You are on page 1of 70

‫تقديم‬

‫ﲜﲝﲞﲟ‬

‫الصلوات والتَّسليمات على س ِّيد الكائنات‬ ‫ُ‬


‫وأفضل َّ‬ ‫رب العالمين‬
‫الحمدُ هلل ِّ‬
‫س ِّيدنا وموالنا محمد ﷺ الذي أرسله اهلل تعالى ل ُيخرج النَّاس من ال ُّظلمات إلى‬
‫ٍ‬
‫صراط مستقم‪ ،‬وعلى آله وأصحابه و َمن تبِعه إلى يوم‬ ‫النُّور بإذن ر ِّبهم ويهديهم إلى‬
‫الدَّ ين‪ ،‬رضوان اهلل تعالى عليهم أجمعين‪ ،‬أ َّما بعدُ ‪:‬‬
‫الوهاب َّية»‬ ‫ِ‬
‫فمن دواعي ُسرورنا أن نضع بين يدي القارئ رسالة «إبطال مذهب َّ‬
‫ابي أمير الدِّ رعية‬ ‫المناظر جماع َة علماء عبد العزيز َّ‬
‫الوه ِّ‬ ‫للقاضي علي زاده محمد ُ‬
‫تال المسلمين وأموالهم‬ ‫والمستبِيح ِق َ‬
‫الخارج على الدَّ ولة اإلسالم َّية ال ُع ْثمان َّية ‪ُ ،‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وأعراضهم‪.‬‬
‫الرسالة لم ُتنْشر إلى يومنا هذا‪ ،‬فيما أعلم‪ ،‬وهذا في الحقيقة هو الذي‬
‫وهذه ِّ‬
‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫بحسب ُوسعي وطاقتي؛ إذ هي ٌ‬
‫دليل‬ ‫النص ال َق ِّي ِم ْ‬
‫حملني على إخراج هذا ِّ‬
‫أن ال ُع ْثمان ِّيين ـ أسال َفنا ـ زم َن فتنة الخوارج الوهاب َّية وطغيانهم وعصيانهم‪،‬‬
‫على َّ‬

‫ٍ‬
‫بإعجاب عن اهتمام السالطين‬ ‫والمؤرخ المشهور عبد الرحمن الجبرتي رحمه اهلل يتك َّلم‬
‫ِّ‬ ‫((( ‬
‫والسنن المحمد َّية وتعظيم العلماء‪ ،‬وأهل الدين‪،‬‬
‫العثمانية‪« :‬بإقامة الشعائر اإلسالم َّية‪ُّ ،‬‬
‫فتحصنت‬
‫َّ‬ ‫والتمسك في األحكام والوقائع بالقوانين والشرائع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وخدمة الحرمين الشريفين‪،‬‬
‫دولتهم وطالت مدَّ تهم‪ ،‬وهابتهم الملوك وانقاد لهم الممالك والمملوك»‪« .‬عجائب اآلثار»‬
‫(‪.)38 /1‬‬
‫‪6‬‬

‫ٍ‬
‫بمحضر‬ ‫لم يجتنبوا مناظرة الوهاب َّية؛ بل ناظروهم وجادلوهم بالعلم والحكمة‬
‫من أعيان العلماء رجا َء أنَّهم يرجعون عن عقيدتهم الزائغة وما أحدثوا من البدع‬
‫ِ‬
‫والضاللة‪ ،‬ولكنَّهم لألسف الشديد مثل َس َلفهم الخوارج الطاغية ُّ‬
‫أصروا على‬
‫ِ‬
‫وفسادهم‪.‬‬ ‫الخروج(‪ )1‬والضاللة ولم يرجعوا ُّ‬
‫قط عن ُب ْغيهم‬ ‫ُ‬

‫علي كرم اهلل وجهه وعن غيره أنَّه حمل قوله تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ‬
‫وصح عن س ِّيدنا ٍّ‬
‫َّ‬
‫[الكهف‪:‬‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬
‫تمردين المك ِّفرين لأل َّمة ُ‬
‫المحمد َّية‪.‬‬ ‫الم ِّ‬
‫‪ ]103‬على الخوارج ُ‬
‫الوهاب َّية هم خوارج العصر بال ِم ْر َي ٍة‪ ،‬ف ُقدوتهم‬ ‫ِ‬ ‫وال يخفى َّ‬
‫أن هؤالء الطائفة َّ‬
‫النجدي الذي يك ِّفر األ َّمة المحمد َّية مثل أسالفه الخوارج‪ ،‬حتَّى‬
‫ُّ‬ ‫الوهاب‬
‫اب ُن عبد َّ‬
‫أن بعض‬‫قت َّ‬
‫نصه‪« :‬فإذا تح َّق َ‬ ‫الصحابة كفروا‪ ،‬وهو يقول ما ُّ‬ ‫بأن بعض َّ‬ ‫يصرح َّ‬
‫إنَّه ِّ‬
‫ٍ‬
‫كلمة قالوها على وجه‬ ‫الروم مع الرسول ﷺ كفروا بسبب‬ ‫الصحابة الذين غزوا َّ‬ ‫َّ‬
‫أن الذي يتك َّلم بالكفر أو يعمل به خوف ًا من نقص ٍ‬
‫مال‪ ،‬أو‬ ‫لك َّ‬ ‫المزح واللعب‪ ،‬تب َّين َ‬
‫ممن يتك َّلم بكلمة يمزح بها»‪ .‬اﻫ(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أعظم َّ‬
‫ُ‬ ‫ألحد‪،‬‬ ‫جاه‪ ،‬أو مدارا ًة‬
‫فهذا الرجل ظ َّن َّ‬
‫أن الذين قال اهلل تعالى عنهم‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫وأصغر‬
‫ُ‬ ‫الصحابة‪ ،‬وقد ارتدُّ وا بكالمهم هذا!!‬
‫ﮗ﴾ [التوبة‪ ]66 :‬ظ َّن أنَّهم من َّ‬

‫ووالة أمورنا وإن جاروا‪ ،‬وال‬


‫أئمتنا‪ُ ،‬‬
‫الطحاوي رحمه اهلل‪ :‬وال نرى الخروج على َّ‬‫ُّ‬ ‫((( قال اإلمام‬
‫عز َّ‬
‫وجل فريض ًة‬ ‫ندعو على ٍ‬
‫أحد منهم‪ ،‬وال َنن ِْزع يد ًا من طاعتهم‪ ،‬ونرى طاعتهم من طاعة اهلل َّ‬
‫الغنيمي رحمه اهلل شارح ًا‪ :‬ألنَّه قد ظهر الفسق‪ ،‬وانتشر‬ ‫ٍ‬
‫بمعصية‪ .‬قال َّ‬
‫العلمة‬ ‫ما لم يأمروا‬
‫ُّ‬
‫والسلف كانوا ينقادون لهم‪ ،‬ويقيمون‬
‫األئمة واألمرآء بعد الخلفاء الراشدين‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫الجور من‬
‫َ‬
‫الج َمع واألعياد بإذنهم‪« .‬شرح العقيدة الطحاوية» (ص‪.)124 :‬‬
‫ُ‬
‫((( «كشف ُّ‬
‫الشبهات» (‪.)56 /1‬‬
‫‪7‬‬ ‫تقديم‬

‫ِ‬
‫طالب عل ٍم يعلم َّ‬
‫أن المقصودين من اآلية هم بعض المنافقين‪ ،‬ال بعض الصحابة‪،‬‬
‫جمعون على ذلك(‪.)1‬‬‫والمفسرون م ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫أن هذا إضاف ًة إلى تكفيره لأل َّمة المحمد َّية يك ِّفر َ‬
‫بعض الفقهاء‬ ‫وأعجب منه َّ‬

‫رحمهم اهلل تعالى أيض ًا‪ ،‬فيقول بعد ما ذكر اآلية الكريمة‪﴿ :‬ﯘ ﯙ‬
‫واألئمة من بعده‬
‫َّ‬ ‫فسرها رسول اهلل‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [التوبة‪َّ :]31 :‬‬
‫سماه اهلل شرك ًا‪ ،‬واتِّخاذهم أرباب ًا‪ ،‬ال أعلم بين‬
‫تسمونه الفقه‪ ،‬وهو الذي َّ‬
‫بهذا الذي ُّ‬
‫المفسرين في ذلك اختالف ًا(‪.)2‬‬
‫ِّ‬
‫احتج بها الخصم عي َن َّ‬
‫الشرك!‬ ‫َّ‬ ‫كتب الفقه التي‬
‫نقول‪ :‬ليت شعري كيف تكون ُ‬
‫أن واحد ًا إذا قال آلخر‪« :‬يا‬
‫وكيف يتجاسر على التَّكفير بصريح العبارة؟ أليس يعلم َّ‬
‫فيمن ِقيلت‬
‫كافر‪ ،‬فهي إ َّما أن تكون صدق ًا َ‬
‫بالضرورة ٌ‬ ‫أن أحدهما َّ‬ ‫كافر»‪ ،‬فمعنى ذلك َّ‬
‫ممن قالها‪ ،‬فيكون قائ ُلها هو‬ ‫ِ‬
‫الكافر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫له‪ ،‬وإ َّما كذب ًا َّ‬
‫العلمة أحمد بن علي الق َّباني(‪)3‬إذ قال وهو يخا ُطبه‪ :‬فيا أ ُّيها‬
‫الشيخ َّ‬
‫فرحم اهلل َّ‬
‫جميع هذه األ َّمة‬
‫َ‬ ‫القطعي الذي ك َّف َ‬
‫رت‬ ‫ُّ‬ ‫الضالل ِ‬
‫واإلضالل‪ ،‬هذا الدَّ ليل‬ ‫المجتهدُ في َّ‬
‫الكذاب عندكم بِنَواحي‬ ‫أخذتَه من بقايا صح ِ‬
‫ف ُم َس ْي ِل َمة َّ‬ ‫وخواصها‪ ،‬هل ْ‬ ‫به‪ ،‬عوا ِّمها‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫قالت به علماؤنا(‪.)4‬‬
‫مما جاءت به شريعتُنا‪ ،‬وال ْ‬ ‫ال َيمامة؟! َوإِ َّل فهذا ليس َّ‬

‫((( راجع تعليق المح ِّقق عبد الرازق النقشبندي على «نحت حديد الباطل» (ص‪.)118 :‬‬
‫((( «الدُّ رر السن َّية» (‪.)59 /2‬‬
‫((( والق َّبانـي رحمـه اهلل مـن المعارضيـن األوائـل لدعـوة ابـن عبـد الوهـاب‪ ،‬وكان ح ًّيا سـنة‬
‫الشـيخ اإلمام البحـر الم َّطلع‬ ‫(‪1157‬ﻫ)‪ ،‬وقـد أثنـى عليـه َّ‬
‫العلمـة الحبيـب علوي بقولـه‪َّ :‬‬
‫علـى العلـوم‪ ،‬ال ُقـدوة أحمـد بن علـي القبانـي‪« .‬مصبـاح األنـام» (ص‪.)79 :‬‬
‫((( «كشف الحجاب» مخطوط (‪ 17‬ـ ب)‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫العلمة اب ُن عابدين‬ ‫ِ‬


‫الوقت تبع ًا للعلماء الكرام‪ ،‬فمنهم َّ‬ ‫خوارج‬ ‫وإنَّما وصفناهم‬
‫َ‬
‫رحمه اهلل تعالى حيث قال في ح ِّقهم‪ :‬فيكفي فيهم ـ أي‪ :‬تسميتهم والحكم عليهم‬
‫أنَّهم خوارج ـ اعتقا ُدهم ُك ْف َر َمن َخ َرجوا عليه‪ ،‬كما وقع في زماننا في أتْبا ِع عبد‬
‫مذهب‬‫ْتحلون ْ‬ ‫الوهاب الذين خرجوا من نَج ٍد وتغ َّلبوا على الحرمين‪ ،‬وكانوا ين ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وأن َمن خا َلف اعتقا َدهم مشركين‪،‬‬
‫الحنابلة‪ ،‬لكنَّهم اعتقدوا أنَّهم هم المسلمين‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫السنَّة وقت َْل علمائهم‪ ،‬حتَّى كسر اهلل تعالى شوكَتهم‬ ‫واستباحوا بذلك َ‬
‫قتل أهل ُّ‬
‫وخرب بالدهم‪ ،‬و َظ ِفر بهم عساكر المسلمين(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫الذهبي رحمه اهلل تعالى‪ :‬أعاذنا اهلل وإ َّياكم من‬
‫ُّ‬ ‫وفي الختام نقول كما قال اإلمام‬
‫رأي الخوارج ومن البدع‪.‬‬

‫(‪/3‬المحرم‪1439/‬ﻫ)‬

‫***‬

‫((( «ر ُّد المحتار» (‪ ،)400 /6‬فانظر إلى قول العلَّمة ابن عابدين رحمه اهلل تعالى‪« :‬واستباحوا‬
‫السنَّة‪ ،‬وانظر إلى قوله‪:‬‬
‫أن الوهاب َّية ليسوا من أهل ُّ‬ ‫قتل أهل السنة»‪ ،‬فهذا منه ٌ‬
‫دليل على َّ‬
‫«عساكر المسلمين»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ترجمة المؤلف‬

‫اسمه وكنيته ُ‬
‫وأ ْسرته‪:‬‬
‫نـور الديـن‪ ،‬واحـدٌ مـن ال ُقضـاة ِ‬
‫البارزين في‬ ‫هـو السـ ِّيد علـي َزا َده محمـد ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫الدَّ ولـة ال ُعثمان َّيـة‪ ،‬واشـت ُِهر بكُنيـة «علي زا َده» نسـب ًة إلى جـدِّ ه القاضي َّ‬
‫السـ ِّيد علي‬
‫ِ‬
‫الخاص والعـا ِّم بالعلم‬
‫ِّ‬ ‫ـي‪ ،‬وكان الجـدُّ َمعروفـ ًا ومشـهور ًا بيـن‬ ‫األر ِزنْجان ِّ‬
‫األ ْعـرج ْ‬
‫درسـ ًا وقاضيـ ًا‪ ،‬وولده‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفضـل والغنـى‪ ،‬وأبوه مصطفـى أ َفنْدي علـي زاده‪ ،‬كان ُم ِّ‬
‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫واألب واالبـن ت َْر َجم لهـم‬
‫ُ‬ ‫مدرسـ ًا‪ ،‬والجـدُّ‬
‫آسـاف مصطفـى أفنـدي كان ِّ‬
‫«سـجل ُعثمانـي» محمـد ُث َر َّيا‪.‬‬

‫أن لهم استعداد ًا‬


‫الموجزة‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ترجم‬ ‫واضح من ترجمة ُأ ْسرة ُ‬
‫الم َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫ويبدُ و‬
‫ِ‬
‫المشتمل على القضاء واإلفتاء خصوص ًا‪،‬‬ ‫خاص ًا بال ُعلوم الشرع َّية عموم ًا‪ ،‬والفقه‬
‫َّ‬
‫وأنَّهم على الظ ِّن الغالب من العلماء البارزين في زمنهم‪.‬‬

‫***‬

‫نفسـه‪ ،‬وأحمـد ِر ْف ْ‬
‫عت فـي « َد ْو َحـة النُّقباء»‬ ‫((( وصـف شـاني زاده فـي «تاريخـه» (‪َ )108 /2‬‬
‫بالسـيادة‪.‬‬
‫(ص‪ )94 :‬جـدَّ ه علـي األ ْعرج ِّ‬
‫‪10‬‬

‫وظائ ُفه َّ‬


‫الرسم َّية‪:‬‬

‫تو َّلى رحمه اهلل َّأوالً قضاء َسالنِ ْك ـ في ال ُيونان اليوم ـ ثم ُب ُروسا و َأ ِد ْرنَه‪،‬‬
‫والشام والقاهرة على التَّرتيب‪ ،‬وبهذا وصل إلى َمنْصب‬ ‫من بالد العاصمة سابق ًا‪َّ ،‬‬
‫« َم ْو َل ِو َّيت(‪ )1‬بالد الخمسة»‪ ،‬والمرا ُد من البالد الخمسة ما تقدَّ م من البالد المذكورة‪،‬‬
‫مناصب ال َقضاء عند ال ُعثمان ِّيين‪ ،‬وبالتَّالِي َّ‬
‫إن‬ ‫وأما «المو َلويت» وهي تُطلق على أعلى ِ‬
‫َ ْ َّ‬ ‫َّ‬
‫أفضل ال ُقضاة وأحسنُهم علم ًا وتجرب ًة ِ‬
‫ودراي ًة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أصحاب هذا َّ‬
‫الشأن‬

‫وبعد ذلك تو َّلى َقضاء مكَّة سنة (‪1210‬ﻫ)‪ ،‬ومن وظيفته هناك على ما أفاده‬
‫الشارح رحمه اهلل إصدار الحجاج وإمضاء الو ِ‬
‫ثائق‪.‬‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ ُ َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫ـزل مـن من ِْصبـه سـنة‬ ‫ثـم تن َّقـل قاضيـ ًا إلـى اسـتانبول سـنة (‪1215‬ﻫ)‪ ،‬و ُع ِ‬ ‫َّ‬
‫(قاضي ال َع ْسـكَر) في األناضول سـنة (‪1221‬ﻫ) وهو ِرئاسـة‬ ‫(‪1215‬ﻫ)‪ ،‬ثـم نُصـب ِ‬
‫َّ ِّ َ‬
‫ـزل مـن منصبـه سـنة (‪1223‬ﻫ)‪ ،‬ون ُِفـي إلـى بلـدة‬ ‫الم ْملكـة ال ُعثمان َّيـة‪ ،‬و ُع ِ‬
‫ُقضـاة َ‬
‫ب (قاضي العسـكر) في‬ ‫ِ‬
‫ـي ون ُِّص َ‬
‫الحجة ُعف َ‬
‫َّ‬ ‫السـنة في شـهر ذي‬ ‫ُوتاه َيـه‪ ،‬وفي نفس َّ‬‫ك ْ‬
‫ُروم إِ ِيلـي‪ ،‬وفي شـهر ربيـع اآلخر سـنة (‪1227‬ﻫ) ُع ِزل عـن منصبـه(‪ ،)2‬و ُأ ْجبِر على‬
‫ِ‬
‫اإلقامـة فـي بلد مانيسـيا إلـى أن تو ِّف َ‬
‫ـي رحمه اهلل في جمـادي اآلخر سـنة (‪1230‬ﻫ)‬
‫الموافـق سـنة (‪ 1815‬م)(‪.)3‬‬
‫ُ‬
‫***‬

‫مبسوطة‪ ،‬مثل ِ‬
‫«حك َْمت»‬ ‫ٍ‬ ‫((( «مولويت» ُتكْتب في الرسم اإلمالئي في اللغة العثمانية‪ٍ ،‬‬
‫بتاء‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ ِّ‬
‫«وفاة» «معافاة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«وفات» « ُمعافات»‪ ،‬واألصل فيها في اللغة العربية «حك َْمة» َ‬ ‫َ‬
‫(( ( للزيادة راجع «تاريخ شاني زاده» (‪.)108 /2‬‬
‫راجع «تاريخ عاصم أفندي» (‪ِ ،)52/1‬‬
‫و«س ِج ِّلي ُعثماني» محمد ُث َر َّيا (‪،)1268/4‬‬ ‫ِ‬ ‫((( ‬
‫و«موسوعة البروسا» (‪.)1267 /4‬‬
‫ُ‬ ‫(‪،)325/1( ،)305 /1( ،)1159/4‬‬
‫‪11‬‬ ‫ترجمة المؤلف‬

‫مكانته العلم َّية‪:‬‬


‫بالم ْولى َّ‬ ‫ِ‬
‫العلمة‪،‬‬ ‫كثير ال َّثناء عليه و َيصفه َ‬ ‫ارح عطا ُء اهلل محمد أفندي‬ ‫َّ‬
‫الش ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬
‫الفهامة‪ ،‬وهو يقول عنه بداي َة الشرح‪ :‬وجع ْل ُت ما جمعتُه هد َّي ًة‬ ‫المح ِّقق َّ‬
‫والح ْبر ُ‬
‫َ‬
‫أه ِدي له ما ُح ْز ُت من‬ ‫ِ‬
‫لمجلسه الكريم‪ ،‬وإنَّما ْ‬ ‫أه ِدي‬
‫الرسالة‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫صاحب ِّ‬ ‫إلى َم ْجلس‬
‫السحاب‪ ،‬وما له م ٌّن عليه؛ ألنَّه من مائه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فالبحر ُي ْمطره َّ‬
‫ُ‬ ‫َن ْعمائه‪،‬‬

‫السيد أحمد عاصم أفندي بقوله‪ُ :‬أسوة العلماء‬ ‫ِ‬


‫ووصفه ُمترجم «القاموس» َّ‬
‫المح ِّققين‪ ،‬و ُقدوة أصحاب الفضل واليقين(‪.)2‬‬

‫المؤرخ شاني زاده فيه‪ُ :‬قدرتُه العلم َّية ُم َس َّل َم ٌة‪ ،‬ال س َّيما في الفقه والفرائض‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وقال‬
‫وهو ُمشار إليه بال َبنان(‪.)3‬‬

‫((( هو عطا ُء اهلل محمد بن محمد شريف بن أسعد بن أبي إسحاق إسماعيل أ َفنْدي (ت‪:‬‬
‫‪1137‬ﻫ) بانِي جامع إسماعيل أفندي (آغا)‪ُ ،‬ولِد في إستانبول سنة (‪1173‬ﻫ) الموافق‬
‫محمد شريف‪ ،‬وأتَّم ِدراسته األولى‬ ‫َّ‬ ‫نشأ على طلب العلم فقرأ على والده‬ ‫لـ (‪1760‬م)‪َ ،‬‬
‫درس ًا وهو ابن اثني عشر عام ًا‪ ،‬و ُع ِّين قاضي ًا في مكَّة‬
‫ُوقادي‪ ،‬فصار ُم ِّ‬
‫ِّ‬ ‫في ُم ْصطفى أفندي الت‬
‫ثم تو َّلى من ِْصب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم في إستانبول‪ ،‬ونال ِرياسة نَقيب األشراف‪ْ ،‬‬
‫وأصبح قاض َي ال َع ْسكر‪َّ ،‬‬ ‫َّأوالً َّ‬
‫السلطان سليم الثالث القائل‬
‫أصدَ ر أثنا َء ذلك لفصل ُّ‬‫شيخ اإلسالم في الدولة العثمان َّية‪ ،‬وقد ْ‬
‫ـجبر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنِّظام الجديد فتواه المشهور‪« :‬كل سلطان يدخل نظامات اإلفرنج وعوائدهم و ُي ْ‬
‫يخة‬ ‫الرع َّية على اتِّباعها ال يكون صالح ًا للملك»‪ ،‬وصار هذا سبب ًا لعزله عن َمن ِْصب ْ‬
‫المش َ‬ ‫َّ‬
‫ُوزل ِحصار‪ ،‬ومرقدُ ه ُق ْر َب جامع ال َعتيق‪ ،‬وله من‬
‫بعد زمن‪ ،‬وتُو ِّفي سنة (‪1223‬ﻫ) في ك َ‬
‫تحتوي فتاواه‪ ،‬وله بعض التآليف األخرى‪.‬‬‫سمى بـ «فتاوى عطاء اهلل» ْ‬
‫الم َّ‬
‫التآليف فتاوى ُ‬
‫راجع «تاريخ شاني زاده» (‪ 66/2‬ـ ‪ِ ،)70‬‬
‫و«سج ِّلي ُعثماني» (‪.)335/1‬‬
‫((( «تاريخ عاصم أفندي» (‪.)52/1‬‬
‫((( «تاريخ شاني زاده» (‪.)108/2‬‬
‫‪12‬‬

‫الرسالة‪:‬‬
‫أهم َّية هذه ِّ‬
‫والرسالة ذات ِق ٍ‬
‫يمة رغم ِص َغ ِر حجمها من حيث إنَّها ت ِ‬
‫ُظه ُر المناظر َة الها َّمة‬ ‫ِّ‬
‫المستُورة المنس َّية‪ ،‬التي َج َر ْت بين ُمم ِّثل خالفة الدَّ ولة ال ُعثمان َّية‪ ،‬و ُم َّمثلو عبد العزيز‬
‫حرم المبارك سنة‬ ‫الوهابي(‪( )1‬ت ‪1218‬ﻫ)‪ ،‬زم َن والية َّ‬
‫الشريف غالب في واحد ُم َّ‬ ‫ِّ‬
‫(‪1210‬ﻫ)(‪.)2‬‬
‫السنَّة‪ ،‬والخوارج الوهاب َّية َع ْبر التَّاريخ معلو ٌم‪ ،‬فقد‬ ‫وو ُقوع ُ‬
‫المناظرة بين أهل ُّ‬
‫المؤرخ والفقيه المشهور أحمد جودت باشا في «تاريخه»‪َّ :‬‬
‫أن الدولة العل َّية‬ ‫ِّ‬ ‫حكى‬
‫ٍ‬
‫مناظرة مع‬ ‫المدرسين آدم أفندي؛ ألجل‬ ‫العثمان َّية سنة (‪1218‬ﻫ) أرسلت من كبار‬
‫ِّ‬
‫الوهاب َّية‪ ،‬وحصل َب ْينَه وبين سعود بن عبد العزيز مناظر ٌة قصير ٌة في الخيمة ومعه‬
‫جماع ٌة من الناس(‪.)3‬‬
‫تتضمن ُصورة المناظرة التي َج َر ْت‬ ‫ِ‬
‫مستق َّل ٌة‬ ‫ولكن لم ُتنْشر ـ فيما أعلم ـ رسال ٌة‬
‫َّ‬
‫تعتبر رسال ُة علي زاده هذه‬
‫َ‬ ‫الضاللة الوهاب َّية؛ ولذا ينبغي أن‬
‫بين ال ُعثماني َّين وأهل َّ‬
‫فريد ًة في بابها(‪.)4‬‬

‫محمد بن سعود‪ ،‬من أمراء آل سعود في دولتهم األولى‪ ،‬واعترف محمود‬


‫((( هو عبد العزيز بن َّ‬
‫الرجل بقوله‪« :‬وأذعنت‬
‫شكري اآللوسي السلفي في «تاريخ نجد» (ص‪ )98 :‬بجرائم هذا َّ‬
‫السلطان‪،‬‬
‫الحج‪ ،‬وخرج على ُّ‬
‫ِّ‬ ‫له صناديد العرب‪ ،‬وذ َّلت له رؤساؤهم‪ ،‬بيد أنَّه منع الناس عن‬
‫وغالى في تكفير َمن خالفهم‪ ،‬وشدَّ د في بعض األحكام»‪ .‬اﻫ‪ .‬اغتاله ٌ‬
‫رجل من أهل العماد َّية‬
‫في جامع الدرع َّية‪ ،‬وهلك‪.‬‬
‫((( «تاريخ عاصم أفندي» (‪.)52/1‬‬
‫((( «تاريخ جودت» (‪ 210/7‬ـ ‪.)212‬‬
‫((( حتَّى قال ُمح ِّقق ًا‪« :‬الرد على الوهابية في القرن التاسع عشر» (ص‪ :)28 :‬ال يوجد على حدِّ‬
‫الردود»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫تركي ضمن بواكير ُّ‬
‫ٍّ‬ ‫أي ر ٍّد فقهي‬
‫علمنا ُّ‬
‫‪13‬‬ ‫ترجمة المؤلف‬

‫وأهميتهـا ُم ْج ِم ً‬
‫لا‬ ‫ِّ‬ ‫يتحـدَّ ث َّ‬
‫الشـارح عطـا ُء اهلل أفنـدي عـن هـذه المناظـرة‬
‫الموافق سـنة‬ ‫ُ‬
‫فيقـول رحمـه اهلل‪ :‬وذلـك كان في سـنة عشـرة ومئتيـن وألـف‪ ،‬وهو ُ‬
‫الرسـالة ـ حرسـه وأبقاه ـ قاضيـ ًا ببلد اهلل الحرام‪،‬‬ ‫صاحب ِّ‬
‫ُ‬ ‫(‪1796‬م)‪ ،‬وكان إذ ذاك‬
‫مجلس فـي َم ْح َض ٍر من‬
‫ٌ‬ ‫فأرسـل عبـدُ العزيـز المذكـور جماعتَه مـن علمائه‪ ،‬و ُع ِقـد‬
‫المباحثـة عـن ُشـ َبههم الفاسـدة‪ ،‬وب َّين فسـا َد‬
‫علمـاء مكَّـة فأجـاب حفظـه اهلل عنـد ُ‬
‫األجوبـ َة إلـى عبـد العزيز‪ ،‬ولكنَّـه أعرض عـن قبول‬ ‫ِ‬
‫ثـم كتـب ْ‬ ‫أقوالهـم الكاسـدة‪َّ ،‬‬
‫الحـق‪ ،‬وبقي فـي ضاللـه القديم(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫مناظـرة بعدهـا سـنة (‪1211‬ﻫ)‪،‬‬ ‫هـذا‪ ،‬وبعـض مصـارد الوهاب َّيـة تشـير إلـى‬
‫ليناظر‬
‫َ‬ ‫يبعث إليـه عالمـ ًا‬
‫الشـريف غالـب من عبـد العزيـز أن َ‬
‫فهـم يقولـون‪ :‬طلـب َّ‬
‫الشـريف من أرباب‬ ‫الشـريف غالب علمـا َء الحرم َّ‬ ‫الشـريف‪ ،‬فجمع َّ‬ ‫علمـاء الحـرم َّ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‬ ‫المذاهـب األربعـة مـا عدا الحنابلـة‪َ ،‬ف َو َق َع ْ‬
‫ـت بين علماء الحـرم ـ ومقدِّ ُمهـم‬
‫الش ُ‬
‫ـيخ عبـد الملـك القلعـي الحنفـي ـ وبيـن َح َمـدْ بـن ناصـر مناظر ٌة‬ ‫فـي الـكالم َّ‬
‫ٍ‬
‫وبمشـهد عظي ٍم‬ ‫الشـريف غالب‪،‬‬ ‫مجالـس عديدة‪ ،‬بحضـرة والي مكَّـة َّ‬ ‫عظيمـ ٌة فـي‬
‫َ‬
‫أن َحمـد بـن ناصـر َغ َل َ‬
‫ـب‪ ،‬وقالـوا‪ :‬فقـد سـألهم ثلاث‬ ‫مـن أهـل مكَّـة‪ ،‬وزعمـوا َّ‬
‫َ‬
‫مسائل ‪.‬‬

‫الصالحين؟‬
‫األولى‪ :‬ما قولكم فيمن دعا نب ًّيا أو ول ًّيا أو غيرهم من َّ‬
‫يصل‪ ،‬ولم ُي ِّ‬
‫زك‪ ،‬هل يكون مؤمن ًا؟‬ ‫الثانية‪َ :‬من قال‪ :‬ال إله إال اهلل ولم ِّ‬

‫الثالثة‪ :‬هل يجوز البناء على ال ُقبور؟‬

‫((( «شرح رسالة رد الوهابي» (‪ 1‬ـ ب)‪ ،‬وراجع أيض ًا «تاريخ عاصم أفندي» (‪.)52 /1‬‬
‫‪14‬‬

‫فيدَّ عون َّ‬


‫أن علما َء الحرم عكسوا هذه األسئلة على َح َمد المذكور‪ ،‬فأجاب هذا‬
‫الموجهة إليه(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫الوهابي على هذه األسئلة‬
‫ُّ‬
‫الرسالة أيض ًا‪ ،‬ومؤ ِّل ُفنا علي‬ ‫وهذه األسئلة التي تقدَّ مت‪ ،‬هي أصول مسائل هذه ِّ‬
‫والحجج‬
‫ُ‬ ‫زاده محمد رحمه اهلل ُي ِجيب عن هذه األسئلة بالدالئل العقل َّية والنقل َّية‪،‬‬
‫الباهرة‪.‬‬

‫***‬

‫((( راجع «مشاهير علماء نجد» (ص‪.)203 :‬‬


‫ِّ‬ ‫َّ َّ‬
‫ابتداء فتنة الوهابية إلى زمن المؤلف‬

‫ألف ٍ‬‫سس الوهابية محمد بن عبد الوهاب النَّجدي كان سنة ٍ‬


‫ومئة‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مؤس ِ َّ َّ‬ ‫و ُظهور ِّ‬
‫وثالث وأربعين‪ ،‬واشتهر أمره بعد الخمسين‪َ ،‬‬
‫فأخذ ُيذيع عقيد ًة جديد ًة في دين‬ ‫ٍ‬

‫محمد بن سعود أمير الدِّ رعية‪ ،‬فحمل‬ ‫ٍ‬


‫اإلسالم بنجد‪ ،،‬وقام بنصره وإظهار عقيدته َّ‬
‫كثير من الناس‪ ،‬وعاش‬‫قليل ٌ‬ ‫أه َلها على متابعة ابن عبد الوهاب‪ ،‬حتَّى اتَّبعه بعد ٍ‬
‫زمن ٍ‬
‫وه َل َك سنة (‪1206‬ﻫ)‪.‬‬ ‫عمر ًا طوي ً‬
‫ال حتَّى بلغ عمره اثنتين وتسعين سنة‪َ ،‬‬
‫المؤرخ والفقيه المشهور أحمد جودت باشا في «تاريخه» انتشار حركة‬ ‫ِّ‬ ‫وع َّلق‬
‫تأخ ُر قتال الدولة العل َّية العثمان َّية طائف َة‬
‫أهمها ُّ‬ ‫ٍ‬
‫بسرعة‪ ،‬على ٍ‬
‫أمور‪ُّ :‬‬ ‫الوهاب َّية السياس َّية‬
‫لخصه‪ :‬وكأ ِّين من علماء اإلسالم انتقدوا وأ َّلفوا عديد ًا من‬
‫الوهاب َّية‪ ،‬فقال فيه ما ُم َّ‬
‫كل هذه المساعي الحميدة لألسف‬ ‫الكتب ر ًّدا على مزاعم ابن عبد الوهاب‪ ،‬ولكن ُّ‬
‫ِ‬
‫قضاة العسكر العاجزين في‬ ‫الوهاب َّية‪ ،‬ومن ههنا فمحاول ُة‬
‫انتشار حركة َّ‬
‫َ‬ ‫لم تمنع‬
‫الدولة العلية العثمانية سنة (‪1217‬ﻫ) أن يرسلوا واحد ًا من العلماء(‪ )1‬إلى ٍ‬
‫نجد حتَّى‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫(( ( قال عنه أحمد جودت باشا‪« :‬اجتمع قضاة العسكر وأهل الشورى في بيت الفتوى بأمر‬
‫الوهاب َّية‪ ،‬هل هو في الحقيقة عداوة للشريف غالب‬
‫السلطان سليم الثالث؛ لتحقيق شغب َّ‬
‫أو هو يهدف إضالل الخلق وإفسادهم؟ وقال قاضي العسكر شمس الدين أفندي في هذا‬
‫عظيم؛ لقهر هؤالء األشقياء‪ ،‬وأ َّما أهل الشورى فلم يوافقوا‬
‫ٌ‬ ‫جهز ٌ‬
‫جيش‬ ‫االجتماع‪ :‬ال بدَّ من أن ُي َّ‬
‫عليه؛ بل أجمعوا أن يرسلوا آدم أفندي من كبار العلماء ليناظر الوهاب َّية بالمباحثة العلم َّية»‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫األمر إلى ما وصل محاول ٌة فاشل ٌة‪ ،‬نعم‬


‫يلزم النجد ِّيين بالمباحثة العلم َّية بعدما وصل ُ‬
‫نفع لو كان قبل ستِّين سنة‪ ،‬وأ َّما بعد وصول األمر إلى هذا الحدِّ الرهيب فال يكفي‬
‫له ٌ‬
‫والسالح‪ ،‬حتَّى‬ ‫القلم وال ِّلسان فقط؛ بل ال بدَّ أيض ًا من استعمال السيف ِّ‬
‫والسنان ِّ‬
‫َ‬
‫يحصل األم ُن والصالح(‪.)1‬‬

‫أخذ أموال الناس بطريق النَّهب‬ ‫ولما كان ُ‬ ‫ِ‬


‫ومنها‪ :‬فسا ُد مزاجهم‪ ،‬حيث قال فيه‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫وانتشار‬ ‫الئم لمزاج األعراب في بالد ٍ‬
‫نجد كان هذا سبب ًا ُم َي ِّسر ًا َلر َواج حركتهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُم ٌ‬
‫دعوتهم ومذهبهم بين الناس(‪.)2‬‬

‫***‬

‫((( «تاريخ جودت» (‪.)201 /7‬‬


‫((( «تاريخ جودت» (‪ ،)182/7‬و(‪.)124/6‬‬
‫‪17‬‬ ‫ابتداء فتنة الوهابية‬

‫سبب ضاللته‪:‬‬
‫سبب ضاللِه وإضالله‪:‬‬
‫والمح ِّققون من أهل العلم قد ب َّينوا َ‬
‫منهم‪ :‬إبراهيم فصيح صاحب « ُعنوان المجد» إذ قال‪« :‬إنَّه كان في ِصغره‬
‫ِ‬
‫مطالعة الكتب بدون‬ ‫المطالعة لكتب التفسير والحديث والعقائد‪ ،‬وأظ ُّن كثر َة‬ ‫كثير ُ‬
‫َ‬
‫التعصب الذي شاع عنه؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫سبب‬ ‫ِ‬
‫واألخذ عنهم‪ ،‬هو‬ ‫ِ‬
‫مراجعة العلماء األساتيذ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ومخالفة الجمهور‪،‬‬ ‫الـمهالِك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫العلم بالتل ِّقي‪،‬‬
‫واالستقالل في الرأي ُي ْوق ُع في َ‬
‫وخرق اإلجماع»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬

‫َّصف بخصلتين من‬ ‫ومنهم‪َّ :‬‬


‫العلمة أحمد الق َّباني رحمه اهلل حيث قال‪« :‬إنَّه مت ٌ‬
‫الر ِديء»‪ ،‬فيقول‬
‫أصول الكفر والبِدَ ع‪ ،‬األولى‪ :‬الجهل المركَّب‪ ،‬والثانية‪ :‬التقليد َّ‬
‫وهو يخاطبه‪« :‬أ َّما كونُك متَّصف ًا بالجهل المركَّب فهو أوضح من النهار وليس ُّ‬
‫يصح‬
‫النهار إلى ِ‬
‫دليل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫في األفهام شي ٌء إذا احتاج‬
‫الـر ِديء‪ ،‬فمـن المعلـوم الـذي ال ِم ْر َيـة فيـه أنَّك‬
‫وأ َّمـا كونُـك متَّصفـ ًا بالتَّقليـد َّ‬
‫بمخلوق مي ٍ‬
‫ٍ‬
‫غائـب‪َّ ،‬إل‬ ‫ـت أو‬ ‫ٍ ِّ‬ ‫ق َّلـدت ابـ َن تَيم َّيـة فـي عدم جـواز التشـ ُّفع واالسـتغاثة‬
‫ِ‬
‫واالسـتغاثة كفـر ًا قاطع ًا لإلسلام(‪ ،)2‬وأنـت تَبِ ْعتَه في‬ ‫التوس ِ‬
‫ـل‬ ‫أنَّـك زدت عليه بكون ُّ‬
‫مقالتـه هـذه وغيرها‪ ،‬حتَّـى ا َّدعيت االجتها َد المطلـق كما ا َّدعـى‪ ،‬وكان اجتها ُدك عي َن‬
‫الرياسـة‬
‫ب ِّ‬‫وح ِّ‬‫التَّقليـد لـه من حيـث ال تشـعر؛ لغلبة هـوى النفس األ َّمـارة بالسـوء‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫والح ِم َّيـة‬
‫ملتفـت إلى أقوال‬ ‫والتعصـب في متابعته على قوله الفاسـد‪ ،‬غير‬
‫ُّ‬ ‫وال ُّظهـور‪َ ،‬‬
‫علماء هـذه األ َّمة بأسـرها‪.‬‬

‫((( «عنوان المجد» (ص‪.)231 :‬‬


‫ٍ‬
‫رسالة‬ ‫السيد الفاضل العلَّمة داود بن سليمان النقشيندي رحمه اهلل في‬
‫((( وقد ر َّد عليه في ذلك َّ‬
‫سماها‪« :‬صلح اإلخوان من أهل اإليمان وبيان الدين في تبرئة ابن تيمية وابن الق ِّيم»‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪18‬‬

‫َ‬
‫الرجل إلى‬ ‫صت‪ ،‬هل سبق هذا‬‫وتفح َ‬
‫َّ‬ ‫لت‬
‫لنظرت وتأ َّم َ‬
‫َ‬ ‫الر ِدي ُء‬
‫ولوال التقليد َّ‬
‫المقتَدَ ى بهم في‬ ‫ِ‬
‫والمتوسل برسول اهلل ﷺ أحدٌ من العلماء ُ‬
‫ِّ‬ ‫القول بكفر المستغيث‬
‫أمور الدِّ ين(‪)1‬؟‬

‫اليماني‪ ،‬صاحب «سبل السالم» (ت‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫محمد بن إسماعيل‪ ،‬األمير‬ ‫َّ‬ ‫ومنهم‪:‬‬
‫وس ْف ِك الدماء‪،‬‬
‫المحمد َّية َ‬
‫َّ‬ ‫لما بلغه ما عليه اب ُن عبد الوهاب من إ ْك َفار األ َّمة‬
‫‪1182‬ﻫ) َّ‬
‫وسمى كتابه‪« :‬إرشاد ذوي األلباب إلى‬ ‫ب األموال‪ ،‬رجع عن تأييده‪ ،‬ور َّد عليه َّ‬ ‫ون َْه ِ‬
‫حقيقة أقوال ابن عبد الوهاب»‪ ،‬ومن جملة ما قال هنا‪ :‬فرأينا أحوا َله ـ أي‪ :‬ابن عبد‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫الشريعة شطر ًا‪ ،‬ولم ُي ْمعن الن َ‬
‫َّظر‪ ،‬وال قرأ على‬ ‫ف من َّ‬ ‫رجل َع َر َ‬ ‫أحوال‬ ‫الوهاب ـ‬
‫طالع بعض ًا من‬
‫َ‬ ‫نهج الهداية‪ ،‬ويد َّله على العلوم النافعة‪ ،‬ويف ِّق َهه فيها‪ ،‬بل‬
‫َمن يهديه َ‬
‫الشيخ أبي الع َّباس ابن تَيم َّية‪ ،‬ومؤ َّلفات تلميذه ابن ال َق ِّيم الجوز َّية‪ ،‬وق َّلدهما‬
‫مؤ َّلفات َّ‬
‫يحرمان التَّقليد(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫من غير إتقان‪ ،‬مع أنَّهما ِّ‬
‫***‬

‫((( «كشف الحجاب» (‪ 16‬ـ ب)‪.‬‬


‫«الس ُحب الوابلة» (ص‪:‬‬
‫محمد بن عبد اهلل النَّجدي في ُّ‬
‫َّ‬ ‫((( «أبجد العلوم» (‪ ،)197 /3‬قال‬
‫متأخر ًا‪ ،‬كائن ًا َمن كان‪،‬‬
‫يلتفت؛ أي‪ :‬ابن عبد الوهاب‪ ،‬إلى كالم عال ٍم‪ ،‬متقدِّ م ًا أو ِّ‬
‫ُ‬ ‫‪« :)275‬وال‬
‫نص ًا ال يقبل التأويل‪.‬‬
‫تقي الدين ابن تيم َّية‪ ،‬وتلميذه ابن الق ِّيم‪ ،‬فإنَّه يرى كال َمهما ّ‬ ‫غير َّ‬
‫الشيخ ِّ‬ ‫َ‬
‫‪19‬‬ ‫ابتداء فتنة الوهابية‬

‫ن َْش ُر دعوتِه الباطلة‪:‬‬


‫الشريف مسعود ثالثين رج ً‬
‫ال‬ ‫الحج أرسل إلى شريف مكَّة َّ‬
‫ِّ‬ ‫أشهر‬
‫ُ‬ ‫ولما ُقربت‬
‫َّ‬
‫حج بيت اهلل الكريم‪ ،‬ظنًّا منهم أنَّهم‬
‫من قومه ل َيعرضوا عليه مذه َبه‪ ،‬وليستأذنوا له في ِّ‬
‫ِ‬
‫وفساد‬ ‫يفسدون علماء الحرمين‪ ،‬وكان أهل الحرمين يسمعون بظهورهم في الشرق‬
‫الشريف مسعود أن ُيناظِر علما ُء الحرمين العلما َء الذين بعثوهم‪،‬‬
‫عقيدتهم‪ ،‬فأمر َّ‬
‫تمسكوا به‪ ،‬فإذا هي مشتمل ٌة على ٍ‬
‫كثير من المك ِّفرات‪،‬‬ ‫فناظروهم في عقائدهم وما َّ‬
‫ريف مسعود‬
‫الش ُ‬‫الح َج َج والبراهين التي عجزوا عن دفعها‪ ،‬أمر َّ‬‫فبعد أن أقاموا عليهم ُ‬
‫ِ‬
‫واآلخر‪ ،‬فأمر بسجن‬ ‫األو ُل‬ ‫يكتب ُح َّج ًة بكفرهم الظاهر؛‬ ‫قاضي َّ‬
‫ليعلم به َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الشرع أن‬
‫الملحدة‪.‬‬
‫أولئك ُ‬
‫الشريف مسعود‪ ،‬وأقيم بعده أخوه َّ‬
‫الشريف مساعد بن سعيد‪،‬‬ ‫ومضت دولة َّ‬
‫مضت دولته وتو َّلى إمار َة مكَّة‬
‫ْ‬ ‫فلما‬
‫الحج‪ ،‬فامتنع من اإلذن لهم‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫فأرسلو له أيض ًا في‬
‫أمير الدِّ رع َّية جماع ًة من علمائهم إلى مكَّة‪،‬‬
‫ريف أحمد بن سعيد‪ ،‬أرسل ُ‬ ‫أخوه َّ‬
‫الش ُ‬
‫كما أرسل في المدَّ ة السابقة‪ ،‬فأمر العلما َء أن يختبروهم فاختبروهم‪ ،‬فوجدوهم ال‬
‫الحج بعد أن ثبت عند العلماء أنَّهم‬
‫ِّ‬ ‫يأذن لهم في‬ ‫يتد َّينون َّإل بدين َّ‬
‫الزنادقة‪ ،‬فأبى أن َ‬
‫ثم انت ُِز َعت إمار ُة م َّك َة منه‪َّ ،‬‬
‫ثم تو َّلى أخوه الشريف سرور بن مساعد‪ ،‬فأرسلوا‬ ‫ك َّف ٌار‪َّ ،‬‬
‫الحج‪ ،‬فأجابهم بأنَّه يأذن لهم على َشريطة أن يأخدَ منهم َ‬
‫مثل‬ ‫ِّ‬ ‫في مدَّ ته يستأذنون في‬
‫وأخ ُذ منهم زياد ًة على ذلك مئ ًة من الخيل ِ‬
‫الـجياد‪ ،‬ف َع ُظم‬ ‫ما يأخذه من األعاجم‪َ ،‬‬
‫عليهم تسليم هذا المقدار‪.‬‬

‫***‬
‫‪20‬‬

‫المحاربات والغزوات‪:‬‬
‫ٍ‬
‫خمس‬ ‫الشريف غالب سنة‬ ‫الشريف سرور‪ ،‬تو َّلى إمارة مكَّة أخوه َّ‬‫فلما تو ِّفي َّ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫وقت ذاك من ق َب ِل ُّ‬
‫السلطان سليم الثالث‪ ،‬فاستاذنوه‬ ‫ومئتين وألف‪ ،‬وكان هو النَّائب َ‬
‫في الحج فأبى‪ ،‬وتهدَّ دهم بالركوب عليهم‪ ،‬فجهز عليهم جيش ًا في سنة ٍ‬
‫ألف ومئتين‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫خمس عشرة واقعة(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫فاستمرت إلى سنة (‪1213‬ﻫ) وحصل في أثنائها‬
‫َّ‬ ‫وخمسة‪،‬‬

‫الناس‪ ،‬و ُي َجدِّ دون لهم‬


‫َ‬ ‫وفي سنة (‪1218‬ﻫ) دخلوا مكَّة‪ ،‬وصاروا يستَتِيبون‬
‫كالتوسل باألنبياء‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫شرك‪،‬‬ ‫اإلسالم على زعمهم‪ ،‬ويمنعون َمن فعل ما يعتقدون أنَّه‬
‫والصالحين‪ ،‬وهدموا ِ‬
‫القباب التي كانت على ُقبور األولياء‪ ،‬وساروا إلى ُجدَّ ة طالبين‬ ‫َّ‬
‫ثم ارتحلوا إلى َّ‬
‫الشرق‪،‬‬ ‫يتيسر لهم ُ‬
‫أخذها‪َّ ،‬‬ ‫غالب‪ ،‬وحاصروها أ َّيام ًا فلم َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الشريف‬
‫الحرب مع الوهاب ِّيين إلى شهر ذي القعدة‬
‫َ‬ ‫الشريف غالب إلى م َّك َة‪ ،‬واستأنف‬
‫فعاد َّ‬
‫الصلح بينه وبينهم؛ لشدَّ ة ما حصل من المضايقة‬
‫ُ‬ ‫سنة (‪1220‬ﻫ)‪ ،‬وفيها انعقد‬
‫ٍ‬
‫ناحية‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫الجالب عنهم من ِّ‬ ‫الشديدة‪ ،‬و َق ْط ِع‬
‫وقال الشوكاني فلما استولى صاحب ٍ‬
‫نجد على م َّك َة والمدينة تابعه َّ‬
‫الشريف‬ ‫ُّ َّ‬
‫واستمر نائب ًا له منذ دخول جيوشه مكَّة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫غالب‪ ،‬ودخل تحت أمره ونهيه‪،‬‬

‫ريف َّإل مسالمتُهم والدخول في‬ ‫المؤرخ الجبرتي فهو يقول‪ :‬لم يسع َّ‬
‫الش َ‬ ‫ِّ‬ ‫وأ َّما‬
‫محمد الع َّباس حلمي باشا في «الرحلة الحجاز َّية»‪« :‬كان‬
‫َّ‬ ‫طاعتهم‪ ،‬ويؤ ِّيده ما قاله‬
‫لشرهم‪ ،‬ويتظاهر لهم بما يوافق مذه َبهم»‪.‬‬
‫الوهاب ِّيين اتِّقا ًء ِّ‬ ‫َّ‬
‫الشريف غالب ُيمالئ َّ‬
‫وفـي سـنة (‪1221‬ﻫ) انتهبـوا وأخـذوا مـا فـي الحجـرة َّ‬
‫الشـريفة مـن جميـع‬

‫الوهاب َّية نفسها‪ ،‬فهذا ابن غنَّام يذكر في تاريخه‬


‫الوهاب َّية للدماء موجو ٌد في مصادر َّ‬ ‫((( َّ‬
‫إن سفك َّ‬
‫السنة غزا المسلمون الك َّفار»!‪.‬‬ ‫أكثر من (‪ )300‬غزوة‪ُّ ،‬‬
‫كل تعبيراته تقول‪« :‬وفي هذه َّ‬
‫‪21‬‬ ‫ابتداء فتنة الوهابية‬

‫ٍ‬
‫بثمـن‪ ،‬وطـردوا قاضـي مكَّـة والمدينـة(‪.)1‬‬ ‫جوهـرات‪ ،‬وكانـت ال تُقـدَّ ر‬
‫الم َ‬
‫ُ‬
‫مصر َّ‬
‫والشام‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الح َّجاج‪ ،‬وأهل مكَّة إلى‬‫السنة حضر جماع ٌة من ُ‬ ‫ففي تلك َّ‬
‫وتوجهوا إلى دار السلطنة‬
‫َّ‬ ‫الوهاب َّية من كثرة القتل والن َّْهب‪،‬‬
‫وأخبروا بما وقع لهم من َّ‬
‫السلطان محمود رحمه اهلل‬ ‫شرهم‪ ،‬فأصدر موالنا ُّ‬‫بالسلطان المع َّظم من ِّ‬
‫يستغيثون ُّ‬
‫الجيوش‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فجه َز عليهم ُ‬
‫محمد علي باشا بقتالهم‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫أمره للورزير بمصر المحروسة‬ ‫َ‬
‫الشيخ‬‫وج َع َل أمير ًا ـ ب َف ْرمان سلطاني ـ ولدَ ه طوسون باشا‪ ،‬وجعل معه من العلماء َّ‬
‫َ‬
‫محشي «الدُّ ر المختار»‪ ،‬وقات َلهم حتَّى أخرجهم‬
‫والسيد أحمد ال َّط ْحطاوي ِّ‬
‫المهدي‪َّ ،‬‬
‫الجيوش المصر َّية إلى قتالهم في ديارهم‪ ،‬وسار مع بعض‬‫َ‬ ‫ثم بعث‬‫من الحرمين‪َّ ،‬‬
‫ولما وصلت البشائر إلى مصر‬ ‫ٍ‬
‫الجيوش حتَّى استأصلهم سنة ألف ومئتين وعشرين‪َّ ،‬‬
‫محمد علي باشا‬
‫المنورة وجدَّ ة ومكَّة‪ ،‬أمر َّ‬
‫َّ‬ ‫باستيالء العساكر المصر َّية على المدينة‬
‫مبشر ًا إلى الحضرة السلطان َّية بهذا الفتح المبين‪،‬‬
‫بتزيين القاهرة خمس َة أ َّيا ٍم‪ ،‬وأرسل ِّ‬
‫فكان ذلك يوم ًا مشهود ًا في استانبول‪.‬‬
‫الشريف‬‫محمد علي باشا على َّ‬
‫َّ‬ ‫وفي سنة تس ٍع وعشرين ومئتين وألف َق َب َض‬
‫مصر‪ ،‬ومنها إلى سالنِيك‪،‬‬
‫ثم أرسله مع أوالده إلى َ‬ ‫غالب وأوالده مع جميع أمالكه‪َّ ،‬‬
‫حسب األوامر‬
‫َ‬ ‫الشريف غالب‪،‬‬ ‫الشريف َيح َيى بن سرور وهو ابن أخي َّ‬‫وو َّلى مكانَه َّ‬
‫السلطان محمود الثاني إلى والي مكَّة الجديد‬
‫نص خطاب ُّ‬
‫السلطان َّية‪ ،‬كما يفهم من ِّ‬
‫ُّ‬
‫لطاني‬
‫ِّ‬ ‫الشريف يحيى بن سرور‪ ،‬وقد جاء فيه قوله‪ :‬أصبح معلوم ًا لدى جانبنا ُّ‬
‫الس‬ ‫َّ‬
‫ريف غالب بن مساعد قد َس َل َك مسلك ًا ُيخالِف‬ ‫السابق‪َّ ،‬‬
‫الش َ‬ ‫بأن َس َل َفكُم َ‬
‫أمير مكَّة َّ‬ ‫َّ‬
‫خاص ٍة عدم وقوفه ضدَّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وبصورة‬ ‫ُمقتض َيات اإلمارة‪ ،‬إضاف ًة إلى طمعه وتَقا ُع ِسه‪،‬‬
‫الخارجين (الوهابيين)(‪.)2‬‬

‫(( ( للزيادة راجع «تاريخ جودت» (‪ ،)123/8‬و« عيون اآلثار في تراجم األخبار» (‪.)596 /3‬‬
‫نقال عن «أشراف مكة» (ص‪.)199 :‬‬ ‫((( «خروج الوهابية على الخالفة العثمانية» (ص‪ً )37 :‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫وصف النسخ الخطية‬

‫النص على مخطوطتين‪:‬‬


‫اعتمدنا في إخراج هذا ِّ‬

‫المر ُمـوزة بــ (أ) مـن مح ُفوظـات مكتبـة ُّ‬


‫السـليمان َّية‪ ،‬قسـم‬ ‫األولـى‪ :‬وهـي َ‬
‫بغدادلـي وهبـي‪ ،‬ذات الرقـم (‪ ،)2504‬وقـد اعتمدناها أصلاً؛ لكونهـا مخطوط ًة‬
‫ِ‬
‫كاملـ ًة‪ ،‬وهـي مقابلـ ٌة‪ ،‬وتقع ض ْمـن َم ْجموع‪ ،‬وتبدأ ِّ‬
‫الرسـالة من الورقـة [‪ ]1‬وتنتهي‬
‫إلى الورقـة [‪.]19‬‬

‫الرسالة‬
‫مجرد ِّ‬
‫محمد أفندي‪ ،‬أ َّما َّ‬
‫َّ‬ ‫الرسالة ِض ْم َن شرح عطاء اهلل‬
‫نص ِّ‬
‫ولكن ُّ‬
‫فبحثت عنها في مكتبات استانبول فلم أجد لها سبيالً‪.‬‬
‫ِ‬
‫الرسالة تسمية‬ ‫الرسالة إلى ال ُّلغة العثمانية قد َّ‬
‫سمى شرح هذه ِّ‬ ‫و ُمترجم هذه ِّ‬
‫الوهاب َّية» كما سيجيء‪.‬‬
‫الرد على الخوارج َّ‬
‫كاملة بـ«األجوبة الهادية في َّ‬
‫يلتبس أحدُ هما باآلخر بعالمة «قال»‬
‫َ‬ ‫الشرح عن الرسالة؛ َّ‬
‫لئل‬ ‫والشارح م َّيز َّ‬
‫َّ‬
‫كل موض ٍع عبار َة‬ ‫فكتبت في ِّ‬
‫ُ‬ ‫للشرح‪ ،‬وفي اعتنائه ذلك يقول‪:‬‬ ‫للمتن‪ ،‬وبـ«أقول» َّ‬
‫ثم أتبعتُها بكلماتِي َصون ًا لها عن أن َّ‬
‫يختل ُحسن نظامها‪ .‬اﻫ‪.‬‬ ‫الرسالة بتمامها‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫الرسالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫جم َعه من شرح ِّ‬
‫رت ْ‬ ‫حر ُ‬
‫وتَنتهي هذه المخطوطة بقوله‪( :‬هذه آخر ما َّ‬
‫السلطنة السنِ َّية‪ ،‬والحمدُ هلل على‬
‫محمد عطاء اهلل النَّقيب بدار َّ‬
‫َّ‬ ‫السيد‬
‫وأنا الفقير َّ‬
‫محمد خير األنام‪ ،‬وعلى آله وصحبِه ال َب َررة‬
‫َّ‬ ‫والسالم على س ِّيدنا‬‫والصالة َّ‬‫َّ‬ ‫التَّمام‪،‬‬
‫‪23‬‬ ‫وصف النسخ الخطية‬

‫أضعف ِ‬
‫العباد صدقي زاده أحمد رشيد‪َ ،‬عفا اهلل تعالى عنهما آمين‪ ،‬يا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكرام‪ ،‬ن ََم َقه‬
‫الـمقابلة)‪.‬‬
‫(تم ُ‬‫ُمعين)‪ .‬اﻫ‪ .‬وجاء في الحاشية اليسرى‪َّ :‬‬
‫الشرح ت َْرجم ٌة ُعثمان َّي ٌة‪ ،‬اسمها «ترجمة األجوبة الهادية في َّ‬
‫الرد‬ ‫و ُيوجد لهذا َّ‬
‫على الخوارج الوهابية»‪ ،‬ولها نُسخ ٌة محفوظ ٌة في مكتبة جامعة استانبول ِ‬
‫تحمل‬ ‫َّ‬
‫محمد عارف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مدرس زاده َّ‬ ‫الرقم (‪ ،)5865‬والمترجم‪ِّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ذات الرقم (‪ ،)5866‬المر ُموزة‬ ‫الثانية‪ :‬من َم ْحفوظات مكتبة جامعة استانبول‪ُ ،‬‬
‫بـ(ت)‪ ،‬وتقع هذه المخطوطة في (‪ )38‬ورقة‪ ،‬وهي ِض ْمن َّ‬
‫الشرح‪ ،‬ولكن ُم ِّي َزت‬
‫محمد عطاء اهلل أفندي‪ ،‬ولم ُيذكَر‬
‫بالخط األحمر عن شرح َّ‬ ‫ِّ‬ ‫رسال ُة علي زاده َّ‬
‫محمد‬
‫في النُّسخة اسم م ِ‬
‫ترجم هذا الشرح‪ ،‬وال النَّاسخ وال تاريخ النَّسخ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫َّصرف في ترتيب هذه المخطوطة‪،‬‬ ‫ونص الناسخ على وجود بعض التغيير والت ُّ‬ ‫َّ‬
‫وإصالح‬ ‫ٍ‬
‫فائدة‪،‬‬ ‫اإلطناب بال‬ ‫السؤال خالف ًا ألصلها‪ ،‬وت َْر ُك‬ ‫وهو ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عقيب ُّ‬
‫َ‬ ‫إتيان الجواب‬
‫الم ِّخل بالمعنى(‪.)1‬‬
‫اإليجاز ُ‬
‫سجل هذه‬ ‫نقطة‪ ،‬وهي َّ ِ‬
‫ٍ‬
‫أن موق َع جامعة استانبول َّ‬ ‫و َي ْح ُسن أن ُننَ ِّبه هنا على‬
‫النُّسخة بعنوان‪« :‬تقويم التعديل» ً‬
‫خطأ‪.‬‬
‫***‬
‫اسم الرسالة‪:‬‬
‫الوهاب َّية» ُّ‬
‫يدل عليه ما ذكره شاني‬ ‫اسم هذه الرسالة‪« :‬رسال ٌة في إبطال مذهب َّ‬
‫زاده في «تاريخه»‪ ،‬ومحمد طاهر أفندي في «عثمانلي مؤلفلري» يعني‪ :‬المؤ ِّل َفين‬
‫سجل في الورقة‬
‫العثمانيين‪ ،‬عند ترجمتهما للشارح عطاء اهلل أفندي‪ ،‬ويؤ ِّيد هذا ما ِّ‬

‫((( الورقة (‪ :3‬ب)‪.‬‬


‫‪24‬‬

‫العثماني‪( :‬اشبو مجموعه نك إيلك رساله سي‬


‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بالخط‬ ‫األولى من الجهة اليمنى‬
‫وأو ُل الرسالة من هذه المجموعة في مذهب‬
‫مذهب وهابي يه دائردر) معناه‪َّ :‬‬
‫وو َر َد في الورقة األولى من الجهة‬
‫الوهاب َّية‪ ،‬وإن لم يوجد هناك كلمة «إبطال»‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫وغالب الظ ِّن َّ‬
‫أن هذا تسمية على‬ ‫ُ‬ ‫الوهابي)‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اليسرى عبارة ما يلي‪( :‬شرح رسالة ر ِّد‬
‫ِ‬
‫الختصار‪ .‬واهلل أعلم بحقيقة الحال‪.‬‬

‫***‬

‫الرسالة‪:‬‬
‫نسبة ِّ‬
‫المؤر ُخ عاصم أفندي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الرسالة إلى المؤ ِّلف صحيح ٌة‪ ،‬قد َّ‬
‫صرح بذلك‬ ‫إن نسب َة ِّ‬
‫َّ‬
‫والمؤرخ شاني زاده‪،‬‬ ‫مفصالً‪،‬‬ ‫َ‬
‫أصول هذه المناظرة َّ‬ ‫ِ‬
‫مترجم «القاموس»‪ ،‬وقد ب َّين‬
‫ِّ‬
‫نص على‬ ‫ومحمد طاهر عند ذكرهما ترجمة َّ‬
‫الشارح محمد عطاء اهلل أفندي‪ ،‬وكذا َّ‬
‫الناسخ في مخطوطة (ت)‪ ،‬ويبدو هذا األمر من ال َّلوحة األولى من الجهة‬
‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫اليسرى من األصل أيض ًا‪.‬‬

‫***‬
‫عملي في التحقيق‪:‬‬
‫قمت بنسخ المخطوط ِ‬
‫معتمد ًا على نسخة (أ)‪.‬‬ ‫‪1‬ـ ُ‬
‫المهمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فروق النسخ‬ ‫أثبت‬
‫‪ 2‬ـ ُّ‬
‫ذكرت بعض ًا من شرح ِّ‬
‫الرسالة في التعليق‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬ـ‬
‫النص‪.‬‬
‫قمت بتخريج اآليات في ِّ‬
‫‪4‬ـ ُ‬
‫قمت بعزو األحاديث إلى الكتب الحديثية‪.‬‬
‫‪5‬ـ ُ‬
‫***‬
‫ﲜﲝﲞﲟ‬

‫والسلام علـى رسـوله الهـادي‬


‫والصلا ُة َّ‬
‫َّ‬ ‫الحمـدُ هلل ذي ال َف ْضـل العظيـم‪،‬‬
‫الكريـم‪ ،‬وآلـه وأصحابـه الفائزيـن بأحسـن تقويـم‪.‬‬

‫الوهابي‪ ،‬صاحـب الدِّ رع َّية‪،‬‬ ‫ِ‬


‫جماعـة عبد العزيـز‬ ‫ِ‬
‫رسـالة‬ ‫وبعـد‪ :‬فهـذه ُخالص ُة‬
‫ِّ‬
‫والفروع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األصـول الدين َّيـة‪،‬‬ ‫حسـ َبما تسـتدعيه‬
‫الــمرسلة إليهم‪ْ ،‬‬
‫ـب األجوبة ُ‬ ‫و ُمن َ‬
‫ْتخ ُ‬
‫الشرع َّية‪.‬‬

‫ـف فرو ُعهـا علـى عشـرين‪ ،‬وأصو ُلهـا‬ ‫َ‬


‫مسـائل تُن ِّي ُ‬ ‫الرسـالة‬
‫ذكـروا فـي تلـك ِّ‬
‫َ‬
‫مسـائل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثلاث‬ ‫تنْحصـر فـي‬

‫***‬
‫‪26‬‬

‫[المسألة األولى]‬

‫إن َمن ترك فريض ًة‬


‫الشرعي‪ ،‬حتَّى َّ‬
‫ِّ‬ ‫المعت َبر‬ ‫َ‬
‫العمل جز ٌء من اإليمان ُ‬ ‫األولى‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حالل‬ ‫ال ال إنكار ًا‪ ،‬فهو ٌ‬
‫كافر!(‪،)1‬‬ ‫حول‪ ،‬تكاس ً‬ ‫وزكاة‬ ‫وقت من األوقات‪،‬‬ ‫كصالة‬
‫المال والدَّ م‪ ،‬ونقلوها من ابن تيم َّية(‪ .)2‬و َع َز ْوها إلى اإلمام أحمد بن حنبل(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واستد ُّلوا عليها بظواهر النُّصوص‪ ،‬وف ْع ِل َّ‬
‫الصحابة رضوان اهلل تعالى على‬
‫جميع اآلل واألصحاب‪.‬‬
‫ُ‬
‫دخول الجنَّة بالعمل‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫منها‪ :‬اآليات التي ُع ِّلق فيها‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [لقمان‪.]8 :‬‬

‫(( ( بل ذكر الشوكاني في «البدر الطالع» (‪ :)6/2‬ومن جملة ما يبلغنا عن صاحب نجد ـ أي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جماعة‪.‬‬ ‫سفك د ِم َمن لم يحضر الصال َة في‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫يستحل‬ ‫سعود بن عبد العزيز ـ أنَّه‬
‫بكي رحمه اهلل في «فتاواه» (‪ )210/2‬يقول في ح ِّقه‪« :‬وهذا الرجل ُ‬
‫كنت ر َد ْد ُت‬ ‫الس ُّ‬
‫((( اإلمام ُّ‬
‫وقوع الطالق إذا حلف‬
‫َ‬ ‫السفر لزيارة المصطفى ﷺ‪ ،‬وفي إنكاره‬
‫َ‬ ‫عليه في حياته في إنكاره‬
‫ممن ُيعتمد عليه في ٍ‬
‫نقل ينفرد به؛ لمسارعته إلى‬ ‫ثم ظهر لي من حاله ما يقتضي أنَّه ليس َّ‬ ‫به‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وخروجه عن الحدِّ جد ًا‪ ،‬وهو‬ ‫بحث ُينشئه؛ لخلطه المقصود بغيره‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النقل لفهمه‪ ،‬وال في‬
‫بشيخ‪ ،‬ولم يرتض في العلوم‪ ،‬بل يأخذها بذهنه مع‬ ‫ٍ‬ ‫كان مكثر ًا من الحفظ‪ ،‬ولم َّ‬
‫يتهذب‬
‫اإلعراض عن النظر في‬
‫َ‬ ‫ثم بلغني من حاله ما يقتضي‬ ‫ب ٍ‬
‫كثير‪َّ ،‬‬ ‫جسارته واتساع خياله‪ ،‬وش َغ ٍ‬
‫وحبِ َس بإجماع المسلمين‪،‬‬ ‫كالمه جمل ًة‪ ،‬وكان ُ‬
‫الناس في حياته ا ْبتُلوا بالكالم معه للر ِّد عليه‪ُ ،‬‬
‫ثم مات»‪.‬‬
‫ووالة األمور على ذلك َّ‬
‫السنَّة‪ ،‬وال‬
‫اإلئمة‪ ،‬و ُمقتَدى أهل ُّ‬
‫الشارح‪« :‬هو ـ أي أحمد بن حنبل ـ رضي اهلل عنه إما ُم َّ‬ ‫((( قال َّ‬
‫ألن أقواله مض ُبوط ٌة من ُقول ٌة في الكتب‬
‫أصل له؛ َّ‬ ‫كذ ٌب ال َ‬‫أن نسبة هذا القول إليه ِ‬
‫شك في َّ‬ ‫َّ‬
‫المدونة في مذهبِه‪ ،‬وأصحا ُبه أعرف بأقوالِه من غيرهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪27‬‬ ‫المسألة األولى‬

‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬


‫ﯤ﴾ [السجدة‪ ،]19 :‬وغيرهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫دخول الجنَّة‪ ،‬وقد جعله اهلل تعالى‬ ‫ِ‬
‫المذكور‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫وجه ِالستدالل‪َّ :‬‬
‫أن ثمر َة‬
‫ُ‬
‫العمل جز ٌء منه‪.‬‬ ‫ثمر َة اإليمان الذي‬

‫بأن اآليات المذكور َة دا َّل ٌة على نقيض مدَّ عاهم‪،‬‬


‫عارض ُة المشهور ُة القائل ُة َّ‬
‫والـم َ‬
‫ُ‬
‫بنا ًء على اقتضاء العطف للتَّغاير(‪ )1‬مدفوع ٌة‪ ،‬بأن ُيقال‪ُ :‬‬
‫كون العمل جز ًءا منه لم ُيعلم‬
‫فصرح بالعمل الذي هو جزؤه إيذان ًا واهتمام ًا بشأنه(‪ ،)2‬وعطف ًا‬ ‫َق ْب َل ُو ُرود َّ‬
‫الشرع‪َّ ،‬‬

‫عارضناهم ـ أي‪ :‬الوهاب َّية ـ َّ‬


‫بأن‬ ‫ْ‬ ‫((( وجه المعارض ُة مذكور في ن ُْسخة (ت) ونصها هو‪َّ :‬‬
‫(ثم‬
‫اآليات المذكور َة دا َّل ٌة على نِقيض ُمدَّ عاهم بنا ًء على اقتضاء العطف للتغاير‪ ،‬فإن د َفعوا‬
‫الجزء‪،‬‬ ‫ف الجزء على ِّ‬
‫الكل اهتمام ًا لشأن ُ‬ ‫عطف العمل على اإليمان ع ْط َ‬ ‫ُ‬ ‫بجواز أن يكون‬
‫ِ‬
‫الصلوات في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫كما ُعطف‪﴿ :‬ﭔ ﭕ﴾ على َّ‬
‫صحة‬ ‫كاف في‬‫الكل والجزء وبين العام والخاص‪ٍ ،‬‬ ‫والتغاير بين ِّ‬ ‫ﭔ ﭕ﴾‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫دخول العمل في اإليمان قطع ًا‪ ،‬كما ُع ِلم‬
‫ُ‬ ‫يجوز هذا العطف إذا ُع ِلم‬
‫ُ‬ ‫العطف‪ ،‬قلنا‪ :‬إنَّما‬
‫وألن األصل عد ُم الدخول َّإل مجاز ًا‪ ،‬فال تترك‬
‫َّ‬ ‫الصالة الوسطى في الصلوات‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫دخول َّ‬
‫الحقيقة َّإل للضرورة)‪.‬‬
‫ُ‬
‫كـون العمـل جـز ًءا مـن اإليمان‪،‬‬ ‫الشـارح‪( :‬أرادوا بهـذا أنَّـه ُع ِلـم بعـد ورود َّ‬
‫الشـرع‬ ‫((( قـال َّ‬
‫ٍ‬
‫شـيء‬ ‫وألي‬ ‫دليل ُع ِلـم هذا‪،‬‬
‫بـأي ٍ‬ ‫بدليـل غيـر هـذه اآليات‪ ،‬فأجـاب عنهـا َّ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫الشـارح بقوله‪ِّ :‬‬
‫كل واحـدة منهـا أن تكـون دلي ً‬
‫ال‬ ‫لـم َي ْذكُـروا ذلـك الدليـل‪ ،‬وذكـروا اآليـات التـي تصلـح ُّ‬
‫لنقيـض مدَّ عاهـم‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫صرحوا‬
‫ال لهم؛ ألنَّهم َّ‬ ‫ٌ‬
‫وعمل فال يقوم دلي ً‬ ‫أن اإليمان ٌ‬
‫قول‬ ‫وأ َّما ما ذهب إليه أهل الحديث من َّ‬ ‫ ‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫بأن تارك العمل مؤم ٌن‪ .‬قال الفرهاري رحمه اهلل في «النبراس» (ص‪ :)543 :‬وكان‬ ‫َّ‬
‫صاحب «الصحيح» رحمه اهلل يبالغ في َّ‬
‫أن العمل من اإليمان حتَّى قال‪ :‬كتبت الحديث عن‬
‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫وعمل‪ ،‬ومع ذلك قال في قوله‬ ‫عمن قال‪ :‬اإليمان ٌ‬
‫قول‬ ‫ألف وثمانين نفس ًا‪ ،‬ولم أكتب َّإل َّ‬
‫‪28‬‬

‫الوسطى في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫الصال ُة ُ‬


‫عليه كما ُعطفت َّ‬
‫صحة العطف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫والكل كاف في َّ‬ ‫َّغاير بين الجزء‬
‫ﭕ﴾ [البقرة‪ ،]238 :‬والت ُ‬
‫منهـا‪ :‬مـا رواه َّ‬
‫الشـيخان عـن ُعبـاد َة بن الصامـت رضـي اهلل عنه أنَّه قـال‪ :‬قال‬
‫محمـد ًا عبدُ ه‬
‫وأن َّ‬ ‫ـن ِ‬
‫شـهد أن ال إلـه َّإل اهللُ وحده ال شـريك لـه‪َّ ،‬‬ ‫«م ْ‬
‫رسـول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫وروح منـه‪ ،‬والجنَّ ُة‬
‫ٌ‬ ‫وأن عيسـى عبدُ اهلل ورسـو ُله وكلمتُـه ألقاها إلى مريم‬
‫ورسـوله‪َّ ،‬‬
‫حـق‪ ،‬أدخلـه اهللُ الجنَّة علـى ما كان مـن العمل»(‪.)1‬‬
‫حـق‪ ،‬والنَّار ٌّ‬
‫ٌّ‬
‫جرد التَّصديق‪.‬‬
‫ظاهر‪ ،‬حيث كان اإلدخال بنا ًء على العمل‪ ،‬ال ُم َّ‬
‫ٌ‬ ‫وج ُه االستدالل‬

‫الصدِّ يق األكبر رضي اهلل عنه مانِعي َّ‬


‫الزكاة بعد وفاة رسول اهلل‬ ‫ومنها‪ُ :‬مقاتل ُة ِّ‬
‫الزكاة كافر ًا‬ ‫ﷺ‪ ،‬و ُمقاتل ُة َمن معه من األصحاب رضي اهلل عنهم‪ ،‬فلو لم يكن ُ‬
‫مانع َّ‬
‫صح َق ْت ُله(‪.)2‬‬
‫بمنعه إ َّياها َلما َّ‬
‫***‬

‫مؤمن»‪ ،‬ال يكون هذا مؤمن ًا تا ّم ًا‪ ،‬وال‬


‫ٌ‬ ‫عليه الصالة والسالم‪« :‬ال يزني الزاني حين يزني وهو‬
‫يكون له نور اإليمان»‪.‬‬
‫«الصحيح» (‪.)46‬‬
‫ومسلم في َّ‬
‫ٌ‬ ‫«الصحيح» (‪،)3435‬‬
‫خاري في َّ‬
‫ُّ‬ ‫أخرجه ال ُب‬
‫َ‬ ‫((( ‬
‫ممنوع أال ترى َّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫صح قت ُله»‬
‫مانع الزكاة كافر ًا َلما َّ‬
‫(وقولهم‪« :‬ولو لم يكن ُ‬
‫ُ‬ ‫((( قال َّ‬
‫الشارح‪:‬‬
‫بنص الكتاب مع عدم تكفيرهم باالتِّفاق في المذاهب األربعة)‪.‬‬
‫ثابت َّ‬
‫فرض ٌ‬
‫ُمقاتلة ال ُبغاة ٌ‬
‫‪29‬‬ ‫المسألة الثانية‬

‫[المسألة الثانية]‬
‫أحد ِ‬
‫غيـر اهلل تعالى اسـتمداد ًا واستشـفاع ًا‪ ،‬كما‬ ‫يجـوز دعـاء ٍ‬ ‫ الثانيـة‪ :‬أنَّـه ال‬
‫ُ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫جوب‬
‫الــم ْح َ‬
‫يخ َ‬ ‫والش َ‬
‫اس رضي اهلل عنهما‪َّ ،‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬واب َن ع َّب ٍ‬
‫َ‬ ‫يد ُعو ُ‬
‫أهل مكَّة‬
‫رسـول اهلل(‪ ،)2‬ويا ابـ َن ع َّب ٍ‬
‫ـاس‪ ،‬ويا محجـوب)‪ ،‬و َمن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المدفـون هنـاك‪ ،‬بقولهـم‪( :‬يـا‬
‫غيـر اهلل تعالى كما يد ُعـو َ‬
‫أهل م َّك َة فهو‬ ‫ُ‬
‫رسـول اهلل‪ ،‬ويد ُعو َ‬ ‫قـال‪ :‬ال إلـه َّإل اهلل َّ‬
‫محمد‬
‫ُ‬
‫حالل المـال والدَّ م‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كافـر‬
‫ٌ‬

‫الموسوي‪َّ :‬‬
‫أن في سنة أربع وثمانين‬ ‫َ‬ ‫الشارح‪ُ ( :‬ذ ِكر في «تاريخ ُّ‬
‫الشرفا» البن ح ْيدر‬ ‫((( قال َّ‬
‫السيد عبد الرحمن المحجوب‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫والمعارف‪َّ ،‬‬ ‫الجليل َع َلم العلوم‬
‫ُ‬ ‫السيد‬
‫وألف‪ ،‬تُوفي َّ‬
‫تبرك به‪.‬‬ ‫مدفون بم َّك َة‪ُ ،‬‬
‫وقبره ُيزار و ُي َّ‬ ‫ٌ‬
‫بنـص كتـاب اهلل‪ ،‬منهـا قوله تعالـى‪﴿ :‬ﮔﮕ‬ ‫شـك َّ‬
‫أن ُّ‬
‫الشـهدا َء أحيـا ٌء فـي قبورهـم ِّ‬ ‫(( ( ال َّ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ﴾ [آل عمـران‪ ،]169 :‬قـال المح ِّق ُ‬
‫ـق ابـ ُن‬
‫كمـال باشـا في تفسـير هذه اآليـة‪« :‬نفى عنهـم المـوت َّأوالً بطريق أبلغ‪ ،‬حيث نهـى عن ظ ِّن‬
‫ٍ‬
‫داللة‬ ‫فـأي‬
‫ثـم أكَّـد بإثبات مـا به بقـا ُء الحيـاة وهو الـرزق‪ُّ ،‬‬
‫ثـم أثبـت كونَهـم أحيـاء‪َّ ،‬‬
‫ذلـك‪َّ ،‬‬
‫أوضـح من ذلـك؟» اﻫ‪.‬‬
‫«الشهادة حاصل ٌة له ﷺ على ِّ‬
‫أتم‬ ‫خاوي رحمه اهلل في «القول البديع» (ص‪َّ :)351 :‬‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫وقال َّ‬ ‫ ‬
‫ٍ‬
‫مسعود وغيرهما رضي اهلل عنهم أنَّه‬ ‫صرح ابن ع َّب ٍ‬
‫اس وابن‬ ‫الوجوه؛ ألنَّه شهيد ُّ‬
‫الشهداء‪ ،‬وقد َّ‬
‫ﷺ مات شهيد ًا‪ » .‬اﻫ‪.‬‬
‫الحي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الحي‬
‫ُّ‬ ‫النبي ﷺ من قبره كما ينادي‬
‫ُّ‬ ‫بأس بأن ينا َدى‬
‫فإذا علمت حياة الك َُّمل فال َ‬ ‫ ‬
‫حال‬‫كبار من ح َّفاظ السنَّة َ‬
‫النبي ﷺ ٌ‬ ‫الحي‪ ،‬ولذا نادى َّ‬
‫ِّ‬ ‫الحي من‬‫ُّ‬ ‫و ُيست ََمدَّ منه كما َيستمدُّ‬
‫والسخاوي‬
‫ُّ‬ ‫الذهبي‬
‫ُّ‬ ‫الجوع‪ ،‬وهم ابن المقرئ‪ ،‬وال َّطبري‪ ،‬وأبو الشيخ على ما ذكره اإلمام‬
‫الشفاعة‪.‬‬ ‫حي في قبره‪َّ ،‬‬
‫وأن له َّ‬ ‫وغيرهما؛ لعلمهم أنَّه ُّ‬
‫الطحاوي رحمه اهلل‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫أن أهل القبلة ال ُت َك َّفر‪ ،‬قال اإلمام‬ ‫خالف ما أجمع عليه ُ‬
‫أهل السنَّة من َّ‬ ‫ُ‬ ‫(( ( هذا‬
‫‪30‬‬

‫واسـتد َّلوا عليهـا بظواهـر النُّصوص أيضـ ًا‪ ،‬منها قولـه تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [الجـن‪ ،]18 :‬فقـد نهـى عـن أن ُي ِ‬
‫شـر َك بـه أحـدٌ فـي الدُّ عاء‪،‬‬
‫فمـن لم ُيوجد‬
‫فرض‪ ،‬وجـز ٌء من اإليمان‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وترك الحـرام ٌ‬ ‫الحرمـة‪،‬‬
‫والنهـي يقتضـي ُ‬
‫ُ‬
‫غيـر اهلل معتقد ًا إباحـ َة دعائه‪.‬‬
‫فيـه التَّـرك كان كافـر ًا‪ ،‬وال سـ َّيما إذا دعا َ‬
‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ثم العبادةَ‪،‬‬ ‫فذكَر الدَّ عا َء َّأوالً َّ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [غافر‪َ ،]60 :‬‬
‫باألول أن ُيرا َد بالعبادة الدَّ عا ُء المذكور َّأوالً‪ ،‬فد َّلت اآلي ُة‬
‫َّ‬ ‫اآلخ ِر‬ ‫و ُم ْق َ‬
‫تضى ارتباط َ‬
‫رك فيه شرك ًا في العبادة‪ ،‬وإنَّه ٌ‬
‫كفر‪.‬‬ ‫الش ُ‬
‫أن الدعا َء عبادةٌ‪ ،‬فيكون ِّ‬ ‫على َّ‬
‫بشير رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬ ‫ومنها‪ :‬ما رواه أبو داود والترمذي عن الن ِ‬
‫ُعمان بن ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ثم قرأ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬الدُّ عا ُء ُهو العبا َدةُ»‪َّ ،‬‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ (‪[ )1‬غافر‪ ،]60 :‬فقد ب َّين‬
‫الشرك في الدُّ عاء شرك ًا في العبادة‪.‬‬ ‫ﷺ بالحديث واآلية َ‬
‫كون الدَّ عاء عبادةً‪ ،‬فيكون ِّ‬
‫الترمذي عن ٍ‬
‫أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ ومنها‪ :‬ما رواه‬
‫يجوز دعاء ٍ‬
‫أحد ِ‬
‫غير اهلل‪.‬‬ ‫وخالصها‪ ،‬فكيف‬ ‫«الدُّ عاء م ُّخ ِ‬
‫العبا َدة»(‪)2‬؛ أي‪ِ :‬س ُّرها‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬

‫ِ‬
‫بجحود ما أدخله فيه»‪ .‬اﻫ‪ .‬حتَّى َّ‬
‫إن ابن تيم َّية قدوتَهم رجع عن‬ ‫«وال يخرج العبد من اإليمان َّإل‬
‫الذهبي في «سير أعالم النبالء» (‪:)88 /15‬‬ ‫ُ‬
‫تلميذه‬ ‫آخر أ َّيامه على ما حكاه‬ ‫تكفير أهل القبلة ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫«كان شيخنا ابن تيم َّية في آخر أ َّيامه يقول‪ :‬أنا ال أك ِّفر أحد ًا من األ َّمة‪ ،‬ويقول‪ :‬قال ُّ‬
‫النبي ﷺ‪« :‬ال‬
‫ٍ‬ ‫يحافظ على الوضوء َّإل‬
‫مسلم»‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بوضوء فهو‬ ‫الصلوات‬
‫َ‬ ‫مؤمن»‪َ ،‬‬
‫فمن الزم‬ ‫ٌ‬
‫والترمذي في «السنن» (‪ ،)2969‬وابن ماجه في‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه أبو داو َد في « السنن» (‪،)1474‬‬
‫«السنن» (‪ ،)3828‬وأحمد في « المسند» (‪ ،)18432‬ك ُّلهم من حديث النعمان بن َب ٍ‬
‫شير‪.‬‬
‫«السنن» (‪ ،)3371‬وال َّط ُّ‬
‫براني في «المعجم األوسط» (‪،)3196‬‬ ‫الترمذي في ُ‬
‫ُّ‬ ‫((( ْ‬
‫أخرجه‬
‫كالهما من حديث أنس بن ٍ‬
‫مالك‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫المسألة الثالثة‬

‫[المسألة الثالثة]‬
‫يجوز بناء المقابِر‪ ،‬وإنشاء ِ‬
‫القباب‪ ،‬وإيقا ُد ال َقناديل فيها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ الثالثة‪ :‬أنَّه ال‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫رات](‪ )1‬عليها‪ ،‬وال زيارتها‪ ،‬كما ورد النَّهي على ما عند‬ ‫الصدقات‪ ،‬و[الن ُُّذ ُ‬ ‫و َع ْر ُض َّ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬لعن زائِ ِ‬
‫رات‬ ‫َ‬ ‫السنن‪ ،‬عن أبي هرير َة رضي اهلل عنه من َّ‬
‫أن‬
‫َ‬ ‫أصحاب ُّ‬
‫والس ُرج»(‪ )2‬وكذا ال يجوز ت َْزيي ُن المساجد حتَّى‬ ‫ِ‬ ‫ال ُق ِ‬
‫المساجد ُّ‬ ‫والمتَّخذين عليها َ‬ ‫بور ُ‬
‫الكل لم يكن في عهده ﷺ‪ ،‬وقد روى‬ ‫ألن َّ‬ ‫الحر ِم الشريف بالسرج وال َق ِ‬
‫ناديل(‪)3‬؛ َّ‬ ‫ُّ ُ‬
‫أحدَ ث‬ ‫الشيخان وأبو داو َد عن عائش َة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫«م ْن ْ‬ ‫َّ‬
‫في ْأم ِرنا هذا ما ليس منه فهو َر ٌّد»(‪.)4‬‬

‫والصواب النُّذور‪.‬‬
‫((( هكذا في كلتا النَّسختين‪َّ ،‬‬
‫ان في «الصحيح» (‪،)3179‬‬ ‫((( أخرجه ابن أبي شيب َة في «المصنَّف» (‪ ،)7631‬واب ُن ح َّب َ‬
‫والبيهقي في «السنن الكبرى» (‪ )7206‬ك ُّلهم من حديث ابن ع َّب ٍ‬
‫اس‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫حجر في «الفتح»‬ ‫أن زيارة القبور مشروع ٌة للرجال‪ ،‬وأ َّما النَّسا ُء فقال اإلمام ابن‬
‫اتَّفقوا على َّ‬ ‫ ‬
‫(‪« :)24 /4‬واختُلف في النِّساء فقيل‪ :‬دخلن في ُعموم اإلذن وهو قول األكثر‪ ،‬ومح ُّله ما‬
‫ُ‬
‫حديث الباب‪ ،‬وموضع الدَّ اللة منه أنَّه ﷺ لم ُينْكر على المرأة‬ ‫الجواز‬
‫َ‬ ‫إذا ُأ ِمن َْت الفتن ُة ويؤ ِّيد‬
‫للرجال والنِّساء عائش ُة‪،‬‬ ‫َ‬
‫اإلذن على عمومه ِّ‬ ‫وممن حمل‬‫حجة‪َّ ،‬‬ ‫وتقريره َّ‬
‫ُ‬ ‫ق ُعو َدها عند القبر‪،‬‬
‫عبد الرحمن فقيل‪ :‬لها أليس قد‬‫فروى الحاكم من طريق ابن مليك َة أنَّه رآها زارت قبر أخيها ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثم أمر بزيارتها‪.‬‬
‫َّبي ﷺ عن ذلك؟ قالت‪ :‬نعم نهى‪َّ ،‬‬ ‫نهى الن ُّ‬
‫البيضاوي في «تفسيره» (‪ )75 /3‬عند قوله تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ُّ‬ ‫((( قال اإلمام‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [التوبة‪« :]18 :‬ومن عمارتها تزيينها بالفرش‪ ،‬وتنويرها‬
‫بالسرج»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫البخـاري فـي «الصحيـح» رقم الحديـث (‪ ،)2697‬ومسـلم فـي «الصحيح» رقم‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجـه‬
‫الحديـث (‪ )1718‬كالهمـا مـن حديـث عائشـ َة رضـي اهلل عنها‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫تصور فائـدة في نفس‬‫أن فـي ذلك من اإلسـراف ما ال يخفـى‪ ،‬وال ُي َّ‬ ‫وهـذا مـع َّ‬
‫أج ِ‬
‫ـر العمـل فائـد ٌة للم ِّيـت‪ ،‬وال ُيتو َّقـف ذلـك‬ ‫ِ ِ‬
‫زيـارة ال ُقبـور(‪ ،)1‬وإن كان فـي ه َبـة ْ‬
‫الزيارة‪.‬‬
‫علـى ِّ‬
‫تم َّسكاتهم فيها‪ ،‬ف ْلنَذكُر األجوب َة‬
‫أصول َمسائلهم وأ ْقوى ُم َ‬ ‫ولما َّ‬
‫تلخص إلى ُهنا ُ‬ ‫َّ‬
‫التي َس َبق الوعدُ بذكرها‪ ،‬وعلى اهلل الت ُ‬
‫َّعويل في الهداية إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫***‬

‫النص؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬
‫استدالل في مقابلة ِّ‬ ‫تصور فائد ٌة في نفس زيارة القبور)‬ ‫((( قال َّ‬
‫الشارح‪ :‬وقولهم‪( :‬ال ُي َّ‬
‫نصوص بعضها في زيارة القبور مطلق ًا‪ ،‬وبعضها في زيارته ﷺ بخصوصها‬
‫ٌ‬ ‫الزيارة ورد فيها‬
‫كما سيجي ُء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الجواب عن المسألة األولى‬
‫ُ‬
‫وهي مسألة اإليمان من حيث العمل‬

‫ً‬ ‫ُ‬
‫[العمل ليس جزءا من اإليمان]‬

‫تعليق‬
‫َ‬ ‫فمنع مالزمته َّأوالً؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫األول للمسألة األولى‪ُ :‬‬‫فأما الجواب عن الدَّ ليل َّ‬
‫َّ‬
‫كون التَّصديق إيمان ًا ُمعتبر ًا شرع ّي ًا ُم ْث ِمر ًا‬ ‫ِ‬
‫دخول الجنَّة بالتَّصديق مع العمل ال َينْفي َ‬
‫لدخول الجنة‪ ،‬وإنَّما يقتضي أن يكون الدُّ خول ثمر َة اإليمان مع العمل أيض ًا(‪ ،)1‬وجاز‬
‫الشيء الواحد باعتبار َّ‬
‫الذات واألوصاف ثمر َة أمرين وأكثر‪ ،‬كالتَّمر(‪ )2‬فإنَّه‬ ‫َ‬
‫يكون َّ‬ ‫أن‬
‫عند أهل العقل والنظر ُمستندٌ من حيث ن ْف ُسه إلى النَّخلة‪ ،‬ومن حيث لونُه إلى القمر‪،‬‬
‫ومن حيث حالوتُه إلى َّ‬
‫الشمس‪.‬‬

‫لوصه‬
‫وخ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإليمـان‪ُ ،‬‬ ‫نفـس الدُّ خـول ثمـر ُة التَّصديق الذي هـو‬
‫فكذلـك نقول‪ُ :‬‬
‫الم َ‬
‫ؤاخـذات‬ ‫ُ‬
‫خـول الخالـص عـن ُ‬ ‫ؤاخـذات ُ‬
‫األخرو َّيـة ثمـر ُة العمـل‪ ،‬فالدُّ‬ ‫الم َ‬
‫عـن ُ‬

‫مثال ثمرة التَّصديق‬ ‫الشارح رحمه اهلل‪« :‬وحاصل الكالم تجويز أن يكون دخول ٍ‬
‫زيد ً‬ ‫((( وقال َّ‬
‫ٍ‬
‫وبكر ثمرة التَّصديق مع العمل»‪.‬‬ ‫فقط‪ ،‬ودخول ٍ‬
‫عمرو‬
‫الشارح ما مفاده‪« :‬أورد س َّلمه اهلل تعالى مثال التَّمر ترغيم ًا ألنُوفهم‪ ،‬حيث يقولون‬
‫((( قال َّ‬
‫بتوسيط َّ‬
‫الشمس والقمر في إيجاد بعض صفات التمر في حين ال يقولون بتوسيط األنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم بين اهلل وبين عباده بطريق َّ‬
‫الشفاعة فيما يسألون اهلل من قضاء‬
‫الحاجات وعفو السيئات‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫ثمـر ُة اإليمـان مع العمل(‪ ،)1‬واهللُ سـبحانه لكمـال رأفته بعباده ح َّثهـم على الدُّ خول‬
‫مواضع من كتابـه العزيز الهادي إلـى ال َّطريق‬
‫َ‬ ‫لصنـوف النِّ َعم فـي‬
‫الخالـص الجامـع ُ‬
‫األقو م‪.‬‬
‫َ‬
‫***‬

‫َّسفي في «تفسيره» (‪« :)70/1‬ال يقال إنَّكم تقولون‪ :‬يجوز أن يدخل‬


‫((( قال اإلمام عبد اهلل الن ُّ‬
‫بشر بالجنَّة لمن آمن وعمل صالح ًا؛‬
‫المؤم ُن الجنة بدون األعمال الصالحة‪ ،‬واهلل تعالى َّ‬
‫ألن البِشارة المطلقة بالجنَّة شر ُطها اقتران األعمال الصالحة باإليمان‪ ،‬وال نجعل لصاحب‬
‫َّ‬
‫الكبيرة البشارة المطلقة‪ ،‬بل نُثبت بشارة مق َّيد ًة بمشيئة اهلل‪ ،‬إن شاء غفر له‪ ،‬وإن شاء َّ‬
‫عذبه‬
‫بقدر ذنوبه‪ ،‬ثم يدخل الجنَّة‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫الجواب عن المسألة األولى‬

‫ٌ‬
‫[معارضة على الدليل]‬

‫عارضـ ُة علـى مقدِّ مـة الدليل بأن ُيقـال‪َّ :‬‬


‫لما قـال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ‬ ‫الم َ‬‫ثـم ُ‬
‫َّ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫[التوبـة‪]72 :‬‬ ‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾‬
‫ُ‬
‫دخـول الجنَّـة وسـائر الكرامـات والمنَّـة ثمـر َة اإليمـان الـذي‬ ‫َ‬
‫يكـون‬ ‫َل ِ‬
‫ـزم أن‬
‫موضوع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫القـرآن‬ ‫القلبـي؛ إذ اإليمـان فـي ال ِّلسـان الـذي نـزل عليـه‬
‫ُّ‬ ‫هـو التَّصديـق‬
‫القلبـي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫للتَّصديـق‬
‫ِ‬
‫اسـتناد ال َّثمـرة الواحـدة باعتبارين إلى‬ ‫التوفيـق بيـن اآليتين مـا ُذ ِكر مـن‬
‫ُ‬ ‫وأ َّمـا‬
‫أمرين‪.‬‬

‫المعت َبر؛ بل‬ ‫ُ‬


‫العمل جزء ًا من اإليمان ُ‬ ‫عارض ُة على ُ‬
‫المدَّ عى بأن يقال‪ :‬ليس‬ ‫الم َ‬‫ثم ُ‬
‫َّ‬
‫المفيد ُة في ال َّثمرة األخرو َّية‪ ،‬وصنف ًا نافع ًا(‪.)1‬‬
‫هو ثمرته الدنيو َّية ُ‬
‫***‬

‫ُ‬
‫العمل في‬ ‫«كون العمل ثمر ًة ُدنيو َّي ًة لإليمان باعتبار َّ‬
‫أن اإليمان يترتَّب عليه‬ ‫ُ‬ ‫((( قال َّ‬
‫الشارح‪:‬‬
‫صحة العمل مشروط ٌة بتقدُّ م اإليمان‪،‬‬ ‫الدُّ نيا‪ ،‬وق َّلما ُّ‬
‫ينفك اإليمان عن جنس العمل‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫ُ‬
‫دخول‬ ‫فكذلك ثمرته‪ ،‬وقوله‪( :‬المفيدة في الثمرة األخرو َّية‪ )...‬المراد بالثمرة األخرو َّية‬
‫َ‬
‫المؤاخذات‪.‬‬ ‫الجنَّة‪ ،‬و(بالوصف النافع) ُ‬
‫الخلوص عن‬
‫‪36‬‬

‫ْ ُ‬
‫نصوص في ذلك]‬
‫ٍ‬ ‫[ذكر‬

‫النُصوص دا َّل ٌة على ذلك‬

‫منها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬


‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ‬
‫ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ﴾ [المجادلة‪.]22 :‬‬

‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬


‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [الحجرات‪.]14 :‬‬

‫ومنها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫عتبر‬
‫الم َ‬ ‫ﮇ ﮈ﴾ [النحل‪ ]106 :‬فد َّلت اآليات المذكور ُة على َّ‬
‫أن اإليمان ُ‬
‫القلب أيض ًا‪ ،‬وإنَّه ٌ‬
‫باطل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫العمل ال َّظاهر جزء ًا منه لكان مح ُّله‬
‫ُ‬ ‫مح ُّله القلب‪ ،‬ولو كان‬
‫محل ِّ‬
‫الكل‪ ،‬وأ َّما ُبطالن‬ ‫محل الجزء من حيث هو جز ٌء‪ُّ ،‬‬
‫فألن َّ‬
‫َّ‬ ‫الزمة‪:‬‬
‫الم َ‬‫َّأما ُ‬
‫قائم بظاهر الجسد‪ ،‬ويمتنع أن يقو َم ال َع َرض‬ ‫فألن العمل ال َّظ َ‬
‫اهر َع َر ٌض ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اللزم‬
‫بمح َّلين ُمتغايرين(‪.)1‬‬

‫نصها‪:‬‬
‫(( ( ورد في نُسخة (ت) زيادةٌ‪ُّ ،‬‬
‫َ‬
‫إيمان اليأس‪،‬‬ ‫ويسمى‬
‫َّ‬ ‫النص واإلجماع على َّ‬
‫أن اإليمان ال ينفع عند ُمعاينة العذاب‪،‬‬ ‫ (ومنها‪ُّ :‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫َ‬
‫مجال لألعمال‬ ‫وال خفا َء في َّ‬
‫أن ذلك هو التصديق واإلقرار؛ إذ ال‬
‫ِ‬ ‫النصـوص الدالة علـى َّ‬
‫أن اإليمان والمعاص َي قـد يجتمعان كقوله تعالـى‪﴿ :‬ﮉﮊﮋ‬ ‫ُّ‬ ‫ومنهـا‪:‬‬ ‫ ‬
‫ﮌﮍﮎﮏﮐ﴾ [البقـرة‪ ،]178 :‬وقولـه تعالـى‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ﴾‬
‫‪37‬‬ ‫الجواب عن المسألة األولى‬

‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫[من مات على التوحيد دخل الجنة]‬

‫حو َل رسول اهلل‬ ‫مسلم عن أبي هرير َة رضي اهلل عنه قال‪ُ « :‬كنَّا ُقعود ًا ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ ومنها‪ :‬ما رواه‬
‫رسول اهلل ﷺ ِم ْن َب ْي ِن أ ْظ ُه ِرنا‪َ ،‬فأ ْب َط َأ علينا‬‫ُ‬ ‫وعمر في َن َف ٍر ـ فقام‬ ‫ُ‬ ‫ﷺ ـ َم َعنا أبو ٍ‬
‫بكر‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫جت أبت َِغي‬ ‫فخ ِشينا أن ُي ْق َت َطع ُدونَنا ف َف ِز ْعنا َف ُق ْمنا‪ُ ،‬ف ُكن ُْت َّأول َم ْن َف ِزع َف َخ َر ُ‬
‫َ‬
‫أجدُ له باب ًا؟ فلم ِ‬
‫أجدْ ‪،‬‬ ‫ﷺ‪ ،‬حتَّى أت ْي ُت حائط ًا لألنصار لبني الن ََّّجار‪َ ،‬فدُ ر ُت به هل ِ‬
‫ْ‬
‫حائط من بِ ْئ ٍر ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فدخلت على رسول اهلل‬ ‫ُ‬ ‫فاح َت َف ْز ُت‬
‫خار َجة‪ْ ،‬‬ ‫دخل في َج ْوف‬ ‫يع َي ُ‬ ‫فإذا َربِ ٌ‬
‫لت‪ُ :‬كن َْت‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬ما شأنُك»؟ ُق ُ‬ ‫َ‬ ‫لت‪ :‬نعم يا‬ ‫ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬أبو هريرة»؟ ف ُق ُ‬
‫أت علينا‪َ ،‬ف َخ ِشينا ْ‬
‫أن ُت ْق َت َطع ُدونَنا‪َ ،‬ف َف ِزعنا َف ُكن ُْت َّأول َم ْن َف ِزع‬ ‫بين أ ْظ ُهرنا َف ُق ْم َت فأ ْب َط َ‬
‫ورائي‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫َفأتي ُت هذا الحائط‪ ،‬فاح َت َف ْز ُت كما يحت َِف ُز ال َّثع َلب‪ ،‬وهؤالء النَّاس من ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫يت ِم ْن وراء هذا‬ ‫«يا أبا هريرة» وأ ْعطانِي نع َليه‪ ،‬فقال‪« :‬اذهب بنَع َلي ها َتين‪َ ،‬فمن ِ‬
‫لق َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ ْ َّ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬
‫َيقن ًا بها ق ْل ُبه ف َب ِّشره بالجنَّة» فكان َّأول من ِلقيني عمر‬ ‫أن ال إله اهلل مست ِ‬ ‫ط َي ْشهدُ ْ‬ ‫الحائِ ِ‬
‫ُ ْ‬
‫يت‬‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬ب َع َثنِي بهما‪َ ،‬م ْن ِلق ُ‬ ‫ِ‬ ‫فقلت‪َ :‬ه ِ‬
‫اتان َن ْعال‬ ‫ُ‬ ‫اتان النَّعالن؟‬ ‫[فقال] ما َه ِ‬

‫فضربني عمر بين َثدْ َي َّي َف َخ َر ْر ُت‬ ‫بش ْرتُه بالجنَّة‪َ ،‬‬ ‫يش َهد أن ال إله َّإل اهلل ُم ْست َِيقن ًا قل ُبه َّ‬ ‫ْ‬
‫فرج ْع ُت إلى رسول اهلل ﷺ َفأ ْج َه ْش ُت بالبكاء‬ ‫ارج ْع يا أبا هريرةَ‪َ ،‬‬ ‫إلستِي‪ ،‬فقال‪ِ :‬‬
‫ْ‬
‫عمر وإذا هو على أ َث ِري‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما لك يا أبا هريرة؟» ُ‬
‫قلت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وركبني ُ‬ ‫َ‬
‫إلستِي فقال‪:‬‬ ‫فضرب بين ثدْ َي َّي ضرب ًة َخ َر ْر ُت ْ‬ ‫عمر‪ ،‬فأخ َب ْرتُه با َّلذي ب ْعثتَنِي به َ‬ ‫يت َ‬ ‫ِلق ُ‬

‫[األنعـام‪ ،]82 :‬وقولـه تعالى‪﴿ :‬ﮙﮚﮛﮜﮝ﴾ [الحجـرات‪ ،]9 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ﴾ [األنفال‪ ]5 :‬اﻫ‪ .‬وزاد ابن َّ‬
‫الصفار رحمه اهلل‬
‫متفرقة‪ ،‬وقد جرى النسـخ في شـريعتهم‪ ،‬وال يجوز‬
‫والرسـل ِّ‬
‫شـرائع األنبيـاء ُّ‬
‫َ‬ ‫آخ َـر‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫وجهـ ًا َ‬
‫النسـخ في اإليمان)‪ .‬بتصـرف «تلخيص األدلـة » (ص‪.)505 :‬‬
‫‪38‬‬

‫ارجع‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا عمر ما َح َملك على ما َف ْع َ‬


‫لت؟»‪ .‬قال يا رسول اهلل‪:‬‬
‫أبعثت أباهرير َة بنَ ْع َل ْيك َمن لقي يشهد أن ال إله َّإل اهلل مستيقن ًا بها‬
‫َ‬ ‫بأبِي أن َ‬
‫ْت وأ ِّمي‬
‫الناس عليها‬ ‫قلبه ب َّشره بالجنَّة؟ قال‪« :‬نعم» قال‪ :‬فال تفعل؛ فإنِّي أخشى أن يت ِ‬
‫َّك َل‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫فخ ِّلهم ي َع ْملون‪ ،‬فقال رسول اهلل ص َّلى عليه وس َّلم‪« :‬فخَ ِّلهم»(‪.)2‬‬

‫ـت ليلـ ًة مـن‬ ‫خرج ُ‬ ‫ذر رضـي اهلل عنـه قـال‪ْ :‬‬ ‫الشـيخان عـن أبـي ٍّ‬ ‫ومنهـا‪ :‬مـا رواه َّ‬
‫إنسـان‪ ،‬قال‪ :‬فقلـت‪ :‬إنَّه‬ ‫ٌ‬ ‫يم ِشـي وحـده‪[ ،‬و]ليـس معـه‬ ‫ُ‬
‫رسـول اهلل ﷺ ْ‬ ‫ال َّليالـي‪ ،‬فـإذا‬
‫ـت فرآني‪،‬‬ ‫ظـل القمـر‪ ،‬فال َت َف َ‬ ‫أمشـي فـي ِّ‬ ‫فجعلـت ِ‬ ‫شـي معـه أحـدٌ ‪ ،‬قـال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َيكْـره أن َي ْم َ‬
‫ذر َت َعا َلـ ْه» قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ذر‪ ،‬جعلنـي اهلل فـدا َءك‪ ،‬قـال‪« :‬يا أبـا ٍّ‬‫«مـن هـذا؟» فقلت‪ :‬أبـو ٍّ‬ ‫فقـال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫المق ُّلون يـوم القيامة َّإل َمـن أعطاه اهللُ‬ ‫رين هـم ُ‬ ‫المكث َ‬
‫«إن ُ‬‫فمشـيت معـه سـاع ًة‪ ،‬فقـال‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫وعمل فيه خيـر ًا» قال‪:‬‬ ‫خيـر ًا‪َ ،‬فنَ َفـح(‪ )3‬فيه عـن يمينه‪ ،‬وعن ِشـماله وبين يديـه ووراءه‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫حو َلـه ِحجارةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شـيت معـه سـاع ًة‪ ،‬فقال لـي‪« :‬اجلـس ههنا»‪َ ،‬فأ ْج َلسـني فـي َقـا ٍع ْ‬ ‫ُ‬ ‫فم‬ ‫َ‬
‫الحرة حتَّـى ال أراه‪ ،‬ف َلبِث‬
‫أرجـع إليك»‪ ،‬فانْط َل َق فـي َّ‬
‫َ‬ ‫فقـال لـي‪[« :‬اجلِـس] ههنا حتَّى‬

‫((( (عليها)‪ :‬في (أ) و(ت)‪( :‬عليهم)‪ ،‬والمثبت من «صحيح مسلم»‪.‬‬


‫((( «صحيح مسلم» رقم الحديث (‪ )52‬أورد الحديث المصنِّف مع التَّصرف‪ .‬قال َّ‬
‫الشارح‬
‫لخصه‪« :‬اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫َّووي في شرحه على «صحيح مسلم» في َّأول الباب ما ُم َّ‬ ‫ناق ً‬
‫ال عن اإلمام الن ِّ‬
‫وحد ًا دخل الجنَّة‬ ‫الحق من السلف والخلف‪َّ ،‬‬
‫أن َمن مات ُم ِّ‬ ‫السنَّة وما عليه أهل ِّ‬
‫مذهب أهل ُّ‬
‫قطع ًا على ِّ‬
‫كل حال‪ ،‬فإن كان سالم ًا من المعاصي يدخل الجنَّة‪ ،‬وال يدخل النَّار أصال‪ ،‬وأ َّما‬
‫توبة‪ ،‬فهو في مشيئة اهلل تعالى‪ ،‬إن شاء عفا وأدخله الجنَّة‬‫من كان له معصية‪ ،‬ومات من غير ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الجنة‪ ،‬فال‬‫عذبه ال َقدْ ر الذي يريد سبحانه‪ ،‬ثم ُيدخله َّ‬ ‫َّأوالً‪ ،‬وجعله كالقسم َّ‬
‫األول‪ ،‬وإن شاء َّ‬
‫ُيخ َّلد في النَّار أحدٌ مات على التوحيد‪ ،‬ولو عمل من المعاصى ما عمل‪ ،‬كما أنَّه ال يدخل‬
‫الجنَّة أحدٌ مات على الكفر‪ ،‬ولو عمل من أعمال البِ ِّر ما عمل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء؛ أي‪ :‬أعطاه‪.‬‬ ‫((( (فنفح) بالحاء المهملة‪ ،‬يقال‪ :‬نفح فالن فالن ًا‬
‫‪39‬‬ ‫الجواب عن المسألة األولى‬

‫سـرق وإن زنـى»‪ .‬قال‪:‬‬


‫قبـل‪« :‬وإن َ‬ ‫ثـم إنِّي سـمعتُه يقـول وهو ُم ٌ‬
‫فأطـال ال ُّلبـث‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫عنِّـي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصبِر ُ‬
‫نبي اهلل جع َلنـي اهلل فداءك َمـ ْن تُك ِّلم في جانـب َّ‬
‫الحرة‪،‬‬ ‫فقلت‪ :‬يـا َّ‬ ‫فلمـا جـاء لـم ْ‬
‫َّ‬
‫الحرة‪،‬‬
‫جبريـل‪َ ،‬عرض لي فـي جانب َّ‬ ‫ُ‬ ‫سـمعت أحـد ًا َي ْر ِجع إليك شـيئ ًا؟ قال‪« :‬ذاك‬
‫ُ‬ ‫ما‬
‫وإن‬ ‫ُ‬
‫جبريـل ْ‬ ‫فقلت‪ :‬يا‬
‫ُ‬ ‫دخل الجنَّـة‬ ‫ْ‬
‫شـرك باهلل شـيئ ًا َ‬ ‫فقـال‪ِّ :‬‬
‫بشـر َّأمتك أنَّـه َم ْن مات ال ُي‬
‫لت يا رسـول اهلل‪ْ :‬‬
‫وإن َسـرق وإن زنَـى؟ قال‪« :‬نعم»‪،‬‬ ‫سـرق‪ ،‬وإن زنـى؟‪ ،‬قال‪ :‬نعم»‪ُ ،‬ق ُ‬
‫الخم َر»‪.‬‬ ‫قلـت‪ :‬وإن سـرق وإن زنـى؟ قال‪« :‬نعـم‪ ،‬وإن ِ‬
‫شـرب ْ‬
‫المـرة الرابعة‪« :‬علـى َر ْغم أنف‬
‫َّ‬ ‫وزاد [مـع](‪ )1‬التِّرمـذي في ُأخـرى نحوها في‬
‫ذر»(‪.)2‬‬
‫أبي ٍّ‬
‫***‬

‫((( هكذا في (أ) و(ت) ولعل الصواب بإثبات حرف الجر (في)‬
‫ومسلم في «الصحيح» (‪ .)31‬أورد الحديث‬
‫ٌ‬ ‫البخاري في «الصحيح» (‪،)6443‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫المرة الرابعة‪:‬‬
‫المصنَّف مع التَّصرف‪ .‬فكالم المؤلف‪« :‬وزاد مع التِّرمذي في أخرى في َّ‬
‫«على رغم أبي ذر»» لم أجده بهذه األلفاظ في «سنن التِّرمذي»‪ ،‬ولكن أخرجه بهذه الزيادة‬
‫(أتيت‬
‫ُ‬ ‫ذر رضي اهلل عنه‪ ،‬وتمام الحديث‪:‬‬
‫البخاري في «الصحيح» (‪ )5827‬من حديث أبي ٍّ‬
‫ُّ‬
‫نائم‪ ،‬ثم أتيتُه وقد استي َقظ فقال‪« :‬ما َمن عبد قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل‬
‫ثوب أبيض‪ ،‬وهو ٌ‬
‫َّبي ﷺ وعليه ٌ‬
‫الن َّ‬
‫سرق‪ .‬قال‪« :‬وإن زنى وإن سرق»‪.‬‬ ‫مات على ذلك َّإل َدخل الجنة» ُ‬
‫قلت‪ :‬وإن زنى وإن َ‬ ‫ثم َ‬
‫ذر» اﻫ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإن زنى وإن سرق‪ .‬قال‪« :‬وإن زنى وإن سرق على َرغْم أنف أبي ٍّ‬
‫واألئمة‬
‫َّ‬ ‫نصها‪( :‬انعقا ُد اإلجماع من الصحابة والتابعين‬
‫ورد في نسخة (ت) هنا زياد ٌة ُّ‬ ‫ ‬
‫أن مرتكب الكبيرة من غير استحالل أنَّه مؤم ٌن‪ ،‬وال يحكم بكفره َّإل‬ ‫المجتهدين َّ‬
‫كالسجود للصنم‪ ،‬وإلقاء المصحف في‬ ‫باالستحالل‪ ،‬أو بما ُّ‬
‫يدل عليه استخفاف ونحوه ُّ‬
‫الشارع جعل ذلك عالم ًة للتكذيب‪.‬‬ ‫القا ُذورات‪ ،‬والتَّلفظ بكلمة الكفر‪ ،‬ونحو ذلك؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫‪40‬‬

‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫[حديث عبادة اليقوم دليال لهم]‬
‫َ ِ‬
‫تبادر منها‬
‫والم ُ‬‫معرف ًا بالالم‪ُ ،‬‬
‫العمل ُذكر َّ‬ ‫الجواب عن دليلها الثاني فهو َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وأ َّما‬
‫العهدُ ‪ ،‬وأنَّها حقيق ٌة فيه‪ ،‬كما ُح ِّقق في األصول‪ ،‬ولم ُيس َبق في الحديث َّإل َّ‬
‫الشهادة‬
‫المنافق‬
‫َ‬ ‫باألمور الخمسة شهاد ًة قلب َّي ًة التي هي التَّصديق‪ ،‬لالتِّفاق منَّا ومنهم على َّ‬
‫أن‬
‫القلبي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫العمل‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫بالشهادة ال ِّلسان َّية(‪ ،)1‬فتع َّين أن يكون المرا ُد من‬
‫ال يدخل الجنَّ َة َّ‬
‫لمدَّ عاهم(‪.)2‬‬ ‫فانتهض الدَّ ُ‬
‫ليل بالنقض ُ‬
‫***‬

‫يعـم على الجـوارح وليس المـراد منه العمل‬ ‫الشـارح مـا َّ‬
‫ملخصه‪« :‬المـرا ُد من العمل ما ُّ‬ ‫(( ( قـال َّ‬
‫سـبب لدخـول الجنَّـة‪ ،‬وقـد سـبق أنَّه ال‬
‫ٌ‬ ‫أن العمـل‬ ‫ُ‬
‫فمدلـول الحديـث َّ‬ ‫الصالـح كمـا زعمـوا‪،‬‬
‫محـل النزاع‪ ،‬قـال ابن َم َلك في «شـرح المشـارق»‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫نـزاع فـي ذلك‪ ،‬فلا دالل َة للحديـث على‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫عمـل كان سـ ِّيئ ًا أو حسـن ًا‪ ،‬فعلـى هذا‬ ‫«أدخلـه اهللُ الجنَّـة علـى مـا كان مـن العمـل» يعنـي‪َّ :‬‬
‫أي‬
‫الحديـث ٌ‬
‫دليـل عليهم ال لهـم‪ .‬اﻫ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫«من قال‪ :‬ال إله َّإل اهلل دخل الجنَّة وإن زنى وإن سرق» الذي أخرجه‬
‫ذر‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫حديث أبي ٍّ‬ ‫على َّ‬
‫أن‬ ‫ ‬
‫بالشهادة بدون العمل‪.‬‬ ‫َ‬
‫دخول الجنَّة َّ‬ ‫الص َّحة‪ ،‬وقد ع َّلق‬ ‫َّ‬
‫الشيخان في غاية ِّ‬
‫((( وفي نُسخة (ت) فهذا الحديث ُّ‬
‫يدل على ُمدَّ عانا‪ ،‬وعلى خالف ُمدَّ عاهم‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫الجواب عن المسألة األولى‬

‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ُ ُ ََ‬


‫عي الزكاة]‬ ‫مان‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫ديق‬ ‫الص‬ ‫بكر‬
‫ٍ‬ ‫أبي‬ ‫ة‬ ‫[وجه مقاتل‬

‫أن بني َحنيف َة ُ‬


‫وبعض القبائل [السـائرة](‪،)1‬‬ ‫الجواب عن دليلها الثالث‪ :‬فهو َّ‬
‫ُ‬ ‫وأمـا‬
‫َّ‬
‫الـزكاة‪ ،‬فقاتلهـم أبـو ٍ‬
‫بكـر رضـي اهلل عنـه؛‬ ‫فمنعـوا َّ‬
‫النبـي ﷺ َ‬
‫ِّ‬ ‫ارتـدُّ وا بعـد وفـاة‬
‫دل عليـه قو ُله‬
‫السـير(‪ ،)2‬وكمـا َّ‬
‫الم َحدِّ ثيـن وأهـل ِّ‬
‫الثابـت عنـد ُ‬
‫ُ‬ ‫الرتدادهـم كمـا هـو‬
‫تعالـى‪﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)[الفتـح‪ ]16 :‬خ َّيـر بيـن‬
‫يذكُـر ِ‬
‫الج ْزيـة(‪.)3‬‬ ‫األمريـن‪ ،‬ولـم ْ‬
‫***‬

‫((( هكذا في (أ)‪َّ ،‬‬


‫ولعل الصواب (الثائرة)‪ ،‬وفي (ت) بدون هذه الزيادة‪.‬‬
‫الشـافعي رحمه اهلل في‬
‫ِّ‬ ‫البيهقي في «معرفة السـنن واآلثـار» (‪ )212/12‬عن اإلمام‬
‫ُّ‬ ‫(( ( وحكـى‬
‫إزالـة هذا اإلشـكال توجيهـ ًا َ‬
‫آخ َر ما َّ‬
‫ملخصه‪« :‬وأهـل الر َّدة بعد رسـول اهلل ﷺ ضربان‪ :‬منهم‬
‫تمسـكوا‬
‫قـو ٌم كفروا بعد اإلسلام‪ ،‬مثل طليحة ومسـيلمة والعنسـي وأصحابهم‪ ،‬ومنهم قو ٌم َّ‬
‫باإلسلام ومنعـوا الصدقـات‪ ،‬وقول عمـر ألبي ٍ‬
‫بكـر‪ :‬أليس قد قـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬أمرت‬
‫أن أقاتـل النـاس حتـى يقولـوا‪ :‬ال إله َّإل اهلل‪ ،‬فـإذا قالوها عصموا منـي دما َءهـم وأموا َلهم َّإل‬
‫مما أعطوا‬ ‫بح ِّقهـا وحسـابهم علـى اهلل»‪ ،‬وقول أبي ٍ‬
‫بكـر‪( :‬هذا مـن ح ِّقها‪ ،‬لـو َمنعوني َعناقـ ًا َّ‬
‫التمسـك‬
‫ُّ‬ ‫رسـول اهلل ﷺ لقاتلتُهـم عليـه) معرفـ ًة منهمـا معـ ًا َّ‬
‫بـأن ممـن قاتلـوا َمن هـو على‬
‫شـك عمر فـي قتالهـم‪ ،‬ولقال أبـو ٍ‬
‫بكر رضـي اهلل عنه‪( :‬قـد تركوا‬ ‫باإليمـان‪ ،‬ولـوال ذلـك ما َّ‬
‫«ال إله َّإل اهلل»)‪.‬‬
‫((( ِ‬
‫راج ْع «تفسير البيضاوي» و«روح المعاني» و«تفسير أبي السعود»‪.‬‬
‫الجواب عن المسألة الثانية‬
‫ُّ‬ ‫َّ ُّ‬
‫وهي مسألة التوسل والدعاء لغير اهلل‬

‫[بيان معنى المراد من قوله تعالى‪:‬‬


‫ُ‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [الجن‪.]]18 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أن ِذك َْر ﴿ﭸ﴾‬ ‫األول للمسألة الثانية‪ :‬فهو َّ‬
‫الجواب عن الدَّ ليل َّ‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫دليل على كون معنى ﴿ﭺ ﭻ﴾ ‪ :‬فال تعبدوا‪ ،‬كما‬ ‫ٍ‬ ‫ضح‬ ‫وضوعة للعبادة ْأو ُ‬‫الم ُ‬‫َ‬
‫صرح به أهل التفسير‪ ،‬فال نهي فيه عن دعاء ٍ‬
‫أحد ِ‬
‫غير اهلل‪ ،‬كما زعمتم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫[الجواب عن استداللهم بآية‬
‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [غافر‪.]]60 :‬‬
‫نحصر فيما ُذ ِكر‪ ،‬بل‬
‫أن وجه االرتباط ال ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الجواب عن دليلها الثاني‪ :‬فهو َّ‬
‫ُ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫يتح َّقق بكون معنى ﴿ﭟ﴾ ‪ :‬ا ْع ُبدوني‪ ،‬وهو ال َّظاهر من ترتُّب حكم االستجابة؛‬

‫ِ‬
‫المساجدَ إنَّما‬ ‫وقوع الدَّ عاء بعد ﴿ﭸ)﴾ َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫الشارح‪ :‬والقرين ُة في هذه اآلية‬ ‫((( قال َّ‬
‫فالمنهي هنا هو دعاء العبادة‬
‫ُّ‬ ‫ُبنيت ألَ ْن ُي ْع َبد اهلل تعالى و ُيدعى فيها‪ ،‬على وجه العبادة‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫فيسمى دعاء في‬
‫َّ‬ ‫الذي هو السجود والركوع ونحوهما‪ ،‬وأ َّما النِّداء ألهل القبور والغائبين‬
‫اللغة‪ ،‬ولكن ليس هو دعاء العبادة‪َّ ،‬‬
‫فإن اهلل ذكر في كتابه هذا الدعاء الذي بمعنى النداء‬
‫ونسبه إلى المخلوقات كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫غيره كأن يقول‪ :‬يا أهلل‪،‬‬ ‫إن اآلي َة ٌ‬
‫نهي عن أن ُيدعى مع اهلل ُ‬ ‫ﮃ﴾ [النور‪ .]63 :‬وقال البعض‪َّ :‬‬
‫يدع َّإل اهلل‪.‬‬
‫ال لم ُ‬‫والمتوسل بالعالِم مث ً‬
‫ِّ‬ ‫ويا فالن‪،‬‬
‫‪43‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثانية‬

‫كل ٍ‬ ‫إ ْذ ما ُّ‬
‫ستجاب بخالف العبادة؛ فإنَّها مستجاب ٌة؛ أي‪ُ :‬م ٌ‬
‫ثاب عليها؛ ولذا قال‬ ‫ٌ‬ ‫دعاء ُم‬
‫ِ‬
‫ب لكم»(‪.)1‬‬ ‫ضاوي رحمه اهلل في تفسيره‪« :‬اع ُبدُ وني ُاث ْ‬
‫ُّ‬ ‫ال َب ْي‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫[المعنى الصحيح لحديث «الدعاء هو العبادة»]‬

‫الظاهـر مـن قـراءة اآليـة بعـد‬


‫َ‬ ‫وأمـا الجـواب عـن دليلهـا الثالـث‪ :‬فهـو َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫جرد‬
‫النافـع للعبـد هـو عبـاد ُة اهلل ‪ ،‬ال ُم َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكامـل(‪،)2‬‬ ‫ُ‬
‫كـون معنـاه الدُّ عـا ُء‬ ‫الحديـث‬

‫المفسر محمود اآللوسي رحمه اهلل عند تفسيره هذه اآلية (‪« :)96 /24‬اعبدوني ُأثِ ْبكم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫((( قال‬
‫الثوري أنَّه قيل له‪ُ :‬ا ْد ُع اهلل‬ ‫ٍ‬
‫وجماعة‪ .‬وعن‬ ‫ٍ‬
‫ومجاهد‬ ‫والض ِ‬
‫حاك‬ ‫على ما روي عن ابن ع َّب ٍ‬
‫اس َّ‬
‫ِّ‬
‫أن الدُّ عاء بال ِّلسان ترجمة عن طلب الباطن‪،‬‬ ‫«إن ترك الذنوب هو الدُّ عاء‪ ،‬يعني‪َّ :‬‬‫تعالى فقال‪َّ :‬‬
‫الحق بلسان‬
‫َّ‬ ‫التوجه وترك المخالفة‪ ،‬فمن ترك ُّ‬
‫الذنوب فقد سأل‬ ‫ُّ‬ ‫لصحة‬
‫َّ‬ ‫يصح‬
‫ُّ‬ ‫وأنَّه إنَّما‬
‫ٍ‬
‫بسائل‪ ،‬وإن دعاه سبحانه‬ ‫االستعداد‪ ،‬وهو الدُّ عاء الذي يلزمه اإلجابة‪ ،‬و َمن ال يتركها فليس‬
‫مرة‪ ،‬وما ذكر مؤ ِّيد لتفسير الدُّ عاء بالعبادة»‪ .‬اﻫ‬
‫ألف َّ‬
‫ثان في إبطال ُمدَّ عى الخصم‪ ،‬هذا على تقدير أن يكون الدُّ عاء بمعناه في اآلية‬ ‫((( هذا وجه ٍ‬

‫الشارح رحمه اهلل‪ :‬ومفا ُده أن يكون‬‫والحديث‪ ،‬وال يكون مجاز ًا عن العبادة كما تقدَّ م‪ ،‬قال َّ‬
‫ال في معنى الدُّ عاء بطريق المجاز‪ ،‬وال يلزم من هذا َّإل أن‬
‫لفظ العبادة ـ أي في اآلية ـ مستعم ً‬
‫والمجازي عالقة ومناسبة اﻫ‪ .‬يعني‪ :‬إطالق لفظ العبادة وإرادة‬
‫ِّ‬ ‫الحقيقي‬
‫ِّ‬ ‫يكون بين المعنى‬
‫معنى الدعاء في اآلية ال يوجب كون أحدهما عين اآلخر كما في سائر المجازات‪.‬‬
‫العيني رحمه اهلل في «عمدة القاري» (‪ )276/22‬عند‬
‫ُّ‬ ‫آخر وهو ما قاله اإلما ُم‬
‫وهنا وج ٌه ُ‬ ‫ ‬
‫عاء هو العبادة» أي‪ :‬الدُّ عاء من أعظم العبادة‪،‬‬
‫توجيه الحديث‪ ،‬وقد نسبه إلى الجمهور‪« :‬الدُّ ُ‬
‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫الحج‪ ،‬وركنُه األكبر‪ ،‬ويؤ ِّيده ما رواه الت‬
‫ِّ‬ ‫«الحج َعرف ُة» أي‪ُ :‬مع َظم‬
‫ُّ‬ ‫فهو كالحديث اآلخر‬
‫واجب غيره‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حج‪ ،‬فليس عليه‬ ‫عاء ُم ُّخ العبادة»‪ .‬اﻫ‪ ،‬فهل َمن وقف ب َعر َف َة َّ‬ ‫من حديث ٍ‬
‫أنس «الدُّ ُ‬
‫الحج؟!‬
‫ِّ‬ ‫أعظم أركان‬
‫ُ‬ ‫أم المعنى أنَّه‬
‫الشارح‪/15( :‬أ)‪« :‬لم َّا قرأ ﷺ اآلية بعد الحديث حصلت اإلشارة إلى َّ‬
‫أن الدُّ عاء المذكور‬ ‫((( قال َّ‬
‫في الحديث هو الدُّ عاء الذي ذكر في اآلية‪ ،‬ونسب إليه تعالى بقوله‪﴿ :‬ﭟ)﴾ ورتَّب‬
‫‪44‬‬

‫المدَّ عـى‪ ،‬هـذا وجـ ٌه ولـه وجـ ٌه َي ْع ِق ُبـه‪.‬‬


‫الطلـب والنِّـداء؛ فلا داللـ َة فيـه علـى ُ‬
‫ُ ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫[المعنى الصحيح لحديث‪« :‬الدعاء مخ العبادة»]‬

‫يصح‬
‫ُّ‬ ‫اللم في الدُّ عاء للعهد وال‬‫أن َّ‬
‫وأما الجواب عن دليلها الرابع‪ :‬فهو َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد ُم َّخ العبادة‪ ،‬وال َ‬ ‫يكون نداء ٍ‬ ‫ِ‬
‫االستغراق والجنس‪َّ ،‬‬
‫قائل به‪،‬‬ ‫أحد‬ ‫َ ُ‬ ‫وإل يلزم أن‬
‫القلبي إليه‬
‫ُّ‬ ‫الطلبي‬
‫ُّ‬ ‫فالمرا ُد‪ :‬الدُّ عاء المعهود‪ ،‬يعني‪ :‬دعاء اهلل تعالى‪ ،‬وحقيقتُه‪ :‬التَّوجه‬
‫ِ‬
‫وبمثله ُيجاب عن الثالث‪ ،‬كما َأش ْرنا‪.‬‬ ‫تعالى‪ ،‬فهذا هو الذي كان ُم َّخ العبادة‪،‬‬
‫قول أهل مك َة‪( :‬يا رسول اهلل(‪ ،)1‬ويا ابن ع َّب ٍ‬
‫اس‪ ،‬ويا محجوب)‬ ‫أن َ‬
‫َفما قالوا‪ :‬من َّ‬

‫نافع للعبد‪ ،‬وهو الذي‬ ‫عليه االستجابة‪ ،‬وذكر الوعيد للمستكبرين عنه‪ ،‬ف ُع ِلم أنَّه دعا ٌء ٌ‬
‫كامل ٌ‬
‫يصح حمل العبادة عليه‪ ،‬كما وقع في الحديث‪َّ ،‬‬
‫وإل فمطلق الدُّ عاء ال يقال في شأنه هو العبادة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫هذا على تقدير أن يكون الدُّ عاء بمعناه في اآلية والحديث‪ ،‬وعلى هذا ال حاجة إلى أن تكون‬
‫االستجاب ُة في اآلية مجاز ًا عن اإلثابة بل يكون بمعناه الحقيقي‪.‬‬
‫ٌ‬
‫شرك أكبر)‪ ،‬وهذا‬ ‫وكل ٍ‬
‫دعاء عبادةٌ‪ ،‬وعباد ُة غير اهلل تعالى‬ ‫((( وأ َّما قولهم‪( :‬يا رسول اهلل دعا ٌء‪ُّ ،‬‬
‫أي ٍ‬
‫دليل‬ ‫بالضرورة ال يحتاج إلى ِّ‬ ‫ـ يعني‪ :‬كون عبادة غير اهلل شرك ًا ـ ٌ‬
‫أمر معلو ٌم من الدَّ ين َّ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬ويا ابن ع َّب ٍ‬
‫اس) هو عباد ٌة لغير اهلل تعالى!! فلم‬ ‫َ‬ ‫وبرهان‪ ،‬وأ َّما دعواهم َّ‬
‫بأن (يا‬
‫فمن ا َّدعى فعليه البيان في معرض الميدان؟ بل هم محجوجون‬
‫السلف‪َ ،‬‬
‫يقل به أحدٌ من َّ‬
‫الشفاعة َّ‬
‫إن الخلق بينما هم في‬ ‫البخاري في حديث َّ‬
‫ُّ‬ ‫بالسنَّة وعمل المتوارث‪ ،‬منها ما روى‬
‫ُّ‬
‫أن الخلق لم يستغيثوا‬‫بمحمد‪ » ...‬وجه الدَّ اللة‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫هول القيامة «استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم‬
‫ٍ‬
‫وحاجة ال يقدر دفعها َّإل اهلل تعالى‪ ،‬وهل ينقلب ِّ‬
‫الشرك‬ ‫ٍ‬
‫ومحنة‬ ‫باهلل أوالً وهم في أشدِّ ك ٍ‬
‫ُربة‬ ‫َّ‬
‫الكوثري إذ قال‪ :‬و َمن أحاط خبر ًا بأحاديث َّ‬
‫الشفاعة‬ ‫َّ‬ ‫توحيد ًا يوم القيامة؟! فرحم اهلل اإلما َم‬
‫الرهيب‪َّ ،‬‬
‫وأن َمن أخذ بيده نجا من أن‬ ‫استيقن أنَّه عليه السالم َمال ُذ الخلق ح ّق ًا في ذلك اليوم َّ‬
‫الشافع المش َّفع ألهل المحشر‪ .‬اﻫ‪.‬‬ ‫ِتز َّل قدمه‪ ،‬وأنَّه هو َّ‬
‫َ‬
‫إمكان للتعويل عليها؛ لذلك‬ ‫ٍ‬
‫ضعيفة ال طائل تحتها‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫بطرق‬ ‫تمسك المبتدعون‬ ‫وهنا َّ‬ ‫ ‬
‫أعرضنا عن ذكرها صفح ًا‪.‬‬
‫‪45‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثانية‬

‫مطلق الدُّ عاء‪،‬‬ ‫المحمول‬ ‫األوسط؛ َّ‬


‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫دعا ٌء‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ألن َ‬ ‫وكل ُدعاء عباد ٌة ال َّ‬
‫يتكرر فيه الحدُّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫والموضوع من الكبرى دعا ُء اهلل تعالى(‪.)2‬‬


‫ُ‬

‫أئمة اللغة والتفسير هي غاية‬ ‫َ‬


‫كيران رحمه اهلل‪« :‬العبادة كما قال َّ‬ ‫((( قال الحافظ ال َّطيب اب ُن‬
‫فأخص من ذلك‪ ،‬كما هو‬
‫ُّ‬ ‫الخضوع والتذ ُّلل‪ ،‬هذا معناه لغ ًة‪ ،‬وأ َّما معناها في عرف َّ‬
‫الشرع‬
‫اللغوي‪ ،‬فالعبادة شرع ًا غاية‬
‫ِّ‬ ‫أخص من المعنى‬ ‫ُّ‬ ‫شأن الحقائق الشرع َّية‪ ،‬فإنَّها في األغلب‬
‫الخضوع‬ ‫بعض صفات الربوب َّية‪َّ ،‬‬
‫وإل فمن غاية ُ‬ ‫التذ ُّلل والخضوع لِ َمن يعتقد له الخاضع َ‬
‫بالسجود‬ ‫ٍ ٍ‬
‫السجو ُد‪ ،‬ولو كان بنفسه عباد ًة من غير اعتبار قيد زائد لم يأمر اهلل تعالى المالئكة ُّ‬
‫ُّ‬
‫ليوسف وأبويه له عباد ًة‬
‫َ‬ ‫يوسف‬
‫َ‬ ‫كفر‪ ،‬و َل َ‬
‫كان سجو ُد إخوة‬ ‫آلدم؛ َّ‬
‫ألن عباد َة غير اهلل تعالى ٌ‬
‫السجود‬ ‫الشرائع‪ .‬ال يجاب َّ‬
‫بأن ُّ‬ ‫كفر ال يختلف باختالف َّ‬ ‫منهم له‪ ،‬فيكون كفر ًا‪ ،‬إذ ما هو ٌ‬
‫أن غاي َة‬‫ألن هذا يشهد لما ذكرنا من َّ‬ ‫ٍ‬
‫عبادة؛ َّ‬ ‫في الموضعين كان سجو َد تح َّي ٍة‪ ،‬ال سجو َد‬
‫خاص‪ ،‬وهو اعتقاد الخاضع‬ ‫الخضوع ال يكون عباد ًة بمجردها بل حتَّى يكون على ٍ‬
‫وجه‬
‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫صفة من صفات الروبوب َّية للمخضوع له‪ ،‬وما قيل‪ :‬من َّ‬
‫أن السجو َد آلد َم كان هلل‪ ،‬وآدم‬ ‫ثبوت ٍ‬
‫َ‬
‫خالف مقتضى قوله‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كالقبلة‪َّ ،‬‬
‫فاللم في قوله‪﴿ :‬ﮉ﴾ [البقرة‪ ]34 :‬للغاية‪ ،‬بمعنى إلى‪،‬‬
‫﴿ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [اإلسراء‪« .]61 :‬ر ٌّد على مذهب الوهابيين» ضمن «الر ُّد على‬
‫الوهاب َّية في قرن التاسع عشر» (ص‪.)277 :‬‬
‫اس دعاء» (صغرى)‬ ‫((( فالقياس يحصل عند الخصم بهذا الشكل‪« ،‬يا رسول اهلل‪ ،‬أو يا ابن ع َّب ٍ‬
‫ٍ‬
‫و«كل دعاء عبادة» (كبرى)‪ ،‬فأنكر المؤ ِّلف رحمه اهلل هذا القياس بعدم ُّ‬
‫تكرر الحدِّ األوسط‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫تكرره في كلتا مقدِّ متي القياس الصغرى والكبرى‪ ،‬فلهذا ال يجوز تعدية‬
‫وهو الذي يلزم ُّ‬
‫«وكل ٍ‬
‫دعاء عبادة» إلى الحدِّ األصغر‬ ‫ُّ‬ ‫الحكم من الحدِّ األوسط وهو الدعاء الذي في قولهم‪:‬‬
‫يتكرر؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫وهو «يا رسول اهلل» التي في قولهم‪« :‬يا رسول اهلل عبادة» وإنَّما قال رحمه اهلل ال َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الع َّلة فيه غير شاملة لجميع جزئ َّيات المقيس‪ ،‬إذ ليس كل دعاء عبادة‪ ،‬فإذا كانت الع َّلة َ‬
‫غير‬
‫اختل القياس؛ لفقد شرطه من وجود الع َّلة في المقيس‪ ،‬فلو َّ‬
‫تكرر‬ ‫عا َّم ٍة في أفراد المقيس َّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد سوا ٌء كان ح ّي ًا أو م ِّيت ًا‪ ،‬حاضر ًا أو غائب ًا‪ ،‬كافر ًا كقول الغريق لمن‬ ‫َل َلزم أن يكون الداعي‬
‫الشاطي‪« :‬يا عبد اهلل أغثني» ونحو ذلك‪.‬‬ ‫هو على َّ‬
‫‪46‬‬

‫ُّ‬
‫[إثبات جواز التوسل في ضوء النقل]‬

‫واالستمداد‪ :‬إنَّه قد روى‬ ‫ثم يقال في إبطال المسألة الثانية النافِ ِية للتوسل ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ ُ‬
‫النبي‬ ‫َيف رضي اهلل عنه قال‪َّ :‬‬
‫«إن رج ً‬ ‫عثمان بن حن ٍ‬
‫َ‬
‫رير ال َبصر أتى َّ‬
‫ال َض َ‬ ‫ُ‬ ‫الترمذي عن‬
‫ُّ‬
‫خير‬ ‫وإن ِشئ َ‬
‫ْت َص َب ْر َت‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫عو ُت‪ْ ،‬‬ ‫«إن ِشئ َ‬
‫ْت َد ْ‬ ‫ﷺ‪ ،‬فقال‪ُ :‬ا ْد ُع اهلل أن يعافِ َيني‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫دعو بهذا الدُّ عاء‪ :‬ال َّل َّ‬
‫هم إنِّي‬ ‫الوضو َء‪ ،‬و َي َ‬
‫توضأ فـ ُيحسن ُ‬ ‫لك» قال‪ :‬فا ْد ُعه‪ ،‬فأ َمره أن َي َّ‬
‫هت بك إلى ر ِّبي‬ ‫توج ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أسأ ُلك‪،‬‬
‫محمد إنِّي َّ‬
‫الرحمة‪ ،‬يا َّ‬‫نبي َّ‬
‫محمد ِّ‬
‫وأتوجه إليك بنب ِّيك َّ‬‫َّ‬
‫في حاجتي هذه لتُقضى لي‪ ،‬ال َّل َّ‬
‫هم َف َش ِّف ْعه َّ‬
‫في(‪.)1‬‬

‫وفعل‪ ،‬فعافاه اهلل‪.‬‬


‫بالو ِ‬
‫سـيلة في قولـه تعالى‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وقـال َّ‬
‫«المـرا ُد َ‬
‫القـاري فـي «مناسـكه»‪ُ :‬‬
‫ُّ‬ ‫علـي‬
‫ٌّ‬ ‫ملا‬

‫السنَّة المعتبرة‪،‬‬
‫مخرج في كتب ُّ‬
‫صحيح َّ‬
‫ٌ‬ ‫الترمذي في «السنن» (‪ ،)3578‬والحديث‬
‫ُّ‬ ‫(( ( أخرجه‬
‫الزجاجة في فوائد صالة‬ ‫والعلمة المح ِّقق عبد اهلل بن الصدِّ يق الغماري رحمه اهلل ِ‬
‫«م ْصباح ُّ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫العتراض‪.‬‬ ‫الحاجة» يخرج الحديث ويذكر ُطرقه ويجيب ما أوردوا من ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫توسل‬
‫صريح في أنَّه إنَّما َّ‬
‫ٌ‬ ‫تنبيه‪ :‬وقد يقول بعض الجهلة من الوهاب َّية َّ‬
‫إن حديث األعمى‬ ‫ ‬
‫التوسل‬
‫ُّ‬ ‫ستجاب وليس فيه ٌ‬
‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫بدعاء النبي ﷺ‪ ،‬والحديث على حذف المضاف‪ ،‬ودعاؤه ُم‬
‫بالذوات‪ ،‬والجواب هذه الدعوى باطل ٌة من وجوه ُّ‬
‫أهمها لو كان دعاء الرسول وحده هو‬
‫للرجل و َلكان يكفي أن يدعو‬
‫َّبي ﷺ هذا الدعاء َّ‬
‫المقصود كما ظنُّوا فما الفائدة في تعليم الن ِّ‬
‫أن‬ ‫َّبي عليه الصالة والسالم كما فعل ذلك كثير ًا مع َمن كان يسأله الدعاء‪ُّ ،‬‬
‫يدل عليه َّ‬ ‫له الن ُّ‬
‫ٍ‬
‫تأويل‪ ،‬وكيف‬ ‫أي‬
‫التوسل به ﷺ ال يحتمل َّ‬
‫ُّ‬ ‫توس ٌل به‪ ،‬وهو ٌّ‬
‫نص في‬ ‫النبي ﷺ ع َّلمه دعا ًء هو ُّ‬
‫َّ‬
‫هت بك»؟‪ .‬للزيادة راجع «رفع‬
‫توج ُ‬
‫«أتوجه إليك»‪ ،‬و«إنِّي َّ‬
‫َّ‬ ‫التوسل به ﷺ وفيه‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫يحتمل غير‬
‫التوسل باألنبياء والصالحين» (ص‪.)93 :‬‬
‫ُّ‬ ‫المنارة»‪( .‬ص‪ ،)23 :‬و«دالئل المح ِّبين في‬
‫‪47‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثانية‬

‫محمدٌ ﷺ(‪ ،)2‬ولو كان دعا ُء غير اهلل‬ ‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [اإلسـراء‪َّ ]57 :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫َّبـي) ُّ‬
‫وكل َم ْن‬ ‫صـل في صالتـه‪ ،‬بقوله‪( :‬أ ُّيهـا الن ُّ‬ ‫كل ُم ٍّ‬
‫ـرك و َك َفـر ُّ‬ ‫ِشـرك ًا وكفـر ًا‪ْ ،‬‬
‫ألش َ‬
‫نـا َدى أحـد ًا مثـل (يا أبِـي‪ ،‬ويا ولـدي‪ ،‬ويـا َر ُج ُل)‪.‬‬

‫***‬

‫((( هكذا في (أ) و(ت) وفي «إرشاد الساري إلى مناسك المال على القاري » لحسين بن على‬
‫الوسيل َة‪َّ :‬‬
‫بالذريعة‬ ‫وفسر َ‬
‫المكي (ص‪﴿ )709 :‬ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [المائدة‪َّ ،]35 :‬‬
‫محمدٌ ﷺ‪.‬‬
‫َّوصل إلى صاحب الشريعة‪ .‬اﻫ‪ .‬وهو َّ‬
‫بالت ُّ‬
‫التوسل بسائر أصحاب ال ُقبور من الصحابة‬
‫ُّ‬ ‫جواز‬
‫ُ‬ ‫نصها‪( :‬وأ َّما‬
‫((( ورد في نُسخة (ت) هنا زياد ٌة ُّ‬
‫والتَّابعين و َمن عداهم من ُصلحاء المسلمين فهو أيض ًا ُيستن َبط من النُّصوص الواردة في‬
‫عصر من غير ٍ‬
‫نكير؛ اقتدا ًء بمن تقدَّ م‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫إجماع األ َّمة في ِّ‬
‫ُ‬ ‫بالنبي ﷺ‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫ِّ‬ ‫التَّوسل‬
‫ٍ‬
‫خلف إلى يومنا هذا‪.‬‬ ‫سلف ًا عن‬
‫‪48‬‬

‫ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ ُّ‬


‫سواء]‬
‫ٍ‬ ‫حد‬ ‫على‬ ‫واألموات‬ ‫ياء‬ ‫باألح‬ ‫مشروع‬ ‫ل‬ ‫[التوس‬

‫ـاس رضي اهلل‬ ‫األصحاب رضـي اهلل عنهم في االستسـقاء بالع َّب ٍ‬
‫ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫توسـل‬
‫وقـد َّ‬
‫الحـي أشـدُّ َغ ْير َّيـ ًة هلل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فـارق‪ ،‬بـل‬ ‫عنـه(‪ ،)2‬و َف ْر ُقهـم بيـن األحيـاء واألمـوات بلا‬
‫ُّ‬

‫ٍ‬
‫بشيء‪ ،‬واالستغاثة‬ ‫تقرب إليه‬
‫«توسل إلى فالن بكذا» إذا َّ‬
‫التقرب إلى الغير‪ ،‬يقال‪َّ :‬‬
‫التوسل فهو ُّ‬
‫ُّ‬ ‫((( ‬
‫معناه طلب الغوث‪ ،‬والدُّ عاء معناه النداء‪ ،‬وطلب اإلقبال‪ ،‬يقال‪« :‬دعا فالن ًا» إذا ناداه‪ ،‬فإذا‬
‫تالعب‬ ‫واحد‪ ،‬وهل هذ َّإل‬‫ٍ‬ ‫كانت هذه الحقائق متباين ًة كما ترى‪ ،‬فكيف يصح إرادتُها في ٍ‬
‫لفظ‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫بالنُّصوص؟ ينظر‪« :‬الر ُّد المحكم» (ص‪.)23 :‬‬
‫عمر ب َن الخ َّطاب رضي اهلل‬ ‫أخرج البخاري في «الصحيح» (‪ )1010‬عن أنس بن ٍ‬
‫مالك َّ‬
‫أن َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫((( ْ َ‬
‫نتوسل إليك بنب ِّينا‬
‫(اللهم إنَّا كنَّا َّ‬
‫َّ‬ ‫استَسقى بالع َّباس بن عبد الم َّطلب‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫عنه كان إذا َق َحطوا ْ‬
‫فاس ِقنا)‪ .‬قال‪ :‬ف ُي ْس َقون‪.‬‬
‫بعم نب ِّينا ْ‬
‫نتوسل إليك َّ‬
‫ِ‬
‫فت َْسقينا وإنَّا َّ‬
‫وكاني ـ ال َتنْس كونه سلف ّي ًا ـ في «الفتح الر َّباني» (‪ )290/1‬في توجيه حديث‬ ‫ُّ‬ ‫وقال َّ‬
‫الش‬ ‫ ‬
‫ُوهم من اختصاص صالة‬
‫نصه‪« :‬فأ َّما ما ت ِّ‬
‫األعمى الذي تقدَّ م‪ ،‬وتوجيه هذا الحديث ما ُّ‬
‫َّوهم ما أبعده عن فهم الحديث‪ ،‬وعن‬
‫الحاجة والتَّوسل بالنَّبي ﷺ في حال حياته‪ ،‬فهذا الت ُّ‬
‫التخصيص بهذه التَّخ ُّيالت الفاسدة لجاز في أكثر األحاديث‬
‫ُ‬ ‫َقوانين أهل العلم فإنَّه لو َّ‬
‫صح‬
‫ُوهم أيض ًا‬
‫خاص في حياته ﷺ‪ ،‬ومن أين لنا أنَّه عا ٌّم بعد مماته؟ ونحو هذا ما ت ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫ْ‬
‫أن ُيقال‪ :‬هذا‬
‫بالحي دون الم ِّيت؛‬
‫ِّ‬ ‫َّوسل بالع َّباس بن عبد الم َّطلب رضي اهلل عنه أنَّه يجوز الت ُّ‬
‫َّوسل‬ ‫في الت ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ألن الميت الذي قد صار ِ‬
‫رهين ًا في التُّراب ليس‬
‫توسل بما له من الجاه والكرامة‬ ‫بأهل أن ُي َّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫الحي‬
‫َّ‬ ‫بحسب الواقعة بعيدٌ في النَّظر‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫دليل‪ ،‬بل ْ‬‫تخصيص بال ٍ‬
‫ٌ‬ ‫وال َّثواب! وهذا كما أنَّه‬
‫تأخر ﷺ‪ ،‬أو‬ ‫يجوز منه الغفلة والخطأ‪ ،‬فأ َّما الم ِّيت الذي غفر اهلل له ما تقدَّ م من ذنبه وما َّ‬
‫َّوسل إنَّما هو بتلك المنزلة ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫منازل رفيعة‪ ،‬فإنَّه ال يجوز منه ما ُذكر‪ ،‬والت ُّ‬ ‫المق ُطوع َّ‬
‫بأن لهم‬
‫الشخص في الحقيقة التي نالها من ر ِّبه تعالى‪.‬‬ ‫لذلك َّ‬
‫التوسل به‬ ‫فأي مان ٍع لنا من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َمن ع َّل َمنا‬
‫وحاصل األمر‪َّ :‬‬
‫ُّ‬ ‫بطريق صحيحة منزلتَه عند ر َّبه تعالى ُّ‬ ‫ ‬
‫‪49‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثانية‬

‫والـروح أقـرب إلـى اهلل تعالـى‪.‬‬


‫ُ‬ ‫بالروحان َّيـة‪،‬‬
‫لتمحضـه ُّ‬
‫ُّ‬ ‫َّوسـل‬
‫ـق بالت ُّ‬
‫ـت أل َي ُ‬
‫والم ِّي ُ‬
‫ضاوي رحمـه اهلل ﴿ﮮ ﮯ﴾ [النازعـات‪ ]5 :‬بالنُّفوس‬ ‫ِّ‬ ‫ويؤ ِّيـد ذلك ُ‬
‫بيـان ال َب ْي‬
‫فارقـة أبدانهـم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلـذة نـداء ﴿ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الفجر‪:‬‬ ‫الفاضلـة ال ُقدسـ َّية ُ‬
‫الم‬
‫وش َـرفها صـارت مـن ﴿ﮮ ﮯ﴾‬ ‫ِ‬
‫َّصلـة بعالـم ال ُقـدْ س‪ ،‬فإنَّهـا ل ُق َّوتهـا َ‬ ‫المت‬
‫‪ُ ]28‬‬
‫بـإذن اهلل تعالى(‪.)1‬‬

‫***‬

‫الشفاعة في يوم القيامة لِ َمن لهم الشفاعة‬


‫الرتبة لديه!؟ وإذا جازت َّ‬
‫إلى ر ِّبه الذي أعطاه هذه ُّ‬
‫أن اهلل ُيش ِّفعهم في هذه الدار؟‬
‫والشهداء والعلماء‪ ،‬فما المانع من َّ‬
‫من األنبياء والصدِّ يقين ُّ‬
‫األرواح ال َبشر َّية الخال َّية عن العالئق الجسمان َّية المشتاقة‬
‫َ‬ ‫ازي في «تفسيره»‪َّ :‬‬
‫«إن‬ ‫الر ُّ‬
‫(( ( قال اإلمام َّ‬
‫تذهب إلى عالم المالئكة ومنازل‬
‫ُ‬ ‫لوي بعد ُخروجها من ُظلمة األجساد‬
‫إلى االتِّصال بالعالم ال ُع ِّ‬
‫آثار في أحوال هذ العالم فهي ﴿ﮮ ﮯ﴾ نقله عنه اإلمام َّ‬
‫الزاهد‬ ‫القدس‪ ،‬ويظهر منها ٌ‬
‫هاب‬ ‫ِ‬
‫التقول»‪ ،‬ضمن «مقاالت الكوثري» (ص‪ .)288 :‬وقال ش ُ‬
‫«محق ُّ‬
‫ِّ‬ ‫الكوثري في مقالة‬
‫ُّ‬
‫فاجي رحمه اهلل في «حاشيته» على «تفسير البيضاوي» (‪ 8‬ـ ‪ )313‬سورة النَّازعات‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الدَّ ين َ‬
‫الخ‬
‫ِ‬
‫المالحدة في‬ ‫بعض‬
‫والتوسل بهم إلى اهلل‪ ،‬وإن أنكره ُ‬ ‫السلف‬
‫ُّ‬ ‫اتَّفق الناس على زيارة مشاهد َّ‬
‫در األُستاذ فتحي سعيد س َّلمه اهلل حيث جمع َ‬
‫أقوال‬ ‫عصرنا‪ ،‬والمشتَكى إليه هو اهلل‪ .‬تنبي ٌه‪ :‬وهلل ُّ‬
‫التوسل وزيارة المشاهد مع الفوائد في «دالئل المح ِّبين»‬
‫ُّ‬ ‫األعالم من الح َّفاظ وغيرهم في‬
‫مه ٌم جدّ ًا‪.‬‬
‫فراجعه فإنَّه ِّ‬
‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫الصدقات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وإيقاد ال َقناديل‪،‬‬ ‫وهي مسألة بِناء المقابر وإنشاء ِ‬
‫الق ِ‬
‫وعرض َّ‬ ‫باب‪،‬‬ ‫َ‬
‫المقابِر‬ ‫ِ‬
‫والنُّذور عليها‪ ،‬وزيارة َ‬
‫وأما المسألة الثالثة‪ :‬لكونِها من ال ُفروع ِ‬
‫الف ْقه َّية‪ ،‬فيها َمسا ٌغ‬ ‫َّ‬
‫لالجتهاد(‪ ،)1‬وجوا ُبها على مذهبنا ما ُذ ِكر في «تنوير األبصار» وشرحه «الدُّ ر‬
‫تطيين ال ُقبور ال يكره في المختار‪ ،‬ولو احتِيج ِ‬
‫للكتابة كيال َي ْذهب‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن ِ َ‬‫المختار» من َّ‬
‫األثر و ُيمتَه َن به ال بأس به‪ .‬انتهى(‪.)2‬‬

‫(إن هذه المسألة من الفروع الفقه َّية لالجتهاد فيها مسا ٌغ وإن كانت مختلف ًا‬
‫((( وفي نسخة (ت)‪َّ :‬‬
‫فيها في مذهبنا لكن المختار الجواز)‪.‬‬
‫وقال َّ‬
‫الشارح‪/11( :‬أ) (يعني‪ :‬يسوغ مخالفتنا لهم ومخالفتهم لنا إذا كان بناء على االجتهاد‬ ‫ ‬
‫الصادر عن أهله)‪.‬‬
‫نصه‪( :‬قال في «تنوير األبصار» وشرحه«الدر المختار»‪« :‬وال‬
‫((( ورد في نُسخة (ت) ما ُّ‬
‫بأس به‪ ،‬وهو المختار كما في كراهية‬
‫يجصص وال يط َّين وال يرفع عليها بنا ٌء‪ ،‬وقيل‪ :‬ال َ‬
‫َّ‬
‫بأس بالكتابة‪ ،‬إن احتيح إليها‪ ،‬حتَّى ال يذهب‬
‫«السراجية» (ص‪ ،)322 :‬وفي جنائزها ال َ‬
‫ِّ‬
‫متهن»)‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫األثر وال ُي َ‬
‫البزدوي رحمه اهلل تعالى‪ :‬ولو‬
‫ُّ‬ ‫األئمة‬
‫َّ‬ ‫«السراجية» بما يلي‪« :‬قال الشيخ اإلمام فخر‬
‫وعبارة ِّ‬ ‫ ‬
‫احتيج إلى العالمة حتى ال يذهب األثر‪ ،‬وال ُيمتَهن ال بأس به»‪( .‬ص‪.)133 :‬‬
‫وع َّلل ذلك ابن عابدين رحمه اهلل في «حاشيته» (‪ )170 /3‬بقوله‪« :‬ألن النهي عنها وإن‬ ‫ ‬
‫‪51‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫بئر با ُلو َع ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ويظهر منه‪َّ :‬‬


‫بالم ْشي عليه‪ ،‬وإلقاء ال َعذ َرة واتِّخاذه َ‬
‫االمتهان َ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫(‪)1‬‬

‫ممنوع شرع ًا‪.‬‬ ‫وغير ذلك‬ ‫وم ْز ٍ‬


‫بلة‪ِ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫َّسـائي عـن أبـي هرير َة رضـي اهلل عنه قـال‪ :‬قال‬ ‫ُّ‬ ‫مسـلم وأبـو داو َد‪ ،‬والن‬
‫ٌ‬ ‫وروى‬
‫ألن يجلِـس(‪ )2‬أحدُ كـم علـى جم ٍ‬
‫ـرة فت ُْح ِ‬
‫ـص إلى‬‫ـرق ثيا َبـه فتَخْ ُل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫رسـول اهلل ﷺ‪َ ْ « :‬‬
‫خيـر مـن أن َيجلِس علـى قبر أخيـه»(‪.)3‬‬
‫جلـده ٌ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ألن‬ ‫وروى اب ُن ماجه عن ُع ْقب َة بن ٍ‬
‫عامر رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال‬
‫إلي ِم ْن أن ْأمشي على قبر‬ ‫ف نعلي ِبر ْجلي ُّ‬
‫أحب َّ‬ ‫أخ ِص ُ‬
‫سيف‪ ،‬أو ْ‬‫ٍ‬ ‫أم ِشي على جم ٍ‬
‫رة أو‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫مسلمٍ»(‪.)4‬‬

‫النهي عنها من ُطرق‪ ،‬ثم قال‪ :‬هذه‬


‫َ‬ ‫العملي بها‪ ،‬فقد أخرج الحاكم‬
‫ُّ‬ ‫صح فقد ُو ِجد اإلجماع‬
‫َّ‬
‫مكتوب‬
‫ٌ‬ ‫أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب‬ ‫األسانيد صحيحة وليس العمل عليها‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫عمل أخذ به الخلف عن السلف»‪.‬‬ ‫على قبورهم‪ ،‬وهو ٌ‬
‫((( با ُلوعة‪ :‬فتح ٌة ُت َعدُّ لتصريف الماء ال َق ِذر‪.‬‬
‫األكثر على ما يقتضيه‬
‫ُ‬ ‫حم َله‬
‫يبي في «الكاشف» شرح «المشكاة» (‪َ :)1407 /4‬‬ ‫((( قال ال ِّط ُّ‬
‫وحمله‬ ‫ال َّظاهر من الجلوس والقعود على القبر؛ لما فيه من ِ‬
‫بحق أخيه المسلم‪َ ،‬‬ ‫الستخفاف ِّ‬ ‫ُ‬
‫جماع ٌة على الجلوس على القبر لقضاء الحاجة‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫قول األكثر بما أخرجه أحمد‬ ‫الممجد» (ص‪َ )129/2 :‬‬ ‫َّ‬ ‫كنوي في «التعليق‬‫ُّ‬ ‫هر ال َّل‬
‫وقد است ْظ َ‬ ‫ ‬
‫قبر فقال‪« :‬ال ت ِ‬ ‫َّكئ على ٍ‬
‫صاحب‬
‫َ‬ ‫ُؤذ‬ ‫من حديث عمرو بن حز ٍم‪ :‬رآني رسول اهلل ﷺ وأنا مت ٌ‬
‫أن الع َّلة للنهي هو تأ ِّذي الم ِّيت‪ ،‬غاي ُة ما في الباب‬
‫صريح في َّ‬
‫ٌ‬ ‫صحيح فقال‪ :‬إنَّه‬
‫ٌ‬ ‫القبر»‪ .‬وسنده‬
‫أخف‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والتوسد ونحوه‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫أن الجلوس لحدث أشدُّ وأغلظ‪ ،‬والجلوس لغيره‬
‫«الصحيح» (‪ ،)971‬وأبو داو َد في «السنن» (‪ ،)3220‬وأحمدُ في‬ ‫َّ‬ ‫مسلم في‬
‫ٌ‬ ‫((( أخرجه‬
‫«المسند» (‪ ،)8008‬واب ُن أبي شيبة في «المصنَّف» (‪ )11899‬ك ُّلهم من حديث أبي هريرةَ‪.‬‬
‫((( أخرجه اب ُن ماجه في «السنن» (‪ )1567‬من حديث ُعقب َة بن ٍ‬
‫عامر‪.‬‬
‫‪52‬‬

‫فالمحافظ ُة على االمتِهان بقدر اإلمكان ال بأس به‪ ،‬وهي‪ :‬قد تكون بوضع ال َعالمة‬
‫ُ‬
‫اليسيرة‪ ،‬وقد تكون بإحاطته بالشبابيك(‪ِ )1‬‬
‫والحيطان؛ ليبقى أثر الحفظ على مرور‬
‫الزمان(‪ ،)2‬وقد تكون بوضع ال ُق َّب ِة(‪...............................................)3‬‬

‫اك‪ ،‬وهو النافِذة تُشـ َبك بالحديد‪ ،‬أو الخشـب‪ ،‬والنافذة مطلقـ ًا‪ .‬ينظر‪ « :‬المعجم‬
‫((( جمـع ُشـب ٍ‬
‫َّ‬
‫الوسيط»‪.‬‬
‫((( وفي (ت)‪( :‬ليبقي األثر فيحفظ بمرور الزمان)‪.‬‬
‫(( ( كال ُم المصنِّف يشعر الجواز مطلق ًا‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬كما ُيفهم من كالم المح ِّقق ابن عابدين‬
‫اختار جوازه»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫َ‬ ‫(‪« :)170/3‬وأ َّما البنا ُء عليه فلم َأر من‬
‫للزينة‪،‬‬
‫يحرم لو ِّ‬ ‫ٍ‬
‫أسطر‪« :‬وال يرفع عليه بناء؛ أي‪ُ :‬‬ ‫يعني‪ :‬مطلق ًا‪ ،‬فإنَّه رحمه اهلل قد قال قبل‬ ‫ ‬
‫ويكره لو لإلحكام بعد الدفن‪ ،‬وأ َّما قبله فليس ٍ‬
‫بقبر‪« ،‬إمداد»‪ ،‬وفي «األحكام عن جامع‬
‫الفتاوى»‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ُيكره البناء؛ إذا كان الم ِّيت من المشايخ‪ ،‬والعلماء والسادات»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫ويؤ ِّيد هذا الكالم ما أورده اب ُن الم َلك في «شرح مصابيح السنة» (‪« :)365 /2‬وقد‬ ‫ ‬
‫السلف البناء على ُقبور ال ُعلماء المشهورين‪ ،‬والمشايخ المع َّظمين ليزورها الناس‬
‫أباح َّ‬
‫ويستريحوا إليها بالجلوس»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫بأن المصنِّف رحمه اهلل لم يقصد َّإل البناء للمشايخ والعلماء؛ َّ‬
‫ألن الكالم‬ ‫ويمكن أن يجاب َّ‬ ‫ ‬
‫النبي ﷺ‪:‬‬
‫تمسك به المخالفون من رواية أبي اله َّياج في «صحيح مسلم» عن ِّ‬ ‫فيهم‪ ،‬وأ َّما ما َّ‬
‫ِ‬
‫أرجحها‬
‫ُ‬ ‫تدع ت ْمثاالً َّإل َط َم ْستَه وال َق ْبر ًا ُم ْش ِرف ًا َّإل َّ‬
‫سويته»‪ ،‬فقد ذكروا فيها وجوه ًا‬ ‫«أن ال َ‬
‫ْ‬
‫وجهان‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ما ذهب إليه َّ‬
‫العلمة أحمد ال ُغماري في «إحياء المقبور» (ص‪« :)47 :‬من أنَّه ﷺ‬ ‫ ‬
‫أراد قبور المشركين التي كانوا يقدِّ سونها في الجاهلية وفي بالد الك َّفار‪ ،‬بدليل ذكر التماثيل‬
‫معها»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫الكوثري رحمه اهلل في «مقاالته» (ص‪« :)127 :‬من َّ‬
‫أن ترك العمل‬ ‫ُّ‬ ‫والثانية‪ :‬ما ذكره اإلمام‬ ‫ ‬
‫النيسابوري في «مستدركه» َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫بالحديث مدى ال ُقرون ع َّل ٌة قادح ٌة في الترك‪ ،‬فقد ذكر الحاكم‬
‫عمل األ َّمة على خالف تسوية القبر»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫‪53‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫االندراس(‪ )1‬بتأثير األمطار‪ ،‬وليكون ّ ً‬


‫محل للدُّ عاء واألذكار‪ ،‬وليأمن‬ ‫ِ‬ ‫محافظ ًة عن‬
‫ظان من م ِ‬ ‫والم ِّ‬
‫راقد‬ ‫َ‬ ‫َطاول أيدي األشرار‪ ،‬وال س َّيما ُقبور الصالحين والعلماء‪َ ،‬‬ ‫عن ت ُ‬
‫ِ‬
‫األنبياء والمرسلين‪ ،‬خصوص ًا قبر نب ِّينا ص َّلى اهلل عليه وعليهم أجمعين وس َّلم تسليم ًا‪.‬‬
‫موضع فراشه ﷺ في ُحجرة عائش َة رضي اهلل عنها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قد كان‬
‫«لما سقط‬‫روى َرزين ب ُن ُمعاوي َة في «تجريده» عن ُعرو َة رضي اهلل عنه قال‪َّ :‬‬
‫(‪)2‬‬

‫قبر النَّبي ﷺ في زمان الوليد‪ ،‬أخذ في ِ‬


‫بنائه‪ ،‬ف َبدَ ْت لهم َقدَ ٌم‪ ،‬ف َفزعوا‬ ‫رة ِ‬‫حائط حج ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ُ ْ‬
‫وظنُّوا أنَّها قد ُم رسول اهلل ﷺ فما وجدوا أحد ًا ي ْع َلم ذلك‪ ،‬حتَّى قال لهم ُعروة‪ :‬واهلل‬
‫ما هي ب َقدم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وإنَّما هي قدُ ُم عمر» انتهى(‪.)3‬‬

‫الزيادة حول هذا الموضوع‪ ،‬فليرجع «إحياء المقبور» ألحمد الغماري‪ ،‬و«كشف‬
‫ومن أراد ِّ‬ ‫ ‬
‫الستور» لسعيد ممدوح‪ ،‬ومقالة الكوثري «بناء مساجد على القبور» ضمن «مقاالت‬
‫الكوثري»‪.‬‬
‫وأئمة اإلسالم شرق ًا وغرب ًا كما هو معلو ٌم‪ ،‬وفي‬
‫((( لم يزل الناس يبنون على مقابر الصالحين َّ‬
‫ذلك تعظيم حرمات اهلل‪ ،‬واجتالب مصلحة عباد اهلل؛ النتفاعهم بزيارة أوليائه‪ ،‬ودفع مفسدة‬
‫المشي والحفر وغير ذلك‪ ،‬والمحافظة على تعيين قبورهم وعدم اندراسها‪ ،‬ولو وقعت‬
‫المحافظة من األمم المتقدِّ مة على قبور األنبياءلم تندرس‪« .‬ر ٌّد على مذهب الوهابيين»‬
‫(ص‪ )298 :‬ضمن «الرد على الوهاب ِّية في قرن التاسع عشر»‪.‬‬
‫نصـه‪«( :‬تجريـد الصحاح السـتَّة» فـي الحديث‪َّ ،‬‬
‫للشـيخ اإلمام‬ ‫تعليـق ُّ‬
‫ٌ‬ ‫((( ورد فـي نسـخة (أ)‬
‫ٍ‬
‫خمـس وثالثين وخمسـمئة‪،‬‬ ‫الس َر ُق ْسـطِي‪ ،‬المتو َّفـى في سـنة‬
‫َرزيـن بـ ُن معاويـ َة ال َع ْبـدَ ري َّ‬
‫كـذا أسـامي الكتب)‪.‬‬
‫البخاري في «الصحيح» (‪ )1390‬من حديث هشام بن ُع ْروة عن أبيه‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫((( أخرجه‬
‫«والغرض من هـذا النَّقل َّ‬
‫أن قبره ﷺ تحت السـقف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الشـارح مـا َّ‬
‫ملخصـه (‪/17‬ب)‪:‬‬ ‫قال َّ‬ ‫ ‬
‫ولـه حيطـان وك َّلمـا احتيـج إلـى التعميـر والتجديـد كان َّ‬
‫يعمـر ويجدَّ د مـن قديـم الزمان‪،‬‬
‫‪54‬‬
‫ِ‬ ‫بم ْح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلماء‪،‬‬ ‫ضر من أعالم‬ ‫لوك ال ُقرون السابقة َيزيدون في البِناء َ‬
‫ثم ما زال ُم ُ‬
‫َّ‬
‫ولم ُينكروه‪ ،‬بل استحسنوه‪.‬‬

‫***‬

‫بأئمـة الديـن‪ ،‬ومشـحون ًة بالفقهـاء والمجتهديـن‪ ،‬ولـم ُينقـل‬


‫حيـن كانـت البلاد مملـوء ًة َّ‬
‫إنكارهـم فـي ذلـك»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫مما تقدَّ م َّ‬
‫أن‬ ‫البخاري‪ :‬و ُيستفا ُد َّ‬
‫ِّ‬ ‫السمهودي في «وفاء الوفاء» (‪« :)547 /2‬عقيب رواية‬
‫ُّ‬ ‫قال‬ ‫ ‬
‫سقوط الجدار المذكور بنفسه‪ ،‬ولع َّله بسبب المطر»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫السبب في هذا البناء‬
‫‪55‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫[خصوص السبب ال ينافي عموم اللفظ]‬
‫دل عمو ُم قوله تعالى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾‬ ‫وقد َّ‬
‫جواز ما ُذ ِكر جميع ًا(‪ ،)1‬بل على استحبابه‬
‫ِ‬ ‫المنطوق ال َّظاهر على‬
‫بحسب َ‬ ‫[الحج‪ْ ]32 :‬‬
‫فإن الشعيرة‪ :‬هي العالم ُة‪.‬‬‫الحج(‪)2‬؛ َّ‬
‫ِّ‬ ‫الم ْو ِرد ّ‬
‫خاص ًا بمعالم‬ ‫بحسب َ‬ ‫ْ‬
‫وإن كان ْ‬
‫المعالِم‪ ،‬وتذكر ًة لمن َع َق َل واتَّصف بنور اإليمان‪،‬‬
‫وكما ُي ْذك َُر اهلل عند تلك َ‬
‫والمساجدُ ُيذكِّر‬
‫والحر ُم َ‬
‫َ‬ ‫وقبورهم‬
‫ُ‬ ‫كذلك األنبياء والعلماء ال ُعرفاء والصالحون‪،‬‬
‫ُّ‬
‫فالكل من شعائر اهلل‬ ‫الحق سبحانه وتعالى لمن َع َق َل‪ ،‬و ُي ْذك َُر عند ٍ‬
‫كل‪،‬‬ ‫كل من ذلك َّ‬ ‫ٌّ‬
‫الزمان‪ ،‬ورأوه حسن ًا بنور‬
‫استمر عليه المؤمنون من َقديم َّ‬ ‫َّ‬ ‫و َمعالِمه؛ فال بأس فيما‬
‫مر ذكره من األمور الجارية من َينْبوع اإلخالص واإليقان من مجاري‬‫مما َّ‬
‫اإليمان َّ‬
‫حسب ال ُقدرة واإلمكان(‪.)3‬‬
‫َ‬ ‫تعظيم اهلل ورسولِه ودينه‪،‬‬

‫ُقرر في األصول َّ‬


‫أن العبرة بعموم اللفظ‪ ،‬ال بخصوص‬ ‫نصها‪« :‬لما ت ِّ‬
‫((( ورد في نسخة (ت) زياد ٌة ُّ‬
‫السبب»‪.‬‬
‫التمسك بالعمومات الواردة في حوادث‬
‫ُّ‬ ‫((( قال َّ‬
‫الشارح‪« :‬قد اشتهر من الصحابة ومن بعدهم‬
‫من غير ٍ‬
‫قصر لها على تلك األسباب»‪.‬‬
‫مشهور باستجابة‬
‫ٌ‬ ‫وقبره‬
‫مزور‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫مشهور‬
‫ٌ‬ ‫وقبره‬
‫التوسل منها‪ُ :‬‬‫ُّ‬ ‫((( ويذكر في ٍ‬
‫كثير من التَّراجم ألفاظ‬
‫يت حاجته‪ ،‬وغير ذلك مما ال‬ ‫رياق مجرب‪ ،‬وقبر ٍ‬
‫فالن َمن دعا عنده ُق ِض ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫وقبر فالن تِ ٌ‬‫الدُّ عاء‪ُ ،‬‬
‫الحربي ـ وهو من ِكبار تالميذ أحمد بن‬
‫ُّ‬ ‫ُيحصى كثر ًة في التَّراجم‪ ،‬فمن ذلك ما قاله إبراهيم‬
‫الذهبي شارح ًا هذا‬ ‫الذهبي بل زاد‬ ‫وأقره‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫المجرب»‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫معروف الكرخي التِّرياق‬ ‫«قبر‬
‫حنبل ـ ‪ُ :‬‬
‫ألن البِقاع المباركة ُيستجاب عندها‬
‫المضطر عنده ـ أي عند القبر ـ َّ‬
‫ِّ‬ ‫بقوله‪« :‬يريد إجابة دعوة‬
‫ٍ‬
‫حجر العسقالني في‬ ‫الدُّ عاء‪ .‬انظر‪« :‬سير أعالم النُّبالء» (‪ )343 /9‬وما ذكره الحافظ اب ُن‬
‫الرضا فقال‪« :‬وقال الحاكم في «تاريخ‬
‫«تهذيب التهذيب» (‪ )195/3‬في ترجمة اإلمام علي ِّ‬
‫‪56‬‬

‫[االنتفاع بزيارة القبور]‬


‫«المطالب العالية»‪« :‬هو َّ‬
‫أن األرواح‬ ‫ِ‬
‫زيارة ال ُقبور ما ذكره اإلما ُم‬
‫الرازي في َ‬
‫ُّ‬ ‫فائد ُة‬
‫ِ‬
‫الحاصل من‬ ‫الروح َّية والتقا ُب ِل‬ ‫ِ‬
‫كالمرايا [بحيث] َينعكس بحكم المناسبة والمرتبة ُّ‬ ‫َ‬
‫بمزاره‪ ،‬فإذا‬‫التوجه َ‬
‫ُّ‬ ‫زور متع ِّلق‬
‫فالم ُ‬
‫بعض ما فيها إلى اآلخر‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫توجه بعضها إلى‬ ‫ُّ‬
‫وتوجه عنده للمزور‪ ،‬حصل التقا ُبل بين روح الزائر وروح‬ ‫َّ‬ ‫المزار‪،‬‬
‫وصل الزائر إلى َ‬
‫كل منهما إلى اآلخر‪ ،‬فأ ُّيهما أزيد كماالً فهو أقل انتفاع ًا‪،‬‬
‫كمال ٍّ‬
‫ُ‬ ‫المزور‪ ،‬في ِ‬
‫نعكس‬ ‫َ‬
‫الزيارة؛‬
‫ويتضرر من تلك ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ينقبض‬
‫ُ‬ ‫فإن لم يكن للمزور َّإل ظلم ُة النَّقائص‪ ،‬فالزائر‬
‫أهل الجاهل َّية ولذا‬ ‫ٍ‬
‫وقتئذ ُ‬ ‫ألن أصحاب ال ُقبور‬‫النهي في َّأول اإلسالم عنها؛ َّ‬ ‫ولذا ورد‬
‫ُّ‬
‫ولما امتدَّ الزمان‪ ،‬وحصل في‬ ‫ِ‬ ‫ُل ِعن َّ‬
‫والس ُرج‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫المساجدَ‬
‫والمتَّخذين عليها َ‬ ‫الزائرات ُ‬
‫ال ُقبور ُ‬
‫أهل اإليمان‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬كنت نهيتُكم عن زيارة ال ُقبور فزُورها فإنَّها تُذكِّركم‬
‫مسلم وأصحاب السنن عن أبي هرير َة رضي اهلل عنه‪َ ،‬‬
‫وقبل ذلك ما‬ ‫ٌ‬ ‫اآلخرة»(‪ )1‬رواه‬

‫محمد بن المؤ َّمل بن الحسن بن عيسى يقول‪ :‬خرجنا مع‬


‫َّ‬ ‫نيسابور» قال‪ :‬وسمعت أبا ٍ‬
‫بكر‬
‫إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيم َة وعديله أبي ٍّ‬
‫علي الثقفي مع جماعة من مشايخنا وهم‬
‫الرضا ب ُطوس قال‪ :‬فرأيت من تعظيمه ـ يعني‪:‬‬
‫إذ ذاك متوافرون إلى زيارة قبر علي بن موسى ِّ‬
‫وتضرعه عندها ما تح َّيرنا»‪ .‬اﻫ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ابن خزيمة ـ لتلك البقعة وتواضعه لها‬
‫ٍ‬
‫جماعة من مشايخنا‬ ‫وأقره الحافظ ولم ينكره‪ ،‬وانظر إلى قوله‪« :‬مع‬
‫هذا ما رواه اإلما ُم الحاكم َّ‬ ‫ ‬
‫وهم إذا ذاك متوافرون»!! هذا الجمع من العلماء لم ينكروا على الحافظ ابن خزيم َة‪.‬‬
‫النبي ﷺ قال‪« :‬كنت نهيتكم‬
‫مسلم في «صحيحه» (‪ )977‬من حديث بريد َة عن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫((( وروى‬
‫عن زيارة القبور فزوروها»‪ ،‬وفيه أيض ًا (‪ )976‬عن أبي هرير َة عن ِّ‬
‫النبي ﷺ أنَّه قال‪« :‬زوروا‬
‫بألفاظ متعدِّ ٍ‬
‫دة‬ ‫ٍ‬ ‫القبور فإنَّها تذك ُِّر الموت»‪ ،‬واألحاديث الدَّ الة على مشروع َّية زيارة القبورة‬
‫«السنن» (‪ ،)3226‬واب ُن‬
‫«السنن» (‪ ،)1054‬وأبو داو َد في ُّ‬
‫الترمذي في ُّ‬
‫ُّ‬ ‫كثيرة‪ ،‬منها ما أخرجه‬
‫‪57‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫حكمي في‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بانعكاس‬ ‫كانت ت َُذكِّرها؛ لعدم أهل اإليمان باآلخرة فيها؛ ألن التذكُّر‬
‫المزور هو الع َّلة الغائ َّي ُة في التحقيق ِّ‬
‫للزيارة(‪....................................،)1‬‬ ‫َ‬

‫الغزالي رحمه اهلل في «إحياء علوم‬


‫ُّ‬ ‫حجة اإلسالم اإلمام‬
‫ماجه في «السنن» (‪ ،)1571‬وقال َّ‬
‫خصه‪« :‬وقد ذهب بعض العلماء إلى االستدالل بهذا الحديث؛‬ ‫الدين» (‪ )149 /2‬ما ُم َّل ُ‬
‫ِ‬
‫المشاهد‪ ،‬وقبور‬ ‫الرحال َّإل إلى ثالثة مساجد‪ » ...‬في المنع من ِّ‬
‫الرحلة لزيارة‬ ‫أي‪« :‬ال تُشدُّ ِّ‬
‫مأمور بها‪ ،‬قال ﷺ‪« :‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫والزيار ُة‬
‫والصلحاء‪ِّ ،‬‬
‫العلماء ُّ‬
‫وال تقولوا هجر ًا»‪.‬‬
‫ألن المساجد بعد المساجد‬ ‫ِ‬
‫المشاهد؛ َّ‬ ‫والحديث إنَّما ورد في المساجد وليس في معناه‬ ‫ُ‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫المشاهد فال‬ ‫مسجد آخر‪ ،‬وأ َّما‬ ‫الثالثة متماث ٌلة‪ ،‬وال بلدَ َّإل وفيه مسجدٌ ‪ ،‬فال معنى ِّ‬
‫للرحلة إلى‬
‫وجل‪ ،‬ثم ليت ش ْعري هل يمنع هذا‬ ‫عز َّ‬ ‫َتساوى‪ ،‬بل بركة زيارتها على قدر درجاتهم عند اهلل َّ‬ ‫ت َ‬
‫الرحال إلى قبور األنبياء عليهم السالم مثل إبراهيم وموسى ويحيى وغيرهم‬
‫القائل من شدِّ ِّ‬
‫والصلحاء في منعاه‪ ،‬فال يبعد أن‬
‫ُّ‬ ‫جوز هذا‪ ،‬فقبور األولياء والعلماء‬
‫عليهم السالم؟ فإذا ِّ‬
‫الرحلة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن زيارة العلماء في الحياة من المقاصد‪.‬‬ ‫يكون ذلك من أغراض ِّ‬
‫التصرف عن «المطالب العالية» (‪ 7‬ـ ‪ ،)276‬ولإلمام رحمه اهلل في هذا‬
‫ُّ‬ ‫((( نقله المؤ ِّلف مع‬
‫ال هو يقول‪ :‬عند تفسيره قول اهلل تعالى حكاي ًة عن يوسف‪﴿ :‬ﯲ‬ ‫المعنى كال ٌم متعدِّ ٌد فمث ً‬
‫ﯳ﴾ [يوسف‪ ]101 :‬بعد ما طرح مسألة إشكال َّية مجال اآلية‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن يوسف عليه السالم‬
‫ُ‬
‫فالواصل إلى الغاية‬ ‫الح َّأو ُل درجات المؤمنين‪،‬‬
‫والص ُ‬
‫كان من أكابر األنبياء عليهم السالم‪َّ ،‬‬
‫كيف يليق به أن يطلب البداية؟ وأورد رحمه اهلل في ِّ‬
‫حل ذلك كالم ًا َّ‬
‫ثم أضاف رحمه اهلل‪:‬‬
‫أن النُّفوس‬‫وها ُهنا مقا ٌم أخر من تفسير هذه اآلية على لسان أصحاب المكاشفات‪ ،‬وهو َّ‬
‫ِ‬
‫واللوامع ال ُقدس َّية فإذا كانت ُمتناس َب ًة ُمتشاكل ًة انْعكَس‬ ‫المفارقة إذا ْأش َر ْ‬
‫قت باألنوار اإلله َّية‪،‬‬
‫واحدة منها إلى اآلخر‪ ،‬بسبب تلك المالزمة والمجانسة‪ ،‬فتعظم تلك‬ ‫ٍ‬ ‫النُّور الذي في ِّ‬
‫كل‬
‫الصقيلة الصافي ُة إذا ُو ِضعت‬ ‫ومثال تلك األحوال المرآ ُة َّ‬ ‫ُ‬ ‫وتقوى تلك األضوا ُء‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫األنوار‬
‫واحد منها إلى األُخرى‪ ،‬فهناك‬ ‫ٍ‬ ‫الشمس عليها انعكس الضوء من ِّ‬
‫كل‬ ‫وضع ًا متى أشرقت َّ‬
‫يقوي الضوء ويكمل النور وينتهي في اإلشراق والبريق ال َّلمعان إلى حدٍّ ال تطيقه العيون‬
‫‪58‬‬

‫يجوز زيارة القبور‪.‬‬


‫ُ‬ ‫صحة قولهم‪ :‬ال‬
‫ظهر عدم َّ‬
‫وبهذا َ‬
‫حج‬
‫«من َّ‬‫األصح‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫َّبي ﷺ‪ :‬فواجب ٌة على‬
‫وأما زيار ُة قبر الن ِّ‬
‫َّ‬
‫كم ْن زراني في حياتي» رواه ال َّط ُّ‬
‫براني في «الكبير»‬ ‫فزار ق ْبري بعد وفاتي كان َ‬
‫(‪)1‬‬

‫البزار عنه أنَّه قال ﷺ‪« :‬من زار‬


‫عمر رضي اهلل عنهما(‪ ،)2‬وروى َّ‬
‫و«األوسط» عن ابن َ‬
‫ق ْبري ح َّلت له شفاعتي»(‪.)3‬‬
‫انتفاع ٍ‬
‫كثير من عباد اهلل تعالى بذلك من‬ ‫ُ‬ ‫إسراف‪ ،‬ينافيه‬
‫ٌ‬ ‫كل ذلك‬‫إن َّ‬ ‫وأما قولهم‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫وج ٍ‬
‫وه تظهر بيسير تأ ُّم ٍل(‪.)4‬‬ ‫ُ‬

‫واألبصار الضعيفة‪ ،‬فكذا هنا‪« .‬مفاتيح الغيب» (‪.)226/18‬‬


‫أحاديث‪ ،‬لو لم يكن منها إلَّ وعدُ َّ‬
‫الصادق‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫والحث على زيارة قبره الشريف قد جاء في عدَّ ة‬ ‫((( ‬
‫الشفاعة وغير ذلك لزائره لكان كافي ًا في الدَّ اللة على ذلك‪ ،‬وقد‬
‫المصدوق ﷺ بوجوب َّ‬
‫أن ذلك من أفضل ال ُقربات‪ ،‬هكذا يقول‬
‫األئمة من بعد وفاته ﷺ إلى زماننا هذا على َّ‬
‫َّ‬ ‫اتَّفق‬
‫أشار بها إلى حديث «من زار قبري‬
‫السخاوي في «القول البديع» (ص‪ ،)348 :‬وقد َ‬
‫اإلمام َّ‬
‫وجبت له شفاعتي»‪.‬‬
‫((( أخرجه ال َّط ُّ‬
‫براني في «المعجم الكبير» (‪ ،)13497‬وفي «المعجم األوسط» (‪،)3376‬‬
‫قطني في «سننه»‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫بكي في «شفاء السقام» (ص‪ )114 :‬إلى الدار‬
‫الس ُّ‬
‫وعزاه ُّ‬
‫البزار في «مسنده»‪ ،‬ولكن قال‬
‫السقام» (ص‪ )104 :‬إلى َّ‬
‫السبكي في «شفاء ِّ‬
‫ُّ‬ ‫((( عزاه الحافظ‬
‫للبزار‪ ،‬والمطبوع‬
‫الزخار» َّ‬ ‫المح ِّقق حسين َّ‬
‫محمد علي ُشكري‪« :‬لم أجده في مطبوعة «البحر َّ‬
‫ٍ‬
‫إشارة إليه»‪ .‬وهو في « كشف األستار عن زوائد‬ ‫الز َّخار» ُ‬
‫كثير السقط من غير‬ ‫من «البحر َّ‬
‫للهيثمي (‪.)1198‬‬
‫ِّ‬ ‫مسند البزار»‬
‫((( وأ َّما مسألة عرض الصدقات والنُّذور عند المقابر فقال فيها الشارح رحمه اهلل بعد ما أطال‬
‫الكالم‪« :‬ومدلول كالمهم هو َّ‬
‫أن عدم جواز الصدقات والنذور مق َّيدٌ بكونها على المقابر‪،‬‬
‫أن التص ُّلب في اتِّباع ُّ‬
‫السنن وإنكار البدع من شأن‬ ‫وإنَّما أوردنا ذلك النقل مع طوله ليعلم َّ‬
‫الرباني ُقدِّ س ُّ‬
‫سره إذ قال في‬ ‫ُّ‬ ‫العلماء‪ ،‬ـ ويقول المعتني بهذه الرسالة ومن جملتهم اإلمام‬
‫‪59‬‬ ‫الجواب عن المسألة الثالثة‬

‫َّ َّ‬
‫[جواب الوهابية]‬
‫حضرة َّ‬
‫الشريف(‪ :)1‬ال‬ ‫ٍ‬
‫كثيرة‪ ،‬كتبوا إلى ْ‬ ‫ٍ‬
‫زيادة‬ ‫ولما ورد إليهم هذه األجوبة مع‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫جواب وسؤال‪ ،‬فإنَّا أهل االجتهاد(‪ ،)2‬وأهل اإلصابة‬ ‫يل وقال‪ ،‬وإلى‬‫َلتفت إلى ِق ٍ‬
‫ن ِ‬

‫أن المجتهد‪ْ ،‬‬


‫إن أصاب فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر‪[ ،‬فإن أبيتم فما‬ ‫والسداد‪ ،‬مع َّ‬
‫َّ‬
‫ولي اإلرشاد‪.‬‬
‫لكم من واد‪ ،‬وال بالد] ‪ ،‬وهذا ما نرشدكم‪ ،‬واهلل ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫وهذا‪ :‬صورة ُخالصة ما جرى في سابق الزمان‪ ،‬أخذتُها معي حين ُّ‬
‫الرجوع إلى‬
‫التصوير‬
‫ُ‬ ‫جمتها ُأخرى‪ ،‬واليوم َّ‬
‫صورتها بعينها‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫مرةً‪ ،‬وت َْر ْ‬ ‫الوطن‪َّ ،‬‬
‫لخصتها َّ‬
‫المباركة‪ ،‬سن َة سبع عشر َة ومئتين وألف(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫في خامس ذي الح َّجة ُ‬

‫«مكتوباته» (‪ :)55 /3‬وما يفعلونه من ذبح الحيوانات المنذورة للمشايخ عند قبور المشايخ‬
‫المنذور لهم جعله الفقهاء أيض ًا في الروايات الفقه َّية داخ ً‬
‫ال في الشرك‪.‬‬
‫وقال‪ :‬فينبغي االجتناب عن هذا العمل أيض ًا؛ لكون شائبة الشرك فيه اﻫ‪ .‬ـ فال تنجح تلك‬ ‫ ‬
‫الطائفة َّ‬
‫بأن ذلك من خصائصهم‪ ،‬كال بل الذي من خصائصهم هو المسارعة إلى تبديع‬
‫الناس‪ ،‬وإنكار ما لم يعلموا أصله بمتابعة الوسواس»‪.‬‬
‫والشريف آنذاك هو َّ‬
‫الشريف غالب بن مساعد‪ ،‬وقد تقدَّ م نبذ ٌة من ترجمته‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫((( ‬
‫الوهاب الذي هو‬
‫اني رحمه اهلل في «كشف الحجاب» (‪ 18‬ـ أ) ـ وهو يقصد ابن عبد َّ‬ ‫((( قال الق َّب ُّ‬
‫يار ُمسيلمة َّ‬
‫الكذاب‪ ،‬وما أفاد الناس‬ ‫بد ٍ‬ ‫جتهد يكون ِ‬
‫ٍ‬ ‫عجيب من ُم‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫قدوتهم ـ‪« :‬هذا القول ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسواد وجهه في الدنيا‬‫من ُعلومه الزاخرة ا َّلتي بلغ بها ُرتب َة الجتهاد المطلق َّإل ما كان سبب ًا َ‬
‫أخرجت للنَّاس عن‬‫خير أ َّم ٍة ِ‬
‫واآلخرة‪ ،‬وهي ُخروج جميع هذه األ َّمة المحمد َّية التي هي ُ‬
‫ِر ْبقة اإلسالم‪ ،‬ودخو ُلها في ُزمرة ُع َّباد األوثان واألصنام‪.‬‬
‫العناد فما لكم من ٍ‬
‫واد وال بالد!»‬ ‫((( في نسخة (ت)‪ ،‬وفي نسخة (أ)‪« :‬فإن ب ِليتم إلَّ ِ‬
‫ُ‬
‫((( وفي نسخة (ب)‪« :‬هذا خالصة ما جرى في سابق‪ ،‬أخذتها معي حين الرجوع إلى الوطن‬
‫الحجة المباركة‪ ،‬من سبعة عشر بعد‬
‫َّ‬ ‫وصورتها بعينها‪ ،‬وكان ذلك التصوير في خامس ذي‬
‫َّ‬
‫المئتين وألف‪.‬‬
‫فهرس المراجع‬

‫محمـد صديـق حسـن خـان‪ ،‬دار الكتـب العلميـة‪ ،‬لبنـان‬


‫‪ 1‬ـ أبجـد العلـوم‪َّ ،‬‬
‫(‪1889‬م)‪.‬‬

‫للغزالي‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬الطبعة الثانية (‪2013‬م)‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫‪ 2‬ـ إحياء علوم الدين‪،‬‬

‫‪ 3‬ـ إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور‪ ،‬ألحمد‬
‫الغماري‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬الطبعة الرابعة (‪2008‬م)‪.‬‬

‫محمد طلحة‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪ 4‬ـ إرشاد الساري إلى مناسك َّ‬


‫المل علي القاري‪ ،‬تحقيق َّ‬
‫اإلمدادية‪ ،‬الطبعة األولى (‪2009‬م)‪ ،‬مكَّة المكرمة‪.‬‬

‫لمحمد بن علي الشوكاني‪،‬‬


‫َّ‬ ‫‪ 5‬ـ البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع‪،‬‬
‫دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ البداية والنهاية‪ ،‬البن كثير‪ ،‬تحقيق عبد اهلل المحسن التركي‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫(‪1998‬م)‪.‬‬

‫محمد بهجة‪ ،‬الطبعة الرابعة‬


‫‪ 7‬ـ تاريخ نجد‪ ،‬لمحمود شكري اآللوسي‪ ،‬تحقيق َّ‬
‫(‪2005‬م)‪.‬‬

‫المسمى بمعالم التنزيل‪ ،‬ألبي محمد البغوي‪ ،‬دار ابن حزم‪،‬‬


‫َّ‬ ‫‪ 8‬ـ تفسير البغوي‬
‫الطبعة األولى (‪2002‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫‪ 9‬ـ تفسير النسفي‪ ،‬لعبد اهلل النسفي‪ ،‬تحقيق الشيخ مروان‪ ،‬دار النفائس‬
‫(‪2009‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تفسير البيضاوي‪ ،‬لناصر الدين أبي الخير عبد اهلل بن عمر البيضاوي‪،‬‬
‫إعداد محمد عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ تفسير روح المعاني‪ ،‬لمحمود اآللوسي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة اآلولى‬
‫(‪2010‬م)‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ تفهيم العباد‪ ،‬للشيخ قاسم نعيم الحنفي‪ ،‬الطبعة األولى(‪2013‬م)‪ ،‬دار‬
‫النور‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫السالمي‪ ،‬الطبعة األولى (‪2017‬م)‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ 13‬ـ التمهيد في بيان التوحيد‪ ،‬ألبي شكور‬
‫مركز البحوث اإلسالمي‪ ،‬استانبول‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ تلخيص األدلة لقواعد التوحيد‪ ،‬ألبي إسحاق الصفار‪ ،‬تحقيق هشام‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬الطبعة األولى (‪2010‬م)‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫محمد‪ ،‬لعبد الحي ال َّلكنوي‪ ،‬تحقيق تقي الدين‬
‫‪ 15‬ـ تعليق الممجد على مو َّطأ َّ‬
‫الندوي‪ ،‬دار القلم (‪1992‬م)‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ تهذيب التهذيب البن حجر العسقالني‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي‪ ،‬لشهاب الدين الخفاجي دار‬
‫الصادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ خروج الوهابية على الخالفة العثمانية‪ ،‬لياسين بن علي‪ ،‬مجلة الزيتونية‬
‫(‪2014‬م)‪.‬‬
‫‪63‬‬ ‫فهرس المراجع‬

‫‪ 19‬ـ خالصة الكالم في بيان أمراء البلد الحرام‪ ،‬ألحمد زيني دحالن‪ ،‬مكبتة‬
‫الحقيقة‪ ،‬استانبول (‪2006‬م)‪.‬‬
‫‪ 20‬ـ اإلخنائية‪ ،‬البن تيمية‪ ،‬تحقيق أحمد بن مونس دار الخراز الطبعةاألولى‬
‫(‪2000‬م)‪.‬‬
‫لمحمـد بـن عبد الوهـاب‪ ،‬جمع‬
‫َّ‬ ‫‪ 21‬ـ الـدرر السـنية فـي األجوبـة النجد َّيـة‪،‬‬
‫محمد قاسـم‪ ،‬الطبعـة السادسـة (‪1996‬م)‪.‬‬
‫عبـد الرحمـن بـن َّ‬
‫‪ 22‬ـ دالئل المح ِّبين في التوسل باألنبياء والصالحين‪ ،‬ألبي صهيب فتحي بن‬
‫سعيد القاهرة (‪2011‬م)‪.‬‬
‫‪ 23‬ـ رد المحتار‪ ،‬البن عابدين‪ ،‬تحقيق عبد المجيد طعمة الحلبي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪2011( ،‬م) دار المعرفة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ 24‬ـ ر ٌّد على مذهب الوهابية‪ ،‬للطيب بن كيران‪ ،‬ضمن الرد على الوهابية في‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬الطبعة األولى (‪2008‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫لمحمد ع َّباس حلمي باشا‪ ،‬الطبعة الثانية (‪1329‬ﻫ)‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ 25‬ـ الرحلة الحجازية‪،‬‬
‫مطبعة الجمالية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫لمحمد بن عبد الوهاب‪ ،‬تحقيق صالح بن فوزان‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ 26‬ـ الرسائل الشخصية‪،‬‬
‫الرياض‪.‬‬
‫‪ 27‬ـ السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة‪ ،‬لمحمد بن عبد اهلل النجدي‬
‫الحنبلي‪ ،‬مكتبة اإلمام أحمد‪ ،‬الطبعة األولى (‪1989‬م)‪.‬‬
‫‪ 28‬ـ الرد المحكم المتين على كتاب القول المبين‪ ،‬لعبد اهلل بن الصديق‬
‫الغماري‪ ،‬الطبعة الثانية‪1900( ،‬م)‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫‪ 29‬ـ رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة‪ ،‬لمحمود سعيد ممدوح‪،‬‬
‫المكتبة األزهرية للتراث‪.‬‬

‫‪ 30‬ـ سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلدة الظاهرية‪ ،‬إلبراهيم‬
‫السمنودي‪ ،‬مطبعة جريدة اإلسالم‪ ،‬مصر‪.‬‬

‫عوامة‪ ،‬مؤسسة الريان‪،‬‬


‫‪ 31‬ـ سنن أبي داود‪ ،‬ألبي داود سليمان‪ ،‬تحقيق محمد َّ‬
‫الطبعة األولى (‪1998‬م)‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ 32‬ـ سنن الترمذي‪ ،‬ألبي عيسى محمد بن سورة‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪،‬‬
‫مطبعة مصطفى الباني الحلبي‪.‬‬

‫‪ 33‬ـ سنن ابن ماجه‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد‬
‫عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬

‫‪ 34‬ـ السنن الكبرى ألبي بكر البيهقي‪ ،‬تحقيق محمد عبد القادر عطا‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 35‬ـ سير أعالم النبالء‪ ،‬لشمس الدين أحمد الذهبي‪ ،‬تحقيق شعيب األرناؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األولى (‪1982‬م)‪.‬‬

‫‪ 36‬ـ شرح رسالة الوهابي‪ ،‬لشيخ اإلسالم عطاء اهلل أفندي‪ ،‬مخطوطة من‬
‫مح ُفوظات مكتبة ُّ‬
‫السليمان َّية قسم بغدادلي وهبي‪ ،‬ذات الرقم (‪.)2504‬‬

‫‪ 37‬ـ شفاء السقام في زيارة خير األنام‪ ،‬لتقي الدين السبكي‪ ،‬تحقيق حسين‬
‫محمد علي شكري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬الطبعة األولى (‪2008‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 38‬ـ شرح العقيدة الطحاوية‪ ،‬لعبد الغني الغنيمي‪ ،‬دار البيروتي‪2005( ،‬م)‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫فهرس المراجع‬

‫‪ 39‬ـ شرح مصباح السنة‪ ،‬البن ملك الرومي‪ ،‬تحقيق نور الدين طالب‪ ،‬دار‬
‫النوادر‪ ،‬الطبعة األولى (‪2012‬م)‪.‬‬

‫‪ 40‬ـ صحيح ابن حبان‪ ،‬تحقيق شعيب األرناؤوط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية (‪1993‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫البخاري‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل‪ ،‬الطبعة األولى‬


‫ِّ‬ ‫‪ 41‬ـ صحيح‬
‫(‪2011‬م)‪ ،‬المكتبة اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 42‬ـ صحيح مسلم‪ ،‬لمسلم بن الحجاج‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‬
‫(‪1954‬م)‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 43‬ـ عجائب اآلثار في التراجم واألخبار‪ ،‬لعبد الرحمن حسن الجبرتي‪ ،‬دار‬
‫الجيل‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪ 44‬ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪ ،‬لبدر الدين العيني‪ ،‬دار التراث‬
‫العربي‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 45‬ـ عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد‪ ،‬إلبراهيم فصيح بن‬
‫السيد البغدادي‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬الطبعة األولى (‪1998‬م)‪.‬‬

‫‪ 46‬ـ فتح الباري‪ ،‬البن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق أبو قتيبة‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى (‪2005‬م)‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪ 47‬ـ الفتح الرباني من فتاوى اإلمام الشوكاني‪ ،‬تحقيق أبو مصعب محمد‬
‫صبحي‪ ،‬مكتبة الجيل الجديد‪ ،‬صنعاء‪.‬‬

‫‪ 48‬ـ فتاوى السبكي‪ ،‬ألبي الحسن تقي الدين السبكي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫‪ 49‬ـ الفتـاوى السـراجية‪ ،‬لسـراج الديـن أبـي محمـد‪ ،‬دار الكتـب العلميـة‬
‫(‪2011‬م)‪ ،‬لبنـان‪.‬‬

‫‪ 50‬ـ القول البديع في الصالة على الحبيب الشفيع‪ ،‬لمحمد السخاوي‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد عوامة‪ ،‬دار المنهاج‪ ،‬الطبعة الثانية (‪2007‬م)‪.‬‬

‫‪ 51‬ـ الكاشف عن حقائق السنن‪ ،‬لشرف الدين الحسين الطيبي‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫الحميد هنداوي‪ ،‬الطبعة األولى (‪1997‬م)‪.‬‬

‫‪ 52‬ـ كشف األستار عن زوائد البزار‪ ،‬لنور الدين الهيثمي‪ ،‬تحقيق حبيب‬
‫الرحمن األعظمي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬

‫‪ 53‬ـ كشف الحجاب عن وجه ضالالت ابن عبد الوهاب‪( ،‬مخطوط) من‬
‫محفوظات مكتبة بايزيد في بلدة استانبول تحت رقم (‪.)3404‬‬

‫‪ 54‬ـ كشف الشبهات‪ ،‬لمحمد بن عبد الوهاب‪ ،‬وزارة الشؤون اإلسالمية‪،‬‬


‫الطبعة األولى‪.‬‬

‫‪ 55‬ـ كشاف القناع عن اإلقناع‪ ،‬لمنصور بن يونس البهوتي‪ ،‬وزارة العدل في‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬الطبعة األولى (‪2000‬م)‪.‬‬

‫‪ 56‬ـ المدخل‪ ،‬البن الحاج‪ ،‬مكتبة دار التراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 57‬ـ مسند أحمد بن حنبل‪ ،‬تحقيق شعيب األرنؤط‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى (‪1999‬م) لبنان‪.‬‬

‫‪ 58‬ـ مشاهير علماء نجد وغيرهم‪ ،‬لعبد الرحمن بن عبد اللطيف‪ ،‬دار اليمامة‪،‬‬
‫الطبعة الثانية (‪1394‬ﻫ)‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫فهرس المراجع‬

‫‪ 59‬ـ معجم األوسط‪ ،‬ألبي القاسم الطبراني‪ ،‬تحقيق أبو معاذ وأبو الفضل‪ ،‬دار‬
‫الحرمين (‪1995‬م)‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 60‬ـ مصباح األنام وجالء الظالم‪ ،‬للحبيب علوي بن أحمد‪ ،‬المطبعة العامرة‬
‫(‪1325‬ﻫ)‪.‬‬

‫‪ 61‬ـ المصنف‪ ،‬البن أبي شيبة‪ ،‬تحقيق محمد عوامة‪ ،‬شركة دار القبلة‪،‬‬
‫ومؤسسة علوم القرآن‪ ،‬الطبعة األولى (‪2006‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 62‬ـ المطالب العالية من العلم اإللهي‪ ،‬لفخر الدين الرازي‪ ،‬تحقيق أحمد‬
‫حجازي السقا‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الطبعة األولي (‪1987‬م)‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪ 63‬ـ معرفة السنن واآلثار‪ ،‬ألبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫المعطي‪ ،‬أمين قلعجي‪ ،‬دار القتيبة‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ 64‬ـ مقـاالت الكوثـري‪ ،‬للعالمـة محمـد زاهـد الكوثـري‪ ،‬الطبعـة الثالثـة‬


‫(‪2009‬م)‪ ،‬دار السلام‪ ،‬القاهـرة‪.‬‬

‫‪ 65‬ـ مفاتيح الغيب‪ ،‬لفخر الدين الرازي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة األولى (‪1981‬م)‪،‬‬
‫لبنان‪.‬‬

‫‪ 66‬ـ النبراس‪ ،‬لعبد العزيز الفرهاري‪ ،‬دار ياسين‪ ،‬المعتني أوقان قدير يلماز‪،‬‬
‫الطبعة األولى (‪2012‬م)‪.‬‬

‫‪ 67‬ـ نحـت حديـد الباطـل و َبـر ُده بأدلـة الحـق الذابـة عـن صاحـب البـردة‪،‬‬
‫لـداود بـن سـليمان النقشـبندي‪ ،‬تحقيق السـيد الفاضـل عبد الـرزاق النقشـبندي‪،‬‬
‫دار جوامـع الكلـم‪.‬‬
‫‪68‬‬

‫‪ 68‬ـ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى‪ ،‬لنور الدين السمهودي‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫محي الدين عبد الحميد‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫***‬
Türkçe Kaynakça

1 – Asım Efendi Tarihi ،Türkiye Yazma Eserler Kurumu


Başkanlığı ،Mütercim Ahmed Ȃsım ،Hazırlayan: Ziya Yıl-
mazer 2015.

2 – Bursa Ansiklopedisi ،Burdef Yayınları 2002.

3 – Diyanet İslam Ansiklopedisi.

4 – Devhatü’n ‫ ـ‬Nukebâ ،Ahmet Rif ’at ،Hazırlayanlar:


Hasan Yüksel ‫ ـ‬M. Fatih Köksal ،Sivas 1998

5 – Sicilli Osmani ،Mehmet Süreyya ،yayına hazırlayan


Nuri Akbay ،Tarih Vakıf Yayınları ،İstanbul 1996

6 – Tarih ‫ ـ‬i Cevdet ،Matbea ‫ ـ‬i Osmân ‫ ـ‬i Derseâdet2 ،.


Baskı1309.

7 – Tarih ‫ ـ‬i Şânizâde ،Mehmet Ataullah Efendi1290.

8 - Osmanlı Müellifleri ،Bursalı Mehmed Tahir ،Hazır-


layan: Ali Fikri Yavuz ،Meral Yayınevi.

You might also like