You are on page 1of 35

‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫القصة القصيرة ‪ :‬مفهومها و عناصرها‬
‫المبحث األول ‪ :‬مصطلح القصة القصيرة‬
‫أوال ‪ :‬المصطلح‪:‬‬
‫المفهوم اللغوي‪ :‬ان لفضة قصة ليست من االلفاظ الجديدة التي دخلت اللغة‬ ‫أ‪-‬‬
‫العربيةحديثا ‪ ،‬و انما ورد ذكرها في التراث االدبي و العلمي القديم ‪ ،‬و ان كنا نؤكد‬
‫ان مدلولها المعنوي و الفني فتطرأ عليه تغيرات كثيرة نتيجة االتصال بالثقافات‬
‫‪1‬‬
‫األجنبية ‪.‬‬
‫فمادة (قصص) في لسان العرب المحيط تعني تتبع اثر الشيء ‪ ،‬و يقال ‪:‬‬
‫قصيه "‬
‫قصص الشيء اذا تتبعت اثره شيئا بعد شيء و منه قوله تعالى " وقالت ألخته ّ‬
‫[سورة القصص ‪]11 :‬أي اتبعي اثره و يجوز باللين ‪ :‬فقصت قصا ‪،‬‬
‫و القصة ‪ :‬الخبر وهو القصص و قصى علي خبره يقصه قصا و قصصا و القصص‬
‫تكسير القاف ‪ :‬جمع القصة التي تكتب ‪:‬‬
‫و تقصص كالمه ‪ :‬حفظه ‪ ،‬وتقصص الخبر ‪ :‬تتبعه ‪ ،‬و القصة ‪ :‬االمر و الحديث ‪،‬‬
‫واقتصصت‪F‬‬
‫رويته على وجهه ‪ ،‬و القاص ‪ :‬الذي يأتي بالقصة على وجهها كأنه تتبيع معانيها و‬
‫الفاظها و في القاموس المحيط للغبروز ابادي معاني كثيرة لكلمة قص ‪ :‬متفقة في‬
‫معظمها مع ماورد في لسان العرب المحيط و منها "قص اثره قصا و قصيصا " تتبعه‬

‫ابن المنظور ‪ ،‬لسان العرب المحيط ‪ :‬اعداد و تصنيف يوسف خياط ‪ ،‬الجزء الخامس ‪ ،‬دار الجيل بيروت – دار‬ ‫‪1‬‬

‫السلطان العرب بيروت ص ‪102‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و الخبر أ علمه ‪ :‬فارتدا على اثرهما قصصا [سورة الكهف ‪ ] 64 :‬أي رجعا في‬
‫‪1‬‬
‫الطريق الذي سيلقاه‬

‫وجاء لفظ (القصة ) في المجند في اللغة العربية المعاصرة ‪ :‬قصة ‪ :‬ج قصص و‬
‫قصاص كل خصلة من الشعر ‪ :‬شعر مقدم الرأس‪ ، F‬قصة ‪ :‬ج قصاص ‪ :‬حكاية نثرية‬
‫طويلة تستمد من الخيال او الواقع او منهما معا ‪ ،‬و تبنى على قواعد معينة من الفن‬
‫الكتابي "قصص الف ليلة و ليلة " ‪ ،‬رواية ‪ ،‬خبر او حديث يتصف باألمانة و الدقة‬
‫‪:‬قصة اسفاره ‪ :‬حادثة غريبة ‪ ،‬قصة التصدق ‪ :‬شأن ما قصته ؟ خبرا ‪ ،‬روى قصة‬
‫‪2‬‬
‫مرضه ‪ :‬قصة هذا اآلمر أن ‪: ....‬موضوعه و محتواه‬
‫اقصوصة ‪ :‬ج اقاصيص ‪ ،‬حكاية قصيرة ‪ ،‬سرد حادث بطريقة ممتعة ‪،‬‬
‫قصصي ‪ :‬راو القصة ‪ ،‬قاص ‪ ،‬له طابع القصة ‪ ،‬و القاص سبقت القصة و يرويها –‬
‫قص ما حدث ‪.‬اقتضى ‪.‬تتبع اثر فالن‬
‫‪3‬‬
‫و القصة لغة " أحدوثة شاقة ‪ ،‬مروية او مكتوبة يقصد بها االقناع ‪ ،‬او اإلفادة"‬
‫و بهذا المفهوم الداللي فإن القصة تروي حدثا بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية أو‬
‫الكتابة و يقصد بها اإلفادة او خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق اسلوبها و‬
‫‪4‬‬
‫تضافر احداثها و اجوائها التحليلية و الواقعية‬

‫الفيروز ابادي مجد الدين محمد بن يعقوب ‪ :‬القاموس المحيط (ط‪ )2‬شركة مكتبة و مطبعة مصطفى بامي‬ ‫‪1‬‬

‫الحلبي ‪ ،‬مصر ‪ ، 1952‬مادة (قص)‬

‫المنجد في اللغة العربية المعاصرة ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،‬دار المشرق بيروت صفحة ‪ 2001- 1170‬م‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬د جبور عبد النور ‪ :‬المعجم االدبي ‪ ،‬دار العلم الماليين ‪ ،‬بيروت ‪ 1889‬مادة (قص)‬

‫‪ 4‬شربيط احمد شربيط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪ 1985-1947‬صفحة ‪16‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اذن من خالل هذه التعاريف التي بين يدينا يجتمع لنا ان مفهوم القصة لغة هو اقتفاء‬
‫األثر و تتبعه ‪ ،‬و ايراد الخبر و نقله للغير ‪ ،‬و هي أيضا تشمل الرواية و السرد و‬
‫االخبار ‪.‬‬
‫و القصة عند الكاتب اإلنجليزي " تشارلتون ‪ :‬ان لم تصور الواقع فانه ال يمكن ان‬
‫‪1‬‬
‫تعد فنا‬
‫اما الناقد اإلنجليزي ولتر الن فيرها اكثر األنواع األدبية فعالية في عصرنا الحديث‬
‫بالنسبة للوعي األخالقي ‪ ،‬فهي عن طريق فكرتها و فنياتها تمكن من جنب القارئ الى‬
‫عالمها ‪ ،‬فتبسط الحياة اإلنسانية امامه بعد ان اعادت صياغتها من جديد ‪ ،‬و هي في‬
‫صورتها العامة عند "فورستر حكاية فحسب تتابع احداثها في حلقات مثلما تسلسل‬
‫‪2‬‬
‫فترات االنسان‬

‫‪ 1‬ه ب تشارب ‪ ،‬فنون االدب تعريب الدكتور زكي نجيب مد ‪ ،‬لجنة التأليف و النشر و الترجمة ‪ ،‬مصر ‪، 1959 ،‬‬
‫ص ‪160‬‬

‫‪ 2‬د‪ .‬محمد زغلول سالم ‪ ،‬دراسات في القصة العربية الحديثة ‪ ،‬أصولها اتجاهاتها اعالمها ‪ ،‬منشأة المعارف‬
‫اإلسكندرية بال تاريخ ‪ ،‬ص ‪03‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المفهوم االصطالحي ‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬


‫القصة القصيرة مفهومها الفني فن حديث على االدب العربي ‪ ،‬حقيقة ان االدب العربي‬
‫القديم عرف نماذج من القصص و الحواديث ‪ ،‬اال انها ال تتفق مع المفهوم الفني للقصة‬
‫الحديثة ‪ ،‬اال ان في بعض المالمح التي لم يقصد اليها قصدا و مع هذا فان على‬
‫الدارس لنشأة القصة القصيرة‪ F‬في األدب العربي الحديث ان يتوقف قليال عند منابع و‬
‫اصول هذا الفن‪ .‬و تتمثل هذه المنابع في منبعين اساسين _ كانا اساسي المحاوالت التي‬
‫قدمت الشكل القصصي‪ F‬في االدب العربي الحديث من ناحية‪ ،‬و يعتبر تمثال طبيعيا‬
‫لتياري نهضة الحديثة من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فتمثيال لتيار‪ .‬احياء الثقافة القديمة يأتي المنبع األول ‪ :‬و هو تتبع الشكل القصصي‬
‫وخصائصه في االدب العربي القديم ‪ ،‬و تمثال لتيار ألخذ بأساليب الفكر الغربي يأتي‬
‫المنبع الثاني ‪ :‬و هو بداية الترجمة القصصية‪ F‬و اثره ‪1.‬ل‬
‫و ال بد لنجحها الفني من تماسك عناصرها ‪ :‬االحداث و الشخصيات و النسيج و‬
‫األسلوب و التركيز و البيئة ‪ ،‬بحيث يكون كل عنصر كاللبنة في البناء القوي يؤدي‬
‫وظيفة في اكتمال العمل الفني‪ ،‬و ان ضعف اي عنصر يؤدي الى اهتزاز بقية‬
‫‪ .‬و الكاتب القصصي المعاصر ينظر الى كل‬ ‫‪2‬‬
‫العناصر و بالتالي العمل االدبي ككل‬
‫عنصر من عناصر عمله الفني نظرة واحدة ‪ ،‬سيمتها االهتمام بكل عنصر ‪ ،‬وكانه هو‬
‫االساسي في بناءه ‪ ،‬و يسعى الى اتقانا دواته الفنية و تطويرها دوما ‪،‬‬

‫‪1‬د‪-‬السعيد الورقي ‪ ،‬اتجاهات القصة القصيرة في االدب العربي المعاصر في مصر (د‪.‬ط) دار المعرفة الجامعية‬
‫‪ 1999‬ص ‪33‬‬

‫يوسف الشاروني ‪ ،‬دراسات في الرواية و القصة القصيرة ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية القاهرة ‪ 1967‬ص ‪294‬‬ ‫‪2‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و بعد النص القصصي اليوم اساسا في كل حركة ادبية تقوم داخل أي مجتمع و‬
‫يعود تقدم فن القصة على معظم الفنون " الكناية " ‪ ،‬االخرى الى قدرتها الكبيرة على‬
‫استيعاب الحياة االنسانية بأحداثها االليمة و المفرحة و بتطلعاتها الى تصدير حياة‬
‫االنسان في ادق تصرفاته و ارق أحاسيسه ‪.‬‬
‫" القصة القصيرة لم تأخذ مفهوما فنيا اال حينما اخذت تروي وجود النشاط و الحركة‬
‫في حياة االنسان و ذلك حينما وجه الناس اهتمامهم الى اجزاء الحياة وتفضيالتها‬
‫اهتماما يحول التافه الى شيء ذو وزن و شأن ‪ ،‬و اخذوا يستعيضون بمطالعة اوجه‬
‫‪1‬‬
‫الحياة المألوفة كما تقع كل يوم "‬
‫و بمفهوم اخر " تمثل حدثا صغيرا يدور في زمن محدد و مكان ضيق و اشخاص‬
‫محدودة ‪ .‬و هذا الحدث البد ان يكون متكامال له بداية ووسط و نهاية ‪ ،‬يرتبط بعضها‬
‫ببعض ‪ .‬تقوم بينها عالقة عضوية و هي اكثر االنواع االدبية زواجا و شيوعا و‬
‫‪2‬‬
‫القصة القصيرة كالقصة تماما في اكتمال عناصرها و قيامها على عناصر فنية "‬
‫كما يقول رشاد رشدي في التفريق بين القصة و الرواية " الرواية تعتمد على التجميع‬
‫بينما تعتمد القصة القصيرة على التركيز ‪ ،‬الرواية تصور النهر من المنبع الى‬
‫المصب ‪ ،‬اما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر ‪ ،‬الرواية تعرض‬
‫الشخص من شانه الى زواله او مماته وهي تروى او تفسر حوادث حياته من حب ن‬
‫مرض ‪ ،‬و صراع ‪ ..‬اما القصة القصيرة‬

‫‪ 1‬السعيد‪ E‬الورقي ‪ ،‬اتجاهات القصة القصيرة في األدب العربي المعاصر ‪ ،‬في عصر دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬ص ‪13‬‬

‫‪ 2‬علي مصطفى صبح ‪ ،‬من االدب الحديث في ضوء المذاهب األدبية‪ E‬و النقدية ديوان دار المريخ للنشر و ديوان‬
‫المطبوعة الجامعية بالجزائر ‪ ،‬الرياض ‪ 1985- 1406 ،‬م ص ‪127‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪3‬‬
‫فتكتفي بقطاع من هذه الحياة علمية منها ‪ ،‬موقف معين او لحظة معينة"‬
‫و من اهم ميزاتها لدينا ‪ :‬الوحدة ‪ :‬وهي اساس جوهري من اسس بناء القصة القصيرة‬
‫و تشمل وحدة الدافع ‪ ،‬وحدة الهدف ‪ ،‬ووحدة الحدث ووحدة االنطباع و لدينا التركيز‬
‫ويكون في كل شيء وهو اهم مميز للقصة القصيرة‪ F‬و ان كان عنصر التركيز بلزم‬
‫ان يكون مقوما من المقومات الرئيسية لهذا النوع من القصة الن القصة القصيرة تتلقى‬
‫اثرها ككل و في الحال و السرعة ‪.‬فال بد من كونها مكثفة و مركزة جدا (اسبد قضبا‬
‫‪ )233-1999‬فنستطيع القول ان القصة القصيرة‪ F‬تدور على محور واحد في خط‬
‫يسير واحد ‪ ،‬و ال تشمل من حياة اشخاصها اال فترة محدودة او حادثة خاصة او حالة‬
‫شعورية معينة ‪ ،‬وال تقبل التشعب و االستطراد الى مالبسات كل حادث و ظروف كل‬
‫شخصية ‪،‬‬
‫فان القصة القصيرة كانت و التزال اقرب الفنون االدبية الى روح العصر ‪ ،‬ألنها‬
‫انتقلت بالقص من التعميم الى التخصيص ‪ ،‬و ال تناول الحياة او الشخصية الكاملة بكل‬
‫حوادثها و ظروفها بل تصور جانبا واحدا فنيا من جوانب حياة الفرد ‪ ،‬او زاوية من‬
‫زواياه او انها تستخدم كل االجناس االدبية‬

‫‪ 3‬رشاد رشدي ‪ ،‬فن القصة القصيرة مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬ملتزم الطبع و النشر ‪ ،‬المطبعة الفنية الحديثة ‪1970‬‬
‫ص ‪114‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عناصر القصة القصيرة‬


‫‪ -1‬الطريقة التقليدية‬ ‫‪ .I‬الحدث‬
‫‪ -2‬الطريقة الحديثة‬ ‫ا‪ -‬طرق بناء الحدث‬
‫‪ -3‬طريقة االرتجاع الفني (الخطف خلفا)‬

‫‪ -1‬طريقة الترجمة الذاتية (سرد غير مباشر‬ ‫طرق صوغ الحدث‬ ‫ب‪-‬‬
‫‪ -2‬طريقة السرد المباشر‬
‫‪ -1‬المعنى‬ ‫ج‪ -‬عناصر الحدث‬
‫‪ -2‬الحبكة‬
‫‪-3‬‬
‫الدور ‪( :‬رئيسية ‪/‬ثانوية ‪/‬‬ ‫‪ 1‬مفهومها‬ ‫‪ .II‬الشخصية ‪:‬‬
‫معارضة )‬
‫البناء‪( :‬المسطحة الثابتة ‪ /‬النامية‬ ‫‪ 2‬تصنيفها من حيث‬
‫المتنورة )‬

‫الطريقة التحليلية‬ ‫‪ -3‬طرق تقدم الشخصية‬


‫الطريقة التمثيلية‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ .III‬الزمان و المكان‬
‫اللغة‬ ‫‪.IV‬‬
‫عناصر القصة القصيرة ‪:‬‬
‫مما يجبر ذكره ان هناك اختالف واضح بين المختصين في هذا المجال حول ما يتعلق‬
‫بتحديد عناصر القصة القصيرة ‪ ،‬بناء على التصور الخاص بكل منهم حول ما هيتها ‪،‬‬
‫و اركانها و ما الى ذلك من امور مرتبطة بهذا النوع من الفنون األدبية ‪ ،‬و من هنا‬
‫كان و ال بد من ذكر العناصر التي تم االتفاق على ضرورة و جودها في أي قصة‬
‫قصيرة و هي على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحدث ‪ :‬هو مجموعة االفعال و الوقائع مرتبة ترتيبا سيسا ‪ ،‬تدور حول‬
‫موضوع عام ‪ ،‬وتصور الشخصية و تكشف عن صراعها مع الشخصيات االخرى ‪ ،‬و‬
‫تحقق وحدة الحدث عندما يجيب الكاتب على اربعة اسئلة ‪ :‬كيف و اين ومتى و لماذا‬
‫وقع الحدث ؟ و يعرض الكاتب الحديث بوجهة نظر الراوي الذي يقدم لنا معلومات‬
‫كلية او جزئية ‪ ،‬فالراوي قد يكون كلي للعلم ‪ ،‬او محدودة ‪ ،‬و قد يكون بصيغة (االنا)‬
‫السردي فقد ال يكون في القصة راو و انما يعتمد الحديث عندئذ على حوار‬
‫الشخصيات و زمان و المكان و ما ينتج عن ذلك من صداع يطور الحدث و يدفعه الى‬
‫االمام او يعتمد على الحديث التخيلي ‪.‬‬
‫" و لقد اتضحت مالمح الحدث القصصي على يد الكاتب الفرنسي (موسيان) لتأثره‬
‫باالتجاه الواقعي الجديد ‪،‬و الذي يرى ان الحياة تشكل من لحظات منفصلة و كانت‬
‫القصة كتابة حدث واحد ال ينفصل فيما سبقه في زمن واحد او في ما بعده ‪،‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و قد سار اغلب الكتاب بعد موسيان على نهجه و اعتبرو ركن الحدث عنصرا متميزا‬
‫للقصة ‪ ،‬وحافظوا علىه كأساس فني ال ينبغي تجاوزه ‪ ،‬ومن اشهر كتاب القصة التي‬
‫تتضح في كتاباتهم هذه الحامية ‪ :‬انطوان تيشكون و كاتريل مانسفليه و لويجي‬
‫براند للو ‪ . 1‬ومن اهم العناصر التي يجب توفرها في الحدث القصصي‪ F‬هو عنصر‬
‫(التشويق) و فائدة هذا العنصر تكمن في اثارة اهتمام الملتقى –و شده من بداية‬
‫العمل القصصي‪ F‬الى نهايته او به تسري في القصة روح نابضة بالحياة و‬
‫‪2‬‬
‫العاطفية‬
‫وكذا عنصر (زمن الحدث) من اهم العناصر في الحدث القصصي ‪ ،‬وهو يتألف من‬
‫مجموعة ازمنة ‪( :‬زمن الحبكة ‪ ،‬و زمنالقصة ‪ ،‬وزمن العمل القصصي نفسه ثم زمن‬
‫‪4‬‬
‫معنى و اال ظل‬ ‫و حتى يبلغ الحدث درجة االكتمال فانه يجب ان يتوفر على‬ ‫‪3‬‬
‫قرائته)‬
‫ناقصا و كذلك جملة المميزات التي تريد من الحدث قوة و تماسكا كالتغيير عن نفوس‬
‫الشخصيات وحسن التوقيع واالنتظام في حبكة شديدة الترابط و ان يكتسب صفة‬
‫السيمة والتالحق ‪.‬‬
‫كماانه توجد طرق فنية لبناء الحدث القصصي و طرائق لصوغه اهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬طرق بناء الحدث ‪:‬‬
‫ليتعمل كاتب القصة القصيرة ثالثة طرق لبناء احداث قصصهم خصوصا كتاب القصة‬
‫التقليدية و تتضح كل طريقة من خالل الحديث كاالتي ‪:‬‬
‫الطريقة التقليدية ‪ :‬اقدم طريقة ‪ ،‬وتمتاز باتباعها التطور السببي المنطقي حيث يندرج‬ ‫‪-1‬‬
‫القاص بحدثه من المقدمة الى العقدة فالنهاية ‪.‬‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية للقصة الجزائرية ‪ ،‬المعاصرة ص ‪22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬عزيزة مريدين ‪ ،‬القصة و الرواية (ص ) نشر الفكر – دمشق ‪ 1950‬ص ‪)35‬‬

‫صبري حافظ ‪ ،‬الخصائص البنائية لألقصوصة ‪ :‬مجلة (فصول) (مقال) عدد ‪ 4‬القاهرة سنة ‪1982‬‬ ‫‪3‬‬

‫اليا الحاوي ‪ ،‬في النقد و االدب ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني بيروت ص ‪85‬‬ ‫‪4‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪ -2‬الطريقة الحديثة‪ : H‬يشرح القاص فيها يعرض حدث قصته من لحظة المازم ‪ ،‬او‬
‫كما سميتها بعضهم (العقدة) ثم يعود الى الماضي او الى الخلف ليروي بداية حدث‬
‫قصته ‪ ،‬مستعينا بلك ببعض الفنيات و االساليب كتيار الالشعور و المتاجاة و الذكريات‬
‫‪1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬طريقة االرتجاع الفني ‪ ( :‬االخطف خلفا) ‪ :‬بدا الكاتب فيها بعرض الحدث في‬
‫نهايته ثم يرجع الى الماضي ليسرد القصة كاملة ‪ ،‬و قد استعملت هذه الطريقة قبل ان‬
‫تنقل الى االدب القصصي في مجاالت تعبيرية اخرى كالسنيما ‪ ،‬وهي اليوم موجودة‬
‫‪2‬‬
‫في الرواية "البولوسية " اكثر من غيرها من االجناس االدبية‬
‫‪ -2‬طرق صوغ الحدث‬
‫هناك طرق كثيرة سيعلمها الكاتب القصة لعرض االحداث ان تكتفي باهماه مثل ‪:‬‬
‫أ‪ -‬طريقة الترجمة الذاتية ‪ :‬يلجا الخاص فيها لسرد احداث بلسان شخصي من‬
‫شخصيات قصته ‪ ،‬مستخدما ضمير المتكلم ‪ ،‬و يقدم الشخصيات من خالل و جهة‬
‫نظره الخاصة ‪ :‬فيحللها تحليال نفسيا متقمصا لشخصية البطل ‪،‬و لهذه الطريقة عدة‬
‫عيوب من بينها ‪ :‬االحداث ترد على لسان القاص الذي يتحكم ايضا في مسار نمو‬
‫الشخصيات ‪ ،‬ومنه انها تجعل القرء انهم يعتمد ‪ ،‬ان االحداث المكروية و قم وقعت‬
‫للقاص ‪ ،‬و انها تمثل تجارب حياته فعال ‪ ،‬خاصة اذا وقع في اقناع القراء بذلك عنة‬
‫طريق و سائله الفنية‪. 3‬‬
‫ب‪ -‬طريقة السرد المباشر ‪ :‬تبدوا هذه الطريقة ارحب و انجح من الطريقة السابقة و‬
‫فيها يقدم الكاتب االحداث في ضيغته ضمير الغائب و تتيح هذه الطريقة الجرية للكاتب‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية للقصة الجزائرية المعاصرة ‪1947 ،‬م – ‪ 1985‬ص ‪23‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المرجع السابق ص ‪23‬‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية للقصة الجزائرية المعاصرة ‪ 1975-1948 ،‬ص ‪23‬‬ ‫‪3‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لكي يحلل شخصياته ‪ ،‬و افعاله تحليال دقيقا و عميقا ‪ ،‬ثم انها ال توهم القارئ بان‬
‫احداثها عبارة عن تجارب ذاتية و حياتية ‪ ،‬وانما هي من صميم االنشاء الفني‬
‫ج‪ -‬الطريقة الثالثة ‪ :‬يعتمد القاص في هذه الطريقة على الوثائق على الوثائق و‬
‫‪1‬‬
‫الرسائل والمذكرات في اثناء معالجته الموضوع الذي يدير قصته حوله‬
‫عناصر الحدث‬
‫يوجد الحدث القصصي عنصران اساسيان هما المعنى و الحبكة و سنعرض لهما‬ ‫‪-‬‬
‫بإيجاز‬
‫المعنى ‪ :‬عنصر اساسي في القصة و جزء ال يتجزأ من الحدث ‪ ،‬ولذلك فان الفعل‬ ‫‪-1‬‬
‫و الفاعل ‪ ،‬او الحوادث و الشخصيات يجب ان تعمل على خدمة المعنى من اول‬
‫القصة الى اخرها ‪ ،‬فان لم تفعل ذلك ‪ ،‬كان المعنى دخيال على الحدث ‪ ،‬وكانت القصة‬
‫فالقصة الفنية تشمل بالمعنى الجيد الذي يخدم االنسان ‪ ،‬و‬ ‫‪2‬‬
‫بالتالي مختلفة البناء‬
‫يطوره ‪ ،‬و ما كل معنى يلقى الترحيب عند المتلقين او النقاد ‪ ،‬و بال ريب فان المعنى‬
‫الجيد سيشارك في انشار النص القصصي‪ F‬ومن ثمة فان دوره يكون اعمق اثرا و‬
‫‪3‬‬
‫االدبي‬ ‫اكثر عمال على تغيير الظواهر المتوانة من طرف النص‬

‫الحكاية ‪ :‬هي مصطلح ادبي‪  ‬وقعة المجرى العام الذي تجرى فيه القصة و تستسيل‬ ‫‪-2‬‬
‫بأحداثها على هيئة متنامية ‪ ،‬متسارعة ‪ ،‬ويتم هذا بتظافر كل عناصر القصة جميعا ‪،‬‬
‫و هي الطريقة التي يتم بها سرد االحداث ‪ ،‬وقع التأكيد فيها على االسباب و النتائج كما‬

‫‪ 1‬د‪.‬عزيزة مرتين ‪ ،‬القصة و الرواية ‪،‬ص ‪45-43‬‬

‫‪ 2‬د‪ .‬رشاد رشدي ‪ ،‬فن القصة القصيرة ‪ ،‬ص ‪ ، 57‬انظر أيضا أحمد الحسني في القصة بالمغرب ص ‪37‬‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية للقصة الجزائرية المعاصرة ‪ 1985 – 1947 ،‬ص ‪24‬‬ ‫‪3‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يجب ترتيب االحداث للوصول الى التأثير المقصود لدى القارئ من خالل الحبكة و‬
‫هي "سلسلة من االفعال التي تصمم بعناية و تشابك صالتها وتتقدم عبر صراع قوي‬
‫بين االضداد الى ذروة و انفراج " ‪. 1‬‬
‫و من خاللها يتعرف القارئ على االجواء التي تدور فيها القصة ‪ :‬ثم التوتر و التعقيد‬
‫اثر حادث معين حتى يصل الى النهاية او ما يشابه الحل وهو ذروة االنفراج‬
‫ومن وظائف الحبكة اثارة الدهشة في نفس القارئ في حين ان الحكاية ال تبدوا ان‬
‫تكون اثارة لحب االستطالع لديه ‪ ،‬و من حب االستطالع و اثارة الغرابة و الدهشة‬
‫فرق كبير ن من حيث التأثير الفني ‪.‬‬
‫و األحداث في الحبكة يجب ان تكون مرتبطة بمبدأ السيسية ‪ ،‬بالرغم من ان بعض‬
‫القاصين يعتمدون على عناصر اخرى في رسم االحداث المفاجئة ‪ ،‬كاستلهام تدخالت‬
‫عامل الصدفة ‪ ،‬وهذه وسائل ننتجها الذوق الفني الرفيع ‪ ،‬و يلجأ اليها القاصون‬
‫‪2‬‬
‫السطحيون ذو الضعف الفني‬
‫و الحكاية نوعان ‪:‬‬
‫يعتمد فيها تسلسل االحداث‬ ‫‪-1‬‬
‫يعتمد فيها على الشخصيات ‪ ،‬و ما ينشأ عنها من افعال ‪ ،‬و ما يدور في صدورها‬ ‫‪-2‬‬
‫من عواطف ‪ ،‬و ال يجيئ الحدث هنا لذاته ‪ ،‬بل لتفسير الشخصيات التي تسيطر‬

‫على االحداث ‪ ،‬حسب رغبتها و طاقتها ‪ ، 3‬هذا فيما يخص الحدث و عنصرين‬
‫االساسيين و في ما يلي حديث عن الخبر و عناصره في العمل القصصي ‪.‬‬
‫اجزاءه منذ البداية و الوسط حتى النهاية‬

‫‪ 1‬معجم المصطلحات األدبية‪ ، E‬إبراهيم فتحي ص ‪135‬‬

‫د‪.‬علي شلق ‪ ،‬نجيب محفوظ في مجهولة للعلوم (ط) دار المسيرة بيروت ‪ 1974‬ص ‪18‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬انركي اندرسون اميرن ‪ ،‬القصة القصيرة النظرية و التقنية ص ‪122-121‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و البداية‪ :‬هي الشيء الذي يفترض عدم وجود شيء سابق لكنه يتطلب االستمرار‬
‫و الوسط ‪ :‬يعترض وجود سابقة ‪ ،‬و استمرارية الحبكة جيدة البناء ال يمكن ان تبدا او‬
‫‪1‬‬
‫تنتهي اعتسافا لما يريده الكاتب ‪ ،‬و الحبكة هي تقليد او محاكاة حدث كامل‬
‫‪ -2‬الشخصية ‪ :‬للشخصية مكانة هامة في عضوية القصة القصيرة ‪ ،‬باعتبارها‬
‫نموذجا مقصودا اختياره ‪ ،‬و هي موطن االهتمام االول للكاتب فتبدا القصص بالغالب‬
‫بتقديم الشخصية ثم تخلص الى االحداث التي تخدم الشخصية في االطار الذي اراد‬
‫فهي ‪ " :‬صاحبة الفعل و الدافعة الى الحدث و هي مصدر‬ ‫‪2‬‬
‫الكاتب تقديمها خالله‬
‫المشاعر التي تمثل لباب القصة االساسي‪ .‬وهي "مجموع ما يقال عنها بواسطة جمل‬
‫‪3‬‬
‫متفرقة في النص او بواسطة تصريحاتها و اقوالها و سلوكها‬
‫و لقد اقترن ظهور الشخصية في القرن ‪ 19‬م بأطر و نظم اجتماعية معينة اذ أن‬
‫لتصور ان الفرد و اتجاهاته و كذا اهواءه البصمة الواضحة في تطورها ‪.‬‬
‫فيجب على القاص ان يتقن اختيار الشخصيات بسبب قصرها و محدودية الزمان و‬
‫المكان فيها‪ .‬لذا فان رسم الشخصية يحتاج الى الجهد و البراعة و الخبرة و يجرد‬
‫تودورفق الشخصية من محتواها الداللي و يتوقف عند وظيفتها ‪.‬‬

‫النحوية فيجعلها بمثابة الفاعل في العبارة السردية ‪ : 4‬متغيرتها قضية لسانية ال‬
‫تخرج عن االطار اللغوي ‪ ،‬و السيل الى التعرف عليها هو العالمات الضرورية التي‬

‫‪ 1‬د صالح رزق ‪ ،‬القصة القصيرة ‪ ،‬دراسة نصية لتطوير الشكل الفني ‪ ،‬ط ‪ ،2001 3‬دار الغريب الطباعة و النشر‬
‫والتوزيع القاهرة‬

‫فؤاد قنديل ‪ ،‬فن الكتابة القصة ‪ ،‬الدار المصرية اللبنانية ط ‪ 2008 2‬ص ‪134‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬حميد لحميداني ‪ ،‬مبنية‪ E‬النص السردي ‪ ،‬من منظور النقد االدبي ‪ ،‬المركز الثقافي العربي للطباعة و النشر و‬
‫التوزيع ط ‪ ، 2000 ، 3 ،‬ص ‪51‬‬

‫‪ 4‬حسن بحراوي ‪ ،‬بنية الشكل الروائي ‪ ،‬الفضاء الزمن الشخصية ‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬الدار البيضاء ط ‪2‬‬
‫‪ 2009‬ص ‪213‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يقدمها السرد علما تقدمنا في قراءة النص ‪ ،‬و تتعدد الشخصية السردية بتعدد‬
‫‪1‬‬
‫الهواجس‬ ‫االهواء و المذاهب و االيديولوجيات و الثقافات و الحضارات و‬
‫فتعنوا بنية ديناميكية لكونها تقتضي الحركبة البعيدة عن الثبات المخلي الكامن ‪ ،‬كما‬
‫تعد عنصرا حامال إليديولوجيا تكشف عن االنتماء الفكري وفق سير و نمو االحداث‬
‫كما ان الشخصية قادرة على تقمص االدوار المختلفة‪ .‬فهي المكون الرئيسي للسرد‬
‫باإلضافة الى الحدث بحيث و بواسطتها يمكن تعرية اي نقص و اظهار اي عيب‬
‫يعيشه افراد المجتمع ‪ ،‬و الشخصية سمات و مقومات اساسية اهمها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬السن و الوظيفة االجتماعية ‪ ،‬الجنس ‪ ،‬و غيرها‬
‫ب‪ -‬جوانب مادية ( كالمال و الجسم ) جوانب معنوية (كالثقافة و العقيدة )‬
‫ج‪ -‬مجموعة االحوال و االوضاع التي تختلف من شخص الى اخر ‪.‬‬
‫و الشخصية نوعان‬
‫‪ -1‬شخصية رئيسية ‪ :‬و تعرف ايضا بالمتورة و هي ذات صبغة فعالة ‪ ،‬و تتسم‬
‫بالوظيفة ‪ ،‬و تمتلك الطابع الديناميكي الحركي المفعل لألحداث ‪ ،‬و المحقق للرتابة تارة‬
‫او التأزم تارة اخرى ‪ ،‬كما تسمى بالكثيفة ايضا ‪ :‬ألنها تمثل‪ H‬عالما معقدا تنمو في‬
‫‪2‬‬
‫ثناياه رواية ذات مالمح معينة الى حد التناقض‬

‫اذن فالشخصية الرئيسية هي الشخصية التي يصطفيها القاص لتصور ما أراد التعبير‬
‫عنه من مشاعر و احاسيس و تتمتع الشخصية الفنية المحكم بنائها باستقاللية في‬
‫الراي ‪ ،‬فبرز وظيفة الشخصية الرئيسية هي تجسيد معنى الحدث القصصي لذلك فهي‬
‫صعبة البناء و طريقها محفوف بالمخاطر‪.‬‬

‫عبد المالك مرتاض ‪ ،‬فن نظرية الرواية ‪ ،‬بحث في تقنيات السرد ‪ ،‬عالم المعرفة ‪73 ، 1998 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المرجع نفسه ص ‪111‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اذا فالشخصية الرئيسية هي المنشط االساس للجانب الفكري ‪ ،‬و الثقافي للقصة‬
‫القصيرة لكونها تتضمن عدة وجوه ووظائف تؤهلها للتعبير عن الحدث و االفصاح‬
‫عن دقائقه ‪.‬‬
‫‪ -2‬شخصية ثانوية ‪ :‬تسمى بالمسطحة لكونها ثابتة ‪ ،‬و ال يحدث لسلوكها السردي‬
‫في المتخيل اي تغير يكسب البيئة القصصية‪ F‬ضالال تستدعي التأمل او االستنطاق اذ‬
‫يمكن االستغناء عنها اثناء عملية التأويل ‪ ،‬لكن قد تعتمد كسبر عبور االحداث في‬
‫القصة القصيرة فتفاعل مع االحداث و تؤثر فيها و تأثر من جهة اخرى و الشخصية‬
‫المساعدة ( الثانوية في القصة ) تشارك في نمو الحدث القصصي‪ F‬و بلورة معناه و‬
‫االسهام في تصوير الحدث تصويرا كافيا ‪.‬‬
‫‪ -3‬الشخصية المعارضة ‪ :‬تمثل القوى المعارضة في النص القصصي ‪ ،‬وتقف في‬
‫طريق الشخصية الرئيسية او الشخصية المساعدة – و تحاول قدر جهدها عرقلة‬
‫مساعيها ‪ ،‬و نقد ايضا شخصيته قوية ‪.‬ذات فعالية في القصة ‪ ،‬و في بيئة حدثها ‪ ،‬الذي‬
‫يعظم شانه كلما اشتد الصراع فيه بين الشخصية الرئيسية و القوى‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و القوة المعارضة و تظهرها فكرة الكاتب الفنية في الوصف و تصوير المشاهد التي‬
‫تمثل هذا الصراع ‪1‬و يمكن التمييز بين نوعين من الشخصيات في االدب القصصي و هما‬
‫كاآلتي‬
‫ا‪ -‬الشخصية المسطحة ( الثابتة ‪ /‬السلبية )‬
‫هي تجسيد العادة في المقام االول‪ ،‬اما الشخصية الدرامية فتفيض الشخصية اسيرة‬
‫العادة ‪ ،‬انها االستثناء الدائم ‪ .‬انها تحطم العادة او تتحطم من اجلها العادة انها تحيل‬
‫طبيعتها الحقيقية الى (العادة) الدرامية بينما ال تفعل الشخصية المسطحة ذلك اال‬
‫بطبيعتها المفتعلة‪ ،‬و على احسن وجه شيء كان حقيقيا‬
‫ثم لم يعد ذلك كذلك و الشخصية الدرامية كالمها حقيقة فعال و كالم الشخصية‬
‫المسطحة مظهريا او رمزي ‪2‬اذا فهي شخصية‪ H‬بسيطة‪ H‬ال تتطور و ال تتبدل في‬
‫عواطفها و مواقفها و اطروحتنا تبقى ثابتة من بداية القصة و وسطها حتى نهايتها‬
‫و تجني على سجية واحدة او فكرة واحدة او تصور واحد يشكل كاريكاتوري مضخم‬
‫‪3‬و هي شخصية عادية ال تنمو داخل العمل الفني ‪ .‬حيث ال يمثل اال حضورا مساعدا‬
‫لنمو القصة عندما تأتي قاصرة حتى فن تمثيل الشخصية المصورة في الواقع‬
‫فيكون لها دور ثانوي في العمل القصصي حيث "تولد مكتملة على الورق ال تعتبر‬
‫احداث طبائعها ‪ ،‬او مالمحها‪ ،‬و ال تزيد و ال تنقص من مكوناتها الشخصية و هي‬
‫تقام عادة حول فكرة‪ ،‬او صفة كالجشع و حب المال التي تبلغ حد البخل او االنانية‪H‬‬
‫المفرطة‪ 4.‬و ميزة هذا النوع من الشخصيات هو سهولة وضعها في العمل القصصي‪،‬‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪ ، 1965-1947 ،‬ص ‪33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬ينظر موير ‪ ،‬ادوين ‪ ،‬بناء الرواية ‪ ،‬ترجمة إبراهيم الصريفي ‪ ،‬دار المصرية للتأليف و النشر القاهرة ‪ 1965 ،‬ص‬
‫‪139‬‬

‫‪ 3‬ينظر هالل محمد غنيمي ‪ ،‬النقد االدبي الحديث ص ‪530‬‬

‫محسن بن ضياف ‪ ،‬يونس ادريس ‪ ،‬كتاب القصة القصيرة ‪ ،‬دار سالمة الطباعة و النشر ‪ ،‬تونس ‪ ، 1985‬ص ‪89‬‬ ‫‪4‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فهي ال تحتاج الى عمل و اهتمام كبير‪ ،‬و يجب ان ال تتناقض مع الطرح العام الذي‬
‫يريده المبدع‬

‫و االعتماد عليها فقط يقلل من إمكانية تطور العمل األدبي و بقية في الغالب في دائرة‬
‫العكس الفوتوغرافي بعيدا عن الصياغة الفنية الخالقية‬
‫ب‪ -‬الشخصية النامية ( المتحورة)‬
‫قسم "فورستر" الشخصيات الى مغلقة و مسطحة بالنظر الى موقف الشخصية اما‬
‫الشخصية المغلقة فهي شخصية مركبة ال تستقر على حال و ال يمكن التنبؤ بمصيرها و‬
‫تفاجئ القارئ بما لم يتوقعه منها‪ ،‬و تؤثر في غيرها تأثيرا يتضح من خالل سلوك تلك‬
‫الشخصيات و هي نامية متطورة تنيل من موقف آلخر تتطور حسب االحداث‪ ،‬و ال‬
‫‪1‬‬
‫يكتمل تكوينها حتى تكتمل القصة‪.‬‬
‫و تكتشف شيئا فشيئا خالل سرد القصة اما الشخصية المسطحة فهي شخصية راكدة ال‬
‫تتغير و ال تتبدل في سيماتها طول النص تبقى ثابتة على حالها‪ ،‬و يتحدث فورستر عن‬
‫الشخصية المتحورة (النامية) و يميزها بسمتي االدهاش و االمتاع‪ ،‬هل هي قادرة على‬
‫اثارة الدهشة فنيا بطريقة مقنعة فاذا لم تدهشنا تعتبر مسطحة و اذا لم تقنع كانت‬
‫شخصية مسطحة تحاول ان تبدو مستديرة‪ 2‬و هي التي تتضح للقارئ كلما تقدمت في‬
‫القصة و تفاجئه بما تغني به من جوانبها و عواطفها االنسانية‪ ،‬و هي شخصية‬
‫مغامرة و شجاعة و كذا معقدة ‪ .‬تؤثر و تتأثر بغيرها‪ ،‬و تمتاز الشخصية‬
‫المتحورة النامية بالتحوالت المفاجئة التي تطرا عليها داخل البنية الحكائية الواحدة‪.‬‬

‫طرق عرض الشخصيات‪:‬‬


‫‪ 1‬احمد أبو السعود ‪ ،‬فن القصة (ط‪ 1959 )1‬ص‪10‬‬

‫بنظر فورستر ‪ ،‬اركان الرواية ‪ ،‬ترجمة موسى عاصي ‪ ،‬مراجعة ‪ ،‬سهر الفيصل بيروت ‪ ،1994 ،‬ص ‪96‬‬ ‫‪2‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫توجد طريقتين اساسيتين هما‬


‫‪ .I‬الطريقة التحليلية‪ :‬طريقة مباشرة يعني في رسمها من الخارج ‪ ،‬حيث ينكر القاص‬
‫تصرفاتها ‪ ،‬ويشرح عواطفها و احاسيسها بأسلوب صريح‪ ،‬تكتشف فيه شخصيته و‬
‫توجيهه لشخصياته و افكارها وفق حاجاته و الصف الذي رسمه كما ترد مالمحها‬
‫الخارجية على لسانه‪ 1‬و هي طريقة يعنى القاص في رسمها من الخارج و يعطيها‬
‫صفة واحدة محددة (ذكي ‪ ،‬كريم ‪ ،‬بخيل ) و ذلك بواسطة كلمة واضحة او مملة‬
‫قصيرة ‪ ،‬او عن طريق تخصيص فقرة تصنف الشخصية بشكل مباشر ‪ ،‬او ان‬
‫شخصية اخرى تتحدث و تصف شخصية معينة ‪ ،‬ا وان الراوي يجعل الشخصية تصف‬
‫نفسها عن طريق االعترافات او الحوار الخارجي نفسه ‪.‬‬
‫و من الوسائل التي يتبعها القاص في هذه الطريقة ‪:‬‬
‫ا‪ -‬الوصف الجسدي للشخصية ‪ :‬تستمد الشخصية حيواتها من العناية بتفاصيل الفعل‬
‫الصادر عنها ‪ ،‬و محاولة تقديم هذه التفاصيل بصيغة الحاضر ‪ ،‬و هي طريقة تبعث‬
‫الحياة في الشخصيات ‪ ،‬و تشعر القارئ بانه يراها و يعايشها ‪ ،‬وقد يلجا القاصي‬
‫حتى الى تقديم المالمح الخارجية من المأكل و الملبس و الحركة و الصوت‬
‫ب‪ -‬الوصف النفسي للشخصية‪ : H‬يقدم القاص مالمح الشخصية مباشرة من خالل‬
‫و صفها لغويا بصفات ذات طابع مظهري خارجي او بصفات اخرى ذات طابع‬
‫سيكولوجي نفسي ‪ ،‬فإعطاء ميزان و صفات الشخصية الروائية عن طريق التقديم‬
‫المباشر ‪ ،‬قد يؤدي الى وضع الشخصية ضمن اطار مركزي محدد ‪ ،‬فعلى القاص‬
‫كذلك‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪ 1985 – 1947‬ص ‪34‬‬ ‫‪1‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ان يعطي مقاطع تصويرية للصفات الداخلية النفسية حتى يقدم صورة مكتملة ووافية‬
‫في بناء الشخصية دون اشراك و مساعدة القارئ‬
‫‪ -2‬الطريقة التمثيلية‪ : H‬طريقة غير مباشرة يمنح القاص فيه حرية الشخصية اكثر‬
‫للتعبير عن نفسها و كل ما يختلج بداخلها من افكار و عواطف و ميول ‪ .‬مستخدما‬
‫ضمير المتكلم ‪ ،‬كما ان شخصية القاص تتنحى جانب لتفسح المجال الشخصية األدبية‬
‫‪1‬‬
‫لتقوم بوظيفتها الفنية بعيدا هن اية تأثيرات خارجية‬
‫و في هذه الطريقة ال يذكر القاص تعريفات جاهزة لشخصياته بل يضع على القارئ‬
‫عبء استنتاج صفات تلك الشخصيات من خالل اقوال االخرين او سلوكها و زرد‬
‫افعالها فالراوي هنا ال يعطينا مميزات الشخصية بشكل مباشر وانما القارئ اعتمادا‬
‫على قدراته التحليلية ووجهة نظره ان ينكشف هذه الصفات من خالل احداث النص‬
‫القصصي‪ F‬و يمكن الكشف عن هذه الطريقة من خالل ‪:‬‬
‫اقوال الشخصية وحوارها‪ :‬فيلجأ القاص ألسلوب الحوار إلخبارنا عن نفسية و‬
‫عقلية احد الشخوص و يكون ذلك (بنعتها ) بأن يكلف القاص شخصا يتكلم عنها‬
‫و هكذا تكون الشخصية التصميمية بمثابته الناطق باسم المؤلف ‪ ،‬و االسلوب االخر‬
‫لإلخبار عن الشخصية هو ان يتكلم احد الشخوص عن شخصية اخرى و يقدم حكما‬
‫‪2‬‬
‫اخالقيا عنها‬
‫سلوك الشخصية ( افعالها و ردود افعالها ) ‪ :‬احسن طريقة للكشف عن الشخصية‬
‫تكون عن طريق الفعل الدرامي الدال ‪ ،‬واذا راينا حادثة كاشفة توضح لنا الشخصية‬
‫الدرامية توضيحا اكثر ثباتا من قدر من الوصف الجهيد‬

‫الزمان و المكان‬
‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪ 1985 – 1947‬ص ‪34‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد هللا عدنان ‪ ،‬النقد التطبيقي و التحليلي ‪ ،‬دار الشؤون الثقافية ‪ ،‬بغداد ط ‪ 1986 ، 1‬ص ‪70‬‬ ‫‪2‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و‬ ‫‪1‬‬
‫الزمان ‪ :‬و هو لحمو الحدث و ملح السرد و صنو الحيز ‪ ،‬و قوام الشخصية "‬ ‫‪.1‬‬
‫الزمان احد االعمدة الفنية المهمة في البناء السردي للقصة ن اذ انه يمثل الرابط الفني‬
‫االساس من العناصر الفنية في القصة ‪ ،‬و باألخص بناء الحدث و اساقه و رسم‬
‫الشخصيات و بواعثها ‪ ،‬فالشخصية ال ينفصل عنها الزمن اال في الدراسة و التحليل اذ‬
‫ال بد من زمان تتحدث و تحرك و تفكر خالله الشخصيات ‪ .‬و الزمان من أركان‬
‫القصة الذي يؤثر و يتأثر باألركان األخرى للقصص بوصفه حقيقة مجردة ال تظهر‬
‫إال من خالل مفعولها مع العناصر األخرى‪ ،‬و يؤدي دورا كبيرا بوصفه احد العناصر‬
‫المحكمة في صياغة شكل القصة و تحديد إطارها الخارجي و ترصيص بناءها الداخلي‬
‫و الزمن ‪ ..........‬بالحدث و الشخصية و ال يمكن دراسته بمعزل عنهما كونه عنصر‬
‫هام في اي عمل قصصي و يتفرد بميزة جوهرية مفادها "انه من المهم رؤية و تفكير‬
‫العالم من خالل تنوع المضامين و تزامنها‪ 2".‬و يقسم تودوروف الزمن الى ‪ 03‬اقسام‪:‬‬
‫ا‪ -‬زمن القصة‪ :‬الزمن ‪ :‬الزمن الخاص بالعمل التخيلي‬
‫‪3‬‬
‫زمن الكتابة ‪ :‬و يظهر من خالل السرد و هو مرتبط بعملية االنجاز و التلفظ‬ ‫ج‪-‬‬
‫ج‪ -‬زمن القراءة ‪ :‬الزمن الضروري‪ F‬لقراءة النص‬
‫و قد نادي تودوروف بالغاء بعض القيم الستوسيو – نفسية التي قد تتضمنها مختلف‬ ‫‪-‬‬
‫البيانات الزمنية ‪ ،‬اال انه قد اغفل السباق الزمني الخارجي ‪ ،‬و الذي قد يؤهل لمسك‬
‫السيولة الزمنية يد القلم نحو النص ‪ ،‬و تناسي أيضا بتقنية اقتران الزمن‬

‫‪ 1‬رشاد رشدي ‪،‬فن القصة القصيرة ‪ ،‬مكتبة األنجلو المصرية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ط ‪ 1964 ، 2‬ص ‪55‬‬

‫‪ 2‬حسن بحراوي ‪ ،‬بنية الشكل الروائي ‪ ،‬مرجع سا ص ‪109‬‬

‫‪ 3‬المرجع نفسه ص ‪114‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لزمن االنسان ‪ ،‬و يندرج ضمن احد تقسيماته كزمن القراءة و "المساحة الزمنية‪H‬‬
‫يمكن استيعابها على القصة مع تعدد امكانية او تغيرها حسب الحوادث ‪....‬شريطة‬
‫‪1‬‬
‫ان ال تقتصر على عدد معين من الشخصيات و االحداث "‬
‫‪ -2‬المكان ‪ :‬يؤدي المكان دورا مهما في البناء القصصي‪ F‬كونه عنصرا فاعال في‬
‫القصة ‪ ،‬فهو المكان الذي تجرى فيه االحداث ‪ ،‬وتتحرك من خالله الشخصيات و قد‬
‫يكزن مراد القاص في عمله ‪ ،‬وهو بمثابة العمود الفقري الذي يربط اجزاء العمل ‪،‬‬
‫فال يمكن تجاوز اكتمان في العمل الفني ألنه يعمق صلة الواصل‪ F‬بين القارئ و النص ‪،‬‬
‫مما يجعل القارئ يشارك الكاتب في بحثه عن المكان و استعادة الذات و الهوية و‬
‫‪2‬‬
‫لذلك يعد المكان حاض الوجود االنساني و شرطه الرئيسي‬
‫ويرى باشالر ان المكان ال يمكن ان يبقى مكانا ال مباليا ‪ ،‬ذا ابعاد هندسية و حسب ‪،‬‬
‫بل هو المكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط ‪ ،‬بل لكل ما في الخيال من‬
‫تحيز‪3‬و العمل االدبي حين يفتقد المكانية فهو يفتقد الخصوصية وبالتالي يفتقد‬
‫و باستطاعة المكاتب ان يوظف المكان لتجسيد االفكار و الرموز و الحقائق‬ ‫‪4‬‬
‫اصالته‬
‫المجردة و بالتالي تقريبها من الواقع المعيش ‪.‬‬
‫و يحتل المكان قيمة مؤثرة في بنية العمل االدبي ‪.‬تتوضح من خالل الكشف عن‬
‫االبعاد الثالثة المكان ‪ :‬البعد الجمالي ‪ ،‬البعد الداللي ‪ ،‬البعد االيديولوجي و المكان‬
‫ليس فقط بناء خارجيا مرئيا او حيزا مهددا المساحة و ال تركيا من عزف‬

‫‪ 1‬زهران محمد جبر عبد الحميد ‪ ،‬فن القصة ‪ ،‬ص ‪10‬‬

‫‪ 2‬ينظر ‪ ،‬محادين عبد الحميد ‪ ،‬جدلية المكان و الزمان و لإلنسان في الرواية الحديثة بيروت ‪ ،‬المؤسسة العربية‬
‫الدراسات و النشر ‪ 2001‬ص ‪20‬‬

‫‪ 3‬ينظر باشالر غاستوف ‪ ،‬جمليات المكان ‪ ،‬ترجمة غالب حليا ‪ ،‬بغداد‪ ، E‬دار الحرية الطباعة ‪ ، 1988 ،‬ص ‪31‬‬

‫‪ 4‬المصدر نفسه ص ‪06‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و نوافذ بل هو كيان من الفعل و المحتوي على تاريخ ما ‪ ،‬او المنظمة ابعاده بتواريخ‬
‫الضوء و الظلمة ‪ ،‬فيؤكد محمد يوسف نجم ان للمكان اهمية كبيرة في العمل‬
‫القصصي‪ F‬فيقول ‪" :‬فال بد لكل قصة ان تبدا في مكان معين او تنتهي‪ H‬عند نهاية‬
‫وهو عنصر محوري في تشكيل العمل القصصي الرتباطه بالعناصر‬ ‫‪1‬‬
‫معينة‪" H‬‬
‫البنائية االخرى من زمان و شخصيات و احداث ‪ ،‬و دخوله في عالقات متعددة مع المكونات‬
‫السردية من لغة و حوار ووصف ‪ ،‬فال نفهم دور المكان اال من خالل ارتباطه بجميع‬
‫عناصر البناء القصصي –و المكان اطار محدد لخصوصية اللحظة الدرامية و الحدث‬
‫ال يكون اال في مكان محدد بحيث من شخصيات في زمان معين ‪ ،‬و هنا يكشف المكان عن‬
‫وظيفته االساسية حيث يشير نوع المكان االختيار خاص الخلفيات التي تقصد الكاتب‬
‫الدرامي اجزاء احداثه و صراعه عليها ‪.‬‬
‫و يظهر المكان بأنماط متعددة يختص كل واحدة منها بوظيفة معينة ‪ ،‬فتتكون ايجابية‬
‫تلميحية ‪ ،‬او مباشرة تصريحية فيتنقل بتلك من وضعية السكون و الثبات على الكينونية‬
‫المكانية المقترنة بحركة الحدث اللصيقة بالشخصية داخل القصة القصيرة ‪ ، ،‬و قد‬
‫اختلف النقاد و الدراسون في ضبط التسمية ‪ ،‬فمنهم من اثر اسم الحيز ‪ ،‬و منهم من‬
‫اطلق عليه اسم الموقع ‪ ،‬و هناك من اسماه بالفضاء ‪ ،‬اال ان هناك اختالف بين كل‬
‫من المكان و الفضاء ‪ :‬فالفضاء ‪ " :‬اوسع من المكان ‪ ،‬وهو مجموع االمكنة التي‬
‫تقوم عليها سيرورة الحكي "‪ 2‬فهي عالقة الجزء من الكل وكالهما شرط اساسي‬
‫لوجود االنسان ‪ ،‬و امر ضروري لتوفر باقي العناصر السردية للقصة القصيرة ‪.‬‬

‫و المكان نوعان ‪:‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد يوسف نجم فن القصة ‪ ،‬دار بيروت للطباعة و النشر بيروت ‪ ، 1955 ،‬ص ‪33‬‬

‫‪ 2‬روز ماري شاهين ‪،‬قراءات متعددة‪ E‬للشخصية ‪ ،‬دراسة تطبيقية على شخصيات نجيب محفوظ ‪ ،‬دار مكتبة الهالل ‪،‬‬
‫ط ‪ ، 1995 ،1‬ص ‪41‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ا‪ -‬مكان مفتوح‪ : H‬هو حيز مكاني خارجي ال تحده حدود ضيقة ‪ ،‬و تشكل فضاء رجيا‬
‫و غالبا ما يكون لوحدة طبيعية في الهواء الطلق‬
‫ب‪ -‬مكان مغلق ‪ :‬نقيض االول ‪ ،‬فيصبح بذلك حيزا داخليا و تحده حدود ضيقة كما‬
‫يقاس بغيره من األماكن التي ترتبط باألحداث و الشخصيات و سيكولوجيتاها ارتباطا‬
‫وثيقا‪.‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اللغة ‪:‬‬
‫مفهومها ‪ :‬اللغة ال مؤسسة ال وجود لها اال في نطاق تاريخي مضبوط ‪ .‬و هي نتاج‬
‫اجتماعي لملكة اللسان ‪.‬و تواضعات ملحة والزمة يتبناها الجسم االجتماعي لتسهيل‬
‫ممارسة هذه الملكة لدى االفراد ‪ ،‬و هي اداة تواصلية تفاعلية تمكن الفرد من الدخول‬
‫في عالقات و تفاعالت اجتماعية مختلفة ‪ ،‬و يحددها سوسير من خالل التقابل‬
‫االجتماعي و الفردي ‪ ،‬ومن خالل التقابل بين الذاكرة و االبداع ‪ ،‬و التقابل بين الشفرة‬
‫و االستعمال ‪.‬يقول ابن الحيز في تعريفه اللغة هي ‪ :‬اصوات يعبر بها كل قوم من‬
‫اغراضهم "‪ 1‬و تعد اللغة مرأة واسعة للفكر االنساني حيث ابتعدت لخصائص عديدة‬
‫فيها من مجرد اعتبارها شكال تعبيريا ثابتا و محدودا لصيف الحقيقة فقط ‪ ،‬بل‬
‫تقذف بذلك الى االستحواذ على البعض الجوانب اللصيقة بالبعد الغير محسوس‬
‫‪.‬فتجاوزت بذلك فكرة غيها مجرد ‪ :‬نظام اجتماعي مهمتها االولى الربط بين‬
‫العمليات لإلنسانية و العمليات الخارجية الى احتواءها االشعاعات الفكرية و العاطفية‬
‫اذن فاللغة له دور هام في ايصال مضمون العمل السردي ‪ ،‬و التعبير عن الوقائع‬ ‫‪2‬‬

‫التي تفعلها الشخصية او يحتويها المكان وفق ترتيب زمني معين ‪ ،‬وتتميز اللغة‬
‫و الدقة ‪ ،‬االقتصاد‬ ‫للقصة القصيرة سيمات فنية عديدة تتمثل في "السالمة النحوية‬
‫و نقد سمة التكثيف ‪ ،‬او كما يسميها البعض بالثقة من‬ ‫‪3‬‬
‫و التكيف والشاعرية"‬
‫ابرز المميزات التي تنفرد بها لغة القصة القصيرة ‪ ،‬و هذا ما تقاطعت به كل‬
‫المجموعات القصصية المروية كحكم مبدئ معياره الحجم و الشكل الموجز الذي يميل‬

‫‪ 1‬امال مسعودي ‪ ،‬حداثة السرد و البناء في رواية ذاكرة الماء لواسيني االعرج مذكرة الماجيستر جامعة محمد بو‬
‫ضياف المسيلة ‪ 2009- 2008‬ص ‪47‬‬

‫‪ 2‬سلية إبراهيم ‪ ،‬نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة مكتب عزيب القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،‬د ط ‪ ،‬دـ ـت‬
‫ص ‪23‬‬

‫‪ 3‬فؤاد قنديل ‪ ،‬فن كتابة القصة ‪ ،‬ص ‪83‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫على التكيف فتساعد على استشعار الموقف و استطاف النصوص المستدعاة على تباين‬
‫مصادرها‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اصول القصة القصيرة في االدب الغربي ‪:‬‬
‫القصة القصيرة‪ :‬من حيث هي شكل فني له خصوصيته و تميز مالمحه ‪ ،‬فن مستحدث‬
‫ال يكاد يجاوز عمره في اآلداب االوروبية و االمريكية التي سبقت اليه قرن و نمط‬
‫من الزمنان ‪ .‬ففي المانيا كان هو فمان ‪ .‬اول من بدا لنشر اقاصيصه المثيرة فيما بين (‬
‫‪1814‬م‪1821 -‬م) وهي الو‪.‬م‪.‬أ بعد نشر كاتب االصول التسجيلية (ايرفنج عام‬
‫‪ 1819‬وسنة ‪ 1820‬م نقطة بداية على الطريق الطويل للقصة القصيرة في امريكا ‪.‬‬
‫وسرعان ما بدأت قصص "ادجار االن بوا و "ناثا نيين هوتورن" االولى في الظهور‬
‫سنة ‪ 1832‬م وما بعدها ‪ .‬و هذان هما الكاتبان اللذان اصبحا مع ايرقبح افضل كتاب‬
‫‪1‬‬
‫االول من ق ‪ 19‬م ‪ ،‬اما في روسيا فقد تحول‬ ‫‪2‬‬ ‫القصة القصيرة في امريكا خالل‬
‫كانباط الكبيران " الكسندر يونتكين و نيكوالي حوحول " في الوقت ذاته تقريبا ‪ ،‬عن‬
‫كتابة الروايات و المسرحيات الى كتابة القصة القصيرة و تشكل اهتمامهم خاللها‬
‫بتفاصيل الحياة العادية صدمة حادة في مواجهة ما كان دائما من قصص خيالي و‬
‫خرافي لكتاب القصة االلمان و األمريكيين االوائل " ‪ 1‬و في حوالي سنة ‪ 1830‬بدا‬
‫بروسييه‪ H‬ميريميه – اونوريه دي بلزاك – تيوفيل‬
‫ثالثة من الكتاب الفرنسين هم ‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫جوتبير‪ H‬في ارساء تقاليد مميزة األقصوصة استمرت سائدة طوال القرن الماضي‬

‫الد‪.‬صالح رزق ‪ ،‬القصة القصيرة دراسة لتطور الشكل الفني دار‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬المرجع نفسه ص ‪10‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يرجع النقاد الغربيون اصول القصة القصيرة في االدب الغربي الحديث الى النماذج‬
‫القصصية‪ F‬االولى التي ظهرت في ق ‪ 14‬م بعنوان الديكامرون ‪ Decameron‬على‬
‫يد الكاتب االيطالي " بوكاشيوجيوفياني ( ‪1313‬م‪1365-‬م) فقد كان يروي خبرا ثم‬
‫يشرع في تفصيله الى ان يشد انتباه القارئ او السامع اليه ‪ ،‬ثم بعدها اهتم الكتاب‬
‫بتركيزهم على وقائع مثيرة الى ان ينهوا قصصهم بحالة واحدة من الحاالت الثالث (‬
‫‪1‬‬
‫الموت او الفراق او الزواج )‬
‫و ضلت هذه المالمح تمثل القصة القصيرة‪ F‬الى ان جاء الفرنسي غي دي موسبان (‬
‫‪1‬‬
‫الثاني من القرن ‪ 19‬و اعطى مفهوما جيدا مغايرا‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1850‬م‪1893-‬م) في‬
‫وقد اكد موسيان ان دور‬ ‫‪2‬‬
‫للواقع الحياتي التي اهتمت به القصة قبله بتصويرها‬
‫القصة يقتصر فقط على تصوير حدث دون باالهتمام بما قبله او بعده ‪ ،‬وبقي‬
‫هذا التفكير مستقرا في ادبيات الكاتب القصصية حتى بعد موت موبسان و يمكن للباحث ان‬
‫‪3‬‬
‫يرى اثره في كتابات كاترين ماسنفليد و ارسنت همجواي و لويجي براندللو‬
‫فقد تغيرت القصة القصيرة على يد "موبسان" تغييرا كبيرا في الشكل الفني و في‬
‫التجربة و مدارها كذلك ‪ .‬فقد تحولت من مجرد حكاية تروي خبرا الى شكل فني يقدم‬
‫بتصوير الخبر و تفضيله و تتابع مراحل تعود من لحظة االثارة حتى لحظة االشباع‬
‫ثم االهتمام بما وراء الحدث من ابعاد تتخطى مجرد الحدوتة‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البيئة الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ص ‪17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬رشاد رشدي فن القصة القصيرة (ط‪ )2‬دار العودة بيروت ‪ ،1965‬ص ‪13-12‬‬

‫‪ 3‬رشاد رشدي فن القصة القصيرة (ط‪ )2‬دار العودة بيروت ‪ ،1965‬ص ‪14‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و الى جانب واقعية ج يدي موسسان و تاثيرها الواضح على القصة القصيرة ‪ .‬كانت‬
‫هناك واقعية تشيكوف في قصصه القصيرة في شكها االقرب الى اللقطات القصيرة‪F‬‬
‫السريعة المركزة التي تهتم بلحظات الحياة العابرة ومن تزخر به من مشاعر انسانية‬
‫فناضه ‪ ،‬ومن حسن متدفق باإلنسان ‪.‬‬
‫و بنهاية القرن ‪ 19‬م حدث تغير كبير تمثل في مختلف المجاالت سواء العلمية االدبية ‪،‬‬
‫االجتماعيات ‪ ،‬السياسية فكان العام في حالة حركة و تغير دائم و تطور مطرد ال‬
‫يعرف السكوت ‪.‬‬
‫و استطاعت القصة القصيرة ان تكون اكثر االشكال االدبية قدرة على احتواء هذه‬
‫المتغيرات خالل هذا القرن ‪ ،‬وقد حدث صراع بين فكري الواقعية االشتراكية و بين‬
‫واقعية تشيكوف ‪.‬‬
‫و الواقعية االشتراكية تدعو الى حرية الكاتب ما به حتى بعد اعماله الفنية غابات في‬
‫‪1‬‬
‫ذاتها ألنها تخدم مثاله الذي يحيله‬
‫و كان "مكسيم جوركى" حلقة وصل بين واقعية تيشكوف وبين الواقعية االشتراكية فقد‬
‫كان جوركي يثور على تصوير عفن الحياة فحسب ‪ ،‬وتلبث هذه الثورية ان تحولت‬
‫الى رؤية ايجابية تسلم بموضوعية‪ F‬لإلنسان و بان االدب ال يمكن اال ان يكون خادما‬
‫‪2‬‬
‫له‬
‫و كذلك فقد اثرت هذه المتغيرات على نفسية االنسان‪ ،‬فزاد التمرد لديه على الوضع‬
‫الذي يعيشه و موقفه االنساني ‪.‬فتعمل على محاولة اثبات ذاته ‪.‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬محمد غنمي هالل ‪ ،‬النقد االدبي الحديث ص ‪343‬‬

‫السعيد الورقي ‪ ،‬اتجاهات القصة القصيرة في االدب العربي المعاصر في مصر ص ‪17‬‬ ‫‪2‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ازاء عوامل اليأس و مظاهر الموت ‪ ،‬االمر الذي دفع به الى القلق و فقدان الحافز ‪،‬‬
‫والشعور بعبث الحماية وتفاهمها والالجدوى في الحياة و قد ظهر هذا كله في القصة‬
‫القصيرة فيما عرف باتجاهات الالوعي و باالتجاهات الوجودية ‪.‬‬
‫و تلتقي القصة الوجودية مجموع قصة الالوعي في انهما يعبران عن ازمة االنسان‬
‫و يخلفان في الشكل ‪ ،‬ذلك ان القصة الوجودية تهتم بالموقف الذي تراه من‬ ‫‪1‬‬
‫المقهور‬
‫خالل الحدث ‪ ،‬سيما قصة الالوعي تعنى اكثر بالشكل اكثر الذي يركز على حس‬
‫الداخل و االعماق و هي تقف على معاداة العقل ومعاداة الواقع المألوف باحثة عن‬
‫الخالص لإلنسان‬
‫و القصة كمفهوم ادبي قد مرت بمراحل من التطور حتى انتهى الى النحو الذي تلمسه‬
‫ونقراه في حياتنا المعاصرة ‪ .‬مع نضج و تمايز في انواعه و مضامنه فحين تتفحص‬
‫ظهورها عند اليونان نرى ان المالمح اليونانية القديمة بما احتويته من عناصر‬
‫قصصية كانت اساسا لظهور هذا الجنس االدبي ‪ ،‬و من ثم اتضح جنس القصة في‬
‫القرن الثاني قبل الميالد في االدب اليوناني ‪ ،‬اذا كانت القصة آنذاك ذات طابع ملحمي‬
‫فكانت حافلة بالمغامرات النفسية و تاللسجير و االمور الخارقة ‪ ،‬ويتمثل النموذج العام‬
‫ألحداث قصص ذلك العهد في افتراق حسيسي تقوم االخطار المروعة و العقبات حدا‬
‫فاصال بينهما ‪ ،‬ويلفتان منها بطرق تفوق المألوف ‪ ،‬ثم تخدم القصة ختاما سعيدا‬
‫بالتقاء الحبيبين ‪.‬‬

‫د ‪ .‬السعيد الورقي اتجاهات القصة القصيرة في االدب العربي المعاصر في مصر ص ‪17‬‬ ‫‪1‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫نستنتج من اوردناه سابقا ان الغرب عرف فن القصة بأنواعها منذ القدم لكنها لم تكن‬
‫ناضجة كفاية و مع مرور الوقت و الزمن بدأت تأخذ شكلها الكامل الوافي ‪ ،‬حيث‬
‫تطور مفهومها و اصبحت مقرا للقراء و المؤلفين يعبرون عن ما يحتويهم و ما‬
‫يوجعهم بصورة ابداعية ال يزال بريقها متوهجا الى وقتنا الحالي‪.‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬اصول القصة القصيرة في االدب العربي‬


‫يتساءل الباحثون هل القصة القصيرة موجودة في االدب العربي القديم ام تستأت في‬
‫العصر الحديث ‪ .‬فقد تضاربت اآلراء و العقائد حول وجود القصة القصيرة في االدب‬
‫العربي القديم ‪ ،‬ولكن اغلب النظريات انتهت الى نظر واحد يعتبر فن القصة القصيرة‬
‫من الفنون االدبية الحديثة – التي عرفها االدب العربي ن اال ان حقيقة االمر ان‬
‫القصة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد ‪ ،‬و يكاد يتفق النقاد والدارسين ان‬
‫القصة القصيرة من الفنون المستحدثة التي ظهرت في العصر الحديث ‪ .‬فلم يعرف‬
‫العرب هذا النوع من القصة في العصور الماضية انما اخذها و استناط من االدب‬
‫العربي بعد احتكاكهم و اتصالهم بالغرب ‪.‬‬
‫وليقين االجابة عن اشكال ما اذا وجدت القصة القصيرة في ادبنا العربي القديم البد‬
‫الرجوع الى تراثنا القصصي الزاخر بمعناه الواسع و اشكاله المتعددة ‪،‬‬
‫وفي النص القرءاني الكريم هناك اشكال قصصية عديدة للقرون السالفة حول االنبياء‬
‫و اقوامهم و اخبارهم التي وردتنا في قالب قصصي كقصة سيدنا يوسف عليه السالم‬
‫مع اخوته و ابيه و عزيز مصر ‪ ،‬وكذا قصة نوح عليه السالم مع قومه و ابراهيم و‬
‫اسماعيل عليهما السالم و قصة موسى و فرعون‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫وحتى ان سورة كريمة تحمل هذا العنوان "القصص"‪. 1‬‬


‫و كذا االحاديث النبوية الشريفة التي هي االخرى لم تخلو من هذا الفن القصصي " اذ‬
‫يروي عنه انه كان يروي لنسائه بعض القصص كقصتي ‪ :‬حديث خرافة ‪ ،‬و قصة‬
‫اهل الكهف ‪ ،‬كما كان يحبذ االستماع لبعض القصص و منها قصة الجساسة و الدجال‬
‫‪2‬‬

‫" ثم حرص الخلفاء الراشدون على االهتمام بالقصص ‪ .‬فعمر بن الخطاب اذن لقاص‬
‫بان يقص على الناس يوما في االسبوع و امر بترجمة قصص العدل ‪ ،‬و السياسة ‪ ،‬و‬
‫اذن كمان لقاص ان يقص على الناس يومين في االسبوع ‪ ،‬و اجاز على بن ابي طالب‬
‫للحسن البصري ان يقص في المسجد ‪ ،‬وفي عهد الدولة االموية اجاز معاوية القص‬
‫لجماعة من القصاصين –كما انه اصطفى شيخا من شيوخ القصص – و امر بتدوين‬
‫‪3‬‬
‫ما يرويه ثم اتخذه قاصا له "‬
‫و قد تطور المبدأ القصصي‪ F‬في عهد بني امية على يد الكاتب الكبير "عبد اهلل بن‬
‫المقفع " فقد نقل نصوصا من اللغة الفارسية ذات اصول هندية تتمحور حول السلطان‬
‫‪4‬‬
‫و الرعية و العمل و الظلم و نشرها بين الناس تحت عنوان "كليلة و دمنة "‬
‫و بعد ذلك تطورت القصة شكال و مضمونا بين النوادر و الحكايات و االخبار و‬
‫السيرو المقامات‬

‫‪ 1‬شريط احمد شريط‬

‫‪ 2‬محمد زغلول سالم ‪ ،‬دراسات في القصة العربية الحديثة ص ‪65‬‬

‫‪ 3‬المرجع السابق ص ‪65‬‬

‫‪ 4‬المرجع السابق ص ‪66‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و اوحى هذا التراث القصصي لبعض الدارسين العرب المحدثين بأن يبدوه اصوال فنية‬
‫و (مصدرية ) مصادر الفن القصصي العربي الحديث ‪ ،‬و رفعوا مكانته االدبية و‬
‫الفنية في بعض االحيان على كثير من االعمال القصصية المعاصرة ‪ ،‬يقول يوسف‬
‫الشاروني ‪ ":‬لقد عرف التراث العربي المجموعات القصصية التي تمتاز عن كثير من‬
‫مجموعاتنا المعاصرة ‪ ،‬بانها كانت تندرج تحت موضوع واحد ‪ ،‬مثل كتاب البخالء‬
‫‪1‬‬
‫"للحافظ" (‪255-160‬ه) و المكافأة و حسن العقبى للتنوخي (‪374-337‬ه)‬
‫وكذلك فن المقامات التي تعتبر احد االشكال القصصية التي حاول العرب احياءها في‬
‫بداية عصر النهضة و هو شكل قصصي ظهر في القرن ‪ 4‬ه على يد بديع الزمان‬
‫العثماني‬
‫و قصص المقامات قصص واقعية ناقدة تصور تحوالت المجتمع و ازماته و من ناحية‬
‫شكلها القصصي تقترن ببطل محتال (كري) ذكي و راوي او سارد مصاحب للبطل ‪.‬‬
‫كما تتميز بلغتها المسجوعة واضحة االيقاع و اشهر نماذجها ‪ :‬بديع الزمان الهنداني‬
‫ومقامات الحريري‬
‫و هي تدور حول موضوعات معينة شائعة سهلة الفهم – كما انه يهدف بالدرجة‬
‫االولى الى جوانب تعليمية ‪ .‬فلما ظهرت فكرة احياء التراث االدبي مع فجر النهضة‬
‫الحديثة طول بعض االدباء تطوير شكله ‪ .‬ومن هؤالء الشيخ ناصيف اليازجي الذي‬
‫سعى الى احياء فن المقامة و كان ثمار مجموعة كتابه ‪:‬‬

‫‪ 1‬يوسف الشاروني ‪ ،‬القصة القصيرة نظريا و تطبيقيا ن سلسلة الهالل عدد ‪ 316‬القاهرة ‪ 1977‬ص ‪38‬‬
‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫" مجمع البحرين " الذي نشره عام ‪ 1856‬م ن و حافظ فيه على الخصائص الفنية‬
‫‪1‬‬
‫للقامة ‪ ،‬غريب اللفظ ‪ ،‬ومهملة الى موضوعاتنا كالنصب و االحتيال‬
‫ثم ظهر بعض الكتاب حاولوا خلق مدرسته عربية نثرية تعتمد على قص غرائب‬
‫الصدق و عجائب االحداث على نمط المقامات مراعين القواعد الفنية االنشاء العربي‬
‫القديم من امثال ‪ :‬المويلحي – صاحب كتاب حديث عيسى بن هشام ‪ ،‬والشاعر حافظ‬
‫ابراهيم الذي الف كتاب ليالي سطيح اللذان يعتبران من اصول الفن القصصي‬
‫القديم ‪.‬‬
‫وفي ضوء الحديث عن نشأة القصة القصيرة يرى جميهرة من االدباء النقاد و الكتاب‬
‫الفني قالوا ان فن القصة في االدب العربي الحديث تعود اصوله الى فن القصة في‬
‫االدب العربي فيقول الدكتور محمد طه الحاجري " القصة في االدب العربي‬
‫الحديث عند هؤالء النقاد امر يبدع ‪ .‬ال ميراث له يمد البيه و األصل في االدب‬
‫العربي القديم يمكن ان ينسب له بصورة ما ‪ ،‬و انما هو تقليد محض لتلك الفن عتد‬
‫األوروبيين صدرنا بهن عنهم – كما صدرنا بكثير من علمهم و أنماط فنونهم ‪.2‬‬
‫و كذا من قال بهذا الراي أمثال ‪ :‬محمد تيمور ‪ ،‬و محمد طه لشين ‪ ،‬الدكتور محمد‬
‫حسين هيكل ‪ ،‬و الدكتور طه حسين ‪ ،‬الدكتور محمد سليم زغلول الذين يرون ان‬
‫االدب العربي اخذ الفن القصصي من االدب الغربي عبر مراحل ثم انطلق الفن‬
‫القصصس‪ F‬يتطور و يستلم معالم القصة و قواعدها‬

‫شريط احمد شريط ‪ ،‬تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ‪1975-1947‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬د‪.‬محمد‪ E‬طه الحاجري ‪ ،‬نشوء فن القصة في االدب العربي الحديث ( مقال‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بتطور الحياة االدبية آنذاك ‪ ،‬و اطالع الرواء على نماذج القصصية الغربية حتى بدأت‬
‫تتكون لدى المبدعين العرب رؤية واضحة عن قواعد هذا الفن و تقنياته ‪ ،‬و ذهب‬
‫البعض للقول بان الفن القصصي‪ F‬بمضامينه و محتواه و وأساليبه و موضوعاته يرجع‬
‫بأصول ثابتة إلى االدب العربي دون نزاع ‪ ،‬و لكنها كشكل ادبي محدد المعالم واضح‬
‫القسمات لديه منهجه و اصوله فإنها تعود‬
‫الى التراث القصصي‪ F‬الغربي الحديث ‪1‬و نحن نقف الى جانب هذا الراي المنطقي اذا لو‬
‫لم تكن الطرق الفنية ممهدة و االذواق مستعدة لقراءة هذا الفن ‪ ،‬لما عرفت القصة‬
‫العربية الحديثة‬
‫هذا التطور السريع ‪...‬فال عيب ابدا اذا اقرنا باستفادتنا من فن القصص الغربي ‪ ،‬و‬
‫اخذنا بعناصر فنه القصصي اذا استجابت بناتنا اليها و اتسعت التعبير عن امالنا و‬
‫رغباتنا و صراعنا الحضري او لم يستفد الغرب نفسه من التراث اليوناني القديم و من‬
‫التراث العربي العلمي و االدبي في عصور نهضته ‪2‬و من بين النصوص التي ظهر في‬
‫كتابتها الطابع الغريي لدينا رواية زنبب ( ‪ ) 1912‬الدكتور محمد حسين هيكل و قال‬
‫‪3‬‬
‫الحديثةو كذا‬ ‫عنها شوقي ضيف انها اول عمل فني متكامل افاد فنيات القصة العربية‬
‫‪.‬‬ ‫تأتي تجربة توفيق الحكيم الرائدة عودة الروح بعد تجربة الدكتور هيكل‬

‫‪ 1‬حسني نصار ‪ ،‬جذور القصة الحديثة في االدب العربي القديم‬

‫‪ 2‬شريط احمد شريط‬

‫‪ 3‬شوقي ضيف ‪ ،‬األدب العربي المعاصر في مصر ‪.‬‬


‫طبيعة النفس عند ديكارت و ختالفها عن الجسد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و من رواد القصة العربية األوائل ‪" :‬جرجي زيدان ' رائد القصة التاريخية " و جبران‬
‫رائد األقصوصة و "ميخائل نعيمة " الذي تكفل عند عناصر االقصوصة الفنية و‬
‫الصفة الغالبة على األستاذ "محمد تيمور" و هو كاتب القصة القصيرة‪. F‬‬
‫و اما بعد ذلك فالقصة قد لبت احتياجات أيديولوجية اختلفت عن المرحلة األولى التي‬
‫كانت متأثرة بالكتابة الغربية ‪ ،‬و طريقة بناء القصة الموباسانية و القصة الروسية لدى‬
‫تشخيوف ‪ ،‬و من هنا بدا التغيير و التطور في القصة العربية ‪ ،‬خاصة في مصر ‪ ،‬فقد‬
‫حاول المصريون في ظل هذه األجواء احياء التراث العربي و احياء مجدهم فأقبلوا‬
‫على كتابة القصة مستخدمين أساليب الفنون القصصية القديمة كالمقامات و الحكايات‬
‫االجتماعية ‪.‬‬
‫و لكن لم يحتج كتاب القصة القصيرة الى القصص المترجمة ألنهم كانوا متعلمين‬
‫باألدب األجنبية و لذلك نستطيع القول ان الترجمة لم تؤثر كثيرا في نشأة القصة‬
‫القصيرة العربية و انما كان التأثر المباشر في تلك الفترة عن طربق االتصال‬
‫المباشر باألدب األجنبي و ان التغيرات الهائلة التي تحدث االن و التي تظهر في‬
‫انتشار ثقافة العولمة ‪ ،‬مع تغيرات ثقافية و اجتماعية و سياسية و اقتصادية تظهر‬
‫كثيرا في القص الحديث و الذي يعتبر انعكاسا واضحا لها‬

You might also like