You are on page 1of 10

‫التدبير الحر للجماعات الترابية بين النص والممارسة‬

‫تاريخ النشر ‪ 12 :‬يونيو ‪2021‬‬


‫عبد الصمد سكال‬

‫مقدمة‬

‫لقد شكل التنصيص في الدستور ألول مرة سنة ‪ 2011‬على مبدأ التدبير الحر للجهات وباقي الجماعات الترابية لشؤونها‬
‫واحدا من أهم التعديالت الدستورية ذات الصلة بتعزيز الديموقراطية المحلية ببلدنا‪.‬‬
‫حيث نص الفص;;ل ‪ 136‬من الدس;;تور على أن ” التنظيم الجه;;وي وال;;ترابي يرتك;;ز على مب;;ادئ الت;;دبير الح;;ر‪ ،‬وعلى‬
‫التعاون والتضامن‪ ،‬وي;;ؤمن مش;;اركة الس;;كان المعن;;يين في ت;;دبير ش;;ؤونهم‪ ،‬والرف;;ع من مس;;اهمتهم في التنمي;;ة البش;;رية‬
‫المندمجة والمستدامة‪”.‬‬
‫كما جاءت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية مستحض;;رة له;;ذا المب;;دأ الدس;;توري‪ ،‬حيث نص;;ت الم;;ادة ‪ 4‬من الق;;انون‬
‫التنظيمي ‪ 111.14‬المتعل;;ق بالجه;;ات والم;;واد ‪ 3‬من الق;;انونين التنظيم;;يين ‪ 113.14‬المتعل;;ق بالجماع;;ات و‪112.14‬‬
‫المتعلق بمجالس العماالت واألقاليم‪ ،‬على أن تدبير الجماعات الترابية لشؤونها يرتكز على مبدأ التدبير الحر الذي يخول‬
‫بمقتضاه لكل جماعة ترابية‪ ،‬في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المشار إليه;;ا أعاله‪ ،‬س;;لطة‬
‫التداول بكيفية ديمقراطية‪ ،‬وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها‪ ،‬طبقا ألحكام هذه القوانين التنظيمية والنصوص التش;;ريعية‬
‫والتنظيمية المتخذة لتطبيقها‪.‬‬
‫وفي هذه الورقة سنعمل على تناول موضوع التدبير الحر للجماعات المحلية عبر المحاور التالية‪:‬‬
‫مبدأ التدبير الحر‬ ‫‪.1‬‬
‫ترجمة هذا المفهوم على مستوى القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية‬ ‫‪.2‬‬
‫مدى احترام هذا المبدأ على مستوى النصوص القانونية وفي الممارسة العملية‬ ‫‪.3‬‬
‫خالصات‬ ‫‪.4‬‬

‫مبدأ التدبير الحر‪:‬‬ ‫‪.1‬‬


‫بالعودة إلى الدستور نجد أن التدبير الحر قد ورد في فصلين‪:‬‬
‫الفصل ‪ 136‬الذي ينص على ما يلي‪ ” :‬يرتكز التنظيم الجه;;وي وال;;ترابي على مب;;ادئ الت;;دبير الح;;ر‪ ،‬وعلى‬ ‫–‬
‫التعاون والتضامن؛ وي;;ؤمن مش;;اركة الس;;كان المعن;;يين في ت;;دبير ش;;ؤونهم‪ ،‬والرف;;ع من مس;;اهمتهم في التنمي;;ة البش;;رية‬
‫المندمجة والمستدامة‪”.‬‬
‫وفي الفصل ‪ 146‬الذي يحدد القضايا التي يجب أن تحدد بقانون تنظيمي‪ ،‬حيث جاء في البند األخير من;;ه‪ ،‬أن‬ ‫–‬
‫القانون التنظيمي يحدد‪“ :‬قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر‪ ،‬وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج‬
‫وتقييم األعمال وإجراءات المحاسبة”‪.‬‬
‫بحيث نجد أن الدستور يؤكد على أن التنظيم الجهوي والترابي يتعين أن يرتكز على مبادئ التدبير الحر‪ ،‬وهو ما يجع;;ل‬
‫من التدبير الحر أحد المرتك;;زات والمب;;ادئ الدس;;تورية الحاكم;;ة في بن;;اء منظوم;;ة الالمركزي;;ة‪ .‬كم;;ا تم التنص;;يص في‬
‫الدستور على أن القانون هو الذي سيحدد قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيقه‪.‬‬
‫وعند محاولة تحدي;;د الم;;راد بالض;;بط بمفه;;وم الت;;دبير الح;;ر ال نج;;د ل;;ه تعريف;;ا س;;وى م;;ا ورد في الم;;واد ‪ 4‬من الق;;انون‬
‫التنظيمي للجهات و‪ 3‬من القانونين التنظيمية للجماع;;ات ومج;;الس العمالت واألق;;اليم‪ ،‬أي أن تط;;بيق مقتض;;يات الت;;دبير‬
‫الحر يعني‪:‬‬
‫تمكين الجماعات الترابية من سلطة التداول بكيفية ديمقراطية‪ ،‬وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها‪ ،‬طبقا ألحك;;ام الق;;وانين‬
‫التنظيمية المنظمة لها والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقها‪.‬‬
‫وإذا كان هذا التحديد عاما ومضيقا لمفهوم التدبير الحر‪ ،‬فإن البحث في الموض;;وع يس;;تفاد من;;ه أن ه;;ذا المب;;دأ يفتق;;د إلى‬
‫تعريف قانوني دقيق‪ ،‬واألمر هنا ال يقتصر على المغرب‪ ،‬بل نفس األمر ينطبق على الحالة الفرنسية مثال‪.‬‬
‫غير أنه بالبحث في عدد من المراجع التي تناولت هذا الموضوع نجد أنها تتفق عموما على أن “الت;;دبير الح;;ر ه;;و مب;;دأ‬
‫دستوري يعطي للجماعات الترابية إمكانية تدبير شؤونها بحرية ودون رقابة مبالغ فيه;;ا‪ ،‬باعتب;;ار أن;;ه في ك;;ل التج;;ارب‬
‫هناك مستويات من المراقبة تمارسها السلطة المركزية أو السلطات الرقابية ذات الطبيعة القض;;ائية‪ ،‬غ;;ير أنه;;ا يجب أن‬
‫تبقى في حدود معقولة ال تخل بمبدإ التدبير الحر‪.‬‬
‫وهناك من ذهب إلى أن هذا المبدأ‪ ،‬وفي غياب تعريف محدد له‪ ،‬يتعلق باألساس بمبدإ لحماية الجماعة الترابية من تدخل‬
‫الدولة في مجالها كما هو محدد في القانون‪.‬‬
‫وعموما فإن هذا المبدأ يحيل عموما‪ ،‬وفق األدبيات والدراسات المنجزة في الموضوع‪ ،‬على توفر المقتضيات التالية في‬
‫المنظومة القانونية المؤطرة لعمل الجماعات الترابية‪:‬‬
‫توفر الجماعات الترابية على مجالس منتخبة ذات اختصاصات فعلية وسلطة تنظيمية لممارستها‬ ‫–‬
‫التوفر على االستقالل المالي‬ ‫–‬
‫التوفر على صالحية إحداث وإلغاء المناصب المالية والتوظيف وتدبير مواردها البشرية‬ ‫–‬
‫التوفر على صالحية إبرام العقود واالتفاقيات‬ ‫–‬
‫التوفر على صالحية تحديد قواعد اشتغالها الداخلي;;ة‪ ،‬على أن ه;;ذه القواع;;د يمكن أن تك;;ون م;;ؤطرة بق;;وانين‬ ‫–‬
‫وخاضعة لمراقبة القضاء اإلداري‬
‫وجود مراقبة إدارية في إطار الحفاظ على وحدة الدولة واحترام النظام القانوني العام للبلد‬ ‫–‬
‫وفي غياب تعريف مدقق ومحدد لهذا المبدأ‪ ،‬فإن احترامه يبقى رهينا بمدى مراعاة القوانين المنظمة للجماع;ات الترابي;ة‬
‫للنقط الواردة أعاله‪ ،‬كما أن دور القضاء الدستوري يعتبر مركزيا في حمايته خاصة عند إقرار قوانين قد تمس به بشكل‬
‫كبير‪.‬‬
‫وجدير بالذكر أن اجتهادات مجلس الدولة الفرنسي قد اعتبرت هذا المب;;دأ من الحري;;ات األساس;;ية عن;;د بت;;ه في ع;;دد من‬
‫النزاعات المرفوعة إليه‪.‬‬
‫كما يمكن القول أن أحد المعاني األساسية لمبدأ التدبير الحر هو إلغاء مفهوم الوصاية على الجماعات الترابية‪ ،‬بما تسمح‬
‫به من صالحيات لمن يم;;ارس ه;;ذه الوص;;اية أن يت;;دخل في مش;;روعية وج;;دوى ق;;رار الجماع;;ة الترابي;;ة على الس;;واء‪،‬‬
‫واالستعاضة عنه بمفهوم المراقبة اإلدارية بما هي سلطة مراقبة المشروعية فقط‪.‬‬
‫فإلى أي حد ترجمت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بالمغرب هذا المبدأ‪ ،‬ذلك ما سيتم تناوله في المحور الموالي‪.‬‬

‫ترجمة هذا المفهوم على مستوى القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية‬ ‫‪.2‬‬
‫بشكل عام يمكن القول بأن القوانين التنظيمية الثالث للجماعات الترابية قد احترمت بشكل ع;;ام مقتض;;يات الت;;دبير الح;;ر‬
‫في موادها‪ ،‬مع بعض المالحظات التي سيتم التطرق إليها في المحور الموالي‪.‬‬
‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬نجد أن الدستور قد نص على عدد من المقتضيات المشار إليها في المحور الس;;ابق باعتباره;;ا مجس;;دة‬
‫لمفهوم التدبير الحر‪ .‬حيث نجد أن الفصل ‪ 138‬قد نص على أن رؤساء مجالس الجه;;ات‪ ،‬ورؤس;;اء مج;;الس الجماع;;ات‬
‫الترابية األخرى‪ ،‬هم من يقومون بتنفيذ مداوالت هذه المجالس ومقرراتها‪.‬‬
‫ونص الفصل ‪ 140‬على أن للجماعات الترابية‪ ،‬وبناء على مبدإ التفريع‪ ،‬اختصاصات ذاتية واختصاصات مش;;تركة م;;ع‬
‫الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه األخيرة‪.‬‬
‫وأنها تتوفر في مجاالت اختصاصاتها‪ ،‬وداخل دائرتها الترابية‪ ،‬على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها‪.‬‬
‫كما نص الفصل ‪ 141‬على أن الجهات والجماع;;ات الترابي;;ة األخ;;رى‪ ،‬تت;;وفر على م;;وارد مالي;;ة ذاتي;;ة‪ ،‬وم;;وارد مالي;;ة‬
‫مرصودة من قبل الدولة‪ .‬وأن كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية األخرى يكون مقترنا بتحوي;;ل‬
‫الموارد المطابقة له‪.‬‬
‫وبالتالي فالدستور قد قرر بعضا من المبادئ التي تعت;;بر من المح;;ددات الرئيس;;ة الح;;ترام مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر في الم;;واد‬
‫المشار إليها أعاله وفي المادة ‪ 146‬المتعلقة بأدوار الوالة والعمال والتي تطرقت للمراقبة اإلدارية‪ ،‬وهذه المح;ددات هي‬
‫على التوالي‪:‬‬
‫توفر الجماعات الترابية على مجالس منتخبة ذات اختصاصات فعلية وسلطة تنظيمية لممارستها‬ ‫–‬
‫التوفر على االستقالل المالي‬ ‫–‬
‫وجود مراقبة إدارية في إطار الحفاظ على وحدة الدولة واحترام النظام القانوني العام للبلد‬ ‫–‬
‫أما بالنسبة للقوانين التنظيمية الثالث‪ ،‬وعند البحث عن مواطن ذكر “التدبير الح;;ر” فنج;;د أن;;ه وردفي ثالث م;;واد فق;;ط‪،‬‬
‫وهي المادة األولى المخصصة لتحديد عناوين األقسام التي تتضمنها هذه القوانين‪ ،‬تم في الم;;واد ‪ 4‬من الق;;انون التنظيمي‬
‫‪ 111.14‬المتعلق بالجهات والمواد ‪ 3‬من القانونين التنظيميين ‪ 113.14‬المتعلق بالجماعات و‪ 112.14‬المتعلق بمجالس‬
‫العماالت واألقاليم‪ ،‬التي نصت على أن تدبير الجماعات الترابي;ة لش;ؤونها يرتك;ز على مب;دأ الت;دبير الح;ر ال;ذي يخ;ول‬
‫بمقتضاه لكل جماعة ترابية‪ ،‬في حدود اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المشار إليه;;ا أعاله‪ ،‬س;;لطة‬
‫التداول بكيفية ديمقراطية‪ ،‬وسلطة تنفيذ مداوالتها ومقرراتها‪ ،‬طبقا ألحكام هذه القوانين التنظيمية والنصوص التش;;ريعية‬
‫والتنظيمية المتخذة لتطبيقها‪.‬‬
‫تم في المادة األولى في القسم الثامن والمعنون من القوانين التنظيمية الثالث ب “قواعد الحكام;ة المتعلق;ة بحس;ن تط;بيق‬
‫مبدأ التدبير الحر”‪ ،‬وهي على التوالي المواد ‪ 234‬في القانون ‪ 111.14‬و‪ 213‬في الق;انون ‪ 112.14‬و‪ 269‬في الق;انون‬
‫‪ ،113.14‬حيث ورد في هذه المواد بأن المراد في مدلول هذه القوانين التنظيمية بقواعد الحكامة المتعلقة بحسن تط;;بيق‬
‫مبدأ التدبير الحر العمل على الخصوص على احترام المبادئ العامة التالية‪:‬‬
‫– المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجهة؛‬
‫– االستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجهة وضمان جودتها؛‬
‫– تكريس قيم الديمقراطية والشفافية والمحاسبة والمسؤولية؛‬
‫– ترسيخ سيادة القانون؛‬
‫– التشارك والفعالية والنزاهة‪.‬‬
‫حيث يالحظ كيف تم االنتقال بمفهوم التدبير الحر من منطق ضمان اس;;تقالل الجماع;;ات الترابي;;ة في ت;;دبير ش;;ؤونها في‬
‫عالقتها بالدولة إلى مجال إجراءات الحكامة الجيدة‪ ،‬ولعل ذلك جاء في إطار ترجمة غريبة لمقتضيات البن;;د األخ;;ير من‬
‫الفصل ‪ 146‬من الدستور الذي يحدد القضايا التي يجب أن تحدد بق;;انون تنظيمي‪ ،‬حيث ج;;اء في ه;;ذا البن;;د‪ ،‬أن الق;;انون‬
‫التنظيمي يحدد‪“ :‬قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدإ التدبير الحر‪ ،‬وكذا مراقبة تدبير الصناديق وال;;برامج وتق;;ييم‬
‫األعمال وإجراءات المحاسبة”‪.‬‬
‫والبديهي أن إشارة الدستور تنصرف إلى القواعد العامة لحكامة الجماعات الترابية بما يضمن احترام مبدأ التدبير الحر‪،‬‬
‫وليس مبادئ “الحكامة الجيدة أو الرشيدة”‪ ،‬التي تحيل على قواعد التدبير الشفاف والنزيه والناجع والتشاركي‪.‬‬
‫وبالرغم من هذه المالحظة التي تبين عن تحوير لمفهوم التدبير الح;;ر‪ ،‬فإن;;ه تج;;در اإلش;;ارة إلى أن الم;;واد والمقتض;;يات‬
‫التي ذكرناها في المحور السابق والتي تعتبر ترجمة لهذا المبدأ نجد أنها عموما حاض;;رة في الق;وانين التنظيمي;ة الثالث‪،‬‬
‫حيث نجد أن هذه القوانين قد‪:‬‬
‫جعلت االنتخاب الحر قاعدة النتخاب أعضاء المجالس وهيئاتها‪ ،‬كما حددت اختصاصاتها الذاتية والمشتركة‬ ‫–‬
‫والمنقولة‪ ،‬ونصت على أن رؤساءها يتوفرون على السلطة التنظيمية‬
‫ونصت على االستقالل المالي للجماعات‬ ‫–‬
‫وجعلت ص;;الحية إح;;داث وإلغ;;اء المناص;;ب المالي;;ة والتوظي;;ف وت;;دبير الم;;وارد البش;;رية من اختصاص;;ات‬ ‫–‬
‫الرئيس‬
‫وأعطت المجالس صالحية إبرام العقود واالتفاقيات‬ ‫–‬
‫ونصت على وجوب المصادقة على نظام داخلي للمجالس‬ ‫–‬
‫ووضعت قواعد ممارسة المراقبة اإلدارية على أعمال المجالس والرؤساء‬ ‫–‬
‫وجعلت صالحية البت في االختالف من اختصاص القضاء اإلداري‪ ،‬ونفس األمر بالنس;;بة لع;;زل المنتخ;;بين‬ ‫–‬
‫وحل المجالس‪.‬‬
‫مما يمكن معه القول بأن القوانين التنظيمي;;ة ق;;د اح;;ترمت إلى ح;;د بعي;;د مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر‪ ،‬غ;;ير أن بعض المقتض;;يات‬
‫والمواد تطرح مع ذلك بعض اإلشكاالت حول مدى احترام هذا المبدأ‪.‬‬
‫وهو ما سيتم التطرق إليه في المحور الموالي‪.‬‬

‫مدى احترام هذا المبدأ على مستوى النصوص القانونية وفي الممارسة العملية‬ ‫‪.3‬‬
‫سنحاول في هذا المحور الجواب على السؤال المطروح في العنوان على مستويين‪:‬‬
‫– المقتضيات والمواد التي تطرح إشكاالت‬
‫– بعض الممارسات التي ال تحترم هذا المبدأ‬

‫‪ 3-1‬المقتضيات والمواد التي تطرح إشكاالت‬


‫لتناول هذه النقطة‪ ،‬وأخذا بعين االعتبار أن قواعد تدبير المستويات الثالث للجماعات الترابية بشكل عام هي نفسها‪ ،‬م;;ع‬
‫بعض التمايزات المحدودة‪ ،‬فسوف نعتمد أساسا على مقتضيات القانون التنظيمي للجهات‪ ،‬وبديهي أن المالحظ;;ات ال;;تي‬
‫سيتم طرحها تسري على القوانين الثالث‪ .‬وسيتم اعتماد تبويب القوانين في طرح المالحظات‪:‬‬
‫نصت القوانين التنظيمية الثالث على أن للوالي والعامل أن يقترحا إدراج أي نقطة في دورات المجالس‪ ،‬وال‬ ‫–‬
‫سيما تلك التي تكتسي طابعا استعجاليا‪ ،‬ويتم ذلك وجوبا شريطة إخبار رئيس المجلس داخل أجل ثمانية أيام من التوصل‬
‫بجدول األعمال‪.‬‬
‫لقد جاءت هذه المادة عامة‪ ،‬وأعطت ص;;الحية كب;يرة لل;والي أو العام;ل الق;تراح أي نقط;ة‪ ،‬مم;ا يعت;بر مس;ا باس;تقاللية‬
‫المجالس وتدخال مباشرا في تدبير شؤونها وفي برامج عملها‪ ،‬خاصة عندما يتم اقتراح نقط تتعلق بمش;;اريع أو اتفاقي;;ات‬
‫فيها إلزام مالي للجماعات‪.‬‬
‫مما يتطلب مراجعة هذا المقتضى إما بالحذف أو بتحديد الحاالت التي يمكن فيه;;ا أن يك;;ون هن;;اك اق;;تراح من ال;;والي أو‬
‫العامل‪ ،‬مع إعطاء صالحية للمكتب التخاذ القرار بشأن برمجتها من عدمه في دورات المجالس‪.‬‬
‫بالنسبة لالختصاصات‪ ،‬فإن عدم ت;;دقيق تعريفه;;ا وت;;أخر النق;;ل الفعلي له;;ا‪ ،‬خاص;;ة بالنس;;بة للجه;;ات‪ ،‬وع;;دم‬ ‫–‬
‫االحترام الفعلي لمبدئ التفريع‪ ،‬حيث هن;;اك ت;;داخالت كث;;يرة بين اختصاص;;ات المس;;تويات الثالث للجماع;;ات الترابي;;ة‪،‬‬
‫وخاصة مع الدولة‪ ،‬يؤدي إلى عدم احترام أدوار هذه الجماعات وتدخل إدارات الدول;ة والمؤسس;ات العمومي;ة في ع;دد‬
‫من مجاالت اختصاصها‪ ،‬مما يعتبر إخالال كبيرا بمبدإ التدبير الحر للجماعات الترابية‪ ،‬ويستوجب العم;;ل على مراجع;;ة‬
‫االختصاصات بما يحترم مبدأ التفريع والعمل على النقل الفعلي لالختصاصات الذاتية‪ ،‬مع التقليص إلى الح;;د األدنى من‬
‫تلك المشتركة‪.‬‬
‫في الباب المتعلق بالمراقبة اإلدارية‪ ،‬وباستحضار ما له عالقة مباشرة بمبدأ التدبير الحر فقط‪ ،‬نتوق;;ف عن;;د‬ ‫–‬
‫المادة التي تحدد المقررات التي تخضع للتأشير‪ ،‬وهنا وجبت اإلشارة إلى ان اعتم;;اد مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر‪ ،‬بم;;ا يعني;;ه من‬
‫وجوب توفر الجماعات الترابية على اختصاصات فعلية وسلطة تنظيمية لتنفيذها‪ ،‬يفيد تقليص س;;لطة المراقب;;ة والتأش;;ير‬
‫في الحد األدنى‪ ،‬مع جعل;;ه ينض;;بط لثالث مح;;ددات رئيس;;ة ‪)1 :‬مراقب;;ة مش;;روعية الق;رار ‪ )2 ،‬الح;;رص على اح;;ترام‬
‫التوجهات العامة للسياسة العامة للدولة على مستوى ال;برامج و ‪ )3‬الحف;اظ على التوازن;ات المالي;ة للدول;ة وللجماع;ات‬
‫الترابية‪.‬‬
‫من هنا ف;إن أغلب النق;ط ذات العالق;ة بوج;وب التأش;ير على ب;رامج العم;ل والتنمي;ة والمق;ررات المتعلق;ة بهيكل;ة إدارة‬
‫الجماعات الترابية وإحداث شركات التنمية ومجموعات الجماعات والميزانية والعالقات الخارجية متفهمة‪ ،‬بينما غيره;;ا‬
‫ال مبرر له‪.‬‬
‫كما أن البند المتعلق بالمقررات ذات الوقع المالي جاء عاما ويعرف توسعا غير مبرر في تطبيقه‪ ،‬حيث يتعين مراجعت;;ه‬
‫ليتم االقتصار على الحاالت المذكورة فيه على س;بيل المث;ال (أي االقتراض;ات والق;رارات ذات الطبيع;ة الجبائي;ة)‪ .‬أم;ا‬
‫باقي المقررات التي تندرج في إطار تطبيق برامج التنمية الجهوية وبرامج عمل الجماعات ومجالس العماالت واألق;;اليم‬
‫وفي إطار تنفيذ الميزانيات المؤشر عليها فال معنى إلخضاعها للتأشير‪.‬‬
‫كما يتعين تدقيق مفهوم التأشير وحدود صالحيات سلطة التأشير‪.‬‬
‫إخضاع الوكاالت الجهوية إلنجاز المشاريع وشركات التنمية للمراقبة المالية لمديري;;ة المؤسس;;ات العمومي;;ة‬ ‫–‬
‫ومساهمات الدولة فيه مس بمبدأ الت;;دبير الح;;ر وإخض;;اع مؤسس;;ات الجماع;;ات الترابي;;ة لمراقب;;ة مزدوج;;ة‪ ،‬باعتب;;ار أن‬
‫مديرية المؤسسات العمومية ومساهمات الدولة عند مراقبتها للمؤسسات العمومية تتوس;ع ل;تراقب ح;تى الج;دوى‪ ،‬وليس‬
‫فقط المشروعية‪ .‬هذه‬
‫كما أن كون الوكاالت الجهوية إلنجاز المشاريع مؤسسات تابعة للجماعات الترابية يص;;بح مع;ه من المنطقي أن تخض;;ع‬
‫لنفس القواعد المطبقة على الجماعات الترابية في مجال التدبير المالي‪.‬‬
‫إخضاع الجماعات الترابية الفتحاص مفتشيتي المالية واإلدارة الترابية كذلك ال ينسجم مع مبدأ التدبير الحر‪،‬‬ ‫–‬
‫باعتب;;ار ه;;اتين المفتش;;يتين ت;;ا بع;;تين لإلدارة ووظيفتهم;;ا الرئيس;;ة مراقب;;ة اإلدارات العمومي;;ة والمؤسس;;ات العمومي;;ة‪،‬‬
‫والحاصل أن المراقبة واالفتحاص‪ ،‬كما هو منصوص علي;;ه في الق;وانين التنظيمي والق;انون المتعل;;ق بالمح;;اكم المالي;;ة‪،‬‬
‫يتعين أن يكون إما بقرار للمجلس‪ ،‬أو من طرف المحاكم المالية باعتبارها مؤسسات دس;;تورية مس;;تقلة ومتخصص;;ة في‬
‫هذا المجال‪.‬‬

‫بعض الممارسات التي ال تحترم هذا المبدأ‬ ‫‪3-2‬‬


‫إذا كانت القوانين التنظيمية بشكل عام قد احترمت مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية‪ ،‬مع مراعاة الحاجة لتجويدها بما‬
‫يمكن من تجاوز المالحظات الواردة أعاله وتلك التي س;يترد في ه;ذه الفق;رة‪ ،‬ف;إن الممارس;ة على ع;دة مس;تويات تمس‬
‫بشكل عميق بهذا المبدأ‪ ،‬وسنتطرق فيما يلي إلى بعض أهم هذه الممارسات‪:‬‬
‫إذا كان من مستلزمات مبدأ التدبير الحر احترام استقاللية الجماعات الترابي;;ة وتمتعه;;ا باختصاص;;ات حقيق;;ة‬ ‫–‬
‫وسلطة تنظيمية لممارسة اختصاصاتها‪ ،‬وهو م;ا يس;توجب ك;ذلك أن يك;ون تنظيمه;ا خاض;عا باألس;اس لس;لطة الق;انون‬
‫وسلطتها التنظيمية‪ .‬وهو ما ينسجم مع مقتضيات الدستور‪.‬‬
‫بحيث أنه وبالعودة لنص الدستور نجد أنه مقسم ألب;;واب منفص;;لة‪ ،‬حيث الس;;لطة التنفيذي;;ة مفص;;لة في ب;;اب والجماع;;ات‬
‫الترابية في باب آخر‪.‬‬
‫فقد نص الفصل ‪136‬من الدستور على ارتكاز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر‪ ،‬وال;;ذي يع;;ني تمتعه;;ا‬
‫باستقاللية تامة عن السلطة التنفيذية وتوفرها على كل الصالحيات والهياكل التي تمكنها من تدبير شؤونها بشكل مستقل‪.‬‬
‫كما نص الفصل ‪ 71‬من الدستور على أن نظ;ام الجماع;ات الترابي;ة ومب;ادئ تحدي;د دوائره;ا الترابي;ة ين;درج في إط;ار‬
‫اختصاص التشريع‪ .‬وجاءت اإلشارة لنظام الجماعات الترابية عامة‪.‬‬
‫بالمقابل فقد نص الفصل ‪ 72‬على أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي ال يشملها اختصاص القانون‪.‬‬
‫وحدد الفصل ‪ 89‬اختصاص الحكومة في ممارسة السلطة التنفيذية‪ ،‬مع تدقيق أن الحكومة تعم;;ل‪ ،‬تحت س;;لطة رئيس;;ها‪،‬‬
‫على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفي;;ذ الق;;وانين‪ .‬واإلدارة موض;;وعة تحت تص;;رفها‪ ،‬كم;;ا تم;;ارس اإلش;;راف‬
‫والوصاية على المؤسسات والمقاوالت العمومية‪ .‬ولم يتم إدراج الجماع;;ات الترابي;;ة نهائي;;ا في ه;;ذا الب;;اب‪ ،‬مم;;ا يجعله;;ا‬
‫خارج السلطة التنظيمية للحكومة‪ ،‬وبالتبع فحدود تدخل الحكومة بنص;;وص تنظيمي;;ة وجب أن يقتص;;ر على المقتض;;يات‬
‫ذات العالقة بتدخل الحكومة في عالقتها بالجماعات الترابية‪ ،‬دون التوس;ع لتنظيم م;ا يتعل;ق بالجماع;ات الترابي;ة‪ ،‬ال;ذي‬
‫يبقى حصريا من اختصاص التشريع‪ ،‬مع مراعاة ت;;وفر ه;;ذه الجماع;;ات على س;;لطة تنظيمي;;ة لممارس;;ة ص;;الحياتها في‬
‫مجاالت اختصاصاتها‪ ،‬وداخل دائرتها الترابية‪ ،‬طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 140‬من الدستور‪.‬‬
‫كما أن الفصل ‪ 90‬من الدستور قد حدد أن رئيس الحكومة يمارس السلطة التنظيمية‪ ،‬ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى‬
‫ال;;وزراء‪ .‬وأن المق;;ررات التنظيمي;;ة الص;;ادرة عن رئيس الحكوم;;ة تحم;;ل التوقي;;ع ب;;العطف من ل;;دن ال;;وزراء المكلفين‬
‫بتنفيذها‪ .‬ومن البديهي أن كل ما يتعلق بالجماعات الترابية سلطة التنفيذ فيه هي اختصاص للجماعات الترابي;;ة بمقتض;;ى‬
‫نص المادة ‪ 140‬من الدستور وفق ما هو مشار إليه في الفقرة السابقة‪.‬‬
‫كما أن الدستور حدد بوضوح في فص;;له ‪ 93‬اختصاص;;ات ال;;وزراء على الش;;كل الت;;الي‪ :‬ال;;وزراء مس;;ؤولون عن تنفي;;ذ‬
‫السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به‪ ،‬وفي إطار التضامن الحكومي‪ .‬يقوم الوزراء بأداء المهام المس;;ندة إليهم من‬
‫قبل رئيس الحكومة‪ ،‬ويطلعون مجلس الحكوم;ة على ذل;ك‪ .‬وه;و م;ا يؤك;د أنهم مس;ؤولون عن تنفي;ذ م;ا يهم قطاع;اتهم‪،‬‬
‫وبالتبع ليس من اختصاصهم تنظيم أو وضع قواعد تنظيم عمل الجماع;;ات الترابي;;ة ال;;تي توج;;د خ;;ارج س;;لطتهم وتتمت;;ع‬
‫بالتدبير الحر‪.‬‬
‫وقد حدد الدستور بوضوح الجهة المخول لها ممارسة المراقبة اإلدارية على الجماع;;ات الترابي;;ة في ال;;والة والعم;;ال في‬
‫الفصل ‪ ،145‬وحددت القوانين التنظيمية قواعد تطبيقها‪.‬‬
‫كما أن الفصل ‪ 146‬حدد بوضوح أن قانونا تنظيميا سيحدد بصفة خاصة‪:‬‬
‫شروط تدبير الجهات والجماع;;ات الترابي;;ة األخ;;رى لش;;ؤونها بكيفي;;ة ديمقراطي;;ة‪ ،‬وع;;دد أعض;;اء مجالس;;ها‪،‬‬ ‫•‬
‫والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح‪ ،‬وحاالت التنافي‪ ،‬وحاالت منع الجمع بين االنتدابات‪ ،‬وكذا النظ;;ام االنتخ;;ابي‪ ،‬وأحك;;ام‬
‫تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة؛‬
‫شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماع;ات الترابي;;ة األخ;;رى لم;;داوالت ه;ذه المج;;الس‬ ‫•‬
‫ومقرراتها‪ ،‬طبقا للفصل ‪138‬؛‬
‫شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل ‪ ،139‬من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات؛‬ ‫•‬
‫االختصاصات الذاتية لفائ;دة الجه;ات والجماع;ات الترابي;ة األخ;رى‪ ،‬واالختصاص;ات المش;تركة بينه;ا وبين‬ ‫•‬
‫الدولة واالختصاصات المنقولة إليها من هذه األخيرة طبقا للفصل ‪140‬؛‬
‫النظام المالي للجهات والجماعات الترابية األخرى؛‬ ‫•‬
‫مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية األخرى‪ ،‬المنصوص عليها في الفصل ‪141‬؛‬ ‫•‬
‫موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل االجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليه;;ا‬ ‫•‬
‫في الفصل ‪142‬؛‬
‫شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل ‪144‬؛‬ ‫•‬
‫المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات‪ ،‬وكذا اآلليات الرامية إلى ض;;مان تك;;ييف تط;;ور‬ ‫•‬
‫التنظيم الترابي في هذا االتجاه؛‬
‫قواعد الحكامة المتعلق;ة بحس;ن تط;بيق مب;دإ الت;دبير الح;ر‪ ،‬وك;ذا مراقب;ة ت;دبير الص;;ناديق وال;برامج وتق;ييم‬ ‫•‬
‫األعمال وإجراءات المحاسبة‪.‬‬

‫انطالقا مما سلف يتبين أن اعتماد مبدإ التدبير الحر في الدستور وباقي المقتضيات‪ ،‬تفيد إلغاء منطق الوصاية وتعويضه‬
‫بمنطق المراقبة اإلدارية‪ ،‬التي تقتصر على مراقبة مشروعية الق;;رارات‪ ،‬بحيث أن;;ه ح;;تى بالنس;;بة للمق;;ررات الخاض;;عة‬
‫لنوع من المراقبة تم التنصيص على التأشير عليها وليس المصادقة عليها‪ ،‬من هنا لم تع;;د ألي قط;;اع حك;;ومي ص;;الحية‬
‫تحديد قواعد اشتغال الجماعات الترابية‪ ،‬وأصبح ذلك من اختصاص القانون‪.‬‬
‫وعليه فلجوء الحكومة الس;;تعمال س;;لطتها التنظيمي;;ة وجب أن ي;;راعي مب;;ادئ الدس;;تور وفص;;وله وأن يك;;ون في أض;;يق‬
‫الحاالت التي ال تستوجب أو تتطلب اللجوء للقانون‪ ،‬والتي ال يمكن أن تشمل إال القضايا المتعلقة بعالقة السلطة التنفيذية‬
‫بالجماعات الترابية‪.‬‬
‫واألكيد أن اإلحالة على قرارات للوزراء في المراسيم التطبيقية في كل ما يتعلق بالجماع;ات الترابي;ة ال س;ند قانوني;ا ل;ه‬
‫بحكم تحديد الدستور اختصاص الوزراء في تنفي;ذ السياس;ات العمومي;ة المكلفين به;ا وم;ا يكلفهم ب;ه رئيس الحكوم;ة في‬
‫ح;دود اختصاص;;ه‪ .‬وه;و م;ا تؤك;ده المراس;يم المح;ددة الختصاص;;ات ال;وزراء‪ ،‬حيث تنص بوض;;وح على أن س;لطتهم‬
‫التنظيمية تبقى محصورة في االختصاصات المخولة لهم بمقتضى المراسيم المنظمة للقطاعات الحكومية ال;;تي يش;;رفون‬
‫عليها أو بمقتضى القوانين التي تحيل على قرارات تنظيمية يصدرونها في إطار تنفيذها‪.‬‬
‫من هنا الحاجة لمراعاة مبدأ التدبير الحر في ضوء المقتض;;يات الدس;;تورية والقانوني;;ة ال;;تي خ;;ولت لرؤس;;اء الجماع;;ات‬
‫الترابية ممارسة الس;;لطة التنظيمي;;ة في مج;;ال اختصاص;;هم‪ ،‬مم;;ا يتطلب العم;;ل على اس;;تكمال الق;;وانين التنظيمي;;ة عن;;د‬
‫االقتضاء أو إصدار قوانين تكميلية لضبط قواعد تدبير الجماعات الترابية‪ ،‬مع تدقيق الحاالت التي يمكن إصدار مراسيم‬
‫بشأنها‪ ،‬والتي ال يمكن إال أن تكون محدودة ومرتبطة باألساس بالمجاالت المشتركة بين الحكومة والجماع;;ات الترابي;;ة‪.‬‬
‫وحتى في هذه الحالة وجب االنتباه إلى ضرورة االحترام التام لمبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية واختصاصات ب;;اقي‬
‫الهيئات كما هي مؤطرة في دستور المملكة والقوانين التنظيمية حتى ال يتم إف;;راغ ه;;ذه األخ;;يرة من مض;;مونها وف;;رض‬
‫أشكال من التدخل أو الرقابة غير منصوص عليها في الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية ذات الصلة‪.‬‬
‫وحيث أن اللجوء إلصدار قرارات وزارية في موضوع تدبير الجماعات الترابية ال سند ُدس;;توري ل;ه ول;و نص;;ت علي;ه‬
‫بعض القوانين‪ ،‬سيكون من المفيد جدا ومن أجل التوافق على ما هو َخ ارج ما تنص علي;;ه الق;وانين والمراس;;يم التطبيقي;;ة‬
‫لها‪ ،‬أن يتم التنسيق التام بين القطاعات الحكومية المعنية وجمعيات رؤساء الجماعات الترابية (جمعية رؤس;;اء الجه;;ات‪،‬‬
‫جمعية رؤساء مجالس العماالت واألقاليم‪ ،‬جمعية رؤساء الجماعات) ليتم اعتمادها على شكل قرارات تنظيمي;;ة لرؤس;;اء‬
‫الجماعات الترابية‪.‬‬
‫أما التدخل في تنظيم عمل الجماعات الترابية بمقتضى مناشير وزارية فهو بالتأكيد فاق;;د ألي س;;ند ق;;انوني ويض;;رب في‬
‫الصميم مبدأ التدبير الحر‪.‬‬
‫تبع;;ا لم;;ا س;;لف وبغض النظ;;ر عم قانوني;;ة اللج;;وء أص;;ال لممارس;;ة الس;;لطة التنظيمي;;ة لل;;وزراء في عالقتهم‬ ‫–‬
‫بالجماع;;ات الترابي;;ة‪ ،‬ف;;إن مض;;امين ع;;دد من ه;;ذه الق;;رارات والمراس;;يم التنظيمي;;ة تعطي اإلدارة من خالله;;ا لنفس;;ها‬
‫صالحيات ال تراعي روح الدستور والقانون التنظيمي وال ت;;راعي مب;;دأ الت;;دبير الح;;ر‪ .‬وال يتس;;ع المج;;ال ل;;ذكر أمثلته;;ا‬
‫الكثيرة في هذه الورقة‪.‬‬
‫في عدد كبير من الحاالت يتم إحداث شركات التنمية التابعة للجماعات الترابي;;ة بمب;;ادرة من ال;;والة والعم;;ال‬ ‫–‬
‫ويسندون ألنفسهم رئاسة مجاس;ها اإلداري;ة‪ ،‬وه;و م;ا يعت;بر إخالال واض;حا بمقتض;يات مب;دأ الت;دبير الح;ر‪ ،‬ب;ل وروح‬
‫ومنطوق القوانين التنظيمية‪ ،‬باعتبار هذه األخيرة هي التي تنظم ه;;ذه الش;;ركات وتجعله;;ا من أدوات اش;;تغال الجماع;;ات‬
‫الترابية‪ ،‬وبالتالي فالطبيعي والمنطقي أن تكون تابع;;ة له;;ا بش;;كل رئيس وأن تك;;ون مس;;ؤولة بش;;كل مباش;;ر عن ت;;دبيرها‬
‫بغض النظر عن مساهمات باقي الشركاء في رأسمالها‪.‬‬
‫نصت القوانين التنظيمية على أن دع;;وة مس;;ؤولي اإلدارات والمؤسس;;ات العمومي;;ة على المس;;توى ال;;ترابي‬ ‫–‬
‫لل;;دورات يك;;ون تحت إش;;راف ال;;والي أو العام;;ل‪ ،‬وه;;و أم;;ر مقص;;ود من;;ه ض;;مان حضورهمـ باعتب;;ار أهمي;;ة دورات‬
‫المجالس‪ ،‬وذلك باعتبار الوالي والعامل دستوريا لهم صالحية تنسيق المصالح الخارجية للدول;;ة‪ ،‬غ;;ير أن هن;;اك نزوع;;ا‬
‫لدى عدد من ال;;والة والعم;;ال إلى تعميم األم;;ر على جمي;;ع المراس;;الت المتبادل;;ة بين الجماع;;ات الترابي;;ة واإلدارات في‬
‫تجاوز لمقتضيات القوانين التنظيمية‪ ،‬بل األدهى استغالل األمر لممارسة وصاية ورقابة خ;;ارج الض;;وابط والمقتض;;يات‬
‫المنصوص عليها في القوانين التنظيمية على عمل الجماعات الترابية‪ ،‬تف;رغ ه;ذه الق;وانين من مض;;مونها وتمس بش;كل‬
‫فاحش بمبدأ التدبير الحر‪.‬‬

‫خالصات‬ ‫‪.4‬‬
‫إن موضوع مبدأ التدبير الحر يتجاوز أن يكون موضوع مقتضيات قانونية وفصول ومواد‪ ،‬بل هو يش;;كل ص;;لب ره;;ان‬
‫ترسيخ الديموقراطية المحلية في بلدنا‪ ،‬وهو ما يجعله يشكل موضوع مقاومات لهذا السبب‪.‬‬
‫ولكن ليس ذلك فقط‪ ،‬بل إنه يواجه مقاومة‪ ،‬تكاد تكون طبيعية‪ ،‬مرتبطة بمحاولة مختلف الف;اعلين األخ;رين الحف;اظ على‬
‫ما كان لديهم من سلطة سواء كانت مستندة للمقتضيات القانونية السابقة أو لما ترسخ من ممارسات‪.‬‬
‫بل في أحايين كثيرة يساهم بعض المنتخبين في المس بهذا المبدأ استصحابا منهم هم كذلك للممارسات المتوارثة‪.‬‬
‫من هنا الحاجة لالتفاق على قراءة موحدة لمفهوم التدبير الحر وإلى استراتيجية عمل‪ ،‬إصالح القوانين ومراجعة طريقة‬
‫التشريع والتنظيم‪ ،‬ليسا إال أحد مكوناتها‪.‬‬
‫كما أن هناك حاجة ماسة للتركيز على وج;;وب اس;;تكمال الترس;;انة القانوني;;ة للجماع;ات الترابي;;ة بمراجع;;ة ك;;ل الق;وانين‬
‫السابقة‪ ،‬خاصة تلك المتعلقة بالتدبير المالي للجماعات الترابية‪ ،‬وقانون الوظيفة العامة الترابية مع العم;;ل على تفص;;يلها‬
‫إلى اقصى حد ممكن‪ ،‬وتقييد اللجوء للنصوص التنظيمية‪.‬‬

You might also like