪ ،‬ويصلّون عندها‬
‫حيل هلؤالء القوم هذا الفعل أم حيرم عليهم أم يكره؟ ‪. . .‬‬
‫‪.‬فهل ّ‬
‫فأجاب‪" :‬احلمد هلل رب العاملني ‪.‬من استغاث مبي ٍ‬
‫ت أو ٍ‬
‫غائب من البشر حبيث يدعوه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يف الشدائد والكربات‪ ،‬ويطلب منه قضاء احلوائج‪ ،‬فيقول‪ :‬يا سيّدي الشيخ فالن! أنايف‬
‫العدو عليه! يستوحيه ويستغيث به؟‬
‫حسبك وجوارك؟ أو يقول عند هجوم ّ‬
‫أو يقول ذلك عند مرضه وفقره وغري ذلك من حاجاته‪ :‬فإ ّن هذا ضال جاهل مشرك‬
‫ٍ‬
‫عاص هلل باتفاق المسلمين فإنهم متفقون على أ ّن الميت ال يدعى وال يطلب منه‬
‫شيء‪ ،‬سواء كان نبيّاً أو شيخاً‪ ،‬أو غير ذلك ‪" . .‬‬

‫سماه جاهلً مشركاً وذلك في كفر الظاهر في أحكام‬


‫قلت‪ :‬والشاهد من كلمه أنّه ّ‬
‫الدنيا ‪.‬‬

‫ثم ذكر الكفر المترتب عليه الحكم بردته وقتله‪/‬وهو بقيام الحجة فقال‪" :‬وهذا‬
‫ّ‬
‫الحجة فيه ومل ينته وجب قتله كقتل أمثاله من‬
‫ّ‬ ‫الشرك إذا قامت على اإلنسان‬
‫يصل عليه‪ ،‬و ّأما إذا كان جاهال مل يبلغه‬
‫املشركني‪ ،‬ومل يدفن يف مقابر املسلمني‪ ،‬ومل ّ‬
‫النيب صلّى ا هلل عليه وسلّم املشركني فإنه‬
‫العلم‪ ،‬ومل يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه ّ‬
‫ال حيكم بكفره " ‪.‬‬

‫ومراده‪/‬الكفر المترتب عليه الحكم بردته وقتله‪ ،‬فإقامة الحجة ألجل ذلك‪ ،‬وإالّ‬
‫فهو مشرك في نفس األمر؛ بدليل أ ّن الشيخ رحمه ا هلل قال في أول جواب الفتيا‬
‫"فإ ّن هذا ضال جاهل مشرك ٍ‬
‫عاص هلل باتفاق المسلمين " ‪.‬‬

‫فسماه جاهلً مشركاً ‪.‬‬


‫ّ‬
‫الحجة بتوفّر الشروط وانتفاء‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬أ ّن التوقف في تكفير المعيّن حتى تقام عليه‬
‫الموانع‪ ،‬إنّما هو في المسائل الخفية‪ ،‬وقد ذكر ذلك شيخ اإلسالم بقوله كما يف‬
‫ضال‬
‫الفتاوى (‪" :)54/4‬وهذا إذا كان في المقاالت الخفية‪ ،‬فقد يقال إنّه مخطئ ّ‬
‫الحجة التي يكفر صاحبها‪ ،‬لكن ذلك يقع يف طوائف منهم يف األمور‬
‫لم تقم عليه ّ‬
‫اخلاصة من دين املسلمني‪ ،‬بل اليهود والنصارى يعلمون أ ّن‬
‫العامة و ّ‬
‫الظاهرة اليت تعلم ّ‬
‫حممدا صلّى اهلل عليه وسلّم بعث هبا وك ّفر خمالفها‪ ،‬مثل أمره بعبادة اهلل وحده ال شريك‬
‫النبيني والشمس والقمر والكواكب‬ ‫ٍ‬
‫له‪ ،‬وّنيه عن عبادة أحد سوى اهلل‪ ،‬من املالئكة و ّ‬
‫واألصنام ‪. .‬فإ ّن هذا أظهر شعائر اإلسالم ‪. . .‬مثّ جتد كثريا من رؤسائهم وقعوا يف هذه‬
‫األمور فكانوا مرت ّدين " ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وبهذا يتبين أ ّن الشيخ األلباني في باب اإليمان والتكفير على عقيدة غلة‬
‫المرجئة الجهمية وذلك من خلل ما نقلنا من كلمه الموثّق من موسوعة عقيدته ‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهنا يورد بعضهم أمران عن األلباني فيما يتعلّق بمسائل اإليمان والتكفير‬
‫وهما‪:‬‬

‫مسمى اإليمان عند تعريفه له‪ ،‬ويرى أ ّن الخلف‬


‫‪-1‬أنّه يرى أ ّن العمل داخل في ّ‬
‫مع مرجئة الفقهاء "أبي حنيفة وأصحابه " خلف حقيقي كما في تعليقه على‬
‫الطحاوية ‪.‬‬

‫‪-2‬أ ّن له عبارًة مفادها‪/‬أ ّن اإليمان بدون ٍ‬


‫عمل صالح ال يفيد ‪.‬‬

‫عما ذكره في ذلك فيقال‪:‬‬


‫فأما الجواب ّ‬
‫ّ‬

‫أوالً‪ :‬أ ّن إدخال األلباين للعمل يف ّ‬


‫مسمى اإلميان ال مثرة له وال طائل من ورائه؛ ذلك ؛‬
‫ألنّه يرى بأ ّن العمل ليس ركنا يف اإلميان حبيث إذا ترك الشخص مجيع أعمال اجلوارح‬
‫بالكلية فهو خارج عن اإلميان‪ ،‬وإّّنا يرى بأ ّن العمل شرط كمال‪ ،‬فإن أتى به املكلّف‬
‫فقد أتى بكمال اإلميان‪ ،‬وإن مل يأت به فعنده أصل اإلميان الذي ينجو به ‪.‬‬
‫وسبب ذلك أ ّن‪ /‬الركن عنده يف اإلميان التصديق والقول فقط الذي به ينجو صاحبه‬
‫صرح بذلك يف قوله‪" :‬إ ّن ال إله إالّ اهلل تنجي قائلها من اخللود‬
‫من اخللود يف النار‪ ،‬وقد ّ‬
‫يف النّار ولوكان ال يقوم بشيء من أركان اإلميان اخلمسة " ‪.‬‬

‫صوري ال يترتب عليه أثره من إخراج من تركه‬


‫ّ‬ ‫وعليه فإدخاله العمل في اإليمان‬
‫بالكلية من اإليمان ‪.‬‬

‫تأخر جتده قد سلك يف أبواب‬


‫أقول‪ :‬وهذا الحظته يف بعض من اشتغل باحلديث ممّن ّ‬
‫مسمى اإلميان‬
‫اإلميان والتكفري مسلك غالة املرجئة اجلهمية يف إدخال العمل صوريّا يف ّ‬
‫عمل يعمله‪ ،‬وذلك بأن جيعلوا العمل شرط ٍ‬
‫كمال يف‬ ‫مع تصحيح إميان العبد بدون ٍ‬
‫اإلميان‪ ،‬أو فرعا من فروعه‪ ،‬فيخيّل لمن قرأ كلمهم أنّهم موافقون ألهل السنة في‬
‫لكن حقيقة قولهم موافق لقول غلة المرجئة ‪.‬‬
‫الظاهر‪ّ ،‬‬
‫وقد تنبّه لهذا اإلمام شيخ اإلسلم ابن تيمية رحمه اهلل كما في النبوات‬
‫(‪)580/1‬حيث قال‪" :‬و ّأما األشعري فاملعروف عنه‪ ،‬وعن أصحابه‪ّ :‬أّنم يوافقون‬
‫جمرد تصديق القلب‪ ،‬أو معرفة القلب؛ لكن قد يظهرون‬
‫جهما يف قوله يف اإلميان‪ ،‬وأنّه ّ‬
‫مع ذلك قول أهل احلديث‪ ،‬ويتأولونه " ‪.‬‬

‫وقال في موض ٍع آخر كما في مجموع الفتاوى (‪" :)364/6‬وكثري من ّ‬


‫املتأخرين ال‬
‫مييّزون بني مذاهب السلف وأقوال املرجئة واجلهمية الختالط هذا هبذا يف كالم كث ٍري‬
‫منهم ممّن هو يف باطنه يرى رأي اجلهميّة واملرجئة يف اإلميان‪ ،‬وهو معظّم للسلف وأهل‬
‫فيظن أنّه جيمع بينهما‪ ،‬أو جيمع بني كالم أمثاله وكالم السلف " ‪.‬‬
‫احلديث‪ّ ،‬‬
‫يظن أنّه على عقيدة‬
‫وهذا بعينه ما عليه األلباني‪ ،‬فالناظر لكلمه في تعريفه لإليمان ّ‬
‫أهل السنة‪ ،‬وعند التفصيل في منزلة العمل من اإليمان(عمل الجوارح)نجده على‬
‫عقيدة غلة المرجئة الجهمية ‪.‬‬

‫ثانياً‪ّ :‬أما قول األلباني‪ :‬بأ ّن اإليمان بدون ٍ‬


‫عمل صالح ال يفيد فيجاب عنه بما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬أ ّن هذا الكالم قد قاله األلباين قدميا قبل مخسني سنة (يف التسعينات اهلجرية)أثناء‬
‫شرحه لكتاب األدب املفرد لإلمام البخاري‪ ،‬ومل يثبت عليه؛ إذ تقريراته املتأخرة يف‬
‫وتصرح بأ ّن‬
‫السنوات العشر األخرية إىل وفاته عام ‪1420‬هـ كلّها تناقض هذه العبارة‪ّ ،‬‬
‫العمل شرط كمال‪ ،‬وأ ّن جمرد قول ال إله إالّ اهلل تنجي قائلها ولوكان ال يقوم بش ٍئ من‬
‫تكررة بأ ّن الكفر راجع لالعتقاد بالقلب‬ ‫األركان اخلمسة‪ ،‬إضافة إىل تصرحياته امل ّ‬
‫واجلحود‪ ،‬وأ ّن العمل الكفري ال خيرج صاحبه من اإلسالم‪ ،‬وأ ّن مجيع املك ّفرات القولية‬
‫ساب اهلل ورسوله إذا مل‬
‫والعمليّة راجعة للكفر القليب‪ ،‬بل وصل به احلال إىل عدم تكفري ّ‬
‫ٍ‬
‫ومعرفة ‪.‬وقد سبق النقل عنه يف ذلك كثريا يف ثنايا البحث ‪.‬‬ ‫يكن ذلك عن ٍ‬
‫قصد‬

‫والشك أ ّن املتأخر ناسخ للمتق ّدم‪ ،‬فتقريراته اجلهمية‬


‫ّ‬ ‫املتأخر ‪،‬‬
‫وأقوال العامل منها املتق ّدم و ّ‬
‫تدل على أنّه يرى كفر تارك‬
‫آخر حياته تنسخ هذه العبارة اليت لو سلّمنا جدال أ ّّنا ّ‬
‫العمل بالكلّية‪ ،‬فكيف وهي جمملة حتتمل أوجها متعددة؟ ‪.‬‬

‫‪-2‬أ ّن العبارة جمملة ليست صرحية يف كفر تارك العمل‪ ،‬فهو يقول‪ :‬اإلميان بدون ٍ‬
‫عمل‬
‫صا ٍحل ال يفيد‪ ،‬فهل مراده اليفيد صاحبه وال ينفعه حبيث ينتفي عنه أصل اإلميان؟ أو‬
‫مراده‪ :‬أنّه ال يفيده يف الدنيا‪ ،‬لكن قد ينجو يف اآلخرة من اخللود يف النار مبجرد قوله‬
‫صرح كما سبق بأ ّن ال إله إالّ ا هلل تنجي صاحبها من اخللود‬
‫لكلمة ال إله إالّ اهلل؛ ألنّه ّ‬
‫يف النار ولوكان ال يقوم بشيء من أركان اإلميان اخلمسة ‪.‬‬

‫توضح مراده منها ‪.‬‬ ‫فتبقى عبارته جمملة ليست صرحية إالّ بقر ٍ‬
‫ينة ّ‬
‫‪-3‬على التسليم بأ ّن عبارته حتتمل بأ ّن تارك العمل ليس مبسل ٍم؛ فإنّنا نقول‪ :‬ليت األلباين‬
‫ثبت عليها ومل يأت مبا يناقضها؛ أل ّن تقريراته املتأخرة إىل وفاته تناقضها متام املناقضة ‪.‬‬

‫فلو ثبت عليها (مع أّنا ليست صرحية)؛ ألّنا حمتملة فيمكن أن حنملها على ذلك‪،‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لكنّها قيلت يف مرحلة متق ّدمة من حياته وذلك يف شرحه لكتاب األدب املفرد‪ ،‬و ّ‬
‫تقريراته بعدها إىل وفاته تنقضها وهتدمها بإصراره على تقرير عقيدة غالة املرجئة اجلهمية‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وصاحب السنّة المعظّم لنصوص الوحي ولعقيدة السلف هو من يقبل ذلك‬
‫ويعترف بانحراف األلباني في هذا الباب العظيم من أبواب السنة واالعتقاد‪ّ ،‬أما‬
‫والمتحزب فهذا ال حيلة فيه ‪.‬وال يجوز شرعاً نسبة عقيدة األلباني‬
‫ّ‬ ‫المتعصب‬
‫ّ‬
‫الباطلة‪-‬عقيدة غلة المرجئة الجهمية‪-‬ألهل السنة‪ ،‬فهذا من الكذب والخداع‬
‫والغش ‪.‬‬

‫هذا ما تيسر يل حتريره يف هذا املوضوع الذي كثر احلديث عنه ‪.‬‬
‫وصلّى ا هلل وسلّم على نبينا ٍ‬
‫حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪.‬‬

‫متّ الفراغ من كتابته يف ‪1439/10/17‬هـ‬

You might also like