You are on page 1of 9

‫محاضرات في مادة مناهج‬

‫العلوم القانونية واالجتماعية‬


‫‪-‬المحاضرة الرابعة‪-‬‬

‫االفواج ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪3‬‬

‫ذ‪ .‬عبد اللطيف اهادي‬

‫‪1‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المنهج التاريخي‬

‫البد ان نشير في البداية الى ان المنهج التاريخي يحظى بأهمية خاصة في مجال البحوث‬
‫االجتماعية بصفة عامة‪ ،‬والبحوث القانونية بصفة خاصة‪ ،‬ويستمد أهميته من طبيعة الظاهرة‬
‫المدروسة‪ ،‬إذ يمكن الباحث من رصد المراحل التي مرت منها الظاهرة‪ .‬لذا سنحاول تعريف المنهج‬
‫التاريخي‪ ،‬ثم بعد ذلك تبيان خطواته قبل رصد اهميته في العلوم القانونية‪.‬‬

‫الفقرة االولى‪ :‬تعريف المنهج التاريخي‬

‫قبل ان نحدد ماهية المنهج التاريخي‪ ،‬نقف اوال على داللة معنى او مفهوم التاريخ‪ ،‬فماذا‬
‫يعني هذا المصطلح؟‬

‫التاريخ كما ورد في لسان العرب المحيط هو تعريف الوقت‪ ،‬وبما أنه الوقت إذن فهو المحتوى‬
‫على الزمن الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬أي أنه الوقت الذي تستغرقه التجارب والظواهر والقضايا‬
‫والحياة بشكل عام‪ ،‬ولذا يعتبر التاريخ السجل العام والميدان الواسع الذي تسجل فيه األحداث وهو‬
‫المستوعب لكل ما يحدث‪ ،‬لهذا يكون التاريخ ملكا عاما ليس لألحياء فقط بل للماضين واآلتين‪.‬‬

‫ان اعتماد المنهج التاريخي في دراسة الظواهر القانونية بوضعها في سياقها التاريخي كان احد‬
‫االسباب التي ادت الى بروز عدد هام من التعريفات‪ ،‬كل عرف المنهج من زاوية خاصة‪ ،‬سواء من‬
‫حيث مكونات التعريف او من حيث طبيعته او من عناصره اومن حيث ما يؤول اليه‪.‬‬

‫من بين هذه التعريفات‪ ،‬التعريف الذي يحدد بموجبه المنهج التاريخي بانه " الطريقة التاريخية‬
‫التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية‪ ،‬كأساس لفهم المشاكل المعاصرة‪ ،‬والتنبؤ بما‬
‫سيكون عليه المستقبل"‬

‫ومنها تعريف أدق وهو" وضع األدلة المأخوذة من الوثائق والسجالت مع بعضها بطريقة‬
‫منطقية‪ ،‬واالعتماد على هذه األدلة في تكوين النتائج التي تؤدي إلى حقائق جديدة‪ ،‬وتقدم تعميمات‬
‫سليمة عن األحداث الماضية أو الحاضرة أو على الدوافع والصفات اإلنسانية‪.‬‬

‫كما يتم تعريفه بأنه‪ ":‬مجموع الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي‪ ،‬والمؤرخ للوصول‬
‫إلى الحقيقة التاريخية واعادة بناء الماضي‪ ،‬بكل دقائقه وزواياه‪ ،‬وكما كان عليه في زمانه ومكانه‬
‫وبجميع تفاعالت الحياة فيه‪ ،‬وهذه الطرائق قابلة دوما للتطور والتكامل مع تطور مجموع المعرفة‬
‫االنسانية وتكاملها ونهج اكتسابها"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫وعلى كل يمكن القول إن المنهج التاريخي هو منهج بحث علمي‪ ،‬يقوم بالبحث والكشف عن‬
‫الحقائق التاريخية‪ ،‬من خالل تحليل وتركيب األحداث والوقائع الماضية الموثقة‪ ،‬واعطاء تفسيرات‬
‫علمية عامة على شكل نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا ويعتمد هذا المنهج البحثي على د ارسة‬
‫المسألة محل البحث في القوانين القديمة من أجل فهم حقيقتها في القانون المعاصر‪ ،‬فاعتماد هذا‬
‫المنهج يساعد الباحث على فهم الحاضر من خالل دراسة ومالحظة الماضي‪.‬‬

‫فعندما يتناول الباحث القانوني موضوع الوكالة مثالا كأحد أنواع العقود‪ ،‬يبدأ بحثه بدراسة‬
‫التطور التاريخي لفكرة الوكالة في النظم القانونية القديمة وصوال إلى التنظيم القانوني الحالي‪ ،‬كما أن‬
‫القضاء قد يلجأ إلى المنهج التاريخي للوقوف على حقيقة النص القانوني – في حال غموض النص ‪-‬‬
‫الواجب التطبيق على النزاع المعروض‪.‬‬

‫ايضا يمكن استخدام المنهج التاريخي للوقوف مثال على التوجهات القضائية مثال في المغرب‬
‫بداية من االستقالل إلى اآلن لمعرفة مدى التحول الذي عرفه العمل القضائي في إعمال قواعد قانونية‬
‫معينة‪.‬‬

‫وأساس المنهج التاريخي‪ ،‬هو إعادة بناء الماضي" ألن صورة الحاضر ال يمكن أن تفهم على‬
‫حقيقتها إال في سياق التطور التاريخي‪ ،‬ويرجع الفضل لبعض المفكرين في تسليط الضوء على البحث‬
‫التاريخي وأهمهم ابن خلدون‪ ،‬وفيكو‪ ،‬ورايت ميلز‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خطوات المنهج التاريخي‬

‫يهتم المنهج التاريخي بدراسة الحدث التاريخي‪ ،‬وفق أسس وقواعد نجملهما في ما يلي‪:‬‬

‫اوال‪ :‬تحديد المشكلة العلمية‬

‫تبدأ الخطوة االولى للمنهج التاريخي بعملية تحديد المشكلة العلمية المرغوب دراستها‪ ،‬ويقتضي‬
‫هذا التحديد توضيح ماهيتها وطبيعتها وسياقها الزماني والمكاني وما يحيط بها من ظروف داخلية‬
‫وخارجية‪ ،‬مع اشتراط ان يتم تحديدها بشكل واضح ودقيق‪ ،‬وان يعمل الباحث على صياغة ماهية‬
‫المشكلة بشكل علمي وبطريقة جيدة وواضحة بعيدا عن كل لبس او غموض‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬جمع المادة التاريخية‬

‫بعد تحديد المشكلة العلمية المرغوب دراستها او الظاهرة المراد دراستها وتعقبها من حيث‬
‫تطورها التاريخي لمعرفة القوانين التي تحكمها‪ .‬ينتقل الباحث الى مرحلة ثانية اساسية‪ ،‬تتجلى في‬

‫‪3‬‬
‫عملية جمع البيانات والمعلومات االساسية بشان الظاهرة المدروسة‪ ،‬أي البحث عن المصادر من‬
‫خالل الوثائق المرجعية ذات الصلة بالظاهرة‪ ،‬وهي على نوعين‪:‬‬

‫ــ مصادر أصلية‪ :‬وتسمى بالمصادر األولية وهي المصادر المعاصرة للحدث أو الظاهرة‪،‬‬
‫ومنها تستمد المعلومات أو تستق ار وتستنبط‪( .‬كالسجالت والوثائق واالشخاص واالثار)‬

‫ــ مصادر ثانوية‪ :‬اضافة الى المصادر االساسية التي ال محيد عنها بالنسبة للباحث‪ ،‬ثمة‬
‫مصادر اخرى توصف بالثانوية وهي التي يتم اللجوء اليها عند تعذر توفر المصادر االولية وتتجلى‬
‫في المصادر العادية والمالوفة في الحياة اليومية في الوسط المجتمعي او الشعبي ( مثل كتابات‬
‫الباحثين والمؤرخين والرواة)‬

‫وبصورة عامة تنقسم مصادر البحث التاريخي الى انواع اهمها‪:‬‬

‫السجالت والوثائق الرسمية‪ :‬وهي التي تؤرخ للمرحلة التاريخية المدروسة مثل السجالت‬
‫الشرعية الصادرة عن المحاكم وايضا القوانين والتشريعات ومحاضر االجتماعات والتقارير االدارية‬
‫وتقارير اللجان‪ ،‬وكذلك الشهادات الشرعية الخاصة باالفراد وغير ذلك من الوثائق المشابهة‪ ،‬وتشكل‬
‫هذه مصادر مهمة ودقيقة للمعلومات النها صادرة عن جهات رسمية حريصة على توخي الدقة في‬
‫ابرامها وحفظها‪.‬‬

‫االثار والتحف والرسومات‪ :‬الى جانب السجالت والوثائق تعتبر االثار ايضا من المصادر‬
‫االصلية فهي مصدر هام للبحث التاريخي‪ ،‬باعتبارها شواهد تاريخية باقية اما بقايا حضارات ماضية‬
‫او احداث ماضية‪ ،‬فقد تكون في صورة مباني وطرق وجسور ونقود وادوات وبقايا انسانية‪ ،‬فاالهرامات‬
‫مثال تعتبر من المصادر الهامة في فهم الحضارة المصرية‪.‬‬

‫تقارير الصحف والمجالت‪ :‬على الرغم من ان هذه التقارير ال يعتد بها دائما لصعوبة التشبث بما‬
‫تنشره‪ ،‬ولتعدد الصور التي تنقلها لحدث واحد‪ ،‬اال ان هذه التقارير وخصوصا التي تنشر في الصحف‬
‫ذات المصداقية تزودنا عادة بالحقائق الضرورية‪ ،‬وتعتبر سجال دائما لألحداث التي تحدث يوما بعد‬
‫يوم في العالم‪ ،‬حيث تعبر الصحف عن مدى اهتمام المجتمع باحداث معينة‪.‬‬

‫تقارير شهود العيان عن االحداث‪ :‬يحدث في كثير من االحيان اذا كان الحدث او موضوع‬
‫البحث قريب العهد ان يكون هناك اشخاص شهدوا او عاصروا الظاهرة‪ ،‬وهؤالء يعتبروا مصد ار‬
‫للمعلومات‪ ،‬وقد يدلون بمعلوماتهم شفويا او كتابيا‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المذكرات والسير الذاتية‪ :‬يقوم بعض االشخاص بكتابة مذكراتهم عن االحداث الهامة التي‬
‫جرت في أيامهم‪ ،‬كما يقوم بعض الكتاب بتسجيل السيرة الذاتية لعدد من االشخاص الهامين‬
‫(البيوغرافية) أي تاريخ االشخاص او سيرة حياة‪ ،‬وال شك ان دراسة الباحث لهذه المذكرات والسير‬
‫يمكن ان تكشف له عن بعض الجوانب الهامة من الظاهرة او المشكلة التي يدرسها‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪ :‬تكشف الدراسات السابقة التي تمت في الماضي وتناولت احداث الفترة التي‬
‫تتناولها مشكلة البحث موضوع الدراسة عن معلومات وبيانات هامة فهي وثائق يمكن الرجوع اليها‬
‫واستخالص المعلومات التي التي تفيد الباحث في معالجة مشكلة بحثه‪ ،‬خاصة وان بعض هذه‬
‫الدراسات السابقة يمكن ان تكون قد اعتمدت على مصادر اولية مباشرة‪.‬‬

‫الكتابات االدبية والفلسفية واألعمال الفنية‪ :‬يستطيع الباحث التاريخي ان يعتمد على بعض‬
‫ما جاء في الكتابات االدبية والفلسفية واألعمال الفنية في جمع المعلومات عن مشكلة بحثه‪ ،‬فهذه‬
‫الكتابات قد تبرز الكثير من الحقائق واالحداث والمواقف المتصلة بموضوع البحث‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬فحص مصادر البيانات وتقييم الوثائق(النقد والتقييم)‬

‫ان الغاية من جمع المادة العلمية ذات الطابع التاريخي هي اخضاعها للفحص والتقييم‪ ،‬أي‬
‫تحليل المصادر ونقدها على أساس التفسير‪ ،‬وهذه الخطوة تعد من أصعب مراحل البحث التاريخي‪،‬‬
‫بحيث تتعلق هذه المرحلة بالبحث في صحة الوثيقة المعتمدة والتأكد من شخصية كاتبها ومدى نسبتها‬
‫له؛ فالوثائق عرضة للتعديل والتزوير‪ ،‬وشهادات االشخاص عرضة ايضا للتزوير والنسيان في احسن‬
‫االحوال‪ ،‬وبالتالي الكثير من التساؤالت تثار بخصوص مثل هذه االنواع من المصادر من قبيل‪:‬‬

‫هل كتبت الوثيقة بعد الحدث مباشرة ام بعد مرور فترة زمنية عليه؟‬

‫هل هناك ما يشير الى عدم موضوعية كاتب الوثيقة؟‬

‫هل كان الكاتب في صحة جسمية ونفسية جيدة في اثناء كتابة الوثيقة؟‬

‫هل كانت الظروف التي تمت فيها كتابة الوثيقة تسمح بحرية الكتابة؟‬

‫هل هناك تناقض في محتويات الوثيقة؟‬

‫هل تتفق الوثيقة في معلوماتها مع وثائق اخرى صادقة؟‬

‫‪5‬‬
‫فليس كل ما هو بين يدي الباحث من وثائق يحظى بالصدقية المطلقة‪ ،‬بل ان اخضاعها‬
‫للتدقيق والتقييم العلمي والموضوعي يؤول في االخير الى االعتماد على البعض منها واستبعاد البعض‬
‫االخر‪.‬‬

‫تخضع هذه المصادر اذن لعملية نقد وهو على نوعين‪ :‬نقد خارجي واخر داخلي‪.‬‬

‫فالنقد الخارجي ينصب على فحص الوثيقة من خالل مظهرها الخارجي ومدى عالقتها فعال‬
‫بزمن صدورها‪ ،‬ومعرفة ذلك تتأتى من خالل معرفة نوع الخط واللغة وشخصية مؤلفها وربط زمن‬
‫الصدور بحياة المؤلف‪.‬‬

‫اما النقد الداخلي فيتصل بمحتوى الوثيقة ودقة ما تحتوي عليه من معلومات ومدى الثقة التي‬
‫يمكن ان نثقها بمعلومات هذه الوثيقة‪.‬‬

‫ويجب االشارة الى ان عملية النقد هذه ال تعني الوصول الى درجة اليقين او الى الحقيقة‬
‫الكاملة عن تاريخ الظاهرة او الحدث‪ ،‬بل هي عملية تقربنا من الحقيقة‪ ،‬وتبعد قدر االمكان الشكوك‬
‫عنها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬صياغة الفروض (حل مؤقت للمشكلة)‬

‫ال تختلف صياغة الفروض في البحث التاريخي عن صياغة الفروض في االبحاث االخرى‪،‬‬
‫وتفيد هذه العملية خلوص الباحث من خالل اتباعه للمنهج التاريخي الى تكوين بعض القناعات‬
‫المؤقتة ذات الطابع النسبي‪ ،‬مما يشرع معه في افتراض بعض التصورات والسير قدما في دراستها‬
‫وتمحيصها واخضاعها للتحليل والتركيب من اجل اعتمادها كنظرية ذات مصداقية في مجال الدراسة‬
‫العلمية‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬عملية التحليل والتركيب‬

‫تفيد عملية التحليل والتركيب شروع الباحث في اخضاع مختلف عناصر المادة التاريخية‬
‫للتنظيم باستعادة واستحضار الوقائع واالحداث التاريخية (‪ ،)Reconstitution‬وذلك من خالل جمع‬
‫المعطيات التاريخية المتفرقة والمشتتة ووضعها في قالبها الزمني المتسلسل‪ ،‬من خالل عملية ملء‬
‫الثغرات من طرف الباحث بتصوراته الممكنة او قابلة اإلمكان وكذا عملية ربط الحقائق التاريخية‬
‫بعالقات حتمية وسببية‪ ،‬اي البحث في نظرية التسبيب او ما يصطلح عليه بالتعليل التاريخي‪ ،‬كل‬
‫ذلك من اجل اخراج الباحث لمادته الدراسية في قالب فكري متكامل ومتناسق قدر االمكان‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫سادسا‪ :‬استخالص النتائج‬

‫تعد مرحلة استخالص النتائج والخالصات اخر محطة تسفر عنها مرحلة التحليل والتركيب‪،‬‬
‫حيث ال محالة ان الباحث يكون في نهاية االمر قد امتحن الفروض المؤقتة التي وضعها فيما قبل‪،‬‬
‫وتوصل بعد عملية التقييم والنقد الى خالصات علمية موضوعية ذات مصداقية اكثر‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬أهمية المنهج التاريخي في العلوم القانونية‬

‫يضطلع المنهج التاريخي بدور هام وأساسي في ميدان الدراسات والبحوث العلمية القانونية‬
‫التي تتمحور حول الوقائع واألحداث والظواهر القانونية‪ ،‬المتطورة والمتغيرة‪ ،‬باعتبارها وقائع وأحداث‬
‫وظواهر إنسانية في األصل‪ .‬وبواسطته أمكن التعرف على األحكام والنظريات القانونية القديمة‬
‫والماضية‪ ،‬مثل النظام القانوني واإلداري اإلغريقي والروماني؛ فال يمكن دراسة الحضارات القديمة دون‬
‫االعتماد على هذا المنهج‪ .‬فدراسة الحضارة البابلية تقتضي دراسة قانون حمورابي‪ ،‬ودراسة الحضارة‬
‫الرومانية تستدعي دراسة قانون األلواح اإلثنى عشر لجوستنيان‪.‬‬

‫عالوة على ذلك يمكن هذا المنهج من التتبع الزمني والموضوعي باعتبار الزمن الحاضر نقطة‬
‫انطالق للبحث في الموضوع الحاضر أو السابق من خالل استقصاء المعلومات والبيانات‪ ،‬ومراعاة‬
‫المتغيرات التي كانت والتي استجدت على الموضوع سلبيا أو ايجابيا‪ ،‬والتعرف على مسبباتها‪ ،‬وآثارها‬
‫الرئيسية والجانبية‪.‬‬

‫يمكن الباحث ايضا من فهم األحداث والظروف الخاصة بكل حالة وخصوصيتها التي بها‬
‫تمتاز عن غيرها من الحاالت‪ ،‬ويعتبر التحليل العلمي والتفسير العلمي هما الممكنان من كشف الحق‬
‫واظهارها لحيز المعرفة الوافية‪.‬‬

‫وال يمكن فهم المؤسسات دون الرجوع إلى تطورها التاريخي‪ ،‬الذي يستدعي استخدام المنهج‬
‫التاريخي‪ ،‬بحيث يمكننا من رصد التطورات التي مرت منها الظاهرة‪ ،‬ومن ثم تطويرها وتجديدها حتى‬
‫تواكب المستجدات الحاصلة في هذا المجال‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬المنهج المقارن‬

‫يعد المنهج المقارن من بين المناهج المستخدمة في مجال العلوم االجتماعية بشكل عام‪،‬‬
‫والعلوم القانونية بصفة خاصة‪ .‬ويحل محل التجربة التي تعتمد عليها العلوم الطبيعية‪ .‬فالمقارنة هي‬
‫البديل في مجال العلوم االجتماعية واالنسانية‪ .‬وقد اعتبر دوركهايم المنهج المقارن بأنه نوع من‬
‫التجريب غير المباشر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الفقرة االولى‪ :‬تعريف المقارنة‬

‫ال يمكن الحديث عن المنهج المقارن‪ ،‬دون الحديث عن معنى المقارنة‪ ،‬والمقارنة عموما نشاط‬
‫عفوي واتجاه طبيعي مالزم للتفكير البشرى‪ ،‬وتعني لغة الموازنة اوالمقايسة بين ظاهرتين أو أكثر‬
‫بهدف تقرير أوجه الشبه واالختالف فيما بينها‪.‬‬

‫وبالرغم من اختالف التعاريف المقدمة للمقارنة وتنوعها‪ ،‬إال أنها تكاد تنطلق جميعها من‬
‫تراث جون ستيوارت ميل ‪ John Stuart Mill‬الذي عرفها بأنها دراسة ظواهر متشابهة متناظرة في‬
‫مجتمعات مختلفة‪ ،‬أو هي التحليل المنظم لالختالفات في موضوع أو أكثر عبر مجتمعين أو أكثر‪.‬‬

‫فالمقارنة اذن تعني تلك العملية التي يتم من خاللها إبراز أوجه التشابه واالختالف بين شيئين‬
‫متماثلين أو أكثر‪ ،‬وهذا يفيد أن المقارنة ال يمكن أن تجري بين شيئين متناقضين‪.‬‬

‫ومن هنا فالمنهج المقارن هو تجريب غير مباشر‪ ،‬وهو المعوض األساسي للتجريب‬ ‫‪‬‬
‫المباشر‪.‬‬

‫او بعبارة اوضح يمكن القول بأن المنهج المقارن هو ذلك المنهج الذي يعتمد على المقارنة في‬
‫دراسة الظواهر‪ ،‬حيث يحدد أوجه التشابه واالختالف فيما بين ظاهرتين أو أكثر‪ ،‬ويعتمد الباحث من‬
‫خالل ذلك على مجموعة من الخطوات من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية المتعلقة بالظواهر‬
‫المدروسة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬خطوات المنهج المقارن‬

‫يتعين على الباحث في مجال الدراسات القانونية االلتزام بالخطوات التالية‪:‬‬

‫ـ ـ ـ تحديد الظواهر المتجانسة (المتماثلة) وليس الظواهر المتناقضة‪.‬‬

‫ـ ـ ـ جمع البيانات والمعلومات باستخدام بعض أدوات البحث العلمي‪.‬‬

‫ـ ـ ـ تحليل وتصنيف المعلومات ومقارنتها‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬تطبيق المنهج المقارن في الدراسات القانونية‬

‫يحظى المنهج المقارن بأهمية خاصة داخل مجال العلوم القانونية‪ ،‬إذ يمكن من مقارنة‬
‫مؤسسات قانونية ( مؤسسة األسرة‪ ،‬مؤسسة التحقيق ‪ )...‬مع مؤسسات قانونية في نظم قانونية أخرى‪،‬‬
‫من أجل االستفادة من تجاربها وخبراتها في مجال معين‪ .‬وهذا ما ينعكس بشكل ايجابي على تعديل‬

‫‪8‬‬
‫وتغيير المنظومة القانونية‪ ،‬بما يتوافق مع التطورات الجديدة التي تشهدها الساحة القانونية‪ .‬بحيث‬
‫يعتمده الباحث القانوني للقيام بالمقارنة بين قانونه الوطني وقانون أو عدة قوانين أجنبية أو أي نظام‬
‫قانوني آخر كالقانون المغربي أو القانون الفرنسي‪ ،‬وذلك لتبيان أوجه االختالف أو االتفاق بينهما فيما‬
‫يتعلق بالمسألة القانونية محل البحث‪ ،‬مما يمكن الباحث من أن يضع أمام المشرع أفضل الحلول‬
‫ليستعين بها إذا ما اراد أن يعدل القوانين القائمة أو يضع قوانين جديدة‪.‬‬

‫ويمكن للباحث أن يعتمد منهج المقارنة األفقية الذي يقوم على بحث المسألة في كل قانون‬
‫على حدة‪ ،‬بحيث ال يعرض لموقف القانون اآلخر حتى ينتهي من بحث المسألة في القانون األول‪.‬‬
‫كما يمكنه اعتماد منهج المقارنة العمودية‪ ،‬حيث يتناول كل جزئية من جزئيات البحث في كل القوانين‬
‫التي يقارن بينها في آن واحد‪ .‬ويمكن القول إن منهج المقارنة العمودي أفضل من األفقي ألنه يبعدنا‬
‫عن التكرار وتقطيع أوصال البحث‪ ،‬إضافة إلى أنه يؤدي إلى حسن وسهولة ادراك أوجه االختالف أو‬
‫االتفاق بين القوانين التي تتم المقارنة بينها‪.‬‬

‫وأفضل تعبير عن أهمية المنهجية المقارنة ما قاله" رودولف فون جوهرنغ ( ‪Rudolf Von‬‬
‫‪ " )Jhering‬إن التفكير بدون مقارنة هو ليس بتفكير‪ ...‬بغياب المقارنة يغيب كذلك التفكير العلمي‬
‫والبحث العلمي " وعن مجاالت المقارنة يتابع‪" :‬أنا أملك الخاصة أو الميزة غير المحظوظة التي‬
‫تجعلني اقارن كل شيء يأتي أمامي‪ ،‬األجنبي مع الوطني‪ ،‬أو الماضي مع الحاضر‪.‬‬

‫‪9‬‬

You might also like