You are on page 1of 8

‫د‪ .

‬يونس الحكيم‬

‫أستاذ باحث بجامعة موالي إسماعيل‬


‫الكلية المتعددة التخصصات ‪-‬الرشيدية‬

‫المــدخــل للـعلـوم القانــونـية‬


‫نظرية القانون‬
‫‪ -‬القانون وخصائصه ‪-‬‬

‫السنة الجامعية ‪2021 -2020‬‬

‫‪1‬‬
‫اإلنسان كائن اجتماعً الطبع وٌحتاج إلى بنً جنسه لكً ٌشعر باألمن‬
‫وٌوفر حاجته األساسٌة بما ال تتعارض مع حاجات وغرائز اآلخرٌن‪ ،‬وحٌث إن‬
‫كل شخص ٌدخل فً عالقات متعددة مع اآلخرٌن فإن المنظم لهذه العالقات هو‬
‫القانون‪ ،‬فالقانون هو ضرورة اجتماعٌة وله وظٌفة اجتماعٌة واقتصادٌة وسٌاسٌة‬
‫وال ٌمكن أن نتصور وجود مجتمع إنسانً ٌخلو من التنظٌم بالقانون‪.‬‬

‫لهذا فالقانون قدٌم قدم اإلنسان‪،‬فهو فً إطار تنظٌم عالقات األفراد فً‬
‫المجتمع ٌحدد الحقوق التً للفرد والواجبات التً ٌتعٌن القٌام بها‪ ،‬فٌحمً‬
‫الحقوق وٌصون كرامة اإلنسان وٌوفر األمن للناس باإلضافة إلى أن احترام‬
‫القانون ٌتناسب مع ثقافة المجتمع‪ ،‬فكلما كان أبناء المجتمع أكثر وعٌا زاد‬
‫احترامهم للقانون لكونه ٌحافظ على مصالحهم وٌحمً حقوقهم‪.‬‬

‫فإذا غاب القانون عمت الفوضى وكثرت الحروب المؤدٌة إلى زوال‬
‫المجتمع‪ ،‬لهذا ٌعمل القانون على ضبط أنانٌة الفرد بجلب المنفعة لنفسه‪ ،‬وعدم‬
‫اإلضرار بغٌره‪ ،‬وإال تعرض للجزاء أو العقوبة والذي توقعه السلطة العامة‪.‬‬

‫وٌعد القانون والحق مفهومان مترابطان متالزمان بحٌث ال ٌذكر أحدهما‬


‫إال وٌتبادر إلى الذهن المفهوم اآلخر‪ ،‬فهما عملة واحدة ذات وجهٌن لهذا ٌمكن‬
‫القول‪ :‬أن الحق هو ثمرة القانون ونتٌجته‪ ،‬كما أن القانون ٌتمثل عملًٌا حٌن تطبٌقه‬
‫بما ٌنجم عنه من حقوق‪ ،‬لذلك فمناط القانون هو حفظ الحق‪.‬‬
‫لهذا تتقاسم مادة المدخل للعلوم القانونٌة نظرٌتان أساسٌتان وهما‪ :‬النظرٌة‬
‫العامة فً القانون و النظرٌة العامة فً الحق‪.‬‬

‫وبذلك نقسم هذا الكتاب إلى بابٌن وهما‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬النظرٌة العامة فً القانون‬

‫الباب الثاني ‪ :‬النظرٌة العامة فً الحق‬

‫‪2‬‬
‫الباب األول‪ :‬النظرية العامة للقانون‬
‫أوال‪ :‬التعريف بالقاعدة القانونية‬

‫القانون فً اللغة‪ ،‬مقٌاس كل شًء وطرٌقه‪ ،‬وهو نظام ‪ ،‬شرٌعة‪ ،‬أصل‪.1‬‬

‫فالقانون فً معناه االصطالحً العام ٌطلق على مجموعة من القواعد العامة‬


‫التً تحكم سلوك األفراد فً الجماعة والتً ٌتعٌن علٌهم الخضوع لها ولو بالقوة‬
‫إذا لزم األمر‪ ،‬وٌشمل القانون فً معناه العام كل القواعد القانونٌة التً تنظم‬
‫سلوك األشخاص فً حٌاتهم االجتماعٌة كٌفما كان مصدر هذه القواعد‪.‬‬

‫أما القانون فً معناه االصطالحً الخاص فٌطلق على مجموع القواعد‬


‫‪ 70‬من دستور‬ ‫التشرٌعٌة التً ٌختص البرلمان بسنها؛ كما جاء فً المادة‬
‫‪ٌ " 2011‬مارس البرلمان السلطة التشرٌعٌة‪"...‬‬

‫ثانيا‪ :‬خصائص القاعدة القانونية‬

‫القانون فً مفهومه العام هو مجموعة من القواعد العامة التً تحكم سلوك‬


‫األفراد فً الجماعة والتً ٌتعٌن الخضوع لها ولو بالقوة إذا لزم األمر‪.‬‬

‫‪)1‬‬ ‫وٌتضح من هذا التعرٌف أن للقاعدة القانونٌة أربعة خصائص‪ :‬فهً(‬


‫قاعدة اجتماعٌة وهً ( ‪ )2‬قاعدة عامة ومجردة وهً ( ‪ )3‬قاعدة تحكم سلوك‬
‫األفراد فً المجتمع وهً(‪ )4‬قاعدة ملزمة‪.‬‬

‫‪-1‬القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية‪:‬‬

‫اإلنسان كائن اجتماعً بفطرته وطبٌعته ‪ ،‬ال ٌستطٌع أن ٌعتزل الناس ألنه‬
‫عاجز بمفرده عن الوفاء بحاجٌاته وهو ما ٌؤدي إلى وجود عالقات عدٌدة بٌن‬

‫‪3‬‬
‫أفراد المجتمع وهً عالقات ال ٌمكن أن تترك فوضى ٌنظمها كل فرد وفق‬
‫رغبته ومشٌئته‪ ،‬لذلك ال ب د من وجود قواعد قانونٌة علٌا ٌحتكم إلٌها أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬تبٌن ما ٌجوز فعله وما ال ٌجوز فعله‪ ،‬وتنظٌم العالقات التً تفرض‬
‫تعددا فً واجبات وحقوق األفراد بعضهم اتجاه بعض‪.‬‬

‫والطبٌعة االجتماعٌة للقاعدة القانونٌة تجعلها مرنة وغٌر جامدة‪،‬‬


‫تختلف من حٌث المكان والزمان‪ ،‬وهذا ما ٌفسر لنا اختالف القانون من مجتمع‬
‫آلخر ونظرته إلى كثٌر من القضاٌا كتعدد الزوجات والزواج المثلً‪...‬‬

‫‪- 2‬القاعدة القانونية عامة ومجردة ‪:‬‬

‫ٌقصد بالعموم والتجرٌد‪ ،‬سرٌان القاعدة القانونٌة على جمٌع األشخاص‬


‫والوقائع الذٌن ٌتوافر فٌهم شروط انطباقها؛ فتتوجه بالخطاب إلى عموم أفراد‬
‫المجتمع المخاطبٌن بها بصفاتهم ولٌس بذواتهم حٌث ال تخاطب شخص معٌن‬
‫بذاته أي باسمه أو تقصد واقعة معٌنة بالذات‪.‬‬

‫أما تجرٌد القاعدة القانونٌة‪ ،‬فٌعنً أنه عند نشؤها ال تكون مرتبطة بشخص‬
‫معٌن أو واقعة ذاتها‪ ،‬بل تطبق على جمٌع األشخاص والوقائع التً تتوافر فٌهم‬
‫شروط وصفات معٌنة‪ ،‬فالقاعدة القانونٌة عامة من حٌث تطبٌقها ومجردة من‬
‫حٌث نشؤها أي ال تنشأ لحالة معٌنة بالذات‪ ،‬بل لكل الحاالت المماثلة‪.2‬‬

‫لذلك فالعمومٌة والتجرٌد هما وجهان لخاصٌة واحدة‪ ،‬وإن كان هناك‬
‫اختالف بسٌط بٌن التجرٌد والعمومٌة‪ ،‬فالتجرٌد ٌتعلق بمرحلة صٌاغة القاعدة‬
‫القانونٌة وافتراض من سٌطبق علٌهم فً حٌن أن العموم ٌتعلق بمرحلة تطبٌقها‬
‫وهً مرحلة تلً التجرٌد من حٌث وقت إعمالها‪ ،‬لذلك فإن القاعدة القانونٌة حسب‬

‫‪4‬‬
‫بعض الفقه‪ 3‬إن لم تسن مجردة‪ ،‬لن تكون مؤهلة لتطبق بطرٌقة عامة‪ ،‬لهذا هناك‬
‫تالزم بٌن التجرٌد والعموم وإن كانت إحداهما تابعة لألخرى من حٌث الزمن‪.‬‬
‫وٌكمن نتاج صفة العمومٌة والتجرٌد فً القاعدة القانونٌة‪ ،‬تحقٌق مبدأ‬
‫الشرعٌة ومبدأ المساواة أمام القانون وتكرٌس العدل فً المجتمع‪.‬‬
‫‪- 3‬القاعدة القانونية تحكم سلوك األفراد في المجتمع‬
‫تتسم القاعدة القانونٌة بتوجٌه سلوك الفرد حفظا لمصلحته الشخصٌة من‬
‫جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى‪ ،‬وذلك عن طرٌق توجٌه األمر أو النهً أو‬
‫اإلباحة‪.‬‬
‫لهذا فإن القاعدة القانونٌة تهتم بالسلوك الخارجً لإلنسان وال تعتد من حٌث‬
‫المبدأ بالنواٌا والبواعث ما دام لٌس لها ارتباط بسلوكه الخارجً‪ ،‬وتبقى كامنة فً‬
‫النفس البشرٌة وال تهدد فً شًء األمن واالستقرار االجتماع ي‪ ،‬فالقانون ال ٌهمه‬
‫أن ٌفكر اإلنسان فً قتل جاره أو سرقته ما لم ٌبرز هذا التفكٌر إلى حٌز الوجود‬
‫وٌأخذ مظهرا خارجٌا ‪.‬‬
‫لكن إذا كان للنٌة ارتباط بالسلوك الخارجي‪ ،‬فإنها تأخذ بعٌن االعتبار‪ ،‬كما‬
‫هو الشأن مثال فً القانون الجنائً فً جرائم القتل والقانون المدنً فً حالة الغش‬
‫والتدلٌس‪. 4‬‬
‫‪ - 4‬القاعدة القانونية قاعدة ملزمة‬
‫وٌقصد باإللزام كخاصٌة من خصائص القاعدة القانونٌة؛ حمل األفراد جبرا‬
‫على طاعة هذه القاعدة‪ -‬إن لم ٌطٌعوها اختٌارٌا ‪ -‬عن طرٌق ترتٌب جزاء على‬
‫مخالف القاعدة‪.‬‬
‫بمعنى أنه إذا كان األشخاص المخاطبون بالقاعدة القانونٌة ٌعملون بصفة‬
‫تلقائٌة ورضائٌة إلى االلتزام بأحكامها؛ ألسباب أخالقٌة ومصلحٌة‪ ،‬فإنه فً حاالت‬

‫‪5‬‬
‫أخرى ٌحمل الناس على طاعة هذه القاعدة جبرا أو خوفا من تبعات الجزاء‬
‫‪.‬‬
‫القانونً‬
‫وٌقصد بالجزاء القانونً األثر المترتب عن مخالفة القاعدة القانونٌة والذي‬
‫ٌتسم باإلجبار‪ ،‬توقعه السلطة العامة المختصة نٌابة عن الجماعة فً حق المخالف‬
‫‪.‬‬
‫من أجل ضمان احترامها‬
‫وٌتمٌز الجزاء القانونً بكونه مادٌا؛ محسوسا أي ٌلحق مخالف القاعدة‬
‫القانونٌة فً حرٌته أو جسمه أو ماله؛ كحبس المخالف أو سجنه فً الحالة األولى‬
‫وإعدامه فً الحالة الثانٌة والحجز على أمواله وبٌعها بالمزاد العلنً لتسدٌد دٌونه‬
‫فً الحالة الثالثة‪ ،‬وهذا ما ٌجعل الجزاء فً القاعدة القانونٌة ٌختلف عن أصناف‬
‫الجزاء فً إطار قواعد المجامالت أو األخالق والتً تقتصر على تأنٌب الضمٌر‬
‫أو استنكار الجماعة لسلوك معٌن‪.‬‬
‫وللجزاء القانونً عدة صور تختلف باختالف القاعدة القانونٌة بحسب‬
‫مضمونها وطبٌعتها ومنها الجزاء الجنائً والجزاء المدنً والجزاء التأدٌبً‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الجزاء الجنائي‪:‬‬
‫ٌقصد بالجزاء الجنائً ردة فعل المجتمع فً مواجهة عمل ٌوصف بأنه‬
‫جرٌمة‪ ،‬وٌتخذ الجزاء فً هذه الحالة شكل العقوبة أو التدابٌر الوقائٌة‪.‬‬
‫ولكل جرٌمة ثالثة أركان وهً‪:‬‬
‫‪ -‬الركن القانونً وٌقصد به توفر نص قانونً ٌعاقب على الجرٌمة‪.‬‬
‫‪ -‬الركن المادي وبقصد به تحقق ارتكاب الجرٌمة تامة أو الشروع أو‬
‫االشتراك فٌها‪.‬‬
‫الركن المعنوي وٌقصد به توفر النٌة اإلجرامٌة أو القصد الجنائً لدى‬
‫المجرم‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وٌعتبر الجزاء الجنائً أشد وأقصى أنواع الجزاء‪ ،‬والذي ٌتمثل فً‬
‫العقوبات المقررة للجرائم والتً تختلف بحسب خطورة الفعل المرتكب؛ والذي قد‬
‫ٌكون مخالفة أو جنحة أو جناٌة ‪:‬‬
‫الجزاء المدني‪:‬‬
‫الجزاء المدنً هو الذي ٌطال أموال الشخص المدٌن وذمته المالٌة‪ ،‬فٌجبر‬
‫على إصالح الوضع أو إعادة المال المستحق لصاحبه أو التعوٌض فً حالة حدوث‬
‫ضرر للدائن‪.‬‬

‫ومن صور الجزاء المدنً هناك البطالن واإلبطال والتنفٌذ العٌنً أو الفسخ ‪:‬‬

‫البطالن هو جزاء على انعدام أحد أركان العقد وهً التراضً والمحل‬
‫والسبب (كأن ٌستأجر شخصا منزال الستغالله للدعارة) وٌلحق بها الشكل فً‬
‫العقود الشكلٌة ( كما هو الشأن فً هبة عقار تمت بشكل غٌر رسمً ‪ ،‬فطبقا‬
‫للفصل ‪ 274‬من مدونة الحقوق العٌنٌة فإن هذا التصرف ٌعد باطال ) والتسلٌم فً‬
‫العقود العٌنٌة ‪ ،‬فٌصبح الوجود القانونً للعقد منعدما وال ٌنتج أي أثر قانونً‪،‬‬
‫كما هو الشأن فً المادة ‪ 149‬من مدونة األسرة التً تنص على أن التبنً باطال‪،‬‬
‫أما اإلبطال فهو جزاء تخلف أحد شروط صحة العقد وهً األهلٌة وسالمة‬
‫الرضى من العٌوب كالغلط أو التدلٌس أو اإلكراه‪ ،‬وقد خصص المشرع لإلبطال‬
‫الفصول ‪ 311‬إلى ‪ 318‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬وٌسمى كذلك بالبطالن‬
‫النسبً و هذا العقد قائم أمام القانون إلى أن ٌطالب بإبطاله من طرف من تقرر‬
‫لصالحه حٌث ال ٌمكن للقاضً الحكم به من تلقاء نفسه‪.‬‬
‫أما الفسخ فهو جزاء ٌترتب على إخالل أحد المتعاقدٌن بتنفٌذ التزاماته‬
‫التعاقدٌة بعد استكمال العقد كافة أركانه وشروط صحته‪.‬‬
‫وفً حالة عدم تنفٌذ المتعاقد اللتزاماته‪ ،‬فإنه ٌكون للمتعاقد اآلخر الخٌار بٌن‬
‫المطالبة بالفسخ كجزاء لعدم التنفٌذ أو المطالبة بالتنفيذ العيني عن طرٌق إجبار‬

‫‪7‬‬
‫المدٌن على تنفٌذ ما ٌلتزم به‪ ،‬كما إذا امتنع البائع عن تسلٌم المبٌع إلى المشتري‬
‫حٌث ٌمكن لهذا األخٌر أن ٌطلب من القضاء حمل البائع على تسلٌم العقار جبرا‪،‬‬
‫وإذا استحال التنفٌذ العٌنً ٌمكنه أن ٌطالب بالتعوٌض فً حالة حدوث ضرر‬
‫‪ 261‬من قانون االلتزامات‬ ‫ٌصٌب ذمته‪ ،‬وهو ما أكد علٌه المشرع فً الفصل‬
‫والعقود من أن " االلتزام بعمل ٌتحول عند عدم الوفاء إلى تعوٌض‪."...‬‬
‫ج‪ -‬الجزاء التأديبي‪:‬‬
‫الجزاء التأدٌبً هو الجزاء الذي ٌوقع على الشخص المخالف لقواعد‬
‫وظٌفته أو مهنته‪ ،‬وتختلف الجزاءات التأدٌبٌة بحسب طبٌعة المخالفة الوظٌفٌة‬
‫والمهنٌة ومن بٌنها‪ :‬اإلنذار أو توبٌخ أو الخصم من الراتب أو الفصل عن العمل‪...‬‬
‫وقد تجتمع فً الفعل الواحد أكثر من صورة للجزاء‪ ،‬فالموظف الذي‬
‫ٌختلس أموال الدولة ٌوقع علٌه الجزاء الجنائً (كالسجن مثال )‪ ،‬وقد ٌفصل من‬
‫وظٌفته ( الجزاء التأدٌبً)‪.‬‬

‫‪8‬‬

You might also like