Professional Documents
Culture Documents
مبدأ المشاركة كأساس دستوري للمالية العمومية
مبدأ المشاركة كأساس دستوري للمالية العمومية
يعد مبدأ المشاركة من المبادئ األساسية التي جاء بها الدستور الجديد و التي تحكم تدبير الشأن المالي العام الوطني و المحلي ؛ إذ تم
اإلرتقاء بها ألول مرة إلى أساس دستوري باعتبار أنها تسعى إلى الحد من اإلنغالقية و الدعوة إلى مقومات التدبير التشاركي و
اإلنفتاح مع كافة المواطنين ،فالمواطن بموجب دستور 2011أصبح له دور فعال داخل المجتمع لهذا تبين الوثيقة الدستورية مبدأ
إشراك المواطن من خالل مجموعة من األسس و اآلليات الكفيلة لتحقيق مبدأ مشاركة فعالة بين المواطنين و المواطنات و مختلف
الفاعلين ،وهذا ماسنحاول التطرق إليه من خالل تبيين األسس التي تقوم عليها مبدأ المشاركة ( الفقرة )1؛ ثم التطرق إلى اآلليات
.التي يقوم عليها هذا المبدأ ( الفقرة )2
أوال فشروط النقاش العام ؛ فهو يتمثل في المناقشات التي تجرى مع السكان و اللقاءات وجها لوجه ،والتي تمكن السكان من التعبير
.1عن احتياجاتهم الحقيقية وتخصيص لهم برامج تنموية تقابلها ميزانية خاصة بها وفقا لتلك المتطلبات
وعموما يمكن القول أن النقاش العام المباشر ينبني على مجموعة من المبادئ المتمثلة في تقبل اإلختالف ،وتوسيع حرية التعبير عن
اآلراء ومساواة الجميع في النقاش ،أي إتاحة الفرصة للجميع لإلدالء برأيه مهما كان مستواهم المعرفي وبدون تمييز في السن أو
الجنس أو غيرها من المحددات اإلجتماعية ،ألن األمر يتعلق بوضع خيارات وإيجاد حلول لقضاياهم بغض النظر عن اإلعتبارات
.2اإلقتصادية و اإلجتماعية
كما أن مبدأ المشاركة ال يمكن أن يتحقق أهدافه بدون أن تكون للمشاركين في النقاش العام المعلومات الكافية حول ماهية المشاريع و
البرامج المراد التخطيط لها مما من شأنه خلق تواصل بين طرفي العملية التنموية ،فهو يؤدي إلى تحقيق مبدأ أساسي لتوطيد
العالقات بينهما ،وتتمثل في الشفافية التي تعني توفير المعلومات الدقيقة في وقتها ،و إفساح المجال للجميع لإلطالع على
3 .المعلومات الضرورية مما يساعد على إغناء القرارات الصالحة و توسيع دائرة المشاركة و الرقابة و المحاسبة ومحاربة الفساد
.وهكذا يعد شرط النقاش المفتوح الوسيلة التصورية لمبدأ المشاركة يضاف إليها شرط اإلتفاق العام بين مكونات المجتمع
ثانيا ؛ فشرط اإلتفاق العام بين مكونات المجتمع يعتبر من أهم األسس التي يقوم عليها مبدأ المشاركة على مستوى تدبير المالية
العمومية ،بحيث يهدف إلى توحيد الرؤى و التصورات المختلفة بين الفاعلين المؤسساتيين و الساكنة حول غايات التنمية المشتركة
.المتمثلة أساسا في ضبط المجال المالي ال على مستوى القرارات المتخذة فيه أو تدبير الحكامة المالية العمومية
وبالتالي فحتى يتحقق هذا الشرط البد أن تتحلى كافة األطراف بقيم التشاركية و القدرة على تقديم التنازالت من قبل الجميع حتى
يتسنى الوصول إلى اتفاق يرضي الكل ،ألن جميع المجتمعات اإلنسانية تعتمد في تماسكها وتطورها على ما تتوفر عليه من فهم
مشترك من العادات و التقاليد التي تسود المجتمع ،و التي توفر الظروف المناسبة للحوار و النقاش البناء الذي يفضي إلى أهداف
مشتركة ،وعليه فالمشاركة في صنع القرار المالي هي الخطوة األولى للوصول إلى التوافق بين مختلف الرؤى و إرضاء الجميع مما
يجعل القرار المالي يحظى بالمشروعية من طرف كافة مكونات المجتمع و تجنبه من كل ما يمكن أن يعيق تنفيذه على أرض الواقع
4
فاآلليات التشاركية فهي متمثلة عبر المستويات التالية ( :الهيئات اإلستشارية الموضوعاتية ،اآلليات التشاركية للحوار و التشاور
، .حق تقديم العراىض من طرف الجمعيات)
1
أحمد عبابو ،الديمقراطية التشاركية في إطارالدستور المغربي 2011ص 56بحث لنيل الماستر في القانون العام كلية الحقوق فاس الموسم
الجامعي 2013/ 2012
2
جمال الدين الشاوي التدبير المحلي بين الديمقراطية التمثيلية و الديمقراطية التشاركية ،ص 62بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام
.جامعة عبد المالك السعدي السنة الجامعية 2012 /2011
3
جمال الدين الشاوي ،نفس المرجع ،ص 62
4
جمال الدين الشاوي مرجع سابق ،ص 65
فحينما نتحدث عن الهيئات اإلستشارية الموضوعاتية كآلية من اآلليات التشاركية نجد أن المشرع المغربي نص عليها في القوانين
التنظيمية الثالث المتعلقة بالجماعات الترابية ،فعلى مستوى الجهات نجد أن المشرع المغربي في إطار المادة 117من القانون
التنظيمي رقم 5 111.14بين أن مجلس الجهة يتضمن ثالث هيئات استشارية (هيئة استشارية بشراكة مع فعالية المجتمع المدني
تختص بدراسة القضايا الجهوية المتعلقة بتفعيل مبادئ المساواة و تكافئ الفرص و مقاربة النوع _هيئة استشارية تختص بدراسة
القضايا المتعلقة باهتمامات الشباب _هيئة استشارية بشراكة مع الفاعلين اإلقتصاديين بالجهة تهتم بدراسة القضايا الجهوية ذات
الطابع اإلقتصادي ) ،أما المادة 111من القانون التنظيمي رقم 6 112.14المتعلق بالعماالت و األقاليم فهو يتضمن هيئة
استشارية واحدة نفس األمر بالنسبة للجماعة دليلنا هنا المادة 120من القانون التنظيمي رقم ، 7 113.14وهذه الهيئة اإلستشارية
المشتركة بين مجلس العمالة أو اإلقليم و الجماعة لها نفس التسمية وهي الهيئة المختصة بتفعيل مبادئ المساوات و تكافئ الفرص و
.مقاربة النوع
أما اآللية األخرى وهي اآلليات التشاركية للحوار و التشاور ،فعلى مستوى الجهة نجد أن المادة 8 116من القانون التنظيمي رقم
، 111.14ينص على أنه تحدث مجالس الجهات آليات تشاركية للحوار و التشاور لتيسير مساهمة المواطنات و المواطنين و
الجمعيات في إعداد برامج التنمية و تتبعها طبق الكيفيات المحددة في النظام الداخلي للجهة ،نفس اإلتجاه نجده بالنسبة للعمالة و
اإلقليم ( المادة 9 110من القانون التنظيمي رقم ) 112.14و الجماعة أيضا ( المادة 10 119من القانون 119من القانون التنظيمي
رقم ) 113.14أي اآللية التشاركية للحوار و التشاور تركها المشرع من حيث صياغتها بحسب النظام الداخلي لكل من العماالت
.أو األقاليم و الجماعات
أما اآللية التي تليها وهي حق تقديم العرائض من طرف الجمعيات ،فالمشرع المغربي قام بوضع مجموعة من الشروط على مستوى
الجماعة سواء بالنسبة تقديم العرائض من قبل المواطنات و المواطنين (المادة 11123من القانون التنظيمي رقم ) 113.14او تقديم
العرائض من قبل الجمعيات ( المادة 12 124من القانون التنظيمي رقم ،) 113.14إال أن هذه الشروط جعلت من المواطنات و الموطنين
وحتى الجمعيات مقيدة بإحترام إجراءات شكلية في حق تقديم العرائض مما سوف يكون على مستوى الممارسة العملية ضعيف
جدا ،ما نود اإلشارة إليه أنه حق تقديم العرائض فيه نوع من اإلختالف فعلى مستوى الجماعة والعمالة و اإلقليم ( المادة 13 114من
القانون التنظيمي رقم ) 112.14المشرع المغربي جعل حق تقديم العرائض بالنسبة للمواطنات و المواطنين مشروط بالتسجيل في
اللوائح اإلنتخابية ولكن لم ينص على شرط التسجيل في اللوائح اإلنتخابية بالنسبة لهذه األخيرة أي أنه غير مشروط على مستوى
..الجهة (المادة 14 120من القانون التنظيمي رقم)111.14
إذن فاآللية التشاركية فهي آلية مهمة في تدبير الشأن المحلي وحتى في ضبط مجال المالية العمومية ألنها تعتبر عملية يشارك من
خاللها المواطنون مباشرة في مختلف مراحل صياغة الميزانية و صنع القرار ورصد تنفيذ الميزانية وهي يمكن أن تساعد على
زيادة شفافية اإلنفاق العام وتحسبن استهداف الميزانيات ، 15وبالتالي لضمان نجاحها ال بد أن تتوفر على مجموعة من العناصر
التي تأثر على نجاحها ،فالقوانين التنظيمية للجماعات نجدها حددت نوع من التفصيل كل ما يتعلق بممارسة حق تفديم العرائض
على المجالس المنتخبة و إنشاء هيئة استشارية موضوعاتية حيث تركت صالحية تسميتها وتحديد تكوينها وسيرها للمجالس المعنية
في إطار نظامها الداخلي وهذا يشكل اول تحدي يواجه السلطات المنتخبة في إعمال مبادئ التشاركية وهناك ايضا تحدي آخر الذي
ترك فيه المشرع للمنتخبين كامل الحرية في إحداثها و تنظيمها و تحديد قواعد سيرها دون أن يعطي مثاال على ذلك ،ولعل المشرع
في هذا اإلطار ترك كامل الحرية للجماعات في كيفية تنظيمها و المنطلق يبقى هو مبدأ التدبير الحر الذي نص عليه الدستور
المغربي بالنسبة للجماعات أي ترك لها المشرع دستوريا حرية تحديد أساليب اإلستشارة مع المجتمع المدني في اتخاذ القرارات و
16.تتبعها
5
المادة 117من القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات
6
المادة 111من القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعماالت أو األقاليم
7
المادة 117من القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعة
8
المادة 116من القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهة
9
المادة 110من القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعمالة أو اإلقليم
10
المادة 119من القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعة
11
المادة 123من القانون التنظيمي رقم 113.14
12
المادة 124من القانون التنظيمي رقم 113.14
13
المادة 114من القانون االنظيمي رقم 112.14
14
المادة 120من القانون التنظيمي رقم 111.14
15
مقال منشور في مجلة برلمان كوم تحت عنوان مشاركة المجتمع المدني في تحديث المالية العمومية في تاريخ 2مايو 2014على الساعة
13:54
16
ندوة علمية تحت عنوان "آليات الديمقراطية التشاركية و دورها في السياسات العمومية الترابية من خالل القوانين التنظيمية " من إعداد و
تأطير الدكتور يوسف العزوزي باحث في القانون العام و إطار إداري نظمت بتاريخ السبت 27يوننيو 2020عبر تطبيق
Zoom .