You are on page 1of 461

‫ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻓﻠﺳﻁﻳﻥ ﻟﻠﻛﺗﺏ ﺍﻟﻣﺻﻭﺭﺓ‬

‫الوسيط‬
‫في‬
‫القانون الدولي العام‬

‫‪1‬‬
‫الوسيط‬
‫في‬
‫القانون الدولي العام‬

‫الدكتور‬
‫محمد نصر محمد‬
‫أستاذ م‪.‬القانون الدولي‬

‫‪2012‬م‪1433 /‬هـ‬

‫‪3‬‬
‫ح مكتبة القانون واالقتصاد‪ 1432 ،‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة امللك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫محمد‪ ،‬محمد نصر‬
‫الوسيط في القانون الدولي العام‪ /.‬محمد نصر محمد ‪ -.‬الرياض‬
‫‪ 1432 ،‬هـ‬
‫‪ ..‬ص ؛ ‪ ..‬سم‬
‫ردمك‪978 - 603 - 90258 - 2 - 5 :‬‬
‫‪- 1‬القانون الدولي العام أ‪ .‬العنوان‬
‫‪1432/8270‬‬ ‫ديوي ‪341‬‬
‫رقم اإليداع‪1432/8270 :‬‬
‫ردمك‪978 - 603 - 90258 - 2 - 5 :‬‬

‫جميع حقوق الطبع محفوظة‬ ‫الطبعة األولى‬


‫ال ي� �ج ��وز ن��س��خ أو اس �ت �ع �م��ال‬ ‫‪ 1433‬هـ‪ 2012/‬م‬
‫أي ج��زء م��ن ه��ذا ال�ك�ت��اب في‬
‫أي شكل م��ن األش �ك��ال أو بأي‬
‫وس �ي �ل��ة م��ن ال��وس��ائ��ل ‪ -‬س��واء‬
‫التصويرية أم اإلليكترونية أم‬
‫امليكانيكية مبا في ذلك النسخ‬
‫ال� �ف ��وت ��وغ ��راف ��ي أو ال�ت�س�ج�ي��ل‬
‫على أشرطة أو سواها وحفظ‬
‫املعلومات واسترجاعها ‪ -‬دون‬
‫إذن خطي من الناشر‬

‫اململكة العربية السعودية ‪ -‬الرياض ‪ -‬العليا ‪ -‬ص‪.‬ب ‪ - 9996‬الرياض ‪11423‬‬


‫هاتف‪ - 2791158 - 4623956 :‬فاكس‪ - 2791154 :‬جوال‪0505269008 :‬‬
‫‪www.yafoz.com.sa‬‬
‫‪dr.mohd.qanon@hotmail.com‬‬

‫‪4‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪5‬‬
‫اإلهداء‬

‫إلي كل من أضاء بعلمه عقل غيره‬


‫أو هدى باجلواب الصحيح حيرة سائليه‬
‫فأظهر بسماحته تواضع العلماء‬
‫وبرحابته سماحة العارفني‬

‫‪7‬‬
‫املقدمـ ـ ـ ــة‬

‫لم يعد القانون الدولي كما كان عليه عندما ظهر في القرن السادس‬
‫عشر امليالدي في أوربا بظهور الدول القومية ليحكم العالقات بني دول تلك‬
‫ال �ق��ارة ‪ ،‬حيث إن��ه ت�ط��ور ت �ط��وراً ك�ب�ي��راً م��ن ذل��ك ال��وق��ت ‪ ،‬فقد أت�س��ع نطاق‬
‫املوضوعات اجل��دي��دة التي يعاجلها‪ ،‬فلم يعد ينظم العالقات الدبلوماسية‬
‫التقليدية بني الدول والتي تهدف إلى التعايش السلمي وتوفير حد أدنى من‬
‫األمن والسالم لتلك الدول ‪ ،‬بل أصبح هذا القانون ينظم عالقات كثيرة بني‬
‫ال��دول كالعالقات االقتصادية والثقافية واالجتماعية والتقنية وغيرها من‬
‫العالقات التي تهدف إلى تقدم وتطور املجتمع الدولي‪.‬‬
‫ فالتقدم العلمي والتقني أدى إلى إنتقال املجتمع الدولي إنتقالة نوعية‬
‫من مجتمع تقليدي حتكمه العادات واالعراف والقواعد القدمية إلى مجتمع‬
‫متطور حتكمه التكنولوجيا والتقدم العلمي وهي موضوعات جديدة حتتاج إلى‬
‫تنظيم ‪ ،‬ونتيجة لهذا التقدم لم تعد الشعوب تعيش مبعزل بعضها عن بعض بل‬
‫اصبحت متقاربة من بعضها وتداخلت احلضارات وتشابكت املصالح وازدادت‬
‫الصالت بحيث أصبح العالم يشبه األن بالقرية الصغيرة ‪.‬‬
‫كذلك ظهرت موضوعات تهم اجلماعة الدولية لم تكن موجودة سابقا‬
‫م��ن ه��ذه امل��وض��وع��ات مسألة ال �ع��دوان وك��ذل��ك االره ��اب ال��دول��ي ومكافحته‬
‫وغيرها من املوضوعات ‪ ،‬وهذه املوضوعات ال بد أن حتتاج إلى قواعد قانونية‬
‫لتنظيمها مما يعني توسع في قواعد القانون الدولي ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫كما أن االش�خ��اص املخاطبني بقواعد القانون ال��دول��ي لم تعد ال��دول‬
‫فقط ‪ ،‬كما كانت عليه عندما كانت الدول وحدها هي التي تعتبر من أشخاص‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬فمنذ منتصف القرن التاسع عشر ظهرت املنظمات الدولية‬
‫التي ازداد عددها في الوقت احلاضر وأصبحت تنظم موضوعات مختلفة‬
‫ومتنوعة سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية وغيرها ‪ ،‬والتي‬
‫تعتبر من أشخاص القانون الدولي وتخضع ألحكامه ‪.‬‬
‫ كذلك ظهر اجت��اه في الفقه ينكر على الدولة الشخصية املعنوية ‪،‬‬
‫ويرى بأن الدول ال ميكن أن تكون من أشخاص القانون الدولي ‪ ،‬فالدولة ال‬
‫ميكن أن تتمتع بالشخصية القانونية ألنها بدون إرادة فهي مجرد أفتراض ال‬
‫قيمة له ‪ ،‬والفرد هو الشخص الوحيد لهذا القانون فهو فقط الذي ميكن أن‬
‫ميلك الشخصية القانونية ألنه ميلك اإلرادة ‪ ،‬ورغ��م أن الفرد لم يصل إلى‬
‫مرحلة اعتباره شخصاً من أشحاص القانون الدولي ألن مخاطبته بقواعد‬
‫القانون الدولي ال تزال تتم عن طريق حكومته ‪ ،‬اال أن هؤالء الفقهاء يرون أن‬
‫الشخص الوحيد للقانون الدولي هو الفرد ‪.‬‬
‫كما أن��ه ق��د ظهرت على الساحة الدولية أش�خ��اص م��ن غير ال��دول ‪،‬‬
‫كالثوار املعترف لهم بصفة احملاربني ‪ ،‬واحلكومات في املهجر ‪ ،‬واألقاليم سواء‬
‫املوضوعة حتت نظام التدويل أو تلك التي خاضعة لنظام الوصاية أو األنتداب‬
‫‪ ،‬وجلان االنهارالدولية ‪ ،‬والفاتيكان ‪.‬‬
‫لذلك لم تعد العالقات التي ينظمها القانون الدولي قاصرة على الدول‬
‫‪ ،‬بل أصبح يعنى بالعالقات التي تقوم بني ال��دول واملنظمات الدولية أيضاً‬
‫أو بني الدول واألشخاص الدولية األخرى ‪ ،‬كما أنه يعنى في بعض احلاالت‬
‫باحلقوق األساسية لألفراد ‪.‬‬
‫لكل ما تقدم ازدادت الصعوبة في تعريف القانون الدولي وأختلف الفقهاء‬
‫حول تعريفه ‪ ،‬ومن هم أشخاصه ‪ ،‬أهي الدول وحدها ‪ ،‬كما يرى ذلك الفقه‬
‫التقليدي وقسم من الفقهاء احملدثني ‪ ،‬أم أن الدولة هي الشخص الرئيس وإن‬
‫هناك أشخاص أخرى تخاطبهم قواعد القانون الدولي ‪ ،‬وسنحاول في هذه‬
‫الدراسة أن نلقي الضوء على هذا املوضوع واملوضوعات األخرى التي حتاول‬
‫أي دراسة في القانون الدولي أن تسلط الضوء عليها ‪ ،‬ولذلك سنقوم بتقسيم‬

‫‪10‬‬
‫هذا املؤلف الى ثالثة أبواب نبحث في األول املبادىء العامة للقانون الدولي‬
‫وفي الباب الثاني نبحث في مصادر القانون الدولي وفي الباب الثالث نبحث‬
‫في أشخاص القانون الدولي والذي سنقسمه إلى قسمني نبحث في األول في‬
‫الدولة وفي القسم الثاني نبحث األشخاص الدولية األخرى ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الباب األول‬
‫في املبادىء العامة‬

‫ كما ذك��رن��ا ف��ي املقدمة ف��إن القانون ال��دول��ي أصبح ينظم العالقات‬
‫املختلفة واملتشعبة بني الدول أو بينها وبني االشخاص الدولية األخرى ‪ ،‬لذلك‬
‫فقد تعددت التعريفات التي حاولت أن تعرف هذا القانون كما أن تسمياته‬
‫قد تعددت ‪ ،‬كما أختلف الفقهاء في أساس القانون الدولي وطبيعة قواعده‬
‫وعالقته بالقانون الداخلي ومصادره ‪ ،‬وسنحاول في هذا الباب أن نوضح‬
‫ه��ذه املسائل حيث سنقسم ه��ذا ال�ب��اب إل��ى خمسة فصول نبحث ف��ي األول‬
‫في تعريف وتسمية القانون الدولي وفي الثاني تطور القانون الدولي وفي‬
‫الثالث أساس القانون الدولي وفي الرابع نبني عالقة القانون الدولي بالقانون‬
‫الداخلي وفي اخلامس نبني نطاق تطبيق القانون الدولي‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الفصل األول‬
‫في التعريف بالقانون الدولي‬

‫في هذا الفصل سنتكلم عن تعريف القانون الدولي العام في مبحث‬


‫أول ‪ ،‬ومتييز القانون الدولي العام عن غيره في مبحث ثان ‪ ،‬وتسمية القانون‬
‫الدولي العام في مبحث ثالث ‪ ،‬وطبيعة قواعده في مبحث رابع ‪.‬‬

‫املبحث األول‬
‫تعريف القانون الدولي‬

‫ال يزال تعريف القانون الدولي يثير صعوبة عند وضع تعريف له رغم‬
‫وج��ود م��ا يزيد على امل��ائ��ة تعريف لهذا ال�ق��ان��ون ((( ‪ ،‬ولكننا سنشير إلى‬
‫االجتاهات الفقهية املختلفة التي تعرفه بأشخاصه التي ميكن حصرها في‬
‫ثالثة اجتاهات ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ املذهب التقليدي‬
‫فالدولة كما يرى هذا املذهب هي الشخص الدولي الوحيد ‪ ،‬حيث كان‬

‫د ـ عبد الوهاب محمد احل��راري ـ القانون الدولي العام ـ منشورات دار الفرجاني ـ‬ ‫((( ‬
‫طرابلس ص ‪. 10‬‬

‫‪15‬‬
‫املتعارف عليه في الفقه التقليدي إن القانون الدولي يعرف بأنه‪(:‬مجموعة‬
‫من القواعد القانونية التي تنظم العالقات بني الدول ) أي أنه القانون الذي‬
‫يعنى بحقوق وواجبات الدول فقط ‪ ،‬وذلك ألن املجتمع الدولي عندما نشأ أول‬
‫مرة بظهور الدول القومية احلديثة في أوربا كان قاصراً على الدول فقط ‪،‬‬
‫وبالتالي فإن الدول هي الشخص الوحيد للقانون الدولي ‪.‬‬
‫ففي سنة ‪1625‬م عرف الفقيه الهولندي جروسيوس ‪Hugo Grotius‬‬
‫(‪1583‬ـ‪ )1645‬القانون الدولي بأنه‪(:‬القانون الذي يحكم العالقات بني الدول)‬
‫وأستمر هذا التعريف شائعا ُ أكثر من ثالثة قرون ‪ ،‬ثم عرفه الفقيه الفرنسي‬
‫لويس رينو ‪ Louis Renault‬في أواخ��ر القرن التاسع عشر بأنه‪(:‬القواعد‬
‫القانونية التي توفق بني حريات الدول في عالقاتها بعضها مع اآلخرين )(((‪.‬‬
‫وف��ي بداية القرن العشرين ذه��ب غالبية الفقهاء إل��ى أن ال��دول��ة هي‬
‫الشخص الوحيد للقانون الدولي العام ((( ‪ ،‬كما أن محكمة العدل الدولية‬
‫ال��دائ�م��ة تبنت التعريف التقليدي ال��ذي يعتبر ال��دول وح��ده��ا م��ن أشخاص‬
‫ال�ق��ان��ون ال��دول��ي ‪ ،‬وذل��ك ف��ي احل�ك��م ال��ذي أص��درت��ه ف��ي قضية ال�ل��وت��س ‪Le‬‬
‫‪ Lotus‬سنة ‪ 1927‬حيث عرفت القانون الدولي بأنه (القانون الذي يحكم‬

‫د ـ صالح الدين احمد حمدي ـ دراسات في القانون الدولي ـ ‪ 2002‬ـ دار الهدى للطباعة‬ ‫(( (‬
‫والنشر والتوزيع ـ عني مليلة ـ ص ‪. 43‬‬
‫فقد عرفه فوشي بأنه ( مجموعة القواعد القانونية التي تنظم حقوق الدول وواجباتها‬ ‫((( ‬
‫في عالقاتها املتبادلة ) ‪.‬‬
‫‪Fauchille , P , Traite de Droit International Public , T.I, I . Partie , Paix , P .1‬‬
‫وعرفه أوبنهامي بأنه ( مجموعة القواعد العرفية أو األتفاقية التي تعتبرها الدول املتمدنة‬
‫ملزمة لها قانوناً فيما يقوم بينها من عالقات ) ‪.‬‬
‫‪Oppenhiem ( Lauterpacht ) International Law , 8th edition , 1958 , Vol .1P . 4‬‬
‫وعرفه تريبل بأنه ( القانون الذي ينظم العالقات بني الدول تامة املساواة فقط ) ‪.‬‬
‫وعرفه أنزلوتي بأنه ( النظام القانوني جلماعة الدول ) ‪.‬‬
‫وعرفه د ـ علي صادق أبو هيف ـ القانون الدولي العام منشأة املعارف ـ اإلسكندرية ـ ‪ 1990‬ـ‬
‫ص ‪ 13‬ـ بأنه ( مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بني الدول وحتدد حقوق كل منها‬
‫وواجباتها ) ‪ .‬‬

‫‪16‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫العالقات بني الدول املستقلة)‬
‫أما الفقهاء ورج��ال السياسة ال��روس فلهم وجهة نظر خاصة بالنسبة‬
‫ملفهوم القانون الدولي تنطلق من مفهوم التعايش السلمي بني ال��دول حيث‬
‫ي�ع��رف الفقيه ال��روس��ي ‪ G. I. Tonkin‬ال�ق��ان��ون ال��دول��ي ب��أن��ه ( مجموعة‬
‫القواعد القانونية التي تنشأ بأتفاق الدول تعبيرأ عن اإلرادة املشتركة لتحكم‬
‫عالقاتها خالل النضال والتعاون من أجل صيانة التعايش السلمي بني النظامني‬
‫الرأسمالي واألشتراكي والذي ينبغي ممارسة الضغط واإللزام من قبل الدول‬
‫بشكل فردي أو جماعي لضمان بقاء هذه القواعد )((( ‪.‬‬
‫ولكن التعريفات السابقة لم تأخذ بنظر االعتبار التطور الذي أصاب‬
‫املجتمع ال��دول��ي ف��ي ال��وق��ت احل��اض��ر ‪ ،‬ف��إذا ك��ان التعريف التقليدي يتفق‬
‫مع أه��داف القانون الدولي في العصور املاضية أي منذ أربعة ق��رون حيث‬
‫لم يكن القانون ال��دول��ي يهدف إل��ى أكثر من أن ينظم العالقات بني ال��دول‬
‫التي كان يتكون منها املجتمع الدولي آنذاك ‪ ،‬فإن مثل هذا التعريف لم يعد‬
‫يواكب التطور الذي حصل في املجتمع الدولي وتعدد العالقات التي ينظمها ‪،‬‬
‫فالقانون الدولي لم يعد يتكون من الدول فقط بل أصبح يضم عدداً كبيراً من‬
‫املنظمات الدولية واإلقليمية واملتخصصة وجلان االنهار الدولية والفاتيكان‬
‫وغيرها من األشخاص الدولية ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ املذهب املوضوعي‬
‫وع�ل��ى العكس م��ن امل��ذه��ب ال�س��اب��ق ف��إن ه��ذا امل��ذه��ب يعتبر ال�ف��رد هو‬
‫شخص القانون الدولي الوحيد‪ ،‬ويرى هذا الرأي إن الفرد هو الشخص الوحيد‬
‫للقانون الدولي وليس الدولة‪ ،‬فالفقيه الفرنسي ليون ديجي ‪ L.Duguit‬ينكر‬
‫الشخصية املعنوية للدولة ويرى بأنها مجرد افتراض ال قيمة له ‪ ،‬وهو يرى إن‬

‫وهي القضية التي رفعت إلى احملمكة الدولية بسبب التصادم الذي وقع بني السفينة‬ ‫((( ‬
‫الفرنسية اللوتس ‪ Le Lotus‬والسفينة التركية بوزكورت ‪ Boz _ Kourt‬في البحار‬
‫العالية املتاخمة لتركيا مما أدى الى غرق السفينة التركية ‪.‬‬
‫ج ‪ .‬إ ‪ .‬تونكني ـ القانون الدولي العام ـ ترجمة أحمد رضا ـ الهيئة العامة للكتاب ـ القاهرة‬ ‫((( ‬
‫ـ ‪ 1972‬ـ ص ‪. 204‬‬

‫‪17‬‬
‫الدولة ليست من أشخاص القانون الدولي ‪ ،‬بل الفرد وحده هو شخص هذا‬
‫القانون ((( ‪ ،‬ومن أبرز أنصار هذا املذهب جورج سل ‪ G.Scelle‬فقد أنكر هو‬
‫أيضاً متتع الدول بالشخصية املعنوية وأنها في نظره مجرد افتراض ال وجود له‬
‫في احلقيقة ‪ ،‬وعنده ان الفرد وحده الذي ميكن أن يكون من أشخاص القانون‬
‫الدولي ‪ ،‬وذلك ألن الشخص املعنوي ال ميكن أن يكون شخصاً قانونياً ‪ ،‬ألنه ال‬
‫ميلك إرادة خاصة به ‪ ،‬هذه اإلرادة ال ميلكها إال الشخص الطبيعي ‪ ،‬فهو إذن‬
‫وحده الذي ميكن أن يخاطبه القانون وبالتالي يعتبر شخصاً قانونياً‪ ،‬وينطبق‬
‫ذلك على اجلماعة الدولية وكذلك على اجلماعة الداخلية على السواء ‪.‬‬
‫ولكن هذا املذهب يغالي كثيراً في إنكار الشخصية القانونية للدولة‪،‬‬
‫وه��ذا يخالف حقيقة األوض��اع في املجتمع ال��دول��ي‪ ،‬حيث تعتبر ال��دول��ة من‬
‫األش�خ��اص الرئيسة فيه‪ ،‬خاصة وإن ال�ق��ان��ون ال��دول��ي املعاصر ق��د اعترف‬
‫بالشخصية املعنوية للدولة‪ ،‬أما الفرد فلم يصبح بعد حسب الرأي الراجح من‬
‫أشخاص القانون الدولي العام ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬االجتاهات احلديثة‬
‫يذهب غالبية الفقهاء في الوقت احلاضر إل��ى أن الدولة ليست هي‬
‫الشخص الوحيد بل هي الشخص الرئيسي للقانون الدولي العام‪ ،‬وينقسم‬
‫هؤالء إلى ثالث فئات‪.‬‬
‫الفئة األولى‪:‬‬
‫تعتبر الدولة الشخص الرئيسي للقانون الدولي ‪ ،‬ولكن من هم األشخاص‬
‫األخرى لهذا القانون فهم ميتنعون عن تعريفهم أو تعدادهم ومن هؤالء شتروب‬
‫ال��ذي عرفه بأنه‪(:‬مجموعة ال�ق��واع��د التي تتضمن حقوق وواج �ب��ات ال��دول‬
‫وغيرها من أشخاص القانون الدولي) وشارل روسو الذي عرفه بأنه‪(:‬القانون‬
‫الذي ينظم بصورة أساسية العالقات بني الدول وينظم العالقات بني اشخاص‬
‫القانون الدولي) (((‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ القانون الدولي العام ـ بغداد ـ ص ‪. 8‬‬ ‫(( (‬


‫=‬ ‫انظر د ـ صالح الدين احمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ . 47‬وانظر‪:‬‬ ‫((( ‬

‫‪18‬‬
‫الفئة الثانية‬
‫تستبعد الفرد بصورة صريحة من أن يكون من أشخاص القانون الدولي‬
‫ال�ع��ام ‪ ،‬وم��ن ه��ؤالء األس�ت��اذ لويس دلبيز ‪ L.Delbez‬فهو يبني ب��أن القانون‬
‫الدولي هو عبارة عن ( مجموعة من القواعد القانونية التي حتكم العالقات‬
‫بني الدول والكيانات الدولية األخرى ـ الكنيسة الكاثوليكية ـ الثوار املعترف‬
‫بهم وغير املعترف بهم ـ األمم املتحدة وغيرهم ) ‪ ،‬وبادفان ‪ Basdevant‬الذي‬
‫يعرف القانون الدولي بأنه ( مجموعة من القواعد القانونية التي تلزم الدولة‬
‫املستقلة ومختلف املنظمات الدولية في عالقاتها املتبادلة )((( ‪.‬‬
‫الفئة الثالثة‬
‫تفسح للفرد م�ج��االً ضيقاً وم�ت��واض�ع�اً إل��ى ج��ان��ب ال��دول��ة واملنظمات‬
‫الدولية ومن أنصار هذا املذهب األستاذة باستيد ‪ Mme Paul Bastid‬التي‬
‫تعرف القانون الدولي بأنه ( مجموعة القواعد القانونية التي تطبق في املجال‬
‫الدولي في العالقات املتبادلة بني ال��دول ذات السيادة واملنظمات الدولية ‪،‬‬
‫والتي يشكل البعض من تلك القواعد اجلزء اخلاص باألفراد ‪ ،‬والتي تطبق‬
‫خالل عالقة األفراد باملنظمات الدولية ) ومن هذا يتبني أن هذا املذهب يعتبر‬
‫األف��راد ضمن أشخاص القانون ال��دول��ي العام إل��ى جانب ال��دول��ة وأشخاص‬
‫القانون الدولي اآلخرين ((( ‪.‬‬
‫مما سبق يتضح إن هذه التعريفات أخذت بنظر االعتبار التطور الذي‬
‫ط��رأ على املجتمع ال��دول��ي ‪ ،‬فوسعت من نطاق القانون ال��دول��ي ليشمل إلى‬
‫جانب الدول التي تعتبر من أشخاصه الرئيسية ‪ ،‬املنظمات الدولية والفاتيكان‬
‫واألشخاص الدولية األخرى ‪ ،‬وفي بعض احلاالت األفراد ‪.‬‬
‫ومن ذلك ميكن تعريف القانون الدولي العام بأنه عبارة عن (مجموعة‬
‫القواعد القانونية امللزمة التي تنظم العالقات املتبادلة بني أشخاصه)((( ‪.‬‬

‫‪Ch . Rousseau , Droit International public , paris , 1953 , p 7‬‬ ‫=‬


‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 10‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ صالح أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 47‬‬ ‫((( ‬
‫ويعرفه الدكتور عبد العزيز محمد سرحان ـ القانون الدولي العام ـ ‪ 1991‬ـ دار النهضة=‬ ‫(( (‬

‫‪19‬‬
‫وهذا التعريف يعكس كون القانون الدولي هوعبارة عن مجموعة من‬
‫القواعد القانونية امللزمة والتي تختلف عن قواعد السلوك الدولية األخرى‬
‫كقواعد األخ�لاق الدولية وق��واع��د املجامالت الدولية ‪ ،‬كما يعكس ك��ون أن‬
‫القانون الدولي لم يعد القانون ال��ذي يحكم العالقات بني ال��دول فقط كما‬
‫كان عليه سابقاً فإلى جانب الدول توجد كما ذكرنا املنظمات الدولية وكذلك‬
‫األفراد في بعض احلاالت ‪ ،‬ولذلك فإن التعريف يشمل كل أشخاص القانون‬
‫الدولي ‪ ،‬فأي شخص تخاطبه أحكام القانون الدولي يدخل ضمن األشخاص‬
‫الدولية وبالتالي تنطبق عليه قواعده ‪ ،‬ولذلك فإن أي شخص جديد ميكن‬
‫ال في املجتمع الدولي وتخاطبه أحكام القانون الدولي ميكن‬ ‫أن يظهر مستقب ً‬
‫أن يدخل ضمن التعريف ‪.‬‬
‫خالصة القول‪:‬‬
‫يوجد أكثر من أسلوب لتعريف القانون الدولي العام نختار من بينها‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫هو مجموعة القواعد القانونية التى تنظم العالقات الدولية‬
‫مجموعة القواعد املطبقة على اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫مجموعة القواعد القانونية التى تنظم عالقات أشخاص املجتمع الدولي‪،‬‬
‫إذ حتدد حقوق والتزامات الدول واألشخاص اآلخرين للمجتمع الدولي ‪ ،‬كما‬
‫تنظم اإلختصاصات الدولية ‪.‬‬
‫تعريف موضوعي إذ ينظر إل��ى موضوع القانون الدولي وه��و العالقة‬
‫الدولية ‪ .‬أم��ا التعريف الثاني فهو تعريف شخصي إذ ينظر إل��ى أشخاص‬

‫== العربية ـ القاهرة ـ ص ‪ 9‬بأنه‪(:‬مجموعة القواعد امللزمة التي تنشأ عن املصادر املشار‬
‫إليها في املادة ‪ 38‬من النظام االساسي حملكمة العدل الدولية والتي تهدف إلى تنظيم‬
‫العالقات املتبادلة بني أشخاص القانون الدولي العام ) ‪.‬‬
‫كما يعرفة جيرهارد فان غالن ـ القانون بني األمم ـ ترجمة عباس العمر ـ منشورات دار األفاق‬
‫اجلديدة ـ بيروت ـ ج ‪ 1‬ص ‪ 7‬بأنه ـ ( مجموعة من املبادىء واألعراف واألنظمة ‪ ،‬تعترف‬
‫الدول ذات السيادة وأي أشخاص دوليني بأنها تعهدات ملزمة الزاماً فعاالً في عالقاتهم‬
‫املتبادلة ) ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫القانون الدولي الذين يتكون منهم املجتمع الدولي ‪.‬‬
‫ولقد جمع التعريف الثالث بني موضوعية وشخصية التعريفني السابقني‬
‫إذ أوضح ما يهتم به القانون الدولي وهو تنظيم العالقات الدولية ‪.‬‬
‫واصطالح القانون الدولي العام اصطالح حديث نسبياً‪ ،‬إذا استخدم‬
‫ألول مرة عام ‪1789‬م في كتاب للفيلسوف اإلجنليزى بنتام ‪ Bentham‬أما قبل‬
‫ذلك فقد كان الفقه يستخدم اصطالح قانون الشعوب أو قانون االمم‪.‬‬
‫وقد استقر اصطالح القانون الدولي العام في كل من الفقه األجنبي‬
‫والعربي «اللهم إال من استثناءات نادرة يستخدم فيها اصطالح قانون االمم‪.‬‬
‫قانون ‪ :Droit‬فهو قانون مجموعة قواعد ملزمة ألشخاص املجتمع‬
‫الدولي‪.‬‬
‫دول��ي ‪ :International‬وهو دول��ي‪ ،‬ألن قواعده تعنى أساساً باملجتمع‬
‫الدولي ‪ ،‬إذ تنظم العالقات بني الدول واألشخاص الدوليني اآلخرين‪.‬‬
‫عـام ‪ :Public‬إذ يتناول أساساً عالقات الدول في حالة كونها صاحبة‬
‫السلطة والسيادة شأنه في ذلك شأن بقية أفرع القانون العام ‪Droit public‬‬
‫كالقانون الدستوري والقانون اإلداري ‪.‬‬
‫إذا فكل لفظ في اإلصطالح ي��ؤدي معني معيناً ‪ ،‬مييز ما بني قواعد‬
‫القانون الدولي العام وبني غيره من القواعد التى حتمل صفة الدولية ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫تسمية القانون الدولي‬

‫تعتبر تسمية القانون الدولي حديثة نسبياً حيث كان الكتاب القدماء‬
‫أمثال دي مارتنس وفاتيل يطلقون على القانون الدولي أسم «قانون الشعوب»‬
‫أو «ق��ان��ون األمم» « ‪ »Law of nation « » Droit des gens‬وق��د أخ��ذ بهذه‬
‫التسمية من الكتاب املعاصرين جورج سل ((( ‪ ،‬ويعود أصل هذه التسمية إلى‬
‫اصطالح قانون الشعوب في القانون الروماني حيث كان يقصد به القانون‬
‫ال��ذي يسري على جميع األج��ان��ب املنتمني إل��ى الشعوب التي كانت خاضعة‬
‫لسلطان اإلمبراطورية الرومانية ‪ ،‬في مقابل القانون املدني الذي كان يطبق‬
‫حصرا على املواطنني الرومان ‪.‬‬
‫ثم ظهرت خالل العصور احلديثة تسميات عديدة أخرى أستعملها بعض‬
‫الكتاب للداللة على قواعد القانون الدولي فسمماه جروسيوس قانون احلرب‬
‫والسلم ‪ ،‬وسماه باسكال فيور قانون اجلنس البشري ‪ ،‬وسماه هيجل القانون‬

‫شهد اصطالح قانون األمم تراجعاً مع الزمن ‪ ،‬فقد حل محله بادىء األمر اصطالح «‬ ‫(( (‬
‫القانون فيما بني الشعوب أو األمم « ‪ " ‹ jus inter gentes‬الذي ابتدعه املفكرون االسبان‬
‫في القرن السادس عشر وعلى رأسهم فرنسيسكو وفيتوريا ‪ ،‬وبعد أن كان يستخدمه‬
‫فقهاء كبار مثل فردريك مارتينز ‪ 1874‬ولويس رينو ‪ 1879‬وريفيير ‪ 1896‬وجورج سل‬
‫‪ 1932‬لم يعد هذا االصطالح مستخدماً سوى من فئة من الفقهاء مثل روسلوب ولويس‬
‫دلبيز وغوغنهامي ومن الكتاب العرب استاذنا الدكتور محمد طلعت الغنيمي ‪ ،‬وهناك من‬
‫يسميه " قانون ما بني الدول " " ‪ " inter states law‬أو " قانون جماعة الدول " "‪the‬‬
‫‪ " law of community of states‬أنظر ‪J.G.Starke Introduction to the International‬‬
‫‪ Law . Ninth Edition . Butterworths . 1984 .p.4‬ويالحظ أن التسمية العربية "‬
‫القانون الدولي " أو " القانون الدولي العام " ادق من التسميات األوربية والتي ترجمتها‬
‫احلرفية " قانون ما بني األمم " ( لفظ ‪ international‬مشتق من كلمة ‪ nation‬أي األمة‬
‫ـ انظر الدكتور محمد يوسف علوان ـ القانون الدولي العام ـ ‪ 1996‬ـ الطبعة األول��ى ـ‬
‫‪ 1996‬ـ عمان ـ االردن ـ هامش ‪ 1‬ص ‪. 31‬‬

‫‪22‬‬
‫السياسي اخلارجي ‪ ،‬إلى غير ذلك من التسميات((( ‪ ،‬لكن التسمية التي نالت‬
‫الرضا من قبل الكتاب وشاع استعمالها في اللغة الدبلوماسية حتى اليوم هي‬
‫أسم القانون الدولي ‪ International Law‬املنسوب إلى الفيلسوف اإلنكليزي‬
‫جيرمي بنتام ‪ 1748 ( J.Bentham‬ـ ‪ ) 1832‬الذي أستعمله ألول مرة في‬
‫كتابه “ مقدمة ملبادىء االخالق والتشريع “ ‪Introduction to the Principles‬‬
‫‪ of Morals and Legislation‬الذي نشر عام ‪. ((( 1780‬‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ هامش ص ‪. 12‬‬ ‫((( ‬
‫أنظر د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ أصول القانون الدولي العام ـ ج ‪ 1‬ـ منشورات‬ ‫((( ‬
‫مؤسسة الثقافة اجلامعية ـ هامش ص ‪ 14‬ـ في الرد على الدكتور محمد طلعت الغنيمي‬
‫فيما يتعلق بتسمية القانون الدولي‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫متييز قواعد القانون الدولي عن غيرها‬

‫ توجد إلى جانب قواعد القانون الدولي‪ ،‬قواعد تسير عليها الدول‬
‫من أج��ل توثيق عالقاتها بعضها بالبعض اآلخ��ر أو من أج��ل م��راع��اة ال��دول‬
‫ملبادىء ومثل سامية في عالقاتها ‪ ،‬وعادة تكون هذه القواعد غير ملزمة لها‬
‫من الناحية القانونية ‪ ،‬كقواعد املجامالت الدولية وقواعد االخالق الدولية‬
‫وقواعد القانون الطبيعي ‪ ،‬ولذلك يجب أن نفرق بني قواعد القانون الدولي‬
‫وه��ذه القواعد التي هي أيضاً موجودة في املجتمع الدولي ‪ ،‬كما أن��ه يجب‬
‫التمييز بني قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الدولي اخلاص ‪،‬‬
‫وسنحاول بحث هذه املسائل كما يلي ((( ‪ :‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬قواعد القانون الدولي وقواعد املجامالت الدولية‬
‫املجامالت الدولية ه��ي ع�ب��ارة ع��ن مجموعة م��ن القواعد التي جرت‬
‫الدول على إتباعها من أجل توثيق العالقات فيما بينها والتودد بعضها لآلخر‬
‫من دون أن يكون هناك أي إلزام قانوني أو أخالقي يجبرها على ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلة املجامالت الدولية ‪ ،‬مراسم استقبال رؤساء الدول والسفراء ‪ ،‬والتحية‬
‫البحرية ‪ ،‬وإعفاء املمثلني الدبلوماسيني للدول األجنبية من الضرائب ‪.‬‬
‫والفرق بني قواعد املجامالت الدولية وقواعد القانون الدولي هو أن‬
‫مخالفة قواعد القانون الدولي تعد عمال غير مشروع تترتب عليه املسئولية‬
‫الدولية ‪ ،‬في حني أن عدم قيام الدولة مبا يعتبر مجاملة دولية ال يعتبر عم ً‬
‫ال‬

‫أنظر في ذلك على سبيل املثال د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين‬ ‫((( ‬
‫عامر ـ القانون الدولي العام ـ ‪ 1987‬ـ منشورات دار الهضة العربية ـ القاهرة ـ ص ‪ 22‬وما‬
‫بعدها د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 12‬وما بعدها د ـ عبد العزيز محمد‬
‫سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 5‬وما بعدها د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع‬
‫مشار إليه ـ ص ‪ 17‬وما بعدها د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬
‫‪ 15‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫غير مشروع وال تترتب عليه أية مسئولية قانونية وكل ما ميكن أن يترتب على‬
‫ال غير ودياً صادراً من الدولة وميكن أن تقابلها‬
‫هذه املخالفة هو إعتباره عم ً‬
‫الدول األخرى باملثل ‪.‬‬
‫وقد تتحول قواعد املجامالت الدولية إلى قواعد قانونية عندما تكتسب‬
‫من العرف أو االتفاق وصف اإللزام ‪ ،‬مثال ذلك قواعد القانون الدولي اخلاصة‬
‫باحلصانات واألمتيازات الدبلوماسية ‪ ،‬فقد كانت في بداية األم��ر مجاملة‬
‫دولية ثم صارت من قواعد القانون الدولي امللزمة ‪ ،‬كذلك كان عدم التعرض‬
‫مل��راك��ب صيد رع��اي��ا ال��دول املعادية ف��ي البحر العالي أث�ن��اء احل��رب مجاملة‬
‫دولية دعت إليها عومل اإلنسانية ثم صارت بعد ذلك قاعدة عرفية وأخيراً‬
‫نص عليها في اتفاقية الهاي لسنة ‪1907‬م فأصبحت من القواعد القانونية‬
‫االتفاقية امللزمة ‪.‬‬
‫وقد يحدث العكس بأن تتحول قواعد القانون الدولي في بعض األحيان‬
‫إلى قاعدة من قواعد املجاملة عندما تفقد صفتها اإللزامية ‪ ،‬مثل ذلك التحية‬
‫البحرية فبعد أن كانت قاعدة قانونية ملزمة صارت مجرد مجاملة دولية ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬قواعد القانون الدولي وقواعد األخالق الدولية‬
‫قواعد األخالق الدولية هي عبارة عن مجموعة من املباديء التي ميليها‬
‫الضمير‪ ،‬ويقيد بها تصرفات ال��دول ولكن ليس لها إل��زام قانوني((( ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها استعمال الرأفة في احلروب ‪ ،‬حترمي الرق بكل صوره ‪ ،‬صدق الوعد ‪،‬‬
‫حترمي التمييز العنصري والعرقي ‪ ،‬تقدمي املساعدة في حاالت النكبات التي‬
‫تتعرض لها الشعوب ‪ ،‬ومخالفة هذه القواعد ال تترتب أية مسئولية دولية على‬
‫الدولة التي خالفت هذه القواعد ‪ ،‬ومن ثم فهي ال تعتبر مخالفة دولية ‪ ،‬ولكن‬
‫هذه املخالفة قد تثير الرأي العام العاملي ضد الدولة املخالفة ‪.‬‬
‫وقد تتحول قواعد األخالق الدولية إلى قواعد قانونية سواء أكان ذلك‬
‫عن طريق العرف الدولي أو عن طريق االتفاقيات الدولية ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ االصول اجلديدة للقانون الدولي العام ـ الطبعة الثانبة ـ ‪1954‬‬ ‫((( ‬
‫ـ الناشر مكتبة عبد الله وهبه ـ عابدين ـ مصر ـ ص‪. 27‬‬

‫‪25‬‬
‫اتفاقية جنيف املتعلقة مبعاملة أسرى احلرب التي عقدت سنة ‪1864‬م والتي‬
‫عدلت عدة مرات ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ قواعد القانون الدولي وقواعد القانون الطبيعي‬
‫ لقد عرف األستاذ لوفور ‪ Le Fur‬القانون الطبيعي بأنه‪(:‬مجموعة‬
‫من القواعد املوضوعية التي يكشفها العقل ‪ ،‬وهي تسبق إرادة اإلنسان لتفرض‬
‫حكمها عليه) ‪ ،‬ويتضح من هذا التعريف إن الفرق بني القانون الدولي والقانون‬
‫الطبيعي ‪ ،‬هو أن القانون الطبيعي تصوير قانوني نظري يعبر عن العدالة‬
‫واملثل العليا ‪ ،‬في حني أن القانون الدولي قانون وضعي له قوة يستمدها من‬
‫التطبيق (((‪.‬‬
‫وقد وجد القانون الطبيعي الذي تعود أصوله إلى زمن اليونان والرومان‬
‫‪ ،‬مكانة ب��ارزة له في فكر األوائ��ل من علماء الالهوت مثل توماس االكويني‬
‫(‪ )1274 - 1226‬وفيتوريا ‪ )1546 - 1489( Vitoria‬وس��واري��ز ‪Suarez‬‬
‫(‪ )1617 - 1548‬وج��روس�ي��وس ‪ )1645 - 1583( Grotius‬ال��ذي يعتبره‬
‫الكثيرون املؤسس احلقيقي لكل من القانون الدولي احلديث وملدرسة القانون‬
‫الطبيعي ‪ ،‬واستمرت سيطرة القانون الطبيعي على الفقه ال��دول��ي إل��ى ما‬
‫ي�ق��ارب ال�ق��رن ال �س��ادس عشر وال�س��اب��ع عشر ‪ ،‬أم��ا ف��ي ال�ق��رن الثامن عشر‬
‫فقد أستمرت تلك السيطرة مع بعض االختالف حول حقيقة مفهومه وطبيعة‬
‫خ�ض��وع ال�ق��ان��ون ال��وض�ع��ي ل��ه م��ن خ�لال ك�ت��اب��ات بعض الفقهاء ‪ ،‬مثل فاتيل‬
‫‪ 1714 ( Vattel‬ـ ‪ ) 1769‬وبنكرشوك ‪ 1673 ( Bynkherehock‬ـ‪) 1743‬‬
‫ودي مارتنس ‪1756 ( De Martens‬ـ ‪ ) 1821‬وقد حاز مؤلف فاتيل قانون‬
‫الشعوب ( ‪ )le droit des gens‬ال��ذي ص��در سنة ‪ 1758‬رواج��اً ل��م يحظ به‬
‫أي مؤلف آخر من مؤلفات تلك الفترة ‪ ،‬ومن ذلك يتضح أن أغلب مؤسسي‬
‫القانون الدولي ورواده األوائل كان يؤكد على أهمية القواعد الدولية الطبيعية‬
‫التي لها أثرها في تنظيم العالقات بني الدول والتي ال تتعارض مع وجود وبناء‬
‫القواعد الوضعية املنظمة فيما تقضي به من أحكام ‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.23‬‬

‫‪26‬‬
‫ومن املالحظ إن القضاء الدولي قد أمتنع عن تطبيق قواعد القانون‬
‫الطبيعي بوصفها القواعد التي ميليها العدل املطلق ‪ ،‬إال إذا وافق اخلصوم‬
‫على تطبيقها ‪ ،‬حيث أش��ارت ا مل��ادة ‪ 2 / 38‬م��ن النظام األس��اس حملكمة‬
‫العدل الدولية إلى ذلك حيث جاء فيها‪ 2«:‬ـ ال يترتب على النص املتقدم ذكره‬
‫أي إخ�لال مبا للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً ملبادىء العدل‬
‫واالنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك»‪.‬‬
‫راب��ع�� ًا ـ ق��واع��د ال��ق��ان��ون ال��دول��ي ال��ع��ام وق��واع��د ال��ق��ان��ون ال��دول��ي‬
‫اخلاص‬
‫القانون الدولي اخلاص هو ذلك الفرع من القانون الداخلي الذي يحدد‬
‫جنسية األشخاص التابعني للدولة وبيان كيفية إكتساب جنسية معينة وكيفية‬
‫فقدها ويحدد مركز األجانب وبيان القانون الواجب التطبيق والقضاء املختص‬
‫في مسائل التنازع الدولي للقوانني واالختصاص القضائي ‪ ،‬كما لو تنازع ليبي‬
‫م��ع مصري على تنفيذ عقد ح��رر بينهما ف��ي فرنسا ‪ ،‬ف��أي احمل��اك��م تختص‬
‫بالفصل في النزاع ‪ ،‬وأي قانون يكون واجب التطبيق ‪ ،‬هل القانون الليبي أم‬
‫القانون املصري أم القانون الفرنسي باعتباره محل العقد ‪.‬‬
‫أما القانون الدولي العام فهو يعنى بالدول واملنظمات الدولية وأشخاص‬
‫القانون الدولي األخرى وحتديد حقوق والتزامات كل منها ‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫إن الدول إلى جانب التزامها ببعض الواجبات ‪،‬فإنها أيضا يجب أن‬
‫حتترم القانون االخ�لاق��ي ‪ ، Loi morale‬إذ أن��ه توجد أخ�لاق دول�ي��ة متاماً‬
‫مثلما توجد أخالق لألفراد ‪ ،‬فالقانون األخالقي يفرض على الدولة السلوك‬
‫الصادق الشريف والرفيق العطوف ‪ ،‬فتقلل من سوء التصرف بقدر اإلمكان‬
‫وقت احلرب وتكثر من حسن التصرف وقت السلم ‪ ،‬وأن تقدم العون والغوث‬
‫كلما استطاعت ‪ ،‬ك��أن تقدم املساعدات للشعوب التى تتعرض للمجاعة أو‬
‫الفيضان أو لغيرها من أهوال الطبيعة كالزالزل األرضية ‪.‬‬
‫فإلى هذه القواعد استندت اتفاقية جنيف في ‪ 22‬أغسطس ‪1864‬م‬

‫‪27‬‬
‫اخلاصة باملساعدات التى تقدم للجرحى العسكريني ‪ ،‬وق��د عبر بوليتيس‬
‫‪ Politis‬عن قواعد األخالق الدولية في املضمون التالي الذي يجب أن تلتزم‬
‫الدولة به وهو( أال تكذب ‪ ،‬أال تخدع ‪ ،‬وأن حتافظ على كلمتها) ‪ .‬ونضيف‬
‫إليها ض��رورة اإللتزام بعفة اللسان والبعد عن األسفاف أي�اً كانت الظروف‬
‫واملالبسات‪.‬‬
‫ كما أن ال�ق��ان��ون ال��دول��ي ال يشترط أن يتناسب وي�ت��واف��ق دائ �م �اً مع‬
‫األخالق الدولية ‪.‬‬
‫تختلف ق��واع��د القانون ال��دول��ي ال�ع��ام ع��ن ق��واع��د املجامالت الدولية‬
‫‪ Comitas gentium‬فاألولي قواعد قانونية ملزمة للدول في عالقاتها املتبادلة‬
‫‪.‬أم��ا الثانية فهي غير ملزمة قانوناً وإن كانت تستوجبها قواعد اللياقة ‪،‬‬
‫وم��ع وج��ود ه��ذه اإلختالفات األساسية بني قواعد القانون ال��دول��ى وقواعد‬
‫املجامالت فإنه يوجد نوع من اإلتصال بينهما نوضحه فيما يلي ‪:‬‬
‫ال يجوز للدول أن تتبع قواعد مجامالت تتعارض مع القانون الدولي‪.‬‬
‫غالباً ما كانت املجاملة هى األس��اس األصلي لبعض قواعد القانون‬
‫الدولي ‪ .‬من ذلك مث ً‬
‫ال أن اإلمتيازات واحلصانات الدبلوماسية لم تكن في‬
‫بداية نشأتها إال مجرد قواعد مجامالت‬
‫كذلك ف��إن العكس صحيح ‪ .‬أى أن ق��واع��د القانون ال��دول��ي ميكن أن‬
‫تفقد صفتها كقاعدة ملزمة وتتحول إلى مجرد قواعد مجاملة كما هو احلال‬
‫بالنسبة للقواعد التى كانت في البداية قواعد ملزمة ثم أصبحت مع مرور‬
‫الزمن مجرد مجاملة مثل حتية السفن لبعضها في عرض البحر‪.‬‬
‫ويختلف القانون الدولي العام عن القانون الداخلي اختالفاً جوهرياً من‬
‫حيث املصدر الدميوقراطي للقواعد القانونية‪ .‬فاملعروف عن املجتمع الداخلي‬
‫أن ينقسم إلى فئتني ‪ :‬فئة احلكام ‪ ،‬وفئة احملكومني‪.‬‬
‫ هذا الوضع غير موجود – عادة – في القانون الدولي‪ ،‬إذ أنه يوجد‬
‫نوع من التالحم بني احلاكمني واحلكومني‪.‬‬
‫فاملجتمع الدولي ال ينقسم من حيث الناحية املصدرية إلى فئة حاكمني‬

‫‪28‬‬
‫وفئة محكومني ‪ ،‬بل إن فئة احلاكمني هى نفسها فئة احملكومني ‪ ،‬فالقانون‬
‫يستمد قواعده من مصادر أساسية تتمثل في املعاهدات الشارعة ‪ ،‬والعرف‬
‫واملبادئ العامة للقانون‪ .‬وهذه املصادر الثالثة تستند على اإلرادة املباشرة‬
‫للدول التى تصبح حاكمة ومحكومة في نفس الوقت‪.‬‬
‫فبالنسبة للمعاهدات الشارعة مثل معاهدات جنيف لسنة ‪1985‬و ‪1960‬‬
‫ومونتيجوباي عام ‪ 1982‬بخصوص تنظيم البحار واملياه اإلقليمية والصيد‪،‬‬
‫وكذلك معاهدات فيينا سنة ‪ 1961‬بخصوص تنظيم العالقات الدبلوماسية ‪،‬‬
‫جند أن غالبية األسرة الدولية قد اشتركت في مؤمترات جنيف وفيينا التى‬
‫انتهت إلى وضع تلك املعاهدات إذ ضمت مؤمترات جنيف للبحار ممثلي ‪86‬‬
‫دولة ومراقبني من ‪ 16‬منظمة دولية ‪ .‬كما ضم مؤمتر فيينا ‪ 81‬دولة ‪.‬‬
‫ وما قيل عن املعاهدات والعرف يقال أيضا عن املبادئ العامة للقانون‬
‫وحصيلة ذل��ك كله ن��وع من دميوقراطية املصدر للقاعدة القانونية ‪ ،‬فبينما‬
‫هي واضحة ومسلم بها في القانون الدولي العام‪ ،‬إذا بها غير ذلك بالنسبة‬
‫للقانون الداخلي‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫املبحث الرابـع‬
‫طبيعة قواعد القانون الدولي‬

‫عند الكالم عن طبيعة القانون الدولي يثور التساؤل عن طبيعة قواعد‬


‫هذا القانون ‪ ،‬هل هي قواعد قانونية أم أنها مجرد قواعد أخالقية ال يترتب‬
‫على مخالفتها أية مسئولية قانونية ؟ هذا ما أختلف فيه الفقهاء فمنهم من‬
‫رأى أنها قواعد قانونية باملعنى الصحيح وتلتزم بها ال��دول كما يلتزم بها‬
‫األفراد بقواعد القانون الداخلي ‪ ،‬ومنهم يرى إن وجود أي قانون يتوقف على‬
‫وجود سلطات أو هيئات تكون عادة أعلى من املخاطبني باحكامه ‪ ،‬فالقانون‬
‫يجب أن يصدر عن السلطة التشريعية التي تقوم بوضعه ‪ ،‬وأن توجد سلطة‬
‫قضائية تقوم بتطبيق هذا القانون وأن يتضمن جزاء منظم يطبق في حالة‬
‫مخالفة أحكامه ‪ ،‬وإن هذه الشروط غير متوفرة في القانون الدولي في الوقت‬
‫احلاضر ‪ ،‬فلذلك ال ميكن أعتبار قواعد القانون الدولي قواعد قانونية باملعنى‬
‫الصحيح ‪.‬‬
‫ول��ذل��ك ف��إن الكثير م��ن فقهاء وفالسفة ال�ق��رن السابع والثامن عشر‬
‫من أمثال بفندروف ‪ Puffendorf‬ويلينك ‪ Jellinek‬وبنتام ‪ Bentham‬وهوبز‬
‫‪ Hobbes‬سبق وأن نفى الطبيعة القانونية لقواعد القانون الدولي ‪ ،‬وقد عبر‬
‫عن هذا االجتاه الفقيه االنكليزي املشهور جون اوسـنت ‪ 1790( John Austin‬ـ‬
‫‪ ) 1859‬أستاذ فلسفة القانون في جامعة لندن خالل النصف األول من القرن‬
‫التاسع عشر ‪ ،‬حيث يرى أن قاعدة السلوك ال تعتبر قانوناً إذا لم تصدر عن‬
‫سلطة تشريعية أعلى سياسياً ‪ ،‬وملا كانت قواعد السلوك الدولية التصدر عن‬
‫سلطة ذات سيادة لها سلطة حاسمة على جماعة الدول وألنها في معظمها‬
‫ق��واع��د عرفية ‪ ،‬فقد خلص اوس�تن إل��ى أن م��ا يطلق عليه ال�ق��ان��ون الدولي‬
‫ليس قانوناً مبعنى الكلمة وإمنا هو مجرد عبارة عن (أخالق دولية وضعية)‬
‫( ‪ )positive international morality‬تفتقر الى الصفة القانونية االلزامية‬
‫وال يترتب على مخالفتها أية مسئولية قانونية ‪ ،‬وقد وصل به األمر إلى حد‬

‫‪30‬‬
‫وصفه بانه مجرد (افكار ومشاعر سارية بني األمم عموماً) (((‪.‬‬
‫ورغم أن نظرية اوسنت قد هجرت اآلن من قبل جمهور فقهاء القانون‬
‫الداخلي ‪ ،‬إال أن هناك فقهاء في الوقت احلاضر يعبرون عن هذا االجتاه مثل‬
‫أستاذ العلوم السياسية الفرنسي راميون ارون ‪ Raymond Aron‬الذي يصر‬
‫على الطبيعة املعتادة للعنف في العالقات الدولية ‪ ،‬واالمريكي هانز مورجينتو‬
‫‪ Hans .J. Morgentau‬ال��ذي يؤكد على هشاشة املعاهدات الدولية ((( ‪،‬‬
‫كما ينكره أستاذ القانون العام الفرنسي املعروف جورج بيردو ‪ ،‬وكذلك بعض‬
‫فقهاء القانون اخلاص الداخلي في مصر((( ‪.‬‬
‫وس�ن�ح��اول مناقشة ال �ش��روط الثالثة ال�ت��ي ي��دع��ي بعض الفقهاء عدم‬
‫وجودها وهي ‪ :‬ـ‬
‫‪1‬ـ أن توجد سلطة تشريعية تقوم بوضع القواعد القانونية وامالئها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن توجد سلطة قضائية تتولى تطبيقها ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يوجد جزاء منظم يطبق على من يخالف هذه القواعد ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬عدم وجود السلطة التشريعية‬
‫إن إش�ت��راط ص��دور ه��ذه القواعد عن سلطة تشريعية عليا ال يعتبر‬
‫سببا صحيحا ألن جنرد قواعد القانون الدولي من صفة القواعد القانونية‬
‫‪ ،‬ألن غياب املشرع الدولي ليس عيباً في القانون الدولي ‪ ،‬بل أن طبيعة هذا‬
‫القانون هي التي تغيب التشريع ألن العالقات الدولية تقوم على مبدأ املساواة‬

‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 24‬‬ ‫((( ‬


‫أنظر د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ . 24‬وانظر‪:‬‬ ‫((( ‬
‫‪. Raymond Aron .paix et guerre enter les nations . 5eed . Paris . 1968 Hans.J.morgentau‬‬
‫‪. politics among nations , the struggle for power‬‬ ‫‪and peace .3eed. New York‬‬
‫‪. 1960‬‬
‫أنظر في الرد على هؤالء الفقهاء مؤلف الدكتور محمد سامي عبد احلميد ـ أصول‬ ‫(( (‬
‫القانون الدولي العام ـ مرجع مشار إليه ـ ج ‪1‬ص ‪ 34‬وما بعدها و ج ‪ 2‬ص ‪ 31‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫بني أشخاصه ‪ ،‬وهذه املساواة حتول دون وجود سلطة عليا ‪ ،‬فإذا وجدت فقد‬
‫القانون الدولي سبب وج��وده وهو تنظيم العالقات بني ال��دول املتساوية في‬
‫السيادة ‪ ،‬فلذلك ال ميكن قياس القانون الدولي بفروع القانون الداخلي العام‬
‫منها واخلاص ‪ ،‬ألن القانون الداخلي يستمد مشروعيته من الدستور وال وجود‬
‫ملثل هذا الدستور في العالقات القانونية بني الدول ((( ‪.‬‬
‫كما أن التشريع ليس هو املصدر الوحيد للقانون ‪ ،‬فهناك مصادر أخرى‬
‫للقانون وفي مقدمتها العرف الذي ال يزال مصدر الكثير من قواعد القانون‬
‫الداخلي ‪ ،‬كما أن بعض القوانني مثل القانون اإلجنليزي ما يزال يقوم على‬
‫العرف دون أن ينكر عليه أحد مع ذلك الصفة القانونية ‪ ،‬وكذلك بالنسبة‬
‫للقانون الدولي ف��إن املصدر األول لقواعده هي املعاهدات الدولية وكذلك‬
‫العرف الدولي واملصادر األخرى ‪ ،‬ويتضح من ذلك إن افتقار القانون الدولي‬
‫إلى سلطة تشريعية عليا ال يعني إن قواعده هي ليست قواعد قانونية ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬عدم وجود السلطة القضائية‬
‫إن انعدام القضاء ال يؤثر في وجود القانون ‪ ،‬ألن مهمة القاضي تنحصر‬
‫في تطبيق القوانني ال خلقها ‪ ،‬فاملفروض إن القانون موجود قبل وجود القاضي‬
‫هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية ثانية فإن القانون الدولي قد عرف القضاء كأداة‬
‫لتسوية املنازعات التي تقوم في نطاقه منذ زمن بعيد بأشكال مختلفة ‪ ،‬وكان‬
‫من أهم صوره األولى التحكيم ‪ ،‬ثم ظهرت الهيئات القضائية ((( ‪.‬‬
‫وعلى ه��ذا األس��اس نشأت محكمة التحكيم ال��دائ�م��ة ف��ي اله��اي عام‬
‫‪ 1899‬ومحكمة العدل الدولية الدائمة عام ‪ ، 1920‬ومحكمة العدل الدولية‬
‫عام ‪ 1945‬التي حلت محل محكمة العدل الدولية الدائمة ‪ ،‬وهناك محاكم‬
‫الغنائم املشكلة في زمن احلرب ‪.‬‬

‫د ـ زهير احلسني ـ مصادر القانون الدولي العام ـ منشورات جامعة قار يونس ـ بنغازي‬ ‫((( ‬
‫ـ ‪ 1993‬ـ ص ‪. 15‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 20‬‬ ‫(( (‬

‫‪32‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬عدم وجود اجلزاء‬
‫إن ف �ق��دان اجل ��زاء أو ع��دم كفايته ال ي��ؤث��ر ك��ذل��ك ف��ي وج��ود القانون‬
‫وكيانه وذلك ألن وظيفة اجلزاء هي ضمان تطبيق وتنفيذ ما يوجد من قواعد‬
‫قانونية‪ ،‬أي أن اجل��زاء ليس ع�ن�ص��راً م��ن عناصر ق�ي��ام ال�ق��اع��دة القانونية‬
‫والتسليم بوجودها ‪ ،‬فهناك فرق بني اإللزام الذي يعتبر عنصراً من عناصر‬
‫وجود القاعدة القانونية وبني اجلزاء الذي هو نتيجة تترتب على اخلروج على‬
‫القاعدة القانونية واإلخالل باملسئولية (((‪ ،‬فوجود القانون إذن ال يتوقف على‬
‫وجود اجل��زاء ‪ ،‬ومع ذلك فإن اجل��زاء في القانون الدولي ليس معدوماً على‬
‫االطالق ‪ ،‬وإمنا هو ضعيف وغير منظم ‪ ،‬وميكن تقسيم اجلزاء في القانون‬
‫ال��دول��ي إل��ى قسمني ‪ ،‬ج��زاءات خالية م��ن اإلك��راه ‪ ،‬وأخ��رى تتضمن عنصر‬
‫اإلكراه (((‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬اجلزاءات اخلالية من اإلكراه‬
‫أ ‪ -‬اجلزاءات املعنوية‪ :‬وتأخذ أما شكل اللوم الذي توجهه املؤمترات‬
‫واملنظمات ال��دول�ي��ة إل��ى ال��دول��ة املخالفة ‪ ،‬ومثل ذل��ك م��ا تقرر ف��ي تصريح‬
‫لندن سنة ‪ 1871‬من توجيه اللوم إل��ى احلكومة الروسية التي قامت أثناء‬
‫احلرب الفرنسية ـ االملانية سنة ‪ 1870‬بتحصني وتسليح موانىء البحر االسود‬
‫وانتهكت بذلك أحكام اتفاقية باريس لسنة ‪ 1856‬التي حتظر تسليح موانىء‬
‫البحر االسود ‪ ،‬واللوم الذي وجهته األمم املتحدة مرات عديدة إلى اسرائيل‬
‫العتدائها على الدول العربية ‪ ،‬أو تأخذ شكل االحتجاج الذي توجهة حكومة‬
‫دولة إلى حكومة دولة أخرى أو استهجان الرأى العام الدولي في حالة مخالفة‬
‫أحكام القانون الدولي ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قطع العالقات الدبلوماسية‪ :‬وهي أخف طرق اإلك��راه ‪ ،‬حيث‬

‫د ـ عز الدين فوده ـ مقدمة في القانون الدولي العام ـ مكتبة عني شمس ـ القاهرة ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 19‬‬
‫أنظر د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 21‬وما بعدها ود ـ عز الني فوده ـ مرجع‬ ‫(( (‬
‫مشار إليه ـ ص ‪ 21‬وما بعدها ‪ ،‬د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬
‫‪ 50‬ـ ‪ 51‬د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 89‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫تلجأ الدولة بقطع عالقاتها الدبلوماسية مع دولة أخرى بقصد توجيه اللوم‬
‫إليها ‪ ،‬ويشمل قطع العالقات الدبلوماسية وقف جميع العالقات السياسية‬
‫واالقتصادية بني الدولتني مثل قطع االحتاد السوفيتي سابقاً والدول االشتراكية‬
‫عدا ـ رومانيا ـ العالقات الدبلوماسية مع إسرائيل عام ‪ 1967‬بسبب شنها‬
‫احلرب على الدول العربية ‪ ،‬وقطع العالقات الدبلوماسية ال يؤدي إلى قطع‬
‫العالقات القنصلية ما لم يرد نص على ذلك ‪.‬‬
‫ج‪ -‬اجل��زاءات املالية‪ :‬وهي التي تكون نتيجة لتقرير مسئولية الدولة‬
‫وإلزامها بالتعويض ‪ ،‬وتقرر هذه اجلزاءات أما بالطرق الدبلوماسية‪،‬كاملفاوضة‪،‬‬
‫أو عن طريق التحكيم أو القضاء الدوليني ‪.‬‬
‫د‪ -‬اجل��زاءات القانونية‪ :‬والتي تؤدي إلى إلغاء أو وقف التصرفات‬
‫القانونية ذات الطبيعة الدولية ‪ ،‬كاملعاهدات ومن ذلك ما نصت عليه املادة‬
‫‪ 40‬من اتفاقية الهاي الرابعة سنة ‪ 1907‬والتي قضت بأن كل خرق خطير‬
‫للهدنة من قبل أحد األطراف يعطي للطرف اآلخر حق فسخ االتفاق ‪ ،‬وكذلك‬
‫امل��ادة ‪ 60‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات التي تعطي احلق للتحلل من‬
‫أحكام املعاهدة بسبب إخالل أحد أطرافها بالتزاماته إخالالً خطيراً ‪.‬‬
‫ه��ـ‪ -‬اجل����زاءات ال��ت��أدي��ب��ي��ة‪ :‬وي�ق�ص��د ب�ه��ا ال�ف�ص��ل أو ح��رم��ان ال��دول��ة‬
‫مؤقتا من حق التصويت أو الطرد أو الوقف من عضوية منظمة دولية عاملية‬
‫أواقليمية ((( ‪ ،‬وتقرر هذه اجلزاءات على الدولة التي ال تقوم بالواجبات التي‬
‫فرضها عليها ميثاق املنظمة ‪ ،‬من قبل املنظمات الدولية استنادا إلى ميثاق‬
‫املنظمة الدولية ‪ ،‬من ذلك القرار الذي أصدرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫عام ‪ 1974‬والقاضي مبنع جنوب أفريقيا من املشاركة في دورتها التاسعة‬
‫والعشرين ‪.‬‬

‫فقد نصت امل��ادة اخلامسة من ميثاق األمم املتحدة « على ج��واز وقف حق العضوية‬ ‫((( ‬
‫والتمتع مبزاياها مبواجهة الدولة التي يتخذ مجلس األمن ضدها عم ً‬
‫ال من اعمال املنع‬
‫او القمع « وكذلك املادة السادسة من امليثاق أباحت فصل أو طرد الدولة العضو الذي ال‬
‫يحترم املباديء التي ينظمها ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬واملادة ‪ 4 / 16‬من عهد عصبة األمم‬
‫أشارت إلى عقوبة الفصل ‪ ،‬كما أن ميثاق اجلامعة العربية في املادة ‪ 2 / 18‬نص على‬
‫مبدأ الفصل ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اجلزاءات التي تتضمن عنصر اإلكراه‬
‫أ‪ -‬األعمال البوليسية‪ :‬هي من اجلزاءات التي أقرها القانون الدولي‬
‫العرفي قبل قيام منظمة األمم املتحدة ومن أمثلتها احلملة التي وجهتها الدول‬
‫األورب �ي��ة إل��ى الصني ع��ام ‪1900‬م حلماية سفاراتها م��ن ال�ث��ورة التي قامت‬
‫هناك‪.‬‬
‫ب‪ -‬االقتصاص‪ :‬وهي األعمال التي تتضمن مخالفه لقواعد القانون‬
‫الدولي والتي تصدر عن دولة ما ثم تقوم الدولة األخرى بالرد على تلك األعمال‬
‫بأعمال مماثلة بقصد حملها على التوقف عن تلك األعمال أو املخالفات أو‬
‫التعويض عنها نتيجة ملا أص��اب الدولة من أض��رار ناجتة عن تلك األعمال‪،‬‬
‫ولالقتصاص صور مختلفة ‪ ،‬كاالحتالل العسكري وقت السلم إلقليم الدولة‬
‫التي أخلت بالتزاماتها الدولية أو جل��زء من ذل��ك اإلقليم‪ ،‬من ذل��ك احتالل‬
‫ايطاليا مليناء كورفو في اليونان سنة ‪ 1923‬بقصد حمل احلكومة اليونانية‬
‫على دف��ع التعويض عن مقتل جنرال إيطالي ك��ان يعمل في جلنة لتخطيط‬
‫احل��دود هناك ‪ ،‬أو احلصار السلمي ال��ذي تقيمه الدولة أو مجموعة الدول‬
‫ضد الدولة أو الدول املعتدية وذلك بعزلها عن بقية الدول بإقامة املنع املسلح‬
‫ألي اتصال بني هذه الدول والدول األخرى ‪ ،‬ومن ذلك احلصار السلمي الذي‬
‫قامت به سنة ‪1902‬م كل من أملانيا وإنكلترا وايطاليا إلرغ��ام فنزويال على‬
‫الوفاء بالديون التي عليها لرعايا هذه الدول ((( ‪.‬‬
‫ويالحظ أن أعمال االقتصاص التي تتضمن استخدام القوة في غير‬
‫حالة الدفاع الشرعي تتعارض وأحكام ميثاق األمم املتحدة التي تقضي بحل‬
‫املنازعات الدولية عن طريق الوسائل السلمية ‪ ،‬لذلك فقد أدان مجلس األمن‬
‫بالقرار الذي أصدره في عام ‪ 1968‬إسرائيل لهجومها على مطار بيروت في‬
‫‪ 1968 / 12 / 28‬حيث دمرت ثالث عشرة طائرة قدرت قيمتها بـ ‪43, 8‬‬
‫مليون دوالر عدا األضرار التي أصابت منشآت املطار ‪ ،‬حيث أدعت إسرائيل‬
‫إن ذلك كان رداً على ما قام به الفدائيون عندما هاجموا طائرة إسرائيلية في‬
‫مطار أثينا وعدة هجمات بالقنابل داخل إسرائيل ‪.‬‬

‫د ـ صالح الدين أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 206‬‬ ‫(( (‬

‫‪35‬‬
‫ج ـ اجلزاء االقتصادي‪ :‬ويكون باستخدام الوسائل االقتصادية واملالية‬
‫إلكراه الدول على احترام القانون ‪ ،‬وصور اجلزاء االقتصادي متعددة ومختلفة‬
‫‪ ،‬من بينها احلصار االقتصادي واحلضر على الصادرات والواردات ‪ ،‬وجتميد‬
‫األموال في اخلارج ‪ ،‬وقطع العالقات االقتصادية ‪ ،‬وحترمي التعامل مع الدولة‬
‫املخالفة ‪ ،‬وم��ن أه��م ص��ور ه��ذا اجل��زاء املقاطعة االقتصادية التي تفرضها‬
‫إحدى الدول أو املنظمات الدولية كعقوبة ضد الدولة املعتدية وميكن تطبيقه‬
‫وق��ت السلم واحل��رب ‪ ،‬كمقاطعة ال��دول العربية إلسرائيل اقتصادياً وعدم‬
‫التعامل معها ‪.‬‬
‫وإذا كانت املقاطعة االقتصادية عقوبة أو جزاء ألن الدولة ارتكبت عم ً‬
‫ال‬
‫ال قانونياً أو كان تدبير تأديبي او زجري أي جزاء قانوني فإنها تكون مشروعة‬
‫حسب رأي أغلب الكتاب ‪ ،‬كما لو أتخذت حسب امل��ادة ‪ 16‬من عهد عصبة‬
‫األمم أو املادة ‪ 41‬من ميثاق األمم املتحدة‪ ،‬وقد طبقت املقاطعة االقتصادية‬
‫ال كجزاء على الدول املعتدية ‪ ،‬فقد طبقت بحق اليابان لغزوها منشوريا‬ ‫فع ً‬
‫سنة ‪1931‬م‪ ،‬وعلى إيطاليا لغزوها احلبشة سنة ‪1935‬م ‪ ،‬وقد أقيمت هيئات‬
‫خاصة للقيام بالتدابير املشتركة نيابة عن هيئات العصبة ((( ‪.‬‬
‫د ـ اجلزاءات اجلنائية‪ :‬إن هذه اجلزاءات لم تكن معروفة في القانون‬
‫الدولي العام ولم تبدأ في الظهور إال بعد احلرب العاملية الثانية حيث متت‬
‫محاكمة كبار مجرمي احلرب األملان ومجرمي احلرب في اليابان حيث متت‬
‫محاكمة الفريق األول أمام محكمة نورنبرغ عام ‪ 1945‬ومتت محاكمة الفريق‬
‫الثاني أمام محكمة طوكيو عام ‪ ، 1946‬كما متت محاكمة القادة العسكريني‬
‫من ص��رب البوسنة بسبب ارت�ك��اب جرائم ح��رب ضد مسلمي البوسنة أمام‬
‫محكمة اله��اي الدولية بعد سنة من شن ضربة عسكرية ضد صربيا سنة‬
‫‪1999‬م‪.‬‬
‫هـ ـ الضمان‪ :‬يقصد بالضمان تعهد الدولة مبقتضى معاهدة لضمان‬
‫تنفيذ التزام دول��ي أو بضمان القضاء على خ��رق ذل��ك االل�ت��زام ‪ ،‬وق��د يكون‬

‫أ ـ عبدالله عبد اجلليل احلديثي ـ النظرية العامة في القواعد اآلمرة في القانون الدولي‬ ‫(( (‬
‫ـ الطبعة األولى ـ مطبعة اوفسيت عشتار ـ بغداد ـ ‪ 1986‬ـ ص ‪. 174‬‬

‫‪36‬‬
‫الضمان من جانب واحد كما قد يكون جماعيا متبادال ‪ ،‬ومن أمثلة الضمان‬
‫اجلماعي املادة ‪ 10‬من عهد عصبة األمم التي تعهدت مبوجبها الدول األعضاء‬
‫باحترام وضمان سالمة أقاليم الدول األعضاء واستقاللها السياسي ضد أي‬
‫اعتداء خارجي ((( ‪.‬‬
‫ومما تقدم يتبني لنا أن اجل��زاء الدولى ‪-(((Sanction international‬‬
‫يزخر النظام القانوني الدولى بالعديد من اجلزاءات ‪-‬تتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬جزاءات جنائية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬جزاءات ال تتطلب استعمال القوة ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬جزاءات تستخدم فيها القوة ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬جزاءات في ميثاق األمم املتحدة ‪.‬‬
‫وسنعرض فيما يلي لبعض النماذج التطبيقية لهذه اجلزاءات‪-:‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬جزاءات جنائية ‪Sanctions Pénales‬‬

‫ وهى عقوبات يوقعها قاض أو محكمة دولية على متهم بانتهاك قواعد‬
‫القانون ال��دول��ى ال�ع��ام ‪ .‬رق��د شهد باملجتمع ال��دول��ى ص��ورة لهذه العقوبات‬
‫وقعتها محكمة نورمبرج باملانيا ‪ .‬وهى احملكمة التى شكلتها دول احللفاء بعد‬
‫احلرب العاملية الثانية عام ‪ 1945‬حملاكمة كبار رجال النازي األملان املتهمني‬
‫بانتهاك قواعد القانون الدولى املتعلقة باحلرب‪.‬‬
‫ وق��د ق��دم أم��ام ه��ذه احملكمة أربعة وع�ش��رون من كبار رج��ال احلكم‬
‫النازي بوصفهم من كبار مجرمي احلرب ‪ ،‬واستغرقت محاكمتهم عشرة أشهر‪،‬‬
‫حيث قضي على تسعة عشر منهم بأنهم مذنبون ‪ ،‬وحكم باالعدام شنقاً على‬
‫اثني عشر زعيماً نذكر منهم ج��ورجن نائب رئيس الرايخ األملاني واملارشال‬
‫كيتل القائد العام للجيش األملانى‪ ،‬ويودل رئيس هيئة أركان احلرب العامة‪،‬‬
‫وريبنتروب وزير اخلارجية‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 36‬‬ ‫(( (‬


‫ (((‬ ‫‪Cavaré op.cit. p. 146.‬‬

‫‪37‬‬
‫ ولقد اعتبرت دول احللفاء األربع (الواليات املتحدة واإلحتاد السوفيتي‬
‫وبريطانيا وفرنسا) أنها تنوب عن املجتمع الدولى كله عندما أبرمت اتفاقية‬
‫لندن في ‪ 8‬أغسطس ‪ 1945‬وقررت فيها تشكيل هذه احملكمة الدولية حملاكمة‬
‫من انتهكوا قواعد القانون الدولى العام انتهاكاً صارخا خالل عمليات احلرب‬
‫العاملية الثانية‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وم��ن التطبيقات احلديثة للمحاكمات اجلنائية ملرجرمي احل��رب ما‬
‫أصدره مجلس األمن من قرارات إلنشاء محكمة جنائية دولية حملاكمة املتهمني‬
‫بارتكاب جرائم دولية أثناء النزاعات املسلحة‪ .‬ففي ‪ 22‬فبراير ‪ 1993‬قرر‬
‫مجلس األم��ن انشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة حملاكمة املتهمني بارتكاب‬
‫مخالفات جسيمة لقواعد القانون الدولى اإلنساني في يوغوسالفيا السابقة‬
‫منذ أندلع فيها لصراع املسلح في عام ‪ 1991‬بني العرب ومسلمي البوسنة‬
‫والهرسك بصفة خاصة‪ .‬وق��رار مجلس األم��ن رق��م ‪ 955‬لسنة ‪ 1994‬الذي‬
‫أنشأ محكمة جنائية دولية حملاكمة املسئولني في روان��دا عن إب��ادة اجلنس‬
‫البشري واإلنتهاكات اخلطيرة للقانون الدولى اإلنساني في املدة من أول يناير‬
‫‪ 1994‬إلى ‪ 31‬ديسمبر ‪1994‬‬
‫احملكمة اجلنائية الدولية الدائمة ‪:‬‬
‫ وكان إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة حلماً عظيماً لدعاة العدالة‬
‫اجلنائية الدولية حتى ميكن مالحقة ومعاقبة املسئولني عن إرتكاب جرائم‬
‫احلرب واجلرائم البشعة ضد اإلنسانية ‪ .‬ومن أجل ذلك فقد قررت اجلمعية‬
‫العامة ل�لأمم املتحدة ف��ي ‪ 4‬ديسمبر ‪ 1989‬تكليف بوضع م�ش��روع النظام‬
‫األساسي لتلك احملكمة ‪.‬‬
‫أجنزت اللجنة بدورها تلك املهمة في أبريل ‪ 1998‬ثم دعت اجلمعية‬
‫العام ملؤمتر دبلوماسي للدول األعضاء للنظر في املشروع واعتماده ‪ .‬وقد‬
‫أنعقد املؤمتر في روما من ‪ 15‬يونيو إلى ‪ 17‬يوليو ‪ . 1998‬وشارك فيه ممثلو‬
‫مائة وستني دولة ‪ ،‬وأنتهي إلى اعتماد النظام األساسي للمحكمة الذي نشرح‬
‫قواعده األساسية فيما يلي ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫تشكيل احملكمة واختصاصاتها ‪:‬‬
‫تعتبر احملكمة هيئة دائ �م��ة ذات مقر دائ��م اله��اى بهولندا ‪ ،‬وتتمتع‬
‫بشخصية قانونية دولية ‪ .‬وتتكون احملكمة من ثمانية عشر قاضياً من بني‬
‫األشخاص الذين يتحلون باألخالق الرفيعة واحلياد والنزاهة ‪ ،‬ويجري انتخاب‬
‫القضاة باإلقتراع السري في اجتماع للجمعية العمومية للدول األطراف في‬
‫اإلتفاقية ‪ ،‬ويشغل القضاة مناصبهم ملدة تسع سنوات ‪.‬‬
‫وتتكون هيئة احملكمة من األجهزة اآلتية ‪:‬‬
‫(أ) هيئة الرئاسة ‬
‫(ب) شعبة استئناف وشعبة ابتدائية وشعبة متهيدية‬
‫ ‬
‫(جـ) مكتب املدعى العام‬
‫(د) قلم الكتاب‬
‫وللمحكمة سلطة مم��ارس��ة اختصاصاتها على األش �خ��اص إزاء أشد‬
‫اجلرائم خطورة والتى تكون محل اإلهتمام الدولى ولذلك فقد حددت املادة‬
‫اخلامسة اختصاص احملكمة في اجلرائم التالية ‪:‬‬
‫ ‬
‫(أ) جرمية اإلبادة اجلماعية‬
‫(ب) اجلرائم املرتكبة ضد اإلنسانية‬
‫(ج) جرائم احلرب ‬
‫(د) جرائم العدوان ‪.‬‬
‫ وقد ورد بنظام احملكمة بيان بعناصر كل من تلك اجلرائم ‪.‬‬
‫ ويؤكد النظام األساسي للمحكمة على أختصاصها نحو األشخاص‬
‫الطبيعيني ‪ ،‬فهى إلحتاكم دوالً وإمنا حتاكم أشخاصاً طبيعيني متهمني بإرتكاب‬
‫اجلرائم اخلطيرة السابق اإلش��ارة إليها ‪ ،‬ولذلك تنص املادة ‪ 23‬من النظام‬
‫األساسي على أن‪« :‬يكون للمحكمة اختصاص على األشخاص الطبيعيني عم ً‬
‫ال‬
‫بهذا النظام األساسي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الشخص الذي يرتكب جرمية تدخل في اختصاص احملكمة يكون مسئوالً‬
‫عنها بصفته الفردية وعرضه للعقاب وفقاً لهذا النظام األساسي»‪.‬‬
‫وفقاً لهذا النظام األساسي يسئل الشخص جنائياً ويكون عرضه للعقاب‬
‫عن أية جرمية تدخل في اختصاص احملكمة في حال قيام الشخص مبا يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬إرتكاب هذه اجلرمية سواء بصفته الفردية أو باإلشتراك مع آخر‪.‬‬
‫(ب) األم��ر أو اإلغ��راء أو احل��ث على ارتكاب جرمية وقعت بالفعل أو‬
‫الشروع فيها ‪.‬‬
‫(ج) تقدمي العون أو التحريض أو املساعدة ب��أي شكل لغرض تيسير‬
‫ارتكاب هذه اجلرمية أو الشروع في إرتكابها‪.‬‬
‫(د) املساهمة ب��أي طريقة أخ��ري ‪ ...‬في ارتكاب أو الشروع في هذه‬
‫اجلرمية واليجوز للشخص املتهم أن يحتمي وراء حصانات تتعلق مبنصبه‪.‬‬
‫ فهو يتجرد أمام احملكمة وفي جميع إجراءاتها من أية حصانات تتصل‬
‫بصفته الرسمية س��واء أك��ان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضوا فيها أو في‬
‫البرملان أو موظفاً حكوميا‪ .‬وتظل املسئولية على املتهمني ط��ول العمر‪ ،‬وال‬
‫تسقط بالتقادم طبقاً للمادة ‪ 27‬من النظام األساسي للمحكمة‪ .‬وإذا ما انتهت‬
‫احملكمة إلى إدانة املتهم فإنهم حتكم عليه بالسجن املؤبد أو ملدد قد تصل إلى‬
‫ثالثني سنة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن الغرامة التى تأمر بها ومصادرة املمتلكات‪ .‬ويتم تنفيذ‬
‫حكم السجن في دولة تعينها احملكمة من بني قائمة الدول التى تكون قد أبدت‬
‫للمحكمة استعدادها لقبول األشخاص احملكوم عليهم‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬جزاءات ال تتطلب استخدام القوة ‪:‬‬


‫وتشمل‪:‬‬
‫ ‬
‫(‪)1‬جزاءات معنوية أو أدبية ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قطع العالقات الدبلوماسية‪.‬‬
‫ ‬‫(‪ )3‬جزاءات مالية‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫(‪ )4‬جزاءات قانونية صريحة‪.‬‬
‫(‪ )5‬جزاءات تأدبيية ‪.‬‬
‫وتفصل كال منها فيما يلي ‪:‬‬
‫(‪ )1‬اجلزاءات املعنوية أو األدبية ‪:‬‬
‫ وتتمثل في استنكار الرأي العام الدولى أو إعالن اإلحتجاج وتوجيه‬
‫اللوم إلى الدولة املنتهكة لقواعد القانون الدولى‪ ،‬أو أدانة تصرفها بقرار من‬
‫منظمة دولية ‪ ،‬أو مؤمتر دولى‪:‬‬
‫(أ) ل��وم روس�ي��ا ف��ي ب��روت��وك��ول ل�ن��دن ع��ام ‪1871‬م ألن�ه��ا عطلت تنفيذ‬
‫معاهدة باريس لعام ‪1856‬م املتعلقة بتحصني موانى البحر األسود ‪.‬‬
‫(ب) في ‪ 17‬ابريل ‪1935‬م وجه مجلس عصبة األمم اللوم إلى احلكومة‬
‫األملانية بسبب اعادة تسليح نفسها منتهكة بذلك نصوص معاهدة صلح فرساي‬
‫املبرمة عام ‪1919‬م كما وجهت إليها اللوم مرة ثانية في ‪ 18‬مارس ‪1936‬م‬
‫لقيامها بانهاء معاهدة صلح فرساي ومعاهدة لوكارنو‪.‬‬
‫(ج) في ‪ 14 ،13‬ديسمبر ‪1939‬م وجهت جمعية العصبة وكذا مجلسها‬
‫اللوم إلى روسيا بسبب هجومها على فنلندا‪.‬‬
‫(د) في أكتوبر ‪1949‬م وجهت اجلمعية العامة لألمم املتحدة اللوم إلى‬
‫املجر وبلغاريا بسبب محاكمة الكثير من رجال الدين ‪.‬‬
‫(هـ) في ‪ 7 ،2،4‬نوفمبر ‪1956‬م أصدرت اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫قرارات إدانة العدوان الثالثي على مصر‪ .‬وكان لقرارات اإلدانة الدولية أثر‬
‫بالغ على بريطانيا وفرنسا حيث سحبتا قواتهما من األراضي املصرية في ‪22‬‬
‫ديسمبر سنة ‪1956‬م‪.‬‬
‫(و) أص��درت اجلمعية العامة ومجلس األم��ن ق��رارات متعددة بإدانة‬
‫سياسة التمييز العنصري التى تتبعها حكومة جنوب أفريقيا ‪.‬‬
‫(ز) في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1975‬أصدرت اجلمعية العامة لألمم املتحدة قراراً‬
‫بإدانة الصهيونية بوصفها شك ً‬
‫ال من أشكال التفرقة العنصرية ‪ ،‬وقد أثار هذا‬

‫‪41‬‬
‫القرار ثائرة إسرائيل على املنظمة الدولية‪.‬‬
‫(س) اح�ت�ج��اج ال��والي��ات امل�ت�ح��دة األم��ري�ك�ي��ة وب��ري�ط��ان�ي��ا وف��رن�س��ا على‬
‫مصر‪.‬‬
‫(ص) إدانة الغزو العراقى للكويت في ‪ 2‬أغسطس ‪ 1990‬حيث صدرت‬
‫تلك اإلدانة من األمم املتحدة واملنظمات واملؤمترات الدولية‪.‬‬
‫(‪ )2‬قطع العالقات الدبلوماسية ‪:‬‬
‫ إذ تشفع الدولة احتجاجها بسحب ممثلها الدبلوماسيني وطرد ممثلى‬
‫الدولة املنتهكة للقانون ‪ .‬ورغم أن هذا اجلزاء أدبي في مضمونه إال أنه يتجاوز‬
‫النطاق األدبي ويؤثر في العالقات السياسية واإلقتصادية بني الدولتني ‪ .‬ومن‬
‫أمثلة هذا اجلزاء ‪.‬‬
‫(أ) استدعاء ملك املغرب لسفيره في باريس احتجاجاً على تفجير فرنسا‬
‫ألولى قنابلها الذرية في ريحان بالصحراء اجلزائرية في فبراير ‪.1960‬‬
‫(ب) في ‪ 11‬نوفمبر ‪ 1965‬أعلنت حكومة األقلية البيضاء في رودسيا‬
‫اجلنوبية اإلستقالل من جانب واحد وتقاعست بريطانيا في ردع هذه احلكومة‬
‫العنصرية رغم مقدرتها على ذلك وقد اعتبرت الدول األفريقية أن بريطانيا‬
‫مسئولة عن املوقف في روديسيا فبادرت عشر دول إفريقية إلى قطع عالقاتها‬
‫الدبلوماسية مع بريطانيا كاحتجاج وعقاب على موقفها غير الشرعي‪.‬‬
‫(ج) مي�ك��ن ل�ل��دول��ة احمل�ت�ج��ة أن ت�س�ت�ب��دل ممثلها ال��دب�ل��وم��اس��ي مبمثل‬
‫دبلوماسي آخر أقل درجة كنوع من اإلحتجاج على تصرف الدولة األخرى‪.‬‬
‫(‪ )3‬جزاءات مالية ‪:‬‬
‫وهى إجراء مضاد إلجراء آخر غير قانونى‪ ،‬فإذا نقضت إحدى الدول‬
‫التزاماتها الدولية ميكن للدولة املضرورة أن تستوفى حقوقها من أموال الدولة‬
‫األولى املوجودة لديها ‪.‬‬
‫ولعل املثل القريب إلينا ذلك الذ اتخذته بريطانيا وفرنسا إثر تأميم‬
‫قناة السويس ف��ي ‪ 26‬يوليو ‪1956‬م‪ .‬فبعد يومني اثنني م��ن ص��دور قانون‬

‫‪42‬‬
‫التأمني بادرت احلكومتان البريطانية والفرنسية بتجميد األرص��دة املصرية‬
‫وأموال املصريني لديهما‪ ،‬وأعلنت احلكومات أن قرار التأميم يخالف اتفاقاً‬
‫دولياً هو اتفاقية القسطنطينية لعام ‪1888‬م‪.‬‬
‫وق��د تضمن ق��رار مجلس األم��ن رق��م ‪ 661‬ف��ي ‪ 5‬أغ�س�ط��س ‪1990‬م‬
‫جزاءات مالية ضد العراق إذ نصت الفقرة الرابعة على أن متتنع جميع الدول‬
‫عن أن توفر حلكومة العراق ومشاريعها أية أموال أو موارد مالية أو اقتصادية‬
‫أو حتويل أي أموال إليها كما قرر املجلس بقراره رقم ‪ 670‬في ‪ 25‬سبتمبر‬
‫‪ 1990‬جتميد األصول العراقية في اخلارج‪.‬‬
‫(‪ )4‬جزاءات قانونية صريحة ‪:‬‬
‫وتتخذ هذه اجلزاءات عدة صور تتمثل فيما يلي ‪:‬‬
‫(أ) فالقانون ال��دول��ى يشترط ت��واف��ر ع��دد م��ن ال�ش��روط لصحة إب��رام‬
‫املعاهدة‪ ،‬فإذا تخلف أحد هذه الشروط فإنه يكون من املنطقي السماح بإبطال‬
‫املعاهدة‪ ،‬وهذا ما جري عليه التطبيق العملي في املجتمع الدولي ‪.‬‬
‫(ب) أبطال املعاهدة لتعارضها مع معاهدة أخري أو تعارضها مع القانون‬
‫الدولي ‪:‬‬
‫إذ يوجد تسلسل في مركز املعاهدات فمعاهدة روما لعام ‪ 1957‬التى‬
‫انشأت السوق األوروبية املشتركة‪ ،‬تفرض علوها وسموها على أية معاهدة‬
‫جتارية تبرمها دولة من الدول األعضاء فال يجوز لهذه الدول أن تبرم معاهدة‬
‫تتعارض مع معاهدة السوق وإال كان نصيبها البطالن‪.‬‬
‫(ج) عدم تطبيق املعاهدة ‪:‬‬
‫وهنا ال تكون املعاهدة باطلة ‪ ،‬ولكن فقط يشل تطبيقها أمام أي فرع‬
‫من فروع األمم املتحدة فال يجوز للدولة التى عقدتها أن تستند إليها وتستفيد‬
‫منها أمام اجلمعية العامة أو مجلس األمن أو محكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫(د) إلغاء املعاهدة ‪:‬‬
‫ وذل��ك في حالة ما إذا أخل الطرف اآلخ��ر باملعاهدة إخ�لاالً خطيراً‬

‫‪43‬‬
‫‪ .‬إذ أن عدم تنفيذ التزاماته اجلوهرية ‪ ،‬فإن إلغاء املعاهدة أو يترتب عليه‬
‫إيقاف العمل بها ‪ .‬ومن قبيل ذلك ما نصت عليه املادة ‪ 40‬من اتفاقية الهاى‬
‫ال�س��ادس��ة لعام ‪ 1907‬إذ ذهبت إال أن��ه عندما يخل أح��د األط��راف إخ�لاالً‬
‫خطيراً بالهدنة القائمة جاز للطرف اآلخر إنهاؤها‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وفي ‪ 19‬ابريل ‪ 1969‬أعلنت إيران إلغاء معاهدة احلدود املبرمة في ‪14‬‬
‫يوليو ‪ 1937‬مع العراق وكذا البروتوكول املوقع في نفس اليوم واملتعلق بشط‬
‫العرب‪ .‬وقد بررت إيران هذا اإللغاء للمعاهدة بقولها‪(:‬إن العراق لم حتترم مبدأ‬
‫املساواة في املالحة النهرية الذي يعد أساساً للمعاهدة والبروتوكول)(((‪.‬‬
‫ومثل قريب لدينا في م�ص��ر‪:‬إذ اقترح رئيس اجلمهورية على مجلس‬
‫الشعب ف��ي ‪ 14‬م��ارس ‪ 1976‬امل��واف�ق��ة على م�ش��روع ق��ان��ون بإلغاء معاهدة‬
‫الصداقة والتعاون املصرية السوفيتية املبرمة في ‪ 27‬مايو ‪ 1971‬ملدة خمسة‬
‫عشر عاماً‪ .‬وقد واف��ق مجلس الشعب على مشروع القرار اجلمهوري الذي‬
‫صدر بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪.1976‬‬
‫(ه ��ـ) ب �ط�لان ال�ت�ص��رف��ات ال �ت��ى تنتهك اح ��دى امل �ع��اه��دات أو ال�ق��ان��ون‬
‫الدولى‪:‬‬
‫ومن أمثلة ذلك البطالن ضم أراضى الغير أو االستيالء عليها بالقوة ‪،‬‬
‫وقد ثبت هذا املبدأ لدى الدول األمريكية عام ‪ 1899‬حيث صدرت توصية من‬
‫مؤمتر الدول األمريكية تقضى بأن كل تنازل عن األقاليم يحدث خالل فترة‬
‫ال إذا مت نتيجة التهديد باحلرب أو بسبب‬ ‫معاهدة التحكيم يعتبر تنازالً باط ً‬
‫وجود قوات عسكرية مسلحة‪.‬‬
‫وبعد احل��رب العاملية األول��ى‪ ،‬اجت��ه عهد عصبة األمم نفس اإلجت��اه ‪،‬‬
‫ورفضت العصبة االع�ت��راف بصحة استيالء اليابان على األراض��ي الصينية‬
‫واستيالء ايطاليا على احلبشة‪.‬‬
‫ وتكرر هذا الوضع في ميثاق األمم املتحدة طبقاً ملا ورد في الفقرة‬

‫روسو املرجع السابق صحيفة ‪.21‬‬ ‫((( ‬

‫‪44‬‬
‫الرابعة من املادة الثانية ‪ .‬وقد طبقت األمم املتحدة هذا اجلزاء على اسرائيل‬
‫مب��وج��ب ق��رار مجلس األم��ن رق��م ‪ 242‬ال�ص��ادر ف��ي نوفمبر ‪1967‬م وال��ذي‬
‫يطالب اسرائيل باإلنسحاب من األراضي التى احتلتها بالقوة ‪ ،‬ثم عاد مجلس‬
‫األمن في ‪ 22‬اكتوبر ‪1973‬م وأصدر قرار رقم ‪ 338‬يطالب فيه بوقف اطالق‬
‫النار وتنفيذ قراره السابق رقم ‪ 242‬لعام ‪1967‬م بخصوص انسحاب اسرائيل‬
‫من األراضي احملتلة ‪.‬‬
‫(و) خسارة املزايا التى تتضمنها معاهدة ما ‪:‬‬
‫ إذ توجد معاهدات تنص على ح��رم��ان ال��دول املخلة بها مم��ا ترتبه‬
‫املعاهدة من مزايا ‪ .‬مثال ذلك ميثاق باريس املبرم في ‪ 26‬اغسطس ‪، 1928‬‬
‫كما أن اإلتفاقية اخلاصة بقانون احلرب تتضمن قواعد في هذا املعنى‪.‬‬
‫(‪ )5‬جزاءات تأديبية ‪:‬‬
‫وجندها في املنظمات الدولية ‪ ،‬إذ تضع مواثيقها ج��زاءات توقع على‬
‫األع�ض��اء عند اإلخ�لال بامليثاق‪ ،‬كاحلرمان م��ن التصويت أو إي�ق��اف التمتع‬
‫مبزايا معينة أو إيقاف العضوية أو الطرد من املنظمة‪.‬‬
‫ومن أمثلة هذه اجلزاءات ‪ ،‬العقوبة التى وقعتها منظمة التغذية والزراعة‬
‫التابعة لألمم املتحدة على حكومة احتاد جنوب افريقيا‪.‬‬
‫فالعرف الدولى واملعاهدات تخوالن استخدام العنف من أجل حتقيق‬
‫نتائج معينة تتطلبها قواعد القانون الدولى‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫(أ) احلملة العسكرية التى أرستلها ال��دول الغربية إلى بكني في عام‬
‫‪ 1900‬ملقاومة الفتنة التى أثارتها إحدى اجلمعيات السرية الصينية والتى‬
‫كانت تهدد أعضاء البعثات الدبلوماسية األوروبية‪.‬‬
‫(ب) في ‪ 25‬يونية ‪1950‬م عبرت قوات كوريا الشمالية خط عرض ‪38‬‬
‫بادئة غزوها لكوريا اجلنوبية ‪ .‬وقد انعقد مجلس األمن على الفور وأدان هذا‬
‫الغزو واعتبره مهدداً لألمن والسالم وطلب من أعضاء األمم املتحدة تقدمي‬

‫‪45‬‬
‫املساعدة العسكرية لقوات كوريا اجلنوبية لتمكينها من صد الغزو الواقع‬
‫عليها ‪ ،‬استندت الواليات املتحدة األمريكية على قرارات املجلس ‪،‬وأرسلت مع‬
‫خمس عشرة دولة أخرى قوات عسكرية حتت علم األمم املتحدة ‪ ،‬وذلك لصد‬
‫غزو قوات كوريا الشمالية على كوريا اجلنوبية ‪ ،‬وكان مفهوماً أن هذه احلملة‬
‫العسكرية إمنا جندت تنفيذاً لقرارات األمم املتحدة الداعية إلى صد العدوان‬
‫غير املشروع وأنها إمنا تنفذ القانون الدولى باسم منظمة األمم املتحدة ‪.‬‬
‫وقد استمر القتال في كوريا حتى ‪ 27‬يوليو ‪ 1953‬عندما وقعت الهدنة‬
‫والتزمت كل من كوريا الشمالية والكوريا اجلنوبية حدودها قبل نشوب القتال‬
‫على جانبى خط عرض ‪ 28‬الفاصل بينهما ‪.‬‬
‫(جـ) واحلملة العسكرية التى قام بها الغرب ضد كوريا الشمالية تعتبر‬
‫ج��زاءاً عسكرياً وأن ذل��ك اجل��زاء يجد سنداً قانونياً له في امل��واد ‪43 ، 42‬‬
‫من ميثاق األمم املتحدة اللتان جتيزان ملجلس األمن استخدام القوة املسلحة‬
‫للدول األعضاء ضد املعتدي‪.‬‬
‫(د) واحلملة العسكرية التى قامت بها قوات التحالف ضد العراق ابتداء‬
‫من ‪ 17‬يناير ‪ 1991‬فيما يسمى يحملة عاصفة الصحراء والتى استمرت ستة‬
‫أسابية وانتهت بهزمية العراق وإرغامه على اإلنسحاب من الكويت‪.‬‬
‫(‪ )2‬األخذ بالثأر ‪:‬‬
‫ وهو إجراء من إجراءات العنف والقهر يتنافى أص ً‬
‫ال مع قواعد القانون‬
‫الدولى‪ ،‬ولكن تضطر إح��دى ال��دول إلتخاذه من أجل إل��زام دول��ة أخ��رى على‬
‫تنفيذ التزاماتها القانونية ‪.‬‬
‫واتخذ األخذ بالثأر صوراً متعددة أبرزها ‪:‬‬
‫(أ) احلصار البحري السلمى ‪ ،‬وقد مارسته أملانيا وبريطانيا وإيطاليا‬
‫ضد فنزويال عام ‪1902‬م حلماية مصالح رعاياها الدائنني لفنزويال‪.‬‬
‫(ب) املقاطعة اإلقتصادية ‪ .‬ونذكر في هذا الصدد املقاطعة البترولية‬
‫من جانب الدول العربية املجتمعة لألخذ بالثأر من الدول الصناعية املؤيدة‬
‫إلسرائيل خالل حرب اكتوبر ‪1973‬م‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫(ج) نصت بعض اإلتفاقيات الدولية على األخذ بالثأر كجزاء مشروع‬
‫م��ن ذل��ك اتفاقية ‪ 9‬ديسمبر ‪ 1923‬اخل��اص��ة ب��امل��وان��ى البحرية إذ أباحت‬
‫للدولة غلقها أو إلغاء املعاملة املتساوية للسفن أخذاً بالثأر من دولة مخالفة‬
‫إللتزاماتها القانونية‬
‫(‪ )3‬الضمان اجلماعي‪:‬‬
‫ حيث تبرم عدة دول معاهدة تتعهد فيها باستخدام القوة اجلماعية‬
‫من أجل كفالة تطبيق القانون‪ ،‬كأن تتفق على ضمان حماية حرية املالحة في‬
‫منطقة من البحر العام مثلما حدث خالل احلرب االسبانية عند إبرام اتفاقية‬
‫نيون ‪ Nyon‬في ‪ 14‬سبتمبر ‪1937‬م‪ .‬فقد اتفقت تسع دول (بريطانيا‪ ،‬بلغاريا‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬فرنسا‪ ،‬ال�ي��ون��ان‪ ،‬روم��ان�ي��ا‪ ،‬تركيا‪ ،‬اإلحت��اد السوفيتي‪ ،‬يوغوسالفيا)‬
‫على إب��رام تلك اإلتفاقية من أج��ل ضمان حرية املالحة في البحر األبيض‬
‫املتوسط‪.‬‬
‫ويتصور هذا الضمان املسلح أيضا في حالة تقرير حياد دولة أو منطقة‬
‫معينة حيث تتكفل الدول التى قررت احلياد بضمان هذا احلياد ولو باستخدام‬
‫القوة املسلحة‪ ،‬وهنا تستخدم القوة كجزاء على خرق حالة احلياد‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫اتفاقيات احلياد في هذا الصدد إتفاقية لندن لعام ‪ 1831‬بضمان حياد بلجيكا‬
‫من جانب خمس دول هى اجنلترا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬وروسيا‪ ،‬والنمسا‪ ،‬وبروسيا‪.‬‬
‫متثل األحالف العسكرية كحلف األطلنطى وحلف وارسو وسائل للضمان‬
‫اجلماعى إذ تقف دول احللفني على أهبة اإلستعداد العسكري لردع أي اعتداء‬
‫على سالمة إحدى دولها‪.‬‬
‫(ج) عقدت بريطانيا وال�ي��ون��ان وتركيااتفاقية ف��ي اغسطس ‪1960‬م‬
‫تضمن فيها سالمة قبرص وسيادتها وكفالة النصوص األساسية للدستور‬
‫‪ .‬وقد وضعت اإلتفاقية موضع التنفيذ عندما حدثت مصادمات دموية بني‬
‫القبارصة اليونانيني والقبارصة األتراك في نهاية ‪1963‬م وبداية ‪1964‬م‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬اجلزاءات في ميثاق األمم املتحدة‬
‫ومنظمة األمم املتحدة تقدمي مجتمعاً دول�ي ً��ا منظماً تنظيماً قانونياً‬
‫محدداً وواضحاً في امليثاق‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫جزاءات خاصة بالنظام الداخلى ‪:‬‬
‫ فالدول األعضاء ملزمة باملساهمة في ميزانية املنظمة مببالغ معينة‬
‫تؤديها سنوياً ‪ ،‬فإذا تخلفت عن أداء التزاماتها املالية للمنظمة مدة سنتني‬
‫وقع عليها ج��زاء تلقائى يتمثل في حرمانها من حق التصويت في اجلمعية‬
‫العامة‪.‬‬
‫ويوجد جزاء أشد من ذلك يتمثل في إيقاف العضوية في األمم املتحدة‬
‫ويحدث ذلك بالنسبة للدول التى يوقع عليها مجلس األمن إحدى العقوبات‬
‫املنصوص عليها في امليثاق ‪ ،‬عندئذ يجوز للجمعية العامة إيقاف هذه الدولة‬
‫عن العضوية ‪ ،‬وذلك بناء على توصية من مجلس األمن ‪.‬‬
‫ وأما إذا بلغت الدولة وطغت وزاد انتهاكها ملبادئ امليثاق والقانون فإنه‬
‫يجوز توقيع جزاء أشد وأقصى وهو فصلها من منظمة األمم املتحدة بقرار‬
‫من اجلمعية العامة بناء على توصية من مجلس األمن‪.‬‬
‫وقد جرت محاولة في عام ‪ 1974‬لطرد احتاد جنوب أفريقيا من األمم‬
‫املتحدة بسبب انتهاكها لقواعد القانون الدولى املتعلقة بحقوق اإلنسان وبدأت‬
‫أولى اخلطوات في هذا الشأن يوم ‪ 27‬ديسمبر ‪.1974‬‬
‫ وجرت مناقشة في املجلس حول هذا املوضوع يوم ‪ 18‬أكتوبر ‪. 1974‬‬
‫وفي ‪ 30‬أكتوبر صوت املجلس على القرار فوافقت عليه عشر دول‪ ،‬ومع ذلك‬
‫لم يتيسر صدور القرار بطرد جنوب أفريقيا بسبب استخدام حق الفيتو من‬
‫جانب الواليات املتحدة وفرنسا وبريطانيا‪.‬‬

‫جزاءات توقع عند االخالل بالسلم واألمن الدولى ‪:‬‬


‫ومجلس األمن هو الذي يقرر ما إذا كان يوجد إخالل او عدوان على‬
‫السلم واألمن الدولى ‪ ،‬إذ أنه املسئول عن احملافظة على سالم وأمن العالم‪.‬‬
‫فإذا ما تأكد املجلس من وجود عدوان على األن والسالم‪ ،‬أمكنه اتخاذ أحد‬
‫اإلجراءات التالية‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫تدابير مؤقته ‪:‬‬
‫وذلك ملنع تفاقم املوقف وزيادة خطورته ‪ .‬ويدعو املجلس الدول املعنية‬
‫إلى تنفيذ هذه التدابير فوراً‪ .‬وهى تدابير ال متس أص ً‬
‫ال حقوق املتنازعني أو‬
‫مطالبهم أومراكزهم‪.‬‬
‫ومن أمثلة التدابير املؤقتة ما اتخذه مجلس األمن في قراره رقم ‪338‬‬
‫الصادر في ‪ 22‬أكتوبر ‪ 1973‬خالل حرب الشرق األوسط‪.‬‬
‫ثم اصدر املجلس قراراته التالية أرقام ‪ 340 ، 339‬بنفس املعنى وطالب‬
‫بانسحاب األطراف إلى مواقعهم وقت اصدار القرار رقم ‪. 338‬‬
‫وفي موضوع العراق والكويت أعلن مجلس األمن في قراره رقم ‪660‬‬
‫الصادر في ‪ 2‬أغسطس ‪ 1990‬أنه يوجد خرق للسلم واألمن الدوليني ‪.‬‬
‫وهى تدابير يتخذها املجلس ضد العضو املخل باألمن والسالم ‪ .‬وتشمل‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫تدابير دبلوماسية ‪ ،‬تتمثل في مطالبة الدول األعضاء بقطع عالقاتها‬
‫الدبلوماسية مع الدولة املخلة بالسالم ‪.‬‬
‫تدابير اقتصادية ‪ ،‬ب��أن يدعو ال��دول األع�ض��اء إل��ى قطع عالقاتها‬
‫اإلقتصادية ومواصالتها مع الدولة املخلة باألمن والسالم ‪ ،‬وقطعاً كلياً أو‬
‫جزئياً ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وقد طبق مجلس األمن هذا اجلزاء ضد روديسيا بقراره في ‪ 20‬نوفمبر‬
‫عام ‪ 1965‬عندما أعلنت االقلية البيضاء استقالل البالد من جانب واحد‬
‫واستقلت باحلكم منتهكة بذلك حقوق األغلبية األفريقية ‪.‬‬
‫ وف��ى ‪ 9‬اب��ري��ل ‪1966‬م طلب مجلس األم��ن م��ن حكومة البرتغال اال‬
‫تستقبل ف��ي ميناء موزمبيق شحنات ال�ب�ت��رول املوجهة إل��ى رودي�س�ي��ا‪ ،‬ودع��ا‬
‫املجلس بريطانيا إلى استخدام القوة‪ ،‬إذا لزم األمر‪ ،‬ملنع وصول سفن بترولية‬
‫إلى موزمبيق إذا كانت وجهة البترول إلى روديسيا‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫واتخذ مجلس األم��ن تدابير قهرية ضد العراق إثر غ��زوة الكويت‪ ،‬إذ‬
‫اصدر املجلس قراره رقم ‪ 661‬في ‪ 5‬اغسطس ‪1990‬م يعلن فيه تصميمه على‬
‫وضع حد لغزو العراق للكويت واحتالله له‪.‬‬
‫(ب) تنفذ ه��ذا احلصار مبقتضى ق��راره رق��م ‪ 665‬في ‪ 25‬أغسطس‬
‫‪1990‬م وذلك إليقاف جميع عمليات الشحن البحري القادمة واملغادرة للعراق‬
‫طبقاً لقرارات املجلس السابقة ‪ ،‬كما وسع مجلس األمن من نطاق احلصار‬
‫اإلقتصادي في قراره رقم ‪ 670‬في ‪ 25‬سبتمبر ‪1990‬م إذ طالب جميع الدول‬
‫ب��أال تسمح ألي طائرة ب��أن تقلع من اقليمها إذا كانت حتمل شحنة للعراق‬
‫عدا األغذية العتبارات انسانية كما طالب جميع الدول مبنع مرور الطائرات‬
‫املتجهة للعراق فوق اقليمها‪ .‬وتطبيق نفس احلظر على السفن العراقية‪.‬‬
‫(ج) جزاءات عسكرية ‪:‬‬
‫ ف��إذا ثبت ملجلس األم��ن أن اجل ��زاءات السابقة ل��م تكن كافية ل��ردع‬
‫املعتدى ‪ ،‬فإن املجلس يقرر جزاءات أخرى عسكرية عن طريق قوات مسلحة‬
‫تضعها الدول األعضاء حتت تصرفه ‪ .‬وقد نصت املادة الثالثة واألربعون من‬
‫ميثاق األمم املتحدة على مساهمة ال��دول األعضاء في هذه القوة املسلحة‬
‫بقولها (يتعهد جميع أع�ض��اء األمم املتحدة ف��ي سبيل املساهمة ف��ي حفظ‬
‫السلم واألمن الدولى‪ ،‬أن يضعوا حتت تصرف مجلس األمن‪ ،‬بناء على طلبه‬
‫‪ ،‬وطبقاً إلتفاقية أو اتفايات خاصة ما يلزم من القوات املسلحة واملساعدات‬
‫والتسهيالت الضرورية حلفظ السلم واألمن الدولى)‪.‬‬
‫وقد استعاض مجلس األمن عن اجليش الدولى بدعوة الدول األعضاء‬
‫إل��ى تقدمي ق��وات مسلحة حتت علمها وك��ذا حتت علم األمم املتحدة لتنفيذ‬
‫قرارات املجلس‪ .‬وهذا ما فعله بالنسبة لكوريا عام ‪1950‬م إذ أوصى الدول‬
‫األعضاء بإمداد كوريا اجلنوبية مبا يلزمها من معونة وق��وات عسكرية لرد‬
‫العدوان ‪ ،‬وقد استجابت لذلك ست عشرة دولة وأرسلت قواتها املسلحة كى‬
‫حتارب إلى جانب قوات كوريا اجلنوبية حتت قيادة األمم املتحدة ‪.‬‬
‫كما يعتبر التدخل العسكرى في العراق من التدخالت احلديثة الهامة‬
‫في مجال التطبيق العملى للجزاءات العسكرية من جانب منظمة األمم املتحدة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫إذ اصدر مجلس األمن قراره رقم ‪ 678‬في ‪ 29‬نوفمبر ‪1990‬م مسج ً‬
‫ال بعد‬
‫ن حدد للعراق مهلة أخيرة حتى ‪ 15‬يناير ‪1991‬م للتنفيذ الكامل لكل قرارات‬
‫املجلس السابقة وإال سيتعرض للعمليات العسكرية إلجباره على التنفيذ‪ ،‬إذ‬
‫نص القرار على فقرته الثانية على أن املجلس‪« .‬يأذن للدول األعضاء املتعاونة‬
‫مع حكومة الكويت‪ -‬ما لم ينفذ العراق في ‪ 15‬يناير ‪1991‬م أو قبله القرارات‬
‫ال – بأن تستخدم جميع الوسائل الالزمة لدعم‬ ‫السالفة الذكر تنفيذاً كام ً‬
‫وتنفيذ قرار مجلس األمن رقم ‪ 660‬لسنة ‪1990‬م وجميع القرارات الالحقة‬
‫ذات الصلة واعادة السالم واألمن الدوليني إلى نصابهما في املنطقة»‪.‬‬

‫اخلالصة ‪..‬‬
‫عرضنا للجزاءات في القانون الدولى الوضعى ‪ ،‬وهى ج��زاءات فعالة‬
‫وتتمشى مع طبيعة تكوين املجتمع الدولى‪ ،‬وال ينبغى قياسها على اجلزاءات‬
‫التى توقع على األفراد في املجتمع الداخلى ‪ ،‬فلكل مجتمع مقوماته وصفاته‬
‫وما يتناسب معه من جزاءات‪.‬‬
‫ولقد ذكرنا من قبل أن طبيعة املجتمع الدولى تأبى وجود سلطة عامة‬
‫مشابهة للسلطة العامة الداخلية‪ ،‬وأن الدول أو جماعات الدول هى التى توقع‬
‫اجل��زاءات في معظم صورها كما سبق البيان‪ ،‬ومع ذلك فقد شهد املجتمع‬
‫الدولى عقب احلرب العاملية الثانية سلطة عامة دولية مزودة بقوة بوليسية‬
‫وهى سلطة عامة وقوة بوليسية وحربية لها طبائعها املتمشية مع املجتمع ال‬
‫دولى‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫تطور القانون الدولي‬

‫يعتبر القانون الدولي من القوانني حديثة النشأة ولكن جذوره موغلة‬


‫في القدم ‪ ،‬فظهوره يعود إلى بداية العصور احلديثة وظهور الدول احلديثة‬
‫في اوربا ونشوء العالقات فيما بينها وفق قواعد وأسس تعتبر مبثابة حجر‬
‫األس��اس للقانون الدولي ال��ذي نعرفه اليوم ‪ ،‬ولكن هذا ال يعني عدم وجود‬
‫عالقات دولية قبل هذا الوقت ‪ ،‬فاملجتمعات القدمية كانت لديها عالقات‬
‫فيما بينها ‪ ،‬ليس فقط وقت احلرب وإمنا في وقت السلم ايضاً ‪ ،‬والقانون‬
‫الدولي قد تطور تطوراً كبيراً منذ ظهور الدول في القرن السادس عشر وحتى‬
‫الوقت احلاضر ‪ ،‬وقد مر هذا التطور بعدة مراحل سنحاول تلخيصها في هذا‬
‫الفصل ‪ ،‬ولهذا سنقسم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث ‪ ،‬نبحث في األول تطور‬
‫القانون الدولي في العصور القدمية ‪ ،‬وفي الثاني نبحث في تطور القانون‬
‫الدولي في العصور الوسطى ‪ ،‬أما املبحث الثالث فنبحث فيه تطور القانون‬
‫الدولي في العصور احلديثة ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫املبحث األول‬
‫العصـور القدميـة‬

‫ً‬
‫أوال ـ شعوب الشرق‬
‫إن الشرق االوسط قد عرف أقدم احلضارات ‪ ،‬ومبا يزيد على ثالثة‬
‫آالف سنة قبل امليالد ‪ ،‬حيث نشأت عالقات جتارية بني شعوبه كشفت عنها‬
‫آثار بابل وأشور وحضارة وادي النيل في مصر ‪ ،‬كما أن شعوب هذه املنطقة‬
‫كانت لديها عالقات دولية فيما بينها ‪ ،‬ك��ارس��ال البعثات الرسمية واع�لان‬
‫احلرب قبل البدء فيها وعقد الصلح والهدنة وعقد املعاهدات وتسجيلها على‬
‫االلواح وجدران املعابد ‪.‬‬
‫ف �ج��دران امل�ع��اب��د امل�ص��ري��ة ال�ق��دمي��ة مغطاة حتى اآلن بنصوص بعض‬
‫املعاهدات واالتفاقات التي أبرمها الفراعنة مع الدول املجاورة ومت التنويه فيها‬
‫مببدأ قدسية املعاهدات الدولية وحرمتها ووجوب احترامها وتطبيقها(((‪.‬‬
‫ وفي سنة ‪ 3100‬قبل امليالد عقدت أول معاهدة صلح بني دولة مدينة‬
‫لكش ودول��ة مدينة أوم��ا العراقيتني ‪ ،‬وف��ي ع��ام ‪ 1279‬قبل امل�ي�لاد عقدت‬
‫معاهدة صلح بني رمسيس الثاني ملك مصر وخاتوسيل ملك احليثيني ‪ ،‬وقد‬
‫كتبت باللغة االكدية ( البابلية ) التي كانت اللغة الدبلوماسية في ذلك الزمن‪،‬‬
‫وق��د تضمنت ه��ذه املعاهدة أحكاماً خاصة بالتعاون بني امللكني وبلديهما ‪،‬‬
‫وأحكاماً خاصة بتسليم الالجئني السياسني ‪ ،‬وكان ضمان هذه املعاهدة الفاً‬
‫من آلهة احليثيني والفاً من آلهة املصريني ((( ‪.‬‬
‫كما أن شعوب ال�ش��رق االق�ص��ى كالصني والهند عرفت بعض قواعد‬
‫ال�ق��ان��ون ال��دول��ي وطبقتها ‪ ،‬فالصني كانت لها ع�لاق��ات دبلوماسية وترسل‬

‫د ـ علي ابراهيم ـ الوسيط في املعاهدات الدولية ـ ‪ 1995‬ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة‬ ‫((( ‬
‫ـص ‪.8‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 205‬‬ ‫(( (‬

‫‪54‬‬
‫البعثات إلى الدول األخرى املجاورة ‪ ،‬وفي الهند فإن شريعة مانو التي ظهرت‬
‫سنة ‪ 1000‬قبل امليالد ‪ ،‬كانت مثبته لبعض القواعد التي تتعلق بالعالقات‬
‫الدولية من حرب ومعاهدات وسفارات ((( ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هذه الشعوب لم تضع لها تنظيمناً قانونياً مشتركاً يحكم‬
‫عالقاتها فيما بينها بصورة عامة رغم أنها عرفت وطبقت بعض قواعد القانون‬
‫الدولي ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ اليونان‬
‫كانت العالقات الدولية في زمن اليونان بني املدن اليونانية القدمية متتاز‬
‫بقدر كبير من االستقرار‪ ،‬وتسيطر عليها فكرة املصلحة املشتركة والرغبة في‬
‫بقاء الصالت الودية بني هذه املدن‪ ،‬وعلى هذا األساس كانت هذه املدن تدخل‬
‫في عالقات متبادلة في وقت السلم واحلرب ‪.‬‬
‫ ف�ف��ي وق��ت ال�س�ل��م ك��ان��وا ي�ع�ق��دون امل �ع��اه��دات وامل��ؤمت��رات وي�ت�ب��ادل��ون‬
‫السفراء ويلجأون الى التحكيم لتسوية اخلالفات التي تنشب بينهم ‪ ،‬وفي‬
‫وقت احلرب كانت لديهم قواعد خاصة بها يطبقونها ‪ ،‬كاعالن احلرب قبل‬
‫البدء فيها ‪ ،‬وقاعدة امكان تبادل أس��رى احل��رب وحرمة بعض األماكن مثل‬
‫أماكن العبادة ‪.‬‬
‫أما عالقات املدن اليونانية مع غيرها من الدول األجنبية فقد كانت مختلفة‬
‫حيث كان اليونانيون يعتبرون أنفسهم عنصراً ممتازاً وشعباً فوق الشعوب األخرى‬
‫من حقه إخضاع هذه الشعوب والسيطرة عليها‪ ،‬ومن هنا كانت عالقاتهم بهذه‬
‫الشعوب ‪ ،‬الهمجية في نظرهم‪ ،‬حتكمية ال ضابط لها‪ ،‬وكانت في الغالب عالقات‬
‫عدائية وحروب مشوبة بالقسوة ال تخضع ألي قواعد تقليدية وال تراعى فيها‬
‫أية أعتبارات إنسانية‪ ،‬لذلك جند الكثيرين من الفقهاء ينكرون على اليونانني‬
‫معرفتهم للقواعد القانونية الدولية مبعنى الكلمة ((( ‪.‬‬

‫أنظر د‪.‬جعفر عبد السالم ـ مبادىء القانون الدولي العام ـ منشورات دار النهضة العربية‬ ‫((( ‬
‫ـ القاهرة ـ ‪1990‬م ـ ـ هامش ص ‪ . 372‬وأنظر‬
‫‪Numelin , The Beginning of Diplomacy , London , 1950 , p 83 .‬‬
‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 35‬‬ ‫((( ‬

‫‪55‬‬
‫ثالث ًا ـ الرومان‬
‫كان الرومان ال يختلفون عن اليونان في نظرتهم إلى الشعوب األخرى‪،‬‬
‫فهي نظرة استعالء وعداء ‪ ،‬فهم يعتقدون بأنهم أفضل من الشعوب األخرى‪،‬‬
‫ولذلك فقد كانوا يتعاملون مع الشعوب األخرى مبوجب قانون الشعوب ‪jus‬‬
‫‪ gentium‬الذي ينظم عالقات الرومان باألجانب أو غير املواطنني واملتمتعني‬
‫باحلماية ‪ ،‬أما غير املتمتعني باحلماية‪ ،‬فإن الرومان كانوا يبيحون قتلهم أو‬
‫استرقاقهم واالستيالء على ممتلكاتهم‪ ،‬أم��ا املواطنني ال��روم��ان فكان يحكم‬
‫عالقاتهم القانون املدني ‪ jus civile‬ولذلك كانت عالقاتهم مع غيرهم من‬
‫الشعوب عالقة حرب دائمة بقصد إخضاعهم والسيطرة عليهم‪ ،‬ولذلك نشأت‬
‫قواعد تتعلق باحلرب ذات طابع ديني ‪ ،‬كاعالن احلرب في حفل رسمي لكسب‬
‫رضا اآللهة ‪ ،‬وتقييد احلرب بقواعد الشرف واإلنسانية ‪.‬‬
‫وبالرغم من الطابع احلربي الذي كان يسود عالقات الدول الرومانية‬
‫بالدول األخرى ‪ ،‬فإن بعض القواعد القانوينة كانت تنظم عالقاتها في حالة‬
‫احلياد وفي وقت السلم ‪ ،‬فمن قواعد احلياد التي عرفها الرومان ما نصت‬
‫عليه معاهدات الصداقة التي عقدوها م��ع ال��دول احمل��اي��دة وال�ت��ي تضمنت‬
‫وج��وب امتناع ال��دول��ة احمل��اي��دة م��ن تقدمي امل��ال وال�س�لاح والسفن إل��ى أحد‬
‫الطرفني املتحاربني وع��دم السماح جليوشها باملرور عبر أراضيها ‪ ،‬وكانت‬
‫الدول احملايدة تشترط لقاء ذلك االستمرار في صالتها التجارية مع الدول‬
‫املتحاربة وسالمة أموال رعاياها ‪ ،‬وفي وقت السلم عرف الرومان معاهدات‬
‫الصلح مع الدول األجنبية لعدم استطاعتهم السيطرة على تلك الدول ‪ ،‬كذلك‬
‫عرفوا معاهدات الصداقة والضيافة والتحالف ((( ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع سابق إليه ـ ص ‪. 208‬‬ ‫(( (‬

‫‪56‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫العصـور الوسـطى‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬أوروبا والقانون الدولي‬
‫في سنة ‪ 395‬ميالدية قام االمبراطور تيودوس بتقسيم امبراطوريته‬
‫الشاسعة بني ولديه‪ ،‬فقامت امبراطوريتني‪ ،‬واح��دة في الشرق واألخ��رى في‬
‫الغرب‪ ،‬ويؤرخ لبداية القرون الوسطى بسقوط االمبراطورية الغربية على يد‬
‫البرابرة سنة ‪ 476‬ميالدية مما أدى إلى قيام عدد من املمالك واالمارات على‬
‫انقاضها‪ ،‬أما نهاية القرون الوسطى فيؤرخ لها بسقوط االمبراطورية الشرقية‬
‫على يد محمد الفاحت سنة ‪ 1453‬ميالدية ((( ‪.‬‬
‫وبسقوط االمبراطورية الغربية دخلت اوربا في عصر الظالم والفوضى‪،‬‬
‫ولم يعد للقانون الدولي أن يرى النور في هذه الفترة ألسباب ترجع إلى املستوى‬
‫احلضاري املتخلف حلكام اوربا اجلدد ‪ ،‬فقد كان هؤالء احلكام ـ رغم مبادرتهم‬
‫إلى اعتناق املسيحية ـ على درجة كبيرة من الهمجية والتخلف احلضاري ال‬
‫يتصور معها مطلقاً قيام عالقات فيما بينهم على أساس القانون(((‪.‬‬
‫وقد متيزت العصور الوسطى بظهور النظام االقطاعي الذي أدى إلى‬
‫تفكك الدول االوربية إلى عدد كبير من الوحدات االقطاعية‪ ،‬وكان هذا النظام‬
‫يقوم على أساس تدرجي يبدأ من االقطاعي ثم األمير ثم االمبراطور‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى وجود خضوع ظاهري مت حتديده وفق اتفاقات معينة بينهم وفي نفس‬
‫الوقت فإن املنازعات واحلروب كانت مستمرة فيما بينهم‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 800‬ميالدية أقام شارملان امبراطوريتة اجلرمانية املقدسة‬
‫التي شملت كل الدول االوربية‪ ،‬وتوجه البابا ليون الثالث حاكماً زمنياً عليها‬
‫‪ ،‬وتولى البابا احلكم الديني فيها‪ ،‬وساد هذه االمبراطورية قانونان‪ ،‬القانون‬

‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 38‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 114‬‬ ‫((( ‬

‫‪57‬‬
‫الزمني والقانون الكنسي‪ ،‬فاألول كان ينظم ما يقوم بني رعايا االمبراطورية‬
‫من عالقات مدنية وجت��اري��ة‪ ،‬والثاني ك��ان ينظم كل العالقات املتفرعة عن‬
‫العقائد‪ ،‬ولم تكن هناك حاجة تدعو إلى وجود القانون الدولي مع قيام مثل‬
‫هذا لتنظيم ((( ‪.‬‬
‫وقد ظلت اوربا حتى نهاية القرن اخلامس عشر يحكمها التنظيم الديني‬
‫متمث ً‬
‫ال بالبابا والقانون الكنسي جنب إلى جنب مع التنظيم الزمني املتمثل‬
‫باالمبراطور والقانون الزمني ‪.‬‬
‫وبحلول عصر النهضة بعد إنحالل االمبراطورية اجلرمانية ووفاة أخر‬
‫أباطرتها فردريك الثالث سنة ‪ 1493‬ميالدية ‪ ،‬تفرقت اوربا إلى دول كثيرة‬
‫ومستقلة بعضها عن البعض اآلخر‪ ،‬بفضل عوامل عديدة منها حتول النظام‬
‫االقطاعي إلى نظام برجوازي‪ ،‬واكتشاف القارة االمريكية ‪ ،‬وميالد الشعور‬
‫القومي‪ ،‬وظهور حركة االصالح الديني التي شقت الوحدة الدينية في اوربا‬
‫وأدت إلى استقالل الدول عن الكنيسة ‪.‬‬
‫وقد برز خالل هذه الفترة عدد من فقهاء القانون الدولي منهم فيتوريا‬
‫االسباني (‪ 1480‬ـ ‪ )1556‬أستاذ الالهوت في جامعة سالمانكا ‪ ،‬وسوارس‬
‫(‪ 1048‬ـ ‪ ) 1617‬وه��و راه��ب اسباني ك��ان أس�ت��اذ ال�لاه��وت والفلسفة في‬
‫ب��اري��س ‪ ،‬وجنتيليس االيطالي (‪ 1552‬ـ ‪ )1608‬األس�ت��اذ بجامعة اكسفورد‬
‫‪ ،‬وجروسيوس الهولندي (‪ 1583‬ـ ‪ )1645‬وه��و يعتبر منشىء علم القانون‬
‫الدولي احلديث الذي وضع أساس النظرية احلديثة للقانون الدولي والقائمة‬
‫على فكرة اإلرادة بعد أن نشر كتابه املسمى قانون احلرب والسلم سنة ‪1625‬‬
‫ميالدية ‪ ،‬وال��ذي عدته ال��دول ط��وال قرنني من الزمن دس�ت��وراً لعالقاتها ملا‬
‫تضمنه من أحكام ونظم في القانون الدولي ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪:‬االسالم والقانون الدولي‬
‫ وبينما كانت اوربا غارقة في اجلهل والظالم واحلروب ‪ ،‬ولدت الدولة‬
‫االسالمية سنة ‪ 622‬ميالدية حيث أصبحت دولة تضم أقاليم عديدة في فترة‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب ود ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.34‬‬ ‫((( ‬

‫‪58‬‬
‫زمنية قياسية ‪ ،‬حيث وصلت اجليوش اإلسالمية إلى الصني شرقاً والى مدينة‬
‫بواتييه في جنوب فرنساً غرباً ‪.‬‬
‫وقد كان االسالم أول من وضع نظاماً إنسانياً عادالً لتنظيم العالقات‬
‫الدولية في وقت السلم ووقت احلرب ‪ ،‬والفقهاء املسلمون قد بحثوا أحكام‬
‫القانون الدولي في وقت احلرب وما يتفرع عنها بعدة بحوث وحتت ما اسموه‬
‫بالسير (جمع سيرة) ‪ ،‬ويعتبر اإلمامان االوزاع��ي املتوفي سنة ‪ 159‬هجرية‬
‫ومحمد بن احلسن الشيباني املتوفي ‪ 189‬هجرية من األوائل الذين اسهموا‬
‫في وضع أسس القانون الدولي االسالمي ‪ ،‬الذي ميكن تعريفه بأنه‪«:‬مجموعة‬
‫من القواعد القانونية وامل�ب��ادىء اإلنسانية النابعة من الشريعة االسالمية‬
‫واملنظمة لعالقات املسلمني بغيرهم في اوقات السلم واحلرب» ((( ‪.‬‬
‫وقد جاءت الشريعة االسالمية بقواعد ونصوص صريحة تعطي احلق‬
‫للدولة االسالمية بإقامة عالقات سلمية مع ال��دول والشعوب ب��دون متييز‬
‫بسبب اللغة أو اللون أو األصل ‪ ،‬وأن تعقد العقود واملواثيق معها وعلى أساس‬
‫قاعدة الوفاء بالعهود حيث جاء في (س��ورة املائدة اآلية ‪{ )1‬يا أَ ّيُ َها ا ّلَذِ ي َن‬
‫آ َمنُوا ْ أَ ْو ُفوا ْ بِالْ ُعقُودِ } كما جاء في (سورة االسراء اآلية ‪َ { )24‬وأَ ْو ُفوا بِالْ َع ْهدِ‬
‫ِإ َّن الْ َع ْه َد َكا َن َم ْسئُوال}‪.‬‬
‫ كما أن األصل في العالقات في االسالم هو السلم ‪ ،‬فقد دعا االسالم‬
‫إلى السلم في كافة أحواله‪ ،‬وأعتبر احلرب من اغواء الشيطان ‪ ،‬ومن يسير‬
‫فيها إمنا يسير في خطوات الشيطان‪ ،‬وإن من يلقي السالم ال بد من االمتناع‬
‫عن قتاله‪ ،‬وأكثر من ذلك بأن من يلقي السالم ال يصح قتاله بحجة أنه غير‬
‫مؤمن‪ ،‬وه��ذا بصريح اآلي��ات القرآنية ‪ ،‬فالقرآن الكرمي هو سجل الشريعة‬
‫االسالمية اخلالد الذي يخاطب االجيال كلها ‪ ،‬ال فرق بني عصر وعصر وال‬
‫جيل وجيل (((‪.‬‬

‫د ـ محمد الالفي ـ نظرات في أحكام السلم واحلرب ـ دراسة مقارنة ـ منشورات دار أقرأ‬ ‫(( (‬
‫ـ طرابلس ـ ‪ 1989‬ـ ص ‪. 20‬‬
‫االمام محمد أبو زهرة ـ العالقات الدولية في االسالم ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪ 47‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫فقد كره االسالم احلرب وفرض احترام غير املتحاربني ‪ ،‬فقد جاء في‬
‫ِب َعلَيْ ُك ُم الْقِ تَا ُل َو ُه َو ُك ْرهٌ ّلَ ُك ْم} وفي (سورة‬ ‫(سورة البقرة اآلية ‪ُ { )216‬كت َ‬
‫اجنَ ْح لَ َها َوتَ َو َّك ْل َعلَى اللَّه}‪.‬‬
‫ِلسل ْ ِم َف ْ‬‫االنفال اآلية ‪َ { )61‬و ِإ ْن َجن َُحوا ل َّ‬
‫كما أن االس�لام جاء باملساواة بني الناس جميعاً ‪ ،‬ب��دون متييز بينهم‬
‫بسبب لون او جنس أو لغة ‪ ،‬فقد جاء في (سورة احلجرات اآلية ‪{ )13‬يَا أَ ّيُ َها‬
‫ّاس ِإ ّنَا َخل َ ْقنَا ُك ْم مِ ْن َذ َك ٍر َوأُنثَى َو َج َعلْنَا ُك ْم ُش ُعوباً َو َق َبا ِئ َل ِلتَ َعا َر ُفوا ِإ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم‬
‫النَ ُ‬
‫ِعنْ َد اللَّهِ أَتْ َقا ُك ْم}‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫العصـور احلـديثة‬

‫ً‬
‫أوال ـ الفترة بني معاهدة وستفاليا ‪ 1648‬واحلرب العاملية األولى‬
‫‪1914‬م‪:‬‬
‫شهدت اورب��ا خالل القرنني السادس والسابع عشر حت��والت سياسية‬
‫واقتصادية وفكرية كبيرة ‪ ،‬أدت إلى نشوء الدول االوربية احلديثة ‪ ،‬وظهور‬
‫الدولة كشخص للقانون الدولي ‪ ،‬ومن أسباب هذه التحوالت هو انتهاء النظام‬
‫االقطاعي الذي كان سائداً في اوربا وحركة االصالح الديني وكذلك انهيار‬
‫االمبراطورية اجلرمانية املقدسة وانحصار سلطة البابا املتمثلة بالكنيسة‬
‫الكاثوليكية ‪ ،‬مما أدى إل��ى استقالل امللوك بعد القضاء على االق�ط��اع في‬
‫الداخل ‪ ،‬وخالل هذه الفترة ظهرت أهم مبادىء القاانون الدولي املعروفة في‬
‫الوقت احلاضر بسبب احلركة الفقهية التي ظهرت آنذاك ‪ ،‬وميكن أن يؤرخ‬
‫لفترة العصور احلديثة بعقد معاهدة وستفاليا سنة ‪ 1648‬التي وضعت حداً‬
‫حلرب الثالثني سنة التي بدأت سنة ‪ 1618‬بني الدول املسيحية الكاثوليكية‬
‫والبروتستانتية ‪ ،‬والتي جلبت اخلراب والدمار لها ‪.‬‬
‫وقد ترتبت نتائج ((( مهمة على معاهدة وستفاليا لسنة ‪ ، 1648‬حيث‬
‫تعتبر هذه املعاهدة فاحتة عهد جديد للعالقات الدولية وأول تدوين لقواعد‬
‫القانون الدولي وهي ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ لقد قضت على فكرة سيطرة البابا باعتباره سلطة عليا على الدول‬
‫االوربية ‪ ،‬وخضوع هذه الدول له ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أقرت مبدأ املساواة بني جميع الدول الكاثوليكية والبروتستانتية‬
‫مبشاركتها جميعها في هذه إبرام هذه املعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أقرت نظام السفارات الدائمة بني الدول بدالً من السفارات املؤقتة‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 39‬‬ ‫((( ‬

‫‪61‬‬
‫مما بؤدي إلى حتقيق االتصال الدائم ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أق��رت مبدأ ال�ت��وازن الدولي كعامل أس��اس للمحافظة على السلم‬
‫في اوربا ‪ ،‬ومبدأ التوازن الدولي يعني منع أي دولة اوربية من التوسع على‬
‫حساب الدول األخرى ‪ ،‬وإذا حاولت أي دولة ذلك فإن الدول األخرى سوف‬
‫تتكاتف ضدها ‪.‬‬
‫وقد استمرت االوضاع الدولية في اوربا على الشكل الذي تقرر مبوجب‬
‫معاهدة وستفاليا إلى أن حاول لويس الرابع عشر ملك فرنسا توسيع مملكته‬
‫على حساب الدول املجاورة دون مراعاة فكرة التوازن الدولي ‪ ،‬عندها دخلت‬
‫ال��دول االورب�ي��ة في ح��رب طويلة ض��ده انتهت بتوقيع معاهدة أوت��رخ��ت سنة‬
‫‪ 1713‬حيث أعيد تنظيم اورب��ا من جديد على أساس التوازن الدولي ‪ ،‬كما‬
‫وقعت بعض األحداث املهمة خالل هذه الفترة منها ظهور روسيا كدولة عظمى‬
‫على أثر معاهدة نيستات سنة ‪ ، 1721‬واتساع بروسيا اتساعاً كبيراً بلغ اوجه‬
‫في عهد فردريك األكبر ‪ ، 1764‬واعالن استقالل الواليات املتحدة ودخولها‬
‫في اجلماعة الدولية بعد معاهدة فرساي سنة ‪ ، 1783‬وقيام الثورة الفرنسية‬
‫‪ ، 1789‬واحلروب النابلونية التي أدت إلى تغيير اخلارطة السياسية الوربا‬
‫والتي انتهت بسقوط نابليون وعقد معاهدة فيينا لسنة ‪. 1815‬‬
‫احلركة الفقهية‬
‫ أم��ا احل��رك��ة الفقهية ف��ي ذل��ك العصر فقد ش�ه��دت ت �ط��وراً ك�ب�ي��راً ‪،‬‬
‫والقانون الدولي مدين بنشأته وتطوره العلمي لدراسات الفقهاء األوائل الذين‬
‫بذلوا غاية جهدهم لوضع تنظيم دولي يحكم العالقات الدولية ‪ ،‬وميكن تقسيم‬
‫اآلراء الفقهية لتلك الفترة إلى ثالثة مدارس ((( ‪.‬‬
‫فقد ظهرت مدرسة القانون الطبيعي التي تعتبر بأن قواعد العدالة‬
‫واالن�ص��اف هي التي حتكم العالقات بني ال��دول ‪ ،‬وإن ه��ذه القواعد يهتدي‬
‫إليها العقل البشري ‪ ،‬ومن الفقهاء الذين ينتمون إلى هذه املدرسة الفقهيه‬
‫بوفندروف االملاني‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 225‬‬ ‫(( (‬

‫‪62‬‬
‫كما ظهرت مدرسة القانون الوضعي التي تعتبر بأن القانون الدولي‬
‫كأي قانون آخر مصدره إرادة املرتبطني به ‪ ،‬فالقانون الدولي ينشأ ب��إرادة‬
‫الذين يلتزمون به ‪ ،‬ويضعون قواعده ويتفقون على تطبيقه وااللتزام به مبا‬
‫يعقدونه من معاهدات وما يستقر بينهم من أعراف ‪ ،‬ومن أنصار هذه املدرسة‬
‫جنتليس وموسر ‪.‬‬
‫وظهرت املدرسة التوفيقية التي حاولت التوفيق بني املدرستني السابقتني‪،‬‬
‫وهي ترى أن قواعد القانون الدولي هي مزيج من قواعد القانون الطبيعي‬
‫ال عن إرادة اإلنسان حيث يكشفه العقل البشري وقواعد‬ ‫الذي يعتبر مستق ً‬
‫القانون الوضعي الذي ينشأ بإرادة األفراد والدول ‪ ،‬ومن رواد هذه املدرسة‬
‫الهولندي جروسيوس امللقب بأبي القانون الدولي احلديث والسويسري فاتل‪.‬‬
‫مؤمتر فيينا لسنة ‪1815‬‬
‫ بعد سقوط نابليون سنة ‪ 1814‬عقد مؤمتر في فيينا سنة ‪ 1815‬من‬
‫أجل إعادة التوازن االوربي وعدم االعتراف بغير امللكيات الشرعية‪ ،‬فأعيدت‬
‫امللكية إلى بروسيا والنمسا‪ ،‬ودخلت النرويج والسويد في احتاد فعلي‪ ،‬وضمت‬
‫ال أمام توسع فرنسا ووضعت سويسرا في حالة‬ ‫بلجيكا إلى هولندا لتكون حائ ً‬
‫حياد دائم ‪.‬‬
‫كما أن مؤمتر فيينا أقر بعض القواعد املهمة في القانون الدولي كحرية‬
‫املالحة في األنهار الدولية ‪ ،‬وحترمي جتارة الرقيق ‪ ،‬والقواعد اخلاصة بترتيب‬
‫املبعوثني الدبلوماسيني من حيث أسبقيتهم في التقدم والصدارة ‪.‬‬
‫التحالف املقدس‬
‫ وقد عقدت عدة حتالفات بني ال��دول الكبرى ان��ذاك لضمان الوضع‬
‫اجل��دي��د التي متخض عنه مؤمتر فيينا ‪ ،‬ك��ان م��ن أهمها التحالف املقدس‬
‫سنة ‪ 1815‬الذي ضم كل من قيصر روسيا وملكي بروسيا والنمسا مبشاركة‬
‫اجنلترا ‪ ،‬ثم عقد حتالف آخر هو حتالف اكس الشابل سنة ‪ 1818‬الذي ضم‬
‫ال��دول األرب��ع السالفة الذكر وفرنسا ‪ ،‬وقد نصبت هذه ال��دول نفسها قيمة‬
‫على شئون اوربا واعطت احلق لنفسها بالتدخل في الشئون الداخلية للدول‬
‫األخ��رى حت��ت شعار احملافظة على السلم ف��ي اورب��ا ‪ ،‬واستطاعت أن متنع‬

‫‪63‬‬
‫تغييرات دستورية حدثت في كل من نابولي سنة ‪ 1821‬وف��ي اسبانيا سنة‬
‫‪ 1823‬والبرتغال سنة ‪. 1826‬‬

‫تصريح مونرو‬
‫أدت سياسة التدخل التي اتبعتها الدول اخلمس الكبرى في اوربا إلى‬
‫ظهور معارضة لهذا التدخل وجتسد في تصريح مونرو رئيس الواليات املتحدة‬
‫االمريكية سنة ‪ 1823‬عندما طلبت اسبانيا مساعدة الدول الكبرى في اوربا‬
‫السترداد مستعمراتها االمريكية التي نشبت فيها الثورة ‪ ،‬فجاء رد الواليات‬
‫املتحدة االمريكية بانها ال تسمح للدول االوربية بالتدخل في الشئون الداخلية‬
‫للقارة االمريكية ‪ ،‬وقد كان لهذا التصريح األث��ر املهم في توجيه العالقات‬
‫الدولية بني الدول االوربية والدول االمريكية ‪.‬‬

‫احلركة القومية‬
‫ أشتد التيار القومي في اوربا بداية القرن التاسع عشر ولم تستطع‬
‫املبادىء والقواعد التي وضعها مؤمتر فيينا من الوقوف في وجة املد القومي‬
‫ال��ذي أجتاح اورب��ا ‪ ،‬فقد ث��ار الشعب الفرنسي م��رة ثانية وخلع امللك شارل‬
‫العاشر سنة ‪ ، 1830‬كما انفصلت بلجيكا عن هولندا وأعلنت استقاللها سنة‬
‫‪ ، 1831‬كما انفصلت اليونان عن تركيا سنة ‪ ، 1832‬كما توحدت كل من‬
‫ايطاليا وأملانيا ‪ ،‬وتخلصت دول البلقان من السيطرة التركية ‪ ،‬وحصلت كل‬
‫من رومانيا والصرب وبلغاريا على استقاللها سنة ‪. 1878‬‬
‫وك��ان من ش��أن ه��ذه احلركة القومية التي عمت اورب��ا أن ن��ادى فريق‬
‫من فقهاء القانون الدولي وعلى رأسهم الفقيه االيطالي مانشيني ‪Mancini‬‬
‫باعتبار الفكرة القومية أساساً للقانون الدولي بحيث يجب االعتراف لكل‬
‫جماعة تنتمي إل��ى عنصر مشترك وتنظمها رواب��ط ثقافية ولغوية وأدب�ي��ة‬
‫مشتركة ‪ ،‬بصفة الدولة ((( ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 229‬‬ ‫(( (‬

‫‪64‬‬
‫املؤمتر األوربي‬
‫ لقد أرسى مؤمتر فيينا لسنة ‪ 1815‬سلسة تطورات أصبح معها من‬
‫اجلائز التحدث عما يسمى “ نظام “ مؤمترات القرن التاسع عشر على نحو غير‬
‫مسبوق في العالم احلديث ‪ ،‬فقد دعى مؤمتر فيينا لالجتماع إلرساء األسس‬
‫الدبلوماسية لنظام اوربي جديد على األنقاض التي خلفتها حروب نابليون ‪،‬‬
‫والتاريخ الدبلوماسي لهذه الفترة حافل بهذه املؤمترات ‪ ،‬كمؤمتر باريس سنة‬
‫‪ ، 1856‬ومؤمتري لندن سنة ‪ 1871‬وسنة ‪ 1912‬ـ ‪ ، 1913‬ومؤمترات برلني‬
‫سنة ‪ 1878‬وسنة ‪ 1884‬ـ ‪ ، 1885‬حيث أصبحت الدبلوماسية مقررة في‬
‫احلياة الدولية خالل القرن التاسع عشر (((‪ .‬‬
‫مؤمتر الهاي‬
‫شهد القرن التاسع عشر تطوراً كبيراً في القانون الدولي االتفاقي‪،‬‬
‫حيث عقدت الكثير من املعاهدات في أم��ور تهم ال��دول جميعاً ‪ ،‬فمن تلك‬
‫املعاهدات معاهدة فيينا لسنة ‪ 1815‬ومعاهدة اك��س الشابل لسنة ‪1818‬‬
‫ومعاهدة باريس اخلاصة باحلرب البحرية لسنة ‪ 1856‬واتفاقية القسطنطينية‬
‫لسنة ‪1888‬لتنظيم املالحة في قناة السويس ‪.‬‬
‫كما ظهرت املرافق العامة الدولية واعتباراً من منتصف القرن التاسع‬
‫عشر ‪ ،‬وأص�ب��ح القانون ال��دول��ي يخاطب أشخاصاً ج��دد ل��م يعرفهم سابقاً‬
‫كاحتاد التلغراف الدولي سنة ‪ 1815‬واالحتاد العام للبريد سنة ‪ 1874‬والذي‬
‫أصبح احت��اد البريد العاملي ‪ 1878‬واملكتب املركزي للنقل بالسكك احلديد‬
‫سنة ‪ 1890‬وغيرها ‪.‬‬
‫ولكن من أهم املؤمترات التي عقدت خالل تلك الفترة هو مؤمتر الهاي‬
‫الذي مت بنا ًء على دعوة من قيصر روسيا نيقوال الثاني ‪ ،‬وذلك بقصد إقرار‬
‫السلم في اوربا عن طريق حتديد السالح ‪ ،‬حيث إن سباق التسلح انذاك كان‬
‫يهدد السلم في اوربا ‪ ،‬ولذلك فقد عقد مؤمتر الهاي األول سنة ‪ 1899‬وعقد‬

‫ـ‬ ‫أنظر إ ‪ .‬ل ‪ .‬كلود ـ النظام الدولي والسالم العاملي ـ ترجمة الدكتور عبد الله العريان‬ ‫((( ‬
‫دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪ 1964‬ـ ص ‪. 48‬‬

‫‪65‬‬
‫مؤمتر اله��اي الثاني سنة ‪ 1907‬واسفرا عن إب��رام اتفاقات دولية عديدة ‪،‬‬
‫ك��ان لها ابلغ األث��ر في تطوير قواعد القانون ال��دول��ي ‪ ،‬حيث أق��ر ألول مرة‬
‫نظام خاص حلل املنازعات الدولية بالطرق السلمية ‪ ،‬وتدوين قواعد احلرب‬
‫واحلياد الدولي ‪ ،‬كذلك أنشئت محكمة التحكيم الدولي الدائمة في الهاي‬
‫‪ ،‬ومع ذلك لم يستطع هذان املؤمتران منع وقوع احلرب العاملية األولى سنة‬
‫‪ 1914‬والتي كانت كارثة بالنسبة لإلنسانية والقانون الدولي ‪.‬‬
‫ث��ان��ي�� ًا ـ ال��ف��ت��رة م��ن احل���رب ال��ع��امل��ي��ة األول����ى ‪ 1914‬ح��ت��ى ال��وق��ت‬
‫احلاضر‬
‫بعد إنتهاء احلرب العاملية األولى ‪ ،‬أجتمعت الدول احلليفة املنتصرة في‬
‫مؤمتر باريس للسالم سنة ‪ 1919‬لتنظيم العالقات الدولية على أسس جديدة‬
‫‪ ،‬وقد أسفر هذا املؤمتر عن أتفاق الدول املتحالفة على إيجاد هئية دولية عليا‬
‫دائمة تكون أداة حلفظ السلم واألمن الدوليني ‪ ،‬وتوطيد العالقات بني الدول‬
‫‪ ،‬فتم وضع عهد عصبة األمم ليؤدي إلى وجود عصبة األمم بفروعها املختلفة‬
‫وأعطى لها حق النظر في املنازعات الدولية التي يخشى منها على السلم‬
‫الدولي ‪ ،‬وأنشئت هيئة قضائية وهي محكمة العدل الدولية الدائمة ‪.‬‬
‫وق��د عملت عصبة األمم منذ إنشائها على تدعيم السلم ع��ن طريق‬
‫تخفيض التسلح وكذلك ال��زام ال��دول بحل نزاعاتهم بالطرق السلمية وعدم‬
‫اللجوء إلى احلرب حلل تلك املنازعات ‪ ،‬وقد عقد ت لهذا الغرض عدة اتفاقات‬
‫ومؤمترات كان لها األثر الواضح في تثبيت قواعد القانون الدولي ‪ ،‬ومن أهم‬
‫تلك امل��ؤمت��رات وامل�ع��اه��دات ‪ ،‬مؤمتر واشنطن سنة ‪ 1922‬لتحديد التسلح‬
‫البحري ‪ ،‬وبروتوكول جنيف سنة ‪ 1924‬لفض املنازعات بالطرق السلمية ‪،‬‬
‫واتفاقات لوكارنو سنة ‪ 1925‬للضمان املتبادل واملساعدة املشتركة والتحكيم‬
‫‪ ،‬وميثاق بريان كيلوج سنة ‪ 1928‬ملنع احل��رب واعتبارها جرمية دولية((( ‪،‬‬
‫وميثاق جنيف سنة ‪ 1928‬لتسوية املنازعات بالطرق السلمية ‪ ،‬ومؤمترجنيف‬

‫عقد هذا امليثاق أو العهد بني فرنسا وامريكا في ‪ ، 1928 / 8 / 26‬وأدان اللجؤء إلى‬ ‫(( (‬
‫احلرب لتسوية املنازعات الدولية ونبذها كأداة للسياسة الوطنية للدول في عالقاتها‬
‫املتبادلة ( املادة ‪. ) 1‬‬

‫‪66‬‬
‫سنة ‪ 1932‬لتحديد التسلح ‪ ،‬ومؤمتر لندن البحري سنة ‪. 1933‬‬
‫وبالرغم من ذلك فإن جهود عصبة األمم لم تستطيع أن حتول دون وقوع‬
‫احلروب ‪ ،‬فقد نشبت احلرب بني اليابان والصني سنة ‪ 1931‬وظلت مستمرة‬
‫إلى قيام احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬واعتداء ايطاليا على احلبشة سنة ‪1935‬‬
‫وضمها إليها ‪ ،‬وإندالع احلرب األهلية االسبانية سنة ‪ 1936‬واشتراك عناصر‬
‫من دول أجنبية مما أضفى عليها طابعاً دولياً ‪ ،‬وهجوم املانيا على النمسا‬
‫وضمها إليها سنة ‪ ، 1938‬ثم هجومها على تشكيوسلوفاكيا سنة ‪ ، 1939‬ثم‬
‫هجومها على بولونيا مما أدى إلى إشتعال احلرب العاملية الثانية ‪.‬‬
‫ولم تستطع عصبة األمم منع إندالع احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬ألسباب‬
‫عديدة منها وجود عيوب في ميثاق املنظمة نفسها وعدم قدرتها على اتخاذ‬
‫قرارات ملزمة للدول األعضاء تضمن تنفيذها سلطة لديها الصالحيات والقوة‬
‫‪ ،‬كما أن الدول لم تلتزم بعهد العصبة وكانت تستعمل القوة حلل مشاكلها مع‬
‫بعضها ‪ ،‬ولذلك فقد انهارت العصبة واملواثيق التي عقدت من أجل احملافظة‬
‫على السالم واألمن الدوليني ‪.‬‬
‫منظمة األمم املتحدة‬
‫نشبت احل��رب العاملية الثانية في خريف سنة ‪ 1939‬واستمرت ست‬
‫سنوات حاولت دول احللفاء خاللها وضع تنظيم عاملي جديد ملنع وقوع حرب‬
‫عاملية ج��دي��دة وإق��ام��ة ع�لاق��ات دول�ي��ة على أس��اس أق��وى وأم�تن م��ن األس��س‬
‫السابقة ‪ ،‬لذلك عقد مؤمتر موسكو سنة ‪ 1943‬وبحضور ممثلني عن االحتاد‬
‫السوفيتي ‪ ،‬ال��والي��ات املتحدة االمريكية ‪ ،‬بريطانيا ‪ ،‬والصني ‪ ،‬وتقرر فيه‬
‫إنشاء منظمة دولية جديدة من أجل احلفاظ على السلم واألم��ن الدوليني ‪،‬‬
‫وف��ي سنة ‪ 1944‬عقد مؤمتر دومبارتن اوك��س في واشنطن ‪ ،‬حيث اشترك‬
‫ممثلو ال��والي��ات املتحدة االمريكية واالحت��اد السوفيتي وبريطانيا وانضمت‬
‫الصني الحقاً في تبادل اآلراء فيما بني هذه الدول الكبرى ومت تشخيص نقاط‬
‫اخلالف ووضعت مجموعة من االقتراحات حددت اخلطوط الرئيسية ألنشاء‬
‫املنظمة الدولية اجلديدة ‪ ،‬وفي مؤمتر يالطا الذي عقد سنة ‪ 1945‬بني تلك‬
‫الدول حيث وضعت مشروعاً للمنظمة اجلديدة ‪ ،‬ثم دعت جميع الدول التي‬

‫‪67‬‬
‫اعلنت احل��رب على دول احمل��ور إل��ى األش�ت��راك في مؤمتر دول��ي لبحث هذا‬
‫املشروع ‪.‬‬
‫وفي الفترة من من ‪ 4/25‬لغاية ‪ 6/26‬سنة ‪1945‬م انعقد مؤمتر سان‬
‫فرانسيسكو بحضور خمسني دولة حيث مت التوقيع على ميثاق األمم املتحدة‬
‫ال��ذي أص�ب��ح ن��اف��ذ امل�ف�ع��ول اع �ت �ب��اراً م��ن ‪1945/10/24‬م ‪ ،‬وب��ذل��ك ظهرت‬
‫إل��ى ال��وج��ود منظمة دول�ي��ة ج��دي��دة أخ��ذت على عاتقها حفظ السلم واألم��ن‬
‫الدوليني‪.‬‬
‫وقد شهد املجتمع الدولي أحداثاً كثيرة خالل الفترة من انتهاء احلرب‬
‫العاملية الثانية إلى وقتنا احلاضر أثرت كثيراً على العالقات الدولية وعلى‬
‫القانون الدولي نفسه ‪ ،‬ومن ابزر هذه األح��داث بعد احلرب العاملية الثانية‬
‫مباشرة هو تقسيم العالم إلى معسكريني ‪ ،‬املعسكر الغربي بقيادة الواليات‬
‫املتحدة االمريكية ‪ ،‬واملعسكر الشرقي بقيادة االحتاد السوفيتي ‪ ،‬واستمرار‬
‫سياسة القطبني واحل��رب الباردة إلى سنة ‪1989‬م عندما مت اسقاط جدار‬
‫برلني وع��ادت إل��ى ال��وج��ود املانيا امل��وح��دة ثم تفكك االحت��اد السوفيتي سنة‬
‫‪1991‬م وتقسيم تشيكوسلوفاكيا سنة ‪1993‬م وتفكك جمهورية يوغسالفيا‬
‫االحتادية وتقسيمها إلى عدة دول وانهيار حلف وارسو‪ ،‬وظهور سياسة القطب‬
‫الواحد الذي تزعمته الواليات املتحدة االمريكية ‪.‬‬
‫كما ش�ه��دت ه��ذه الفترة تكوين االح�ل�اف العسكرية ال�ت��ي ك��ان��ت تلوح‬
‫باستخدام القوة ‪ ،‬كحلف شمال االطلسي وحلف وارسو ‪ ،‬وهذا أدى إلى سباق‬
‫التسلح بني املعسكرين الشرقي والغربي ‪.‬‬
‫ك�م��ا ظ �ه��رت ف��ي ه��ذه ال �ف �ت��رة ح��رك��ات ال �ت �ح��رر ال��وط �ن��ي ال �ت��ي ق��اوم��ت‬
‫االستعمار واستطاعت أن حتصل هذه الدول على استقاللها سواء في قارة‬
‫آسيا وأفريقيا وامريكا الالتينية ‪ ،‬وبذلك ازدادت الدول التي حتررت من ربقة‬
‫االستعمار وانضمت إلى منظمة األمم املتحدة ‪ ،‬وتضم األمم املتحدة حالياً ما‬
‫يقارب ‪ 202‬دولة ‪.‬‬
‫كما شهدت ه��ذه الفترة ظهور حركة ع��دم االنحياز سنة ‪1955‬م بعد‬
‫مؤمتر باندونغ ال��ذي جمع ال��رؤس��اء ج��واه��ر الل نهرو وج�م��ال عبد الناصر‬

‫‪68‬‬
‫وجوزيف تيتو ‪ ،‬وأصبحت حركة عاملية تضم كثير من الدول التي أرادت أن‬
‫تنأى بنفسها من االنحياز ألحد املعسكرين ‪.‬‬
‫وشهدت ه��ذه الفترة احل��روب الطاحنة التي غطت مناطق كثيرة من‬
‫العالم ‪ ،‬مثل احل��رب الكورية ‪ ،‬واحل��روب التي خاضتها ال��دول العربية ضد‬
‫االعتداءات االسرائيلية في فلسطني ‪ ،‬واحلرب التي شنتها الواليات املتحدة‬
‫ضد فيتنام وانتهت بهزمية الواليات املتحدة ‪ ،‬والعدوان الثالثي على مصر‬
‫سنة ‪ ، 1956‬واحلرب العراقية االيرانية التي استمرت ثمان سنوات ‪ ،‬واحلرب‬
‫التي شنتها الواليات املتحدة على افغانستان سنة ‪ ، 2001‬وعلى العراق بعد‬
‫دخوله الكويت سنة ‪ ، 1991‬ومن ثم احتالله من قبلها سنة ‪ 2003‬واسقاط‬
‫النظام فيه ‪ ،‬وغيرها من احلروب التي يشهدها العالم ‪.‬‬
‫كما تعتبر هذه الفترة من أغنى الفترات بالنسبة لتطور القانون الدولي‪،‬‬
‫حيث مت في سنة ‪ 1946‬إنشاء جلنة من قبل اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫للبحث في وسائل تطوير القانون الدولي مكونة من ‪ 17‬دولة‪ ،‬وقد قدمت هذه‬
‫اللجنة تقريرها إلى اجلمعية العامة لألمم املتحدة في دور إنعقادها الثاني‬
‫سنة ‪ ،1947‬فقررت اجلمعية العامة لألمم املتحدة بتاريخ ‪1947/ 11/21‬م‬
‫إنشاء جلنة القانون الدولي لتقنني وتطوير قواعد القانون الدولي‪،‬وقد باشرت‬
‫هذه اللجنة أعمالها سنة ‪ ،1949‬وهي مكونة من ‪ 34‬عضوا‪.‬‬
‫وقد صدر في هذه الفترة االعالن العاملي حلقوق اإلنسان سنة ‪،1948‬‬
‫واتفاقية األمم املتحدة حلقوق اإلنسان املدنية والسياسية سنة ‪ 1966‬واتفاقية‬
‫األمم املتحدة للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية سنة ‪ ،1966‬واالتفاقية‬
‫االوربية حلقوق اإلنسان لسنة ‪ ، 1950‬واالتفاقية االمريكية حلقوق اإلنسان‬
‫سنة ‪ ، 1969‬وامليثاق االفريقي حلقوق اإلنسان والشعوب سنة ‪.1981‬‬
‫كما أم�ت��ازت ه��ذه الفترة بظهور املنظمات الدولية ‪ ،‬فباالضافة إلى‬
‫منظمة األمم املتحدة واملنظمات التابعة لها كمنظمة الصحة العاملية ومنظمة‬
‫العمل الدولية ومنظمة ال��زراع��ة واالغ��ذي��ة وغيرها ‪ ،‬فقد ظهرت املنظمات‬
‫االقليمية مثل جامعة الدول العربية التي أنشئت سنة ‪ ، 1945‬ومنظمة الوحدة‬
‫االفريقية سنة ‪ 1963‬والتي حتولت إلى االحتاد االفريقي سنة ‪ ،1999‬ومنظمة‬
‫الدول االمريكية التي أنشئت سنة ‪ 1948‬وغيرها‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ فالقانون الدولي املعاصر قانون متنوع بسبب املجاالت الواسعة التي‬
‫ينطبق عليها ‪ ،‬فهو يختلف عن القانون الدولي التقليدي الذي كان محصوراً في‬
‫مجاالت معينة كقانون احلرب واحلياد والبحار والقانون البلوماس والقنصلي‬
‫‪ ،‬فقد اصبح اآلن قانون ميتد إلى جميع املجاالت حتى الفنية منها فهو يغطي‬
‫اآلن مواضيع مختلفة منها االقتصاد ‪ ،‬الصحة ‪ ،‬العمل ‪ ،‬املالية ‪ ،‬البيئة ‪،‬‬
‫ال��زراع��ة ‪ ،‬الفضاء ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬وأصبح اآلن يقسم إل��ى ع��دة تقسيمات وفي‬
‫مختلف املجاالت فهناك القانون الدول اإلنساني ‪ ،‬والقانون الدولي للتنمية ‪،‬‬
‫والقانون اجلنائي الدولي ‪ ،‬والقانون االداري الدولي ‪ ،‬وقانون العمل الدولي ‪،‬‬
‫والقانون الدولي للتجارة ‪...‬الخ ‪ ،‬وهو اليزال في تطور مستمر نتيجة التطور‬
‫الهائل الذي يشهده العالم والتقدم الصناعي والتكنولوجي وفي املواصالت‬
‫واالتصاالت واملجاالت األخرى ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫أسـاس القانون الدولـي‬

‫يختلف النظام القانوني ال��داخ�ل��ي ع��ن النظام القانوني ال��دول��ي بأن‬


‫القواعد القانونية في القانون الداخلي لها القوة االلزامية التي جتبر األفراد‬
‫على احترامها وعدم مخالفتها ‪ ،‬أما في القانون الدولي فال توجد سلطة أعلى‬
‫من الدول تفرض احترام قواعد القانون الدولي وعدم مخالفتها ‪ ،‬إذن ما هو‬
‫األساس الذي تستمد منه قواعد القانون الدولي قوتها اإللزامية ‪.‬‬
‫ل�ق��د أخ�ت�ل��ف ال�ف�ق�ه��اء ف��ي حت��دي��د األس ��اس ال��ذي تستمد م�ن��ه ق��واع��د‬
‫القانون الدولي العام قوتها اإللزامية ‪ ،‬والتي تؤدي بالدول إلى االعتراف بهذه‬
‫القواعد واحترامها وااللتزام بتطبيقها في عالقاتها الدولية ‪ ،‬فقد ظهرت‬
‫عدة نظريات حاولت توضيح هذا األساس الذي تعتمد عليه قواعد القانون‬
‫الدولي العام في قوتها اإللزامية ‪ ،‬وسنحاول أن نوضح ه��ذه املذاهب في‬
‫املباحث التالية(((‪:‬‬

‫للمزيد حول هذه النظريات وأرائها واالنتقادات املوجهة لها أنظر د ـ محمد سامي عبد‬ ‫((( ‬
‫احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ج ‪ 1‬ص ‪ 41‬ـ ‪. 102‬‬

‫‪71‬‬
‫املبحث األول‬
‫املذه ــب اإلرادي‬

‫يرى أنصار هذا املذهب ان إرادة الدولة أو اإلرادة العامة للدول هي‬
‫األساس امللزم لقواعد القانون الدولي وسواء أكانت هذه اإلرادة صريحة أو‬
‫ضمنية ‪ ،‬فالقانون الداخلي هو وليد اإلرادة املنفردة للدولة والقانون الدولي‬
‫العام هو وليد اإلرادة اجلماعية للدول ‪ ،‬وسواء أكانت هذه اإلرادة منفردة أو‬
‫مشتركة ‪.‬‬
‫وفي احلقيقة إن هذه النظرية استقت خطوطها العريضة من نظرية‬
‫العقد األجتماعي التي أنتشرت منذ القرن السابع عشر ‪ ،‬والتي تعتبر أن‬
‫القانون هو رغبة عامة تعبر عنها اجلماعة التي تعيش في مجتمع سياسي‬
‫معني ‪ ،‬فاجلماعة وفق نظرية العقد األجتماعي ‪ ،‬هي التي تنشىء القانون‬
‫وهي كذلك أساس االلزام الذي يتصف به القانون ((( ‪.‬‬
‫وقد أنقسم هذا املذهب إلى فريقني ‪ ،‬األول يرى بأن اإلرادة املنفردة‬
‫للدولة هي التي تكون أساس االلتزام بقواعد القانون الدولي ‪ ،‬وتعرف باسم‬
‫نظرية اإلرادة املنفردة أو التحديد ال��ذات��ي ‪ ،‬أم��ا الثاني فيرى ب��أن اإلرادة‬
‫املشتركة للدول هي أساس االلتزام بقواعد القانون الدولي ‪ ،‬وتعرف بنظرية‬
‫اإلرادة املشتركة ‪ ،‬لذلك سنقسم ه��ذا املبحث إل��ى مطلبني نبحث في األول‬
‫نظرية اإلرادة املنفردة ‪ ،‬وف��ي الثاني نبحث في نظرية اإلرادة املشتركة أو‬
‫اجلماعية ‪.‬‬

‫د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 43‬‬ ‫(( (‬

‫‪72‬‬
‫املطلب األول‬
‫نظرية اإلرادة املنفردة‬

‫نظرية اإلرادة املنفردة أوالتحديد الذاتي قال بها الفقيه األملاني جورج‬
‫يلينك ‪ 1851 ( George Jellinck‬ـ ‪ ) 1911‬واظهرها في كتاب له صدر سنة‬
‫‪ ، 1880‬ومضمون هذه النظرية إن الدولة ذات السيادة ال ميكن أن تخضع‬
‫إلرادة أعلى من إرادتها ‪ ،‬ألنها تفقد بذلك اعتبارها وكيانها ‪ ،‬غير أنه بإمكانها‬
‫تقييد إرادتها فيما تنشئه من عالقات مع ال��دول األخ��رى ‪ ،‬ألن الدولة التي‬
‫تعيش في املجتمع الدولي تتقيد بالقانون الدولي بإرادتها دون أن تخضع ألية‬
‫سلطة أخرى سوى أرادتها ((( ‪ ،‬فالتزام الدول بقواعد القانون الدولي مرجعه‬
‫إرادة هذه الدول فهي اذن تتقيد بهذه القواعد بإرادتها ((( ‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذه النظرية إنها تؤدي إلى عدم استقرار األوضاع القانونية‬
‫في املجتمع الدولي ‪ ،‬وذلك ألنه بإمكان أية دولة وفي أية حلظة أن تعدل عن‬
‫القيود التي فرضتها بإرادتها على نفسها‪ ،‬وال ميكن ألي سلطة أن متنعها من‬
‫ذلك ‪ ،‬فما دام التزامها بقواعد هذا القانون ناشئا عن إرادتها وحدها فلها‬
‫في أي وقت أن تعلن عن رغبتها بعدم االلتزام بها ‪.‬‬
‫كذلك وجه اننقاد آخر إلى هذه النظرية وهو إن إرادة الدولة ليست‬
‫مطلقة في االلتزام بقواعد القانون الدولي في الوقت احلاضر بعد أن تأثرت‬
‫فكرة السيادة املطلقة للدولة‪ ،‬التي كانت سائدة حتى أوائل القرن املاضي بنظرية‬

‫د ـ وقد أخذ قرار محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية اللوتس ‪ Le Lotus‬الصادر‬ ‫(( (‬
‫في ‪ 1927 / 9 / 7‬بنفس الفكرة التي تفسر أساس االلتزام بإرادة الدولة املنفردة حيث‬
‫جاء فيه « إن القانون الدول يحكم العالقات بني الدول املستقلة ‪ ،‬وإن القواعد القانونية‬
‫التي ترتبط بها الدول تنتج عن إرادتها ‪ ،‬وتظهر هذه اإلرادة أما في االتفاقيات الدولية‬
‫وأما في العرف املتبع عموماً ‪ ،‬وعلى هذا تكون قواعد القانون الدولي ‪ ،‬قواعد إرادية‬
‫مصدرها إرادة الدول « د ـ صالح الدين أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 72‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 44‬‬ ‫(( (‬

‫‪73‬‬
‫العالقات املتبادلة‪ ،‬وفقا ملبدأ املساواة واحترام سيادة الدول األخرى(((‪.‬‬
‫ل��ذل��ك ف�ق��د ح��اول يلينك اس �ع��اف نظريته ب�ق��ول��ه إن ال��دول��ة جت��د من‬
‫مصلحتها التقيد بقاعدة القانون الدولي العام ‪ ،‬ولكن واقع احلال يثبت عكس‬
‫ذلك ‪ ،‬ألن الدولة إذا كانت مطلقة التصرف في امليدان الدولي لوجدت في‬
‫كثير من األحوال أنه من املناسب ملصلحتها عدم التقيد بقاعدة ما من قواعد‬
‫القانون الدولي ((( ‪.‬‬

‫املطلب الثانـي‬
‫نظرية اإلرادة املشتركة‬

‫وضع هذه النظرية الفقيه األملاني هنريش تريبل ‪Heinrich Triepel‬‬


‫( ‪ 1868‬ـ ‪ ) 1946‬وهي تقوم على اعتبار إن إرادة الدول هي األساس الذي‬
‫تستمد منه قواعد القانون الدولي صفة اإللزام ‪ ،‬وذلك لعدم وجود سلطة عليا‬
‫في املجتمع الدولي تقوم بوضع هذه القواعد وإلزام الدول بإتباعها ‪.‬‬
‫حيث إنه وفقاً لهذه النظرية ال ميكن االستناد إلى اإلرادة املنفردة لكل‬
‫دولة إلضفاء صفة اإللزام على قواعد القانون‪ ،‬إذ إن اإلرادة املنفردة لكل دولة‬
‫ال ميكن أن تلزم إرادة ال��دول األخ��رى ‪ ،‬ولكي يتحقق ارتباط ال��دول بقواعد‬
‫القانون وخضوعها لها البد من اجتماع إراداتها املتفرقة على قبول االرتباط‬
‫والتقييد بهذه القواعد‪ ،‬ولهذا سميت هذه النظرية بنظرية اإلرادة اجلماعية‬
‫أو اإلرادة املشتركة ((( ‪.‬‬
‫وقد وجه لهذه النظرية النقد باعتبار انه ال يوجد هناك ما مينع الدول‬
‫من عدم احترام إرادتها املشتركة أو التقيد بها متى ما أرادت ذلك‪ ،‬إضافة إلى‬

‫د ـ صالح الدين أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 71‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 48‬‬ ‫((( ‬
‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 81‬‬ ‫((( ‬

‫‪74‬‬
‫ذلك فإن فكرة اإلرادة اجلماعية أو املشتركة ال ميكن أن تفسر التزام الدول‬
‫التي أنضمت حديثا إلى اجلماعة الدولية بقواعد القانون الدولي الناشئة عن‬
‫هذه اإلرادة التي لم تساهم في وجودها ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫الـمبحث الثاني‬
‫املذهب املوضــوعي‬

‫لقد أجته هذا املذهب إلى تفسير التزام الدول بقواعد القانون الدولي‬
‫العام إلى العنصر املوضوعي ال��ذي هو خ��ارج إرادة الدولة ‪ ،‬أي إن إلزامية‬
‫قواعد القانون الدولي تعتمد على عناصر خارجة عن أرادة الدول وليس لها‬
‫عالقة بإرادة تلك الدول ‪ ،‬ولكن ماهي هذه العوامل التي هي خارجة عن إرادة‬
‫الدولة والتي يستند اليها القانون الدولي ويكتسب منها صفته االلزامية ‪ ،‬هذا‬
‫ما سنوضحه باملطلبني التاليني‪:‬‬

‫املطلب األول‬
‫املدرسة النمسـاوية‬

‫املدرسة النمساوية أو النظرية املجردة للقانون ‪Theory of Abstract‬‬


‫‪ Law‬وق��د ق��ال بهذه النظرية الفقيهان النمساويان هانز كلسن ‪H.Kelsen‬‬
‫وف ��ردروس ‪ Verdross‬وه��ي ت�ق��وم على أس��اس أن ك��ل ن�ظ��ام قانوني يتكون‬
‫من مجموعة من القواعد القانونية التي تكون على شكل هرم من القواعد‬
‫وصحة كل قاعدة منها يرجع إلى وجود القاعدة القانونية التي تعلوها في هذا‬
‫الهرم القانوني وتستمد منها قوتها امللزمة ‪ ،‬وعلى قمة الهرم توجد قاعدة‬
‫قدسية االت�ف��اق وال��وف��اء بالعهد ‪ ،‬فحكم القاضي الوطني مثال يستند إلى‬
‫قاعدة من قواعد القانون املدني وهذه القاعدة تستند إلى الدستور ‪ ،‬وهذا‬
‫الدستور يستند بدوره إلى القانون الدولي ‪ ،‬وهكذا تتدرج قواعد القانون حتى‬
‫تصل إلى قاعدة أساسية افتراضية تسود جميع القواعد األخ��رى وتكسبها‬
‫قوتها اإللزامية ‪ ،‬وهذه القاعدة األساسية هي قاعدة قدسية االتفاق والوفاء‬

‫‪76‬‬
‫بالعهد‪.‬‬
‫ويؤخذ على ه��ذه النظرية أنها تقوم على مجرد اف�ت��راض غير قابل‬
‫لإلثبات ‪ ،‬كما أن أصحاب هذه النظرية لم يبينوا املصدر الذي تستمد منه‬
‫القاعدة األساسية وهي قاعدة قدسية االتفاق والوفاء بالعهد وجودها وقوتها‬
‫اإللزامية ((( ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫املدرسة الفرنسـية‬

‫املدرسة الفرنسية أو نظرية التضامن االجتماعي ‪Theory of Social‬‬


‫‪ Solidarity‬وقال بهذه النظرية الفقيه الفرنسي ليون ديجي حيث إنه أنكر‬
‫على الدولة صفة السيادة وصفة الشخصية املعنوية ‪ ،‬كما أن الدولة بالنسبة‬
‫له ليست سوى مجموعة من األفراد الطبيعيني ‪ ،‬فالقانون ال يوجد بنا ًء على‬
‫إرادة الدولة ألن وجود القانون سابق على وجود الدولة وأعلى منها ‪ ،‬فهو ليس‬
‫إال القانون املوضوعي املعبر عن ضرورات التضامن االجتماعي وأساس القوة‬
‫امللزمة للقانون عند ديجي هي ض��رورات التضامن االجتماعي ‪ ،‬أي شعور‬
‫األفراد الذين تتألف منهم مختلف اجلماعات بالتضامن الذي يربط بني أفراد‬
‫كل جماعة وكذلك أفراد اجلماعات املختلفة ‪.‬‬
‫وم��ن أنصار ه��ذه النظرية ج��ورج سل ال��ذي يقول إن القانون ليس إال‬
‫ح��دث اجتماعي ق��ائ��م على ض ��رورات احل�ي��اة ف��ي املجتمع ‪ ،‬أي تلك القيود‬
‫التي تفرض نفسها على األف��راد بحكم قيام عالقات بينهم بسبب عيشهم‬
‫في مجتمع واحد‪ ،‬هي التي تولد التضامن بني أفراده‪ ،‬إن هذه القيود التي‬
‫تكون احلدث االجتماعي تخلق شعورا عاما يجعل منها األس��اس الذي يقوم‬
‫عليه تنظيم املجتمع‪ ،‬وهذه القيود تتحول إلى قواعد قانونية متى ذاع الشعور‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 83‬‬ ‫((( ‬

‫‪77‬‬
‫بوجودها وهي تكتسب وصف اإللزام من ضرورة خضوع أفراد مجتمع معني‬
‫لها للمحافظة على وجود هذا املجتمع ومنوه‪ ،‬فأساس القانون إذن هو احلياة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وهو كما يقول نيقوال بوليتيس ليس صادراً عن نظام‪ ،‬وليس تعبيراً‬
‫عن إرادة‪ ،‬بل هو نتاج اجتماعي‪ ،‬وواقعة مجردة ذاع الشعور بوجودها(((‪.‬‬
‫ولكن يؤخذ على هذه النظرية إن األساس الذي تقدمه للقانون غامض‬
‫وناقص‪ ،‬فالقاعدة األساسية التي قالت بها هذه النظرية تقوم على مجرد‬
‫االف �ت��راض‪ ،‬وال ت�ب�ين امل��درس��ة ال�ن�م�س��اوي��ة م�ص��در ه��ذه ال �ق��اع��دة‪ ،‬وال قوتها‬
‫االلزامية‪ ،‬وال سبب وجودها ‪ ،‬كما ال ميكن أن يكون أساس القانون في احلدث‬
‫االجتماعي وض ��رورة احملافظة على ح�ي��اة اجلماعة وبقائها‪ ،‬ألن اجلماعة‬
‫اإلنسانية سبقت القانون في الوجود لذلك فإن نظرية االستاذ جورج سل قد‬
‫تصلح لتبرير وجود القانون ولكنها ال تصلح لتفسير أساسه امللزم ((( ‪.‬‬

‫جورج سل ـ مجموعة محاضرات الهاي ‪ 1937‬ـ ج ‪ 4‬ص ‪. 331‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.21‬‬

‫‪78‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫املدرسة السوفيتية‬

‫املدرسة السوفيتية أو النظرية االشتركية ‪ Socialst Theory‬تقيم األساس‬


‫امللزم للقانون على فكرة الصراع الطبقي ‪ ،‬فالقانون ما هو إال تعبير عن إرادة‬
‫الطبقة املسيطرة في مجتمع معني وانعكاسا ملصاحلها ‪ ،‬ويصدق ذلك على‬
‫املجتمعات الرأسمالية والشيوعية ‪ ،‬حيث يعبر القانون في الدول الرأسمالية‬
‫عن مصالح الطبقة الرأسمالية املستغلة مستمدا إلزامه من سيطرتها على‬
‫وسائل اإلنتاج وفي الدول الشيوعية يعبر عن مصالح طبقة العمال مستمدا‬
‫إلزامه من سيطرتها على وسائل اإلنتاج في هذه الدول ‪.‬‬
‫وق��د نقل الفقهاء ال��روس ه��ذه الفكرة إل��ى نطاق القانون ال��دول��ي في‬
‫صورة الصراع والتعاون بني دول النظامني (الرأسمالي واالشتراكي)‪ ،‬وترى‬
‫هذه املدرسة إن أس��اس القانون الدولي يكمن في التعايش السلمي أي في‬
‫ات �ف��اق إرادة ال ��دول املختلفة م��ن حيث تركيبتها االق�ت�ص��ادي��ة واالجتماعية‬
‫واملعبرة عن مصالح الطبقات السائدة فيها ‪ ،‬وعليه فإن التعايش السلمي بني‬
‫دول النظامني هو األساس الذي تستمد منه قواعد القانون الدولي املعاصر‬
‫قوتها اإللزامية ((( ‪.‬‬
‫ولكن هذه النظرية قد وجهت لها عدة انتقادات منها ‪ ،‬إن هذه النظرية‬
‫ت�ق��ول إن ال�ق��ان��ون يعبر ع��ن مصالح الطبقة ال�س��ائ��دة ف��ي ح�ين إن القواعد‬
‫القانونية كثيرا ما تعبر عن املصالح العامة ألعضاء اجلماعة كافة دون ارتباط‬
‫باملصلحة اخلاصة لطبقة معينة ‪ ،‬كما أن املجتمعات البدائية مثال قد عرفت‬
‫القانون على الرغم من خلوها من نظام الطبقات وبالتالي من الصراع الطبقي‬
‫‪ ،‬كما ويؤخذ عليها أيضا إنها أهملت الظروف االجتماعية غير االقتصادية‬
‫كافة عند بحثها عن أساس القانون ‪ ،‬كما أن فكرة التعايش السلمي ال تصلح‬
‫أن تكون أساسا للقانون الدولي ‪ ،‬فإن هذه الفكرة ال تعدو أن تكون مجرد‬

‫ج ‪ .‬إ ‪ .‬تونكني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 203‬‬ ‫(( (‬

‫‪79‬‬
‫موقف سياسي مؤقت فرضته على كل من االحتاد السوفيتي (سابقا) والدول‬
‫الرأسمالية اعتبارات واقعية معينة قابلة بطبيعتها للتطور والتغيير ومن ثم ال‬
‫تصلح كتفسير مقنع لظاهرة متتع القانون الدولي بوصف اإللزام ((( ‪.‬‬

‫للمزيد من االنتقادت املوجهة لهذا املذهب أنظر د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع‬ ‫((( ‬
‫مشار إليه ـ ج ‪ 1‬ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 61‬ـ ‪. 69‬‬

‫‪80‬‬
‫املبحث الرابع‬
‫مدرسة القانون الطبيعي‬

‫مدرسة القانون الطبيعي ‪ Theory of Natural Law‬تقوم على أساس‬


‫أن هناك قانون طبيعي وهو قانون مثالي يتضمن قواعد أزلية ال تتغير بتغير‬
‫الزمان أو املكان يوحي بها العقل السليم ‪ ،‬وهذه القواعد هي قواعد العدالة‬
‫واالن�ص��اف ‪ ،‬ولذلك يجب على القواعد الوضعية أن ال تتعارض مع قواعد‬
‫القانون الطبيعي ألنها أسمى وأسبق منها نشأ ًة كما أنها أسبق من نشأة الدول‬
‫وهي تفرض نفسها على اجلميع ‪.‬‬
‫ومن الفقهاء الذين كانوا يخلطون بني القانون الدولي والقانون الطبيعي‬
‫الفقيه بوفندروف ‪ 1622 ( Pufendrof‬ـ ‪ ) 1694‬حيث يعرف القانون الطبيعي‬
‫بأنه “ القانون العاملي اخلالد الذي يحكم العالقات اإلنسانية ألنه القانون‬
‫الذي يتم الكشف عنه مبالحظة الطبيعة اإلنسانية وعن طريق األختبار العميق‬
‫للمشاعر اإلنسانية ‪.‬‬
‫ويرى بوفندروف إن القانون الطبيعي تسري أحكامه على األفراد وعلى‬
‫ال��دول إال أن ه��ذا الفقيه ال يفصل ب�ين القانون الداخلي وال�ق��ان��ون الدولي‬
‫الطبيعي ‪ ،‬ويشبه الدول باألفراد ((( ‪.‬‬
‫أما الفقيه السويسري فاتيل ‪ 1714 ( Vattel‬ـ ‪ ) 1767‬فيرى إن إرادة‬
‫الدولة هي التي حتدد نطاق سريان القانون الطبيعي ‪ ،‬وبها ميكن حتديد أثر‬
‫القانون الدولي اإلرادي في تنظيم العالقات الدولية ‪.‬‬
‫والنقد الذي يوجه إلى هذه النظرية ‪ ،‬هي أن فكرة القانون الطبيعي‬
‫فكرة غامضة وصعبة التحديد ‪ ،‬كما أن قواعد القانون الطبيعي ال ميكن األخذ‬
‫بها إال إذا أدرج��ت في القانون الوضعي ‪ ،‬ومن تلك املبادىء التي سبق وأن‬
‫ال مبدأ حسن النية ومبدأ العدل في تسوية‬ ‫أدرجت في القانون الوضعي مث ً‬

‫د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 45‬‬ ‫(( (‬

‫‪81‬‬
‫املنازعات ومبدأ حترمي إبادة اجلنس البشري ومبدأ عدم التمييز وغيرها ‪.‬‬
‫هذه هي أهم النظريات التي قيلت في أساس االلتزام بالقانون الدولي‬
‫‪ ،‬وتوجد نظريات أخ��رى كنظرية املصلحة ونظرية التوازن السياسي ومبدأ‬
‫اجلنسيات ((( ‪ ،‬ونظرية القوة ((( ‪ ،‬ونظرية احلقوق األساسية ((( ‪ ،‬ولم نتعرض‬
‫لهذه النظريات ألنها كانت نظريات وقتية قيل بها ألسباب سياسية أو قومية‬
‫ووجهت لها انتقادت عنيفة كنظرية القوة ولم يعد لها أثر في الفقه الدولي‬
‫في الوقت احلاضر ‪.‬‬
‫ونؤيد ما ذهب إليه الدكتور محمد سامي عبداحلميد من أساس االلزام‬
‫في القانون الدولي ينحصر في صدوره عن إرادة الفئة املسيطرة من الدول ‪،‬‬
‫ومتتعه مبا توفره له هذه الفئة من جزاء لتعبيره عما ترى مالءمة حمايته من‬
‫مصالح تهمها (((‪.‬‬
‫حيث إن القانون الدولي منذ نشأته كان يعبر عن إرادة الدول املسيطرة‬
‫وال�ت��ي ك��ان��ت ت�ف��رض ق��واع��دة على ال��دول األخ ��رى‪ ،‬وه��و ب�ه��ذا ال يختلف عن‬
‫املجتمعات الداخلية غير الدميقراطية‪ ،‬فالقواعد القانونية املوجودة داخل‬
‫تلك املجتمعات تعبر عن إرادة الفئة املسيطرة‪ ،‬كذلك ف��إن قواعد القانون‬
‫الدولي تعبر عن إرادة الفئة املسيطرة في املجتمع الدولي والتي تقوم بتوفير‬
‫اجلزاء له‪.‬‬
‫ومعاهدات الصلح التي تفرض إرادة املنتصر توضح مدى كون القواعد‬
‫الدولية التي تنشىء مبوجب هذه املعاهدات ما هي إال تعبير عن إرادة الفئة‬
‫املسيطرة املنتصرة بالرغم من انعدام رضا الطرف املهزوم ‪.‬‬
‫كما أن ميثاق األمم املتحدة ال��ذي مت وضعه سنة ‪ 1945‬بعد احلرب‬
‫العاملية الثانية والذي يعتبر من املعاهدات الشارعة ‪ ،‬والتي عن طريقها متارس‬
‫الفئة املسيطرة وظيفة التشريع للجماعة الدولية ‪ ،‬قد مت وضعه من قبل الدول‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشارإليه ـ ص ‪. 87‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 58‬‬ ‫((( ‬
‫د ـ عبد العزيز سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 42‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ أصول القانون الدولي العام ـ ج ‪ 2‬ـ ص ‪ 88‬وما بعدها‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪82‬‬
‫املنتصرة في احلرب ‪ ،‬والتي اشتركت في مؤمتر يالطا في سنة ‪ 1945‬وهي‬
‫الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفيتي واململكة املتحدة ‪.‬‬
‫خالصة القول‪:‬‬
‫تعددت النظريات التى تبحث عن أساس للقانون الدولى العام وسنوجز‬
‫أهمها فيما يلي ‪:‬‬
‫أوأل ‪ :‬النظرية اإلرادية ‪:‬‬
‫ وهى تذهب إلى أن القانون ما هو إال نتاج إرادة الدولة ‪ .‬وتفريعاً على‬
‫ذلك فإن القانون الدولى العام هو نتاج إرادة الدول‪ ،‬تلك اإلرادة ‪ ،‬سواء أكانت‬
‫فردية ‪ Individuelle‬أو جماعية ‪ Collective‬هى التى تضفى في نفس الوقت‬
‫على القانون قوته اإللزامية ‪ Force obligatoire‬فلإلرادة إذا دور في القانون‪،‬‬
‫ال عن أنها مصدر اإللزام له‪.‬‬ ‫إذ أنه من خلقها ‪ ،‬فض ً‬
‫النقد‪ :‬عدم ثبات ذلك األساس للقانون‪ ،‬إذ أن القانون يفترض تواجد‬
‫نظام اجتماعى يتمتع بقدر من الثبات واالستقرار‪ ،‬وذلك ما ال يتأتى إذا ما‬
‫أسند القانون إلى إرادة الدول وحدها ‪ ،‬إذ ميكن ألهواء هذه اإلرادة أن تعصف‬
‫في أى وقت مبا سبق أن وضعته من قواعد قانونية ‪.‬‬
‫ وق��د ذه��ب العميد ديجي ف��ي انتقاده لهذه النظرية إل��ى ال�ق��ول بأن‬
‫ال عن عجزه في‬ ‫التصور اإلرادى للقانون يتعارض مع جوهر القانون ذاته‪ ،‬فض ً‬
‫إضفاء الصفة اإللزامية على القواعد القانونية ‪.‬‬
‫ويوجه هذا النقد للمذهب اإلرادي سواء بالنسبة للقانون الداخلي أو‬
‫القانون ال��دول��ي‪ .‬فعندما يقال ب��أن القانون الداخلي م��ا ه��و إال نتاج إرادة‬
‫الدولة حيث يستند عليها فقط ‪ ،‬فإن ذلك القول يحرم اخلاضعني للقانون من‬
‫كل الضمانات‪ ،‬ويقضي إلى استبداد السلطة وحتكمها إذ أن ما تفعله اليوم‬
‫بإرادتها تستطيع أن تنقضه بسهولة ‪ ،‬بنفس اإلرادة ‪ ،‬في أي وقت‪.‬‬
‫ وق��د أدرك أص�ح��اب ه��ذه النظرية ضعفها أم��ام النقد امل��وج��ه إليها‬
‫خاصة بعد ظهور عنصر السيادة كعنصر هام في احلياة الدولية ‪ .‬فحاول‬
‫بعضهم عالجها وكانت محاولة الفقيه األملانى ‪ Jellinek‬في ذلك أب��رز تلك‬

‫‪83‬‬
‫احمل��اوالت حيث أدل��ي بفكرة التحديد الذاتى ل�لإرادة التى تعرض لها فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫فكرة التحديد الذاتي لإلرادة ‪L›auto- lmitation‬‬

‫ ويحاول يلينيك البحث عن أساس معقول لتقييد سيادة الدولة ‪ ،‬وفي‬


‫ذلك يقول بأنه إذا كانت الدولة شخصاً من أشخاص القانون وان عليها أن‬
‫تؤسس سلطتها على القانون ‪ ،‬إذال يعيب عليها أن تتقيد باتباع القانون بأن‬
‫تخضع نفسها للقانون ‪ ،‬وهنا توجد أم��ام ال�ت��زام ذات��ي ‪auto- obligation‬‬
‫أو حتديد ذاتي ‪ auto-limitation‬مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة القانونية‬
‫للدولة‪.‬‬
‫وقد أدرك ‪ Jellinek‬مقدماً أن ثمة اعتراض سيثور ضد فكرته ولذلك‬
‫تصدى لدحضة مقدماً أيضاً فقد توقع أن ينسب إلرادة الدولة عدم الثبات‬
‫واإلستقرار‪ .‬إذ ما هو الضمان على أن الدول سوف تظل ملتزمة مبا تعهدت‬
‫وتقيدت به ؟ اال تستطيع أن تنهي التزاماتها التى تقيد بها إرادي��ا عندما‬
‫أبرمت تلك اإلتفاقيات ؟ وأليس ذلك دليل على ضعف األساس الذي يستند‬
‫إليه القانون الدولي‪.‬‬
‫ويرد بلينيك على ذلك بأن إرادة الدولة لن تتغير ألنها مرتبطة ارتباطاً‬
‫وثيقاً بتحقيق األهداف التى تستهدفها‪ .‬فإذا كان قيام عالقات دولية عادية‬
‫أمر هام حلياة الدول ذاتها‪.‬‬
‫نقد هذه النظرية ‪:‬‬
‫على أن نظرية يلينيك‪ ،‬مع ما تتسم به من ذكاء‪ ،‬ال ميكن التسليم بها‬
‫متاماً في املجال الداخلى أو املجال الدولى‪.‬‬
‫فمن الناحية الداخلية‪ ،‬تفسح املجال لإلستبداد والتحكم إذا ما قبلنا‬
‫القول ب��أن التقييد اإلرادى للدولة هو أس��اس القانون‪ ،‬كما أننا جن��رد ذلك‬
‫القانون من صفتى الثبات واإلستقرار‪.‬‬
‫ومن الناحية الدولية ‪ ،‬فإن نظرية بلينيك تبدو أيضا غير كافية‪ ،‬إذ‬
‫يعاب عليها ما يعاب على النظرية اإلرادية بصفة عامة من حيث عدم ثبات‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وقد رد يلينيك على ذلك بالقول بأن مصالح الدولة سوف تدفعها إلى‬
‫تنفيذ اإللتزامات التى تعاقدت عليها‪ ،‬وتفيد التجربة أن ال��دول قلما تفعل‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫تقديرنا للنظرية اإلرادية ‪:‬‬
‫وبالرغم مما قيل في النظرية اإلرادية ‪ ،‬فإنها ال تخلو من منطق معقول‬
‫‪ .‬إذ أن امل�ش��اه��د ف��ي املجتمع ال��دول��ى امل�ع��اص��ر أن إرادة ال��دول تلعب دوراً‬
‫أساسياً في خلق القاعدة القانونية وفي اإللتزام بها‪ ،‬ال ميكن هدم النظرية‬
‫اإلرادية من أساسها‪ .‬إذ أنها تنطوى على بعض املنطق املتسق مع واقع األمور‪.‬‬
‫ولكننا مع ذلك ال نستطيع جعلها األساس الوحيد للقانون‪ ،‬إذ البد من البحث‬
‫عن أسس أخري تضاف إليها لتكمل النقص فيها وتصلح من عيوبها‪ .‬وذلك ما‬
‫يحدونا إلى عرض النظريات التالية‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬نظرية احلقوق األساسية للدول ‪Droits fondamentaux‬‬
‫‪des Etats‬‬

‫وهى تسعى إليجاد قيد عام على سلطة ال��دول في نطاق أكثر سعة ‪،‬‬
‫وذلك باللجوء إلى حقوق أساسية ميكن للدول أن تستند عليها في مواجهة‬
‫ال عن احلقوق التى جتد مصدرها في معاهدة أو عرف‬ ‫بعضها البعض ففض ً‬
‫‪ ،‬توجد حقوق أخرى تتولد عن مجرد تواجد الدول وتعايشها مع بعضها وما‬
‫ينتج عن ذلك من روابط‪.‬‬
‫وقد انتقدت هذه النظرية وقيل بأنها جتمع حقوقاً هامة جداً إلى جانب‬
‫حقوق ال معنى لها ‪ ،‬فإذا كان حلق البقاء معنى فما هو معنى حق اإلحترام‬
‫ال ‪ ،‬كما أن احلقوق األخ��رى التى وردت على لسان أصحاب النظرية ال‬ ‫مث ً‬
‫تصلح أساساً للقانون الدولى‪.‬‬
‫ويذهب العميد ديجى بعيداً إذ ينكر السيادة واإلرادة اخلالقة للقانون‬
‫‪ ،‬ب��ل والشخصية امل�ع�ن��وي��ة ‪ ،‬ك�م��ا أن ال��دول��ة بالنسبة ل��ه ليست إال أف ��راداً‬
‫طبيعيني ‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بالقانون وهو ما يهمنا هنا من نظرية ديجي‪ ،‬فإنه يعتبر‬

‫‪85‬‬
‫سابقاً على الدولة وأعلى منها‪ ،‬فهو تعبير عن ضرورات التضامن االجتماعى(((‪،‬‬
‫ويصدق هذا التصور كقانون في النطاق الداخلي والنطاق الدولى أيضا‪ ،‬إذ أن‬
‫أساس القانون واحد في احلالتني‪.‬‬
‫وقد انتقدت نظرية ديجى واخذ عليه املغاالة في هجومه على عنصر‬
‫السيادة واإلرادية القانونية‪ ،‬والشخصية املعنوية ‪ ،‬والدولة ‪ ،‬وقيل بأنه إذا كان‬
‫ثمة ما يسوغ هجومه على املغاالة في السيادة وكذا نظرية اإلرادي��ة القانون‬
‫فإن نقده للشخصية املعنوية وعنصر الدولة لم يكن له أساس معقول ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخري‪ .‬فإننا إذا ما اعتبرنا التضامن اإلجتماعى أو التضامن‬
‫فيما ب�ين اجل �م��اع��ات األس ��اس امل�ط�ل��ق ل�ل�ق��ان��ون‪ .‬ف��إمن��ا ن�ض��ع ب��ذل��ك انفسنا‬
‫في طريق ضيق ج��داً إذ أن ثمة حاجات اجتماعية ال ترجع فقط للتضامن‬
‫وخاصة احلاجات املعنوية املرتبطة باإلنسانية التى ال تتطلب بالضرورة فكرة‬
‫التضامن‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬نظرية كلسن ‪Kelsen‬‬

‫ ويذهب كلسن إلى القول بأن الدول تلعب دور املشرع الدولى إذ لها أن‬
‫ال عن التصرفات القانونية ذات األثر الفردي‪.‬‬‫تصدر قواعد عامة فض ً‬
‫ وال يستمد التصرف القانونى قوته اإلل��زام�ي��ة م��ن ذات��ه ‪ ،‬وإمن��ا من‬
‫قاعدة أعلى منه هى « قاعدة الوفاء بالعهد» ‪Pacta sunt servanda‬‬

‫ وكما تلعب ال��دول دور املشرع الدولى فإنها تلعب أيضا دور الهيئة‬
‫التنفيذية الدولية ‪ .‬فهى التى متارس سلطة القهر باسم اجلماعة الدولية ‪،‬‬
‫وتعتبر احلرب إحدى الوسائل املستخدمة في هذا الصدد‪.‬‬
‫نقد النظرية ‪:‬‬
‫وقد وجه لهذه النظرية نقد شديد‪ ،‬وقيل بأن القانون بوصفه تنظيماً‬
‫اجتماعياً ال ميكن أن يؤسس إال على حقائق احلياة االجتماعية‪ ،‬وليس على‬
‫مجرد افتراض غير واضح كما هو الشأن بالنسبة للقاعدة اإلفتراضية التى‬

‫ (((‬ ‫‪Expression de riécessités de la solidarité sociale.‬‬

‫‪86‬‬
‫يقدمها كلسن كأساس للقانون‪.‬‬

‫خامس ًا ‪ :‬نظرية الضرورة االجتماعية ‪Necéssité Sociale‬‬

‫ وهى مثل نظرية ديجى تركز على وجهة نظر اجتماعية‪ ،‬إذ تذهب إلى‬
‫القول بأن ما يسوغ القانون الدولى العام ويضفى عليه الصفة اإللزامية أمنا‬
‫يتمثل في الضرورة ‪ necéssité‬بالنسبة لألفراد وال��دول على السواء في أن‬
‫يقيموا بني بعضهم البعض عالقات وروابط عادية منتظمة‪.‬‬
‫ف��ال�ض��رورات البيولوجية ‪ Biologique‬واإلقتصادية واملعنوية تفرض‬
‫نفسها على إرادة السلطة اإلجتماعية التى ال متلك ان�ك��اره��ا‪ .‬ول��ذل��ك فإن‬
‫الدول مطالبة بأن تتثبت من هذه الضرورات وتضع لها القواعد الالزمة ‪.‬‬
‫تلك هى النظريات التى حاولت إيجاد أس��اس للقانون ال��دول��ى العام‬
‫من أج��ل ذل��ك ف��إن األس��اس احلالى للقانون ال��دول��ى العام ال ينبغى رده إلى‬
‫إحدى النظريات السابقة فقط ‪ ،‬بل أنها في مجموعها تصلح أساساً للقواعد‬
‫القانونية الدولية ‪ .‬فاإلرادة واحلقوق األساسية للدول ‪ ،‬والتضامن االجتماعى‬
‫واإلحساس بضرورة الوفاء بالعهد‪ ،‬والضرورات االجتماعية ‪ ،‬تسهم كلها بناء‬
‫أساس القانون الدولى العام ولنا في املجتمع الدولى املعاصر خير دليل حيث‬
‫تالقت فيها إرادات الدول كأساس لإللزام إلى جانب النظر للحقوق األساسية‬
‫للدول املتقدمة والنامية معاً في ظل نظرة شاملة للتضامن االجتماعي والوفاء‬
‫األساسي بالعهود وضرورات املجتمع اإلنساني الدولى(((‪.‬‬

‫ويقول األستاذ الدكتور ‪ /‬محمد سامي عبد احلميد (أساس القانون الدولى العام) إذا ‪،‬‬ ‫((( ‬
‫في رأيناً حصر في صدوره عن إرادة الفئة املسيطرة من الدول ومتتعه مبا توفره له هذه‬
‫الفئة من جزاء بالنظر تعبيره عما ترى مالءمته حمايته من مصالح تهمها ‪ ،‬وهو في هذا‬
‫ال يختلف كثيراً عن القانون الوضعي يطبق في غير الدميقراطي من املجتمعات الداخلية‬
‫من حيث جوهر الوضعية وأساسها املرتكز في احلالني على إرادة الفئة املسيطرة مبا‬
‫تعكسه من مصالح « املرجع السابق ‪ ،‬صفحة ‪. 88 ، 82‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫العالقة بني القانون الدولي والقانون الداخلي‬

‫يتنازع الفقه ال��دول��ي في ش��أن العالقة بني القانون ال��دول��ي والقانون‬


‫الداخلي ‪ ،‬اجتاهان أو نظريتان مختلفتان ‪ ،‬فللدولة سلطة مطلقة في أن تصدر‬
‫ما تشاء من القوانني داخل إقليمها بإرادتها املنفردة وفي نفس الوقت تساهم‬
‫بإرادتها املنفردة أو املشتركة في تكوين قواعد القانون الدولي باعتبارها‬
‫الشخص الرئيس للقانون الدولي ‪ ،‬فهل توجد عالقة بني القانون الداخلي‬
‫والقانون الدولي ؟ أم أن كل من القانونني مستقل الواحد عن اآلخر ‪ ،‬وإذا‬
‫حدث تعارض بني القاعدة القانونية الداخلية والقاعدة القانونية الدولية فأي‬
‫القاعدتني تطبق ؟ هذا ما أجابت عليه النظريتني التي تقوم إحداهما على‬
‫فكرة ازدواج القانونني والتي تنكر أية صلة بني القانونني الدولي والداخلي‪،‬‬
‫بينما تقوم النظرية الثانية على فكرة وحدة القانون التي تعترف بوجود صلة‬
‫وثيقة بني القانونني وتوجب تغليب قواعد أحداهما على قواعد اآلخر عند‬
‫التعارض‪ ،‬ولذلك سنقسم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث ‪ ،‬نبحث في األول‬
‫نظرية أزدواج القانونني ‪ ،‬وفي الثاني نبحث نظرية وحدة القانونني‪ ،‬أما الثالث‬
‫فنخصصه لتطبيقات الدول والقضاء الدولي بشأن تلك العالقة‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫املبحث األول‬
‫نظرية ازدواج القانونني‬

‫إن م��ن ع��رض ل�ه��ذه النظرية وداف��ع عنها ه��م زع�م��اء م��درس��ة اإلرادة‬
‫املشتركة أو اجلماعية وعلى رأسهم الفقيه االملاني تريبل الذي عرض لألفكار‬
‫األساسية لهذه النظرية في كتابه الصادر ‪ 1899‬واملترجم إلى اللغة الفرنسية‬
‫سنة ‪ 1920‬وهو بعنوان ‪ Droit international et droit interne‬ومن أهم‬
‫أنصارها الفقيه اإليطالي أنزلوتي ‪.‬‬
‫ويرى أنصار هذه النظرية إن القانون الدولي والقانون الداخلي هما‬
‫نظامني قانونيني مستقلني ومنفصلني بعضهما عن اآلخر وال يوجد أي تداخل‬
‫أو ارتباط بينهما لألسباب التالية ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ اختالف مصادر القانون الداخلي عن مصادر القانون الدولي‬
‫فالقانون الدولي مصدره اإلرادة املشتركة للدول ذات السيادة والتي‬
‫يتم التعبير عنها أما صراحة في املعاهدات الشارعة أو ضمناً في العرف‬
‫الدولي املتبع بني هذه الدول في عالقاتها ‪ ،‬فالقانون الدولي هو قانون بني‬
‫الدول وضعته بإرادتهااملشتركة ‪ ،‬أما القانون الداخلي فهو يصدر عن اإلرادة‬
‫املنفردة للدولة والتي يتم التعبير عنها بالتشريع الذي يصدر داخل الدولة أو‬
‫عن طريق العرف املتبع داخل الدولة ‪.‬‬
‫وملا كان لكل قانون من القانونني مصادره اخلاصة به وحيث إن هذه‬
‫املصادر تختلف في طبيعتها ‪ ،‬فقد انعدمت أية صلة بني القانونني وأصبح كل‬
‫واحد منهما مستقال عن اآلخر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اخ��ت�لاف أش��خ��اص ال��ق��ان��ون ال��داخ��ل��ي ع��ن أش��خ��اص ال��ق��ان��ون‬
‫الدولي‬
‫فبينما تخاطب قواعد القانون الداخلي األفراد ( األشخاص الطبييعني)‬
‫واألش �خ��اص االع �ت �ب��اري�ين ‪ ،‬ف��إن ق��واع��د ال �ق��ان��ون ال��دول��ي ت�خ��اط��ب ال ��دول ‪،‬‬

‫‪90‬‬
‫واالش�خ��اص الدولية األخ��رى ‪ ،‬واخ�ت�لاف طبيعة أشخاص كل من القانونني‬
‫يؤدي إلى انعدام الصلة بينهما ويجعل كل واحد منهما مستقال عن اآلخر ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اختالف موضوع كل من القانونني‬
‫ فموضوع القانون الداخلي هو تنظيم عالقات األفراد بعضهم ببعض‪،‬‬
‫أو عالقاتهم مع الدولة ‪ ،‬بينما موضوع القانون الدولي هو تنظيم العالقات‬
‫بني الدول املستقلة في وقت السلم وفي وقت احلرب ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اختالف طبيعة البناء القانوني في كل منهما‬
‫إذ يشمل ال�ب�ن��اء ال�ق��ان��ون��ي ال��داخ�ل��ي وج��ود ث�لاث سلطات لكل منها‬
‫أختصاصها وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية‬
‫وهي تقوم بتشريع القانون وتنفيذه وتطبيقه ‪ ،‬أما البناء القانوني الدولي فال‬
‫جند فيه مثل هذه السلطات ‪ ،‬وإن وجد بعضها فإنه ال يعدو أن يكون بدائياً‪.‬‬
‫ويترتب على األخذ بنظرية ازدواج القانونني النتائج التالية (((‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ يستقل ك��ل م��ن القانونني ب�ق��واع��ده م��ن حيث امل��وض��وع وم��ن حيث‬
‫الشكل ‪ ،‬فمن حيث املوضوع ‪ ،‬فالدولة تنشىء القانون الدولي باتفاقها مع‬
‫غيرها من الدول ‪ ،‬وتنشىء القانون الداخلي بإرادتها املنفردة ‪ ،‬وعلى كل دولة‬
‫أن تراعي عند ممارستها لعملية إنشاء القانون الداخلي احترام ما التزمت به‬
‫دولياً ‪ ،‬فإن لم تفعل ذلك ‪ ،‬كأن تقوم بإصدار قانون يخالف التزاماتها الدولية‬
‫فال يترتب على ذلك بطالن القانون ‪ ،‬بل ينفذ القانون داخل الدولة ‪ ،‬وتتحمل‬
‫الدولة تبعة املسئولية الدولية ملخالفتها ما التزمت به دولياً ‪.‬‬
‫أما من حيث الشكل ‪ ،‬فالقواعد القانونية الدولية ال ميكن أن تكتسب‬
‫وص��ف اإلل��زام في دائ��رة القانون الداخلي إال إذا حتولت إل��ى قواعد قانونية‬
‫داخلية وفقاً لإلجراءات الشكلية املتبعة في اصدار القوانني الداخلية‪ ،‬وكذلك ال‬
‫ميكن أن تكتسب القوانني الداخلية قوة اإللزام الدولي إال إذا حتولت إلى قواعد‬
‫دولية‪ ،‬وفقاً لإلجراءات الشكلية املتبعة في اصدار القواعد القانونية الدولية ‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.28‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ 2‬ـ إن احملاكم الداخلية ال تطبق وال تفسر إال القانون الداخلي فقط‬
‫‪ ،‬وهي ال متلك تطبيق القانون الدولي أو تفسيره إال إذا حتولت قواعده إلى‬
‫قواعد قانونية داخلية ‪ ،‬فاحملاكم الوطنية ال متلك سلطة تطبيق املعاهدات‬
‫ال��دول�ي��ة أو تفسيرها إال إذا تضمنت أحكامها ق��وان�ين داخلية ‪ ،‬وك��ذل��ك ال‬
‫يستطيع القضاء الدولي تطبيق القوانني الداخلية أو تفسيرها إال إذا أكتسبت‬
‫وصف القواعد القانونية الدولية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ال ميكن قيام تنازع أو تعارض بني القانونني الختالف نطاق تطبيق‬
‫كل منهما ‪ ،‬وذل��ك ألن التنازع بني القوانني ال ميكن حصوله إال بني قانونني‬
‫يشتركان في نطاق تطبيق واح��د ‪ ،‬ف��إذا اختلف نطاق تطبيق كل منهما عن‬
‫نطاق تطبيق اآلخ��ر ‪ ،‬أمتنع وج��ود التنازع ‪ ،‬وحيث إن نطاق تطبيق القانون‬
‫الداخلي يختلف عن نطاق تطبيق القانون الدولي فال يتصور ـ طبقاً لنظرية‬
‫ازدواج القانونني ـ وجود تنازع بني االثنني ‪ ،‬ولكن هذا ال يعني فقدان كل عالقة‬
‫بني القانونني بل أن العالقة قد تنشأ بينهما باإلحالة أو باالستقبال ‪.‬‬
‫فقد يحيل أح��د القانونني على اآلخ��ر وم��ن أمثلة ذل��ك إحالة القانون‬
‫الدولي العام على القانون الداخلي ‪ ،‬كأن ينظم القانون الدولي العام املالحة‬
‫األجنبية في مياه الدولة اإلقليمية دون أن يحدد ما يعد أجنبيا من املراكب‬
‫وما يعد وطنياً منها ‪ ،‬فهو بذلك يحيل على قانون الدولة تعيني ما يعد من‬
‫املراكب تابعاً لها وما يعد أجنبيا عنها ‪ ،‬أو قد يحدد القانون الدولي حقوق‬
‫األجانب دون تعيينهم فهو بذلك يحيل على القانون الداخلي تعيني من يعد‬
‫وطنيا ُ ومن يعد أجنبياً ‪.‬‬
‫وق��د يحيل القانون الداخلي على القانون ال��دول��ي ك��أن يعفي القانون‬
‫الداخلي املمثلني الدبلوماسيني من الضرائب أو من اخلضوع للقوانني الداخلية‬
‫ويحيل على القانون الدولي بيان من يصدق عليه وصف املمثل الدبلوماسي‬
‫أستناداً إلى اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪. 1961‬‬
‫وقد تستقبل قواعد القانون الداخلي قواعد القانون الدولي وتدمجها‬
‫فيها بنص صريح ‪ ،‬فتكون عندئذ جزءاً منها كنص املادة ‪ 6‬من دستور الواليات‬
‫املتحدة األمريكية الذي يقضي بأن ( الدستور وجميع املعاهدات التي أبرمتها‬
‫أو تبرمها الواليات املتحدة تعد القانون األعلى للدولة ) ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫تقييم النظرية‬
‫الشك أن هذه النظرية تعد محاولة بارعة للتوفيق بني سيادة الدولة‬
‫وخضوعها في نفس الوقت للقانون الدولي ‪ ،‬والنظام القانوني الوضعي الذي‬
‫ال يزال يقوم على أساس مبدأ سيادة الدولة ال ميكنه إال أن يكرس النتيجة‬
‫األساسية للنظرية والتي تقول إن القاعدة الداخلية املخالفة للقانون الدولي‬
‫غير قابلة لإللغاء دولياً ‪ ،‬وهي ال ترتب سوى املسئولية الدولية للدولة ‪ ،‬فالواقع‬
‫أن القضاء الدولي ال يزال قضاء تعويض ولم يصبح بعد قضاء إلغاء((( ‪.‬‬
‫ولكن وجهت العديد من االنتقادات لهذه النظرية منها ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ إن ق��ول ه��ذه ال�ن�ظ��ري��ة ب��اخ�ت�لاف م �ص��ادر ك��ل م��ن ال�ق��ان��ون�ين غير‬
‫صحيح‪ ،‬فمصادر القانون الدولي ال تختلف عن مصادر القانون الداخلي بل‬
‫أن القانونني ـ الدولي والداخلي ـ يعتبران نتاجاً للحياة االجتماعية‪ ،‬واخلالف‬
‫بينهما يتحصل في الوسائل الفنية التي يعبر بها كل منهما عن تنظيم هذه‬
‫احلياة االجتماعية ((( ‪.‬‬
‫‪2‬ـ كما أن هذه النظرية تقول باختالف االشخاص املخاطبني بكل من‬
‫القانون الداخلي والقانون الدولي ولكن يصعب قبول ذلك ‪ ،‬حيث إن الدولة‬
‫ال وجود لها بدون األف��راد سواء كانوا حكاماً أو محكومني ‪ ،‬فالدولة ليست‬
‫إال شخصاً أعتبارياً ‪ ،‬ومن ثم فإن القانونني ال يخاطبان إال األفراد ‪ ،‬كما أن‬
‫القانون الدولي احلديث قد يخاطب األف��راد مباشرة في حاالت معينة ((( ‪،‬‬
‫وكذلك فإن كل من القانون اخلاص الداخلي والقانون العام الداخلي يخاطبان‬
‫أشخاصاً مختلفني حيث تخاطب قواعد األول األف��راد بينما تخاطب قواعد‬
‫الثاني الدولة ‪ ،‬ولكن لم يقل أحد بأنفصال أو أستقالل كل من القانونني عن‬
‫اآلخر ‪.‬‬

‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 42‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 33‬‬ ‫(( (‬
‫ورغم أن الفرد لم يصبح شخص من اشخاص القانون الدولي كأصل عام وإمنا في بعض‬ ‫((( ‬
‫احلاالت النادرة واحملدودة ‪ ،‬إال أن قسم من الفقهاء أعتبروا الفرد هو الشخص الوحيد‬
‫للقانون الدولي كانصار املذهب املوضوعي ـ راجع ص ‪ 8‬من هذا املؤلف ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ 3‬ـ أما فيما يتعلق باختالف طبيعة البناء القانوني لكل من النظامني‬
‫‪ ،‬فإن هذا االختالف ليس اختالفا أساسياً في الطبيعة واجلوهر ‪ ،‬وإمنا هو‬
‫اختالف عضوي شكلي يتعلق بدرجة تنظيم كل منهما يفسره حداثة القانون‬
‫الدولي وقدم القانون الداخلي ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫نظرية وحدة القانونني‬

‫على العكس من النظرية السابقة فإن هذه النظرية تقوم على أساس‬
‫أنه هناك ترابط وعالقة بني القانون الداخلي والقانون الدولي يصل أحياناً‬
‫إلى وحدة القانونني ‪ ،‬وتقوم هذه النظرية على فكرة تدرج القواعد القانونية‬
‫التي تقضي بخضوع القاعدة القانونية االدنى مرتبة في النظام القانوني إلى‬
‫القاعدة القانونية األعلى والتي تستمد قوتها منها‪ ،‬إلى أن نصل إلى القاعدة‬
‫األساسية العامة التي تعد إساس القانون كله والدليل على الوحدة القائمة بني‬
‫فروعه‪ ،‬ولكن هذه النظرية وجدت نفسها أمام موقف البحث عن املفاضلة بني‬
‫القانونني ‪ ،‬عندما يكون هناك تعارض أو خالف بني قواعد القانون الداخلي‬
‫وقواعد القانون الدولي ‪ ،‬ففي أي قانون تكمن القاعدة األساسية التي تسود‬
‫جميع القواعد األخرى وتكسبها قوتها االلزامية ‪.‬‬
‫فذهب فريق يتزعمه كوفمان إلى القول بان القاعدة األساسية العامة‬
‫التي تعتبر اساساً للقانون مثبته في القانون الداخلي ‪ ،‬بل مثبته في دستور‬
‫الدولة على وجه التحديد ‪ ،‬ذلك ان الدولة هي السلطة العليا التي ال توجد‬
‫سلطة فوقها ‪ ،‬وال��دس�ت��ور ه��و ال��ذي يبني م��ا للدولة م��ن حقوق ف��ي ممارسة‬
‫عملية إصدار القوانني الداخلية ‪ ،‬وهو الذي يحدد الشروط واإلجراءات التي‬
‫يجب استيفاؤها عند عقد املعاهدات الدولية ‪ ،‬ولذلك فإن األفضلية للقانون‬
‫الداخلي على القانون الدولي ‪ ،‬وإذا تعارض حكم داخلي مع حكم دولي كانت‬
‫األولوية للحكم القانوني الداخلي(((‪.‬‬
‫ولكن النقد الذي وجه إلى هذا الرأي أنه إذا أستطاع أن يفسر األساس‬
‫امللزم للمعاهدات الدولية بأعتبار أنها تستند في قوتها امللزمة إلى دستور‬
‫الدولة ‪ ،‬اال أنه ال يستطيع أن يفسر التزام الدولة بالقواعد القانونية الدولية‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة رات��ب و ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪.30‬‬

‫‪95‬‬
‫األخرى وخاصة القواعد العرفية ‪.‬‬
‫كذلك فإن القول باستناد املعاهدات الدولية إلى الدستور سيؤدي إلى‬
‫رب��ط ه��ذه امل�ع��اه��دات مب��ا يطرأ على الدستور م��ن تعديل أو إل�غ��اء وسيبقى‬
‫مصيرها مرتبط مبصير الدستور ف��إذا عدل الدستور عدلت هذه املعاهات‬
‫وإذا الغي الدستور انقضت هذه املعاهدات ‪ ،‬وهذا بخالف ما هو عليه واقع‬
‫العمل الدولي ‪.‬‬
‫كما أن اشتقاق القانون الدولي من القوانني الداخلية يؤدي إلى وجود‬
‫قوانني دولية بعدد ال��دول ‪ ،‬كما يعني أن الدولة متلك إلغاء القانون الدولي‬
‫بإرادتها املنفردة األمر الذي يتنافى مع الكيان املتميز للقانون املذكور وينفي‬
‫في حقيقة األمر وجوده ‪ ،‬لذلك فإن الفقه املعاصر قد هجر هذا الرأي نهائياً‬
‫بعد أن هجر مبدأ السيادة املطلقة للدولة الذي يقوم عليه ((( ‪.‬‬
‫ولذلك ذهب الفريق اآلخر وعلى رأسه كلسن وفردروس وديجي إلى أن‬
‫القاعدة األساسية العامة مثبته في القانون الدولي‪ ،‬وهذا يعني أن القانون‬
‫الدولي يعلو على القانون الداخلي ـ وهم يستندون في ذلك إلى أنه القانون‬
‫ال��ذي يعنى ببيان اجلماعات الدولية التي ينطبق عليها وصف ال��دول‪ ،‬وهو‬
‫يحدد لكل دولة ما لها من اختصاصات‪ ،‬والدولة عندما تقوم بأصدار القوانني‬
‫الداخلية فإنها تقوم بذلك بتفويض من القانون الدولي‪ ،‬وحسب هذا الرأي‬
‫ف��إن القانون الدولي يحتفظ مبكان ال�ص��دارة بني النظم القانونية األخ��رى‪،‬‬
‫وع�ل��ى ذل��ك إذا ت�ع��ارض حكم داخ�ل��ي م��ع حكم ق��ان��ون��ي دول��ي ك��ان��ت األول��وي��ة‬
‫لألخير ((( ‪.‬‬
‫وقد وجه إلى هذا الرأي عدة انتقادلت منها ‪ ،‬إن قول هذا الرأي بأن‬
‫القانون الدولي هو الذي يحدد اختصاصات الدول ال ميكن األخذ به ‪ ،‬كما أن‬
‫هذا الرأي ال ينسجم مع املنطق التاريخي ألنه يقول بتبعية القانون الداخلي‬
‫للقانون الدولي بحكم صدوره بطريق التفويض واالشتقاق ‪ ،‬وهذا غير صحيح‬

‫د ـ محمد حسني علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 85‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.30‬‬

‫‪96‬‬
‫لكون القانون الداخلي أسبق في الوجود من القانون الدولي الذي يعتبر حديث‬
‫النشأة ‪ ،‬فال ميكن أن يشتق القدمي من احلديث ‪.‬‬
‫كما أخ��ذ على ه��ذا ال��رأي ‪ ،‬جتاهلة ملا بني القانون ال��دول��ي والقانون‬
‫الداخلي من أوجه التميز واالختالف ‪ ،‬إذ يقول بوحدتهما وبأنتمائهما معاً إلى‬
‫قانون واحد متكامل ذى طبيعة واحدة ((( ‪.‬‬

‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 119‬وأنظر ال��رد على هذه‬ ‫((( ‬
‫االنتقادات املوجهة إلى هذا الرأي ‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫تطبيقات الدول والقضاء الدولي‬

‫إن العمل الدولي لم يثبت على مذهب واحد من املذهبني ‪ ،‬فهو ال يقر‬
‫بانفصال القانونني متاماً أحدهما عن اآلخر ‪ ،‬كما أنه ال يقر اشتقاق القانون‬
‫الداخلي عن القانون الدولي وتبعيته له ‪ ،‬لذلك سنحاول ان نوضح ما سارت‬
‫عليه الدول في هذا الشأن ‪ ،‬كذلك نوضح ما سار عليه القضاء الدولي ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ موقف ال��دول من العالقة بني القانون الداخلي والقانون‬
‫الدولي‬
‫إن القانون الداخلي لكل دول��ة يختص بوضع احللول املناسبة ملشكلة‬
‫العالقة بينه وبني القانون الدولي ‪ ،‬فهي قضية خاصة بكل دول��ة ‪ ،‬والدولة‬
‫هي التي حتدد كيفية إدماج القانون الدولي في القانون الداخلي كالتطبيق‬
‫التلقائي أو إتخاذ تدابير تشريعية أو تنفيذية ‪ ،‬وهي التي حتدد املكانة التي‬
‫يحتلها القانون الدولي أمام احملاكم الوطنية للدولة ‪.‬‬
‫ففي اجنلترا يسير القضاء االجنليزي على أن جميع قواعد القانون‬
‫الدولي العرفي املعترف بها أو التي ح��ازت موافقة اجنلترا تعتبر ج��ز ًء من‬
‫القانون االجنليزي ‪ ،‬أما املعاهدات الدولية فيجب أن يصدر تشريع من البرملان‬
‫يسمح بأن تكون جزء من القانون الداخلي ‪.‬‬
‫وفي الواليات املتحدة االمريكية فإن قواعد العرف الدولي تعتبر جز ًء‬
‫من القانون الداخلي ‪ ،‬فجميع القواعد العرفية التي اعتمدتها الواليات املتحدة‬
‫ملزمة للمحاكم االمريكية حتى وان تعارضت مع قوانني سابقة للكوجنرس‬
‫‪ ،‬أم��ا املعاهدات الدولية فتعتبر حسب الفقرة ‪ 2‬من امل��ادة ‪ 6‬من الدستور‬
‫االحتادي االمريكي مبثابة قانون أعلى للبالد مثل الدستور حيث جاء فيها (‬
‫الدستور وجميع املعاهدات التي ابرمتها أو التي تبرمها الواليات املتحدة تعد‬
‫القانون األعلى للدولة ) ‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫وفي فرنسا تقوم احملاكم الفرنسية بتطبيق قواعد العرف الدولي كجزء‬
‫من القانون الداخلي ‪ ،‬أما املعاهدات فبمقتضى نص املادة ‪ 55‬من الدستور‬
‫الفرنسي لسنة ‪ 1958‬فإن املعاهدات او االتفاقات املصدق أو املوافق عليها‬
‫بشكل صحيح تتغلب منذ نشرها على القوانني الفرنسية ‪.‬‬
‫وف��ي هولندا ف��إن ال�ق��ان��ون ال��دول��ي يسمو على جميع ق��واع��د القانون‬
‫الداخلي مبا في ذلك الدستور الهولندي ‪ ،‬فطبقاً للتعديل الدستوري الذي‬
‫أقر سنة ‪1963‬م ميكن للمعاهدة التي تعقدها هولندا أن تخالف الدستور‪،‬‬
‫وميتنع على احملاكم الهولندية أن تعلن عدم دستورية املعاهدة ‪.‬‬
‫وفي أملانيا وحسب املادة ‪ 25‬من دستور أملانيا االحتادية الصادر ‪1949‬م‬
‫تعتبر القواعد العامة للقانون الدولي جزءاً من القانون االحتادي ‪ ،‬وهي تسمو‬
‫على القوانني االحتادية وليس على الدستور األملاني وترتب لسكان االحتاد‬
‫حقوقاً والتزامات مباشرة ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ موقف القضاء ال��دول��ي من العالقة بني القانون الدولي‬
‫والقانون الداخلي ‪-:‬‬
‫ لقد أستقر القضاء ال��دول��ي على سمو القانون ال��دول��ي على قواعد‬
‫ال�ق��ان��ون ال��داخ�ل��ي ف��ي كثير م��ن القضايا ال�ت��ي ع��رض��ت عليه ‪ ،‬ففي قضية‬
‫االلباما(((‪ Alabama ،‬التي عرضت على محكمة حتكيم دولية منعقدة في‬
‫جنيف‪ ،‬أصدرت هذه احملكمة حكماً في ‪1872/9/14‬م أدانت فيه بريطانيا‬
‫والزمتها بالتعويض حلكومة ال��والي��ات املتحدة ‪ ،‬ول��م تأخذ احملكمة بالدفع‬
‫ال��ذي تقدمت ب��ه بريطانيا وه��و خلو ال�ق��ان��ون االجن�ل�ي��زي م��ن أي ن��ص مينع‬
‫الدولة احملايدة من السماح ملواطنيها بصنع السفن للدول املتحاربة ‪ ،‬وقررت‬
‫بأنه ليس سبباً إلعفاء بريطانيا من التزاماتها الدولية بضرورة اتباع قواعد‬

‫ثار هذا اخلالف بني بريطانيا والواليات املتحدة األمريكية في أثناء حرب االنفصال‬ ‫((( ‬
‫االمريكية فقد قامت السفينة البريطانية االلباما مبساعدة الواليات اجلنوبية التي‬
‫حاولت االنفصال عن الواليات الشمالية وقامت هذه السفينة بإغراق بعض السفن‬
‫للواليات االمريكية الشمالية ‪ ،‬كما أن بريطانيا كانت تبني السفن في موانئها وتزود‬
‫الواليات اجلنوبية بها ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫العرف الدولي اخلاص بواجبات الدول احملايدة ‪.‬‬
‫وف��ي قضية مونتيجو ((( ‪ Montijo‬التي عرضت على محكمة حتكيم‬
‫دولية ‪ ،‬أصدرت هذه احملكمة حكماً في ‪1875/7/26‬م أكدت فيه مسئولية‬
‫احلكومة الفيدرالية الكولومبية دولياً عن األعمال غير املشروعة للواليات‪،‬‬
‫ورف��ض الدفع ال��ذي تقدمت به احلكومة الفيدرالية باعتبار أن النقص هو‬
‫في الدستور الكولومبي ‪ ،‬واعتبرت أن النقص في الدستور ال يعفي الدولة‬
‫من مسئولية إص��دار القوانني التي يجب أن تكون مطابقة للمعاهدات ‪ ،‬ألن‬
‫املعاهدة فوق الدستور ‪.‬‬
‫كما أيدت محكمة التحكيم الدائمة في الهاي هذا االجتاه في حكمها‬
‫ال �ص��ادر ف��ي ‪1910/10/25‬م ف��ي ال �ن��زاع ب�ين ال��والي��ات امل�ت�ح��دة االمريكية‬
‫وفنزويال ‪ .‬وحكمها ال�ص��ادر في ‪1922/10/13‬م في ال�ن��زاع بني الواليات‬
‫املتحدة االمريكية والنرويج بخصوص شركة املالحة النرويجية حيث بينت ان‬
‫القانون الوطني ال يطبق إال إذا كان يتفق مع القانون الدولي ((( ‪.‬‬
‫ وفي حكم حملكمة العدل الدولية الدائمة صادر سنة ‪1932‬م بخصوص‬
‫معاملة بعض املواطنني البولونيني واألشخاص اآلخرين الذين هم من أصل‬
‫بولوني أو الذين يتكلمون لغة بولونية والذين يقيمون في أرض دانزج احلرة‪،‬‬
‫ذكرت احملكمة أن الدولة ال ميكنها أن حتتج بنصوص دستورها لكي تتخلص‬
‫م��ن االل�ت��زام��ات امل�ف��روض��ة عليها ف��ي مواجهة دول��ة أخ��رى مبقتضى قواعد‬
‫القانون الدولي أو املعاهدات السارية ((( ‪.‬‬

‫ثار هذا النزاع بني الواليات املتحدة االمريكية وكولومبيا وذلك عندما استولى ثوار‬ ‫((( ‬
‫كولومبيون على السفينة االمريكية مونتيجو في أقليم بناما في كولومبيا ‪ ،‬وقد طالبت‬
‫الواليات املتحدة احلكومة الفيدرالية بالتعويض ‪ ،‬ولكن احلكومة الفيدرالية رفضت دفع‬
‫التعويض بحجة أن الدستور مينع التدخل في شئون الواليات ‪ ،‬وإن املسئولية تقع على‬
‫عاتق والية بناما ‪.‬‬
‫للمزيد أنظر بحث د ـ محمد حافظ غامن ـ العالقة بني القانون الدولي والقانون الوطني‬ ‫((( ‬
‫ـ املجلة املصرية للقانون الدولي ـ العدد ‪ 8‬ـ سنة ‪ 1952‬ـ ص ‪. 57‬‬
‫د ـ عمر حسن عرس ـ مبادىء القانون الدولي العام املعاصر ـ مطبعة التويجي للتصوير‬ ‫((( ‬
‫=‬ ‫العلمي ـ القاهرة ـ ‪ 1992‬ـ ص ‪. 62‬‬

‫‪100‬‬
‫وأكدت محكمة العدل الدولية في كثير من أحكامها سمو القانون الدولي‬
‫‪ ،‬ومن بني تلك األحكام ما صدر في قضية املصائد بني بريطانيا والنرويج في‬
‫‪1951/11/18‬م ‪ ،‬وفي قضية نوتيبوم سنة ‪1955‬م ((( وغيرها‪.‬‬
‫ولقد دلت تطبيقات الدول على أنها حتاول دائماً التوفيق بني القانونني‬
‫وبذلك يندر أن يحصل تعارض أو تناقض بينهما ألن الدولة أو ال��دول هي‬
‫التي تقوم بتشريع القوانني الداخلية والتي تقوم بنفس الوقت باملوافقة على‬
‫ال ‪ ،‬إن القانون الدولي يثبت حقوق‬ ‫االل�ت��زام بقواعد القانون الدولي ‪ ،‬فمث ً‬
‫اإلنسان ضمن اإلعالن العاملي حلقوق اإلنسان لعام ‪ 1948‬وبعد ذلك يأتي دور‬
‫القوانني الداخلية لضمان هذه احلقوق في التشريعات الداخلية ‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫اختلفت اآلراء في هذا الصدد وانقسمت إلى قسمني‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬نظرية وحدة القانون ‪monisme‬‬

‫ وي��ذه��ب أص�ح��اب ه��ذه النظرية إل��ى أن ال�ق��ان��ون ال��دول��ى ال�ع��ام غير‬


‫منفصل ‪ inseparable‬ع��ن القانون ال��داخ�ل��ى‪ ،‬وه��و أم��ر يتمشى م��ع التصور‬
‫احلقيقى للقانون الذى يعد بنا ًء موحداً للمبادئ املنظمة للنشاط االجتماعى‬
‫في مجموعة ‪.‬‬
‫ تلك هى وجهة نظر فقهاء القانون الطبيعى التقليدى ‪ .‬فهذا القانون‬
‫يجد مصدره في طبيعة اإلنسان االجتماعية املعقولة‪ .‬ولذلك فهو ال ميكن أن‬
‫يختلف – سواء من حيث املكان أو الزمان‪.‬‬
‫ ويقترب العميد ديجى من وجهة نظر فقهاء القانون الطبيعى في هذا‬
‫الصدد إذ يعتبر القانون نتاج إحساس جمهور األفراد‪ ،‬وساء أكان التعبير عن‬
‫هذا اإلحساس في النظاق الوطنى أو النطاق الدولى‪ .‬فال يوجد غير شخص‬
‫واح��د للقانون على املستوى الداخلى واملستوى الدولى ‪ ،‬ذل��ك الشخص هو‬

‫= وأنظر مطبوعات احملكمة‬


‫‪C.P.J.I Serie A / B , No , 44 , P 24‬‬
‫((( لألطالع على هذه القضية وبعض القضايا األخرى أنظر د ـ صالح الدين أحمد حمدي‬
‫ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 365‬‬

‫‪101‬‬
‫الفرد الطبيعي ‪.Individu physique‬‬
‫وإذا يتماثل أشخاص القانون ‪ ،‬تتماثل احلاجات االجتماعية أيضا وكذا‬
‫احتياجات التضامن االجتماعى ‪ Solidarité sociale‬التى تؤدى بالضرورة إلى‬
‫قواعد من نفس الطبيعة ‪.‬‬
‫وقد اختلف فقهاء هذه النظرية فيما تكون له األولوية على اآلخر عند‬
‫التطبيق أهو القانون الدولى العام أم القانون الداخلي؟‬
‫فذهب فريق إلى أن القانون الداخلى يعلو على القانون الدولى ‪ ،‬إذ أن‬
‫الثاني ينبع من األول فالقانون الداخلى هو الذي يحد – في الدستور – من‬
‫الذي يبرم املعاهدات باسم الدولة‪.‬‬
‫ال عن ذلك‪ ،‬فإن املجتمع الدولى– في نظر هذا الفريق – ال يوجد‬ ‫وفض ً‬
‫به سلطة عليا فوق الدول تفرض عليها اإللتزامات الدولية وبذلك ظلت الدول‬
‫ح��رة ف��ي حتديد اإلل�ت��زام��ات وط��ري�ق��ة وب��ذل��ك ظلت ال��دول ح��رة ف��ي حتديد‬
‫اإللتزامات وطريقة تنفيذها ‪.‬‬
‫وقد وجهت انتقادات إلى آراء هذا الفريق من العلماء‪ ،‬إذ قيل بأنهم‬
‫اعتمدوا فقط على اإللتزامات الدولية الناجمة عن املعاهدات التى أسندوا‬
‫صفتها اإللزامية إلى الدستور‪ ،‬وفاتهم أنه توجد التزامات دولية أخري ليست‬
‫ناجمة عن املعاهدات وإمنا عن العرف الدولى‪.‬‬
‫وذهب فريق ثان من العلماء إلى أن القانون الداخلى هو الذى ينبع من‬
‫القانون الدولى‪ ،‬إذ أن النظام القانونى الداخلى يجب أن يتمشى مع املبادئ‬
‫واملفاهيم املستقرة في القانون الدولى‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬نظرية اإلزدواج ‪Dualisme‬‬

‫ويذهب أصحاب هذه النظرية إلى أن القانون الدولى والقانون الداخلى‬


‫نظامان مستقالن عن بعضهما استقالال تاماً‪ ،‬إذ أنهما يختلفان عن بعضهما‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫من حيث أشخاصهما ‪ :‬فالفرد هو شخص القانون الداخلى‪ ،‬بينما أن‬

‫‪102‬‬
‫الدولة هى شخص القانون الدولى‪.‬‬
‫من حيث مصدرهما ‪ :‬فمصدر القانون في نظر أصحاب هذه النظرية‬
‫ه��و اإلرادة ‪ ،‬ولكن ه��ذه اإلرادة ليست واح��دة ‪ ،‬إذ أنها إرادة ال��دول��ة فقط‬
‫بالنسبة للقانون الداخلى ‪ ،‬واإلرادة اجلماعية ‪ volonté collective‬للدولة‬
‫بالنسبة للقانون الدولى‪.‬‬
‫من حيث طبيعة ال��رواب��ط التى تنظمها القواعد القانونية ‪ ،‬إذ يوجد‬
‫نطاقات متوازيان للقانون وال ميكن أن يلتقيا إذ ينظمان رواب��ط اجتماعية‬
‫مختلفة متاما اإلختالف ‪ ،‬بحيث تعتبر كل منهما غريبة عن األخرى وال ميكن‬
‫أن ينشأ نزاع بينهما‪.‬‬
‫واحلقيقة أن دراسة القانون الدولى العام توضح لنا وجود قواعد قانونية‬
‫مختلفة اختالفاً شديداً عن قواعد القانون الداخلى‪ .‬فالقانون الدولى العام‬
‫يختلف عن القانون الداخلى من ناحية الغرض ‪ but‬والشكل ‪ forme‬واجلزاء‬
‫‪Sanction‬‬

‫(‪ )1‬الغرض ‪:but‬‬


‫ فالغرض الذى تسعى إليه قواعد القانون الدولى العام مختلف عن‬
‫ذلك الذي تسعى إلى قواعد القانون الداخلى‪ ،‬وذلك نتيجة الختالف أشخاص‬
‫القانون في احلالتني ‪ .‬فالقانون الداخلى ‪ ،‬وذلك نتيجة الختالف أشخاص‬
‫القانون في احلالتني ‪ .‬فالقانون الداخلى‪ ،‬يستهدف مصلحة الفرد واجلماعة‬
‫الداخلية ‪ ،‬أم��ا القانون ال��دول��ى فهو ينظم ع�لاق��ات ب�ين ال��دول واألش�خ��اص‬
‫الدوليني اآلخرين‪.‬‬
‫(‪ )2‬الشكل ‪: Forme‬‬
‫ ويختلف القانون الدولى العام عن القانون الداخلى من حيث الشكل‬
‫ال��ذى تتخذه ق��واع��د املكتوبة ‪ .‬فبينما ي��وج��د تشريع م��وح��د يضعه املشرع‬
‫الداخلي‪ ،‬إذا بالقانون الدولى يأخذ شكل اإلتفاقيات التى تضعها الدول‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫(‪ )3‬اجلـزاء ‪: Sanction‬‬
‫فهو كامل وتام في القانون الداخلى ‪ ،‬وناقص ومشكوك فيه أحياناً من‬
‫جانب البعض في القانون الدولى العام‪.‬‬
‫ولكن مع تسليمنا بإزدواج القانونني ‪ ،‬إال أننا ال ميكن أن نذهب إلى ما‬
‫ذهب إليه أصحاب نظرية اإلزدواج من أنه ال توجد أى نقاط لإلتصال بني‬
‫القانونني إذ أنهما ليسا منفصلني عن بعضهما بحاجز ال ميكن تخطيه فاملجتمع‬
‫الداخلى واملجتمع الدولى متداخالن ‪ ،‬ومن أجل ذلك تتداخل قواعدهما ‪.‬‬
‫موقف القضاء من هذه النظريات ‪:‬‬
‫وال�ق�ض��اء ف��ي مجموعة يشايع نظرية اإلزدواج إذ يعتبر أن النشاط‬
‫القانونى الدولى يختلف عن نشاط الدولى الداخلى ‪ ،‬ولقد أش��ار إلى ذلك‬
‫حكم جلنة التحكيم الفرنسية األمريكية في قضية ‪ Joseph Camy‬في ‪21‬‬
‫إبريل ‪ 1882‬عندما قال ‪(:‬أن احملاكم الدولية انشئت أن الدعاوى التى تطرح‬
‫عليها ذات طبيعة حتول دون إمكان عرضها على محاكم أخرى) ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‬
‫ويبدو أن محكمة العدل تسير في نفس اإلجتاه‪ ،‬ففى حكمها الصادر في‬
‫‪ 18‬ديسمبر ‪ 1951‬في قضية املصايد ذهبت إلى أن “ حجية حتديد البحر‬
‫اإلقليمي بالنسبة للغير “إمنا نتبع من القانون الدولى العام”‬
‫ وفي حكمها الصادر في ‪ 27‬أغسطس ‪ 1952‬فيما يتعلق مبواطنى‬
‫الواليات املتحدة في املغرب ‪ ،‬أعلنت أن القوانني الصادرة مبراسيم في املغرب‬
‫سنة ‪ 1948‬تتعارض مع القانون اإلتفاقى ‪ Droit Conventionnel‬السابق‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ وفي حكمها الصادر في ‪ 28‬نوفمبر سنة ‪ 1958‬في النزاع الهولندى‬
‫السويدى‪ ،‬أعلنت أن التشريع الوطنى للسويد لم يخالف اإلتفاق الدولى لسنة‬
‫‪ 1902‬اخلاص بالوصاية على القصر‪.‬‬
‫ وهكذا يتضح من اجتاه محاكم التحكيم ومحكمة العدل الدولى الدائمة‬

‫‪104‬‬
‫قبل احل��رب العاملية الثانية‪ ،‬ثم محكمة العدل الدولية بعد تلك احل��رب‪ ،‬أن‬
‫القضاء الدولى يقر قاعدة علو القانون الدولى على القانون الداخلى وأولويته‬
‫في التطبيق‪.‬‬
‫ هذا وال توجد أحكام تذهب املذهب املضاد إال فيما ندر ‪ ،‬وفي حاالت‬
‫قليلة جداً ليست ذات أهمية تذكر(((‪.‬‬
‫وق��د دعمت محكمة ال�ع��دل الدائمة ه��ذا اإلجت��اه ف��ي رأي�ه��ا اإلفتائي‬
‫ال �ص��ادر ف��ي ‪ 4‬ف�ب��راي��ر س�ن��ة ‪ 1931‬امل�ت�ع�ل��ق مب�ع��ام�ل��ة امل��واط �ن�ين البولونيني‬
‫واألشخاص اآلخرين ‪ .‬الذين هم من أصل أو من لغة بولنية في إقليم دانتزيج‬
‫‪ Dantzig‬إذ أسفر تطبيق دستور دانتزيج عن انتهاك التزام دول��ى للمدينة‬
‫احلرة في مواجهة بولونيا ‪ .‬وذهبت احملكمة إلى أن الدولة ال ميكنها أن تستند‬
‫إلى دستورها في مواجهة دولة أخرى لكى تتحلل من اإللتزامات التى يفرضها‬
‫عليها القانون الدولى أو املعاهدات السارية‬
‫ وقد كان رأي الفقه واملعاهد العلمية متمشياً مع رأي هذه احملكمة ‪.‬‬
‫اخلالصة ‪ :‬تلك هى النظريات املختلفة فيما يتعلق بتحديد العالقة بني‬
‫القانون الدولى العام والقانون الداخلى ‪.‬‬
‫ وال شك أن نظرية اإلزدواج مع التداخل واالتصال هى النظرية املرجحة‬
‫عملياً ‪ .‬إذ ال يوجد انفصال تام بني القانونني الدولى والداخلى ‪ ،‬وبل يتصل‬
‫كل منهما باآلخر ويتداخل معه كما سبق اإلي�ض��اح مع تقرير على القانون‬
‫الدولى أمر تستوجبه احلياة الدولية املعاصرة بصفة خاصة‪ .‬إذ أن املجتمع‬
‫الدولى لن تستقم أموه لو أعلينا القانون الداخلى على القانون الدولى‪.‬‬
‫ ومن أجل ذلك وجب التسليم بعلو القانون الدولى العام على قانون‬
‫الدولة الداخلى ‪ ،‬حتى تتشمي مع اإللتزامات الدولية وتستجيب لها‪.‬‬
‫ وي��ه��م��ن��ا ب��ص��ف��ة خ ��اص ��ة ت� �ق ��ري ��ر ال��ل��ج��ن��ة اخل� � ��اص ب��اإلن��ت��ه��اك��ات‬
‫اإلس��رائ �ي �ل �ي��ة ف��ي ‪ 17‬دي �س �م �ب��ر ‪1976‬م إذ ت �ع �ت��رض حل �س��م ال �ع�لاق��ة بني‬
‫القانون الدولى والقانون الداخلى ‪ ،‬فقد ورد في ذلك التقرير قول اللجنة‬

‫لدي‪Moore‬‬ ‫كقضيتى ‪ Van Bekkelen, Ruty‬املذكورتان‬ ‫((( ‬

‫‪105‬‬
‫تابعت اللجنة اخلاصة عن كثب الطريقة التى يجري بها تنفيذ سياسة الضم‬
‫واإلستيطان ‪ ،‬والحظت أن حكومة اسرائيل تلجأ إل��ى أسباب تتعلق باألمن‬
‫لتبرير ما تتخذه من تدابير للسير قدماً بهذه السياسة ومن هذه التدابير ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫طرد األشخاص من األراضي احملتلة مبوجب ما يسمى بأوامر اإلبعاد‪.‬‬
‫نقل عدة آالف من األشخاص من ديارهم إلى أجزاء أخرى في األراضى‬
‫احملتلة‪.‬‬
‫مصادرة املمتلكات مبا فيها ممتلكات األشخاص املنقولني من ديارهم‪.‬‬
‫إن�ش��اء مستوطنات اسرائيلية ف��ي األراض ��ي احملتلة ‪ ،‬ون�ق��ل مواطنني‬
‫اسرائيليني إلى هذه املستوطنات‪.‬‬
‫هدم املنازل‬
‫االعتقال اإلدارى وخاصة اعتقال الزعماء احملليني‪.‬‬
‫حرمان األشخاص الذين هربوا من األراضي احملتلة ‪ ،‬بسبب حرب يونيو‬
‫‪ 1967‬واألشخاص املبعدين أو املطرودين على النحو آخر من حق العودة ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫نطاق القانون الدولي العام‬

‫من األم��ور التاريخية املعروفة إن القانون الدولي نشأ في األصل بني‬


‫ال��دول املسيحية القدمية ف��ي غربي أورب��ا ‪ ،‬وإن نطاق تطبيق أحكامه كان‬
‫قاصراً عليها فترة طويلة من الزمن دون أن يتعداها إلى غيرها من الدول ‪،‬‬
‫ولهذا تعتبر هذه الدول مبثابة األعضاء األصليني للجماعة الدولية ‪ ،‬وكلما‬
‫كانت تنشأ دولة مسيحية جديدة في القارة األوربية كانت تعتبر أثر نشوئها‬
‫من األعضاء اجل��دد في اجلماعة الدولية ‪ ،‬لذلك أخذ القانون الدولي منذ‬
‫نشأته طابع إقليمي طائفي ‪ ،‬وهو لم يزل إلى اآلن يعتبر وليد احلضارة الغربية‬
‫املسيحية ‪ ،‬وال ريب أن من األسباب التي يسرت ذلك هو أن العالقات بني دول‬
‫أوربا املسيحية والدول اإلسالمية كانت عالقات عداء متبادل استمرت فترة‬
‫طويلة من الزمن ‪ ،‬كما أن العالقات بني الدول األوربية املسيحية والدول التي‬
‫تدين بالبوذية كانت مفقودة متاماً ‪ ،‬مما ساعد كثيراً على أن يظل املجتمع‬
‫األورب��ي املسيحي مجتمعاً مغلقاً ‪ ،‬وال يسمح ألي��ة دول��ة خ��ارج��ة ع��ن نطاقه‬
‫أن تنظم لعضوية اجلماعة التي أنشاها ‪ ،‬وبالتالي ال يسمح لها بأن حتكم‬
‫عالقاته معها قواعد القانون الدولي املسيحي ‪ ،‬إال أن تزايد مصالح الدول‬
‫األوربية نتيجة ازدياد املواصالت وتيسير استعمال أدواتها أدى إلى أن تدخل‬
‫في عالقات مع الدول غير األوربية ((( ‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.38‬‬

‫‪107‬‬
‫وسنقسم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث ‪ ،‬نبحث في األول القواعد الدولية‬
‫العاملية ‪ ،‬وفي الثاني القواعد القارية ‪ ،‬وفي الثالث القواعد اإلقليمية‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫املبحث األول‬
‫القواعد الدولية العاملية‬

‫لقد أخ��ذ ن�ط��اق ال�ق��ان��ون ال��دول��ي يتسع بعد نشأته شيئاً فشيئاً نحو‬
‫العاملية ‪ ،‬فبعد أن شمل جميع دول القارة األوربية أمتد سلطانه إلى الواليات‬
‫املتحدة األمريكية في نهاية القرن الثامن عشر ‪ ،‬وفي سنة ‪ 1856‬قررت الدول‬
‫األوربية املسيحية اخلمس الكبرى انذاك (فرنسا والنمسا وبريطانيا العظمى‬
‫وبروسيا وروس�ي��ا) قبول تركيا في اجلماعة الدولية وق��د مت ذل��ك مبقتضى‬
‫امل��ادة ‪ 7‬من معاهدة صلح باريس التي نصت على قبول تركيا في عضوية‬
‫اجلماعة ال��دول�ي��ة‪ ،‬ث��م انضمت إل��ى اجلماعة ال��دول�ي��ة بعد ذل��ك دول أخ��رى‬
‫كاليابان وسيام (تايالند) حالياً والصني وإيران واحلبشة (اثيوبيا) حالياً ‪....‬‬
‫الخ ‪ ،‬وبعد احلرب العاملية األولى انضمت دول أخرى إلى اجلماعة الدولية‬
‫وخاصة عندما أنشئت عصبة األمم وضمت إليها كأعضاء ع��دداً كبيراً من‬
‫الدول اآلسيوية واألفريقية‪.‬‬
‫وبعد انتهاء احلرب العاملية الثانية ساهمت في وضع ميثاق األمم املتحدة‬
‫جميع ال��دول اإلسالمية والعربية واألفريقية واآلسيوية التي كانت قد أعلنت‬
‫احلرب على دول احملور إلى جانب (األمم املتحدة) ‪ ،‬فأصبحت بذلك كالدول‬
‫األوربية واألمريكية من األعضاء املؤسسني للمنظمة اجلديدة ‪ ،‬ثم أنضم إلى‬
‫هذه املنظمة بعد ذلك العديد من الدول اآلسيوية واألفريقية التي نالت استقاللها‬
‫خالل السنوات األخيرة ((( حتى وصل عددها حاليا إلى ما يقارب ‪ 202‬دولة ‪.‬‬
‫مما سبق يتضح إن نطاق القانون الدولي العام لم يعد اليوم قاصراً على‬
‫الدول املسيحية ‪ ،‬وإمنا يشمل جميع دول العالم بغض النظر عن أي اعتبار‬
‫ديني أو جغرافي ‪ ،‬لقد أصبح القانون الدولي العام في الوقت احلاضر بال‬
‫شك قانوناً عاملياً يحكم اجلماعة الدولية بأكملها وبكل ما تشتمل عليه من‬
‫دول ومنظمات دولية أو أشخاص دولية أخرى في أي بقعة كانت في العالم ‪.‬‬

‫د حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.40‬‬ ‫((( ‬

‫‪109‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫القواعد القاري ـ ـ ــة‬

‫وبجانب القواعد الدولية العاملية توجد قواعد أخرى قارية التطبيق أي‬
‫أنها تطبق على العالقات التي تقوم بني أعضاء اجلماعة الدولية في القارة‬
‫الواحدة ‪ ،‬والقواعد القارية هذه وجدت نتيجة الختالف الظروف في كل قارة‬
‫فإذا ما دعت ظروف خاصة في قارة من القارات إلى وجود قاعدة تنظم نوعاً‬
‫من القواعد اخلاصة بها تكونت ه��ذه القاعدة فيها وأعتبرت من القواعد‬
‫اخلاصة بها دون غيرها من القارات ((( ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فهناك القواعد الدولية االوربية ‪ ،‬وهي ترمي إلى‬
‫حتقيق املصالح االوربية ‪ ،‬كنظام احلياد االوربي الذي ظهر منذ مؤمتر فيينا‬
‫لسنة ‪ 1815‬إلع��ادة النظر في العالقات الدولية وإع��ادة التوازن بني الدول‬
‫األوربية ووضع سويسرا في نظام حياد دائم ‪ ،‬أو نظم احلماية واالنتداب التي‬
‫قصد بها إضفاء الصفة الشرعية على األستعمار االوربي ‪.‬‬
‫وه�ن��اك القواعد األمريكية التي تهدف إل��ى احملافظة على استقالل‬
‫ال��دول االمريكية ومنع ال��دول األوربية من التدخل في شؤونها وتستند هذه‬
‫القواعد إلى التصريح الذي أصدره في هذا الشأن الرئيس األمريكي جيمس‬
‫مونرو سنة ‪ 1823‬الذي جاء فيه أن (أمريكا لألمريكيني) ‪.‬‬
‫كذلك هناك قواعد دولية آسيوية وأفريقية وهي ما فرض على هذه‬
‫الدول من استعمار من قبل الدول األوربية والتي عانت من سيطرته طوي ً‬
‫ال ‪،‬‬
‫مثل مبدأ تقرير املصير للشعوب ‪ ،‬ومبدأ النضال ضد االستعمار ((( ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 73‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ صالح الدين حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.80‬‬ ‫((( ‬

‫‪110‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫القواعــد اإلقليمية‬

‫وبجانب القواعد القارية وج��دت قواعد إقليمية تنظم العالقات بني‬


‫مجموعة من الدول التي ترتبط بروابط معينة ترجع للظروف اجلغرافية أو‬
‫السياسية أو التاريخية أو االقتصادية ‪ ،‬ويتجه القانون الدولي في الوقت‬
‫احلاضر إلى إفساح املجال بصورة متزايدة إلى القواعد اإلقليمية ‪ ،‬فميثاق‬
‫األمم املتحدة قد حتدث عن املنظمات اإلقليمية من أجل حل املنازعات التي‬
‫تقوم بني دولها بالطرق السلمية ومعاونة مجلس األمن في احلفاظ على السلم‬
‫واألمن الدولي‪ ،‬واألمثلة على القواعد اإلقليمية كثيرة مثل جامعة الدول العربية‬
‫سنة ‪ ،1945‬منظمة االحتاد االورب��ي سنة ‪ ،1948‬منظمة الوحدة األفريقية‬
‫سنة‪ ،1963‬ويجب أن تكون القواعد القارية والقواعد اإلقليمية منسجمة‬
‫مع القواعد الدولية العاملية‪ ،‬وال ميكن أن تناقضها بشكل من اإلشكال ال في‬
‫أحكامها وال في تفسيرها ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الباب الثاني‬
‫مصادر القانون الدولي‬

‫يسود الفقه الدولي أجتاهان مختلفان فيما يتعلق بفكرة حتديد مصادر‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬االجتاه األول الذي تزعمه أنزلوتي وهو من املدرسة الوضعية‬
‫والذي يرى بأن اتفاق إرادات الدول هو الذي يشكل املصدر الوحيد للقانون‬
‫ال��دول��ي‪ ،‬حيث يظهر ه��ذا االت�ف��اق أم��ا بشكل صريح كما ف��ي امل�ع��اه��دات أو‬
‫بشكل ضمني كما في العرف الدولي‪ ،‬أما االجتاه الثاني والذي يتزعمه جورج‬
‫سل وش��ارل دي فيشر فيرى ب��أن مصادر القانون ال��دول��ي قد تكون مصادر‬
‫منشئة وه��ي امل �ص��ادر احلقيقية للقانون ك��ال��رأى ال�ع��ام والضمير اجلماعي‬
‫والتضامن االجتماعي وقد تكون مصادر شكلية وهي املعاهدات والعرف‪ ،‬وهي‬
‫ال تخلق القواعد القانونية وإمنا تقتصر وظيفتها على تقريرها والتحقق من‬
‫وجودها (((‪.‬‬
‫وفي احلقيقة فإن املصادر الشكلية هي وحدها لها القيمة الفعلية في‬
‫التطبيق ‪ ،‬وقد حتددت املصادر الشكلية أو الرسمية في نصني ‪ ،‬النص األول‬
‫هو نص املادة ‪ 7‬من اتفاقية الهاي الثانية عشرة لسنة ‪ 1907‬اخلاصة بإنشاء‬
‫محكمة الغنائم الدولية حيث نصت على أن احملكمة ستطبق على النزاعات‬
‫املعروضة عليها (ما يكون قائماً من نصوص اتفاقية فإن لم جتد مثل هذه‬
‫النصوص فإنها تطبق القانون الدولي‪ ،‬فإن لم جتد احملكمة قواعد معترف بها‬
‫بشكل عام فإنها تقضي وفقاً ملبادىء القانون العامة ومبادىء العدالة)‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 78‬‬ ‫(( (‬

‫‪113‬‬
‫أما النص الثاني فهو نص املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل‬
‫الدولية الدائمة التي تأسست في زم��ن عصبة األمم ‪ ،‬وق��د تبنت أحكامها‬
‫بالكامل املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية‪ ،‬لذلك فإن أكثر‬
‫الفقهاء يعتمدون على تفسير نص املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل‬
‫الدولية لتحديد مصادر القانون الدولي‪ ،‬وهذه املادة تنص على ما يأتي‪:‬‬
‫ « ‪1‬ـ وظيفة احملكمة أن تفصل في املنازعات الني ترفع إليها وفقاً‬
‫ألحكام القانون الدولي ‪ ،‬وهي تطبق في هذا الشأن ‪ :‬ـ‬
‫أ ـ االتفاقيات الدولية العامة واخلاصة التي تضع قواعد معترف بها‬
‫صراحة من جانب الدول املتنازعة ‪.‬‬
‫ب ـ العرف الدولي املقبول مبثابة قانون دل عليه تواتر االستعمال ‪.‬‬
‫ج ـ مباديء القانون العامة التي أقرتها األمم املتمدينة ‪.‬‬
‫د ـ أحكام احملاكم ومذاهب كبار املؤلفني في القانون العام من مختلف‬
‫األمم ‪ ،‬ويعتبر هذا وذاك مصدراً احتياطياً لقواعد القانون وذلك مع مراعاة‬
‫أحكام املادة ‪.((( 59‬‬
‫‪ 2‬ـ ال يترتب على النص املتقدم ذكره أي إخالل مبا للمحكمة من سلطة‬
‫الفصل في القضية وفقاً ملباديء العدل واإلنصاف متى وافق أطراف الدعوى‬
‫على ذلك»‪.‬‬
‫فمصادر القانون الدولي وفقاً لنص املادة ‪ 38‬تنقسم إلى قسمني‪:‬‬
‫أوال ـ املصادر األصلية‪ ،‬وهي تشمل املعاهدات والعرف الدولي ومباديء‬‫ً‬
‫القانون العامة ‪ .‬وهذه املصادر املباشرة إلنشاء القواعد القانونية الدولية ‪.‬‬
‫ث��ان��ي�� ًا ـ امل��ص��ادر امل��س��اع��دة ‪ ،‬وت�ش�م��ل أح �ك��ام احمل��اك��م وآراء الفقهاء‬
‫ومباديء العدالة واإلنصاف ‪ .‬وهذه املصادر ال تنشىء قواعد قانونية دولية‬
‫ولكن يستعان بها للداللة على وجود القانون الدولي ومدى تطبيقها ‪ ،‬وسنقوم‬

‫وتنص املادة ‪ 59‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية على‪(:‬ال يكون للحكم قوة‬ ‫((( ‬
‫اإللزام إال بالنسبة ملن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه ) ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫بدراسة املصادر األصلية واملساعدة بالترتيب الوارد في املادة ‪ 38‬من النظام‬
‫األساسي حملكمة العدل الدولية ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس سنقوم بتقسيم هذا الباب إلى خمسة فصول نبحث‬
‫في األول املعاهدات الدولية وفي الثاني نبحث في العرف الدولي وفي الثالث‬
‫مبادىء القانون العامة وفي الرابع نبحث املصادر املساعدة أو االستداللية‬
‫وتشمل أحكام احملاكم الدولية والفقة الدولي ومبادىء العدالة واألنصاف ‪،‬‬
‫وفي اخلامس نبحث قرارات املنظمات الدولية ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫الفصل األول‬
‫(((‬
‫املعاهــدات الدولية‬

‫ ل��دراس��ة امل�ع��اه��دات ال��دول�ي��ة سنقوم بتقسيم ه��ذا الفصل إل��ى ستة‬


‫مباحث نبني في األول تعريف املعاهدة الدولية وأنواعها وفي املبحث الثاني‬
‫سنبحث إب��رام املعاهدة الدولية وف��ي املبحث الثالث تنفيذ املعاهدات وفي‬
‫الرابع نبحث تفسير املعاهدات وتعديلها وفي اخلامس نبحث آثار املعاهدات‬
‫وفي السادس نبحث إبطال املعاهدات وإنهاؤها وإيقاف العمل بها ‪.‬‬

‫للمزيد راجع مؤلفنا ـ املعاهدات الدولية في ظل أحكام اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‬ ‫(( (‬
‫لسنة ‪. 1969‬‬

‫‪117‬‬
‫املبحث األول‬
‫تعريف وتصنيف املعاهدات الدولية‬

‫ سنقسم ه��ذا املبحث إل��ى مطلبني نبني ف��ي األول تعريف املعاهدة‬
‫الدولية وفي الثاني نبني أنواع املعاهدات ‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫تعريف املعاهدة الدولية‬

‫نصت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪1969‬م فقد عرفت املعاهدة‬
‫في امل��ادة الثانية بأنها‪«:‬املعاهدة تعني اتفاق دولي يعقد بني دولتني أو أكثر‬
‫كتابة ويخضع للقانون الدولي س��واء مت في وثيقة واح��دة أو أكثر وأي�اً كانت‬
‫التسمية التي تطلق عليه» ومن هذا التعريف يظهر إن اتفاقية فيينا قد أخذت‬
‫بالتعريف القدمي الذي سار عليه الفقهاء بتعريف املعاهدة ‪ ،‬حيث إنها تعقد‬
‫بني الدول فقط دون األشخاص الدولية األخرى ‪ ،‬باعتبار ان الدول هي التي‬
‫كانت وحدها من أشخاص القانون الدولي ‪.‬‬
‫ولكن املادة الثالثة من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات نصت على أنه‪«:‬إن‬
‫ع��دم سريان ه��ذه االتفاقية على االتفاقيات الدولية التي تعقد بني ال��دول‬
‫وبني أشخاص القانون الدولي األخ��رى وعلى االتفاقات التي تعقد بني هذه‬
‫ال مكتوباً لن يؤثر‪:‬‬
‫األشخاص األخرى أو على االتفاقات التي ال تتخذ شك ً‬
‫أ ـ على القوة القانونية لتلك االتفاقات ‪.‬‬
‫ب ـ في امكانية تطبيق أي من القواعد التي تضمنتها االتفاقية احلالية‬
‫على تلك االتفاقات باعتبارها من قواعد القانون الدولي بغض النظر عن هذه‬
‫االتفاقية ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ج ـ في تطبيق االتفاقية بالنسبة لالتفاقات املعقودة بني الدول وأشخاص‬
‫القانون الدول األخرى»‪.‬‬
‫فاملعاهدات ال��دول�ي��ة ه��ي املظهر الرسمي اللتقاء إرادات األشخاص‬
‫الدولية السيما ال��دول‪ ،‬وقد أعتبرها فقهاء القانون لفترة طويلة من الزمن‬
‫مبثابة عقود س��واء ك��ان األم��ر يتعلق مب�ع��اه��دات ثنائية أو ات�ف��اق��ات متعددة‬
‫األطراف ‪ ،‬ولذلك أختلف الفقه في تعاريفها وتسمياتها ((( ‪.‬‬
‫وميكن تعريف املعاهدة بأنها اتفاق مكتوب بني شخصني أو أكثر من‬
‫أشخاص القانون الدولي العام يهدف إلى ترتيب آثار قانونية معينة وأي كانت‬
‫تسميته ‪.‬‬
‫ومبا أن املعاهدة اتفاق بني أشخاص القانون الدولي ‪ ،‬فإن االتفاقات‬
‫التي حتدث بني القبائل أو بني الدولة وشخص أجنبي سواء كان طبيعياً أو‬
‫معنوياً أو عقود الزواج التي تعقد بني األسر املالكة ال تعتبر معاهدات دولية‬
‫ألن موقعيها ليسوا من األشخاص الدولية‪.‬‬
‫ولكن تعتبر معاهدات دولية ‪ ،‬االتفاقات التي تتم بني دولة الفاتيكان‬
‫وإحدى الدول الكاثوليكية والتي تسمى كونكوردا ‪ Concordats‬وكذلك التي‬
‫تعقد بني منظمة دولية وإحدى الدول أو بني منظمتني دوليتني‪.‬‬
‫تعدد التسميات‬
‫يستعمل الفقه ع��دة تسميات ك�م��رادف لتعبير معاهدة مثل اتفاقية‪،‬‬
‫اتفاق‪ ،‬التصريح املشترك‪ ،‬البروتوكول‪ ،‬عهد‪ ،‬ميثاق‪ ،‬نظام ‪ ،‬وقد حاول البعض‬
‫أن يعطي لكل من هذه االصطالحات معنى يخالف االصطالح اآلخر‪ ،‬ورغم‬

‫أنظر د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 119‬‬ ‫((( ‬
‫فعرفها أوبنهامي ( بأنها كل اتفاق ذي صفة تعاقدية بني دولتني أو منظمتني دوليتني من شأنه‬
‫إنشاء حقوق والتزامات بني الفرقاء املعنيني ) ‪ .‬راجع‬
‫‪Oppenhiem ( Louterpach) , International Law , 8th ed , 1958 ,Vol 1 , p 877‬‬
‫كما عرفها كلسن ( بأنها االتفاق الذي ترتبط به عادة دولتان أو أكثر في ظل القانون الدولي)‬
‫راجع‬
‫‪H.Kelson , The Law of The United Nations , London , 1951 , p 317‬‬

‫‪119‬‬
‫إختالف التسميات اال أنها تعطى معنى واحد (((‪ ،‬وهذا ما أكدته اتفاقية فيينا‬
‫لقانون املعاهدات كما جاء باملادة الثانية منها‪«:‬وأيا كانت التسمية التي تطلق‬
‫عليها»‪.‬‬
‫وأس�ت�ن��اداً للتعريف السابق للمعاهدة الب��د العتبارها م��ن املعاهدات‬
‫الدولية من توافر الشروط التالية ‪ :‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ أن تكون املعاهدة مكتوبة‬
‫يجب أن تبرم‬ ‫(((‬
‫ فاملعاهدة وفقاً ألراء أغلبية فقهاء القانون الدولي‬

‫املعاهدة ‪ Treaty‬وتطلق على االتفاقات ذات الطبيعة السياسية كمعاهدات السالم‬ ‫((( ‬
‫ومعاهدات التحالف والصدافة وما شابهها ‪.‬‬
‫أما االتفاقية ‪ Convention‬فتستخدم عادة للداللة على املعاهدات اجلماعية التي تعقدها الدول‬
‫في الشوؤن القانونية والتي تتضمن قواعد عامة ( اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة‬
‫‪ 1969‬واتفاقية األمم املتحدة لقانون البحار لسنة ‪ ) 1982‬وكذلك على االتفاقات التي‬
‫تعقدها املنظمات الدولية ‪.‬‬
‫أما العهد ‪ Pacte‬أو امليثاق ‪ Charter‬فيطلق على االتفاقات ذات األهمية اخلاصة والتي يراد‬
‫إضفاء القدسية عليها كعهد عصبة األمم وميثاق األمم املتحدة ‪.‬‬
‫أما النظام ‪ Statut‬فهو يطلق على االتفاقات اجلماعية املنشئة للمنظمات كالنظام االساسي‬
‫حملكمة العدل الدولية ‪ ،‬كما يطلق أحياناً على االتفاقات املنظمة ملرافق دولية عامة ‪,‬‬
‫كنظام الطرق املائية ذات األهمية الدولية ‪ ،‬كاتفاق برشلونة املبرم ‪. 1920‬‬
‫أما التصريح ‪ Declaration‬فيطلق على االتفاقات التي يقصد بها تاكيد مبادىء قانونية أو‬
‫سياسية مشتركة ‪ ,‬كتصريح عام ‪ 1815‬بشأن وضع سويسرا في حالة حياد دائم ‪.‬‬
‫ويستخدم اصطالح بروتوكول ‪ Protocol‬للداللة على االتفاقات األقل رسمية من املعاهدة أو‬
‫االتفاقية ‪ ،‬وهو ال يعقد عموماً من قبل رؤس��اء ال��دول ‪ ،‬وع��ادة ما يكون مكم ً‬
‫ال التفاق‬
‫أصلي ‪.‬‬
‫واالتفاق املؤقت ‪ Modus vivendi‬يطلق على املعاهدات التي تصنع ترتيبات وقتية ملدة زمنية‬
‫محدودة ‪.‬‬
‫االتفاقات البابوية ‪ Concordat‬وهي التي يعقدها البابا مع الدول املسيحية لتنظيم امور دينية ‪.‬‬
‫اتفاق اجلنتلمان ‪ Gentelman agreement‬فيطلق على ما تتفق عليه إرادة ممثلي الدول املختلفة‬
‫مع بعضهم البعض بصفة ودية دون أن تنصرف هذه اإلرادة إلى الزام دولهم مبا أتفقوا‬
‫عليه ‪ .‬أنظر د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 109‬‬
‫(( ( د ـ عمر حسن عرس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 336‬‬

‫‪120‬‬
‫كتابة ويستندون في ذلك الى نص املادة ‪ 1/102‬من ميثاق األمم املتحدة التي‬
‫أشارت إلى ضرورة تسجيل ونشر جميع املعاهدات التي يبرمها أعضاء األمم‬
‫املتحدة ‪ ،‬وحرصاً على ضمان تنفيذها وجتنب ما قد يحصل من تفسيرات‬
‫لالتفاقات الشفوية والتي قد تغير من جوهر املعاهدة ما يؤدي الى خلق املشاكل‬
‫بني ال��دول عند تطبيقها ‪ ،‬ولذلك ال تعتبرمن قبيل املعاهدات ‪ ،‬االتفاقات‬
‫الشفوية((( وهذه االتفاقات ن��ادرة الوقوع في الوقت احلالي ‪ ،‬وإن كانت في‬
‫املاضي أكثر شيوعاً وانتشاراً ‪ ،‬هذه االتفاقات تنتج آثارها القانونية فيما بني‬
‫أطرافها طبقاً لقواعد العرف الدولي ‪ ،‬وهي تثير العديد من املشاكل سواء‬
‫ما تعلق باثبات مضمونها أو بالنسبة لسريان آثارها ‪ ،‬وهو ما يشكل صعوبة‬
‫بالغة في العمل الدولي على الرغم من االعتراف لها بنفس القيمة القانونية‬
‫لالتفاقات املكتوبة ‪ ،‬حسب املادة الثالثة من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‬
‫((( ‪ ،‬وكذلك التصريحات الثنائية أو اجلماعية التي تصدر من رؤساء الدول‬
‫او احلكومات والتي تتسم بالشفوية ‪ ،‬وال يشترط أن تثبت املعاهدة في وثيقة‬
‫واحدة ‪ ،‬فيمكن أن تتضمن نصوص املعاهدة عدة وثائق ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ أن تكون مبرمة بني أشخاص القانون الدولي‬
‫فاملعاهدة الدولية ال تكون اال بني شخصني أو أكثر من أشخاص القانون‬
‫ال��دول��ي‪ ،‬وق��د ت�ك��ون دوالً وق��د ت�ك��ون أش�خ��اص�اً دول�ي��ة أخ��رى مثل املنظمات‬
‫الدولية‪،‬حيث مت االعتراف لهذه األخيرة بإبرام املعاهدات الدولية منذ أن‬
‫أص��درت محكمة ال�ع��دل ال��دول�ي��ة رأي�ه��ا االس�ت�ش��اري ف��ي قضية التعويضات‬
‫املستحقة عن األض��رار التي تلحق بالعاملني في األمم املتحدة أثناء قيامهم‬
‫بعملهم سنة ‪1949‬م‪.‬‬
‫وتثور مسألة أهلية الواليات أو املقاطعات بالنسبة للدول االحتادية‪،‬البرام‬
‫املعاهدات الدولية‪ ،‬والقاعدة العامة هي أن الدولة املركزية هي التي متثل‬
‫دولة االحتاد‪ ،‬ومن ثم هي التي لها احلق في إبرام املعاهدات الدولية‪ ،‬فهي‬

‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 101‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مبادىء القانون الدولي العام ـ الدار اجلامعية ـ ‪ 1985‬ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 191‬‬

‫‪121‬‬
‫التي تتمتع بالشخصية الدولية ‪ ،‬ولكن قد تنص دساتير بعض الدول االحتادية‬
‫على إعطاء احلق في إبرام املعاهدات الدولية الى الواليات أو املقاطعات ‪.‬‬
‫ال أج��از للمقاطعات السوسرية إب��رام بعض‬ ‫فالدستور السويسري مث ً‬
‫املعاهدات الدولية ‪ ،‬أما دستور (االحتاد السوفيتي السابق) فقد منح أثنتني‬
‫من جمهورياته ‪ ،‬املنضمة إلى االحتاد ‪ ،‬وهما اوكرانيا وروسيا البيضاء أهلية‬
‫إب��رام امل�ع��اه��دات الدولية باسمهما ‪ ،‬وك��ذل��ك اإلنضمام كأعضاء إل��ى األمم‬
‫املتحدة والوكالت املتخصصة ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ أن يخضع موضوع املعاهدة ألحكام القانون الدولي‬
‫فال يعتبر كل اتفاق يعقد بني شخصني من أشخاص القانون الدولي لهما‬
‫أهلية عقد املعاهدات ‪ ،‬معاهدة إال إذا كان يتناول عالقة دولية ويخضع في‬
‫تفسيره وترتيب آثاره للقانون الدولي ‪ ،‬وعلى ذلك يخرج من نطاق املعاهدات‬
‫الدولية ‪ ،‬االتفاقات التي تنظم مسائل ال يحكمها القانون الدولي العام مثل‬
‫عقود الشراء والبيع وااليجار ‪ ،‬فعلى سبيل املثال نص في اتفاقيات القرض‬
‫التي عقدها البنك الدولي للتعمير والتنمية ‪ ،‬وهو أحد الوكاالت املتخصصة‬
‫لألمم املتحدة التي تتمتع بشخصية دولية ‪ ،‬مع الدول على أن يخضع تفسيرها‬
‫وما يصدره مبقتضاها من سندات لقانون والية نيويورك ((( ‪.‬‬
‫رابع ًا ـ أن تنشىء التزامات قانونية‬
‫يجب أن تهدف املعاهدة إلى ترتيب آثار قانونية حتى ميكن اعتبارها‬
‫معاهدة دولية ‪ ،‬فإنشاء احلقوق وااللتزامات بذمة األطراف املنضمة هو الذي‬
‫يوجد املعاهدة الدولية ‪ ،‬وبالتالي يجب معرفة نية األطراف لتقرير ما إذا كان‬
‫االتفاق ينشىء آثاراً قانونية وعندها يعتبر معاهدة ‪ ،‬أما إذا كان االتفاق ال‬
‫ينشىء اال آثاراً أدبية فال يعتبر عندها معاهدة ‪ ،‬وفي الواقع أنه في كثير من‬
‫احلاالت يصعب التفرقة بني التصريحات السياسية واالعالنات التي تنشىء‬
‫التزامات قانونية ‪ ،‬وكما أن��ه في بعض احل��االت قد تكون للوثيقة الصادرة‬
‫صفة سياسية وت��رت��ب آث��اراً قانونية ‪ ،‬وف��ي بعض احل��االت ق��د ال حتمل أي‬

‫د ـ عمر حسن عرس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 339‬‬ ‫(( (‬

‫‪122‬‬
‫مضمون قانوني وت��أخ��ذ شكل املعاهدة مثل اتفاقات ال�ش��رف أو اجلنتلمان‬
‫‪. ((( Gentlemen’s‬‬
‫واتفاقات الشرف وان كانت وسيلة سياسية في منبعها ‪ ،‬فإنها أصبحت‬
‫ضرورية في استخدامها‪ ،‬متعددة في مجاالتها‪ ،‬متواترة في ممارستها‪ ،‬كل‬
‫ذلك بسبب تركيزها على االعتبارات املوضوعية متمثلة في االعتداد بارادات‬
‫الدول‪ ،‬والتعامل معها مبا يناسبها‪ ،‬دون اإللتجاء إلى االجراءات الشكلية والتي‬
‫تعرقل من امتام االتفاقات بداية من التفاوض مروراً بالتحرير والتوقيع عليها‬
‫وانتها ًء بالتصديق عليها‪ ،‬ومن األمثلة على اتفاقات الشرف ميثاق هلسنكي‬
‫لسنة ‪1975‬م الذي كان بني الدول االوربية والواليات املتحدة االمريكية وكندا‬
‫بشأن األمن والتعاون في اوربا ((( ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫تصنيف املعاهــدات‬

‫ تنقسم املعاهدات إلى عدة أقسام وذلك حسب الزاوية التي ينظر بها‬
‫الى تلك املعاهدات وكما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ امل���ع���اه���دات ال��ث��ن��ائ��ي��ة وامل����ع����اه����دات امل���ت���ع���ددة األط�����راف‬
‫أواجلماعية‬
‫ امل�ع��اه��دات الثنائية ‪ Bilateral‬وه��ي امل�ع��اه��دات األك�ث��ر ع ��دداً ألنها‬

‫وهذه االتفاقات توجد في الفقه االجنلو ـ امريكي ‪ .‬و يعتبر االتفاق ‪ ،‬معاهدة دولية إذا‬ ‫(( (‬
‫ثبت أن إرادة األطراف أجتهت الى إحداث أثار قانونية ‪ ،‬أما إذا ثبت خالف ذلك فال‬
‫يكون اال مجرد اتفاق شرف بغض النظر عن الصفة السياسية التي قد تكون في غاية‬
‫األهمية ‪.‬‬
‫د ـ مصطفى سالمة حسني ـ تطور القانون الدولي العام ـ ‪ 1992‬ـ دار النهضة العربية ـ‬ ‫((( ‬
‫القاهرة ـ ص ‪. 73‬‬

‫‪123‬‬
‫الوحيدة التي كانت تستعمل حتى مطلع القرن التاسع عشر ‪ ،‬فلم يكن من‬
‫اجلائز أن تعقد املعاهدات بني أكثر من دولتني ‪ ،‬حتى عندما قويت الصالت‬
‫بني الدول ووجدت أمور مشتركة تهم أكثر من دولتني ‪ ،‬ظل االجتاه التقليدي‬
‫س��ائ��داً ((( ‪ ،‬وم��ن األم�ث�ل��ة على ذل��ك أن��ه ف��ي سنة ‪1814‬م ومبناسبة إنتهاء‬
‫احلروب النابولونية‪ ،‬وقعت ست اتفاقيات ثنائية بني فرنسا وكل واحدة من‬
‫ال��دول املتحاربة معها على إنفراد حتتوي كلها نفس األحكام وإتباع طريقة‬
‫العقد‪ ،‬وه��و دليل على ع��دم متكن الفكر القانوني آن��ذاك من إيجاد طريقة‬
‫مغايرة لإلرتباط القانوني بني الدول ‪ ،‬كما أن العقد النهائي ملؤمتر فيينا لسنة‬
‫‪1815‬م قد انتهج نفس الطريقة رغم أنه جمع في ملف واحد كل املعاهدات‬
‫الثنائية ليصبح هذا امللف أول وثيقة جماعية (((‪.‬‬
‫أم��ا امل�ع��اه��دات امل�ت�ع��ددة األط ��راف أو اجلماعية ‪ Multilateral‬فهي‬
‫التي يزيد عدد أطرافها عن دولتني وتعد معاهدة باريس التي وضعت نهاية‬
‫حلرب القرم واملعقودة في ‪1856/3/3‬م أول اتفاقية جماعية مت التفاوض‬
‫عليها مباشرة وبهذه الصفة‪ ،‬وقد وقع على االتفاقية الدول املتحاربة ودولتني‬
‫محايدتني هما بروسيا والنمسا ((( ‪.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 77‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على أنه يعني محل‬
‫إيداع املعاهدات املتعددة األطراف سواء كان دولة أو منظمة دولية ‪ ،‬بواسطة‬
‫الدول املتفاوضة في املعاهدة نفسها أو بطريقة أخرى ‪ ،‬حيث حتفظ النسخة‬
‫األصلية لديها ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ املعاهدت العقدية واملعاهدات الشارعة‬
‫ومعيار التفرقة بني هذين النوعني من املعاهدات هو الوظيفة القانونية‬
‫التي تتوخى حتقيقها كل منهما ‪ ،‬وقد أطلقت املادة ‪ 38‬من النظام األساسي‬
‫حملكمة العدل الدولية على املعاهدات العقدية اسم االتفاقات اخلاصة وعلى‬

‫د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 198‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ محمد بوسلطان ـ فعالية املعاهدات الدولية ـ ديوان املطبوعات اجلامعية ـ اجلزائر ـ‬ ‫((( ‬
‫‪ 1995‬ـ ص ‪. 14‬‬
‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 115‬‬ ‫((( ‬

‫‪124‬‬
‫املعاهدات الشارعة اسم االتفاقات العامة ‪.‬‬
‫املعاهدات العقدية ‪ Treaty Contratual‬أو اخلاصة هي التي تعقد بني‬
‫دولتني أو عدد محدود من الدول في شأن خاص بها ‪ ،‬وهي ال تلزم إال الدول‬
‫املوقعة عليها وال يتعدى آثرها من حيث اإللزام دوالً ليست طرفاً فيها ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها معاهدات التحالف ومعاهدات الصلح ومعاهدات تنظيم احلدود ‪.‬‬
‫ولذلك فإن املعاهدات اخلاصة ال ميكن أن تكون ذاتها مصدراً لقواعد‬
‫القانون الدولي العام ‪ ،‬ولكنها قد تكون سبباً غير مباشر في ثبوت قاعدة‬
‫قانونية دولية ‪ ،‬وذل��ك في حالة ما يثبت تكرار إب��رام معاهدة خاصة تنص‬
‫على نظام معني من عدة دول ‪ ،‬ففي هذه احلالة تصبح القاعدة التي أخذت‬
‫بها ال��دول في مثل هذه املعاهدة قاعدة قانونية دولية ناشئة ال عن االتفاق‬
‫وإمنا عن العرف الذي يثبت من تكرار إبرام املعاهدة اخلاصة والتزام الدول‬
‫فيها ‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك قبول الالجئني‬ ‫بالقاعدة املنصوص عليها‬
‫السياسيني من قبل الدول العتبارات إنسانية وعدم جواز تسليمهم إلى دولهم‬
‫إذا طلبت ذل��ك ‪ ،‬فقد نشأت ه��ذه القاعدة نتيجة لتكرار النص عليها في‬
‫املعاهدات اخلاصة بتسليم املجرمني مما أدى إل��ى نشوء ع��رف دول��ي بعدم‬
‫تسليم الالجئني السياسيني ‪.‬‬
‫أما املعاهدات الشارعة ‪ Treaties Law Making‬فهي ما يطلق عليها‬
‫باملعاهدات العامة وهي التي تبرم بني مجموعة كبيرة من الدول تتوافق ارادتها‬
‫على إنشاء قواعد قانونية عامة تهم الدول جميعا ‪ ،‬وهي من هذه الناحية تشبه‬
‫التشريع الداخلي من حيث إنها تصنع قواعد قانونية مبعنى الكلمة ‪ ،‬لذلك‬
‫أطلق عليها اسم املعاهدات الشارعة متييزا لها عن املعاهدات العقدية ‪ ،‬وهي‬
‫تعتبر دون غيرها مصدراً من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬ومن أمثلتها معاهدة‬
‫وستفاليا لسنة ‪ 1648‬التي انهت حرب الثالثني عاماً ومعاهدة فيينا لسنة‬
‫‪ 1815‬ومعاهدة باريس لسنة ‪ 1856‬التي نظمت وعدلت القواعد العرفية‬
‫اخل��اص��ة ب��احل��رب البحرية ‪ ،‬وعهد عصبة األمم ‪ ،‬وميثاق األمم املتحدة ‪،‬‬
‫واتفاقية فيينا للعالقات واحلصانات الدبلوماسية لسنة ‪ 1961‬وغيرها ‪.‬‬
‫ولكن ليست املعاهدات العامة دائماً مصدراً لقواعد قانونية جديدة‬
‫‪ ،‬بل لعل ذل��ك هو النادر ‪ ،‬إذ أن تقرير قاعدة جديدة لم تتهيأ لها األفكار‬

‫‪125‬‬
‫بعد ولم يكن لوجودها ضرورة ملحة قد يؤدي إلى اصطدامها عند التطبيق‬
‫بصعوبات منشؤها عدم اعتياد ال��دول عليها وع��دم التمهيد لها لدى الرأى‬
‫العام ‪ ،‬لذلك كان الغالب في املعاهدات العامة أنها تسجل قواعد سبق أن‬
‫أستقرت عن طريق العرف لتسبغ عليها صفة التحديد والوضوح وحتسم كل‬
‫نزاع بشأنها ‪ ،‬أو أن تسجل العرف في أمر من األمور فتقرر قاعدة اعتادت‬
‫بعض الدول على السير على مقتضاها ولكن تباطأ العرف في اثباتها لعدم‬
‫تواتر اتباعها بشكل عام ثابت ((( ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ معاهدات الدول ومعاهدات املنظمات الدولية‬
‫لم تظهر معاهدات املنظمات الدولية في الواقع إال بعد احلرب العاملية‬
‫األولى وازداد عددها بعد احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬وهي في أغلبها اتفاقات‬
‫بني املنظمات الدولية وال��دول ‪ ،‬وق��د أب��رم ع��دد كبير منها م��ؤخ��راً بواسطة‬
‫منظمة األمم املتحدة وعلى االخص وكاالتها املتخصصة ‪ ،‬مثل منظمة الصحة‬
‫العاملية واليونسكو ومنظمة العمل الدولية ‪.‬‬
‫واالتفاقات التي تعقدها األمم املتحدة مع الوكاالت املتخصصة تسمى‬
‫( اتفاقات ال��وص��ل ) حيث خ��ول ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬املجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي مبوجب املادة ‪ 63‬عقد اتفاقات مع املنظمات املتخصصة وتصبح‬
‫نافذة بعد موافقة اجلمعية العامة عليها ‪ ،‬وهذه االتفاقات تهدف إلى إيجاد‬
‫ن��وع م��ن اإلش��راف على ه��ذه ال��وك��االت املتخصصة م��ن خ�لال التزامها برفع‬
‫التقارير عن أنشطتها ‪ ،‬كما تهدف إلى إيجاد نوع من التعاون بني األمم املتحدة‬
‫وهذه الوكاالت ‪ ،‬ومن أمثلة هذه االتفاقات التي وافقت عليها اجلمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة القرار رقم ‪ 50‬لسنة ‪ 1946‬الذي تضمن املوافقة على اتفاقات‬
‫ال��وص��ل امل�ع�ق��ودة م��ع منظمة العمل ال��دول�ي��ة ‪ ،‬ومنظمة االغ��ذي��ة وال��زراع��ة ‪،‬‬
‫واليونسكو ومنظمة الطيران املدني ‪ ،‬والقرار رقم ‪ 124‬لسنة ‪ 1947‬اخلاص‬
‫باملوافقة على االتفاقات املعقودة مع منظمة الصحة العاملية ‪ ،‬واحتاد البريد‬
‫العاملي ‪ ،‬واالحتاد الدولي للمواصالت السلكية والالسلكية ‪ ،‬والبنك الدولي‬
‫لإلنشاء والتعمير ‪ ،‬وصندوق النقد الدولي ‪.‬‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 23‬‬ ‫((( ‬

‫‪126‬‬
‫أما املعاهدات التي بني الدول فهي املعاهدات التي يكون أطرافها دول‬
‫وهي تعقد أما بشكل ثنائي أو بشكل جماعي ‪.‬‬
‫رابع ًا ـ املعاهدات الشكلية واملعاهدات املبسطة‬
‫فاملعاهدات الشكلية هي التي التنعقد إال بعد أن متر بجميع مراحل‬
‫إبرام املعاهدات التي سنأتي على ذكرها في املبحث الثاني ‪.‬‬
‫أما االتفاقات املبسطة ‪ Executive Agreements‬فهي التي ال يشترط‬
‫إلنعقادها املرور بجميع مراحل إبرام املعاهدات وتنعقد مبرحلتني فقط حيث‬
‫تقتصر على مرحلتي املفاوضة والتوقيع وال حتتاج للتصديق عليها من السلطة‬
‫املختصة ( رئيس الدولة عادة ) لتكون نافذة بل تنفذ مبجرد التوقيع عليها من‬
‫وزير اخلارجية أو املمثلني الدبلوماسيني ‪ ،‬كما متتاز بتعدد وثائقها ‪ ،‬حيث قد‬
‫تكون في صورة تبادل الرسائل او املذكرات أو التصريحات ‪.‬‬
‫واالتفاقات املبسطة قد تكون ثنائية أو متعددة األط��راف ‪ ،‬وقد تكون‬
‫في وثيقة واحدة أو عدة وثائق ‪ ،‬وهي تتعلق مبواضيع متنوعة فهي قد تتضمن‬
‫اجراءات حتضيرية أو تنفيذية تتعلق مبعاهدة دولية ( تفسير ‪ ،‬إلغاء ‪ ،‬تعديل‬
‫‪ ،‬متديد ‪.((( )...‬‬
‫ومن هذه االتفاقات مث ً‬
‫ال التصريح املشترك الفرنسي ـ املغربي في ‪/ 2‬‬
‫‪ 1956 / 4‬الذي تضمن اإلعتراف باستقالل املغرب ‪ ،‬والبروتوكول الفرنسي ـ‬
‫التونسي في ‪ 1956 / 3 / 20‬الذي نص على إنهاء احلماية الفرنسية على‬
‫تونس ‪.‬‬
‫خامس ًا ـ املعاهدات املغلقة واملعاهدات املفتوحة‬
‫ويقصد باملعاهدات املغلقة كل اتفاقية ال تتضمن شرطاً يجيز للدول‬
‫غير أطرافها اإلنضمام إليها بقتضى إجراء باالرادة املنفردة أو مجرد التوقيع‪،‬‬
‫ويكون اإلنضمام إليها مشروطاً بأجماعهم طبقاً للشروط التي يحددونها‪،‬‬
‫واملعاهدات متعددة األط��راف املغلقة بالكامل ن��ادرة ‪ ،‬ولكن يوجد عدد كبير‬

‫د ـ عبد الواحد ناصر ـ قانون العالقات الدولية ـ النظريات واملفاهيم األساسية ـ دار‬ ‫((( ‬
‫حطني للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرباط ـ ‪ 1994‬ـ ص ‪. 173‬‬

‫‪127‬‬
‫من املعاهدات شبه املغلقة التي يكون اإلنضمام إليها عن طريق املفاوضات ثم‬
‫التصديق ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك املادة ‪ 237‬من اتفاقية اجلماعة االوربية االقتصادية‬
‫‪ ،‬حيث تتم عملية اإلنضمام بواسطة إبرام معاهدة مع الدول املنضمة وتسمى‬
‫هذه املعاهدة ‪ ،‬معاهدة اإلنضمام((( ‪.‬‬
‫أما املعاهدات املفتوحة فهي املعاهدات التي ميكن اإلنضمام إليها مبجرد‬
‫اتخاذ إج��راء بإرادتها املنفردة ‪ ،‬من غير أي ش��روط تضعها هذه املعاهدات‬
‫وتفرضها على الدول التي تريد اإلنضمام إليها ‪ ،‬وقد تكون املعاهدات مفتوحة‬
‫بالكامل لكافة الدول بدون استثناء ‪ ،‬مثل معاهدة موسكو لسنة ‪ 1963‬حول‬
‫احلظر اجلزئي للتجارب الذرية ‪ ،‬وقد تفتح ملجموعة معينة من ال��دول مثل‬
‫املعاهدة التي أنشئت منظمة الوحدة األفريقية ‪ ،‬والتي حتولت اآلن إلى االحتاد‬
‫األفريقي في ‪1999/9/ 9‬م‪.‬‬

‫د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 204‬‬ ‫((( ‬

‫‪128‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫إبرام املع ــاهدات‬

‫مت��ر امل �ع��اه��دات ع ��ادة قبل أن يتم إب��رام�ه��ا نهائياً ب��اج��راءات طويلة‬
‫ومعقدة حيث تبدأ من املفاوضات‪ ،‬حيث تتم بالنسبة للمعاهدات الثنائية عن‬
‫طريق اجتماعات خاصة بني ممثلي الدول صاحبة الشأن‪ ،‬بينما تكون بالنسبة‬
‫للمعاهدات اجلماعية أو العامة عن طريق مؤمتر دولي تدعى إليه الدول التي‬
‫ترغب باملشاركة في املعاهدة ‪ ،‬إلى أن تصل الى مرحلة النشر وهذه املراحل‬
‫عادة تكون أربع مراحل شكلية وهي املفاوضة ‪ ،‬التحرير والتوقيع ‪ ،‬التصديق‪،‬‬
‫والتسجيل ‪.‬‬
‫وسنقوم بتقسيم هذا املبحث إلى ثالثة مطالب نبحث في األول شروط‬
‫صحة إبرام املعاهدات وفي الثاني املراحل الشكلية التي متر بها املعاهدة ‪،‬‬
‫أما الثالث فنخصصه للتحفظ على املعاهدات ‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫شروط صحة إبرام املعاهدات‬

‫إن املعاهدة متثل تصرفاً قانونياً يعبر أطرافها عن ارادتهم في االلتزام‬


‫باحكامها ‪ ،‬ولذلك يجب أن يكون التعبير عن هذه اإلرادة بشكل صحيح‪ ،‬ولهذا‬
‫يشترط لصحة إنعقاد املعاهدة توافر الشروط املوضوعية ‪ ،‬أهلية التعاقد‪،‬‬
‫الرضا ‪ ،‬ومشروعية موضوع املعاهدة ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ أهلية التعاقد‬
‫ميلك أشخاص القانون الدولي العام أهلية إبرام االتفاقات الدولية‪،‬ويتمتع‬
‫بهذه الشخصية في الوقت احلاضر‪ ،‬الدول واملنظمات الدولية والفاتيكان‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫ويشترط بالنسبة للدول أن تكون متمتعة بتمام األهلية الدولية ‪ ،‬أي أن‬
‫تكون تامة السيادة لكي تستطيع أبرام املعاهدات أياً كان موضوعها ‪ ،‬أما إذا‬
‫كانت الدولة ناقصة السيادة (كالدول احملمية أو املوضوعة حتت الوصاية)‬
‫فأهليتها إلب��رام املعاهدات ناقصة أو معدومة ‪ ،‬حسب ما تتركه لها عالقة‬
‫التبعية من احلقوق ‪ ،‬لذا يجب دائما الرجوع إلى الوثيقة التي حتدد مركزها‬
‫القانوني الدولي‪ ،‬ملعرفة ما متلك إبرامة من االتفاقات الدولية وما ال متلكه‪.‬‬
‫وإذا حدث وأبرمت دولة ناقصة السيادة معاهدة ليست أه ً‬
‫ال إلبرامها‬
‫فال تعتبر هذه املعاهدة باطلة بطالناً مطلقاً ‪ ،‬وإمنا تكون فقط قابلة لإلبطال‬
‫بنا ًء على طلب ال��دول��ة صاحبة ال��والي��ة على الشئون اخلارجية للدولة التي‬
‫أبرمت املعاهدة ‪ ،‬فلها إن شاءت أن تبطلها وإن شاءت أن تقرها ((( ‪.‬‬
‫كذلك ال يجوز للدول التي في حالة حياد دائم أن تبرم من املعاهدات ما‬
‫يتنافى مع حالة احلياد كمعاهدات التحالف أو تبادل املساعدات العسكرية ‪.‬‬
‫أما الدول األعضاء في االحتاد الفدرالي فيرجع بالنسبة لها إلى دستور‬
‫االحتاد ملعرفة ما إذا كانت كل منها متلك أهلية إلبرام املعاهدات على انفراد‬
‫أم ال ((( ‪ ،‬وفي الغالب فإن الدساتير االحتادية ال جتيز للدول األعضاء إبرام‬
‫اتفاقات بصورة مباشرة ‪ ،‬من ذل��ك ال��والي��ات املتحدة األمريكية أو االحت��اد‬
‫الهندي ‪ ،‬إال أن بعض الدساتير االحتادية متنح الدول األعضاء إبرام بعض‬
‫أنواع املعاهدات احملدودة وحتت إشراف االحتاد ‪ ،‬من ذلك االحتاد السويسري‬
‫فيجوز للمقاطعات السويسرية عقد اتفاقات لتنظيم شئون اجلوار واحلدود ‪،‬‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 528‬‬ ‫(( (‬


‫تضمن مشروع اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات الذي أعدته جلنة القانون الدولي ‪ ،‬والذي‬ ‫((( ‬
‫عرض على مؤمتر فيينا سنة ‪ 1968‬نصاً ( املادة ‪ ) 2 / 5‬يتعلق بأهلية الدول األعضاء‬
‫في احت��اد فدرالي ( مركزي ) بإبرام املعاهدات الدولية في حالة ما إذا نص عليها‬
‫الدستور االحتادي ‪ ،‬وفي احلدود التي يبينها الدستور ‪ ،‬وعندما ناقش مؤمتر فيينا هذا‬
‫النص وجهت له عدة انتقادات من قبل الدول االحتادية ‪ ،‬كالواليات املتحدة االمريكية‬
‫وكندا وسويسرا والبرازيل وغيرها من الدول االحتادية ‪ ،‬وبينوا أنهم ال يؤيدون هذا النص‬
‫مطلقاً وقد دافع عنه االحتاد السوفيتي السابق ‪ ،‬وفي النهاية رفض هذا النص ولم يدرج‬
‫في اتفاقية فيينا ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫كذلك فإن املادة ‪ 32‬من الدستور االملاني متنح املقاطعات االملانية حق إبرام‬
‫املعاهدات مع الدول األجنبية في حدود اختصاصاتها التشريعية وحتت رقابة‬
‫احلكومة االحتادية ‪.‬‬
‫أم��ا الفاتيكان فله أهلية إب��رام املعاهدات الدولية ‪ ،‬كما أن الكرسي‬
‫البابوي يستطيع أن يكون طرفاً في جميع املعاهدات التي يرغب بها ‪ ،‬إال أن‬
‫املعاهدات التي يعقدها الكرسي البابوي في الوقت احلاضر ال تبرم باسم‬
‫الفاتيكان ولكن باسم الكرسي البابوي أي السلطة الروحية التي متثل الكنيسة‬
‫الرومانية ((( ‪.‬‬
‫وحسب األص��ل العام‪ ،‬فإن املعاهدات التي يبرمها الفاتيكان محدودة‬
‫ومقيدة باالهداف الروحية‪ ،‬أي الدفاع عن مصالح الكنيسة الكاثوليكية وفي‬
‫غير ذلك ال أهلية له‪ ،‬ولكن البابا يتجاوز هذا الدور في كثير من االحيان(((‪.‬‬
‫كذلك فإن املنظمات الدولية متلك هي األخرى أهلية إبرام املعاهدات‬
‫الدولية نتيجة لتمتعها بالشخصية الدولية ‪ ،‬إال أن أهليتها إلبرام املعاهدات‬
‫م�ح��دودة ب��اإلغ��راض التي من أجلها أنشئت كمنظمة دولية ‪ ،‬ألن املنظمات‬
‫الدولية على خ�لاف ال��دول ال متلك أختصاصاً عاماً ‪ ،‬بل متلك أختصاصاً‬
‫محدداً باألغراض التي وجدت من أجلها ‪ ،‬والتي يتضمنها نظامها األساسي ‪،‬‬
‫أي االتفاق الدولي املنشىء لها ((( ‪.‬‬
‫وقد نصت معاهدة فيينا لقانون املعاهدات في املادة السادسة على أن‬
‫( لكل دولة أهلية إبرام املعاهدات ) وهذا النص العام من البديهي أنه يطبق‬
‫في نطاق القواعد الدولية املعمول بها من قبل ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ صحة الرض ــا‬
‫يشترط لصحة إنعقاد املعاهدة إال تكون إرادة ال��دول��ة مشوبة بأحد‬
‫عيوب الرضا ‪ ،‬وعيوب الرضا هي الغلط والتدليس والغنب واإلك��راه ‪ ،‬وإذا‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 114‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ على ابراهيم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 82‬‬ ‫(((‬
‫د ـ عبد العزيز سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 248‬‬ ‫((( ‬

‫‪131‬‬
‫أكتشفت الدولة بعد إبرام املعاهدة إنها وقعت في غلط أو إنها كانت ضحية‬
‫التدليس أو اإلكراه جاز لها أن تطعن في عدم صحة رضاها بأحكام املعاهدة‬
‫‪ .‬وذلك على النحو التالي ‪ :‬ـ‬
‫‪1‬ـ الغلط‬
‫واصطالح الغلط في املعاهدات الدولية له معنيان ‪ ،‬فقد يقصد به الغلط‬
‫في صياغة نص في املعاهدة ‪ ،‬فإذا ما ظهر بعد إضفاء الصفة الرسمية على‬
‫املعاهدة أنها حتتوي على غلط ‪ ،‬فاالجراء في هذه احلالة تصحيح الغلط ‪.‬‬
‫وقد يكون الغلط في الرضا ‪ ،‬إذا كان الغلط يتعلق بواقعة معينة أو موقف‬
‫معني كانا من العوامل األساسية في ارتضاء األطراف االلتزام باملعاهدة ((( ‪،‬‬
‫فهذا النوع من الغلط الذي ينصب على عنصر جوهري من عناصر املعاهدة‬
‫التي قامت موافقة األط��راف على أساسه هو ال��ذي يشكل عيبا من عيوب‬
‫الرضا ‪ ،‬وقد نصت على ذلك اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في املادة ‪48‬‬
‫على ذلك مبا يلي ‪ 1« :‬ـ يجوز للدولة االستناد إلى الغلط في معاهدة كسبب‬
‫إلبطال ارتضائها االلتزام بها ‪ ،‬إذا تعلق الغلط بواقعة أو حالة توهمت هذه‬
‫الدولة وجودها عند إبرام املعاهدة وكان سببا أساسيا في ارتضائها االلتزام‬
‫باملعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ال تطبق الفقرة (‪ )1‬إذا كانت الدولة املعنية قد أسهمت بسلوكها في‬
‫الغلط أو كان من شان طبيعة الظروف تنبيه الدولة إلى احتمال الغلط ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا كان الغلط في صياغة املعاهدة فقط ‪ ،‬فال يؤثر في صحتها ‪،‬‬

‫ويحدث هذا في معاهدات احلدود كاخلطأ في تعيني احلدود إذا كانت اخلرائط غير‬ ‫((( ‬
‫صحيحة ‪ ،‬وعلى سبيل املثال تبني في أعقاب معاهدة فرساى لسنة ‪ 1783‬التي حددت‬
‫شروط السالم بني الواليات املتحدة االمريكية وبريطانيا ‪ ،‬بأن سلسة اجلبال التي تشير‬
‫اليها املعاهدة كحد فاصل بني الواليات املتحدة واملمتلكات البريطانية ليس لها وجود ‪،‬‬
‫كما أن النهر الذي ورد ذكره في املعاهدة وهو نهر ‪ « Sainte Croix‬الصليب املقدس «‬
‫يطلق على عدة أنهار ‪ ،‬وعلى االثر اتفقت الدولتان على وقوع الغلط وعلى تصحيحة في‬
‫معاهدة جديدة وهي معاهدة ‪ Jay‬سنة ‪ 1793‬ـ املصدر ـ د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع‬
‫مشار إليه ـ ص ‪. 211‬‬

‫‪132‬‬
‫وتطبق في هذه احلالة أحكام املادة ‪.»79‬‬
‫ومييز الفقهاء بني الغلط الواقعي والغلط القانوني ‪ ،‬واألول هو الذي‬
‫يعيب املعاهدة ‪ ،‬أما الثاني فال يؤخذ به ألن الغلط القانوني إن وقع ال ميكن‬
‫أن يكون سبباً يعيب املعاهدة ‪ ،‬إذ يفترض في الدول أن ال جتهل القانون وأن‬
‫تكون في حيطة تامة جتنبها الوقوع في غلط قانوني ‪.‬‬

‫‪2‬ـ الغش والتدليس‬


‫ الغلط يختلف عن الغش أو التدليس أختالفاً كبيراً ‪ ،‬حيث إن الغلط‬
‫يعتبر حالة يوجد فيها أحد أطراف املعاهدة ‪ ،‬أما الغش فهو يفترض وجود‬
‫عمل إيجابي يدفع أحد اطراف املعاهدة على فهم أمر على غير حقيقته مما‬
‫يسهل عليه التوقيع على املعاهدة ‪ ،‬ه��ذا العمل اإليجابي يتمثل في سلوك‬
‫تدليسي بقصد حمل أحد األط��راف على فهم أمر معني على غير حقيقته ‪،‬‬
‫ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بنا ًء على هذا الفهم اخلاطىء أي نتيجة هذا‬
‫السلوك التدليسي ((( ‪ ،‬كأن يعمد أحد األطراف إلى خداع الطرف اآلخر عن‬
‫طريق إدالئ��ه مبعلومات غير صحيحة أو تقدمي مستندات غير صحيحة أو‬
‫مزورة أو استعمال أية طريقة أخرى من طرق اخلداع ‪ ،‬دون أن يعلم الطرف‬
‫اآلخر بذلك ولو علم ملا ارتضى إبرام باملعاهدة ‪.‬‬
‫والتدليس أمر نادر حصوله‪ ،‬إذ ال يوجد عمليا حاالت واضحة لتطبيق‬
‫نظرية التدليس في عقد املعاهدات الدولية‪ ،‬ومع ذلك إذا اكتشفت الدولة‬
‫بعد إب��رام امل�ع��اه��دة أنها كانت ضحية التدليس‪ ،‬ج��از لها أن تطلب إبطال‬
‫املعاهدة نتيجة لوقوعها في التدليس ‪ .‬وقد أش��ارت إلى ذلك اتفاقية فيينا‬
‫لقانون املعاهدات في امل��ادة ‪ 49‬إذ نصت‪«:‬يجوز للدولة التي يدفعها سلوك‬
‫التدليس لدولة متفاوضة أخرى الى إبرام معاهدة أن تستند إلى الغش كسبب‬
‫إلبطال ارتضاها االل�ت��زام باملعاهدة» وال��دول��ة التي تطالب بابطال املعاهدة‬
‫بسبب التدليس عليها أن تثبت عدم متكنها من اكتشاف الغش او التدليس‬
‫قبل التصديق على املعاهدة ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 227‬‬ ‫((( ‬

‫‪133‬‬
‫‪ 3‬ـ إفساد ممثل الدولة‬
‫كذلك خصصت اتفاقية فيينا نصا خاصا يتعلق بإفساد ممثل الدولة‬
‫‪ ،‬كعيب م��ن عيوب اإلرادة ل��م يكن معروفا م��ن قبل ‪ ،‬وإمن��ا استحدثته هذه‬
‫االتفاقية ‪ ،‬حيث نصت في املادة ‪ 50‬منها على ما يلي‪«:‬إذا كان تعبير الدولة‬
‫ع��ن ارتضائها االل �ت��زام مب�ع��اه��دة ق��د ص��در نتيجة اإلف �س��اد امل�ب��اش��ر أو غير‬
‫املباشر ملمثلها بواسطة دولة متفاوضة أخرى‪ ،‬يجوز للدولة أن تستند إلى هذا‬
‫اإلفساد إلبطال ارتضائها االلتزام باملعاهدة»‪ .‬فلو قامت دولة ما برشوة ممثل‬
‫الدولة األخرى إلغرائه على إبرام املعاهدة فإن هذا يعتبر إفسادا إلرادة هذا‬
‫املمثل يبيح للدولة املعنية املطالبة بأبطال املعاهدة ‪ ،‬أما أعمال املجامالت فال‬
‫تعني إفسادا إلرادة ممثل الدولة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اإلكراه‬
‫يعتبر اإلكراه أحد العيوب التي تصيب اإلرادة ‪ ،‬وهو عبارة عن ضغط‬
‫يقع على ال�ط��رف اآلخ��ر س��واء أك��ان م��ادي�اً أو معنوياً مم��ا ي��ؤدي إل��ى إبطال‬
‫املعاهدة نظراً لعدم تساوى أط��راف املعاهدة في هذه احلالة ‪ ،‬فبينما يقف‬
‫ط��رف في مركز القوي ويستعمل أساليب اإلك��راه ‪ ،‬يقف الطرف اآلخ��ر في‬
‫مركز الضعيف يرفض أساليب اإلكراه الواقعة عليه ‪ ،‬مما يؤدي إلى إنعدام‬
‫اإلرادة احلقيقية لهذا الطرف األخير ‪.‬‬
‫ويوجد نوعني من اإلكراه ‪ ،‬اإلكراه الذي يقع على ممثل الدولة ‪ ،‬واإلكراه‬
‫الذي يقع على الدولة نفسها ‪ ،‬والفقه احلديث أجته إلى إعتبار اإلكراه سواء‬
‫وقع على ممثل الدولة أو على الدولة نفسها يؤدي إلى إبطال املعاهدة ‪ ،‬وهذا‬
‫ما أخذت به اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪. 1969‬‬
‫أ ـ اإلكراه الواقع على ممثل الدولة‬
‫ قد يقع اإلكراه على ممثلي الدولة ‪ ،‬ويتمثل في أعمال أو أفعال موجهة‬
‫ضدهم شخصياً ‪ ،‬ففي حالة وقوع اإلكراه على أشخاص ممثلي الدولة ‪ ،‬فقد‬
‫أتفقت آراء الفقهاء على أن إستعمال اإلكراه مع املمثلني يفقد املعاهدة قوتها‬
‫اإللزامية ويؤدي بالتالي إلى إبطالها ‪ .‬وهذا ما أخذت به املادة ‪ 51‬من اتفاقية‬
‫فيينا لقانون املعاهدات بقولها (ال يكون لتعبير الدولة عن ارتضائها االلتزام‬

‫‪134‬‬
‫مبعاهدة أي أثر قانوني ‪ ،‬إذا صدر نتيجة إكراه ممثلها بأفعال أو تهديدات‬
‫موجهة ضده) ‪.‬‬
‫وح ��وادث اإلك ��راه الشخصية ك�ث�ي��رة منها ع�ل��ى سبيل امل �ث��ال امل�ع��اه��دة‬
‫املعقودة سنة ‪ 1905‬بني اليابان وكوريا والتي مبوجبها وضعت كوريا حتت‬
‫احلماية اليابانية ‪ ،‬وقد متت هذه املعاهدة بعد أن احتلت القوات اليابانية‬
‫قصر إمبراطور كوريا وسجنت اإلمبراطور ووزراءه مدة ‪ 10‬ساعات وهددتهم‬
‫باستعمال اجلزاءات البدنية ‪ ،‬وقد دفعت احلكومة الكورية بعد ذلك ببطالن‬
‫املعاهدة (((‪.‬‬
‫ب ـ اإلكراه الواقع على الدولة‬
‫إذا ك��ان اإلك��راه ال��واق��ع على ممثل ال��دول��ة ـ س��واء أك��ان إك��راه��ا مادياً‬
‫أو معنوياًـ فيمكن إثباته دون لبس أو غموض ‪ ،‬إال أن اإلك��راه ال��واق��ع على‬
‫الدولة نفسها ليس من السهل إثباته نظرا لكون الدولة تتمتع في كل األحوال‬
‫بالسيادة التامة وصالحية رفض أو قبول املعاهدة ‪ ،‬لذلك فإن بعض الفقهاء‬
‫قد رفضوا قبول مثل هذه احلجة أصال ‪ ،‬ألن هذه احلالة غير ممكنة ‪ ،‬حتى‬
‫وإن كانت واقعة لفترة قصيرة إال أن الشعوب البد وأن تقهر اإلكراه والضغط‬
‫ال ‪ ،‬لذلك فإن قبول االحتجاج على املعاهدة بسبب اإلكراه‬ ‫ال أو أج ً‬ ‫إن عاج ً‬
‫يؤدي إلى إرباك الثقة في املعاهدات التي رغبت في إبطالها ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس تعتبر معاهدة الصلح التي تعقد في أعقاب احلروب‬
‫بني الدول املنتصرة والدولة املهزومة صحيحة نظراً الجتاه إرادات الدول إلى‬
‫عقد مثل هذه املعاهدة كل حسب مصلحتها ‪.‬‬
‫ولكن القانون الدولي املعاصر ‪ ،‬وما يقرره ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬يقوم‬

‫ال آخر‬‫د ـ صالح أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ , 106‬كما ي��ورد املؤلف مث ً‬ ‫((( ‬
‫وهو اإلك��راه والضغط امل��ادي ال��ذي أستعمل من قبل هتلر ضد هاشا رئيس جمهورية‬
‫جيكوسلوفاكيا بعد إحتالل اجليوش االملانية القليم جيكوسلوفاكيا وضم أراضيها اليها‬
‫في ‪1939/3/15‬م وقد أحتجت جيكوسلوفاكيا بوقوع اإلكراه عند إبرام تلك املعاهدة‬
‫وبطالن ضم أراضيها الى املانيا ‪ ،‬فأصدرت محكمة نورمبرغ قرارها في ‪1946/10/1‬م‬
‫بإقرار حصول اإلكره ضد هاشا ‪ ،‬وإن ذلك يشكل جرمية ضد السالم ‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫على أس��اس حت��رمي التهديد أو إستعمال القوة في العالقات الدولية ‪ ،‬كما‬
‫ي�ح��رم احل ��روب دون ت�ف��ري��ق ب�ين م��ا إذا ك��ان��ت م�ش��روع��ة أو غ�ي��ر م�ش��روع��ة ‪،‬‬
‫ومعاهدة فيينا لقانون املعاهدات ‪ ،‬قررت إعتبار التهديد بالقوة أو إستعمالها‬
‫ضد دولة حلملها على التعاقد يترتب عليه بطالن املعاهدة بطالناً مطلقاً ‪،‬‬
‫حيث نصت امل��ادة ‪ 52‬من االتفاقية على أنه‪«:‬تعتبر املعاهدة باطلة بطالناً‬
‫مطلقاً إذا مت إبرامها نتيجة التهديد بإستعمال القوة أو إستخدامها باملخالفة‬
‫ملبادىء القانون الدولي الواردة في ميثاق األمم املتحدة»‪.‬‬
‫وتقرير إبطال املعاهدات القائمة نتيجة إكراه سبق أن تعرضت له إحدى‬
‫ال��دول األط��راف يعتبر من قبيل القواعد القانونية اآلم��رة ‪ ،‬ومن ثم يخضع‬
‫حلكم املادة ‪ 64‬من اتفاقية فيينا ‪ ،‬ولذلك فإن أي معاهدة ابرمت حتت تأثير‬
‫التهديد باستعمال القوة أو استعمالها فع ً‬
‫ال تعتبر طبقا لنص املادة ‪ 64‬باطلة‬
‫وينتهي العمل بها ((( ‪.‬‬
‫بطالن املعاهدة وقابليتها لألبطال‬
‫البطالن املطلق ‪ ،‬هو البطالن الذي ميس املعاهدة في جوهرها ‪ ،‬والذي‬
‫يؤدي إلى إنهاء املعاهدة وإنهاء جميع اآلثار املترتبة عليها بأثر رجعي ‪ ،‬ومن‬
‫ث��م ميكن ال��دف��ع ب��ه أم��ام أي جهة ت�ث��ار أمامها امل�ع��اه��دة حتى ول��و ل��م يطلب‬
‫األط��راف ذلك ‪ ،‬وس��واء كانت هذه اجلهة جهازاً قضائيا ُ أو منظمة دولية ‪،‬‬
‫كما أنه ال يجوز تصحيحة بارادة األطراف ‪ ،‬واألمثلة على البطالن كثيرة مثل‬
‫نص املادتني ‪ 51‬و ‪ 52‬بشأن املعاهدات التي مت إبرامها حتت تأثير اإلكراه ‪،‬‬
‫وكذلك ما جاء باملادتني ‪ 53‬و ‪ 64‬بشأن املعاهدات املخالفة للقواعد القانونية‬
‫اآلمرة ‪.‬‬
‫أما البطالن النسبي ‪ ،‬فهو قابلية املعاهدة لإلبطال إذا متسكت بذلك‬
‫الدولة التي يعنيها األمر ‪ ،‬وقد أخذت معاهدة فيينا لقانون املعاهدات بهذه‬
‫التفرقة بني البطالن املطلق والبطالن النسبي للمعاهدة ‪ ،‬حيث نصت على‬
‫ذلك في املادة ‪ 45‬منها واخلاصة بفقدان احلق في التمسك بسبب من أسباب‬
‫بطالن املعاهدة أو إنهائها أو اإلنسحاب منها أو إيقاف العمل بها ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 231‬‬ ‫((( ‬

‫‪136‬‬
‫ثالث ًا ـ مشروعية موضوع املعاهدة‬
‫يجب أخيراً لصحة إنعقاد املعاهدة أن يكون موضوعها مشروعاً وجائزاً‬
‫‪ ،‬ويكون املوضوع مشروعاً إذا كان مما يتفق ومباديء القانون الدولي العام ‪،‬‬
‫وال يكون موضوع املعاهدة مشروعاً في احلاالت التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املعاهدات التي يكون موضوعها مخالفاَ لقاعدة من قواعد القانون‬
‫الدولي اآلمرة ‪ ،‬كما لو أتفقت دولتان على منع السفن التابعة لدولة ثالثة من‬
‫املالحة في أعالي البحار أو على تنظيم االجتار بالرقيق أو ما شابه ذلك‪ .‬وقد‬
‫أشارت إلى ذلك اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لعام ‪ 1969‬في نص املادتني‬
‫‪ 53‬و ‪ 64‬فقد نصت املادة ‪ 53‬على ما يلي‪«:‬تعد املعاهدة باطلة بطالنا مطلقا‬
‫إذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آم��رة من قواعد القانون الدولي‬
‫ال�ع��ام ‪ ،‬وتعتبر ف��ي مفهوم ه��ذه االتفاقية ـ ق��اع��دة آم��رة م��ن ق��واع��د القانون‬
‫الدولي العام ـ القاعدة املقبولة واملعترف بها من اجلماعة الدولية كقاعدة‬
‫ال يجوز اإلخالل بها وال ميكن تغييرها إال بقاعدة الحقة من قواعد القانون‬
‫الدولي العام لها نفس الصفة»‪.‬‬
‫وفي حالة ظهور قاعدة آمرة جديدة فإن أي معاهدة سابقة لظهور هذه‬
‫القاعدة تتعارض مع القاعدة اجلديدة تصبح باطلة ويتوقف العمل مبوجبها ‪،‬‬
‫وهذا ما نصت املادة ‪ 64‬على أنه‪«:‬إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد‬
‫القانون الدولي العام فإن أي معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح‬
‫باطلة وينتهي العمل بها»‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املعاهدات التي يكون موضوعها مخالفا حلسن األخالق ‪ ،‬كاالتفاق‬
‫ال��ذي يتم بني دولتني على إتخاذ تدابير تعسفية ضد األف��راد أو ضد جنس‬
‫معني أو طائفة معينة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املعاهدات املخالفة مليثاق األمم املتحدة ‪ ،‬كما لو أتفقت دولة مع دولة‬
‫أخرى على تقسيم دولة معينة أو االتفاق على القيام بعدوان عليها ‪ ،‬فمثل هذه‬
‫االتفاقات تكون غير مشروعة ألنها تتعارض مع ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬ومع‬
‫النظام العام للمجتمع الدولي ‪ ،‬حيث إن قواعد القانون الدولي حترم العدوان‬
‫وحترم إنتهاك السيادة للدول ‪ ،‬وقد نصت املادة ‪ 103‬من ميثاق األمم املتحدة‬

‫‪137‬‬
‫على أنه ( إذا تعارضت االلتزامات التي يرتبط بها أعضاء األمم املتحدة وفقاً‬
‫ألحكام هذا امليثاق مع أي التزام آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم املترتبة‬
‫على هذا امليثاق ) ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫مراحل إبرام املعاهدات‬

‫ باالضافة للشروط املوضوعية التي يجب توافرها إلبرام املعاهدة فإنه‬


‫كما ذكرنا سابقاً توجد مراحل شكلية مير بها إبرام املعاهدة ‪ ،‬وهذه املراحل‬
‫هي ‪ :‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ املفاوضة‬
‫إن املفاوضة هي تبادل وجهات النظر بني ممثلي دولتني أو عدد أكبر‬
‫من الدول بقصد الوصول إلى اتفاق دولي ينظم شأناً دولياً خاصاً بهذه الدول‬
‫أو عاماً له عالقة باملصلحة العامة الدولية ‪ ،‬وليس للمفاوضة أشكال محددة‬
‫‪ ،‬فقد جتري في مؤمتر يضمن عشرات ال��دول وقد تكون ئنائية أو ثالثية ‪،‬‬
‫وقد يقوم بها ممثلون دبلوماسيون متواضعون وقد يقوم بها وزراء ورؤساء دول‬
‫أحياناً ((( ‪ ،‬وقد جترى املفاوضات في مقابالت شخصية أو في اجتماعات‬
‫رسمية ‪ ،‬وفي شتى أنواع املسائل التي تهم الدول ‪ ،‬سواء أكانت سياسية أم‬
‫أقتصادية أم قانونية ‪.‬‬
‫وال �ق��ان��ون ال��وط�ن��ي ل�ك��ل دول ��ة ي�ت��ول��ى حت��دي��د اجل �ه��از امل�خ�ت��ص بسلطة‬
‫التفاوض وإبرام املعاهدات باسم الدولة ‪ ،‬والقاعدة العامة أن سلطة التفاوض‬
‫هي لرئيس الدولة يباشرها بنفسه أو يقوضها لغيره وفي حالة التفويض فإن‬

‫د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و د ـ عمر ابو بكر باخشب ـ الوسيط في القانون الدولي‬ ‫((( ‬
‫العام ـ مؤسسة شباب اجلامعة ـ اإلسكندرية ـ ‪ 1990‬ـ ص ‪. 89‬‬

‫‪138‬‬
‫املفاوض يجب أن يزود بسلطات كاملة (((‪ ،‬ولكن في الوقت احلاضر جند أن‬
‫رئيس الدولة ال يقوم بهذه املهمة اال بالنسبة للمعاهدات ذات األهمية الكبيرة‬
‫والبالغة اخلطورة ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك ميثاق حلف األطلسي املعقود في ‪/ 14‬‬
‫‪ ، 1941/ 8‬إذ كان أحد املتفاوضني واملوقعني عليه روزفلت رئيس الواليات‬
‫املتحدة األمريكية ‪.‬‬
‫ك��ذل��ك يحق لرئيس احلكومة ال�ت�ف��اوض نيابة ع��ن ال��دول��ة ‪ ،‬ول�ك��ن في‬
‫الغالب يقوم بالتفاوض وزراء خارجية الدول أنفسهم وقد يقوم به ممثلو الدول‬
‫املتفاوضة ‪.‬‬
‫وي �ج��وز أن مي�ث��ل ال��دول��ة ف��ي امل �ف��اوض��ات أي ش�خ��ص أخ��ر س ��واء ك��ان‬
‫دبلوماسياً أو وزيراً او موظفاً فنياً مختصاً ‪ ،‬ويطلق عليه عادة اسم املندوب‬
‫أو املمثل أو املتفاوض ‪.‬‬
‫وثيقة التفويض‬
‫ويجب أن ي��زود من يعهد اليه مبهمة إج��راء املفاوضات بوثيقة تعطيه‬
‫الصالحية للتفاوض تسمى وثيقة التفويض ‪ ،‬وتختلف صيغة التفويض باختالف‬
‫الدول وما تنص عليه دساتيرها ‪ ،‬وعلى العموم يأخذ التفويض شكل مستند‬
‫مكتوب ص��ادر من رئيس الدولة يحمله املفاوض إلثبات صفته ‪ ،‬والسلطات‬
‫التي خولها له رئيس الدولة في االفصاح عن وجهة نظر الدولة وفي التفاوض‬
‫والتعاقد باسمها ‪ ،‬ويقدم هذا السند عند بدء املفاوضات للتحقق من صفات‬
‫وسلطات املفاوضني ‪.‬‬
‫البد من اإلشارة إلى أن أطراف املفاوضات من ممثلي الدول الرسميني‬
‫ورؤساء الدول واحلكومات والسفراء ممن يتمتعون بالصفة القانونية الدائمة‬
‫جتاه الدول ال يحتاجون إلى أية وثيقة تفويض للدخول في املفاوضة بخصوص‬
‫عقد االتفاقيات أو املعاهدات‪ ،‬حيث نصت امل��ادة ‪ 2/7‬من اتفاقية فيينا‬
‫لقانون املعاهدات على أنه‪ 2« :‬ـ يعتبر األشخاص املذكورين فيما بعد ممثلني‬

‫د ـ عبد الواحد ناصر ـ قانون العالقات الدولية ـ النظريات واملفاهيم األساسية ـ دار‬ ‫((( ‬
‫حطني للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرباط ـ ‪ 1994‬ـ ص ‪. 161‬‬

‫‪139‬‬
‫لدولهم بحكم وظائفهم دون حاجة إلى تقدمي وثائق تفويض ‪:‬‬
‫أ ـ رؤساء الدول ورؤساء احلكومات ووزراء اخلارجية فيما يتعلق بجميع‬
‫األعمال اخلاصة بإبرام املعاهدة ‪.‬‬
‫ب ـ رؤس��اء البعثات الدبلوماسية فيما يتعلق باقرار نص معاهدة بني‬
‫الدولة املعتمدة والدولة املعتمدين لديها ‪.‬‬
‫ج ـ املمثلون املعتمدون في الدول لدى مؤمتر دولي أو لدى منظمة دولية‬
‫أو إحدى فروعها فيما يتعلق باقرار نص معاهدة في هذا املؤمتر أو املنظمة‬
‫أو الفرع» ‪.‬‬
‫إال أن وثيقة التفويض التي جتعل الشخص في مركز قانوني معتمداً أو‬
‫مفوضاً تكون مطلوبة في احلاالت األخرى ‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة ‪1 / 7‬‬
‫من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪.‬‬
‫ولكن إذا لم يكن املمثل يحمل معه وثيقة التفويض ‪ ،‬فقد قررت املادة‬
‫الثامنة من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات أنه ( ال يكون للتصرفات املتعلقة‬
‫بإبرام املعاهدة والتي قام بها شخص ال يعتبر مخوالً لتمثيل دولته طبقاً للمادة‬
‫السابعة أي أثر قانوني ما لم تتم اجازتها بعد ذلك من جانب الدولة ) ‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن املعاهدة تكون قابلة لالبطال ملصلحة الدولة التي لم يحمل ممثلها‬
‫وثيقة التفويض ‪ ،‬فلها أن جتيزها ولها أن تبطلها ((( ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ حترير املعاهدة وااللتزام بها‬
‫إذا أدت املفاوضة إلى اتفاق وجهات النظر ـ تبدأ مرحلة تسجيل ما‬
‫اتفق عليه في مستند مكتوب ‪ ،‬فيدون ما أتفق عليه بشكل مواد ‪ ،‬وذلك بعد‬
‫أن يتم االتفاق على حتديد اللغة الواجب إستعمالها في حترير املعاهدة ـ فإذا‬

‫وقد حدث ان تفاوض وزير الدمنارك املفوض مع وزير خارجية الواليات املتحدة ووقعا‬ ‫((( ‬
‫معاهدة بتاريخ ‪1941/4/10‬م خولت الواليات املتحدة احلق في إقامة قواعد بحرية‬
‫وجوية في جرينالند ‪ ،‬وذلك دون علم حكومته ودون أن يقدم اوراق تفويضه من الرئيس‬
‫ال قانوناً‬
‫ال باط ً‬
‫الدمناركي ‪ ،‬وقد أحتجت حكومة الدمنارك على املعاهدة واعتبرتها عم ً‬
‫وسحبت وزيرها املفوض ‪ .‬املصدر د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.112‬‬

‫‪140‬‬
‫كانت الدول املتفاوضة تتكلم لغة واحدة ففي هذه احلالة ال توجد أية صعوبة‬
‫إذ تستعمل هذه اللغة املشتركة في حترير املعاهدة كما هو احل��ال بالنسبة‬
‫للمعاهدات التي تعقد بني ال��دول العربية ‪ ،‬أما إذا كانت ال��دول املتفاوضة‬
‫تتكلم لغات مختلفة فيتبع في هذه احلالة أحد األساليب التالية ‪ :‬ـ‬
‫أ ـ حترير املعاهدة بلغة واحدة تختارها الدول املتفاوضة ‪ ،‬وقدميا كانت‬
‫اللغة الالتينية هي اللغة الدبلوماسية ولغة االتفاقات الدولية أيضا ‪ ،‬ثم حلت‬
‫محلها اللغة الفرنسية وبعد احلرب العاملية األولى أخذت اإلجنليزية تنافس‬
‫الفرنسية ‪.‬‬
‫ألحداهما‬ ‫ب ـ حترير املعاهدة بلغتني أو أكثر ‪ ،‬على أن تعطى األفضلية‬
‫بحيث تعتبر املرجع األول الذي يعول عليه عند االختالف ‪.‬‬
‫ج ـ حترير املعاهدة بلغات جميع الدول املشتركة فيها وتتمتع جميعها‬
‫بالقوة نفسها ‪ ،‬وعلى سبيل املثال فقد مت حترير ميثاق األمم املتحدة الصادر‬
‫في عام ‪ 1945‬بخمس لغات وهي اإلجنليزية والفرنسية واألسبانية والروسية‬
‫والصينية ‪ ،‬وجاء في املادة ‪ 111‬من هذا امليثاق ما يشير إلى أن هذه اللغات‬
‫تعتبر لغات امليثاق الرسمية على وجه السواء ‪ ،‬وكل نسخة منها تتمتع بنفس‬
‫القيمة والقوة امللزمة ‪ ،‬ولكن هذا األسلوب قد يؤدى عم ً‬
‫ال إلى مشاكل كثيرة‬
‫في تفسير املعاهدات الدولية ‪ ،‬فمن الصعب في كثير من األحيان التعبير عن‬
‫نفس املعنى أو املقصود على وجه الدقة ‪.‬‬
‫وتتألف املعاهدة عادة من ثالثة أقسام وهي الديباجة ‪ ،‬املنت ‪ ،‬واخلامتة‬
‫‪ ،‬وقد تلحق بها بعض املالحق ‪.‬‬
‫قبول االلتزام باملعاهدة‬
‫بعد االنتهاء من حترير املعاهدة الدولية باللغة الرسمية او اللغات التي‬
‫تتفق عليها الدول األطراف ‪ ،‬تبدأ مرحلة قبول الدول االلتزام باملعاهدة وذلك‬
‫من خالل التعبير عن إرادتها ‪ ،‬وطبقا لنص املادة ‪ 11‬من اتفاقية فيينا لقانون‬
‫املعاهدات التي نصت على أنه‪«:‬يجوز للدولة أن تعبر عن إرتضائها االلتزام‬
‫باملعاهدة بالتوقيع عليها أو بتبادل الوثائق املكونة لها أو بالتصديق عليها أو‬
‫بالقبول أو باملوافقة أو باإلنضمام إليها أو بأي وسيلة أخرى يتفق عليها»‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ولذلك فإنه يوجد بجانب التصديق على املعاهدة يجوز للدولة أن تعبر‬
‫عن إرتضائها االلتزام باملعاهدة بالتوقيع عليها أو بتبادل الوثائق املكونة لها‬
‫أو بالتصديق عليها أو املوافقة على اإلنضمام إليها أو بأي وسيلة أخرى يتفق‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ا ـ إرتضاء االلتزام بالتوقيع على املعاهدة‬
‫ويتم التوقيع على امل�ع��اه��دة بأسماء امل�ف��اوض�ين كاملة أو باألحرف‬
‫األولى لالسماء وذلك عندما يكون ممثل الدوله له بعض التحفظات وتردده‬
‫في املوافقة نهائياً على املعاهدة ورغبته في الرجوع الى حكومة دولته للتشاور‬
‫قبل التوقيع النهائي ‪ ،‬وك��ذل��ك إذا ك��ان ممثل ال��دول��ة غير مفوض بالتوقيع‬
‫النهائي ‪ ،‬وذل��ك ألن التوقيع على املعاهدة غالبا ما يعنى قبول ال��دول��ة لها‬
‫بالشكل النهائي وعن إرتضائها بااللتزام بنصوص املعاهدة وتطبيقها ‪.‬‬
‫وقد يتم التوقيع في بعض االحيان على املعاهدة حتت شرط الرجوع‬
‫للسلطات املختصة ‪ ،‬وهذا التوقيع ال ميكن اعتباره توقيعاً نهائياً إال بعد أن‬
‫يتم إقراره من السلطات املختصة بذلك ‪ ،‬وقد أجازت اتفاقية فيينا لقانون‬
‫العاهدات كال النوعني من التوقيع ( امل��ادة ‪ ) 10‬وف��ي ه��ذه احلالة ال يكون‬
‫التوقيع نهائياً ‪ ،‬ب��ل يحتاج إل��ى توقيع نهائي بعد أن يتم ال�ت�ش��اور م��ع تلك‬
‫السلطات ‪.‬‬
‫كما ان التوقيع باألحرف األولى ال يعد ملزماً للدولة بالتوقيع النهائي‬
‫على مشروع املعاهدة ‪ ،‬ومن ثم يحق للدول املعنية االمتناع عن التوقيع النهائي‬
‫‪ ،‬إال إذا كان هناك اتفاق مسبق يقضي بخالف ذلك ((( ‪.‬‬
‫إن التوقيع باالحرف األول��ى ال ينتج آث��اره إال إذا أعقبه التوقيع على‬
‫ال او أتفق األطراف على أن يكون له أثر التوقيع ‪ ،‬وهذا‬ ‫املعاهدة باالسم كام ً‬
‫ما نصت عليه املادة ‪ 2 / 12‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‬
‫وم��ع ذل��ك ف��إن التوقيع على االت�ف��اق��ات ذات الشكل املبسط ‪ ،‬والتي‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و د ـ محمد السعيد الدقاق ـ القانون الدولي العام ـ دار‬ ‫((( ‬
‫املطبوعات اجلامعية ـ اإلسكندرية ـ ‪ 1991‬ص ‪. 183‬‬

‫‪142‬‬
‫ذكرناها سابقاً ‪ ،‬يجعل املعاهدة منتجة آلثارها القانونية ‪ ،‬فهذا النوع من‬
‫االتفاقات يسلتزم فقط حدوث مفاوضة وإجراء التوقيع ((( ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تبادل وثائق املعاهدة‬
‫أما إرتضاء االلتزام مبعاهدة بتبادل الوثائق اخلاصة بها ‪ ،‬فقد بينت‬
‫املادة ‪ 13‬من اثفاقية فيينا ذلك حيث نصت على أنه ‪:‬‬
‫«تعبر الدولة عن إرتضائها االلتزام مبعاهدة بتبادل الوثائق اخلاصة بها‬
‫في احلاالت اآلتية ‪:‬‬
‫أ ـ إذا نصت هذه الوثائق على أن تبادلها ينتج هذا األثر ‪.‬‬
‫ب ـ إذا ثبت أن هذه الدول قد اتفقت على أن تبادل هذه الوثائق يكون‬
‫له هذا األثر»‪.‬‬
‫ويتبع هذا األسلوب في التعبير عن االلتزام باملعاهدة في املعاهدات‬
‫املبسطة التي تتم عن طريق تبادل اخلطابات أو املذكرات ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ اإلنضمام إلى املعاهدة‬
‫وإرت �ض��اء االل �ت��زام مبعاهدة يتم باإلنضمام إليها ‪ ،‬فطاملا ان طبيعة‬
‫امل�ع��اه��دات املتعددة األط��راف تسمح ف��ي الغالب باالنضمام إليها لتضمنها‬
‫نصوص تسمح بذلك ‪ ،‬فإن اتفاقية فيينا تكون قد حددت طريقاً آخر للتعبير‬
‫عن ارتضاء الدولة النهائي بهذه املعاهدات ‪ ،‬ونصت على ذلك املادة ‪ 15‬من‬
‫اتفاقية فيينا ‪ ،‬وم��ن أمثلة اإلنضمام ‪ ،‬ص��دور القانون رق��م ‪ 4‬لسنة ‪1975‬‬
‫اخل��اص بإنضمام اجلماهيرية العربية الليبية إل��ى ات �ف��اق الهيئة الدولية‬
‫لألقمار الصناعية لالتصاالت السلكية والالسلكية واتفاق التشغيل اخلاص‬
‫بها ‪ ،‬وك��ذل��ك ص��دور ق��رار مجلس ق �ي��ادة ال �ث��ورة ب�ت��اري��خ ‪1975 / 5 / 19‬‬
‫باملوافقة على إنضمام اجلماهيرية العربية الليبية إلى االتفاقية الدولية ملنع‬
‫جرمية الفصل العنصري ومعاقبة مرتكبيها ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 201‬‬ ‫((( ‬

‫‪143‬‬
‫ثالث ًا ـ التصديق‬
‫ويقصد بالتصديق ((( ‪ Ratification‬على املعاهدة ذلك اإلج��راء الذي‬
‫تقبل به الدول األطراف االلتزام بصورة نهائية بأحكام املعاهدة وفقاً لالجراءات‬
‫الدستورية في كل دولة من هذه الدول ‪ ،‬ومن هنا قيل بأن التصديق يعد إجرا ًء‬
‫وطنياً بحتاً ‪ ،‬إذ يتم وفقاً للقانون الوطني في كل دولة طرف في املعاهدة(((‪.‬‬
‫وإذا كان من املتصور عدم إشتراط التصديق بالنسبة للمعاهدات ذات‬
‫الشكل املبسط التي ذكرناها سابقاً اال أن التصديق أم��راً ضرورياً بالنسبة‬
‫للمعاهدات باملعنى الدقيق أي املعاهدات التي متر بجميع املراحل الشكلية‬
‫لعقدها ‪ ،‬وقد نصت على ذلك املادة ‪ 14‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‬
‫اخلاصة بإرتضاء االلتزام مبعاهدة بالتصديق أو القبول أو املوافقة بقولها‪:‬‬
‫«‪ -1‬تعبر الدولة عن ارتضائها االلتزام مبعاهدة بالتصديق عليها وذلك‬
‫في احلاالت التالية ‪(:‬أ‪ -‬إذا نصت املعاهدة على أن يكون التصديق هو وسيلة‬
‫التعبير عن اإلرتضاء‪.‬‬

‫((( ويذكر اللورد ماكنير في كتابه « قانون املعاهدات» إن كلمة تصديق تستعمل في عدة معان‬
‫مختلفة من بينها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلج��راء الذي تقوم به احلهة املختصة في الدولة سواء كلنت امللك أو الرئيس أو املجلس‬
‫االحتادي والتي تعنى موافقة الدولة على أن ترتبط باملعاهدة ‪ ...‬وهذا ما يعرف احياناً‬
‫بالتصديق في املعنى الدستوري ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االجراء الدولي الذي تنفذ به املعاهدة ‪ ،‬أي تبادل أو إيداع وثائق التصديق رسمياً ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الوثيقة التي تعبر بها الدولة عن رغبتها في االرتباط باملعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االستعمال الشعبي غير الدقيق والذي يعني موافقة السلطة التشريعية أو اجلهة التي تلزم‬
‫موافقتها على املعاهدة ‪.‬‬
‫أنظر بحث االستاذ طاهر شلش ـ التصديق على املعاهدات ـ املجلة املصرية للقانون الدولي ـ‬
‫املجلد العشرون ـ السنة ‪ 1964‬ـ ص ‪. 1‬وأنظر‬
‫‪Lord McNair , The Law of Treaties , Oxford University press 1961 , p . 129 .‬‬
‫وقد نصت املادة ‪ / 2‬ب من اتفاقية فيينا لقانون املعاهادت لسنة ‪ 1969‬بأن التصديق يعني "‬
‫االجراء الدولي املسمى كذلك ‪ ،‬والذي تقر الدولة مبقتضاه على املستوى الدولي رضاها‬
‫االلتزام باملعاهدة ‪.‬‬
‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 184‬‬ ‫((( ‬

‫‪144‬‬
‫ب‪ -‬إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول املتفاوضة كانت قد أتفقت على‬
‫إشتراط التصديق ‪.‬‬
‫ج‪-‬إذا ك��ان ممثل ال��دول��ة ق��د وق��ع على امل�ع��اه��دة م��ع التحفظ بشرط‬
‫التصديق‪.‬‬
‫د‪ -‬إذا بدت نية الدولة املعنية في أن يكون التوقيع بشرط التصديق‬
‫الالحق من وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء املفاوضة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعبر الدولة عن إرتضائها مبعاهدة عن طريق القبول أو املوافقة في‬
‫حاالت مماثلة للحاالت اخلاصة بالتصديق )‪.‬‬
‫واحلكمة من التصديق هو إعطاء الفرصة الكافية للدولة‪ ،‬قبل االلتزام‬
‫نهائياً باملعاهدة‪ ،‬للتفكير فيما تتضمنه هذه املعاهدة من حقوق والتزامات‪،‬خاصة‬
‫إذا كان موضوعها ميس املصالح العليا للدولة‪ ،‬فليس من املصلحة أن تتسرع‬
‫الدول في هذه احلالة في قبولها واالرتباط بها قبل دراستها جيداً‪ ،‬وكذلك‬
‫إفساح املجال للسلطة التشريعية إلبداء رأيها في املعاهدة‪ ،‬وخاصة في األنظمة‬
‫الدميقراطية التي تنص الدساتير فيها على موافقة السلطة التشريعية على‬
‫كل املعاهدات‪ ،‬أو على الهامة منها‪ ،‬قبل تصديق رئيس الدولة ‪.‬‬
‫النظام القانوني للتصديق‪:‬‬
‫التصديق نظام قانوني يحكمه القانون الداخلي لكل دولة‪ ،‬حيث يعني‬
‫كيفية التصديق على املعاهدة واجلهة املختصة به‪.‬‬
‫‪ -1‬شكل التصديق‪:‬‬
‫إجراء التصديق ال يخضع لشكل معني ‪ ،‬فقد يتم عادة في صورة تبادل‬
‫خطابات ب�ين ال��دول املوقعة على املعاهدة تعرف باسم خطابات التصديق‬
‫‪ Letters of Ratification‬إذا ك��ان��ت امل�ع��اه��دة ثنائية ‪ ،‬أم��ا التصديق على‬
‫املعاهدات اجلماعية فيتم عادة بإيداع وثائق التصديق لدى الدولة التي تقرر‬
‫ان تودع لديها هذه الوثائق بنص في املعاهدة أو لدى االمانة العامة للمنظمة‬
‫الدولية التي مت حتديدها بنص في املعاهدة لتودع لديها ‪ ،‬وقد نصت املادة‬
‫‪ 16‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على األحكام اخلاصة بتبادل او إيداع‬

‫‪145‬‬
‫وثائق التصديق أو القبول أو اإلنضمام ‪.‬‬
‫‪ -2‬مبدأ حرية التصديق‬
‫التصديق إج ��راء ح��ر‪ ،‬ول�ل��دول��ة مطلق احل��ري��ة ف��ي التصديق او عدم‬
‫التصديق على م��ا ي��وق��ع عليه ممثلوها م��ن م �ع��اه��دات‪ ،‬وي�ت��رت��ب على حرية‬
‫التصديق النتائج التالية ‪:‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ عدم حتديد موعد التصديق‬
‫إذا لم تنص املعاهدة صراحة على موعد معني للتصديق ‪ ،‬فإن الدولة‬
‫املوقعة لها مطلق احل��ري��ة ف��ي إختيار ال��وق��ت املناسب للتصديق مهما طال‬
‫الوقت بني التوقيع والتصديق‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك عدم تصديق جمهورية‬
‫مصر العربية على االتفاقية املوقعة سنة ‪1953‬م بشأن احلقوق السياسية‬
‫ل �ل �م��رأة إال ف��ي ‪1981/ 6/17‬م‪ ،‬ون �ف��س األم ��ر ب��ال�ن�س�ب��ة ل�ت�ص��دي�ق�ه��ا على‬
‫اتفاقية احلقوق املدنية والسياسية لإلنسان‪ ،‬واتفاقية احلقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية لإلنسان املوقعتني سنة ‪1966‬م حيث لم توافق عليها إال في‬
‫‪1981/ 10 /10‬م(((‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ التصديق املشروط‬
‫طاملا أن التصديق هو سلطة تقديرية للدولة فيمكن لها تعليق التصديق‬
‫أو تبادل وثائق التصديق على املعاهدة بتحقيق ش��رط معني ‪ ،‬وم��ن االمثلة‬
‫على ذلك تعليق فرنسا تصديقها على معاهدة الصداقة وحسن اجل��وار مع‬
‫ليبيا املوقعة في ‪1955/8/10‬م حيث علقت تبادل وثائق التصديق على هذه‬
‫املعاهدة بتعيني احلدود اجلزائريةـ الليبية‪ ،‬وهو ما مت االتفاق عليه بينهما‪،‬‬
‫حيث مت تعيني احل��دود ف��ي ‪1956 / 12 / 16‬م‪ ،‬ث��م ص��دق��ت فرنسا على‬
‫املعاهدة‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ رفض التصديق‬
‫ال تترتب على الدولة أي��ة مسئولية دولية في حالة رفضها التصديق‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 206‬‬ ‫((( ‬

‫‪146‬‬
‫على معاهدة سبق لها أن وقعتها‪ ،‬وإذا كان رفض التصديق يعد عم ً‬
‫ال غير‬
‫ودي ‪ ،‬وقد يترتب عليه آثار سياسية سيئة ‪ ،‬ولكنه مشروع وجائز ‪ ،‬وبسبب‬
‫األخذ مببدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬وخضوع إبرام املعاهدات ملوافقة السلطتني‬
‫التنفيذية والتشريعية ‪ ،‬فقد تختلف السلطتني حول املعاهدة ‪ ،‬األم��ر الذي‬
‫يحول دون إمتام التصديق نتيجة الختالف وجهتي نظرها في هذا الصدد ‪،‬‬
‫ومن االمثلة املشهورة على ذلك رفض مجلس الشيوخ االمريكي في ‪/ 3 / 19‬‬
‫‪ 1919‬التصديق على معاهدة فرساي التي تضمنت عهد عصبة األمم ‪ ،‬نظراً‬
‫للخالف بني املجلس والرئيس االمريكي ولسن ‪ ،‬مما أدى إلى عدم إنضمام‬
‫الواليات املتحدة االمريكية إلى عصبة األمم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ السلطة املختصة بالتصديق‬
‫إن حتديد السلطة املختصة بالتصديق يختلف من دولة إلى أخرى حسب‬
‫النظام السياسي ووفقاً ملا يحدده الدستور فقد يعطي هذا احلق إلى السلطة‬
‫التشريعية أو التنفذية او كليهما ‪.‬‬
‫أ ـ إعطاء حق التصديق الى السلطة التنفيذية‬
‫وهذا االسلوب كان متبعاً في ظل االنظمة امللكية املطلقة والدكتاتورية‪،‬‬
‫فقد عرفته فرنسا عندما كانت خاضعة للنظام االمبراطوري «دستور سنة‬
‫‪1852‬م»‪ ،‬وعرفته كذلك إيطاليا في ظل احلكم الفاشي من علم ‪1922‬مـ‬
‫‪ ،1943‬واملانيا في عهد احلكم ال�ن��ازي من ‪ 1933‬ـ ‪ ، 1945‬واليابان منذ‬
‫صدور الدستور لسنة ‪ 1889‬حتى دستور سنة ‪. 1946‬‬
‫وفي كل هذه االنظمة يصدق رئيس الدولة وحده على املعاهدات الدولية‬
‫‪ ،‬ويعتبر هذا االسلوب اسلوباً استثنائياً فرضته ظروف تلريخية معينة ‪ ،‬وهو‬
‫اآلن نادر األخذ به ‪.‬‬
‫ب ـ إعطاء حق التصديق للسلطة التشريعية‬
‫وفي هذه احلالة يعطى حق التصديق للسلطة التشريعية فقط ‪ ،‬وهو‬
‫اسلوب استثنائي ايضاً وهو يستند إلى النظام الدميقراطي املتبع في تلك‬
‫ال��دول‪ ،‬وع��ادة مينح الدستور إل��ى السلطة التشريعية صالحيات أوس��ع من‬

‫‪147‬‬
‫ص�لاح�ي��ات السلطة التنفيذية‪ ،‬وم��ن أمثلته التصديق على امل �ع��اه��دات في‬
‫اجلماهيرية الليبية‪ ،‬حيث أعطى ه��ذا األختصاص إل��ى امل��ؤمت��رات الشعبية‬
‫األساسية ‪ ،‬وذلك مبوجب القانون رقم ‪ 2‬لسنة ‪ 1993‬بشأن تنظيم املؤمترات‬
‫الشعبية ‪ ،‬فقد جاء في املادة الرابعة منه أن‪«:‬املؤمترات الشعبية األساسية‬
‫هي االداة الوحيدة ملمارسة السلطة في البالد ‪ ...‬ولها بصفة خاصة إتخاذ‬
‫ال �ق��رارات التالية ‪ -3:‬التصديق على امل�ع��اه��دات واالت�ف��اق�ي��ات امل�ب��رم��ة بني‬
‫اجلماهيرية العربية الليبية الشعبية األشتراكية العظمى والدول األخرى» ((( ‪،‬‬
‫وكذلك االحتاد السوفيتي في ظل دستور سنة ‪1923‬م ‪ ،‬ولكن طبقاً للمادة ‪49‬‬
‫من دستور سنة ‪1936‬م واملادة ‪ 121‬من دستور سنة ‪1977‬م أصبح التصديق‬
‫من اختصاص هيئة رئاسة السوفيت األعلى التي ينتخبها مجلس السوفيت‬
‫األعلى من بني أعضائه ‪.‬‬
‫ج ـ إعطاء حق التصديق لكال السلطتني‬
‫ويعتبر هذا االسلوب هو األكثر إنتشاراً في العالم ‪ ،‬حيث تأخذ به أغلب‬
‫الدول ‪ ،‬حيث تتقاسم السلطتني التشريعية والتنفيذية مهمة التصديق إال أن‬
‫م��دى ال�ت��وازن ب�ين صالحيات السلطتني بشأن التصديق ‪ ،‬يختلف م��ن دول��ة‬
‫ألخرى وفقاً ملا يحدده دستور كل دولة ‪.‬‬
‫إن معظم دول العالم تأخذ بهذا االسلوب ‪ ,‬وقد أخذ به دستور جمهورية‬
‫مصر العربية الصادر ‪ 1971‬إذ ق��رر في امل��ادة ‪ 151‬أن‪«:‬رئ�ي��س اجلمهورية‬
‫يبرم املعاهدات ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة مبا يناسب من البيان وتكون‬
‫لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها وفقاً لالوضاع املقررة‬
‫‪ .‬على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة واملالحة وجميع املعاهدات‬
‫التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة ‪ ،‬أو التي تتعلق بحقوق السيادة ‪،‬‬
‫أو التي حتمل خزينة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في املوازنة جتب‬
‫موافقة مجلس الشعب عليها»‪.‬‬

‫اجلريدة الرسمية ـ العدد ‪ 4‬السنة ‪ 32‬اجلماهيرية ‪ 1993‬ص ‪. 81‬‬ ‫((( ‬

‫‪148‬‬
‫التصديق الناقص‬
‫قد يشترط دستور الدولة للتصديق على املعاهدة ضرورة عرضها على‬
‫السلطة التشريعية ألخذ موافقتها‪ ،‬فإن صدرت هذه املوافقة أمكن لرئيس‬
‫ال��دول��ة التصديق عليها‪ ،‬ول�ك��ن ق��د يعمد رئ�ي��س ال��دول��ة إل��ى التصديق على‬
‫املعاهدة‪ ،‬دون الرجوع مسبقاً إلى السلطة التشريعية‪ ،‬مخالفاً بذلك دستور‬
‫دولته‪ ،‬فما هي القيمة القانونية ملثل هذا التصديق الذي أصطلح الفقه على‬
‫تسميته بالتصديق الناقص؟‬
‫لقد أختلفت اآلراء حول صحة املعاهدة التي لم يتم التصديق عليها‬
‫حسب ما يستوجبه دستور تلك الدولة وكما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ال��رأي األول يذهب إلى االعتراف بصحة التصديق ال��ذي لم تراع‬
‫فيه االجراءات الدستورية معتبرين ذلك ال يحول دون اعتبار املعاهدة صحيحة‬
‫وذل��ك حرصاً على إستقرار العالقات الدولية‪ ،‬واحليلولة دون تدخل بعض‬
‫الدول في الشئون الداخلية للدول األخرى بحجة مراقبة صحة إبرام املعاهدات‬
‫ومطابقتها لالجراءات املنصوص عليها في الدستور ((( ‪.‬‬
‫ومن هؤالء الفقهاء الباند وهو من دعاة نظرية أزدواج القانون ‪ ،‬وقد‬
‫أيد هذا االجتاه االستاذ جورج سل منطلقاً من نظرية وحدة القانون مع علو‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬ألن أي حل آخر سيؤدي إلى إخضاع القانون الدولي إلى‬
‫القانون الداخلي ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الرأي الثاني يذهب إلى بطالن املعاهدة املصدقة بشكل غير صحيح‪،‬‬
‫وهو يستند إلى فكرة االختصاص التي تقضي بعدم تولد أي أثر قانوني إال من‬
‫العمل الذي يقوم به املختص بإجرائه ‪ ،‬أي السلطة املسموح لها بذلك قانوناً‪،‬‬
‫وعليه فإن رئيس الدولة متى جتاوز اختصاصه تصبح تصرفاته باطلة‪ ،‬ومن‬
‫ثم ال تنتج اآلثار التي كان من شأنها انتاجها لو متت صحيحة باتباع أحكام‬
‫الدستور ‪ ،‬ومن مؤيدي هذا الرأي شتروب وشارل روسو ‪.‬‬
‫‪ -3‬ال��رأي الثالث وق��د أخ��ذت ب��ه امل��درس��ة الوضعية اإليطالية أمثال‬

‫د ـ ابراهيم احمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 209‬‬ ‫((( ‬

‫‪149‬‬
‫انزيلوتي وكافاليري ‪ ،‬ويذهب إلى نفاذ املعاهدة املصدقة بشكل غير صحيح‬
‫وذلك باالستناد إلى فكرة مسئولية الدولة من الناحية الدولية ‪ ،‬فالدولة التي‬
‫خالف رئيسها أحكام التصديق املقررة في دستور دولته تصبح مسئولة عن‬
‫أعمال رئيسها مسئولية دولية ‪ ،‬فالتصديق الناقص عمل غير مشروع وبالتالي‬
‫فإن الدولة ال تستطيع اإلدع��اء ببطالن املعاهدة بدعوى أن التصديق الذي‬
‫أج��راه رئيسها غير مشروع ‪ ،‬وخير تعويض ميكن أن يترتب على مسئولية‬
‫الدولة عن أعمال رئيسها هو إبقاء املعاهدة نافذة منتجة آلثارها ((( ‪.‬‬
‫‪ -4‬الرأي الرابع ومييز بني املخالفات اجلوهرية للقواعد الدستورية‪،‬‬
‫فينتج عنها عدم االعتداد باملعاهدة بخالف املخالفات الثانوية فإنها ال تؤثر على‬
‫صحة املعاهدة‪ ،‬وقد أخذت بهذا الرأي اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات(((‪.‬‬
‫وعلى ذلك فقد نصت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪1969‬م في‬
‫املادة ‪ 46‬منها بالقول ‪:‬‬
‫«‪ -1‬ال يجوز ل��دول��ة ان تتمسك ب��أن التعبير ع��ن ارتضائها االل�ت��زام‬
‫مبعاهدة قد مت باملخالفة حلكم في قانونها الداخلي يتعلق باالختصاص بابرام‬
‫امل�ع��اه��دات كسبب الب�ط��ال رض��اه��ا إال إذا ك��ان إخ�لاالً واض�ح�اً بقاعدة ذات‬
‫أهمية جوهرية من قواعد القانون الداخلي ‪.‬‬
‫‪ -2‬يعتبر اإلخالل واضحاً إذا تبني بصورة موضوعية ألية دولة تتصرف‬
‫في هذا الشأن وفق السلوك العادي وبحسن نية»‪.‬‬
‫ويندر الدفع ببطالن املعاهدة بدعوى التصديق عليها من جانب أحد‬
‫أطرافها دون إتباع االجراءات الدستورية ‪ ،‬فعلى صعيد القضاء الدولي فقد‬
‫ج��رى ال��دف��ع ببطالن املعاهدة بسبب تصديقها تصديقاً ناقصاً ف��ي ح��االت‬
‫نادرة للغاية كقرار التحكيم الذي اصدره الرئيس االمريكي كليفالند في سنة‬
‫‪1888‬م بعدم صحة معاهدة احلدود املعقودة بني كوستاريكا ونيكاراغوا في سنة‬
‫‪1858‬م‪ ،‬وذلك لعدم مراعاة التصديق عليها لنصوص دستور نيكاراغوا(((‪.‬‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و د محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 190‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 119‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 146‬‬ ‫((( ‬

‫‪150‬‬
‫إمن��ا يالحظ ان��ه إذا كانت املعاهدة التي أن�ف��ردت السلطة التنفيذية‬
‫بإبرامها دون الرجوع إلى السلطة التشريعية وفق ما يقضي به دستور الدولة‪،‬‬
‫ال من جانب كل من طرفيها دون‬ ‫وكانت هذه املعاهدة قد أذيعت ونفذت فع ً‬
‫أن تعترض عليها تلك الهيئة عند بدء تنفبذها أو يقوم بشأن شرعيتها نزاع‬
‫بني السلطات املختصة للطرفني املتعاقدين‪ ،‬فإنه ال يجوز بعد ذل��ك الدفع‬
‫ببطالنها ‪ ،‬وخصوصاً إذا كان نفاذها قد استمر وقتاً ما ‪ ،‬مما يستفاد منه أنه‬
‫قد مت إقرارها ضمناً من جانب السلطات السياسية ((( ‪.‬‬
‫رابع ًا ـ تسجيل املعاهدة‬
‫لقد أعتبر ميثاق األمم املتحدة املعاهدة غير املسجلة صحيحة بحد‬
‫ذاتها بني األطراف مع عدم امكانية التمسك بها أمام هيئات املنظمة الدولية‬
‫ألي سبب كان ‪ ،‬فقد جاء في املادة ‪ 102‬من امليثاق على أن ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ كل معاهدة وك��ل اتفاق دول��ي يعقده أي عضو من أعضاء األمم‬
‫املتحدة بعد العمل بهذا امليثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم‬
‫بنشره بأسرع ما ميكن ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ليس ألي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقاً للفقرة‬
‫األولى من هذه املادة أن يتمسك بتلك املعاهدة أو ذلك االتفاق أمام أي فرع‬
‫من فروع األمم املتحدة»‪.‬‬
‫وق��د تناولت اتفاقية فيينا لقانون امل�ع��اه��دات م��وض��وع تسجيل ونشر‬
‫املعاهدات في املادة ‪ 80‬منها حيث نصت على أنه‪:‬‬

‫ومن السوابق الدولية التي تؤيد ذلك سابقة اتفاقية البريد بني بريطانيا و اورغواى ففي‬ ‫((( ‬
‫‪ 1853 /11 / 28‬ابرمت اتفاقية بريدية بني بريطانيا و ارورغواى ‪ ،‬ثم حدث بعد ذلك‬
‫أن أصدرت حكومة ارورغواى في سنة ‪ 1873‬مرسوماً يقضي بعدم تقيدها باالتفاقية‬
‫الذكورة على أساس انه لم يتم إقرارها بواسطة السلطة التشريعية املختصة ‪ ،‬ولكن‬
‫احلكومة البريطانية رفضت هذا املسلك وق��ررت ان االتفاقية التي تنفذ عدة سنوات‬
‫‪ Which has been acted on for many years‬ال يجوز التحلل منها بحجة انه لم يراع في‬
‫إبرامها االشتراطات الدستورية ‪ ,‬املصدر ـ د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ‬
‫ص ‪. 549‬‬

‫‪151‬‬
‫«‪ 1‬ـ حتال املعاهدات بعد دخولها دور النفاذ إلى األمانة العامة لألمم‬
‫املتحدة لتسحيلها أو قيدها وحفظها وفقاً لكل حالة ونشرها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعيني جهة اإليداع يخول لها سلطة القيام باألعمال املنصوص عليها‬
‫في الفقرة السابقة»‪.‬‬
‫إن منظمة األمم املتحدة تقوم بنشر مثل هذه املعاهدات بشكل دوري في‬
‫مجموعات تسمى بسلسلة األمم املتحدة للمعاهدات ‪ ،‬كما نصت مواثيق عدة‬
‫منظمات أخرى إلى جانب األمم املتحدة على تسجيل املعاهدات التي يعقدها‬
‫أعضاؤها ‪ ،‬فاملادة ‪ 17‬من ميثاق جامعة الدول العربية تنص « على أن تودع‬
‫ال��دول األعضاء في اجلامعة في االمانة العامة نسخاً من جميع املعاهدات‬
‫واالتفاقات التي عقدتها أو تعقدها مع أية دولة أخرى من دول اجلامعة أو‬
‫غيرها « غير ان ميثاق اجلامعة لم ينص على ال�ت��زام االم��ان��ة العامة بنشر‬
‫املعاهدات كما أنه لم يبني جزاء عدم اإليداع ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫التحفظ على املعاهــدات‬

‫ عرفت امل��ادة ‪/1/2‬د من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‪ ،‬التحفظ‬


‫‪ Reservation‬بأنه‪«:‬إعالن من جانب واحد أيا كانت صيغته أو تسميته يصدر‬
‫عن الدولة عند توقيعها أو تصديقها أو قبولها أو موافقتها أو إنضمامها إلى‬
‫معاهدة ما ‪ ،‬وتهدف به إستبعاد أو تعديل األثر القانوني ألحكام معينة في‬
‫املعاهدة من حيث سريانها على هذه الدولة»‪.‬‬
‫ويتضح من التعريف ال��ذي أوردت��ه امل��ادة أع�لاه‪ ،‬بأن التحفظ هو ذلك‬
‫اإلعالن الذي تسعى من ورائه الدولة إلى تعديل او إستبعاد أحكام معينة من‬
‫املعاهدة ‪ ،‬ومن ثم فإن أي إعالن ال يسعى إلى هذا التعديل أو ذلك اإلستبعاد‬
‫لبعض أحكام املعاهدة ال يكون حتفظاً حتى ولو أدعت الدولة الصادر عنها‬

‫‪152‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬ ‫اإلعالن أنها تبدى حتفظاً‬
‫ولذلك فالتحفظ هو إجراء رسمي يصدر عن إحدى الدول أثناء التوقيع‬
‫على املعاهدة أو التصديق عليها أو اإلنضمام إليها أو قبولها ‪ ،‬تعلن فيه‬
‫رغبتها في إستبعاد أو تعديل األثر القانوني لبعض أحكام املعاهدة ‪.‬‬
‫والتحفظ باملعنى السابق يختلف في األساس عن ارتضاء االلتزام بجزء‬
‫فقط من املعاهدة ‪ ،‬وكذلك يختلف عن اخليار بني نصوص مختلفة من املعاهدة‬
‫وقد نصت على ارتضاء االلتزام بجزء من املعاهدة واخليار بني نصوص مختلفة‬
‫من املعاهدة ‪ ،‬املادة ‪ 17‬من اتفاقية فيينا حيث نصت على أنه ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ب��دون اإلخ�لال ب��امل��واد من ‪ 19‬ال��ى ‪ ، 23‬ال يكون ارت�ض��اء الدولة‬
‫االلتزام بجزء من معاهدة نافذاً إال إذا سمحت بذلك املعاهدة أو اتفقت على‬
‫ذلك بقية الدول املتعاقدة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اليكون ارتضاء الدولة االلتزام مبعاهدة تسمح باخليار بني نصوص‬
‫مختلفة نافذاً اال إذا تبني بوضوح إلى أي النصوص أنصرف رضاها»‪.‬‬
‫وق ��د ج ��اء ب��ال��رأي االس �ت �ش��اري حمل�ك�م��ة ال �ع��دل ال��دول �ي��ة ال��ص��ادر في‬
‫‪1951/5/28‬م رفض احملكمة فكرة منع الدول املوقعة أو املنضمة إلى اتفاقية‬
‫متعددة األطراف من حق إبداء أي حتفظ بشأنها اال إذا كانت االتفاقية ذاتها‬
‫حتظر ذلك ‪ ،‬وأجازت التحفظ بصورة عامة إذا كان هذا التحفظ ال يتعارض‬
‫مع أهداف االتفاقية وموضوعها ((( ‪.‬‬
‫وق��د أخ��ذت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات بذلك حيث نصت امل��ادة‬
‫‪ 19‬على أنه‪«:‬يجوز للدولة أن تبدي حتفظاً على املعاهدة عند توقيعها أو‬
‫التصديق عليها أو قبولها أو املوافقة عليها أو اإلنضمام إليها‪ ،‬باستثناء‬
‫احلاالت اآلتية‪:‬‬
‫ أ ـ إذا كان التحفظ محظوراً في املعاهدة ‪.‬‬

‫د ـ عبد الغني محمود ـ التحفظ على املعاهدات الدولية ـ دار اإلحتاد العربي للطباعة ـ‬ ‫((( ‬
‫‪1986‬مـ‪ ،‬ص ‪. 2‬‬
‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع سابق ـ ص ‪.215‬‬ ‫((( ‬

‫‪153‬‬
‫ ب ـ إذا ك��ان��ت امل�ع��اه��دة جتيز حتفظات معينة ليس م��ن بينها ذلك‬
‫التحفظ ‪.‬‬
‫ ج ـ ف��ي احل��االت ال�ت��ي ال تشملها ال�ف�ق��رات أ و ب إذا ك��ان التحفظ‬
‫مخالفاً ملوضوع املعاهدة والغرض منها»‪.‬‬
‫صور التحفظات‬
‫ قد يكون التحفظ في صورة إعفاء من تطبيق بعض نصوص املعاهدة‬
‫‪ ،‬مثل ذلك التحفظات التي أبدتها بعض الدول على ميثاق جنيف ملنع احلرب‬
‫سنة ‪ ، 1928‬فقد احتفظت فرنسا لنفسها بحق شن احلرب دفاعاً عن النفس‬
‫‪ ،‬والتحفظ الذي أبدته اململكة العربية السعودية على املعاهدة الثقافية لدول‬
‫اجلامعة العربية سنة ‪ 1945‬وقد جاء فيه‪«:‬إن حكومة العربية السعودية توافق‬
‫على ما جاء في هذه املعاهدة إال ما تراه يتعارض منها مع الشريعة االسالمية‬
‫أو ال يتفق مع ظروفها وأنظمتها احمللية»‪.‬‬
‫وقد يكون التحفظ في صورة إستبدال نصوص بأخرى ‪ ،‬مثل ذلك ان‬
‫كال من تركيا وايران عند التوقيع على اتفاقية جنيف املتعلقة مبرضى وجرحى‬
‫احلرب لسنة ‪1906‬م استبدلتا بالصليب االحمر الهالل االحمر لتركيا واالسد‬
‫والشمس احلمراء اليران ‪.‬‬
‫ ك��ذل��ك ق��د ي�ك��ون التحفظ ع �ب��ارة ع��ن إض��اف��ة ن��ص ف��ي ح��ال��ة سكوت‬
‫املعاهدة ‪ ،‬فدستور منظمة الصحة العاملية ال يتضمن نصاً بشأن اإلنسحاب‬
‫منها ‪ ،‬ولذلك حتفظت الواليات املتحدة االمريكية عند انضمامها إلى املنظمة‬
‫بحقها في أن تنسحب من املنظمة باخطار مسبق ملدة عام دون أن يخل ذلك‬
‫مبا قد يكون على الواليات املتحدة من التزامات مالية جتاه املنظمة ‪.‬‬
‫ويتم إبداء التحفظ بإحدى الطرق التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ قد تبدى الدولة التحفظ عند توقيعها على املعاهدة ويثبت التحفظ‬
‫في محضر التوقيع أو في بروتوكول خاص ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ قد تبدى الدولة التحفظ عند التصديق على املعاهدة ويثبت التحفظ‬
‫في وثيقة تبادل التصديقات أو مع وثيقة إيداع التصديق ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ 3‬ـ قد تبدى الدولة التحفظ عند إنضمامها إلى معاهدة مفتوحة مع‬
‫تسجيل التحفظ في وثيقة اإلنضمام ‪.‬‬
‫التحفظ على املعاهدات الثنائية‬
‫إن التحفظ على املعاهدات الثنائية ال يثير أية صعوبات ‪ ،‬ألن التحفظ‬
‫ال يشكل اال عرض جديد موجه للطرف اآلخر بتعديل بعض أحكام املعاهدة‪،‬‬
‫وبهذا يكون مصير هذا العرض مرتبطاً مبوافقة الطرف اآلخر ‪ ،‬فإذا وافق‬
‫على التحفظ ف�ه��ذا يعني ق�ي��ام امل�ع��اه��دة ف��ي ص��ورة ج��دي��دة معدلة وف�ق�اً ملا‬
‫تضمنه التحفظ ‪.‬‬
‫أما إذا رفض الطرف اآلخ��ر التحفظ ‪ ،‬فإن ذلك يعني إنتهاء مشروع‬
‫املعاهدة لعدم حصول االتفاق بني الطرفني على مضمون املعاهدة ‪ ،‬بعد حصول‬
‫التحفظ ‪.‬‬
‫التحفظ على املعاهدات متعددة األطراف‬
‫ أم��ا بالنسبة للتحفظ ال��ذي تبديه دول��ة على معاهدة جماعية عند‬
‫توقيعها أو تصديقها أو إنضمامها ‪ ،‬فإن قبول التحفظ يكون في حدود األحكام‬
‫السابقة التي وردت في املادة ‪ 19‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪.‬‬
‫وقد نصت املادة ‪ 20‬من االتفاقية على األحكام اخلاصة بقبول التحفظات‬
‫واالعترض عليها فجاء فيها ما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ال يحتاج التحفظ الذي جتيزه املعاهدة صراحة إلى أي قبول الحق‬
‫من قبل الدول املتعاقدة األخرى ‪ ،‬ما لم تنص املعاهدة على خالف ذلك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إذا تبني من العدد احملدود للدول املتفاوضة ومن موضوع املعاهدة‬
‫وال �غ��رض منها ان س��ري��ان امل�ع��اه��دة برمتها ب�ين جميع األط ��راف ه��و ش��رط‬
‫أساسي إلرت�ض��اء كل منها االل�ت��زام باملعاهدة‪ ،‬ف��إن أي حتفظ يحتاج لقبول‬
‫جميع األطراف ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا كانت املعاهدة أداة منشئة ملنظمة دولية ‪ ،‬يتطلب التحفظ قبول‬
‫الفرع املختص في هذه املنظمة ‪ ،‬ما لم تنص املعاهدة على خالف ذلك ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ 4‬ـ في احل��االت التي ال تخضع حلكم الفقرات السابقة وما لم تنص‬
‫املعاهدة على خالف ذلك‪ ،‬يراعى ‪:‬‬
‫ أ ـ إن قبول دولة متعاقدة لتحفظ صادر من دولة متعاقدة أخرى يجعل‬
‫الدولة املتحفظة طرفاً في املعاهدة في مواجهة الدولة األول��ى عنما تصبح‬
‫املعاهدة نافذة بني الدولتني ‪.‬‬
‫ ب ـ إن اعتراض دولة متعاقدة أخرى على حتفظ ال يحول دون نفاذ‬
‫املعاهدة بني الدولتني‪ ،‬املعترضة واملتحفظة‪ ،‬ما لم تبد الدولة املعترضة بصفة‬
‫قاطعة نية مغايرة ‪.‬‬
‫ ج ـ إن التصرف الذي يصدر عن دولة معبراً عن ارتضائها االلتزام‬
‫مبعاهدة واملتضمن في الوقت نفسه حتفظاً على املعاهدة يصبح نافذاً مبجرد‬
‫أن تقبل التحفظ دولة متعاقدة أخرى على األقل ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ألغ��راض الفقرتني ‪ 2‬و ‪ 4‬وما لم تنص املعاهدة على خالف ذلك‬
‫يعتبر التحفظ مقبوالً من قبل دولة معينة إذا لم تبد إعتراضاً عليه خالل أثني‬
‫عشر شهراً من تاريخ إبالغها به وحتى تاريخ تعبيرها عن ارتضائها االلتزام‬
‫باملعاهدة ‪ ،‬أيهما أبعد»‪.‬‬
‫مما تقدم يظهر بأن اآلثار القانونية للتحفظ على املعاهدات املتعددة‬
‫األطراف من شأنه تعديل العالقة ما بني الدولة املتحفظة والدولة التي قبلت‬
‫التحفظ من الدول األطراف في املعاهدة ‪ ،‬وبالكيفية التي وردت في التحفظ‪،‬‬
‫ول�ك��ن ه��ذا ال ي��ؤث��ر على طبيعة ال�ع�لاق��ة م��ا ب�ين ال��دول��ة املتحفظة وأط��راف‬
‫املعاهدة اآلخرين الذين لم يقبلوا التحفظ ‪ ،‬إذ أن العالقات بينهم تبقى قائمة‬
‫وفقاً لألحكام األصلية للمعاهدة موضوع التحفظ ‪ ،‬وإذا حصل ودخل الطرف‬
‫الذي رفض التحفظ في عالقة تعاقدية مع الدولة املتحفظة على الرغم من‬
‫التحفظ‪ ،‬ففي هذه احلالة ال تنطبق النصوص موضوع التحفظ على العالقة‬
‫ما بني الدولة املتحفظة والدولة التي رفضت هذا التحفظ‪.‬‬
‫سحب التحفظ‬
‫ يصدر التحفظ عن الدولة التي أبدته عن ارادتها ‪ ،‬فهو عمل إرادي‬

‫‪156‬‬
‫‪ ،‬ولذلك يحق للدولة ان تسحب هذا التحفظ متى تشاء ((( ‪ ،‬وسحب التحفظ‬
‫يترتب عليه تطبيق نصوص املعاهدة بالنسبة جلميع األط��راف وعلى قدم‬
‫املساواة ‪ ،‬وقد نصت على ذلك معاهدة فيينا لقانون املعاهدات في املادة ‪22‬‬
‫التي تعرضت لسحب التحفظات واالعتراض عليها حيث جاء فيها ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك ‪ ،‬فإنه يجوز سحب التحفظ‬
‫في أي وقت كان وال يشترط إلمتام السحب رضا الدولة التي كانت قد قبلت‬
‫التحفظ ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك ‪ ،‬يجوز سحب االعتراض على‬
‫التحفظ في أي وقت ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك ‪ ،‬أو يتفق على حكم آخر ‪:‬‬
‫ أ ـ فإن سحب التحفظ ال ينتج أثره بالنسبة لدولة متعاقدة أخرى اال‬
‫عندما تتلقى الدولة إبالغاً بذلك ‪.‬‬
‫ ب ـ كذلك فإن سحب االعتراض على التحفظ ال ينتج أثره اال عندما‬
‫تتلقى الدولة املتحفظة إبالغاً بذلك»‪.‬‬

‫وقد يتم سحب التحفظ إعماالً اللتزام تأخذه الدولة على عاتقها ‪ ،‬ومن قبيل ذلك سحب‬ ‫((( ‬
‫مصر كافة حتفظاتها بشأن اسرائيل في أعقاب توقيع معاهدة السالم معها سنة ‪1978‬‬
‫‪ ،‬ففي بالغ مصري تلقاه األمني العام للمنظمة العاملية سحبت احلكومة املصرية اعتباراً‬
‫من ‪1980/ 1/25‬م كافة التحفظات التي اعتادت على إبدائها حني التعبير عن رضاها‬
‫النهائي االلتزام باملعاهدات الدولية والتي كان الهدف منها استبعاد اعتراف مصر بدولة‬
‫اسرائيل أو إقامة عالقات إتفاقية من اي نوع معها ‪ ،‬هذا وال تزال الدول العربية االخرى‬
‫تبدي مثل هذه التحفظات وذلك بالرغم من اعتراض اسرائيل عليها ـ راجع د ـ محمد‬
‫يوسف سليمان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 186‬‬

‫‪157‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫تنفيذ املعـ ــاهدات‬

‫ تتضمن امل�ع��اه��دات ع��ادة نصاً يحدد التاريخ ال��ذي يبدأ فيه تنفيذ‬
‫املعاهدة ‪ ،‬وإذا لم تتضمن املعاهدة مثل هذا النص فإن تاريخ البدء بالتنفيذ‬
‫يكون من وقت تبادل التصديقات أو من اليوم الذي يتم فيه إيداع عدد معني‬
‫من وثائق التصديق ‪ ،‬ويعمل بهذا االسلوب األخير كثيراً بالنسبة للمعاهدات‬
‫ال على‬‫املتعددة األطراف ‪ ،‬فاملادة ‪ 3 / 110‬من ميثاق األمم املتحدة تنص مث ً‬
‫أن امليثاق سيدخل دور النفاذ بعد إي��داع وثائق التصديق من جانب ال��دول‬
‫اخل�م��س ال�ك�ب��رى وأغلبية ال��دول األخ��رى امل��وق�ع��ة عليه ‪ ،‬وب�ع��ض امل�ع��اه��دات‬
‫تشترط وجوب إي��داع جميع التصديقات قبل املباشرة بالتنفيذ مثل معاهدة‬
‫حلف شمال االطلسي ‪.‬‬
‫وتنفيذ املعاهدات يثير عدة مسائل منها ما يتعلق بآثار املعاهدات قبل‬
‫التنفيذ ‪ ،‬وتاريخ البدء بتنفيذ املعاهدات الثنائية واجلماعية ‪ ،‬وتنفيذها داخل‬
‫الدولة ‪ ،‬وتنازع املعاهدات مع التشريع الداخلي ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ آثار املعاهدات قبل التنفيذ‬
‫‪ 1‬ـ عدم افساد الغرض من املعاهدة ‪ ،‬فيفترض بالدولة االلتزام بعدم‬
‫افساد الغرض من املعاهدة قبل دخولها دور النفاذ ‪ ،‬وقد أش��ارت إلى ذلك‬
‫املادة ‪ 18‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات إذ نصت ‪:‬‬
‫«تلتزم الدولة باالمتناع عن األعمال التي تستهدف افساد الغرض من‬
‫املعاهدة وذلك ‪:‬‬
‫أ ـ إذا وق�ع��ت على امل�ع��اه��دة أو ت�ب��ادل��ت ال��وث��ائ��ق اخل��اص��ة بها بشرط‬
‫التصديق أو القبول أو املوافقة إلى أن تبدى نيتها في أن ال تصبح طرفاً في‬
‫املعاهدة ‪.‬‬
‫ب ـ أو إذا عبرت عن ارتضائها االلتزام باملعاهدة انتظاراً لدخولها دور‬

‫‪158‬‬
‫النفاذ وبشرط أن ال يتأخر هذا التنفيذ بدون مبرر»‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تطبيق بعض ش��روط املعاهدة قبل دخولها دور النفاذ ‪ ،‬ويتم ذلك‬
‫عندما تتضمن املعاهدة بعض ال�ش��روط التي يجب حتقيقها قبل أن تصبح‬
‫املعاهدة كاملة وقابلة للتنفيذ ‪ ،‬فإذا كانت املعاهدة تنص على ضرورة التصديق‬
‫‪ ،‬يجب على الدول األطراف القيام بذلك قبل التفيذ ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تنفيذ املعاهدة بصورة مؤقتة ‪ ،‬ميكن تنفيذ املعاهدة او جزء منها‬
‫بصفة مؤقته حلني دخولها دور النفاذ ‪ ،‬إذا ما نصت املعاهدة على ذلك ‪ ،‬وفي‬
‫حالة ما إذا أتفقت الدول املتفاوضة على تنفيذ املعاهدة بصورة مؤقته منذ‬
‫التوقيع عليها وخالل مدة معينة أو حلني التصديق عليها ‪ ،‬ولم يتم التصديق‬
‫عليها بعد ذلك توقف مفعولها ‪ ،‬وغالباً ما تتبع هذه الطريقة في املعاهدات‬
‫املنشئة للمنظمات الدولية ‪ ،‬وفي هذه احلالة فالغرض من التنفيذ املؤقت هو‬
‫السماح بإقامة األجهزة الضرورية إلدارة املنظمة الدولية ‪.‬‬
‫وقد نصت على ذلك اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في املادة ‪ 25‬فجاء‬
‫فيها‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ تنفذ املعاهدة أو جزء منها بصفة مؤقته حلني دخولها دور النفاذ‬
‫في احلاالت األتية ‪:‬‬
‫ أ ـ إذا نصت املعاهدة ذاتها على ذلك ‪.‬‬
‫ ب ـ إذا أتفقت الدول املتفاوضة على ذلك بطريقة أخرى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ما لم تنص املعاهدة أو أتفقت ال��دول املتفاوضة على خالف ذلك‬
‫سوف ينتهي النفاذ املؤقت للمعاهدة أو جزء منها بالنسبة للدولة إذا أبلغت‬
‫هذه الدولة الدول األخرى التي نفذت املعاهدة فيما بينها بصفة مؤقته عن‬
‫نيتها في اال تصبح طرفاً في املعاهدة»‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تطبيق املعاهدات املتتابعة املتعلقة مبوضوع واح��د ‪ ،‬فقد يحدث‬
‫احياناً أن تتناول املعاهدة موضوعاً عاجلته معاهدة سابقة على نحو مختلف‬
‫دون االشارة إلى أي من النصني يقدم على اآلخر ‪ ،‬بحيث يثور التساؤل عن‬
‫أي من املعاهدتني تكون واجبة التطبيق في هذا املوضوع ‪ ،‬وباالخص إذا كان‬

‫‪159‬‬
‫االختالف بينهما واضحاً وجوهرياً ‪ ،‬وقد نصت على ذلك املادة ‪ 30‬من اتفاقية‬
‫فيينا ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ تاريخ البدء بتنفيذ املعاهدات الثنائية‬
‫إن تاريخ دخول املعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة للمعاهدات الثنائية يكون‬
‫حسب اتفاق الطرفني ‪ ،‬ويكون أما عند التوقيع على املعاهدة أو عند تبادل‬
‫التصديقات أو عند إيداع هذه التصديقات أو بعد مدة معينة من التوقيع على‬
‫املعاهدة أو التصديق عليها ‪.‬‬
‫ث��ال��ث�� ًا ـ ت��اري��خ ال��ب��دء بتنفيذ امل��ع��اه��دات امل��ت��ع��ددة األط����راف أو‬
‫اجلماعية‬
‫بالنسبة للمعاهدات املتعددة األطراف أو اجلماعية فدخولها دور النفاذ‬
‫‪ ،‬يختلف باختالف املعاهدات ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ املعاهدات ذات الطابع الشخصي‪ ،‬وهي التي تكون فيها شخصية‬
‫املتعاقدين محل أعتبار ‪ ،‬ففي هذه املعاهدات يجب قبولها من جميع الدول‬
‫ال�ت��ي ش��ارك��ت ف��ي امل�ف��اوض��ات وال�ت��ي وق�ع��ت عليها لتدخل دور النفاذ ‪ ،‬مثل‬
‫معاهدة السوق األوربية املشتركة ومعاهدات التحالف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املعاهدات اجلماعية العامة ‪ ،‬بالنسبة لهذه املعاهدات فعادة تدخل‬
‫دور النفاذ عند قبولها من ال��دول األط��راف في املعاهدة‪ ،‬ولكن يختلف عدد‬
‫ال��دول التي يجب أن ت��ودع وثيقة التصديق لتدخل املعاهدة في دور النفاذ‪،‬‬
‫ولكن في الوقت احلاضر ‪ ،‬فإن االجتاه السائد هو أن يكون القبول من عدد‬
‫ك��اف من ال��دول‪ ،‬وال توجد قاعدة عامة بهذا الشأن ‪ ،‬فمث ً‬
‫ال اتفاقية فيينا‬
‫لقانون املعاهدات‪ ،‬نصت في املادة ‪ 84‬على أن هذه االتفاقية تدخل دور النفاذ‬
‫من إي��داع الوثيقة اخلامسة والثالثني للتصديق أو االنضمام‪ ،‬بينما اتفاقية‬
‫فيينا خلالفة الدول في املعاهدات لسنة ‪1978‬م جعلت نفاذ هذه االتفاقية‬
‫من إيداع وثيقة التصديق اخلامسة عشرة (املادة ‪.)49‬‬
‫ كما ان هذه املعاهدات تنص عادة على أن تنفيذ املعاهدة يبدأ بعد‬
‫فترة معينة من إيداع عدد معني من التصديقات ‪ ،‬من ذلك اتفاقية فيينا التي‬

‫‪160‬‬
‫نصت في املادة ‪ 84‬على أن تنفيذ هذه املعاهدة يبدأ بعد إنقضاء ثالثني يوماً‬
‫من تاريخ إيداع الوثيقة اخلامسة والثالثني للتصديق او اإلنضمام ‪ ،‬واتفاقية‬
‫جنيف بشأن معاملة اسرى احلرب لسنة ‪1949‬م حيث نصت في املادة ‪138‬‬
‫بأن تصبح نافذة بعد مضي ستة اشهر من إيداع وثيقتي تصديق على األقل‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدول التي تنضم إلى املعاهدة بعد دخولها دور النفاذ‪،‬‬
‫ف��إن املعاهدة ال تكون ن��اف��ذة ف��وراً مبجرد االن�ض�م��ام‪ ،‬وإمن��ا بعد م��رور فترة‬
‫معينة‪ ،‬وق��د نصت على ذل��ك معظم املعاهدات متعددة األط��راف ‪ ،‬من ذلك‬
‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪1969‬م حيث نصت في امل��ادة ‪2/84‬‬
‫على أنه‪«:‬تنفذ املعاهدة بالنسبة للدول التي أودع��ت وثيقة إنضمامها بعد‬
‫إنقضاء ثالثني يوما من تاريخ االنضمام»‪.‬‬
‫رابع ًا ـ التنازع بني املعاهدة والقانون الداخلي‬
‫ إن تنفيذ املعاهدات داخ��ل ال��دول ‪ ،‬قد ي��ؤدي في بعض األحيان إلى‬
‫حصول تنازع بني أحكام املعاهدة التي ترتبط بها الدولة وبني أحكام تشريعاتها‬
‫الداخلية ‪ ،‬فقد تنظم املعاهادت حاالت لم يسبق للقانون الداخلي تنظيمها ‪،‬‬
‫وقد تنظم حاالت سبق وأن نظمها القانون الداخلي‪ ،‬وفي هذه احلالة قد تتفق‬
‫أحكام املعاهدة مع أحكام القانون الداخلي‪ ،‬وقد تتعارض هذه األحكام بعضها‬
‫مع البعض اآلخر‪ ،‬فأي حكم يطبق القاضي الوطني؟ ايطبق حكم املعاهدة التي‬
‫التزمت بها دولته أم يطبق حكم القانون الوطني؟ لألجابة على هذا السؤال‬
‫يجب الرجوع إل��ى دستور الدولة إن ك��ان يوجد فيه نص دستوري يبني هذه‬
‫املسألة من عدمه‪.‬‬
‫ففي حالة وجود نص دستوري يغلب حكم املعاهدة على القانون الداخلي‪،‬‬
‫فإن أحكام املعاهدة هي التي يطبقها القاضي الوطني في حالة وجود التنازع ‪،‬‬
‫وهذا ما تنص عليه بعض دساتير الدول مثل الدستور الفرنسي لسنة ‪1958‬‬
‫في املادة ‪ 55‬حيث يعتبر املعاهدات منذ نشرها تتغلب على القوانني الداخلية‬
‫الفرنسية ‪ ،‬وكذلك فعل الدستور الهولندي في املادة ‪ 60‬منه ‪.‬‬
‫أما في حالة عدم وجود نص دستوري ‪ ،‬ففي هذه احلالة يجب أن منييز‬
‫بني حالتني ‪:‬ـ‬

‫‪161‬‬
‫احل��ال��ة األول���ى‪ ،‬أن ي�ك��ون التشريع س��اب�ق�اً على امل�ع��اه��دة‪ ،‬ففي هذه‬
‫احلالة ال يجد القاضي الوطني أية صعوبة‪ ،‬إذ يطبق نصوص املعاهدة ويهمل‬
‫القانون الداخلي‪ ،‬وذلك باالستناد إلى املبدأ الذي يحكم تنازع القوانني من‬
‫حيث الزمان‪ ،‬أي مبدأ النص الالحق يلغي النص السابق ‪ ،‬ومبا أن املعاهدة‬
‫من حيث القوة تعادل القانون‪ ،‬فتعتبر قانون الحق على القانون الداخلي‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ ،‬أن يكون القانون الداخلي الحقا للمعاهدة ‪ ،‬وفي هذه‬
‫احلالة فإن إستبعاد أحدهما لآلخر يتوقف على مدى القوة التي يتمتع بها كل‬
‫منهما ‪ ،‬فإذا كانت املعاهدة الدولية لها قوة أعلى من القانون الداخلي فإن‬
‫القانون الالحق ال يستبعد أحكام املعاهدة على الرغم من تعارضها التام معه‬
‫‪ ،‬بل تستمر املعاهدة في التطبيق رغم صدور قانون الحق عليها ‪ ،‬وإذا كانت‬
‫املعاهدة الدولية تتمتع بذات قوة القانون العادي فإن القانون الالحق يستبعد‬
‫أحكام املعاهدة الدولية ((( ‪.‬‬

‫د ـ على عبد القادر القهوجي ـ املعاهدات الدولية أمام القضي اجلنائي ـ دار اجلامعة‬ ‫((( ‬
‫اجلديدة للنشر ـ اإلسكندرية ـ ‪ 1997‬ـ ص‪. 67‬‬

‫‪162‬‬
‫املبحث الرابع‬
‫تفسير املعاهدات وتعديلها‬

‫بعد أن تدخل املعاهدة حيز التنفيذ تظهر بعض املشاكل عند تطبيقها ‪،‬‬
‫كتفسير نص او أكثر من نصوص املعاهدة أو تعديل نص أو أكثر من نصوصها‬
‫املعاهدة ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وه��ذا يحتاج إلى بحث هذه املسائل التي تثور بصدد تطبيق‬
‫ولذلك سنقوم بتقسيم هذا املبحث إلى مطلبني ‪ ،‬نبني في املطلب األول تفسير‬
‫املعاهدات ‪ ،‬أما املطلب الثاني فنخصصه لتعديل املعاهدات ‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫تفسـير املعــاهدات‬

‫التفسير‪ ،‬ه��و العملية الذهنية ال�ت��ي ي�ق��وم بها املفسر ب�ه��دف حتليل‬
‫النصوص وجالء معناها احلقيقي لكي تكون صاحلة للتطبيق على ما يعرض‬
‫على القضاء من وقائع‪ ،‬واألس��اس الذي يرتكز عليه عمل املفسر هو ألفاظ‬
‫النص القانوني وعباراته ‪ ،‬وحدود عمله الذهني هو الكشف عن املعنى احلقيقي‬
‫الذي أراده واضعوا هذا النص((( ‪.‬‬
‫وعملية التفسير ذاتها‪ ،‬ذات طبيعة موضوعية وتستند إلى قواعد املنطق‬
‫بقصد حتديد معنى النصوص ونطاق تطبيقها ملقابلة احلاجات املتطورة في‬
‫مجال العالقات ومواجهة الظروف والوقائع التي تعرض أثناء التطبيق العملي‬
‫لنصوص املعاهدة الدولية‪ ،‬ومن الشائع في الوقت احلاضر أن تنص املعاهدات‬
‫على قواعد لتفسيرها واجراءات التفسير‪ ،‬وتختلف هذه القواعد واالجراءات‬
‫بحسب م��وض��وع امل �ع��اه��دات ال�س�ي��اس�ي��ة‪ ،‬واالق �ت �ص��ادي��ة‪ ،‬وينعكس ذل��ك على‬

‫د ـ علي عبد القادر القهوجي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 90‬‬ ‫((( ‬

‫‪163‬‬
‫اجراءات التفسير فيالئم األولى االجراءات اإلدارية‪ ،‬ويالئم الثانية االجراءات‬
‫القضائية أو القانونية كما في حالة اللجوء إلى التحكيم الدولي أو محكمة‬
‫العدل الدولية عند اخلالف على تفسير املعاهدة ((( ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫اجلهة املختصة بالتفسير‬

‫تتعدد اجلهات املختصة بالتفسير فقد تكون اجلهة املختصة بالتفسير‬


‫دول�ي��ة وق��د تكون اجلهة داخلية ‪ ،‬كما ق��د تكون جهة قضائية عندما يكون‬
‫التفسير قضائياً وقد تكون إداري��ة عندما يكون التفسير إداري �اً ‪ ،‬كذلك قد‬
‫تكون اجلهة املختصة بالتفسير منظمة دولية وقد تكون إح��دى أجهزة هذه‬
‫املنظمة ‪.‬‬
‫‪ - 1‬التفسير على الصعيد الدولي‬
‫والتفسير على الصعيد الدولي يتم أما من قبل حكومات الدول األعضاء‬
‫في املعاهدة ‪ ،‬وفي هذه احلالة يكون التفسير‪ ،‬تفسير حكومي دولي‪ ،‬ويجب‬
‫أن يتم مبوافقة جميع االط��راف ف��ي امل�ع��اه��دة‪ ،‬وق��د يكون التفسير صريحاً‬
‫كأن يعقد اتفاق تفسيري يتخذ شكل االتفاق املبسط أو تبادل املذكرات أو‬
‫بروتوكول يلحق باملعاهدة‪ ،‬وق��د يكون التفسير ضمنياً‪ ،‬وه��و يحدث عندما‬
‫يوافق األطراف على تنفيذ املعاهدة‪.‬‬
‫وقد يكون التفسير عن طريق القضاء الدولي ‪ ،‬ففي حالة عدم توصل‬
‫الدول األطراف إلى اتفاق على التفسير ‪ ،‬فإن ذلك قد يؤدي إلى نشوب نزاع‬
‫بني تلك الدول ‪ ،‬وعندها يعرض األمر على محاكم التحكيم أو القضاء الدولي‪،‬‬
‫فالتفسير يعتبر مسالة قانونية‪ ،‬وبالتالي يدخل في اختصاص القضاء لدولي‪،‬‬
‫وق��د اك��دت ذل��ك امل��ادة ‪ 2/13‬من عهد عصبة األمم ‪ ،‬حيث جعلت التفسير‬

‫د ـ ماجد ابراهيم علي ـ قانون العالقات الدولية في السلم واحلرب ـ ‪ 1993‬ـ ص ‪. 39‬‬ ‫(( (‬

‫‪164‬‬
‫من األمور التي تعرض على التحكيم أو على احملكمة الدائمة للعدل الدولي‪،‬‬
‫وك��ذل��ك امل��ادة ‪ 2/36‬م��ن النظام األس��اس��ي حملكمة ال�ع��دل الدولية اخلاصة‬
‫باالختصاص االلزامي للمحكمة والتي قررت أن‪:‬‬
‫«‪ 2‬ـ ل�ل��دول التي ه��ي أط��راف ف��ي ه��ذا النظام األس��اس��ي أن تصرح ‪،‬‬
‫في أي وقت ‪ ،‬بأنها بذات تصريحها هذا وبدون حاجة إلى اتفاق خاص تقر‬
‫للمحكمة بواليتها اجلبرية في نظر جميع املنازعات القانونية التي تقوم بينها‬
‫وب�ين دول��ة تقبل االل�ت��زام نفسه ‪ ،‬متى كانت ه��ذه املنازعات القانونية تتعلق‬
‫باملسائل األتية‪:‬‬
‫أ ـ تفسير معاهدة من املعاهدات»‪.‬‬
‫‪ -2‬التفسير على الصعيد الداخلي‬
‫التفسير الذي يتم على الصعيد الداخلي تقوم به األجهزة الوطنية داخل‬
‫الدولة‪ ،‬وقد تقوم به السلطة التنفيذية وقد تقوم به السلطة القضائية‪.‬‬
‫والتفسير احلكومي يكون بواسطة عمل قانوني داخلي سواء كان العمل‬
‫في ص��ورة قانون أو مرسوم أو ق��رار ‪ ،‬ع��ادة ما يحدث هذا التفسير بصورة‬
‫تلقائية كما أنه قد يتم بنا ًء على طلب الدولة املتعاقدة ‪ ،‬واملثال التقليدي على‬
‫ذلك ما يحدث عادة ‪ ،‬خاصة في فرنسا ‪ ،‬من صدور قرار من وزير اخلارجية‬
‫لتحديد احلصانة الشخصية املقررة مبوجب االتفاقيات الدولية للمبعوثني‬
‫القنصلني ((( ‪.‬‬
‫أما التفسير القضائي الداخلي‪ ،‬فإن معظم ال��دول ال تسمح لقضائها‬
‫ال��داخ�ل��ي بالتعرض لتفسير امل�ع��اه��دات إال ف��ي ح��االت الفصل ف��ي ال��دع��وى‬
‫املرفوعة أمام احملاكم الداخلية واملتعلقة مبصالح األفراد‪ ،‬والسبب في ذلك‬
‫يرجع إلى احترام مبدأ الفصل بني السلطات‪ ،‬وحتى ال يعتبر ذلك تدخل من‬
‫السلطة القضائية بأعمال السلطة التنفيذية ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع سابق ـ ص ‪. 248‬‬ ‫(( (‬

‫‪165‬‬
‫‪ 3‬ـ التفسير بواسطة املنظمات الدولية‬
‫ املعاهدات الدولية املنشئة للمنظمات الدولية ـ مثلها في ذلك مثل‬
‫املعاهدات الدولية األخرى ـ تختلف بالنسبة لها اجلهة املختصة بالتفسير ‪،‬‬
‫فقد تأتي الوثيقة املنشئة للمنظمة الدولية خالية من وجود نص صريح يحدد‬
‫تلك اجلهة ‪ ،‬وه��ذا هو احل��ال بالنسبة مليثاق األمم املتحدة ‪ ،‬وميثاق جامعة‬
‫الدول العربية ‪ ،‬وكذلك مجموعة كبيرة من الوثائق املنشئة للمنظمات الدولية‪،‬‬
‫وقد حتدد الوثيقة املنشئة للمنظمة الدولية اجلهة املختصة بالتفسير كالنص‬
‫على اللجوء إل��ى التحكيم الدولي أو منح ه��ذا االختصاص إل��ى أح��د أجهزة‬
‫املنظمة((( ‪.‬‬
‫وفي حالة عدم وجود نص يبني اجلهة املختصة بالتفسير ‪ ،‬فإن العرف‬
‫الدولي قد جرى على أن كل جهاز من أجهزة املنظمة الدولية يقوم بتفسير ما‬
‫ال يقوم مجلس األمن الدولي بتفسير اختصاصاته‬ ‫يقع ضمن اختصاصه ‪ ،‬فمث ً‬
‫املنصوص عليها في ميثاق األمم املتحدة على النحو الذي يراه مناسباً ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫قواعد التفس ــير‬

‫استخلص التحكيم والقضاء الدوليني مجموعة من القواعد في تفسير‬


‫املعاهدات ‪ ,‬دونتها اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في املواد ‪33 , 32 , 31‬‬
‫وتتعلق املادتان ‪ 32 , 31‬بالقواعد األصلية واملكملة التي تتبع في التفسير ‪،‬‬
‫بينما تتعلق املادة ‪ 33‬بتفسير املعاهدات احملررة بأكثر من لغة ونوضح ذلك‬
‫كما يلي ‪:‬‬

‫د ـ عبد الواحد محمد الفار ـ قواعد تفسير املعاهدات الدولية ـ دار النهضة العربية ـ‬ ‫((( ‬
‫‪ 1980‬ـ ص ‪. 25‬‬

‫‪166‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ املبادىء املتبعة في تفسير املعاهدات الدولية‬
‫نصت املادة ‪ 31‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهادت على املبادىء األصلية‬
‫التي يجب إتباعها عند تفسير املعاهدات وهي ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ تفسير املعاهدة وفق ًا ملبدأ حسن النية‬
‫يعتبر مبدأ حسن النية من امل�ب��ادىء األساسية في تفسير املعاهدات‬
‫‪ ،‬والذي يقضي بالبحث عن األمور التي ارادت األطراف قولها حقيقة ‪ ،‬في‬
‫ح��دود املعنى العادي اللفاظ املعاهدة وعلى ضوء موضوعها والغرض منها‪،‬‬
‫ولقد أكد معهد القانون الدولي ذلك في القرار الذي اتخذه في دورة إنعقاده‬
‫في سنة ‪1956‬م من أن‪«:‬تفسير املعاهدة يجب أن يكون مبوجب حسن النية»‬
‫كما أن القضاء الدولي قد أك��د ه��ذا املبدأ‪ ،‬من ذل��ك حكم احملكمة الدائمة‬
‫للعدل ال��دول��ي ال�ص��ادر في ‪1926/5/25‬م في قضية املصالح االملانية في‬
‫سيليزيا العليا البولونية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تفسير املعاهدة طبق ًا للمعنى العادي اللفاظها‬
‫فكثير م��ن ال�ن��زاع��ات التي تثور عند تطبيق املعاهدة سببها اختالف‬
‫أط ��راف امل�ع��اه��دة ف��ي تقدير معنى االل �ف��اظ وامل�ص�ط�لاح��ات ال�ت��ي تتضمنها‬
‫املعاهدة وتوضيح معنى االلفاظ ‪ ،‬فإن اتفاقية فيينا تقضي بأن تكون طبقاً‬
‫للمعنى العادي ‪ ،‬وهذا ان النص إذا كان واضحاً ومعناه معروفاً فيجب الوقوف‬
‫عند هذا املعنى دون محاولة التوسع في التفسير عن طريق إعطاء االلفاظ‬
‫معاني أخ��رى غير املعتاد عليها‪ ،‬إال إذا ثبت اجت��اه نية األط��راف إل��ى ذلك‬
‫‪ ،‬ولقد أك��د القضاء ال��دول��ي ذل��ك‪ ،‬ف��ي العديد م��ن أحكامه‪ ،‬م��ن ذل��ك ال��رأي‬
‫االستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في ‪ 1950‬بشأن أختصاص‬
‫اجلمعية العامة بقبول الدول في عضوية األمم املتحدة من أنه‪«:‬الواجب األول‬
‫ألي محكمة يطلب اليها تفسير وتطبيق نصوص معاهدة ما هو أن حتاول أن‬
‫تعطي تلك النصوص معناها الطبيعي واملعتاد» (((‪.‬‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و د ـ محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 240‬‬ ‫((( ‬

‫‪167‬‬
‫‪ 3‬ـ تفسير املعاهدة في األطار اخلاص بها‬
‫وه��ذا يعني أن ال تفسر نصوص املعاهدة ك��ل ن��ص على ح��ده ‪ ،‬وكأنه‬
‫مستقل عن باقي النصوص األخرى ‪ ،‬وإمنا يجب أن تكمل النصوص بعضها‬
‫البعض اآلخر ‪ ،‬وقد أكدت احملاكم الدولية هذا املبدأ في العديد من أحكامها‬
‫و من ذلك الرأي االستشاري الذي قالت به احملكمة الدائمة للعدل الدولي في‬
‫‪ 1922‬بشأن اختصاص منظمة العمل الدولية بتنظيم العمل في الزراعة حيث‬
‫جاء فيه‪«:‬إن املعاهدة يجب أن تقرأ ككل» مبعنى أنه ينبغي عدم االعتداد مبا‬
‫جاء في النص مبعزل عن مجموع السياق حتى ال يؤدي تفسيره إلى مدلوالت‬
‫مختلفة (((‪.‬‬
‫ويشتمل االط��ار اخل��اص باملعاهدة كذلك على الديباجة التي تتضمن‬
‫عادة األسباب التي أدت الى عقد املعاهدة واالهداف التي تنشدها األطراف‬
‫املتعاقدة وامل�ب��ادىء التي يلتزم األط��راف مبراعاتها ‪ ،‬وتعتبر الديباجة كما‬
‫ذكرنا سابقاً جزء ال يتجزأ من املعاهدة ‪ ،‬وعلى املفسر أن يأخذ بنظر االعتبار‬
‫ما ورد في الديباجة من أهداف ومبادىء عند التفسير ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ الوسائل املكملة في التفسير‬
‫إذا لم يستطع املفسر ال��ذي يستعمل وسائل التفسير أن يفسر النص‬
‫املراد تفسيره ‪ ،‬فيمكنه أن يلجأ إلى وسائل تكميلية أخرى تساعده على تفسير‬
‫النص ‪ ،‬من ذلك األعمال التحضيرية والظروف املالبسة إلبرام املعاهدة ‪.‬‬
‫وق��د نصت على ذل��ك امل��ادة ‪ 32‬م��ن اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات‬
‫بالقول‪(:‬يجوز االلتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير مبا في ذلك األعمال‬
‫التحضيرية للمعاهدة والظروف املالبسة لعقدها وذلك لتأكيد املعنى الناجت‬
‫عن تطبيق املادة ‪ 31‬أو لتحديد املعنى إذا أدى التفسير وفقاً للمادة ‪ 31‬الى‪:‬‬
‫أ ـ بقاء املعنى غامضاً أو غير صحيح ‪.‬‬
‫ب ـ أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير مقبولة) ‪.‬‬

‫د ـ عبد الواحد الفار ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 84‬‬ ‫((( ‬

‫‪168‬‬
‫والواقع ان األعمال التحضيرية تفيد في تفسير املعاهدة ‪ ،‬وذلك كون‬
‫هذه األعمال مقدمة طبيعية تسبق حترير املعاهدة فهي تبني كيف مت أختيار‬
‫النصوص وصياغتها مبا يتفق ومصالح وأهداف جميع األطراف ‪.‬‬
‫وقد أكد القضاء الدولي الصفة األحتياطية لألعمال التحضيرية كوسيلة‬
‫ميكن اللجوء إليها لتفسيراملعاهدة إذا ما تعذر تفسيرها وفقاً للمبادىء التي‬
‫ذكرناها سابقاً ‪ ،‬وج��اء ذل��ك ف��ي ال��رأي االس�ت�ش��اري حملكمة ال�ع��دل الدولية‬
‫املتعلق باختصاص اجلمعية العامة في قبول الدول األعضاء في األمم املتحدة‪،‬‬
‫حيث ذهبت احملكمة إلى أنها ال ترى داعياً لاللتجاء إلى األعمال التحضيرية‬
‫للميثاق لتفسير نصوصه ‪ ،‬نظراً لوضوح املادة الرابعة املتعلقة بشروط القبول‬
‫في عضوية األمم املتحدة ((( ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ تفسير املعاهدات احملررة بأكثر من لغة‬
‫حترر املعاهدات في الوقت احلاضر بأكثر من لغة ‪ ،‬وقد تتفق األطراف‬
‫على اعتبار إحدى نسخ املعاهدة احملررة بلغة معينة هي النسخة األصلية أو‬
‫املعتمدة‪ ،‬وفي هذه احلالة يتم تفسير املعاهدة طبقاً لهذه النسخة املعتمدة‪.‬‬
‫ال ان املعاهدة حترر بعدة لغات وتعتبر كل النسخ‬‫ولكن الذي يحدث فع ً‬
‫احملررة بلغات مختلفة لها قوة رسمية‪ ،‬وبالتالي تتمتع بنفس القيمة القانونية‪،‬‬
‫ال ميثاق األمم املتحدة حرر بخمس لغات‪ ،‬االجنليزية‪ ،‬الفرنسية‪ ،‬الروسبة‪،‬‬‫فمث ً‬
‫الصسنية‪ ،‬واالسبانية‪ ،‬وقد ذكرت املادة ‪ 111‬من امليثاق بأن هذه اللغات هي‬
‫لغات امليثاق الرسمية على وجه السواء ‪.‬‬
‫وفي حالة ح��دوث أي خالف بشأن تفسير أي نص من نصوص هكذا‬
‫معاهدات ‪ ،‬فإن التفسير في هذه احلالة ((( يتم على أس��اس املعنى اللغوي‬
‫الذي يستجيب للمعاني املثبته في النصوص احملررة باللغات املستعملة جميعاً‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و د ـ محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 243‬‬ ‫(( (‬
‫وقد كان الفقهاء ـ قبل افاقية فيينا لقانون املعاهدات ـ قد أختلفوا في الطريقة التي‬ ‫((( ‬
‫ينبغي األخذ بها في ترجيح واحدة من اللغات التي أختلف بينهما املعنى ‪ ،‬فأجته فريق‬
‫إلى ال��زام كل طرف باملعنى ال��ذي ميكن استنتاجه من لغته ‪ ،‬بينما قال الفريق اآلخر‬
‫بالتفسير الضيق الذي يستجيب للمعاني املثبته في النصوص املختلفة ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ ،‬أي إذا كان النص احملرر بإحدى اللغات الرسمية يؤدي إلى معنى واسع ‪،‬‬
‫وكان النص املطبق ـ احملرر بلغة رسمية أخرى ـ يؤدي إلى معنى ضيق ‪ ،‬فإن‬
‫تفسير النص يجب أن يتم على أساس املعنى األخير ‪ ،‬إذ هو املعنى الذي ثبت‬
‫ان النصني متفقان على نطاقه ((( ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫تعـديل املعــاهدات‬

‫ بعد تنفيذ املعاهدة قد جتد ال��دول أنها بحاجة للتعديل ‪ ،‬نتيجة ملا‬
‫يستجد من ظروف وملواكبة نصوص املعاهدة للتطورات التي حتصل ‪ ،‬حيث إن‬
‫املعاهدة شأنها شأن القانون الذي قد يحتاج إلى التعديل بعد مضي مدة من‬
‫تطبيقه ‪.‬‬
‫ويرتبط تعديل املعاهدة بوجود ظروف أو أوضاع دولية جديدة تقتضي‬
‫التعديل أو التغيير ولذلك حترص مواثيق املنظمات الدولية واملعاهدات غير‬
‫م�ح��ددة امل��دة على ال�ن��ص على م�ب��دأ التعديل حتى تتفق وت�لائ��م ال�ت�ط��ورات‬
‫والظروف الدولية في املستقبل ((( ‪.‬‬
‫وتختلف املعاهدات في حتديد امل��دة التي يجوز فيها تعديل املعاهدة‪،‬‬
‫وإن كانت كلها‪ ،‬كأصل عام‪ ،‬تستجيب ملقتضيات الواقع وتأخذ مببدأ امكانية‬
‫التعديل ‪ ،‬وعادة تتضمن املعاهدة نصوصاً خاصة بالتعديل ‪ ،‬أما إذا لم تتضمن‬
‫املعاهدة مثل هذه النصوص ‪ ،‬فيكون التعديل باتفاق األط��راف ‪ ،‬وقد نصت‬
‫املادة ‪ 39‬من معاهدة فيينا لقانون املعاهدات على ذلك بالقول‪(:‬يجوز تعديل‬
‫املعاهدة بأتفاق األطراف ‪ ،‬وتسري القواعد الواردة في الباب الثاني على مثل‬
‫هذا االتفاق ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك)‪.‬‬

‫د ـ عبد الواحد محمد الفار ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 88‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ ماجد ابراهيم علي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 37‬‬ ‫(( (‬

‫‪170‬‬
‫واألصل العام أن يكون تعديل املعاهدة باتفاق صريح بني أطرافها ‪ ،‬ومع‬
‫ال ضمنياً من خالل‬
‫ذلك ليس هناك ما مينع من امكانية تعديل املعاهدة تعدي ً‬
‫ما درج عليه سلوك األطراف الالحق ((( ‪.‬‬
‫وتعديل املعاهدات يختلف في املعاهدات الثنائية عنه في املعاهدات‬
‫املتعددة األطراف أو اجلماعية ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ تعديل املعاهدات الثنائية‬
‫ إن اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات أكتفت بتنظيم تعديل املعاهدات‬
‫املتعددة األطراف ولم تخصص أي نص للمعاهدات الثنائية ‪ ،‬وقد عللت جلنة‬
‫القانون الدولي ذلك على أس��اس أن تعديل املعاهدات الثنائية ال يحتاج إال‬
‫اتفاق الطرفني من أج��ل التعديل ‪ ،‬ففي املعاهدات الثنائية إذا لم تتضمن‬
‫املعاهدة نصاً يبني طريقة تعديلها ‪ ،‬فإن تعديلها ال يثير أي صعوبة حيث يتم‬
‫باتفاق الطرفني ‪ ،‬ولذلك سنبني تعديل املعاهدات اجلماعية مبوجب أحكام‬
‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ تعديل املعاهدات املتعددة األطراف أو اجلماعية‬
‫ كما ذك��رن��ا سابقاً ف��إن تعديل امل�ع��اه��دات املتعددة األط��راف بخالف‬
‫املعاهدات الثنائية ‪ ،‬تثير صعوبة في تعديلها ‪ ،‬حيث قد تتعارض الرغبة في‬
‫مسايرة الواقع وتعديل املعاهدة وبني عدم تأثير ذلك على األط��راف التي ال‬
‫ترغب في تعديل املعاهدة ‪ ،‬لذلك ظهر أسلوبني لتعديل املعاهدات املتعددة‬
‫األط��راف ‪ ،‬واألسلوب األول يتضمن القواعد التي يجري التعديل طبقاً لها‬
‫في حالة اتفاق جميع األطراف على التعديل ‪ ،‬أما األسلوب الثاني فيتضمن‬
‫القواعد التي يجري التعديل طبقاً لها في حالة موافقة بعض األطراف على‬
‫التعديل ويكون بني هذه األطراف ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ تعديل املعاهدة املتعددة األطراف باتفاق األطراف‬
‫ نصت املادة ‪ 40‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على طريقة تعديل‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 244‬‬ ‫(( (‬

‫‪171‬‬
‫املعاهدة املتعددة األطراف باتفاق األطراف ‪ ،‬فقد جاء فيها‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ تسري الفقرات التالية على تعديل املعاهدات املتعددة األطراف ما‬
‫لم تنص املعاهدات على غير ذلك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يجب إبالغ جميع الدول املتعاقدة بأي أقتراح بشأن تعديل معاهدة‬
‫متعددة األطراف جميعاً ‪ ،‬ويكون لكل طرف احلق في أن يشترك في ‪:‬‬
‫ أ ـ القرار اخلاص بالتصرف الذي يتخذ بشأن هذا االقترح ‪.‬‬
‫ ب ـ التفاوض وإبرام أي اتفاق لتعديل املعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كل دولة من حقها أن تصبح طرفا في املعاهدة ‪ ،‬يكون من حقها أن‬
‫تصبح طرفاً في املعاهدة املعدلة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ال يلزم االتفاق اخل��اص بالتعديل أية دول��ة طرف في املعاهدة إذا‬
‫لم تصبح طرفاً في االتفاق املعدل ‪ ،‬ويسري بالنسبة لهذه الدولة حكم املادة‬
‫‪ / 4 / 30‬ب (((‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أية دول��ة تصبح طرفاً في املعاهدة بعد دخ��ول االتفاق املعدل دور‬
‫النفاذ ‪ ،‬لم تعبر عن نية مغايرة تعتبر ‪:‬‬
‫ أ ـ طرفاً في املعاهدة املعدلة ‪.‬‬
‫ ب ـ وطرفاً في املعاهدة غير املعدلة في مواجهة أي طرف في املعاهدة‬
‫لم يلتزم باالتفاق املعدل»‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تعديل املعاهدة املتعددة األطراف باتفاق بعض أطرافها‬
‫ قد اليتفق جميع األطراف في املعاهدة املتعددة األطراف على اجراء‬
‫التعديل ‪ ،‬مما يؤدي إلى اجراء التعديل بني األطراف التي وافقت عليه فقط‬

‫وهي التي تتعلق بتطبيق املعاهدات املتتابعة املتعلقة مبوضوع واحد ‪ ,‬حيث جاء في البند‬ ‫((( ‬
‫ب من الفقرة ‪ « :4‬في العالقة بني دولة طرف في املعاهدتني وبني دولة طرف في احدى‬
‫املعاهدتني فقط فإن املعاهدة التي يكون كل من الدولتني طرفا ًفيها هي التي حتكم‬
‫حقوقهم والتزاماتهم املتبادلة»‬

‫‪172‬‬
‫‪ ،‬ولذلك حاولت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في امل��ادة ‪ 41‬التوفيق بني‬
‫هذه األط��راف مبا يضمن حقوق األط��راف التي لم توافق على التعديل ‪ ،‬من‬
‫خالل احترام حقوقهم املثبته في املعاهدة ‪ ،‬ونفاذ املعاهدة في حدود التعديل‬
‫بالنسبة لألطراف التي أتفقت على التعديل ‪ ،‬ومب��ا ال يتعارض مع موضوع‬
‫املعاهدة والغرض الذي وجدت من أجله ‪ ،‬وقد جاء في تلك املادة ما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ يجوز لطرفني أو أكثر في معاهدة متعددة األطراف االتفاق على‬
‫تعديل املعاهدة فيما بينهم فقط في احلاالت اآلتية ‪:‬‬
‫أ ـ إذا كانت املعاهدة تنص على إمكان هذا التعديل ‪.‬‬
‫ب ـ أو إذا لم حترم املعاهدة التعديل املتفق عليه وكان ‪:‬‬
‫(‪ )1‬ـ ال يؤثر على متتع األطراف األخرى بحقوقهم طبقاً للمعاهدة أو‬
‫على ادائهم اللتزاماتهم مبوجب هذه املعاهدة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ ال يتعلق بنص يتعارض االخ�لال به مع التنفيذ الفعال ملوضوع‬
‫املعاهدة والغرض منها ككل ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يجب في احلاالت التي تخضع حلكم الفقرة ‪ / 1‬أ ‪ ،‬على األطراف‬
‫الراغبني في التعديل إبالغ األطراف األخرى بنيتهم في عقد االتفاق وبالتعديل‬
‫الذي ينص عليه االتفاق ‪ ،‬وذلك ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك»‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫املبحث اخلامس‬
‫آثار املعاه ـ ــدات‬

‫ال�ق��اع��دة ال�ع��ام��ة ه��ي أن امل�ع��اه��دة ال��دول�ي��ة ال تطبق اال ب�ين اطرافها‬


‫فحسب‪ ،‬وال حتدث املعاهدة آثارها اال في مواجهتهم سواء كانت اآلثار حقوقاً‬
‫أو التزامات((( ‪ ،‬ويطلق الفقه على هذه القاعدة اسم “ نسبية أثر املعاهدات‬
‫“ وليست ه��ذه القاعدة بغريبة على طبيعة القانون ال��دول��ي ال��ذي يستند ـ‬
‫فحسب ـ على أساس إرادي ‪ ،‬على نحو ال يصير به شخص القانون الدولي‬
‫ملتزماً مبعاهدة ما ـ مبدأ عام ـ ما لم يكن طرفاً فيها ((( ‪ .‬ولكن نتيجة للتطور‬
‫الذي يشهده املجتمع الدولي وأزدياد تالحمه بتقوية العالقات بني دوله ‪ ،‬عن‬
‫طريق املعاهدات التي تعقد بني ال��دول وخاصة تلك املعاهدات التي يطلق‬
‫عليها الشارعة أو العامة ‪ ،‬هذا التطور أدى إلى أن متتد آثارها إلى الدول‬
‫التي لم تنضم إليها ‪ ،‬أي من غير أطرافها ‪ ،‬وقد نصت اتفاقية فيينا لقانون‬
‫املعاهدات على تلك اآلثار والتي سنحاول دراستها في هذا الفصل ‪ ،‬ولذلك‬
‫سنقسم هذا املبحث إلى مطلبني ‪ ،‬نخصص األول آلثار املعاهدات بني الدول‬
‫األطراف فيها ‪ ،‬ونخصص الثاني آلثار املعاهدات بالنسبة للغير حيث قد ميتد‬
‫أثرها في بعض احلاالت إلى دول لم تشارك في إبرامها ‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ القانون الدولي العام ـ دار‬ ‫((( ‬
‫النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪ 1987‬ـ ص ‪. 356‬‬
‫د ـ محمد طلعت الغنيمي ود ـ محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 250‬‬ ‫((( ‬

‫‪174‬‬
‫املطلب األول‬
‫آثار املعاهدات بني أطرافها‬

‫تتحدد آثار املعاهدات بني اطرافها في ثالثة نطاقات ‪ ،‬النطاق الشخصي‬


‫والنطاق االقليمي ‪ ،‬والنطاق الزمني ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ النطاق الشخصي للمعاهدات ؛ نسبية املعاهدات‬
‫املعاهدات لها قوة القانون فيما بني أطرافها ‪ ،‬فهي تلزم جميع الدول‬
‫التي صدقت عليها أو انضمت إليها تطبيقا للقاعدة العامة التي تفضي بأن‬
‫العقد شريعة املتعاقدين((( ‪ .‬ومبدأ الوفاء بالعهد أو قاعدة الوفاء بااللتزامات‬
‫الدولية بحسن نية ‪ ،‬وعلى أط��راف املعاهدة أن يتخذوا اإلج��راءات الكفيلة‬
‫بتنفيذها ‪ ،‬فإن قصروا في القيام بهذا االلتزام ترتبت عليهم تبعة املسؤولية‬
‫الدولية ‪ ،‬وقد أكدت هذا املبدأ اتفاقية فيينا في املادة ‪ 26‬بقولها‪«:‬كل معاهدة‬
‫نافذة تكون ملزمة ألطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية»‪.‬‬
‫وعليه ال يجوز ألحد أط��راف املعاهدة أن يحتج بقانونه الداخلي لكي‬
‫يتحلل م��ن االل�ت��زام��ات التي تفرضها املعاهدة عليه‪ ،‬وق��د اش��ارت إل��ى ذلك‬
‫اتفاقية فيينا في املادة ‪ 27‬فقد نصت على أنه‪«:‬مع عدم اإلخالل بنص املادة‬
‫‪ ، ((( 46‬ال يجوز لطرف في املعاهدة أن يتمسك بقانونه الداخلي كسبب لعدم‬
‫تنفيذ هذه املعاهدة»‪.‬‬
‫وع�ل��ى ه��ذا تصبح امل�ع��اه��دة ك��ال�ق��ان��ون ال��داخ�ل��ي فهي ملزمة بالنسبة‬
‫لسلطات الدولة ‪ ،‬ولذلك يجب أن يتم نشر املعاهدة والزام القضاء الداخلي‬
‫بتنفيذ ما جاء فيها من أحكام وتقدميها على القوانني الداخلية ‪.‬‬
‫ولكن أح�ك��ام القوانني الداخلية تختلف م��ن حيث ق��وة امل�ع��اه��دات في‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ األصول اجلديدة للقانون الدولي ـ مطبعة نهضة مصر ـ ‪1954‬‬ ‫((( ‬
‫ـ ص ‪. 337‬‬
‫املتعلق بالقواعد الوطنية اخلاصة بالتصديق ‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪175‬‬
‫دائرة القانون الداخلي ‪ ،‬فمن الدول ما ينص دستورها على اعتبار املعاهدات‬
‫التي تبرمها الدولة جز ًء من التشريع الداخلي ‪ ،‬كما هو احلال في الواليات‬
‫املتحدة ‪ ،‬وفي سويسرا (املادتني ‪ 113‬و ‪ 114‬من الدستور) ومنها ما ينص‬
‫دستورها على وجوب صياغة املعاهدة في قالب التشريع الداخلي لكي يلتزم‬
‫القضاء الداخلي بتنفيذ ما جاء فيها من أحكام ((( ‪.‬‬
‫ويالحظ أن ضمانات تنفيذ املعاهدة بني أطرافها ضعيفة في أطار‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬إذا ما قورنت مبا هو موجود على الصعيد الداخلي بخصوص‬
‫تنفيذ العقود حيث ميكن اللجوء إلى القاضي الداخلي الذي يستطيع إجبار‬
‫الطرف املخالف على التنفيذ ‪ ،‬في حني يتوقف اللجوء إلى القاضي الدولي‬
‫على موافقة األط��راف املعنية ((( ‪ ،‬وم��ع ذل��ك توجد ع��دة ضمانات لتنفيذ‬
‫املعاهدات الدولية ‪ ،‬منها ضمانات اتفاقية كتعهد دولة أو أكثر غير طرف‬
‫في املعاهدة بتقدمي نوع من الضمان ‪ ،‬أو إحتالل جزء من إقليم الدولة ضماناً‬
‫لقيامها بتعهداتها ‪ ،‬والضمانات التنظيمية ‪ ،‬حيث يكون حت��ت إش��راف أو‬
‫ضمان هيئة دولية ‪ ،‬باالضافة إلى الضمانات القانونية التي ترتب على الدولة‬
‫املسئولية الدولية لعدم التزامها باملعاهدة ((( ‪.‬‬

‫ثاني ًا ـ النطاق االقليمي للمعاهدات‬


‫كقاعدة عامة ف��إن املعاهدة إذا أصبحت نافذة ‪ ،‬فإنها تصبح واجبة‬
‫التطبيق على كل أقليم الدولة التي هي طرف في املعاهدة الدولية ‪ ،‬إال إذا‬
‫نصت على خالف ذلك صراحة أو ضمناً ‪ ،‬وقد أكدت اتفاقية فيينا لقانون‬
‫املعاهدات ذلك في املادة ‪ 29‬التي نصت على أنه‪«:‬ما لم يظهر من املعاهدة‬
‫قصد مغاير ويثبت ذلك بطريقة أخرى ‪ ،‬تعتبر املعاهدة ملزمة لكل طرف فيها‬
‫بالنسبة لكافة اقليميه»‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪. 257‬‬
‫د ـ أحمد ابو الوفا محمد ـ املعاهدات الدولية في الشريعة االسالمية ـ دار النهضة‬ ‫((( ‬
‫العربية ـ القاهرة ـ ‪ 1990‬ـ ص ‪. 109‬‬
‫د ـ علي صادق ابو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 572‬‬ ‫((( ‬

‫‪176‬‬
‫وهذا يعني ان املعاهدة تسري على كافة االقاليم اخلاضعة لسيادة أي‬
‫طرف من األطراف املتعاقدة ‪ ،‬ويشمل االقليم كل من اليابسة واملياه االقليمية‬
‫وما يعلو كل منهما من طبقات اجلو ‪.‬‬
‫إال أنه في بعض األحيان تنص املعاهدة على عدم سريانها على مناطق‬
‫معينة م��ن إقليم ال��دول��ة وي�ك��ون ذل��ك مبقتضى ن��ص ص��ري��ح فيها ‪ ،‬م��ن ذلك‬
‫ال معاهدات املساعدة املتبادلة‪ ،‬التي حتدد االقاليم التابعة للدول األطراف‬ ‫مث ً‬
‫التي تستفيد من نظام املساعدة‪ ،‬ومن ذلك أيضاً الدول االستعمارية بالنسبة‬
‫للمعاهدات التي كانت تبرمها والتي كانت تتضمن ما يسمى «شرط املستعمرات»‬
‫والتي حتدد مبوجبه مدى سريان أحكام املعاهدة على مستعمراتها ((( ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ النطاق الزمني للمعاهدات ؛ عدم رجعية املعاهدات‬
‫ من املبادىء املستقرة في القانون الداخلي عدم رجعية القوانني ‪ ،‬أي‬
‫أن القوانني عندما تصدر ال ترتب آثاراً على املاضي ‪ ،‬حيث يلتزم املخاطبني بها‬
‫من وقت صدورها وبالتالي ال تؤثرعلى العالقات واملراكز القانونية السابقة‪،‬‬
‫وذلك من أجل ضمان إستقرار املعامالت واألوضاع القانونية ‪.‬‬
‫واألص��ل في القانون ال��دول��ي شأنه في ذل��ك ش��أن القانون الداخلي ‪،‬‬
‫هو عدم رجعية القواعد القانونية الدولية وخاصة املعاهدات الدولية ‪ ،‬فهذه‬
‫القواعد ال تسري إال على العالقات واحل��االت التي تنشأ بعد نفاذها ‪ ،‬وال‬
‫تنسحب على العالقات واحلاالت في املاضي ‪.‬‬
‫ول�ق��د ج��رى ال�ن��ص ع�ل��ى ه��ذا امل �ب��دأ ف��ي امل �ع��اه��دات ال��دول �ي��ة وخ��اص��ة‬
‫معاهدات التحكيم أو التسوية القضائية ‪ ،‬مثل اتفاقية التوفيق والتحكيم‬
‫والتسوية القضائية املعقودة بني بلجيكا وبولندا عام ‪ 1929‬والتي قضت بعدم‬
‫جواز سريانها إال على املنازعات التي تنشأ بعد إبرامها ‪.‬‬

‫وهذا الشرط تواترت على استعماله الدول االوربية الى احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬ومن‬ ‫((( ‬
‫أمثلة املعاهدات التي اشتملت على هذا الشرط املادة ‪ 3 , 2 / 227‬من معاهدة روما التي‬
‫تضمن النص على امكانية تأخير سريان بعض احكامها فيما يتعلق باالقاليم الفرنسية‬
‫فيما وراء البحار ‪ ،‬وتطبيق نظام خاص للتعاون مع دول واقاليم ما وراء البحار ـ أنظر د‬
‫ـ عبد العزير محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 267‬‬

‫‪177‬‬
‫وقد أخذت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات باملبدأ األساسي وهو عدم‬
‫رجعية املعاهدات ‪ ،‬ولكنها أج��ازت أن يتفق األط��راف على غير ذل��ك ‪ ،‬فقد‬
‫نصت املادة ‪ 28‬من االتفاقية على أنه‪«:‬ما لم يظهر من املعاهدة قصد مغاير‬
‫أو يثبت ذلك بطريقة أخرى ‪ ،‬فإن نصوص املعاهدة ال تلزم طرفاً فيها بشأن‬
‫أي تصرف أو واقعة متت أو أي مركز أنتهى وجوده قبل تاريخ دخول املعاهدة‬
‫دور النفاذ في مواجهة هذا الطرف»‪.‬‬
‫واملعاهدات كما ذكرنا سابقاً تسري من تاريخ دخولها دور النفاذ ويكون‬
‫ذلك أما عند التوقيع وقت تبادل وثائق التصديق أو حسب االتفاق بالنسبة‬
‫للمعاهدات الثنائية أو من إيداع العدد الالزم من التصديقات أو من التوقيع‬
‫عليها بالنسبة لالتفاقيات املبسطة ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫آثار املعاهدات بالنسبة للغير‬

‫األصل العام كما ذكرنا سابقاً ان املعاهدات ال ترتب حقوقاً وال تفرض‬
‫التزامات إال على أطرافها ‪ ،‬وبالتالي فاملعاهدة ال تنشىء أثراً بني الدول التي‬
‫ليست طرفا فيها دون رضاها ‪ ،‬وذلك استناداً إلى مبدأ نسبية املعاهدات‪،‬‬
‫وهذا ما إستقر عليه القضاء الدولي في العديد من األحكام التي صدرت عنه‬
‫‪ ،‬من ذلك القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الدائمة في ‪/5/25‬‬
‫‪1926‬م بني املانيا وبولندا من أن‪«:‬املعاهدة ال تنشىء حقوقاً إال بني الدول‬
‫األطراف»‪.‬‬
‫وقد تبنت اتفاقية فيينا هذا املبدأ فنصت في املادة ‪ 34‬على أن‪«:‬املعاهدة‬
‫ال تنشىء حقوقاً أو التزامات للدول الغير دون رضاها» ‪ ،‬وهذا هو املبدأ ولكن‬
‫ترد استثناءات عليه ‪ ،‬حيث قد متتد آثار املعاهدة إلى غير أطرافها وذلك بأن‬
‫تنشىء له حقوقاً أو ترتب عليه التزامات ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ املعاهدات التي تنشىء حقوق ًا للغير‬
‫توجد معاهدات تنشىء حقوقاً للغير وايضاً وحسب املادة ‪ 34‬من اتفاقية‬
‫فيينا يلزم رضاء الغير لالستفادة من هذه احلقوق ‪ ،‬سواء أكان ذلك بصورة‬
‫تلقائية كاملعاهدات املتعلقة بطرق املواصالت الدولية وغيرها من املعاهدات‬
‫التي تنظم مصالح مشتركة ‪ ،‬أم بالنص صراحة في املعاهدة على االشترط‬
‫ملصلحة الغير أو شرط الدولة األكثر رعاية ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلشتراط ملصلحة الغير‬
‫تعرف القوانني الداخلية نظام اإلشتراط ملصلحة الغير ‪ ،‬حيث جتيز‬
‫هذه القوانني للغير أن يكتسب حقاً حتى ولو يكن طرفاً في العقد الذي أبرم ‪،‬‬
‫وهذا النظام يوجد تطبيق له في القانون الدولي ‪ ،‬حيث إن العمل الدولي قد‬
‫جرى على أن اإلشتراط ملصلحة الغير يكون باتفاق األطراف املتعاقدة ورضا‬
‫الغير ‪.‬‬
‫وقد جاءت أحكام القضاء الدولي مؤيدة ذلك في عدة قرارات صدرت عن‬
‫محكمة العدل الدولية الدائمة ‪ ،‬منها القرار الذي أصدرته في ‪1932/7/7‬م‬
‫في النزاع بني فرنسا وسويسرا حول املناطق احلرة مقرراً تأييد وجهة النظر‬
‫السويسرية ف��ي اإلنتفاع بأحكام معاهدات دول�ي��ة ل��م تكن ط��رف�اً فيها وهي‬
‫اتفاقية فيينا لسنة ‪1815‬م ((( ‪.‬‬
‫واالشتراط ملصلحة الغيرال ينتج أثره اال بقبول الدولة الغير ‪ ،‬الصريح‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ . 238‬وتتلخص وقائع هذا النزاع في ان‬ ‫((( ‬
‫سويسرا لم تكن طرفاً في معاهدة فيينا لسنة ‪1815‬م التي وضعت نظام املناطق احلرة‬
‫على جزء من األقليم الفرنسي في جيكسن وشمال السافوا ‪ ،‬وعندما أرادات فرنسا‬
‫الغاؤه باالستناد إلى املادة ‪ 425‬من معاهدة فرساي ‪ ،‬فإن سويسرا اعترضت على ذلك‬
‫وطالبت بأبقاء هذا النظام ‪ ،‬ألن معاهدة فيينا رتبت حقوقاً باملعنى الدقيق لصاحلها ‪،‬‬
‫وقررت احملمكة إن باستطاعة سويسرا رغم أنها ليست طرفاً في معاهدة فيينا لسنة‬
‫‪1815‬م أن تطالب بأبقاء النظام الذي وضعته هذه املعاهدة ‪ ،‬وأن تعترض بالتالي على‬
‫الغائه مبوجب املادة ‪ 425‬من معاهدة فرساي ‪ ،‬التي لم تشترك أيضاً في توقيعها ‪ ،‬فيجب‬
‫إجراء املفاوضات لغرض تعديل نظام املناطق احلرة ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫أو الضمني وقد نصت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في املادة ‪ 36‬على ذلك‬
‫بقولها‪ 1«:‬ـ ينشأ حق للدولة الغير نتيجة نص في املعاهدة إذا قصد اطراف‬
‫املعاهدة بهذا النص منح هذا احلق للدولة الغير أو ملجموعة من الدول تنتمي‬
‫هذه الدول اليها او للدول جميعاً ‪ ،‬ووافقت الدولة الغير على ذلك ‪ ،‬وتفترض‬
‫هذه املوافقة ما لم يصدر عن الدولة الغير ما يفيد العكس ‪ ،‬إال إذا نصت‬
‫املعاهدة على غير ذلك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تلتزم الدولة التي متارس حقاً ‪ ،‬طبقاً للفقرة األولى ‪ ،‬مراعاة شروط‬
‫ممارسة هذا احلق املنصوص عليها في املعاهدة أو املوضوعة وفقاً لها»‪.‬‬
‫ه��ذا وتنص اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات في امل��ادة ‪ 2 / 37‬على‬
‫أنه‪«:‬عندما ينشأ حق للدولة الغير طبقاً للمادة ‪ ، 36‬فال يجوز لألطراف إلغاء‬
‫أو تغيير هذا احلق إذا ثبت انه قصد به اال يكون محالُ لإللغاء أو التغيير بغير‬
‫موافقة الدولة الغير»‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شرط الدولة األكثر رعاية‬
‫مي�ك��ن أن ت�ن��ص ب�ع��ض امل �ع��اه��دات االق�ت�ص��ادي��ة وال�ت�ج��اري��ة والقنصلية‬
‫واجلمركية ‪ ،‬وكذلك اتفاقات إقامة األجانب واتفاقات العمل ‪ ،‬على شرط‬
‫ال��دول��ة األكثر رع��اي��ة‪ ،‬وه��ي أن تتعهد دول�ت��ان ب��ان تسمح كل منهما لألخرى‬
‫باالستفادة من أي امتياز متنحه في املستقبل لدولة أو لدول غيرها بالنسبة‬
‫ألمر من األمور مت التعاقد بينهما عليه ‪ ،‬فإذا اتفقت إحدى الدولتني املتعاقدتني‬
‫بعد ذلك مع دولة ثالثة على منحها حقوقا أو امتيازات لم ترد في املعاهدة‬
‫املعقودة بينهما كان للدولة الثانية التي هي طرف في هذه املعاهدة ‪ ،‬احلق‬
‫في االستفادة من هذه احلقوق واملزايا استنادا إلى الشرط املذكور أو بعبارة‬
‫أخرى كان لها أن تستفيد من اتفاق ليست طرفا فيه دون أن تنضم إليه‪.‬‬
‫وتنص املادة ‪ 38‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على أنه‪«:‬ليس في‬
‫امل��واد ‪ 34‬الى ‪ 37‬ما يحول دون قاعدة واردة في معاهدة أن تصبح ملزمة‬
‫لدولة ليست طرفاً فيها باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي‬
‫ومعترف لها بهذه الصفة»‪ ،‬ويالحظ على هذا النص إن مصدر االلتزام في‬
‫هذه احلالة هو العرف وليس املعاهدة ‪ ،‬ومن ثم فإن القواعد التي تتضمنها‬

‫‪180‬‬
‫املعاهدة متثل الركن امل��ادي للعرف ‪ ،‬أما الركن املعنوي فإنه يكتسب عندما‬
‫يستقر الشعور ب��االل��زام ال�ن��اجت ع��ن وج��ود ه��ذا ال��رك��ن امل��ادي ‪ ،‬وامل�ث��ال على‬
‫ذلك موضوع حياد سويسرا الذي تقرر مبعاهدة فيينا سنة ‪1815‬م ‪ ،‬ولكن‬
‫االحتجاج به في مواجهة الغير أصبح عاماً أي غير قاصر فقط على الدول‬
‫الثماني املوقعة على معاهدة فيينا ((( ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ املعاهدات املنظمة الوضاع دائمة‬
‫إن املعاهدات الشارعة العامة التي تنظم أوضاعا دائمة في املجتمع‬
‫الدولي ال يقتصر آثرها على األطراف املوقعة عليها بل ينتقل إلى الغير ‪ ،‬نظراً‬
‫لكون املباديء القانونية التي تشتمل عليها مباديء عامة تهم اجلميع وتؤمن‬
‫أوضاع االستقرار الدائمة ‪ ،‬إضافة إلى كون مثل هذه املباديء تصبح بنفس‬
‫الوقت من مباديء العرف الدولي بالنسبة لغير األطراف ‪ ،‬على سبيل املثال‬
‫‪ ،‬املعاهدات التي تعقد بخصوص حرية املالحة في األنهار الدولية والقنوات‬
‫الدولية ‪ ،‬تنظم األوضاع الدائمة بالنسبة للدول املوقعة على املعاهدة والدول‬
‫غير املوقعة بنفس الوقت ‪ ،‬مثل معاهدة القسطنطينية لعام ‪ 1888‬بخصوص‬
‫املالحة في قناة السويس ‪ ،‬فقد مت تنظيم حرية املالحة بالنسبة للدول املوقعة‬
‫وغير املوقعة على هذه املعاهدة في القناة ‪.‬‬
‫فهذه املعاهدات ينصرف أثرها للغير باعتبار انها تتفق مع الصالح‬
‫العام للجماعة الدولية ‪ ،‬وان��ه في مقدور ال��دول التي شاركت فيها أن تلزم‬
‫الغير باحترامها ‪ ،‬وم��ن ه��ذا ال�ن��وع أي�ض�اً م��ن امل�ع��اه��دات ال�ت��ي تنظم األم��ن‬
‫اجلماعي فهي تورد التزامات على الغير ‪ ،‬مثال ذلك ما نصت عليه املادة ‪2‬‬
‫الفقرة ‪ 6‬من ميثاق األمم املتحدة على أن تعمل الهيئة على أن تسير الدول‬
‫غير األعضاء فيها على مبادىء األمم املتحدة بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ‬
‫السلم واألمن الدوليني ‪.‬‬
‫ثانيا ـ املعاهدات التي ترتب التزامات على الغير‬
‫إن القاعدة العامة هي أن املعاهدات التي تنشىء التزامات على عاتق‬

‫د ـ ابراهيم احمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 240‬‬ ‫((( ‬

‫‪181‬‬
‫ال��دول الغير ‪ ،‬ال ميكن أن تسري في مواجهتها ب��دون رضاها ‪ ،‬وق��د نصت‬
‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على ذلك في املادة ‪ 35‬بقولها‪«:‬ينشأ التزام‬
‫على الدولة الغير نتيجة نص في معاهدة ‪ ،‬إذا قصد أطراف املعاهدة بهذا‬
‫النص أن يكون وسيلة إلنشاء االلتزام وقبلت الدولة الغير صراحة هذا االلتزام‬
‫كتابة»‪.‬‬
‫البد اذن من اتفاق اضافي بني الدولة التي تلتزم مبعاهدة ليست طرفاً‬
‫فيها وبني مجموعة الدول األطراف فيها ميثل األساس اإلرادي اللتزام الدولة‬
‫ومدى إال برضا الدول‬
‫ً‬ ‫الغير من ناحية كما يحظر تغيير هذه االلتزامات نوعاً‬
‫األط��راف والدولة الغير من ناحية أخ��رى (((‪ ،‬وقد اش��ارت إلى ذلك اتفاقية‬
‫فيينا في املادة ‪ 1/37‬حيث نصت على أنه‪:‬‬
‫« ‪1‬ـ عندما ينشأ التزام على الدولة الغير طبقا للمادة ‪ ، 35‬فإن الغاء‬
‫أو تغيير هذا االلتزام ال يتم اال بالرضا املتبادل لألطراف في املعاهدة والدولة‬
‫الغير ‪ ،‬ما لم يثبت أنهم اتفقوا على غير ذلك»‪.‬‬
‫وي��دخ��ل ضمن ه��ذه الطائفة ‪ ،‬امل �ع��اه��دات ال�ت��ي ت�ق��رر م��راك��ز قانونية‬
‫موضوعية‪ ،‬مثل املعاهدات التي تضع نظاماً سياسياً أقليماً يكون ملزماً للدول‬
‫األطراف باالضافة إلى الدول غير األطراف ‪ ،‬ومثال ذلك معاهدة فيينا في‬
‫‪1815/5/20‬م ‪ ،‬واملوقعة من ثمان دول فقط ‪ ،‬والتي قررت وضع سويسرا في‬
‫حالة حياد دائم ‪ ،‬وكذلك معاهدة لندن لسنة ‪1831‬م التي أنشأت دولة بلجيكا‬
‫ووضعتها في حالة حياد دائم ‪ ،‬وكذلك معاهدة القطب اجلنوبي املوقعة في‬
‫‪1959/12 /1‬م بني أثنى عشرة دولة والتي وضعت نظاماً لهذا القطب ملزماً‬
‫للدول غير األطراف في املعاهدة ((( ‪.‬‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي و د ـ محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 254‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 236‬‬ ‫((( ‬

‫‪182‬‬
‫املبحث السادس‬
‫إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات‬

‫نصت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على األح�ك��ام املتعلقة بإبطال‬


‫املعاهدة وإنهاؤها وإيقاف العمل بها ‪ ،‬وذلك في الباب اخلامس ‪ ،‬حيث ورد‬
‫في القسم األول ‪ ،‬األحكلم العامة املشتركة بشان صحة املعاهدات ونفاذها‬
‫‪ ،‬وف��ي القسم الثاني أسباب بطالنها ‪ ،‬وف��ي القسم الثالث أسباب إنهاؤها‬
‫وإيقاف العمل بها ‪ ،‬ولذلك سنقسم هذا املبحث إلى أربعة مطالب ‪ ،‬نبحث‬
‫في األول األحكام العامة املشتركة والثاني أسباب بطالن املعاهدات وإنهاءها‬
‫وإيقاف العمل بها ‪ ،‬أما املطلب الثالث فنخصصه ألثر احلرب على املعاهدات‬
‫‪ ،‬ونخصص املطلب الرابع لآلثار التي تترتب على إنتهاء املعاهدات وإيقاف‬
‫العمل بها ‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫األحكام العامة املشتركة‬

‫وردت ه��ذه األح�ك��ام كما ذك��رن��ا ف��ي القسم األول م��ن ال�ب��اب اخلامس‬
‫في املواد من ‪ 42‬الى ‪ ، 45‬وهي متثل املبادىء العامة التي يجب على الدول‬
‫مراعاتها عند إق��دام أي منها على إتخاذ إج��راء للتحلل من التزاماتها من‬
‫معاهدة مرتبطة بها ‪ ،‬سواء عن طريق إبطالها أو إنهاؤها أو إيقاف العمل بها‬
‫وهي كما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬صحة املعاهدات وإستمرار نفاذها‪ ،‬وقد نصت على ذلك املادة ‪42‬‬
‫من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪ ،‬حيث جاء فيها‪:‬‬
‫« ‪1‬ـ الميكن املساس بصحة املعاهدات أو إرتضاء الدولة االلتزام باملعاهدة‬
‫إال وفق أحكام االتفاقية احلالية ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪ 2‬ـ ال يجوز إنهاء معاهدة أو الغاءها أو االنسحاب منها من جانب أحد‬
‫األطراف اال تطبيقاً لنصوصها أو نصوص هذه االتفاقية فقط ‪ ،‬وتنطبق هذه‬
‫القاعدة على وقف العمل باملعاهدة»‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬االلتزامات املقررة مبوجب القانون الدولي‪ ،‬وقد قررت ذلك املادة‬
‫‪ 43‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪ ،‬حيث نصت على أنه‪«:‬بطالن املعاهدة‬
‫أو إنهاءها أو الغاءها أو اإلنسحاب منها أو إيقاف العمل بها تطبيقاً لهذه‬
‫االتفاقية أو ألحكام املعاهدة ال يؤثر في واجب أية دولة في أداء التزاماتها‬
‫املقررة في املعاهدة التي تكون ملتزمة بها مبقتضى القانون الدولي بغض‬
‫النظر عن املعاهدة»‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬الفصل بني نصوص املعاهدة‪ ،‬فقد ق��ررت ذل��ك امل��ادة ‪ 44‬من‬
‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات بالنص‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ال ميكن ألي طرف أن ميارس حقه املنصوص عليه في املعاهدة أو‬
‫مبقتضى املادة ‪ 56‬في إلغاء املعاهدة أو اإلنسحاب منها أو إيقاف العمل بها‬
‫إال بالنسبة للمعاهدة ككل ‪ ،‬ما لم تنص املعاهدة أو يتفق األطراف على غير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ال يجوز االستناد إلى ما تقرره هذه االتفاقية من أسباب إلبطال‬
‫املعاهدة أو إنهائها أو اإلنسحاب منها او إيقاف العمل بها اال بالنسبة للمعاهدة‬
‫ككل ‪ ،‬فيما عدا ما هو منصوص عليه في الفقرات التالية أو في املادة ‪. 60‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا تعلق السبب ببنود معينة فقط ‪ ،‬يجوز االستناد اليه بالنسبة إلى‬
‫هذه البنود دون غيرها ‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬إذا كان من املمكن فصل هذه البنود عن بقية املعاهدة فيما يتعلق‬
‫بتطبيقها ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا تبني في املعاهدة أو ثبت بطريق آخر أن قبول هذه البنود لم‬
‫يكن أساساً ضرورياً إلرتضاء الطرف أو األطراف اآلخرين بااللتزام باملعاهدة‬
‫ككل ‪.‬‬
‫ج‪ -‬إذا لم يكن في استمرار تنفيذ بقية املعاهدة اجحافاً ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ 4‬ـ في احلاالت اخلاضعة حلكم املادتني ‪ 49‬و‪ 50‬يجوز للدولة التي من‬
‫حقها الدفع بعيب الغش أو اإلفساد أن تفعل ذلك بالنسبة للمعاهدة كلها أو‬
‫بالنسبة الى بنود معينة فيها بغير اإلخالل بحكم املادة ‪. 3‬‬
‫‪ 5‬ـ في احلاالت اخلاضعة حلكم املواد ‪ 51‬و‪ 52‬و ‪ ((( 53‬ال يجوز الفصل‬
‫بني نصوص املعاهدة»‪.‬‬
‫راب��ع�� ًا‪ :‬ف�ق��دان احل��ق بالتمسك بسبب م��ن أس�ب��اب بطالن املعاهدة أو‬
‫انهائها أو إبقاف العمل بها‪ ،‬حيث نصت على ذلك املادة ‪ 45‬من اتفاقية فيينا‬
‫لقانون املعاهدات بقولها على أنه ‪:‬‬
‫«ال يجوز للدولة بعد إطالعها على الوقائع ‪ ،‬أن تتمسك بسبب من‬
‫أسباب بطالن املعاهدة أو إنهائها أو االنسحاب منها أو إيقاف العمل بها طبقاً‬
‫للمواد من ‪ 46‬الى ‪ 50‬أو املواد من ‪ 60‬الى ‪ 62‬إذا حتقق ما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ إذا وافقت صراحة على أن املعاهدة صحيحة أو على أن تبقى نافذة‬
‫أو أن يستمر العمل بها حسب كل حالة ‪.‬‬
‫ب ـ أو إذا اعتبرت الدولة ‪ ،‬مبوجب سلوكها ‪ ،‬قد قبلت بصحة املعاهدة‬
‫أو بقائها نافذة أو باستمرار العمل بها حسب كل حالة»‬

‫املطلب الثاني‬
‫أسباب إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات‬

‫قد تنتهي املعاهدات ألسباب معينة‪ ،‬وقد يتوقف العمل بها‪ ،‬لذلك سنبحث‬
‫في الفرع األول‪ ،‬أسباب إبطال املعاهدات ‪ ،‬وفي الفرع الثاني‪ ،‬أسباب إنتهاء‬
‫املعاهدات ‪ ،‬وفي الفرع الثالث ‪ ،‬أسباب إيقاف العمل باملعاهدات ‪.‬‬

‫وهي حاالت اإلكراه والتعارض مع قاعدة عامة آمرة ‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪185‬‬
‫الفرع األول‬
‫أسباب إبطال املعاهدات‬

‫وهي تلك العيوب التي قد تالزم املعاهدة منذ إبرامها فتؤثر في صحتها‬
‫وبالتالي ت��ؤدي إل��ى بطالنها ‪ ،‬وتشمل ه��ذه العيوب الغلط وال�غ��ش واإلك��راه‬
‫الواقع على الدولة أو على ممثلها وتعارض املعاهدة مع قاعدة قانونية دولية‬
‫آم��رة‪ ،‬وق��د سبق دراس��ة ه��ذه العيوب وأث��ره��ا عند الكالم عن ش��روط صحة‬
‫املعاهدات ((( ‪.‬‬

‫الفرع الثاني‬
‫انتهاء املعاهــدات‬

‫ ويقصد بإنتهاء املعاهدات الدولية إنهاء العمل باحكامها وبالتالي‬


‫إختفاؤها من النظام القانوني ال��دول��ي‪ ،‬وتنتهي املعاهدات ألسباب عديدة‪،‬‬
‫وذلك حسب ما يأتي ‪ :‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ انتهاء املعاهدة من تلقاء نفسها‬
‫ميكن أن تنتهي املعاهدة من تلقاء نفسها بإحدى احلاالت التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬تنفيذ املعاهدة تنفيذ ًا تاما‬
‫وه��ذه ه��ي الطريقة الطبيعية إلن�ه��اء امل�ع��اه��دات‪ ،‬ف��إذا عقدت دولتان‬
‫معاهدة معينة أنشأت حقوقا وفرضت ال�ت��زام��ات‪ ،‬وقامت الدولتان بتنفيذ‬
‫أحكامها تنفيذا كليا‪ ،‬فإن املعاهدة تصبح منتهية بإمتام هذا التنفيذ ‪ ،‬وينطبق‬
‫هذا بطبيعة احلال على املعاهدات التي تتناول أموراً يجب بحكم طبيعتها أن‬

‫أنظر صفحة ‪ 26‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫(( (‬

‫‪186‬‬
‫يتم تنفيذها في وقت محدد ‪ ،‬كاملعاهدات التجارية واألقتصادية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إنتهاء األجل احملدد لسريان املعاهدة‬
‫ إذا نصت املعاهدة على أجل محدد لتنفيذ بنودها بحلول األجل احملدد‬
‫‪ ،‬عندئذ تنتهي املعاهدة من تلقاء نفسها بإنتهاء األجل احملدد إذا لم يجدد‬
‫أطرافها هذه املعاهدة ‪ ،‬أما املعاهدة التي ال تتضمن نصاً بشأن إنهائها أو‬
‫التي ال تنص على إم�ك��ان إلغائها أو اإلنسحاب منها ف�لا يجوز الغاؤها أو‬
‫اإلنسحاب منها ما لم يثبت اجتاه األطراف فيها إلى إمكان ذلك ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إستحالة التنفيذ‬
‫وقد تكون اإلستحالة قانونية ‪ ،‬كما لو عقدت معاهدة حتالف بني ثالث‬
‫دول ثم نشبت احلرب بني اثنتني منها ‪ ،‬كانت الدولة الثالثة في حل من هذه‬
‫املعاهدة ‪ ،‬ألنه يستحيل عليها القيام بتنفيذ نصوص املعاهدة ‪ ،‬أو قد تكون‬
‫اإلستحالة مادية ‪ ،‬كما لو أبرمت دولتان معاهدة لتنظيم حقوق كل منهما على‬
‫ال ثم اختفت هذه اجلزيرة نتيجة حادث طبيعي ‪.‬‬ ‫جزيرة مث ً‬
‫وتنص املادة ‪ 61‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات لسنة ‪ 1969‬على‬
‫ذلك بالقول ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ يجوز لطرف في املعاهدة أن يستند إلى إستحالة تنفيذها كأساس‬
‫إلنهائها أو اإلنسحاب منها إذا كانت هذه اإلستحالة نتيجة إختفاء أو هالك‬
‫شيء ضروري للتنفيذ ‪ ،‬أما إذا كانت اإلستحالة مؤقتة فيجوز االستناد اليها‬
‫كأساس إليقاف العمل باملعاهدة فقط ‪.‬‬
‫اإلستناد إلى إستحالة التنفيذ كأساس إلنهاء املعاهدة أو‬ ‫‪ 2‬ـ ال يجوز‬
‫إيقاف العمل بها إذا كانت هذه اإلستحالة نتيجة إخالل‬ ‫اإلنسحاب منها أو‬
‫هذا الطرف بالتزاماته مبقتضى املعاهدة أو باي التزام‬ ‫جوهري من جانب‬
‫مواجهة أي طرف آخر في املعاهدة»‪.‬‬ ‫دولي آخر التزم به‬
‫‪ 4‬ـ حتقق الشرط الفاسخ‬
‫ف��إذا ن�ص��ت امل�ع��اه��دة ع�ل��ى ش��رط يفسخ امل�ع��اه��دة ع�ن��د حتققه ‪ ،‬ف��إن‬

‫‪187‬‬
‫املعاهدة تنتهي في هذه احلالة ‪ ،‬كما لو اتفقت دولتان في معاهدة على أن‬
‫تتنازل إحداهما لألخرى عن إقليم معني ‪ ،‬على أن يستفتى سكان هذا اإلقليم‬
‫في مصيرهم بعد مدة معينة ‪ ،‬ومت االستفتاء وأختار سكان اإلقليم العودة إلى‬
‫الدولة املتنازلة ‪ ،‬فإن أحكام املعاهدة التي وضعتهم حتت سيادة الدولة الثانية‬
‫تزول وتنقضي في مثل هذه احلالة ‪.‬‬
‫وه��ذا ما ح��دث بالنسبة ملعاهدة فرساي التي وضعت إقليم (السار)‬
‫إشراف عصبة األمم على أن ينتهي أثر املعاهدة بعد االستفتاء الذي هو مبثابة‬
‫الشرط الفاسخ للمعاهدة ‪ .‬وقد مت االستفتاء في عام ‪ 1935‬حيث اختار شعب‬
‫اإلقليم اإلنضمام إلى أملانيا ‪ ،‬وبذلك انتهت املعاهدة من تلقاء نفسها ((( ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ بزوال أحد أطراف املعاهدة‬
‫كما لو عقدت معاهدة بني دولتني ثم زالت إحدى الدولتني املتعاقدتني‬
‫وفقدت شخصيتها الدولية ‪ ،‬كتقسيم إقليمها بني عدة دول ‪ ،‬فإن املعاهدات‬
‫التي عقدتها هاتني الدولتني تزول وتنقضي ‪ ،‬هذا بالنسبة للمعاهدات الثنائية‬
‫‪ ،‬أما بالنسبة للمعاهدات اجلماعية فإن زوال احد أطرافها ال يؤثر على بقائها‬
‫بالنسبة للدول األخرى املتعاقدة ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ إنتهاء املعاهدة بإرادة أحد األطراف‬
‫يجوز إنهاء املعاهدة ب��إرادة أح��د أطرافها ‪ ،‬وذل��ك أم��ا باالنسحاب أو‬
‫بفسخ املعاهدة ‪ ،‬ولو لم يرض الطرف اآلخر ‪.‬‬
‫‪1‬ـ اإلنسحاب‬
‫واالنسحاب جائز إذا كانت املعاهدة تنص في موادها على إمكانية‬
‫االنسحاب بعد أب�لاغ الطرف اآلخ��ر بذلك ‪ ،‬وال يجوز االنسحاب إذا كانت‬
‫امل�ع��اه��دة متنع ذل��ك بنص صريح ‪ ،‬أو إذا كانت امل�ع��اه��دة تنتهي ضمن أجل‬
‫محدد ‪ ،‬عندئذ ال بد من االلتزام بالفترة احملددة لتنفيذ املعاهدة ‪ ،‬وال يجوز‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.184‬‬

‫‪188‬‬
‫االنسحاب ضمن هذه الفترة ‪ ،‬إال إذا قبل الطرف اآلخر بذلك ‪.‬‬
‫وقد أستبعد الفقه الدولي احلديث إمكانية االنسحاب من املعاهدات التي‬
‫تنظم احلالة الدائمة للدول والتي تؤمن املصالح املشتركة مثل معاهدات تنظيم‬
‫احلدود واملالحة في األنهار الدولية ‪ ،‬وإقامة السدود لتنظيم مجرى األنهار‬
‫الدولية ‪ ،‬فال يجوز االنسحاب من هكذا معاهدات إال برضا األطراف‪.‬‬
‫وإذا كانت املعاهدة ال تتضمن نصا بشأن إنهائها أو إلغائها أو االنسحاب‬
‫منها ‪ ،‬فانه ال ميكن ألحد أطرافها االنسحاب منها أو إلغائها بعمل انفرادي‬
‫إال بعد موافقة الدول األخرى األطراف فيها ‪ .‬وقد أشارت اتفاقية فيينا الى‬
‫ذلك في املادة ‪ 56‬منها بقولها ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ املعاهدة التي ال تتضمن نصاً بشأن إنهائها والتي ال تنص على‬
‫امكان إلغائها أو االنسحاب منها ال تكون محال لإللغاء أو االنسحاب إال‪:‬‬
‫أ ـ إذا ثبت اجت��اه نية األط��راف فيها إلى امكان إنهائها أو االنسحاب‬
‫منها ‪.‬‬
‫ب ـ أو إذا أم �ك��ن اس �ت �ن �ب��اط ح��ق اإلل��غ��اء أو االن �س �ح��اب م��ن طبيعة‬
‫املعاهدة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ على الطرف الراغب في إنهاء املعاهدة أو اإلنسحاب منها طبقاً‬
‫للفقرة (‪ ) 1‬أن يخطر الطرف اآلخر بنيته في ذلك قبل أثني عشر شهراً على‬
‫األقل»‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ فسخ املعاهدة‬


‫أما فسخ املعاهدة من طرف واحد ‪ ،‬فإنه يجوز إذا أعلن الطرف اآلخر‬
‫عدم التزامه بتنفيذ املعاهدة ‪ ،‬سواء بأحد بنودها أو عدم االلتزام الكلي بها‬
‫أو إذا قامت إحدى الدول األطراف بإجراءات تخل بالتزاماتها وفق املعاهدة‬
‫املعقودة مع الدول األخرى كان تقوم بالتهديد باستعمال القوة أو استخدامها‬
‫فعال أو تشن حرباً عدوانياً ‪ ،‬عندئذ جاز للطرف اآلخر التحلل من املعاهدة‬
‫واعتبارها ملغية من طرف واحد أو تقوم بإعالن فسخ املعاهدة من جانبها ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫وق��د نصت اتفاقية فيينا لقانون امل�ع��اه��دات على ذل��ك ف��ي امل��ادة ‪60‬‬
‫بالقول‪ 1«:‬ـ اإلخالل اجلوهري بأحكام معاهدة ثنائية من جانب أحد طرفيها‬
‫يخول الطرف اآلخر التمسك بهذا اإلخالل كأساس إلنهاء املعاهدة أو إيقاف‬
‫العمل بها كلياً أو جزئياً ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يترتب على اإلخالل اجلوهري بأحكام معاهدة متعددة األطراف من‬
‫جانب أحد أطرافها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ـ يخول هذا اإلخ�لال لألطراف األخرين باتفاق جماعي فيما بينهم‬
‫إيقاف العمل باملعاهدة كلياً أو جزئياً أو إنهائها أما‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ في العالقة بينهم وبني الدولة التي أخذت بأحكامها ‪،‬‬
‫‪ 2‬ـ أو في العالقة بني جميع األطراف ‪.‬‬
‫ب ـ ويخول الطرف الذي تأثر بصورة خاصة من هذا اإلخالل التمسك‬
‫به كأساس إليقاف العمل باملعاهدة كلياً أو جزئياً في العالقة بينه وبني الدولة‬
‫التي اخلت باملعاهدة ‪.‬‬
‫ ج ـ وي �خ��ول ألي ط��رف آخ��ر م��ا ع��دا ال �ط��رف ال ��ذي أخ��ل ب��امل�ع��اه��دة‬
‫التمسك بهذا اإلخالل كأساس إليقاف العمل بها كلياً أو جزئياً بالنسبة إليه‬
‫إذا كانت طبيعة هذه املعاهدة جتعل اإلخالل اجلوهري بأحكامها من جانب‬
‫أحد األطراف يغير بصورة أساسية وضع كل طرف فيما يتعلق بأداء التزاماته‬
‫املستقبلة طبقاً للمعاهدة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ألغراض هذه املادة يعتبر إخالالً جوهرياً ‪:‬‬
‫أ ـ رفض العمل باملعاهدة فيما الجتيزه هذه املادة ‪.‬‬
‫ب ـ أو اإلخ�ل�ال بنص ض��روري لتحقيق م��وض��وع امل�ع��اه��دة أو الغرض‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ال تخل الفقرات السابقة ب��أي نص في املعاهدة يسري في حالة‬
‫اإلخالل بأحكامها ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ال ت�س��ري ال�ف�ق��رات م��ن ‪ 1‬ال��ى ‪ 3‬على األح �ك��ام اخل��اص��ة بحماية‬

‫‪190‬‬
‫األشخاص الواردة في معاهدات ذات طابع إنساني وخاصة األحكام املتعلقة‬
‫مبنع أي من أنواع اإلنتقام ضد األشخاص الذين يتمتعون بحماية مثل هذه‬
‫املعاهدات»‪.‬‬
‫ومن نص املادة يتضح أن الدفع ال يحدث أثره تلقائياً ‪ ،‬فأما أن يقبله‬
‫الطرف اآلخر ـ وفي هذه احلالة تنقضى املعاهدة بالرضا املتبادل ـ وأما أن‬
‫يرفض قبوله ـ وفي هذه احلالة ينشأ نزاع بني الطرفني يحل بالوسائل التي‬
‫حتسم بها امل�ن��ازع��ات ال��دول�ي��ة ‪ ،‬وق��د قامت مصر بالغاء معاهدة الصداقة‬
‫بينها وبني االحتاد السوفيتي واملوقع عليها في ‪1971/5/27‬م ‪ ،‬ولم يعترض‬
‫االحتاد السوفيتي على هذا اإللغاء((( ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ التغيير اجلوهري في الظروف‬


‫قد يحدث بعد إبرام املعاهدة أن تتغير الظروف التي مت في ظلها إبرام‬
‫املعاهدة ‪ ،‬وهذ سيؤدي إلى تعارض بني الواقع اجلديد وبني أحكام املعاهدة‬
‫وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى حصول خالفات بني أطراف املعاهدة ‪ ،‬لذلك فإن‬
‫حدوث تغيير أساسي في الظروف الفعلية التي مت في ظلها إبرام املعاهدة كان‬
‫للدولة املعنية أن تطالب بالغاء املعاهدة أو إيقاف العمل بها ‪ ،‬وهذا ما يطلق‬
‫عليه شرط بقاء الشيء على حاله((( ‪.‬‬
‫وهذا يعني ان املعاهدات تعقد حتت شرط إستمرار األحوال التي عقدت‬
‫في ظلها ‪ ،‬وإذا تغيرت هذه األح��وال كانت املعاهدة قابلة لإللغاء أو إيقاف‬
‫العمل بها ‪ ،‬ومن ثم فإن هذا الشرط يقوم على أساس فكرة اإلتفاق الضمني‬
‫بني األطراف على بقاء الظروف التي عقدت فيها املعاهدة على حالها ‪ ،‬وإن‬
‫ال�ظ��روف اجل��دي��دة ت��ؤدي إل��ى ن��وع م��ن ال�ت�ع��ارض ب�ين ن�ص��وص امل�ع��اه��دة وبني‬
‫الظروف التي تطبق فيها مما يعني ‪ ،‬كما يقرر البعض ‪ ،‬إن املعاهدة تفقد‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 287‬‬
‫للمزيد أنظر د ـ جعفر عبد السالم ـ شرط بقاء الشيء على حاله أو نظرية تغير‬ ‫((( ‬
‫الظروف في القانون الدولي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 187‬‬

‫‪191‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫سبب وجودها‬
‫وقد حدث خالف فقهي حول احلل الذي ميكن أن تتبعه الدولة في حالة‬
‫توافر شروط تغير الظروف ‪ ،‬فالبعض رأى أنه السماح للطرف املضرور بانهاء‬
‫املعاهدة باالرادة املنفردة ‪ ،‬ورأى البعض اآلخر أنه ميكن فقط لهذا الطرف أن‬
‫يطلب من اآلخر إعادة النظر في املعاهدة ((( ‪.‬‬
‫وقد أجازت املادة ‪ 62‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات ‪ ،‬ألي طرف‬
‫من أطراف املعاهدة التمسك بالتغيير اجلوهري للظروف إلنهاء املعاهدة أو‬
‫االنسحاب منها إذا حصل تغيير جوهري في الظروف احمليطة باملعاهدة ‪،‬‬
‫وكان هذا التغيير يؤثر في أصل االلتزامات املترتبة وفق هذه املعاهدة ‪ ،‬وإن‬
‫وج��ود الظروف األساسية ك��ان يشكل أساساً الرتضاء ال��دول في املعاهدة ‪،‬‬
‫حيث نصت على أنه ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ال يجوز اإلستناد إلى التغيير اجلوهري غير املتوقع في الظروف‬
‫التي كانت سائدة عند إبرام املعاهدة كسبب إلنهاء املعاهدة أو اإلنسحاب منها‬
‫إال إذا توافر الشرطني التاليني ‪:‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 263‬‬ ‫((( ‬


‫توجد العديد من التطبيقات العملية لهذه القاعدة والتي تشير كلها تقريباً إلى قيام‬ ‫((( ‬
‫الدولة بانهاء املعاهدة التي تقرر حدوث تغيير في الظروف بالنسبة لها بارداتها املنفردة‬
‫‪ ،‬من ذل��ك انسحاب فرنسا من القيادة العسكرية حللف شمال االطلسي في فبراير‬
‫‪1966‬م‪ ،‬وقد شرح اجلنرال ديجول ـ رئيس اجلمهورية الفرنسية في ذلك الوقت أسباب‬
‫االنسحاب في بيان قصير قال فيه أنه « ال شيء ميكن أن يجعل قانونا ُ لم يعد يتفق مع‬
‫الواقع أن يبقى بدون تغيير ‪ ،‬وال شيء ميكن أن يجعل معاهدة ما تظل في كامل صحتها‬
‫عندما يتغير هدفها ‪ ،‬وال شيء ميكن أن يجعل حلفاً أن يستمر في وجوده عندما تتغير‬
‫الظروف التي أنعقد فيها ‪ ،‬وينبغي حينئذ أن نالئم القانون واملعاهدة واحللف مع احلقائق‬
‫اجلديدة ‪ ،‬وبدون ذلك فإن النصوص املكونة ألساس هذه األعمال ال متثل سوى أوراق‬
‫خالية املضمون حتفظ في االرشيف ‪ ،‬أو يحدث انفصال كبير بني هذه الصيغ البالية‬
‫وهذه احلقائق احلية «‬
‫للمزيد راجع د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 194‬وايضاً‬
‫‪E . Stcin ; Law and peaceful change in substen , withdrawal of France from‬‬
‫‪North Atlantic Treaty Orgnization , A.J.I.I. July 1968 p . 577 .‬‬

‫‪192‬‬
‫أ ـ إذا كان وجود هذه الظروف قد كون أساساً عاماً إلرتضاء األطراف‬
‫االلتزام باملعاهدة ‪.‬‬
‫ب ـ وإذا ترتب على التغيير تبديل ج��ذري في نطاق االلتزامات التي‬
‫ال طبقاً للمعاهدة ‪.‬‬
‫يجب أن تنفذ مستقب ً‬
‫‪ 2‬ـ ال يجوز اإلستناد إلى التغير اجلوهري في الظروف كسبب إلنهاء‬
‫املعاهدة أو االنسحاب منها في األحوال التالية ‪:‬‬
‫أ ـ إذا كانت املعاهدة منشئة للحدود ‪,‬‬
‫ب ـ إذا ك��ان التغيير اجل��وه��ري نتيجة إخ�لال ال�ط��رف ب��ال�ت��زام طبقاً‬
‫للمعاهدة أو بأي التزام دولي ألي طرف آخر في املعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إذا جاز لطرف أن يستند إلى التغيير اجلوهري في الظروف وفقاً‬
‫للفقرات السابقة إلنهاء املعاهدة أو االنسحاب منها يجوز أيضاً اإلستناد إلى‬
‫ذات السبب إليقاف العمل باملعاهدة»‪.‬‬
‫ولذا يجب توفر الشروط التالية لإلستناد إلى التغيير اجلوهري للظروف‬
‫إلنهاء املعاهدة أو االنسحاب منها ‪:‬‬
‫ ‪ 1‬ـ أن يحدث تغيير جوهري في الظروف احمليطة باملعاهدة ‪.‬‬
‫ ‪ 2‬ـ أن يكون عدم التغيير في الظروف ‪ ،‬أي بقاء الظروف األصلية ‪،‬‬
‫قد أخذ بنظر االعتبار كأساس الرتضاء الدول باملعاهدة ‪.‬‬
‫ ‪ 3‬ـ إذا كان مثل هذا التغيير اجلوهري يؤثر بشكل جذري في االلتزامات‬
‫طبقا للمعاهدة ‪.‬‬
‫والظروف التي قد تؤثر على تطبيق املعاهدة قد تكون ظروفاً سياسية أو‬
‫أقتصادية أو قانونية ‪ ،‬واألمثلة التاريخية كثيرة في هذا الصدد ‪ ،‬فقد متسكت‬
‫مصر مببدأ التغيير اجلوهري في الظروف عندما أعلنت في ‪1951/10/16‬م‬
‫إلغاء معاهدة التحالف البريطانية ـ املصرية الوقعة في ‪1936/8/26‬م ‪,‬‬
‫وك��ذل��ك متسكت مصر بنفس امل�ب��دأ عندما أعلنت ف��ي ‪1957/1/1‬م إلغاء‬
‫املعاهدة البريطانية ـ املصرية املعقودة في ‪1954/10/19‬م على أساس عدم‬

‫‪193‬‬
‫بقاء الشيء على حالة بل وتدبير اجنلترا واشتراكها في العدوان الثالثي على‬
‫مصر في نوفمبر ‪1956‬م ((( ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ إنتهاء املعاهدة بإرادة الطرفني‬
‫نصت املادة ‪ 54‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على مسألة إنهاء‬
‫املعاهدات برضاء األطراف ‪ ،‬حيث جاء فيها ‪:‬‬
‫«إنهاء املعاهدة أو إنسحاب أحد أطرافها يجوز أن يتم ‪:‬‬
‫ أ ـ وفقاً ألحكام املعاهدة ‪.‬‬
‫ ب ـ أو في اي وقت باتفاق جميع األطراف بعد التشاور مع بقية الدول‬
‫املتعاقدة»‪.‬‬
‫والرضاء أما ان يكون صراحة ‪ ،‬بأن يتفق الطرفان في املعاهدة على‬
‫إنهائها ‪ ،‬كاالتفاقية الليبية مع حكومة الواليات املتحدة األمريكية الصادرة‬
‫بالقانون رقم (‪ )22‬لسنة ‪ ، 1954‬حيث جاء في املادة ‪ 30‬ما يلي‪«:‬ويظل العمل‬
‫بهذه االتفاقية ال��ى ‪ 24‬ديسمبر سنة ‪1970‬م ويستمر العمل بها بعد ذلك‬
‫التاريخ الى أن تشعر إحدى احلكومتني األخ��رى بإنهائها ‪ ،‬وفي هذه احلالة‬
‫ينتهي نفاذ االتفاقية بعد مرور سنة على تسلم االشعار املذكور» وقد أختارت‬
‫ليبيا طريق اإلنهاء باملفاوضات قبل حلول األجل وقد وفقت في ذلك((( ‪ ،‬وأما‬
‫أن يكون اإلنهاء ضمناً كأن يعقد الطرفان معاهدة جديدة في نفس موضوع‬
‫املعاهدة األولى ‪ ،‬حيث حتل املعاهدة الثانية محل األولى ‪ ،‬أو إذا كان هناك‬
‫تعارض تام بني املعاهدتني بحيث ال ميكن تطبيقهما في نفس الوقت ‪ ،‬وقد‬
‫‪ 1 /59‬من اتفاقية فيينا على األحكام اخلاصة باستنتاج إنهاء‬ ‫نصت املادة‬
‫معاهدة أو إيقاف العمل بها من إبرام معاهدة الحقة بقولها ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ تعتبر املعاهدة قد انتهت إذا أبرم جميع أطرافها معاهدة الحقة‬
‫بشأن املوضوع نفسه وتوافر الشرطني التاليني ‪:‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 263‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ رمضان بن زير ـ العالقات الدولية في السلم ـ الدار اجلماهيرية للنشر والتوزيع‬ ‫((( ‬
‫واالعالن ـ ‪ 1989‬ـ ص‪. 94‬‬

‫‪194‬‬
‫ أ ـ إذا ظهر من املعاهدة الالحقة أو ثبت بطريقة أخرى أن األطراف‬
‫قد قصدوا أن يحكم املوضوع بعد ذلك املعاهدة اجلديدة ‪.‬‬
‫ ب ـ أو إذا ك��ان��ت ن�ص��وص امل�ع��اه��دة الالحقة تتعارض ت�ع��ارض�اً تاماً‬
‫م��ع ن�ص��وص امل�ع��اه��دة السابقة بحيث ال ميكن تطبيق املعاهدتني ف��ي نفس‬
‫الوقت»‪.‬‬
‫حالة املعاهدات املتعددة األطراف‬
‫يجوز عادة اإلنسحاب من املعاهدات املتعددة األطراف ‪ ،‬وفقاً لألحكام‬
‫التي تنص عليها كل معاهدة ‪ ،‬وقد يؤدي إنسحاب األطراف إلى انخفاض عدد‬
‫األطراف في معاهدة متعددة األطراف إلى أقل من العدد الالزم لدخولها دور‬
‫النفاذ ‪ ،‬والقاعدة العامة تقضي بانتهاء مثل هذه املعاهدة ‪ ،‬إال أن املادة ‪55‬‬
‫من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات نصت على أنه‪«:‬ال تنتهي املعاهدة املتعددة‬
‫األطراف ملجرد أن عدد األطراف فيها أصبح أقل من العدد الالزم لدخولها‬
‫دور النفاذ اال إذا نصت املعاهدة على غير ذلك»‪.‬‬
‫رابع ًا ـ إنتهاء املعاهدة للتعارض مع قاعدة آمرة‬
‫من املعروف أن قواعد القانون الدولي العام تنقسم إلى قواعد مقررة‬
‫‪ ،‬يجوز االتفاق على خالفها ‪ ،‬وقواعد قانونية آمرة ال يجوز االتفاق على ما‬
‫ال بطالناً مطلقاً ‪.‬‬
‫يخالفها ‪ ،‬وإذا وقع مثل هذا االتفاق يعتبر باط ً‬
‫لذلك إذا ظهرت قاعدة قانونية آمرة جديدة ‪ ،‬على النطاق الدولي ‪،‬‬
‫فإن جميع املعاهدات التي أبرمت سابقاً تعتبر الغية إذا تعارضت أحكامها‬
‫مع أحكام القاعدة اآلمرة اجلديدة ‪ ،‬وعلى ذلك نصت اتفاقية فيينا في املادة‬
‫‪ 64‬حيث جاء فيها ( إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من قواعد القانون الدولي‬
‫العامة فإن أي معاهدة قائمة تتعارض مع هذه القاعدة تصبح باطلة وينتهي‬
‫العمل بها ) ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫إيقاف العمل باملعاهدات‬

‫إيقاف العمل باملعاهدة ‪ ،‬يعني ايقاف قواعدها من انتاج أثرها على‬


‫ح�ين تظل املعاهدة قائمة باعتبارها تصرف ميكن أن تعود ق��واع��ده إلنتاج‬
‫آثارها بزوال سبب إيقاف العمل بها ((( ‪.‬‬
‫وإيقاف العمل‪ ،‬بصفة مؤقتة‪ ،‬مبعاهدة‪ ،‬أما أن يكون مبوجب نص في‬
‫املعاهدة يسمح بذلك أو يكون باتفاق الحق بني األط��راف أو باالستنتاج من‬
‫إب��رام معاهدة ج��دي��دة ‪ ،‬وم�ث��ال احل��ال��ة األول��ى م��ا نصت عليه امل��ادة ‪ 57‬من‬
‫اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات والتي جاء فيها ‪:‬‬
‫«يجوز إيقاف العمل مبعاهدة بالنسبة إلى جميع األطراف أو بالنسبة‬
‫إلى طرف معني ‪:‬‬
‫ أ ـ وفقاً ألحكام املعاهدة ‪.‬‬
‫ ب ـ أو في أي وقت برضا جميع األطراف بعد التشاور مع بقية الدول‬
‫املتعاقدة»‪.‬‬
‫ وق��د نصت امل��ادة ‪ 58‬من اتفاقية فيينا على إيقاف العمل مبعاهدة‬
‫متعددة األط��راف باتفاق بعض األط��راف فقط حيث ج��اء فيها ‪ 1«:‬ـ يجوز‬
‫لطرفني أو أكثر في معاهدة متعددة األطراف أن يعقدوا اتفاقا ٌ إليقاف العمل‬
‫باحكامها فيما بينهم فقط وبصفة مؤقتة ‪:‬‬
‫ أ ـ إذا كان ذلك ممكناً وفقاً للمعاهدة ‪.‬‬
‫ ب ـ إذا كانت املعاهدة ال حترم مثل هذا اإليقاف بشرط ‪:‬‬
‫ ‪ 1‬ـ اال يؤثر على متتع األطراف األخرى بحقوقهم أو ادائهم التزاماتهم‬
‫طبقاً للمعاهدة ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 253‬‬ ‫((( ‬

‫‪196‬‬
‫‪ 2‬ـ واال يتعارض مع موضوع املعاهدة والغرض منها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يجب في احلاالت التي تخضع حلكم الفقرة ‪ / 1‬أ على هؤالء األطراف‬
‫إبالغ األطراف األخرى بعزمهم على عقد هذا االتفاق وبأحكام املعاهدة التي‬
‫يعتزمون إيقاف العمل بها ما لم تنص املعاهدة على غير ذلك»‪.‬‬
‫ونصت املادة ‪ 2/59‬على استنتاج إيقاف العمل باملعاهدة ضمنياً وذلك‬
‫من إب��رام معاهدة الحقة بالنسبة ل��ذات املوضوع حيث جاء فيها‪ 2(:‬ـ تعتبر‬
‫املعاهدة السابقة قد أوقف العمل بها فقط إذا ثبت من املعاهدة الالحقة او‬
‫بطريقة أخرى أن هذا ما قصده األطراف)‪.‬‬
‫كذلك ميكن إيقاف العمل باملعاهدة إذا استحال تنفيذها بشكل مؤقت‬
‫وليس دائمي (املادة ‪ 61‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات) ‪ ،‬كما أنه يجوز‬
‫إيقاف العمل باملعاهدة بدون اتفاق أطرافها في حالة إخالل أحد األطراف‬
‫بأحكام املعاهدة إخالالً جوهرياً ( ملادة ‪ 60‬من اتفافية فيينا لقانون املعاهدات)‪،‬‬
‫كذلك يجوز اإلستناد إلى إيقاف العمل في املعاهدة في حالة التغيير اجلوهري‬
‫في الظروف (املادة ‪ 62‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات) ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫أثر احلرب على املعاهدات‬

‫ لم تتطرق اتفاقية فيينا بشكل صريح ألثر احل��رب على املعاهدات‪،‬‬


‫رغ��م أن احل��رب تؤثر على امل�ع��اه��دات‪ ،‬ذل��ك ك��ون أن احل��رب ت��ؤدي إل��ى قطع‬
‫العالقات الودية والسلمية بني الدول املتحاربة‪ ،‬إال أن املتعارف عليه دولياً أنه‬
‫يجب التمميز بني أنواع املعاهدات وكما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ املعاهدات التي ال تتأثر بقيام حالة احلرب ‪ ،‬من ذلك ‪:‬‬
‫أ ـ املعاهدات التي يكون موضوعها تنظيم حالة دائمة ‪ ،‬كمعاهدات‬
‫احل��دود ومعاهدات التنازل عن األقاليم واملعاهدات املنظمة حلقوق ارتفاق‬

‫‪197‬‬
‫دولية ‪ ،‬وهناك رأي يقول إن احلرب ميكن أن تلغي معاهدات احلدود نظراً‬
‫للتبدل الواقعي الذي يحصل في احلدود اجلغرافية بسبب إختراق اجليوش‬
‫وإحتالل األراضي ((( ‪.‬‬
‫ب ـ املعاهدات التي يكون موضوعها تنظيم حالة احلرب نفسها ‪ ،‬مثل‬
‫اتفاقات الهاي لسنة ‪1907‬م املنظمة للحرب البرية واتفاقات جنيف لسنة‬
‫‪1949‬م اخلاصة مبعاملة جرحى ومرضى وأسرى احلرب واألشخاص املدنني‬
‫وغيرها ‪.‬‬
‫ج ـ املعاهدات اجلماعية أو املتعددة األطراف ‪ ،‬وذلك في حالة ما إذا‬
‫نشبت احلرب بني بعض أطرافها فقط ‪ ،‬وبقى األطراف اآلخرون في حالة‬
‫حياد ‪ ،‬فإن املعاهدة تبقى سارية في عالقات الدول احملايدة فيما بينها وأيضا‬
‫في عالقات هذه الدول مع الدول املتحاربة ‪ ،‬ولكن يقف العمل باملعاهدة في‬
‫عالقات الدول املتحاربة طيلة قيام احلرب بينها ‪ ،‬ويستأنف العمل بها بعد‬
‫إنتهاء احلرب ‪ ،‬أي أن احلرب تؤدي إلى وقف سريان املعاهدة اجلماعية في‬
‫عالقات الدول املتحاربة فقط ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ املعاهدات التي تنقضي بقيام حالة احلرب‬
‫تنقضي بقيام حالة احل��رب املعاهدات الثنائية التي تربط بني الدول‬
‫امل �ت �ح��ارب��ة ك �م �ع��اه��دات ال �ص��داق��ة وح �س��ن اجل� ��وار ‪ ،‬وامل��ع��اه��دات ال�ت�ج��اري��ة‬
‫واالقتصادية واملالية ‪ ،‬واملعاهدات السياسية كمعاهدات التحالف والضمان‬
‫واملساعدة وعدم اإلعتداء والتحكيم ‪ ،‬واملعاهدات التي تنشىء حقوقا خاصة‬
‫لرعايا الدول املتحاربة مثل حق امللكية وغيرها ‪.‬‬
‫قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية‬
‫ال يكون ل��ه تأثير على‬ ‫إن قطع ال�ع�لاق��ات الدبلوماسية ف��ي ح��د ذات��ه‬
‫أو إيقاف العمل بها ‪،‬‬ ‫املعاهدات الدولية ‪ ،‬وال ميكن االستناد اليه إلنهائها‬
‫باستحالة التنفيذ التي‬ ‫حقيقة أنها عبارة عن تغير ظروف وشبيهة ظاهرياً‬
‫حتطيم ش��يء ض��روري‬ ‫تقضي بإمكانية إن�ه��اء امل�ع��اه��دة ف��ي حالة ف�ق��دان أو‬

‫د ـ صالح الدين أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 114‬‬ ‫((( ‬

‫‪198‬‬
‫لتنفيذها ‪ ،‬ولكنها في حالة قطع العالقات الدبلوماسية ال نكون أمام فقدان‬
‫شيء ‪ ،‬بل تخلف وسيلة للتنفيذ ((( ‪.‬‬
‫ولكن توجد معاهدات يتطلب تنفبذها وج��ود عالقات دبلوماسية وال‬
‫ميكن تنفيذها بدون هذه العالقات ‪ ،‬ومن ذلك معاهدات التحالف أو التعاون‬
‫في مختلف املجاالت سواء اقتصادية ‪ ،‬ثقافية ‪ ،‬صحية وغيرها ‪.‬‬
‫وعلى ه��ذا فقد نصت امل��ادة ‪ 63‬م��ن اتفاقية فيينا على أن��ه‪«:‬ال يؤثر‬
‫قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية بني أطراف املعاهدة على العالقات‬
‫القانونية القائمة بينهم مبوجب املعاهدة إال إذا كان قيام العالقات الدبلوماسية‬
‫أو القنصلية ضرورياً لتطبيق املعاهدة»‪.‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫آثار إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات‬

‫نصت اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على اآلثار التي تترتب على إبطال‬
‫املعاهدة او إنهائها أو إيقاف العمل بها وذلك في القسم اخلامس من الباب‬
‫اخلامس في املواد من ‪ 69‬الى ‪ 72‬وكما يلي ‪ :‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ آثار إبطال املعاهدة‬
‫نصت امل��ادة ‪ 69‬من اتفاقية فيينا على اآلث��ار التي تترتب على إبطال‬
‫املعاهدة حيث جاء فيها ما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ تعتبر املعاهدة التي يثبت ع��دم صحتها وفقاً لالتفاقية احلالية‬
‫باطلة ‪ ،‬وليس لنصوص املعاهدة الباطلة أثر ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إذا متت رغم ذلك أعمال تنفيذ املعاهدة الباطلة فإنه ‪:‬‬

‫د ـ محمد بو سلطان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 129‬‬ ‫((( ‬

‫‪199‬‬
‫أ ـ يكون لكل طرف أن يطلب من أي طرف آخر أن ينشىء يقدر االمكان‬
‫في عالقاتهما املتبادلة الوضع الذي كان سيتحقق إذا لم تتم هذه األعمال‪.‬‬
‫ب ـ األعمال التي تتم بحسن نية قبل التمسك بالبطالن ال تعتبر غير‬
‫مشروعة ملجرد عدم صحة املعاهدة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ في احل��االت اخلاضعة للمواد ‪ 49‬و‪ 50‬و‪ 51‬و‪ 52‬ال ينطبق حكم‬
‫الفقرة ‪ 2‬بالنسبة ال��ى الطرف ال��ذي ينسب إليه الغش أو اإلك��راه أو العمل‬
‫اإلفسادي ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ ف��ي ح��ال��ة ب�ط�لان إرت �ض��اء دول��ة معينة االل �ت��زام مب�ع��اه��دة متعددة‬
‫األط��راف ‪ ،‬تسري القواعد السابقة في العالقة بني هذه الدولة واألط��راف‬
‫األخرى في املعاهدة»‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬آثار إبطال معاهدة تتعارض مع قاعدة دولية آمرة‬
‫نصت املادة ‪ 71‬من اتفاقية فيينا على أحكام خاصة بالنسبة للمعاهدات‬
‫التي تعتبر باطلة أبتدا ًء لتعارضها مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي‬
‫العامة املوجودة وقت إبرامها أو التي تصبح باطلة فيما بعد لظهور قاعدة‬
‫جديدة من هذا القبيل حيث جاء فيها ما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ ف��ي حالة املعاهدة التي تعتبر باطلة طبقا للمادة ‪( 53‬احلالة‬
‫االولى) يكون على االطراف ‪:‬‬
‫أ ـ ان تزيل بقدر االمكان آثار أي عمل مت استناداً الى أي نص يتعارض‬
‫مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العامة ‪.‬‬
‫ب ـ وأن جتعل عالقاتها املتبادلة متفقة مع هذه القاعدة اآلمرة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في حالة املعاهدة التي تعتبر باطلة وينتهى العمل بها طبقا للمادة‬
‫‪( 64‬احلالة الثانية ) يترتب على انهائها ‪:‬‬
‫أ ـ إعفاء االطراف من أي التزام باالستمرار في تنفيذ املعاهدة ‪.‬‬
‫ب ـ عدم التأثير على أي حق او التزام او مراكز قانونية لالطراف مت‬
‫نتيجة لهذه املعاهدة قبل انهائها ‪ ،‬بشرط أن تكون احملافظة على هذه احلقوق‬

‫‪200‬‬
‫وااللتزامات واملراكز بعد ذلك رهن اتفاقها مع القاعدة اآلمرة اجلديدة»‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ آثار إنهاء املعاهدة‬
‫ نصت املادة ‪ 70‬من اتفاقية فيينا لقانون املعاهدات على اآلثار التي‬
‫تترتب على إنهاء املعاهدة سواء وفقاً ألحكامها أو تطبيقاً ألحكام االتفاقية‬
‫فجاء فيها ما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ إذا ل��م تنص امل�ع��اه��دة أو يتفق األط ��راف على خ�لاف ذل��ك فإن‬
‫إنقضاء املعاهدة وفقاً ألحكام هذه االتفاقية ‪:‬‬
‫أ ـ إعفاء األطراف من أي التزام باالستمرار بتنفيذ املعاهدة ‪.‬‬
‫ ب ـ ال يؤثر على أي حق أو ال�ت��زام أو مركز قانوني ل�لأط��راف نشأ‬
‫نتيجة تنفيذ املعاهدة قبل إنقضاءها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إذا نقضت دولة ما معاهدة جماعية أو أنسحبت منها فتطبق الفقرة‬
‫‪ 1‬على العالقات بني هذه الدولة وال��دول األخرى األط��راف في املعاهدة من‬
‫تاريخ نفاذ ذلك النقض أو اإلنسحاب»‪.‬‬
‫رابع ًا ـ آثار إيقاف العمل باملعاهدة‬
‫نصت امل��ادة ‪ 72‬من اتفاقية فيينا على اآلث��ار التي تترتب على إيقاف‬
‫العمل باملعاهدة ‪ ,‬وكما يلي ‪:‬‬
‫«‪ 1‬ـ إذا لم تنص املعاهدة أو يتفق األطراف على غير ذلك ‪ ،‬يترتب على‬
‫إيقاف العمل باملعاهدة طبقاً ألحكامها أو وفقاً لهذه االتفاقية ‪.‬‬
‫ أ ـ إعفاء األطراف الذين يوقف العمل باملعاهدة فيما بينهم من االلتزام‬
‫بتنفيذ املعاهدة في عالقاتهم املتبادلة خالل فترة االيقاف ‪.‬‬
‫ ب ـ عدم التأثير فيما عدا هذا على العالقات القانونية التي تنشأ‬
‫مبقتضى املعاهدة بني األطراف ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ميتنع األطراف خالل فترة اإليقاف عن التصرفات التي من شأنها‬
‫إعاقة استئناف العمل في املعاهدة»‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫وإن بطالن أو إنهاء أو إيقاف العمل أو االنسحاب أو الغاء املعاهدة‬
‫قد ال يؤثر على سريان االلتزامات التي تنص عليها املعاهدة ‪ ،‬ويتحقق ذلك‬
‫خاصة في املعاهدة التي تتضمن قواعد عرفية او مستمدة من املبادىء العامة‪،‬‬
‫واألط��راف تلتزم بها باعتبارها قواعد مستمدة من العرف أو من املبادىء‬
‫العامة وسارية املفعول بغض النظر عن مصير املعاهدة ‪ ،‬وهو ما أشارت اليه‬
‫املادتني ‪ 38‬و‪ 43‬من اتفاقية فيينا ‪ ،‬فقد نصت املادة ‪ 43‬من االتفاقية على‬
‫أن��ه‪«:‬ال يؤثر بطالن املعاهدة أو إنهائها أو االنسحاب منها أو وق��ف العمل‬
‫بها تطبيقاً لهذه االتفاقية أو ألحكام املعاهدة في واجب أية دولة في أداء‬
‫التزاماتها املقررة في املعاهدة التي تكون ملتزمة بها مبقتضى القانون الدولي‬
‫بغض النظر عن املعاهدة»‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫العرف ال ـ ــدولي‬

‫يعتبر ال �ع��رف ال��دول��ي امل �ص��در األس��اس��ي واألص �ل��ي إلن �ش��اء ال�ق��واع��د‬
‫القانونية الدولية ‪ ،‬وهو من أق��دم مصادر القانون الدولي وأكثرها م��ادة ‪،‬‬
‫إذ أن اغلب قواعد ه��ذا القانون ذات الصفة العاملية نشأت واستقرت في‬
‫احمليط الدولي عن طريق العرف وحتت تأثيره ‪ ،‬حتى أن القواعد الواردة في‬
‫املعاهدات الشارعة غالباً ما تكون تعبيرا أو صياغة ملا استقر عليه العرف‬
‫قبل إبرامها ‪ ،‬حيث ال توجد سلطة تشريعية عليا فوق الدول تضع القواعد‬
‫القانونية ‪ ،‬ول��ذل��ك ف��إن ق��واع��د القانون ال��دول��ي األساسية واملهمة وضعتها‬
‫األجيال واستقرت كقواعد عرفية مبرور الزمن ‪.‬‬
‫والعرف الدولي هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنشأ في املجتمع‬
‫الدولي نتيجة لتكرار تصرفات دولية معينة على وتيرة واحدة مدة معينة من‬
‫الزمن يترتب عليها التزام الدول في تصرفاتها بعضها جتاه البعض اآلخر ‪،‬‬
‫بشرط أن يرافق هذا التكرار ‪ ،‬االعتقاد بضرورة االلتزام بهذا التصرف كلما‬
‫جتددت احلاالت التي أتبع فيها ‪ ،‬ولذلك يشترط لقيام العرف الدولي توافر‬
‫ركنني ‪ ،‬األول ركن مادي والثاني ركن معنوي ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الركن املادي‬
‫ويقوم هذا الركن على تكرار األعمال أو التصرفات املتماثلة من دول‬
‫مختلفة في أمور معينة ‪ ،‬وهذا الركن املادي هو ما يسمى بالعادة ‪ ،‬فإذا ما‬
‫ثبت أن الدول تسير على وتيرة واحدة في نوع من التصرفات الدولية فالقاعدة‬

‫‪203‬‬
‫التي ميكن استخالصها من ذلك هي قاعدة عرفية دولية ‪ ،‬وال يشترط في‬
‫التصرف أن يكون إيجابياً يتمثل في القيام بعمل بل يجوز أن يكون تصرفاً‬
‫سلبياً يتمثل في االمتناع عن القيام بعمل ((( ‪.‬‬
‫ويشترط في التصرف امل��ادي أن يصادف القبول من الدولة أو الدول‬
‫التي صدر في مواجهتها وان يستمر قبول الدولة له إذا تكررت ممارسته في‬
‫احلاالت اجلديدة املماثلة للحالة األولى ‪ ،‬ويشترط فيه أيضا أن يكون عاما‬
‫مبعنى أن متارسه على وجه العموم في جميع احلاالت املماثلة التي حتدث في‬
‫املستقبل ‪ ،‬وليس معنى العمومية أن جميع ال��دول متارس هذا التصرف في‬
‫احل��االت املماثلة ‪ ،‬بل يكفي أن تكون ممارسة التصرف ص��ادرة من أغلبية‬
‫ال��دول ‪ ،‬ألن العمومية ليس معناها اإلج�م��اع ‪ ،‬لذلك يقسم الفقه األحكام‬
‫العرفية إلى العرف الدولي ‪ ،‬ويتضمن األحكام التي تواترت أغلبية الدول على‬
‫التصرف وفقاً لها ‪ ،‬والعرف اخلاص ‪ ،‬ويتضمن األحكام التي تتبعها الدول‬
‫التي تتقارب حضاراتها أو تشترك في وحدة اجلنس والتي تضمها مؤسسات‬
‫إقليمية ‪ ،‬ومثالها الدول األمريكية حيث يوجد عرف خاص بها وكذلك الدول‬
‫العربية والدول السالفية وغيرها ‪ ...‬الخ ((( ‪.‬‬
‫وال ي�ش�ت��رط ف��ي ت �ك��رار ال�ت�ص��رف ع��دد م�ع�ين م��ن امل ��رات ليصبح ه��ذا‬
‫التصرف مبثابة ال�ع��ادة ‪ ،‬فاملهم هو التكرار بغض النظر عن ع��دد امل��رات ‪،‬‬
‫فقد يكون مرتني أو أكثر ‪ ،‬كذلك اليشترط مدة زمنية معينة لتكون العرف‬
‫فقد تطول هذه املدة أو تقصر ويكون ذلك بأختالف التصرفات التي تصدر‬
‫عن الدول ‪ ،‬وقبول الدول األخرى لهذا التصرف وض��رورة االلتزام به وعدم‬
‫مخالفته ‪.‬‬
‫أن شرط املدة مرتبط بقبول القاعدة ‪ ،‬فإذا كان قبول‬ ‫(((‬
‫ويرى البعض‬

‫وقد أيدت محكمة العدل الدولية هذا في حكمها الصادر في ‪ 1927 / 9 / 7‬في‬ ‫((( ‬
‫قضية اللوتس ‪ ،‬إذ جاء فيه إن العرف قد يترتب على أساس اإلمتناع عن إتخاذ تصرف‬
‫في حالة معينة متى ما أقترن هذا اإلمتناع بالركن املعنوي ‪.‬‬
‫حامد سلطان ‪ ،‬عائشة راتب ‪ ،‬دـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.50‬‬ ‫(( (‬
‫أنظر د ـ عبد الغني محمود ـ القاعدة العرفية في القانون الدولي العام ـ دار النهضة‬ ‫((( ‬
‫العربية ـ القاهرة ـ ‪ 1990‬ـ ص ‪. 49‬‬

‫‪204‬‬
‫القاعدة قد حتقق فور وقوع املمارسة املنشئة للقاعدة فإن شرط املدة يصبح‬
‫ـ ف��ي ه��ذه احل��ال��ة ـ ال أهمية ل��ه ويكتمل للقاعدة العرفية عنصراها امل��ادي‬
‫واملعنوي بدونه ‪ ،‬أما إذا تراخى قبول الدول فإنه يتعني مرور مدة معينة حتى‬
‫يتم القبول الكافي إلنشاء القاعدة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الركن املعنوي‬
‫إلى جانب الركن امل��ادي يشترط أن يتوفر الركن املعنوي ‪ ،‬وهو يتمثل‬
‫باعتقاد ال��دول ب��أن التصرفات امل��ادي��ة التي تقوم بها أو تطبقها ملزمة لها‬
‫قانونا ‪.‬‬
‫ولقد أشارت املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية إلى‬
‫الركن املعنوي حينما اشترطت أن يكون العرف مقبوال مبثابة قانون دل عليه‬
‫تواتر االستعمال ‪ ،‬كما أي��دت ذل��ك محكمة العدل الدولية في احلكم الذي‬
‫اصدرته في ‪1950/11/20‬م اخلاص بحق االلتجاء السياسي ‪ ،‬حيث جاء فيه‬
‫‪«:‬إن ما من دولة تستطيع أن تتمرد على حكم عرفي ثبت استقراره»‪.‬‬
‫إن وجود هذا الركن املعنوي يسمح بالتمييز بني العرف وكل من العادة‬
‫أو املجاملة الدولية ‪ ،‬فالعرف الدولي يجمع بني الركن املادي والركن املعنوي‬
‫‪ ،‬بينما العادة أو املجاملة الدولية ‪ ،‬ال تتضمن إال الركن امل��ادي وح��ده دون‬
‫الركن املعنوي فهي ال تنطوي على االعتقاد بصفتها اإللزامية ‪ .‬وان كان تكرار‬
‫العادة يساعد على إثبات القاعدة العرفية ‪ ،‬غير أن العادة مهما تكررت فإنها‬
‫ال تكتسب قوة القاعدة القانونية العرفية إال بعد أن تقابل برد فعل مناسب‬
‫من جانب الدول أو احملاكم الدولية بحيث تتوافر القناعة العامة باعتبار تلك‬
‫العادة مبثابة قاعدة قانونية إلزامية‪.‬‬
‫وال يشترط لتطبيق القاعدة العرفية على الدول القبول بها صراحة أو‬
‫ضمناً ‪ ،‬وهذا ما ذهب إليه القضاء الدولي الذي ال يشترط لنشوء القاعدة‬
‫العرفية أجماع ال��دول على األعتراف بها بل يتكفي بوجود (ممارسة عامة)‬
‫أو مم��ارس��ة متبعة عموماً م��ن ال��دول مب��ا فيها ال��دول املعنية ‪ ،‬ويكفي عدم‬
‫االع�ت��راض على القاعدة أو االل�ت��زام بالصمت إزاءه��ا لتوافر الركن املعنوي‬
‫للعرف((( ‪.‬‬

‫د ـ محمد يوسف علوان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 171‬‬ ‫((( ‬

‫‪205‬‬
‫التصرفات التي ينشا عنها العرف الدولي‬
‫ذهب الفقهاء في حتديد العوامل التي تشترك في تكوين العرف الدولي‬
‫إلى اجتاهني مختلفني ‪ ،‬األول يقول إن القاعدة العرفية ال تنشأ إال بواسطة‬
‫هيئات الدولة ذات االختصاص الدولي ‪ ،‬أي السوابق احلكومية في موضوع‬
‫العالقات اخلارجية ‪ ،‬مثل تصرف وزارة اخلارجية والبعثات الدبلوماسية((( ‪،‬‬
‫ولكن التعامل الدولي ال يؤيد هذا األجتاه ألن الكثير من القواعد العرفية نشأ‬
‫عن طريق السوابق القضائية الصادرة عن احملاكم الداخلية ‪.‬‬
‫أما الثاني فقد نادى به أنصار الذهب املوضوعي والذي يرى إن القاعدة‬
‫العرفية ميكن أن ت�ص��در ع��ن أي ف��رد ي��داف��ع ع��ن مصاحله ال��دول�ي��ة ‪ ،‬ولكن‬
‫التعامل الدولي لم يؤيد هذا األجتاه أيضاً ‪ ،‬وفي الواقع فإن التعامل الدولي‬
‫يذهب إلى أن التصرفات التي يتولد عنها العرف الدولي هي التصرفات التي‬
‫تصدر عن الهيئات القانونية املختصة في الشئون الدولية ‪ ،‬سواء كانت داخلية‬
‫أو دولية ‪ ،‬وعلى النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ التصرفات الناجتة عن الهيئات احلكومية والتي ينشا عنها‬
‫العرف الدولي ‪:‬‬
‫أ ـ املراسالت الدبلوماسية والتعليمات الرسمية التي تصدر عن أجهزة‬
‫ال��دول��ة التي تشرف على العالقات اخلارجية (وزارة اخلارجية واملبعوثون‬

‫في رأي االراديني وعلى رأسهم وانزيلوتي إن االتفاق الضمني ال يظهر إال من تصرفات‬ ‫((( ‬
‫ممثل الدولة في دائ��رة العالقات الدولية ‪ ،‬فالسوابق التي تكون العرف الدولي هي‬
‫السوابق التي تتم على يد ممثلي الدولة في دائرة العالقات الدولية ‪ ،‬والعرف ال تتأتى‬
‫سوابقه إال من أعمال أو تصرفات تنسب إلى الدولة في مجال عالقاتها الدولية وتعانلها‬
‫مع الدول ‪ ،‬أما القوانني الداخلية واحكام احملاكم ‪ ،‬داخلية او دولية ‪ ،‬فهي كلها عالمات‬
‫ودالئل على وجود العرف ال عناصر وال عوامل في تكوينه ‪.‬‬
‫واملوضوعيون وعلى رأسهم جورج سل يرون في موقف النظام القانوني الداخلي ( تشريعات‬
‫ولوائح وقرارات حكومية أحكام محاكم وطنية ) وفي تصرفات األفراد العاديني مع أفراد‬
‫عاديني أجانب وفي تصرفات ممثلي الدولة في العالقات اخلارجية عوامل ميكن أن تنشأ‬
‫منها السوابق التي ينتج عنها العرف الدولي ـ د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و د ـ عمر‬
‫أبو بكر باخشب ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 99‬‬

‫‪206‬‬
‫الدبلوماسيون والقنصليون) التي تكشف عن اخلطة التي تسلكها إحدى الدول‬
‫في عالقاتها مع بقية الدول ‪.‬‬
‫ب ـ التعليمات واألوام��ر التي تصدر عن احلكومات في وق��ت احلرب‬
‫إلى قادتها في القوات املسلحة البرية والبحرية واجلوية ‪ ،‬فقد ساهمت هذه‬
‫التعليمات في تكوين قواعد احلرب البرية والبحرية واجلوية ‪.‬‬
‫ج ـ القوانني التي تصدر عن السلطة التشريعية في دولة معينة ‪ ،‬قد‬
‫تسهم ف��ي تكوين ال�ع��رف ال��دول��ي ‪ ،‬وخ��اص��ة تلك التي تتصل بشكل مباشر‬
‫بالعالقات الدولية ‪ ،‬مثل التشريعات اخلاصة مبسائل اجلنسية أو بتأميم‬
‫املمتلكات االجنبية ‪ ،‬كذلك فإن غالبية القواعد العامة للقانون الدولي للبحار‬
‫نشأت نتيجة النص عليها في التشريعات الوطنية ‪ ،‬كاألعراف املتعلقة بأعالي‬
‫البحار والبحر اإلقليمي واملوانيء البحرية ‪.‬‬
‫د ـ أحكام محاكم القضاء الداخلي عندما تكون تلك األحكام لها أثر‬
‫دولي ومتعلقة باملسائل ذات املساس بالعالقات الدولية ‪ ،‬فيمكن أن تؤدي إلى‬
‫نشوء العرف الدولي ‪ ،‬ومن ذلك أحكام محاكم الغنائم البحرية التي ساعدت‬
‫كثيراً في نشوء وتطوير قواعد القانون الدولي اخلاصة باحلرب البحرية ‪،‬‬
‫كذلك العرف اخلاص باحلصانة القضائية والتنفيذية للدول االجنبية الذي‬
‫نشأ نتيجة إطراد احملاكم الداخلية على األخذ بها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التصرفات الناجتة ع��ن الهيئات الدولية وال��ت��ي ينشأ عنها‬
‫العرف الدولي ‪ :‬ـ‬
‫أ ـ أحكام احملاكم الدولية على اختالف أنواعها ‪ ،‬فقد ساهمت تلك‬
‫األحكام في تكوين القواعد العرفية الدولية ‪ ،‬ومن تلك احملاكم مثال محاكم‬
‫التحكيم الدولية التي يرجع إليها تثبيت قواعد قانونية مثل قواعد املسئولية‬
‫الدولية ‪ ،‬واالعتراف بالدول واحلكومات ‪ ،‬وتفسير املعاهدات وغيرها ‪.‬‬
‫ب ـ املعاهدات الدولية‪ ،‬فاملعاهدات الدولية العامة واخلاصة تعتبران سوابق‬
‫وتسهم بالتالي في تكوين قواعد العرف الدولي‪ ،‬إذا كانت تتضمن قواعد وأنظمة‬
‫يجب اتباعها‪ ،‬مثل اتفاقية فيينا لسنة ‪1815‬م اخلاصة باألسبقية بني املمثلني‬
‫الدبلوماسيني‪ ،‬فمثل هذه املعاهدات عندما تعقد بني بعض الدول لتنظيم مسألة‬

‫‪207‬‬
‫معينة قد يتكرر عقد مثيالتها بني دول أخرى ‪ ،‬وهكذا ينشأ عرف دولي‪.‬‬
‫على أن ه��ذه امل�ع��اه��دات اجلماعية ه��ي منشئة ل�ل�ع��رف‪ ،‬ول�ك��ن هناك‬
‫معاهدات جماعية قد تكون مجرد كاشفة للعرف ومسجلة له‪ ،‬فتكون دلي ً‬
‫ال‬
‫عليه وتعبيراً عنه‪ ،‬مثل اتفاقيات الهاي لعام ‪1899‬م و‪1907‬م‪ ،‬فهي كاشفة‬
‫معلنة ال منشئة كالنوع األول ((( ‪.‬‬
‫وق��د تسهم بعض املعاهدات اخلاصة مثل معاهدات التحكيم واالتفاقات‬
‫القنصلية ومعاهدات تسليم املجرمني واملعاهدات املتعلقة بالقنوات الدولية في تكوين‬
‫قواعد العرف الدولي إذا عقدت بني عدد كبير من ال��دول وكانت تتضمن أحكاما‬
‫متماثلة وشروط مألوفة‪ ،‬فإنها بذلك تعكس اعتقاداً قانونياً مشتركاً دولياً‪.‬‬
‫ج ـ التصرفات التي تصدر عن املنظمات الدولية كعصبة األمم ومنظمة‬
‫األمم املتحدة واملنظمات املتخصصة ميكن أن تؤدي إلى نشوء قواعد عرفية‪.‬‬
‫مزايا وعيوب العرف الدولي ‬
‫والعرف الدولي كمصدر من مصادر القانون الدولي مزايا وعيوب فاما‬
‫مزاياه فهي إن قواعده مرنة وقابلة للتطور وتلبية حاجات املجتمع الدولي ‪،‬‬
‫كما أنه يتصف بعمومية القاعدة التي تشترك فيها جميع الدول وتلتزم بها‬
‫بعكس املعاهدة التي تلتزم بها األط��راف املتعاقدة فقط ‪ ،‬وأم��ا عيوبه فهي‬
‫أن قواعده ليست دائما واضحة احلدود إذ ينقصها الضبط والتعيني ‪ ،‬ألنها‬
‫قواعد غير مقننة ‪ ،‬ولذلك تثور عند تطبيقها وتفسيرها خالفات كبيرة بني‬
‫الدول ‪ ،‬كما أن قواعده تتسم بالبطء لذلك فإنه ال يستطيع سد احلاجات‬
‫الدولية اجلديدة التي تظهر في املجتمع الدولي (((‪.‬‬

‫د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و دـ عمر أبو بكر باخشب ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪.101‬‬ ‫(((‬
‫د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 72‬‬ ‫(( (‬

‫‪208‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫مبادئ القانون العامة‬

‫نصت الفقرة (ج) م��ن امل��ادة ‪ 38‬م��ن النظام األس��اس��ي حملكمة العدل‬
‫الدولية‪ ،‬على‪«:‬أن احملكمة تطبق مباديء القانون العامة التي أقرتها األمم‬
‫املتمدينة»‪.‬‬
‫وم��ن ن��ص امل��ادة ‪ 38‬م��ن النظام األس��اس حملكمة ال�ع��دل ال��دول�ي��ة فإن‬
‫م�ب��ادىء القانون العامة تعتبر من امل�ص��ادر األصلية لوظيفة احملكمة‪ ،‬ولكن‬
‫اخلالف قد ثار بشأن تفسير مضمون هذه املبادىء‪ ،‬فهل هي املبادىء التي‬
‫اقرتها األمم املتمدينة في أنظمتها القانونية الداخلية أم هي التي تشكل‬
‫النظام القانوني الدولي؟ لقد ذهب قسم من الفقهاء وخاصة ال��روس منهم‬
‫إلى أن مبادىء القانون العامة ال ميكن ان تكون إال املبادىء العامة للقانون‬
‫الدولي(((‪ ،‬وينكرون أن تكون مشتقة من القوانني الداخلية ويقصورها على‬
‫املبادىء التي حتكم العالقات الدولية والتي تنشأ وتتطور بالطريق االتفاقي‬
‫أو ال�ع��رف��ي‪ ،‬وي��رى ه��ؤالء ان م �ب��ادىء ال�ق��ان��ون العامة ال ميكن أن ت�ك��ون هي‬
‫املبادىء املشتركة بني النظم القانونية املختلفة ‪ ،‬فعلى سبيل املثال مبادىء‬
‫القانون العامة الداخلية في ال��دول البرجوازية مثل مبدأ احلقوق املكتسبة‬
‫ومبدأ وجوب التعويض في حالة تأميم املمتلكات األجنبية ليست معروفة في‬
‫القوانني األشتراكية‪.‬‬
‫بينما ذهب القسم الثاني من الفقهاء إلى أن املقصود مببادىء القانون‬

‫أنظر ج ‪ .‬إ ‪ .‬تونكني ـ مرجع مشار إلبه ـ ‪. 151‬‬ ‫((( ‬

‫‪209‬‬
‫العامة للقانون الداخلي مثل ش�ت��روب ه��ي ليست س��وى ق��واع��د م��ن القانون‬
‫الداخلي أو الوطني وإن املادة ‪ 38‬سمحت للقضاء الدولي بتطبيقهاـ عن طريق‬
‫القياس ـ على األوضاع الدولية ((( ‪ ،‬كما أنه ال يسهل الفصل بني هذا املضمون‬
‫والقواعد العرفية الدولية‪ ،‬والصحيح هو تفسير هذه املبادىء على أساس أنها‬
‫القواعد الرئيسية التي تقوم عليها القوانني الداخلية لألمم املتمدينة‪ ،‬ولذلك‬
‫هناك أرتباط واضح بني معنى املبادىء العامة للقانون وما اشترطه النظام‬
‫األساسي حملكمة العدل الدولية من ضرورة مراعاة أن يكفل تشكيل احملكمة‬
‫متثيل املدنيات الكبرى واألنظمة القانونية الرئيسية في العالم‪ ،‬فذلك يكفل‬
‫أن ميد القضاة املمثلون للمدنيات‪ ،‬احملكمة مبا يسيطر على تشريعاتهم من‬
‫أسس جوهرية (((‪.‬‬
‫كما أن نص امل��ادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية ال‬
‫ميكن أن يحمل أكثر مما فيه‪ ،‬ألن تعبير املبادىء العامة للقانون جاء دون نعت‬
‫لهذه املبادىء‪ ،‬األمر الذي ال يحتمل معه شمولها ملبادىء القانونني الداخلي‬
‫والدولي (((‪.‬‬

‫د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و د ـ عمر أبو بكر باخشب ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪.106‬‬
‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 226‬‬ ‫((( ‬
‫بالرجوع إلى أصل هذه املادة ومن خالل مناقشات جلنة القانونيني التي أعدت النظام‬ ‫((( ‬
‫األساسي حملكمة العدل الدولية الدائمة نالحظ أن دسكامبس ‪ Descamps‬أستخدم في‬
‫مقترحه في ‪ 1920 / 7 / 1‬تعبير القواعد العامة للقانون الدولي املعترف بها من قبل‬
‫الضمير القانوني للشعوب املتمدينة ‪ ،‬وقد أثار هذا املقترح اعتراض عدد كبير من أعضاء‬
‫اللجنة ‪ ،‬منهم االمريكي روت ‪ Root‬والفرنسي دال براديل ‪ De La Pradelle‬واالجنليزي‬
‫فيليمور ‪ Phillimor‬الذين اعترضوا على اعطاء القاضي الدولي سلطة التشريع ‪ ،‬ألن‬
‫اعطاء القاضي مثل هذه السلطة سيؤدي إلى فشل احملكمة في اداء وظيفتها ‪ ،‬كما كان‬
‫مصير محكمة الغنائم التي أنشأتها اتفاقية الهاي الثانية عشرة في ‪1907/10/18‬م‬
‫التي لم تدخل حيز التنفيذ والتي اعطت قاضي احملكمة سلطة احلكم مبوجب اإلنصاف‬
‫‪ ،‬وللحيلولة دون متكني القاضي من خلق القانون ‪ ،‬وفي خالل املناقشات النهائية ألعضاء‬
‫اللجنة أعلن فيليمور ان املبادىء العامة املذكورة في الفقرة ج ‪ ،‬هي تلك املعترف بها من‬
‫قبل األمم املتمدينة في القانون الداخلي ‪ .‬أنظر د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ‬
‫ص ‪. 224‬‬

‫‪210‬‬
‫واألص��ل في مبادىء القانون العامة أن تسود دائ��رة القانون الداخلي‪،‬‬
‫ولذلك يبدو غريباً أن متتد دائ��رة تطبيقها ال��ى حكم العالقات بني ال��دول‪،‬‬
‫غير أنه ميكن القول بأن هذه املبادىء العامة تنطبق في الدائرة الدولية في‬
‫حالة فقدان كل قاعدة قانونية منصوص عليها في املعاهدات او يقضي بها‬
‫العرف ‪ ،‬فهي مبثابة قواعد تقضي بها العدالة عند األمم املتحضرة ‪ ،‬واجلدير‬
‫بالذكر أن محكمة العدل لم تلجأ إلى تطبيق مبادىء القانون العامة اال في‬
‫ح��دود ضيقة ‪ ،‬مثل ما قضت به محكمة العدل الدولية الدائمة في حكمها‬
‫ال�ص��ادر ف��ي ‪ 1927 / 7 / 26‬م��ن أن��ه يترتب على مخالفة االل�ت��زام واج��ب‬
‫التعويض ‪ ،‬كاحلكم الذي أصدرته في قضية القروض النرويجية الصادر في‬
‫‪1957/7/6‬م‪ ،‬واحلكم الصادر في النزاع اخلاص بحق امل��رور في االراضي‬
‫الهندية بني الهند والبرتغال في ‪1957/ 11/26‬م ((( ‪.‬‬
‫وذه��ب القسم الثالث من الفقهاء ال��ى أن مبادىء القانون العامة هي‬
‫املبادىء املشتركة في النظامني القانونني الدولي والداخلي ‪ ،‬أي أن مبادىء‬
‫القانون العامة ميكن أن توجد في القوانني الداخلية ‪ ،‬وبنفس املضمون ميكن‬
‫أن توجد في العالقات الدولية ‪.‬‬
‫وم��ن أمثلة ه��ذه امل�ب��ادىء ‪ ،‬مبدأ ال��وف��اء بالعهد ‪ ،‬وم�ب��دأ حسن النية‬
‫في العالقات ‪ ،‬ومبدأ عدم التعسف باستعمال احلق ‪ ،‬ومبدأ العقد شريعة‬
‫املتعاقدين ‪ ،‬ومبدأ احترام احلقوق املكتسبة وع��دم املساس بحقوق الغير ‪،‬‬
‫ومبدأ احترام سيادة الدول ‪ ،‬واعتبار املعاهدة الدولية مبركز أقوى من القانون‬
‫الداخلي ‪.‬‬
‫وقد اعتبرت املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية أن‬
‫ملباديء القانون العامة القوة اإللزامية بني الدول ‪ ،‬وذلك ألنها قد حصلت‬
‫على إقرار واعتراف من األمم املتمدينة ‪ ،‬ولذلك اعتبرت بكونها من املصادر‬
‫األصلية للقانون الدولي العام ‪.‬‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.52‬‬

‫‪211‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫املصادر املساعدة أو االستداللية‬

‫بعد أن أعتبرت املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية‬


‫املعاهدات والعرف ومباديء القانون العامة من املصادر االصلية ‪ ،‬نصت على‬
‫أن احملكمة تستطيع عند عدم توفر املصادر األصلية املذكورة ـ أن ترجع إلى‬
‫أحكام احملاكم ومذاهب كبار املؤلفني في القانون العام من مختلف األمم ‪،‬‬
‫وذل��ك باعتبارها وسائل تساعد احملكمة في حسم ال�ن��زاع امل�ع��روض أمامها‬
‫‪ ،‬فاملصادر املساعدة في القانون الدولي هي أحكام القضاء ومذاهب كبار‬
‫امل��ؤل�ف�ين ف��ي ال�ق��ان��ون ال�ع��ام وك��ذل��ك م �ب��اديء ال�ع��دل واألن �ص��اف متى وافقت‬
‫األط��راف املتنازعة على ذل��ك ‪ ،‬وسنبحث كل مصدر من ه��ذه املصادر في‬
‫مبحث مستقل ‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫املبحث األول‬
‫أحـكام احملـاكم‬

‫إن مهمة القاضي الدولي تقتصر على تطبيق القانون املوجود فعالُ على‬
‫احلاالت اجلديدة التي تعرض عليه‪ ،‬وال تتعداها إلى خلق قواعد قانونية جديدة‬
‫‪ ،‬كما أن األحكام التي تصدر عن محكمة العدل الدولية ال تلزم إال أطراف‬
‫النزاع وفي النزاع احملكوم فيه فقط‪ ،‬ويدل على ذلك ما ورد في صدر املادة‬
‫‪ 38‬من النظام األساسي من أن مهمة احملكمة هي تطبيق القانون الدولي‪ ،‬وما‬
‫نصت عليه املادة ‪ 59‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية من أن حكمها‬
‫(ال يكون له قوة اإللزام إال بالنسبة ملن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي‬
‫فصل فيه) وم��ع أن أحكام احملاكم الدولية ال تعتبر كسوابق قضائية ميكن‬
‫التمسك بها من قبل الدول األخرى في القضايا املتماثلة الالحقة ‪ ،‬إال انه من‬
‫املمكن الرجوع إليها لالستدالل على ما هو قائم ومطبق من قواعد القانون‬
‫الدولي العام ولتفسير الغامض منه ((( ‪.‬‬
‫ولذلك لم تعتبر املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية‬
‫األح�ك��ام ال �ص��ادرة م��ن احمل��اك��م ال��دول�ي��ة كمصدر أصلي م��ن م�ص��ادر القانون‬
‫الدولي واعتبرتها مصدر مساعد أو أستداللي تستأنس به احملكمة ‪ ،‬حيث‬
‫ال على وجود قاعدة من قواعد القانون الدولي التي أستندت اليها‬ ‫إنها تعد دلي ً‬
‫احملكمة عند إصدارها احلكم‪.‬‬
‫وتدل األحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية في الفترة األخيرة‬
‫على الدور الهام الذي تلعبه هذه األحكام في تظوير قواعد القانون الدولي‬
‫ـ وذل��ك عن طريق تفسيرها مبا يتفق مع حاجات املجتمع الدولي ‪ ،‬أو عدم‬
‫تطبيق القواعد التي مضى عليها الزمن أو ثبت عدم فائدتها ‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخ��رى توجد بعض احل��االت ال مفر فيها من اعتبار احلكم مصدراً لقاعدة‬
‫جديدة في القانون الدولي ‪ ،‬واملثال الواضح على ذلك حكم احملكمة الدولية‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 87‬‬ ‫((( ‬

‫‪214‬‬
‫في قضية املصائد سنة ‪ 1951‬وحكمها في قضية التعويضات سنة ‪1949‬‬
‫وه��و احلكم األس�ت�ش��اري ال�ص��ادر وال��ذي أعطى احل��ق للمنظمة الدولية في‬
‫طلب التعويض من الدولة عن األض��رار التي تصيب موظفيها أثناء تأديتهم‬
‫لواجباتهم ((( ‪.‬‬
‫ونص الفقرة د من املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية‬
‫جاء مطلقاً فأشار إلى أحكام احملاكم كمصدر مساعد دون حتديد ‪ ،‬ولذلك‬
‫ميكن أعتبار أحكام احملاكم الوطنية أيضاً كمصدر مساعد للمحكمة رغم أن‬
‫دور أحكام احملاكم الوطنية فيما يتعلق باملسائل القانونية الدولية يكون عادة‬
‫محدوداً إال إذا كانت محكمة غنائم تنظر في شرعية االستيالء على السفن‬
‫والبضائع وقت احلرب ‪ ،‬كما أنه ليس لها حجية أمام احملاكم الدولية وهي قد‬
‫تساعد فقط في إثبات وجود قاعدة عرفية ما ‪.‬‬

‫د ـ عمر حسن عرس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 47‬‬ ‫((( ‬

‫‪215‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫الفقــه الدولــي‬

‫أشارت إلى هذا املصدر الفقرة (د) من املادة ‪ 38‬من النظام األساسي‬
‫حملكمة العدل الدولية‪ ،‬ويقصد بالفقه الدولي‪ ،‬مجموع آراء الفقهاء وكبار‬
‫املؤلفني في القانون الدولي العام من مختلف األمم‪ ،‬والتي يعرضون لها حني‬
‫يشرحون القانون ويفسرونه ويعلقون عليه ‪ ،‬مما يساعد في تثبيت وتفسير ما‬
‫يتضمنه القانون من أحكام وكشف جوانب النقص فيها‪.‬‬
‫ويعتبر الفقه ال��دول��ي م�ص��دراً م��ن امل�ص��ادر امل�س��اع��دة أو االستداللية‬
‫يضاف إلى املصدر املساعد السابق ‪ ،‬األحكام القضائية‪ ،‬ويتمثل دور الفقهاء‬
‫فيما يقدمونه من بحوث ونظريات لشرح وحتليل م�ب��اديء وق��واع��د القانون‬
‫الدولي‪ ،‬مما يؤدي إلى تعديل القواعد املوجودة أو إنشاء قواعد دولية جديدة‪،‬‬
‫حيث يتم تبينها من قبل الدول سواء بالنص عليها في املعاهدات الدولية أو‬
‫بتكرار األخذ بها فتصبح جزء من العرف الدولي‪.‬‬
‫وقد كان لفقهاء القانون الدولي األوائ��ل من أمثال فتوريا وبنكرشوك‬
‫وسوارس وجروسيوس امللقب بابي القانون الدولي وغيرهم من فقهاء القانون‬
‫الدولي دور كبير في إنشاء وتطوير قواعد القانون الدولي ‪.‬‬
‫غير أن االلتجاء إلى أقوال الشراح لتبني القاعدة القانونية في أمر ما‬
‫يجب ان يكون بشىء من احليطة ‪ ،‬ألن األق��وال كثيراً ما تتأثر بنزعة قومية‬
‫ال تسيطر على آرائهم فكرة‬ ‫أو بدافع سياسي ‪ ،‬فبعض الشراح االجنليز مث ً‬
‫األمبراطورية وسيادة اجنلترا البحرية ‪ ،‬بينما الكثير من الفقهاء االيطاليني‬
‫متأثرا فيما كتب بالفكرة التي قامت عليها وحدة بالدهم وهي فكرة اجلنسية‬
‫أو القومية ‪ ،‬إمنا ميكن األطمئنان إلى آراء فقهاء القانون الدولي إذا ما أبديت‬
‫في ظ��روف جتعلها بعيدة عن احمل��اب��اة أو التأثر بالنزعات اخلاصة ‪ ،‬وعلى‬
‫االخص في احلاالت التي تتوافق فيها اقوال عدد كبير من الشراح ذوى املكانة‬

‫‪216‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫في الفقه الدولي في بالد مختلفة‬
‫ولكن في الوقت احلاضر فإن القانون الدولي ال يقوم فقط على مجرد‬
‫جهود الفقهاء ال�ف��ردي��ة (امل��ؤل�ف��ات) وإمن��ا يقوم على اجل�ه��ود املشتركة التي‬
‫يبذلها الفقهاء بشكل جماعي من خالل املنظمات الدولية واجلمعيات العامة‬
‫واخلاصة والهيئات العلمية الدولية املختلفة واملعاهد العليا التي تكرس جميعاً‬
‫جهودها للتعمق في دراس��ة القانون بهدف نشر مبادئه اإلنسانية في جميع‬
‫أنحاء العالم وتقريب وجهات النظر بني الشعوب ((( ‪.‬‬
‫ومن هذه الهيئات الدولية ‪ ،‬مجمع القانون الدولي الذي إنشىء مبدينة‬
‫جان في بلجيكا سنة ‪ ، 1873‬ويعود له الفضل في عقد مؤمترات الهاى لسنتي‬
‫‪ 1899‬و ‪ 1907‬ومؤمتر لندن لسنة ‪ ، 1909‬وهو يصدر كتاباً سنوياً يعتبر‬
‫من أهم املجموعات التي تعنى مبسائل القانون الدولي ‪ ،‬واملجمع االمريكي‬
‫للقانون الدولي الذي أنشىء في واشنطن سنة ‪ 1912‬والذي كان دوراً مهماً‬
‫ف��ي م�ح��اوالت ت��دوي��ن ال�ق��ان��ون ال��دول��ي للقارة االمريكية ‪ ،‬وأك��ادمي�ي��ة اله��اي‬
‫للقانون الدولي التي أنشئت سنة ‪ 1923‬حيث تلقى فيها سنوياً مجموعة من‬
‫احملاضرات من قبل كبار فقهاء القانون الدولي ‪.‬‬
‫كما توجد إل��ى جانب ه��ذه الهيئات الدولية جمعيات خاصة لدراسة‬
‫القانون الدولي وتعميم مبادئه عن طريق املطبوعات والنشرات اخلاصة التي‬
‫تقوم بأصدارها وم��ن ه��ذه اجلمعيات في ال��دول العربية اجلمعية املصرية‬
‫للقانون الدولي التي يشرف عليها ويديرها كبار أساتذة القانون الدولي ‪ ،‬وهي‬
‫تصدر املجلة املصرية للقانون الدولي ‪.‬‬

‫د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 29‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ عبد الوهاب محمد احلراري ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 76‬‬ ‫((( ‬

‫‪217‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫مبادئ العدل واإلنصاف‬

‫لقد اعتمدت امل��ادة ‪ 38‬م��ن النظام األس��اس��ي حملكمة ال�ع��دل الدولية‬


‫على إيجاد مصدر أضافي غير املصادر األصلية واملصادر االحتياطية ‪ ،‬وهي‬
‫مباديء العدل واإلنصاف ‪ ،‬وذل��ك بقولها(ال يترتب على النص املتقدم ذكره‬
‫أي إخ�لال مبا للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقا ملباديء العدل‬
‫واإلنصاف متى وافق أطراف الدعوى عليه) وإن كان مفهوم العدل واإلنصاف‬
‫من املعاني الغامضة وليس هناك تعريف متفق عليه إال امل��ادة امل��ذك��ورة قد‬
‫خصصت ه��ذا املصدر اإلضافي إلتاحة الفرصة أم��ام القضاء إليجاد حكم‬
‫معقول إذا استحال األمر من املصادر األخرى ‪ ،‬وذلك لكي ال يترك القضاء‬
‫الدعوى دون إصدار حكم فيها ‪.‬‬
‫وميكن حتديد مفهوم م�ب��ادىء ال�ع��دل واإلن �ص��اف م��ن اس�ت�ق��راء بعض‬
‫األح �ك��ام القضائية ال��دول�ي��ة ‪ ،‬فقد ج��اء ف��ي احل�ك��م ال��ذي أص��درت��ه محكمة‬
‫التحكيم الدائمة في الهاي سنة ‪1922‬م في قضية البحارة النرويجيني ‪ ،‬إن‬
‫عبارة (القانون والعدالة) الواردة في االتفاقية احلاصة لسنة ‪1921‬م ال ميكن‬
‫األخذ بها في معناها التقليدي واملستعملة في القضاء االنكلوسكسوني ‪ ،‬وإمنا‬
‫باملعنى ال��ذي أتفق عليه أغلب فقهاء القانون الدولي ‪ ،‬أي مبعنى (املبادىء‬
‫العامة للعدالة) بوصفها متميزة عن أي نظام قضائي خاص أو عن أي قانون‬
‫داخلي لدولة ما ((( ‪.‬‬
‫وعندما تقوم احملاكم بتطبيق مبادىء العدل واإلنصاف يكون الهدف‬
‫من ذلك‪ :‬ـ‬
‫أ ـ التخفيف من حدة القواعد القانونية التي إذا ما طبقت قد تؤدي إلى‬
‫أضرار بالغة بالطرف اآلخر ‪ ،‬فتطبق مبادىء العدالة واإلنصاف للتخفيف من‬
‫تلك الشدة ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 190‬‬ ‫(( (‬

‫‪218‬‬
‫ب ـ لتكملة النقص في النصوص القانونية وسد الثغرات فيها ‪ ،‬وفي‬
‫هذه احلالة يضيف القاضي الدولي إلى القاعدة القانونية ‪.‬‬
‫ج ـ استبعاد القاعدة القانونية الوضعية ملا فيها من شدة وتطبيق قواعد‬
‫العدل واإلنصاف بدالً منها ‪.‬‬
‫وف��ي احلالتني األخيرتني ف��إن القاضي يقوم ب��دور املشرع حيث يخلق‬
‫قواعد قانونية جديدة أما يكمل بها النقص املوجود في القاعدة القانونية أو‬
‫أنه يحكم بخالف القاعدة القانونية وفقاً ملا يراه عدل وإنصاف ‪.‬‬
‫ولذلك ج��اءت امل��ادة ‪ 38‬من النظام األس��اس��ي حملكمة العدل الدولية‬
‫لتنص على أن رجوع القاضي إلى مبادىء العدل واالنصاف ال يكون إال إذا‬
‫وافق طرفي النزاع على تخويل القاضي صراحة بالرجوع إلى مبادىء العدل‬
‫واإلنصاف ‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫الفصل اخلامس‬
‫(((‬
‫قرارات املنظمات الدولية‬

‫تعتبر املنظمات الدولية من االشخاص الدولية ‪ ،‬فهي أشخاص قانونية‬


‫متلك القدرة على إج��راء التصرفات القانونية ‪ ،‬وق��د أدى انتشارها وزي��ادة‬
‫أعدادها إلى إثارة مسألة هذه التصرفات ‪ ،‬فهل ميكن اعتبار هذه التصرفات‬
‫مصدر من مصادر القانون الدولي؟ وبالتالي فهي تساهم في تكوين قواعد‬
‫القانون الدولي أم أنها مجرد تصرفات تصدر عن هذه املنظمات وال ميكن أن‬
‫تكون مصدر من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬لالجابة عن هذا السؤال‪ ،‬نقول إن‬
‫الفقهاء قد اختلفوا في األجابة عليه فقسم منهم يؤيد كون هذه التصرفات‬
‫مصدر من مصادر القانون الدولي‪ ،‬بينما ينكر ذلك القسم اآلخ��ر‪ ،‬ومن ثم‬
‫يجب معرفة ماهي هذه التصرفات التي تصدر عن املنظمات الدولية‪ ،‬لذلك‬
‫سنقسم هذا الفصل إلى مبحثني‪ ،‬نبحث في األول‪ ،‬آراء الفقهاء حول مدى‬
‫اعتبار هذه التصرفات مصدر من مصادر القانون الدولي‪ ،‬وفي الثاني‪ ،‬نبحث‬
‫التصرفات التي تصدر عن املنظمات الدولية ‪.‬‬

‫أنظر تفصيل ذلك ـ د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ القيمة القانونية لقرارات املنظمات‬ ‫(( (‬
‫الدولية ـ بحث منشور في املجلة املصرية للقانون الدولي ـ العدد ‪ 24‬ـ السنة ‪1968‬م ـ‬
‫ص‪. 119‬‬

‫‪221‬‬
‫املبحث األول‬
‫اآلراء الفقهيــة‬

‫انقسم الفقه ح��ول م��دى اعتبار ال �ق��رارات التي تصدر ع��ن املنظمات‬
‫الدولية مصدراً من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬فهناك من ال يعتبر هذه القرارات‬
‫مصدر من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬وهناك من يرى بانها تعتبر مصدر من‬
‫مصادر القانون الدولي ‪ ،‬ولكل طرف حججه واسانيده ((( ‪.‬‬
‫ال��رأي األول‪ ،‬يرى أن القرارات التي تصدر عن املنظمات الدولية ال‬
‫ميكن اعتبارها مصدر من مصادر القانون الدولي لألسباب التالية‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ إن نص املادة ‪ 1/38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية التي‬
‫عددت مصادر القواعد القانونية التي ميكن للمحكمة أن ترجع إليها لتطبقها‬
‫على املنازعات التي تعرض عليها‪ ،‬لم تشر إل��ى ق��رارات املنظمات الدولية‪،‬‬
‫وهذا يعني أن املشرع الدولي لم يعتبر قرارات املنظمات الدولية من مصادر‬
‫القانون الدولي‪.‬‬
‫وإن إغ�ف��ال ذك��ر ق��رارات املنظمات ال��دول�ي��ة ك��ان م�ق�ص��وداً ‪ ،‬فمصادر‬
‫القواعد القانونية التي وردت في املادة املذكورة حتكم املنازعات ذات الصبغة‬
‫القانونية ‪ ،‬وتطبق بواسطة األجهزة ذات الطابع القضائي‪ ،‬أما قرارات املنظمات‬
‫الدولية فهي تصدر في غالبيتها عن أجهزة سياسية ‪ ،‬كما أنها تتوافر في‬
‫األعم األغلب من األحوال ـ على حل املنازعات ذات الطابع السياسي ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن عدم ذكر امل��ادة املذكورة لقرارات املنظمات الدولية ‪ ،‬يعود في‬
‫نظر ه��ؤالء إل��ى أنها ال ميكن اعتبارها م�ص��دراً منفص ً‬
‫ال ع��ن امل�ص��ادر التي‬
‫ذكرتها املادة ‪ ، 1/38‬فالقرارات في رأيهم ـ ليست سوى نتيجة من نتائج صفة‬
‫املصدر املتصفه بهاـ وهي املعاهدة املنشئة للمنظمة الدولية‪.‬‬

‫للمزيد أنظر د ـ محمد طلعت الغنيمي و د ـ محمد سعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪ 493‬وما بعدها ود ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ج ‪ 2‬ـ ص ‪ 141‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ 3‬ـ ورمب��ا ت��وج��د س��واب��ق قضائية ت��ؤي��د ال ��رأي امل �ع��ارض ل�ع��دم اعتبار‬
‫ال من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬ففي‬ ‫قرارت املنظمات الدولية مصدراً مستق ً‬
‫قضية اللوتس ‪ Le Lotus‬ذهبت محكمة العدل الدولية الدائمة إلى القول‬
‫بأن‪«:‬القواعد القانونية امللزمة للدول ‪ ...‬هي تلك التي تصدر عن حر إرادتهم‬
‫‪ ،‬كما عبرت عنها االتفاقيات الدولية ‪ ،‬أو بواسطة العادات التي جرت الدول‬
‫على تقبلها باعتبارها تعبيراً عن القواعد القانونية ‪.»...‬‬
‫أما الرأي الثاني ‪ ،‬فيرى بأن قرارات املنظمات الدولية ميكن أن تكون‬
‫مصدراً من مصادر القانون الدولي وذلك ملا يلي ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ إن نص املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية قد نقل‬
‫حرفياً عن نص املادة ‪ 38‬من النظام األساسي حملكمة العدل الدولية الدائمة‬
‫التي كانت ضمن أجهزة عصبة األمم ‪ ،‬وقد وضع هذا النص في سنة ‪1920‬م‬
‫في وقت لم تكن فيه املنظمات الدولية قد انتشرت بعد ‪ ،‬وبالتالي لم تكن‬
‫لقراراتها من األهمية العددية والعملية ما تستحق معه أن تلفت أنظار واضعي‬
‫النص إلى احلد الذي ينتهون فيه إلى وجوب ادراجها ضمن تعداد املصادر‬
‫الوارد في املادة ((( ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن القول بأن قرارات املنظمات الدولية هي نتيجة من نتائج املعاهدة‬
‫املنشئة للمنظمة الدولية نفسها‪ ،‬فهذا ال مينع من أن يعتمد أح��د املصادر‬
‫في وجوده على مصدر آخر أعلى منه أو سابق في وجوده عليه من أن يكون‬

‫هذا ويالحظ أن البحث قد ثار عند وضع ميثاق األمم املتحدة حول إعادة النظر في‬ ‫((( ‬
‫املادة ‪ 1 / 38‬سواء من حيث صياغتها أو مضمونها ‪ ،‬ولكن العالمة بادفان ‪Basdevant‬‬
‫أقنع اللجنة املختصة بعدم جدوى إثارة مثل هذا البحث ‪ ،‬على أساس أنه مما الشك فيه‬
‫أن املادة قد تكون مليئة بالعيوب ‪ ،‬ولكن احملكمة الدائمة لم جتد ـ مع ذلك ـ ثمة صعوبة‬
‫في العمل حتت ظلها وتطويعها بالدرجة الكافية ملواجهة كافة احلاالت واالحتماالت ‪،‬‬
‫ومن ثم ال يوجد ما يدعو إال إلى إضاعة الوقت في النقاش حول تعديل نص ال ضرر‬
‫في بقائه على وضعه السابق ‪ .‬املصدر ‪United Nations Conference on I n .‬‬
‫‪ternational Organisation ( U N C I O ) , vol , XIV , p 170 ( The‬‬
‫‪ ، ) Meeting of April 31st of the Committee of Jurists‬أنظر د ـ محمد‬
‫سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 144‬‬

‫‪223‬‬
‫م�ص��دراً مستق ً‬
‫ال ع��ن امل�ص��در ال��ذي أعتمد عليه‪ ،‬وه��ذا واض��ح ف��ي األنظمة‬
‫القانونية الداخلية‪ ،‬فتمتع التشريع بوصف املصدر للقاعدة القانونية الوطنية‬
‫إمن��ا يرجع إل��ى النص على ذل��ك ف��ي الدستور ‪ ،‬وم��ع ذل��ك ل��م يقل أح��د بأن‬
‫التشريع ليس باملصدر املستقل واملتميز للقاعدة القانونية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أم��ا بالنسبة للسوابق القضائية والتي ي��رى أصحاب ال��رأي األول‬
‫أنها تؤيد وجهة نظرهم ‪ ،‬فال ميكن اعتبارها باحلجة احلاسمة ‪ ،‬حيث توجد‬
‫سوابق قضائية تؤيد تطبيق قرارات صادرة عن املنظمات الدولية‪ ،‬فقد طبقت‬
‫محكمة ال�ع��دل الدولية اإلداري ��ة النظام األس��اس��ي للمحكمة وه��و يعد ق��رار‬
‫صادر من اجلمعية العامة لألمم املتحدة ‪ ،‬كما أوضحت في رأيها االستشاري‬
‫املتعلق بأحكام احملكمة االداري��ة ملنظمة العمل الدولية حيث طبقت كال من‬
‫النظام األساسي لهذه احملكمة والئحة موظفي املنظمة ‪ ،‬وكالهما يعد من‬
‫القرارت الصادرة عن اجلمعية العامة لألمم املتحدة في رأيها االستشاري‬
‫الصادر بشأن بعض نفقات األمم املتحدة وهي بدورها ق��رارات ص��ادرة عن‬
‫هذه املنظمة ((( ‪.‬‬
‫والفقه الروسي وإن كان ينطلق من مبدأ سيادة الدولة وبالتالي فهي‬
‫ال تلتزم إال برضاها ‪ ،‬إال أنه يقر مه ذلك بامكانية أعتبار قرارات املنظمات‬
‫الدولية مصدراً من مصادر القانون الدولي ‪ ،‬ويستند هذا الفقه في ذلك إلى‬
‫أن قيمة هذه القرارات ال تأتي من كونها صادرة عن منظمات دولية ‪ ،‬وإمنا‬
‫تأتي من صدورها إعماالً لنصوص امليثاق املنشىء للمنظمة وال��ذي وافقت‬
‫عليه الدول ‪ ،‬ومن ثم يكون هذا الفقه معترفاً بقيمة ما يصدر عن املنظمات‬
‫الدولية من قرارات وإن كان يؤسس هذه القيمة على أساس مبدأ الرضائية‬
‫التي تتحقق بشكل غير مباشر((( ‪.‬‬

‫د ـ محمد طلعت الغنيمي ود ـ محمد سعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 409‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 280‬‬ ‫(( (‬

‫‪224‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫التوصيات و القرارات‬

‫إن التصرفات القانونية من جانب واح��د والتي تصدر عن املنظمات‬


‫الدولية ‪ ،‬متثل اجل��زء األكبر من التصرفات القانونية للمنظمات الدولية ‪،‬‬
‫حيث إن التصرفات القانونية االتفاقية التي تصدر عن املنظمات الدولية‬
‫ال متثل إال اجلزء القليل من التصرفات القانونية للمنظمات الدولية ‪ ،‬وهي‬
‫تكون في جميع املسائل التي تدخل في اختصاصاتها ‪ ،‬وهي تصدر من مختلف‬
‫األجهزة املوجودة داخ��ل املنظمة ‪ ،‬وه��ذه التصرفات القانونية تتخذ أشكال‬
‫مختلفة ‪ ،‬فقد تكون على شكل توصيات ‪ ،‬وقد تكون على شكل قرارات كما أن‬
‫هناك االعالنات وبرامج العمل والتصريحات ويصدر عن الهيئات القضائية‬
‫قرارت أو أحكام أو أراء أستشارية ‪.‬‬
‫غير أن كافة التصرفات السابقة تنقسم من حيث القيمة القانونية إلى‬
‫تصرفات ملزمة وأخرى غير ملزمة ‪ ،‬والتصرفات القانونية امللزمة هي التي‬
‫تعتبر عادة مصدراً مباشراً للقانون الدولي ‪ ،‬أما التي ال تتصف بهذه الصفة‬
‫وهو الوضع الغالب فهي مصدر غير مباشر للقانون الدولي ‪ ،‬وعموماً فقرارات‬
‫املنظمات الدولية هي التصرفات الوحيدة امللزمة قانوناً ‪ ،‬أما التوصيات فهي‬
‫مجرد أمنيات أو رغبات للمنظمة ملزمة أدبياً وسياسياً ال قانونياً ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التوصيات ‪Recommendation‬‬

‫التوصية هي عبارة عن رأي أو أمنية او رغبة للمنظمة ‪ ،‬وهي تقترح‬


‫فيها القيام بعمل معني أو االمتناع عن القيام به ‪ ،‬فلذلك هي غير ملزمة للدول‬
‫التي املخاطبة بها ‪ ،‬ولها احلرية في اتباعها أو عدم اتباعها ‪ ،‬وال يعتبر عدم‬
‫مراعاتها خروجاً على قاعدة قانونية دولية وال يترتب على الدولة التي لم‬
‫تطبقها أية مسئولية دولية ‪.‬‬
‫ ولذلك فإن هذه التوصيات الترتب أي التزام على عاتق الدول التي‬
‫توجه لها ‪ ،‬كما أنها غير ملزمة للدول التي صوتت إلى جانبها ‪ ،‬فالتوصية‬

‫‪225‬‬
‫ليست لها إال قيمة أدبية ((( ‪ ،‬ولكن متى اعلنت الدولة صراحة قبولها للتوصية‬
‫‪ ،‬فيجب عليها االلتزام بها واتباعها ‪.‬‬
‫ وقد تصدر التوصية وهي محتوية على اعالن مببادىء عامة لتطوير‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬رغم أن اخلالف يثور حول امكانية ترتيب التزامات قانونية‬
‫خاصة فيما يتعلق بالتوصيات التي حتتوي على هذه االعالنات ‪ ،‬ولكن بالنظر‬
‫ألهمية ه��ذه امل �ب��ادىء م��ن حيث تطوير ق��واع��د ال�ق��ان��ون ال��دول��ي ف��ي مختلف‬
‫امل�ج��االت س��واء سياسية أو اقتصادية أو حقوق اإلن�س��ان وم��ن حيث تطوير‬
‫العالقات الدولية أصبح من الضروري ترتيب بعض اآلثار القانونية على هذه‬
‫التوصيات ‪ ،‬ورغ��م أن اجلمعية العامة ملنظمة األمم املتحدة تصدر ق��رارات‬
‫إال أنها مجرد توصيات استناداً إلى املواد ‪ 10‬و ‪ 11‬و ‪ ، 14‬وهذه التوصيات‬
‫ليس لها ق��وة الزامية ‪ ،‬وم��ن ه��ذه التوصيات ال�ق��رار امل��رق��م ‪ 1514‬الصادر‬
‫عن اجلمعية العامة ‪ 1960 / 12 / 14‬بشأن تصفية االستعمار ‪ ،‬والقرار‬
‫املرقم ‪ 2625‬في ‪ 1970 / 10 / 24‬بخصوص العالقات السلمية والودية‬
‫بني ال��دول ‪ ،‬واالع�لان العاملي حلقوق اإلنسان املرقم ‪ 217‬في ‪/ 12 / 10‬‬
‫‪ ، 1948‬وعهدي األمم املتحدة بشأن احلقوق السياسية واملدنية واالقتصادية‬

‫أنظر د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ج ‪ 2‬ـ ص ‪ ، 136‬والذي ال يتفق‬ ‫((( ‬
‫مع الرأي السائد في الفقه والذي يعتبر إن التوصية ليست لها إال قيمة أدبية ‪.‬ويرى‬
‫أنه من املفيد تكييف ما تصدره املنظمات الدولية املعاصرة من توصيات بأنها ديون ال‬
‫تضمنها مسئولية ‪ ،‬ومن ثم ال تسأل الدولة التي رفضت االستجابة لها ب��دأءة ‪ ،‬ولكن‬
‫متى قبلتها تعذر عليها العدول عن هذا القبول ‪ ،‬واعتبرت استجابتها لها تنفيذاً اللتزام‬
‫قانوني باملعنى الصحيح ‪ ،‬وليست مجرد وفاء بواجب أدبي بحت ‪ ،‬ويترتب على ذلك قيام‬
‫املسئولية الدولية في حالة اخالل الدولة بتوصية قبلتها ‪ ،‬وفي حالة عدولها عن تنفيذ‬
‫التوصية بعد البدء فيه ‪ ،‬وكلها نتائج ال ميكن الوصول إليها إذا ما كيفنا التوصية بأنها ال‬
‫تنشىء سوى التزام ادبي ‪.‬‬
‫كما أن الدكتور جعفر عبد السالم يرى ‪ ،‬إنه رغم كون التوصيات ال تلزم الدول األعضاء قانوناً‬
‫‪ ،‬ولكن ال يعني ذلك أنها مجردة من القيمة القانونية بالنسبة لهم ‪ ،‬فااللزام القانوني ال‬
‫يعدو أن يكون أحد العوامل التي تدعو التباع القاعدة ولكنه ال ميثل كل هذه العوامل ‪،‬‬
‫للمزيد أنظر د ـ جعفر عبد السالم ـ املنظمات الدولية ـ الطبعة السادسة ـ دار النهضة‬
‫العربية ـ القاهرة ـ ص ‪. 81‬‬

‫‪226‬‬
‫واالجتماعية والثقافية لسنة ‪ 1966‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫ولعل من أه��م ص��ور التوصيات التي تتمتع بقوة معنوية كبرى فتاوى‬
‫محكمة العدل الدولية التي تصدرها في املسائل القانونية التي تطلب فروع‬
‫األمم املتحدة أو أي تنظيم دولي حصل على ترخيص له بذلك وفقاً ألحكام‬
‫ميثاق األمم املتحدة ابداء الرأي في شأنها ‪ ،‬ويجب عدم اخللط بني الفتاوى‬
‫وما تصدره احملكمة من أحكام فاالخيرة تعتبر من القرارات امللزمة وليست‬
‫من قبيل التوصيات ((( ‪.‬‬
‫ويؤسس البعض الطابع « االلزامي أو التشريعي « لهذه التوصيات ‪ ،‬على‬
‫مبدأ حسن النية في الوفاء بااللتزامات امللقاة على الدول مبوجب امليثاق (‬
‫املادة ‪ ، ) 2 / 2‬يضاف إلى ذلك أن هذه التوصيات صدرت مبوافقة األغلبية‬
‫الساحقة من الدول األعضاء مما يدل عن مدى أهتمام هذه الدول مبضامني‬
‫هذه التوصيات ((( ‪.‬‬
‫وتساهم توصيات املنظمات الدولية بشكل متزايد في نشأة القواعد‬
‫العرفية ‪ ،‬فهي تساهم في عملية صناعة عرف دولي في مرحلة التكوين ‪Soft‬‬
‫‪ Law‬والذي يحتاج إلى بلورة من خالل املمارسة أو املعاهدات الشارعة حتى‬
‫تصبح قواعد ملزمة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ القرارات ‪Decisions‬‬

‫ وهي تعني التصرفات الصادرة عن املنظمات الدولية من أجل ترتيب‬


‫التزامات على عاتق املخاطبني بها ‪ ،‬ومن النادر أن متلك املنظمات الدولية‬
‫سلطة إصدار قرارات ملزمة إال في حاالت محددة ‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة‬
‫ملجلس األمن واستناداً ألحكام الفصل السابع من امليثاق والوائح الفنية التي‬
‫تصدرها الوكاالت املتخصصة ‪ ،‬والقرارت التي تصدر عن املنظمات الدولية‬
‫‪ ،‬تكون على نوعني ‪ :‬ـ‬

‫د ـ منى محمود مصطفى ـ التنظيم الدولي العاملي بني النظرية واملمارسة ـ ‪ 1990‬ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 112‬‬
‫د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 209‬‬ ‫(( (‬

‫‪227‬‬
‫األول‪ :‬ويشمل ال �ق��رارت الداخلية ‪ Internal Decisions‬وه��ي التي‬
‫تصدر بخصوص تنظيم الشئون الداخلية للمنظمة وحسن سير العمل بها‬
‫‪ ،‬كقرارت تعيني املوظفني ‪ ،‬والقرارت التي تصدر بشأن امليزانية والقرارات‬
‫الصادرة بشأن إنشاء أجهزة املنظمة ‪ ،‬وهذه القرارت تكون لها صفة ملزمة‬
‫وتكون نافذة مبجرد صدورها ‪ ،‬ومع ذلك فإن هذا النوع من القرارت محدود‬
‫األثر فيما يتعلق بأعتباره مصدراً من مصادر القانون الدولي ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ويشمل القرارت اخلارجية ‪ External Decisions‬وهي القرارات‬
‫التي تصدرها املنظمات الدولية في مواجهة ال��دول األعضاء في املنظمة ‪،‬‬
‫واالتفاقية املنشئة للمنظمة الدولية هي التي حتدد صفة هذه القرارات عند‬
‫صدورها‪ ،‬فمجلس األمن مث ً‬
‫ال يعتبر اجلهاز الوحيد في األمم املتحدة القادر‬
‫على إتخاذ قرارات ملزمة في مواجهة الدول األعضاء‪ ،‬واستناداً إلى املادة ‪41‬‬
‫التي تتعلق مبا يرى املجلس اتخاذه من تدابير غير عسكرية ‪ ،‬وكذلك املادة‬
‫‪ 42‬التي تتعلق مبا يرى املجلس اتخاذه من تدابير عسكرية من الفصل السابع‬
‫من امليثاق‪ ،‬وإال فإنها تكون مجرد توصيات إذا لم تستند على ذلك‪ ،‬كما هو‬
‫احل��ال ف��ي امل��ادة ‪ ، 36‬م��ن الفصل ال�س��ادس‪ ،‬وامل��ادة ‪ 39‬أو ‪ 40‬م��ن الفصل‬
‫السابع ‪ ،‬وتكاد تنحصر هذه القرارت بالتدابير املضادة املتخذة في قضايا‬
‫حفظ السلم واألمن الدوليني مبوجب الفصل السابع من امليثاق ‪.‬‬
‫بينما يرى اجتاه فقهي آخر إن كافة التصرفات التي تتخذ من جانب‬
‫مجلس األمن استناداً إلى الفصل السابع من امليثاق تعد من قبيل القرارات‬
‫امللزمة حتى ولو أطلقت عليها تسميات أخرى غير اصطالح «قرار» ((( ‪.‬‬
‫كما أن بعض املنظمات ذات الطبيعة الفنية متلك سلطة إتخاذ قرارات‬
‫ملزمة ‪ ،‬فنجد أن منظمة الصحة العاملية متلك سلطة إصدار اللوائح الصحية‬
‫املتعلقة مبنع إنتشار االوبئة (املادة ‪ 21‬من معاهدة تاسيسها) ومتلك منظمة‬
‫الطيران املدني الدولي إص��دار اللوائح والنماذج الدولية املتعلقة بالطائرة‬
‫والطاقم وال�ط��رق اجلوية وبأمن الرحلة وأنتظامها (امل��ادة ‪ 54‬من معاهدة‬

‫د ـ محمد السعيد الدقاق ـ املنتظمات الدولية ـ مؤسسة الثقافة اجلامعية ـ ‪ 1988‬ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 263‬‬

‫‪228‬‬
‫تأسيسها) ومنظمة االرص��اد اجل��وي��ة متلك إلص��دار اللوائح الفنية املتعلقة‬
‫بالسياسات واالج� ��راءات ال�ت��ي تتبع ف��ي ه��ذا امل�ج��ال (امل ��ادة ‪ 7‬م��ن معاهدة‬
‫تأسيسها) وهذه اللوائح ملزمة للدول األعضاء ‪ ،‬وبذلك تصبح كتشريع دولي‬
‫في املسائل الفنية التي تختص بها هذه املنظمات ‪ ،‬وبذلك يظهر لنا إلى أي‬
‫مدى ميكن أن تساهم ق��رارات املنظمات الدولية في تطوير قواعد القانون‬
‫الدولي ‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫لتحديد م�ص��ادر ال�ق��ان��ون ال��دول��ى ال�ع��ام‪،‬ن�ص��ت امل��ادة ‪ 38‬م��ن النظام‬
‫األساسي حملكمة العدل الدولية على ما يلي ‪:‬‬
‫وظيفة احملكمة أن تفصل في املنازعات التى ترفع إليها وفقاً الحكام‬
‫القانون الدولى ‪.‬‬
‫ومن واقع نص هذه املادة ميكن تقسيم مصادر القانون الدولى العام إلى‬
‫مصدرين كبيرين‬
‫األول‪ :‬املصادر األصلية ‪ :‬وتشمل املعاهدات والعرف واملبادئ العامة‬
‫للقانون ‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬املصادر اإلحتياطية أو التفسيرية ‪ :‬وتشمل أحكام احملاكم‬
‫ومذاهب كبار املؤلفني ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬املصادر األصلية ‪:‬‬
‫املعاهدات ‪: Traités‬‬
‫فالقانون الدولى أساساً هو قانون اتفاقي ‪conventionnel‬‬

‫فأشخاص ال�ق��ان��ون ال��دول��ى وه��و املخاطبني بأحكامه – ه��م أنفسهم‬


‫الذين يضعون قواعده باتفاقهم الصريح أو الضمني‪ .‬وما دام األمر كذلك فإن‬
‫املعاهدات وهى متثل اإلتفاقات الصريحة للدول تعد املصدر األول للقانون‬
‫الدولى وهذا ما قصده النظام األساسي حملكمة العدل الدولية‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫غير أن��ه توجد إل��ى جانب ه��ذه االتفاقيات اخلاصة بإتفاقيات أخري‬
‫تستهدف وتنظم مراكز قانونية مشتركة لعموم ال��دول‪ ،‬وهى بذلك تعبر عن‬
‫ق��واع��د حقيقة للقانون ال��دول��ي‪ ،‬ومثلها ف��ي ذل��ك مثل التشريعات ‪ Lois‬في‬
‫القانون الداخلي ول�ه��ذا فإنه يطلق على ه��ذه اإلتفاقيات وامل�ع��اه��دات اسم‬
‫امل�ع��اه��دات ال�ش��ارع��ة ‪ Traité – lois‬حتى ميكن متييزها ع��ن ال�ن��وع السابق‬
‫الكالم عنه من املعاهدات اخلاصة والتى يطلق عليها اسم املعاهدات العقدية‬
‫‪Traités – contrats‬‬

‫ومن أمثلة املعاهدات الشارعة التى ساهمت في‪:‬‬


‫(‪ )1‬ثبوت وحتديد قواعد القانون الدولى العام جند اتفاقية فيينا سنة‬
‫‪.1815‬‬
‫(‪ )2‬وإكس الشابل سنة ‪1818‬م وفيهما وضع القواعد اخلاصة مبراتب‬
‫املمثلني الدبلوماسيني‪ ،‬ونظمت الصدارة بينهم‪.‬‬
‫(‪ )3‬معاهدة باريس سنة ‪1856‬م حيث عدلت وأكملت القواعد العرفية‬
‫اخلاصة باحلرب البحرية‬
‫(‪ )4‬تصريح لندن البحري سنة ‪1909‬م للحرب البحرية أيضا‪.‬‬
‫(‪ )5‬اتفاقية جنيف الغاثة جرحى احلرب سنة ‪1864‬م واملعدلة سنتى‬
‫‪1868‬م ‪1929 ،‬م ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ات�ف��اق�ي��ات اله��اي لسنتي ‪1899‬م و ‪1907‬م وه��ى مبثابة تقنني‬
‫للقواعد اخلاصة باحلرب وبتسوية املنازعات الدولية تسوية سليمة ‪.‬‬
‫(‪ )7‬عهد عصبة األمم سنة ‪1919‬م‬
‫(‪ )8‬اتفاقية واشنطن سنة ‪1922‬م اخلاصة بتنظيم حرب الغواصات‬
‫وحترمي حرب الغازات واحلرب البكتريولوجية‪.‬‬
‫(‪ )9‬ميثاق باريس سنة ‪1927‬م اخلاص مبنع احلروب‪.‬‬
‫(‪ )10‬معاهدة جنيف العامة للتحكيم سنة ‪1928‬م‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫(‪ )11‬وميثاق األمم املتحدة سنة ‪1945‬م‪.‬‬
‫(‪ )12‬اتفاقية جنيف في ‪ 29‬ابريل ‪1958‬م بخصوص البحر اإلقليمي‬
‫واملنظمة املالصقة حيث دونت القواعد القانونية اخلاصة بهذه املجاالت‪.‬‬
‫(‪ )13‬اتفاقية جنيف ف��س نفس ال�ت��اري��خ ‪1958‬م واخل��اص��ة بالصيد‬
‫واحملافظة على امل��واد احلية للبحار العامة وكذلك اتفاقية اإلمتداد القاري‬
‫املنعقدة في نفس التاريخ ‪.‬‬
‫(‪ )14‬ات�ف��اق�ي��ة فيينا امل�ب��رم��ة ف��ي ‪ 18‬اب��ري��ل س�ن��ة ‪1961‬م بخصوص‬
‫العالقات الدبلوماسية‪.‬‬
‫(‪ )15‬ات�ف��اق�ي��ة فيينا امل�ب��رم��ة ف��ي ‪ 24‬اب��ري��ل س�ن��ة ‪1963‬م بخصوص‬
‫العالقات القنصلية (((‪.‬‬
‫(‪ )16‬واتفاقية فيينا في ‪1969‬م بخصوص قانون املعاهدات ‪.‬‬
‫(‪ )17‬اتفاقية الهاي في ‪ 16‬ديسمبر ‪1970‬م بخصوص مكافحة خطف‬
‫الطائرات‪.‬‬
‫(‪ )2‬العـرف ‪La coutume‬‬

‫وإذا كان العرف بوصفه مصدراً قانونياً يلعب دوراً هاماً في كل فروع‬
‫القانون إال أن دورة ذو أهمية بالغة في القانون الدولي العام ‪ ،‬إذ بدأت معظم‬
‫قواعد هذا القانون بداية عرفية ‪ ،‬وقد دون ما دون منه وبقيت قواعد عديدة‬
‫غير مدونة ولكنها ثابتة في العرف (((‪.‬‬
‫ فالعرف الدولى شأنه شأن غيره من العرف في فروع القانون املختلفة‬
‫يتكون من ركنني‪:‬‬
‫م��ادي ‪ :‬وه��و ت�ك��رار تصرف معني ‪ .‬أي أن تتكون ع��ادة معينة تتبعها‬

‫انظر الدكتور على صادق أبوهيف ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬صحيفة ‪ 16‬و ‪ ، Cavaré‬املرجع‬ ‫((( ‬
‫السابق صحيفة ‪ 197‬و ‪ U.N Publications 67 V4‬بخصوص أعمال جلنة القانون‬
‫الدولى ‪.‬‬
‫انطر صحيفة ‪ 22‬من ‪.Delbez L. : Manuel de Droit international Public , 1951‬‬ ‫((( ‬

‫‪231‬‬
‫ال��دول ففي موضوع التحكيم مث ً‬
‫ال جند أن ال��دول في ح��االت كثيرة متكررة‬
‫كانت ترجع إلى محكمني للفصل في منازعاتها‪.‬‬
‫معنوي ‪ :‬ويتمثل فى اعتراف ال��دول ضمناً بهذه ال�ع��ادات وأن يتولد‬
‫لديها إعتقاد واحساس بصفتها اإللزامية ‪.‬‬
‫ويستخلص العرف من عدة مصادر ‪:‬‬
‫فقد نستهدي إليه من تتبع األوام��ر واملنشورات والتشريعات واللوائح‬
‫ال كان محدداً في البداية‬‫الداخلية في ال��دول املختلفة ‪ ،‬فقانون احل��رب مث ً‬
‫بعدة وثائق داخلية ‪ ،‬وجند في هذا اخلصوص على سبيل املثال أمراً صادراً‬
‫من لويس الرابع عشر ‪.1671‬‬
‫أحكام احملاكم الداخلية التى تفصل في مسائل دولية كمحاكم الغنائم‬
‫وكذا احملاكم الدولية وهيئات التحكيم الدولية ‪.‬‬
‫املعاهد العقدية ‪ Traités – contrats‬فمع أن هذه املعاهدات بسبب‬
‫مصدراً مباشراً للقانون الدولي العام إال أن دورها حاسم فيما يتعلق بتكوين‬
‫العرف ‪ .‬فقد تلجأ الدولة إلى عقد معاهدة ثنائية لتنظيم مسألة معينة ‪.‬‬
‫وال يشترط لكي تصبح الدولة ملتزمة بالقاعدة العرفية أن تكون هى‬
‫ذاتها قد ساهمت باتفاقهاالضمنى فى تكوينها ‪ .‬فاإلتفاق العاملى الكامل على‬
‫اقعدة ما أمر غير متصور وغير ميسور دائماً ‪.‬‬
‫ف��امل��ادة السابعة من اإلتفاقية الثانية عشرة املنعقدة في اله��اي سنة‬
‫‪1907‬م تنص على أن‪«:‬محكمة الغنائم الدولية تطبق في حالة ع��دم وجود‬
‫اتفاقية القواعد املعترف بها عموماً»‪.‬‬
‫وق��د س��ارت احملكمة العليا في ال��والي��ات املتحدة األمريكية على هذا‬
‫املبدأ في استخالص القواعد العرفية الدولية حيث اكتفت بالقبول العام‬
‫لألمم املتمدينة‪.‬‬

‫املبادئ العامة للقانون ‪principes généraux du Droit‬‬

‫‪232‬‬
‫وذل��ك هو املصدر الثالث ال��ذي عنته الفقرة الثالثة من امل��ادة ‪ 38‬من‬
‫نظام محكمة العدل الدولية السالف اإلش��ارة إليه من أن املقصود (باملبادئ‬
‫العامة للقانون) اإلشارة إلى املبادئ العامة للقانون الداخلي((( فعلي القضاء‬
‫عند عدم وجود معاهدة أو عرف أن يلجأ للمبادئ العامة للقانون وهي مبادئ‬
‫مشتركة ملعظم التشريعات‪ .‬مبادئ فوق كل جدل ‪ ،‬وتعد تراثاً قانونياً مشتركاً‬
‫لكل ال�ب�لاد املستدينة‪ .‬م��ن ذل��ك مبدأ حجة الشئ احمل�ك��وم ب��ه وامل�ب��دأ ال��ذي‬
‫يقضي بالتزام املتعاقد مبا تعاقد عليه‪ ،‬و املبدأ الذي يقضي بالتزام كل من‬
‫تسبب بفعله في أحداث ضرر للغير باصالح أو تعويض هذا الضرر‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬املصادر اإلحتياطية ‪:‬‬


‫فقد حددت الفقرة الرابعة من املادة ‪ 38‬مصادر احتياطية يستعني بها‬
‫القاضي إذا أعوزته القاعدة في املصادر األصلية الواردة في الفقرات الثالثة‬
‫األول‪ ،‬وهذه املصادر هي أحكام احملاكم وأقوال فقهاء القانون الدولي‪.‬‬

‫ (((‬ ‫‪Prirncipes genéraux du droit interne . Delbez. Op. cit. p. 056.Cavaré op cit.‬‬

‫‪233‬‬
‫الباب الثالث‬
‫أشخاص القانون الدولـي‬

‫لم يتفق فقهاء القانون الدولي على من هم أشخاص القانون الدولي‬


‫‪ ،‬ففقهاء القانون الدولي التقليدي اعتبروا أن الدولة هي شخص القانون‬
‫الدولي الوحيد ‪ ،‬ولكن بظهور املنظمات الدولية وقيامها بدور مهم في تنظيم‬
‫العالقات الدولية ‪ ،‬لم تعد الدولة هي الشخص الوحيد ‪ ،‬فاصبحت املنظمات‬
‫الدولية من أشخاص هذا القانون ايضاً ‪ ،‬ثم نادى قسم من الفقهاء بأن الفرد‬
‫هو الشخص الوحيد للقانون الدولي ‪ ،‬ألنه هو الذي ميتلك الشخصية القانونية‬
‫‪ ،‬كما أنه توجد أشخاص أو جهات أخرى يرى قسم من الفقهاء أعتبارها من‬
‫أشخاص القانون الدولي كدولة الفاتيكان وحركات التحرر الوطنية والشركات‬
‫املتعددة اجلنسية ‪ ،‬وهؤالء يرون إن القانون الدولي هو قانون للعالقات الدولية‬
‫‪ ،‬وهم عكس الرأي األول الذي يرى بأن القانون الدولي هو قانون دول فقط‬
‫‪ ،‬واملقصود باصطالح الشخص في أي نظام قانوني ‪ ،‬كل من تخاطبه أحكام‬
‫هذا النظام لتفرض عليه االلتزامات أو لتمنحه احلقوق ‪.‬‬
‫وي�ق��وم ك��ل نظام قانوني بتعيني األش�خ��اص التابعني ل��ه أو اخلاضعني‬
‫ألح�ك��ام��ه‪ ،‬وال �ق��ان��ون ال��دول��ي ال �ع��ام‪ ،‬بصفته نظاما ق��ان��ون�ي��ا‪ ،‬ه��و ال��ذي يعني‬
‫األش�خ��اص الدوليني اخلاضعني لقواعده ورقابته‪ ،‬والشخص ال��دول��ي يتمتع‬

‫‪235‬‬
‫بالشخصية الدولية‪ ،‬وهذه الشخصية حتدده بصفة عامة بأمرين (((‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ بالقدرة على التعبير عن إرادة ذاتية خاصة في ميدان العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ بالقدرة على ممارسة بعض احلقوق أو االختصاصات الدولية وفقا‬
‫ألحكام القانون الدولي العام ‪.‬‬
‫والدولة هي الشخص الرئيسي للقانون الدولي ‪ ،‬وهي أوسع األشخاص‬
‫الدوليني اختصاصاً وسلطة ‪ ،‬لذلك سنقسم هذا الباب إلى قسمني نفرد األول‬
‫للدولة ونفرد الثاني لبقية األشخاص ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 238‬‬ ‫(( (‬

‫‪236‬‬
‫القسم األول‬
‫الدو لـ ـ ــة‬

‫سنقسم هذا القسم إلى ثالثة فصول ‪ ،‬نبحث في الفصل األول تعريف‬
‫الدولة وخصائصها ‪ ،‬وفي الفصل الثاني أنواع الدول ‪ ،‬وفي الفصل الثالث‬
‫نبحث في حياة الدول ‪ ،‬أما الفصل الرابع فنبحث في املسئولية الدولية ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫الفصل األول‬
‫التعريف بالدولة وخصائصها‬

‫يثير تعريف الدولة((( كثير من اخلالفات بني فقهاء القانون الدولي‬


‫العام وفقهاء القانون الداخلي في مختلف األنظمة القانونية ‪ ،‬وترجع هذه‬
‫اخلالفات إلى كون الدولة ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬ظاهرة مركبة من عناصر وعوامل‬
‫متعددة ‪ ،‬وق��د تتوافق أو تتباين ‪ ،‬وإن أكثر التعريفات التي وضعت للدولة‬
‫تقتصر على ذكر بعض صور الدولة أو بعض عناصرها دون البعض اآلخر ‪.‬‬
‫على أن التعريف الصحيح للدولة يجب أن يتضمن جميع العناصر‬
‫الالزمة لوجود الدولة ‪ ،‬لذلك ميكن تعريفها بأنها‪(:‬جماعة من األفراد يقيمون‬
‫إقامة دائمة على قطعة من األرض وتتولى شئونهم سلطة حاكمة تنظم أمورهم‬
‫في الداخل واخلارج) (((‪.‬‬
‫ول��و رجعنا إل��ى ميثاق األمم املتحدة ال��ذي ص��ادق��ت عليه دول العالم‬
‫جميعا لوجدنا أن أكثر النصوص التي تتحدث عن حقوق وواج�ب��ات ال��دول‬
‫والتزاماتها دون أن تعرف الدولة ((( ‪.‬‬

‫لألطالع على قسم من تلك التعريفات أنظر د ـ منصور ميالد يونس ـ مقدمة لدراسة‬ ‫((( ‬
‫العالقات الدولية ـ مطبعة الوثيقة اخلضراء‪،‬ـ ‪1989‬م‪،‬ـ ص ‪. 34‬‬
‫تعريف لألستاذ على منصور وارد في مؤلف د ـ محمد فرج الزائدي ـ مذكرات في النظم‬ ‫(( (‬
‫السياسية ـ منشورات اجلامعة املفتوحة‪،‬ـ ‪1990‬م‪،‬ـ ص ‪. 16‬‬
‫ورد في املادة األولى من االتفاقية اخلاصة بحقوق وواجبات الدول التي عقدتها الدول‬ ‫((( ‬
‫االمريكية في مونتفيديو في ‪1933/11/22‬م بأنه‪«:‬لكي تعتبر ال��دول��ة شخصاً من‬

‫‪239‬‬
‫وسنقسم هذا الفصل إلى مبحثني‪ ،‬نبني في األول أركان الدولة ‪ ،‬وفي‬
‫الثاني نبحث خصائص الدولة ‪.‬‬

‫أشخاص القانون الدولي أن تتوافر فيها الشروط التالية أ ـ شعب دائم ‪ ،‬ب ـ اقليم معني‬
‫‪ ،‬ج ـ حكومة ‪ ،‬د ـ أهلية الدخول في عالقات مع الدول األخرى»‪.‬‬

‫‪240‬‬
‫املبحث األول‬
‫أركان الدولـ ــة‬

‫من التعريف السابق وغيره من التعريفات يظهر لنا أن أرك��ان الدولة‬


‫هي ‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلقليم ‪ 3‬ـ الهيئة السياسية‬ ‫‪ 1‬ـ الشعب‬
‫وسنحاول دراسة هذه األركان في املطالب التالية ‪ :‬ـ‬

‫املطلب األول‬
‫ا لشـ ـ ــعب‬

‫مجموع األفراد الذين يقيمون بصورة دائمة في إقليم معني ويخضعون‬


‫لسلطان الدولة ويتمتعون بحمايتها ‪ ،‬ويؤلف الشعب العنصر األول واألساس‬
‫في تكوين الدولة ‪ ،‬إذ ال يتصور امكان وجودها بدون العنصر البشري املكون‬
‫لها ‪.‬‬
‫وال يشترط لقيام الدولة أن يصل عدد أف��راد شعبها إلى قدر معني ‪,‬‬
‫فكما أن شعب الدولة قد يتجاوز املليار كما في الصني والهند ‪ ،‬فيمكن أن‬
‫يكون باملاليني كما في روسيا االحتادية التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب‬
‫‪ 280‬مليون أو كالواليات املتحدة األمريكية التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب‬
‫‪ 300‬مليون ‪ ،‬ميكن أن تقوم أيضا على بضع عشرات أو مئات من اآلالف كما‬
‫في جزر القمر أو قطر أو البحرين ‪ ،‬وال يؤثر في املركز القانوني للدولة وما‬
‫يتصل به من حقوق وواجبات ‪ ،‬عدد سكانها ‪.‬‬
‫ولكن كلما كانت الدولة ذات عدد سكاني كبير وكانت لديها املساحة‬
‫واملوارد الطبيعة ‪ ،‬فيكون لها ثقل أكبر في املجتمع الدولي ‪ ،‬حيث إنها تستطيع‬

‫‪241‬‬
‫أن تستغل تلك املوارد من دون حاجة إلى االعتماد على العمالة األجنبية ‪.‬‬
‫ويرتبط سائر أفراد الشعب بالدولة برابطة الوالء بالدولة التي يعيشون‬
‫على إقليمها ‪ ،‬وه��ذه الرابطة تعرف باجلنسية ((( ‪ ،‬وعلى أس��اس اجلنسية‬
‫ميكن التمييز في الدولة بني طائفتني من األشخاص ‪ ،‬الطائفة األولى ‪ ،‬تضم‬
‫األفراد الذين تربطهم بالدولة رابطة اجلنسية وهؤالء هم الوطنيون ‪ ،‬الذين‬
‫يتمتعون باحلقوق اخلاصة والعامة والسياسية ويخضعون ألشد االلتزامات‬
‫عبئاً في مواجهة الدولة التي ينتمون إليها ‪ ،‬كما أن الدولة متلك جتاههم‬
‫كامل االختصاص اإلقليمي ‪ ،‬ومتارس فضال عن ذلك في مواجهتهم اختصاصاً‬
‫ال عن وجودهم على اإلقليم ‪ ،‬فالوطني يخضع حتى ولو كان‬ ‫شخصياً مستق ً‬
‫مقيماً باخلارج اللتزامات جتاه دولته كاخلدمة العسكرية مثال ‪ ،‬وفي مقابل‬
‫ذلك يستفيد من حماية الدولة التي ينتسب إليها ‪.‬‬
‫أم��ا الطائفة الثانية فتضم األف ��راد ال��ذي��ن ال تربطهم ب��ال��دول��ة التي‬
‫يقيمون على إقليمها رابطة اجلنسية‪ ،‬وإمنا تربطهم رابطة أخرى هي رابطة‬
‫اإلقامة أو التوطن وتسمى هذه الطائفة باألجانب‪ ،‬وهم يخضعون لألحكام‬
‫التي تقررها كل دول��ة والتي حتدد حقهم في دخ��ول الدولة أو اخل��روج منها‬
‫‪ ،‬كما أن األجانب يتمتعون كذلك باحلقوق التي يقررها القانون الدولي ‪،‬‬
‫كاالعتراف له بالشخصية القانونية وباحلرية واحلقوق اللصيقة بالشخصية‬
‫اإلنسانية وما له من حقوق مكتسبة واحلق في التقاضي وحماية الدولة التي‬
‫يقيم على اراضيها ‪ ،‬ولكن ال يتمتع باحلقوق السياسية كحق االنتخاب وغيره‬
‫ألنها مقصورة على مواطني الدولة ‪.‬‬

‫وتعريف اجلنسية فيه اجتاهان ‪ ،‬تعريف سياسي باعتبارها رابطة سياسية وروحية بني الفرد‬ ‫((( ‬
‫والدولة ‪ ،‬وتعريف قانوني باعتبارها رابطة قانونية بني الفرد والدولة ويتحدد مبوجبها مركزه‬
‫القانوني بالنسبة إليها ‪ .‬وقد عرفت محكمة العدل الدولية ‪ ،‬اجلنسية في احلكم الذي أصدرته‬
‫في قضية نوتبوم ‪ Notrebohm‬في ‪1955/4/6‬م بقولها‪«:‬إن اجلنسية استناداً إلى العمل الدولي‬
‫‪ ،‬وأحكام محاكم التحكيم والقضاء ‪ ،‬وآراء الفقهاء ‪ ،‬هي رابطة قانونية تقوم في أساسها على‬
‫واقع ارتباط اجتماعي ‪ ،‬وعلى تضامن حقيقي في الوجود واملصالح واملشاعر ‪ ،‬مقرونة بتبادل‬
‫احلقوق والواجبات ‪ .‬وميكن القول إنها تعبير عن حقيقة إن الفرد الذي منحت له سواء بحكم‬
‫القانون أو بقرار صادر عن السلطة العامة ‪ ،‬هو في الواقع أكثر أرتباطاً بشعب الدولة التي منحته‬
‫جنسيتها من شعب أية دولة أخرى»‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫مبدأ االقليات‬
‫وغالبا ما يرتبط األف��راد املكونني لشعب دول��ة ما ‪ ،‬برابطة قوية من‬
‫التضامن املستند إلى وحدة األصل أو اللغة أو الدين وقد يتبعها تشابه في‬
‫العادات واألهداف واألماني ‪ ،‬أو إلى الظروف التاريخية واالقتصادية ‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى احتادهم في مجموعة متميزة عن باقي اجلماعات األخرى ‪ ،‬ومن‬
‫ثم تكوين أمة واحدة ‪.‬‬
‫واألمة هي (جماعة من الناس مستقرة على بقعة من األرض جتمع بني‬
‫أفرادها الرغبة املشتركة في العيش معاً) (((‪ .‬أما العوامل التي تؤدي إلى أن‬
‫تكون جماعة معينة أمة ‪ ،‬فقد اختلف لفقهاء حول حتديدها وذهبوا في ذلك‬
‫إلى نظريتني (((‪ :‬ـ‬
‫األولى موضوعية ‪ Objective‬وقد نشأت في أملانيا ‪ ،‬وهي تقيم األمة‬
‫على اعتبارات موضوعية محددة ‪ ،‬أهمها العنصر واللغة والدين والثقافة‬
‫واإلق�ل�ي��م وال �ع��ادات ‪ ،‬وق��د اعتبر امل��ذه��ب ال �ن��ازي وفالسفته عنصر اجلنس‬
‫العامل املنشىء للقومية ‪ ،‬غير أن ه��ذا العنصر ليس عامال أساسياً لقيام‬
‫األمة وإمنا هو عامل مساعد في تكوينها وال يكفي وحدة لقيام األمة ‪.‬‬
‫الثانية شخصية أو إرادي���ة أو ذات��ي��ة ‪ Subjective‬وق��د نشأت في‬
‫ايطاليا وفرنسا‪ ،‬وهي تقيم األم��ة على معيار شخصي أساسه إرادة العيش‬
‫املشترك ‪ ،‬أي ان األم��ة توجد بوجود رغبة مشتركة وجتانس نفسي وشعور‬
‫بالتضامن بني أفراد اجلماعة من أجل العيش سوية لتحقيق غايات مشتركة‬
‫واالستعداد للتضحية من اجلها عند احلاجة ‪.‬‬
‫وق��د ع�ب��ر ع��ن ذل��ك امل�ف�ك��ر ال�ف��رن�س��ي إرن �س��ت ري �ن��ان ‪Ernest Renan‬‬
‫بأن‪«:‬األمة هي روح ومبدأ روحي ‪ ....‬لها أمجاد مشتركة في املاضي وإرادة‬
‫مشتركة في احلاضر ‪ .‬وأن تكون قد صنعت بأكملها أشياء عظيمة ‪ ،‬وال تزال‬

‫د ـ عبد احلميد املتولي ـ القانون الدستوري واألنظمة السياسية ـ منشأة املعارف ـ الطبعة‬ ‫(( (‬
‫اخلامسة ـ ‪ 1974‬ـ اإلسكندرية ـ ج ‪ 1‬ـ ص ‪. 30‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 246‬‬ ‫(( (‬

‫‪243‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫تريد صنع الكثير من هذه األشياء»‬
‫وأول من نادى بهذه النظرية هو الفقيه اإليطالي مانشيني ‪ Mancini‬سنة‬
‫‪1851‬م وذلك في محاضرة كان قد القاها في جامعة تورينو في إيطاليا‪.‬‬
‫وال يشترط القانون الدولي لتكوين الدولة أن يكون هناك تطابق بني‬
‫الدولة واألمة ‪ ،‬فقد تشكل األمة الواحدة دولة واحدة ‪ ،‬وقد تضم األمة ذاتها‬
‫دوال عديدة ‪ ،‬من ذلك األمة العربية التي توزع أفرادها في الوقت احلاضر‬
‫بني دول متعددة ‪ ،‬كما قد تضم الدولة الواحدة رعايا ينتمون إلى قوميات أو‬
‫أمم مختلفة ‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة لروسيا االحتادية وسويسرا والعراق ‪،‬‬
‫وقد تكون األمة من غير دولة كما حدث بالنسبة لبولونيا اثناء احلرب العاملية‬
‫الثانية ‪.‬‬
‫مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها‬
‫ثار جدل كبير في الفقه حول تعريف حق الشعوب في تقرير مصيرها‬
‫وذلك حسب تباين املضمون الذي اعطاه كل فريق لهذا احلق ((( ‪ ،‬وقد عرفه‬
‫الدكتور حسني حنفى عمر بأنه‪(:‬هو حق كل شعب مرتبط بإقليم ثابت في أن‬
‫يحكم نفسه بنفسه وأن يقرر يإرادته مصيره االقتصادي واالجتماعي ضد كل‬
‫تدخل أجنبي أو إضطهاد عنصري يخالف املواثيق الدولية ) (((‪.‬‬
‫وقد بدأ مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها كمبدأ سياسي ‪ ،‬حيث‬
‫تبنته الثورة الفرنسية سنة ‪1789‬م ‪ ،‬واعالن االستقالل االمريكي سنة ‪1776‬م‬
‫والثورة البلشفية سنة ‪1917‬م ‪ ،‬كما ضمنه الرئيس ولسن في نقاطه االربعة‬

‫د ـ منصور على ميالد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 36‬‬ ‫((( ‬


‫وقد عرفته اللجنة الثالثة املتفرعة عن اجلمعية العامة لألمم املتحدة في سنة ‪ 1955‬بأنه‬ ‫(( (‬
‫(حق كل الشعوب في أن تقرر بحريتها أوضاعها السياسية ‪ ،‬االقتصادية ‪ ،‬واالجتماعية ‪،‬‬
‫والثقافية ‪ ،‬مبا في ذلك حق الشعوب في التصرف بحرية في مواردها وثرواتها الطبيعية)‬
‫‪ ،‬أنظر د ـ حسني حنفى عمر ـ حق الشعوب في تقرير املصير وقيام الدولة الفلسطينية ـ‬
‫دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪ 2005‬م‪ ،‬ص ‪. 30‬كذلك‪:‬‬
‫‪Year Book of the United Nations , 1955 , pp 153 : 158‬‬
‫د ـ حسني حنفي عمر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 28‬‬ ‫(( (‬

‫‪244‬‬
‫عشرة التي اعلنها بعد احلرب العاملية األولى ‪ ،‬ثم أصبح بعد ذلك من املبادىء‬
‫القانونية بالنص عليه في ميثاق األمم املتحدة واعالنات واتفاقيات حقوق‬
‫اإلنسان وفي القرارات الصادرة عنها‪.‬‬
‫ويعنى تقرير املصير السياسي للشعب ‪ ،‬حق الشعب في أن يحكم نفسه‬
‫بنفسه عن طريق حكومة يختارها‪ ،‬وأن يختار شكل نظام احلكم الذي يراه‬
‫مالئماً ل��ه‪ ،‬وحقه كذلك التحرر من ربقة االستعمار وبوجوب ج�لاء القوات‬
‫املستعمرة‪ ،‬واحل��ق في ع��دم إحل��اق أو ضم أي إقليم إل��ى دول��ة أخ��رى ‪ ،‬قبل‬
‫استفتاء شعب هذا اإلقليم‪.‬‬
‫إن العديد من القرارات التي صدرت عن األمم املتحدة تؤيد حق الشعوب‬
‫في تقرير مصيرها ‪ ،‬كالقرار املرقم ‪ 1514‬ال��ذي أصدرته اجلمعية العامة‬
‫ل�لأمم املتحدة ف��ي ‪ 1960 / 12 / 14‬بخصوص منح االس�ت�ق�لال لالقطار‬
‫والشعوب املستعمرة وهو القرار املعروف بتصفية االستعمار وقد دعى هذا‬
‫القرار إلى ضرورة حد بسرعة ودون قيد أو شرط لالستعمار بجميع صوره‬
‫ومظاهرة ‪ ،‬وكذلك إلى ضرورة نقل السلطات إلى سكان األقاليم املستعمرة‬
‫بشكل يجعلها تتمتع باستقاللها الكامل‪.‬‬
‫وكذلك صدر القرار املرقم ‪ 1803‬من اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫بتاريخ ‪1962/11/14‬م‪ ،‬بخصوص السيادة الدائمة للدول على مصادرها‬
‫الطبيعية‪ ،‬وال �ق��رار رق��م ‪ 2621‬ب�ت��اري��خ ‪1970/10/12‬م ال��ذي أك��دت فيه‬
‫اجلمعية العامة على حق الشعوب في تقرير مصيرها وإن االستعمار بجميع‬
‫أشكاله وصوره ومظاهره يعتبر جرمية تشكل خرقاً مليثاق األمم املتحدة ‪ ،‬وحق‬
‫الشعوب املستعمرة بالكفاح املسلح بكل الطرق ‪ ،‬وغيرها من القرارات التي‬
‫صدرت ‪.‬‬
‫ولذلك فإن مبدأ تقرير املصير صار من املبادىء األساسية للنظام العام‬
‫الدولي والتي تشكل قواعده اآلمرة التي اليجوز االتفاق على مخالفتها ‪ ،‬وكل‬
‫اتفاق يخالفها يعد باط ً‬
‫ال ‪ ،‬وبالتالي فإن مبدأ تقرير ال يعتبر قاعدة قانونية‬
‫فقط بل قاعدة قانونية آمرة ((( ‪.‬‬

‫د ـ حسني حنفى عمر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 105‬‬ ‫(( (‬

‫‪245‬‬
‫وعلى أساس مبدأ حق تقرير الشعوب ملصيرها نشات عدة دول أوربية‬
‫يعد الثورة الفرنسية ‪ ،‬وبعض الدول قامت بعد انحالل االمبراطورية العثمانبة‬
‫وامبراطورية النمسا واملجر بعد احلرب العاملية األولى ‪ ،‬وبعض الدول اآلسيوية‬
‫واألفريقية بعد احلرب العاملية الثانية ‪.‬‬

‫خالصة القول‪:‬‬
‫العناصر الرئيسية للدولة‬
‫‪population‬‬ ‫‪ -1‬الشعب ‬
‫‪territoire‬‬ ‫‪ -2‬اإلقليم ‬
‫‪Autorité Politique‬‬ ‫‪ 3‬السلطة السياسية ‬

‫الشعب ‪Population‬‬

‫ الدولة جمع أو حشد من األف��راد‪ ،‬وتختلف العالقة بني الدولة وبني‬


‫سكانها تبعاً الختالف صفاتهم ‪.‬‬
‫(أ) ففى املقدمة جند املواطنني ‪ Nationaux‬وعالقتهم بالدولة أشد‬
‫العالقات قوة وثباتاً‪.‬‬
‫(ب) ثم األجانب ‪ Etrangers‬ووجودهم داخل الدولة يوجد عالقات من‬
‫طبيعة خاصة‪.‬‬
‫(ج) وأخ �ي��راً جن��د ف��ي ب�ع��ض ال ��دول ‪ ،‬ج�م��اع��ة م��ن األف ��راد ت�ع��د أقلية‬
‫‪ Minorité‬وتخضع لنظام قانون خاص ‪.‬‬

‫(أ) املواطنون ‪Les Nationax‬‬

‫ وهم أف��راد الشعب ‪ .‬ولهم حقوق وعليهم واجبات ال يتمتع أو يلتزم‬


‫بها األجانب‪ .‬يذهب رأي((( إلى أن املواطنني هم أعضاء الدولة يرتبطون بها‬

‫ (((‬ ‫‪Lerebours . Pigeonière .‬‬

‫‪246‬‬
‫(هى اجلنسية)‪.‬‬ ‫(((‬
‫بعالقة قانونية سياسية‬
‫ وفي رأي آخر فإن املواطن هو “ شخص ذو والء دائم للدولة أياً كان‬
‫محل إقامته” (((‪.‬‬
‫متييز املواطن عن التابع ‪Ressortissant‬‬

‫ فاصطالح التابع يعتبر أوسع نطاقاً من اصطالح املواطن ‪ national‬إذ‬


‫يشمل (املواطنني واحملميني ‪ ،‬وأشخاص الدولة احملمية)‪.‬‬
‫ فالتابع لدولة ميكن أن يكون مواطناً لدولة أخ��ري ‪ .‬وقد اعتبر من‬
‫التابعني كل األشخاص املرتبطني بالدولة برابطة قانونية ‪ ،‬فأشخاص دولة‬
‫تونس وقتما كانت دولة محمية ‪ protégé‬كانوا تابعني فرنسيني ‪rossortissants‬‬
‫‪. francais‬‬
‫ ومع ذلك فإن اصطالح التابعني يشويه اللبس عند اإلستعمال ‪ ،‬إذ‬
‫غالباً ما يستعمل بدالً من اصطالح املواطنني وهو خلط يبعد عن الدقة ‪.‬‬
‫(ب) السلطة املختصة بتحديد ومنع اجلنسية ‪Nationalité‬‬

‫ وتلك مسألة يفصل فيها القانون العام الداخلى‪ .‬فالدولة هى التى‬


‫متلك منح جنسيتها لألفراد ‪ .‬فما دام املواطنون هم أعضاء الدولة ‪ ،‬فإن هذه‬
‫تكون املعنية بتحديد صفة الذين تضمهم ‪.‬‬
‫(ج) سحب اجلنسية ‪:‬‬
‫ والدولة من ناحية املبدأ – هى صاحبة احلق في سحب اجلنسية كما‬
‫هو الشأن في منحها‪ ،‬إذ أن منح اجلنسية وسحبها مسألة تخص القانون العام‬
‫الداخلى‪.‬‬

‫ (((‬ ‫‪Les Nationaux sont Membres de l'Etat lies à l'Etat par un lien Juri- dique et‬‬
‫‪polique.‬‬
‫ (((‬ ‫‪Une personne. Ayant une allégèance permanente avec l'Etat quelque soit le‬‬
‫‪lien de son domicile.‬‬
‫انظر رأي اللجنة األمريكية األملانية في ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1924‬عند ‪ Cavaré‬صحيفة ‪.276‬‬

‫‪247‬‬
‫احل���م���اي���ة ال��دب��ل��وم��اس��ي��ة ل��ل��م��واط��ن�ين ب����اخل����ارج ‪protection‬‬
‫‪diplomatique‬‬
‫واحل �م��اي��ة ال��دب�ل��وم��اس�ي��ة ت �ك��ون ل�ص��ال��ح امل��واط �ن�ين‪ .‬وف�ي�م��ا ع��دا بعض‬
‫اإلستثناءات فإن الدولة ال حتمى إال مواطنيها ‪ .‬وقد استقر القضاء الدولى‬
‫منذ زمن طويل على أن احلماية الدبلوماسية ال متتد إال إلى املواطنني ‪.‬‬
‫ويوجد محميون خاصني ‪ Protégés Speciaux‬موضوعني حتت حماية‬
‫الدولة بصفة مؤقتة وتنسحب عليها حمايتها الدبلوماسية ‪.‬‬
‫على أن��ه يشترط ملمارسة احلماية الدبلوماسية‪ ،‬أن ي�ك��ون الشخص‬
‫متمتعا بجنسية الدولة املتدخلة وقت وقوع الضر”‪ .‬وأن تظل هذه اجلنسية‬
‫باقية أيضا عند حتريك احلماية‪.‬‬
‫حماية حقوق اإلنسان‬
‫ال عما تقدم‪ ،‬فإن احلماية الدبلوماسية ميكن أن متارس لصالح‬ ‫وفض ً‬
‫فئات ليست مما سبق ذكرهم‪ ،‬وذلك من أجل حماية حقوق اإلنسان فالدول‬
‫تتلقى من ميثاق األمم املتحدة ومن االتفاقات الدولية حق حماية مواطني الدول‬
‫األخرى الذين يتعرضون ملعاملة تخالف املبادئ األساسية حلقوق اإلنسان‪.‬‬
‫حيث ساءلت حكومة اليونان عن إساءة معاملة بعض املواطنني اليونانيني‬
‫‪ ،‬ووصل األمر إلى طرد اليونان من مجلس أوروبا في ديسمبر ‪1969‬م النتهاكها‬
‫حقوق اإلنسان األوروبي(((‪.‬‬
‫ وتطبيقاً لنفس املبدأ فإن الدول األفريقية تتحرك حلماية املواطنني‬
‫األفريقيني في دول��ة احت��اد جنوب افريقيا حيث تنتهك حقوقهم اإلنسانية‬
‫األساسية (((‪.‬‬

‫أنظر د‪ .‬الشافعي محمد بشير ‪ ،‬عن املنظمات الدولية ‪ ،‬ص ‪.266‬‬ ‫((( ‬
‫انظر د‪.‬الشافعي محمد بشير‪ ،‬عن أزمة حقوق اإلنسان في جنوب أفريقيا‪ ،‬مبجلة القانون‬ ‫((( ‬
‫واالقتصاد العدادان الثالث والرابع لسنة ‪1970‬م‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫احلماية املهنية ‪Protection fonctionnelle‬‬

‫وه��ذه يتميز عن احلماية الدبلوماسية التى متنحها الدولة ملواطنيها‬


‫أو ملجموعات أخ��رى من األف��راد ‪ .‬وميكن أن تقترن ه��ذه احلماية باحلماية‬
‫الدبلوماسية للدولة‪ .‬وقد أفتت بذلك محكمة العدل الدولية في ‪ 11‬ابريل‬
‫‪1949‬م مبناسبة مقتل الكونت برنادوت وسيط األمم املتحدة في فلسطني‪ ،‬إذ‬
‫ذهبت إلى ان السويد ميكنها أن تتدخل باإلشتراك مع األمم املتحدة‪.‬‬
‫طرق احلماية الدبلوماسية ‪:‬‬
‫ ومي�ك��ن ل�ل��دول��ة أن تلجأ إل��ى ط��رق مختلفة لتطبيق ه��ذه احل�م��اي��ة ‪.‬‬
‫وبالطبع توجد الطرق السياسية املعتادة واملتمثلة في املفاوضات واملطالبات أو‬
‫االحتجاجات التى قد تتطور إلى طرق الضغط املختلفة سياسيا واقتصادياً‪.‬‬
‫(ب) األجانب ‪Les Etrangers‬‬

‫ واألجنبى املوجود في إقليم الدولة يخضع لسلطانها ‪ .‬وتوجد قواعد‬


‫مستقرة ملعاملة األجنبي ‪ .‬فإذا لم توجد اتفاقية دولية خاصة حتدد أسس هذه‬
‫املعاملة فإن هذه تتحدد بأحد مبدأين هما‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬مبدأ املساواة في املعاملة ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬مبدأ القانون الدولى املشترك‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال ‪ :‬م���ب���دأ امل����س����اواة ف���ي امل��ع��ام��ل��ة ‪Principe de l’égalité de‬‬
‫‪traitement‬‬

‫وقد تبينت هذا املبدأ عدة تشريعات جديدة وعدد كبير من اإلتفاقيات‬
‫الدولية (اتفاقيات اإلقامة التشيكوسلوفاكية في‪14‬مايو‪1937‬م – والتركية‬
‫ال�س��وي�س��ري��ة في‪7‬أغسطس‪1929‬م– ال�س��وي�س��ري��ة ال��روم��ان �ي��ة في‪19‬يوليو‬
‫‪1923‬م)‪.‬‬
‫إنه يعنى أال تكون حالة األجنبى أسوأ من الوطنى‪ .‬ومع ذلك فإنه – من‬

‫‪249‬‬
‫الناحية العملية‪ -‬جند أن كل حقوق املواطن ال تخول دائماً لألجنبي‪.‬‬
‫كما يعنى هذا املبدأ ثانيا أن االجنبي ال يجوز أن يكون مركزه متميزاً‬
‫على الوطنى ‪ .‬ومع ذلك فإنه في عدة حاالت‪ ،‬سمح القضاء بأن يكون األجنبي‬
‫في مركز أفضل من الوطنى ‪ ،‬على األقل عندما يكون هذا املركز مستمداً من‬
‫معاهدة‪ ،‬أو عندما ال توفر التشريعات الداخلية احلد األدنى من الضمانات‬
‫املطلوبة في الدول املتمدينة ‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬القانون الدولى املشترك ‪Droit International- Commun‬‬

‫وقد اجتهت عدة اتفاقيات إلى النص على هذا املبدأ ‪ ،‬إذ مبقتضاه تلزم‬
‫تركياً بأن تضمن لألجانب حماية متمشية مع قانون الشعوب ‪conforme au‬‬
‫‪ .droit des gens‬كما أعلنت املعاهدة املبرمة بني الواليات املتحدة األمريكية‬
‫وأملانيا في ‪ 8‬ديسمبر ‪1923‬م بأن يتمتع تابعو الطرفني بالقدر من احلماية‬
‫الذي يتطلبه القانون الدولى‪.‬‬
‫وق��د أش ��ارت إل�ي��ه احمل�ك�م��ة ال��دائ �م��ة ل�ل�ع��دل ال��دول��ى ف��ي ‪ 15‬ديسمبر‬
‫‪1933‬م بقولها‪«:‬أن القانون الدولى املشترك ‪Droit Internation Commun‬‬
‫املقبول عموماً بخصوص معاملة األجانب يطبق عليهم بالرغم من التشريعات‬
‫الداخلية»‪.‬‬
‫املركز القانونى لألجنبي‬
‫يتحدد مركز األجانب إم��ا بواسطة التشريعات الداخلية للدول وأما‬
‫بواسطة‬
‫واملركز القانونى لألجنبي يتحدد باألمورالتالية ‪:‬‬
‫السماح بدخول األقليم ‪.‬‬
‫حالة األجنبى عندما يقيم في األقليم ‪.‬‬
‫تدابير األمن والعقوبات التى ميكن اخضاعه لها ‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫(‪ )1‬السماح بدخول األقليم ‪:‬‬
‫في أى احلاالت يكون لألجنبى حق في قبوله على أقليم الدولة وهنا ال‬
‫ينظر إلى الدخول املؤقت أو مجرد املرور‪ ،‬ولكن يقصد فقط اإلقامة الدائمة‬
‫التى تنتج عنها املشكالت الرئيسية‪ ،‬وتطبيقا لذلك جند احملكمة العليا للواليات‬
‫املتحدة األمريكية تقرر في قضية إبعاد الصينني‪ ،‬بأن سلطة أبعاد األجانب‬
‫هى حق من حقوق السيادة حلكومة الواليات املتحدة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬حالة األجنبي املقيم على اإلقليم‬
‫ويفرض القانون الدولى في هذا الصدد مبدأ املساواة في املعاملة ‪.‬‬
‫ومع ذلك جند عدة حتفظات ناجتة عن ‪:‬‬
‫(أ) العداء اجلنسي الذى يسود بعض البالد‪.‬‬
‫(ب) االحتياطات العديدة التى يجب على دول معينة أن تتخذها ضد‬
‫الهجرة املتزايدة (مثل فرنسا فيما يتعلق بالعمال األجانب)‪.‬‬
‫(ج) ضرورة حماية األسرة ووقاية التراث الوطنى ‪.‬‬
‫(د) تخلف املدنية في بعض البالد يحتم اعطاء األجانب معاملة أحسن‬
‫م��ن تلك امل�ق��ررة للمواطنني ه��ذا وميكن تطبيق ه��ذا امل�ب��دأ – ونقصد مبدأ‬
‫املساواة في املعاملة –كما يلي‪:‬‬
‫(أ) أن ي��خ��ض��ع األج���ان���ب ل��ن��ف��س االل���ت���زام���ات ال��ت��ى ت��خ��ض��ع لها‬
‫املواطنون ‪:‬‬
‫فاألجنبي يجب أن يكون مطيعاً لكل قوانني األمن والبوليس ‪ ،‬ولقوانني‬
‫العقوبات ‪ ،‬ويلزم األجنبى بأداء الضريبة ‪ ،‬وليس فقط الضريبة غير املباشرة‬
‫وإمنا أيضا الضريبة املباشرة‬
‫(ب) املساواة في احلقوق ‪Egalité des droits‬‬

‫حت��دد اإلت�ف��اق�ي��ات ال��دول�ي��ة ع��ادة (امل �ع��اه��دات ال�ت�ج��اري��ة – م�ع��اه��دات‬


‫األق��ام��ة وامل�ع��اه��دات القنصلية بصفة خاصة) احلقوق التى ميكن أن يتمتع‬

‫‪251‬‬
‫بها األجانب ‪ ،‬وهذه اإلتفاقيات وكذلك القضاء يتجهان نحو مساواة الوضع‬
‫القانونى لألجانب بالوضع القانونى للمواطنني‪.‬‬
‫ومن الناحية املدنية والتجارية واإلقتصادية ونظام القضاء‪ ،‬فإن املساواة‬
‫معترف بها أيضا‪ .‬وقد أكدت ذلك نظم احلماية واإلنتداب والوصاية واحملكمة‬
‫الدائمة للعدل الدولى ( ‪ 12‬ديسمبر ‪1934‬م)‪.‬‬
‫وفي أغلب األح��وال فإن التشريعات الوطنية ال تقيم صراحة ال تقيم‬
‫صراحة تفرقة رسمية بني األج��ان��ب واملواطنني في موضوع امللكية ‪ ،‬وإمنا‬
‫تقتصر على تعليق اكتساب ملكية العقارات من جانب اجلميع على تصريح ‪.‬‬
‫وهذا الشرط يسمح – من الناحية العملية – برفض هذا التصريح لألجانب‬
‫فقط‪.‬‬
‫وما دام األجنبي مقيما على إقليم الدولة وخاضعاً لسلطانها فإن له‬
‫احلق في أن حتميه الدولة ‪ ،‬على أال يتسع حق احلماية ألكثر مما يطالب به‬
‫املواطنون ‪.‬‬
‫إجراءات التمييز ‪:‬‬
‫متييز االجانب عن املواطنيني ‪ ،‬مبنحهم امتيازات كاإلمتيازات القضائية‬
‫القدمية لألجانب في البالد الشرقية طبقاً ملعاهدات اإلمتيازات األجنبية ‪.‬‬
‫ولكن معظم التدابير واإلجراءات داخل الدولة ليست في صالح األجانب‬
‫‪ ،‬ويرجع ذل��ك ألسباب مختلفة ‪ ،‬منها رغبة ال��دول��ة في حماية نفسها ضد‬
‫األجانب ‪ ،‬ومنها فكرة التضامن داخل الدولة‬
‫فالدولة ترفض أن ميارس األجانب بعض احلريات مثل حرية اإلجتماع‬
‫وحرية تأليف اجلمعيات وحرية التعليم في املجاالت التى تعطى املتعلمني قوة‬
‫ونفوذاً ‪ ،‬إذ أن ممارسة األجانب لهذه احلريات قد يهدد أمنها وسالمتها‬
‫(‪ )3‬تدابير األمن والعقوبات ‪:‬‬
‫ فقد يخضع األجانب لتدابير خاصة لألمن ال يخضع لها املواطنون‬
‫ففي زمن احلرب ميكن للدولة أن نحجز األجانب‪ ،‬وقد يصل األمر لطردهم‬

‫‪252‬‬
‫من البالد‪ ،‬وقد نوقش حق الطرد بصفة خاصة في عدة ح��االت للتحكيم ‪،‬‬
‫وحكمت احملكمة التحكيم الدائمة في الهاي في ‪ 9‬يونيو سنة ‪1931‬م بحق‬
‫الدولة في استعمال حق الطرد بشرط أال يستخدم إال في الظروف اإلستئناية‪،‬‬
‫وأال يستعمل إال بالطرق األق��ل ض��رراً على األجنبي‪ .‬ويعتبر الطرد بالنسبة‬
‫لألجانب في الظروف اإلستئنائية اجراء من اجراءات األمن والبوليس وليس‬
‫عقوبة ‪.‬‬
‫االختصاص القضائي ‪:‬‬
‫ والدولة بالطبع متارس واليتها اجلنائية على األجانب الذين يرتكبون‬
‫جرائم على إقليمها ‪ ،‬وقد أثيرت هذه املسألة سنة ‪ 1867‬في قضية ‪cutting‬‬
‫وهو مواطن أمريكي نشر في الواليات املتحدة كتاباً يتضمن قذفاً محطاً بشأن‬
‫مواطن مكسيكى‪ ،‬ثم قبض على هذا املواطن األمريكي في املكسيك وأودع‬
‫السجن وف�ق�اً لقانون العقوبات املكسيكي ال��ذي مينح السلطات املكسيكية‬
‫االختصاص بتوقيع العقوبات على اجلرائم املوجهة ضد املواطنني املكسيكيني‬
‫‪ .‬ولكن ه��ذا امل��واط��ن األمريكي اف��رج عنه بعد ذل��ك أث��ر احتجاج شديد من‬
‫الواليات املتحدة األمريكية ‪.‬‬
‫(ج) األقـليات ‪Minorités‬‬

‫ وهى مجموعة من األفراد داخل الدولة تختلف عن األغلبية من حيث‬


‫اجلنس ‪ race‬أو العقيدة ‪ religion‬أو اللغة ‪ langue‬فاعتبار شخص ما من‬
‫األقلية مسألة واقع ‪ question de fait‬يرجع فيها إلى العناصر املوضوعية‬
‫‪.‬فال يجوز إيجاد متييز في احلالة القانونية بني املواطنني في الدولة سواء‬
‫األقلية أو األغلبية منهم ‪.‬‬
‫حقوق وضمانات األقليات ‪:‬‬
‫ فلكل األقليات احلق في حماية حياتهم وحماية حقوقهم وحرياتهم‬
‫األساسية (احلرية الفردية باملعنى الدقيق‪ ،‬حرية املسكن واإلقامة واختيار‬
‫املهنة‪ ،‬وحق الهجرة وحرية العقيدة وحق امللكية‪..‬إلخ)‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫واجبات األقلية‬
‫ وفي مقابل تلك احلقوق يقع على عائق األقليات واجب الوالء للدولة‬
‫واالخالص لها ‪ ،‬إذ ال يستساغ أن يكونوا عنصراً مناوئاً أو خطراً على سالمة‬
‫وأم��ن الدولة كما ح��دث من جانب األقلية األملانية في بولونيا قبيل احلرب‬
‫العاملية الثانية ‪.‬‬
‫طرق حماية األقليات ‪:‬‬
‫ وفي معاهد برلني ‪ 1878‬عممت الشروط اخلاصة بحماية األقليات‬
‫حيث ال��زم��ت ال��دول اجل��دي��د املنسلخة م��ن تركيا (روم��ان�ي��ا‪ ،‬ال�ص��رب‪ ،‬اجلبل‬
‫األسود) بأن تضمن احلريات واحلقوق الفردية لكل األفراد بدون متييز على‬
‫أساس العنصر أو اللغة أو العقيدة‪ ،‬وقد كانت ينظر لهذا اإللتزام على أساس‬
‫أنه من األهمية بحيث يعتبر شرطاً لإلعتراف بالدولة اجلديدة‪.‬‬
‫األقليات في ظل األمم املتحدة (((‪:‬‬
‫وبعد احلرب العاملية الثانية توسعت مجاالت احلماية الدولية للحقوق‬
‫اإلنسانية جلميع األفراد مبا فيهم األقليات ‪ ،‬إذ اجته ميثاق األمم املتحدة نحو‬
‫تقرير وجوب كفالة حقوق اإلنسان لبني البشر أجمعني دون أن يخص األقليات‬
‫فقط بحمايته ‪ ،‬وجند هذا املعنى واضحاً بجالء في ديباجة امليثاق التى تقول‪.‬‬
‫نحن شعوب األمم املتحدة‪ ،‬وقد ألينا على أنفسنا‪.‬‬
‫أن نؤكد من جديد إمياننا باحلقوق األساسية وبكرامة الفرد وق��دره‬
‫ومبا للرجال والنساء واألمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ‪.‬‬
‫وتنص امل��ادة اخلامسة واخلمسون على أن تشجع األمم املتحدة على‬
‫االحترام العاملى ومراعاة حقوق اإلنسان واحلريات األساسية للجميع بدون‬
‫متييز بسبب العنصر أو اجلنس أو اللغة أو العقيدة ‪.‬‬
‫ثم تضمنت املادة السادسة واخلمسون تعهد الدول األعضاء بأن يقوموا‬
‫منفردين ومجتمعني مبا يجب عليهممن عمل بالتعاون مع املنظمة ألدراك‬
‫املقاصد املنصوص عليها في املادة اخلامسة واخلمسني األمم املتحدة هي ‪:‬‬

‫انظر صحيفة ‪ 275‬وما بعدها من املرجع السابق للدكتور على صادق ‪.‬‬ ‫((( ‬

‫‪254‬‬
‫اجلمعية العامة واملجلس اإلقتصادي واإلجتماعى ومجلس الوصاية ‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫عن اختصاص مجلس األمن ببحث مسائل حقوق اإلنسان إذا ما ترتب على‬
‫اغفالها تهديد السلم واألمن الدولى‪.‬‬
‫وقد خولت املادة الثامنة والستون املجلس اإلقتصادى واالجتماعى بأن‬
‫ينشئ جلانا لتعزيز احترام حقوق اإلنسان ‪ .‬وق��د أنشأ املجلس بالفعل في‬
‫عام ‪1946‬م جلنة حقوق اإلنسان ‪ ،‬وكانت تتكون من ‪ 18‬عضواً ثم زيد عدد‬
‫أعضائها إلى ‪ 21‬عضواً (((‪.‬‬
‫وفى عام ‪ 1946‬انشأت جلنة حقوق اإلنسان جلنة فرعية ملنع التمييز‬
‫وحماية األقليات ‪ ،‬وذلك لدراسة املسائل املتعلقة مبنع التمييز وحماية األقليات‬
‫‪ ،‬واعداد توصيات بشأنها ورفعها إلى جلنة حقوق اإلنسان ‪.‬‬
‫وكان أول ما توصلت إليه العداد مشروع العالن عاملى حلقوق اإلنسان‬
‫‪ ،‬وافقت عليه اجلمعية العامة في العاشر من شهر ديسمبر سنة ‪1948‬م (((‪،‬‬
‫ويتضمن هذا االعالن ثالثني مادة تناولت حقوق اإلنسان السياسية واملدنية‬
‫واإلقتصادية واالجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫‪ -1‬االت �ف��اق �ي��ة ال��دول �ي��ة إلزال� ��ة ك��ل إش �ك��ال ال�ت�م�ي�ي��ز ال�ع�ن�ص��ري لسنة‬
‫‪1965‬م(((‪.‬‬
‫‪ -2‬العهد ال��دول��ى للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لسنة‬
‫‪1966‬م (((‪.‬‬

‫(( ( قرار املجلس اإلقتصادي واالجتماعى رقم ‪ 845‬في الدورة الثانية والثالثني‪.‬‬
‫(( ( من حيث القيمة القانونية لإلعالن العاملى حلقوق اإلنسان‪ ،‬انظر صحيفة ‪ 327‬من‬
‫املرجع السابق للدكتور على صادق أبو هيف وصحيفة ‪ 398‬من املرجع السابق للدكتور‬
‫حامد سلطان ‪ ،‬وصحيفة ‪ 547‬من املرجع السابق للدكتور محمد حافظ غامن ‪.‬‬
‫‪((( International convention on the elimination of all froms of Racial‬‬
‫‪Discrimination‬‬
‫وقد وافقت اجلمعية العامة على هذه اإلتفاقية بقرارها رقم ‪ )××( 2106‬في ‪ 16‬ديسمبر سنة‬
‫‪1966‬م وفرضت على الدول األعضاء للتصديق عليها حيث مت التصديق املطلوب في‬
‫‪1976‬م‪.‬‬
‫‪((( International Convenatn on Economic, social and cultural Rights‬‬

‫‪255‬‬
‫‪ -3‬العهد الدولى للحقوق السياسية واملدنية لسنة ‪1966‬م (((‪.‬‬
‫ وتتميز االتفاقية الدولية إلزال��ة كل أشكال التمييز العنصرى مييزه‬
‫خاصة إذ أنها أنشأت جلنة مختصة بالسهر على تنفيذ أحكام اإلتفاقية(((‪.‬‬
‫وخولتها اختصاصات بتلقى شكاوى من الدول ‪ ،‬بل وتلقى شكاوى من األفراد‬
‫في حاالت خاصة(((‪ ،‬وقد اتبع العهد الدولى للحقوق املدنية والسياسية نفس‬
‫املنهج إذ أنشأ جلنة حلقوق اإلنسان((( (م‪ )38‬تختص بتلقي وفحص شكاوى‬
‫الدول ضد بعضها بصدد مخالفة أحكام العهد الدولى ‪ .‬كما أحلق بهذا العهد‬
‫بروتوكول اختياري تعترف فيه ال��دول املنضمة إليه باختصاص اللجنة في‬
‫تلقى وفحص شكاوى األفراد الذين يدعون انتهاك الدولة حلقوقهم الواردة‬
‫في العهد الدولى ‪.‬‬
‫ وكما سبق أن أوضحنا ف��إن األقليات الوطنية ال يجوز وضعها في‬
‫موضع أقل من األغلبية الوطنية وكذا الشأن بالنسبة لألقلية األجنبية بالنسبة‬
‫لألغلبية األجنبية‪.‬‬

‫وقد وافقت اجلمعية العامة على هذا العهد بقرارها رقم ‪ )××( 2200‬في ‪ 16‬ديسمبر سنة‬
‫‪ 1966‬وعرضت على الدول األعضاء للتصديق عليه حيث مت التصديق املطلوب في عام‬
‫‪1976‬‬
‫‪((( International Convenant on civil and Political Rights‬‬
‫وقد وافقت اجلمعية العامة على هذا العهد بقرارها رقم ‪ )××( 2200‬في ‪ 16‬ديسمبر سنة‬
‫‪. 1966‬‬
‫‪((( Committee on the Elimination of Racial Discrimination‬‬
‫وتتكون هذه من ‪ 18‬خبيراً تنتخبهم الدول األطراف في اإلتفاقية ملدة أربع سنوات ‪.‬‬
‫تبحث اللجنة التقارير التى تقدمها الدول للسكرتير العام عن التدابير التى اتخذتها‬ ‫((( ‬
‫لتنفيذ احكام اإلتفاقية ‪ ،‬وتقدم اللجنة للجمعية ‪ ،‬تقريرا سنوياً عن نشاطها ‪.‬وتعرض‬
‫فيه مقترحاتها وتوصياتها من واقع دراستها للتقارير واملعلومات الواردة إليها من الدول‬
‫األطراففي االتفاقيات ( م ‪ ) 1 – 9‬وميكن ألى دولة طرف في اإلتفاقية (م ‪ ) 2- 11‬أن‬
‫تلفت نظر اللجنة إلى أن دولة أخرى طرف في اإلتفاقية ال تنفذ أحكامها ‪ ،‬وعندئذ حتيل‬
‫اللجنة هذه الرسالة إلى الدولة املعنية التى يجب عليها أن تقدم للجنة في خالل ثالثة‬
‫أشهر تفسيرات أو بيانات توضح املسألة وتبني العالج املمكن اتخاذه من جانبها‬
‫‪((( Haman Rights committee‬‬

‫‪256‬‬
‫املطلب الثاني‬
‫ا إل قلي ـ ـ ــم‬

‫اإلقليم هو الركن الثاني من أرك��ان الدولة ‪ ،‬وال ميكن أن توجد دولة‬


‫بدون إقليم يستقرعليه الشعب بصورة دائمة ‪ ،‬ولذلك ال ميكن اعتبار القبائل‬
‫ال��رح��ل دوالً ل�ع��دم وج��ود إقليم يقيمون عليه بشكل دائ��م ‪ ،‬واإلق�ل�ي��م يتميز‬
‫بخصيصتني أساسيتني ‪ ،‬هما الثبات ‪ ،‬أي أن الشعب يقيم عليه على وجه‬
‫الدوام ‪ ،‬والتحديد ‪ ،‬أي أن يكون لإلقليم حدود واضحة وثابتة متارس الدولة‬
‫نشاطها في اطارها ‪ ،‬وينتهي عندها اختصاص السلطات احلكومية ‪.‬‬
‫ولكن ال يشترط أن تكون احل��دود م�ح��ددة حت��دي��داً دقيقاً ‪ ،‬ب��ل تكون‬
‫م�ح��ددة بشكل واض��ح وث��اب��ت ‪ ،‬كما ال ميكن أن ت�ك��ون غير م�ح��ددة ‪ ،‬بحيث‬
‫تستطيع الدولة أن متدها كما تشاء ‪ ،‬كما تقول بذلك النظرية النازية التي‬
‫دعت إلى وجود دولة قوية ذات حدود متحركة ‪.‬‬
‫وال يشترط في إقليم الدولة مساحة معينة فال يشترط أن كبيراً كروسيا‬
‫االحتادية أو الواليات املتحدة األمريكية ‪ ،‬فقد يكون صغيراً ال تتعدى مساحته‬
‫بضعة كيلومترات كدولة الفاتيكان أو دولة نورو أو دولة مونت كارلو أو قطر‬
‫أو البحرين ‪ ،‬ورغم أن مساحة اإلقليم ال تؤثر على املركز القانوني للدولة ‪ ،‬إال‬
‫أن سعة مساحة اإلقليم يؤدي إلى تنوع املوارد الطبيعية للدولة مما يؤدي إلى‬
‫تنوع واردات الدولة االقتصادية مما يؤثر على ثقلها السياسي واالقتصادي ‪،‬‬
‫كما أنه ال يشترط أن يكون إقليم الدولة متصل األجزاء ‪ ،‬فقد يفصل البحر‬
‫أو إقاليم دول أخرى بني أجزاء الدولة ‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة لباكستان قبل‬
‫استقالل بنغالديش((( بالنسبة للفلبني واليابان وإندونيسيا إذ يتكون إقليم كل‬

‫في سنة ‪1947‬م مت تقسيم الهند إل��ى الهند وباكستان على أس��اس ديني ‪ ،‬فتكونت‬ ‫(( (‬
‫باكستان من الواليات التي كانت غالبية سكانها من املسلمني ‪ ،‬والهند من الواليات التي‬
‫ال يسكنها أغلبية من املسلمني ‪ ،‬وبذلك اصبحت باكستان مكونة من جزئني منفصلني ‪،‬‬
‫أحدهما باكستان الشرقية ‪ ،‬واآلخر باكستان الغربية ويفصلهما إقليم الهند ‪ ،‬ولكن نزاعاً‬
‫مسلحاً قام بني باكستان الشرقية وباكستان الغربية كانت نتيجة االنفصال بينهما سنة‬

‫‪257‬‬
‫منها من العديد من اجلزر التي يفصل بينها البحر قد يصل عددها إلى مئات‬
‫بل اآلف اجلزر أو كالواليات املتحدة االمريكية التي يفصل اإلقليم الكندي بني‬
‫والية االسكا وبني بقية الواليات ‪.‬‬
‫ويضم اإلقليم مشتمالت ثالثة ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ اإلقليم االرضي‬
‫ويشمل إقليم الدولة األرضي مساحة معينة من االرض أي اجلزء اليابس‬
‫وكل ما يحتويه من معالم طبيعية كاجلبال والبحيرات واألنهار والقنوات وكل‬
‫ما في باطن األرض ‪.‬‬
‫وللحدود أهمية سياسية وقانونية ‪ ،‬لذلك يجب أن تكون حدود اإلقليم‬
‫واضحة ومحددة ‪ ،‬ألن عند تلك احلدود تنتهي سيادة الدولة لتبدأ سيادة دولة‬
‫أخرى‪ ،‬وعند عدم وضوح احلدود قد يؤدي إلى نشوء النزاعات احلدودية بني‬
‫ال��دول‪ ،‬حيث حدثت كثير من النزاعات الدولية ‪ ،‬كالنزاع املسلح بني الهند‬
‫والباكستان سنة ‪1965‬م‪ ،‬والنزاع بني العراق وايران سنة ‪1980‬م والنزاع بني‬
‫اجلزائر واملغرب الذي نشب سنة ‪1963‬م وما زال حول الصحراء الغربية(((‪.‬‬
‫واحلدود التي تعني إقليم الدولة أما أن تكون اصطناعية أقامتها الدول‬
‫من اجل تخطيط احلدود الفاصلة بينها ‪ ،‬كوضع العالمات واحلواجز واألسالك‬
‫الشائكة أو أن تكون طبيعية أوجدتها الطبيعة كاألنهار واجلبال أو تكون وهمية‬
‫تتبع خطوط الطول والعرض ‪.‬‬
‫ويتم تعيني احلدود أما مبوجب معاهدات ثنائية تعقد بني الدول املتجاورة‬
‫أو بواسطة املعاهدات اجلماعية كمعاهدات الصلح أو املعاهدات التي تنشىء‬
‫دوالً جديدة أو مبوجب قرار حتكيمي أو قضائي صادر عن هيئة دولية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلقليم املائي‬
‫ويشمل اإلقليم املائي ‪ ،‬ال��ذي يضم كل ما موجود من مياه في إقليم‬

‫‪ ، 1972‬فأصبحت باكستان الغربية دولة بنغالديش املوجودة حالياً ‪.‬‬


‫للمزيد أنظر د ـ منصور ميالد يونس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 207‬‬ ‫((( ‬

‫‪258‬‬
‫الدولة من انهار وبحيرات ‪ ،‬وجزء من البحر بالنسبة للدول الساحلية وهو ما‬
‫يسمى بالبحر اإلقليمي أو املياه اإلقليمية والذي ميتد مسافة داخل البحر ‪،‬‬
‫ويعتبر الفقيه جروسيوس هو أول من نادى بفكرة البحر االقليمي ‪ ،‬وقد كان‬
‫اخلالف دائراً بني الدول حول حتديد هذه املسافة داخل البحر ‪ ،‬وقد حددت‬
‫أول األمر من قبل الفقيه بنكرشوك وهو أول من نادى مبسافة البحر اإلقليمي‬
‫‪ ،‬بثالثة أميال بحرية ‪ ،‬وهي أبعد مسافة كانت تصل اليها قذيفة املدفع ‪ ،‬ثم‬
‫بدأت الدول حتاول توسيع هذه املسافة ومدها داخل البحر ‪ ،‬حتى أن بعض‬
‫دول أمريكا الالتينية مدت بحرها اإلقليمي إلى مسافة مائتي ميل بحري مما‬
‫أدى إلى حدوث نزاعات بني الدول ‪ ،‬ولكن بصدو اتفاقية األمم املتحدة لقانون‬
‫ال بحري ًأ‪.‬‬
‫البحار لسنة ‪ 1982‬حددت مسافة البحر اإلقليمي بأثنى عشر مي ً‬

‫‪ 3‬ـ اإلقليم اجلوي‬


‫وأخيرا فإن إقليم الدولة يشمل طبقات اجلو التي تعلو إقليم الدولة‬
‫األرضي وبحرها اإلقليمي إلى احلد الذي يبدأ معه الفضاء اخلاجي ‪ ،‬وقد‬
‫زادت أهمية اإلقليم اجلوي بعد اختراع الطائرة من قبل االخوين رايت سنة‬
‫‪ 1903‬حيث بدأت تستخدم في زمن احلرب والسلم ‪ ،‬وقد جاءت املعاهدات‬
‫الدولية لتنظيم م��رور الطائرات األجنبية فوق إقاليم ال��دول األخ��رى ‪ ،‬ومن‬
‫أه��م ه��ذه امل�ع��اه��دات ‪ ،‬معاهدة شيكاغو ال�ت��ي أصبحت ن��اف��ذة املفعول منذ‬
‫‪1947/4/7‬م وتضمنت النص على ما يعرف باحلريات اخلمس للطيران وهي‬
‫حرية التحليق في اإلقليم اجلوي وهو ما يسمى باملرور البري ‪ ،‬وحرية الهبوط‬
‫ألسباب فنية تتعلق بتصليح أو تزويد الطائرات ‪ ،‬وهناك ثالث حريات جتارية‬
‫أخرى قررتها املعاهدة ‪ ،‬األولى تتمثل في حق إنزال الركاب وتفريغ البضائع‬
‫التي حتملها الطائرة من إقليم الدولة التي حتمل جنسيتها إلى إقليم أي دولة‬
‫من الدول األعضاء ‪ ،‬والثانية تتمثل في حق أخذ الركاب ونقل البضائع إلى‬
‫إقليم الدولة التابعة لها الطائرة ‪ ،‬والثالثة خاصة بحق أخ��ذ الركاب ونقل‬
‫البضائع من إقليم أي دولة إلى إقليم أي من الدول املتعاقدة ‪.‬‬
‫كما تضمنت هذه املعاهدة إنشاء منظمة دولية متخصصة في شئون‬
‫الطيران هي املنظمة الدولية للطيران املدني ‪ ،‬والتي مت الوصل بينها وبني‬
‫األمم املتحدة في ‪ ، 1947 / 5 / 13‬وهذه املنظمة تتكون من جمعية عامة‬

‫‪259‬‬
‫ومجلس تنفيذي وجلنة استشارية ‪.‬‬
‫الطبيعة القانونية لإلقليم‬
‫أختلف الشراح في تكييف طبيعة العالقة التي تربط بني الدولة وإقليمها‪،‬‬
‫فقد قيلت عدة نظريات بهذا الشأن ‪ ،‬ولكن أهمها النظريات التالية (((‪:‬‬
‫أوالـ نظرية امللكية أو احملل‬
‫وترى هذه النظرية إن الدولة تباشر سلطة قانونية على اإلقليم الذي‬
‫هو محل هذه السلطة ‪ ،‬وإن هذه السلطة هي حق عيني مصدره القانون العام‬
‫الذي يعطي الدولة حق امللكية على إقليمها ‪ ،‬وعلى هذا النحو يشبه أنصار‬
‫هذه النظرية وفي مقدمتهم أوبنهامي ‪ Oppenheim‬ولوترباخت ‪Lauterpacht‬‬
‫اإلقليم بامللكية العقارية التي لألفراد‪ ،‬وبالتالي فهو موضوع حق عيني للدولة‪،‬‬
‫وقد وجهت إلى هذه النظرية عدة انتقادات وأهمها‪:‬‬
‫‪1‬ـ تتعارض ملكية الدولة لإلقليم مع ملكية األفراد واألشخاص املعنوية‬
‫املختلفة لألجزاء التي ميلكونها في اإلقليم ‪ ،‬وذلك ألن حق امللكية هو حق‬
‫مطلق وقاصر على املالك ‪ ،‬أما اإلقليم فهو غير مملوك ألحد وليس للدولة‬
‫عليه حق امللكية بل لها عليه سلطة اإلدارة واحلراسة والتخصص ‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن اإلقليم عنصر من عناصر تكوين الدولة بحيث ينعدم وجودها عند‬
‫فقدان اإلقليم ‪ ،‬وال يصح هذا القول بالنسبة للفرد املالك ألنه يبقى محتفظاً‬
‫بشخصيته القانونية وبوجوده بعد أن يفقد ما ميلكه ‪.‬‬
‫‪3‬ـ يختلف حق امللكية عن االختصاص اإلقليمي للدولة من حيث إن‬
‫األول يرتب للمالك مجموعة اختصاصات تنصب على األشياء اململوكة بينما‬
‫يشمل االختصاص اإلقليمي للدولة السلطات التي متارسها على كل ما موجود‬
‫من أشياء وأشخاص وعلى كل ما يجرى من وقائع وتصرفات ‪.‬‬

‫أنظر د ـ حامد سلطان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ ، 383‬د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ‬ ‫(( (‬
‫مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 158‬ـ ‪ ، 159‬د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ص ‪ ، 257‬د‬
‫ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 277‬وما بعدها ‪ ،‬د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ‬
‫مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 85‬وما بعدها ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬نظرية اإلقليم باعتباره من العناصر املكونة للدولة‬
‫تقول هذه النظرية التي نادى بها فقهاء مدرسة اجلغرافية السياسية‬
‫وعلى رأسهم راتزل ‪ ، Ratzel‬وقسم من فقهاء القانون الداخلي أمثال هوريو‬
‫‪ Hauriou‬وكاريه دي ملبرج ‪ Caree de Malberg‬ويلينك ‪ ، Jelinek‬إن عالقة‬
‫ال��دول��ة بإقليمها هي عالقة الكل باجلزء أي أن اإلقليم ج��زء ال يتجزأ من‬
‫الطبيعة الذاتية للدولة ‪ ،‬وعنصر أساسي من العناصر املكونة لها ‪.‬‬
‫ويؤخذ على هذه النظرية أنها تخلط بني اإلقليم والشخصية القانونية‬
‫للدولة ‪ ،‬وتعجز عن تفسير بقاء هذه الشخصية القانونية بالرغم من التغيرات‬
‫العديدة التي ميكن أن تطرأ على اإلقليم من وجهة نظر القانون الدولي ‪ ،‬مثل‬
‫التنازالت اإلقليمية أو تقاسم االختصاصات اإلقليمية ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ نظرية احلد‬
‫ترى هذه النظرية التي نادى بها كل من ديجي ‪ Duguit‬وميشو ‪Michoud‬‬
‫إن اإلقليم هو احلد املادي أو احليز املكاني الذي متارس فيه الدولة سيادتها ‪،‬‬
‫أي هو النطاق الذي ميكن للحكام أن ميارسوا فيه حكمهم ‪.‬‬
‫وقد وجه لهذه النظرية عدة انتقادات منها بأنها سلبية ‪ ،‬إذ أن اإلقليم‬
‫ليس مجرد حد ملمارسة اختصاص الدولة ‪ ،‬بل هو أساس ملمارسة اختصاصات‬
‫إيجابية في داخل الدولة وخارجها ‪ ،‬كما أن الدولة متارس اختصاصها خارج‬
‫اإلقليم على الطائرات والسفن التي حتمل علمها وليس فقط داخل إقليمها‬
‫كما تصور ذلك النظرية ‪.‬‬
‫رابع ًا ـ نظرية االختصاص‬
‫ت��رى ه��ذه النظرية التي ن��ادى بها رنتزكي ‪ Radnitizky‬سنة ‪1905‬م‬
‫وأي��ده��ا ع��دد كبير م��ن الفقهاء أم�ث��ال كلسن ‪ Kelsen‬وج��ورج سل ‪G.Scelle‬‬
‫وفردروس ‪ Verdross‬وشارل روسو ‪ Gh.Rousseau‬إن اإلقليم عبارة عن جزء‬
‫من األرض يباشر وينفذ فيه نظام قانوني معني‪ ،‬فهو املجال املكاني الذي‬
‫متارس فيه الدولة اختصاصاتها واإلطار الذي تعتبر فيه تصرفاتها احلكومية‬
‫مشروعة‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫وقد نالت هذه النظرية تأييد غالبية شراح القانون الدولي املعاصر‪،‬‬
‫وذلك ألنها من ناحية تنسجم مع مباديء القانون العام الذي يعد االختصاصات‬
‫احلكومية مبثابة سلطات مخولة للحاكمني وللموظفني العموميني من أجل‬
‫القيام ببعض الوظائف املتصلة بالصالح العام للمجتمع ‪ ،‬ثم هي من ناحية‬
‫القانون الدولي العام تفسر بوضوح ما عجزت النظريات السابقة عن تفسيره‬
‫من النظم القانونية الدولية ‪ ،‬فهي مثال تفسر تنازل الدولة عن جزء من إقليمها‬
‫بأنه نقل الختصاصها احمللي إلى دولة أخرى ليمتد اختصاصها املقابل ‪ ،‬وهي‬
‫تفسر امتداد الوالية القضائية للدولة على السفن والطائرات احلاملة لعلمها‬
‫أو جنسيتها في البحار وفي الفضاء بأنه امتداد الختصاصها حيث ال يحكمها‬
‫أختصاص آخر ‪ ،‬وذلك بعد أن هجر الفقه الدولي احلديث النظرية التقليدية‬
‫القائمة على افتراض االمتداد اإلقليمي ‪.‬‬
‫طرق اكتساب اإلقليم‬
‫كما بينا سابقاً فإن اإلقليم هو عبارة عن احليز املكاني أو قطعة األرض‬
‫التي يستقر عليها بصورة مستمرة ‪ ،‬وهو ميتاز بخاصيتي الثبات والتحديد‪،‬‬
‫ولكن هذا الثبات هو في احلقيقة ثبات نسبي وليس مطلق‪ ،‬فإقليم الدولة قد‬
‫حتدث عليه تغييرات رغم اتصافه بالثبات وذلك باالضافة أو النقصان‪ ،‬وقد‬
‫وضح الفقه الدولي التقليدي احلاالت التي ميكن بها اكتساب اإلقليم ‪ ،‬وهي‬
‫كاآلتي ‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ االستيالء ‪Occupation‬‬

‫ االس �ت �ي�لاء ه��و‪«:‬ف��رض س �ي��ادة ال��دول��ة ووالي �ت �ه��ا ع�ل��ى إق�ل�ي��م ه��و في‬
‫األص��ل غير خاضع لسيادة دول��ة آخ��رى‪ ،‬وذل��ك بقصد ادخاله في ممتلكاتها‬
‫اإلقليمية» (((‪.‬‬
‫وق��د أث ��ار االس �ت �ي�لاء م�ش��اك��ل ك�ث�ي��رة ف��ي ال �ق��رون امل��اض �ي��ة ‪ ،‬ألن��ه ك��ان‬
‫الوسيلة الستيالء الدول االوربية على اإلقاليم األخرى في زمن االستكشافات‬

‫د ـ حامد سلطان ود ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪.655‬‬

‫‪262‬‬
‫اجلغرافية‪ ،‬حيث أعتبرت هذه اإلقاليم مباحة أما ألنها غير مسكونة أو إنها‬
‫مسكونة بشعوب غير منظمة وبالتالي ال تشكل دوالً حسب املفهوم االوربي‪ ،‬مما‬
‫يبيح االستيالء عليها‪ ،‬وعلى هذا األساس ظهرت القواعد اخلاصة باالستيالء‬
‫في القانون الدولي االوربي والتي متثل الطابع االستعماري لهذة القواعد‪.‬‬
‫وق��د تطورت اساليب االستيالء مب��رور الزمن ‪ ،‬فقد ك��ان في البداية‬
‫يصدر سند االستيالء من البابا باعتباره الرئيس األعلى للدول الكاثوليكية ‪،‬‬
‫ثم ظهرت نظرية االكتشاف بعد اإلصالح الديني وإنكار سلطة البابا الدنيوية‬
‫على الدول ‪ ،‬ومن هنا ظهر القول بأعطاء األولوية ملن يقوم باالكتشاف بحيث‬
‫يتوافر ‪ ،‬نية االكتساب من ناحية وحتقيق هذه اإلرادة باالستيالء املادي من‬
‫ناحية أخرى ((( ‪.‬‬
‫وبسبب ال�ت��وس��ع االس�ت�ع�م��اري وزي ��ادة التنافس ب�ين ال ��دول املستعمرة‬
‫لالستيالء على اإلقاليم وللحد م��ن امل�ن��ازع��ات ب�ين تلك ال��دول فقد وضعت‬
‫اتفاقية برلني الصادرة سنة ‪1885‬م شرطني أساسني نصت عليهما املادتني‬
‫‪ 34‬و ‪ 35‬من االتفاقية ‪ ،‬األول ‪ ،‬ضرورة وجود استيالء مادي وفعلي ‪ ،‬فالدولة‬
‫التي اكتشفت اإلقليم يجب أن تكون ق��د أق��ام��ت على اإلقليم سلطة كافية‬
‫لتأكيد النظام وحرية التجارة ‪.‬‬
‫والشرط الثاني‪ ،‬شرط شكلي ‪ ،‬ويتطلب من الدولة التي استولت على‬
‫اإلقليم بإبالغ الدول األخرى بالطرق الدبلوماسية باالستيالء (((‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 97‬‬ ‫(( (‬


‫وق��د ح��دث أن اكتشفت ال��والي��ات املتحدة في القرن السادس عشر جزيرة « باملار «‬ ‫((( ‬
‫بجوار ارخبيل الفلبني ‪ ،‬ولكنها لم تقرن هذا االكتشاف باقامة صورة من صور إدارتها‬
‫على اجلزر املكتشفة ‪ ،‬فاستولت عليها بعد ذلك هولندا ‪ ،‬واقامت عليها سلطات ادارية‬
‫تابعة لها ونشب خالف بني الدولتني على تبعية هذه اجلزيرة ‪ ،‬وعرض األمر على احدى‬
‫هيئات التحكيم املتفرعة عن محكمة التحكيم الدولية ‪ ،‬فقضت هذه احملكمة سنة ‪1928‬‬
‫بأن اجلزيرة تدخل في والية هولندا وفي سيادتها ‪ ،‬وجاء في قرار هيئة التحكيم أنه «‬
‫صار من املقرر في القانون الدولي املعاصر إن االكتشاف املجرد اليرتب اكتساب السيادة‬
‫على اإلقليم املكتشف ‪ .‬وإذا كان اكتشاف الواليات املتحدة للجزيرة محل النزاع قد خولها‬
‫سنداً ناقصاً اال انها لم تقم بالعمل على استكمال هذا السند على صورة قاطعة ‪ ،‬وذلك‬

‫‪263‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلضافة‬
‫ تعتبر اإلضافة سبب الكتساب اإلقليم‪ ،‬وقد تكون الزيادة طبيعية‪ ،‬كأن‬
‫تظهر جزر في املياه اإلقليمية للدولة ((( أو نتيجة ملا تضيفه الطبيعة تدريجياً‬
‫إلى إقليم الدولة كدلتا األنهار‪ ،‬وقد تكون الزيادة صناعية نتيجة لقيام الدولة‬
‫بعمل م��ا ي��ؤدي إل��ى تلك ال��زي��ادة كقيام هولندا بتجفيف مياه البحر لزيادة‬
‫إقليمها البري ‪.‬‬
‫وال تثير هذه الوسيلة أية مشاكل ‪ ،‬حيث إن الفقه متفق عليها وال خالف‬
‫بأن هذه الزيادات تضاف إلى إقليم الدولة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التنازل ‪Cession‬‬

‫ ميكن تعريف التنازل بأنه تخلي دولة عن سيادتها على جزء من إقليمها‬
‫إلى دولة أخرى مبوجب اتفاقية دولية تعقد بينهما ‪ ،‬لذلك فإن املتفق عليه أن‬
‫يتم التنازل مبوجب معاهدة دولية تتضمن كافة الشروط الشكلية واملوضوعية‬
‫الواجب توافرها في املعاهدات الدولية (((‪.‬‬
‫كما أن��ه من ال��راج��ح إن التنازل ال يكون إال بالنسبة لإلقليم البري ‪،‬‬
‫وبالتالي ال ميكن التنازل عن البحر اإلقليمي أو عن الهواء ‪ ،‬وذلك ألن البحر‬
‫اإلقليمي والهواء اإلقليمي هما من العناصر التابعة لعنصر البر في إقليم‬

‫عن طريق استيالئها على اجلزيرة فعلياً ودائماً ‪ ،‬على الرغم من انقضاء فترة طويلة‬
‫مناسبة تتيح لها ذلك ‪ ،‬وحيث إن ادعاءها على اجلزيرة يستند إلى االكتشاف فحسب ‪،‬‬
‫فإنه ال ميكن تغليبه على السلطة الفعلية التي ثبت أن هولندا قد باشرتها على اجلزيرة‬
‫املذكورة على صورة مستمرة وغير متنازع عليها ‪.‬‬
‫واح��دث مثال لإلضافة الطبيعية ما حدث في ‪1963/11/14‬م عندما ب��رزت فجأة‬ ‫((( ‬
‫جزيرة في البحر اإلقليمي التابع اليسلندا جنوبي ميناء «رادجنيك» ‪ ،‬وقد برزت هذه‬
‫اجلزيرة البركانية في مساحة صغيرة ‪ ،‬ثم بدأت تنمو شيئا فشئيا حتى صارت مساحتها‬
‫نصف ميل مربع في خالل أيام قليلة ‪ ،‬أنظر د ـ حامد سلطان ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬
‫‪. 662‬‬
‫لذلك فإن التنازل الذي يكون أطرافه أفراداً عاديني أو شركات أو قبائل ‪ ،‬ال يصدق عليه‬ ‫((( ‬
‫وصف التنازل الدولي حتى لو كان طرفاً من أطرافه الدولة ‪ ،‬وذلك ما دام الطرف اآلخر‬
‫ال يصدق عليه وصف الدولة ‪ ،‬أنظر د ـ حامد سلطان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 662‬‬

‫‪264‬‬
‫الدولة ‪ ،‬وبالتالي فبحكم الضرورة واملنطق إذا مت التنازل عن إقليم يقع على‬
‫البحر أن يستتبع ذلك انتقال البحر اإلقليمي والهواء اإلقليمي إلى الدولة التي‬
‫مت التنازل لها ((( ‪.‬‬
‫وقد يكون التنازل نتيجة ملا تتضمنه معاهدات الصلح من تنازل الدول‬
‫املغلوبة ع��ن ج��زء م��ن إقليمها ‪ ،‬وم��ن تلك امل�ع��اه��دات ‪ ،‬معاهدة فرانكفورت‬
‫املعقودة في ‪1871/5/10‬م حيث تنازلت فرنسا عن االلزاس واللورين الملانيا‬
‫‪ ،‬ومعاهدة فرساي املعقودة في ‪1919/6/28‬م حيث تضمنت املادة ‪ 51‬اعادة‬
‫االل��زاس وللورين إلى فرنسا ‪ ،‬ومعاهدة باريس املعقودة في ‪1947/2/10‬‬
‫حيث تضمنت املادة الثانية تنازل ايطاليا عن مدينتي تاند ‪ Tende‬وبريغ ‪La‬‬
‫‪ Brigue‬لفرنسا‪ ،‬وتضمنت املادة ‪ 14‬التنازل لليونان عن دوريكانس ‪.‬‬
‫وقد يكون التنازل مقابل القيام بخدمة معينة‪ ،‬مثل معاهدة تورينو املعقودة‬
‫في ‪1860/3/24‬م والتي تضمنت تنازل سردينيا عن منطقتي السافوا ‪Savoia‬‬
‫ونيس ‪ Nice‬لفرنسا مقابل مساعدة فرنسا لسردينيا سياسياً وعسكرياً في‬
‫حربها ضد النمسا (((‪ ،‬وقد يكون التنازل مقابل إقليم ‪ ،‬كتنازل بريطانيا عن‬
‫جزيرة ‪ Heligoland‬إلى أملانيا مقابل تنازلها عن جزء من أوغندة واعترافها‬
‫بفرض حماية بريطانيا على زجنيبار ‪ ،‬وقد مت ذلك مبوجب معاهدة ابرمتها‬
‫الدولتان في ‪1890/7/1‬م (((‪.‬‬
‫وق��د يكون التنازل مبقابل ع��وض م��ادي ‪ ،‬كبيع فرنسا لوالية لويزيانا‬
‫‪ Louisiane‬ل�ل��والي��ات امل�ت�ح��دة مببلغ س�ت��ون مليون ف��رن��ك فرنسي ومبوجب‬
‫معاهدة ابرمت بينهما في ‪1803/5/3‬م ‪ ،‬وبيع روسيا القيصرية لوالية االسكا‬
‫للواليات املتحدة مببلغ سبعة ماليني ومائتي الف دوالر مبوجب معاهدة ابرمت‬
‫بينهما في ‪1867/3/30‬م ‪ ،‬وبيع اسبانيا جزر كارولني ‪ Carolines‬وماريان‬
‫‪ Mariannes‬وباالوس ‪ Paloas‬إلى أملانيا مببلغ خمس وعشرون بيزا ومبوجب‬
‫م�ع��اه��دة اب��رم��ت بينهما ف��ي ‪1899/2/12‬م‪ ،‬وب�ي��ع ال��دامن��رك ج��زر االنتيل‬

‫د ـ حامد سلطان ود ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪. 663‬‬
‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إلبه ـ ص ‪. 98‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 169‬‬ ‫((( ‬

‫‪265‬‬
‫الدامنركية إلى الواليات املتحدة وتشمل جزيرة القديس توما ‪St.Thomas‬‬
‫والقديس يوحنا ‪ St.John‬والصليب امل�ق��دس ‪ St.Groix‬مقابل مبلغ خمس‬
‫وعشرون مليون دوالر مبوجب معاهدة ابرمت بينهما في ‪1916/8/4‬م ‪.‬‬
‫وقد يكون التنازل اختيارياً وبدون مقابل مثل تنازل النمسا عن مدينة‬
‫البندقية إلى فرنسا سنة ‪1866‬م‪ ،‬وتنازل فرنسا في نفس السنة عنها إلى‬
‫ايطاليا ‪ ،‬وت�ن��ازل فرنسا سنة ‪1764‬م عن مقاطعة نيو اورل�ي��ان في امريكا‬
‫السبانيا ثم تنازل هذه الدولة عنها لفرنسا سنة ‪1801‬م ((( ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الفتح ‪Subjugation‬‬

‫الفتح هو احتالل إقليم دولة من قبل دولة أخرى وفرض سيادتها على‬
‫هذا اإلقليم بالقوة املسلحة بعد هزمية الدولة التي فقدت إقليمها عسكرياً ‪،‬‬
‫فالفتح يفترض أن تفقد الدولة املهزومة عسكرياً سيادتها على إقليمها حتى‬
‫تطبق أحكامه ‪.‬‬
‫والفتح يختلف ع��ن االح�ت�لال احل��رب��ي إلقليم ال��دول��ة خ�لال العمليات‬
‫العسكرية او بعد انتهائها‪ ،‬إذ يشترط الكتمال عناصر الفتح أن تختفي السلطة‬
‫السياسية للدولة املهزومة متاماً بحيث يزول ركن السيادة عنها ‪ ،‬وأن يصدر‬
‫عن الدولة املنتصرة تصرف من جانب واحد مقتضاه مد سيادتها إلى إقليم‬
‫الدولة املهزومة كله أو بعضه (((‪.‬‬
‫ وال�ف�ت��ح ك��وس�ي�ل��ة الك�ت�س��اب اإلق�ل�ي��م ل��م ي�ع��د م��ن األس �ب��اب امل�ش��روع��ة‬
‫الكتساب اإلقليم ‪ ،‬بعد وضع ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬حيث إن الفتح كما بينا‬
‫يتطلب استعمال القوة ‪ ،‬والفقرة الرابعة من امل��ادة الثانية من امليثاق نصت‬
‫على وجوب امتناع الدول األعضاء جميعاً في عالقاتهم الدولية عن التهديد‬
‫باستعمال القوة أو استخدامها ضد سالمة االراضي او االستقالل السياسي‬
‫ألي دولة أو على أي وجه آخر ال يتفق ومقاصد األمم املتحدة ‪.‬‬
‫وق��د استخدمت ال��دول االستعمارية ه��ذا االس�ل��وب ف��ي ض��م كثير من‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 351‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 175‬‬ ‫((( ‬

‫‪266‬‬
‫االق��ال�ي��م إليها ‪ ،‬فقد ضمت بريطانيا إل��ى ممتلكاتها دول��ة اورجن ‪Orange‬‬
‫مبوجب اعالن املاريشال روبرتس ‪ Roberts‬في ‪1900/5/24‬م ‪ ،‬وضمت ليبيا‬
‫إلى إيطاليا مبوجب املرسوم اإليطالي الصادر في ‪1911/10/5‬م‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ التقادم ‪Prescription‬‬

‫التقادم املكسب هو وض��ع اليد م��دة طويلة من الزمن وه��و طريق من‬
‫طرق اكتساب امللكية في القانون اخلاص‪ ،‬ولكن هل يعتبر التقادم سبباً لكسب‬
‫امللكية في القانون ال��دول��ي؟ هناك خ�لاف بني الفقهاء ح��ول ه��ذا املوضوع‪،‬‬
‫فقسم منهم يرى بأنه ال ميكن كسب امللكية عن طريق التقادم كما هو احلال‬
‫في القانون اخلاص‪ ،‬بينما يرى القسم اآلخر إن التقادم ميكن أن يكون مكسباً‬
‫للملكية في القانون الدولي إذا توافرت شروط معينة (((‪ ،‬إذ يبدو ظاهراً ـ من‬
‫استقراء العالقات الدولية وحتليلها في هذا النطاق ـ أنه يشترط في التقادم‬
‫لكي يرتب آثاره ‪:‬‬
‫أـ أن يكون وضع اليد على إقليم تابع الحدى الدول ‪ ،‬أما إذا كان وضع‬
‫اليد على إقليم غير تابع الحدى الدول ‪ ،‬فإن التقادم ال ينطبق في هذه احلالة‬
‫وإمنا هو إستيالء ‪.‬‬
‫ب ـ أن يكون وضع اليد هادئاً أي غير متنازع عليه ‪ ،‬أما إذا كانت الدولة‬
‫التي مت وضع اليد على إقليمها قد احتجت على وضع اليد ‪ ،‬واستمرت في‬
‫احتجاجها فال يعتبر وضع اليد هادئاً ‪ ،‬أما إذا لم تبد الدولة اي احتجاج أو‬
‫احتجت في بادىء األمر ثم توانت بعد ذلك أو وقفت موقفاً سلبياً ‪ ،‬فإن وضع‬
‫اليد يصبح في هذه احلالة هادئاً ‪.‬‬
‫ج ـ أن يستمر وضع اليد مدة طويلة من الزمن ‪ ،‬ولكن ال يوجد في نطاق‬
‫العالقات الدولية معياراً يحدد املدة الالزمة لكي يعتبر وضع اليد مستمراً‪،‬‬
‫ففي اخلالف بني بريطانيا وفنزويال حول تبعية (غيانا البريطانية) حدد اتفاق‬
‫التحكيم الذي ابرم سنة ‪1897‬م املدة بخمسني عاماً‪ ،‬والتي اعتبرت كافية‬

‫أنظر د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب ود ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪. 670‬‬

‫‪267‬‬
‫الكتساب امللكية بوضع اليد ‪.‬‬
‫وتستند فكرة وض��ع اليد كسبب من أسباب كسب امللكية في القانون‬
‫الدولي إلى نفس االسباب التي تستند إليها فكرة التقادم املكسب في القانون‬
‫الداخلي‪ ،‬وهي احملافظة على االوضاع املستقرة ‪.‬‬
‫ويتجه العرف الدولي نحو االستقرار على ذلك ‪ ،‬فكثيراً من الدول ما‬
‫ال ضمن حدودها‬ ‫تأخذ بفكرة وضع اليد عند تعيني احلدود بينها ‪ ،‬فتعتبر داخ ً‬
‫األجزاء التي استمرت متارس عليها أعمال السيادة دون إنقطاع مدة طويلة‬
‫من الزمن ((( ‪.‬‬

‫خالصة القول‪:‬‬
‫األقليم ‪،Territoire‬يقصد باألقليم في معناه ال��واس��ع‪ ،‬التكئة املادية‬
‫‪ support material‬مل�ج�م��وع��ة معينة م��ن ال �ق��واع��د ف�ف��ي ب�ع��ض اإلحت ��ادات‬
‫اجلمركية((( ‪ unions douanières‬ينص على األقليم اجلمركي ‪territoire‬‬
‫‪ douanière‬ويقصد به عندئذ إقليم دول اإلحتاد الذي تطبق عليه القواعد‬
‫اجلمركية املشتركة(((‪.‬‬
‫ غير أن اصطالح األقليم يستعمل عادة في معنى ضيق يقصد به اقليم‬
‫الدولة ‪ territiore étatique‬ويعنى هنا بالطبع التكئة املادية لسلطة الدولة‪،‬‬
‫أي املساحة اخلاصة لتلك السلطة ‪.‬‬
‫ ويشمل اإلقليم األجزاء التالية ‪:‬‬
‫‪territoire terrestre‬‬ ‫(أ) اإلقليم األرضي ‬
‫‪territoire fluvial‬‬ ‫(ب) اإلقليم النهري ‬

‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 356‬‬ ‫(( (‬


‫انظر بصفة خاصة املعاهدة املبرمة بني بلجيكا ولكسمبورج في ‪ 25‬يونيو ‪1921‬م املادة‬ ‫((( ‬
‫‪ 2‬واملعاهدة بني لينوانيا واستونيا في ‪ 31‬مايو ‪1917‬م املواد ‪. 2 ، 1‬‬
‫وقد قضت احملكمة الدائمة للعدل الدولى بهذا املعنى في رأيها االفتائي الصادر في ‪5‬‬ ‫(( (‬
‫سبتمبر سنة ‪1931‬م فيما يتعلق مبشروع اإلحتاد اجلمركي النمساوي األملانى‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫‪territoire maritime‬‬ ‫(ج) اإلقليم البحري ‬
‫‪l’espace aérien‬‬ ‫(د) الفضاء اجلوي ‬
‫‪territoire d’outer – Mer‬‬ ‫(هـ) باقليم ما وراء البحار‬
‫وتعتبر الدولة هذا اإلقليم األخير امتدادا لألقليم األصلي أو اإلقليم األم‬
‫‪ ،‬ويخضع مثله لسلطان الدولة‪ .‬وفي هذا املعنى وردت نصوص في الدساتير‬
‫كالدستور الفرنسي لسنة ‪1948‬م (املادة ‪ )109‬ودستور ‪1958‬م (املادة ‪.)72‬‬
‫ون�ظ��را ألن��ه ي��وج��د لبس أح�ي��ان�اً ف��ي مفهوم األق�ل�ي��م‪ ،‬ل��ذل��ك ف��إن بعض‬
‫املعاهدات تعنى بتحديد نطاق تطبيقها اإلقليمي‪ .‬وكثير من هذه املعاهدات‬
‫تقصد باإلقليم‪ ،‬األقليم األم واألقليم االستعماري والبحر اإلقليميى‪ ،‬وفي كل‬
‫األحوال فإن األقليم يكون أحد العناصر امللموسة الهامة للدولة ‪ ،‬وال يتصور‬
‫أن توجد دولة بال إقليم ‪.‬‬
‫طبيعة حق الدولة على اإلقليم‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬نظرية موضوعية اإلقليم ‪Territoire – objet‬‬

‫ وطبقاً لهذه النظرية فإن اإلقليم هو موضوع سلطة لدولة‪ ،‬شأنه في‬
‫ذلك شأن املال اخلاص الذي يعتبر موضوع ملكية الفرد‪.‬‬
‫وقد وجهت لهذه النظرية انتقادات شديدة تتمثل فيما يلي ‪:‬‬
‫ع��دم صحة التشبيه م��ن الناحية القانونية ب�ين السلطة وح��ق امللكية‬
‫فسلطة ال��دول��ة تتعلق بالقانون ال�ع��ام وال ميكن إذا مقارنتها بحق امللكية‬
‫اخلاصة التى ينظمها القانون املدنى‪.‬‬
‫خطورة هذا التصور من الناحية السياسية ‪ ،‬فهو يتساوي في الواقع‬
‫مع التصور القدمي للسيادة الذي يقدس السلطة املطلقة للدولة في النطاق‬
‫اإلقليمي‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬نظرية شخصية األقليم ‪Territoire - Sujet‬‬

‫ وطبقاً لها‪ ،‬ف��إن االقليم غير منفصل عن ال��دول��ة ‪Inseparable de‬‬

‫‪269‬‬
‫‪ l’Etat‬فاألقليم هو ذاته الدولة منظورا إليها من ناحية حدودها‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬نظرية اإلقليم املقيد ‪Territoire – limite‬‬

‫ وطبقاً لهذه النظرية‪ ،‬فإن اإلقليم ليس موضوع سلطة الدولة ‪ ،‬وإمنا‬
‫هو ميثل فقط الدائرة التى ميكن أن تبرز هذه السلطة في نطاقها وقيمة هذا‬
‫الرأي تتبدى في كونه يتفق مع الفقه احلديث عن قيود سلطة الدولة‪ ،‬أو على‬
‫األقل في كونه اليتعارض مع هذا الفقه ‪ ،‬فهناك حد ال تستطيع سلطة الدولة‬
‫جتاوزه‪ ،‬وتعبر احلدود ‪ la frontière‬عن هذا احلد‪.‬‬
‫نقد هذه النظرية ‪:‬‬
‫وق��د كانت الفكرة القائلة ب��أن اإلقليم ميثل النطاق احملكمة لسلطة‬
‫الدولة فكرة مقبولة في بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬ولكنها لم تعد تقبل إال‬
‫بعد من التحفظات‪ .‬إذ يجب التمييز بني طبيعة االختصاصات التى متارسها‬
‫الدولة ‪ .‬فإذا كان بعضها يبدو إقليميا‪ .‬أي ال ميارس إال داخل اإلقليم ‪ ،‬فإنه‬
‫توجد اختصاصات أخرى ال ميكن االعتراف لها بهذه الصفة على التفصيل‬
‫الذي نقدمه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أعمال احلرب ‪:‬‬
‫ فالدولة ال متلك أن متارسها على اقاليم الدول احملايدة مبا في ذلك‬
‫مياهها اإلقليمية‪.‬‬
‫‪ -2‬االختصاص اجلنائي ‪:‬‬
‫فسلطة الدولة في هذا الشأن ال متارس إال داخل احلدود ‪ .‬ليس ذلك‬
‫فقط في مواجهة األشخاص املوجودين على األقليم والذين ميكن معاقبتهم‬
‫من جانب ال��دول��ة ‪ ،‬ولكن أيضا بالنسبة للجرائم التى ترتكب داخ��ل حدود‬
‫األقليم (((‪.‬‬

‫مثل اتفاقيات املالحة اجلوية ‪ ،‬انظر في هذا الشأن اتفاقية ‪ 13‬اكتوبر سنة ‪1919‬م ‪،‬‬ ‫((( ‬
‫واتفاقية املجر وايطاليا عن املالحة اجلوية في ‪ 5‬يوليو ‪1932‬م ‪ ،‬واتفاقية ‪ 7‬ديسمبر‬
‫‪1944‬م عن الطيران املدنى ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫ومع ذلك فإن كثيراً من الكتاب والقضاة ‪ ،‬ولو أنهم يعتبرون أوفياء ملبدأ‬
‫إقليمية قانون العقوبات إال أنهم يفسرونه بطريقة أكثر مرونة‪.‬‬
‫(ب) اختصاصات ال متارس داخل اإلقليم ‪:‬‬
‫فالدولة مت��ارس اختصاصات عديدة خ��ارج اقليمها في البحر العام ‪،‬‬
‫وفي القضاء ‪ ،‬وعلى اقاليم الدول األخرى في حالة اقامة القواعد العسكرية‬
‫واالح �ت�لال العسكري ب��ل أن حكومات املنفي – وه��ى حكومات معترف بها‬
‫متارس سلطاتها على إقليم اجنبي‪.‬‬
‫(ج) اختصاصات موضوعها االقليم ذاته ‪:‬‬
‫وهى اختصاصات إدارية تتمثل في تقسيم األقليم ملديريات أو محافظات‬
‫ومدن وقرى ‪ ،‬وكذا استغالل الثروات االقتصادية الكامنة في األقليم‪ .‬وللدولة‬
‫في ذلك سلطات عليا(((‪.‬‬
‫الطبيعة احلقيقة حلق الدولة على اإلقليم ‪:‬‬
‫ وينبغي بعد ذلك أن حتدد الطبيعة احلقيقية حلق الدولة على االقليم‬
‫‪ ،‬وفي هذا الصدد ال ميكن بادئ ذي بدء قبول فكرة ملكية األقليم التى تسمح‬
‫بالتصرف فيه تصرف املالك ‪.‬‬
‫فالشعب ميلك حقاً فعلياً على اإلقليم ‪ .‬بينما أن ه��ذا احل��ق ميارس‬
‫بواسطة هيئات الدولة ‪ .‬وإن هذه املمارسة محدودة أص ً‬
‫ال بحدود األقليم إال‬
‫أنه توجد اختصاصات أخرى متارس الدولة خارج إقليمها‪.‬‬

‫والقضاء االجنلو سكسوني مازال مخلصاً لهذا املبدأ ‪ .‬فمحكمة استئناف كاليفورنيا في‬ ‫(( (‬
‫حكم لها بتاريخ ‪ 29‬مارس سنة ‪1933‬م وكذلك محكمة العدل اإلجنليزية العليا في حكم‬
‫لها بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪1934‬م لم تعتبر قوانني العقوبات للدولة إال كقوانني اقليمية بحته‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫املطلب الثالث‬
‫السلطة السياسية‬

‫ال يكفي لقيام الدولة وجود الركنني السابقني وهما ركن الشعب وركن‬
‫اإلقليم بل ال بد من ضرورة توافر التنظيم السياسي والقانوني للجماعة أي‬
‫البد من وج��ود هيئات قانونية وسياسية‪ ،‬أي وج��ود سلطة سياسية أو هيئة‬
‫حاكمة تؤلف تنظيما حكوميا تتولى اإلش��راف على الشعب واإلقليم وإدارة‬
‫املرافق العامة الالزمة حلفظ كيانها وحتقيق استقرارها ومنوها‪ ،‬مبا متلكه‬
‫من سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية‪.‬‬
‫ال معيناً فقد تكون‬
‫وال يشترط في هذه السلطة السياسية أن تتخذ شك ً‬
‫قد فرضت نفسها بالقوة كما هو احلال في االنقالبات العسكرية أو قد تكون‬
‫أداة حكم منتخبة ومتارس السلطة نيابة عن الشعب ‪ ،‬كما هو احلال في كثير‬
‫(((‬
‫من دول العالم في الوقت احلاضر ‪ ،‬واملهم أن تكون هذه السلطة “ فعلية “‬
‫أي أنها تستطيع القيام باملهام املوكلة إليها وان تشرف مباشرة على مجموع‬
‫السكان أو على األقل اجلزء األكبر منهم ‪.‬‬
‫وق��د ك��ان جانب م��ن الفقه ي��رى بأنه ال يشترط أن يكون قيام الهيئة‬
‫السياسية برضاء احملكومني وقبولهم لها ‪ ،‬وإمن��ا ميكن أن توجد عن طريق‬
‫القهر والقوة ‪ ،‬فمتى وج��دت وأصبحت ق��ادرة على إخضاع احملكومني لها ‪،‬‬
‫فإنها تصبح صاحلة ملمارسة السلطة في الدولة ‪ ،‬وبذلك توجد الدولة متى‬
‫وجد الركنان اآلخران وهما الشعب واإلقليم ‪.‬‬
‫ولكن االجت��اه املعاصر يشترط رض��اء احملكومني حتى تتوافر شرعية‬
‫السلطة ‪ ،‬فال يكفي مجرد وج��ود سلطة سياسية يخضع لها األف��راد للقول‬

‫وبهذا املعنى كتبت بريطانيا خطاباً دبلوماسياً في ‪1950/1/6‬م إلى احلكومة الصينية‬ ‫(( (‬
‫اعترفت مبوجبه بحكومة ماو تسي تونغ ‪ ،‬وتوقفت مبقتضاه عن اعتبار حكومة تشانغ كاي‬
‫شيك كممثل شرعي للشعب الصيني ‪ ،‬حيث ذكرت فيه أن اعترافها يستند إلى الواقع‬
‫الفعلي ‪ .‬أنظر د ـ منصور ميالد يونس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 40‬‬

‫‪272‬‬
‫بوجود الدولة ‪ ،‬وإمنا يجب أن حتظى هذه السلطة باعتراف األفراد وقبولهم‬
‫لها ‪ ،‬وبهذا نستطيع أن نتجنب عدم االستقرار ال��ذي يصاحب وج��ود سلطة‬
‫سياسية غير راضي عنها احملكومني ‪.‬‬
‫وميكن أعتبار السلطة السياسية معياراً للتمييز بني األم��ة وال��دول��ة‪،‬‬
‫فاألمة توجد حتى وان لم تظهر فيها سلطة سياسية‪ ،‬بينما ال ميكن قيام‬
‫الدولة بدون وجود سلطة سياسية فيها‪ ،‬فالفرق األساسي بني األمة والدولة‬
‫هو وجود هذه السلطة السياسية التي تقوم مبمارسة وظائف وسلطات الدولة‪،‬‬
‫وإذا توافرت في األمة سلطة سياسية أي تنظيم سياسي معني ‪ ،‬فإنها ستتحول‬
‫إلى دولة قومية ‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫السلطة السياسية ‪Pouvoir Politique‬‬

‫ال يكفى ع�ن�ص��راً األق �ل �ي��م وال�ش�ع��ب لتمييز ال��دول��ة‪ ،‬إذ ي��وج��د ه��ذان‬
‫العنصران في الواقع في مجتمعات أخرى سواء داخلية أو دولية وفي املجتمع‬
‫الدولى توجد مجموعات كتعاهد الدول ‪ Confédération‬واإلحتاد احلقيقي‬
‫‪ ، Union néelle‬قد تختلط بالدولة إذا لم يتحدد لهذه األخيرة عنصر مميز‬
‫لها إلى جنب عنصري األقليم والشعب ‪ .‬ذلك العنصر الذي نبحث عنه يتمثل‬
‫في السلطة السياسية ‪. Pouvoir Politiqe‬‬
‫ لقد اختلف الفقه في ذلك ‪ ،‬وتواجدت عدة نظريات وآراء في بيان ما‬
‫ينبغى لسلطة الدولة أن تتميز به‪ ،‬ونعرض فيما يلي لتلك النظريات واآلراء‬
‫حتى نخلص منها أخيراً لبيان مميزات سلطة الدولة‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ال��ن��ظ��ري��ات ال��ت��ى تنظر إل��ى ال��غ��رض ‪ but‬ال���ذي تستهدفه‬
‫السلطة ‪:‬‬
‫ ي��ؤك��د ‪ Rosin‬أن األه ��داف ال�ت��ى تستهدفها ال��دول��ة أه ��داف وطنية‬
‫‪ nationaux‬بينما أن األه��داف التى تستهدفها اجلماعات األخ��رى أه��داف‬
‫محلية ‪ ، Locaux‬وهذه النظرية ليس لها قيمة إال في املجال الداخلى ‪ ،‬وحتى‬
‫ال أنه في الدولة التى يكون‬ ‫هنا فهى تبدو غير دقيقة ‪ .‬فضل ميكن القول مث ً‬
‫فيها البوليسية بلدياً ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬نظريات تبحث عن تعريف مميزات السلطة ذاتها ‪:‬‬
‫السيادة ‪ Souveraineté‬واإلستقالل ‪ Independance‬فقط خلط الفقه‬
‫القدمي سلطة الدولة في املجال الداخلى بالسيادة فسلطة الدولة في نظرهم‬
‫ال تعلوها سلطة أخري‪.‬‬
‫نقد النظرية‬
‫وقد انتقدت هذه النظرية وقيل بأن النظر لسلطة الدولة بهذا املفهوم‬
‫لم يعد يتمشى مع اجت��اه��ات القانون العام املعاصر ال��ذي ينظر إل��ى سلطة‬
‫الدولة كمجموعة من االختصاصات احملدودة ‪ compéteneces limités‬والتى‬
‫متارس بواسطة هيئات تتلقى التفويض باملمارسة من الدستور والقول بغير‬
‫ذلك يؤدى ألنظمة حتكمية دكتاتورية‪.‬‬
‫نظرية الباند ‪Lanand‬‬

‫وي��رى أن م��ا مييز ال��دول��ة – أوالً وقيل ك��ل ش��ئ – ه��و سلطة التسيد‬
‫‪ Pouvoire de domination‬إذ ي��وج��د علو ‪ supériorité‬ل�ل��دول��ة على كل‬
‫األشخاص اآلخرين فيما يتعلق بالتسديد واإلجبار ‪.‬‬
‫نقد النظرية ‪:‬‬
‫ ولقد انتقدت هذه النظرية ‪ ،‬وقيل أنها ال تتمشى مع مقتضيات املجتمع‬
‫الدولى إذ ال تختلف في جوهرها عن فكرة السيادة السابق انتقادها ‪.‬‬
‫(ب) نظرية يلينيك ‪Jellinek‬‬

‫ واذ يصرف النظر عن عنصر السيادة ‪ ،‬فإنه يري أن الصفة األساسية‬


‫للدولة تتمثل فى سلطاتها التى تتسم بالتسيد ‪ Domination‬أو سلطة األمر‬
‫بصورة مطلقة وغير قابلة للمقاومة‪.‬‬
‫‪Pouvoir de commander de facon absolue et irresistible‬‬

‫ال عن ذلك – وهذا هو جوهر فقه يلينيك – فإن سلطة الدولة‬‫ و فض ً‬


‫هذه سلطة أصيلة ‪ originaire‬ويعنى بذلك مقدرة الدولة على تنظيم نفسها‬

‫‪274‬‬
‫بنفسها ‪ l’auto- organization‬فالدولة وحدها ميكنها أن تضع دستورها‬
‫وتنشئ هيئاتها وحتدد اختصاصها فهي‪ ،‬وعلى عكس ذلك ‪ ،‬فإن كل اجلماعات‬
‫التى تتلقي تنظيمها من دولة ما (مثل املقاطعة واملديرية) ال تعتبر دوالً ‪ .‬ألنها‬
‫ال متلك إال سلطة مستمدة من سلطة الدولة ‪ ،‬ونتيجة لذلك ‪.‬‬
‫‪ -1‬فإن كل دولة يجب أن تكون لها هيئتها العليا اخلاصة ‪ .‬فإذا كانت‬
‫تعتمد على الهيئة العليا لدولة أخرى فإنها تفقد صفتها كدولة (وتلك كانت‬
‫حالة الدومينيون البريطانية التى لم تعتبر في نظرية بلينيك دوالً ألن ملك‬
‫اجنلترا كان الرئيس األعلى بالنسبة لها)‪.‬‬
‫‪ -2‬يجب أن تقوم الدولة بكل الوظائف اخلاصة بها من تشريعية وإدارية‬
‫وقضائية ‪ .‬ولذلك فإن الدول األعضاء في دولة فيدرالية ( أي الواليات) ‪Le‬‬
‫‪. Etats members de l’Etat federal‬‬

‫نقد النظرية ‪:‬‬


‫ تعتبر دوالً (في نظر يلينيك) ألنها متتلك مكنة التنظيم هذه ‪ ،‬وقد‬
‫تعرضت نظرية يلينك للنقد‪ ،‬وقيل بأنه إذا نظر إليها م��ن الناحية الفنية‬
‫القانونية فقد تبدو مستساغة‪.‬‬
‫ فالدولة ال تستمد اختصاصاتها من ذاتها وإمنا من القانون الوضعي‬
‫‪ Droit positif‬فمن وجهه النظر الدولية‪ ،‬فإن الدولة تتلقي اختصاصها من‬
‫القانون الدولى‪ ،‬وكل ما ميكن قوله أن الدولة ال تتلقى مكنة العمل من هيئة‬
‫أو منظمة أعلى منها ويجب أن تقدم هذا التصحيح الهام لنظرية يلينيك‬
‫امليزة أو الصفة احلقيقية لسلطة الدولة ‪:‬‬
‫ وي��ذه��ب األس �ت��اذ ال�ف��رن�س��ي ‪ ،((( Louis Cavaré‬ب�ع��د أن استعرض‬
‫النظريات السابقة ‪ ،‬إلى رفض فكرة التسيد ‪ domination‬على أن حتل محلها‬
‫فكرة سلطة التقرير ‪ pouvoire de decision‬وهنا جند عنصراً أكثر مرونة‪،‬‬
‫يتناسب مع االعتبارات الدولية والداخلية‪ ،‬ألنه إذا كان من املمكن التقرير‬

‫املرجع السابق صحيفة ‪308‬‬ ‫((( ‬

‫‪275‬‬
‫لألمر (وذلك بالنسبة للمجتمع الداخلى) للدولة ‪ ،‬فميثاق األمم املتحدة بعد‬
‫احلرب العاملية الثانية يكرس سيادة الدولة وينص عليها وعلى احترامها ‪ .‬إذن‬
‫ال داعى ال نكار فكرة السيادة كصفة مميزة لسلطة الدولة ‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫خصائص الدولــة‬

‫ي��رى البعض أن��ه ب��االض��اف��ة إل��ى االرك ��ان ال�ث�لاث��ة ال�ت��ي ذك��رن��اه��ا ال بد‬
‫من توافر عناصر قانونية أخ��رى لقيام الدولة ‪ ،‬حيث إن االرك��ان الثالثة ال‬
‫تكفي وحدها لقيام الدولة ‪ ،‬وهذه العناصر هي خصائص أو صفات للدولة‬
‫‪ ،‬وسنقسم هذا املبحث إلى مطلبني ‪ ،‬نبحث في األول السيادة ‪ ،‬وفي الثاني‬
‫الشخصية القانونية ‪.‬‬

‫املطلب األول‬
‫السـ ـ ــيا د ة‬

‫كما ذك��رن��ا سابقاً فالبعض ي��رى ب��أن وج��ود االرك��ان الثالثة ‪ ،‬الشعب‬
‫واإلقليم والسطة السياسية ‪ ،‬ليس كافيا بحد ذاته لقيام الدولة ‪ ،‬فقد تتوافر‬
‫هذه العناصر الثالثة في التقسيمات اإلداري��ة داخل الدولة أو في الدول أو‬
‫الواليات األعضاء في االحتادات الفدرالية أو في املستعمرات أو احملميات ‪،‬‬
‫وفي األقاليم الدولية مثل مدينة طنجة قبل ضمها إلى املغرب ‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يعترف لهذه املناطق بشخصية الدولة ‪.‬‬
‫وإذن ال بد أن يكون هناك معيار قانوني مييز الدولة عن غيرها من‬
‫الوحدات السياسية واإلداري��ة واإلقليمية ‪ ،‬إن هذا املعيار هو السيادة التي‬
‫نادى بها الفقه التقليدي ‪ ،‬وفكرة السيادة فكرة حديثة نسبيا ‪ ،‬إذ أنها لم تكن‬
‫معروفة مبعناها احلديث حتى القرن السادس عشر ‪ ،‬وفكرة السيادة املطلقة‬
‫نشأت في املجتمع اإلقطاعي عندما كانت السلطة امللكية تخوض صراعاً ضد‬
‫رجال اإلقطاع في الداخل وضد البابا واإلمبراطورية اجلرمانية في اخلارج‬
‫‪ ،‬وكانت فكرة السيادة جتسد سيادة امللوك غير املشروطة بشرط ‪ ،‬حيث كان‬

‫‪277‬‬
‫امللك أو األمير هو احلاكم املطلق ‪ ،‬وهو الذي تتجمع بيده السلطة العليا وعلى‬
‫الرعايا أن يخضعوا لسلطته هذه بدون قيد أو شرط ‪.‬‬
‫وأول من ن��ادى بفكرة السيادة هو الفقيه الفرنسي ج��ان ب��ودان ‪Jean‬‬
‫‪ Bodin‬حيث قدم صياغة حديثة لنظرية السيادة في الفقه القانوني ‪ ،‬وقد‬
‫وصف ملك فرنسا بالسيادة ‪ ،‬وعرف بودان السيادة في مؤلفه املشهور الكتب‬
‫الستة للجمهورية ‪ Les six Livres de la Republique‬الذي نشره سنة ‪1576‬‬
‫بأنها السلطة العليا للملوك على املواطنني والرعايا والتي ال تخضع للقوانني‬
‫في ال��داخ��ل ‪ ،‬كما ميلك ه��ؤالء امللوك السلطة املستقلة في مواجهة العالم‬
‫اخلارجي ‪ ،‬فمفهوم السيادة عند بودان هي السلطة العليا ‪ Majeste‬للملك ال‬
‫يقيدها قيد ‪ ،‬فهي مطلقة ودائمة ومن ثم ال تتقادم وال تتجزأ ‪.‬‬
‫ول�ق��د ظ�ل��ت ف�ك��رة ال �س �ي��ادة مهيمنة ع�ل��ى ال�ف�ك��ر ال�ق��ان��ون��ي مبفهومها‬
‫التقليدي إلى أن مت الفصل بني سلطة الدولة وشخص امللك وبالتالي انهيار‬
‫نظرية لويس الرابع عشر القائمة على اخللط بني الدولة وشخص امللك ’‪L‬‬
‫‪ Etat C’est Moi‬والتي تعني (الدولة أنا) وحتت تأثير الفكر القانوني وخاصة‬
‫األملاني ‪ ،‬استقر الفكر احلديث على أن السيادة للدولة وليست للملوك‪ ،‬ولذلك‬
‫ظهر مبدأ سيادة األم��ة بعد قيام الثورة الفرنسية سنة ‪1789‬م‪ ،‬وفي املادة‬
‫الثالثة من اع�لان حقوق اإلنسان واملواطن ال��ذي اصدرتة اجلمعية الوطنية‬
‫الفرنسية في ‪1789/8/26‬م بقولها‪«:‬األمة مصدر السيادة وال يجوز ألي فرد‬
‫أو هيئة ممارسة السلطة إال باعتبارها صادرة عنها»‪ ،‬وقد نص دستور سنة‬
‫‪1791‬م على أن‪«:‬السيادة وحدة غير قابلة لالنقسام أو التجزئة أو التنازل‬
‫أو التملك بالتقادم وهي ملك األمة»‪ ،‬ورغم التمييز بني صاحب السيادة وهو‬
‫األمة وبني الذي ميارس هذه السيادة وهي السلطة السياسية ‪ ،‬إال أن هذه‬
‫التفرقة أدت إلى توجيه انتقادات عدة إلى نظرية سيادة األمة‪.‬‬
‫ثم ظهرت نظرية سيادة الشعب بفضل أفكار املذهب الفردي احلر‪ ،‬وما‬
‫أرتبط به من فكر الراسمالية التجارية والصناعية‪ ،‬ولكن التحول من نظرية‬
‫سيادة األمة إلى نظرية سيادة الشعب لم يؤثر على متتع السلطة السياسية‬
‫للدولة بصفة السيادة‪.‬‬
‫والسيادة لها مظهران‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ 1‬ـ مظهر داخلي وهو حرية الدولة في التصرف في شئونها الداخلية‪،‬‬
‫وف��ي تنظيم مرافقها العامة وف��ي ف��رض سلطانها على كافة م��ا يوجد على‬
‫إقليمها من أشخاص وأشياء ‪.‬‬
‫ووفقاً لهذه السيادة الداخلية تستطيع الدولة أن تضع الدستور املناسب‬
‫لها ‪ ،‬وأن تختار النظام السياسي الذي ترغب به واملنهج االقتصادي املالئم‬
‫لها‪ ،‬وتصدر القوانني التي تراها مناسبة وتخدم الصالح العام فيها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مظهر خارجي وهو استقالل الدولة بإدارة عالقاتها اخلارجية بدون‬
‫أن تخضع في ذلك ألية سلطة عليا ‪ ،‬سواء كانت دولة أجنبية أو هيئة دولية‪،‬‬
‫وعلى ه��ذا األس��اس تستطيع أن تبرم م��ا تشاء م��ن امل�ع��اه��دات واالتفاقيات‬
‫الدولية ‪ ،‬وأن ترسل البعثات الدبلوماسية إلى ما تشاء من الدول ‪ ،‬وهذا يعني‬
‫متتعها باالستقالل التام ‪ ،‬وف��ي ه��ذه احلالة فهي دول��ة كاملة السيادة ‪ ،‬أما‬
‫إذا فقدت هذا املظهر اخلارجي والذي ميثل االستقالل ‪ ،‬فإنها تصبح دولة‬
‫ناقصة السيادة ‪ ،‬وبصرف النظر عن السبب في ذلك ‪ ،‬كأن تكون دولة تابعة أو‬
‫حتت احلماية أو الوصاية أو االنتداب ‪ ،‬كما سيأتي الحقاً عند درستنا للدول‬
‫ناقصة السيادة ‪.‬‬
‫ولقد وجه النقد الشديد لنظرية السيادة التقليدية من جانب الفقه‬
‫احلديث في القانون العام وبشكل خاص من قبل فقهاء املدرسة املوضوعية‬
‫أم�ث��ال كلسن ودي�ج��ي وج��ورج س��ل على اع�ت�ب��ار أن�ه��ا تقف عائقا أم��ام تطور‬
‫القانون الدولي (((‪ ،‬وقد رأى العميد ديجي أن معيار السيادة معيار خاطىء‬
‫وذلك لألسباب التالية (((‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ داخل الدولة فتعتبر هي صاحبة االختصاص العام وهي بذلك ال‬
‫تخضع لسلطة أعلى ‪ ،‬ولكن ال ميكن أن تكون مطلقة التصرف ‪ ،‬فالدولة ليست‬
‫غاية بذاتها وإمنا هي وسيلة لتحقيق غاية وهي إسعاد رعاياها ‪ ،‬ولذلك فإن‬

‫فاالستاذ دبوي يرى « إن مفهوم السيادة يشكل عائقاً كبيراً أمام هيمنة القانون الدولي‬ ‫(( (‬
‫على بقية مواضيع هذا القانون ‪ ،‬أي الدول ‪...‬وإن السيادة الوحيدة املقبولة هي سيادة‬
‫القانون « ‪ .‬أنظر د ـ منصور ميالد يونس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 44‬‬
‫أنظر د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 261‬ـ ‪. 262‬‬ ‫(( (‬

‫‪279‬‬
‫جميع تصرفاتها يجب أن تهدف إلى هذا الغرض ‪.‬‬
‫إن فكرة السيادة تتعارض مع الفكرة السامية للدولة وم��ع خضوعها‬
‫للقانون ‪ ،‬ذلك ألن الدولة في جميع تصرفاتها تخضع للرقابة الداخلية سواء‬
‫كانت سياسية أو إدارية أو قضائية أو شعبية ‪.‬‬
‫كما أن القانون الدولي يستطيع أن يتدخل ويفرض سلطته ورقابته على‬
‫عالقة الدولة برعاياها ‪ ،‬بقصد ضمان حد أدنى من احلقوق للفرد في مواجهة‬
‫الدولة ‪ ،‬وهذا ما يؤكد أن الدولة ليست مطلقة التصرف داخل إقليمها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وف��ي م�ج��ال ال�ع�لاق��ات ال��دول�ي��ة ‪ ،‬جن��د أن ال��دول��ة ليست مطلقة‬
‫التصرف إذ هي تخضع للقانون الدولي العام ال��ذي ي��ورد قيودا كثيرة على‬
‫أعمالها ‪ ،‬ويحكم عالقاتها مع الدول األخرى ومع الهيئات الدولية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن فكرة السيادة ال تتفق مع التطور احلديث للقانون الدولي العام‬
‫فيما يتعلق مبحاولة إخضاع ال��دول لسلطة املنظمات الدولية ‪ ،‬وف��ي إقامة‬
‫نظام لألمن اجلماعي وآخر للتضامن االقتصادي ‪.‬‬
‫وبسبب ه��ذه االنتقادات ح��اول الفقه إيجاد نظريات جديدة ب��دالً من‬
‫نظرية السيادة ‪ ،‬منها نظرية الباند ‪ ، Laband‬وأساسها أن ما مييز الدولة‬
‫هو ما متلكه من قوة للجبر والقهر تباشرها على أشخاص آخرين ‪ ،‬وهذه القوة‬
‫هي حق خاص للدولة لم تستمده من سلطة أخرى ‪ ،‬وقد انتقدت هذه النظرية‬
‫ألنها ال تتماشى مع مقتضيات املجتمع الدولي وال تختلف في جوهرها عن‬
‫نظرية السيادة ‪ ،‬ونظرية يلنيك ‪ Jellinek‬والتي تقول إن ما مييز الدولة هو‬
‫كونها متلك اختصاص اعطاء االختصاص فهي السلطة الوحيدة في اإلقليم‬
‫التي متلك حق وضع دستور ينظم الدولة ويحدد اختصاص سائر األشخاص‬
‫والهيئات املوجودين على إقليمها ((( ‪.‬‬
‫ كما عرضت املدرسة النمساوية ‪ ،‬ف��ردروس ‪ Verdros‬وكنز ‪Kunz‬‬
‫نظرية اخل�ض��وع امل�ب��اش��ر للقانون ال��دول��ي ‪ ،‬ف��ال��دول��ة تتميز ع��ن غيرها من‬
‫اجلماعات اإلقليمية باخلضوع املباشر للقانون الدولي على حني تخضع تلك‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 102‬‬ ‫((( ‬

‫‪280‬‬
‫اجلماعات مباشرة للقانون الداخلي وبطريق غير مباشر للقانون الدولي ‪،‬‬
‫ولكن يرد على هذه النظرية بأن القانون الدولي ينظم مباشرة شئون بعض‬
‫األقاليم التي ال تعتبر دوالً مثل األقاليم التي كانت خاضعة لالنتداب وتلك‬
‫املشمولة بالوصاية ‪ ،‬كما أن االستاذ ش��ارل روس��و أخذ مبعيار االستقالل‬
‫لتمييز الدولة ‪ ،‬وطبقاً لهذا التصور يكون للدولة اختصاصاً مطلقاً في مباشرة‬
‫اختصاصها كدولة ‪ ،‬كما أن لها حرية التصرف كاملة ‪ ،‬فاالستقالل في نظره‬
‫يتضمن ال�ش�م��ول واالس�ت�ئ�ث��ار ‪ ،‬وم��ع ذل��ك ف��إن��ه معيار ال ي�ج��وز األخ��ذ ب��ه إال‬
‫بالنسبة للدول املستقلة وبعض االختصاصات ((( ‪.‬‬
‫وبالرغم من االنتقادات التي وجهت إلى فكرة السيادة ومحاوالت الفقهاء‬
‫اليجاد نظريات بديلة عنها إال أن املواثيق الدولية كعهد عصبة األمم وميثاق‬
‫األمم املتحدة قد نصت عليها ‪ ،‬فمبدأ امل�س��اواة في السيادة قد مت التأكيد‬
‫عليه في املادة ‪ 2‬فقرة ‪ 1‬من ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬حيث نصت على ما يلي‬
‫(تقوم الهيئة على مبدأ املساواة في السيادة بني جميع أعضائها) وهذا يعني‬
‫أن امليثاق قد حقق مركزاً قانونياً للدولة بشكل خاص كي تستطيع أن تقوم‬
‫بدورها في مجال العالقات الدولية‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫الشخصية القانونية‬

‫يقصد بالشخصية القانونية الدولية أهلية الدولة ـ أو الوحدة السياسية‬


‫املختصة بها ـ الكتساب احلقوق والتحمل بااللتزامات الدولية بإرادتها ‪ ،‬كما‬
‫أنها تعنى من ناحية أخ��رى متتع الدولة باألهلية الشارعة أي قدرتها على‬
‫االسهام في إرساء قواعد القانون الدولي ‪ ،‬أما عن طريق إبرامها املعاهدات‬
‫الدولية ‪ ،‬أو االشتراك في إرساء القواعد العرفية الدولية ((( ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 129‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ محمد السعيد الدقاق ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 80‬‬ ‫((( ‬

‫‪281‬‬
‫وال�ت�ط��ور االق�ت�ص��ادي أظ�ه��ر ض��رورة االع �ت��راف بالشخصية القانونية‬
‫ملجموعة م��ن األش�خ��اص أو األم��وال التي تهدف إل��ى حتقيق غ��رض معني ‪،‬‬
‫والشخص القانوني هو شخص خيالي او وهمي يختلف عن األفراد املكونني له‬
‫‪ ،‬فاالعتراف للدولة بالشخصبة املعنوية يعني أنها وحدة قانونية متميزة عن‬
‫األشخاص الذين ميارسون السلطة فيها‪ ،‬وهذا يعني استمرارها وبقائها رغم‬
‫تغير االشخاص داخلها ‪.‬‬
‫ورغ ��م ال�ن�ت��ائ��ج امل�ه�م��ة ال �ت��ي ت�ت��رت��ب ع�ل��ى اك�ت�س��اب ال��دول��ة للشخصية‬
‫القانونية إال ان قسم من الفقهاء التقليدين أنكر على الدولة متتعها بهذه‬
‫الشخصية‪ ،‬وعلى رأس ه��ؤالء الفقيه الفرنسي ليون ديجي ال��ذي ينكر على‬
‫الدولة الشخصية القانونية انطالقاً من نظريته عن التظامن االجتماعي ‪ ،‬فهو‬
‫يرى أن الدولة ما هي إال حدث وواقعة اجتماعية ‪ ،‬وهي عبارة عن مجموعة‬
‫من احلكام واحملكومني ‪ ،‬وإن األعمال التي يقوم بها احلكام في حدود القانون‬
‫واالختصاص لهم تلتزم به اجلماعة السياسية دون حاجة إلى االعتماد على‬
‫فكرة الشخصية القانونية ‪ ،‬كما ان الفقيه جورج سل ينكر الشخصية القانونية‬
‫على الدولة وأنها مجرد افتراض ال وج��ود له في الواقع ‪ ،‬وذه��ب إل��ى ذلك‬
‫الفقيه جيز ‪ ، G.Jeze‬وكذلك الفقيه بريرلي الذي ينكر على الدولة الشخصية‬
‫القانونية وذل��ك ألنها ال متلك إرادة ذات�ي��ة‪ ،‬فهو ي��رى ب��أن ال��دول��ة هي عبارة‬
‫عن مؤسسة يقيمها األفراد حلماية أنفسهم‪ ،‬وهم الذين يضعون لها القانون‬
‫الذي يجب عليهم العمل به‪ ،‬والسير مبقتضاه‪ ،‬كما أن الفقيه كلسن فيرى بأن‬
‫الدولة هي عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية اآلمرة‪ ،‬وليست شخصاً‬
‫قانونياً ‪.‬‬
‫أما الرأي الراجح والذي يؤيده فقهاء القانون العام والقانون الدولي‬
‫ه��و االع�ت��راف للدولة بالشخصية القانونية‪ ،‬حيث تترتب نتائج مهمة على‬
‫االعتراف للدولة بالشخصية القانونية وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن الدولة تكون أه ً‬
‫ال الكتساب احلقوق وحتمل االلتزامات ‪ ،‬وبالتالي‬
‫ميكن ترتيب املسئولية الدولية عليها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن ال��دول��ة تتسم بطابع االستمرار وال��دوام ‪ ،‬ف��أي تغيرات تعتري‬
‫الدولة سواء كانت تلك التغييرات في إقليم الدولة كفقد جزء منه أو احتالله‬

‫‪282‬‬
‫‪ ،‬أو في تغير حكامه الذين ميارسون مهام السلطة فيه ‪ ،‬ال تؤثر في وجود‬
‫الدولة وبقائها واستمرارها ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إن األعمال التي يقوم بها ممثلو الدولة ‪ ،‬ترجع إلى هذه األخيرة ‪،‬‬
‫حيث تتحمل وحدها األثار القانونية واملادية الناجتة عن تلك األعمال ‪ ،‬طاملا‬
‫أن هؤالء املمثلني مفوضون من قبلها للتصرف باسمها ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ إن جميع املعاهدات أواالتفاقيات وااللتزامات املالية التي ترتبت‬
‫على ال��دول��ة تبقى ملتزمة بها حتى وإن تغير شكل ال��دول��ة او نظام احلكم‬
‫فيها‪.‬‬
‫وه�ك��ذا ينتهي الفقه احل��دي��ث إل��ى االع �ت��راف ل�ل��دول الكاملة السيادة‬
‫بالشخصية القانونية الدولية ‪ ،‬وم��ن ثم باألهلية الكاملة ‪ ،‬أهلية الوجوب‬
‫وأهلية االداء ‪ ،‬وإذا لم تتوافر للدولة السيادة الكاملة على إقليمها وشعبها‬
‫كانت شخصية قانونية دولية أيضاً ‪ ،‬ولكنها في هذه احلالة تكون غير كاملة ‪،‬‬
‫حيث تكون أهليتها غير كاملة إذ ينقص هذه األهلية توافر ‪ ،‬أهلية االداء أي‬
‫القدرة على استعمال احلق ‪ ،‬ومثل هذا التصور يسمح بتقسيم الدول من حيث‬
‫إكتمال أو نقص شخصيتها القانونية ‪ ،‬إلى دول كاملة السيادة ولها شخصية‬
‫قانونية كاملة لتمتعها باألهلية الكاملة ‪ ،‬ودول ناقصة السيادة ولها شخصية‬
‫قانونية ناقصة ألن أهليتها غير كاملة ((( ‪.‬‬

‫د ـ ابراهيم أحمد شلبي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 133‬‬ ‫((( ‬

‫‪283‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫أنواع الـ ــدول‬

‫تنقسم ال��دول من حيث تركيبها إل��ى دول بسيطة ودول مركبة ‪ ،‬ومن‬
‫حيث السيادة إلى دول تامة السيادة ودول ناقصة السيادة ‪ ،‬وسنقسم هذا‬
‫الفصل إلى ثالثة مباحث ‪ ،‬نوضح في املبحث األول كيفية نشوء الدول وفي‬
‫املبحث الثاني أنواع الدول من حيث تركيبها ‪ ،‬وفي املبحث الثالث أنواع الدول‬
‫من حيث السيادة ‪.‬‬

‫املبحث األول‬
‫أنواع الدول من حيث التركيب‬

‫تقسم ال ��دول م��ن ح�ي��ث ال�ت��رك�ي��ب إل��ى دول بسيطة أو م��وح��دة ودول‬
‫مركبة أو احتادية ‪ ،‬فالدولة البسيطة هي التي تنفرد بإدارة شئونها الداخلية‬
‫واخلارجية سلطة واحدة ‪ ،‬وأغلب دول العالم هي دول بسيطة كاليابان وليبيا‬
‫وتركيا وسوريا وتونس ‪ ...‬وال يؤثر في كون الدولة بسيطة كونها مكونة من‬
‫عدة أقاليم أو مقاطعات تخضع لنظام الالمركزية اإلدارية ‪ ،‬ما دامت هناك‬
‫حكومة واحدة تنفرد بتصريف شئون الدولة ‪.‬‬
‫أم��ا ال��دول��ة امل��رك�ب��ة فتتكون م��ن احت��اد أك�ث��ر م��ن دول��ة وارت�ب��اط�ه��ا معا‬

‫‪285‬‬
‫برابطة اخلضوع لسلطة مشتركة أو لرئيس أعلى واحد‪ ،‬وهي تنقسم إلى عدة‬
‫أنواع كاالحتاد الشخصي‪ ،‬واالحتاد احلقيقي أو الفعلي‪ ،‬واالحتاد الكونفدرالي‬
‫(التعاهدي) واالحتاد الفدرالي أو املركزي‪.‬‬
‫وسنشرح هذه االحتادات بشكل مختصر‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬االحتاد الشخصي‪:‬‬
‫يتكون ه��ذا االحت ��اد م��ن احت��اد دول �ت�ين أو أك�ث��ر حت��ت ع��رش واح��د أو‬
‫رئيس واحد ‪ ،‬مع احتفاظ كل منها بكامل سيادتها واختصاصاتها ‪ ،‬وينشأ‬
‫هذا االحتاد عادة نتيجة حادث عرضي ال إرادي ‪ ،‬وهو أيلولة عرش دولتني‬
‫مستقلتني إلى ملك واحد ‪ ،‬تطبيقا لنظم توارث العرش في الدولتني ‪.‬‬
‫ويعتبر هذا النوع من أضعف أنواع االحتادات ‪ ،‬ألن املظهر الوحيد لهذا‬
‫االحت��اد هو رئيس الدولة ال��ذي ينتهي أما بوفاة الرئيس أو اختالف قوانني‬
‫توارث العرش في دول االحتاد ‪.‬‬
‫ويرى البعض((( أنه ال ميكن تصور قيام مثل هذا االحتاد إال بني دول‬
‫ملكية ‪ ،‬ألنه يقوم عادة نتيجة أيلولة العرش إلى ملك واحد وفقاً ملا عليه نظام‬
‫الوراثة في البيوت امللكية القدمية ‪.‬‬
‫بينما ي��رى البعض اآلخ��ر ‪ ،‬إن االحت��اد ميكن أن يكون أيضاً بني دول‬
‫ليست ملكية ‪ ،‬عندما أختير سيمون بوليفار في وقت واحد رئيساً لكل من‬
‫كولومبيا ‪ 1819‬ـ ‪ 1830‬والبيرو ‪ 1825‬وبوليفيا ‪ 1823‬ـ ‪. ((( 1826‬‬
‫ويترتب على قيام االحتاد الشخصي اآلثار التالية‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ في املجال الداخلي‬


‫أـ حت�ت�ف��ظ ك��ل دول ��ة م��ن دول االحت ��اد ب��اس�ت�ق�لال�ه��ا ال��داخ �ل��ي وب�ك��ام��ل‬
‫اختصاصاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية‪.‬‬

‫أنظر د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 122‬‬ ‫((( ‬
‫أنظر د ـ محمد فرج الزائدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 186‬‬ ‫((( ‬

‫‪286‬‬
‫ب ـ ميارس رئيس االحتاد اختصاصاته باعتباره رئيساً لكل دولة ‪ ،‬وليس‬
‫باعتباره رئيساً لالحتاد‪ .‬فهي شخصية لها دور يتعدد بتعدد دول االحتاد‪.‬‬
‫ج ـ يحتفظ رعايا كل دولة في االحتاد بجنسيتها اخلاصة بها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في املجال اخلارجي‬
‫أـ حت�ت�ف��ظ ك��ل دول ��ة م��ن دول االحت� ��اد بشخصيتها ال��دول �ي��ة وب�ك��ام��ل‬
‫اختصاصاتها‪.‬‬
‫ب ـ تستقل كل دولة من دول االحتاد بالدخول في معاهدات دولية مع‬
‫غيرها من الدول ‪ ،‬وال تلزم هذه املعاهدات إال عاقديها ‪.‬‬
‫ج ـ االتفاقيات التي تبرم بني دول االحتاد هي اتفاقيات دولية باملعنى‬
‫الدقيق‪.‬‬
‫د ـ تتحمل كل دول��ة من دول االحت��اد تبعة املسئولية عن األعمال غير‬
‫املشروعة التي تصدر عنها ‪.‬‬
‫هـ ـ احلرب التي تقوم بني الدول األعضاء هي حرب دولية وليست حرب‬
‫أهلية‪.‬‬
‫ومن أمثلة االحتاد الشخصي ‪ ،‬االحتاد الذي حدث بني إجنلترا وهانوفر‬
‫والذي مت سنة ‪1714‬م على أثر تولي أمير هانوفر جورج األول عرش إجنلترا‪،‬‬
‫وفقا لقوانني وراث��ة العرش في ه��ذه ال��دول��ة ‪ ،‬وق��د زال ه��ذا االحت��اد عندما‬
‫اعتلت امللكة فكتوريا ع��رش إجنلترا سنة‪1837‬م ‪ ،‬وذل��ك ألن ق��ان��ون وراث��ة‬
‫العرش في هانوفر ال يسمح للنساء بتولي العرش إال إذا انعدم وجود الذكور‬
‫متاما في األسرة املالكة ‪ ،‬وقد أصبحت هانوفر بعد ذلك دولة بسيطة حتى‬
‫ضمتها روسيا إليها ‪ ،‬ثم أصبحت والية املانية بعد قيام الوحدة االملانية ‪.‬‬
‫كذلك احت��اد هولندا ولكسنبورج ال��ذي وضع أسسه مؤمتر فييا لسنة‬
‫‪ ، 1815‬حيث أصبح ملك هولندا أميراً للكسنبورج ‪ ،‬وقد انتهى هذا االحتاد‬
‫سنة ‪ 1890‬عندما اعتلت ع��رش هولندا امللكة ولهلمينا ‪ ،‬حيث إن قانون‬
‫العرش في اللكسنبورج ال يجيز لالناث تولي العرش في هذه االمارة ‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫ومن أمثلة االحتاد الشخصي احلديثة ‪ ،‬احتاد إيطاليا والبانيا ‪ ،‬حيث‬
‫قام سنة ‪ 1939‬بعد أن احتلت القوات الفاشية البانيا وأخضعتها لسلطة ملك‬
‫ايطاليا فيكتور عمانويل الثالث‪ ،‬وقد متكنت البانيا من االنفصال عن هذا‬
‫االحتاد بعد هزمية إيطاليا في احلرب العاملية الثانية واعلنت استقاللها سنة‬
‫‪. 1943‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬االحتاد احلقيقي‬


‫يتكون االحتاد احلقيقي أو الفعلي من احتاد دولتني أو أكثر حتت حكم‬
‫رئيس واحد وخضوعها لهيئة واحدة تتميز بالشخصية الدولية ومتارس عنها‬
‫شئونها اخلارجية مع احتفاظ كل منها بإدارة شئونها الداخلية ‪.‬‬
‫وع�ل��ى ذل��ك يتفق االحت ��اد الشخصي م��ع االحت ��اد احلقيقي م��ن حيث‬
‫احتفاظ كل دولة داخلة في االحتاد باستقاللها الداخلي ‪ .‬ويختلف عنه من‬
‫حيث إن الدول فيه تفقد شخصيتها الدولية وسائر اختصاصاتها اخلارجية‬
‫‪ ،‬وتندمج شخصيتها الدولية في شخصية االحتاد الذي يصبح نائباً عنها في‬
‫تصريف الشئون اخلارجية ‪.‬‬
‫ويترتب على قيام االحتاد احلقيقي النتائج التالية ‪ :‬ـ‬

‫‪ 1‬ـ في املجال الداخلي‬


‫ أ ـ حتتفظ كل دولة من دول االحتاد باستقاللها الداخلي ‪ ،‬وبسلطاتها‬
‫التشريعية والتنفيذية والقضائية ‪.‬‬
‫ ب ـ رعايا جميع الدول الداخلة في االحتاد يتمتعون بجنسية واحدة‬
‫هي جنسية االحتاد ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ في املجال اخلارجي‬


‫أ ـ إن املعاهدات التي يعقدها االحتاد تقيد جميع األعضاء ‪.‬‬
‫ب ـ يكون لالحتاد متثيل دبلوماسي وقنصلي واحد جلميع الدول الداخلة‬
‫في االحتاد ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫ج ـ تتحمل الدول األعضاء املسئولية الدولية عن األعمال غير املشروعة‬
‫التي تصدر عن احدهم ‪.‬‬
‫د ـ إن احلرب التي يعلنها االحتاد أو التي تعلن عليه تشمل جميع الدول‬
‫األعضاء في االحتاد ‪.‬‬
‫هـ ـ إن احلرب التي تقوم بني دول االحتاد تعد حربا أهلية ‪.‬‬
‫وهذا النوع من االحتاد ليس له وجود في الوقت احلاضر ‪ ،‬ومن األمثلة‬
‫التاريخية نذكر ‪:‬‬
‫االحت��اد احلقيقي بني السويد والنرويج ‪ ،‬حيث اق��ر ه��ذا االحت��اد في‬
‫مؤمتر فيينا سنة ‪ 1815‬على أن يكون ملك السويد ملكا للنرويج ‪ ,‬وأسندت‬
‫إليه مباشرة جميع االختصاصات اخلارجية للدولتني ‪ ،‬أم��ا االختصاصات‬
‫الداخلية فقد ظلت الدولتان محتفظتني بها كل على انفراد ‪ ،‬وقد استمر هذا‬
‫االحتاد حتى سنة ‪ 1905‬حيث رغبت النرويج في االنفصال عن السويد ومت‬
‫هذا االنفصال ودياً بني الدولتني مبوجب معاهدة استكهولم سنة ‪. 1905‬‬
‫وك��ذل��ك االحت��اد ب�ين النمسا وامل�ج��ر ‪ ،‬حيث ق��ام ه��ذا االحت��اد مبوجب‬
‫االتفاق الذي أبرم سنة ‪ 1867‬بني الدولتني ‪ ،‬حتت اسم امبراطورية النمسا‬
‫واملجر ‪ ،‬وتقرر فيه أن يكون امبراطور النمسا ملكاً للمجر ‪ ،‬إال أن��ه بوفاة‬
‫االمبراطور فرانسوا جوزيف سنة ‪ 1916‬وإنهزام اجليش في احلرب العاملية‬
‫األول��ى ‪ ،‬إن�ه��ارت االمبراطرية امل��وح��دة رغ��م اجلهود التي بذلها االمبراطور‬
‫اجلديد لالبقاء عليها ‪ ،‬مما اضطره للتنازل عن العرش سنة ‪ ، 1918‬وبهذا‬
‫تفككت االم�ب��راط��وري��ة وق��ام��ت محلها دول ج��دي��دة ه��ي مملكة يوغسالفيا ‪،‬‬
‫وجمهوريات تشيكوسلوفاكيا واملجر والنمسا ‪.‬‬
‫وكذلك احتاد الدامنارك وإيسلندا ‪ ،‬والذي مت مبوجب االتفاق الذي عقد‬
‫سنة ‪ 1918‬والذي تقرر مبوجبه ان يتولى كريستيان العاشر ملك الدامنارك‬
‫ع��رش إيسلندا ‪ ،‬حيث دخلت الدولتان في احت��اد حقيقي ‪ ،‬حتى انهار هذا‬
‫االحت��اد سنة ‪ 1944‬على أث��ر احتالل ال��دامن��ارك من قبل أملانيا في احلرب‬
‫العاملية الثانية ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫ثالثا ـ االحتاد التعاهدي أو الكونفدرالي‬
‫يتكون هذا االحتاد من إنضمام دولتني أو أكثر مبوجب معاهدة دولية‬
‫تعقد ب�ين ع��دد م��ن ال��دول تلتزم بالعمل على حتقيق مصالح معينة ‪ ،‬س��واء‬
‫تعلقت هذه املصالح بالشئون الداخلية مثل حفظ األمن واالستقرار وتنظيم‬
‫الشئون االقتصادية واالجتماعية والثقافية أو تعلقت بالشئون اخلارجية‬
‫كالدفاع املشترك ‪ ،‬كما يحق للدول األعضاء االنفصال حق االنفصال حتى ولو‬
‫لم ينص على احلق في صلب املعاهدة املنشأة لالحتاد ‪.‬‬
‫كما تنشأ هيئة مشتركة من الدول األعضاء مكونة من ممثلني تختارهم‬
‫حكوماتهم ل�لإش��راف على تنفيذ ه��ذه املعاهدة ‪ ،‬وتبقى كل دول��ة عضو في‬
‫االحت ��اد محتفظة بسيادتها اخل��ارج�ي��ة وال��داخ�ل�ي��ة ‪ ،‬وال تعتبر ه��ذه الهيئة‬
‫حكومة يعلو سلطانها على ال��دول األع�ض��اء وعلى رعاياها ‪ ،‬وإمن��ا يقتصر‬
‫عملها على وضع السياسة العامة للدول األعضاء في املسائل التي تدخل في‬
‫اختصاصها ‪ ،‬وهي تصدر قراراتها باإلجماع كقاعدة عامة ‪ ،‬ويتم تنفيذها‬
‫بواسطة حكومات الدول األعضاء وموظفيها ‪.‬‬
‫ويترتب على قيام هذا االحتاد النتائج التالية ‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ في املجال الداخلي‬
‫أ ـ حتتفظ كل دولة في االحتاد باستقاللها الداخلي وبسلطاتها التشريعية‬
‫والتنفيذية والقضائية ‪.‬‬
‫ب ـ حتتفظ كل دولة في االحتاد بنظامها السياسي اخلاص بها ‪ ،‬ويكون‬
‫لكل دولة رئيسها اخلاص بها ‪.‬‬
‫ج ـ يحتفظ رعايا كل دولة في االحتاد بجنستها اخلاصة بها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في املجال اخلارجي‬
‫أ ـ حتتفظ كل دولة في االحتاد بشخصيتها الدولية وبحقها في مباشرة‬
‫اختصاصاتها اخلارجية ‪ ،‬فهي متلك حق تبادل التمثيل الدبلوماسي ‪ ،‬وإبرام‬
‫امل�ع��اه��دات ال��دول�ي��ة ‪ ،‬واالن�ض�م��ام للمنظمات ال��دول�ي��ة ‪ ،‬غير أنها تتقيد في‬

‫‪290‬‬
‫عالقاتها اخلارجية بالسياسة العامة التي يرسمها االحتاد ‪.‬‬
‫ب ـ متلك كل دول��ة عضو في االحت��اد حق اللجوء للحرب مع احترام‬
‫املباديء العامة للقانون الدولي ‪ ،‬وتعد احلرب التي تقوم بني الدول األعضاء‬
‫في االحتاد حربا دولية وليست حربا أهلية ‪.‬‬
‫ج ـ حتمل كل دولة في االحتاد تبعة املسئولية الدولية عن األعمال غير‬
‫املشروعة التي تصدر عنها أو عن رعاياها وفقا للقواعد املقررة في القانون‬
‫الدولي‪.‬‬
‫ويكون االحتاد التعاهدي أو الكونفدرالي من االحت��ادات الضعيفة وله‬
‫صفة مؤقتة ‪ ،‬فأما أن يتحول إلى احت��اد فدرالي عندما تقوى الروابط بني‬
‫أعضائه كما حصل للواليات املتحدة األمريكية سنة ‪ ، 1787‬وأما أن تتفكك‬
‫الروابط االحتادية وتنفصل الدول األعضاء عنه ‪ ،‬فينهار وينتهي هذا االحتاد‬
‫كما حصل لالحتاد اجلرماني الذي اقرته معاهدة فيينا لسنة ‪ 1815‬واستمر‬
‫قائماً إلى سنة ‪ 1866‬حيث أنهار مبوجب معاهدة براغ ‪.‬‬
‫وم��ن األم�ث�ل��ة على ه��ذا االحت��اد ‪ ،‬احت��اد ال��والي��ات األمريكية م��ن عام‬
‫‪ 1776‬إلى عام ‪ ، 1787‬الذي ضم ثالث عشرة والية من أجل توحيد كفاحها‬
‫ضد بريطانيا ‪ ،‬وقد انتهى هذا االحت��اد بإقامة احتاد فدرالي نظمه دستور‬
‫الواليات املتحدة األمريكية سنة ‪. 1787‬‬
‫وكذلك االحت��اد السويسري وال��ذي تأسس مبوجب معاهدة ويستفاليا‬
‫لسنة ‪ ، 1648‬حيث قام هذا االحتاد من ‪ 13‬والية ثم أصبح عددها ‪ 22‬والية‬
‫‪ ،‬وف��ي سنة ‪ 1848‬ق��رر الدستور ال��ذي وض��ع استبدال ه��ذا االحت��اد باحتاد‬
‫مركزي ‪.‬‬
‫رابعا ـ االحتاد الفدرالي‬
‫يتكون هذا االحتاد من انضمام دولتني أو أكثر مبقتضى دستور ويتم‬
‫االتفاق على إقامة احتاد دائم فيما بينها متثله حكومة مركزية هي حكومة‬
‫االحتاد ‪ ،‬تباشر في حدود اختصاصها سلطانها على حكومات الدول األعضاء‬
‫‪ ،‬وعلى جميع رعاياها ‪ ،‬وتفنى الشخصية الدولية للدول األعضاء في شخصية‬

‫‪291‬‬
‫الدولة االحتادية ‪.‬‬
‫ويترتب على قيام االحتاد الفدرالي بعض النتائج منها ما يتعلق بالناحية‬
‫الداخلية ‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالناحية الدولية ‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ فمن الناحية الداخلية ‪ :‬تتنازل الدول األعضاء عن جزء من سيادتها‬
‫الداخلية للدولة االحتادية التي تضم جميع الدول املتحدة والتي تعتبر أعلى‬
‫منها جميعا ‪ ،‬وتنشأ في الدولة االحت��ادي��ة سلطتان ‪ ،‬األول��ى متثل احلكومة‬
‫االحتادية وتكون لها هيئاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية ‪ ،‬والثانية هي‬
‫سلطة احلكومات احمللية التي حتتفظ بهيئات مشابه لألولى وتكون خاضعة لها‬
‫‪ ،‬ويتولى دستور االحتاد توزيع االختصاصات بني احلكومات احمللية واحلكومة‬
‫احمللية التي تتبعها سائر احلكومات ‪ ،‬وق��رارات احلكومة تنفذ مباشرة في‬
‫أقاليم الدول األعضاء ‪.‬‬
‫‪ – 2‬أم��ا من الناحية اخلارجية ‪ :‬فتعد ال��دول االحت��ادي��ة شخصاً من‬
‫أشخاص القانون الدولي العام ‪ ،‬في حني تنعدم الشخصية الدولية للدول‬
‫األعضاء فيه ‪ ،‬وتقوم الدولة االحتادية بإدارة العالقات اخلارجية ‪ ،‬ويترتب‬
‫على ذلك النتائج التالية ‪:‬‬
‫أـ تتولى ال��دول��ة االحت��ادي��ة اختصاص إع�لان احل��رب وع�ق��د الصلح ‪،‬‬
‫واإلشراف على جميع القوات املسلحة في االحتاد ‪.‬‬
‫ب ـ تباشر الدولة االحت��ادي��ة اختصاص تبادل التمثيل الدبلوماسي ‪،‬‬
‫واالنضمام إلى املنظمات الدولية ‪ ،‬في حني تفقد الدول األعضاء هذا احلق ‪،‬‬
‫وال يكون لها متثيل مستقل في املنظمات الدولية ‪.‬‬
‫ج ـ تتولى الدول االحتادية عقد املعاهدات الدولية وتفقد الدول األعضاء‬
‫هذا احلق ‪ ،‬غير أن بعض الدساتير االحتادية تنص على حق الدول األعضاء‬
‫في عقد بعض أن��واع املعاهدات غيرالسياسية ‪ ،‬على أن تكون منسجمة مع‬
‫السياسة العامة لالحتاد ‪.‬‬
‫د ـ تتحمل الدولة االحتادية تبعة املسئولية الدولية عن سائر التصرفات‬
‫املخالفة للقانون ال��دول��ي العام ‪ ،‬س��واء أكانت ه��ذه التصرفات ص��ادرة عن‬

‫‪292‬‬
‫السلطات االحتادية أم كانت صادرة عن السلطات املختصة في أي من الدول‬
‫األعضاء ‪.‬‬
‫ويوجد اليوم في العالم أكثر من ثالثني دولة احتادية منها ‪ ،‬الواليات‬
‫املتحدة األمريكية ‪ ،‬االحت��اد السويسري ‪ ،‬املكسيك ‪ ،‬البرازيل ‪ ،‬األرجنتني ‪،‬‬
‫كندا ‪ ،‬استراليا ‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة ‪ ،‬الهند ‪ ،‬نيجيريا ‪ . ...‬يوجد في‬
‫املجتمع الدولى أشكال مختلفة للدول يتعني التعرف عليها ودراسة القواعد‬
‫األساسية لها‪ .‬وتتمثل هذه األشكال فيما يلي‪:‬‬
‫‪Etat unitaire‬‬ ‫‪ -‬الدولة املفردة أو البسيطة ‬
‫‪ -‬الدولة اإلحتادية أو الفيدرالية ‪Etat federal‬‬

‫‪Etats confédére‬‬ ‫‪ -‬الدول املتعاهدة ‬


‫‪ -‬دول اإلحت ��اد احلقيقي ‪ lUnion réelle‬أو دول اإلحت ��اد الرئاسي‬
‫اإليجابي ‪. l’union présidentieele active‬‬
‫‪ -‬دول اإلحت��اد الشخصي ‪ l’Union Personnelle‬أواإلحت��اد الرئاسي‬
‫السلبي ‪l’U.Pr.pacive‬‬

‫‪ -‬الدول املتوافقة ‪Etats concordants‬‬

‫وتتكون تلك األشكال من الدول نتيجة حلركات دستورية ودولية ترتب‬


‫آث��اراً هامة على املستويني الدستوري وال��دول��ى‪ .‬ولذلك ف��إن فقهاء القانون‬
‫الدستوري يشتركون مع فقهاء القانون الدولى العام في دراسة هذا األشكال‬
‫للدول وسوف نعرض لهذه األشكال بالتفصيل فيما يلي ‪:‬‬
‫السمة البارزة الرئيسية في هذه الدولة أنها تقوم على املركزية السياسية‬
‫أي أنه توجد بها سلطة سياسية واحدة في العاصمة حيث تتركز فيها السلطة‬
‫التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية ‪.‬‬
‫الشكل الثاني ‪ :‬الدولة الفيدرالية أو االحتادية ‪Etat fédéral‬‬

‫ بينما تقوم الدولة املفردة أو املوحدة على املركزية السياسية إذا بالدولة‬
‫االحتادية أو الفيدرالية تقوم على الالمركزية السياسية ‪ .‬والدولة الفيدرالية‬

‫‪293‬‬
‫أو االحتادية تنشأ نتيجة إلحتاد يطلب عليه اسم االحتاد الفيدرالي ‪L’union‬‬
‫‪ Fédérale‬أو االحتاد الدستوري ‪ ، L’union Constitionnelle‬وسنعرض فيما‬
‫يلي لهذا اإلحتاد ثم تبني األحكام واملميزات اخلاصة بالدولة الفيدرالية أو‬
‫اإلحتادية ‪.‬‬
‫االحتاد الفيدرالي أو الدستوري ‪:‬‬
‫التعريف ‪:‬‬
‫ ي �ج��ري االص �ط�لاح ال�ش��ائ��ع ع�ل��ى تسمية ه��ذا ال �ن��وع م��ن االحت ��ادات‬
‫ب��االحت��اد ال�ف�ي��درال��ي ‪ L’union fédérale , Federal Union‬ونسميه نحن‬
‫باالحتاد الدستوري ‪L’union constitutionnelle Constitational Union‬‬
‫وذلك العتبارات نوجزها فيما يلي فهذا االحتاد ينشأ بدستور وليس مبعاهدة‬
‫دولية كما هو الشأن في احتاد التعاهد ‪. Confédération‬‬
‫ كما تتحول الدول التى كونت هذا اإلحتاد من أشخاص دولية مستقلة‬
‫إلى أشخاص دستورية داخلية تخضع مباشرة للقانون الداخلى (الدستور)‬
‫وليس للقانون الدولى العام ‪.‬‬
‫ وم��ن أج��ل تلك األهمية للدستور في ه��ذا النوع من اإلحت��ادات ‪ ،‬إذ‬
‫ينشأ بدستور ويحول الدول من أشخاص دولية ألشخاص دستورية‪ .‬كما يحول‬
‫العالقات الدولية فيما بينها إلى عالقات دستورية ‪ ،‬وهى عناصر متييز هذا‬
‫اإلحتاد بصفة خاصة عن اإلحت��ادات االخري ‪ .‬لذلك فقد أطلقنا عليه اسم‬
‫اإلحتاد الدستوري ‪Federal Principle‬‬

‫نشأة اإلحتاد الفيدرالي أو الدستوري‪:‬‬


‫توجد الدولة الفيدرالية أو اإلحتادية نتيجة إلحتاد فيدرالى ( دستوري)‬
‫وهذا النوع من اإلحتاد ينشأ بإحدى طريقتني‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬أن تتحد ع��دة دول ت�ك��ون قيما بينها دول��ة واح��دة ت��أخ��ذ شكل‬
‫الدولة اإلحتادية وهذه هى الطريقة العادية التى تكونت بها أغلب اإلحتادات‬
‫الفيدرالية أو الدستورية ‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أو أن تتحول دولة مفردة إلى دولة إحتادية ويحدث ذلك بالنسبة‬
‫للدولة التى تضم عناصر متباينة في أقاليم متفرقة داخ��ل الدولة ‪ .‬وجتد‬
‫ال��دول أن طبيعة تكوينها تتطلب م��ن أقالليمها ق��دراً واف��راً م��ن االستقالل‬
‫الذاتى‬
‫ومع أن الدولة اإلحتادية تعد دولة واحدة في املجال الدولى شأنها في‬
‫ً‬
‫اختالف‬ ‫ذلك الدوفة املفردة إال أن الدولة اإلحتادية تختلف عن الدولة املفردة‬
‫واضحاً وتنفرد بأحكام ومميزات خاصة ‪.‬‬
‫وسنتكلم عن هذه األحكام واملميزات على النحو التالي‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬القواعد األساسية للدولة اإلحتادية‬
‫ثانياً‪ :‬مميزات الدولة اإلحتادية‬
‫ثالثاً‪ :‬اختصاصات احلكومة اإلحتادية‬
‫رابعاً‪ :‬الدولة اإلحتادية واملسئولية الدولية‬
‫خامساً ‪ :‬حق اإلبطال وحق اإلنفصال‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬القواعد األساسية للدولة اإلحتادية‬
‫وت �ت �ح��دد م �ع��ال��م ال ��دول ��ة اإلحت���ادي���ة ب �ف �ك��رة أس��اس �ي��ة ت �س �ت �م��د م�ن�ه��ا‬
‫ج�م�ي��ع األح��ك��ام اخل��اص��ة ب �ه��ا وه ��ذه ال �ف �ك��رة األس��اس �ي��ة ي�ف�ص��ح ع�ن�ه��ا اس��م‬
‫ال ��دول ��ة اإلحت ��ادي ��ة‪ .‬ف �ح�ين ن��ق��ول‪ :‬دول� ��ة إحت ��ادي ��ة ‪ ،‬ف��إمن��ا ن�ع�ن��ى ان �ن��ا ازاء‬
‫(دولة) وليس مجموعة من الدول احملتفظة بشخصياتها الدولية ‪.‬‬
‫وإذا سلمنا ب��أن الدولة اإلحت��ادي��ة ليست إال دول��ة واح��دة ‪ ،‬ف��إن األمر‬
‫يستلزم التعرض لسيادة هذه الدولة‪ ،‬وسنجد أن للسيادة في الدولة اإلحتادية‬
‫وضع مختلف عن وضعها بالنسبة للدوزلة املفردة ‪ .‬ففي هذه الدولة األخيرة‬
‫ال يثور أشكال عن مالزمة السيادة لها ‪.‬‬
‫ وهكذا جند أننا ازاء ثالث نقاط أساسية البقد وان نعرض لها في‬
‫مستهل دراستنا للدولة اإلحتادية ‪ .‬وسنعرض لهذه النقاط بالترتيب التالية ‪:‬‬

‫‪295‬‬
‫أوالً ‪ :‬الدولة اإلحتادية من يث كونها دولة ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬سيادة الدول اإلحتادية ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬اجلنيسة في الدولة اإلحتادية ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬الدولة اإلحتادية من حيث كونها دولة‪:‬‬
‫ والصورة العادية لتكوين الدولة اإلحتادية كما أسلفنا تتبدى في أن‬
‫دوال مستقلة ذت سيادة تقرر فيما بينهما تكوين احتاد يلم شملها في دولة‬
‫واحدة ‪.‬‬
‫واستثناء من هذه الصور قد حتل الدولة اإلحتادية محل دولة مفردة‬
‫تقرر األخ��ذ بنظام اإلحت��اد الدستوري ( الفيدرالي)‪ .‬وه��ذه الدولة الواحدة‬
‫تتكون من عنصرين اساسيني وتبقي بهما معا وهما ‪:‬‬
‫األفراد ‪.‬‬
‫الواليات ‪.‬‬
‫ كما أن ال��دس��ات�ي��ر اإلحت��ادي��ة ت��راع��ى وج��ود ال��والي��ات كعنصر مكون‬
‫للدولة اإلحتادية ذاتها ‪ ،‬فتشركها في احلكم عن طريق األخذ بنظام اإلزدواج‬
‫في تشكيل السلطة التشريعية‪ ،‬حيث يوجد مجلسان تشريعيان أحدهما ميثل‬
‫الشعب كوحدة واآلخر ميثل الواليات بوصفها وحدات متميزة عن بعضها ‪.‬‬
‫الشعب والواليات ‪:‬‬
‫ أو ما دور الشعب فهو مفهوم ‪ ،‬وأما دور الواليات باعتبارها فئة من‬
‫الناخبني فتظهر في تكوين املجلس األعلى في السلطة التشريعية حيث تختار‬
‫ممثليها في هذا املجلس ويكون لها عدد مساو مع ممثلى أية والية أخري‪.‬‬
‫ ولقد عبر األملان عن الدولة اإلحتادية تعبيراً يجمع عنصريها االساسني‬
‫وهما ‪ ،‬الدولة واإلحتاد‪ ،‬إذ أطلقوا على هذه الدولة اسم ‪ Bundetstaat‬ويقابل‬
‫ه��ذا اإلص�ط�لاح في اللغة اإلجنليزية كلمتى ‪ Banded State‬فهى ‪ Staat‬أو‬
‫‪ State‬أي دولة واح��دة من ناحية‪ ،‬وهى أيضا ‪ Band‬أو ‪ Bund‬أى احتاد من‬
‫ناحية أخرى ‪ ،‬فصفة الدولة تالزمها صفة اإلحتاد الذي يجمع عدة واليات‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫وإذا كان اإلحتاد الفيدرالى أو الدستوري ينشئ دولة واحدة هى الدولة‬
‫اإلحتادية ‪ .‬ولهذا فإن اجتاه بعض الدساتير إلى تخويل الواليات حق ابرام‬
‫اتفاقيات غير سياسية مع الدول االجنبية ال يكسبها الشخصية الدولية ‪ ،‬إذ‬
‫أن هذا احلق مصدره قانون داخلى هو الدستور وليس القانون الدولى ‪ ،‬وهو‬
‫حق مشروع وعرضة للزوال ‪ ،‬وليست هذه من معالم الشخصية الدولية‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬سيادة الدولة اإلحتادية ‪:‬‬


‫ولقد خلصنا إل��ى أن ال��دول��ة اإلحت��ادي��ة ه��ى دول��ة مثلها ف��ي ذل��ك مثل‬
‫الدولة املفردة أو املوحدة ‪ ، Unitaire‬ولكن يبقي أن نحدد ملكية السيادة ‪.‬‬
‫وهل هى للدولة اإلحتادية أم أنها أيضا ملك للواليات‬
‫على أن الدساتير اإلحت��ادي��ة تعمد إل��ى حتديد اختصاصات تباشرها‬
‫سلطات الواليات مستقلة عن السلطة اإلحتادية ودون أن تكون خاضعة لها ‪.‬‬
‫ولقد استند بعض الفقهاء ‪ ،‬على هذه الظاهرة للقول بأنه توجد في الدولة‬
‫اإلحتادية سيادتان منفصلتان ‪.‬‬
‫سيادة الدولة اإلحتادية في نطاق اختصاصاتها ‪.‬‬
‫وسيادة الواليات في نطاق اختصاصاتها ‪.‬‬
‫ غير أن هذا املذهب يتناقض مع مضمون السيادة‪ ،‬وال يتفق مع نصوص‬
‫الدساتير اإلحتادية‪ ،‬فالسيادة تقوم على عنصري العلو وعدم التقيد بإرادة‬
‫أخرى‪ ،‬فالدولة ذات السيادة متارس نشاطها في املجال الدولى دون ما ألزام‬
‫عليها غير ما تفرضه مبادئ القانون الدولى‪.‬‬
‫ وإذا رجعنا للدساتير اإلحتادية وجدنا أن السيادة اخلارجية قد منحت‬
‫للدولة اإلحتادية وحدها ‪ ،‬إذ عهدت هذه الدساتير للدولة اإلحتادية بسلطة‬
‫اعالن احلرب وسلطة إبرام املعاهدات وإدارة العالقات اخلارجية‪ ،‬ولم تخول‬
‫هذه السلطات للواليات ‪ ،‬وإذا كانت بعض الدساتير‪ ،‬قد خولت الواليات سلطة‬
‫محدودة في ابرام التفاقيات دولية ‪.‬‬
‫وينتج عن متلك الدولة اإلحتادية وحدها للسيادة عدة نتائج ‪:‬‬

‫‪297‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬أن التشريع اإلحتادى يلغى مبجرد اصداره كل نص يتعارض معه‬
‫في تشريعات الواليات‬
‫ثاني ًا ‪ :‬ال متلك الواليات حق ابطال القوانني اإلحتادية التى ترى أن‬
‫السلطة اإلحتادية قد ج��اوزت حدودها الدستورية بشأنها ‪ .‬وسنفصل ذلك‬
‫عند شرح حق األبطال‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬إن املنازعات التى تنشب فيما بني الواليات أو فيما بينها وبني‬
‫السلطة اإلحت��ادي��ة تختص بالفصل فيها سلطة قضائية احت��ادي��ة ول��و كانت‬
‫ال��والي��ات ق��د احتفظت بسيادتها مل��ا أمكن حسم ه��ذه امل�ن��ازع��ات إال بطريق‬
‫التحكيم كما هو الشأن بالنسبة للدول املتعاهدة ‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬ال متلك الوالية حق اإلنفصال عن اإلحتاد‬
‫خامس ًا‪ :‬أن القانون الدستوري هو ال��ذي يحكم العالقة بني الواليات‬
‫وبني احلكومة اإلحتادية ‪ ،‬وكذلك يحكم العالقات فيما بني الواليات وبعضها‬
‫وليس القانون الدولى‪.‬‬
‫سادس ًا ‪ :‬أنه ال توجد غير جنسية واح��دة في الدولة اإلحتادية ‪ .‬فال‬
‫توجد جنسية لكل والية وإمنا جنسية واحدة فقط مشتركة جلميع الواليات‬
‫وسنعرض ملوضوع اجلنسية فيما يلي ‪:‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬اجلنسية ‪:‬‬


‫ ال توجد في الدولة اإلحتادية غير جنسية واحدة هى جنسية الدولة‬
‫اإلحت��ادي��ة وذل��ك بخالف ال��وض��ع ف��ي تعاهد ال��دول ‪ Conféderation‬حيث‬
‫توجد جنسيات بعدد الدول الداخلة في اإلحتاد ‪ ،‬ففي ظل التعاهد األملانى‬
‫املنشأ سنة ‪ 1815‬لم تكن توجد جنسية أملانية واحدة ولكن جنسية منساوية‬
‫وجنسية بروسية وجنسية بافارية‪ .‬إلخ‪.‬‬
‫ وهذا يستتبع وجود جنسية واحدة للدولة اإلحتادية ال عدة جنسيات‬
‫بعدد الواليات ‪ .‬ولقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنه توجد جنسية مزدوجة‬
‫ملواطن الدولة اإلحتادية ‪double Nationalité‬‬

‫‪298‬‬
‫(أ) جنسية مشتركة ‪ ،‬ه��ى جنسية ال��دول��ة اإلحت��ادي��ة ‪Nationalité‬‬
‫‪Commune‬‬

‫(ب) وجنسية أو التوطن األصلي للواليات التابع لها األفراد ‪.‬‬


‫ ونري أنه ينبغى التمييز بني التوطن واجلنسية‪ ،‬ففي الدولة اإلحتادية‬
‫توجد جنسية واحدة ‪ .‬وإال جانب هذه اجلنسية الواحدة توجد عدة توطنات‬
‫ال وجدنا مواطنني‬‫بعدد الواليات‪ .‬فإذا نظرنا إلى الواليات املتحدة األمريكية مث ً‬
‫لوالية بنسلفانيا ومواطنني لوالية فرجينيا وهكذا‪.‬‬
‫ ول �ق��د ع �ن��ى ك �ث �ي��ر م��ن ال �ف �ق �ه��اء ب��ال �ت �ف��رق��ة ب�ي�ن اص��ط�ل�اح اجل�ن�س�ي��ة‬
‫‪ Nationalité‬والتوطن في الوالية ‪ Indigenant Particulier‬وقصد باألولى‬
‫تبعية الفرد للدولة والثانى تبعيته للوالية ‪ .‬إذ قضى بأن جميع األشخاص‬
‫املولودين أو الذين اكتسبوا اجلنسية في الواليات املتحدة وخاضعني لسلطانها‬
‫يعتبرون مواطنني ‪ Citizens‬للواليات التى يقيمون فيها ‪.‬‬
‫ فكأن هذا النص الدستوري يعترف بوجود نوعني من التوطن ‪ .‬توطن‬
‫الواليات املتحدة وتوطن لكل والية ‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬املعالم املميزة للدولة اإلحتادية‬
‫ ولتحديد مميزات الدولة اإلحت��ادي��ة ينبغى قبل كل ش��يء أن نلتمس‬
‫األس��س التى تقوم عليها ه��ذه الدولة ف��إن ال��دول تتجه إل��ى اإلحت��اد في ظل‬
‫اإلحت��اد الفيدرالى أو الدستوري حتت تأثير عاملني غير قابلني لإلنفصال‬
‫هما‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الرغبة في اإلحتاد لتحقيق مصالح مشتركة بني الدول‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬احملافظة على االستقالل الذاتى – في حدود – بالنسبة للشئون‬
‫احمللية واملصالح املتباينة للدولة والتى تنبع من وضعها اخلاص اجلغرافى أو‬
‫االجتماعى أواالقتصادى ‪.‬‬
‫وأما نتيجة املصالح املتباينة للدول والتى جتعلها حتتفظ باستقاللها‬
‫األصلي في ظل اإلحتاد الفيدرالى أو الدستوري‪ ،‬فهى األخري عامل أساسي‬

‫‪299‬‬
‫في تكوين وإن�ش��اء ه��ذا اإلحت��اد فصور اإلحت��ادات إذا ميكن أن تتحدد على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬دول تريد اإلحتاد مع عدم اخلضوع حلكومة عامة واحدة بالنسبة‬
‫جلميع الشئون املشتركة وهنا ال توجد دولة إحتادية وإمنا قد يوجد تعاهد أو‬
‫توافق حسب أحكام اإلحتاد ‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬دول تريد اإلحتاد مع اخلضوع خضوعاً مطلقاً للحكومة العامة‬
‫اجلديدة وهنا نكون إزاء دولة بسيطة أو مفردة وليس دولة احتادية ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬دول تريد اإلحت��اد مع اخلضوع حلكومة عامة في الشئو التى‬
‫تقررها وثيقة اإلحتاد على أن حتتفظ باستقاللها األصلي في الشئون احمللية‬
‫وحقها في املشاركة في حكم الدولة ‪ ،‬وهنا نكون إزاء دولة احتادية ‪ ،‬وللبصر‬
‫وبهذه اخلصائص ينبغى أن نواجهها من نطاقني معاً ‪.‬‬
‫وللبصر بهذه اخلصائص ينبغى أن تواجهها من نطاقني معاً ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬في نطاق الوالية فحسب ‪ ،‬أيب في داخل حدود الوالية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬في نطاق الدولة اإلحتادية بأسرها‬
‫أوال ‪ :‬وأم��ا في نطاق الوالية فإننا نبصر بهذه اخلصائص في أسس‬ ‫ً‬
‫احلكم داخ��ل الوالية ‪ ،‬إذ يخول الدستور اإلحت��ادى للوالية أن حتكم نفسها‬
‫بنفسها فتنشئ لها دستوراً وسلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية‬
‫‪ ،‬ويحدد لها الدستور اإلحتادى اإلختصاصات التى متارسها حكومة الوالية‬
‫وتختلف نصوص الدساتير في ه��ذا الشأن من دول��ة احتادية ألخ��رى ‪ ،‬فقد‬
‫يوسع الدستور من اختصاصات حكومة الوالية وقد يضيق منها ‪.‬‬
‫وتتبع غالبية الدساتير اإلحتادية طريقة سهلة في حتديد اختصاصات‬
‫حكومة الوالية ‪ .‬وذلك بأن تعدد على سبيل احلصر االختصاصات املوكولة‬
‫للحكومة اإلحتادية ‪.‬‬
‫منوذج التطبيق ‪:‬‬
‫وهذا ما فعله الدستور الكندى ‪ .‬حيث جدد في املادة ‪ 91‬اختصاصات‬

‫‪300‬‬
‫مفرزة للحكومة اإلحتادية ‪ ،‬ثم حدد في املادة ‪ 92‬اختصاصات مفرزة أخرى‬
‫حلكومات الوليات ‪.‬‬
‫وأيا كانت الطريقة التى يتبعها الدستور اإلحتادي في توزيع االختصاصات‬
‫ب�ين احلكومة اإلحت��ادي��ة وب�ين حكومات ال��والي��ات فإنه يجب لكى نكون إزاء‬
‫دولة احتادية أن يكون حلكومات الواليات استقالل ذاتى محدد في الدستور‬
‫اإلحتادى وذلك بأن يحدد لها هذا الدستور اختصاصات تباشرها دون تدخل‬
‫من جانب احلكومة اإلحتادية ‪.‬‬
‫ث��ان��ي�� ًا ‪ :‬وأم ��ا ف��ي ن �ط��اق ال��دول��ة اإلحت��ادي��ة ب��أس��ره��ا‪ ،‬ف��إن ال��دس�ت��ور‬
‫اإلحتادي يعهد للحكومة باإلختصاصات املشتركة جلميع الواليات مثل العملة‬
‫والتداول والطرق والتجارة بني الواليات والشحن واملالحة‪ .‬كما يعهد إليها‬
‫باالختصاصات الدولية كابرام املعاهدات وإدارة الشئون اخلارجية والتمثيل‬
‫السياسي واعالن احلرب وإدارتها وكذا اعداد اجليش واإلنفاق عليها ‪.‬‬
‫ وم��ن الطبيعى أن ي�ث��ور ال�ت�س��اؤل ع��ن دور ال��والي��ات ف��ي توجيه هذه‬
‫الشئون التى تديرها احلكومة اإلحتادية‪ ،‬وهنا تبرز اخلصيصة الثانية للدولة‬
‫اإلحت��ادي��ة وميكن حتديدها على ه��ذا النحو‪ .‬أن ال��والي��ات تشارك في إدارة‬
‫الدولة اإلحتادية بالنسبة للشئون اخلاصة بهذه الدولة ‪ ،‬وتتحقق هذه املشاركة‬
‫عن طريقني‪:‬‬
‫عن طريق اإلشتراك في تكوين وعمل الهيئات العليا التى متارس سيادة‬
‫الدولة وتعبر الدساتير اإلحتادية عن هذه املشاركة باألخذ بنظام اإلزدواج في‬
‫السلطة التشريعية ‪bicameralisme‬‬

‫فينص الدستور على تكوين السلطة التشريعية من مجلسني أحدهما‬


‫ميثل الشعب في مجموعة باعتباره وح��دة‪ ،‬وه��ذا هو املجلس الشعبي وأما‬
‫املجلس اآلخ��ر ف��إن��ه ميثل ال��ول�ي��ات بصفته ه��ذه‪ ،‬وال ت�ف��رق أغ�ل��ب الدساتير‬
‫اإلحت��ادي��ة ب�ين ال��والي��ة الكثيرة ال�ع��دد وال��والي��ة القليلة ال�ع��دد م��ن حيث عدد‬
‫ممثيليها في هذا املجلس(((‪.‬‬

‫راجع في تشكيل السلطات التشريعية اإلحتادية وطريقة تكوين املجلس الشعبى ومجلس‬ ‫((( ‬
‫الواليات ‪ .‬نصوص الدساتير اإلحتادية في مجموعة بيزلى للدساتير ‪ ،‬وبصفة خاصة‬

‫‪301‬‬
‫ال جند لسبع واليات واليات صناعية‬‫ففي الواليات املتحدة األمريكية مث ً‬
‫فقط ‪ 173‬نائباً في مجلس النواب بينما أن ثمانى واليات أخرى زراعية ليس‬
‫لها في هذا املجلس إال ‪ 53‬نائباً فقط من مجموع نواب هذا املجلس وقدره‬
‫‪ ، ((( 435‬ومثل هذا التفاوت الشديد جنده في الدول اإلحتادية األخري‪.‬‬
‫وإذا اقتصر تكوين السلطة التشريعية على اعتبار نسبة عدد السكان‬
‫ترتب على ذلك أن تطغى الواليات الكثيرة العدد على الواليات قليلة العدد‪.‬‬
‫وأما متثيل الواليات في املجلس التشريعى الثانى ‪ .‬فإنه يقوم من حيث‬
‫املبدأ على أساس املساواة أي أن يكون لكل والية نفس عدد األعضاء الذي‬
‫للواليات األري بصرف النظر عن تعداد السكان في كل منها ‪ .‬وبهذا يتحقق‬
‫ال�ت��وازن بني ال��والي��ات وتسهم كل منها في تكوين إرادة ال��دول��ة ‪ .‬وم��ا دامت‬
‫الواليات ممثلة مبمثلني عنها في املجلس التشريعي فستعلن إرادتها في هذا‬
‫املجلس وتشترك بصفتها هذه في اإلرادة العليا للدولة ‪.‬‬
‫فعند وضع الدستور األمريكي في سنة ‪ 1787‬نص فيه على أن تقوم‬
‫املجالس التشريعية لكل والي��ة بتعيني ممثليها ف��ي مجلس الشيوخ ‪Senat‬‬
‫اإلحت��ادى ‪.‬وق��د استمر ه��ذا الوضع حتى سنة ‪ ،1913‬حيث ع��دل الدستور‬
‫وأصبح اختيار ممثلي الواليات في مجلس الشيوخ اإلحت��ادي يتم عن طريق‬
‫اإلقتراع العام داخ��ل الوالية “ امل��ادة ‪ ”17‬والوضع قبل سنة ‪ 1913‬وبعدها‬
‫ال يغير من طبيعة التمثيل في املجلس التشريعي اإلحتادى إذ يعد العضوان‬
‫اللذان ينويان عن الوالية ممثلني لها ‪ .‬كما يشترط أن تزود الوالية ممثليها‬

‫املواد ‪ 1‬فقرات ‪ 3 ، 2 ، 1‬واملادة ‪ ( 17‬معدلة ) من دستور الواليات املتحدة األمريكية ‪.‬‬


‫واملواد ‪ 108 ، 100 ، 95 ، 94‬من دستور ليبيا ( اإلحتادية سابقاً ) واملواد ‪، 72 ، 81‬‬
‫‪ 80 ، 73‬من دستور سويسرا ‪ ،‬واملواد ‪ 47 ، 42 ، 41‬من دستور األرجنتني ‪ ،‬واملواد ‪، 17‬‬
‫‪ 21‬ن ‪ 49 ، 44 ، 37‬من دستور كندا وتعديالته بالقانون البريطانى لشمال أمريكا سنة‬
‫‪ 1951‬واملواد ‪ 70 ، 62‬من دستور فنزويال ‪.‬‬
‫الواليات الصناعية السبع ‪ :‬ايلينوا ‪ Ilinois‬وانديانا ومتشجان ‪ Michigan‬ونيوجرسي‬ ‫((( ‬
‫‪ New Jersy‬ونيويورك ‪ New York‬واوهيو ‪ Ohio‬وبنسيلفانيا ‪ Pensylvanya‬وأما الواليات‬
‫الزراعية الثمانية فهي ‪ :‬أيو ‪ Iwo‬وكنساس ‪ Kensas‬ومينيسوتا ‪ Minesota‬ونبراسكا‬
‫‪ Nebraska‬وثورت داكوتا ‪North Dakota‬‬

‫‪302‬‬
‫في املجلس التشريعي بتعليمات محددة إذ يكفي كما قال ‪ le fur‬التعبير العام‬
‫عن اإلرادة ‪.‬‬
‫وأما الطريق الثانى ملشاركة الواليات في تكوين إرادة الدولة اإلحتادية‬
‫ف��إن�ن��ا جن��ده ف��ي ط��ري�ق��ة إج ��راء ال�ت�ع��دي�لات ع�ل��ى ال��دس �ت��ور اإلحت� ��ادى‪ .‬فهذا‬
‫الدستور يعتبر حصن الواليات إذ يقرر الشكل اإلحتادى ويحميه‪ ،‬كما يحدد‬
‫لها اختصاصاتها التى تباشرها دون تدخل من جانب احلكومة اإلحتادية ‪.‬‬
‫ول�ه��ذا ف��إن ال��دس��ات�ي��ر ت�ش��رك ال��والي��ات عند اج��راء تعديل على م��واد‬
‫الدستور‪ ،‬فال يكتفى الدستور بأن يشترط توافر أغلبية خاصة في السلطة‬
‫التشريعية اإلحت��ادي��ة كاجتماع ثلثى أو ث�لاث أرب��اع األص��وات للموافقة على‬
‫التعديل الدستوري وإمنا يشترط كذلك تصديق أغلبية خاصة من الواليات‬
‫على التعديل ال��دس�ت��وري املقترح‪ ،‬وت�ص��در ال��والي��ات موافقتها على التعديل‬
‫(((‬
‫الدستوري إما بواسطة مجالسها التشريعية أو بواسطة استفتاء مواطنيها‬

‫اخلالصة ‪...‬تتميز بأمرين ‪:‬‬


‫ً‬
‫أوال ‪ :‬اإلستقالل الذاتى للواليات‪ ،‬واختصاص احلكومة اإلحتادية بقدر‬
‫معني من الشئون يحددة الدستور اإلحت��ادى بحيث مت��ارس كل من حكومات‬
‫ال��والي��ات واحلكومة اإلحت��ادي��ة اختصاصاتها امل�ق��ررة لها في الدستور وهى‬
‫مستقلة عن بعضها ودون خضوع أحداها لألخرى‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أن الواليات تشارك في إرادة الدولة اإلحتادية ‪ ،‬وذلك عن طريق‬
‫وجود مجلس تشريعى خاص بالواليات الى جانب املجلس الذي ميثل الشعب‬
‫في مجموعة وكذا عن طريق اشتراط تصديق أغلبية خاصة من الواليات على‬
‫التعديالت الدستورية‪.‬‬

‫انظر في طريقة اجراء التعديالت الدستورية ‪ ،‬نصوص الدساتير االحتادية في مجموعة‬ ‫((( ‬
‫بيزلى للدساتير ‪ ،‬وبصفة خاصة املادة ‪ 5‬من دستور الواليات املتحدة األمريكية – واملواد‬
‫‪ 196‬و ‪ 199 – 198‬من دستور ليبيا اإلحتادية – واملادة ‪ 123‬من دستور سويسرا –‬
‫واملادة ‪ 21‬من دستور األرجنتني واملادة ‪ 217‬من دستور البرازيل – واملادة ‪ 135‬من دستور‬
‫املكسيك واملادة ‪ 14‬من دستور فنزويال واملادة ‪ 128‬من دستور استراليا‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫هذا وقد سبق أن عرضنا للقواعد األساسية للدولة االحتادية وقلنا أنها‬
‫دولة واحدة ذات سيادة وليس مجموعة من الدول احملتفظة بسيادتها وقلنا‬
‫أن هذا عنصر أساسي في متييز اإلحتاد الفيدرالى عن تعاهد الدول وتوافق‬
‫ال��دول حيث عنصر أساسي في متييز االحت��اد الدستورى عن تعاهد ال��دول‬
‫وتوافق الدول حيث حتتفظ فيهما كل دولة بسيادتها‪.‬‬
‫وب��ذل��ك نكون ق��د انتهينا م��ن العناصر األساسية ل�لإحت��اد الدستوري‬
‫(الفيدرالي) وميزناه عن احت��اد التعاهد ‪ Confédération‬ال��ذي يختلط بها‬
‫أحياناً وكذا ميزنا الدولة اإلحتادية عن الدولة املفردة ‪ unitaire‬التى تخلتط‬
‫بها أحياناً عندما تتوسع في تقرير الالمركزية ‪ ،‬وسنعرض في املبحث التالي‬
‫لإلختصاصات الرئيسية التى تباشرها احلكومة اإلحتادية‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬اختصاصات احلكومة اإلحتادية‬
‫ أوضحنا في املبحث السابق أن الدولة اإلحت��ادي��ة تقوم على أساس‬
‫ضمان استقالل ذاتى للواليات في إدارة شئونها احمللية‪ .‬وتستقبل املبعوثني‬
‫السياسني وتبرم املعاهدات وتتولى أم��ر التجارة اخلارجية واع��داد اجليش‬
‫واإلنفاق عليه وإعالن احلرب وعقد الصلح كما يعهد للحكومة العامة بالشئون‬
‫الداخلية املشتركة للواليات مثل العملة واملوازين واملكاييل والتجارة فيما بني‬
‫الواليات‪.‬‬
‫ وس�ن�ع��رض فيما ي�ل��ي الخ�ت�ص��اص�ين م��ن أه��م اخ�ت�ص��اص��ات احلكومة‬
‫االحتادية وهما ‪:‬‬
‫‪ -2‬احلرب ‪.‬‬ ‫‪ -1‬العالقة الدولية ‪ .‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬العالقات الدولية ‪:‬‬
‫ من بني األه��داف التى تستهدفها الدول من وراء اإلحتاد الدستوري‬
‫ه��دف ه��ام يتمثل ف��ي توحيد السياسة اخلارجية وتركيزها ف��ي ي��د حكومة‬
‫واح��دة متثلهم ف��ي امل�ج��ال ال��دول��ى ومت��ارس نشاطها ف��ي ك��أي حكومة لدولة‬
‫مفردة ‪.‬‬
‫ففي سويسرا تقضى امل��ادة الثامنة من الدستور بأن حلكومة اإلحتاد‬

‫‪304‬‬
‫وحدها حق عقد احملالفات وابرام املعاهدات مع الدول األجنبية ‪ ،‬كما تقضى‬
‫املادة العاشرة بأن يكون تصريف العالقات الرسمية بني الواليات واحلكومات‬
‫األجنبية عن طريق املجلس اإلحتادى ‪Conseil federal‬‬

‫ويقضى دستور الواليات املتحدة األمريكية بأن رئيس اجلمهورية هو‬


‫ال��ذي ي�ب��رم امل�ع��اه��دات م��ع ال��دول األجنبية ب�ش��رط م��واف�ق��ة مجلس الشيوخ‬
‫بأغلبية ثلثي الشيوخ احلاضرين ‪ ،‬كما أن رئيس اجلمهورية هو الذي يتولى‬
‫تعيينر السفراء والقناصل مبشورة وموافقة هذا املجلس(((‪.‬‬
‫ ورئيس اجلمهورية للواليات املتحدة األمريكية ميثل وح��دة الواليات‬
‫قبل الدول األخري‪ ،‬وقد أشارت احملكمة العليا إلى ذلك بقولها‪«:‬أن للرئيس‬
‫في النطاق الدولى سلطة دقيقة وتامة ومطلقة» (((‪.‬‬
‫ وفي األرجنتني تعهد امل��ادة ‪ 19‬من الدستور إلى احلكومة اإلحتادية‬
‫مبهمة تدعيم روابط السالم والتجارة بني الدولة وبني السلطات األجنبية‪ .‬وتعهد‬
‫املادة ‪( 83‬فقرة ‪ )14 ، 10‬من هذا الدستور لرئيس اجلمهورية مبهمة ابرام‬
‫معاهدات الصلح والتجارة واملالحة والتحالف واحلدود واحلياد‪ ،‬واالتفاقيات‬
‫مع البابا ‪ ،‬واملفاوضات األخري الالزمة للمحافظة على العالقات الطيبة مع‬
‫الدول األجنبية ‪ ،‬وكذا استقبال سفراء هذه الدول واعتماد القناصل‪ ،‬وتوجد‬
‫في دستور‪ ،‬البرازيل كذلك نصوص مشابهة (املواد‪.)7 ،6/78 ،1/66 ،1/5‬‬
‫ وقد تختلف الدساتير في مدى سلطات احلكومة اإلحتادية في املجال‬
‫الدولى ولكنها جميعها تنفق على أي الهيمنة على العالقات الدولية تكون‬
‫للحكومة اإلحتادية دون حكومات الواليات التى يشملها اإلحتاد‪.‬‬
‫املعاهدات ‪:‬‬
‫ إذا كان املبدأ أن احلكومة اإلحتادية هى نافذة الواليات إلى العالم‬
‫اخلارجي وأنها املهيمنة على العالقات الدولية ‪ ،‬فإنه توجد استثناءات على‬
‫هذا املبدأ بصدد املعاهدات ‪.‬‬

‫املادة ‪ 3 / 2‬من الدستور ‪.‬‬ ‫((( ‬


‫ديوراند ‪ ،‬باملرجع السابق ص ‪. 192‬‬ ‫(( (‬

‫‪305‬‬
‫أوالً‪ :‬معاهدات سياسية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬معاهدات غير سياسية‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬ف��أم��ا ال �ن��وع األول فتستقل ب��ه احل�ك��وم��ة اإلحت��ادي��ة ‪ ،‬وت��ذه��ب‬
‫الدساتير هذا املذهب حتى ال يختل املركز الدولى للدولة بسبب ما تعقده كل‬
‫والية من معاهدات سياسية متعارضة ‪ ،‬أو ما تنشئه من محالفات عسكرية‬
‫مع ال��دول األخ��رى إذا ما منحت حق اب��رام ه��ذه املعاهدات وم��ن أمثلة ذلك‬
‫جند أن الدستور السويسري بنص صراحة في املادة السابعة على أنه‪«:‬يحظر‬
‫ابرام حتالف خاص أو اعى معاهدت ذات طابع سياسي بني الواليات» وعهدت‬
‫املادة الثامنة من الدستور باختصاص املعاهدات مع الدول األجنبية للحكومة‬
‫اإلحت��ادي��ة وح��ده��ا ‪ ،‬كما ع�ه��دت امل ��ادة التاسعة ل�ل��والي��ات بصفة استثنائية‬
‫بحق ابرام املعاهدات احملددة على سبيل احلصر وليس من بينها املعاهدات‬
‫السياسية‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫ ويحظر دستور الواليات املتحدة األمريكية (املادة ‪ 1‬بند ‪ 10‬فقرة ‪)10‬‬
‫على الواليات الدخول في أي معاهدة أو حتالف أو تعاهد‪ ،‬ويشمل هذا اخلطر‬
‫كل معاهدة سياسية أو حتالف أو تعاهد سواء فيما بني الواليات أو بينهما‬
‫وبني الدول األجنبية‪.‬‬
‫ ول�ق��د ث��ار ه��ذا احل�ك��م ف��ي العمل ع��ام ‪ 1861‬حينما أعلنت والي��ات‬
‫اجلنوب اإلنفصال من اإلحتاد وكونت فيما بينهما احتاداً تعاهدياً ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫التعاهد طعن فيه بالبطالن ملخالفته لنص املادة األولى من الدستور‪.‬‬
‫ ولقد عنى أيضا دستور األرجنتني بأن ينص في املادة ‪ 101‬على عدم‬
‫جواز اشتراك األقاليم في معاهدات ذات طابع سياسي‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬وأما النوع الثانى من املعاهدات‪ ،‬وهى املعاهدات غير السياسية‬
‫ف��إن بعض الدساتير اإلحت��ادي��ة تخول ال��والي��ات سلطة اب��رام ه��ذه املعاهدات‬
‫فيما بينها أو مع ال��دول األجنبية‪ .‬وه��ذه السلطة ليست مجردة من كل قيد‬
‫وإمنا ترد عليها عدة قيود كضرورة موافقة احلكومة اإلحتادية وكذلك عدم‬

‫‪306‬‬
‫وجود تعارض بني هذه املعاهدات وبني الدستور أو القوانني اإلحتادية‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وم��ن أمثلة الدساتير اإلحت��ادي��ة التى عهدت للواليات بهذه السلطة‪،‬‬
‫جند‪:‬‬
‫الدستور السويسري ينص في املادة السابعة ( ومن ناحية أخري للواليات‬
‫فيما بينها حق اب��رام اتفاقيات في موضوعات التشريع واإلدارة أو القضاء‬
‫علىأن حتاط بها السلطات اإلحتادية التى لها أن متنع تنفيذها إذا كان فيها‬
‫ما يتعارض مع التعاهد أو حقوق الواليات األخري) كما تنص املادة التاسعة‬
‫من هذا الدستور على أنه استثناء حتتفظ الواليات بحق إبرام معاهدات مع‬
‫ال��دول األجنبية في موضوعات تتعلق باإلقتصاد السياسي ورواب��ط اجل��وار‬
‫والبوليس بشرط أال تتضمن هذه املعاهدات ما يتعارض مع اإلحتاد أو حقوق‬
‫الواليات األخري‪.‬‬
‫وبعد أن حرم دستورالواليات املتحدة األمريكية في املادة األولي (بند‬
‫‪ 10‬فقرة ‪ )1‬على الواليات اإلشتراك في معاهدة أو حتالف أو تعاهد سياسي‬
‫أورد في نفس امل��ادة استثناء مقتضاه السماح للوليات بإبرام اتفاق أو عقد‬
‫فيما بينها أو مع دولة أجنبية بشرط موافقة الكوجنرس‪ ،‬وينصرف مقصود‬
‫عبارتى اإلتفاق والعقد في هذه الفقرة إلى اإلتفاقيات غير السياسة‪.‬‬
‫وإذا كانت بعض الدساتير اإلحت��ادي��ة تسمح للواليات باإلشتراك في‬
‫اتفاقيات غير سياسية مع ال��دول األجنبية ف��إن ثمة دساتير احتادية حترم‬
‫ال��والي��ات من ه��ذا احل��ق كدساتير املكسية وفنزويال وال�ب��رازي��ل واألرجنتني‪.‬‬
‫فهذه الدساتير ال تخول الواليات الدخول في معاهدات مع الدول األجنبية‬
‫حتى ولو كانت معاهدات جتارية(((‪.‬‬

‫ديوراند ‪ :‬املرجع السابق ص ‪ 72‬هامش (‪ )1‬وانظر مواد الدساتير اإلحتادية في مجموعة‬ ‫((( ‬
‫بيزلي للدساتير ومنها املواد ‪ 83 ، 69 ، 68‬فقرة ‪ 101 ، 100 ، 97 ، 14 ، 10‬من دستور‬
‫األرجنتني ‪ ،‬واملواد ‪ 5‬فقرة ‪ / 18 ، 1‬ر ‪ 87 ، 1/ 66‬فقرة ‪ 7 ، 6‬من دستور البرازيل‬
‫واملواد ‪ 76‬فقرة ‪ 89 ، 2 ، 1‬فقرة ‪ 117 ، 10‬من دستور املكسيك واملواد ‪4/60 ، 117‬‬
‫‪ 3 / 81 ،‬و ‪ 18‬فقرة ‪ 4‬من دستور فنزويال ‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫تنفيذ املعاهدات(((‪:‬‬
‫وهنا تعرض مسألة غاية في األهمية ‪ ،‬وميكن أن نتناولها على هذا‬
‫النحو هل متلك احلكومة اإلحتادية تنفيذ كل املعاهدات التى تبرمها مع الدول‬
‫األجنبية ؟‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬في الواليات املتحدة األمريكية ‪:‬‬
‫وبنص دس�ت��ور ال��والي��ات املتحدة األمريكية ف��ي امل��ادة ‪ 6‬على أن هذا‬
‫الدستور وقوانني الواليات املتحدة التى ستسن وفقاً له‪ ،‬وكل املعاهدات التى‬
‫عقدت أو التى ستبرم بواسطة الواليات املتحدة ستكون القانون األعلى للبالد‪،‬‬
‫ويلتزم بها القضاة في كل والية على الرغم من مخالفتها لدستور أو قوانني‬
‫أي والية‪.‬‬
‫فاملعاهدات التى يبرمها رئيس اجلمهورية مبشورة وموافقة ثلثى أعضاء‬
‫مجلس الشيوخ تصبح القانون األعلى للبالد ويتعني تنفيذها في جميع الواليات‬
‫على الرغم من تعارضها مع دستور الوالية أو قوانينها ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫ وق��د أي��دت احملكمة العليا ه��ذا النظرفي سنة ‪ 1796‬حني قالت أن‬
‫املعاهدة ال ميكن أن تكون القانون األعلى للدولة ‪ ،‬أي لكل الواليات املتحدة إذا‬
‫كان من املمكن أن يقف في طريقها أى تشريع من السلطة التشريعية للوالية‬
‫‪ .‬وأردفت احملكمة في هذا احلكم (بأن إرادة شعب الواليات املتحدة أعلى من‬
‫دستور وقوانني أى والية ‪ ،‬وان إرادة هذا الشعب فقط هى التى متلك أن تقرر)‬
‫وعرضت احملكمة ملا ميكن أن يكون عليه احلال إذا ما أخذ بغير هذا الوضع‬
‫حني قالت‪«:‬أنه إذا لم يكن كذلك فإن إرادة جزء صغير من الواليات املتحدة‬
‫سوف تعطل وتقهر إرادة املجموع»‪.‬‬
‫ وه��ذا اإلجت��اه يغلب على أحكام احملكمة في السنوات التالية ‪ ،‬وقد‬
‫حددت معامله وحدوده في حكم تال لها في سنة ‪ ،1890‬إذ قالت ‪ ،‬أن سلطة‬

‫راجع هويبر املرجع الساق ص ‪ ، 178‬وما بعدها حيث تكلم بالتفصيل عن اشكاالت تنفيذ‬ ‫(( (‬
‫املعاهدات ‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫املعاهدات غير محدودة إال مبا يحدده الدستور على احلكومة ذاتها أو حكومات‬
‫الواليات كتغيير نوع احلكومة أو والية من الواليات أو فصل جزء من إقليم‬
‫الوالية دون موافقتها(((‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬في كندا ‪:‬‬
‫والوضع في كندا يختلف عنه في الواليت املتحدة ‪ ،‬فقد انتهت اللجنة‬
‫القضائية ملجلس البالط في سنة ‪ 1827‬استناداً إل��ى نص امل��ادة ‪ 122‬من‬
‫الدستور إل��ى أن امل�ع��اه��دات التى تبرمها كندا م��ع ال��دول األجنبية ال ميكن‬
‫وضعها موضع التنفيذ إال بواسطة املجلس التشريعي ال��ذي يختص بوضع‬
‫القوانني في املوضوعات التى تتناولها املعاهدات‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‬
‫ف��إذا اب��رم��ت احل�ك��وم��ة اإلحت��ادي��ة م�ع��اه��دة تتعلق مب��وض��وع تختص به‬
‫الواليات اختصاصات مفرزاً طبقاً للدستور فإن البرملان اإلحت��ادى ال ميلك‬
‫اصدار القوانني املنفذة للمعاهدة ‪ ،‬وإمنا الذي ميلك ذلك برملان الوالية فقط‬
‫‪ .‬ومؤدى هذا اإلجتاه أن اتفاقيات منظمة العمل الدولية التى صدقت عليها‬
‫احلكومة اإلحتادية سنة ‪ 1935‬بشأن حتديد ساعات العمل والراحة اإلسبوعية‬
‫ونظام احلد األدن��ى لألجور في املشروعات الصناعية ال ميكن تنفيذها إال‬
‫مبقتضى ق��وان�ين تصدرها املجالس التشريعية ل�ل��والي��ات إذ أن موضوعات‬
‫ه��ذه امل�ع��اه��دات تتعلق بامللكية واحل�ق��وق املدنية ‪ ،‬التى جعلها الدستور من‬
‫االختصاص املطلق للواليات وليس من سلطة البرملان اإلحتادى اصدار قوانني‬
‫منظمة لهذه املعاهدة ‪ ،‬وأن القوانني التى أصدرها في هذا الشأن سنة ‪1935‬‬
‫تعتبر باطلة(((‪.‬‬
‫ ولعل التبرير الوحيد أن قيل من أن ما يوجد من اختالفات في الدين‬
‫و اللغة واجلنس واختالف املصالح اإلقليمية والتباعد بني األقاليم مبساحات‬
‫شاسعة – هذه االختالفات تستتبع اختالف وجهات النظر في أمر العالقات‬
‫اخلارجية لإلحتاد(((‪.‬‬

‫هوبير – املرجع السابق – ص ‪. 181‬‬ ‫((( ‬


‫هوبير – املرجع السابق – ص ‪145‬‬ ‫((( ‬
‫ديوراند املرجع السابق ص ‪. 487‬‬ ‫(( (‬

‫‪309‬‬
‫اخلالصة ‪:‬‬
‫عرضاً ملشكلتى ابرام املعاهدة الدولية وتنفيذها‪ ،‬وبينما تتولى احلكومة‬
‫اإلحتادية إبرام املعاهدات وتنفيذها في دولة مثل الواليات املتحدة األمريكية‬
‫أياً كان املوضوع الذى تتناوله املعاهدة ‪ ،‬وسواء أكان هذا املوضوع من اختصاص‬
‫احلكومة االحتادية أم من االختصاص املطلق للواليات‪ ،‬فإن األمر يختلف في‬
‫دولة أخرى مثل كندا إذا ال تستطيع احلكومة اإلحتادية تنفيذ كل ما تبرمه‬
‫من معاهدات مع ال��دول األجنبية‪ ،‬وإمن��ا متلك فقط تنفيذ املعاهدات التى‬
‫تتضمن موضوعات تدخل في نطاق اختصاصاتها طبقاً للدستور‪ .‬لكل من هذه‬
‫الواليات هى وحدها املختصة بوضع القوانني املنفذة للمعاهدة‪ ،‬فإذا أحجمت‬
‫السلطة التشريعية للوالية عن اصدار هذه القوانني ملا أمكن تنفيذ اإللتزامات‬
‫التى حتملت بها احلكومة اإلحتادية في مواجهة الدول األخرى‪.‬‬
‫ لهذا فإننا نفضل اإلجتاه نحو تخويل احلكومة اإلحتادية كال من سلطة‬
‫اب��رام امل�ع��اه��دات وسلطة تنفيذها ب��اص��دار القوانني ال�لازم��ة لذلك أي��ا كان‬
‫موضوع املعاهدة ‪ ،‬وسواء أكان هذا املوضوع يدخل بحكم الدستور اإلحتادى‬
‫في االختصاص املطلق للحكومة اإلحتادية أو يدخل في االختصاص املطلق‬
‫للواليات‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬احلرب ‪:‬‬
‫أوضحنا فيما سبق أن من بني الدوافع التى حتفز الدول إلى اإلحتاد ‪،‬‬
‫دافع عام إلى توحيد قرارها املسلحة ملجابهة األخطار العسكرية التى حتدق‬
‫بها ‪ .‬وه��ذا ال��داف��ع ال�ق��وى يضفى أث��ره على ت��وزي��ع االختصاصات فيما بني‬
‫احلكومة االحتادية وحكومات الواليات ‪.‬‬
‫وتركيز سلطة احلرب في يد احلكومة اإلحتادية يتفق مع منطق اإلحتاد‬
‫الدستوري إذ يترتب على قيام ه��ذا اإلحت��اد أن تكف عن دول��ة شخصياتها‬
‫الدولية فور تكوين اإلحتاد وتصبح مجرد واليات أو أقاليم تشملها جميعاً دولة‬
‫واحدة تتولى ممارسة نشاطها في املجال الدولى وفى مواجهة الدول األخرى‬
‫باعتبارها وحدة حتجب عدة أجزاء داخلية‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫مدى هذه السلطة ‪:‬‬
‫ولسلطة احل��رب ت��أث�ي��ر ق��وى ع�ل��ى األس��س املستقر عليها ف��ي تكوين‬
‫وحكم الدولة اإلحتادية فهذه الدولة تقوم على أساس اجلمع بني اإلنضمام‬
‫الواليات في دولة واحدة وكذلك احتفاظ هذه الواليات باستقالل ذاتى معني‬
‫وحتديد نطاق تباشر فيه اختصاصاتها بصفة مطلقة دون تدخل من احلكومة‬
‫اإلحتادية‪.‬‬
‫وسنعرض لسلطة احلرب من ثالث نواحى ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬اعداد القوات املسلحة والهيمنة عليها ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اعالن احلرب‬
‫ثالثاً ‪ :‬أثر احلرب على الدولة اإلحتادية‪.‬‬
‫ تعهد الدساتير للحكومة اإلحت��ادي��ة مبهمة اع��داد ال�ق��وات املسلحة‬
‫وتنظيمها وإدارتها واالنفاق عليها‪ ،‬ومن ناحية أخرى فان هذه الدساتير حترم‬
‫على الواليات إنشاء قوات مسلحة خاصة بها(((‪.‬‬
‫ وق��د ن�ش��أت ف�ك��رة احل��رس ال��وط�ن��ى واملليشيا ف��ي ال��والي��ات املتحدة‬
‫األمريكية وانتقلت منها إلى كندا وبعض دول امريكا الالتينية ‪.‬‬
‫ وسنعرض فيما يلي للحرس الوطنى في الواليات املتحدة األمريكية ثم‬
‫نتناول الوضع اخلاص للقوات املسلحة في سويسرا‪.‬‬
‫احلرس الوطنى ‪:‬‬
‫ يوجد في الواليات األمريكية نوعان من القوات املسلحة‬
‫(أ) اجليش العامل ‪.‬‬
‫(ب) احلرس الوطنى أو املليشيا‪.‬‬
‫وأم��ا األول ف��إن��ه ت��اب��ع للحكومة اإلحت��ادي��ة ‪ ،‬فهى ال�ت��ى تتولى إن�ش��اءه‬

‫املادة ‪ 1‬فقرة ‪. 10‬‬ ‫((( ‬

‫‪311‬‬
‫وتسليحه وإدارت��ه واإلنفاق عليه‪ ،‬ورئيس اجلمهورية هو القائد األعلى لهذا‬
‫اجليش ‪.‬‬
‫وأما احلرس الوطنى فهو يتبع الواليات ويعتبر حاكم الوالية هو قائد‬
‫احلرس الوطنى في وقت السلم‪ ،‬ويختلف احلرس الوطنى عن القوات املسلحة‬
‫النظامية إذ أن دستور الواليات املتحدة يحرم على الواليات صراحة االحتفاظ‬
‫بفرق عسكرية أو سفن حربية وقت السلم (((‪ ،‬ولكنه يسمح للواليات باالحتفاظ‬
‫بحرس وطنى ويتكون احلرس الوطنى من الناحية النظرية من جميع الرجال‬
‫الذين بلغوا سن التجنيد في الوالية ‪ ،‬وأما من الناحية العملية فيتكون من‬
‫ق��وة صغيرة م��ن املتطوعني تنفق ج��ز ًء م��ن وقتها ف��ي التدريب واإلق��ام��ة في‬
‫املعسكرات في مقابل أجر عن ذلك(((‪.‬‬
‫وحتى عام ‪ 1916‬كان يطلق على احلرس الوطنى اسم املليشيا ‪ ،‬ولكن‬
‫ال�ك��وجن��رس اص��در ف��ي ذل��ك ال�ع��ام ق��ان��ون�اً بتغيير اس��م املليشيا إل��ى احل��رس‬
‫الوطنى‪.‬‬
‫س��ل��ط��ة ال����والي����ة وس��ل��ط��ة احل���ك���وم���ة اإلحت����ادي����ة ع��ل��ى احل���رس‬
‫الوطنى‪:‬‬
‫تتولى الواليات إنشاء احلرس الوطنى وتعيني الضباط ‪ ،‬كما تتولى كل‬
‫والية تدريب احلرس الوطنى اخلاص بها‪ ،‬وتستخدم الوالية احلرس الوطنى‬
‫ف��ي احملافظة على النظام ال��داخ�ل��ى ودف��ع الهجوم ال��ذي ق��د يقع عليها من‬
‫اخلارج‪.‬‬
‫فاحلكومة اإلحتادية هى التى تضع النظام اخلاص باحلرس الوطنى في‬
‫الوالية وتسن القوانني اخلاصة بترتيب وتنظيم وتسليح وتدريب وتأييد قوات‬
‫احلرس الوطنى ‪ ،‬ويقتصر دور الوالية على تنفيذ هذه القوانني (املادة ‪ 1‬بند‬
‫ال ‪ ،‬ليس لكل والية أن تسن طرق وأسس التدريب‬ ‫‪ )8‬ففيما يتعلق بالتدريب مث ً‬
‫التى تراها وإمنا هى تلتزم بالنظام الذى حتدده احلكومة اإلحتادية ويقتصر‬

‫هوبير ‪ :‬املرجع السابق هامش ص ‪. 201‬‬ ‫(( (‬


‫املادة ‪ 1‬فقرة ‪. 8‬‬ ‫((( ‬

‫‪312‬‬
‫دور الوالية على تنفيذ هذا النظام ‪.‬‬
‫وللحكومة اإلحت��ادي��ة أن تستدعى احل��رس الوطنى للوالية إل��ى خدمة‬
‫الدولة في ثالث حاالت‪:‬‬
‫لتنفيذ قوانني اإلحتاد‬
‫قمع الثورات واخلروج على السلطة القائمة ‪.‬‬
‫صد الهجمات اخلارجية ‪.‬‬
‫وه ��ذا ال�ت�ح��دي��د ف��ي دس �ت��ور ال��والي��ات امل �ت �ح��دة ( امل���ادة ‪ 1‬ب�ن��د ‪ )8‬ال‬
‫يشمل سلطة استخدام قوات احلرس الوطنى في األراض��ي األجنبية ‪ ،‬ولكن‬
‫الكوجنرس استطاع التغلب على هذه القيود والتحايل على نصوص الدستور‬
‫وذلك بتحويل قوات احلرس الوطنى إلى قوات احتادية ‪Federal troops‬‬
‫فتصبح وال فرق بينها وبني اجليش اإلحتادى وبذلك ميكن استخدامها خارج‬
‫الواليات املتحدة(((‪.‬‬
‫ومب�ج��رد اس�ت��دع��اء احل��رس ال��وط�ن��ى للخدمة االحت��ادي��ة يصبح رئيس‬
‫اجل �م �ه��وري��ة ه��و ال �ق��ائ��د ال �ع��ام ل��ه ول �ي��س ح��اك��م ال��والي��ة (امل� ��ادة ‪ 2‬ب �ن��د من‬
‫الدستور)‪.‬‬
‫غير أن التطبيق العملى لهذا النظام في الواليات املتحدة أفصح عن‬
‫خطورة في احتفاظ الوالية بقوات مسلحة‪ ،‬وذلك أن احتفاظ الوالية بقوات‬
‫خاصة بها يثير تعصب ابناء الوالية لهذه القوات ويبث في نفوس افراد هذه‬
‫القوات الوالء للوالية ‪ ،‬ويجعل املوت فى سبيلها شرقاً يسعى إليه كل جندي‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‪:‬‬
‫وقد حدث ذلك فع ً‬
‫ال في الواليات املتحدة حني ثارت والي��ات اجلنوب‬
‫وانفصلت عن اإلحتاد ورقعت راية العصيان عام ‪ 1861‬فقد وجدت في قوات‬
‫املليشيا نواة قوات مسلحة جاهزة حتت يدها فقرت من عزميتها على اإلنقصال‬
‫عن اإلحتاد واعالن املقاومة املسلحة ضد احلكومة اإلحتادية‪.‬‬

‫مونرو – املرجع السابق ص ‪.461‬‬ ‫(( (‬

‫‪313‬‬
‫وبالرغم من أن ضباط احل��رس الوطنى يعينهم حاكم ال��والي��ة إال أنه‬
‫يجب قبل تعيينهم أن يستوفوا الشروط التفصيلية التى يضعها مكتب احلرس‬
‫الوطنى التابع للحكومة اإلحتادية((( وق��د علق االس�ت��اذ بيرد ‪ Beard‬على‬
‫ذلك بقوله‪ :‬إن الرمز القدمي لإلستقالل والقوة املسلحة يتحول عن الواليات‬
‫لألمة (((‪.‬‬

‫‪ -2‬سويسرا ‪:‬‬
‫وأما في سويسرا فإنه يوجد وضع خاص للقوات املسلحة ‪ ،‬فسويسرا‬
‫في حالة حياد دائم ولكنها مع ذلك حتتفظ بقوات مسلحة حلماية حيادها‬
‫واستقاللها ‪ ،‬واألحكام اخلاصة بالقوات املسلحة في سويسرا لها وضع خاص‬
‫ال يتمشى متاماً مع القواعد العامة التى أسلفنا بيانها والتى من مقتضاها‬
‫اختصاص احلكومة اإلحتادية وحدها بإنشاء القوات وإدارتها وقيادتها‬

‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬


‫فالدستور السويسري يحرم على حكومة اإلحتاد اإلحتفاظ بجيش دائم‬
‫(املادة ‪ )13‬وليس معنى هذا أنه ال يوجد جيش في سويسرا‪ ،‬أو أن لكل والية‬
‫أن تنشئ جيشاً خاصاً بها‪ ،‬وإمنا يوزع الدستور اإلختصاصات بشأن القوات‬
‫املسلحة فيما بني احلكومة اإلحت��ادي��ة وحكومات ال��والي��ات‪ .‬فالدستور يعهد‬
‫للحكومة اإلحتادية بسلطة وضع القواعد املنظمة للقوات املسلحة ‪ ،‬وحتديد‬
‫األسلحة وم��واد احل��رب ‪ ،‬وك��ذا قيادة اجليش (امل��واد ‪ )85 ،20 ،19‬وعموماً‬
‫فإن احلكومة اإلحتادية هى التى تصدر التعليمات العسكرية وتنسيق وتنظيم‬
‫القوات املسلحة ‪ .‬ولكن تنفيذ هذه النظم وكذا جتنيد افراد اجليش وتعيني‬
‫وترقية الضباط واالحتفاظ باجليش وصيانته وتزويده باألسلحة واملهمات‬
‫احلربية ن كل ه��ذا تقوم به ال��والي��ات وال يحد من نشاطها إال القيود التى‬
‫تضمها احلكومة اإلحت��ادي��ة‪ ،‬وأم��ا النفقات ال�ت��ى تتكبدها ال��والي��ة ف��ي هذه‬
‫األعراض فإنها ترد إليها ثانية من احلكومة اإلحتادية ‪.‬‬

‫ (((‬ ‫‪National guard bureau‬‬


‫هوير املرجع السابق ص ‪.206‬‬ ‫(( (‬

‫‪314‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اعالن احلرب ‪:‬‬
‫وإذا كانت احلكومة اإلحتادية هى املختصة باعداد اجليش وقيادته كما‬
‫سلف البيان‪ ،‬فمن الطبيعى أيضا أن تختص وحدها بسلطة اع�لان احلرب‬
‫وعقد الصلح وهذا ما نهجت عليه الدساتير االحتادية ‪.‬‬
‫ويحظر على ال��والي��ات اع�لان أو ش��ن احل��رب فيما بينها وإذا نشبت‬
‫فيما بينها اعتداءات مسلحة فإنها ال تعد حرباً دولية وإمنا هى حرب مدنية‬
‫وعصيان ومت��رد يكون للحكومة اإلحتادية أن تخمده وتعاقب عليه((( عنصر‬
‫أساسي في متييز اإلحت��اد الدستورى عن تعاهد ال��دول وتوافق ال��دول حيث‬
‫حتتفظ فيهما كل دولة بسيادتها ‪.‬‬
‫وب��ذل��ك نكون ق��د انتهينا م��ن العناصر األساسية ل�لإحت��اد الدستوري‬
‫(الفيدرالي) وميزناه عن احتاد التعاهد ‪ confederation‬الذي يختلط بها‬
‫أحياناً ‪ ،‬وكذا ميزنا الدولة اإلحتادية عن الدولة املفردة ‪ unitaire‬التى تختلط‬
‫بها أحياناً عندما تتوسع في تقرير الالمركزية ‪ .‬وسنعرض في املبحث الثانى‬
‫لإلختصاصات الرئيسية التى تباشرها احلكومة اإلحتادية‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬اختصاصات احلكومة اإلحتادية‬
‫أوضحنا ف��ي املبحث السابق أن ال��دول��ة اإلحت��ادي��ة ت�ق��وم على أس��اس‬
‫ضمان استقالل ذات��ى للواليات في إدارة شئونها احمللية ‪ ،‬فترسل وتستقبل‬
‫املبعوثني السياسيني وتبرم املعاهدات وتتولى أمر التجارة اخلارجية واعداد‬
‫اجليش واألنفاق عليه واعالن احلرب وعقد الصلح كما يعهد للحكومة العامة‬
‫بالشئون الداخلية املشتركة للواليات مثل العملة واملوازين واملكاييل والتجارة‬
‫فيما بني الواليات‪.‬‬
‫وس �ن �ع��رض ف�ي�م��ا ي�ل��ي إلخ�ت�ص��اص�ين م��ن أه��م اخ �ت �ص��اص��ات احل�ك��وم��ة‬
‫اإلحتادية‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬العالقات الدولية ‪:‬‬

‫املواد ‪ 1‬فقرة ‪ 8‬وفقرة ‪ ، 15‬واملادة ‪ 69 ، 36‬من دستور ليبيا اإلحتادية واملادة ‪، 15 ، 8‬‬ ‫((( ‬
‫‪ 16‬من دستور سويسرا ‪ ،‬واملادة ‪68‬‬

‫‪315‬‬
‫من بني األه��داف التى تستهدفها ال��دول من وراء اإلحت��اد الدستوري‬
‫ه��دف ه��ام يتمثل ف��ي توحيد السياسة اخلارجية وتركيزها ف��ي ي��د حكومة‬
‫واح��دة متثلهم في املجال ال��دول��ى ومت��ارس نشاطها فيه ك��أي حكومة لدولة‬
‫مفردة ‪.‬‬
‫ففي سويسرا تقضي امل��ادة الثامنة من الدستور بأن حلكومة اإلحتاد‬
‫وحدها حق عقد احملالفات وابرام املعاهدات مع الدول األجنبية ‪ ،‬كما تقضى‬
‫املادة العاشرة بأن يكون تصرف العالقات الرسمية بني الواليات واحلكومات‬
‫األجنبية عن طريق املجلس اإلحتادى ‪Conseil federal‬‬

‫ويقضي دستور الواليات املتحدة األمريكية بأن رئيس اجلمهورية هو‬


‫ال��ذي ي�ب��رم امل�ع��اه��دات م��ع ال��دول االجنبية ب�ش��رط م��واف�ق��ة مجلس الشيوخ‬
‫بأغلبية ثلثي الشيوخ احلاضرين ‪ ،‬كما أن رئيس اجلمهورية هو الذي يتولى‬
‫تعيني السفراء والقناصل مبشورة وموافقة هذا املجلس (((‪.‬‬
‫ورئيس اجلمهورية للواليات املتحدة األمريكية ميثل وحدة الواليات قبل‬
‫الدول األخري ‪ ،‬وقد أشارت احملكمة العليا إلى ذلك بقولها‪«:‬أن للرئيس في‬
‫النطاق الدولى سلطة دقيقة وتامة ومطلقة»(((‪.‬‬
‫وفي األرجنتني تعهد املادة ‪ 19‬من الدستور إلى احلكومة اإلحتادية مبهمة‬
‫تدعيم رواب��ط السالم والتجارة بني ال��دول وبني السلطات األجنبية ‪ .‬وتعهد‬
‫املادة ‪ ( 83‬فقرة ‪ )14 ، 10‬من هذا الدستور لرئيس اجلمهورية مبهمة ابرام‬
‫معاهدات الصلح والتجارة واملالحة والتحالف واحلدود واحلياد ‪ ،‬واإلتفاقيات‬
‫مع البابا ‪ ،‬واملفاوضات األخرى الالزمة للمحافظة على العالقات الطيبة مع‬
‫الدول األجنبية ‪ ،‬وكذا استقبال سفراء هذه الدول واعتماد القناصل‪ ،‬وتوجد‬
‫في دستور البرازيل كذلك نصوص مشابهة (املواد ‪1/66 ،1/5‬و‪6/78‬و‪. )7‬‬
‫وقد تختلف الدساتير في مدى سلطات احلكومة اإلحتادية في املجال‬
‫ال��دول��ى ولكنها جميعاً تنفق على أى الهيمنة على العالقات الدولية تكون‬
‫للحكومة اإلحتادية دون حكومات الواليات التى يشملها اإلحتاد‪.‬‬

‫املادة ‪ 3 / 2‬من الدستور ‪.‬‬ ‫((( ‬


‫ديوراند باملرجع السابق ص ‪.192‬‬ ‫(( (‬

‫‪316‬‬
‫املعاهدات ‪:‬‬
‫وإذا كان املبدأ أن احلكومة اإلحتادية هى نافذة الواليات إلى العالم‬
‫اخلارجى وأنها املهيمنة على العالقات الدولية ‪ ،‬فإن توجد استثناءات على‬
‫هذا املبدأ بصدد املعاهدات ‪ ،‬وهنا ينبغى أن نفرق بني نوعني من املعاهدات‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬معاهدات سياسية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬معاهدات غير سياسية‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬ف��أم��ا ال �ن��وع األول فتستقل ب��ه احل�ك��وم��ة اإلحت��ادي��ة ‪ ،‬وت��ذه��ب‬
‫الدساتير هذا املذهب حتى ال يختل املركز الدولى للدولة بسبب ما تعقده كل‬
‫والية من معاهدات سياسية متعارضة ‪ ،‬أو ما تنشئه من محالفات عسكرية‬
‫مع ال��دول األخ��ري إذا ما منحت حق اب��رام ه��ذه املعاهدات وم��ن أمثلة ذلك‬
‫جند أن الدستور السويسري ينص صراحة في املادة السابعة على أنه‪«:‬يحظر‬
‫إبرام حتالف خاص أو أي معاهدات ذات طابع سياسي بني الواليات»‪ .‬وعهدت‬
‫املادة الثامنة من الدستور باختصاص املعاهدات مع الدول األجنبية للحكومة‬
‫اإلحت��ادي��ة وح��ده��ا ‪ ،‬كما ع�ه��دت امل ��ادة التاسعة ل�ل��والي��ات بصفة استثنائية‬
‫بحق ابرام املعاهدات احملددة على سبيل احلصر وليس من بينها املعاهدات‬
‫السياسية‪.‬‬
‫النموج التطبيقي ‪:‬‬
‫ويحظر دستور الواليات املتحدة األمريكية (املادة ‪ 1‬بند ‪ 10‬فقرة ‪)10‬‬
‫على ال��والي��ات ال��دخ��ول ف��ي أي معاهدة أو حتالف أو تعاهد ‪ ،‬ويشمل هذا‬
‫اخلطر كل معاهدة سياسية أو حتالف أو تعاهد سواء فيما بني الواليات أو‬
‫بينهما وبني الدول األجنبية‪.‬‬
‫ولقد ثار هذا احلكم في العمل عام ‪ 1861‬حينما أعلنت واليات اجلنوب‬
‫اإلنفصال من اإلحتاد وكونت فيما بينهما احتاداً تعاهدياً ‪ ،‬ولكن هذا التعاهد‬
‫طعن فيه طعن فيه بالبطالن ملخالفته لنص املادة األولى من الدستور‪.‬‬
‫ولقد عنى أيضا دستور األرجنتني بأن ينص في املادة ‪ 101‬على عدم‬
‫جواز اشتراك األقاليم في معاهدات ذات طابع سياسي‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬وأما النوع الثانى من املعاهدات ‪ ،‬وهى املعاهدات غير السياسية‬
‫ف��إن بعض الدساتير اإلحت��ادي��ة تخول ال��والي��ات سلطة اب��رام ه��ذه املعاهدات‬
‫فيما بينها أو مع الدول األجنبية ‪ .‬وهذه السلطة ليست مجردة من كل قيد‬
‫وإمنا ترد عليها عدة قيود كضرورة موافقة احلكومة اإلحتادية وكذلك عدم‬
‫وجود تعارض بني هذه املعاهدات وبني الدستور أو القوانني اإلحتادية ‪.‬‬

‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬


‫وم��ن أمثلة الدساتير اإلحت��ادي��ة التى عهدت للواليات بهذه السلطة ‪،‬‬
‫جند ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدستور السويسري ينص في امل��ادة السابعة (وم��ن ناحية أخرى‪،‬‬
‫للواليات فيما بينها حق إبرام اتفاقيات في موضوعات التشريع واإلدارة أو‬
‫القضاء على أن حتاط بها السلطات اإلحتادية التى لها أن متنع تنفيذها إذا‬
‫ك��ان فيها ما يتعارض مع التعاهد أو حقوق ال��والي��ات األخري” ‪ .‬كما تنص‬
‫املادة التاسعة من هذا الدستور على أنه استثناء حتتفظ الواليات بحق إبرام‬
‫م�ع��اه��دات م��ع ال��دول األجنبية ف��ي م��وض��وع��ات تتعلق ب��اإلق�ت�ص��اد السياسي‬
‫وروابط اجلوار والبوليس بشرط أال تتضمن هذه املعاهدات ما يتعارض مع‬
‫اإلحتاد أو حقوق الواليات األخري‪.‬‬
‫‪ -2‬وبعد أن حرم دستور الواليات املتحدة األمريكية في املادة األولى (بند‬
‫‪ 10‬فقرة ‪ ) 1‬على الواليات اإلشتراك في معاهدة أو حتالف أو تعاهد سياسي‬
‫أورد في نفس املادة استثناء مقتضاه السماح للواليات بإبرام اتفاق أو عقد‬
‫فيما بينها أو مع دولة أجنبية بشرط موافقة الكوجنرس ‪ .‬وينصرف مقصود‬
‫عبارتى اإلتفاق والعقد في هذه الفقرة إلى اإلتفاقيات غير السياسية‪.‬‬
‫وإذا كانت بعض الدساتير اإلحت��ادي��ة تسمح للواليات باإلشتراك في‬
‫اتفاقيات غير سياسية مع ال��دول األجنبية ف��إن ثمة دساتير احتادية حترم‬
‫ال��والي��ات من ه��ذا احل��ق كدساتير املكسية وفنزويال وال�ب��رازي��ل واألرجنتني‪.‬‬
‫فهذه الدساتير ال تخول الواليات الدخول في معاهدات مع الدول األجنبية‬

‫‪318‬‬
‫حتى ولو كانت معاهدات جتارية(((‪.‬‬
‫(((‬
‫تنفيذ املعاهدات‬
‫وهنا تعرض مسألة غاية في األهمية ‪ ،‬وميكن أن نتناولها على هذا‬
‫النحو هل متلك احلكومة اإلحتادية تنفيذ كل املعاهدات التى تبرمها مع الدول‬
‫األجنبية‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬في الواليات املتحدة األمريكية ‪:‬‬
‫وينص دس�ت��ور ال��والي��ات املتحدة األمريكية ف��ي امل��ادة ‪ 6‬على أن هذا‬
‫الدستور وقوانني الواليات املتحدة التى ستسن وفقاً له ‪ ،‬وكل املعاهدات التى‬
‫عقدت أو التى ستبرم بواسطة الواليات املتحدة ستكون القانون األعلى للبالد‬
‫ويلتزم بها القضاة في كل والية على الرغم من مخالفتها لدستور أو قوانني‬
‫أي والية ‪.‬‬
‫فاملعاهدات التى يبرمها رئيس اجلمهورية مبشورة وموافقة ثلثي أعضاء‬
‫مجلس الشيوخ تصبح القانون األعلى للبالد ويتعني تنفيذها في جميع الواليات‬
‫على الرغم من تعارضها مع دستور الوالية أو قوانينها ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وق��د أي��دت احملكمة العليا ه��ذا النظر ف��ي سنة ‪ 1796‬ح�ين قالت أن‬
‫املعاهدة ال ميكن أن تكون القانون األعلى للدولة ‪ ،‬أى لكل الواليات املتحدة إذا‬
‫كان من املمكن أن يقف في طريقها أى تشريع من السلطة التشريعية للوالية‬
‫‪ ..‬وأردفت احملكمة في هذا احلكم “ بأن إرادة شعب الواليات املتحدة املعلنة‬

‫ديوراند ‪ :‬املرجع السابق ص ‪ 72‬هامش (‪ )1‬وانظر مواد الدساتير اإلحتادية في مجموعة‬ ‫((( ‬
‫بيزلى للدساتير ومنها املواد ‪ 83 ، 69 ، 68‬فقرة ‪ 101 ، 100 ، 97 ، 14 ، 10‬من دستور‬
‫األرجنتني ‪ ،‬واملواد ‪ 5‬فقرة ‪/ 18 ، 1‬ر ‪ 87 ، 1 / 66‬فقرة ‪ 7 ،‬من دستور البرازيل واملواد‬
‫‪ 76‬فقرة ‪ 89 ، 2 ، 1‬فقرة ‪ 117 ، 10‬من دستور املكسيك واملواد ‪81 ، 4 / 60 ، 117‬‬
‫‪ 3 /‬و ‪ 18‬فقرة ‪ ، 4‬من دستور فنزويال‪.‬‬
‫راجع هيبر املرجع السابق ص ‪ 178‬وما بعدها حيث تكلم بالتفصيل عن اشكاالت تنفيذ‬ ‫(( (‬
‫املعاهدات ‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫هى التى ق��ررت أن تكون كل معاهدة تبرمها سلطة ال��والي��ات املتحدة أعلى‬
‫من دستور وقوانني أى والية ‪ ،‬وأن إرادة هذا الشعب فقط هى التى متلك أن‬
‫تقرر” وعرضت احملكمة ملا ميكن أن يكون عليه احلال إذا ما أخذ بغير هذا‬
‫الوضع حني قالت ‪«:‬أنه إذا لم يكن كذلك فإن إرادة جزء صغير من الواليات‬
‫املتحدة سوف تعطل وتقهر إرادة املجموعة»‪.‬‬
‫وهذا اإلجتاه يغلب على أحكام احملكمة في السنوات التالية ‪ ،‬وقد حددت‬
‫معامله وحدود في حكم تال لها في سنة ‪ ،1890‬إذ قالت ‪ ،‬أن سلطة املعاهدات‬
‫غير محدودة إال مبا يحدده الدستور على احلكومة ذاتها أو حكومات الواليات‬
‫كتغيير نوع احلكومة أو والية من الواليات أو فصل جزء من إقليم الوالية دون‬
‫موافقتها ( (( ‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬في كندا‬
‫والوضع في كندا يختلف عنه في الواليات املتحدة ‪ ،‬فقد انتهت اللجنة‬
‫القضائية ملجلس البالط في سنة ‪ 1827‬استناداً إل��ى نص امل��ادة ‪ 122‬من‬
‫الدستور إل��ى أن امل�ع��اه��دات التى تبرمها كندا م��ع ال��دول األجنبية ال ميكن‬
‫وضعها موضع التنفيذ إال بواسطة املجلس التشريعيى ال��ذي يختص بوضع‬
‫القوانني في املوضوعات التى تتناولها املعاهدات ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫ف��إذا أب��رم��ت احل�ك��وم��ة اإلحت��ادي��ة م�ع��اه��دة تتعلق مب��وض��وع تختص به‬
‫الواليات اختصاصات مفرزاً طبقاً للدستور فإن البرملان اإلحت��ادى ال ميلك‬
‫اصدار القوانني املنفذة للمعاهدة ‪ ،‬وإمنا الذي ميلك ذلك برملان الوالية فقط‪،‬‬
‫وم��ؤدى هذا اإلجت��اه أن اتفاقيات منظمة العمل الدولية التى صدقت عليها‬
‫احلكومة اإلحتادية سنة ‪1935‬بشأن حتديد ساعات العمل والراحة األسبوعية‬
‫ون �ظ��ام احل��د األدن ��ى ل�لأج��ور ف��ي امل �ش��روع��ات الصناعية ال مي�ك��ن تنفيذها‬
‫إالمبقتضى قوانني تصدرها املجالس التشريعية للواليات إذا أن موضوعات‬
‫ه��ذه امل�ع��اه��دات تتعلق بامللكية واحل�ق��وق املدنية ‪ ،‬التى جعلها الدستور من‬

‫هويبر – املرجع السابق – ص ‪.181‬‬ ‫((( ‬

‫‪320‬‬
‫االختصاص املطلق للواليات وليس من سلطة البرملان اإلحتادى اصدار قوانني‬
‫منظمة لهذه املعاهدة ‪ ،‬وأن القوانني التى أصدرها في هذا الشأن سنة ‪1935‬‬
‫تعتبر باطلة(((‪.‬‬
‫ول�ع��ل التبرير الوحيد أن قيل أن م��ا ي��وج��د م��ن اخ�ت�لاف��ات ف��ي الدين‬
‫واللغة واجلنس واختالف املصالح اإلقليمية والتباعد بني األقاليم مبساحات‬
‫شاسعة – هذه اإلختالفات تستتبع اختالف وجهات النظر في أمر العالقات‬
‫اخلارجية لإلحتاد(((‪.‬‬
‫اخلالصة ‪..‬‬
‫عرضا ملشكلتى ابرام املعاهدة الدولية وتنفيذها ‪ ،‬وبينما تتولى احلكومة‬
‫اإلحتادية ابرام املعاهدات وتنفيذها في دولة مثل الواليات املتحدة األمريكية‬
‫أياً كان املوضوع الذي تنتاولة املعاهدة ‪ ،‬وسواء أكان هذا املوضوع من اختصاص‬
‫احلكومة اإلحتادية أم من االختصاص املطلق للواليات‪ ،‬فإن األمر يختلف في‬
‫دولة أخري مثل كندا إذا ال تستطيع احلكومة اإلحتادية تنفيذ كل ما تبرمه‬
‫من معاهدات مع ال��دول األجنبية‪ ،‬وإمن��ا متلك فقط تنفيذ املعاهدات التى‬
‫تتضمن موضوعات تدخل في نطاق اختصاصاتها طبقاً للدستور لكل من هذه‬
‫الواليات هى وحدها املختصة بوضع القوانني املنفذة للمعاهدة ‪ ،‬فإذا أحجمت‬
‫السلطة التشريعية للوالية عن اصدار هذه القوانني ملا أمكن تنفيذ اإللتزامات‬
‫التى حتملت بها احلكومة اإلحتادية في مواجهة الدول األخرى‪.‬‬
‫لهذا فإننا نفضل اإلجتاه نحو تخويل احلكومة اإلحتادية كال من سلطة‬
‫اب��رام امل�ع��اه��دات وسلطة تنفيذها ب��اص��دار القوانني ال�لازم��ة لذلك أي �اً كان‬
‫موضوع املعاهدة‪ ،‬وسواء أكان هذا املوضوع يدخل بحكم الدستور اإلحتادى‬
‫في االختصاص املطلق للحكومة اإلحتادية أو يدخل في االختصاص املطلق‬
‫للواليات‪.‬‬

‫هربير املرجع السابق ص ‪.145‬‬ ‫((( ‬


‫ديوراند املرجع السابق ص ‪.487‬‬ ‫(( (‬

‫‪321‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬احلرب ‪:‬‬
‫أوضحنا فيما سبق أن من بني الدوافع التى حتفز الدول إلى اإلحتاد‪،‬‬
‫دافع عام إلى توحيد قراها املسلحة ملجابهة األخطار العسكرية التى حتدق‬
‫ب�ه��ا‪ .‬وه��ذا ال��داف��ع ال�ق��وى يضفى أث��ره على ت��وزي��ع االخ�ت�ص��اص��ات فيما بني‬
‫احلكومة اإلحتادية وحكومات الواليات‪.‬‬
‫وتركيز سلطة احلرب في يد احلكومة اإلحتادية يتفق مع منطق اإلحتاد‬
‫الدستوري إذ يترتب على قيام هذا اإلحتاد أن تكلف عن الدولة شخصياتها‬
‫الدولية فور تكوين اإلحتاد وتصبح مجرد واليات أو أقاليم تشملها جميعاً دولة‬
‫واحدة تتولى ممارسة نشاطها في املجال الدولى وفى مواجهة الدول األخرى‬
‫باعتبارها وحدة حتجب عدة أجزاء داخلية‪.‬‬
‫مدى هذه السلطة ‪:‬‬
‫ولسلطة احلرب تأثير قوى على األسس املستقر عليها في تكوين وحكم‬
‫الدول اإلحتادية فهذه الدولة تقوم على أساس اجلمع بني انضمام الواليات في‬
‫دولة واحدة وكذلك احتفاظ هذه الواليات باستقالل ذاتى معني وحتديد نطاق‬
‫تباشر فيه اختصاصاتها بصفة مطلقة دون تدخل من احلكومة اإلحتادية‬
‫وسنعرض لسلطة احلرب من ثالث نواح‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬اعداد القوات املسلحة والهيمنة عليها‬
‫ثانياً‪ :‬اعالن احلرب‬
‫ثالثاً ‪ :‬أثر احلرب على الدولة اإلحتادية ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬اعداد القوات املسلحة والهيمنة عليها‬
‫تعهد ال��دس��ات�ي��ر للحكومة اإلحت��ادي��ة مبهمة اع ��داد ال �ق��وات املسلحة‬
‫وتنظيمها وإدارتها واالنفاق عليها ومن ناحية أخري فإن هذه الدساتير حترم‬
‫على الواليات إنشاء قوات مسلحة خاصة بها(((‪.‬‬

‫املادة ‪ 1‬فقرة ‪. 10‬‬ ‫((( ‬

‫‪322‬‬
‫وقد نشأت فكرة احلرس الوطنى واملليشيا في الواليات املتحدة األمريكية‬
‫وانتقلت منها إلى كندا وبعض دول أمريكا الالتينية ‪.‬‬
‫وسنعرض فيما يلى للحرس الوطنى في الواليات املتحدة األمريكية ثم‬
‫نتناول الوضع اخلاص للقوات املسلحة في سويسرا‪.‬‬
‫احلرس الوطنى ‪:‬‬
‫يوجد في الواليات املتحدة األمريكية نوعان من القوات املسلحة‬
‫(أ) اجليش العامل‪.‬‬
‫(ب) احلرس الوطنى أو املليشيا‬
‫وأم��ا األول ف��إن��ه ت��اب��ع للحكومة اإلحت��ادي��ة ‪ ،‬فهى ال�ت��ى تتولى إن�ش��اءه‬
‫وتسليخه وإدارت��ه واإلنفاق عليه‪ .‬ورئيس اجلمهورية هو القائد األعلى لهذا‬
‫اجليش ‪.‬‬
‫وأما احلرس الوطنى فهو يتبع الواليات ويعتبر حاكم الوالية هو قائد‬
‫احلرس الوطنى في وقت السلم‪ ،‬ويختلف احلرس الوطنى عن القوات املسلحة‬
‫النظامية إذ أن دستور الواليات املتحدة يحرم على الواليات صراحة االحتفاظ‬
‫بحرس وطنى ويتكون احلرس الوطنى من الناحية النظرية من جميع الرجال‬
‫الذين بلغوا سن التجنيد في ال��والي��ة‪ ،‬وأم��ا من الناحية العملية فيتكون من‬
‫ق��وة صغيرة من املتطوعني تنفق ج��زءا من وقتها من التدريب واإلق��ام��ة في‬
‫املعسكرات في مقابل اجر عن ذلك(((‪.‬‬
‫وحتى عام ‪ 1916‬كان يطلق على احلرس الوطنى اسم املليشيا‪ ،‬ولكن‬
‫ال�ك��وجن��رس اص��در ف��ي ذل��ك ال�ع��ام ق��ان��ون بتغيير اس��م املليشيا إل��ى احل��رس‬
‫الوطنى‪.‬‬

‫هويبر ‪ :‬املرجع السابق هامش ص ‪201‬‬ ‫(( (‬

‫‪323‬‬
‫س��ل��ط��ة ال����والي����ة وس��ل��ط��ة احل���ك���وم���ة اإلحت����ادي����ة ع��ل��ى احل���رس‬
‫الوطنى‪:‬‬
‫تتولى الواليات إنشاء احلرس الوطنى وتعيني الضباط ‪ ،‬كما تتولى كل‬
‫والية تدريب احلرس الوطنى اخلاص بها((( وتستخدم الوالية احلرس الوطنى‬
‫ف��ي احملافظة على النظام ال��داخ�ل��ى ودف��ع الهجوم ال��ذي ق��د يقع عليها من‬
‫اخلارج‪.‬‬
‫فاحلكومة اإلحتادية هى التى تضع النظام اخلاص باحلرس الوطنى في‬
‫الوالية وتسن القوانني اخلاصة بترتيب وتنظيم وتسليح وتدريب وتأييد قوات‬
‫احلرس الوطنى ‪ ،‬ويقتصر دور الوالية على تنفيذ هذه القوانني (املادة ‪ 1‬بند‬
‫ال ليس لكل والية أن تسن طرق وأسس التدريب‬ ‫‪ )8‬ففيما يتعلق بالتدريب مث ً‬
‫التى تراها وإمنا هى تلتزم بالنظام الذي حتدده احلكومة اإلحتادية ويقتصر‬
‫دور الوالية على تنفيذ هذا النظام‪.‬‬
‫وللحكومة اإلحت��ادي��ة أن تستدعى احل��رس الوطنى للوالية إل��ى خدمة‬
‫الدولة في ثالث حاالت‬
‫‪ -‬لتنفيذ قوانني اإلحتاد‬
‫‪ -‬قمع الثورات واخلروج على السلطة القائمة ‪.‬‬
‫‪ -‬صد الهجمات اخلارجية‬
‫وهذا التحديد في دستور الواليات املتحدة (امل��ادة ‪ 1‬بند ‪ )8‬ال يشمل‬
‫سلطة استخدام قوات احلرس الوطنى في األراضى األجنبية ‪ ،‬ولكن الكوجنرس‬
‫استطاع التغلب على هذه القيود والتحايل على نصوص الدستور وذلك بتحويل‬
‫قوات احلرس الوطنى إلى قوات احتادية ‪ Federal troops‬فتصبح وال فرق‬
‫بينها وبني اجليش اإلحتادي وبذلك ميكن استخدامها خارج الواليات املتحدة(((‪.‬‬
‫ومبجرد استدعاء احلرس الوطنى للخدمة اإلحتادية يصبح رئيس اجلمهورية‬
‫هو القائد العام له وليس حاكم الوالية (املادة ‪ 2‬بند ‪ 2‬من الدستور)‪.‬‬

‫املادة‪ 1‬فقرة ‪. 8‬‬ ‫(( (‬


‫موترو – املرجع السابق ص ‪461‬‬ ‫(( (‬

‫‪324‬‬
‫غير أن التطبيق العملى لهذا النظام في الواليات املتحدة أفصح عن‬
‫خطورة في احتفاظ الوالية بقوات مسلحة‪ ،‬وذلك أن احتفاظ الوالية بقوات‬
‫خاصة بها يثير تعصب ابناء الوالية لهذه القوات ويبث في نفوس افراد هذه‬
‫القوات الوالء للوالية ويجعل املوت في سبيلها شرفاً يسعى إليه كل جندي ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وقد حدث ذلك فع ً‬
‫ال في الواليات املتحدة حني ثارت والي��ات اجلنوب‬
‫وانفصلت عن اإلحتاد ورفعت راية العصيان عام ‪ 1861‬فقد وجدت في قوات‬
‫املليشيا نواة قوات مسلحة جاهزة حتت يدها فقوت من عزميتها على اإلنفصال‬
‫عن اإلحتاد واعالن املقاومة املسلحة ضد احلكومة اإلحتادية ‪.‬‬
‫وبالرغم من ضباط احلرس الوطنى يعينهم حاكم الوالية إال أنه يجب‬
‫قبل تعيينهم أن يستوفوا ال�ش��روط التفصيلية التى يضعها مكتب احلرس‬
‫الوطنى التابع للحكومة اإلحتادية(((‪ ،‬وق��د علق االس�ت��اذ بيرد ‪ Beard‬على‬
‫ذلك بقوله‪ :‬إن الرمز القدمي لإلستقالل والقوة املسلحة يتحول عن الواليات‬
‫لألمة( ((()‪.‬‬
‫سويسرا ‪:‬‬
‫وأما في سويسرا فإنه يوجد وضع خاص للقوات املسلحة ‪ ،‬فسويسرا‬
‫في حالة حياد دائم ولكنها مع ذلك حتتفظ بقوات مسلحة حلماية حيادها‬
‫واستقاللها‪ ،‬واألحكام اخلاصة بالقوات املسلحة في سويسرا لها وضع خاص‬
‫ال يتمشى متاماً مع القواعد العامة التى أسلفنا بيانها والتى من مقتضاها‬
‫اختصاص احلكومة اإلحتادية وحدها بإنشاء القوات وإدارتها وقيادتها‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫فالدستور السويسري يحرم على حكومة اإلحتاد اإلحتفاظ بجيش دائم‬
‫(امل ��ادة ‪ )13‬ول�ي��س معنى ه��ذا أن��ه ال ي��وج��د جيش ف��ي س��وي�س��را‪ ،‬أو أن لكل‬

‫ (((‬ ‫‪National guard bureau‬‬


‫هوير املرجع السابق ص ‪.206‬‬ ‫(( (‬

‫‪325‬‬
‫والي��ة أن تنشئ جيشاً خاصاً به ‪ ،‬وإمن��ا ي��وزع الدستور اإلختصاصات بشأن‬
‫القوات املسلحة فيما بني احلكومة اإلحتادية وحكومات الواليات ‪ .‬فالدستور‬
‫يعهد للحكومة اإلحتادية هى التى تصدر التعليمات العسكرية وتنسيق وتنظيم‬
‫القوات املسلحة ولكن تنفيذ ه��ذه النظم وك��ذا جتنيد اف��راد اجليش وتعيني‬
‫وترقية الضبط واالحتفاظ باجليش وصيانته وت��زوي��ده باألسلحة واملهمات‬
‫احلربية‪ ،‬كل هذا تقوم به الواليات وال يحد من نشاطها إال القيود التى تضمها‬
‫احلكومة اإلحت��ادي��ة‪ .‬وأم��ا النفقات التى تتكبدها الوالية في هذه األغ��راض‬
‫فإنها ترد إليها ثانية من احلكومة اإلحتادية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اعالن احلرب ‪:‬‬
‫وإذا كانت احلكومة اإلحتادية هى املختصة باعداد اجليش وقيادته كما‬
‫سلف البيان ‪ ،‬فمن الطبيعى أيضا أن تختص وحدها بسلطة اعالن احلرب‬
‫وعقد الصلح وهذا ما نهجت عليه الدساتير اإلحتادية ويحظر على الواليات‬
‫إع�لان أو شن احل��رب فيما بينها وإذا نشبت فيما بينها اع�ت��داءات مسلحة‬
‫فإنها ال تعد حرباً دولية وإمنا هى حرب مدنية وعصيان ومترد يكون للحكومة‬
‫اإلحتادية أن تخدمده وتعاقب عليه(((‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬أثر احلرب على الدولة اإلحتادية ‪:‬‬
‫ال تقتصر احلرب على مجرد التحام اجليوش وتصارعها ‪ ،‬وإمنا تتطلب‬
‫السيطرة على جميع نواحى احلياة اإلقتصادية واالجتماعية وتوجيهها خلدمة‬
‫احلرب وإحراز النصر على الدولة املعادية ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫ففى الواليات املتحدة األمريكية صدر خالل احلرب العاملية األولى عام‬

‫املواد ‪ 1‬فقرة ‪ 8‬وفقرة ‪ ، 15‬واملادة ‪ 69 ، 36‬من دستور ليبيا اإلحتادية واملادة ‪15 ، 8‬‬ ‫((( ‬
‫‪ 16 ،‬من دستور سويسرا ‪ ،‬واملادة ‪ 68‬فقرة ‪ 21‬واملادة ‪ 83‬فقرة ‪ ، 18‬واملادة ‪ 102‬من‬
‫دستور األرجنتني ‪ ،‬وامل��ادة ‪ 5‬فقرة ‪ 2‬وامل��ادة ‪ 66‬فقرة ‪ 87 ، 2‬فقرة ‪ 9 ، 8‬من دستور‬
‫البرازيل واملادة ‪ 73‬فقرة ‪ 12‬من دستور املكسيك واملادة ‪ 81‬فقرة ‪ 2‬واملادة ‪ 108‬فقرة‬
‫‪ 21‬من دستور فنزويال انظر مواد هذه الدساتير في مجموعة بيزلى للدساتير ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫‪ 1918‬قانون احت��ادى يخول احلكومة اإلحتادية سلطة حتديد أجور السكك‬
‫احل��دي��دي��ة فيما ب�ين ال��والي��ات وك��ذل��ك ف��ي داخ��ل ال��والي��ة ذات �ه��ا‪ ،‬وق��د أي��دت‬
‫احملكمة العليا شرعية هذا القانون باعتباره ممارسة لسلطة احل��رب بينما‬
‫متلك احلكومة اإلحتادية ممارسة هذا االختصاصات وقت السلم ‪.‬‬
‫وهكذا استطاعت احلكومة اإلحتادية األمريكية خالل احلرب العاملية‬
‫األول��ى السيطرة على جميع مرافق احلياة في الدولة ولم يقف في طريقها‬
‫التنظيم ال��دس�ت��وري لإلختصاص وأص�ب��ح لهذه احلكومة نفس امل��رون��ة التى‬
‫حلكومة الدولة املفردة ‪ ،‬وحني اشتركت الواليات املتحدة في احلرب العاملية‬
‫الثانية كان للحكومة اإلحتادية أيضا أوسع السلطات في جميع نواحى احلياة‬
‫اإلقتصادية واالجتماعية ‪.‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬الدولة االحتادية واملسئولية الدولية‬
‫ أسلفنا أن الدولة اإلحتادية هى وحدها التى متتلك السيادة ويترتب‬
‫على ذل��ك أنها تتحمل املسئولية الدولية عن تصرفاتها مثلها في ذل��ك مثل‬
‫باقى ال��دول وطبقاً للقواعد العامة في املسئولية الدولية ‪ .‬غير ان النقاش‬
‫يثور بصدد مسئولية الدولة اإلحتادية عن تصرفات الواليات وهنا يفرق بني‬
‫حالتني‪:‬‬
‫ال مشروعاً في حد ذات��ه ولكنه‬
‫احلالة األول��ي‪ :‬أن تباشر الوالية عم ً‬
‫محظور عليها في الدستور االحتادى‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬أن يصدر عن سلطات الوالية تصرف غير مشروع‬
‫بسبب ضرر لدولة أجنبية أو يصدر عنها تصرف مشروع طبقاً الختصاصاتها‬
‫الدستورية ولكنه يرتب ضررا لدولة أجنبية‬
‫ وقبل أن نعرض بالتفصيل لكل من هاتني احلالتني فإننا يجب أن نخلص‬
‫من نقطة هامة نبنى عليها أحكام املسئولية‪ ،‬وذلك أن املسئولية الدولية هى‬
‫مسئولية دولة إلى دولة أي مسئولية الدولة اإلحتادية إلى الدول األجنبية‪.‬‬
‫وتعرض احلالة األول��ى حني تبرم ال��والي��ة مع دول��ة أجنبية معاهدة ال‬
‫يخول لها الدستور احلق في إبرامها‪ ،‬فهنا أقدمت الوالية على عمل مشروع‬

‫‪327‬‬
‫في حد ذاته‪ ،‬ولكنه محظور عليها بالدستور اإلحتادى‪ ،‬ومثل هذه املعاهدة تعد‬
‫باطلة بحكم الدستور ومن ثم يستحيل تنفيذها‪ ،‬وقد يترتب على ذلك ضرر‬
‫للدولة األجنبية التى أبرمت املعاهدة مع الوالية وحينئذ يثور تساؤل عما إذا‬
‫كان من حق هذه الدولة األجنبية أن تطالب الدولة اإلحتادية بتعويضها عن‬
‫هذا الضرر‪.‬‬
‫وقد اختلفت اآلراء في هذا الشأن واألرج��ح أنه ليس من حق الدولة‬
‫األجنبية أن تطالب الدولة اإلحتادية بتعويضها عن هذا الضرر إذ أنها ما‬
‫دامت تعترف بالدولة اإلحتادية وحدها فإنه يجب عليها أن حتترم دستورها‪.‬‬
‫ وتتمثل احل��ال��ة الثانية ف��ي ص��ورة ان�ك��ار العدالة م��ن جانب سلطات‬
‫الوالية وفي تصرفاتها التى تدخل في ح��دود االختصاصات املفرزة لها في‬
‫الدستور اإلحت��ادى ‪ .‬ولكن يترتب عليها ضرر للدول األخ��ري‪ ،‬وهنا أيضا ال‬
‫تستطيع الدولة اإلحتادية أن تدفع املسئولية الدولية باإلستناد إلى دستورها‬
‫وباعتبار أن هذا الدستور يترك للوالية استقالال ذاتياً في الشئون احمللية دون‬
‫تدخل من جانب السلطة اإلحتادية ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وق��د س��ار القضاء وال�ع��رف ال��دول��ى على ذل��ك ‪ ،‬فصدر ف��ي ‪ 26‬يوليو‬
‫‪ 1875‬حكم التحكيم املشهور بني الواليات املتحدة وكولومبيا في قضية الباخر‬
‫مونتيجو ‪ Montigo‬حيث أوضح أن الدولة اإلحتادية ال تستطيع أن تتحلل من‬
‫تطبيق القانون الدولى بادعائها عدم كفاية قانونها الداخلى إذ أن قانونها‬
‫الداخلى هو الذي يجب أن يتمشى مع القانون الدولى في هذه احلالة وليس‬
‫العكس (((‪.‬‬
‫وق��د ح��دث��ت ف��ي امل�ج��ال ال��دول��ى وق��ائ��ع كثيرة أك��دت ه��ذا امل�ب��دأ ‪ ،‬من‬
‫ال قضية االع �ت��داء على حياة رع��اي��ا ايطاليا ف��ي نيو أورل�ي��ان��ز سنة‬ ‫ذل��ك مث ً‬
‫‪ 1891‬حيث فتك ببعض اإليطاليني وبرئ املجرمون وطالبت ايطاليا بالتعويض‬

‫‪Droit‬‬‫ديوراند ص ‪ 73‬وهامش ص ‪ 74‬املرجع السابق ‪ ،‬روسو بند ‪ 443‬املرجع السابق‬ ‫(( (‬


‫‪ International Public1953‬فوشيه ‪ :‬املرجع السابق بند ‪ 298‬وانظر بند ‪ 322‬مبؤلف‬
‫الدكتور حامد سلطان ‪ :‬القانون الدولى العام وقت السلم طيعة ‪1962‬‬

‫‪328‬‬
‫واضطرت احلكومة األمريكية إلى إجبار السلطات احمللية في لويزيانا على‬
‫تعويض النتائج الضارة لهذه الواقعة ‪.‬‬
‫ وف��ي سنة ‪1906‬م ات �خ��ذت والي��ة كاليفورنيا ف��ي ال��والي��ات املتحدة‬
‫اجراءات من شأنها تقييد حق األطفال اليابانيني في دخول املدارس والزامهم‬
‫بالتردد على مدارس منفصلة مخالفة بذلك شرط املعاملة باملثل بني اليابانيني‬
‫واألمريكيني املنصوص عليه في امل��ادة األول��ى من معاهدة التجارة واملالحة‬
‫املعروفة باسم معاهدة (جريشام – كورينو) املعقودة ف��ي ‪ 12‬نوفمبر سنة‬
‫‪ 1864‬بني الواليات املتحدة واليابان والواليات املتحدة حفز الرئيس روزفلت‬
‫رئيس جمهورية الواليات املتحدة إلى انتقاد هذا املسلك من جانب كاليفورنيا‬
‫ف��ى رس��ال��ة إل��ى الكوجنرس ف��ي ديسمبر سنة ‪1906‬م ‪ ،‬ول��م تقف احلكومة‬
‫اإلحتادية موقفاً سلبياً من كاليفورنيا رغمأن مسائل التعليم احمللى تدخل في‬
‫اختصاصها املقرر لها في الدستور وإمنا أجبرتها على سحب قرارها اخلاص‬
‫بتقييد حق األط�ف��ال اليابانيني في التعليم ‪ ،‬وق��د تعددت القضايا الدولية‬
‫في ه��ذا الشأن وأك��دت املبدأ السائد فقهاً وال��ذي يقضى مبسئولية الدولة‬
‫اإلحتادية عن تصرفات الواليات(((‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬حق االبطال وحق اإلنفصال‬
‫ث��ار التساؤل فيما إذا ك��ان من حق ال��والي��ات أن تقرر بنفسها بطالن‬
‫القوانني اإلحتادية و أن تعلن انفصالها عن اإلحتاد‪ ،‬وقد برزت هذه املشكالت‬
‫م��ن الناحية العلمية ف��ي ال��والي��ات امل�ت�ح��دة األم��ري�ك�ي��ة حينما ح��اول��ت والي��ة‬
‫كارولينا اجلنوبية في سنة ‪1832‬م ابطال بعض قوانني التعريفة التى اصدرها‬
‫الكوجنرس مستندة في ذلك إلى أنه حني يتعدى الكوجنرس حدود السلطات‬
‫املمنوحة له في الدستور فإن لكل والية احلق في أن تعلن أن هذا العمل غير‬
‫داخل في سلطته وأنه عمل باطل ‪.‬‬

‫راجع قضية ‪ Cutting‬في مرجع لفير السابق صحيفة ‪ ، 8 ، 6‬وقضية الباخرة اليزا‬ ‫((( ‬
‫‪ elisa‬وقضية الباخرة مونتيجو وقضية ماك رويد بكتاب ديوراند السابق اإلشارة إليه من‬
‫صحيفة ‪ 73‬إلى ‪ . 77‬وانظر بند ‪ 30‬و ‪ 139‬من املرجع السابق للدكتور على أبو هيف‬
‫‪ ،‬طبعة ‪1961‬م – وبند ‪ 332‬من املرجع السابق للدكتور حامد سلطان طبعة ‪– 1962‬‬
‫روسو بند ‪ 443‬من املرجع السابق ‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫ كما أن هذه الوالية أعلنت انفصالها عن اإلحت��اد في سنة ‪1860‬م‪،‬‬
‫وبعد هذا اإلعالن ببضعة أشهر تبعتها عشر واليات جنوبية متخذة اجراءات‬
‫انفصالية متشابهة‪ .‬كما حدث أمر مشابه في استراليا إذ طلبت والية غرب‬
‫استراليا سنة ‪1924‬م اإلنفصال عن كومنولث استراليا‪.‬‬
‫ وقد اختلف الفقه فى تقرير حق األبطال واالنفصال فذهب كالون‬
‫‪ Calloon‬في الواليات املتحدة ‪ .‬كما نقل عنه سيدل ‪ Sydel‬في أملانيا إلى أن‬
‫من حق الواليات أن تبطل القوانني اإلحتادية ‪ ،‬كما أن من حقها أيضا إعالن‬
‫انفصالها عن اإلحتاد‪.‬‬
‫وميكن تلخيص فقه كالون وسيدل في النقاط اآلتية(((‪:‬‬
‫‪ -1‬أن اإلحتاد هو إتفاق بني دولة متساوية ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن احلكومة اإلحتادية خلقت بواسطة هذه الدول كوكيل لها لتنفيذ‬
‫نصوص هذا اإلتفاق كما وردت في الدستور‪.‬‬
‫‪ -3‬أن عمل الوكيل إذا م��ا تعدى ح��دود سلطته فهو باطل وغير ذي‬
‫قيمة‪.‬‬
‫‪ -4‬أن كل دولة لها احلق في أن تقرير لنفسها ما إذا كان عم ً‬
‫ال ما من‬
‫أعمال احلكومة اإلحتادية خارج حدود سلطاتها‪.‬‬
‫وقد أسس كالون ومعه سيدل فقههما على أساسني‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن السيادة خصيصة ضرورية للدولة ‪ ،‬وأنها غير قابلة للتجزئة‬‫ً‬
‫أو التنازل ‪ ،‬وأن السيادة في الدولة اإلحتادية ‪ Etat Fédéral‬ال ميكن أن تكون‬
‫في نفس الوقت ملكاً للدولة املركزية وللدول األعضاء ‪ Etats members‬فإذا‬
‫ما استمرت السيادة مركزة في شخص الدول األعضاء التى ال ميكن أن تتنازل‬
‫عنها وإمنا ميكنها فقط التفويض في ممارستها ‪ ،‬فإن الدول اإلحتادية املقول‬
‫عنها ال متتلك السيادة ومن ثم فهى ليست دولة‪.‬‬

‫مونرو ص ‪ ، 127‬وانظر هامش تلك الصحيفة حيث خلص مونرو فقه كالون في األربع‬ ‫(( (‬
‫بنود املشار إليها‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫ث��ان��ي�� ًا ‪ :‬وم��ن ناحية أخ��رى ف��إن الوثيقة اإلحت��ادي��ة ال ميكن أن تكون‬
‫إال عقداً بني ال��دول األع�ض��اء‪ -‬معاهدة بني دول��ة ذات سيادة – وه��ؤالء هم‬
‫وحدهم احلكم في التفسير الصحيح وتطبيق املعاهدات بل وميلكون إنهاءها‬
‫واإلنفصال عن اإلحتاد(((‪.‬‬
‫وإزاء وج��ود دستور في ال��دول��ة اإلحت��ادي��ة ف��إن كالون وسيدل يذهبان‬
‫إلى القول بأن معاهدة اإلحت��اد تتغير طبيعتها القانونية وتتحول إلى قانون‬
‫دستوري (((‪.‬‬
‫وقد واجه فقه كالون معارضة قوية في الواليات املتحدة من جانب فريق‬
‫اإلحتادين ‪ Federalist‬حيث كانوا يعتبرون الدولة اإلحتادية دولة حقيقية لها‬
‫السلطة العليا في ح��دود االختصاصات احمل��ددة لها في الدستور‪ ،‬وينكرون‬
‫على الواليات حق اإلبطال وكذا حق اإلنفصال ‪ .‬وقيل رداً على فقه كالون بأن‬
‫الدستور ليس اتفاقاً ‪ compact‬بني الواليات وإمن��ا هو اتفاق الشعب نفسه‬
‫والدليل على ذلك مقدمة الدستور األمريكي التى تقول ‪ :‬نحن شعب الواليات‬
‫املتحدة ننشئ هذا الدستور(((‪.‬‬
‫وب �ع��د احل ��رب امل��دن�ي��ة اس�ت�ق��ر ف��ى ال�ف�ق��ه ال��دس �ت��وري األم��ري �ك��ي ث�لاث‬
‫حقائق‬
‫األولى‪ :‬أن الدستور منحة بالسلطات ‪ ،‬وأن الكوجنرس ال ميلك سلطة‬
‫التشريع إال في حدوده‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن سلطة الكوجنرس في حدود النظام احملدد لها في الدستور‬
‫هى السلطة العليا ‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬ليس ألى والي��ة احلق في ابطال هذه السلطة العليا برفض‬
‫االعتراف بها ‪ ،‬وليس ألى والية أن تنفصل عن سلطان احلكومة اإلحتادية(((‪.‬‬

‫انظر سيل املرجع السابق صحيفة ‪ 275‬وما بعدها – لفير املرجع السابق ص ‪.509‬‬ ‫((( ‬
‫راجع لفير – ص ‪ 548‬من املرجع السابق ‪.‬‬ ‫((( ‬
‫مونروا املرجع السبق ص ‪.338‬‬ ‫(( (‬
‫مونرو ‪ ،‬املرجع السابق ص ‪.329‬‬ ‫((( ‬

‫‪331‬‬
‫واحلكمة من حرمان الواليات من حق ابطال القوانني اإلحتادية وكذلك‬
‫من حق انفصالها عن اإلحتاد ترجع إلى أنه لو تقرر هذين احلقني للواليات‬
‫ألمكنها أن تتخذهما وسيلة للضغط على احلكومة اإلحتادية وتنفيذ أغراضها‬
‫اخلاصة‪ ،‬فال تكون للحكومة اإلحت��ادي��ة سلطة حقيقية في مواجهة الشعب‬
‫والواليات‪.‬‬
‫وإذا كانت الواليات ال متلك حق اإلنفصال ‪ ،‬فإنه يقابل ذلك أن الدولة‬
‫اإلحتادية ال متلك هى األخرى حق طرد والية من اإلحتاد لنفس احلكمة التى‬
‫أوضحناها‪.‬‬
‫كيف تواجه الدولة اإلحتادية محاوالت اإلنفصال‪:‬‬
‫ول�ل��دول��ة اإلحت��ادي��ة سلطان مباشر على األف ��راد‪ ،‬فهى تلزمهم باتباع‬
‫القوانني واألحكام ‪ ،‬ولها األجهزة التنفيذية الكافية بوصفها حكومة شعب‬
‫مثلها في ذلك مثل حكومة أي دولة مفردة ‪.‬‬
‫غير أنه قيل في الواليات املتحدة بأن الدستور ال يعطى احلكومة اإلحتادية‬
‫(((‬
‫أي سلطة للقهر ضد الواليات‪ ،‬وهذا ما جعل الرئيس بوكاتان ‪Buchanan‬‬
‫عاجزاً عن مواجهة محاوالت اإلنفصال في سنة ‪1860‬م – ‪1861‬م من جانب‬
‫واليات اجلنوب املتمسكة بالعبيد دون أن يخرج على سلطاته الدستورية ‪.‬‬
‫ولكن الرئيس لينكولن واجه محاولة اإلنفصال من جانب الواليات من‬
‫ال للقانون الوضعى في‬ ‫زاوية أخرى ودعم الفقه الذي يعتبر اليوم جز ًء مكم ً‬
‫الواليات املتحدة‪ ،‬وطبقاً لهذه الفقه كما سلف فإن الواليات ال متلك سلطة‬
‫اإلنفصال وال تستطيع اإلنفصال عن اإلحت��اد‪ ،‬وكل عمل ص��ادر من هيئاتها‬
‫العامة لهذاالغرض أو لعرقلة الدستور والقوانني اإلحتادية يعتبر باط ً‬
‫ال ومنير‬
‫ال من الناحية القانونية ‪ ،‬ومبجرد صدور التصرفات من هيئات الوالية‬‫قائم أص ً‬
‫التى في يدها السلطة فإن هذه الهيئات ينعدم وجودها كهيئات ويصبح مجرد‬
‫أفراد منردوا على الدولة اإلحتادية‪ ،‬وهنا يكون من حق الدولة اإلحتادية‪ ،‬أن‬
‫تعاملهم كأفراد منعزلني عن بعض ومتارس سلطة القهر في مواجهتهم وليس‬

‫جيمس بوكاتان ومدة رئاسته في السنوات ‪. 1861 – 1857‬‬ ‫(( (‬

‫‪332‬‬
‫في مواجهة الوالية كعضو في الدولة اإلحتادية‪.‬‬
‫ولذلك فقد رفضت احلكومة اإلحتادية األمريكية خالل احلرب املدنية‬
‫أن تتفاوض مع اجلنوبيني أو أن تعترف بالصفة القانونية للتعاهد الذي أنشأوه‬
‫فيما بينهم ‪ ،‬وكان لينكولن رئيس اجلمهورية ينظر إليهم كأفراد في ثورة ضد‬
‫الدستور‪.‬‬
‫اخلالصة ‪:‬‬
‫أوضحنا فيما سبق القواعد األساسية للدولة اإلحت��ادي��ة وميكننا أن‬
‫نضع تعريفاً لهذه الدولة من واقع ما أسلفنا بيانه بصدد قواعدها األساسية‬
‫‪ .‬وذلك على النحو التالي ‪:‬‬
‫«الدولة اإلحتادية أو الفيدرالية ‪ ،‬هى دولة أساسها احتاد والياتها في‬
‫ظل دستور احتادى يقوم على ضمان استقالل ذاتى للواليات في حكمها احمللى‬
‫إلى جانب مشاركتها في إرادة الدولة‪.‬‬
‫وقد منى السودان بحرب أهلية بني جنوبه وشماله منذ عام ‪1955‬م‬
‫الختالف جنوبه عن شماله من النواحى اجلنسية حيث ينتمى أهل اجلنوب‬
‫للجنس الزجنى الذي يجد امتداداً له في الكونغو وكينيا وأوغندا بينما ينتمى‬
‫أهل الشمال للجنس السامى العربي ‪ ،‬وقد عمق إلستعمار البريطانى ذلك‬
‫الشعور بالتمايز اجلنسى وما يرتبط به من عنصرية اشعلت نار احلرب األهلية‬
‫على مدى األربعني سنة املاضية ‪ ،‬وفشلت كل محاوالت التوفيق بني الشمال‬
‫واجلنوب من خالل تبنى نظم حكم المركزية إداريا في األساس ولكنها تبعد‬
‫عن الفيدرالية التى تطالب بها زعماء اجلنوب في مؤمتر املائدة املستديرة‬
‫عام ‪1965‬م‪.‬‬
‫وح�ت��ى تنتهى ت�ل��ك احل��رب األه�ل�ي��ة ال��دائ��رة ف��ي ال �س��ودان ب�ين جنوبه‬
‫وشماله ويستقر األمن وحتقيق البالد رخاءها ورفاهيتها‪ ،‬فإننا نقترح تطبيق‬
‫النظام الفيدرالى بني جنوب ال�س��ودان وشماله على النحو التفصيلي الذي‬
‫شرحناه‪ ،‬وذلك بأن يوضع دستور فيدرالى تتحدد فيه لواليات اجلنوب الثالثة‬
‫(االس�ت��وائ�ي��ة وبحر ال�غ��زال وأع��ال��ى النيل) اختصاصات تشريعية وتنفيذية‬
‫وقضائية متارسها حكومة‪ ،‬مشكلة من أهل اجلنوب بانتخابات حرة يشترك‬

‫‪333‬‬
‫فيها مواطنو اجلنوب الختيار ممثليهم بحرية في برملان جنوبى ونظام قضائى‬
‫خ��اص باجلنوب طبقاً للتنظيم امل�ق��رر ف��ي الدستور الفيدرالى وعلى النحو‬
‫املتبع ف��ي ك�ن��دا وال��والي��ات امل�ت�ح��دة األم��ري�ك�ي��ة‪ ،‬وك�م��ا وزع��ت دس��ات�ي��ر ال��دول‬
‫الفيدرالية السلطات بني احلكومة الفيدرالية في العاصمة وحكومات الواليات‬
‫فإن الدستور السودانى الفيدرالى املقترح يوزع تلك السلطات بني احلكومة‬
‫الفيدرالية في اخلرطوم العاصمة وبني حكومة اجلنوب في جوبا مث ً‬
‫ال (((‪.‬‬

‫اخلالصة ‪:‬‬
‫إن املشكالت التى حدثت في دارف��ور ‪ ،‬احل��روب األهلية بني اجلنوب‬
‫وال�ش�م��ال ‪ ،‬لتجاهل ح��ل تنظيم ال��دول��ة إداري� �اً ل�ت�ف��ادى ك��ل ت�ل��ك ال�ت��دخ�لات‬
‫اخلارجية ‪ ،‬واإلستعانة التى متت من بعض القوى الداخلية‪.‬‬

‫الشكل الثالث ‪ :‬الدول املتعاهدة ‪Etats confédérés‬‬

‫وي �ط �ل��ق اص �ط�لاح ال� ��دول امل �ت �ع��اه��دة أو ك �م��ا ي�س�م�ي�ه��ا ال �ب �ع��ض ال ��دول‬
‫الكونفيدرالية على تلك الدول األعضاء في التعاهد ‪ .Confédération‬وينشأ‬
‫هذا اإلحتاد مبعاهدة بني عدة دول تقيم فيما بينها هيئة مشتركة دائماً وتعهد‬
‫إليها باختصاصات مشتركة تباشرها بصفة مفرزة أو باإلشتراك مع الدول‬
‫األعضاء‪.‬‬
‫وقد اعتمد الفقه في بيان هذا النوع من اإلحتادات على ثالثة تعاهدات‬
‫رئيسية هي‪:‬‬
‫‪ -‬التعاهد األمريكي في املدة من ‪ 1778‬إلى ‪.1787‬‬
‫‪ -‬التعاهد األملانى في املدة من ‪ 1815‬إلى ‪.1866‬‬
‫‪ -‬التعاهد السويسري في املدة من ‪ 1815‬إلى ‪.1847‬‬

‫د‪ .‬الشافعي بشير – القانون الدولى العام – مطبعة التونى – ‪ ، 2000‬ط ‪ ، 7‬ص‬ ‫(( (‬
‫‪.235‬‬

‫‪334‬‬
‫القواعد األساسية للتعاهد ‪:‬‬
‫وتختلف احت��ادات التعاهد فيما بينها في تفصيالت أحكامها ‪ ،‬غير‬
‫أنها تشترك جميعاً في أسس ترسو عليها وتتفرع عنها بقية األحكام ‪ ،‬وأول‬
‫هذه القواعد يصادفنا عند تكييف وضع الدول األعضاء في التعاهد ووضع‬
‫سلطة اإلحت��اد ‪ ،‬فهل حتتفظ ال��دول بسيادتها في ظل اإلحت��اد أم أنها تفقد‬
‫سيادتها بقيام ه��ذا اإلحت��اد ‪ ،‬وعلى ذل��ك ف��إن األم��ر يقتضى لتحديد معالم‬
‫احتاد التعاهد وبيان قواعده األساسية أن نتكلم في أربع نواح ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬سيادة الدول األعضاء في التعاهد ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الهيئة املركزية للتعاهد‬
‫ثالثاً ‪ :‬كيفية صدور قرارات التعاهد‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬سيادة الدول األعضاء في التعاهد ‪:‬‬
‫م��ن أب��رز معالم اإلحت��اد التعاهدى أن ال��دول األع�ض��اء تظل محتفظة‬
‫بسيادتها في ظل اإلحتاد فهو ال يفقدها هذه السيادة كما رأينا في اإلحتاد‬
‫الدستوري‪ .‬ومع أننا رأينا أن اإلحتاد الدستوري ينشئ دولة جديدة هى الدولة‬
‫اإلحتادية فإن اإلحتاد التعاهدى ال يترتب عليه إنشاء دولة جديدة هى الدولة‬
‫اإلحتادية‪ ،‬وإمن��ا يقتصر على مجرد إنشاء سلطة مشتركة للدول األعضاء‪،‬‬
‫تعهد إليها ه��ذه ال��دول باختصاصات املوافقة االجتماعية ل�ل��دول األعضاء‬
‫على كل عمل من أعمالها إال أنها مع ذلك ليست دولة وليست بالتبعية ذات‬
‫سيادة‪.‬‬
‫نصوص وثائق اإلحتادات ‪:‬‬
‫ويظهر احتفاظ الدول األعضاء بسيادتها بشكل واضح من استعراض‬
‫نصوص وثائق اإلحت��ادات‪ ،‬ف��دول التعاهد تعنى دائماً بأن تقرر صراحة في‬
‫وثائق اإلحتادات احتفاظها بسيادتها ‪.‬‬
‫فالتعاهد األمريكي ينص في املادة الثانية (كل دولة حتتفظ بسيادتها‬
‫وحريتها واستقاللها) وتؤكد وثيقة التعاهد األملانى في نصوص عديدة احتفاظ‬

‫‪335‬‬
‫ال��دول األعضاء بسيادتها ‪ ،‬فتقول امل��ادة األولى‪«:‬التعاهد األملانى هو احتاد‬
‫القانون العام لألمراء ذوى السيادة واملدن احلرة ألملانيا ‪ ،‬حماية واستقالل‬
‫وحرمة الدول التى يشتمل عليها ‪ »...‬واملادة الثانية‪«:‬في الداخل يكون هذا‬
‫التعاهد جماعة من الدولة املستقلة عن بعضعها مع حقوق وواجبات تعاهدية‬
‫متبادلة ومتساوية»‪ ،‬واملادة ‪«:155‬في الشئون التى ال تبدو فيها الدول املتعاهدة‬
‫هى وحدتها التعاهدية ‪ ،‬ولكن بصفتها دوال فردي ذات سيادة ومستقلة»‪،‬ويتكرر‬
‫لفظ السيادة باعتبارها صفة الزمة للدول األعضاء في نصوص عديدة من‬
‫وثائق التعاهد س��واء ال��واردة بالوثيقة اخلتامية ملؤمتر فينا سنة ‪1815‬م أو‬
‫املؤمتر الوزاري سنة ‪1820‬م (((‪.‬‬
‫وتنص وثيقة التعاهد السويسري في امل��ادة األول��ى‪«:‬اإلث�ن��ان وعشرون‬
‫كانتون ذوي السيادة لسويسرا ‪ ..‬يتحدون بهذه الوثيقة ألجل أمنهم املشترك‬
‫ول��وق��اي��ة ح��ري�ت�ه��م واس�ت�ق�لال�ه��م ‪ »...‬وامل� ��ادة ‪«:8‬الدايت ال ��ذي ع �ه��دت إليه‬
‫الكانتونات ذوى السيادة بالشئون العامة للتعاهد يديرها طبقاً لنصوص‬
‫الوثيقة التعاهدية»‪.‬‬
‫اشتراط االجماع لتعديل امليثاق ‪:‬‬
‫وي�ب�ين اي�ض��ا اح�ت�ف��اظ ال ��دول األع �ض��اء بسيادتها م��ن أح �ك��ام ال��وث��ائ��ق‬
‫التعاهدية التى تشترط توافر اجماع الدول عند تعديل وثيقة اإلحتاد أو عند‬
‫انضمام عضو جديد للتعاهد ‪ ،‬فالدول األعضاء ال تلتزم إال مبا وافقت عليه‬
‫صراحة في وثيقة التعاهد‪.‬‬
‫وستعرض فيما يلي لشرح السلطات الثالثة في التعاهد ‪ ،‬وهي السلطات‬
‫التشريعية والتنفيذية القضائية ‪ ،‬وسنجد أن التعاهد ليست له سلطة تشريعية‬
‫خاصة به وكذلك ال توجد له سلطة تنفيذية أو قضائية باملعنى املفهوم في‬
‫الدول التى تتبع مبدأ الفصل بني هذه السلطات الثالثة ‪ .‬باملعنى املفهوم في‬
‫الدول التي تتبع مبدأ الفصل بني هذه السلطات الثالثة‪.‬‬

‫املواد ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 25‬و ‪ 53‬و ‪ 55‬و ‪ 58‬من الوثيقة اخلتامية للمؤمتر الوزاري املنعقد في‬ ‫((( ‬
‫فيينا ‪ 15‬مايو سنة ‪1820‬م‪ ،‬وديباجة امللحق التاسع للوثيقة اخلتامية ملؤمتر فيينا ‪ 9‬يوليو‬
‫سنة ‪1815‬م ‪ ،‬املواد ‪ 43‬و ‪ 54‬من الوثيقة اخلتامية ملؤمتر فيينا ‪ 9‬يونيو ‪1815‬م‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫ولم يكن للتعاهدات الثالثة األمريكية والسويسرية واألملانية محكمة‬
‫خاصة دائمة حلسم املنازعات التى تنشب بني الدول األعضاء والتى تختص‬
‫سلطة التعاهد بحلها ‪ ،‬إمنا حتيل هذه املنازعات إلى احملكمة العليا إلحدى‬
‫الدول األعضاء أو تلجأ إلى التحكيم واختيار محكمني من بني قضاة الدول‬
‫األعضاء‪.‬‬

‫ثاني ًا ‪ :‬الهيئة املركزية للتعاهد ‪:‬‬


‫ يضطلع بشئون اإلحتاد هيئة تتكون من مندوبني عن كل دولة ‪ ،‬وقد‬
‫أطلق على هذه الهيئة اسم الكوجنرس ‪ congress‬في التعاهد األمريكي كما‬
‫أطلق عليها اسم ‪ Diete‬في كل من التعاهد السويسري والتعاهد األملانى ‪.‬‬

‫(أ) تعيني املندوبني ‪:‬‬


‫ وفي التعاهد األملانى ترسل كل دولة إلى الكوجنرس عدداً من املندوبني‬
‫يتراوح بي ‪ 2‬و ‪ 7‬ويعني هؤالء املندوبني سنوياً بواسطة املجلس التشريعي لكل‬
‫دولة وبالطريقة التى تترائ لهذا املجلس ‪ ،‬وكل وفد يعد وحدة في الكوجنرس‬
‫وال ميلك غير صوت واحد فقط (م‪. )8‬‬
‫يختلف حسب طريقة انعقاد الدايت اذ ينعقد على هيئتني ‪.‬‬
‫(‪ )2‬على هيئة جمعية عامة‬ ‫(أ) على هيئة جمعية عادية ‬

‫‪337‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫أنواع الدول من حيث السيادة‬

‫تقسم ال��دول م��ن حيث السيادة إل��ى دول تامة السيادة ودول ناقصة‬
‫السيادة ‪ ،‬فالدول تامة السيادة هي التي ال تخضع في إدارة شئونها الداخلية‬
‫أو اخلارجية لرقابة أو هيمنة دول��ة أخ��رى أو هيئة دولية ‪ ،‬وه��ذا يعني إنها‬
‫الدولة املستقلة متاما في إدارة شئونها الداخلية واخلارجية ‪ ،‬وال يعني متام‬
‫السيادة إنها مطلقة التصرف في ميدان العالقات الدولية ‪ ،‬بل إنها تخضع‬
‫دائما للقانون الدولي العام وما يفرضه من قيود على حريتها في التصرف ‪.‬‬
‫أم��ا ال��دول ناقصة ال�س�ي��ادة فهي تلك ال�ت��ي تخضع ف��ي إدارة شئونها‬
‫الداخلية واخلارجية أو في بعض هذه الشؤون لرقابة أو هيمنة دولة أجنبية أو‬
‫هيئة دولية‪ ،‬ولقد عرف القانون الدولي عدة أنواع من الدول ناقصة السيادة‬
‫كالدول التابعة والدول احملمية والدول املوضوعة حتت االنتداب والدول حتت‬
‫الوصاية والدول املوضوعة في حالة حياد دائم واألقاليم التي تخضع لنظام‬
‫التدويل ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬الدول التابعة‪:‬‬
‫التبعية نظام قانوني تنشأ رابطة بني دولتني متبوعة وتابعة ‪ ،‬بحيث‬
‫تباشر الدولة املتبوعة عن الدولة التابعة بعض أو كل اختصاصاتها الدولية‬
‫والداخلية ‪ ،‬ونظام التبعية هذا مقتبس من النظام اإلقطاعي الذي كان سائدا‬
‫في أوربا خالل القرون الوسطى إذ كان سادة اإلقطاع يدينون بالوالء واخلضوع‬
‫للملوك واألم ��راء على نحو يخول ه��ؤالء مباشرة الكثير م��ن االختصاصات‬
‫الداخلية واخلارجية لإلقطاعيات ‪ ،‬ثم انتقل هذا النظام إلى امليدان الدولي‬
‫ال قانونياً يعتبر وسطاً بني اخلضوع السياسي واالستقالل‬ ‫حيث اتخذ شك ً‬
‫الكامل ((( ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 298‬‬ ‫((( ‬

‫‪338‬‬
‫ويختلف الوضع القانوني للدولة التابعة باختالف حاالت التبعية إال أن‬
‫أهم اخلصائص التي تشترك فيها هي ‪ :‬ـ‬
‫‪ – 1‬تقوم الدولة املتبوعة عادة مبباشرة االختصاصات للدولة التابعة‬
‫فهي التي متثلها في العالقات اخلارجية ‪ ،‬وهي التي تعقد املعاهدات وتعلن‬
‫احل��رب باسمها وتتولى الدفاع عنها ‪ ،‬وف��ي احل��دود التي تقضي بها عالقة‬
‫التبعية ‪.‬‬
‫‪ – 2‬تقوم الدولة املتبوعة مبباشرة بعض االختصاصات الداخلية للدولة‬
‫التابعة كتقرير الضرائب وسك النقود وتنظيم اخلدمة العسكرية ‪.‬‬
‫وال يوجد في الوقت احلاضر هكذا نوع من الدول ناقصة السيادة ‪ ،‬ومن‬
‫أهم األمثلة التاريخية على هذا النوع صربيا ورومانيا وبلغاريا ‪ ،‬وقد كانت‬
‫جميعها تابعة لإلمبراطورية العثمانية ثم حتررت رومانيا وصربيا مبقتضى‬
‫معاهدة برلني عام ‪ ، 1878‬وأعلنت بلغاريا استقاللها عام ‪ 1908‬واعترفت‬
‫تركيا باستقاللها عام ‪ 1909‬بعد مفاوضات طويلة (((‪.‬‬
‫كما أن مصر خضعت لنظام التبعية هذا ‪ ،‬فقد وضعت في مركز الدولة‬
‫التابعة لالمبراطورية العثمانية مبقتضى اتفاق لندن سنة ‪1840‬م على أثر‬
‫احلرب التي قامت بها احلكومة التركية مبساعدة اجنلترا والنمسا وروسيا‬
‫وبروسيا ضد محمد على والي مصر ‪ ،‬وقد نص هذا االتفاق على منح مصر‬
‫االستقالل الذاتي في الشئون الداخلية واعتبار اجليش واالسطول املصري‬
‫جزءاً من قوات تركيا العسكرية وأن تدفع مصر لتركيا جزية سنوية ‪ ،‬وتكون‬
‫مباشرة الشئون اخلارجية عن طريق احلكومة التركية ‪ ،‬وقد خرجت مصر من‬
‫هذا النظام سنة ‪1914‬م عندما قامت احلرب العاملية األولى وذلك بانسالخها‬
‫عن تركيا ووضعها حتت احلماية البريطانية‪.‬‬
‫ثانيا – الدول احملمية‬
‫احلماية هي عالقة قانونية تنتج عن معاهدة دولية ‪ ،‬مبقتضاها تضع دولة‬

‫د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب و د ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬
‫‪.132‬‬

‫‪339‬‬
‫نفسها في حماية دولة أخرى أكثر منها قوة في العادة ‪ ،‬وتلتزم الدولة احلامية‬
‫بالدفاع عن الــــــــدولة احملمية‪ ،‬وفي مقابل ذلك يعطى لها حق األشراف على‬
‫الشؤون اخلارجية للــــــدولة احملمية والـــــتدخل في إدارة إقليمها ((( ‪.‬‬
‫ويختلف نظام احلماية م��ن الناحية القانونية ع��ن نظام التبعية ‪ ،‬إذ‬
‫بينما يقوم النظام األخير عادة على قرار منفرد من الدولة املتبوعة واستثناءاً‬
‫على معاهدة دولية ‪ ،‬يقوم نظام احلماية عادة على معاهدة دولية تبرم بني‬
‫الدولة احلامية وبني الدولة احملمية واستثناءاً على عمل إرادي منفرد صادر‬
‫من دولة معينة ‪ ،‬كنظام احلماية الذي فرضته بريطانيا على مصر من سنة‬
‫‪. 1922 – 1914‬‬
‫ويتعني على الدولة احلامية إخطار ال��دول األخ��رى مبعاهدة احلماية‬
‫وذل��ك للحصول على اعترافها بهذا الوضع القانوني اجلديد ‪ ،‬وب��دون ذلك‬
‫ال ميكن أن يكون لهذه املعاهدة أث��ر ف��ي مواجهة ال��دول األخ��رى أي ال��دول‬
‫غير املعترفة ‪ ،‬وقد تقرر هذا االلتزام بإعالن معاهدة احلماية في تصريح‬
‫سنة‪. 1885‬‬
‫وتختلف املعاهدات التي تنظم احلماية من معاهدة إلى أخرى ‪ ،‬إذ ال‬
‫توجد قواعد دولية موحدة لتنظيم احلماية ‪ ،‬لذلك ينبغي الرجوع إل��ى كل‬
‫معاهدة من ه��ذه املعاهدات على ح��دة ملعرفة ن��وع العالقات التي تقوم بني‬
‫الدولة احلامية والدولة احملمية ((( ‪.‬‬
‫ومع ذلك فان هناك خصائص عامة يتميز بها نظام احلماية في أغلب‬
‫ح��االت تطبيقه ‪ ،‬حيث يقوم نظام احلماية على مبدأ توزيع االختصاصات‬
‫ب��اع �ت �ب��اره ع�لاق��ة ق��ان��ون �ي��ة ب�ي�ن دول��ت�ي�ن األول� ��ى ح��ام �ي��ة وال �ث��ان �ي��ة م�ح�م�ي��ة ‪،‬‬
‫واالختصاصات التي تتناولها بالتنظيم املعاهدات املنشئة لنظم احلماية تكون‬
‫أما دولية وأما داخلية ‪.‬‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 138‬‬ ‫((( ‬


‫وقد أيد القضاء الدولي اختالف أسس وتفاصيل احلماية بحسب كل معاهدة ‪ ،‬في‬ ‫((( ‬
‫الرأي االستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية الدائمة في ‪ 1923 / 2 /7‬بشأن‬
‫النزاع الفرنسي – البريطاني املتعلق مبراسيم اجلنسية في تونس ومراكش الذي جاء فيه‬
‫( إن لكل حماية دولية أوضاعا خاصة بها ) ‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ 1‬ـ م��ن الناحية ال��دول�ي��ة‪ ،‬ف��إن ال��دول��ة احل��ام�ي��ة تتولى إدارة الشئون‬
‫اخلارجية للدولة احملمية أو تشترك معها في هذه اإلدارة ‪ ،‬فالدولة احلامية‬
‫هي التي يكون لها عادة ممارسة التمثيل الدبلوماسي والقنصلي ‪ ،‬واالشتراك‬
‫في امل��ؤمت��رات الدولية ‪ ،‬وإب��رام االتفاقيات باسم الدولة احملمية ‪ ،‬وتتحمل‬
‫املسئولية الدولية عن األعمال التي حتدث في إقليم الدولة احملمية وترتب‬
‫املسئولية الدولية ‪ ،‬وال يحق للدولة احملمية أن تباشر أي شأن من الشئون‬
‫اخلارجية إال مبوافقة الدولة احلامية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أما من الناحية الداخلية ‪ ،‬فان الدولة احلامية تعتبر مسئولة عن‬
‫حفظ األم��ن وال�ن�ظ��ام ف��ي إقليم ال��دول��ة احملمية ‪ ،‬وع��ادة م��ا مت��ارس الدولة‬
‫احلامية اختصاصات أوسع مما نص عليه في معاهدة احلماية ‪ ،‬فيما يتعلق‬
‫بتنظيم امل��راف��ق العامة للدولة احملمية ‪ ،‬ك��إدارة بعض امل��راف��ق القضائية أو‬
‫اإلشراف عليها وتوجيه االنظمة التعليمية ‪ ،‬واحتفاظها بقوات عسكرية حلفظ‬
‫األمن ‪.‬‬
‫وميكن تقسيم احلماية إلى نوعني ‪ ،‬حماية اختيارية أو دولية و حماية‬
‫استعمارية أو قهرية ‪.‬‬
‫أوالـ احلماية الدولية‬
‫يقوم ه��ذا النوع من احلماية لتنظيم العالقة بني دولتني جتمع بينها‬
‫رواب��ط مشتركة وينتميان إلى حضارة واح��دة ويربط بينهما اجل��وار ‪ ،‬وتكون‬
‫إحداهما دول��ة قوية واألخ��رى ضعيفة ‪ ،‬فتضع ال��دول��ة الضعيفة نفسها في‬
‫حماية ال��دول��ة القوية لتتولى ال��دف��اع عنها ض��د أي ع��دوان أجنبي ‪ ،‬وتقوم‬
‫برعاية مصاحلها من الناحية اخلارجية ‪.‬‬
‫وتتميز احلماية الدولية باخلصائص التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أنها تستند إلى معاهدة تعقد بني الدولة احلامية والدولة احملمية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ حتتفظ الدولة احملمية بشخصيتها الدولية مستقلة عن شخصية‬
‫الدولة احلامية‪ ،‬وطبقا لذلك فرعايا الدولة احملمية ال يتبعون حتماً رعوية‬
‫الدولة احلامية وال تعتبر املعاهدات التي تعقدها الدولة احلامية ملزمة للدولة‬

‫‪341‬‬
‫احملمية‪ ،‬كما أن الدولة احملمية ال تعتبر طرفا في احلرب التي تعلنها الدولة‬
‫احلامية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تعتبر العالقات بني الدولتني من الناحية النظرية عالقات دولية‬
‫بالرغم ما يربط الدولة احملمية من والء وخضوع للدولة احلامية ‪.‬‬
‫‪ – 4‬تتولى الدولة احلامية الشئون اخلارجية للدولة احملمية ‪ ،‬أو تشترك‬
‫معها على األقل ‪ ،‬ضمانا لتنفيذ أغراض احلماية ‪.‬‬
‫‪5‬ـ حتتفظ ال��دول��ة احملمية بتصريف شئونها الداخلية ‪ ،‬وق��د تشرف‬
‫الدولة احلامية على بعض الشئون الداخلية املهمة ‪ ،‬كشئون اجليش والشئون‬
‫اإلدارية واملالية ‪.‬‬
‫وم��ن ال��دول التي تقع حتت ه��ذا النوع من احلماية ‪ ،‬احلماية املقررة‬
‫لفرنسا على إم��ارة موناكو ‪ ،‬واحلماية اإليطالية على جمهورية سان مارينو‬
‫‪ ،‬واحلماية املشتركة لفرنسا وأسبانيا على جمهورية أن��دور ‪ ،‬وجميع الدول‬
‫احملمية امل��ذك��ورة ه��ي دوي�ل�ات صغيرة متاخمة ل�ل��دول ال�ت��ي تتولى حمايتها‬
‫مبقتضى معاهدات خاصة أبرمت فيما بينها ‪.‬‬
‫ثانيا ـ احلماية االستعمارية‬
‫أما هذا النوع من احلماية فيفرض عادة فرضا على الدولة احملمية ‪،‬‬
‫ويكون الغرض منه ع��ادة حتقيق أغ��راض استعمارية تهدف إلى ضم اإلقليم‬
‫الذي وضع حتت احلماية إلى الدولة احلامية ‪ ،‬أما األمر الذي يدفع الدول‬
‫االستعمارية إلى فرض حمايتها على ال��دول احملمية بدال من إع�لان ضمها‬
‫إليها مباشرة فهو اخلوف من إثارة روح املقاومة عند األهالي ‪ ،‬وكذلك اخلوف‬
‫من إثارة معارضة الدول األجنبية ‪ ،‬لذلك فهي تبدا باعالن احلماية حتى تتهيأ‬
‫لها فرصة الضم ‪.‬‬
‫ومل��ا ك��ان ف��رض احل�م��اي��ة م��ن ج��ان��ب واح��د عمل ال يستند إل��ى أس��اس‬
‫شرعي طاملا أن الدولة التي فرضت عليها لم تقرها بشكل رسمي ‪ ،‬فإن الدولة‬
‫احلامية تلجأ عادة إلى استخالص معاهدة أو اتفاق مع الدولة احملمية تعزز‬
‫به مركزها وتكسبه صفة قانونية شرعية متكنها من مواجهة الدول األجنبية‬

‫‪342‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫واحلصول منها على اقرار احلالة القائمة‬
‫ومن أهم تطبيقات احلماية االستعمارية احلماية التي أعلنتها بريطانيا‬
‫في أواخر القرن التاسع عشر على إمارات ومشايخ اخلليج العربي وإمارات‬
‫ش��رق جنوبي اجل��زي��رة العربية (مسقط وع�م��ان وقطر والبحرين والساحل‬
‫املهادن ومحميات عدن) ‪ ،‬وكذلك احلماية التي أعلنتها بريطانيا على مصر‬
‫عام ‪1914‬م والتي استمرت إلى عام ‪1922‬م ‪ ،‬وكذلك احلماية التي أعلنتها‬
‫فرنسا على تونس مبوجب املعاهدتني املعقودتني في ‪1881‬م و‪1883‬م وعلى‬
‫مراكش سنة ‪1912‬م ‪.‬‬
‫وتنتهي احلماية ‪ ،‬أما بضم إقليم الدولة احملمية فتنتهي الشخصية الدولة‬
‫للدولة احملمية وتصبح مجرد مستعمرة ‪ ،‬كما حصل ملدغشقر عندما وضعتها‬
‫فرنسا حتت احلماية الفرنسية سنة ‪1884‬م ثم ضمتها إليها كمستعمرة سنة‬
‫‪1896‬م ‪ ،‬إلى أن اعلن استقاللها سنة ‪1960‬م‪.‬‬
‫وأما بتحلل الرابطة التي جتمع بني الدولة احلامية والدولة احملمية كما‬
‫حصل بالنسبة ملصر في سنة ‪1922‬م ‪ ،‬وكما حصل بالنسبة لتونس ومراكش‬
‫سنة ‪1956‬م ‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬االنتداب‬


‫ظهر نظام االنتداب إلى الوجود بعد احلرب العاملية األولى ليطبق على‬
‫األقاليم واملستعمرات التي انسلخت عن تركيا وأملانيا بسبب احلرب العاملية‬
‫األولى‪.‬‬

‫أنواع االنتداب‬
‫ل�ق��د قسمت امل ��ادة ‪ 22‬م��ن ع�ه��د عصبة األمم ‪ ،‬االن �ت��داب إل��ى ثالثة‬
‫أنواع‪:‬‬

‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 146‬‬ ‫((( ‬

‫‪343‬‬
‫‪ 1‬ـ االنتداب من درجة ( ‪)A‬‬
‫ويشمل البالد التي انفصلت عن تركيا (اإلمبراطورية العثمانية) والتي‬
‫بلغت درجة من التطور بحيث ميكن االعتراف بها مؤقتا كأمم مستقلة ‪ ،‬بشرط‬
‫أن تسترشد في إدارة شئونها بنصائح ومساعدة الدول املنتدبة حتى تتمكن‬
‫من احلصول على استقاللها ‪.‬‬
‫ولقد طبق هذا النوع من االنتداب على العراق وشرق األردن وفلسطني‬
‫حيث وض�ع��ت ه��ذه ال ��دول حت��ت االن �ت��داب البريطاني وس��وري��ا ول�ب�ن��ان حتت‬
‫االنتداب الفرنسي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االنتداب من درجة (‪) B‬‬
‫وشمل ه��ذا االن�ت��داب شعوب أفريقيا الوسطى باعتبارها اق��ل تقدما‬
‫من شعوب النوع األول ‪ ،‬ولذلك فقد أخضعت إلدارة الدول املنتدبة مباشرة‬
‫‪ ،‬بشرط رعاية حريات السكان ومعتقداتهم ‪ ،‬وقد طبق هذا االنتداب على‬
‫الكاميرون وتوغو ‪ ،‬وأسندت إدارتها إلى فرنسا وبريطانيا بعد جتزئتهما ‪،‬‬
‫وتنجانيقا ووضعت حتت االنتداب البريطاني ‪ ،‬ووضعت رواندا اوروندي حتت‬
‫االنتداب البلجيكي ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ االنتداب من درجة (‪) C‬‬
‫وشمل هذا النوع من االنتداب بعض األقاليم الواقعة في جنوب غربي‬
‫أفريقيا وبعض اجل��زر الواقعة في احمليط الهادي ‪ ،‬ونظرا لقلة سكانها أو‬
‫ضالة مساحتها أو بعدها عن مراكز احلضارة أو ملجاورتها ألقاليم الدولة‬
‫املنتدبة ‪ ،‬فقد تقرر إخضاعها إل��ى قوانني الدولة املنتدبة باعتبارها جزءا‬
‫م��ن أراضيها ‪ ،‬وعلى ه��ذا األس��اس وض��ع إقليم جنوب غربي أفريقيا حتت‬
‫انتداب احتاد جنوب أفريقيا ‪ ،‬ووضعت ساموا الغربية حتت انتداب نيوزيلندا‬
‫‪ ،‬وجزيرة نورو حتت انتداب بريطانيا ‪ ،‬وغينيا اجلديدة حتت انتداب استراليا‬
‫‪ ،‬وجزر مارينا وكارولينا حتت انتداب اليابان‪.‬‬
‫وتلتزم ال��دول��ة املنتدبة بعدم التنازل ع��ن أي ج��زء م��ن أراض��ي ال��دول‬
‫املنتدب عليها ‪ ،‬ولذلك يحظر عليها أن تضم إليها أية منطقة من هذه األراضي‬

‫‪344‬‬
‫أو تتنازل عن أية قطعة منها إلى دولة أخرى ‪ ،‬وقد خرقت احلكومة الفرنسية‬
‫هذا االلتزام مبنحها لواء االسكندرونة إلى تركيا مبوجب اتفاقية سنة ‪1939‬‬
‫دون موافقة سوريا ((( ‪.‬‬
‫وال يعتبر سكان الدولة املنتدب عليها من رعايا الدولة املنتدبة ‪ ،‬ولكن‬
‫عليها ممارسة احلماية الدبلوماسية على رعايا الدولة املنتدب عليها ‪.‬‬
‫انتهاء االنتداب‬
‫وملا كان االنتداب نظام مؤقت فإنه ينتهي في حاالت ثالث ‪ ،‬أما بحصول‬
‫الشعوب املشمولة به على استقاللها أو بتخلي الدولة املنتدبة عن االنتداب أو‬
‫باستبداله بنظام الوصاية الدولي وفقا للمادة ‪ 77‬من ميثاق االمم املتحدة ‪.‬‬
‫وقد انتهت انتدابات النوع األول من درجة (‪ )A‬وفقا للطريقة األولى‬
‫باحلصول على استقاللها ماعدا االنتداب على فلسطني ‪ ،‬فقد انتهى االنتداب‬
‫على العراق بقبوله في عصبة األمم في سنة ‪1932‬م ‪ ،‬واالنتداب على سوريا‬
‫ولبنان انتهى سنة ‪1941‬م ‪ ،‬أما االنتداب على شرق االردن فقد انتهى سنة‬
‫‪1946‬م ‪ ،‬أما االنتداب على فلسطني فقد انتهى مبوجب الطريقة الثانية وهو‬
‫التخلي عن االن�ت��داب من قبل بريطانيا في ‪1948/5 /15‬م متهيداً لقيام‬
‫اسرائيل ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بانتداب ‪ B‬و ‪ C‬فقد انتهى معظمها بإدخالها في نظام‬
‫الوصاية الدولي في عامي ‪1946‬م ـ ‪1947‬م‪.‬‬
‫رابعا ـ الوصاية الدولية‬
‫حددت امل��ادة ‪ 77‬من ميثاق األمم املتحدة األقاليم التي يجوز وضعها‬
‫حتت نظام احلماية الدولية ‪ ،‬وقسمتها إلى ثالث فئات ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األقاليم التي كانت موضوعة حتت نظام االنتداب ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األقاليم التي اقتطعت من ال��دول األعضاء نتيجة احل��رب العاملية‬
‫الثانية ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 309‬‬ ‫(( (‬

‫‪345‬‬
‫‪ 3‬ـ األقاليم التي تضعها حتت نظام الوصاية مبحض اختيارها دول‬
‫مسئولة عن إدارتها ‪.‬‬
‫وق��رر امليثاق في الفقرة الثانية من امل��ادة ‪ 77‬أن أي من األقاليم من‬
‫الفئات السابقة يوضع حتت نظام الوصاية يتم بواسطة اتفاقات الحقة تعقد‬
‫برضا ال��دول التي يعنيها األم��ر ‪ ،‬ويشمل ات�ف��اق ال��وص��اي��ة ‪ ،‬ف��ي ك��ل حالة ‪،‬‬
‫الشروط التي يدار مبقتضاها اإلقليم املشمول بالوصاية ‪ ،‬ويعني السلطة التي‬
‫تباشر إدارة ذلك اإلقليم ‪ ،‬ويجوز أن تكون السلطة القائمة باإلدارة دولة أو‬
‫أكثر أو هيئة األمم املتحدة ذاتها ( مادة ‪ ) 81‬من ميثاق األمم املتحدة ‪.‬‬
‫وقد كانت ليبيا قد وضعت حتت الوصاية مبوجب القرار الذي أصدرته‬
‫اجلمعية لألمم املتحدة الصادر ‪1949‬م وذلك إلى سنة ‪1952‬م ‪ ،‬حيث عينت‬
‫األمم املتحدة مندوبا لها لإلشراف على إدارة ليبيا ‪ ،‬يساعده في ذلك مجلس‬
‫م�ك��ون م��ن ع�ش��رة أع �ض��اء ميثلون ك��ل م��ن فرنسا وم�ص��ر وال��والي��ات املتحدة‬
‫األمريكية وبريطانيا وايطاليا وباكستان ‪ ،‬وممثل عن كل منطقة من مناطق‬
‫ليبيا الثالث (برقة وطرابلس وفزان) وممثل عن األقليات ‪ ،‬وقد استقلت ليبيا‬
‫فعال في ‪1952/1/1‬م ‪.‬‬
‫إشراف األمم املتحدة‬
‫أنشىء نظام الوصاية الدولي على أن يكون تطبيقه حتت إشراف االمم‬
‫املتحدة (املادة ‪ 75‬من امليثاق) وقد ميز ميثاق األمم املتحدة بني حالتني ‪ :‬ـ‬
‫‪1‬ـ املواقع االستراتيجية‪ :‬إذا كانت الوصاية متعلقة بأقاليم يعتبرها‬
‫مجلس األم��ن مواقع إستراتيجية‪ ،‬فإن مجلس األم��ن هو ال��ذي يباشر جميع‬
‫وظائف األمم املتحدة فيما يتعلق بها‪ ،‬ويدخل في ذلك املوافقة على شروط‬
‫اتفاقيات الوصاية وتغييرها وتعديلها (املادة ‪ 1/83‬من امليثاق) ‪.‬‬
‫‪2‬ـ املواقع غير االستراتيجية‪ :‬تباشر اجلمعية العامة وظائف األمم‬
‫املتحدة فيما يختص باتفاقات الوصاية على كل املساحات التي لم يتفق على‬
‫إنها استراتيجية ‪ ،‬ويدخل في ذلك إقرار شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها‬
‫أو تعديلها (املادة ‪ 1/85‬من امليثاق)‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫الرقابة في نظام الوصاية‬
‫أناط ميثاق األمم املتحدة مبجلس الوصاية مهمة القيام بالرقابة في‬
‫نظام الوصاية وباعتبار هذا املجلس يساعد اجلمعية العامة لألمم املتحدة‬
‫وك��ذل��ك ي�س��اع��د مجلس األم��ن بالنسبة ل�ل�م��واق��ع االس�ت��رات�ي�ج�ي��ة ف��ي القيام‬
‫بالوظائف التي حددها نظام الوصاية ‪.‬‬
‫ويتألف مجلس الوصاية من ثالث فئات من الدول ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ الدول القائمة بإدارة األقاليم املشمولة بالوصاية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ال��دول ذات املراكز الدائمة في مجلس األم��ن ‪ ،‬الذين ال يتولون‬
‫إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ع��دد ك��اف م��ن ال��دول األع�ض��اء ف��ي األمم املتحدة تقوم بانتخابها‬
‫اجلمعية العامة بحيث يكون عدد الدول املتمثلة باملجلس والتي ال تقوم بإدارة‬
‫األقاليم املشمولة بالوصاية معادالً للدول التي تقوم بهذه اإلدارة ‪.‬‬
‫ويختص مجلس ال��وص��اي��ة بالنظر ف��ي امل�س��ائ��ل التالية حت��ت إش��راف‬
‫اجلمعية العامة لألمم املتحدة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ينظر في التقارير التي ترفعها السلطة القائمة باإلدارة عن التطورات‬
‫والتقدم في الشئون السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتعليمية للبلدان‬
‫املوضوعة حتت وصايتها ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يقبل الطلبات التي تقدمها إليه شعوب األقاليم املشمولة بالوصاية‬
‫عن سير اإلدارة فيها ويفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة باإلدارة ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ينظم زي��ارات دوري��ة لألقاليم املشمولة بالوصاية في أوق��ات يتفق‬
‫عليها مع السلطة القائمة باإلدارة ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يضع مجلس الوصاية طائفة من األسئلة عن تقدم سكان كل إقليم‬
‫مشمول بالوصاية في الشئون السياسية واالقتصادية واالجتماعية والتعليمية‬
‫‪ ،‬وعلى السلطة القائمة باإلدارة أن جتيب مفصال عن هذه األسئلة وتقدمها‬
‫على شكل تقرير سنوي للجمعية العامة ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫خامسا ـ الدول املوضوعة في حالة حياد دائم‬
‫احل�ي��اد ال��دائ��م حالة قانونية اختيارية ‪ ،‬توضع فيها ال��دول��ة بناءعلى‬
‫معاهدة أو اتفاقية ‪ ،‬ومقتضاها تقييد بعض اختصاصات الدولة اخلارجية‬
‫كالقيام بحرب أو عقد بعض أنواع املعاهدات ((( ‪.‬‬
‫وق��د وج��د نظام احل�ي��اد ف��ي أورب��ا خ�لال ال�ق��رن التاسع عشر لتحقيق‬
‫غرضني ‪ :‬ـ‬
‫األول ‪ :‬حماية الدول الضعيفة ذات املوقع االسترتيجي الهام التي يعتبر‬
‫وجودها ضروريا للمحافظة على التوازن الدولي القائم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حماية السلم الدولي بإيجاد دولة عازلة تفصل بني دولتني‬
‫قويتني أو معروفتني بعدائها الدائم لبعضها ‪.‬‬
‫االلتزامات املترتبة على احلياد الدائم‬
‫وهي على نوعني منها ما يخص الدولة التي توضع في حالة حياد دائم‬
‫ومنها ما يخص الدول األخرى ‪.‬‬
‫‪ – 1‬االلتزامات اخلاصة بالدولة املوضوعة في حالة حياد دائم‬
‫وتشمل هذه االلتزامات امتناع الدولة املوضوعة في حالة حياد دائم‬
‫االشتراك في أي حرب سواء كانت واقعة فعال أو محتملة الوقوع في املستقبل‪،‬‬
‫ماعدا احل��رب التي تدخلها في حالة االعتداء عليها استعماالً حلق الدفاع‬
‫الشرعي ولها في سبيل ذلك أن تتخذ ما تراه مناسبا من إجراءات ‪ ،‬كإعداد‬
‫القوات املسلحة وحتصني احلدود‪.‬‬
‫كما وميتنع عليها أيضا السماح ألح��دى ال��دول املتحاربة باستخدام‬
‫أراضيها أو أنشاء قواعد عسكرية عليها أو السماح لها بالتدخل في شئونها‬
‫الداخلية ‪ ،‬وكذلك يحرم عليها عقد معاهدات أو اتفاقات عسكرية كمعاهدات‬
‫التحالف وم�ع��اه��دات امل�س��اع��دة امل�ت�ب��ادل��ة‪ ،‬وذل��ك مل��ا ق��د ت�ق��ود إل�ي��ه مثل هذه‬
‫املعاهدات من وض��ع الدولة احملايدة حياداً دائماً في موقف املتحيز لدولة‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 171‬‬ ‫((( ‬

‫‪348‬‬
‫دون ال��دول األخ��رى مما قد يجرها إلى الدخول في حرب تتعارض مع هذا‬
‫احلياد (((‪.‬‬
‫وق��د اختلف ال�ش��راح ح��ول حق ال��دول��ة املوضوعة في حالة حياد دائم‬
‫في الدخول في املنظمات الدولية كمنظمة األمم املتحدة ‪ ،‬وقد دافع الفقيه‬
‫جورج سل ‪ ،‬عن حق هذه الدول في الدخول في املنظمات الدولية العامة ‪،‬‬
‫ويرى أنه التعارض بني فكرة احلياد وفكرة التنظيم الدولي ‪ ،‬وقد أيده الفقيه‬
‫ردسلوب‪ ،‬إال أن أعضاء املنظمات الدولية يضمنون سالمة أقاليمهم ضماناً‬
‫متبادالً ‪ ،‬ويلتزمون باالشتراك في التدابير العسكرية اجلماعية ‪ ،‬وهذا يتنافى‬
‫مع واجب الدولة احملايدة حياداً دائماً في االمتناع عن كل ما ميكن أن يجرها‬
‫إلى احلرب ((( ‪.‬‬
‫‪ – 2‬التزامات الدول األخرى‬
‫تلتزم الدول األخرى إزاء الدول املوضوعة حتت احلياد الدائم باالمتناع‬
‫عن كل ما يهدد أو يخل بهذا احلياد ‪ ،‬كاستعمال الضغط السياسي أو العسكري‬
‫أو الهجوم أو إع�لان احل��رب ‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك تلتزم ال��دول التي ضمنت‬
‫حياد الدولة املوضوعة في حالة حياد دائم ‪ ،‬الدفاع عنها في حالة انتهاك‬
‫حرمة حيادها ‪ ،‬وهذا ما فعلته إجنلترا عام ‪1914‬م عقب اعتداء أملانيا على‬
‫بلجيكا التي كانت في حالة حياد دائم وكانت إجنلترا إحدى الدول الضامنة‬
‫حلياد بلجيكا الدائم ‪.‬‬
‫ومن أمثلة احلياد الدائم سويسرا التي كانت قد وضعت في حالة حياد‬
‫دائم مبوجب مؤمتر فيينا سنة ‪1815‬م ‪ ،‬وهي اآلن عضواً في منظمة األمم‬
‫املتحدة منذ سنة ‪2002‬م ‪ ،‬وكذلك النمسا حيث وضعت في حالة حياد دائم‬
‫في سنة ‪1955‬م ‪ ،‬وكان ذلك مبوجب معاهدة صلح عقدت معها في ذلك العام‬
‫‪ ،‬وهي عضواً في منظمة األمم املتحدة منذ سنة ‪1955‬م ‪.‬‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 321‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 171‬‬ ‫((( ‬

‫‪349‬‬
‫سادس ًا ـ األقاليم التي تخضع لنظام التدويل‬
‫ويقصد بها األقاليم التي تخضع مباشرة إلدارة دولية مبوجب معاهدات‬
‫جماعية ‪ ،‬ولقد طبق هذا النظام بعد احلرب العاملية األولى على مدينة دانتزج‬
‫وعلى إقليم السار وطنجة ‪.‬‬
‫ومن األقاليم املوضوعة أو اخلاضعة لنظام التدويل هي منطقة (ترستا)‬
‫وه��ي منطقة واق�ع��ة ب�ين ايطاليا ويوغسالفيا السابقة ‪ ،‬وتتكون م��ن مدينة‬
‫أكثريتها من اإليطاليني ومن منطقة مجاورة لها أكثريتها من اليوغسالفيني‪،‬‬
‫وتبلغ مساحتها ‪ 783‬كيو متر مربع ‪ ،‬وق��د ضمت ترستا إل��ى ايطاليا بعد‬
‫احلرب العاملية األولى ‪ ،‬وملا هزمت ايطاليا في احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬قررت‬
‫معاهدة الصلح املعقودة بني احللفاء وايطاليا عام ‪1947‬م أن تكون ترستا‬
‫منطقة حرة حتت إدارة دولية يتولى إدارتها حاكم يعينه مجلس األمن ‪.‬‬
‫وفي عام ‪1954‬م قسمت ترستا إلى املنطقة ( أ ) وهي تتكون من مدينة‬
‫ترستا وقد أحلقت بايطاليا ‪ ،‬واملنطقة ( ب ) وقد أحلقت بيوغسالفيا السابقة‬
‫‪ ،‬ووافقت احلكومة اإليطالية على اعتبار ميناء ترستا مينا ًء حراً ‪ ،‬كما التزمت‬
‫الدولتان باحترام حقوق اإلنسان ‪ ،‬وع��دم التمييز العنصري وحماية حقوق‬
‫األقليات ‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫حيـاة ال ــدول‬

‫إن الدولة كشخص قانوني تشبه الشخص الطبيعي ‪ ،‬حيث إنها تنشأ‬
‫ويتم االعتراف بها ‪ ،‬وتستمر في البقاء وقد حتدث ظروف معينة تؤدي بها إلى‬
‫االنتهاء ألي سبب من األسباب كتفككها وتقسيم إقليمها بني الدول األخرى‪ ،‬أو‬
‫إنضمامها إلى احتاد معني ‪ ،‬أو فقدان إقليمها ألي سبب كان ‪ ،‬لذلك سنقسم‬
‫ه��ذا الفصل إل��ى مبحثني ‪ ،‬نبحث في األول ‪ ،‬نشوء ال��دول��ة ‪ ،‬وف��ي الثاني ‪،‬‬
‫االعتراف بالدولة ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫املبحث األول‬
‫نشـوء الــدولة‬

‫يتفق معظم الفقهاء على أن والدة ال��دول��ة ع�ب��ارة ع��ن ح��دث تاريخي‬
‫اجتماعي اقتصادي سياسي ‪ ...‬وراء القانون وقبله ‪ ،‬فالقانون ال يوجد عوامل‬
‫تكوين الدولة بل هو ينجم عنها‪ ،‬وعندما تتكون الدولة وتولد فبفعل وجودها‬
‫وحده وكنتيجة له يقوم نظامها القانوني (((‪ ،‬فنشوء الدولة عبارة عن حدث‬
‫مجرد من الصفة القانونية (((‪ ،‬وتنشأ الدول بأساليب مختلفة ميكن تقسيمها‬
‫كما يلي‪:‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ نشوء الدولة من عناصر جديدة‬
‫ تنشأ ال��دول ع��ادة باستقرار مجموعة من األف��راد على أقليم معني‬
‫بشكل مستمر ويظهر فيها تنظيم سياسي وي��ؤدي ذل��ك إل��ى إكتمال جميع‬
‫عناصر الدولة وتثبت وجودها كوحدة سياسية قائمة بذاتها ‪ ،‬وهكذا نشأت‬
‫أغلب الدول القدمية ‪ ،‬ونادر حصول ذلك في الوقت احلاضر ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ نشوء الدولة من عناصر قدمية‬
‫ قد تنشأ ال��دول��ة من عناصر قدمية م��وج��ودة أس��اس�اً ‪ ،‬ونتيجة لعدة‬
‫أسباب نبينها كما يلي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ االنفصال‬
‫كأن تنفصل مستعمرة أو مقاطعة أو أقليم بالقوة املسلحة عن الدولة‬
‫التي كانت تابعة لها ‪ ،‬وبهذا األسلوب نشأت العديد من ال��دول ‪ ،‬ومن هذه‬

‫(( ( د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و د ـ عمر أب��و بكر باخشب ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬
‫‪.249‬‬
‫((( وقد تأكد هذا الرأي في التقرير الذي قدمته جلنة الفقهاء في ‪ 1920 / 9 / 5‬بشأن جزر‬
‫آالند والذي جاء فيه بأن « حتول الدولة يتم بوسائل واقعية خارجة عن نطاق القانون ـ‬
‫أنظر د ـ عصام العطية ـ ص ‪. 326‬‬

‫‪352‬‬
‫الدول الواليات املتحدة األمريكية عندما انفصلت عن بريطانيا سنة ‪1776‬م‪،‬‬
‫والبرازيل عن البرتغال عام ‪1822‬م‪ ،‬واملستعمرات االسبانية في وسط وجنوب‬
‫امريكا الالتينية من سنة ‪1810‬م إلى سنة ‪1825‬م‪ ،‬واليونان عندما انفصلت‬
‫عن تركيا سنة ‪1827‬م‪.‬‬
‫وقد تلعب القومية وعوامل دولية أخرى دوراً في تقسيم الدول ‪ ،‬كما حدث‬
‫بالنسبة لتقسيم الباكستان إلى دولتني سنة ‪1972‬م وهي دولة بنغالديش ودولة‬
‫باكستان ‪ ،‬كما حدث بالنسبة لدولة تشيكوسلوفاكيا ‪ ،‬حيث قسمت بعد انهيار‬
‫املنظومة االشتراكية إلى دولة التشيك ودولة السلوفاك في ‪1993/1/1‬م‪.‬‬
‫كما يلعب الدين وعوامل دولية أخرى دوراً في تقسيم الدول‪ ،‬كما حدث‬
‫بالنسبة إلنفصال أقليم كوسوفو عن دولة صربيا واعالنه دولة في ‪2008/2/17‬م‬
‫مت االعتراف بها من قبل الواليات املتحدة األمريكية وقسم من الدول األخرى‪،‬‬
‫وكذلك تقسيم الهند إلى دولتني باكستان والهند سنة ‪1947‬م‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ التفكك‬
‫ويكون بتفكك دولة كبيرة إلى عدة دول صغيرة على أثر حرب أو حركة‬
‫انفصالية ‪ ،‬كما حدث بالنسبة المبراطورية النمسا واملجر عقب احلرب العاملية‬
‫األولى ‪ ،‬فقد نشأ من تفككها ثالث دول وهي النمسا واملجر وتشيكوسلوفاكيا‪،‬‬
‫وكما حدث للدول البلطيقية (استونيا‪ ،‬التفيا‪ ،‬لتوانيا) التي نشأت بعد تفكك‬
‫روسيا القيصرية سنة ‪1917‬م ‪ ،‬ثم ضمها إليه بعد ذلك االحتاد السوفيتي سنة‬
‫‪1940‬م‪ ،‬وتفكك جمهورية يوغسالفيا االحتادية بعد انهيار االحتاد السوفيتي‬
‫والدول االشتراكية سنة ‪1990‬م إلى عدة دول ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ االستيالء‬
‫ويكون باحتالل منطقة خالية وغير مأهولة بالسكان أو مسكونة بقبائل‬
‫بدائية ‪ ،‬كنشوء جمهورية ليبريا في أفريقيا الغربية سنة ‪1822‬م من عدد من‬
‫الزنوج احملررين مبساعدة جمعية أمريكية إنسانية‪ ،‬ونشوء دولة الترنسفال‬
‫في جنوب أفريقيا سنة ‪1837‬م من البوير وهم احفاد املهاجرين الهولندين‬

‫‪353‬‬
‫إلى أفريقيا(((‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االحتاد‬
‫وقد تنشأ الدولة نتيجة احتاد عدة دول صغيرة في دولة واحدة بسيطة‬
‫أو مركبة ‪ ،‬كما لو احتدت دولتان أو عدة دول وأصبحت دولة واحدة ومن ذلك‬
‫احلركات القومية التي أدت إلى توحيد إيطاليا وأملانيا ‪ ،‬واحتاد سوريا ومصر‬
‫في دولة واحدة سنة ‪1958‬م سميت اجلمهورية العربية املتحدة ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ االستفتاء‬
‫وق��د تنشأ الدولة نتيجة استفتاء شعبي كما ح��دث في ال�س��ودان سنة‬
‫‪1956‬م‪ ،‬وغينيا اجلديدة سنة ‪1959‬م ‪ ،‬ومدغشقر سنة ‪1960‬م أثر االستفتاء‬
‫الذي أجرته فرنسا في أواخر سنة ‪ 1958‬في مختلف األقاليم اخلاضعة للحكم‬
‫الفرنسي ‪ ،‬وكما حدث للكونغو البلجيكي ابتدا ًء من ‪1960/6/25‬م‪ ،‬ثم لبقية‬
‫الدول األخرى التي كانت مستعمرات فرنسية وبريطانية سنة ‪1961‬م ((( ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ بعمل قانوني‬
‫وقد تنشأ الدولة بعمل قانوني‪ ،‬وقد يكون هذا العمل القانوني‪ ،‬قانوناً‬
‫داخ�ل�ي�اً ‪ ،‬فالفلبني ن�ش��أت مب��وج��ب ق��وان�ين أمريكية ص��درت سنة ‪1934‬م ‪،‬‬
‫والقانون الداخلي البريطاني الذي اعلن استقالل دولتي باكستان والهند في‬
‫‪1947/7/18‬م‪.‬‬
‫أو أن يكون العمل القانوني املنشيء للدولة معاهدة دولية ‪ ،‬كاملعاهدة‬
‫اإلجن�ل�ي��زي��ةـ االي��رل�ن��دي��ة امل�ع�ق��ودة سنة‪1921‬م ال�ت��ي ن�ش��أت مبوجبها إيرلندا‬
‫احل��رة‪ ،‬واالت�ف��اق��ات التي عقدت ب�ين بريطانيا وام��ارات اخلليج العربي بني‬
‫عامي ‪1970‬م و‪1971‬م والتي مبوجبها نشأت دول��ة البحرين وقطر ودول��ة‬
‫االمارات العربية املتحدة ‪ ،‬واالتفاقات التي عقدتها الدول التي تتولى إدارة‬
‫أقاليم موضوعة حتت حمايتها أو وصايتها أو بخصوص مستعمراتها والتي‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 178‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 165‬‬ ‫((( ‬

‫‪354‬‬
‫أدت إلى ظهور العديد من الدول في أفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية خالل‬
‫الفترة من ‪1960‬م – ‪1985‬م ((( ‪.‬‬
‫وقد يكون العمل املنشيء للدولة صادرا من هيئة دولية ((( كقرار مؤمتر‬
‫لندن ع��ام ‪ 1912‬والقاضي بإنشاء ألبانيا ‪ ،‬وق��رار اجلمعية العامة لألمم‬
‫املتحدة الصادر في ‪1949/11/21‬م بإنشاء مملكة ليبيا (((‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ االنشطار‬
‫وق��د تنشأ ال��دول نتيجة لتجزئتها أو إنقسامها سياسياً ‪ ،‬فقد حدث‬
‫بعد احل��رب العاملية الثانية ونتيجة للحرب ال�ب��اردة ب�ين ال�ش��رق وال�غ��رب لم‬
‫تستطع ال��دول األربعة الكبرى من االتفاق على تسوية إقليمية لبعض الدول‬
‫مما أدى إلى جتزئتها إلى شطرين ‪ ،‬كما حدث بالنسبة الملانيا التي انقسمت‬
‫إلى جمهورية أملانيا الدميقراطية أو الشرقية ‪ ،‬والتي كانت ضمن املعسكر‬
‫الشرقي وأملانيا االحتادية أو الغربية والتي كانت ضمن املعسكر الغربي وذلك‬
‫بعد نهاية احل��رب سنة ‪ ، 1945‬وق��د ع��ادت أملانيا موحدة سنة ‪ 1989‬بعد‬
‫سقوط جدار برلني الذي كان يفصل بني الشطرين ‪ ،‬كذلك قسمت فيتنام إلى‬
‫جمورية فيتنام الشمالية وهي دولة شيوعية وجمهورية فيتنام اجلنوبية التي‬
‫تساندها الواليات املتحدة االمريكية ‪ ،‬وقد وحدت الدولتان بعد االعالن عن‬
‫توحيد شطري فيتنام في ‪ 1970 / 6 / 24‬وإقامة دولة فيتنام التي تضمن‬
‫الشمال واجل�ن��وب وبعد ح��رب دام��ت ثالثني سنة ‪ ،‬وك��ذل��ك قسم اليمن إلى‬
‫جمهورية اليمن الشمالية وجمهورية اليمن اجلنوبية‪ ،‬وقد عادت اليمن موحدة‬
‫بعد ح��رب سنة ‪1994‬م‪ ،‬كما قسمت كوريا إل��ى كوريا الشمالية وه��ي دولة‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 328‬‬ ‫((( ‬


‫كالقرار الصادر عن منظمة األمم املتحدة في ‪ ، 1947 / 11 / 20‬بتقسيم فلسطني إلى‬ ‫((( ‬
‫دولتني ‪ ،‬دولة عربية ودولة اسرائيلية ‪ ،‬وقد قامت اسرائيل في ‪1948/5/15‬م واعترفت‬
‫بها الدول االستعمارية وغيرها ‪.‬‬
‫حيث جاء فيه‪«:‬إن ليبيا مكونة من برقة وطرابلس وفزان ستكون دولة مستقلة ذات سيادة‬ ‫((( ‬
‫‪ ،‬ويجب أن يتحقق ذلك قبل األول من يناير ( أى النار ) ‪1952‬م على أبعد تقدير» وفي‬
‫‪1951 / 2 / 1‬م أحيطت اجلمعية العامة علماً بقيام ليبيا في ‪ 1951/12/ 24‬دولة‬
‫مستقلة ذات سيادة بعد أن نقلت سلطلت الدولة القائمة باإلدارة إلى احلومات الليبية ‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫شيوعية وكوريا اجلنوبية التي تساندها الواليات املتحدة االمريكية ولديها‬
‫قواعد عسكرية فيها ‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫االعتراف بالدولــة‬

‫االعتراف في اللغة بشكل عام هو القبول أو املوافقة على وجود واقعة‬


‫ما أو حالة معينة أو موقف معني ‪ ،‬وفي املعنى املصطلح عليه في العالقات‬
‫الدولية ه��و التسليم م��ن جانب ال��دول القائمة ب��وج��ود ه��ذه ال��دول��ة وقبولها‬
‫كعضو في اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫واالعتراف مسألة ضرورية في العالقات الدولية وفي القانون الدولي ‪،‬‬
‫ذلك أن التغيرات في كيان الدولة ال تتم وفق طرق قانونية متفق عليها ‪ ،‬ومن‬
‫ثم ال بد من موافقة الدول وقبولها بواقع التغيير حتى يتخذ التغيير اساساً‬
‫قانونياً ‪.‬‬
‫وال يزال االعتراف كواحد من التصرفات القانونية الدولية االنفرادية‬
‫يثير اشكاالت قانونية ‪ ،‬فالفقه لم يحسم مسألة ما إذا كان االعتراف تصرفاً‬
‫ال سياسياً وما إذا كان هناك فرق حقيقي بن االعتراف القانوني‬ ‫قانونياً أو عم ً‬
‫‪ de jure‬واالعتراف الواقعي ‪ de facto‬وما إذا كان االعتراف كاشفاً أو منشئاً‬
‫وهكذا ‪ ،‬وما يزال الفقهاء يركزون دارستهم لالعتراف على االعتراف بالدولة‬
‫دون معاجلة املشاكل القانونية الناجمة عن أصناف االعتراف األخرى وآثارها‬
‫في القانون الدولي العام ((( ‪.‬‬
‫ويثير االعتراف عدة قضايا باعتبارة تصرف قانوني يصدر عن اإلرادة‬
‫املنفردة للدولة بقصد ترتيب آث��ار قانونية على واقعة معينة ‪ ،‬منها مسألة‬
‫طبيعة ه��ذا االع�ت��راف والفرق بني االع�ت��راف بالدولة واالع�ت��راف باحلكومة‬
‫وغيرها من الفضايا التي سوف نحاول بحثها في املطالب التالية ‪.‬‬

‫د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 79‬‬ ‫(( (‬

‫‪357‬‬
‫املطلب األول‬
‫املفهوم القانوني لالعتراف‬

‫يقصد باالعتراف ‪ Recognition‬افصاح دولة او أكثر عن إرادتها في‬


‫ال��دخ��ول في عالقات دولية مع دول��ة قائمة بالفعل ‪ ،‬أو دول��ة جديدة ‪ ،‬وهو‬
‫ع��ادة يصدر من جانب ال��دول��ة املعترفة وحدها ‪ ،‬ولكن ذل��ك ال مينع من أن‬
‫يكون االعتراف مبوجب اتفاق بني دولتني أو أكثر يتبادلون االعتراف ‪ ،‬ويعتبر‬
‫االتفاق في هذه احلالة ثنائي االطراف أو متعدد االطراف حسب االحوال(((‪.‬‬
‫واالع�ت��راف إج��راء مستقل عن نشأة ال��دول��ة ‪ ،‬فالدولة تنشأ باجتماع‬
‫العناصر الالزمة لتكوينها ‪ ،‬وإذا ما نشأت ثبتت لها السيادة على أراضيها‬
‫وعلى رعاياها ‪ ،‬لكنها ال تتمكن من ممارسة هذه السيادة في اخلارج ومباشرة‬
‫حقوقها في مواجهة الدول األخرى إال إذا اعترفت هذه الدول بوجودها ((( ‪.‬‬
‫وق ��د ع ��رف م�ع�ه��د ال �ق��ان��ون ال��دول��ي ف��ي دورة ان �ع �ق��اده ف��ي ب��روك�س��ل‬
‫في‪1936/4/26‬م االع�ت��راف بالدولة اجلديدة كاآلتي‪«:‬االعتراف عمل حر‬
‫تقر مبقتضاه دولة أو مجموعة من الدول ‪ ،‬بوجود جماعة لها تنظيم سياسي‬
‫في إقليم معني‪ ،‬مستقلة عن كل دولة أخرى ‪ ،‬وق��ادرة على الوفاء بالتزامات‬
‫القانون الدولي ‪ ،‬وتظهر الدول باالعتراف نيتها في اعتبار هذه الدولة عضواً‬
‫في اجلماعة الدولية»‪.‬‬
‫وحيث إن االعتراف يصدر عن اإلرادة املنفردة للدولة املعترفة ‪ ،‬فلذلك‬
‫يشترط لصحته توافر جميع شروط الصحة التي يجب توافرها في التصرفات‬
‫القانونية ال��دول�ي��ة ال �ص��ادرة ع��ن اإلرادة امل�ن�ف��ردة ‪ ،‬ف�لا ب��د م��ن متتع الدولة‬
‫املعترفة باألهلية ‪ ،‬وال بد من تعبير صحيح عن إرادة الدولة يقع على واقعة‬
‫معينة وهي محل التصرف ‪ ،‬ويكون هذا التعبير غير مشوب بعيب من عيوب‬

‫د ـ محمد السعيد الدقاق ـ التنظيم الدولي ـ دار املطبوعات اجلامعية ـ اإلسكندرية ـ‬ ‫((( ‬
‫‪1986‬م ـ ص ‪. 73‬‬
‫د ـ علي صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 166‬‬ ‫((( ‬

‫‪358‬‬
‫الرضا‪ ،‬وأن يكون التصرف مشروعاً لكي يرتب االعتراف آثاره القانونية في‬
‫القانون الدولي ‪.‬‬
‫واالع�ت��راف عمل سياسي ألن��ه يعبر عن مصلحة أي شخص دول��ي إذا‬
‫صدر عنه ‪ ،‬فيعود تقديره ومدى مناسبته له ‪ ،‬كل ذلك من أجل حتقيق غاية‬
‫سياسية ‪ ،‬فإذا صدر فإنه يعبر عن إرادة الشخص الدولي وذلك عن طريق‬
‫صياغته في شكل قانوني ‪ ،‬فيكون تصرفاً قانونياً من جهة ص��دوره ويكون‬
‫ال سياسياً من جهة مقاصده ((( ‪ .‬فقد اعترفت الواليات املتحدة االمريكية‬
‫عم ً‬
‫ودول اوربية أخرى بدولة كوسفو وعاصمتها برشتينا بعد انفصالها عن صربيا‬
‫مباشرة سنة ‪ ، 2008‬وهي التي كانت إقليم يتمتع باحلكم الذاتي الداخلي‬
‫ويتبع جمهورية صربيا رغم معارضتها لهذا االعتراف ‪.‬‬

‫املطلب الثاني‬
‫طبيعة االعتــراف‬

‫توجد نظريتان في تكييف طبيعة االع�ت��راف بالدولة اجل��دي��دة ‪ ،‬هما‬


‫نظرية االعتراف املنشىء ونظرية االعتراف االقراري أو الكاشف ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ نظرية االعتراف املنشىء‬
‫ق��ال بهذه النظرية وداف��ع عنها فقهاء امل��ذه��ب اإلرادي أم�ث��ال ترابيل‬
‫‪ H.Triepel‬وانزلوتي ‪ Anzillotti‬ويلينك ‪ Jellink‬وأوبنهامي ‪Oppenheim‬‬
‫ولوتر باخت ‪ Lauterpacht‬وشتروب ‪ K.Strupp‬وغيرهم ‪ ،‬وفي رأي هؤالء أن‬
‫االعتراف وسيلة قانونية لنشوء الدولة املعترف بها ‪ ،‬والدولة تكون وتصبح‬
‫شخصا دوليا من خالل االعتراف وال شيء غير االعتراف ‪.‬‬
‫وعليه ف��االع�ت��راف مب��وج��ب ه��ذه النظرية ه��و ال��ذي يخلق الشخصية‬

‫د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 81‬‬ ‫((( ‬

‫‪359‬‬
‫القانونية للدولة اجلديدة ‪ ،‬وهو الذي مينحها الوجود القانوني في اجلماعة‬
‫الدولية باعتبارها شخصا من أشخاص القانون الدولي العام ‪ ،‬وبدون االعتراف‬
‫تبقى الدولة مجرد واقعة سياسية تكتمل عناصرها في القانون الداخلي من‬
‫شعب وإقليم وحكومة وعلى أسس أجتماعية وسياسية وتاريخية ‪ ،‬ولكن هذه‬
‫العناصر غير كافية لوجود الدولة القانوني في املجتمع الدولي ‪.‬‬
‫وقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات (((‪ :‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ إن هذه النظرية تبالغ كثيراً في االعتماد على دور اإلرادة ‪ ،‬فطبقا‬
‫لهذه النظرية ‪ ،‬ف��ان ات�ف��اق إرادات ال��دول ه��و ال��ذي يخلق ال��دول��ة اجلديدة‬
‫ومينحها أهلية اكتساب احلقوق ‪ ،‬وبدون هذه اإلرادة اخلارجية فإن الدولة ال‬
‫ميكن أن توجد ‪ ،‬فإرادة اآلخرين هي التي تبعث فيها احلياة القانونية ‪ ،‬وواضح‬
‫ما في هذا من مبالغة في تقرير دور اإلرادة في نشوء العالقات القانونية ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إنها تتعارض مع االعتبارات االجتماعية والتاريخية املتعلقة بتكوين‬
‫الدول ‪ ،‬فنشأة الدولة حدث تاريخي متليه عليها ظروف اجتماعية وسياسية‬
‫وتاريخية معينة ‪ ،‬وال ميكن جعل وج��وده أو عدمه وقفاً على تقدير إرادات‬
‫الدول ألنه مستقل عنها ‪.‬‬
‫ف��رف��ض االع �ت��راف ب��ال��دول��ة ال ي��زي��ل وج��وده��ا مهما ط��ال االم�ت�ن��اع عن‬
‫االعتراف بها ‪ ،‬فقد امتنعت الدول األوربية عن االعتراف بتركيا ‪ ،‬ثم اضطرت‬
‫إلى االعتراف بها في معاهدة باريس املعقودة عام ‪ ، 1856‬ولم تعترف الواليات‬
‫املتحدة باليمن إال في سنة ‪ ، 1950‬وال بالصني الشعبية إال في سنة ‪.1978‬‬
‫‪ 3‬ـ إن ه��ذه النظرية تتناقض م��ع التعامل ال��دول��ي ‪ ،‬ألن ال�ق��ول بأن‬
‫االعتراف منشيء لشخصية الدولة معناه عدم وجودها القانوني ‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫تستطيع الدولة أن تستند إلى قواعد القانون الدولي قبل االعتراف بها ‪ ،‬فتعد‬
‫أموالها ال مالك لها ويجوز احلجز عليها ‪ ،‬وتعامل سفنها احلربية معاملة سفن‬
‫القرصنة ‪ ،‬وال تنفذ تصرفاتها القانونية جتاه الدول األخرى وال تترتب على‬
‫مخالفتها القواعد الدولية ‪ ،‬املسئولية الدولية ‪ ،‬كذلك ال يتمتع رئيس الدولة‬

‫أنظر د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 332‬‬ ‫((( ‬

‫‪360‬‬
‫وال ممثلوها الدبلوماسيني باالمتيازات واحلصانات املقررة في القانون الدولي‬
‫‪ ،‬بينما جند أن التعامل الدولي يؤكد عكس ذلك ‪ ،‬فاالتصاالت الدبلوماسية‬
‫بني أملانيا الشرقية وأملانيا الغربية كانت قائمة بالرغم من ع��دم اعتراف‬
‫األخ�ي��رة ب��ال��دول��ة األول��ى ‪ ،‬وف��ي مجال املسؤولية ال��دول�ي��ة اعتبرت ال��والي��ات‬
‫املتحدة األمريكية كوريا الشمالية مسئولة عن بعض احل��وادث البحرية رغم‬
‫أنها لم تعترف بها ‪.‬‬
‫ثاني ًا ـ نظرية االعتراف االقراري أو الكاشف‬
‫وبعكس النظرية السابقة تذهب ه��ذه النظرية إل��ى أن ال��دول��ة تعتبر‬
‫شخصاً من أشخاص القانون الدولي متى توافرت لها أركانها ‪ ،‬وبذلك تتمتع‬
‫الدولة بالشخصية القانونية منذ وجودها ‪ ،‬وإن االعتراف يقتصر أثره على‬
‫متكني الدولة اجلديدة من الدخول في اجلماعة الدولية وفي إقامة عالقات‬
‫دبلوماسية مع الدول األخرى ‪.‬‬
‫ومن ثم فان عدم اعتراف دولة أو أكثر بالدولة اجلديدة ال يترتب عليه‬
‫عدم متتع الدولة بالشخصية القانونية الدولية ‪ ،‬كما تدعو إلى ذلك نظرية‬
‫االعتراف املنشيء ‪ ،‬بل يترتب على ذلك فقط عدم قيام عالقات دولية بني‬
‫الدولة اجلديدة والدول التي ترفض االعتراف بها ‪.‬‬
‫ويؤيد غالبية الفقهاء في الوقت احلاضر هذه النظرية ‪ ،‬كما أن ميثاق‬
‫بوغوتا الذي وقعته الدول االمريكية في ‪ 1948/4/30‬تبنت هذه النظرية حيث‬
‫نصت في املادة التاسعة على أن‪«:‬وجود الدولة السياسي مستقل عن اعتراف‬
‫ال��دول بها»‪ ،‬كما اي��د ه��ذا االجت��اه معهد القانون الدولي في دورت��ه املنعقدة‬
‫في بروكسل في ‪ 1936/4/23‬واعتبر االعتراف بأنه يعبر عن موقف الدولة‬
‫املعترفة بادخال الدولة اجلديدة املعترف بها كعضو في اجلماعة الدولية ‪.‬‬
‫كما أن القضاء الداخلي قد أجته إلى االخذ بهذه النظرية ‪ ،‬فقد جاء‬
‫في القرار الذي أصدرته احملمة العليا في الواليات املتحدة االمريكية سنة‬
‫‪«:1808‬إن سيادة الدولة اجلديدة مستقلة عن معاهدات االعتراف وتسبقها»‪،‬‬
‫كما أن محكمة التحكيم االملانية ـ البولونية املختلطة في ‪1929/8/1‬م أصدرت‬
‫قراراً جاء فيه‪«:‬إن االعتراف ليس منشأ وإمنا هو مجرد إجراء كاشف والدولة‬

‫‪361‬‬
‫توجد بذاتها واالعتراف بها هو تصريح بهذا الوجود»‪.‬‬
‫وقد انتقدت هذه النظرية وذلك كون أن النتيجة التي تترتب عليها هي‬
‫عدم وجود آثار قانونية لالعتراف في الدولة املعترف بها ‪ ،‬ما دام االعتراف‬
‫كاشفاً وليس منشأ ‪ ،‬ودفعت هذه النتيجة ع��دداً من الفقهاء إلى القول بأن‬
‫االع �ت��راف م��ا دام ك��اش�ف�اً فهو ليس بتصرف ق��ان��ون��ي وإمن��ا ه��و م�ج��رد عمل‬
‫سياسي يرتب آثاراً سياسية وهي متكني الدولة املعترف بها من الدخول في‬
‫عالقات دبلوماسية وقانونية معها من قبل احملموعة الدولية ‪ ،‬وهذا التكييف‬
‫لالعتراف يتعارض والواقع السائد بأن االعتراف هو تصرف قانوني ويرتب‬
‫آثاراً قانونية ((( ‪.‬‬
‫ومع ذلك تعتبر هذه النظرية اقرب إلى واقع التعامل الدولي ومقتضيات‬
‫العدالة ‪ ،‬حيث ال ميكن أن تعتمد الدول في وجودها على إرادة دول أخرى قد‬
‫ترغب في االعتراف بها وقد ال ترغب بذلك ‪ ،‬وهذا مناقض للمبدأ السائد‬
‫في العالقات الدولية وهو مبدأ املساواة بني الدول في السيادة وعدم امكانية‬
‫تعليق وجود دولة على موافقة الدول األخرى ‪.‬‬

‫املطلب الثالث‬
‫صور االعت ــراف‬

‫يصدر االع�ت��راف بصور مختلفة ‪ ،‬فقد يكون االع�ت��راف جزئيا مؤقتا‬


‫ويسمى عندئذ االعتراف الواقعي ‪ ،‬وقد يكون نهائياً وكام ً‬
‫ال ويسمى في هذه‬
‫احلالة باالعتراف القانوني ‪ ،‬وقد يصدر االعتراف بصيغة صريحة أو بصيغة‬
‫ضمنية ‪ ،‬وأخيرا قد يصدر بصورة فردية أو جماعية ‪.‬‬

‫د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 124‬‬ ‫((( ‬

‫‪362‬‬
‫ً‬
‫أوال ـ االعتراف الواقعي واالعتراف القانوني‬
‫االع �ت��راف ال��واق�ع��ي ‪ de facto‬ه��و اع �ت��راف م��ؤق��ت ي�ص��در ع��ن ال��دول��ة‬
‫املعترفة ‪ ،‬عندما ال ترغب في إصدار اعتراف سريع أو سابق ألوانه بالدولة‬
‫اجلديدة ‪ ،‬وذلك ألنها التستطيع التأكد من أن الدولة اجلديدة التي نشأت‬
‫سوف تستقر كدولة نظرا للمالبسات التي حتيط بها ‪ ،‬فلذلك ال تعترف بها‬
‫اعترافاً باتاً حتى ال تقع بعد ذلك في إشكاالت االعتراف املبكر غير املستوفي‬
‫لشروطه ‪.‬‬
‫واالعتراف الواقعي اعتراف مؤقت باالمكان إلغاؤه إذا تغيرت الظروف‬
‫التي أدت إلى إصداره ‪ ،‬وذلك أما بسحبه أو بتحويله إلى اعتراف قانوني ‪،‬‬
‫كما أن آثاره محدودة تتعلق في العادة بتنظيم ما بني الدولة اجلديدة والدولة‬
‫املعترفة من مصالح عاجلة ((( ‪.‬‬
‫وهكذا يعطي هذا االعتراف للدول فرصة لالنتظار حتى تتضح حقائق‬
‫املوقف وتستقر األمور دون أن تتهم بأنها وقفت موقفا غير ودي جتاه الدولة‬
‫اجلديدة ‪ ،‬ودون أن تتهم أيضا بأنها تسرعت في إصدار االعتراف ‪ ،‬ومبقتضى‬
‫هذا االعتراف املؤقت تستطيع الدولة اجلديدة إب��رام اتفاقات دولية مؤقتة‬
‫‪ ،‬وتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بصورة استثنائية مع ال��دول التي‬
‫اعترفت بها ‪.‬‬
‫واالعتراف الواقعي تصرفاً سياسياً وليس تصرفاً قانونياً ألنه يرتب‬
‫آثاراً قانونية محددة ‪ ،‬فاآلثار القانونية تكون باتة ونهائية وال ميكن الرجوع‬
‫عنها ‪ ،‬في حني ان االعتراف الواقعي ميكن سحبه والغاؤه وترتيب آثار سياسية‬
‫مؤقتة ومقيدة ‪ ،‬وهذا يتنافى وآثار التصرف القانوني التي ال يجوز سحبها‬

‫عندما قررت الدول االستعمارية قيام دولة اسرائيل سنة ‪1948‬م‪ ،‬اعترفت بها كثير‬ ‫(( (‬
‫من الدول اعترافاً واقعياً ‪ ،‬وذلك لضمان مصاحلها فيها ‪ ،‬ومن ذلك ان فرنسا عقدت‬
‫معها اتفاقا خاصاً بشروط هبوط الطائرات الفرنسية في مطارات اسرائيل ‪ ،‬ووقعه‬
‫عن فرنسا أحد موظفي وزارة الطيران وليس أحد رجال وزارة اخلارجية إذ لم تكن قد‬
‫اعترفت بها اعترافاً قانونياً حتى ذلك احلني ‪ ،‬ثم حولت معظم الدول اعترافها الواقعي‬
‫باسرائيل إل��ى اعتراف قانوني ‪ ،‬فيما ع��دا اي��ران التي رجعت في اعترافها في سنة‬
‫‪1951‬م‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫ألنها تكون ناجزة‬
‫وكثيرا ما تلجأ ال��دول إلى االعتراف الواقعي قبل قيامها باالعتراف‬
‫القانوني ‪ ،‬وبذلك يتم االعتراف على مرحلتني ‪ .‬فقد اعترفت كندا باسرائيل‬
‫اعترافاً واقعيا عام ‪ 1948‬ثم اعترفت بها اعترافاً قانونياً عام ‪. 1949‬‬
‫وكاعتراف مصر باسرائيل فقد اعتبرت زي��ارة أن��ور السادات للقدس‬
‫مبثابة اعتراف واقعي ملصر بها ‪ ،‬وتأكد ذلك في اتفاقات كامب ديفيد في ‪17‬‬
‫‪ ، 1978 / 9 /‬إلى أن مت االعتراف القانوني باسرائيل في معاهدة السالم‬
‫بني الطرفني في ‪1979/3/26‬م ‪.‬‬
‫أم��ا االع�ت��راف القانوني ‪ de jure‬فهو اعتراف حاسم ونهائي وغير‬
‫قابل للرجوع فيه ‪ ،‬لذا ينتج كافة آثار االعتراف ‪ ،‬وميثل نقطة البداية لعالقات‬
‫دبلوماسية مع الدولة املعترف بها ‪.‬‬
‫ويختلف االع �ت��راف ال�ق��ان��ون��ي ع��ن االع �ت��راف ال��واق�ع��ي ‪ ،‬م��ن حيث إن‬
‫االعتراف القانوني ال ميكن سحبه من دولة أو حكومة ملجرد حدوث اضطرابات‬
‫داخلية تؤدي إلى زعزعة كيانها وتهديد بقائها ‪ ،‬فاالعتراف القانوني يعتبر‬
‫مبثابة اعالن ملزم من جانب واحد ال ميكن سحبه إال في حالة حدوث تغييرات‬
‫جوهرية في الظروف احمليطة بحياة الدولة أو احلكومة املعترف بها من شأنها‬
‫التأثير بصورة جدية على استمرار بقائها ((( ‪.‬‬

‫د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 86‬‬ ‫(( (‬


‫د ـ عمر حسن عرس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 131‬‬ ‫((( ‬
‫وأنظر د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ ، 169‬الذي يرى أنه يجوز للدولة ان‬
‫تسحب اعترافها بالدولة اجلديدة بعد أن اعترفت بها ‪ ،‬وبالرغم من بقاء كل املقومات‬
‫الالزمة لوجود هذه الدولة ‪ ،‬ولكنه إج��راء خطير بعد سبق ص��دوره ‪ ،‬وعلى الدولة ان‬
‫تتجنبه ما لم يكن هناك مبرر جدي إلتخاذه ‪ ،‬وال يكون سحب االعتراف إال باعالن‬
‫صريح ‪ ،‬فال يكفي ان تقطع الدولة عالقاتها الدبلوماسية مع الدولة اجلديدة للقول بأنها‬
‫سحبت اعترافها بها ‪ ،‬ألن قطع العالقات الدبلوماسية وإن كان نتيجة لسحب االعتراف‬
‫ال عليه ‪ ،‬فكثيراً ما تقطع دولة عالقاتها بدولة أخرى لسبب أو آلخر دون‬ ‫ليس حتماً دلي ً‬
‫أن يتغير اعتبارها لها كدولة ‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫ثاني ًا ـ االعتراف الصريح واالعتراف الضمني‬
‫االعتراف الصريح هو الذي تنصرف فيه إرادة الدولة إلى االعتراف‬
‫بالدولة اجل��دي��دة بشكل صريح ‪ ،‬بقصد ترتيب آث��ار قانونية ‪ ،‬وي�ك��ون ذلك‬
‫بواسطة ت�ص��رف قانوني علني ورس�م��ي ‪ ،‬وه��و يتم بأشكال مختلفة ‪ ،‬فقد‬
‫يكون بشكل مذكرة دبلوماسية ‪ ،‬كاعتراف الواليات املتحدة األمريكية باململكة‬
‫العربية السعودية سنة ‪ . 1931‬وقد يتمثل بتبادل البرقيات ‪ ،‬كاعتراف فرنسا‬
‫باجلزائر مبوجب البرقية التي ارسلها اجل�ن��رال ديغول إل��ى فرحات عباس‬
‫رئيس احلكومة املؤقتة سنة ‪ 1962‬يهنؤه فيها باالستقالل ‪ .‬كما قد يكون‬
‫على شكل تصريح أو بيان كتصريح أسبانيا باالعتراف باالحتاد السوفيتي‬
‫سنة ‪ . 1933‬كما ق��د يكون االع�ت��راف الصريح مثبتا ف��ي معاهدة ثنائية ‪،‬‬
‫كاعتراف اليابان بكوريا في معاهدة الصلح مع اليابان سنة ‪ , 1951‬وقد يكون‬
‫االعتراف متبادال ًبني الدولتني ‪ ،‬مثل ما مت في معاهدة التران بني الفاتيكان‬
‫وايطاليا لسنة ‪. 1928‬‬
‫أما االعتراف الضمني ‪ ،‬فانه يستخلص من بعض التصرفات التي تقوم‬
‫بها الدولة والتي يفهم منها انصراف نيتها إلى االعتراف بالدولة اجلديدة ‪،‬‬
‫والتعامل الدولي هو الذي يحدد السلوك الذي يفيد اعترافاً ضمنياً ‪ ،‬كإبرام‬
‫معاهدة ثنائية م��ع ال��دول��ة اجل��دي��دة ‪ ،‬أو ت�ب��ادل التمثيل الدبلوماسي معها‬
‫كقرار بريطانيا باعتبار قنصليتها في سايغون مبثابة بعثة دبلوماسية في سنة‬
‫‪1950‬م‪.‬‬
‫أما تبادل التمثيل القنصلي أو اإلبقاء عليه فال يعتبر مظهرا لالعتراف‬
‫الضمني ‪ ،‬ألن مثل هذا اإلجراء يرمي في الغالب إلى حماية ورعاية مصالح‬
‫املواطنني وليس الدخول في عالقات دولية عامة بني األط��راف التي تتبادل‬
‫هذا التمثيل ‪ ،‬كما أن إبقاء أو إنشاء عالقات جتارية مع الدولة غير املعترف‬
‫بها ال يعتبر اعترافاً بتلك الدولة ‪.‬‬
‫كذلك االش �ت��راك ف��ي معاهدة جماعية أو متعددة األط��راف ال يعتبر‬
‫اعترافاً من جانب الدولة بإحدى الدول التي اشتركت أو انضمت إلى املعاهدة‬
‫اجلماعية التي لم تعترف بها ‪ ،‬كما أن التوقيع على معاهدة مع حتفظ الدولة‬
‫أو الدول الصريح فيما يتعلق باالعتراف ‪ ،‬ال يعتبر اعترافاً ضمنياً ‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫واالشتراك في مؤمتر دول��ي ‪ ،‬كاشتراك ال��دول العربية واسرائيل في‬
‫املؤمترات التي عقدتها األمم املتحدة ‪ ،‬كمؤمتر جنيف للبحار عام ‪ 1958‬وعام‬
‫‪ ، 1960‬اليعتبر اعترافاً ضمنياً باسرائيل ‪.‬‬
‫كما أن االت �ص��االت التي تتم ب�ين دول�ت�ين حتى إذا كانت على مستوى‬
‫دبلوماسي عالي ‪ ،‬فال تفيد اعترافاً ضمنياً ‪ ،‬فقد اعلن ناطق باسم الفاتيكان‬
‫في بيروت بان استقبال البابا بولس السادس لوزير خارجية اسرائيل أبا إيبان‬
‫في‪ 1969 / 10 / 6‬ال يعني اعترافاً باسرائيل ‪.‬‬
‫ثالث ًا ـ االعتراف الفردي واالعتراف اجلماعي‬
‫االعتراف الفردي ‪ ،‬هو الذي يصدر صراح ًة أو ضمناً من دولة واحدة ‪،‬‬
‫وهو الصورة الغالبة لالعتراف ‪ ،‬فعادة ما تقوم الدول بشكل منفرد باالعتراف‬
‫بالدولة اجلديدة ‪.‬‬
‫أما االعتراف اجلماعي ‪ ،‬فإنه يتم من عدة دول دفعة واحدة ‪ ،‬ويكون أما‬
‫عن طريق املعاهدات اجلماعية كاالعتراف بجمهورية النمسا ‪ ،‬مبوجب املادة‬
‫األولى من اتفاقية الصلح املعقودة في عام ‪ ، 1955‬أو عن طريق املؤمترات‬
‫الدولية كاالعتراف بتونس من قبل اجلامعة العربية في ‪. ((( 1956 / 4 /8‬‬

‫املطلب الرابع‬
‫أنواع أخرى من االعتراف‬

‫ً‬
‫أوال ـ االعتراف باحلكومة‬
‫من الواضح انه ينبغي التمييز بني االعتراف بالدولة وبني االعتراف‬
‫ب��احل�ك��وم��ة ‪ ،‬ح�ي��ث إن أي تغيير س�ي��اس��ي داخ��ل ال��دول��ة س��وف ال ي��ؤدي إل��ى‬
‫نشوء دولة جديدة ‪ ،‬وإمنا قد يؤدي إلى نظام سياسي جديد أو إلى تشكيل‬

‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 340‬‬ ‫(( (‬

‫‪366‬‬
‫حكومة جديدة وهذا ال يتطلب اعترافاً جديداً بالدولة ‪ ،‬وإمنا يتطلب اعتراف‬
‫باحلكومة اجلديدة حتى تتمكن ال��دول التي يصدر عنها من االستمرار في‬
‫عالقاتها مع الدولة التي تغيرت حكومتها ‪ ،‬وال يترتب على عدم االعتراف‬
‫باحلكومة اجلديدة سوى قطع العالقات الدبلوماسية بني الدولة التي تغيرت‬
‫حكومتها والدولة التي ترفض االعتراف ‪.‬‬
‫وتثار مسألة االعتراف باحلكومة اجلديدة في حالة ما إذا مت التغيير‬
‫بالقوة ‪ ،‬كحدوث انقالب أو ث��ورة أدت إل��ى وج��ود ه��ذه احلكومة اجل��دي��دة ‪،‬‬
‫واالعتراف باحلكومة اجلديدة أمراً ضرورياً من أجل االستمرار في عالقاتها‬
‫مع الدول األخرى ‪ ،‬وعدم االعتراف باحلكومة اجلديدة ال يؤثر في شخصيتها‬
‫الدولية وال في عضويتها في اجلماعة الدولية ‪ ،‬فالتغيير الداخلي ال شأن له‬
‫مبركز الدولة اخلارجي ‪.‬‬
‫ويشترط في احلكومة اجلديدة من أجل االعتراف بها أن تكون قادرة‬
‫على ممارسة سلطاتها احلكومية بشكل فعلي على إقليم الدولة ‪ ،‬وأن تكون‬
‫ق��ادرة على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الدولية ‪ ،‬وذهبت الواليات املتحدة‬
‫االمريكية بعد احلرب العاملية الثانية على محاولة تقييد االعتراف باحلكومة‬
‫اجلديدة إذا لم يوافق عليها الشعب وكانت مفروضة عليه ‪.‬‬
‫ونتيجة لكثرة االنقالبات والثورات التي شهدتها دول امريكا الالتينية‪،‬‬
‫ح��اول ث��وب��ار وزي��ر خ��ارج�ي��ة االك� ��وادور س�ن��ة ‪ 1907‬وض��ع م�ب��دأ مي�ن��ع ال��دول‬
‫مبقتضاه م��ن االع �ت��راف باحلكومات التي تأتي ع��ن طريق ال�ق��وة إال عندما‬
‫جت��ري انتخابات ح��رة وتعود احلياة الدستورية إل��ى سابق عهدها عند ذلك‬
‫ميكن االعتراف باحلكومة اجلديدة ‪.‬‬
‫ويوجد مبدأ آخر معارض ملبدأ ثوبار هو مبدأ إستيرادا وزير خارجية‬
‫املكسيك والذي اعلن في سنة ‪ ، 1930‬في حالة قيام حكومة جديدة في أية‬
‫دول��ة نتيجة النقالب ف��إن املكسيك ستستمر في عالقاتها الدبلوماسية مع‬
‫احلكومة اجلديدة دون البحث في شرعيتها ‪ ،‬ومع هذا لم تلتزم املكسيك بشكل‬
‫مطلق بهذا املبدأ وسلكت مسلك ال��دول األخ��رى في االع�ت��راف باحلكومات‬
‫االنقالبية التي حصلت في امريكا الالتينية ‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫واالعتراف باحلكومة اجلديدة ‪ ،‬قد يكون بشكل صريح كما لو كان في‬
‫مذكرة دبلوماسية أو معاهدة ‪ ،‬وقد يكون ضمنياً بأن تدخل الدولة املعترفة‬
‫ب�ع�لاق��ات يستفاد منها اع�ت��راف�ه��ا بتلك احل�ك��وم��ة ‪ ،‬ك�م��ا ل��و قبلت مبعوثيها‬
‫الدبلوماسيني ‪.‬‬
‫إال أن االعتراف باحلكومة اجلديدة يثير مسألة كيفية التعامل في حالة‬
‫وج��ود حكومة رسمية ووج��ود حكومة فعلية ‪ ،‬أي وج��ود حكومتني ف��ي نفس‬
‫الوقت ‪ ،‬كما حدث في الصني عندما انتصرت قوات ماو تسى تونغ الشيوعية‬
‫في سنة ‪ 1949‬على قوات حكومة تشانغ كاي شيك الوطنية ‪ ،‬واستيالء األولى‬
‫على مقاليد احلكم في الصني وهروب الثانية إلى جزيرة فرموزا ‪ ،‬ولم تعترف‬
‫الدول الغربية بحكومة الصني الشعبية لكونها مؤيدة حلكومة الصني الوطنية‬
‫وبدعوى أن املوقف لم يتضح بعد وإن الصراع بني الفريقني ما زال مستمراً‪.‬‬
‫ومل��ا كانت الصني إح��دى ال��دول اخلمس الدائمة العضوية في مجلس‬
‫األمن ‪ ،‬فقد أثارت مسألة االعتراف بوضعها اجلديد مشكلة دولية على قدر‬
‫كبير من األهمية حتديد اي من احلكومتني القائمتني أحق بتمثيل الصني في‬
‫املنظمة الدولية ‪ ،‬فقد ك��ان ممثلوا حكومة تشانغ ك��اي شيك ميثلون الصني‬
‫في املنظمة الدولية ‪ ،‬وظل الوضع قائماً هكذا حتى أتخذت اجلمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة قراراً في دورتها السادسة والعشرين سنة ‪ 1971‬بطرد الصني‬
‫الوطنية (تايوان ) منها ‪ ،‬وقبول الصني الشعبية في األمم املتحدة ‪.‬‬
‫ثاني ًاـ االعتراف بالثوار‬
‫االعتراف بالثوار يكون عندما حتدث ثورة داخل الدولة من أجل انفصال‬
‫جزء من إقليم الدولة عنها أو مستعمرة من مستعمراتها ‪ ،‬ويقصد بالثورة هنا‬
‫ال�ن��زاع املسلح ال��ذي يكون في مواجهة احلكومة املركزية وال يصل إل��ى حد‬
‫احلرب األهلية ‪ ،‬واالعتراف بالثوار قد يصدر من الدولة نفسها التي حدثت‬
‫فيها الثورة او من الدول األخرى ‪.‬‬
‫ فقد تعترف الدولة نفسها بالثوار وذلك من أجل رفع املسئولية الدولية‬
‫عنها نتيجة األعمال التي تصدر عن الثوار ‪ ،‬حيث يتحملون نتيجة أعمالهم‬
‫مباشرة ‪ ،‬ولكن يترتب على االع�ت��راف ال�ت��زام ال��دول��ة مبعاملة ال�ث��وار الذين‬

‫‪368‬‬
‫يقعون في قبضتها معاملة أسرى احلرب ال كخونة أو مجرمني ‪.‬‬
‫أما إذا اعترفت دول��ة أجنبية بالثوار ففي هذه احلالة ال يترتب على‬
‫االعتراف متتع الثوار بأي حق من احلقوق املمنوحة للمحاربني في القانون‬
‫الدولي ‪ ،‬كحق زيارة وتفتيش سفن الدول األخرى وإقامة احلصر البحري ‪،‬‬
‫كما ال ينتج عنه التزام الدولة املعترفة باحلياد بني الطرفني ((( ‪.‬‬
‫ويعود نشوء االعتراف بالثوار إلى التعامل االمريكي عندما اعترفت‬
‫الواليات املتحدة بالثورة الكوبية ضد اسبانيا في سنة ‪ ، 1868‬فالبنظر لعدم‬
‫اعتراف اسبانيا للثوار الكوبيني بصفة احملاربني ‪ ،‬فإن الواليات املتحدة قد‬
‫منحت اعترافها لهم بصفة الثوار ‪ ،‬وبالنظر ألن احتماالت اعتراف ال��دول‬
‫األخرى بالثوار أكبر من احتماالت اعتراف احلكومة املركزية باحملاربني فقد‬
‫انتشر نظام االع �ت��راف ب��ال�ث��وار وحقق جن��اح�اً ف��ي التعامل ال��دول��ي ف��ي حني‬
‫أنحسر نظام االعتراف باحملاربني ((( ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ االعتراف باحملاربني‬
‫إذا استمرت الثورة وحتولت إلى حالة حرب أهلية وأصبح للثوار حكومة‬
‫منظمة تسيطر على إقليم معني وتباشر سلطاتها عليه ‪ ،‬وكذلك جيش منظم‬
‫يخضع لقواعد احل��رب واحلياد ‪ ،‬عندها نكون أم��ام حالة حرب واالعتراف‬
‫لهؤالء بصفة احملاربني ‪ ،‬واالعتراف قد يصدر من الدولة نفسها التي نشبت‬
‫فيها احلرب ‪ ،‬وقد يصدر من دولة أجنبية ‪.‬‬
‫ فإذا صدر االعتراف من الدولة نفسها ‪ ،‬فيجب عليها االلتزام بقواعد‬
‫القانون الدولي فيما يتعلق مبعاملة هؤالء الذين اعترفت لهم بصفة احملاربني‬
‫‪ ،‬فيجب معاملتهم معاملة أسرى احلرب عند القبض عليهم ‪.‬‬
‫ أما إذا اعترفت دولة أجنبية لهؤالء بصفة احملاربني ‪ ،‬فعندها يجب‬

‫قررت املادة الثامنة من الالئحة التي وضعها مجمع القانون الدولي من أنه ( ال يجوز‬ ‫((( ‬
‫للدول األجنبية ان تعترف للجماعات الثائرة بصفة احملاربني إذا لم يكن في حوزة هؤالء‬
‫إقليم معني ولم تكن لهم حكومة نظامية وقوات مسلحة منظمة ) ‪.‬‬
‫أنظر د ـ زهير احلسني ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 158‬‬ ‫((( ‬

‫‪369‬‬
‫على الدولة املعترفة التزام جانب احلياد في هذه احلرب األهلية واالمتناع‬
‫عن التدخل لصالح أحد الطرفني ‪ ،‬ويحق للمحاربني زي��ارة وتفتيش السفن‬
‫احملايدة وضبط املهربات احلربية وإقامة احلصر البحري وما إلى ذلك (((‪.‬‬
‫ وم��ن االمثلة على االع �ت��راف ب��احمل��ارب�ين ‪ ،‬اع �ت��راف بريطانيا بصفة‬
‫احمل��ارب�ين لالنفصاليني اجلنوبيني في احل��رب األهلية االمريكية في ‪/ 13‬‬
‫‪ 1861 / 5‬باعالنها احلياد في النزاع ‪ ،‬والذي اعتبر مبثابة اعتراف بصفة‬
‫احملاربني لالنفصاليني من قبل احلكومة االمريكية املركزية ‪ ،‬حيث اعترضت‬
‫على هذا القرار واعتبرته تصرفاً سابقاً ألوانه وغير ودي ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االعتراف بأمة‬
‫ وقد ظهر هذا النوع من االعتراف خالل احلرب العاملية األولى بصدد‬
‫إنشاء دول بولونيا ‪ ،‬تشيكوسلوفاكيا ‪ ،‬فقد تشكلت في فرنسا جلان وطنية‬
‫تضم أسرى بولونيني وتشيكيني والذين مت حتريرهم من سيطرة اجليش االملاني‬
‫‪ ،‬وهي اللجنة الوطنية البولونية واللجنة الوطنية التشيكية ‪ ،‬وأنشىء جيشاً‬
‫قومياً ومجلساً حربياً لكل جلنة لقيادة هذين اجليشني ‪ ،‬ويصدر أوامره باسم‬
‫األمة ‪ ،‬وقد اعترفت بعد ذلك بعض الدول باألمة البولونية واألمة التشيكية ‪،‬‬
‫وقد سهل هذا االعتراف لشعوب هذه البلدان االشتراك مع قوات احللفاء في‬
‫العمليات العسكرية ‪.‬‬
‫وقد تكرر هذا النوع من االعتراف في احل��رب العاملية الثانية عندما‬
‫قامت ك��ل م��ن فرنسا وبريطانيا ب��االع�ت��راف باللجنة الوطنية التشيكية في‬
‫‪1939/11/14‬م‪ ،‬وبعد هزمية فرنسا في سنة ‪1940‬م غ��ادرت اللجنة إلى‬
‫بريطانيا حيث مت االعتراف بها من قبل احلكومة االجنليزية كحكومة مؤقتة ‪،‬‬
‫كما حصلت على اعتراف االحتاد السوفييتي والواليات املتحدة االمريكية في‬
‫‪1941/7/18‬م و‪1941/7/20‬م على التوالي ‪.‬‬

‫وقد أكد القضاء الدولي مبدأ التزام احلياد ‪ ،‬فقد أدانت محكمة التحكيم في حكمها‬ ‫((( ‬
‫الصادر في ‪1872/9/14‬م في قضية االلباما املشهورة‪ ،‬اجنلترا ملخالفتها قواعد العرف‬
‫الدولي املتعلقة بواجبات احملايدين‪ ،‬وذلك ملساعدتها الواليات اجلنوبية ضد احلكومة‬
‫املركزية في الشمال بعد االعتراف لهم بصفة احملاربني أثناء احلرب األهلية االمريكية‪.‬‬

‫‪370‬‬
‫وهذا االعتراف مما الشك فيه هو إجراء استثنائي أملته ظروف معينة‬
‫وغرضه سياسي ‪ ،‬حيث كان الغرض منه هو إشراك اجلماعات القومية في‬
‫احلرب ضد املانيا إلى جانب احللفاء ‪ ،‬ولتوفير مركز قانوني ليغطي اآلثار‬
‫الناجمة عن وجود اللجنتني البولونية والتشيكية على أراضيها ‪ ،‬ويعتبر هذا‬
‫االعتراف ذو طبيعة منشئة حاله حال االعتراف بالثوار واالعتراف باحملاربني‪،‬إذ‬
‫لوال هذا االعتراف ملا أمكن لهاتني اللجنتني أن يتمتعا باآلثار القانونية التي‬
‫وفرها االعتراف لهما‪ ،‬وملا أمكن أن يتمتعا مبركز قانوني في مواجهة الدول‬
‫التي اعترفت بهما‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ االعتراف بحكومة املنفى‬
‫وهي تتكون من أعضاء احلكومة الشرعية الذين يضطرون ملغادرة بالدهم‬
‫إلى بلد مضيف بسبب االحتالل األجنبي ‪ ،‬وتقوم هذه احلكومة مبمارسة بعض‬
‫الصالحيات التمثيلية للدولة جتاه من يعترف بها من ال��دول األخ��رى ‪ ،‬وقد‬
‫كانت هناك عدة حكومات في املنفى أثناء احلرب العاملية الثانية كاحلكومة‬
‫البلجيكية والبولونية والهولندية والنرويجية ‪ ...‬في لندن ‪.‬‬
‫واملشكلة هنا ال تتصل باالعتراف بقدر اتصالها مبدى االختصاصات‬
‫التي ميكن أن متارسها هذه احلكومة اجلديدة ‪ ،‬حيث تفتقد الفاعلية واإلقليم‬
‫الذي ميكنها من أن متارس سيطرتها عليه ((( ‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫تنشأ ال��دول��ة باكتمال عناصرها األساسية م��ن شعب واقليم وسلطة‬
‫سياسية وقد نشأت أغلب الدول باكتمال هذه العناصر بطريقة عادية ‪.‬‬
‫ غير أن ثمة دول قد تنشأ نتيجة انسالخ جزء من دولة أخري وصيرورته‬
‫دولة قائمة بذاتها كما حدث بالنسبة للدول اجلديدة التى نشأت عقب احلرب‬
‫العاملية األول��ي نتيجة تفكك امبراطورية النمسا واملجر وان�ت��زاع أج��زاء من‬
‫أملانيا‪ .‬كما نشأت دولة بنجاالديش في ديسمبر ‪ 1971‬نتيجة انسالخ جزء من‬
‫دولة باكستان ‪.‬‬

‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 318‬‬ ‫((( ‬

‫‪371‬‬
‫ وتنشأ الدولة كذلك نتيجة احت��اد عدة دول في دول��ة واح��دة بسيطة‬
‫أو فيدرالية كما حدث مثال بالنسبة للجمهورية العربية املتحدة حيث نشأت‬
‫إثر احتاد سوريا ومصر في دولة واحدة ‪ ،‬أو كما حدث بالنسبة لتنزانيا حيث‬
‫تكونت من زجنبار وتنجانيقا‪ .‬ثم توالت باكستان قطع عالقاتها الدبلوماسية‬
‫مع الدول التى تعترف بالدولة الوليدة املسماه باجنالديش(((‪.‬‬
‫االعتراف بالدولة ‪La Reconnaissance‬‬

‫ تتكون الدولة بالتدريج عبر التاريخ ‪ .‬فمشكلة تكوين الدولة هى التى‬


‫تسمح ببيان متى تتجمع العناصر الالزمة لنشأة الدولة ‪.‬‬
‫ وبالنسبة للدول القدمية التىمت تكييفها كدولة منذ زمن بعيد ‪ .‬ولكن‬
‫األمر يختلف بالنسبة للدول اجلديدة التى تتكون غالباً عقب ثورة أو انقالب‬
‫أو انفصال أو حرب دولية‪ .‬وهنا‪ ،‬فإن املعيار الوحيد لبيان قيام الدولة هو‬
‫املعيار املوضوعى املبني على املالحظة‪ ،‬إذ يجب أن تعرف ما إذا كان قد تكامل‬
‫اجتماع العناصر الرئيسية للدولة وهى الشعب واإلقليم والسلطة السياسية‪،‬‬
‫أم تفتقد اجلماعة أحد تلك العناصر‪ ،‬وبناء على ذلك تعتبر الدولة قائمة –‬
‫من الناحية املوضوعية – من عدمه‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وعادة ما يثور شك في توافر عنصر السلطة السياسية املستقلة ويكون‬
‫اع�لان مولد الدولة اجلديدة مجرد مظاهرة سياسية دولية القناع املجتمع‬
‫الدولى بأن دولة جديدة قد نشأت على أساس دميقراطى وانسانى‪ .‬من ذلك‬
‫أن دولة احتاد جنوب افريقيا العنصرية جلأت إلى حيلة تريد من ورائها اقناع‬
‫املجتمع ال��دول��ى ب��أن األفريقيني فيها يتمتعون باستقالل حقيقي ويحكمون‬
‫أنفسهم بانفسهم فأعلنت حكومة جنوب افريقيا بأن أحد أقاليمها قد استقل‬
‫عنها في دول��ة مستقلة تدعى دول��ة الترانكسكى ‪ ،‬ومت اع�لان استقالل هذه‬
‫الدولة اجلديدة في ‪ 26‬أكتوبر ‪ . 1976‬وإذ لم يكن هذا اإلستقالل حقيقاً‬

‫اذا قطعت باكستان عالقاتها الدبلوماسية في ‪ 13‬يناير ‪1972‬م مع بولندا وبلغاريا‬ ‫((( ‬
‫ومنغوليا بعد يومني من اعالن اعترافها بباجنالديش ‪. Bangladesh‬‬

‫‪372‬‬
‫فقد رفضت الدول االعتراف بالدولة اجلديدة وصدر قرار رفض االعتراف‬
‫بها بأغلبية ‪ 134‬دولة باجلمعية العامة لألمم املتحدة في ‪ 26‬اكتوبر ‪1976‬‬
‫‪ .‬وك��ان رف��ض املجتمع ال��دول��ى لهذه ال��دول��ة اجل��دي��دة قائماً على أس��اس أنه‬
‫لم يتوافر لها عنصر االستقالل احلقيقى ال��ذي يشكل ركناً أساسياً لقيام‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ويتمثل هذا التقليد في اعتراف الدول بالدولة املنشأة حديثاً أو عدم‬
‫االعتراف بها ويترتب على هذا أو ذاك نتائج هامة وذلك ما يحدونا للكالم‬
‫عن هذا اإلجراء االعتراف الستجالء كنهه من حيث ‪:‬‬
‫‪ -‬الظروف التى يحدث فيها ‪.‬‬
‫‪ -‬األثر القانونى له ‪.‬‬
‫‪ -‬الوقت الذي ميكن حدوثه فيه‪.‬‬
‫‪ -‬طرقه‪.‬‬
‫الظروف التى يحدث فيها االعتراف‪:‬‬
‫وقد ثارت مشكلة االعتراف بالنسبة لدول تكونت خالل القرن الثامن‬
‫عشر منذ استقالل الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ثم في بداية القرن التاسع‬
‫عشر عند ث��ورة املستعمرات األس�ب��ان�ي��ة‪ .‬وث��ارت املشكلة فيما بعد ف��ي عام‬
‫‪1830‬م بصدد اليونان وبلجيكا ثم بلغاريا‪ .‬ورومانيا والصرب التى اعترف‬
‫بها ف��ي أوق��ات متفاوتة حتى أب��رم معاهدة برلني سنة ‪1878‬م التى أك��دت‬
‫استقاللها الكامل في مواجهة تركيا ‪.‬‬
‫وفي القرن العشرين ثارت املشكلة بصدد البانيا سنة ‪1913‬م ثم بعد‬
‫احل��رب العاملية األول��ي بخصوص ال��دول اجل��دي��دة ال�ت��ى ن�ش��أت إث��ر انحالل‬
‫اإلمبراطورية القدمية النمساوية املجرية أو بصدد األقاليم التى كانت مملوكة‬
‫ألملانيا (بولنيا‪ ،‬تشيكوسلوفاكيا‪ ،‬يوغوسالفيا) ‪ ،‬وكذلك بالنسبة للدول اجلديدة‬
‫املنسخلة من روسيا ( اسنونيا‪ ،‬ليتونيا‪ ،‬وليتوانيا)‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫األثر القانونى لالعتراف‬
‫توجد نظريتان بصدد هذا املوضوع‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬ن��ظ��ري��ة االع���ت���راف امل���ؤس���س أو اخل���ال���ق ‪reconnaissance‬‬
‫‪constitutive ou créatrice‬‬

‫ وطبقاً لهذه النظرية‪ ،‬فإن الدولة اجلديدة إمنا تولد بناء عن اعتراف‬
‫الدول األخرى بها‪ .‬فهذا االعتراف هو الذي مينحها الوجود‪ .‬أو على األقل‬
‫مينحها الشخصية القاونية‪ ،‬أي صفة الشخص القانونى الدولى‪.‬‬
‫ على أن هذه النظرية منتقدة من ثالث أنواع ‪:‬‬
‫(أ) فهى قد اعتمدت أكثر من الالزم على دور اإلرادة وبالغت في ذلك‬
‫فطبقاً لهذه النظرية ‪ ،‬فإن اتفاق إرادات هذه ال��دول هو الذى يخلق ‪créer‬‬
‫ال��دول��ة اجل��دي��دة ويعطيها مكنة اكتساب احل�ق��وق وب��دون ه��ذه اإلرادة‪ .‬فإن‬
‫الدولة ال متلك شيئاً ‪.‬‬
‫(ب) أنها ال تتفق مع االعتبارات العملية ‪:‬‬
‫ فإذا اخذنا بهذه النظرية ‪ ،‬فإن الدولة اجلديدةلن تستطيع أن تدخل‬
‫في عالقة قانونية مع الدول األخرى ‪ .‬فهل ستحرم بذلك من ممارسة أي حق‬
‫من احلقوق ؟ وأال ميكنها ابرام أى اتفاق ؟ وغذا فرض أنها أصيبت بضرر‬
‫فهل يتحتم عليها أن تتحمله بدون حق في املطالبة بالتعويض ؟‬
‫ فعدد كبير من الدول لم يعترف بها إال بعد فترة طويلة من وجودها‬
‫ال عن الصني الشعبية حالياً التى تواجدت‬ ‫(مثل الصني واليابان وتركيا‪ ،‬فض ً‬
‫كدولة منذ ‪ 1949‬ولم تعترف بها بعض الدول) فبالنسبة لتلك الدول التى لم‬
‫يصدر االعتراف بها بعد ‪ ،‬أال تعتبر دوالً تطبيقاً لتلك النظرية؟‬
‫ ثم أن الدولة التى تعترف بها بعض ال��دول األخ��رض هل ستعتبرها‬
‫شخصاً قانونياً في مواجهة املعترفني بها‪ ،‬ومجرد واقعة بسيطة ‪Simple fait‬‬
‫في مواجهة اآلخرين؟‬
‫ إن ذل��ك أمرغير معقول وال مقبول ‪ ،‬وم��ن أج��ل ذل��ك ل��م حت��ظ هذه‬

‫‪374‬‬
‫النظرية بالقبول ومن أجل ذلك نعرض للنظرية التالية ‪:‬‬
‫نظرية االعتراف الكاشف أو املعلن ‪Reconnaissance declarative‬‬

‫ وهى تقوم على املشاهدة واالعتداد باالعتبارات االجتماعية والتاريخية‬


‫فكما أن األش �خ��اص الطبيعني ف��ي املجتمع ال��داخ�ل��ى يكتسبون الشخصية‬
‫القانونية كنتيجة حتمية لطبيعتهم اإلنسانية ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وقد اجته عدد من أحكام احملاكم الداخلية ومحاكم التحكيم املختلطة‬
‫إل��ى تأييد النظرية الثانية ففي حكم للمحكمة العليا في ال��والي��ات املتحدة‬
‫األمريكية ص��ادر في سنة ‪ 1808‬جندها ت �ق��ول‪«:‬إن سيادة ال��دول��ة اجلديدة‬
‫تسبق معاهدة االعتراف وفي مستقلة عنها (‪ )1‬كما اعترفت بذلك أحكام‬
‫محاكم التحكيم املختلطة فيما يتعلق بتشيكوسلوفاكيا إذ اعتبرتها دولة اثناء‬
‫مناقشات وم ��داوالت ف��رس��اي ‪ 1919‬حتى قبل دخ��ول معاهدة ف��رس��اى دور‬
‫النفاذ ‪.‬‬
‫‪ -2‬الوقت الذي ميكن فيه حدوث االعتراف ‪:‬‬
‫إن املنطق يفرض القاعدتني التاليتني ‪:‬‬
‫انه ال ميكن حدوث االعتراف قبل تكوين الدولة بعناصرها األساسية‬
‫فاالعتراف ال ميكن أن يؤكد إال املوجود فع ً‬
‫ال ‪.‬‬
‫عندما تتكون ال��دول��ة ‪ ،‬ي�ك��ون االع �ت��راف إج�ب��اري��ا ‪ .‬إذ ي�ك��ون م��ن غير‬
‫املنطقي وال من العدل أال يتحدث مثل هذا االعتراف ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‪:‬‬
‫ فمث ً‬
‫ال في عام ‪ 1776‬أعلنت الواليات املتحدة استقاللها وكانت فرنسا‬
‫أول املعترفني بها وأب��رم��ت معها معاهدة صداقة وجت��ارة وحتالف في سنة‬
‫‪ .1778‬وقد كان اعتراف فرنسا السريع لدوافع سياسية خاصة ‪.‬‬
‫ وبالنسبة لليونان فقد اعترف مؤمتر لندن باستقاللها في سنة ‪،1830‬‬

‫‪375‬‬
‫ولكن تركيا وهى املضرورة لم تعترف بها إال فى وقت متأخر ‪.‬‬
‫وهكذا يخضع االعتراف من حيث صدور العتبارات سياسية هما ‪- :‬‬
‫‪de jur‬‬ ‫أ‪-‬االعتراف القانونى‬
‫‪de facto‬‬ ‫ب‪-‬واالعتراف الواقعي‬
‫االعتراف القانونى ‪de jur‬‬

‫ فهى على العكس من االعتراف الواقعى ‪ ،‬اعتراف نهائي يضع نهاية‬


‫لفترة االختبار للدولة اجل��دي��دة‪ ،‬وميثل نقطة البداية لعالقات دبلوماسية‬
‫عادية‪.‬‬
‫ وت��وج��د أمثلة لذلك استونيا‪ ،‬التفيا‪ ،‬وليتوانيا اعترفت بها ال��دول‬
‫الكبري اعترافاً واقعياً في بادئ األمر سنة ‪ 1918‬ثم اعترفت اعترافاً قانونياً‬
‫في ‪.1922 ،1921‬‬
‫(ب) االعتراف الواقعي ‪de facto‬‬

‫ عند نشأة دولة جديدة قد ال تكون الدول األخرى متأكدة متاماً من‬
‫أنها سوف تستقر كدولة نظراً للمالبسات التى حتيط بها‪ ،‬واالعتراف الواقعى‬
‫اعتراف مؤقت ميكن أن يلغى تبعاً للظروف‪ ،‬وهو يعطى الدول فرصة االنتظار‬
‫حتى تتضح حقائق املوقف وتستقر‪ ،‬دون أن تتهم بأنها وقفت موقفاً غير ودى‬
‫من الدولة اجلديدة ‪.‬‬
‫ ومبقتضى ه��ذا االع �ت��راف امل��ؤق��ت ميكن للدولة أن تبرم م��ع الدولة‬
‫اجلديدة اتفاقيات مؤقتة وكذلك ارسال ممثلني دبلوماسيني غير عاديني‪.‬‬
‫ وهكذا يدخل االعتراف الواقعى نوعاً من املرونة على الدبلوماسية‬
‫الدولية ويسمح للدول بتدارك املوقف في الوقت املناسب‪.‬‬
‫هل ميكن سحب االعتراف ‪:‬‬
‫ بعد أن تعترف الدول بالدولة اجلديدة هل ميكنها سحب هذا االعتراف‬
‫؟ واملسألة ال تثور بالطبع إال بصدد االع�ت��راف القانونى ‪ ،‬على أن الصفة‬

‫‪376‬‬
‫الكاشفة البحتة لالعتراف تفرض الرد على ذلك التساؤل‪ .‬كل ما هنالك أن‬
‫هذا االعتراف يسقط تلقائياً بزوال أحد عناصر الدولة املعترف بها كزوال‬
‫عنصر السلطة السياسية باملفهوم السابق بيانه ‪.‬‬
‫طرق االعتراف ‪ :‬ميكن ان يكون االعتراف صريحاً أو ضمنياً ‪.‬‬
‫صريح ًا ‪expresse‬‬

‫ وذل��ك عندما ي��أخ��ذ شكل ت�ص��رف رس�م��ي ك��اب��رام معاهدة كمعاهدة‬


‫فرساي وبرلني عقب احلرب العاملية األولى‪ .‬أو يأخذ شأن اعالن ‪declaration‬‬
‫من جانب الدول املعترفة ‪ ،‬وقد يكون هذا اإلعالن فردياً أو جماعياً‪ ،‬وذلك‬
‫بأن تعلن مجموعة من ال��دول اعترافها بالدول اجلديدة كما حدث بالنسبة‬
‫لرومانيا مبقتضى املذكرة الصادرة في ‪ 20‬فبراير ‪ 1880‬من مؤمتر اململثني‬
‫الدبلوماسني لفرنسا وبريطانيا وأملانيا إلى وزارة خارجية رومانيا بعزم تلك‬
‫الدول على الدخول في عالقات مستدمية مع رومانيا‪.‬‬
‫ وق��د يأخذ االع �ت��راف الصريح ص��ورة زي��ارة رسمية م��ن رئيس دول��ة‬
‫إلى الدولة التى لم يكن معترفاً بها من قبل‪ ،‬فمثل هذه الزيارة الرسمية إلى‬
‫عاصمة الدولة غير املعترف بها تعبر عن االعتراف الصريح أكثر مما تعبر‬
‫عن البرقية أو اخلطاب‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‬
‫ومثال ذلك زيارة رئيس جمهورية مصر إلى دولة اسرائيل في ‪ 9‬نوفمبر‬
‫‪ 1977‬بدعوة رسمية من رئيس حكومتها‪ .‬ففي ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1977‬ألقى الرئيس‬
‫خطاباً في مجلس الشعب ق��ال فيه (إننى مستعد أن أذه��ب إل��ى بيتهم إلى‬
‫الكنيست ذاته ومناقشتهم)‪ ،‬وبناء على العرض الرسمي من رئيس الدولة فقد‬
‫وجه إليه رئيس حكومة اسرائيل دعوة رسمية لزيارة دولة اسرائيل قال فيها‬
‫(باسم حكومة اسرائيل‪ .‬اشترف بتوجيه هذه الدعوة الودية إليكم للقدوم إلى‬
‫القدس لزيارة بلدنا ‪ ...‬وسوف نتخذ الترتيبات لتوجيه خطابكم إلى الكنيست‬
‫(أن برملان وحكومة وشعب اسرائيل سوف يستقبلكم باالحترام والرد)‬
‫وق��د ح��رص رئيس حكومة اسرائيل على أن يوجه ال��دع��وة في صيغة‬

‫‪377‬‬
‫قانونية إذ يوجهها باسم دولة اسرائيل بحيث يكون قبولها من جانب رئيس‬
‫الدولة املصرية اعترافاً صريحاً وقانونياً بدولة اسرائيل التى يتخاطب رسمياً‬
‫مع ممثليها الشرعيني‪ ،‬وفي ‪ 19‬نوفمبر ‪ 1977‬ذهب رئيس جمهورية مصر الى‬
‫القدس التى تعتبرها اسرائيل عاصمتها‪ .‬وألقى الرئيس خطاباً في البرملان‬
‫اإلسرائيلي فخطاباً ممثلى شعب اسرائيل‪ .‬ولم بعد هناك مجال ملناقشة حول‬
‫االع�ت��راف باسرائيل اعترافاً رسمياً وصريحاً وقانونياً مبجرد قبوله دعوة‬
‫حكومتها الرسمية‪ ،‬ثم أبرمت بعد ذلك اتفاقيات كامب دافيد مع اسرائيل‬
‫في ‪ 17‬سبتمبر ‪ 1978‬وتلتها معاهدة السالم أو الصلح مع اسرائيل في ‪26‬‬
‫مارس ‪ 1979‬حيث قررت قيام العالقات الدبلوماسية في مصر واسرائيل في‬
‫مستهل عام ‪ ، 1980‬وقد دعمت هذه اإلتفاقيات اعتراف مصر باسرائيل ولم‬
‫تنشئ هذا االعتراف الذى مت بالفعل مبجرد زيارة رئيس مصر زيارة رسمية‬
‫لدولة اسرائيل‪.‬‬
‫ضمني ًا ‪: Tacite‬‬
‫وهو يستفاد من عالقات تنشأ مع الدولة اجلديدة بدون تأكيد رسمي‬
‫آخر ويستفاد كذلك من انضمام الدولة اجلديدة إلى معاهدة جماعية أو احتاد‬
‫دول فعندما تقبل الدول األعضاء في هذا اإلحتاد انضمام الدولة اجلديدة‬
‫إليها ولم تقدم احداها اعتراضا على ذلك ‪ ،‬فإن هذه الدولة اجلديدة تعتبر‬
‫معترفاً بها من جميع دول االحتاد‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‪:‬‬
‫ومن أمثلة االعتراف الضمنى جند اعتراف فرنسا بغينيا إذ ثم ضمنيا‬
‫عن طريق توقيع فرنسا لعدة بروتوكوالت في ‪ 7‬يناير ‪.1959‬‬
‫هل يجوز االعتراف املشروط ‪Conditionnelle‬‬

‫إن الصفة الكاشفة لالعتراف متنع – ابتداء – أن توضع شروط لهذا‬


‫االعتراف ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‪:‬‬
‫ولكن البعض يناقض ذلك مستنداً إلى نصوص بعد املعاهدات التى يبدو‬

‫‪378‬‬
‫منها أن تخضع االعتراف لشروط محددة‪ ،‬مثل معاهدة برلني لسنة ‪1878‬‬
‫التى ل��م تعترف باستقالل رومانيا وال�ص��رب واجل�ب��ل األس��ود إال بشرط أن‬
‫حتترم هذه الدولة مبدأ املساواة في احلقوق بني رعاياها بدون متييز بسبب‬
‫العقيدة‬
‫ولكن ما هي قيمة هذه الشروط ؟‬
‫ أن��ه يجب أال نخلط بني االع�ت��راف والعالقات الدبلوماسية‪ ،‬فشرط‬
‫معاهدة برلني ميكن أن يعنى فقط ان انتهاك الشرط املوضوع يستتبع قطع‬
‫العالقات الدبلوماسية ‪ ،‬ولكنه ال ميكن أن يستتبع سحب االع�ت��راف بدول‬
‫تواجدت فعلياً واقعياً ‪.‬‬
‫االعتراف باحلكومة ‪Gouvernement‬‬

‫ عندما تنشأ دولة جديدة ‪ ،‬فإن االعتراف بها يتضمن في نفس الوقت‬
‫االعتراف باحلكومة‪ ،‬فاالعتراف بالدولة واالعتراف باحلكومة متالزمان في‬
‫هذه احلالة ‪.‬‬
‫األثر القانونى لالعتراف ‪:‬‬
‫توجد حكومات تكون من صناعة دولة أجنبية تكونها وحتتضنها لتقف‬
‫على قدميها ‪ ،‬وقد تدل هذه احلكومات أحياناً عن دولة جديدة مزمع انشاؤها‬
‫كما هو الشأن بالنسبة حلكومة الهند احلرة ‪ I’lnde libre‬التى تشكلت في سنة‬
‫‪ 1943‬والتى اعترفت بها فوراً أملانيا واليابان‪ .‬واالعتراف بهذه احلكومة يكون‬
‫له – إلى حد ما – أثر خالق ‪ effet créa teur‬ولكن هذه الصور استثنائية ‪.‬‬
‫الصفة الكاشفة لالعتراف ‪:‬‬
‫ولكن املعتاد أن يكون االعتراف باحلكومة كاشفاً أو معلنا ‪declarative‬‬
‫فهو يقتصر على تأكيد وجود سلطة سياسية سبق تكوينها‪ .‬والقضاء متفق‬
‫على هذا املعنى صراحة وتوجد في ذلك عدة أحكام حملاكم داخلية ودولية‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‪:‬‬
‫وم��ن بني أحكام احملاكم الداخلية جند حكم احملكمة العليا للواليات‬

‫‪379‬‬
‫املتحدة األمريكية باعتبار االع�ت��راف باحلكومة املكسيكية للجنرال كارانزا‬
‫‪ )1918( Carranza‬ذو أثر رجعي‪.‬‬
‫ ومن بني األحكام الدولية نذكر احلكم في قضية ‪ ( Josef Cuculia‬في‬
‫ظل اتفاق ‪ 4‬يوليو ‪ 1868‬بني الواليات املتحدة واملكسيك) حيث ذهب احلكم‬
‫إلى القول بأن‪«:‬االعتراف يعد اثباتاً للحكومة ولكنه ال يخلقها» ‪.‬‬
‫ وفي قضية ‪ Tinoco‬بني بريطانيا وكوستاريكا في ‪ 18‬اكتوبر ‪1923‬‬
‫قرر املستر ‪ Tafr‬احملكم بأن االعتراف ليس موضوعه بحث انتظام وشرعية‬
‫احلكومة ولكنه يقتصر على تأكيد واقعة وجودها ‪.‬‬
‫ وهذه الصفة الكاشفة لالعتراف باحلكومة ال تقلل من النتائج الهامة‬
‫لالعتراف فهى تبصر وتوضح األم��ور ألف��راد الدولة التى تعترف باحلكومة‬
‫وتسمح لهم بالتعاقد مع هذه األخيرة ‪ ،‬أو على األقل متنح قاعدة قانونية ثابتة‬
‫حتى يصدر االعتراف ‪:‬‬
‫ والصفة الكاشفة لالعتراف تتطلب أن يحدث هذا االعتراف حلظة‬
‫تكوين احلكومات اجلديدة ‪ .‬وهذه مسألة واقع تخضع لتقدير كل دولة وما دام‬
‫األمر يتعلق بالتقدير فإن وجهات النظر ميكن أن تختلف‪ ،‬ومن ثم فإن دوالً‬
‫ميكنها أن تعترف طبقاً لتقديرها لألمور‪ ،‬ودول أخرى تؤخر هذا االعتراف‬
‫حسب تقديرها أيضا وهكذا فإن أملانيا وأيطاليا اعترافتا بحكومة اجلنرال‬
‫فرانكو منذ نوفمبر ‪1936‬قبل االستيالء على مدريد‪ ،‬بينما أن فرنسا واجنلترا‬
‫لم تعترفا بها إال فى ‪.1939‬‬
‫أنواع أخري من االعتراف ‪:‬‬
‫وإل��ى جانب االعتراف بالدولة واالعتراف باحلكومة توجد اعترافات‬
‫أخرى ال ميكن جتاهلها وهى ‪:‬‬
‫‪ -1‬االعتراف بحالة احملاربني ‪Belligerance‬‬

‫ وي �ح��دث ع��ادة أث �ن��اء ح��رب م��دن�ي��ة‪ ،‬ويتمثل ف��ي ت��أك�ي��د وج��ود ح��رب‪،‬‬
‫واالع �ت��راف بحكومة ال �ث��وار ألف��راده��ا بصفة احمل��ارب�ين ‪ ،‬وي�ت��رت��ب على هذا‬
‫اإلعتراف النتائج التالية ‪:‬‬

‫‪380‬‬
‫(أ) وقوف الدولة املعترفة في حالة حياد‬
‫(ب) أنه يتطلب أن تطبق في مواجهة الطرفني – ونعنى بهما احلكومة‬
‫الشرعية واحلكومة الثائرة – قوانني احلرب أي أن يعامل الطرفان على قدم‬
‫املساواة ‪.‬‬
‫(ج) أنه يحلل الدولة من املسئولية عن األعمال التى يركتبها الثوار على‬
‫األقل في حالة اخفاق احلركة الثورية ‪.‬‬
‫ ومن األمثلة على ذلك ما حتدث خالل احلرب األهلية األسبانية (‪1936‬‬
‫– ‪ )1939‬حيث اعترف عدد من الدول بوجود احلرب ومن ثم اعترفت ضمناً‬
‫بحكومة الثوار كحكومة محاربة ‪ ،‬واالعتراف بحالة احلرب ميكن أن يبكون‬
‫خطوة أولى نحو االعتراف باحلكومة على أن اختيار الوقت الذي يصدر فيه‬
‫هذا االعتراف مسألة حساسة ‪ ،‬فلقد تسرعت اجنلترا في االعتراف بحالة‬
‫احملاربني لالنفصاليني اجلنوبيني في احلروب األهلية األمريكية ‪ ،‬وقد أثار‬
‫ذلك أشكاالً دبلوماسية مع الواليات املتحدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬االعتراف بالثوار ‪insurgés‬‬

‫ ويجب أال نخلط هذا النوع من االعتراف بالنوع السابق إذ أن آثاره‬


‫القانونية أقل من آثار االعتراف السابق ‪.‬‬
‫‪ -3‬االعتراف بأمة ‪Nation‬‬

‫ وقد صاحب هذا النوع من االعتراف أحداث احلرب العاملية األولى‬


‫(‪1914‬م‪1918 -‬م) ومناط هذا االعتراف التسليم بوجود أمة ‪l’existence‬‬
‫‪ d’une nation‬قبل إنشاء دولة تضنها‪.‬‬
‫وقد ظهر هذا االجراء مع إنشاء اللجان البولونية والتشيلية التى كانت‬
‫تعمل حلسان األمم التى متثلها قبل إنشاء الدولة التشيكية‪ ،‬والدولة البولونية‬
‫‪ .‬وقد سهل هذا االعتراف لشعوب هذه البالد اإلشتراك الوثيق في نشاط‬
‫احللفاء إذ استطاعت تلك اللجان أن جتمع قوات محاربة في البالد املتحالفة‪،‬‬
‫واستطاع البولنيني والتشيك ‪ -‬بفضل ممثليهم املعتمدين لدى احللفاء – أن‬
‫يدافعوا عن مطالبهم ويتبنوها ويصلوا إلى اقرارها‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫املسئولية الدوليــة‬

‫يعرف فقهاء القانون الدولي املسئولية الدولية ‪ ،‬بتعريفات مختلفة منها‬


‫بأنها التزام على دولة بأن تعوض دولة أخرى عن آثار عمل غير مشروع ينسب‬
‫إليها ((( ‪ ،‬كما ميكن تعريفها بأنها التزام تتحمل به ‪ ،‬بحسب القانون الدولي‪،‬‬
‫دول��ة ينسب إليها عمل أو امتناع عن عمل ‪ ،‬مخالف اللتزاماتها الدولية ‪،‬‬
‫فيوجب عليها تعويض الدولة التي تضررت منه في شخصها أو في أشخاص‬
‫وطنييها وأموالهم ((( ‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف يتضح ‪ ،‬إن املسئولية الدولية ‪ ،‬عالقة بني دولتني‬
‫ينسب إلى إحداهما عمل غير مشروع دولياً ‪ ،‬يلحق ضرراً بالدولة األخرى في‬
‫شخصها أو في مواطنيها فتطالبها بالتعويض ‪.‬‬
‫ويراد بالعمل غير املشروع كل مخالفة اللتزام دولي تفرضه قاعدة من‬
‫قواعد القانون الدولي ‪ ،‬فإذا ما أخلت دولة ما بإحكام معاهدة سبق لها إن‬
‫تقيدت بها ‪ ،‬فإنها تتحمل املسئولية الدولية الناشئة عن هذا اإلخالل وتلتزم‬
‫بالتالي بتعويض الدولة التي حلقها ضرر من جراء هذا العمل الغير مشروع‪.‬‬
‫وقد أقرت محمكة العدل الدولية الدائمة هذا املبدأ في حكمها الصادر‬
‫في ‪ 1927 / 7 / 26‬بشأن النزاع األملاني ـ البولوني بخصوص مصنع شورزو‬

‫شارل دى فيشر ـ محاضرات اكادميية الهاى ـ مجلد ‪ 54‬ـ ص ‪. 421‬‬ ‫((( ‬


‫التعريف الوارد في قاموس مصطلحات القانون الدولي ‪.‬‬ ‫(( (‬

‫‪383‬‬
‫‪ Chorzow‬وال��ذي جاء فيه‪«:‬إن مبادىء القانون الدولي تقضي بأن مخالفة‬
‫التزام ما يترتب عليها التزام بالتعويض املناسب ‪ ،‬وإن هذا االلتزام بالتعويض‬
‫هو املكمل الطبيعي ألية معاهدة دولية بدون حاجة إلى النص عليه» ((( ‪.‬‬
‫وقد سجلت جلنة القانون الدولي التابعة لألمم املتحدة بدورها مبدأ‬
‫املسئولية ال��دول�ي��ة وم��ؤداه��ا ف��ي ص��در امل �ش��روع االب�ت��دائ��ي ال��ذي أع��دت��ه في‬
‫موضوع مسئولية الدولة بسبب األضرار التي تصيب أشخاص وأموال األجانب‬
‫في إقليمها ‪ ،‬فنصت في املادة األولى من هذا املشروع على أن “ املسئولية‬
‫الدولية بسبب األض��رار التي تصيب أشخاص وأم��وال األجانب في إقليمها‬
‫مؤداهل االلتزام بتعويض هذه األض��رار متى كانت نتيجة افعال إيجابية أو‬
‫مواقف سلبية منافية لاللتزامات الدولية اتخذتها سلطاتها أو موظفيها ‪...‬‬
‫وال يجوز للدول ان حتتج بنصوص قانونها الداخلي لكي تفلت من املسئولية‬
‫الناجتة عن االخالل بالتزام دولي أو عدم تنفيذه ((( ‪.‬‬
‫ويكاد يكون من املتفق عليه في فقه القانون الدولي العام أن املسئولية‬
‫املترتبة على اإلخالل بقواعده ( قواعد قانون كانت أو التزامات ) تنحصر ـ‬
‫كقاعدة عامة ـ في االلتزام بتعويض ما ترتب على اإلخالل من أضرار ‪ ،‬وإن‬
‫ه��ذا القانون ال يعرف ـ كأصل ع��ام ـ ما يقابل املسئولية اجلنائية أو قضاء‬
‫اإللغاء ((( ‪.‬‬
‫وسنقوم بتقسيم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث ‪ ،‬نبحث في األول طبيعهة‬
‫املسئولية الدولية وانواعها ‪ ،‬وفي الثاني ‪ ،‬شروط املسئولية الدولية ‪ ،‬وفي‬
‫املبحث الثالث ‪ ،‬آثار املسئولية الدولية ‪.‬‬

‫مطبوعات محكمة العدل الدولية الدائمة ‪C.P.J.I , Serie A/B , p 21‬‬ ‫(( (‬
‫انظر النص الكامل لهذا املشروع في الكتاب السنوي للجنة القانون الدولي سنة ‪1958‬‬ ‫((( ‬
‫ج ‪ 2‬ص ‪ 73‬وما بعدها ‪.‬‬
‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ مرجع مشار إلبه ج ‪ 2‬ـ ص ‪. 246‬‬ ‫((( ‬

‫‪384‬‬
‫املبحث األول‬
‫طبيعة املسئولية الدولية وأساسها‬

‫املسئولية الدولية هي عالقة بني شخصني أو أكثر من أشخاص القانون‬


‫الدولي العام ‪ ،‬ومبوجب ال��رأي السائد في الفقه التقليدي ‪ ،‬فإن املسئولية‬
‫الدولية ال ميكن أن تكون إال بني دولتني أو أكثر((( ‪ ،‬سواء أكان الضرر قد حلق‬
‫بالدولة وممتلكاتها بصورة مباشرة أو بأحد رعاياها الذي ال يستطيع املطالبة‬
‫بالتعويض إال عن طريق الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته ((( ‪.‬‬
‫ويصح مثل هذا القول على أشخاص القانون الدولي من غير الدول ‪ ،‬أي‬
‫أطراف العالقة الدولية األخرى ‪ ،‬مثل املنظمات الدولية ‪ ،‬حيث كان قد صدر‬
‫الرأي االستشاري حملكمة العدل الدولية في عام ‪ 1949‬بأن إسرائيل تتحمل‬
‫املسئولية عن اغتيال وسيط األمم املتحدة في فلسطني الكونت برنادوت ‪،‬‬
‫ولهذه املنظمة احلق في مطالبة إسرائيل بالتعويض عن الضرر الذي حلق بها‬
‫‪ ،‬كما أن هذه املسئولية قد تثار في بعض األحيان حيال األف��راد كما حصل‬
‫بالنسبة ملجرمي احلرب العاملية الثانية ‪ ،‬حيث جرت محاكمتهم في محاكمات‬
‫نورمبرغ وطوكيو ‪.‬‬
‫وتثار املسئولية الدولية عندما تدعي دولة بأن ضرراً قد أصابها وتطالب‬
‫بالتعويض وهذا الضرر ميكن أن يكون ‪:‬‬
‫أ ـ خط ًأ مباشراً ( كاالعتداء على علم الدولة أو إهانته ) ‪.‬‬
‫ب ـ إخالالً بالقانون الدولي ( كانتهاك أحكام معاهدة ) ‪.‬‬

‫د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 131‬‬ ‫(( (‬


‫وقد استقر القضاء الدولي على ذلك ‪ ،‬فقد جاء في القرار الصادر عن محكمة العدل‬ ‫((( ‬
‫الدولية الدائمة في ‪ 1938 / 6 / 24‬في قضية الفوسفات املغربي أنه « ملا كان املوضوع‬
‫يتعلق بعمل مسند الحدى الدول ويتعارض مع أحكام االتفاقية القائمة بينها وبني دولة‬
‫أخ��رى ‪ ،‬فإن املسئولية الدولية تنشأ مباشرة في نطاق العالقات القائمة بني هاتني‬
‫الدولتني « ـ أنظر د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 383‬‬

‫‪385‬‬
‫ج ـ ض��رراً واقعاً على أح��د رعايا الدولة ‪ ،‬إذ من حق ه��ذه الدولة أن‬
‫حتمي رعاياها الذين ت�ض��رروا من ج��راء األع�م��ال املخالفة للقانون الدولي‬
‫التي ترتكبها دولة أخرى ‪ ،‬إذا لم يتمكنوا من احلصول على حقوقهم بالطرق‬
‫العادية ((( ‪.‬‬
‫ذل��ك أن األض��رار التي تصيب األف��راد ال تنشأ عنها مسئولية دولية‬
‫مباشرة بني هؤالء األفراد والدولة التي يقيمون في إقليمها ‪ ،‬بل تكون املسئولية‬
‫الدولية بني الدولة التي ينتمي لها األفراد وبني الدولة املسئولة عن األضرار ‪،‬‬
‫أي الدولة التي يقيم األفراد في إقليمها ويدخلون في عالقات قانونية معها‪.‬‬
‫وملا كانت املسئولية الدولية تتعلق بالسيادة ‪ ،‬فإنه يترتب على ذلك ‪،‬‬
‫إن الدول تامة السيادة تسأل دائماً عن أي إخالل يقع من جانبها بالتزاماتها‬
‫الدولية ‪ ،‬أم��ا ال��دول ناقصة السيادة ك��ال��دول التابعة واحملمية وال�ت��ي حتت‬
‫االنتداب أو الوصاية ‪ ،‬فإنها ال تسأل مباشرة عن أعمالها ‪ ،‬وتتحمل املسئولية‬
‫ب��دالً منها ال��دول ال�ت��ي مت��ارس عنها ه��ذه ال�س�ي��ادة ‪ ،‬أي ال��دول املتبوعة أو‬
‫احلامية ‪ ،‬وترتب املسئولية في هذه احلالة يتطلب وجود عالقة قانونية خاصة‬
‫بني الدولتني ‪.‬‬
‫وكذلك احلال بالنسبة للدول االحتادية ‪ ،‬كاالحتاد الفدرالي او املركزي‬
‫فتكون احلكومة املركزية مسئولة عن أعمال الواليات الداخلة في االحتاد ‪،‬‬
‫ألن هذه الواليات فقدت الشخصية الدولية ‪ ،‬وأصبحت الدولة االحتادية هي‬
‫التي تتمتع بها ‪ ،‬وبالتالي ال ميكن لهذه احلكومة أن حتتج بعدم مسئوليتها عن‬

‫قرار محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية مافروماتيس ‪Mavrommtis‬الصادر في‬ ‫((( ‬
‫‪ 1924 / 8 / 30‬في النزاع بني بريطانيا واليونان في شأن العقود املمنوحة ملافروماتيس‬
‫في فلسطني والذي جاء فيه " من املبادىء الرئيسية في القانون الدولي ‪ ،‬إن من حق‬
‫الدولة حماية رعاياها إذا حلقتهم أضرار نتيجة ملا يصدر عن الدول األخرى من أعمال‬
‫تخالف أحكام القانون الدولي ‪ ،‬إذا لم يتمكنوا من احلصول على التعويض عن طريق‬
‫الوسائل القضائية الداخلية ‪ ،‬والدولة إذ تتبنى قضية احد رعاياها ‪ ،‬وتلجأ في شأنها‬
‫إلى الطريق الدبلوماسي أو الوسائل القضائية الدولية ‪ ،‬فإنها ـ في واقع األمر ـ إمنا تؤكد‬
‫حقها هي ‪ ،‬أي حق الدولة في أن تكفل ـ في أشخاص رعاياها ـ االحترام الالزم لقواعد‬
‫القانون الدولي ‪. " ...‬‬

‫‪386‬‬
‫أعمال الوالية التي صدرت عنها ‪ ،‬وينطبق هذا على االحتاد احلقيقي ‪.‬‬
‫ أما بالنسبة للدول الداخلة في احتاد كونفدرالي أو تعاهدي أو في‬
‫احت��اد شخصي ‪ ،‬فإن الدولة التي يصدر عنها إخ�لال بالتزاماتها الدولية ‪،‬‬
‫فتكون مسئولة عن هذا اإلخالل دون غيرها من الدول الداخلة في االحتاد ‪،‬‬
‫نظراً لكونها حتتفظ بشخصيتها الدولية ‪.‬‬
‫أساس املسئولية الدولية‬
‫ لقد أختلف الفقة الدولي في حتديد أساس املسئولية الدولية ‪ ،‬وقد‬
‫بني الفقه النظريات التالية في هذا الشأن ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرية اخلطأ ‪ ،‬وهذا يعني ضرورة أن يصدر من الدولة التي تعتبر‬
‫مسئولة دوليا ‪ ،‬فعل خاطىء سواء عمداً أو أهماالً أو رعونة أو عدم احتياط‬
‫‪ ،‬ومبوجب هذه النظرية ال يكفي أن يكون الفعل مخالفاً لقاعدة دولية ‪ ،‬بل‬
‫يجب أن تتوافر صورة من صور اخلطأ ((( ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نظرية الضمان التي تؤسس املسئولية على عنصر موضوعي ‪ ،‬وهو‬
‫التصرف غير املشروع دوليا املنسوب للدولة ‪ ،‬فأساس املسئولية هنا ‪ ،‬هو‬
‫التصرف املخالف للقلنون الدولي بصرف النظر عن إثبات اخلطأ أو الضرر‬
‫‪ ،‬فيأخذ القانون الدولي باملسئولية الدولية املوضوعية ‪ ،‬فاملسئولية مؤسسة‬
‫على رابطة السببية بني نشاط الدولة والعمل املخالف للقانون الدولي أي‬
‫العمل غير املشروع ‪ ،‬فالسببية حتل محل فكرة اخلطأ ‪.‬‬
‫وال حاجة ـ وفقاً لهذه النظرية ـ إلثبات العالقة بني مسئولية الدولة‬
‫وخطأ األفراد الذين تصرفوا باسمها ‪ ،‬ألن املسئولية تقام على أساس ضمانة‬
‫تقدمها الدولة للدول األخرى مقابل حريتها التي تتمتع بها في تنفيذ التزاماتها‬
‫الدولية ‪ ،‬ألن أساس املسئولية هو كفالة األمن والطمأنينة في العالقات بني‬
‫الدول ‪ ،‬ولن يتحقق هذا إذا سمح للدولة التخلص من املسئولية عن إهمال‬
‫موظفيها بإثبات مشروعيتها في القانون الداخلي ((( ‪.‬‬

‫د ـ جعفر عبد السالم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 237‬‬ ‫((( ‬


‫د ـ أحمد عبد احلميد عشوش و د ـ عمر أب��و بكر باخشب ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫(( (‬

‫‪387‬‬
‫وهذه النظرية هي األقرب إلى واقع احلياة الدولية املعاصرة ‪ ،‬ويؤيدها‬
‫كبار الفقهاء واحكام القضاء الدولي وخاصة محكمة العدل الدولية ‪ ،‬وهذا‬
‫ما أقرته جلنة القانون الدولي في مشروعها الصادر عن ال��دورة ‪ 29‬بشأن‬
‫مشروع املسئولية الدولية ‪ ،‬فنصت املادة األولى من املشروع على أن أي فعل‬
‫غير مشروع دولياً يصدر عن دولة ما ‪ ،‬يستتبع مسئوليتها الدولية ‪ ،‬ونصت‬
‫ال غير مشروع‬‫املادة الثانية على أن كل دولة عرضة ألن تعتبر أنها ارتكبت فع ً‬
‫دولياً يستتبع مسئوليتها الدولية (((‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ن�ظ��ري��ة حت�م��ل التبعة أو حت�م��ل امل�خ��اط��ر ‪ ،‬وه��ي ت�ق��ول أن ال��دول��ة‬
‫تتحمل املسئولية الدولية حتى لو كان الفعل مشروعاً ‪ ،‬وذلك ألنه ميثل خطورة‬
‫استثنائية ‪ ،‬ك��ال�ت�ج��ارب ال�ن��ووي��ة واط�ل�اق ال�ص��واري��خ وس�ف��ن اال�ف�ض��اء ‪ ،‬فهي‬
‫مسئولية عن الضرر وحده يدفع إليها التضمن أو التكافل االجتماعي ‪ ،‬وهذا‬
‫هو أساسها احلقيقي ‪.‬‬

‫‪.525‬‬
‫د ـ ماجد ابراهيم علي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 93‬‬ ‫(( (‬

‫‪388‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫شروط املسئولية الدولية‬

‫حتى تقوم املسئولية الدولية ال بد من أن يقع فعل ويكون هذا الفعل‬


‫منسوبا لدولة ‪ ،‬وأن يكون غير مشروع دولياً ‪ ،‬وأن يكون قد احلق ضررا بدولة‬
‫أخرى ‪ ،‬لذلك يجب توافر الشروط التالية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يجب أن يكون الفعل منسوبا للدولة ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يجب أن يكون الفعل غير مشروع دولياً ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يترتب على الفعل غير املشروع ضرر ‪.‬‬
‫أوال ـ نسبة الفعل إلى الدولة‬
‫ويعد الفعل منسوبا إلى الدولة إذا كان صادرا من إحدى سلطاتها أو‬
‫هيئاتها العامة لها ه��ذه الصفة مبقتضى قانونها الداخلي ‪ ،‬وك��ان مخالفاً‬
‫لقواعد القانون الدولي ‪ ،‬وإن كان هذا الفعل ال يتعارض مع أحكام القانون‬
‫الداخلي ‪ ،‬والسلطات أو الهيئات التي تتحمل الدولة املسئولية الدولية نتيجة‬
‫تصرفاتها املخالفة للقانون الدولي ‪ ،‬هي قبل كل شيء السلطات الثالث في‬
‫الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ((( ‪.‬‬

‫تنص املادة ‪ 5‬من مشروع جلنة القانون الدولي بشأن املسئولية الدولية على أنه‪(:‬في‬ ‫((( ‬
‫ال صادراً عن الدولة مبقتضى القانون الدولي تصرف أية أداة من‬ ‫هذه املواد يعتبر فع ً‬
‫أدواتها لها هذه الصفة مبقتضى قانونها الداخلي شريطة أن تكون تلك االداة قد قامت‬
‫بالتصرف املذكور بهذه الصفة) ‪.‬‬
‫ال صادراً عن هذه الدولة‬‫كما تنص املادة ‪ 6‬على أنه‪(:‬يعتبر تصرف اداة من ادوات الدولة فع ً‬
‫مبقتضى القانون ال��دول��ي س��واء كانت ه��ذه االداة تنتمي إل��ى السلطة التأسيسية أو‬
‫التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أو غيرها من السلطات وسواء كانت ذات طبيعة‬
‫دولية أو داخلية وسواء كان لها في جهاز الدولة مكان الرئيس أو املرؤوس ) ‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫أ ـ مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة التشريعية‬
‫تكون الدولة مسئولة عن كافة التصرفات غير املشروعة دولياً الصادرة‬
‫من سلطتها التشريعية ‪ ،‬سواء أكان التصرف بسبب إصدارها قوانني تتعارض‬
‫مع االلتزامات الدولية العرفية منها أو االتفاقية ‪ ،‬أو امتناعها عن إصدار‬
‫القوانني الضرورية لتنفيذ التزامات الدولة الدولية ‪ ،‬كما لو امتنع البرملان‬
‫عن املوافقة على تشريع ال بد من صدوره لتنفيذ معاهدة معينة ‪ ،‬أو امتنع عن‬
‫املوافقة على اعتمادات مالية معينة البد من اعتمادها لتنفيذ التزامات الدولة‬
‫الدولي ‪.‬‬ ‫في املجال‬
‫أما القوانني التي تصدرها الدولة بتأميم االمتيازات واملصالح األجنبية‬
‫فال ترتب على الدولة مسئولية جتاه الدول املتضررة ‪ ،‬إذا كانت هذه القوانني‬
‫تتضمن نصوصا بدفع تعويضات عادلة وسريعة ((( ‪.‬‬
‫وق��د أك��د القضاء الدولي حق الدولة في تأميم االمتيازات واملصالح‬
‫األجنبية ‪ ،‬من ذلك احلكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في ‪/ 7 / 22‬‬
‫‪ 1952‬بشأن النزاع بني بريطانيا وإيران بخصوص شركة البترول اإلنكليزية ـ‬
‫اإليرانية ‪ ،‬التي قامت إيران بتأميمها مبوجب القوانني التي أصدرتها في ذلك‬
‫العام ‪ ،‬وقد جاء في احلكم الذي تضمن عدم اختصاص احملكمة في النظر في‬
‫النزاع‪(:‬إن املوضوع يتعلق بتصرف داخلي محض لدولة ذات سيادة)‪.‬‬
‫ه��ذا وم��ن املالحظ أن مسئولية ال��دول��ة ال تقتصر على القوانني التي‬
‫تصدرها السلطة التشريعية والتي تكون مخالفة إلحكام القانون الدولي ‪،‬‬
‫بل متتد أيضاً إلى أحكام دستورها والتي تكون عادة من قد وضعت من قبل‬
‫سلطة تأسيسية وطنية (((‪.‬‬

‫ومن التطبيقات احلديثة للتأميم ‪ ،‬قرار العراق بتأميم عمليات شركة نفط العراق في‬ ‫((( ‬
‫‪ 1972 / 6 /1‬مبوجب القانون رقم ‪ 69‬لسنة ‪ ، 1972‬وقد نصت املادة الثالثة من هذا‬
‫القانون على قيام احلكومة العراقية بتعويض شركة نفط العراق احملدودة عما آل للدولة‬
‫العراقية من أم��وال وحقوق وم��وج��ودات ‪ ...‬وقد مت حتديد مقدار ون��وع التعويض في‬
‫االتفاق الذي توصلت إليه احلكومة العراقية مع شركات النفط في ‪. 1973 / 3 / 1‬‬
‫وقد اقرت هذا املبدأ محكمة العدل الدولية الدائمة في رأيها االستشاري الذي قدته‬ ‫((( ‬
‫لعصبة األمم في ‪ 1932 / 2 / 4‬لتسترشد به االخيرة في النزاع بني بولندا ومدينة‬

‫‪390‬‬
‫ب ـ مسئولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية‬
‫تسأل الدولة عن التصرفات الصادرة عن موظفيها التنفيذيني ‪ ،‬سواء‬
‫أكانت هذه التصرفات قد صدرت من السلطات املركزية أو احمللية ‪ ،‬أو من‬
‫كبار املوظفني مثل رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو صغار املوظفني‬
‫‪ ،‬وكذلك األمر بالنسبة للجنود أو الشرطة ‪.‬‬
‫وسابقاً كان الفقهاء مييزون بني األعمال التي يقوم بها املوظفون باذن‬
‫من حكومتهم وفي حدود أختصاصهم وتكون مخالفة لقواعد القانون الدولي ‪،‬‬
‫فتكون الدولة مسئولة عن تلك االفعال ‪ ،‬وبني األعمال التي تقع منهم ويكونوا‬
‫قد تعدوا حدود اختصاصهم ‪ ،‬فال تسئل الدولة ويحق للمتضررين أن يلجأوا‬
‫للمحاكم للمطالبة بالتعويض املناسب ‪.‬‬
‫والرأي الراجح في الفقه في الوقت احلاضر يذهب إلى أن الدولة تسال‬
‫عن كافة األعمال املخلة التي يأتيها املوظف بصفته هذه ‪ ،‬سواء كان يعمل في‬
‫حدود اختصاصه أو كان قد تعدى هذه احلدود ‪ ،‬ألنه في كلتا احلالتني يعمل‬
‫باسم الدولة ‪ ،‬وم��ن واج��ب الدولة أن تشرف على أعمال موظفيها وحتسن‬
‫اختيارهم وتراقب أعمالهم ‪ ،‬فتجاوز املوظف حلدود اختصاصه يعتبر تقصيراً‬
‫من ال��دول��ة في القيام بهذا ال��واج��ب ‪ ،‬وق��د أخ��ذ بهذا ال��رأى مجمع القانون‬
‫الدولي في قرار لوزان سنة ‪ ، 1927‬فنص في الفقرة األخيرة من املادة األولى‬
‫على أنه‪«:‬تترتب مسئولية الدولة عن األعمال التي تقع من موظفيها خارج‬
‫ح��دود اختصاصهم ما دام ه��ؤالء املوظفني قد قاموا بها باعتبارهم إحدى‬
‫الهيئات الرسمية للدولة واستخدموا الوسائل التي حتت تصرفهم بصفتهم‬
‫هذه» ((( ‪.‬‬
‫وت�ث��ار مسئولية ال��دول��ة ع��ن تصرفات سلطتها التنفيذية م��ن الناحية‬
‫العملية في الصور التالية ‪ ،‬امتناع حكومة دولة من الدول تسليم احد املجرمني‬

‫دانتزج احلرة ‪ ،‬والذي جاء فيه « ال يحق لدولة ان حتتج بأحكام دستورها قبل دولة اخرى‬
‫بغية التخلص من االلتزامات التي يفرضها عليها القانون الدولي أو االتفاقات التي هي‬
‫طرف فيها ‪»...‬‬
‫د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 257‬‬ ‫((( ‬

‫‪391‬‬
‫إلى دولة أخرى إذا كان بني الدولتني معاهدة تقضي بذلك ‪ ،‬أو قبضها على‬
‫موظف دبلوماسي يتمتع باحلصانة الدبلوماسية ((( ‪ ،‬أو القبض التعسفي على‬
‫األجانب ‪ ،‬أو التمييز املجحف في معاملة الرعايا األجانب ((( ‪ ،‬وتوجد أحكام‬
‫عديدة للتحكيم والقضاء الدوليني بالنسبة لهذه املسائل ‪.‬‬
‫ج ـ مسئولية الدولة عن تصرفات السلطة القضائية‬
‫كذلك تسال الدولة عن األحكام التي تصدرها محاكمها إذا كانت هذه‬
‫األحكام متعارضة مع قواعد القانون الدولي ‪ ،‬وهنا ال ميكن للدولة االحتجاج‬
‫مببدأ استقالل القضاء ‪ ،‬ألن هذا املبدأ يشكل قاعدة داخلية تطبق في نطاق‬
‫عالقة السلطة القضائية بغيرها من سلطات الدولة وال شأن للدول األجنبية‬
‫بهذه العالقة ‪ ،‬ثم ألن الدولة في ميدان العالقات الدولية تواجه الدول األخرى‬
‫كوحدة مسئولة عن تصرفات سلطاتها املختلفة ‪.‬‬
‫وملا كان األجنبي ميثل أمام احملاكم الوطنية بصفته مدعيا أو مدعى‬
‫عليه أو متهما ‪ ،‬وفي كل هذه احلاالت تسأل الدولة إذا كان في إحكامها إخالل‬
‫بالتزام دولي ملقى على الدولة ‪ ،‬كما لو أخضعت لقضائها ممثال دبلوماسيا‬
‫‪ ،‬أو كما لو كان اختصاص الدولة محددا في اتفاقات دولية وخرجت احملاكم‬
‫على هذه االتفاقات ‪ ،‬أو أهملت احملاكم في تطبيق القانون الدولي أو طبقته‬
‫تطبيقا خاطئاً ‪ ،‬وتسأل الدولة عن أعمال محاكمها حتى ولو كانت احملاكم‬
‫تطبق تطبيقاً سليماً قانونها الوطني متى كان هذا القانون مخالفاً للقانون‬
‫الدولي ((( ‪.‬‬
‫وقد أثير جدل فقهي واس��ع حول وضع مفهوم دقيق وواض��ح ملصطلح‬

‫تنص املادة ‪ 29‬من اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية على انه «( تكون حرمة شخص‬ ‫((( ‬
‫املبعوث الدبلوماسي مصونة ‪ ،‬وال يجوز إخضاعه ألية صورة من صور القبض أو االعتقال‬
‫‪ ،‬ويجب على الدولة املعتمد لديها معاملته باالحترام الالئق واتخاذ جميع التدابير املناسبة‬
‫ملنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته ) ‪.‬‬
‫حكم محكمة العدل الدولية الدائمة في ‪ 1934 / 12 / 12‬في النزاع البلجيكي ـ‬ ‫((( ‬
‫البريطاني بخصوص أوسكار تشني ‪.‬‬
‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 421‬‬ ‫((( ‬

‫‪392‬‬
‫إنكار العدالة ((( ‪ ،‬حيث إن الدولة تسأل في حالة إنكار العدالة ‪ ،‬ومن سلسلة‬
‫ق��رارات التحكيم ‪ ،‬وما اتفقت عليه ال��دول في مؤمتر تقنني القانون الدولي‬
‫سنة ‪ 1930‬ميكن أن يظهر إنكار العدالة في احلاالت التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ عندما متتنع محاكم الدولة ‪ ،‬رغم اختصاصها ‪ ،‬عن النظر في دعوى‬
‫تقدم بها أحد األجانب ‪.‬‬
‫‪2‬ـ عندما تتباطىء هذه احملاكم في الفصل في الدعوى دون مبرر ‪ ،‬أو‬
‫بقصد حرمان األجنبي من احلصول على حقه ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عندما يوجد نقص واضح في اجراءات التقاضي أو ضمانات حتقيق‬
‫العدالة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ عندما تفصل هذه احملاكم في الدعوى فتصدر ضد األجنبي حكما‬
‫ظاملاً تعسفياً سببه اخلضوع لشعور عدائي ضد األجانب أو الرغبة في اإلساءة‬
‫إليهم ‪.‬‬
‫كذلك يعتبر من قبيل إنكار العدالة ‪:‬‬
‫أ ـ اإلسراع في محاكمة املتهم األجنبي بشكل غير مألوف ‪.‬‬
‫ب ـ إحالة األجنبي على محكمة أنشئت خصيصاً حملاكمته ‪.‬‬
‫ج ـ عدم تنفيذ احلكم الذي صدر ملصلحة األجنبي ‪.‬‬
‫د ـ توقيع العقوبة على أجنبي دون محاكمة ‪ ،‬أو عدم محاكمة املسئولني‬
‫عن جرمية ارتكبت ضد أجنبي ‪ ،‬أو تسهيل فرارهم من العقاب ‪.‬‬
‫وعلى خالف إنكار العدالة ال تسأل الدولة عن األحكام اخلاطئة التي‬

‫وفي محاولة لوضع تعريف محدد لفكرة إنكار العدالة نصت املادة التاسعة من مشروع‬ ‫((( ‬
‫اتفاقية املسئولية الدولية الذي اعدته جامعة هارفرد على أنه‪«:‬يوجد إنكار للعدالة إذا‬
‫وقع تاخير من احملكمة مغالى فيه بدون مبرر ‪ ،‬أو حيل بني األجنبي وبني االلتجاء للقضاء‬
‫‪ ،‬أو وجد نقص واضح في اجراءات التقاضي ‪ ،‬أو إذا لم تتوافر الضمانات الضرورية‬
‫حلسن سير العدالة أو إذا صدر حكم ينطوى على ظلم فاحش ‪ ،‬أما اخلطأ الذي تقع فيه‬
‫احملكمة والذي ال يستشف منه الظلم الواضح فال يعد إنكاراً للعدالة»‪.‬‬

‫‪393‬‬
‫تصدر من محاكمها بحسن نية ( كما لو انطوى احلكم على خطأ في الوقائع‬
‫أو في التقدير أو في تطبيق القانون الوطني ) ‪ ،‬إذ يستطيع األجنبي في هذه‬
‫احلالة الطعن في احلكم اخلاطئ بطرق الطعن املعتادة كاالستئناف والنقض‬
‫‪ ،‬شأنه في ذلك شأن املواطنني ‪.‬‬
‫وقد تأكد هذا في حكم محكمة التحكيم التي اختارتها مصر والواليات‬
‫املتحدة للفصل في النزاع املتعلق بجورج الصادر في ‪ 1932 / 6 / 8‬جيث جاء‬
‫فيه‪«:‬إنه من الالزم االعتراف بصحة األحكام التي تصدرها احملاكم الوطنية‬
‫في ح��دود اختصاصها ما دام لم يحصل إنكار للعدالة والقانون الدولي ال‬
‫يدخل في مدلول هذه العبارة سوى احلاالت التي يحصل فيها ظلم قضائي‬
‫صارخ» ((( ‪.‬‬
‫د ـ مسئولية الدولة عن التصرفات التي تصدر عن رعاياها‬
‫يحدث كثيرا أن يقوم بعض األفراد في إقليم دولة ما بأعمال عدوانية‬
‫مخلة بالقواعد الدولية ضد دولة أجنبية ‪ ،‬كاالعتداء على رئيسها أو ممثلها‬
‫ال��رس�م��ي ‪ ،‬أو إه��ان��ة علمها أو ش�ع��اره��ا ال��وط�ن��ي أو م�س��اع��دة ح��رك��ة ث��وري��ة‬
‫أو انفصالية فيها أو االع�ت��داء على رعاياها ‪ ،‬فهل تسأل ال��دول��ة ع��ن هذه‬
‫الألعمال؟‬
‫القاعدة العامة أن الدولة ال تسأل عن األعمال التي تصدر من األفراد‬
‫العاديني وال��ذي��ن هم مواطني ه��ذه ال��دول��ة ‪ ،‬ألنهم ال يعملون كما هو احلال‬
‫بالنسبة للموظفني باسم الدولة وحلسابها ‪ ،‬ولكن إذا كانت الدولة ال تسأل‬
‫عن األعمال غير املشروعة دولياً ال�ص��ادرة عن األف��راد العاديني باعتبارها‬

‫تتلخص وقائع قضية جورج سالم املصري األصل ‪ ،‬في أن النيابة األهلية في مصر اتهمت‬ ‫((( ‬
‫املذكور بالتزوير في عقد بيع أطيان له وقدمته إلى محكمة اجلنح األهلية في ‪1918‬‬
‫حيث دفع بعدم اختصاصها لتمتعه باجلنسية االمريكية ‪ ،‬ولقد حققت احملكمة جنسيته‬
‫وحكمت بعدم اختصاصها ‪ ،‬وجلأ حورج سالم للمحاكم املختصة مطالباً بالتعويض على‬
‫اعتبار إن االج��راءات التي اتخذت ضده بواسطة النيابة واحملكمة األهلية فوتت عليه‬
‫فرصة بيع اطيانه بثمن مرتفع ‪ ،‬وملا رفضت احملكمة املختلطة احلكم بالتعويض طلب‬
‫تدخل الواليات املتحدة حلمايته ‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫أعماالً صادرة منها ‪ ،‬فإن عليها التزاماً دولياً ـ مصدره العرف ـ ببذل عناية‬
‫معقولة ملنع اإلخالل في إقليمها بقواعد القانون الدولي ‪ ،‬وملعاقبة من يثبت‬
‫في حقه مثل هذا اإلخ�لال ‪ ،‬ومن ثم تسأل دولياً إذا ثبت أنها قصرت في‬
‫واجباتها والتزاماتها األساسية ‪ ،‬في احملافظة على األمن والنظام العام في‬
‫إقليمها ‪ ،‬ومن املتفق عليه أن هذا االلتزام هو التزام مزدوج ‪ ،‬إذ يشمل واجب‬
‫املنع أو احليطة قبل وقوع الضرر ‪ ،‬وواجب القمع بعد وقوعه ‪.‬‬
‫أ ـ واجب املنع‬
‫إن من واجب الدولة أن حتول دون وقوع التصرفات الضارة باألجانب‬
‫من قبل األف��راد وأن حتمي عند االقتضاء األجانب املهددين فيها ‪ ،‬وواجب‬
‫املنع هذا يفرض على الدولة أن حتتاط لكل أمر وتتخذ بصورة دائمة التدابير‬
‫ال�لازم��ة حلماية بعض األمكنة ‪ ،‬كالسفارات ‪ ،‬أو بعض األج��ان��ب ‪ ،‬كرئيس‬
‫الدولة أو املمثلني الدبلوماسيني ‪ ،‬وفي بعض الظروف كحدوث تظاهرات أو‬
‫اضرابات ((( ‪.‬‬
‫ب ـ واجب القمع‬
‫ويكون بعد وقوع الضرر ‪ ،‬وفي هذه احلالة يتعني على الدولة أن تبذل‬

‫((( وقد اكد القضاء الدولي مبدا مسئولية الدولة عن أعمال العنف التي تقع أثناء املظاهرات‬
‫السياسية وتلحق الضرر بالرعايا األجانب ‪ ،‬ففي احلكم الذي اصدرته في سنة ‪1920‬‬
‫جلنة التحكيم املختلطة التي اتفقت على تشكيلها بريطانيا والواليات املتحدة للفصل في‬
‫القضية املعروفة باسم ‪ Home Missionay Society Case‬وتتلخص وقائع القضية في‬
‫أن جمعية امريكية دينية كانت تباشر نشاطها التبشيري في إحدى احملميات البريطانية‬
‫في أفريقيا ‪ Sierra Leone‬وقع عليها اعتداء في اثناء قيام إحدى املظاهرات ‪ ،‬فطلبت‬
‫احلكومة االمريكية التعويض لرعاياها عن األضرار التي اصابتهم على ايدي املتظاهرين‬
‫‪ ،‬فرفضت جلنة التحكيم ذل��ك على أس��اس ع��دم قيام الدليل على تقصير احلكومة‬
‫البريطانية في تقدمي احلماية الكافية لألجانب في احملمية ‪ ،‬وقد ذكرت جلنة التحكيم‬
‫في قرارها " إن من املبادىء املستقرة في القانون الدولي أن احلكومات ال تسال عن أفعال‬
‫املتظاهرين ‪ ،‬ما لم يثبت قبلها اي إخالل بواجباتها ‪ ،‬أو تقصير في قمع الفتنة " ‪.‬‬
‫أنظر د ـ حامد سلطان و د ـ عائشة راتب ود ـ صالح الدين عامر ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪320‬‬
‫‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫العناية ال�لازم��ة للقبض على مرتكبي ه��ذه األف �ع��ال ومحاكمتهم ‪ ،‬وتأمني‬
‫التعويضات املناسبة للمتضررين ‪ ،‬وتتحمل الدولة مسئولية دولية ‪ ،‬إذا رفضت‬
‫أو أهملت أهماالً جسيماً مالحقة املجرمني ‪ ،‬أو إذا رفضت محاكمتهم ‪ ،‬أو‬
‫رفضت معاقبتهم ‪ ،‬أو تهاونت في مراقبتهم مما سهل لهم الفرار ‪ ،‬أو أصدرت‬
‫عفواً عاماً أو خاصاً بعد صدور احلكم ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ مسئولية الدولة في حالة الثورة أو حرب أهلية‬
‫ في هذه احلالة يجب التفريق بني ثالثة أنواع من األضرار التي ميكن‬
‫أن حتدث نتيجة الثورة أو احلرب األهلية ((( ‪.‬‬
‫ أ ـ األضرار التي تصيب األجانب نتيجة القتال ‪ :‬ال تسأل الدولة عما‬
‫يصيب األجانب نتيجة ألعمال القتال التي بني القوات احلكومية وقوات الثوار‬
‫‪ ،‬وبناءأً على فكرة القوة القاهرة ‪.‬‬
‫ ب ـ األضرار التي تصيب األجانب بسبب أعمال احلكومة خرج نطاق‬
‫القتال ‪ :‬تسأل الدولة عن األضرار التي تصيب األجانب بسبب األعمال التي‬
‫تتخذها الدولة خارج نطاق القتال ‪ ،‬كما لو أستولت على اموال األجانب أو‬
‫دمرت ممتلكاتهم بدون ضرورة حربية ‪.‬‬
‫ ج ـ األض��رار التي تصيب األجانب بسبب اعمال الثوار ‪ ،‬وهنا يجب‬
‫التمييز بني حالتني ‪.‬‬
‫احلالة األولى ‪ :‬إذا جنحت الثورة وتسلم الثوار مقاليد احلكم ‪ ،‬فإن‬
‫الدولة تكون مسئولة عن األضرار التي اصابت األجانب نتيجة ألعمال الثوار‬
‫‪ ،‬وذلك على اعتبار أن الشعب رضى عن الثورة وأقرها فتنسب اعمال الثوار‬
‫للدولة منذ قيام الثورة ‪.‬‬

‫وق��د وردت ه��ذه الضوابط في املادتني ‪ 14‬و ‪ 15‬من مشروع جلنة القانون الدولي‬ ‫((( ‬
‫ال صادراً عن الدولة‬
‫بشأن املسئولية الدولية ‪ ،‬فقد نصت املادة ‪ 14‬على أنه‪(:‬ال يعتبر فع ً‬
‫مبقتضى أحكام القانون الدولي تصرف جهاز من أجهزة حركة متردية قائمة في إقليم‬
‫الدولة أو أي إقليم آخر خاضع لواليتها ) كما نصت املادة ‪ ( 1/15‬في حالة جناح احلركة‬
‫التمردية في الوصول إلى احلكم فإن فعل احلركة التمردية التي تصبح احلكومة اجلديدة‬
‫ال صادراً عن هذه الدولة) ‪.‬‬
‫للدولة يعتبر فع ً‬

‫‪396‬‬
‫احلالة الثانية ‪ :‬إذا فشلت الثورة ال تسأل الدولة عن أعمال الثوار ‪،‬‬
‫وذلك على أعتبار أنها لم تكن متارس سيطرة فعلية ودائمة عليهم ‪ ،‬وأنها لم‬
‫يكن بوسعها منع هذه األعمال ‪.‬‬
‫ثانيا ـ عدم مشروعية الفعل‬
‫يجب أن ي�ك��ون الفعل امل�ن�س��وب ل�ل��دول��ة غير م �ش��روع دول �ي �اً ‪ ،‬ويكون‬
‫الفعل غير م�ش��روع إذا ك��ان يتضمن مخالفة ألح�ك��ام القانون ال��دول��ي العام‬
‫سواء االتفاقية أو العرفية أو لاللتزامات التي ترتبط بها الدولة مبقتضى‬
‫معاهدة((( ‪.‬‬
‫ثالثا ـ أن يترتب على الفعل غير املشروع ضرر‬
‫ويشترط أخيرا لقيام املسئولية الدولية أن ينتج عن الفعل غير املشروع‬
‫ضرر يصيب دولة من ال��دول ‪ ،‬سواء أكان الضرر الذي يصيب الدولة مادياً‬
‫( كاالعتداء على حدود الدولة أو سفنها أو طائراتها ) أو معنوياً ( كامتهان‬
‫كرامتها أو عدم احترام أنظمتها أو رؤسائها أو االعتداء على علمها ) وقد‬
‫يكون الضرر املعنوي في العالقات الدولية افدح من وجهة نظر الدولة التي‬
‫حل بها الضرر من الضرر املادي ((( ‪.‬‬

‫تنص املادة الرابعة من مشروع جلنة القانون الدولي بشأن املسئولية الدولية على أنه ( ال‬ ‫((( ‬
‫يجوز وصف فعل الدولة بأنه غير مشروع دولياً إال مبقتضى القانون الدولي ‪ ،‬وال ميكن‬
‫أن يتأثر هذا الوصف بكون القانون الداخلي يصف الفعل ذاته بأنه فعل مشروع ) ‪.‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص‪. 399‬‬ ‫((( ‬

‫‪397‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫آثار املسئولية الدولية‬

‫إذا توافرت الشروط التي بيناها سابقاً فإنه يكون من حق الدولة التي‬
‫وقع عليها الضرر أن تطالب الدولة املسئولة بالتعويض عن الضرر الذي نشأ‬
‫عن الفعل غير املشروع ‪ ،‬وقد أكد القضاء الدولي هذا املبدأ في العديد من‬
‫األحكام (((‪.‬‬
‫والتعويض ال يخرج في طبيعته عن كونه جبراً للضرر ‪ ،‬أي معوضاً وغير‬
‫معاقب ‪ ،‬فليس للقاضي الدولي أن يضيف على التعويض عناصر تتضمن فكرة‬
‫العقاب ‪ ،‬فالتعويض يكون بقدر الضرر وال يتصف بصفة العقوبة للمتسبب‬
‫فيه وال اإلثراء للمضرور (مساواة التعويض للضرر) ((( ‪ ،‬ويتخذ التعويض في‬
‫املسئولية الدولية الصور التالية ‪ :‬ـ‬

‫أوال ـ الترضية‬
‫تكون الترضية هي التعويض املناسب عندما ال يترتب على العمل املسبب‬
‫للمسئولية أي ضرر مادي ‪ ،‬والترضية تعني قيام الدولة املسئولة بعدم إقرار‬
‫التصرفات الصادرة عن سلطاتها أو موظفيها أو رعاياها ‪ ،‬ومن صورها تقدمي‬
‫اعتذار دبلوماسي أو ابداء األسف ‪ ،‬أو حتية العلم في حالة اإلهانة ‪ ،‬أو فصل‬
‫املوظف املسئول أو احالته إلى احملكمة ‪.‬‬

‫ثانيا ـ التعويض العيني‬

‫القرار التحكيمي الذي اصدره االستاذ ماكس هوبر في ‪ 1925 / 5 / 1‬في القضية‬ ‫((( ‬
‫اخلاصة باألضرار التي حلقت ببعض الرعايا البريطانيني في مراكش االسبانية وقد جاء‬
‫فيه « إن النتيجة التي تؤدي إليها املسئولية هي دفع التعويض « ـ أنظر د ـ عصام العطية‬
‫ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 406‬‬
‫عمر محمد احملمودي ـ قضايا معاصرة قي القانون الدولي العام ـ الدار اجلماهيرية‬ ‫((( ‬
‫للنشر والتوزيع واالعالن ـ مصراته ـ ‪ 1989‬ـ ص ‪. 101‬‬

‫‪398‬‬
‫ويكون بإعادة األمورعلى ما كانت عليها قبل وقوع الفعل غير املشروع ‪،‬‬
‫كإعادة األموال التي صودرت بدون وجه حق من األجانب ‪ ،‬أو إلغاء القوانيني‬
‫املخالفة للقانون الدولي ‪.‬‬
‫ثالثا ـ التعويض املالي‬
‫ويكون بدفع مبلغ من املال لتعويض الضرر الناجت عن الفعل غير املشروع‬
‫‪ ،‬وهذا هو الشكل الغالب للتعويض ‪.‬‬
‫ويتم حتديد مبلغ التعويض باالتفاق بني أط��راف النزاع أو عن طريق‬
‫التحكيم أو القضاء ‪ ،‬وفي الغالب يتم االتفاق على التعويض نتيحة املفاوضات‬
‫التي تتم بني األطراف املعنية يعقبها اتفاق يبني مقدار ونوع التعويض ‪ ،‬مثال‬
‫ذلك االتفاق املبرم بني احلكومة املصرية ومساهموا شركة قناة السويس في‬
‫سنة ‪. 1958‬‬
‫ ويقتضي أن يطابق التعويض الضرر بقدر املستطاع بحيث ال يقل عنه‬
‫أو يزيد ‪ ،‬وهذا املبدأ أقرته محكمة التحكيم الدائمة في قراراها الصادر في‬
‫‪ 1922 / 10 / 13‬بشأن قضية مصادرة السفن النرويجية من قبل الواليات‬
‫املتحدة حيث قررت‪«:‬إن التعويض العادل يقتضي اعادة الوضع السابق بشكل‬
‫تام»‪.‬‬
‫خالصة القول‪-:‬‬
‫ممارسة السلطة تستتبع املسئولية عن األخ�ط��اء في تلك املمارسة ‪،‬‬
‫واملسئولية الدولية هى نظام قانونى مبقتضاه تلتزم الدولة التى نسب إليها‬
‫تصرف غير م�ش��روع طبقاً للقانون ال��دول��ى ب��أن تعوض ال��دول��ة التى ارتكب‬
‫ضدها العمل ‪ .‬بحيث ال تكون املنازعة الدولية عادة إال منازعة على التعويض‬
‫‪. insemination‬‬
‫الطبيعة القانونية واملميزات العامة للمسئولية الدولية ‪:‬‬
‫تقول احملكمة الدائمة للعدل ال��دول��ى‪«:‬إذا كان يوجد تصرف منسوب‬
‫للدولة بوصفه مناقضاً للحقوق اإلتفاقية لدولة أخرى فإن املسئولية الدولية‬
‫تنشأ مباشرة في نطاق عالقات تلك الدول (حكم ‪ 14‬يونيو ‪ 1938‬في قضية‬

‫‪399‬‬
‫الفوسفات املغربي)‪.‬‬
‫وتفترض املسئولية الدولية ‪ ،‬أن دول��ة ما تشكو من ض��رر واق��ع عليها‬
‫وتطالب بالتعويض ‪ .‬وهذا الضرر ميكن أن يكون ‪:‬‬
‫(أ) خطأ مباشراً ( كإهانة أو اعتداء على علم الدولة )‪.‬‬
‫(ب) اخالال بالقانون الدولى ( كانتهاك معاهدة)‪.‬‬
‫(ج) ض��رراً واق�ع�اً على اح��د رعايا ال��دول��ة‪ ،‬إذ من حق ه��ذه ال��دول��ة أن‬
‫حتمى مواطنيها الذين اضيروا باعمال مخالفة للقانون الدولى من جانب دولة‬
‫أخري ولم يستطيعوا – أي األفراد – أن ينالوا حقوقهم بالطرق العادية‪.‬‬
‫املسئولية املباشرة واملسئولية غير املباشرة ‪:‬‬
‫املسئولية الدولية املباشرة ‪:‬‬
‫وتوجد ه��ذه املسئولية حيثما يوجد انتهاك مباشر من جانب الدولة‬
‫إللتزاماتها الدولية ‪.‬‬
‫املسئولية الدولية غير املباشرة ‪:‬‬
‫وتوجد عندما تتحمل دولة ما املسئولية عن انتهاك القانون الدولى من‬
‫جانب دولة ألخرى ‪ ،‬وهذه املسئولية تتطلب تواجد عالقة قانونية خاصة بني‬
‫الدولة املسئولة والدولة املرتكبة للتصرف ‪.‬‬
‫احلماية ‪:‬‬
‫ إذا أن الدولة احلامية ‪ Etat protecteur‬تكون مسئولية عن األعمال‬
‫غير املشروعة املنسوبة للدولة احملمية ‪ Etat protégé‬وهذا احللول في املسئولية‬
‫ه��و جوهر احلماية ذات�ه��ا حيث تهيمن ال��دول��ة احلامية على االختصاصات‬
‫الدولية للدولة احملمية ( مثال ذلك مطالبة بريطانيا ألسبانيا بالتعويض عن‬
‫األض��رار التى حدثت لرعايا إجنلترا في املنطقة األسبانية من مراكش سنة‬
‫‪1925‬‬
‫‪ -2‬االنتداب‪ :‬إذ تتحمل الدولة املنتدبة ‪ Etat mandataire‬املسئولية‬

‫‪400‬‬
‫عن األضرار التى حتدث من جانب الدولة اخلاضعة لإلنتداب ‪.‬‬
‫‪ -3‬الوصاية ‪ :‬حيث تكون الدولة القائمة بالوصاية في نفس الوضع‬
‫السابق ذكره للدولة املنتدبة‪.‬‬
‫أساس املسئولية الدولية ‪:‬‬
‫ في الوقت احلالى يشترط القضاء شرطني لترتيب املسئولية على‬
‫الدولة وهذان الشرطان هما‬
‫االسناد وعدم الشرعية ‪:‬‬
‫االسناد ‪:‬‬
‫ فالشرط األول للمسئولية يتمثل ف��ي ام�ك��ان نسبة أو اس�ن��اد العمل‬
‫موضوع املسئولية ( سواء أكان تصرفاً ايجابياً أو سلبياً) إلى الدولة واألعمال‬
‫التى تنسب أو تسند للدولة هى التصرفات أو االمتناع عن التصرف من جانب‬
‫هيئاتها من أى نوع كانت (حتى ولو كانت قضائية) ومن أي درجة تكون (حتى‬
‫الدرجات الدنيا)‪.‬‬
‫ ومن الضرورى كذلك أن تكون الواقعة املنسوبة للدولة غير مشروعة‬
‫دولياً وعدم الشرعية للفعل مرجعها القانون الدولى وليس القانون الداخلى‪.‬‬
‫واألس��اس الوحيد للمسئولية الدولية هو في ال��واق��ع “ مناقضة قاعدة من‬
‫قواعد القانون الدولي” ‪.‬‬
‫اث����ارة امل��س��ئ��ول��ي��ة ال��دول��ي��ة ( ن��ظ��ري��ة احل��م��اي��ة ال��دب��ل��وم��اس��ي��ة)‬
‫‪Protection diplomatique‬‬

‫ يتولى ذلك بالطبع الدولة املدعية التى متارس حمايتها الدبلوماسية‬


‫ويشترط ملمارسة هذه احلماية الدبلوماسية ثالثة شروط ‪:‬‬
‫وج��ود رابطة قانونية أو سياسية بني الفرد املضرور والدولة املدعية‬
‫(عادة ما تكون اجلنسية)‬
‫استنفاد طرق القضاء الداخلية من جانب املدعى‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫(ج) سلوك سليم من جانب املدعى‪.‬‬
‫(أ) الشرط األول ‪ :‬جنسية املدعى ‪:‬‬
‫فالشرط األول ملمارسة احلماية الدبلوماسية يتمثل في وجود عالقة‬
‫قانونية سياسية بني الفرد املضرور والدولة املدعية‪ .‬وتنتج هذه العالقة من‪:‬‬
‫اخلضوع السياسي أى اجلنسية ‪.‬‬
‫واستثناء من رابطة اتفاقية كما هو الشأن في حالة احلماية الدولية‬
‫واالن �ت��داب وال��وص�ي��ة ‪ ،‬حيث تكسب ال��دول��ة احلامية أو املنتدبة أو القائمة‬
‫بالوصاية صفة املدعى ‪ .‬تقول احملكمة الدائمة للعدل الدولى (‪ 28‬فبراير‬
‫‪« )1939‬في حالة عدم وجود اتفاقيات خاصة ‪ ،‬فإن رابطة اجلنسية وحدها‬
‫تعطى الدولة حق احلماية الدبلوماسية»‪ .‬وتخضع ممارسة احلماية الدبلوماسية‬
‫بالنسبة للمواطنني لقاعدتني أساسيتني‬
‫أولهما ‪ :‬اجلنسية األصلية للطالب‪ ،‬وهنا تثور مشكلة حتديد (حلظة‬
‫ال�ط�ل��ب)وم��ا امل�ق�ص��ود منها ؟ إذ ميكن أن ت��وج��د أرب �ع��ة ف��روض متثل حلظة‬
‫الطلب‪:‬‬
‫إما أن تكون تاريخ الفعل غير املشروع‪.‬‬
‫وإما تاريخ توقيع اتفاقية اإلدعاءات أو دخولها دور التنفيذ‬
‫أو تاريخ تقدمي الطلب أمام جلنة فحص اإلدعاءات‪.‬‬
‫أو تاريخ اصدار اللجنة للحكم‪.‬‬
‫ ويختلف القضاء الدولى ازاء هذه الفروض على النحو التالي ‪:‬‬
‫فاللجان املختلطة التى عملت قبل سنة ‪ 1914‬ذهبت إلى أن الطالب‬
‫يجب أن تكون له جنسية الدولة املدعية في األربع مراحل السابقة معاً ‪.‬‬
‫أم��ا احملاكم املختلطة املنشأة مبقتضى معاهدات الصلح سنة ‪1919‬‬
‫فقد أعلنت – على عكس ما تقدم – أنها تكون مختصة بنظر الدعوة متى‬
‫كان الطالب ميلك جنسية إحدى الدول املتعاقدة في الوقت الذي دخلت فيه‬

‫‪402‬‬
‫املعاهدة التى أنشأت احملكمة إلى دور التنفيذ ‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬استمرار اجلنسية ‪:‬‬
‫والشرط الثانى يتمثل في ضرورة أن يستمر الطلب وطنيا في شخص‬
‫صاحبه ‪ .‬وه��ذا ش��رط ق��د ي�ك��ون م �ش��دداً خ��اص��ة ف��ي ح��ال��ة التغيير اجلبري‬
‫للجنسية ولذلك فإن القضاء الدولى يخفف منه أحياناً ‪.‬‬
‫حالة ازدواج اجلنسية ‪Double nationalité‬‬

‫وفي حالة ازدواج اجلنسية ‪ ،‬فإن الدولة ترفض بصفة عامة – أن حتمى‬
‫الفرد في مواجهة الدولة التى يعتبر مواطنا لها في نفس الوقت فال يحمى‬
‫شخص إزاء دولته التى ينتمى إليها ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي‬
‫ طبقه التحكيم سنة ‪ ، 1903‬واوردته محكمة العدل الدولية في رأيها‬
‫اإلستشاري الصادر في ‪ 11‬ابريل سنة ‪ 1949‬حيث أشارت إلى أن ط العمل‬
‫يسير على أن ال��دول��ة ال مت��ارس حمايتها ملصلحة أح��د مواطنيها ضد دولة‬
‫تعتبر مواطنا خاصاً لها “ ‪.‬‬
‫ كما تضمنت اتفاقية الهاي في ‪ 12‬ابريل لسنة ‪ 1930‬املتعلقة ببعض‬
‫املسائالخلاصة بتنازع قوانني اجلنسية ‪ ،‬نفس املبدأ إذ نصت املادة الرابعة‬
‫على أن ال��دول��ة ال ميكنها أن مت��ارس حمايتها الدبلوماسية ملصلحة أحد‬
‫مواطنيها ضد دولة يعتبر الفرد مواطناً لها أيضا ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬استنفاد وسائل االدعاء الداخلية ‪:‬‬
‫ فوفقاً ملبدأ عام استقر عليه غالبية الفقهاء ‪ ،‬وأيدته احكام قضائية‬
‫ع��دي��دة ف��إن ال��دع��وى ال��دول�ي��ة ال ميكن ممارستها إال بعد استنفاد النشاط‬
‫السابق للفرد أمام السلطة احمللية وعدم جدوى مسعاه ‪ .‬فالضرر الذي يعانيه‬
‫الفرد ال ميكن أن يكون موضوع إدعاء دولى إال إذا كان ذلك الفرد ‪:‬‬
‫(أ) ال ميلك أي��ة طريقة قانونية لإللتجاء إل��ى محاكم ال��دول��ة املدعى‬
‫عليها بحيث تسمح له بتعوض الضرر ‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫(ب) ان يكون قد استنفد – ب��دون فائدة – كل الطرق القانونية التى‬
‫ميكن اإللتجاء إليها ‪ ،‬وقد أشار لذلك وزير اخلارجية األمريكية ‪Hamilton‬‬
‫‪ Fish‬في بداية القرن األخير من القرن التاسع عشر عندما قال “ أن املدعى‬
‫في دول��ة أجنبية ليس ملزماً باستنفاد طرق العدالة عندما ال توجد عدالة‬
‫ميكن استنفادها” ولذلك فإن القاعدة املتقدمة ال تطبق في احلاالت التالية‪:‬‬
‫اذا ل���م ي��ك��ن م���ن امل��م��ك��ن اس� �ت� �خ ��دام ال� ��دع� ��وى ال �ق �ض��ائ �ي��ة ب�س�ب��ب‬
‫ع�� ��دم وج� � ��ود ط���ري���ق ق���ان���ون���ى ل �ل��إدع � ��اء ض� ��د ال� �ت� �ص���رف امل� �ت� �س� �ب ��ب ف��ي‬
‫ال� �ض ��رر ‪ ،‬ك �م��ا ل ��و ك �ن��ت ال ��دول ��ة حت���رم اإلدع�� ��اء ض ��د ت �ص��رف��ات احل �ك��وم��ة‬
‫(نظرية أعمال السيادة) أو تقرر عدم مسئولية السلطة العامة ‪.‬‬
‫اذا كانت الدعوى القضائية ال فائدة منها ألن القضاء احمللى ال يوحى‬
‫بالثقة‪.‬‬
‫اذا كانت الدعوة القضائية خطيرة بالنسبة للمدعى إذ يكون قد حتمل‬
‫العقاب الرئيسي‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬سلوك سليم للمدعى‬
‫ فطبقاً ملبدأ مستقر في الفقه والقضاء ‪ ،‬ومستقر بصفة خاصة لدى‬
‫الكتاب األجنلوسكسون حتت عبارة األيدى النظيفة ‪ Clean hands‬فإن املدعى‬
‫يجب أن يكون نظيف األيدي‪.‬‬
‫(أ) في حالة التصرف غير املشروع للمدعى والناجت بصفة خاصة عن‬
‫انتهاكه لقانون البلد التى يقيم فيه ‪.‬‬
‫(ب) في حالة ما إذا أظهر املدعى نشاطاً مخالفاً للقانون الدولى‪.‬‬
‫آثار احلماية الدبلوماسية ‪:‬‬
‫ عندما مت��ارس ال��دول��ة احلماية الدبلوماسية ملواطنيها ف��إن املسألة‬
‫تتحول م��ن العالقة األصلية لفرد م�ض��رور ض��د دول��ة مسئولة ‪ ،‬إل��ى عالقة‬
‫جديدة هى عالقة دولة بدولة مسئولة‪.‬‬
‫ويتفرع على ذلك عدة نتائج ‪:‬‬

‫‪404‬‬
‫أن الدولة املضرورة ميكنها أن تتنازل عن حقها في املطالبة بالتعويض‬
‫أو أن تتقبل أى تعويض يقدم لها ‪.‬‬
‫تتمتع حكومة الدولة املدعية بالسلطة املفرزة التقديرية من حيث وقت‬
‫وطريقة آثار القضية‪.‬‬
‫الدولة حرة في أن تتبنى أو تتخلى عن طلبات مواطنيها مبا يتفق مع‬
‫تقديرها للمصلحة العامة‪،‬عندما تتلقى الدولة تعويضاً ‪ ،‬فإنها تكون حرة‬
‫في استخدامه أو في توزيعه بني مواطنيها حسب ووف��ق ما ت��راه الفرنسي‬
‫أن كل التصرفات اخلاصة باحلماية الدبلوماسية تعتبر من أعمال احلكومة‬
‫(أعمال سيادة ) ‪ actes de government‬التى ال يجوز الطعن فيها بالطريق‬
‫القضائي‪.‬‬
‫شرط التنازل عن احلماية الدبلوماسية شرط كالفو ‪Clause Caivo‬‬

‫ال عقود اإلمتياز مع شخص‬ ‫ويحدث أحياناً إدخال شرط من العقود (مث ً‬
‫اجنبي) مبنع املتعاقد االجنبى من أن يلجأ للحماية الدبلوماسية حلكومته أو‬
‫أن يشترط في العقود مقدماً ع��دم قبول أي إدع��اء دول��ى‪ .‬ويطلق على هذا‬
‫الشرط “ ش��رط كالفو” نسبة الس��م رج��ل دول��ة وفقية ارجنتيني (‪– 1842‬‬
‫‪ )1906‬وقد أدخل هذا الشرط في عدد من العقود املبرمة بني دولة أمريكا‬
‫الالتينية ورعايا أجانب‪.‬‬
‫تطبيقات للمسئولية ال��دول�ي��ة ‪ .‬وتنتج مسئولية ال��دول��ة ف��ي الفروض‬
‫التالية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬عن أعمال السلطة التشريعية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬نشاط السلطة اإلدارية ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬أعمال السلطة القضائية ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬تصرفات من جانب األفراد‬
‫خامساً ‪ :‬حالة احلرب املدنية ‪.‬‬
‫ ونعرض لهذه الفروض فيما يلي ‪:‬‬

‫‪405‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬مسئولية الدولة عن أعمال السلطة التشريعية ‪:‬‬
‫ وتوجد املسئولية عن العمل اإليجابي عندما تصدر السلطة التشريعية‬
‫قانوناً يتعارض مع التزامات الدولية للدولة ‪.‬‬
‫ وقد أقرت محكمة العدل الدولى الدائمة هذا الرأي في عدة أحكام‬
‫( حكم ‪ 25‬مايو ‪ 1926‬في قضية ‪ Choizow‬إذ ذك��رت بأن إج��راء محظوراً‬
‫بالقانون الدولى اإلتفاقي أو العرفى ال ميكن أن يصبح إج��راءاً مشروعاً إذا‬
‫كانت الدولة املعنية تطبقه هى األخري على مواطنيها‪.‬‬
‫ وق ��د أث �ي��رت ه ��ذه امل�س�ئ��ول�ي��ة ح��دي��ث ب �ص��دد ع ��دد م��ن امل��وض��وع��ات‬
‫املتعقة بالتأميم والتجنس كحالة ن��زع ملكية شركات البترول األجنبية في‬
‫املكسيك(بتطبيق قانون ‪ 1936‬ومرسوم ‪ 18‬فبراير ‪ )1936‬وحالة تأميم‬
‫شركة الزيوت البريطانية اإليرانية بتطبيق قوانني ‪ 20 ،15‬مارس و أول مايو‬
‫‪ )1951‬كما ث��ارت املشكلة دول�ي�اً كذلك بصدد تأميم الشركة العاملية لقناة‬
‫السويس (مبرسوم ‪ 26‬يوليو ‪ )1956‬وبإجراءات متصير ‪Egyptianisation‬‬
‫الشركات األجنبية ( قوانني ‪ 15‬و ‪ 21‬يناير ‪. )1957‬‬
‫ هذه اإلج��راءات املعاصرة ألقت األض��واء في السنوات األخيرة على‬
‫مشكلة املسئولية الدولية ضد أعمال السلطة التشريعية ‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬مسئولية الدولة عن نشاط السلطة اإلدارية ‪:‬‬
‫ وكذلك دون متييز بني درجة املوظفني في السلم الوظيفى وكذلك فإن‬
‫النظرية التى تثار أحياناً في أمريكا الالتينية والقائلة بأن تصرفات املوظفني‬
‫الصغار ال تثير املسئولية الدولية للدول نظرية مرفوضة فهي ال جتد أي سند‬
‫من القانون وال يؤخذ بها صفة عامة من جنب القضاء الدولى‬
‫ وتثور مسئولية الدولة عن تصرفات سلطاتها اإلداري��ة من الناحية‬
‫العملية في القروض التالية معاملة أحد الرعايا األجانب معاملة مختلفة عما‬
‫يجب ‪ ،‬وأعمال العنف من جانب العسكريني أو البوليسني ضد أحد األجانب‬
‫‪ ،‬والقبض التعسفي على األجنبي ‪ .‬وتوجد أحكام عديدة للتحكيم في هذه‬
‫املسائل‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬مسئولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية ‪:‬‬
‫فالدولة مسئولة عن أعمال السلطة القضائية شأنها شأن باقى السلطات‬
‫وال مجال لإلدعاء بأنها سلطة مستقلة للتهرب من املسئولية عن أعمالها ‪،‬‬
‫فاألجنبي ميكن أن ميثل أمام القضاء احمللى إما كمدع ومدعى عليه‬
‫ان�ك��ار ال�ع��دال��ة باملعنى الضيق ‪ ،‬وه��ى ال��ة رف��ض م�ث��ول األج�ن�ب��ي أم��ام‬
‫احملاكم‪ ،‬وهى حالة ترفض فيها الدولة اعطاء األجانب مكنة حماية حقوقهم‬
‫باإللتجاء للقضاء‪.‬‬
‫اإلدارة السيئة للعدالة ‪mauvaise administration de la justice‬‬
‫فالدولة مسئولة عن تخلف تنظيم جهازها القضائي في املستوى العادى الذي‬
‫يتطلبه القانون الدولى ‪ .‬وبتناول التطبيق العملى في هذا املجال الفروض‬
‫التالية ‪:‬‬
‫رفض احملكمة ألن تصدر احلكم ‪.‬‬
‫(ب) كل تأخر أو كل عقبة ال مبرر لها في إدارة العدالة عندما يكون‬
‫األجنبي مدعى عليه(في هذا اخلصوص‪ ،‬حكم التحكيم الصادر من رئيس‬
‫اإلحت��اد السويسري في ‪ 30‬ديسمبر ‪ 1896‬في قضية ‪ Fabianl‬بني فرنسا‬
‫وفنزويال‪ ،‬واحلكم الصادر من محكمة حتكيم خاصة في ‪ 3‬مايو ‪ 1930‬في‬
‫قضية ‪ Martini‬بني ايطاليا وفنزويال)‪.‬‬
‫(ج) وبالعكس فإنه يوجد انكار للعدالة عند التسرع الزائد عن احلد في‬
‫اصدار احلكم على املتهم األجنبي‪.‬‬
‫(هـ) احلكم على أجنبى بواسطة محكمة استثنائية ‪.‬‬
‫(و) عدم تنفيذ قرار قضائي صدر ملصلحة أجنبي أو حتريره قبل األوان‬
‫بطريقة يفهم منها الرغبة في إهدار دم األجنبي ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ -3‬اص��دار حكم يظهر بوضوح أن��ه غير ع��ادل ‪ .‬وبالعكس ‪ ،‬فالدولة‬
‫ليست مسئولة عن خطأ محاكمها عندما يرتكب اخلطأ بحسن نية ( كتفسير‬
‫خاطئ للقانون احمللي)‪ ،‬وتوجد لألجنبي طرق قانونية يستعملها للطعن في‬
‫احلكم اخلاطئ شأنه في ذلك شأن املواطنني‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬مسئولية الدولة عن تصرفات األفراد ‪:‬‬
‫وميكن أن تكون ال��دول��ة مسئولة أيضا ع��ن تصرفات ارتكبها األف��راد‬
‫وتوجد هنا مسئولية مباشرة على ال��دول��ة ‪ ،‬إذ أنها ملزمة باحملافظة على‬
‫النظام العام في إقليمها ومناط املسئولية هنا يتمثل في إهمال الدولة لهذا‬
‫ال��واج��ب امللقي على عاتقها وليس أس��اس�اً عمل ال�ف��رد ال��ذي ميكنه انتهاك‬
‫القانون الولى ألنه ليس خاضعاً له مباشرة‪ .‬والتزام الدولة هنا ذو وجهني إذ‬
‫يشمل واجب املنع وواجب الردع‬
‫(‪ )1‬واجب املنع ‪:‬‬
‫ على الدولة واجب احليلولة دون وقوع التصرفات الضارة باألجانب‬
‫م��ن جانب األف��راد وان حتمى عند ال�ل��زوم ه��ؤالء األج��ان��ب إذا ك��ان��وا موضع‬
‫تهديد‪.‬‬
‫عنصر امل �ك��ان (إذ عليها واج��ب خ��اص ف��ي ح�م��اي��ة ال �س �ف��راء وال �ت��زام‬
‫باملالحظة والرقابة املشددة في مناطق احلدود)‪.‬‬
‫عنصر الزمان (كأن تعمل حساباً ليوم حتدث فيه مظاهرات فيوم أول‬
‫مايو)‪.‬‬
‫احتماالت أو عدم احتماالت األحداث‪.‬‬
‫الصفة العامة لألجنبي (كرئيس دولة أو وزير أو ممثل دبلوماسي)‪ .‬ومع‬
‫ذلك فإنه توجد بعض معايير ميكن اإلستناد عليها إلثبات ذلك التقصير من‬
‫جانبها مثل ‪.‬‬
‫رفض اتخاذ التدابير الضرورية بالرغم من حتذيرها من جانب املمثلني‬
‫الدبلوماسيني أو املعنيني باألمر (كرفضها إرسال قوة مسلحة حلماية األجانب‬
‫في منطقة خطرة)‬
‫مشاركة اجلنود أو البوليس أو املوظفني في أعمال العنف املرتكبة ضد‬
‫األجانب‬
‫ع��دم اك �ت��راث امل��وظ�ف�ين العموميني بعمل غ�ي��ر م �ش��روع ي�ش��اه��دون��ه أو‬

‫‪408‬‬
‫تورطهم باملشاركة فيه‬
‫وعلى عكس ما تقدم فإنه توجد وقائع من طبيعتها عدم حتميل الدولة‬
‫بأية مسئولية مثل تصرف األجنبي اإلستفزازي أو املتعمد الذي أدى لوقوع‬
‫الفعل الضار‪ .‬كذلك التنبيه السابق على األجنبى من جانب الدولة التى يتبعها‬
‫يترك البالد بسبب اضطراب األحوال فيها ‪.‬‬
‫(ب) واجب الردع ‪:‬‬
‫ولكن عندما يقع الضرر فع ً‬
‫ال‪ ،‬فإن الدولة ملزمة بأن تتخذ اإلجراءات‬
‫ملعاقبة مرتكب الفعل ‪ ،‬ولكفالة التعويض للمجنى عليهم‪ .‬وميكن أن تبني‬
‫مسئوليتها الدولية في أحد الفروض التالي ‪:‬‬
‫رفض تتبع املتهم أو جتاهل األمر ‪.‬‬
‫رفض إجراء احملاكمة ‪.‬‬
‫رفض توقيع العقاب‪.‬‬
‫اهمال مراقبة املتهم بحيث سهل له أمر الهروب ‪.‬‬
‫منح املتهم العفو بسرعة أو تبرئته السريعة ‪.‬‬
‫خ��ام��س�� ًا ‪ :‬مسئولية ال��دول��ة ف��ي ح��ال��ة احل��رب األه��ل��ي��ة ‪Guerre‬‬
‫‪civile‬‬
‫ ف��ي أى األح��وال تصبح ال��دول��ة مسئولة دول�ي�اً بسبب األض��رار التى‬
‫حدثت لألجانب خالل حرب أهلية ؟ واإلجابة على ذلك السؤال صعبة مبكان‪،‬‬
‫وم��ع ذل��ك فإنه يفرق بضددها ب�ين ال�ق��واع��د العامة وب�ين بعض التنظيمات‬
‫االستثنائية ‪.‬‬
‫القواعد العامة‬
‫وهى تستخلص من أحكام القضاء الدولى ويوجد في هذا اخلصوص‬
‫سابقتان هامتان أحدهما تتعلق بحكم صادر في أول مايو ‪ 1925‬من البروفسير‬
‫‪ MayHuber‬في قضية اإلدعاءات البريطانية عن األضرار التى حدثت لرعايا‬

‫‪409‬‬
‫اجنليز في املنطقة األسبانية من مراكش‪ .‬وثانيتهما متعلقة بالقرار الصادر‬
‫في ‪ 19‬أكتوبر ‪ 1928‬في قضية ‪ Georges Pinson‬من جانب احلكم املرجح‬
‫‪ Yerziji‬رئيس اللجنة الفرنسية املكسيكية وعلى ضوء تلك السوابق الدولية‬
‫يجيء التمييز بني ثالثة أنواع من األضرار‪.‬‬
‫وكقواعد عامة‪ ،‬ف��إن القضاء ال��دول��ى يقر هنا بعدم مسئولية الدولة‬
‫ال ال ميكن تعويضه عن هدم منزله يسبب القذف بالقنابل ويبرز‬ ‫فاألجنبي مث ً‬
‫القضاء الدولى عادة هذا احلل باإللتجاء إلستثناء القوة القهرية ‪.‬‬
‫اضرار حتدث من التدابير التى تتخذها السلطات احلكومية ‪.‬‬
‫ ف � � ��إذا ك� ��ان� ��ت ه � �ن� ��اك ت� ��داب � �ي� ��ر خ� ��اص� ��ة وم� � �ح � ��ددة ات�� �خ� ��ذت ض��د‬
‫األج��ان��ب ب��وص�ف�ه��م ه ��ذا وت �ت �ع��دى األع��ب��اء امل �م �ك��ن اح�ت�م��ال�ه��ا وذل ��ك دن أن‬
‫ت��دف��ع ال��دول��ة ت �ع��وي �ض �اً‪ ،‬ف��إن �ه��ا ت �ك��ون م�س�ئ��ول�ي��ة دول �ي��اع��ن ت�ص��رف��ات�ه��ا ه��ذه‬
‫( مثل ذلك الهدم دون وجود ضرورة عسكرية تبرزه‪ ،‬والسلب والقتبل بعيداً عن‬
‫أي قتال‪ ،‬واإلستيالء على مال األجنبي وفرض العمل اإلجباري عليه ‪ .‬إلخ) ‪.‬‬
‫ وهنا ال توجد مسئولية على الدولة ‪ .‬فاملبدأ املعلن منذ ‪ 1903‬في‬
‫قضية ‪ Sambiaggio‬بواسطة احلكم املرجح ‪ Ralston‬رئيس جلنة اإلدعاءات‬
‫اإليطالية الفنزويلية قد تأيد سنة ‪ 1928‬من جانب اللجنة املكسيكية في‬
‫قضية ‪. G.Pinson‬‬
‫ ويبرر الفقه ه��ذا احل��ل باعتبار احلكومة في حل من املسئولية عن‬
‫األضرار التى حدثت من جانب املتمردين نتيجة لصفتهم هذه من ناحية وألنه‬
‫حيث ال توجد سلطة فعلية ومستمرة ال توجد مسئولية‪.‬‬
‫ على أن عدم مسئولية الدولة في هذا الفرض يحيطها استثناءان ‪:‬‬
‫أول��ه��م��ـ��ا‪ :‬ح��ال��ة ع��دم ات �خ��اذ احل�ك��وم��ة ل�لإح�ت�ي��اط��ات ال�لازم��ة حلماية‬
‫األجانب‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬ينبع من العفو فالفقه والقضاء مستقران على أنه حينما تعفو‬
‫ال وظائف عامة ) فإن ذلك‬ ‫احلكومة عن املتمردين ( كأن تعطى لزعمائهم مث ً‬
‫يفترض تلقائياً حتملها ملسئولية األضرار التى حدثت بواسطة املتمردين‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫حالة انتصار الثوار ‪:‬‬
‫كما هو الشأن مث ً‬
‫ال في حالة احلرب األهلية األسبانية ‪1939 – 1936‬‬
‫التى انتهت بانتصار القوات الوطنية للجنزال فرانكو‪.‬‬
‫في ه��ذه احلالة يذهب القضاء الدولى إل��ى تقرير مسئولية الدولة ‪.‬‬
‫وينبنى ه��ذا ال�ق��رار على أن انتصار ال�ث��وار يجعلهم ميثلون اإلرادة الوطنية‬
‫‪ volonté nation ale‬منذ بداية الصراع وقد طبق هذا احلل سنة ‪ 1928‬في‬
‫قضية ‪ G. Pinson‬بواسطة جلنة اإلدعاءات الفرنسية املكسيكية‪.‬‬
‫التنظيمات اإلستثنائية ‪:‬‬
‫ولكن تطبيق املبادئ السابق ذكرها يتعرض كثيراً إلستثناءات تنتج عن‬
‫محادثات دبلوماسية‪ .‬وهو ما يوجد بصفة خاصة في القارة األمريكية بسبب‬
‫كثرة القالقل السياسية‪ .‬ويتم ذل��ك باتفاق ع��دة دول م��ع بعضها على عدم‬
‫مسئوليتها إزاء بعضها (مثال ذلك املعاهدة األملانية السوفيتية في ‪ 16‬ابريل‬
‫سنة ‪ 1922‬التى تنص على تنازل الدولتني عن ادعاءاتهما‪.‬‬
‫ثانيهما تنظيمات تشدد من املسئولية ‪:‬‬
‫ويحدث ذلك غالباً نتيجة ضغط سياسي ألحدى الدول الكبري ويتبع‬
‫هذا التنظيم من أحد مصدرين ‪-:‬‬
‫ام��ا أن يستند على ق��اع��دة اتفاقية كمعاهدة حتكيم أو ات�ف��اق خاص‬
‫باإلدعاءات‬
‫وأحياناً ما يجد التنظيم مصدره في ق��رار ف��ردي للدولة من الناحية‬
‫البأنها ليست ملزمة قانوناً‬
‫الظاهرية أو احلقيقية ‪ ،‬ك��أن تعلن ال��دول��ة مث ً‬
‫بأن متنح التعويض املدعى به ولكنها تري من العدالة اصالح ‪reparation‬‬
‫الضرر ال��ذي ح��دث (مثال ذل��ك) املرسوم الفرنسي في ‪ 24‬ديسمبر ‪1851‬‬
‫املتعلق باضطرابات سنة ‪.1848‬‬
‫ويكون الباعث على ذلك القرار الفردي غالباً احساس الدولة املتسببة‬
‫في الضرر بعدم تناسب قواها مع قوى الدولة التى يتبعها األجانب أو أن ينبع‬

‫‪411‬‬
‫من مساومة بني الدولتني على أساس تنازالت متبادلة ‪.‬‬
‫آثار املسئولية الدولية ‪:‬‬
‫اصالح أو تعويض اخلطأ ‪reparation‬‬

‫النتيجة الهامة للمسئولية ال��دول�ي��ة تتمثل ف��ي اإلل �ت��زام ب��اإلص�لاح أو‬
‫بالتعويض ال��ذي تتحمله الدولة املسئولة وه��ذا مبدأ أساسى أعلنه القضاء‬
‫الدولى مراراً وستقول بيانه فيما يلي‪:‬‬
‫طبيعة اإلصالح أو التعويض ‪.‬‬
‫طرقه ‪.‬‬
‫ونطاقه‪.‬‬
‫طبيعة اإلصالح أو التعويض ‪:‬‬
‫فاإلصالح أو التعويض ليست له إال صفة ارضائية تعويضية وليست‬
‫عقابية ‪ punitive‬والقضاء الدولى مجمع على هذا التخريج مثال حكم (محكمة‬
‫التحكيم الدائمة في حكمها الصادر في ‪ 3‬مايو ‪ 1913‬في قضية ‪،carthsge‬‬
‫وقرار اللجنة املختلطة لإلدعاءات األملانية األمريكية في أول نوفمبر ‪1923‬‬
‫في قضية ‪ ،Lusitana‬وحكم محكمة التحكيم اخلاصة األملانية البرتغالية في‬
‫‪ 30‬يونيو ‪ 1930‬في قضية ‪ Naulilan‬وحكم محكمة التحكيم الدولية في ‪9‬‬
‫ابريل ‪ 1949‬في قضية مضيق ‪. Corfou‬‬
‫طرق اإلصالح أو التعويض ‪.‬‬
‫واإللتزام باإلصالح أو التعويض يترجم في الواقع مبا يلي ‪:‬‬
‫(أ) باعادة األمور ألصلها مثال ذلك الغاء القانون أو املرسوم املتعارض‬
‫مع القانون الدولى‪( .‬ولكن هذه الطريقة ليست دائماً مطبقة)‪.‬‬
‫(ب) بالترضية املعنوية (االعتذار‪ ،‬حتية العلم في حالة اإلهانة مث ً‬
‫ال)‪.‬‬
‫(ج) توقيع عقوبات داخلية ( كاتخاذ إج��راءات إداري��ة أو تأديبية ضد‬
‫املوظف املسئول)‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫(د) ي��دف��ع تعويض م��ال��ى وه��ذه ه��ى الطريقة امل�ع�ت��ادة إلص�لاح اخلطأ‬
‫مثلما أوضحت احملكمة الدائمة للتحكيم في حكمها الصادر في ‪ 11‬نوفمبر‬
‫‪.1912‬‬
‫‪ -3‬نطاق اإلصالح أو التعويض‪:‬‬
‫مبدأ تناسب اإلصالح مع الضرر ‪.‬‬
‫ املبدأ املطبق دولياً هو أن املجنى عليه يجب أن يعود حلالته التى يكون‬
‫عليها إذا لم يقع التصرف الضار ‪ .‬وقد أعلنت هذا املبدأ محكمة التحكيم‬
‫الدائمة في حكمها بتاريخ ‪ 13‬اكتوبر ‪ 1922‬بني النرويج والواليات املتحدة‪.‬‬
‫ وينتج عن هذا املبدأ ‪ ،‬أن اإلصالح يجب أاليقل عن الضرر كما أنه ال‬
‫يجوز أن يتجاوزه‬
‫(أ) اإلصالح ال يقل عن الضرر ‪.‬‬
‫الضائع ‪ Gain manqué‬كما في حالة احلجز‬ ‫‪ -1‬تعويض املكسب‬
‫أجنبية ‪ ،‬إذ تقرر ق��رارات التحكيم ف��ي كثير من‬ ‫غير امل�ش��روع ملركب صيد‬
‫احلرمان من استخدام مركب الصيد بحيث يعوض‬ ‫األحوال تعويضاً في مقابل‬
‫االستعمال‪.‬‬ ‫الوقت الضائع بسبب عدم‬
‫‪ -2‬أن يوضع في االعتبار ما حدث من ضرر معنوي‪.‬‬
‫‪ -3‬منح الفوائد وإلى جانب الضرر الرئيسي الذي يحدث عن العمل‬
‫غير املشروع يترتب أيضا ضرر آخر يتمثل بالنسبة للمجنى عليه في الوقت‬
‫الضائع فيما بني وقوع الفعل الضار وتسوية القضية‪.‬‬
‫(ب) أال يتجاوز اإلصالح حجم الضرر ‪:‬‬
‫ ويعنى هذا املبدأ أن العمل غيراملشروع يجب أال يصبح وسيلة اثراء‬
‫للمجنى عليه ‪ ،‬وهذا يشيرالتساؤل عن تعويض األضرار غير املباشرة ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫ وظهر ذل��ك بصفة خاصة ف��ي قضية األل�ب��ام��ا ب�ين ال��والي��ات املتحدة‬

‫‪413‬‬
‫وبريطانيا حيث طالبت الواليات املتحدة بالتعويض عن األضرار املباشرة التى‬
‫سببتها تلك السفينة وكذلك التعويض عن األضراراملباشرة التى سببتها تلك‬
‫السفينة وكذلك التعويض عن األضرار غير املباشرة املتمثلة في اطالة احلرب‬
‫وما استتبع ذلك من رفع أجرة النقل وارتفاع معدالت التأمينات البحرية‪ ،‬ولكن‬
‫محكمة التحكيم املنعقدة في جنيف سنة ‪ 1872‬قررت‪«:‬أن طلب التعويض عن‬
‫األض��رار غير املباشرة ال يوجد له أس��اس ك��اف من مبادئ القانون الدولى‬
‫املطبقة في مثل هذه احلالة» ‪ ،‬وقد تكرر بعد ذلك اعالن هذا املبدأ في أحكام‬
‫قضائية دولية الحقة‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫القسـ ــم الثاني‬
‫أشخاص القانون الدولي األخرى‬

‫باالضافة إلى الدول ‪ ،‬توجد اشخاص أخرى تخاطبها قواعد القانون‬


‫الدولي ‪ ،‬رغ��م االختالف الواضح بينها وب�ين ال��دول ‪ ،‬ولكن كما ذكرنا فإنه‬
‫نتيجة التطور ال��ذي حصل للجماعة ال��دول�ي��ة فقد ظ�ه��رت ه��ذه األش�خ��اص‬
‫وبدأت تخضع لقواعد القانون الدولي رغم أنه وجد ابتدا ًء لتنظيم العالقات‬
‫بني الدول ‪ ،‬ورغم عدم اتفاق الفقهاء على حتديد هؤالء األشخاص ‪ ،‬إال أن‬
‫هؤالء األشخاص يلعبون دوراً في العالقات الدولية ‪ ،‬وسنحاول أن ندرسهم في‬
‫هذا القسم ‪ ،‬فالشخص املهم في الوقت احلاضر والذي يلعب دوراً مهماً في‬
‫العالقات الدولية ‪ ،‬هو املنظمات الدولية ‪ ،‬كما أن وجود الفاتيكان كدولة من‬
‫نوع خاص ‪ ،‬جند أهمية البحث فيها ‪ ،‬كما ان مركز الفرد في القانون الدولي‬
‫يثير أهتمام قسم من الفقهاء ‪ ،‬ولذلك سنحاول البحث في هذه األشخاص‬
‫‪ ،‬فنقسم هذا القسم إلى ثالثة فصول ‪ ،‬الفصل األول نخصصه للمنظمات‬
‫الدولية ‪ ،‬والفصل الثاني للفرد ‪ ،‬والفصل الثالث نخصصه لدولة الفاتيكان‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫الفصل األول‬
‫املنظمـات الدولـية‬

‫تأتي املنظمات الدولية في املرتبة الثانية بني أشخاص القانون الدولي‬


‫العام ‪ ،‬حيث مينح القانون الدولي العام هذه املنظمات الدولية صالحيات‬
‫الشخص القانوني الدولي للتصرف ضمن احلقوق املمنوحة لها وااللتزامات‬
‫املترتبة عليها بالنسبة للتصرفات القانونية استنادا إلى امليثاق الدولي الذي‬
‫أنشئت املنظمة مبوجبه‪.‬‬
‫وهناك تعريفات كثيرة وضعت من قبل الكتاب والفقهاء ((( ‪ ،‬ويعرف‬
‫الدكتور جعفر عبد السالم املنظمة الدولية بأنها ( هيئة دائمة تتمتع باإلرادة‬
‫الذاتية وبالشخصية القانونية الدولية تتفق مجموعة من الدول على إنشائها‬
‫كوسيلة من وسائل التعاون االختياري فيما بينها في مجال او مجاالت معينة‬
‫يحددها االتفاق املنشىء للمنظمة ) ((( ‪.‬‬
‫واالعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية الدولية لم يتم إال بعد نقاشات‬
‫فقهية طويلة ‪ ،‬حيث أنكر قسم من الفقهاء الشخصية الدولية للمنظمات‬
‫الدولية وأعتبر ان الدولة هي وحدها التي تتمتع بها ‪ ،‬ولكن منذ نهاية القرن‬
‫التاسع عشر ‪ ،‬أخذ الفقهاء يغيرون من موقفهم السابق ‪ ،‬خاصة بعد أن ازداد‬

‫للمزيد م��ن التعريفات ـ أنظر ـ د ـ منصور ميالد يونس ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪77‬و‪.78‬‬
‫أنظر د ـ جعفر عبد السالم ـ املنظمات الدولية ـ شركة االميان للطباعة ـ القاهرة ـ ‪1989‬‬ ‫((( ‬
‫ـ ص ‪. 13‬‬

‫‪417‬‬
‫عدد املنظمات الدولية ‪ ،‬فاعترفوا بوجود هيئات أو جماعات غير الدول تتمتع‬
‫بالشخصية الدولية ‪.‬‬
‫وال يشك أحد في الوقت احلاضر بتمتع املنظمات الدولية بالشخصية‬
‫الدولية ‪ ،‬خاصة بعد أن صدر الرأي االستشاري حملكمة العدل الدولية في‬
‫‪ 1949 / 4 / 11‬بخصوص التعويضات عن األضرار الناجمة عن اخلدمة في‬
‫األمم املتحدة ‪ ،‬بخصوص قضية مقتل الكونت برنادوت ممثل األمم املتحدة‬
‫في فلسطني والذي قتل على أيدي العصابات الصهوينية ‪.‬‬
‫وقيام املنظمات الدولية مازال يخضع إلرادة الدول ‪ ،‬وهذه اإلرادة يتم‬
‫التعبير عنها في االتفاقية التي تقرر إنشاء املنظمة الدولية ‪ ،‬وهو االتفاق‬
‫الذي يعد دستور املنظمة ((( ‪.‬‬
‫وسنقسم هذا الفصل إلى مبحثني ‪ ،‬نبحث في األول العناصر أو األركان‬
‫التي يجب توافرها لوجود املنظمة الدولية ‪ ،‬وفي الثاني ‪ ،‬نبحث في أنواع‬
‫املنظمات الدولية ‪.‬‬

‫د ـ عبد العزيز محمد سرحان ـ املنظمات الدولية ــ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1990‬‬ ‫((( ‬
‫ـ ص ‪. 35‬‬

‫‪418‬‬
‫املبحث األول‬
‫عناصر املنظمة الدولية‬

‫لم يتفق الفقهاء على العناصر التي يجب توافرها لوجود املنظمة ‪،‬‬
‫فمنهم من يذهب إلى أنها عنصرين أو خصيصتني ((( ومنهم قال أنها ثالثة‬
‫ومنهم أربعة ‪ ،‬ومهما يكون من هذا االختالف الفقهي فالعناصر االساسية‬
‫للمنظمة الدولية هي ما يلي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ الصفة الدولية‬


‫وهذا يعني أن عضوية املنظمات الدولية قاصرة ـ كقاعدة عامة على‬
‫ال��دول ‪ ،‬وميثل ال��دول املشاركة في املنظمة أعضاء من حكوماتها أو ممثلني‬
‫عن ه��ذه احلكومات‪ ،‬ولذلك يطلق عليها البعض تسمية املنظمات الدولية‬
‫احلكومية وهذا ما مييزها عن املنظمات الدولية غير احلكومية والتي ال تنشأ‬
‫عن طريق االتفاقيات بني احلكومات ‪ ،‬وإمنا بني أف��راد أو هيئات خاصة أو‬
‫عامة من دول مختلفة ‪ ،‬بهدف زيادة التعاون في مختلف املجاالت االجتماعية‬
‫والعلمية واالقتصادية ‪ ...‬وم��ن أمثلتها الصليب األحمر الدولي ‪ ،‬واالحت��اد‬
‫الدولي للنقابات ‪ ،‬واالحتاد البرملاني الدولي واالحتاد النسائي العاملي ‪ ،‬وهي‬
‫تخضع للقانون الداخلي لدولة أو لعدة دول‪.‬‬
‫واملقصود بالدول هي الدول املستقلة ذات السيادة ‪ ،‬ولكن بعض املنظمات‬
‫قد تقبل بعضوية حركات التحرر الوطني (كعضو مراقب) باعتبارها نواة لدول‬
‫في طور التكوين ‪ ،‬كما يالحظ أن بعض املنظمات ذات الطبيعة الفنية قد تقبل‬
‫للتمثيل فيها مندوب بعض األقاليم أو املقاطعات أو الهيئات التي ال تعتبر‬
‫دوال كما هو احلال في احتاد البريد العاملي ومنظمة الصحة العاملية ومنظمة‬
‫اليونسكو ‪.‬‬

‫د ـ محمد السعيد الدقاق ـ التنظيم الدولي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ ، 129‬حيث يرى أن‬ ‫((( ‬
‫هذين العنصرين هما خصيصة الدوام وخصيصة التمتع باإلرادة الذاتية ‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫وتوجد منظمات تقبل مندوبني عن بعض الفئات االجتماعية بجانب‬
‫ممثلي الدول ‪ ،‬مثل منظمة العمل الدولية التي جتمع في مؤمترها بني مندوبي‬
‫العمال ومندوبي ارباب األعمال بجانب ممثلي احلكومات ((( ‪.‬‬
‫ووصف املنظمات بأنها ( دولية ) ال ينصرف إلى إنها تشمل في عضويتها‬
‫كل دول العالم حيث توجد منظمات ال تضم في عضويتها جميع الدول مثل‬
‫املنظمات الدولية اإلقليمية ‪.‬‬
‫وكذلك أطالق صفة الدولية على املنظمة ال يعني إنها تتمتع بسلطات‬
‫عليا أو دولة فوق الدول حيث إنها ليست إال وسيلة منظمة للتعاون القئم بني‬
‫مجموعة من ال��دول في مجال أو مجاالت حت��دد سلفاً في االت�ف��اق املنشىء‬
‫للمنظمة ((( ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ وجود اتفاق دولي‬
‫يستند وجود املنظمة الدولية ‪ ،‬إلى اتفاق دولي ينشىء املنظمة ‪ ،‬ولذاك‬
‫ال بد من وجود اتفاق دولي يحدد نظامها القانوني وأهدافها واختصاصاتها‬
‫واألجهزة التابعة لها ‪ ،‬والقواعد التي حتكم سير العمل بها ‪.‬‬
‫والعادة قد جرت على أن يأخذ مثل هذا االتفاق الدولي صورة معاهدة‬
‫دولية ومهما كانت التسمية التي تعطى لها ‪ ،‬فقد تسمى معاهدة مثل معاهدة‬
‫حلف شمال األطلسي ‪ ،‬أو ميثاق مثل ميثاق األمم املتحدة ‪ ،‬أو عهد مثل عهد‬
‫عصبة األمم ‪ ،‬أو نظام أساسي مثل محكمة العدل الدولية ‪ ...‬وهكذا ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عنصر االستمرار‬
‫عنصر االستمرار أو الدوام يقصد به أن توجد املنظمة لتحقيق أهداف‬
‫تستغرق وقتاً طوي ً‬
‫ال ‪ ،‬وال يقصد باالستمرار أن تعمل املنظمة إلى االبد ‪ ،‬وإمنا‬
‫املقصود أن ال يكون وج��وده��ا عرضيا ‪ ،‬فالتأبيد مسألة ال تتفق مع طبيعة‬

‫د ـ مفيد محمود شهاب ـ املنظمات الدولية ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪ 1990‬ـ ص‬ ‫((( ‬
‫‪. 38‬‬
‫د ـ محمد سامي عبد احلميد ـ قانون املنظمات الدولية ـ الطبعة اخلامسة ـ مؤسسة‬ ‫((( ‬
‫الثقافة اجلامعية ـ ص ‪. 35‬‬

‫‪420‬‬
‫احل�ي��اة‪ ،‬ولكن ال ب��د أن تستمر لفترات طويلة تتمشى م��ع حتقيق األه��داف‬
‫املشتركة التي خلقت م��ن أجلها‪ ،‬وه��ذا يتطلب أن تعمل أج�ه��زة املنظمة أو‬
‫بعضها بشكل دائم‪.‬‬
‫ومييز هذا العنصر املنظمة الدولية عن املؤمتر الدولي الذي ينعقد عادة‬
‫ملهمة خاصة ينتهي بأنتهائها ‪ ،‬وهي إبرام معاهدة دولية ‪ ،‬بخالف املنظمة التي‬
‫حتقق أهدافاً ذات طبيعة مستمرة ((( ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عنصر اإلرادة الذاتية‬
‫وه��ذا يعني أن كافة التصرفات التي تصدر ع��ن املنظمة إمن��ا تنسب‬
‫إليها وحدها دون الدول الداخلة في عضويتها ‪ ،‬وهذا العنصر هو الذي مينح‬
‫املنظمة متيزاً واستقالالً عمن أنشأها ‪ ،‬واملنظمة الدولية ال تعد شخصاً من‬
‫أشخاص القانون الدولي إال بسبب متتعها ب��إرادة ذاتية مستقلة عن إرادات‬
‫ال��دول األعضاء ‪ ،‬ولذلك ف��إن ما جتريه املنظمة من تصرفات ال تنصرف‬
‫آث��اره��ا إل��ى ال��دول ك��ل على ح��دة ب��ل إل��ى املنظمة نفسها باعتبارها شخصاً‬
‫دولياً ‪.‬‬
‫وتبرز فكرة استقالل املنظمة على وجه اخلصوص عند صدور قرارات‬
‫املنظمة باألغلبية ‪ ،‬إذ أن القرار في هذه احلالة يلزم كافة الدول التي وافقت‬
‫عليه وتلك التي لم توافق على إصداره ‪ ،‬وذلك بالشروط واالوض��اع املقررة‬
‫في ميثاق املنظمة املعنية ‪ ،‬إذ أن القرار في هذه احلالة هو قرار كائن قانوني‬
‫مستقل هو املنظمة الدولية ((( ‪.‬‬
‫وعنصر اإلرادة الذاتية وعنصر االستمرارية مييز املنظمة الدولية‬
‫عن املؤمتر ال��دول��ي ‪ ،‬فاملؤمتر ال��دول��ي ال يعدو أن يكون جتمع دول��ي يهدف‬
‫إل��ى اب��رام اتفاقيات دولية تستمد أساسها امللزم من إرادة ال��دول األط��راف‬
‫في احلدود والشروط التي ارتضته هذه الدول ‪ ،‬بينما املنظمة الدولية لها‬

‫د ـ جعفر عبد السالم ـ املنظمات الدولية ـ الطبعة السادسة ـ دار النهضة العربية ـ‬ ‫((( ‬
‫القاهرة ـ ص ‪. 8‬‬
‫د ـ مصطفى سيد عبد الرحمن ـ قانون التنظيم الدولي ـ الطبعة األولى ـ دار النهضة‬ ‫((( ‬
‫العربية ـ ‪ 1990‬ـ ص ‪. 56‬‬

‫‪421‬‬
‫إرادتها القانونية اخلاصة بها في إطار الشروط والوظائف التي نصت عليها‬
‫الوثيقة املنشئة لها ((( ‪.‬‬

‫د ـ منصور ميالد يونس ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 78‬‬ ‫((( ‬

‫‪422‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫أنواع املنظمات الدولية‬

‫ي�ض��ع ال�ف�ق��ه تقسيمات ع��دي��دة للمنظمات ال��دول �ي��ة ‪ ،‬ومي �ك��ن تقسيم‬
‫املنظمات الدولية إلى التقسيمات التالية ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ من حيث العضوية‬


‫وميكن تقسيم املنظمات الدولية من حيث التركيب أو العضوية إلى ‪ :‬ـ‬

‫أ ـ املنظمات الدولية العاملية‬


‫ وه��ذه املنظمات ذات السمة العاملية أو ذات االجت��اه العاملي تكون‬
‫مفتوحة العضوية جلميع دول العالم ‪ ،‬فيمكنها أن تضم ك��ل ال��دول وب��دون‬
‫استثناء ‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن كل دولة ذات سيادة لها احلق بالدخول آليا‬
‫في هذه املنظمات الدولية العاملية ‪ ،‬بل يجب أن تتوفر فيها شروط اإلنضمام‬
‫املنصوص عليها في ميثاق املنظمة ‪.‬‬
‫ال ميثاق األمم املتحدة سمح للدول األخرى اإلنضمام إلى املنظمة‬‫فمث ً‬
‫باالضافة إلى الدول املؤسسة للمنظمة والتي كان عددها سنة ‪ 1945‬واحد‬
‫وخمسون عضواً ‪ ،‬ولكن بشرط أن تتوفر فيها الشروط التي أوجبتها املادة‬
‫الرابعة من امليثاق ((( ‪.‬‬
‫وتعتبر املنظمة الدولية ذات سمة عاملية عندما تتمتع باختصاصات‬
‫ومسئوليات على مستوى العالم ألن االضطالع باملسئوليات العاملية ينطلب‬

‫فقد نصت املادة ‪ 1 / 4‬من ميثاق األمم املتحدة على أن ( العضوية في األمم املتحدة‬ ‫((( ‬
‫مباحة جلميع الدول األخرى احملبة للسالم ‪ ،‬والتي تاخذ على نفسها بااللتزامات التي‬
‫يتضمنها هذا امليثاق ‪ ،‬والتي ترى املنظمة أنها قادرة على تنفيذها وراغبة فيها ‪ ،‬وقبول‬
‫اية دولة من هذه الدول في عضوية األمم املتحدة يتم بقرار من اجلمعية العامة بنا ًء من‬
‫مجلس األمن ) ‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫‪.‬‬ ‫(((‬
‫مشاركة املجتمع الدولي كله أو أغلبه في اجناز هذه املسئوليات‬
‫ب ـ املنظمات اإلقليمية‬
‫ويقصد بها كل املنظمات التي ال تكون أهدافها ذات طبيعة عاملية ‪ ،‬وإمنا‬
‫تضم في عضويتها طائفة معينة من ال��دول من أجل حتقيق أه��داف خاصة‬
‫بها ‪ ،‬والذي مييز هذا النوع من املنظمات عن سابقتها ‪ ،‬محدودية العضوية‬
‫فيها ‪ ،‬فالدول األعضاء في هذه املنظمات ترتبط فيما بينها في سبيل حتقيق‬
‫مصالح مشتركة ‪ ،‬وتعبير اإلقليمية ال يعني هنا النطاق املكاني أو اجلغرافي‬
‫فقط ‪ ،‬فقد يكون الرابط بني الدول األعضاء جغرافياً كما هو احلال بالنسبة‬
‫ملنظمة االحت��اد االفريقي ‪ ،‬أو قد يكون جغرافياً وحضارياً وثقافياً كما هو‬
‫احلال بالنسبة جلامعة الدول العربية ‪ ،‬ومنظمة الدول األمريكية ‪ ،‬كما قد‬
‫يكون هذا الرابط سياسياً كما في منظمة حلف شمال األطلسي الذي يضم‬
‫دوال غير متجاورة جميعها ‪ ،‬وق��د يكون اقتصادياً كمنظمة ال��دول املصدرة‬
‫للنفط ( أوبك ) ((( ‪ ،‬أو دينياً كمنظمة املؤمتر اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ من حيث األختصاص‬
‫وميكن تقسيم هذا النوع من املنظمات إلى ‪ :‬ـ‬
‫أ ـ املنظمات الدولية العامة‬
‫وهي التي يشمل نشاطها كافة مظاهر احلياة الدولية ‪ ،‬منها سياسي‬
‫واقتصادي واجتماعي وثقافي ‪ ،‬أي أن نشاطها يتناول مختلف نواحي العالقات‬
‫الدولية السلمية ‪ ،‬إال إذا نص ميثاقها على إخراج اختصاص معني منها ‪ ،‬وقد‬
‫تكون املنظمة ذات سمة عاملية مثل منظمة األمم املتحدة ‪ ،‬أو منظمة محدودية‬
‫العضوية مثل جامعة الدول العربية ‪.‬‬

‫د ـ مصطفى سيد عبد الرحمن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 60‬‬ ‫((( ‬


‫‪ OPEC‬تأسست في ‪ 1960 / 9 / 14‬من كل من العراق والكويت واململكة العربية‬ ‫((( ‬
‫السعودية واي��ران وفنزويال في مؤمتر عقد في بغداد ‪ ،‬وانضمت إليها كل من ليبيا‬
‫واندونيسيا وقطر واالمارات العربية املتحدة واجلزائر ونيجيريا واالك��وادور والغابون ‪،‬‬
‫ومقرها فيينا ‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫ب ـ املنظمات الدولية املتخصصة‬
‫وه��ي املنظمات التي يقتصر نشاطها على مجال محدد م��ن مجاالت‬
‫احلياة الدولية ‪ ،‬فمنها ما يهتم بالثقافة أو الصحة أو االقتصاد أو املواصالت‬
‫مثل منظمة التربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو ) ‪ ،‬ومنظمة العمل الدولية ‪،‬‬
‫واحتاد البريد العاملي ‪ ،‬ومنظمة الطيران املدني ‪. ...‬‬
‫‪ 3‬ـ من حيث السلطات‬
‫وميكن تقسيم هذا النوع من املنظمات إلى ‪ :‬ـ‬
‫أ ـ املنظمات فوق الوطنية‬
‫وه��ذه املنظمات متتلك سلطات واسعة جت��اه ال��دول األع�ض��اء أو حتى‬
‫جتاه مواطنيها ‪ ،‬وهي تنشأ سلطة أو هيئة عليا مشتركة متارس اختصاصاتها‬
‫باستقالل ت��ام ع��ن ال��دول األع �ض��اء ف��ي امل�س��ائ��ل ال�ت��ي ت�ت��واله��ا ‪ ،‬وه��ي متلك‬
‫قرار إجباري جتاه الدول املنضمة لها ‪ ،‬وتتمتع ببعض السلطات الذاتية في‬
‫املجاالت التشريعية ‪ ،‬والتنفيذية ‪ ،‬والقضائية ‪ ،‬من ذلك املجموعات األوربية‬
‫الثالث ( اجلماعة األوربية للفحم والصلب ‪ ،‬اجلماعة االقتصادية األوربية ‪،‬‬
‫اجلماعة األوربية للطاقة الذرية)‪.‬‬
‫وف��ي ال��واق��ع ف��إن ه��ذه التنظيمات تعتبر األك�ث��ر ت �ط��وراً م��ن املنظمات‬
‫الدولية األخرى ‪ ،‬ولذلك يرى البعض ان املجموعات األوربية هي األقرب إلى‬
‫النظام الفدرالي من املنظمات الدولية األخرى ((( ‪.‬‬
‫ب ـ املنظمات التقليدية أو املنظمات ما بني الدول‬
‫وهي التي ال متلك سلطة تعلو على سلطة الدول األعضاء أو تتجاوزها‬
‫‪ ،‬حيث إنها متارس نشاطها من خالل الدول األعضاء بصفة أساسية ‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها ‪ ،‬منظمة األمم املتحدة التي ال متلك سلطة إصدار قرارات ملزمة إال‬
‫بعض قرارات مجلس األمن ‪ ،‬في حالة وجود تهديد لألمن والسلم الدوليني ‪،‬‬
‫وهذا النوع من املنظمات هو الغالب في الوقت احلاضر ‪.‬‬

‫د ـ مفيد محمود شهاب ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 50‬‬ ‫(( (‬

‫‪425‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫ا لفـ ـ ـ ــر د‬

‫م��ازال موقف الفقه مختلف بشأن اعتبار الفرد من أشخاص القانون‬


‫الدولي العام ‪ ،‬رغم وج��ود بعض قواعد هذا القانون التي تخاطبه مباشرة‬
‫‪ ،‬وق��د ت��رم��ي ه��ذه ال�ق��واع��د إل��ى حمايته ومنحه احل�ق��وق ‪ ،‬وق��د ت��رم��ي هذه‬
‫القواعد إلى فرض الواجبات عليه ‪ ،‬فللفرد حقوق وواجبات تستند مباشرة‬
‫إلى نصوص القانون الدولي ‪ ،‬ولذلك سنحاول في هذا الفصل أن نبني موقف‬
‫الفقه من الفرد باعتبارة من اشخاص القانون الدولي ‪ ،‬ثم نبني حقوق الفرد‬
‫وواجباته في املباحث التالية ‪:‬‬

‫‪427‬‬
‫املبحث األول‬
‫اآلراء الفقهيــة‬

‫اختلفت اآلراء حول ما إذا الفرد يعتبر شخصاً من اشخاص القانون‬


‫الدولي ‪ ،‬فمن االراء ما تقول بأن الدولة هي الشخص الوحيد للقانون الدولي‬
‫‪ ،‬بينما الرأي اآلخر يقول ان الفرد هو الشخص الوحيد في القانون الدولي‪.‬‬
‫أوال ـ املذهب التقليدي‬
‫يذهب فقهاء ه��ذا املذهب إل��ى إنكار الشخصية الدولية للفرد ‪ ،‬وإن‬
‫القانون الدولي ينظم عالقات ال��دول فقط ‪ ،‬وال شأن له باألفراد ‪ ،‬فالدول‬
‫في نظرهم هم الشخص الوحيد للقانون الدولي ‪ ،‬أما األفراد من رعايا تلك‬
‫الدول فليسوا من أشخاص القانون الدولي على االطالق ((( ‪ ،‬وإن ما يتمتع‬
‫به الفرد من حقوق أو ما يلتزم به من واجبات يعود إلى اختصاص القانون‬
‫الداخلي ‪.‬‬
‫وع�ل��ى ذل��ك ف��إن ال�ف��رد ـ مب��وج��ب ه��ذا امل��ذه��ب ـ ال يتمتع بالشخصية‬
‫الدولية ‪ ،‬وال يستطيع االشتراك بطريقة ما في العالقات الدولية ‪ ،‬وان قواعد‬
‫القانون الدولي ال ميكن أن تنطبق عليه مباشرة ((( ‪.‬‬
‫ثانيا ـ املذهب الواقعي‬
‫يذهب فقهاء هذا املذهب إلى أن الفرد هو الشخص الوحيد للقانون‬
‫الدولي كما في أي قانون آخر ‪ ،‬وإن الدولة ليست من أشخاص القانون الدولي‬
‫وإمنا األفراد وحدهم أشخاص هذا القانون ‪.‬‬
‫ولذلك فإن قواعد القانون الدولي تخاطب األفراد مباشرة سواء كانوا‬

‫د ـ ماجد ابراهيم علي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 142‬‬ ‫(( (‬


‫وانظر‪:‬‬
‫‪Oppenheim , International Law , Vol . 1 , London , 1955 , p 13 .‬‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 425‬‬ ‫((( ‬

‫‪428‬‬
‫حكاماً للدولة وهذا هو الوضع الغالب ‪ ،‬كما أنها قد تخاطب احملكومني إذا‬
‫ما تعلق األمر مبصاحلهم اخلاصة ‪ ،‬وكما أن الدولة تتكون من األفراد املنتمني‬
‫ملجتمع وطني ‪ ،‬فإن املجتمع الدولي يتكون من األف��راد املنتمني للمجتمعات‬
‫الوطنية املختلفة ‪ ،‬وإن ال��دول��ة م��ا ه��ي إال وسيلة قانونية إلدارة املصالح‬
‫اجلماعية لشعب معني ((( ‪.‬‬
‫ورغم أنه مايزال هناك اشواطاً طويلة العتبار الفرد الشخص الوحيد‬
‫للقانون الدولي ‪ ،‬حيث ال تزال الدولة تعتبر الشخص الرئيس للقانون الدولي‬
‫‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني استبعاد الفرد نهائياً من ميدان العالقات الدولية ‪ ،‬ومن‬
‫مظاهر عالقة الفرد بالقانون الدولي ما سنوضحه في املبحث الثاني ‪.‬‬

‫د ـ محمد حافظ غامن ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 293‬‬ ‫((( ‬

‫‪429‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫حقوق الفرد ومسئوليته في القانون الدولي‬

‫إن ما يجري عليه العمل ال��دول��ي املعاصر يؤكد املركز املتزايد الذي‬
‫يختص ب��ه ال�ف��رد بوصفه ف��ردا مستقال ع��ن ال��دول��ة ‪ ،‬حيث جن��د أن ميثاق‬
‫األمم املتحدة قد رتب حقوقا للفرد ‪ ،‬فقد نص في مقدمته صراحة على أن‬
‫تعمل األمم املتحدة على احترام حقوق اإلنسان واحلريات األساسية بال متييز‬
‫بسبب اجلنس أو اللغة أو الدين ‪ ،‬كما جاء اإلع�لان العاملي حلقوق اإلنسان‬
‫الذي أقرته اجلمعية العامة لألمم املتحدة في ‪ ، 1948 / 12 / 10‬واالتفاقات‬
‫الدولية اخلاصة بحقوق اإلنسان واخلاصة باحلقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية ‪ ،‬وكذلك احلقوق املدنية والسياسية التي أقرتها األمم املتحدة في‬
‫ع��ام ‪ ، 1966‬لتؤكد ض��رورة احترام هذ احلقوق وع��دم مخالفة ال��دول لهذه‬
‫املواثيق ‪ ،‬ويبدو من نصوص هذه املواثيق أنها جاءت لتنص على احترام حقوق‬
‫األفراد وكما يلي ‪ :‬ـ‬
‫ً‬
‫أوال ـ حقوق الفرد‬
‫أ ـ في حياته ‪ ،‬مثل األحكام اخلاصة التي ينص عليها القانون الدولي‬
‫العرفي أو التقليدي مبنع القرصنة حيث يعتبر مرتكب هذه اجلرمية مجرما‬
‫دولياً ويجوز لكل دولة أن تعاقبه ‪ ،‬وكذلك القواعد التي تضمنتها اتفاقية منع‬
‫اب��ادة اجلنس البشري التي أقرتها اجلمعية العامة ل�لأمم املتحدة بقرارها‬
‫املرقم ‪ 260‬الصادر في ‪ ، 1948 / 12 / 9‬فقد نصت املادة الرابعة منها على‬
‫معاقبة كل من يرتكب هذه اجلرمية سواء أكانوا حكاماً مسئولني أو موظفني‬
‫رسميني أو دوليني ‪ ،‬أو أفراداً عاديني ‪ ،‬كما تنص املادة السادسة منها على‬
‫أن يحاكم املتهم أمام محاكم الدولة التي ارتكب على إقليمها الفعل أو أمام‬
‫محكمة دولية تتفق عليها الدول ‪.‬‬
‫ب ـ أو في حريته ‪ ،‬كتحرمي الرق واالجتار بالرقيق ‪ ،‬حيث كانت عصبة‬
‫األمم قد ابرمت اتفاقية عامة اقرتها اجلمعية العمومية للعصبة في ‪/ 25‬‬

‫‪430‬‬
‫‪ ، 1926 / 9‬وتعهدت فيها ال��دول باتخاذ كافة الوسائل ملنع وعقاب شحن‬
‫وتفريغ ونقل الرقيق في مياهها اإلقليمية أو بواسطة أية سفينة ترفع علمها‬
‫‪ ،‬كما قام املجلس االقتصادي واالجتماعي التابع لألمم املتحدة بدعوة ملؤمتر‬
‫من مفوضي ال��دول في جنيف في ‪ 1956 / 8 / 13‬الكمال وضع االتفاقية‬
‫االضافية اخلاصة بالغاء الرق وجتارة الرقيق والنظم والعادات املشابهة للرق‬
‫‪ ،‬حيث أجتمع املؤمتر واقر بتاريخ ‪ 1956 / 9 / 4‬االتفاقية املذكورة ‪ ،‬ووقعتها‬
‫أربع وثالثون دولة واصبحت نافذة من ‪ 1975 / 4 / 30‬بعد أكتمال تصديق‬
‫دولتني عليها ((( ‪.‬‬
‫ج ـ أو في أخالقه ‪ ،‬كحظر االجت��ار باملخدرات واستعمالها ‪ ،‬حيث مت‬
‫في سنة ‪ 1961‬عقد اتفاقية موحدة لكل ما يتصل باملخدرات حتل محل‬
‫االتفاقيات التي أبرمت في عهد عصبة األمم ‪ ،‬وعهد فيها إلى األمني العام‬
‫مبعاونة جلنة املخدرات باالشراف على تطبيق هذه االتفاقية ‪.‬‬
‫د ـ حق الفرد بالتقاضي أمام احملاكم الدولية ‪ ،‬يسمح القانون الدولي‬
‫للفرد أحيانا وبصفته ه��ذه باملثول أم��ام احملاكم الدولية ‪ ،‬وم��ن أمثلة ذلك‬
‫اتفاقية اله��اي الثانية عشر لسنة ‪ 1907‬املتعلقة بإنشاء محكمة الغنائم‬
‫الدولية ‪ ،‬حيث نصت امل��ادة الرابعة على أن��ه م��ن أف��راد ال��دول احمل��اي��دة أو‬
‫املتحاربة أن تتقاضى أمام هذه احملكمة ‪ ،‬وكذلك معاهدة واشنطن املعقودة‬
‫في ‪ 1907 / 12 / 20‬بني جمهوريات أمريكا الوسطى اخلمس التي قضت‬
‫بانشاء محكمة عدل لهذه الدول خولت رعاياها حق مقاضاة دولهم أمام هذه‬
‫احملكمة بعد استفاذ طرق الطعن الداخلية ‪ ،‬وكذلك االتفاقية األوربية حلماية‬
‫حقوق اإلنسان واحلريات األساسية املعقودة بني الدول األعضاء في مجلس‬
‫أوربا سنة ‪ 1950‬والتي منحت الفرد في الدول املوقعة عليها حق اللجوء إلى‬
‫اللجنة األوربية حلقوق اإلنسان ضد دولته إذا ما انتهكت حرياته األساسية‬
‫وفشلت احللول التي نصت عليها االتفاقية في الوصول إلى حقه ‪.‬‬
‫ثانيا ـ مسألة الفرد جنائيا‬
‫يرتب القانون الدولي املعاصر ع��ددا من القواعد التي تعاقب الفرد‬

‫د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 275‬‬ ‫((( ‬

‫‪431‬‬
‫مباشرة الرتكابه جرائم ضد اإلنسانية أو ضد السلم العاملي ‪ ،‬حيث تأكد هذا‬
‫االجت��اه عندما وقعت فرنسا واالحت��اد السوفيتي واململكة املتحدة والواليات‬
‫املتحدة األمريكية على اتفاق لندن في سنة ‪ 1945‬بشأن محاكمة كبار مجرمي‬
‫احلرب العاملية الثانية حيث متت محاكمة مجرمي احلرب االملان أمام محكمة‬
‫نورنبرغ سنة ‪ 1946‬ومحاكمة مجرمي احلرب اليابانيون أمام محكمة طوكيو‬
‫سنة ‪. 1947‬‬

‫‪432‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫(((‬
‫دولـ ــة الفاتيكان‬

‫تعتبر الفاتيكان حالة ن��ادرة من حيث التكوين اجلغرافي والسياسي ‪،‬‬


‫حيث إنها تقوم على ارض داخل ارض دولة أخرى ‪ ،‬فهي تشكل جزءاً صغيراً‬
‫من إقليم ايطاليا داخل مدينة روما عاصمة الدولة اإليطالية ‪ ،‬ولذلك سنقوم‬
‫بدراستها في مبحثني ‪ ،‬نخصص األول للتطور التاريخي لدولة الفاتيكان ‪،‬‬
‫ونخصص الثاني لنشأة دولة الفاتيكان ‪.‬‬

‫للمزيد أنظر د ـ على صادق أبو هيف ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 261‬ـ ‪ ، 265‬ود ـ على‬ ‫((( ‬
‫ابراهيم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 80‬ـ ‪ ، 83‬ود ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص‬
‫‪ 410‬ـ ‪ ، 420‬ود ـ صالح الدين أحمد حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪ 169‬ـ ‪ ، 173‬ومقال‬
‫االستاذ محمد التابعي ـ الوضع القانوني لدولة الفاتيكان ـ املجلة املصرية للقانون الدولي‬
‫ـ العدد ‪ 30‬السنة ‪ 64‬ـ ص ‪ 133‬ـ ‪. 160‬‬

‫‪433‬‬
‫املبحث األول‬
‫التـطور التاريخـي‬

‫في الفترة التي سبقت عام ‪ 1870‬كان البابا يتمتع بالسيادة على العالم‬
‫الكاثوليكي في إقليم يشبه وضع الدولة ‪ ،‬تسمى الدولة البابوية (((‪ ،‬وكان يجمع‬
‫بني السلطتني الروحية والزمنية ‪ ،‬فكان البابا رئيس الدولة البابوية‪ ،‬حاكماً‬
‫زمنياً لها‪ ،‬بجانب كونه حاكماً دينياً باعتباره رئيساً للكنيسة الكاثوليكية‪.‬‬
‫ولكن احلكومة اإليطالية اكتسحت بجيوشها إقليم الدولة البابوية ‪،‬‬
‫واحتلت روما عاصمتها وضمتها للمملكة اإليطالية حيث أصبحت عاصمة لها‬
‫‪ ،‬وبذلك زالت الدولة البابوية من الوجود ‪ ،‬ثم أصدر امللك فكتور عمانويل‬
‫في ‪ 1871 / 5 / 13‬قانوناً سمى بقانون الضمان ‪ ،‬ومبوجبه نظمت العالقة‬
‫بني الدولة اإليطالية والبابا من جهة ‪ ،‬والبابا والدول األجنبية من ناحية ثانية‬
‫‪ ،‬وقد تضمن ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يعتبر البابا مبوجبه شخصاً مقدساً ذاته مصونة ال متس ‪ ،‬ويعتبر‬
‫كل اعتداء يقع عليه أو يوجه ضده في حكم االعتداء الذي يقع على امللك‬
‫(املادتني ‪ 1‬و‪. ) 2‬‬
‫‪ 2‬ـ يتمتع البابا في جميع أنحاء اململكة اإليطالية باملراسم امللكية وبحق‬
‫الصدارة املعترف له من رؤساء الدول الكاثوليكية (املادة ‪. )3‬‬
‫‪ 3‬ـ تتمتع األمكنة التي يقيم فيها البابا أو يوجد فيها باحلصانة ‪ ،‬وال‬
‫يجوز ألحد رجال السلطة العامة دخولها الي سبب إال بأذن منه ( املادتني‪7‬‬
‫و‪.)8‬‬
‫‪ 4‬ـ للبابا أن يتبادل املبعوثني مع الدول األجنبية ‪ ،‬ويتمتع مبعوثوه لدى‬

‫وكانت الدولة البابوية تضم مقاطعات روما ‪ ،‬مارس ‪ ،‬اوبرى ‪ ،‬النبوم ‪ ،‬وكانت تبلغ مساحة‬ ‫((( ‬
‫هذه الدولة حوالى ‪ 1800‬كيلو منر مربع وجت��اوز عدد سكانها ثالثة ماليني نسمة ‪.‬‬
‫االستاذ ـ محمد التابعي ـ املجلة املصرية للقانون الدولي املشار إليها ـ ص ‪.134‬‬

‫‪434‬‬
‫ه��ذه ال��دول ومبعوثوا ه��ذه ال��دول لديه بجميع االمتيازات واحلصانات التي‬
‫يقرها القانون الدولي للممثلني الدبلوماسيني ( املادة ‪. ) 11‬‬
‫وقد قرر قانون الضمان منح البابا ريعاً سنوياً دائماً ‪ ،‬وكذلك يكون‬
‫للفاتيكان إدارة خاصة بها وموظفون وال يجوز للسلطات اإليطالية التدخل‬
‫بشؤونهم ‪ ،‬ولكن القانون لم يقر للبابا أية سيادة اقليمية على أي جزء من‬
‫روما وال على قصر الفاتيكان وال على القصور واملباني األخرى ‪ ،‬بل حقه كان‬
‫قاصراً على التمتع باالقامة بها واستعمالها دون حق التصرف فيها ‪ ،‬ألنها‬
‫حسب املادة اخلامسة تعتبر من املنافع العامة ‪.‬‬
‫ول��ذل��ك ف��إن ق��ان��ون الضمان ل��م يكن محل رض��ا م��ن البابا ‪ ،‬مم��ا أث��ار‬
‫اخلالفات والنزاعات بني السلطة البابوية واحلكومة اإليطالية ‪ ،‬فبدأ الطرفان‬
‫باجراء املفاوضات في عهد موسوليني كان نتيجتها التوصل إلى معاهدة التران‬
‫في ‪ 1929 / 2 / 11‬والتي كانت مبثابة اعتراف للبابا بالسيادة الزمنية‬
‫وليست الروحية فقط على مدينة الفاتيكان ‪.‬‬
‫وق��د تضمنت معاهدة الت��ران لسنة ‪ 1929‬سبع وعشرون م��ادة ‪ ،‬وقد‬
‫تضمنت ما يلي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ إن حكومة إيطاليا تعترف بالسيادة للكرسي املقدس في مجال‬
‫العالقات الدولية وطبقاً للتقاليد وامتاماً لرسالتها في العالم ( املادة ‪. ) 2‬‬
‫‪ 2‬ـ إن إيطاليا تعترف للكرسي امل�ق��دس بامللكية الكاملة للفاتيكان‬
‫والسلطات التنفيذية والقضائية ( املادة ‪. ) 3‬‬
‫‪ 3‬ـ إنشاء دول��ة مدينة الفاتيكان وإخضاعها لسلطة الكرسي البابوي‬
‫وحده دون أن يكون إليطاليا أي حق في التدخل في شئونها ( املادة ‪. ) 4‬‬
‫أما املواد األخرى فنصت على االعتراف لشخص البابا وممثليه واراضيه‬
‫باحلصانة وتقرر لهم اعفاءات خاصة ‪ ،‬وعلى االعفاءات اجلمركية ‪ ،‬وعلى‬
‫تولي احلكومة اإليطالية قمع اجلرائم التي ترتكب في الفاتيكان ‪ ،‬وتسليم‬
‫املجرمني الذين يتواجدون في الفاتيكان إل��ى احلكومة اإليطالية ‪ ،‬وتأمني‬
‫امل��راف��ق العامة من قبل احلكومة اإليطالية ‪ ،‬ومنح األش�خ��اص املقيمني في‬

‫‪435‬‬
‫الفاتيكان اجلنسية الفاتيكانية ‪ ،‬واعتبار الفاتيكان منطقة محايدة ‪ ،‬ومتتع‬
‫الفاتيكان بحق التمثيل الدبلوماسي ‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫نشأة دولة الفاتيكان‬

‫والفاتيكان هو مقر احلكومة البابوية ‪ Saint Sibge‬يوجد في مدينة‬


‫روما عاصمة الدولة اإليطالية ‪ ،‬وتتكون دولة الفاتيكان من مساحة صغيرة من‬
‫األرض هي ميدان أو ساحة القديس بطرس وحتيط بها مجموعة من املباني ال‬
‫يزيد عن ثمانية قصور ‪ ،‬واملساحة الكلية لهذا اإلقليم كيلومترا مربعا ‪ ،‬ويوجد‬
‫املقر البابوي في واحد من هذه القصور الذي يطل منه البابا اسبوعياً في يوم‬
‫األحد ويلقى عظاته على احملتشدين في ساحة القديس بطرس ((( ‪.‬‬
‫ويعيش فيها حوالي تسعمائة شخص وكلهم من الذكور ‪ ،‬وهم يتنقلون‬
‫بني مدينة الفاتيكان وروما ‪ ،‬ومعظمهم من اإليطاليني الذين اكتسبوا جنسية‬
‫الفاتيكان بسبب الوظيفة ‪ ،‬ويفقدونها في حالة تركهم لوظائفهم ‪.‬‬
‫أما املرافق العامة كاملاء والكهرباء والبريد والنقل والصحة واإلذاعة‬
‫فتدار جميعها على نفقة احلكومة اإليطالية ‪ ،‬وهي التي تقوم بتزويد الفاتيكان‬
‫باملاء والكهرباء ‪ ،‬وتقوم بانشاء مكاتب البريد والتلفون والتلغراف ‪ ،‬كما تقرر‬
‫املعاهدة أن يقوم القضاء اجلنائي اإليطالي مبحاكمة اجلناة الذين ارتكبوا‬
‫اجلرمية في مدينة الفاتيكان ‪.‬‬
‫ورغم ان مدينة الفاتيكان لها احلق في تبادل املبعوثني وإبرام اتفاقات‬
‫خاصة بالشئون الدينية ((( مع ال��دول األجنبية ‪ ،‬إال أن��ه ليس لها احل��ق في‬
‫االشتراك في املؤمترات الدولية السياسية أو إبرام املعاهدات السياسية ‪ ،‬وال‬
‫تدخل في حتالف مبعاهدة مع دول أخرى ‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي يثور من قبل الفقهاء حول حقيقة الفاتيكان ‪ ،‬هل‬
‫ه��ي دول��ة مستقلة ‪ ،‬وه��ل ه��ي مستوفية ك��ل مقومات ال��دول��ة أم ألنها مجرد‬
‫شخص من أشخاص القانون الدولي ؟‬

‫د ـ على ابراهيم ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 80‬‬ ‫(( (‬


‫والتي يطلق عليها كونكوردا ‪Concordat‬‬ ‫((( ‬

‫‪437‬‬
‫يرى قسم منهم بأن الفاتيكان ال يتمتع بوصف الدولة ‪ ،‬وإن اعتراف‬
‫إيطاليا بالفاتيكان كدولة مبقتضى معاهدة الت��ران غير كاف قانوناً جلعلها‬
‫دولة في نظر القانون الدولي العام ‪.‬‬
‫بينما ذهب البعض اآلخر من الفقهاء إلى إن الفاتيكان هي دولة تتوافر‬
‫فيها جميع عناصر الدولة ومعيارها القانوني ‪ ،‬واستندوا في ذلك إلى وجود‬
‫السلطة الزمنية التي تتمثل بالبابا ‪ ،‬وكانت ممثلة في معاهدة التران ‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أن هذه املعاهدة قد نصت صراحة على أن الفاتيكان دولة مستقلة ذات‬
‫سيادة (((‪.‬‬
‫وال��واق��ع أن الفاتيكان ه��ي ع�ب��ارة ع��ن شخص م��ن أش�خ��اص القانون‬
‫الدولي وليست دولة ‪ ،‬وجدت بتنازل إيطاليا عن بعض إقليمها ومبانيها لهيئة‬
‫دينية وهي الكنيسة الكاثوليكية ‪ ،‬واعترف لها بالشخصية الدولية ((( ‪.‬‬
‫وإذا كانت الفاتيكان تعامل من قبل الدول األخرى واملنظمات واملجتمع‬
‫الدولي ككل بكل احترام ‪ ،‬فإمنا ذلك بسبب املكانة الدينية السامية التي يتمتع‬
‫بها البابا لدى دول العالم ((( ‪.‬‬

‫أنظر مقال االستاذ محمد التابعي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 142‬‬ ‫((( ‬
‫د ـ عصام العطية ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 419‬‬ ‫(( (‬
‫د ـ صالح الدين حمدي ـ مرجع مشار إليه ـ ص ‪. 172‬‬ ‫((( ‬

‫‪438‬‬
‫املبحث الثالث‬
‫املبادئ املوجهة واملنظمة للمجتمع الدولى‬

‫املبدأ األول‬
‫مبدأ املساواة بني الدول ‪Principe d’égalité de Etats‬‬

‫وإذا كان هذا املبدأ يظهر بالضرورة في النظام القانونى إال أنه أيضا‬
‫مبدأ سياسي ‪ .‬ويظهر ذل��ك امل�ب��دأ ف��ي امل�ج��ال الدبلوماسي وك��ذل��ك املجال‬
‫اإلقتصادي ‪.‬‬
‫ً‬
‫أوال ‪ :‬املساواة الدبلوماسية ‪Egalité diplomatique‬‬

‫وهذه ينظر إليها من ناحيتني ‪:‬‬


‫التعبير عن املبدأ ‪.‬‬
‫انتهاكات املبدأ خاصة حتت صورة الدول الكبري والدول الصغري‬
‫التعبير عن املبدأ ‪:‬‬
‫وجند ذلك التعبير في نطاقني ‪:‬‬
‫املؤمترات واملعاهدات ‪:‬‬
‫وقد كانت املؤمترات الدولية ذات أهمية كبيرة في املجتمع الدولى في‬
‫الوقت الذي لم تكن قد تواجدت فيه املنظمات الدولية‪ .‬ولقد قلت األهمية‬
‫نسبياً بعد ت��واج��د العديد م��ن املنظمات الدولية خاصة السياسية ‪ ،‬ولكن‬
‫املؤمترات ما تزال حتتفظ بأهميتها إذ توجد من وقت آلخر مشاكل أساسية‬
‫في العالقات الدولية حتل عن طريق مؤمترات دولية عادية وليس عن طريق‬
‫هيئات املنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫لكل دولة صوت واحد ‪ Un Etat , une voix‬ومبعنى آخر أن الدول‬
‫ال�ت��ى ت�ش��ارك ف��ي امل��ؤمت��رات تشترك فيها على ق��دم امل �س��اواة‪ .‬ففي مؤمتر‬
‫الهاي سنة ‪ 1907‬اشتركت ‪ 44‬دولة ‪ ،‬وث��ارت مشكلة بشأن تشكيل القضاء‬
‫الدائم حتت اسم محكمة العدل الدائمة للتحكيم ‪Cour Permanente de‬‬
‫‪ Justice arabitarale‬إذ من املستحيل أن تتكون من قاض لكل دولة ألن‬
‫عدد الدول املشتركة (‪ )44‬كبير جداً‪.‬‬
‫التوقيع حسب الترتيب األبجدى ‪:‬‬
‫وتظهر مشكلة املساواة في النطاق الدولي عند التوقيع على املعاهدات‬
‫واالتفاقيات‪ ،‬فعندما نكون بصدد معاهدة ثنائية تلعب املجاملة دوره��ا بني‬
‫الدولتني ولكن عندما نكون هناك معاهدة جماعية فإن الدول توقعها بالتتابع‬
‫حسب الترتيب األبجدي وهى قاعدة حتترم مبدأ املساواة‪.‬‬
‫وقد جري العمل الدولي على أن حترر املعاهدات بلغات الدول املشتركة‬
‫فيها على أن تختار إحداها لتكون املرجع في التفسير ‪ ،‬وأحياناً ال توافق‬
‫الدول على ذلك ونتمسك باعتبار جميع اللغات احملررة بها املعاهدة مرجعاً‬
‫ف��ي التفسير ذل��ك مم��ا يخلق كثيراً م��ن اإلش �ك��االت ‪ ،‬وذل��ك بسبب التمسك‬
‫احلرفي بقاعدة املساواة ‪.‬‬
‫االحترام املتبادل ‪Respect réciproque‬‬

‫وفي نطاق العالقات الدولية فإن الدول تولى الكرامة واالعتبار الوطنى‬
‫نفس اإلهتمام الذي توليه املصالح احليوية فالسفن احلربية التى تتقابل في‬
‫عرض البحر ‪.‬‬
‫اصطالح الدول الصغري ‪Petits Etats‬‬

‫وهو اصطالح غامض وغير محدد ففي مجتمع دولي يقوم على مبدأ‬
‫القوة العسكرية يطلق هذا االصطالح على الدولة الضعيفة عسكرياً ‪ ،‬غير أن‬
‫هذا املعيار العسكري ال ميكن األخذ به‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫معيار املتمدينة ‪Civilisation‬‬

‫ول��ذل��ك ف��إن اص�ط�لاح ال��دول��ة الصغرى طبقاً للمعايير التقليدية هو‬


‫اصطالح مبهم وغير واض��ح ويحسن استبدال ه��ذه املعايير مبعيار آخ��ر هو‬
‫وزن الدولة ‪ ،‬أو مبعنى آخر كثافة املدنية فيها ‪ densité de civilisation‬فهو‬
‫يسمح بتقدير مساهمة الدول املختلفة في املدنية اإلنسانية‪ ،‬ومبقتضى هذا‬
‫املعيار ميكن عمل قائمة من الدول املختلفة على أساس عناصر مادية ملموسة‬
‫كمستوى احلياة ومستوى االستهالك وكذلك على أس��اس عناصر عقلية أو‬
‫ثقافية أو الرفاهية االجتماعية ‪.‬‬
‫وينبغي مالحظة أنه وفقاً لهذه املالحظات – ال يتحتم ربط اصطالح‬
‫الدولة الصغيرة باصطالح الدولة النامية ‪ sous developpé‬إذ يوجد دول‬
‫يطلق عليها كبيرة ولكنها في الواقع تعتبر دوالً نامية ‪.‬‬
‫وم��ع ذل��ك ف��إن الوضع في ظل األمم املتحدة أصبح أخ��ف نسبياً عما‬
‫كان عليه قبال إذ تلعب محكمة الدول الصغرى دوراً بارزاً في اجلمعية العامة‬
‫واألفرع األخرى لألمم املتحدة ‪.‬‬
‫ولكن األمر الذي ال يسمح الواقع بإقراره – هو إلغاء ذلك التمييز بني‬
‫ما يسمى بالدول الصغرى والدول الكبرى في مجال السياسة الدولية‪.‬‬
‫ثاني ًا ‪ :‬املساواة االقتصادية ‪Egalité économique‬‬
‫ويظهر مبدأ املساواة بني ال��دول في النطاق اإلقتصادي أيضاً ‪ ،‬وكما‬
‫عرضنا لتطبيقات مبدأ املساواة اإلقتصادية ثم لإلنتهاكات التى تشويه‪.‬‬
‫املساواة في املعاملة ‪:‬‬
‫ومجال هذه املساواة في النطاق الدولى تظهر ضرورته بصفة خاصة‬
‫في املجال البحري واملجال النهري الدولى‪.‬‬
‫وتشير املادة ‪ 76‬من ميثاق األمم املتحدة في صدد الكالم عن نظام الوصاية‬
‫الدولى ‪ ،‬إلى أن أحد أغ��راض ذك النظام هو ضمان املساواة في املعاملة في‬
‫النطاق اإلجتماعى واإلقتصادي والتجاري لكل أعضاء املنظمة وملواطنيهم ‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫نظرية احلق في املجتمع ‪:‬‬
‫ومبدأ املساواة االقتصادية ميكن أن يقود لنتائج جتافي حقيقة املساواة‬
‫وذلك ما حدث في القرن التاسع عشر عندما أعلنت الدول الغربية مبدأ فتح‬
‫كال البالد للتجارة الدولية وتلك القاعدة كان املقصود منها فتح منافذ جتارية‬
‫للدول األوربية وكذا الواليات املتحدة ‪.‬‬
‫وقد كان تطبيق ذلك املبدأ خالل القرن التاسع عشر هو املجال األسيوي‬
‫فقد طالبت الدول بفتح البالد اآلسيوية للتجارة الدولة ومبعنى أدق التجارة‬
‫الغربية ‪.‬‬

‫املبدأ الثانى‬
‫مبدأ عدم التدخل ‪Principe de non intervention‬‬

‫ومبدأ عدم التدخل يعتبر صدي ملبدأ املساواة فما دامت الدول متساوية‬
‫فيما بينها فإنه يتعني االحترام املتبادل لسلطة كل منها‪.‬‬
‫ولكن مبدأ ع��دم التدخل هو في جوهرة مبدأ سياسي ‪ ،‬ولذلك فإنه‬
‫كثيراً ما ينتهك على املستوى السياسي الدولي ويشير تاريخ العالقات الدولية‬
‫إلى أن قروض التدخل كانت أكثر من فروض عدم التدخل ‪ ،‬وأحياناً ما يطبق‬
‫املبدأ تطبيقاً عكسياً‪ ،‬وذلك بأن تتدخل دول في شئون دول أخري لكى حتافظ‬
‫عليها من تدخل دولة ثالثة ‪ ،‬ومثال ذلك ما حدث خالل احلرب املدنية األخيرة‬
‫في أسبانيا (‪1939 – 1935‬م) إذا تدخلت أملانيا وإيطاليا لصالح الثوار‬
‫الوطنيني بينما تدخل اإلحتاد السوفيتي لصالح احلكومة اجلمهورية ‪.‬‬
‫كما جند تطبيقاً عكسياً ملبدأ عدم التدخل في نطاق القارة األمريكية‬
‫في ظل مبدأ مونرو الذى سنعرض له فيما بعد صور التدخل ‪ :‬وتظهر تلك‬
‫األحوال في ثالث‬
‫التدخل املذهبي ‪idéologique‬‬

‫‪442‬‬
‫التدخل املالى ‪Financière‬‬

‫تدخل البوليس الدولى ‪police internationale‬‬

‫التدخل املذهبي ‪intervention idéologique‬‬

‫فثمة أنظمة سياسية تقوم على تصورات مذهبية ميكن أن متتد خارج‬
‫حدودها ‪ .‬وهنا عندما تسعى تلك الدولة ملد تصوراتها املذهبية لدولة أو لدول‬
‫أخري فإنه يوجد تدخل ذو طبيعة سياسية أو طبيعة مذهبية إذا أردنا تعبيراً‬
‫أكثر دقة ‪.‬‬
‫النموذج التطبيقي ‪:‬‬
‫وهذه الصورة للتدخل كانت تظهر بوضوح في سياسة الثورة الفرنسية‬
‫التى أعلنت عزمها على معاونة كل الشعوب التي تريد استعادة حريتها ‪ ،‬وقد‬
‫كان ذلك اإلعالن (‪ 19‬نوفمبر‪ )1792‬في الواقع رداً على التصريح األملاني‬
‫في ‪ 25‬يوليو ‪ 1772‬ال��ذي كان يعتبر تدخال من األم��راء األمل��ان في الشئون‬
‫الداخلية لفرنسا‪.‬‬
‫وق��د وج��دت ص��ور أخ��ري للتدخل (ذو الطبيعة ال�ث��وري��ة) بعد نشوب‬
‫الثورة السوفيتية في ‪ ، 1917‬ففى الكومنترن ‪ komintern‬ثم الكومينفورم‬
‫‪ kominten‬بعد ‪ 1947‬وكذا التوجيهات الصادرة لألحزاب الشيوعية املختلفة‬
‫ال في شئون تلك الدول وهو تدخل كثيراً‬ ‫في الدول األخري كانت متثل تدخ ً‬
‫ما أدى ألزمات دولية ‪.‬‬
‫وقد ظهر هذا التدخل في نطاق العالقات الدولية ابتداء من النصف‬
‫الثانى للقرن التاسع بحجة حماية املصالح املالية للرعايا الذين أقرضوا‬
‫الدول األخري قروضاً بفوائد لم تستطع تلك الدول أن تفى بها ‪ .‬وقد ذلك‬
‫التدخل في الدول املدنية إلى إنشاء رقابة مالية دولية ولكن ذلك التدخل لم‬
‫يكن بنفس النظام في جميع احل��االت فقد ظلت بعض ح��االت قاصرة على‬
‫الناحية املالية ودو طبيعة خاصة أحيانا ‪ ،‬أم��ا األح��وال األخ��رى قد حتولت‬
‫بسرعة إلى رقابة سياسية ‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫الرقابة أملانية في حوض البحر األبيض املتوسط ‪:‬‬
‫إذا ما استثنينا تونس التى لم تكن الرقابة املالية لها إال خطوة نحو‬
‫الرقابة السياسية في صورة احلماية الفرنسية املنشأة سنة ‪ 1881‬فإن ثالث‬
‫دول في حوض البحر األبيض املتوسط قد وضعت حتت الرقابة املالية على‬
‫أقر استحالة وفائهم بفوائد الديون األجنبية ‪ ،‬وتلك الدول هى اليونان وتركيا‬
‫ومصر ‪.‬‬
‫مذهب دراجو ‪ Drago‬في عدم التدخل ‪:‬‬
‫ومبناسبة تدخل الدول األوربية في فنزويال ألسباب مالية سنة ‪، 1907‬‬
‫فقد وجه املستر دراجو وزير خارجية األرجنتني إلى وزارة اخلارجية األمريكية‬
‫مذكرة في ‪ 29‬ديسمبر ‪ 1912‬يطالب فيها بعدم اإللتجاء للقوة بسبب الديون‬
‫املتعاقد عليها بني الدول‪.‬‬
‫‪ -3‬تدخل البوليس الدولى ‪interention de police internationle‬‬

‫ويقصد بهذا النوع التدخل من جانب إحدى ال��دول حلماية مواطنيها‬


‫أو أشخاص آخرين تتعرض سالمتهم للخطر أو يخشي من إس��اءة معاملتهم‬
‫أو اسيئت فع ً‬
‫ال معاملتهم ‪ ،‬وتدخل الدولة حلماية أحد مواطنيها أو الدفاع‬
‫ع��ن مصاحله يطلق عليه بصفة ع��ام��ة احلماية الدبلوماسية ‪Protection‬‬
‫‪ diplomatique‬وقد يساء هذا التدخل أحياناً‪.‬‬
‫وأحياناً تتدخل الدولة ال ملصلحة رعاياها وإمنا ملصلحة رعايا آخرين‬
‫وقد يكون ذلك للتدخل في حد ذاته ملصلحة الدولة التى يتم التدخل ضدها‬
‫وهو ما يطلق عليه بتدخل اإلنسانية ‪ intervention d’humanité‬وقد استخدم‬
‫ذلك التدخل مراراً ضد االمبراطورية العثمانية حلماية اليونانني ( ‪ )1825‬ثم‬
‫بعد ذلك ملصلحة الكروات ثم األرمن ثم حدث هذا التدخل الذى يطلق عليه‬
‫تدخل اإلنسانية في أغسطس وسبتمبر سنة ‪ 1900‬ضد احلركة الصينية‬
‫العدائية لألجانب حيث أرسلت لها حملة دولية‪.‬‬
‫مشروعية تلك التدخالت ‪:‬‬
‫والتدخل حلماية اإلنسانية ميكن أن يكون مشروعاً بشرط أال يكون‬

‫‪444‬‬
‫حجة تخفى وراءها أسبابا أخري ‪.‬‬
‫أما التدخل املالي فإنه ال يبدو مشروعاً إال إذا كانت الدولة املدينة قد‬
‫أظهرت سوء نيتها ‪.‬‬
‫أما التدخل األيدلوجي‪ ،‬فمن املؤكد أنه ال ميكن أن يعتبر إال انتهاكاً‬
‫ملبدأ عدم التدخل ومبدأ االحترام املتبادل‪.‬‬
‫مذهب مونرو ‪Doctrine de Monroe‬‬

‫ويشمل مبادئ السياسة اخلارجية التى وضعها رئيس الواليات املتحدة‬


‫جيمس مونرو في رسالته للكوجنرس في ‪ 2‬ديسمبر ‪ ،1823‬وكانت املناسبة‬
‫إلرس��ال تلك الرسالة تتمثل في حماية املستعمرات األسبانية السابقة في‬
‫أمريكا الالتينية من محاوالت أسبانيا السترجاعها ‪.‬‬
‫ وقد ورد فقه مونرو في الفقرات ‪ 49 ،48 ،7‬من تلك الرسالة أما‬
‫الفقرة السابقة فإنها تذهب إلى القول بأن القارة األمريكية يجب أن تخرج‬
‫من النطاق االستعماري األوربي‪ ،‬فهي على حد قول الرسالة ‪ ،‬ال ميكن أبدا أن‬
‫تعتبر مرة أخري قابلة الستعمار جديد من جانب دولة أوربية‪.‬‬
‫تطبيق مبدأ مونرو ‪:‬‬
‫ وقد اعتبر مبدأ مونرو في أحد صورة مانعاً من تدخل الدول األوربية‬
‫ف��ي أمريكا ‪ ،‬وق��د ات�ب��ع ه��ذا األم��ر وس��ار على تنفيذه ال��رؤس��اء األمريكيون‬
‫الالحقون ‪.‬‬
‫فمبدأ مونرو كان يعنى االحتفاظ باحلالة القائمة التى ال ميكن أن تعدل‬
‫بالتوسع ثم وض��ع بعد ذل��ك مبدأ ع��دم ج��واز االحتفاظ مبستعمرات أوربية‬
‫في القارة األمريكية وذلك في مؤمتر هافانا سنة ‪ 1849‬ثم في سنة ‪1945‬‬
‫وق��د اختفت بالفعل الكثير من املستعمرات األورب�ي��ة وأصبحت املستعمرات‬
‫الفرنسية القدمية في جيان واألنتيل ‪ Gnyan et des Antilles‬أقاليم فيما‬
‫وراء البحار‪.‬‬
‫وقد رفع الرئيس ترومان صراحة راية ها األسلوب اجلديد عندما قال‬

‫‪445‬‬
‫في ‪ 12‬مارس سنة ‪ 1947‬أمام الكوجنرس ‪ ،‬إننى أعتقد أن الواليات املتحدة‬
‫يجب أن تتبنى سياسة الشعوب احلرة ‪ peuples libres‬التى تقاوم محاوالت‬
‫استبعاد التى متارسها ضدها أقلية مسلحة أو ضغط خارجي‪.‬‬
‫املعاهدة الصينية الهندية ‪:‬‬
‫فقد أب��رم��ت ف��ي ‪ 29‬اب��ري��ل ‪ 1954‬معاهدة ب�ين الهند وال�ص�ين تتعلق‬
‫بالتبت وتضمنت املبادئ التى يجب أن حتكم العالقات بني الدولتني والتى‬
‫متثلت في خمس ‪:‬‬
‫االحترام املتبادل للسالمة اإلقليمية وللسيادة ‪.‬‬
‫اإللتزام املتبادل بعدم اإلعتداء ‪.‬‬
‫عدم التدخل في الشئون الداخلية للدولتني ‪.‬‬
‫املساواة ‪.‬‬
‫التعايش السلمى ‪Coexistence pacifique‬‬
‫وتلك املبادئ لم تكن جديدة ‪ ،‬ولكن املبدأ اخلامس كان له صدى كبير‬
‫في الدولتني وفي العالم ‪.‬‬

‫املبدأ الثالث‬
‫‪Principe d’indepenance‬‬ ‫مبدأ اإلستقالل‬

‫ويكون من السهل لو عرفنا اإلستقالل بطريقة النفي وذلك بالقول بأنه‬


‫مركز جماعة إنسانية ال تخضع هيئاتها لهيئات جماعة أخري ‪.‬‬
‫العالقات الدولية ومبدأ اإلستقالل ‪:‬‬
‫وتتطلب العالقات الدولية قدرا معيناً من األمن ‪ ،‬ويكفل مبدأ احترام‬

‫‪446‬‬
‫اإلستقالل الوطنى بالتأكيد هذا القدر من األمر‪ .‬ثم تضمنت املادة ‪ 2/4‬من‬
‫ميثاق األمم املتحدة التزاماً مشابهاً‪ ،‬إذ يتعني على األعضاء وفقاً لتلك املادة‬
‫أن ميتنعوا في عالقتهم الودية أن يلجأوا إلى التهديد أو إلى استعمال القوة‬
‫خاصة ضد السالمة اإلقليمية أو االستقالل السياسي ألي دولة وهذا اإللزام‬
‫ميتد للدول غير األعضاء في األمم املتحدة‪.‬‬
‫انتهاك اإلستقالل‪:‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك فرض احلماية األملانية على بوهيميا ‪ -‬مورافيا‬
‫بحجة اعتبارها في املجال احليوي األملاني باملرسوم األملاني الصادر في ‪16‬‬
‫مارس ‪ 1929‬بفرض تلك احلماية إذ يعلن بأنه منذ ألف سنة وبالد بوهيميا‬
‫– موارفيا متتلك للمجال احليوي للشعب األملاني‪.‬‬
‫ونظري املجال احليوي التى ال تستخدم إال ملصلحة بعض الدول تعتبر‬
‫انتهاكاً مطلقاً ملبدأ اإلستقالل السياسي‪.‬‬
‫اإلستقالل وحق الشعوب ‪.‬‬
‫وإذا نظرنا ملبدأ اإلستقالل من الناحية الداخلية لدولة ما ‪ ،‬فإنه ميكمن‬
‫أن ي��أخ��ذ مظاهر مختلفة فهم يعنى ف��ي ال�ب��داي��ة ح��ق ال�ش�ع��وب ف��ي تقرير‬
‫مصيرها أي أن��ه من حق كل جماعة إنسانية أن جتتمع في وح��دة سياسية‬
‫خاصة يسري بشأنها مبدأ اإلستقالل‪.‬‬
‫وق��د ظهرت مشكلة اإلستعمار منذ بداية القانون ال��دول��ى في أوروب��ا‬
‫وقد تعرض لها الفقهاء األسبان وخاصة ‪ Vitoria‬بصدد عالقات األسبان في‬
‫أمريكا مع القبائل الهندية ‪.‬‬
‫االستعمار وعصبة األمم ‪:‬‬
‫وقد تضمن عهد عصبة األمم أول تنظيم ولكنه ذو طبيعة خاصة فاعادة‬
‫توزيع املستعمرات التى كانت مملوكة للدولة املهزومة لم يجر وفقاً للقواعد‬
‫السابقة‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫االستعمار وميثاق األمم املتحدة ‪:‬‬
‫وق��د تضمن امل�ي�ث��اق الفصل احل��ادى عشر حت��ت ع�ن��وان اع�لان خاص‬
‫باألقاليم غير املستقلة وأكد املهمة املقدسة للمدنية ليس فقط إزاء األقاليم‬
‫امل��وض��وع��ة ف��ي ظ��ل نظام دول��ى ولكن أيضا إزاء مستعمرات ال��دول أعضاء‬
‫املنظمة فقد كيف تلك املستعمرات عن أنها أقاليم غير مستقلة‪.‬‬
‫التطبيق العملى في ظل املنظمة ‪:‬‬
‫وقد دفعت املنظمة باألحداث الدولية نحو تصفية االستعمار سواء بأن‬
‫تنال األقاليم غير املستقلة استقاللها الداخلى ‪ l’autonomie interne‬كما‬
‫في حالة املستعمرات الفرنسية القدمية التى غدت أقاليم فيما وراء البحار‬
‫‪ dé partements d’outre mer‬أو أن تنال اإلستقالل الكامل ‪l’ndépendance‬‬
‫وهو األكثر حدوثاً‪.‬‬
‫ففي أفريقيا لم يوجد من ال��دول املستقلة سنة ‪ 1945‬إال ثالث فقط‬
‫هى ‪ :‬مصر وأثيوبيا ‪ ،‬وليبيريا ولكن اليوم ال يوجد فيها إال بعض أقاليم قليلة‬
‫غير مستقلة‪.‬‬
‫االستقالل اإلقتصادي ‪Indépence économque‬‬

‫وقد ظهرت منذ عدة سنوات ‪ ،‬أن مبدأ السيادة يكون ناقصاً لو قصرناه‬
‫على التصور السياسي ذلك أن حتليل املواقف اإلستعمارية أظهر أن استغالل‬
‫ال�ث��روات الطبيعية ألقليم ما يكون غالباً ليس فقط في يد ال��دول األجنبية‬
‫وإمنا أيضا الشركات األجنبية ‪ ،‬وهذا يظهر تسبدأ أجنبياً حقيقيا على ثروات‬
‫البالد‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫املراجع‬

‫‪ .1‬عبد الوهاب محمد احل��راري‪ .‬القانون الدولي العام ـ منشورات دار‬


‫الفرجاني‪ ،‬طرابلس ‪.‬‬
‫‪ .2‬صالح الدين احمد حمدي‪ .‬دراسات في القانون الدولي‪ ,‬دار الهدى‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ـ عني مليلة‪2002 ,‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬علي صادق أبو هيف‪ .‬القانون الدولي العام منشأة املعارف ـ اإلسكندرية‬
‫ـ ‪1990‬م‪ .‬‬
‫‪ .4‬ج ‪ .‬إ ‪ .‬تونكني ـ القانون الدولي العام ـ ترجمة أحمد رضا ـ الهيئة العامة‬
‫للكتاب ـ القاهرة ـ ‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬عصام العطية‪ .‬القانون الدولي العام ـ بغداد‪.‬‬
‫‪ .6‬عبد العزيز محمد سرحان‪ .‬القانون الدولي العام‪ ،‬دار النهضة العربية‬
‫ـ القاهرة‪1991 ,‬م‪.‬‬
‫‪ .7‬جيرهارد فان غالن‪.‬القانون بني األمم ـ ترجمة عباس العمر ـ منشورات‬
‫دار األفاق اجلديدة ـ بيروت ـ ج ‪1‬‬
‫‪ .8‬محمد س��ام��ي ع��ب��د احل��م��ي��د‪ .‬أص��ول ال�ق��ان��ون ال��دول��ي ال �ع��ام ـ ج ‪ 1‬ـ‬
‫منشورات مؤسسة الثقافة اجلامعية ‪.‬‬

‫‪449‬‬
‫‪ .9‬محمد حافظ غامن ـ االصول اجلديدة للقانون الدولي العام ـ الطبعة‬
‫الثانبة ـ ‪ 1954‬ـ الناشر مكتبة عبد الله وهبه ـ عابدين ـ مصر‪.‬‬
‫‪ .10‬زهير احلسني ـ مصادر القانون الدولي العام ـ منشورات جامعة قار‬
‫يونس ـ بنغازي ـ ‪1993‬م‬
‫‪ .11‬ع��ز ال��دي��ن ف��وده ـ مقدمة ف��ي القانون ال��دول��ي ال�ع��ام ـ مكتبة عني‬
‫شمس ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪ .12‬عبدالله عبد اجلليل احلديثي ـ النظرية العامة ف��ي القواعد‬
‫اآلمرة في القانون الدولي ـ الطبعة األولى ـ مطبعة اوفسيت عشتار ـ بغداد‬
‫ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .13‬علي ابراهيم ـ الوسيط في املعاهدات الدولية ـ ‪ 1995‬ـ دار النهضة‬
‫العربية ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪ .14‬جعفر عبد السالم ـ مبادىء القانون الدولي العام ـ منشورات دار‬
‫النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1990‬م‬
‫‪ .15‬محمد الالفي ـ نظرات في أحكام السلم واحلرب ـ دراسة مقارنة ـ‬
‫منشورات دار أقرأ ـ طرابلس ـ ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ .16‬االمام محمد أبو زهرة ـ العالقات الدولية في االسالم ـ دار الفكر‬
‫العربي ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪ .17‬إ ‪ .‬ل ‪ .‬كلود ـ النظام الدولي والسالم العاملي ـ ترجمة الدكتور عبد‬
‫الله العريان ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1964‬م‪.‬‬
‫جورج سل ـ مجموعة محاضرات الهاي ‪ 1937‬ـ ج ‪ 4‬ص ‪. 331‬‬ ‫‪ .18‬‬
‫محمد سامي عبد احلميد ـ أصول القانون الدولي العام ـ ج ‪.2‬‬ ‫‪ .19‬‬
‫محمد حافظ غامن ـ العالقة بني القانون الدولي والقانون الوطني‬ ‫‪ .20‬‬

‫‪450‬‬
‫ـ املجلة املصرية للقانون الدولي ـ العدد ‪ 8‬ـ سنة ‪1952‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬ابراهيم أحمد شلبي ـ مبادىء القانون الدولي العام ـ الدار اجلامعية‬
‫ـ ‪1985‬م ‪.‬‬
‫‪ .22‬مصطفى سالمة حسني ـ تطور القانون الدولي العام ـ ‪ 1992‬ـ دار‬
‫النهضة العربية ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪ .23‬محمد بوسلطان ـ فعالية املعاهدات الدولية ـ دي��وان املطبوعات‬
‫اجلامعية ـ اجلزائر ـ ‪1995‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬عبد الواحد ناصر ـ قانون العالقات الدولية ـ النظريات واملفاهيم‬
‫األساسية ـ دار حطني للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرباط ـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .25‬أحمد عبد احلميد عشوش ‪,‬عمر ابو بكر باخشب ـ الوسيط في‬
‫القانون الدولي العام ـ مؤسسة شباب اجلامعة ـ اإلسكندرية ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .26‬عبد الواحد ناصر ـ قانون العالقات الدولية ـ النظريات واملفاهيم‬
‫األساسية ـ دار حطني للطباعة والنشر والتوزيع ـ الرباط ـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ .27‬محمد طلعت الغنيمي ‪,‬محمد السعيد الدقاق ـ القانون الدولي‬
‫العام ـ دار املطبوعات اجلامعية ـ اإلسكندرية ـ ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ .28‬طاهر شلش ـ التصديق على امل�ع��اه��دات ـ املجلة املصرية للقانون‬
‫الدولي ـ املجلد العشرون ـ السنة‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ .29‬عبد الغني محمود ـ التحفظ على املعاهدات الدولية ـ دار اإلحتاد‬
‫العربي للطباعة ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .30‬ع��ل��ى ع��ب��د ال��ق��ادر ال��ق��ه��وج��ي ـ امل �ع��اه��دات ال��دول�ي��ة أم��ام القضي‬
‫اجلنائي ـ دار اجلامعة اجلديدة للنشر ـ اإلسكندرية ـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫عبد الواحد محمد الفار ـ قواعد تفسير املعاهدات الدولية ـ دار‬ ‫‪ .31‬‬

‫‪451‬‬
‫النهضة العربية ـ ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ .32‬حامد سلطان ‪,‬عائشة راتب ‪,‬صالح الدين عامر ـ القانون الدولي‬
‫العام ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ .33‬محمد حافظ غ��امن ـ األص��ول اجل��دي��دة للقانون ال��دول��ي ـ مطبعة‬
‫نهضة مصر ـ ‪1954‬م‪.‬‬
‫‪ .34‬أحمد ابو الوفا محمد ـ املعاهدات الدولية في الشريعة االسالمية‬
‫ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .35‬رمضان بن زي��ر ـ العالقات الدولية في السلم ـ ال��دار اجلماهيرية‬
‫للنشر والتوزيع واالعالن ـ ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ .36‬عبد الغني محمود ـ القاعدة العرفية في القانون الدولي العام ـ دار‬
‫النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .37‬جعفر عبد ال��س�لام ـ املنظمات الدولية ـ الطبعة السادسة ـ دار‬
‫النهضة العربية ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪ .38‬م��ن��ى م��ح��م��ود م��ص��ط��ف��ى ـ التنظيم ال��دول��ي ال �ع��امل��ي ب�ين النظرية‬
‫واملمارسة ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .39‬محمد السعيد ال��دق��اق ـ املنتظمات ال��دول�ي��ة ـ مؤسسة الثقافة‬
‫اجلامعية ـ ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ .40‬منصور ميالد يونس ـ مقدمة لدراسة العالقات الدولية ـ مطبعة‬
‫الوثيقة اخلضراء‪،‬ـ ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ .41‬محمد ف��رج ال��زائ��دي ـ م��ذك��رات في النظم السياسية ـ منشورات‬
‫اجلامعة املفتوحة‪1990 ،‬م ‪.‬‬
‫عبد احلميد املتولي ـ القانون الدستوري واألنظمة السياسية ـ‬ ‫‪ .42‬‬

‫‪452‬‬
‫منشأة املعارف ـ الطبعة اخلامسة ـ ‪1974‬م‪.‬‬
‫‪ .43‬حسني حنفى عمر ـ حق الشعوب في تقرير املصير وقيام الدولة‬
‫الفلسطينية ـ دار النهضة العربية ـ القاهرة ـ ‪ 2005‬م‪.‬‬
‫الشافعي محمد بشير ‪ ،‬عن املنظمات الدولية ‪.66‬‬ ‫‪ .44‬‬
‫‪ .45‬الشافعي محمد بشير‪ ،‬عن أزمة حقوق اإلنسان في جنوب أفريقيا‪،‬‬
‫مبجلة القانون واالقتصاد العدادان الثالث والرابع لسنة ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ .46‬ال���ش���اف���ع���ي ب���ش���ي���ر‪ .‬ال� �ق ��ان ��ون ال� ��دول� ��ى ال � �ع� ��ام‪ ,‬م �ط �ب �ع��ة ال��ت��ون��ى‪,‬‬
‫‪2000‬م‪،‬ط‪.7‬‬
‫‪ .47‬محمد السعيد الدقاق ـ التنظيم الدولي ـ دار املطبوعات اجلامعية‬
‫ـ اإلسكندرية ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ .48‬جعفر عبد السالم ـ املنظمات الدولية ـ شركة االميان للطباعة ـ‬
‫القاهرة ـ ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ .49‬عبد ال��ع��زي��ز محمد س��رح��ان ـ املنظمات ال��دول�ي��ة ـ�ـ دار النهضة‬
‫العربية ـ القاهرة ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .50‬مفيد محمود شهاب ـ املنظمات الدولية ـ دار النهضة العربية ـ‬
‫القاهرة ـ ‪.1990‬‬
‫‪ .51‬محمد س��ام��ي عبد احلميد ـ ق��ان��ون املنظمات الدولية ـ الطبعة‬
‫اخلامسة ـ مؤسسة الثقافة اجلامعية ‪.‬‬
‫‪ .52‬مصطفى سيد عبد الرحمن ـ ق��ان��ون التنظيم ال��دول��ي ـ الطبعة‬
‫األولى ـ دار النهضة العربية ـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .53‬محمد التابعي ـ الوضع القانوني لدولة الفاتيكان ـ املجلة املصرية‬
‫للقانون الدولي ـ العدد ‪ 30‬السنة ‪.64‬‬

‫‪453‬‬
.‫م‬1993 ‫ اجلماهيرية‬32 ‫ السنة‬4 ‫اجلريدة الرسمية ـ العدد‬ .54
:‫ املراجع األجنبية‬:‫ثاني ًا‬
1. Ch . Rousseau , Droit International public , paris , 1953

2. Raymond Aron .paix et guerre enter les nations . 5eed .


Paris . 1968 Hans.J.morgentau .

3. politics among nations , the struggle for power and


peace .3eed. New York . 1960

4. Cavaré op.cit.

5. Numelin , The Beginning of Diplomacy , London ,


1950.

6. Expression de riécessités de la solidarité sociale.

7. Oppenhiem ( Louterpach) , International Law , 8th ed ,


1958 ,Vol 1

8. H.Kelson , The Law of The United Nations , London ,


1951

9. Lord McNair , The Law of Treaties , Oxford University


press 1961.

10. E . Stcin ; Law and peaceful change in substen , withdrawal


of France from North Atlantic Treaty Orgnization ,
A.J.I.I. July 1968 p . 577 .

11. Delbez L. : Manuel de Droit international Public ,


1951.

454
12. Prirncipes genéraux du droit interne . Delbez. Op. cit.
p. 056.Cavaré op cit.

13. Year Book of the United Nations , 1955

14. Les Nationaux sont Membres de l'Etat lies à l'Etat par un


lien Juri- dique et polique.

15. Une personne. Ayant une allégèance permanente avec


l'Etat quelque soit le lien de son domicile.

16. International convention on the elimination of all froms


of Racial Discrimination

17. International Convenatn on Economic, social and


cultural Rights

18. International Convenant on civil and Political Rights

19. Committee on the Elimination of Racial Discrimination

20. Haman Rights committee

21. National guard bureau

22. National guard bureau

Oppenheim , International Law , Vol . 1 , London , 1955 .

455
‫فهرس احملتويات‬

‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪9‬‬ ‫املقدمة‪.............................................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫الباب األول ‪ :‬في املبادىء العامة‪.................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫الفصل االول ‪ :‬في التعريف بالقانون الدولي ‪...................‬‬
‫‪15‬‬ ‫املبحث االول ‪ :‬تعريف القانون الدولي‪................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬تسمية القانون الدولي‪...............................‬‬
‫‪24‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬متييز قواعد القانون الدولي عن غيرها ‪............‬‬
‫‪30‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬طبيعة قواعد القانون الدولي ‪.......................‬‬
‫‪53‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬تطور القانون الدولي ‪...........................‬‬
‫‪54‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬العصور القدمية ‪.....................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬العصور الوسطى‪.....................................‬‬
‫‪61‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬العصور احلديثة ‪....................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬أساس القانون الدولي ‪...........................‬‬
‫‪72‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬املذهب اإلرادي ‪......................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬نظرية اإلرادة املنفردة ‪...............................‬‬
‫‪74‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬نظرية اإلرادة املشتركة ‪..............................‬‬
‫‪76‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬املذهب املوضوعي ‪...................................‬‬
‫‪76‬‬ ‫املطلب االول ‪ :‬املدرسة النمساوية ‪...................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬املدرسة الفرنسية ‪...................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬املدرسة السوفيتية ‪..................................‬‬

‫‪457‬‬
‫‪81‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬مدرسة القانون الطبيعي ‪............................‬‬
‫‪89‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬العالقة بني القانون الدولي والقانون الداخلي‪.....‬‬
‫‪90‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬نظرية ازدواج القانونني ‪..............................‬‬
‫‪95‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬نظرية وحدة القانونني‪...............................‬‬
‫‪98‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬تطبيقات الدول والقضاء الدولي ‪...................‬‬
‫‪107‬‬ ‫الفصل اخلامس ‪ :‬نطاق القانون الدولي ‪.........................‬‬
‫‪109‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬القواعد الدولية العاملية ‪..............................‬‬
‫‪110‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬القواعد القارية‪......................................‬‬
‫‪111‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬القواعد اإلقليمية ‪...................................‬‬
‫‪113‬‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬مصادر القانون الدولي ‪............................‬‬
‫‪117‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬املعاهدات الدولية ‪................................‬‬
‫‪118‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬تعريف وتصنيف املعاهدات الدولية ‪..................‬‬
‫‪118‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬تعريف املعاهدة الدولية ‪..............................‬‬
‫‪123‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬تصنيف املعاهدات ‪..................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬إبرام املعاهدات ‪.....................................‬‬
‫‪129‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬شروط صحة إبرام املعاهدات ‪.......................‬‬
‫‪138‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬مراحل إبرام املعاهدات‪..............................‬‬
‫‪152‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬التحفظ على املعاهدات ‪............................‬‬
‫‪158‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬تنفيذ املعاهدات ‪....................................‬‬
‫‪163‬‬ ‫املبحث الرابع ‪ :‬تفسير املعاهدات وتعديلها ‪..........................‬‬
‫‪163‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬تفسير املعاهدات‪.....................................‬‬
‫‪164‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬اجلهة املختصة بالتفسير ‪.............................‬‬
‫‪166‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬قواعد التفسير ‪.......................................‬‬
‫‪170‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬تعديل املعاهدات ‪....................................‬‬
‫‪174‬‬ ‫املبحث اخلامس ‪ :‬آثار املعاهدات‪.....................................‬‬
‫‪175‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬آثار املعاهدات بني أطرافها ‪..........................‬‬
‫‪178‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬آثار املعاهدات بالنسبة للغير ‪.......................‬‬
‫‪183‬‬ ‫املبحث السادس ‪ :‬إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات ‪.........‬‬
‫‪183‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬األحكام العامة املشتركة ‪..............................‬‬
‫‪185‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬أسباب إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات‪.....‬‬

‫‪458‬‬
‫‪186‬‬ ‫الفرع األول ‪ :‬أسباب إبطال املعاهدات ‪..............................‬‬
‫‪186‬‬ ‫الفرع الثاني ‪ :‬إنتهاء املعاهدات‪.......................................‬‬
‫‪196‬‬ ‫الفرع الثالث ‪ :‬إيقاف العمل باملعاهدات ‪.............................‬‬
‫‪197‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬آثر احلرب على املعاهدات ‪..........................‬‬
‫‪199‬‬ ‫املطلب الرابع ‪ :‬آثار إبطال وإنتهاء وإيقاف العمل باملعاهدات‪........‬‬
‫‪203‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬العرف الدولي‪....................................‬‬
‫‪209‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬مبادىء القانون العامة ‪.........................‬‬
‫‪213‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬املصادر املساعدة أو االستداللية‪...............‬‬
‫‪214‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬أحكام احملاكم ‪........................................‬‬
‫‪216‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬الفقه الدولي ‪........................................‬‬
‫‪218‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬مبادىء العدالة واالنصاف ‪..........................‬‬
‫‪221‬‬ ‫الفصل اخلامس ‪ :‬قرارات املنظمات الدولية‪.....................‬‬
‫‪222‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬اآلراء الفقهية ‪........................................‬‬
‫‪225‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬التوصيات والقرارات ‪................................‬‬
‫‪235‬‬ ‫الباب الثالث ‪ :‬أشخاص القانون الدولي‪.........................‬‬
‫‪237‬‬ ‫القسم األول ‪ :‬الدولة ‪.............................................‬‬
‫‪239‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬تعريف الدولة وخصائصها‪......................‬‬
‫‪241‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬أركان الدولة‪..........................................‬‬
‫‪241‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬الشعب‪................................................‬‬
‫‪257‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬اإلقليم ‪...............................................‬‬
‫‪272‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬السلطة السياسية‪....................................‬‬
‫‪277‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬خصائص الدولة ‪....................................‬‬
‫‪277‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬السيادة ‪..............................................‬‬
‫‪281‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬الشخصية القانونية‪..................................‬‬
‫‪285‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬أنواع الدول ‪.......................................‬‬
‫‪285‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬أنواع الدول من حيث التركيب‪........................‬‬
‫‪338‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬أنواع الدول من حيث السيادة‪........................‬‬
‫‪351‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬حياة الدول‪......................................‬‬
‫‪352‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬نشوء الدولة‪...........................................‬‬
‫‪357‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬االعتراف بالدولة‪....................................‬‬

‫‪459‬‬
‫‪358‬‬ ‫املطلب األول ‪ :‬املفهوم القانوني لالعتراف ‪...........................‬‬
‫‪359‬‬ ‫املطلب الثاني ‪ :‬طبيعة االعتراف‪......................................‬‬
‫‪362‬‬ ‫املطلب الثالث ‪ :‬صور االعتراف‪.......................................‬‬
‫‪366‬‬ ‫املطلب الرابع ‪ :‬انواع أخرى من االعتراف‪............................‬‬
‫‪383‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬املسئولية الدولية‪...............................‬‬
‫‪385‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬طبيعة املسئولية الدولية وأساسها‪....................‬‬
‫‪389‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬شروط املسئولية الدولية ‪............................‬‬
‫‪398‬‬ ‫املبحث الثالث ‪ :‬آثار املسئولية الدولية‪................................‬‬
‫‪415‬‬ ‫القسم الثاني ‪ :‬أشخاص القانون الدولي األخرى‪...............‬‬
‫‪417‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬املنظمات الدولية ‪................................‬‬
‫‪419‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬عناصر املنظمة الدولية‪...............................‬‬
‫‪423‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬أنواع املنظمات الدولية ‪..............................‬‬
‫‪427‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬الفرد ‪..............................................‬‬
‫‪428‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬اآلراء الفقهية ‪........................................‬‬
‫‪430‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬حقوق ومسئولية الفرد في القانون الدولي‪..........‬‬
‫‪433‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬الفاتيكان‪.........................................‬‬
‫‪434‬‬ ‫املبحث األول ‪ :‬التطور التاريخي‪......................................‬‬
‫‪437‬‬ ‫املبحث الثاني ‪ :‬نشأة دولة الفاتيكان‪..................................‬‬
‫‪439‬‬ ‫املبحث الثالث‪:‬املبادئ املوجهة واملنظمة للمجتمع الدولي‪.............‬‬
‫‪439‬‬ ‫املبدأ األول‪ :‬مبدأ املساواة بني الدول‪.................................‬‬
‫‪442‬‬ ‫املبدأ الثانى‪ :‬مبدأ عدم التدخل‪......................................‬‬
‫‪446‬‬ ‫املبدأ الثالث‪ :‬مبدأ اإلستقالل‪........................................‬‬
‫‪449‬‬ ‫املراجع‪................................................................‬‬
‫‪457‬‬ ‫الفهرس‪...............................................................‬‬

‫‪460‬‬

You might also like