Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
لقد شكل التنصيص في الدستور ألول مرة سنة 2011على مبدأ التدبير الحر للجهات وباقي الجماعات الترابية لشؤونها
واحدا من أهم التعديالت الدستورية ذات الصلة بتعزيز الديموقراطية المحلية ببلدنا.
حيث نص الفص;;ل 136من الدس;;تور على أن ” التنظيم الجه;;وي وال;;ترابي يرتك;;ز على مب;;ادئ الت;;دبير الح;;ر ،وعلى
التعاون والتضامن ،وي;;ؤمن مش;;اركة الس;;كان المعن;;يين في ت;;دبير ش;;ؤونهم ،والرف;;ع من مس;;اهمتهم في التنمي;;ة البش;;رية
المندمجة والمستدامة”.
كما جاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية مستحض;;رة له;;ذا المب;;دأ الدس;;توري ،حيث نص;;ت الم;;ادة 4من الق;;انون
التنظيمي 111.14المتعل;;ق بالجه;;ات والم;;واد 3من الق;;انونين التنظيم;;يين 113.14المتعل;;ق بالجماع;;ات و112.14
المتعلق بمجالس العماالت واألقاليم ،على أن تدبير الجماعات الترابية لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول
بمقتضاه لكل جماعة ترابية ،في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المشار إليه;;ا أعاله ،س;;لطة
التداول بكيفية ديمقراطية ،وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها ،طبقا ألحكام هذه القوانين التنظيمية والنصوص التش;;ريعية
والتنظيمية المتخذة لتطبيقها.
وفي هذه الورقة سنعمل على تناول موضوع التدبير الحر للجماعات المحلية عبر المحاور التالية:
مبدأ التدبير الحر .1
ترجمة هذا المفهوم على مستوى القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية .2
مدى احترام هذا المبدأ على مستوى النصوص القانونية وفي الممارسة العملية .3
خالصات .4
ترجمة هذا المفهوم على مستوى القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية .2
بشكل عام يمكن القول بأن القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية قد احترمت بشكل ع;;ام مقتض;;يات الت;;دبير الح;;ر
في موادها ،مع بعض المالحظات التي سيتم التطرق إليها في المحور الموالي.
بل أكثر من ذلك ،نجد أن الدستور قد نص على عدد من المقتضيات المشار إليها في المحور الس;;ابق باعتباره;;ا مجس;;دة
لمفهوم التدبير الحر .حيث نجد أن الفصل 138قد نص على أن رؤساء مجالس الجه;;ات ،ورؤس;;اء مج;;الس الجماع;;ات
الترابية األخرى ،هم من يقومون بتنفيذ مداوالت هذه المجالس ومقرراتها.
ونص الفصل 140على أن للجماعات الترابية ،وبناء على مبدإ التفريع ،اختصاصات ذاتية واختصاصات مش;;تركة م;;ع
الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة.
وأنها تتوفر في مجاالت اختصاصاتها ،وداخل دائرتها الترابية ،على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها.
كما نص الفصل 141على أن الجهات والجماع;;ات الترابي;;ة األخ;;رى ،تت;;وفر على م;;وارد مالي;;ة ذاتي;;ة ،وم;;وارد مالي;;ة
مرصودة من قبل الدولة .وأن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحوي;;ل
الموارد المطابقة له.
وبالتالي فالدستور قد قرر بعضا من المبادئ التي تعت;;بر من المح;;ددات الرئيس;;ة الح;;ترام مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر في الم;;واد
المشار إليها أعاله وفي المادة 146المتعلقة بأدوار الوالة والعمال والتي تطرقت للمراقبة اإلدارية ،وهذه المح;ددات هي
على التوالي:
توفر الجماعات الترابية على مجالس منتخبة ذات اختصاصات فعلية وسلطة تنظيمية لممارستها –
التوفر على االستقالل المالي –
وجود مراقبة إدارية في إطار الحفاظ على وحدة الدولة واحترام النظام القانوني العام للبلد –
أما بالنسبة للقوانين التنظيمية الثالث ،وعند البحث عن مواطن ذكر “التدبير الح;;ر” فنج;;د أن;;ه وردفي ثالث م;;واد فق;;ط،
وهي المادة األولى المخصصة لتحديد عناوين األقسام التي تتضمنها هذه القوانين ،تم في الم;;واد 4من الق;;انون التنظيمي
111.14المتعلق بالجهات والمواد 3من القانونين التنظيميين 113.14المتعلق بالجماعات و 112.14المتعلق بمجالس
العماالت واألقاليم ،التي نصت على أن تدبير الجماعات الترابي;ة لش;ؤونها يرتك;ز على مب;دأ الت;دبير الح;ر ال;ذي يخ;ول
بمقتضاه لكل جماعة ترابية ،في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المشار إليه;;ا أعاله ،س;;لطة
التداول بكيفية ديمقراطية ،وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها ،طبقا ألحكام هذه القوانين التنظيمية والنصوص التش;;ريعية
والتنظيمية المتخذة لتطبيقها.
تم في المادة األولى في القسم الثامن والمعنون من القوانين التنظيمية الثالث ب “قواعد الحكام;ة المتعلق;ة بحس;ن تط;بيق
مبدأ التدبير الحر” ،وهي على التوالي المواد 234في القانون 111.14و 213في الق;انون 112.14و 269في الق;انون
،113.14حيث ورد في هذه المواد بأن المراد في مدلول هذه القوانين التنظيمية بقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تط;;بيق
مبدأ التدبير الحر العمل على الخصوص على احترام المبادئ العامة التالية:
– المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجهة؛
– االستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجهة وضمان جودتها؛
– تكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية؛
– ترسيخ سيادة القانون؛
– التشارك والفعالية والنزاهة.
حيث يالحظ كيف تم االنتقال بمفهوم التدبير الحر من منطق ضمان اس;;تقالل الجماع;;ات الترابي;;ة في ت;;دبير ش;;ؤونها في
عالقتها بالدولة إلى مجال إجراءات الحكامة الجيدة ،ولعل ذلك جاء في إطار ترجمة غريبة لمقتضيات البن;;د األخ;;ير من
الفصل 146من الدستور الذي يحدد القضايا التي يجب أن تحدد بق;;انون تنظيمي ،حيث ج;;اء في ه;;ذا البن;;د ،أن الق;;انون
التنظيمي يحدد“ :قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر ،وكذا مراقبة تدبير الصناديق وال;;برامج وتق;;ييم
األعمال وإجراءات المحاسبة”.
والبديهي أن إشارة الدستور تنصرف إلى القواعد العامة لحكامة الجماعات الترابية بما يضمن احترام مبدأ التدبير الحر،
وليس مبادئ “الحكامة الجيدة أو الرشيدة” ،التي تحيل على قواعد التدبير الشفاف والنزيه والناجع والتشاركي.
وبالرغم من هذه المالحظة التي تبين عن تحوير لمفهوم التدبير الح;;ر ،فإن;;ه تج;;در اإلش;;ارة إلى أن الم;;واد والمقتض;;يات
التي ذكرناها في المحور السابق والتي تعتبر ترجمة لهذا المبدأ نجد أنها عموما حاض;;رة في الق;وانين التنظيمي;ة الثالث،
حيث نجد أن هذه القوانين قد:
جعلت االنتخاب الحر قاعدة النتخاب أعضاء المجالس وهيئاتها ،كما حددت اختصاصاتها الذاتية والمشتركة –
والمنقولة ،ونصت على أن رؤساءها يتوفرون على السلطة التنظيمية
ونصت على االستقالل المالي للجماعات –
وجعلت ص;;الحية إح;;داث وإلغ;;اء المناص;;ب المالي;;ة والتوظي;;ف وت;;دبير الم;;وارد البش;;رية من اختصاص;;ات –
الرئيس
وأعطت المجالس صالحية إبرام العقود واالتفاقيات –
ونصت على وجوب المصادقة على نظام داخلي للمجالس –
ووضعت قواعد ممارسة المراقبة اإلدارية على أعمال المجالس والرؤساء –
وجعلت صالحية البت في االختالف من اختصاص القضاء اإلداري ،ونفس األمر بالنس;;بة لع;;زل المنتخ;;بين –
وحل المجالس.
مما يمكن معه القول بأن القوانين التنظيمي;;ة ق;;د اح;;ترمت إلى ح;;د بعي;;د مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر ،غ;;ير أن بعض المقتض;;يات
والمواد تطرح مع ذلك بعض اإلشكاالت حول مدى احترام هذا المبدأ.
وهو ما سيتم التطرق إليه في المحور الموالي.
مدى احترام هذا المبدأ على مستوى النصوص القانونية وفي الممارسة العملية .3
سنحاول في هذا المحور الجواب على السؤال المطروح في العنوان على مستويين:
– المقتضيات والمواد التي تطرح إشكاالت
– بعض الممارسات التي ال تحترم هذا المبدأ
انطالقا مما سلف يتبين أن اعتماد مبدإ التدبير الحر في الدستور وباقي المقتضيات ،تفيد إلغاء منطق الوصاية وتعويضه
بمنطق المراقبة اإلدارية ،التي تقتصر على مراقبة مشروعية الق;;رارات ،بحيث أن;;ه ح;;تى بالنس;;بة للمق;;ررات الخاض;;عة
لنوع من المراقبة تم التنصيص على التأشير عليها وليس المصادقة عليها ،من هنا لم تع;;د ألي قط;;اع حك;;ومي ص;;الحية
تحديد قواعد اشتغال الجماعات الترابية ،وأصبح ذلك من اختصاص القانون.
وعليه فلجوء الحكومة الس;;تعمال س;;لطتها التنظيمي;;ة وجب أن ي;;راعي مب;;ادئ الدس;;تور وفص;;وله وأن يك;;ون في أض;;يق
الحاالت التي ال تستوجب أو تتطلب اللجوء للقانون ،والتي ال يمكن أن تشمل إال القضايا المتعلقة بعالقة السلطة التنفيذية
بالجماعات الترابية.
واألكيد أن اإلحالة على قرارات للوزراء في المراسيم التطبيقية في كل ما يتعلق بالجماع;ات الترابي;ة ال س;ند قانوني;ا ل;ه
بحكم تحديد الدستور اختصاص الوزراء في تنفي;ذ السياس;ات العمومي;ة المكلفين به;ا وم;ا يكلفهم ب;ه رئيس الحكوم;ة في
ح;دود اختصاص;;ه .وه;و م;ا تؤك;ده المراس;يم المح;ددة الختصاص;;ات ال;وزراء ،حيث تنص بوض;;وح على أن س;لطتهم
التنظيمية تبقى محصورة في االختصاصات المخولة لهم بمقتضى المراسيم المنظمة للقطاعات الحكومية ال;;تي يش;;رفون
عليها أو بمقتضى القوانين التي تحيل على قرارات تنظيمية يصدرونها في إطار تنفيذها.
من هنا الحاجة لمراعاة مبدأ التدبير الحر في ضوء المقتض;;يات الدس;;تورية والقانوني;;ة ال;;تي خ;;ولت لرؤس;;اء الجماع;;ات
الترابية ممارسة الس;;لطة التنظيمي;;ة في مج;;ال اختصاص;;هم ،مم;;ا يتطلب العم;;ل على اس;;تكمال الق;;وانين التنظيمي;;ة عن;;د
االقتضاء أو إصدار قوانين تكميلية لضبط قواعد تدبير الجماعات الترابية ،مع تدقيق الحاالت التي يمكن إصدار مراسيم
بشأنها ،والتي ال يمكن إال أن تكون محدودة ومرتبطة باألساس بالمجاالت المشتركة بين الحكومة والجماع;;ات الترابي;;ة.
وحتى في هذه الحالة وجب االنتباه إلى ضرورة االحترام التام لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية واختصاصات ب;;اقي
الهيئات كما هي مؤطرة في دستور المملكة والقوانين التنظيمية حتى ال يتم إف;;راغ ه;;ذه األخ;;يرة من مض;;مونها وف;;رض
أشكال من التدخل أو الرقابة غير منصوص عليها في الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية ذات الصلة.
وحيث أن اللجوء إلصدار قرارات وزارية في موضوع تدبير الجماعات الترابية ال سند ُدس;;توري ل;ه ول;و نص;;ت علي;ه
بعض القوانين ،سيكون من المفيد جدا ومن أجل التوافق على ما هو َخ ارج ما تنص علي;;ه الق;وانين والمراس;;يم التطبيقي;;ة
لها ،أن يتم التنسيق التام بين القطاعات الحكومية المعنية وجمعيات رؤساء الجماعات الترابية (جمعية رؤس;;اء الجه;;ات،
جمعية رؤساء مجالس العماالت واألقاليم ،جمعية رؤساء الجماعات) ليتم اعتمادها على شكل قرارات تنظيمي;;ة لرؤس;;اء
الجماعات الترابية.
أما التدخل في تنظيم عمل الجماعات الترابية بمقتضى مناشير وزارية فهو بالتأكيد فاق;;د ألي س;;ند ق;;انوني ويض;;رب في
الصميم مبدأ التدبير الحر.
تبع;;ا لم;;ا س;;لف وبغض النظ;;ر عم قانوني;;ة اللج;;وء أص;;ال لممارس;;ة الس;;لطة التنظيمي;;ة لل;;وزراء في عالقتهم –
بالجماع;;ات الترابي;;ة ،ف;;إن مض;;امين ع;;دد من ه;;ذه الق;;رارات والمراس;;يم التنظيمي;;ة تعطي اإلدارة من خالله;;ا لنفس;;ها
صالحيات ال تراعي روح الدستور والقانون التنظيمي وال ت;;راعي مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر .وال يتس;;ع المج;;ال ل;;ذكر أمثلته;;ا
الكثيرة في هذه الورقة.
في عدد كبير من الحاالت يتم إحداث شركات التنمية التابعة للجماعات الترابي;;ة بمب;;ادرة من ال;;والة والعم;;ال –
ويسندون ألنفسهم رئاسة مجاس;ها اإلداري;ة ،وه;و م;ا يعت;بر إخالال واض;حا بمقتض;يات مب;دأ الت;دبير الح;ر ،ب;ل وروح
ومنطوق القوانين التنظيمية ،باعتبار هذه األخيرة هي التي تنظم ه;;ذه الش;;ركات وتجعله;;ا من أدوات اش;;تغال الجماع;;ات
الترابية ،وبالتالي فالطبيعي والمنطقي أن تكون تابع;;ة له;;ا بش;;كل رئيس وأن تك;;ون مس;;ؤولة بش;;كل مباش;;ر عن ت;;دبيرها
بغض النظر عن مساهمات باقي الشركاء في رأسمالها.
نصت القوانين التنظيمية على أن دع;;وة مس;;ؤولي اإلدارات والمؤسس;;ات العمومي;;ة على المس;;توى ال;;ترابي –
لل;;دورات يك;;ون تحت إش;;راف ال;;والي أو العام;;ل ،وه;;و أم;;ر مقص;;ود من;;ه ض;;مان حضورهمـ باعتب;;ار أهمي;;ة دورات
المجالس ،وذلك باعتبار الوالي والعامل دستوريا لهم صالحية تنسيق المصالح الخارجية للدول;;ة ،غ;;ير أن هن;;اك نزوع;;ا
لدى عدد من ال;;والة والعم;;ال إلى تعميم األم;;ر على جمي;;ع المراس;;الت المتبادل;;ة بين الجماع;;ات الترابي;;ة واإلدارات في
تجاوز لمقتضيات القوانين التنظيمية ،بل األدهى استغالل األمر لممارسة وصاية ورقابة خ;;ارج الض;;وابط والمقتض;;يات
المنصوص عليها في القوانين التنظيمية على عمل الجماعات الترابية ،تف;رغ ه;ذه الق;وانين من مض;;مونها وتمس بش;كل
فاحش بمبدأ التدبير الحر.
خالصات .4
إن موضوع مبدأ التدبير الحر يتجاوز أن يكون موضوع مقتضيات قانونية وفصول ومواد ،بل هو يش;;كل ص;;لب ره;;ان
ترسيخ الديموقراطية المحلية في بلدنا ،وهو ما يجعله يشكل موضوع مقاومات لهذا السبب.
ولكن ليس ذلك فقط ،بل إنه يواجه مقاومة ،تكاد تكون طبيعية ،مرتبطة بمحاولة مختلف الف;اعلين األخ;رين الحف;اظ على
ما كان لديهم من سلطة سواء كانت مستندة للمقتضيات القانونية السابقة أو لما ترسخ من ممارسات.
بل في أحايين كثيرة يساهم بعض المنتخبين في المس بهذا المبدأ استصحابا منهم هم كذلك للممارسات المتوارثة.
من هنا الحاجة لالتفاق على قراءة موحدة لمفهوم التدبير الحر وإلى استراتيجية عمل ،إصالح القوانين ومراجعة طريقة
التشريع والتنظيم ،ليسا إال أحد مكوناتها.
كما أن هناك حاجة ماسة للتركيز على وج;;وب اس;;تكمال الترس;;انة القانوني;;ة للجماع;ات الترابي;;ة بمراجع;;ة ك;;ل الق;وانين
السابقة ،خاصة تلك المتعلقة بالتدبير المالي للجماعات الترابية ،وقانون الوظيفة العامة الترابية مع العم;;ل على تفص;;يلها
إلى اقصى حد ممكن ،وتقييد اللجوء للنصوص التنظيمية.