You are on page 1of 93

‫هذا الكتاب‬

‫يتناول هذا الكت اب س تة مواض يع ك برى‪،‬‬


‫تعطي بمجموعه ا ص ورة عن المق دمات ال تي‬
‫يبدأ بها البيت المسلم وجهته لتحقي ق عبوديت ه‬
‫هلل‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬حقيقة الزواج وحكمه‬
‫‪ .2‬المقاصد الشرعية من الزواج‬
‫‪ .3‬تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األسرة‬
‫‪ .4‬الضوابط الشرعية الختيار الزوجين‬
‫‪ .5‬أحكام الخطبة‬
‫‪ .6‬أحكام الزفاف‬
‫فقه األسرة برؤية مقاصدية‬

‫(‪)1‬‬

‫المقدمات الشرعية للزواج‬


‫برؤية مقاصدية‬

‫د‪ .‬نور الدين أبو لحية‬

‫الطبعة الثانية‬

‫‪2015 – 1436‬‬

‫دار األنوار للنشر والتوزيع‬



‫فهرس المحتويات‬
‫‪6‬‬ ‫مقدمة السلسلة‬
‫‪18‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬
‫‪2‬‬ ‫الفصل األول‬
‫‪2‬‬ ‫حقيقة الزواج وحكمه‬

‫‪2‬‬ ‫أوال ـ الحقيقة الشرعية للزواج‬

‫‪2‬‬ ‫التعريف اللغوي‪:‬‬


‫‪4‬‬ ‫التعريف اإلصطالحي‪:‬‬
‫‪4‬‬ ‫ضوابط التعريف‪:‬‬
‫‪4‬‬ ‫حقيقة النكاح‪:‬‬
‫‪8‬‬ ‫نوع الملكية في الزواج‪:‬‬
‫‪9‬‬ ‫ثانيا ـ مشروعية الزواج‬

‫‪9‬‬ ‫من القرآن الكريم ‪:‬‬


‫‪10‬‬ ‫من السنة النبوية‪:‬‬
‫‪13‬‬ ‫ثالثا ـ أحكام الزواج األصلية والعارضة‬

‫‪15‬‬ ‫القدرة مع الحاجة إلى الزواج‪:‬‬


‫‪15‬‬ ‫اعتدال الحال‬
‫‪19‬‬ ‫عدم الحاجة إلى الزواج‬
‫‪20‬‬ ‫تعارض هذه األحوال‪:‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ .1‬الحاجة إلى الزواج مع القطع بظلم الزوجة‪:‬‬
‫‪21‬‬ ‫‪ .2‬الحاجة إلى الزواج مع عدم القدرة على اإلنفاق ‪:‬‬
‫‪24‬‬ ‫المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة‬
‫‪30‬‬ ‫الفصل الثاني‬
‫‪30‬‬ ‫المقاصد الشرعية من الزواج‬

‫‪31‬‬ ‫المقصد األول ـ تحصين الرجل والمرأة‬

‫‪37‬‬ ‫التحصين من األضرار الصحية ‪:‬‬


‫‪39‬‬ ‫التحصين من األضرار النفسية ‪:‬‬
‫‪40‬‬ ‫التحصين من األضرار االجتماعية‪:‬‬
‫‪41‬‬ ‫تحصين العالقة باهلل ‪:‬‬
‫‪45‬‬ ‫المقصد الثاني ـ صيانة المرأة‬

‫‪47‬‬ ‫المقصد الثالث ـ بناء األسرة‬

‫‪55‬‬ ‫الفصل الثالث‬


‫‪55‬‬ ‫تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األسرة‬

‫‪55‬‬ ‫أوال ـ التأسيس الصحيح للزواج‬


‫‪55‬‬ ‫‪ 1‬ـ حسن اختيار الزوجة‪:‬‬
‫‪57‬‬ ‫‪ 2‬ـ التحقق من االختيار‪:‬‬
‫‪58‬‬ ‫‪ 3‬ـ الرضى التام من المرأة‪:‬‬
‫‪59‬‬ ‫ثانيا ـ حماية الحياة الزوجية‬

‫‪59‬‬ ‫‪ 1‬ـ توزيع متطلبات الحياة الزوجية بين الزوجين‪:‬‬


‫‪61‬‬ ‫‪ 2‬ـ الحث على المعاشرة بالمعروف‪:‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ 3‬ـ العالج الواقعي للخالفات الزوجية‪:‬‬
‫‪66‬‬ ‫ثالثا ـ بعد الفرقة الزوجية‬

‫‪67‬‬ ‫‪ 1‬ـ األمر بالتزام الطالق السني‪:‬‬


‫‪68‬‬ ‫‪ 2‬ـ تشريع العدة ‪:‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪ 3‬ـ تشريع الرجعة‪:‬‬
‫‪70‬‬ ‫الفصل الرابع‬
‫‪70‬‬ ‫الضوابط الشرعية الختيار الزوجين‬

‫‪70‬‬ ‫أوال ـ حق الزوجين في اختيار بعضهما البعض‬

‫‪75‬‬ ‫‪ 1‬ـ اإلكراه على الزواج وأحكامه‪:‬‬


‫‪77‬‬ ‫‪ 2‬ـ الصفات األساسية للزوجة‪:‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪ 3‬ـ الصفات الثانوية للزوجة‪:‬‬
‫‪86‬‬ ‫البكر‪:‬‬
‫‪87‬‬ ‫الثيب التي يحتاج إليها‪:‬‬
‫‪88‬‬ ‫الولود ‪:‬‬
‫‪89‬‬ ‫الجميلة‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫العاقلة ‪:‬‬
‫‪92‬‬ ‫الراضية ‪:‬‬
‫‪95‬‬ ‫الحسيبة‪:‬‬
‫‪96‬‬ ‫األجنبية ‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫خفيفة المهر ‪:‬‬
‫‪98‬‬ ‫أن تكون محبوبة له‪:‬‬
‫‪102‬‬ ‫صفات أخرى‬
‫‪103‬‬ ‫‪ 4‬ـ الصفات التي يختار من أجلها الزوج‬
‫‪104‬‬ ‫ثانيا ـ وسائل اختيار الزوجة‬

‫‪105‬‬ ‫‪ 1‬ـ عرض الرجل ابنته لذوي الصالح ممن ترغب فيهم‪:‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪ 2‬ـ عرض المرأة نفسها على من ترغب فيه ‪:‬‬
‫‪106‬‬ ‫‪ 3‬ـ تعريف الزوج أو الزوجة المختار بنفسه ‪:‬‬
‫‪107‬‬ ‫‪ 4‬ـ استشارة من يعرفه‪:‬‬
‫‪109‬‬ ‫‪ 5‬ـ إرسال من يتعرف على من يريد خطبتها‪:‬‬
‫‪109‬‬ ‫‪ 6‬ـ النظر لمن يريد خطبتها‪:‬‬
‫‪121‬‬ ‫الفصل الخامس‬
‫‪121‬‬ ‫أحكام الخطبة‬

‫‪121‬‬ ‫أوال ـ مفهوم الخطبة وأحكامها‬

‫‪121‬‬ ‫‪ 1‬ـ تعريف الخطبة ‪:‬‬


‫‪122‬‬ ‫‪ 2‬ـ الحكم األصلي للخطبة‪:‬‬
‫‪124‬‬ ‫‪ 3‬ـ األحكام العارضة للخطبة‪:‬‬
‫‪124‬‬ ‫الخطبة المباحة‪:‬‬
‫‪124‬‬ ‫الخطبة المحرمة ‪:‬‬
‫‪137‬‬ ‫ثانيا ـ مستحبات الخطبة‬

‫‪138‬‬ ‫صيغة الخطبة‪:‬‬


‫‪140‬‬ ‫عدد الخطبات ‪:‬‬
‫‪142‬‬ ‫الفصل السادس‬
‫‪142‬‬ ‫أحكام الزفاف‬

‫‪142‬‬ ‫‪ 1‬ـ تقديم التوثيق الكتابي على البناء‬


‫‪143‬‬ ‫شروط التوثيق‪ K‬الكتابي ‪:‬‬
‫‪144‬‬ ‫نماذج عن أساليب التوثيق كتابة‪:‬‬
‫‪146‬‬ ‫‪ 2‬ـ إقامة الوليمة‬
‫‪146‬‬ ‫تعريف الوليمة‪:‬‬
‫‪147‬‬ ‫حكم الوليمة‪:‬‬
‫‪148‬‬ ‫وقت الوليمة‪:‬‬
‫‪149‬‬ ‫ما يولم به‪:‬‬
‫‪150‬‬ ‫حكم إجابة الدعوة للوليمة‪:‬‬
‫‪152‬‬ ‫شروط إجابة الدعوة‪:‬‬
‫‪158‬‬ ‫ما يباح في الوليمة‪:‬‬
‫‪179‬‬ ‫مأثورات الزفاف‬
‫‪179‬‬ ‫تهنئة العروس‪:‬‬
‫‪181‬‬ ‫آداب الدخول على العروس‬
‫مقدمة السلسلة‬
‫تتعرض األسرة المسلمة اليوم إلى حرب معلن‪K‬ة ص‪K‬ريحة تري‪K‬د أن تجتثه‪K‬ا من أص‪K‬ولها لتب‪K‬ني على أساس‪K‬ها‬
‫نمط األسرة الغربية بفكرها وسلوكها وقيمها‪.‬‬
‫ويتبنى هذه الحرب عالنية أو إسرارا أكثر المنظمات العالمية ذات الطابع االجتماعي‪ ،‬بل حتى ذات الطابع‬
‫السياسي‪ ،‬ويوشك‪ K‬لو استمر‪ K‬األمر على هذه الحال أن تفرض قوانين األح‪KK‬وال الشخص‪KK‬ية كم‪KK‬ا تف‪KK‬رض غيره‪KK‬ا من‬
‫القوانين‪.‬‬
‫وقد ساعد على هذه المواجهة الخارجية عامالن داخليان أمداها بما يكفي لتحقيق أهدافها‪.‬‬
‫يتمثل أولهما في دعاة التغريب وتحرير المرأة وفك‪ K‬األسرة الذين يلتمس‪KK‬ون مختل‪KK‬ف األس‪KK‬اليب‪ ،‬ويت‪KK‬ذرعون‬
‫بأوهى الحيل‪ ،‬ويتلبسون بمختلف األسماء ليستبدلوا ببنيان األسرة الذي وضعه الشرع ببنيان اختلقوه من أهوائهم‪،‬‬
‫وأسسوه على طبائعهم‪ K،‬ومزجوه بشهواتهم‪K.‬‬
‫أما العامل الثاني‪ ،‬وهو أخطر العاملين‪ ،‬فيتمثل في الفقهاء المتزمتين الذين يبحث‪KK‬ون عن عالج ه‪KK‬ذه الواقع‪KK‬ة‬
‫أو تحدي هذه المواجهة بما عولجت به وقائع القرون السالفة‪ ،‬فينصرون من حيث ال يعلمون حزب العامل األول‪،‬‬
‫ويمدون معه التمرد على األحكام الشرعية أو االحتيال عليها‪.‬‬
‫وهذا الواقع والمواقف‪ K‬حوله تستدعي البحث عن البديل الشرعي الذي يجمع بين مقتض‪KK‬يات الواق‪KK‬ع وأحك‪KK‬ام‬
‫الشرع‪ ،‬الواقع الذي أراده اإلسالم ال الذي يريد فرضه المنحلون‪ ،‬والشرع‪ K‬الذي يشمل الشريعة جميعا بمص‪KK‬ادرها‬
‫المختلفة‪ ،‬ال الذي يتزمت لرأي أو يتعصب لقول‪ ،‬ويحجر‪ K‬على غيره اختيار غيره‪.‬‬
‫وقد اختلفت المدارس الفقهية في البحث عن هذا البديل الشرعي‪ ،‬ولع‪KK‬ل أك‪KK‬بر مدرس‪KK‬تين تنتش‪KK‬ران اآلن في‬
‫العالم اإلسالمي‪ ،‬من كليهما تصدر‪ K‬الفتوى فيما يتعلق بهذا الجانب‪ ،‬كما تصدر‪ K‬الفتاوى‪ K‬في غيره‪:‬‬
‫المدرسة المذهبية‪ :‬وهي التي تختار مذهبا واح‪KK‬دا ت‪KK‬رجح اآلراء على أساس‪KK‬ه‪ ،‬كائن‪KK‬ا م‪KK‬ا ك‪KK‬ان ذل‪KK‬ك ال‪KK‬رأي‪،‬‬
‫وترجع‪ K‬عادة إلى كتب المتأخرين من الفقهاء تعتمدها كما تعتمد النصوص القرآنية والنبوية‪ ،‬ب‪KK‬ل ق‪KK‬د تق‪KK‬دمها عليه‪KK‬ا‬
‫في بعض األحيان‪.‬‬
‫المدرسة الالمذهبية‪ :‬وتتمثل في التيار الذي يريد ط‪KK‬رح ك‪KK‬ل االجته‪KK‬ادات الفقهي‪KK‬ة‪ ،‬واالستعاض‪KK‬ة عنه‪KK‬ا بم‪KK‬ا‬
‫ورد في النصوص‪ ،‬وقد تفهم تلك النصوص فهما حرفيا يبعدها عن الواقع بقدر سوء فهمه‪K‬ا‪ K‬وبق‪K‬در س‪K‬وء تحميله‪K‬ا‬
‫لما ال تحتمله‪.‬‬
‫ومن بين هاتين المدرستين نجد مدرس‪KK‬ة تجم‪KK‬ع بين كلت‪KK‬ا المدرس‪KK‬تين من ناحي‪KK‬ة المص‪KK‬ادر‪ ،‬وتض‪KK‬يف إليهم‪KK‬ا‬
‫االهتمام بالبعد الواقعي‪ K‬والمصلحي لألحكام الشرعية‪ ،‬وقد تمثلت في علماء من مختل‪KK‬ف الم‪KK‬ذاهب‪ ،‬وفي العص‪KK‬ور‬
‫المختلفة للتشريع اإلسالمي‪ ،‬قد يصطلح على تسميتها‪ K‬بالمدرسة المقاصدية‪.‬‬
‫وال نريد بها من شذ عن العلماء والمذاهب الفقهية والنصوص الشرعية وادعى االجتهاد من غير اس‪KK‬تكمال‬
‫أدواته‪ ،‬فخرق‪ K‬اإلجماع باجتهاده‪ ،‬ولوى أعناق النصوص‪ ،‬واتهم‪ K‬الفقهاء‪ ،‬التفاتا لمقاص‪KK‬د لم يرده‪KK‬ا الش‪KK‬رع‪ ،‬وإنم‪KK‬ا‬
‫فرضتها األهواء ودعا لها االنسياق‪ K‬وراء المذاهب والتيارات المختلفة‪.‬‬
‫وإنما نريد بهذه المدرسة‪ :‬من تراعي في آرائها النص‪KK‬وص األص‪KK‬لية له‪KK‬ذا ال‪KK‬دين‪ ،‬وتعتبره‪K‬ا‪ K‬األس‪KK‬اس ال‪KK‬ذي‬
‫تنبني عليه المصالح والمفاسد‪ ،‬وتراعي في نفس الوقت اجتهادات العلماء والمذاهب الفقهية وتحترمها‪ ،‬ب‪KK‬ل تراه‪KK‬ا‬
‫خزانها الذي تستمد منه اآلراء التي تخدم بها المقاصد الشرعية‪.‬‬
‫فهي نصية من حيث اعتماد األدل‪K‬ة النص‪K‬ية‪ ،‬ومذهبي‪K‬ة من حيث الرج‪K‬وع للم‪K‬ذاهب المختلف‪K‬ة‪ ،‬ب‪K‬ل مذاهبي‪K‬ة‪،‬‬
‫ألنها ال تنصر مذهبا على مذهب وال تتعصب لمذهب دون مذهب‪ ،‬بل ترى الجم‪KK‬ع بينه‪KK‬ا جميع‪KK‬ا ول‪KK‬و في المس‪KK‬ألة‬
‫الواحدة إذا اقتضى الحال ذلك‪ ،‬ألن الفقهاء اختلفت أقوالهم‪ K‬ومذاهبهم بحسب حاج‪KK‬ات المجتم‪KK‬ع‪ ،‬فل‪KK‬ذلك من الح‪KK‬رج‬
‫الشديد طرح أي رأي من اآلراء أو رميه بالشذوذ‪ K‬أو التشنيع عليه بالبدعة لعدم انس‪KK‬جامه م‪KK‬ع عق‪KK‬ل من العق‪KK‬ول أو‬
‫طريقة من طرق‪ K‬التفكير‪.‬‬
‫فالمذاهب الفقهية جميعا مهما اختلفت مصادرها‪ ،‬واآلراء الفقهي‪KK‬ة جميع‪KK‬ا مهم‪KK‬ا اختل‪KK‬ف الق‪KK‬ائلون به‪KK‬ا تش‪KK‬كل‬
‫الشريعة اإلسالمية‪ ،‬فال ينفرد بالشريعة رأي دون رأي وال مذهب دون مذهب‪ ،‬وم‪KK‬ا ي‪K‬رجح من ه‪KK‬ذا الم‪K‬ذهب هن‪K‬ا‬
‫لهذه الحالة‪ ،‬قد يرجح غيره في مسألة أخرى لحالة أخرى‪.‬‬
‫انطالقا من هذه الرؤية حاولنا في هذه السلسلة من (فقه األسرة)أن نجمع ما أمكن من المسائل المتعلقة بفق‪KK‬ه‬
‫األسرة في نواحيها المختلفة‪:‬‬
‫ناحية تأسيس الحياة الزوجية بمقدماتها وأركانها وموانعها والضوابط التي تحمي هذا التأسيس من عبث العابثين‪.‬‬
‫ناحية الحياة الزوجية‪ ،‬وما تتطلبه من حقوق وواجبات على كال الزوجين‪ ،‬ثم كيفية حماية الحياة الزوجية من أس‪KK‬باب‬
‫الخالف وآثاره‪.‬‬
‫ناحية حل العصمة الزوجية بأنواعها المختلفة وبضوابطها الشرعية‪.‬‬
‫ناحية ثمرة الزواج والمقصد األكبر من مقاصده‪ ،‬وهم األوالد ببيان حقوقهم والضوابط الشرعية التي تحميها وتنفذها‬
‫التنفيذ الصحيح وفق مقاصد الشرع‪.‬‬
‫لنجيب بذلك عن أهم التساؤالت المطروحة حول النظرة اإلسالمية المفص‪KK‬لة لألس‪KK‬رة‪ ،‬أو األس‪KK‬س الش‪KK‬رعية‬
‫التي تقوم عليها عالقة الزوجية في األسرة المس‪KK‬لمة‪ ،‬والحق‪KK‬وق المترتب‪KK‬ة على ه‪KK‬ذه العالق‪KK‬ة‪ ،‬والض‪KK‬وابط‪ K‬الش‪KK‬رعية‬
‫إلنهاء هذه العالقة‪ ،‬والحقوق‪ K‬المتعلقة باألوالد‪ K،‬باعتبارهم‪ K‬ركنا أساسيا من أركان األسرة‪.‬‬
‫وقد حاولنا لإلجابة عن هذه التساؤالت أن نذكر األقوال المختلفة بأدلتها المفصلة‪ ،‬لعلمنا أن الشريعة تتكون‬
‫من هذه األقوال جميعا‪ ،‬وقد‪ K‬وجدنا من خالل البحث في المصادر المختلفة للعلماء المتقدمين اإلجابات الوافي‪KK‬ة عن‬
‫األسئلة المعاصرة بدقة وموضوعية ومقاصدية‪ ،‬بل وجدنا فيها الحل‪KK‬ول للكث‪KK‬ير من القض‪KK‬ايا ال‪KK‬تي يتص‪KK‬ور‪ K‬البعض‬
‫تقصير التشريع اإلسالمي في شأنها‪.‬‬
‫وقد عنونا البحوث المرتبطة بهذا الجانب بـ (فقه األسرة برؤية مقاصدية)‪ ،‬وال بأس أن نش‪KK‬رح هن‪KK‬ا مرادن‪KK‬ا‬
‫من هذا العنوان لداللته على ما نريده من هذه السلسلة‪:‬‬
‫أما كلم‪KK‬ة الفقه فنري‪KK‬د به‪KK‬ا المس‪KK‬ائل العملي‪KK‬ة المتعلق‪KK‬ة باألس‪KK‬رة‪ ،‬فل‪KK‬ذلك لم نتح‪KK‬دث عن الج‪KK‬وانب النظري‪KK‬ة أو‬
‫الفلسفية المحضة إال ما كان له عالقة بالجانب العملي‪.‬‬
‫وقد اخترنا اصطالح األسرة بدل اصطالح األحوال الشخصية‪ ،‬للداللة المقاصدية لمصطلح األسرة‪ ،‬والذي‬
‫يعني أن هذه األحكام ال تتعلق بحالة شخصية قد يتصرف‪ K‬فيها من تعلقت به كما يملي عليه هواه الشخصي‪ ،‬وإنم‪KK‬ا‬
‫تتعلق بمجموعة وتركيبة تستدعي مراعاة كل جزء فيها لألجزاء األخرى‪.‬‬
‫أما الرؤية المقاصدية‪ ،‬فنريد بها اإلشارة إلى أن ما سنذكره في هذا البحث من ترجيحات أو طرق تصنيف‪K‬‬
‫مجرد رؤى‪ K‬حاولنا فيها أن نراعي المقاصد الشرعية كما فهمناها‪ ،‬وهي بالتالي وجه‪KK‬ات نظ‪KK‬ر نعرض‪KK‬ها‪ K‬للمناقش‪KK‬ة‬
‫والبحث‪ ،‬ونحن مستعدون في أي لحظة للتنازل عن أي شيء منها إن تبين لنا الح‪KK‬ق في خالف‪KK‬ه‪ ،‬ول‪KK‬ذلك ميزن‪KK‬ا م‪KK‬ا‬
‫أوردناه من آراء عما ذكره الفقهاء بقولنا (نرى)‬
‫وقد دفعنا لكتابة هذه السلسلة الدوافع‪ K‬التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬الحاجة الواقعية الملحة لإلجابة عن كثير من التساؤالت‪ K‬في هذا الج‪KK‬انب‪ ،‬وال‪KK‬تي يت‪KK‬ولى اإلفت‪KK‬اء فيه‪KK‬ا في‬
‫أحيان كثيرة من ال يحسن النظر في المقاصد الشرعية‪ ،‬فيفتي بناء على رأي من اآلراء لو عاش صاحبه لتركه أو‬
‫ألفتى بغيره‪ ،‬أو بناء على نص قد ال يصح ثبوتا‪ ،‬أو قد يساء فهمه داللة‪ ،‬وهذا م‪KK‬ا دعان‪KK‬ا إلى البحث عن أك‪KK‬ثر م‪KK‬ا‬
‫نجده من مسائل‪ ،‬وتصنيفها بطريقة هي أقرب إلى الفتوى منها إلى الموضوع‪ K‬الفقهي العادي‪.‬‬
‫‪ .2‬الحاجة إلى معرفة األقوال المختلف‪KK‬ة في المس‪KK‬ائل الش‪KK‬رعية‪ ،‬س‪KK‬واء ك‪KK‬انت ه‪KK‬ذه األق‪KK‬وال داخ‪KK‬ل الم‪KK‬ذاهب‬
‫الفقهية المشهورة أو خارجها‪ ،‬ألن اإلفتاء بقول واحد‪ ،‬أو االقتصار‪ K‬على رأي واحد قد يوهم اإلجماع في المس‪KK‬ألة‪،‬‬
‫وقد‪ K‬يضيق بذلك ما وسع هللا‪ ،‬فقد يصلح لزيد من األقوال ما ال يصلح لعمرو‪K.‬‬
‫فلذلك كان تكليف الخلق بقول واحد فيما أراد الشرع وجود الخالف فيه متنافيا‪ K‬مع المقاصد الشرعية‪،‬وال‪KK‬تي‬
‫على أساسها فرق‪ K‬بين قطعي النصوص وظنيها‪ ،‬والزعم بأن هذا الق‪KK‬ول ه‪KK‬و األرجح‪ ،‬وأن غ‪KK‬يره ض‪KK‬عيف أو ش‪KK‬اذ‬
‫نوع من احتكار أحكام هللا التي لم يختص بها فقيه دون فقيه‪ ،‬وس‪KK‬نرى‪ K‬في ه‪KK‬ذه السلس‪KK‬لة كي‪KK‬ف ش‪KK‬نع بعض العلم‪KK‬اء‬
‫على آخرين لقولهم بأن أقصى‪ K‬مدة الحمل تسعة أشهر‪ ،‬ورماهم بأنواع الشذوذ‪ K‬المقاربة للكفر لهذا القول م‪KK‬ع كون‪KK‬ه‬
‫هو األرجح الذي قطع بصحته العلم كما قطع بصحته قبله الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ .3‬الحاجة إلى ذكر األدلة بتفاصيلها وفروعها المختلفة‪ ،‬ولو اقتض‪KK‬ى األم‪KK‬ر اإلطن‪KK‬اب في ذل‪KK‬ك‪ ،‬ألن كث‪KK‬يرا‬
‫من اآلراء ترد وتعتبر‪ K‬خارجة من الشريعة مع قيمتها الواقعية‪ ،‬فإذا ما سئل عن سبب ذل‪KK‬ك قي‪KK‬ل‪ :‬ليس معهم دلي‪KK‬ل‪،‬‬
‫أو رأيهم مرجوح‪ ،‬ولسنا ندري كيف يمكن أن يوجد قول فقهي إلمام مجته‪KK‬د دون أن يك‪KK‬ون ل‪KK‬ه دليل‪KK‬ه ال‪KK‬ذي يس‪KK‬تند‬
‫إلي‪KK‬ه‪ ،‬فل‪KK‬ذلك تقتض‪KK‬ي الموض‪KK‬وعية العلمي‪KK‬ة ال‪KK‬تي حثن‪KK‬ا الش‪KK‬رع على اتباعه‪KK‬ا أن نبحث عن األدل‪KK‬ة من مص‪KK‬ادرها‪K‬‬
‫المختلفة‪ ،‬ثم بعد ذلك ال بأس أن نتوجه لها بالنقد والتمحيص‪ ،‬أما نقدها من غير ذكره‪K‬ا‪ ،‬فه‪K‬و‪ K‬ن‪K‬وع من المص‪K‬ادرة‬
‫على المطلوب‪.‬‬
‫وقد راعينا في هذه السلسلة مجموعة مناهج وط‪KK‬رق بحس‪KK‬ب الموض‪KK‬وع‪ K‬ال‪KK‬ذي ي‪KK‬راد بحث‪KK‬ه‪ ،‬وس‪KK‬نلخص هن‪KK‬ا‬
‫عملنا فيه ليسهل التعامل معه‪:‬‬
‫تصنيف المسائل الفقهية‪ :‬وذلك بحسب موضوعاتها‪ ،‬وقد حاولنا في ه‪K‬ذه السلس‪K‬لة أن نط‪K‬رق‪ K‬ك‪K‬ل م‪K‬ا تمس‬
‫إليه الحاجة من مواضيع الباب دون أن نستثني منها الدقيق أو الجليل‪.‬‬
‫وقد استبعدنا الكالم عن كثير من المسائل الفقهية التي ال ترتبط بواقعنا‪ K‬كالمسائل المتعلق‪KK‬ة باإلم‪KK‬اء والعبي‪KK‬د‪،‬‬
‫وإذا ذكرناها فإنما‪ K‬نذكرها لبعض ما نرى الحاجة إليه‪ ،‬أو للتعرف على أدلتها التي نستفيد منها في المواضيع التي‬
‫لها صلة بالواقع‪.‬‬
‫والواقع الذي نقصده هنا هو واقع المجتمعات اإلسالمية جميعا‪ ،‬فلم نستثن منها مجتمعا دون مجتمع‪ ،‬فهناك‬
‫المجتمعات المحافظة المتشددة‪ ،‬وهناك المجتمعات المتساهلة البعي‪KK‬دة عن كث‪KK‬ير من األحك‪KK‬ام الش‪KK‬رعية‪ ،‬فل‪KK‬ذلك من‬
‫الخطأ أن نحكم على بعض ما سنذكره بأنه بعيد عن الواقع‪ ،‬أو ليست له صلة واقعية بحجة ع‪K‬دم تناس‪K‬به م‪K‬ع واق‪K‬ع‬
‫معين‪.‬‬
‫حصر األقوال الفقهية في المسائل المختلفة‪ :‬وقد حاولن‪KK‬ا لض‪K‬رورة ه‪K‬ذا الحص‪KK‬ر س‪K‬واء لألق‪K‬وال أو لألدل‪K‬ة‬
‫المتعلقة بها أن نتبنى بعض االصطالحات‪ K‬التصنيفية التي نوضحها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ذكرنا االتجاه الع‪KK‬ام للفقه‪KK‬اء في المس‪KK‬ألة مع‪KK‬برين عن‪K‬ه بص‪KK‬يغة [ الق‪KK‬ول ] وع‪KK‬ادة م‪KK‬ا يك‪KK‬ون في المس‪KK‬ائل‬
‫اتجاهان‪ ،‬اتجاه مثبت واتجاه ناف‪ ،‬فيعبر‪ K‬عنهما بالقول األول والقول الثاني‪.‬‬
‫وال يخالف هذا ما قد يذكره الفقهاء من أن في المس‪KK‬ألة أق‪KK‬واال كث‪KK‬يرة‪ ،‬ألن االص‪KK‬طالح ال‪KK‬ذي أردن‪KK‬اه ب‪KK‬القول‬
‫ليس مجرد الخالف‪ ،‬وإنما االتجاه العام الذي ينطلق منه الخالف‪.‬‬
‫‪.2‬تحليل التفريعات المختلفة لكل قول معبرين عن ذلك ب‪KK‬اآلراء‪ ،‬م‪KK‬ع اتف‪KK‬اق ه‪KK‬ذين المص‪KK‬طلحين في الدالل‪KK‬ة‬
‫على الخالف عند كل الفقهاء‪ ،‬وإنما دعانا إلى هذا‪ :‬الض‪KK‬رورة التص‪KK‬نيفية‪ ،‬ف‪KK‬اآلراء المختلف‪KK‬ة والمتفرع‪KK‬ة عن ق‪KK‬ول‬
‫واحد لها دليل واحد في اتجاهها العام‪ ،‬وإن كانت تختلف عنه في التفاصيل‪ ،‬ولو ذكرنا لكل ق‪KK‬ول أدلت‪KK‬ه ألدى ذل‪KK‬ك‬
‫إلى التكرار‪.‬‬
‫والغ‪KK‬رض من ه‪KK‬ذه الطريق‪KK‬ة في ذك‪KK‬ر الخالف ه‪KK‬و أنه‪KK‬ا أس‪KK‬هل في التع‪KK‬رف على اآلراء من ذك‪KK‬ر الم‪KK‬ذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬ألن من يبحث مثال عن الخالف الفقهي في شرط من الشروط‪ K‬كما ت‪KK‬ذكره كث‪KK‬ير من الكتب الناقل‪KK‬ة للخالف‬
‫الفقهي يصعب علي‪KK‬ه ذل‪KK‬ك في أك‪KK‬ثر المس‪KK‬ائل بحيث يتطلب ذل‪KK‬ك من‪KK‬ه االطالع على آراء ك‪KK‬ل م‪KK‬ذهب في الش‪KK‬روط‬
‫جميعا ليتوصل بعدها وبعد الموازنة لما يريده‪.‬‬
‫زيادة على أن تلك الطريقة تحول دون التع‪KK‬رف‪ K‬على الخالف الفقهي غ‪KK‬ير المش‪KK‬تهر‪ ،‬وال‪KK‬ذي أولين‪KK‬اه أهمي‪KK‬ة‬
‫كبرى في هذه السلسلة‪.‬‬
‫وقد حاولن‪K‬ا أن نس‪K‬لك ه‪K‬ذا في أك‪K‬ثر م‪K‬ا نطرح‪K‬ه من مس‪K‬ائل الخالف‪ ،‬ولكن‪K‬ا م‪K‬ع ذل‪K‬ك ق‪K‬د ن‪K‬ذكر أحيان‪K‬ا آراء‬
‫المذاهب الفقهية المنتشرة في العالم اإلسالمي فيم‪KK‬ا يص‪KK‬عب حص‪KK‬ر الخالف في‪KK‬ه‪ ،‬أو بغي‪KK‬ة االطالع على وجه‪KK‬ات‬
‫النظر العامة للمذاهب الفقهية‪ ،‬أو كمقدمة لذكر الفروع المختلف فيها‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكر األدلة المختلفة لكل قول‪ ،‬وقد حاولنا استيعاب أك‪KK‬بر ق‪KK‬در من األدل‪KK‬ة في ذل‪KK‬ك‪ ،‬وحرص‪KK‬ا على أمان‪KK‬ة‬
‫النق‪KK‬ل‪ ،‬ذكرن‪KK‬ا األدل‪KK‬ة كم‪KK‬ا وردت في مص‪KK‬ادرها م‪KK‬ع بعض التص‪KK‬رف في األس‪KK‬لوب لتس‪KK‬هيل م‪KK‬ا ن‪KK‬راه معق‪KK‬دا من‬
‫العبارات‪.‬‬
‫‪ .4‬ترتيب األدلة‪ ،‬وقد حاولنا‪ K‬تصنيف األدلة في وحدات مرتب‪KK‬ة بحس‪KK‬ب المص‪KK‬ادر الش‪KK‬رعية‪ ،‬فب‪KK‬دأنا باألدل‪KK‬ة‬
‫القرآنية‪ ،‬ثم باألحادبث‪ K‬النبوية الشريفة‪ ،‬ثم باآلثار‪ K‬المنقولة عن السلف وغيرهم‪ ،‬ثم باألدلة العقلية مع التركيز‪ K‬على‬
‫األدلة المقاصدية من اعتبار المصالح وسد الذرائع وغيرها‪.‬‬
‫والغرض من هذا التقسيم لألدل‪KK‬ة ه‪KK‬و س‪KK‬هولة االطالع على ك‪KK‬ل دلي‪KK‬ل ومناقش‪KK‬ته بخالف م‪KK‬ا ل‪KK‬و س‪KK‬يق جمل‪KK‬ة‬
‫واحدة‪ ،‬فقد يخفي بعض الدليل بعضه اآلخر‪.‬‬
‫الترجيح‪ :‬وقد ختمنا كل خالف فقهي بذكر ما نراه من ترجيح‪ ،‬وقد اعتمدنا مناهج مختلفة في الترجيح‪ ،‬فقد‬
‫نختار قوال من األقوال في المسألة‪ ،‬فتكون أدلة ترجيحنا هي أدل‪K‬ة الق‪K‬ول الم‪K‬رجح‪ ،‬وق‪K‬د‪ K‬نجم‪K‬ع بين ق‪K‬ولين لرؤيتن‪K‬ا‬
‫عدم التعارض بينهما‪ ،‬أو لتكافئ‪ K‬األدلة بحيث يصعب االنتصار لقول دون قول‪ ،‬وقد نرى رأيا غير م‪KK‬ا ذكرن‪KK‬ا من‬
‫األقوال‪ ،‬وذلك لعدم اإلجماع في المسألة‪ ،‬ونطرحه في هذه الحالة عادة كرأي نراه ال كترجيح نعتمده‪.‬‬
‫ونحاول في أكثر الترجيحات أن ندعم م‪KK‬ا ن‪KK‬راه من آراء بنص‪KK‬وص لعلم‪KK‬اء ذهب‪KK‬وا لنفس ال‪KK‬ترجيح أو ق‪KK‬ريب‬
‫منه‪ ،‬تأييدا لما ذكرنا من الرأي‪ ،‬أو بيانا الحتمال الخالف فيه‪.‬‬
‫ونحب أن ننبه هنا إلى أن هذه الترجيحات قد تنطلق من وجهة نظ‪K‬ر معين‪K‬ة في مس‪K‬ألة من المس‪K‬ائل لتس‪K‬ري‬
‫بعدها لكل الرؤى الترجيحية بعدها‪.‬‬
‫وقد ناقشنا‪ K‬في بعض الترجيحات‪ K‬أصول األدلة التي يعتمد عليها أص‪K‬حاب األق‪KK‬وال في م‪KK‬ا ذهب‪KK‬وا إلي‪K‬ه‪ ،‬وفي‬
‫حال اعتمادهم على النصوص الحديثية تكون مناقشتنا‪ K‬لألدلة في الهامش ال‪KK‬ذي خص‪KK‬ص لمعرف‪KK‬ة درج‪KK‬ة الح‪KK‬ديث‪،‬‬
‫فنذكر‪ K‬ما قال فيه العلماء تصحيحا أو تضعيفا‪.‬‬
‫التوثيق‪ :‬وهو أهم عملية في المنهج الذي حاولنا سلوكه في هذه السلسلة‪ ،‬وسنذكر هن‪KK‬ا منهجن‪KK‬ا في التوثي ‪K‬ق‪K‬‬
‫بحسب المعلومة أو النص المراد توثيقه‪:‬‬
‫القرآن الكريم‪ :‬وقد‪ K‬ذكرنا تخريج اآليات بجانب كل آية مع شكل اآلية‪ ،‬ولم نتوخ الرس‪KK‬م العثم‪KK‬اني‪ K‬من ب‪KK‬اب‬
‫التيسير‪ K‬على من ليست له معرفة بهذا الرسم‪.‬‬
‫السنة المطهرة‪ :‬وقد ذكرنا‪ K‬تخريج األحاديث في الهامش‪ ،‬وذلك بذكر المصادر التي توج‪KK‬د فيه‪KK‬ا األح‪KK‬اديث‬
‫باختالف درجاتها‪ K،‬فلهذا قد أذك‪KK‬ر البخ‪KK‬اري م‪KK‬ع ابن أبي ال‪KK‬دنيا‪ ،‬ألن الغاي‪KK‬ة هي بي‪KK‬ان مص‪KK‬ادر الرواي‪KK‬ات المختلف‪KK‬ة‬
‫للحديث‪ ،‬فالحديث قد يكون صحيحا في أصله‪ ،‬ولكن االستدالل يتوجه للروايات الضعيفة فيه‪ ،‬فل‪KK‬ذلك حاولن‪KK‬ا ذك‪KK‬ر‬
‫أكثر مصادر‪ K‬الحديث الواحد للرجوع إليه‪K‬ا في روايات‪K‬ه المختلف‪K‬ة خاص‪K‬ة إن ك‪K‬ان الح‪K‬ديث مم‪K‬ا ل‪K‬ه عالق‪K‬ة بأحك‪K‬ام‬
‫المسألة‪.‬‬
‫أما إن لم يكن ل‪KK‬ه عالق‪KK‬ة ك‪KK‬برى بأحك‪KK‬ام المس‪KK‬ائل‪ ،‬فنكتفي في‪KK‬ه بع‪KK‬زوه إلى من خرج‪KK‬ه انطالق‪KK‬ا مم‪KK‬ا أوردت‪KK‬ه‬
‫المصادر‪ K‬المهتمة بالتخريج‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في األحاديث التي تتعلق بها األحكام أقوال المحققين من متأخري المحدثين كابن حجر والزيلعي‬
‫والمناوي وابن الجوزي‪ K‬والش‪KK‬وكاني وابن القيم وابن تيمي‪KK‬ة وغ‪KK‬يرهم ممن كتب‪KK‬وا في تخ‪KK‬ريج األح‪KK‬اديث الفقهي‪KK‬ة أو‬
‫توجهوا‪ K‬إليها بالنقد‪.‬‬
‫المذاهب الفقهية‪ :‬وقد رجعنا إلى المص‪KK‬ادر المختلف‪KK‬ة له‪KK‬ذه الم‪KK‬ذاهب س‪KK‬واء ك‪KK‬انت من كتب المتق‪KK‬دمين‪ ،‬أي‬
‫أصول المذاهب‪ ،‬أو من كتب المتأخرين من المتون والشروح والحواشي‪K.‬‬
‫وقد ذكرنا المصادر‪ K‬المعتمدة في كل فقرة في الهامش دون كثرة اللجوء للهامش للتوثيق خشة اإلطال‪KK‬ة‪ ،‬ألن‬
‫المصادر‪ K‬المذكورة تفي بالغرض‪ ،‬وألن الكالم في أحيان كثيرة يكون ملخصا من المصادر المختلفة المذكورة في‬
‫بداية الفقرة‪.‬‬
‫األدل ة الفقهي ة‪ :‬ومرجعن‪KK‬ا فيه‪KK‬ا ع‪KK‬ادة كتب التفس‪KK‬ير والح‪KK‬ديث والفق‪KK‬ه المق‪KK‬ارن والكتب الموس‪KK‬عة للم‪KK‬ذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬وقد‪ K‬ذكرنا توثيقها إما عند ذكر االستدالل أو ضمن كل استدالل‪ ،‬أو عند ذكر اآلراء الفقهية‪.‬‬
‫***‬
‫ويمكن تصنيف‪ K‬المراجع التي اعتمدت عليها في هذه السلسلة إلى نوعين من المراجع‪:‬‬
‫مراجع المذاهب واآلراء الفقهية‪ :‬ويمكن تقسيمها إلى نوعين ‪:‬‬
‫مراجع الفقه المقارن‪ :‬وهي التي أرجع إليه‪K‬ا ع‪K‬ادة في البحث عن الخالف الواق‪K‬ع في ك‪K‬ل مس‪K‬ألة‪ ،‬وأهمه‪K‬ا‬
‫المغني البن قدامة‪ ،‬فقد رأيت أنه المرجع المعتمد عند كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬ومنها المحلى البن‬
‫حزم فقد ذكر فيه كثيرا من األقوال المخالفة لقوله‪ ،‬ومنها المصنفات الخاصة بفقه الس‪K‬لف كمص‪KK‬نف ابن أبي ش‪KK‬يبة‬
‫ومصنف عبد الرزاق‪ ،‬باإلضافة إلى كتب التفسير وش‪KK‬روح الح‪KK‬ديث ال‪KK‬تي اهتمت بالمقارن‪KK‬ة بين الم‪KK‬ذاهب الفقهي‪KK‬ة‬
‫وخاصة التمهيد البن عبد البر وفتح الباري البن حجر‪.‬‬
‫ومع ذلك ال أكتفي في أكثر األحوال بهذه المراجع‪ ،‬بل أرجع لكتب الم‪KK‬ذاهب للتأك‪KK‬د من ص‪KK‬حة م‪KK‬ا ذك‪KK‬ر في‬
‫هذه المراجع‪ ،‬وأحيانا‪ K‬أشير إلى مخالفتها لما ذكره أصحاب المذاهب‪.‬‬
‫مراج ع اآلراء الفقهي ة المختلف ة‪ :‬وهي كتب الم‪KK‬ذاهب الفقهي‪KK‬ة‪ ،‬س‪KK‬واء ك‪KK‬انت أص‪KK‬وال أم متون‪KK‬ا وش‪KK‬روحا‪K‬‬
‫وحواش‪ ،‬وأرجع إليها عادة للتأكد مما ذكره من كتبوا في الخالف في المس‪K‬ألة‪ ،‬زي‪KK‬ادة على ذك‪KK‬ر الف‪KK‬روع المتعلق‪K‬ة‬
‫بالمسائل‪.‬‬
‫مراجع األدلة‪ :‬وهي زيادة على ما ذكر سابقا‪:‬‬
‫كتب التفسير المهتمة بفقه األحكام الشرعية كالقرطبي والجصاص‪ ،‬أو غيرها ك‪KK‬ابن كث‪KK‬ير واأللوس‪KK‬ي وبعض تفاس‪KK‬ير‬
‫اإلمامية المعاصرين‪.‬‬
‫كتب الحديث من الصحاح والس‪K‬نن والمس‪K‬انيد وغيره‪K‬ا من الكتب ال‪K‬تي اش‪K‬تملت على س‪K‬رد األح‪K‬اديث النبوي‪K‬ة وبي‪K‬ان‬
‫درجاتها‪.‬‬
‫شروح الحديث باختالف أنواعها وخاصة نيل األوطار وسبل السالم وشرح النووي على مسلم وشرح مع‪KK‬اني اآلث‪KK‬ار‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫الكتب والرسائل الفقهية المتخصصة كأحكام أهل الذمة وطالق الغضبان البن القيم وأكثر كتبه وكتب ابن تيمية‪.‬‬
‫***‬
‫ومن الص‪KK‬عوبات ال‪KK‬تي ص‪KK‬ادفتها في ه‪KK‬ذه السلس‪KK‬لة المنهج المق‪KK‬ارن ال‪KK‬ذي ح‪KK‬اولت تبني‪KK‬ه في أك‪KK‬ثر المس‪KK‬ائل‬
‫المطروحة‪ ،‬بحيث يصعب في كثير من األحيان تمييز األقوال مع التوثيق‪ K‬للقائلين بها‪.‬‬
‫ومن الصعوبات الكبرى كذلك أن األدلة على بعض المسائل قد تعتمد على رأي أصحاب القول في المسائل‬
‫األخرى‪ ،‬والتي قد تتعارض مع المتفقين معهم في القول في تلك المس‪KK‬ألة‪ ،‬ول‪KK‬ذلك ذكرن‪KK‬ا عن‪KK‬د بي‪KK‬ان االس‪KK‬تدالل في‬
‫أكثر مواضعه عبارة (ومن األدلة على ذلك) لبيان أن هذه األدلة قد يتفق على االستدالل بها أصحاب الق‪KK‬ول نفس‪KK‬ه‬
‫وقد‪ K‬يختلفون‪.‬‬
‫وهذا كله زيادة على الصعوبات المتعلقة ب‪KK‬التوثيق لألق‪KK‬وال‪ ،‬وذل‪KK‬ك مم‪KK‬ا تطلب من‪KK‬ا في بعض األحي‪KK‬ان ذك‪KK‬ر‬
‫نصوص أقوال أئمة المذاهب أو أقوال كبار الفقهاء أو حتى أقوال المتأخرين إما لضرورة توثيق م‪KK‬ا تمس الحاج‪KK‬ة‬
‫إلى زيادة التأكيد في توثيقه أو لبيان وجه االستدالل مما يصعب ذكره على الطريقة التي حاولنا تبنيها‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإن أصبت في بعض ما انتهجته في هذه االسلسلة‪ ،‬فإني‪ K‬أحمد هللا عليه‪ ،‬فله وح‪KK‬ده المن‪K‬ة والفض‪KK‬ل‪،‬‬
‫وإن أخطأت أو قصرت‪ ،‬فهو‪ K‬جهد الضعيف‪ ،‬وأنا شاكر لكل من نبهني لخطأ أو دل‪KK‬ني على ص‪KK‬واب‪ ،‬وأس‪KK‬تغفر هللا‬
‫أوال وآخرا‪.‬‬
‫مقدمة الكتاب‬
‫ال يمكن للبيت المسلم‪ ،‬واألسرة المسلمة أن تؤسس أساسا صحيحا‪ K‬إال إذا صحت األس‪KK‬س ال‪KK‬تي تق‪KK‬وم عليه‪KK‬ا‬
‫تلك األسرة‪ ،‬وأول تلك األسس هي المقدمات التي يبدأ بها البيت المسلم وجهت‪K‬ه لتحقي‪K‬ق عبوديت‪K‬ه هلل‪ ،‬فمن أش‪K‬رقت‬
‫بدايته أشرقت نهايته‪ ،‬وما صلح أوله حفظ آخره‪.‬‬
‫فلذلك كان أول ما ينبغي االهتمام به هو البحث عن ه‪KK‬ذه المق‪KK‬دمات على ض‪KK‬وء م‪KK‬ا أرادت الش‪KK‬ريعة‪ ،‬وعلى‬
‫ضوء ما يقصد الشرع في هذا من مقاصد‪.‬‬
‫وقد رأينا أن هذه المقدمات ال تعدو المقدمات الستة التالية‪:‬‬
‫حقيقة الزواج وحكمه‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ .2‬المقاصد الشرعية من الزواج‬
‫‪ .3‬تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األسرة‬
‫‪ .4‬الضوابط الشرعية الختيار الزوجين‬
‫‪ .5‬أحكام الخطبة‬
‫‪ .6‬أحكام الزفاف‬
‫ألن من أراد الزواج يحتاج أوال إلى معرفة الحكم الشرعي المتعلق بحاله‪ ،‬حتى يق‪K‬دم علي‪K‬ه انطالق‪K‬ا من أم‪K‬ر هللا ال‬
‫من هواه‪ ،‬فيتعبد هللا بزواجه‪.‬‬
‫ثم يحتاج إلى معرفة مقاص‪K‬د ال‪K‬زواج ليراعيه‪K‬ا‪ ،‬أو ليض‪K‬بط نفس‪K‬ه على مراعاته‪K‬ا‪ ،‬ح‪K‬تى تنطل‪K‬ق حياتت‪K‬ه الزوجي‪K‬ة‬
‫انطالقة صحيحة‪.‬‬
‫ثم يحتاج إلى معرفة تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األس‪KK‬رة ح‪KK‬تى يطبقه‪KK‬ا في حيات‪KK‬ه الزوجي‪KK‬ة لتس‪KK‬تمر وف‪KK‬ق‬
‫الرؤية الشرعية‪.‬‬
‫ثم يقدم على اختيار من يرغب في الزواج منها‪ ،‬أو تقدم على القبول بمن تقدم إليها‪ ،‬انطالقا من الضوابط الشرعية‬
‫التي تحفظ الحياة الزوجية‪ ،‬ال انطالقا من األهواء التي قد تنحرف بالمقاصد عن وجهتها الشرعية‪.‬‬
‫ثم تكون الخطبة والزفاف ـ وكالهما من مقدمات الزواج الشرعية والواقعي‪K‬ة ـ انطالق‪K‬ا من الض‪K‬وابط الش‪K‬رعية ال‬
‫األعراف والتقاليد‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫حقيقة الزواج وحكمه‬
‫من األمور األساسية التي يلزم الراغب في الزواج التعرف عليها التعرف على‪:‬‬
‫‪ .1‬الحقيقة الشرعية للزواج‪ :‬وذلك ألن الحقيقة الشرعية لألشياء هي أول ما ينطلق منه المسلم في أي س‪KK‬لوك أو‬
‫عمل يقوم به‪ ،‬فالمصطلح الواحد قد يشترك في استعماله المحق والمبطل‪ ،‬والشرع والهوى‪.‬‬
‫‪ .2‬مشروعية الزواج‪ :‬فال يحل القدوم على أمر قبل معرفة حكم هللا فيه‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬يا َأ ُّي َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تُ َق‪ِّ K‬د ُموا‬
‫َي هَّللا ِ َو َرسُو ِل ِه َواتَّقُوا هَّللا َ ِإ َّن هَّللا َ َس ِمي ٌع َع ِلي ٌم﴾ (الحجرات‪)1 :‬‬
‫َب ْينَ َيد ِ‬
‫‪ .3‬أحكام الزواج المرتبطة بالحاالت المختلفة‪ :‬لينزلها كل شخص على حالته الخاصة‪.‬‬
‫وقد‪ K‬خصصنا مبحثا خاصا لكل أمر من هذه األمور‪.‬‬
‫أوال ـ الحقيقة الشرعية للزواج‬
‫التعريف اللغوي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ لفظ النكاح(‪ :)1‬يطلق لفظ النكاح في اللغة على أمور منها‪:‬‬
‫الزواج‪ :‬يقال‪ :‬امرأَة يَ ْن ِكحُها نِكاح‪K‬ا ً إِذا تزوجه‪K‬ا‪ K،‬تق‪K‬ول‪ :‬نَكَحْ تُه‪KK‬ا ونَكَحْ ت هي أي ت‪KK‬ز َّوجت؛ وهي ن‪KK‬اكح فـي‬
‫َ‬
‫بنـي فالن أَي ذات زوج منهم‪ .‬قال األَعشى فـي نَ َك َح بمعنى تزوج‪:‬‬
‫ـن جـارةً إِ َّن ِسـرَّهـا علـيـك حرا ٌم فـا ْن ِك َح ْن أَو تَـأَبَّـدا‬ ‫وال تَـ ْق َ‬
‫ـربَ َّ‬
‫الوطء‪ :‬يقال‪ :‬نَ َك َحه‪KK‬ا يَ ْن ِكحُه‪KK‬ا إذا باض‪KK‬عها‪ ،‬ق‪K‬ال األَزه‪K‬ري‪ K:‬أَص‪K‬ل النك‪KK‬اح فـي كالم الع‪KK‬رب ال‪KK‬وطء‪ ،‬وقـيل‪K‬‬
‫للتزوّج نكاح ألَنه سبب للوطء الـمباح‪ ،‬وقال ابن سيده‪ :‬النِّكا ُح البُضْ عُ‪ ،‬وذلك من نوع ا ِإلنس‪KK‬ان خاص‪KK‬ة‪ ،‬واس‪KK‬تعمله‬
‫الذباب؛ نَ َك َحهَا يَنِكحُها نَ ْكحا ً ونِكاحاً‪ ،‬ورجل نُ َك َحةٌ ونَ َكحٌ‪ :‬كثـير النكاح‪.‬‬ ‫ثعلب فـي ُّ‬
‫‪ 2‬ـ لفظ الزواج(‪ :)2‬الزوج خالف الفَرْ ِد‪ .‬يقال‪ :‬زَ وْ ٌج أَو فَ‪K‬رْ ٌد‪ ،‬كم‪K‬ا يق‪K‬ال َش‪ْ K‬ف ٌع أَو ِو ْت‪K‬رٌ؛ ويق‪K‬ال هم‪K‬ا زَ وْ ج‪K‬ان‬
‫ين ال‪KK‬زوج االثن‪KK‬ان‬ ‫‪K‬ر ٌ‬‫َّان وهما َسوا ٌء؛ ق‪KK‬ال ابن س‪KK‬يده‪ :‬ال‪َّ K‬زوْ ُج الفَ‪KK‬رْ ُد ال‪KK‬ذي ل‪KK‬ه قَ‪ِ K‬‬ ‫لالثنـين وهما َزوْ ٌج كما يقال هما ِسي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫عال زوجا حمام؛ يعنـي ذكرين أو أأنثـيـين وقـيل يعنـي ذكرا وأنثى وال يقال زوج حمام ألن ال‪KK‬زوج‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وعنده زَ وْ َجا‪ K‬نِ ٍ‬
‫هنا هو الفرد‪.‬‬
‫قال أَبو بك‪KK‬ر‪ :‬العام‪KK‬ة تخطئ فتظن أن ال‪KK‬زوج اثن‪KK‬ان ولـيس ذل‪KK‬ك من م‪KK‬ذاهب الع‪KK‬رب إِذ ك‪KK‬انوا ال يتكلـمون‬ ‫َ‬
‫مام ولكنهم يثنونه فـيقولون عن‪K‬دي زوج‪K‬ان من الـحمام يعن‪K‬ون ذك‪K‬راً وأُن‪K‬ثى‬ ‫ج ُم َوحَّداً فـي مثل قولهم زَ وْ ُج َح ٍ‬ ‫بال َّزوْ ِ‬
‫َ‬
‫وعندي زوجان من الـخفاف يعنون الـيمين والشمال ويوقعون ال‪َّ K‬زوْ َجي ِْن على الجنس‪KK‬ين الـمختلفـين نـحو األس‪KK‬ود‬
‫واألَبـيض والـحلو والـحامض قال ابن س‪K‬يده‪ :‬وي‪K‬دل علـى أَن ال‪K‬زوجين فـي كالم الع‪K‬رب اثن‪K‬ان ق‪K‬ول هَّللا تع‪K‬الى ‪:‬‬
‫الذ َك َر َواأْل ُ ْنثَى﴾(النجم‪)45K:‬؛ فكل واحد منهما كما ترى زوج ذك‪K‬راً ك‪K‬ان أَو أُن‪K‬ثى ومثل‪K‬ه قول‪K‬ه‬ ‫ق ال َّزوْ َج ْي ِن َّ‬‫﴿ َوأَنَّهُ َخلَ َ‬
‫اس‪K‬لُ ْ‪K‬ك فِيهَ‪KK‬ا ِم ْن ُك‪ٍّ K‬ل َزوْ َج ْي ِن ْاثنَ ْي ِن ﴾‬ ‫ُ‬
‫تعالى‪ ﴿:‬فَ َج َع َل ِم ْنهُ ال‪َّ K‬زوْ َج ْي ِن ال‪َّ K‬ذ َك َر َواأْل نثَى﴾(القيام‪KK‬ة‪)39:‬وق‪KK‬ال هَّللا تع‪KK‬الى ‪ ﴿:‬فَ ْ‬
‫(المؤمنون‪)27:‬‬
‫اج ﴾(األنع‪KK‬ام‪:‬‬ ‫ت الط‪KK‬ير ا ْفتِع‪KK‬ا ٌل من‪KK‬ه؛ وقول‪KK‬ه تع‪KK‬الى ﴿ ثَ َمانِيَ‪K‬ةَ أَ ْز َو ٍ‬ ‫اويج وقد ْ‬
‫ازد ََو َج ِ‬ ‫ويجمع الزوج أَ ْز َواجا وأَزَ َ‬
‫‪)143‬؛ أَراد ثمانـية أَفراد دل علـى ذل‪KK‬ك؛ ق‪KK‬ال وال تق‪KK‬ول للواح‪KK‬د من الط‪KK‬ير َزوْ ٌج كم‪KK‬ا تق‪KK‬ول لالثنـين زوج‪KK‬ان ي‪KK‬ل‬
‫يقولون للذكر فرد ولألُنثى فَرْ َدةٌ‪.‬‬
‫اج ﴾(األنعام‪)143:‬؛ يريد ثمانـية أَفراد؛ واألَصل‬ ‫ويقال للرجل والـمرأَة الزوجان قال هَّللا تعالى‪﴿ :‬ثَ َمانِيَةَ أَ ْز َو ٍ‬
‫ع من كل شيء وكل شيئين مقترنـين شكلـين كانا أَو نقـيضين فهما زوجان‪.‬‬ ‫ج الصِّ ْنفُ والنَّوْ ُ‬ ‫فـي ال َّزوْ ِ‬
‫التعريف اإلصطالحي‪:‬‬

‫لسان العرب‪ ،2/625 :‬النهاية‪.5/113 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫لسان العرب‪ ،2/291:‬محتار الصحاح‪.117:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اختلفت تع‪KK‬اريف الفقه‪KK‬اء لل‪KK‬زواج بحس‪KK‬ب آرائهم في‪KK‬ه وتص‪KK‬وراتهم ل‪KK‬ه‪ ،‬فل‪KK‬ذلك س‪KK‬نذكر بعض النم‪KK‬اذج له‪KK‬ذه‬
‫التعاريف‪ ،‬مع إرجاء ما يتعلق بها من شرح وتفصيل لمحله‪:‬‬
‫‪ .1‬عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو بترجمته (‪.)1‬‬
‫‪ .2‬حصول السكن واالزدواج بين الزوجين لمنفعة المتعة وتوابعها(‪.)2‬‬
‫‪ .3‬عقد بين الزوجين يحل به الوطء(‪.)3‬‬
‫‪ .4‬هو عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمته‪K‬ا ببين‪K‬ة قبل‪K‬ه غ‪K‬ير ع‪K‬الم عاق‪K‬دها حرمته‪K‬ا إن حرمه‪K‬ا‬
‫الكتاب على المشهور أو اإلجماع على اآلخر(‪.)4‬‬
‫ضوابط التعريف‪:‬‬
‫للتعاريف المتقدمة ضوابط‪ K‬كثيرة سنتعرف‪ K‬عليها في محالها من هذه السلسلة‪ ،‬وسنكتفي هنا بضابطين‪ ،‬هما‬
‫ألصق ما يكون بحقيقة النكاح الشرعية‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫حقيقة النكاح‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حقيقة النكاح الشرعية‪ ،‬هل هي العقد أم الوطء أم كالهما على األقوال التالية‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن لفظ النكاح يطلق حقيقة على الوطء‪ ،‬مجازا على العقد‪ ،‬وهو قول الحنفية‪ ،‬والمش‪KK‬هور‪ K‬عن‪KK‬د‬
‫اإلمامية(‪ ،)5‬واستدلوا على ذلك بما يلي(‪:)6‬‬
‫‪K‬اح ﴾‬ ‫ْ‬
‫‪ .1‬أن اسم النكاح في الشريعة يدل على معناه الحقيقي‪ ،‬فقد قال هللا تعالى‪َ ﴿:‬وا ْب َتلُوا ال َي َت‪KK‬ا َمى َحتَّى ِإ َذا َب َل ُغ‪KK‬وا ال ِّن َك‪َ K‬‬
‫ال‪K‬زا ِني اَل َين ِكحُ إاَّل‬ ‫ِ(النساء‪)6 :‬يعني االحتالم‪ ،‬فإن المحتلم ي‪K‬رى في منام‪K‬ه ص‪K‬ورة ال‪K‬وطء‪ ،‬وق‪K‬ال هللا تع‪K‬الى ‪َّ ﴿:‬‬
‫زَان َأوْ ُم ْش ِر ٌك َوحُرِّ َم َذ ِلكَ َع َلى ْال ُم ْؤ ِم ِنين﴾َ(النور‪ )3 :‬والم‪KK‬راد ال‪KK‬وطء‪ ،‬أم‪KK‬ا‬ ‫زَا ِن َي ًة َأوْ ُم ْش ِر َك ًة َو َّ‬
‫الزا ِن َيةُ اَل َين ِكحُ َها ِإاَّل ٍ‬
‫في الموضع الذي حمل على العقد فذلك لدليل اقترن به من ذكر العقد أو خطاب األولي‪K‬اء في قول‪K‬ه‪َ ﴿ :‬و َأن ِكحُ‪K‬وا‬
‫اأْل َ َيا َمى ِم ْن ُك ْم ﴾ (النور‪)32 :‬أو اشتراط إذن األهل في قوله تعالى ‪َ ﴿:‬فان ِكحُوه َُّن ِبإِ ْذ ِن أ ْه ِل ِه َّن ﴾(النساء‪)25 :‬‬
‫‪ .2‬أن النكاح في اللغة عبارة عن الوطء‪ ،‬تقول العرب‪ :‬تناكحت العرى أي تناتجت ويقول‪ :‬أنكحنا العرى فسنرى‬
‫ألمر يجتمعون عليه وينظرون ماذا يتولد منه‪ ،‬وحقيقة المعنى فيه هو الضم ومنه يقال‪ :‬أنكح الظ‪K‬ئر ول‪K‬دها أي‬
‫ألزمه‪ ،‬وقال القائل‪ :‬إن القبور تنكح األيامى والنسوة األرامل اليت‪K‬امى أي تض‪K‬مهن إلى نفس‪K‬ها واح‪K‬د الواط‪K‬ئين‬
‫ينضم إلى صاحبه في تلك الحالة فسمي فعلهما نكاحا‪.‬‬
‫‪ .3‬أن لفظ النكاح استعير للعقد مجازا إما ألنه سبب شرعي يتوصل به إلى الوطء‪ ،‬أو ألن في العقد معنى الض‪KK‬م‪،‬‬
‫فإن أحدهما ينضم به إلى اآلخر ويكونان كشخص واحد في القيام بمصالح المعيشة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬هو حقيقة في العقد‪ ،‬مجاز في الوطء‪ ،‬فيحم‪KK‬ل علي‪KK‬ه بقرين‪KK‬ة‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول الجمه‪KK‬ور‪ ،‬واس‪KK‬تدلوا‪K‬‬
‫على ذلك بما يلي(‪:)7‬‬
‫‪ .1‬أن األشهر استعمال لفظة النكاح بإزاء العقد في الكتاب والسنة ولسان أهل العرف‪ ،‬وقد قي‪KK‬ل‪ :‬ليس في الكت‪KK‬اب‬
‫طلَّ َق َها َفاَل ت َِحلُّ َلهُ ِم ْن َبعْ ُد َحتَّى تَن ِك َح زَوْجًا َغي َْرهُ ﴾(البقرة‪)230:‬‬‫لفظ نكاح بمعنى الوطء‪ ،‬إال قوله تعالى‪َ ﴿:‬فإِ ْن َ‬
‫‪ .2‬أنه يصح نفيه عن الوطء‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا سفاح وليس بنكاح وقد روي عنه ‪ ‬أنه قال ‪(:‬ولدت من نكاح‪ ،‬ال من‬
‫سفاح)(‪،)8‬ويقال عن السرية‪ :‬ليست بزوجة‪ ،‬وال منكوحة‪.‬‬
‫‪ )(1‬حاشيتا قليوبي وعميرة‪ ،3/207 :‬غاية البيان شرح ابن رسالن‪.1/246:‬‬
‫‪ )(2‬الفتاوى الكبرى‪.6/261 :‬‬
‫‪ )(3‬البحر الزخار‪.4/3 :‬‬
‫‪ )(4‬هذا التعريف الذي أورده المالكية للزواج من أشهر التعاريف عندهم‪ ،‬انظر‪ :‬شرح حدود ابن عرفة‪.152 :‬‬
‫‪ )(5‬مختلف الشيعة‪ :‬كتاب النكاح ج ‪ 7‬ص ‪..35‬‬
‫‪ )(6‬المبسوط‪ ،4/192:‬الجصاص‪ ،3/391 :‬كشف األسرار‪.2/64 :‬‬
‫‪ )(7‬المغني‪ ،7/3 :‬فروق القرافي‪.3/145 :‬‬
‫‪ )(8‬رواه الطبراني والبيهقي من طريق أبي الحويرث عن بن عباس وسنده ضعيف ورواه الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن س‪KK‬عد‬
‫من طريق عائشة وفي‪KK‬ه الواق‪KK‬دي ورواه عب‪KK‬د ال‪KK‬رزاق عن بن عيين‪KK‬ة عن جعف‪KK‬ر بن محم‪KK‬د عن أبي‪KK‬ه مرس‪KK‬ال‪ ،‬انظ‪KK‬ر‪ :‬تلخيص الحب‪KK‬ير‪:‬‬
‫‪ .3‬أن النكاح أحد اللفظين اللذين ينعقد بهما عقد النكاح‪ ،‬فكان حقيقة فيه‪ ،‬كاللفظ اآلخر‪.‬‬
‫‪ .4‬أن ما ذك‪K‬ره أص‪K‬حاب الق‪K‬ول الث‪K‬الث يفض‪K‬ي إلى ك‪K‬ون اللف‪K‬ظ مش‪K‬تركا وه‪K‬و على خالف األص‪K‬ل‪ ،‬وم‪K‬ا ذك‪K‬ره‬
‫أصحاب القول األول يدل على االستعمال في الجملة‪.‬‬
‫‪ .5‬أنه لو قدر كونه مجازا في العقد لكان اسما عرفي‪K‬ا‪ ،‬يجب ص‪K‬رف اللف‪K‬ظ عن‪K‬د اإلطالق إلي‪K‬ه‪ ،‬لش‪K‬هرته‪ ،‬كس‪K‬ائر‬
‫األسماء العرفية‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أنه حقيقة في العقد والوطء‪ ،‬وهو قول القاضي من الحنابلة‪ ،‬قال‪ :‬األشبه بأصلنا أنه حقيقة في‬
‫العقد والوطء‪ K‬جميعا‪ ،‬لقولنا بتحريم موطوءة األب من غير تزويج‪ ،‬لدخوله في قوله تع‪KK‬الى‪َ ﴿ :‬واَل تَن ِك ُح‪KK‬وا َم‪KK‬ا نَ َك َح‬
‫سا ِء ﴾(النساء‪)1()22:‬‬ ‫آبَا ُؤ ُك ْ‪K‬م ِم ْن النِّ َ‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن الخالف في هذه المسألة مع كثرة الجدل حولها خالف لفظي باعتبارين‪:‬‬
‫باعتبار الداللة اللغوية والشرعية‪ :‬فقد ورد اللفظ ـ كما رأينا في اللغة ـ للداللتين جميعا‪ ،‬وال يصح ت‪KK‬رجيح‬
‫إحداهما على األخرى من هذه الجهة‪.‬‬
‫وفي النصوص الشرعية ورد كذلك للداللتين جميعا‪ ،‬فقد جاء في القرآن للعقد باتف‪KK‬اق كم‪KK‬ا في قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪:‬‬
‫اب لَ ُك ْم ِمنَ النِّ َسا ِء﴾(النساء‪)3:‬وقوله تعالى‪ ﴿:‬فَان ِكحُوه َُّن بِإِ ْذ ِن أ ْهلِ ِه َّن ﴾(النساء‪)25:‬وقوله‪َ ﴿ :‬وأَن ِكحُوا‬ ‫﴿ فَان ِكحُوا‪َ K‬ما طَ َ‬
‫اأْل َيَا َمى ِم ْن ُك ْم ﴾(النور‪ ،)32:‬وجاء للوطء كما في قوله تعالى ‪َ ﴿ ﴿:‬وا ْبتَلُوا اليَتَا َمى َحتَّى إِ َذا بَلَ ُغ‪KK‬وا النِّ َك‪KK‬ا َح ﴾ ِ(النس‪KK‬اء‪:‬‬
‫ْ‬
‫‪ ،)6‬أي إذا بلغ اليتامى وقت القدرة على وطء النساء‪.‬‬
‫باعتبار األثر العملي للخالف‪ :‬وقد اعتبر بعضهم‪ K‬أن لهذا الخالف أثرا عمليا‪ ،‬ومن ذل‪KK‬ك قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪َ ﴿ :‬واَل‬
‫تَن ِكحُوا َما نَ َك َح آبَا ُؤ ُك ْم ِم ْن النِّ َسا ِء ﴾(النساء‪)22:‬فإن معناها على اعتبار أن النكاح يراد ب‪KK‬ه ال‪KK‬وطء ‪(:‬وال تطئ‪KK‬وا م‪KK‬ا‬
‫وطئ‪ K‬آباؤكم)‪ ،‬ويتناول‪ K‬ذلك الحالل والحرام‪ ،‬وتثبت باآلية حرمة المصاهرة بوطء األجنبي‪KK‬ة‪ ،‬وعلى الق‪KK‬ول اآلخ‪KK‬ر‬
‫معناها ‪(:‬ال تعقدوا على ما عقد عليه آباؤكم)وال يثبت بها حرمة المصاهرة بوطء األجنبية‪.‬‬
‫ومثله قوله تعالى‪ ﴿ :‬فَإِ ْن طَلَّقَهَا فَاَل تَ ِحلُّ لَهُ ِم ْن بَ ْع ُد َحتَّى تَن ِك َح زَ وْ جًا َغي َْرهُ ﴾ (البقرة‪)2()230:‬فبعض‪KK‬هم حم‪KK‬ل‬
‫النكاح على العقد‪ ،‬فقال في اآلية مد الحرمة إلى غاية وهي العقد وظاهرها يقتضي أن تنتهي عند العقد وال يشترط‬
‫الوطء لحل المطلقة ثالثا كما هو مذهب سعيد بن المسيب‪ ،‬لكن زيد عليه الوطء بخبر ذوق العسيلة وهو مش‪KK‬هور‪،‬‬
‫(‪)3‬وبعضهم حملها على الوطء الذي نص عليه الحديث الشريف(‪.)4‬‬
‫ونرى أن ما ذكر من هذا األثر العملي غير صحيح‪ ،‬ألن هذه األقوال والخالفات الواردة فيها ال تستند فق‪KK‬ط‬
‫للتفريق بين معنيي النكاح‪ ،‬وإنما لها أدلتها الخاصة‪ ،‬كما سنرى في محله إن شاء هللا‪.‬‬
‫نوع الملكية في الزواج‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن النكاح من باب تمليك االنتفاع ال من باب تمليك المنفعة ألنه يج‪KK‬وز لل‪KK‬زوج أن يباش‪KK‬ر‬
‫بنفسه المنفعة‪ ،‬وليس له أن يمكن غيره من تلك المنفعة‪ ،‬فهو ليس مالكا للمنفعة‪ ،‬بل مقتضى عقد النكاح أن‪KK‬ه ينتف‪KK‬ع‬
‫هو خاصة ال مالك المنفعة‪.‬‬
‫والفرق بين النوعين هو أن تمليك االنتفاع يجيز له أن يباشر هو بنفس‪KK‬ه فق‪KK‬ط االنتف‪KK‬اع ال‪KK‬ذي تملك‪KK‬ه‪ ،‬ومثال‪KK‬ه‬
‫سكنى المدارس والمجالس في الجوامع والمساجد واألسواق ومواضع‪ K‬النسك كالمطاف والمسعى‪ K‬ونحو ذل‪KK‬ك‪ ،‬فل‪KK‬ه‬
‫أن ينتفع بنفس‪KK‬ه فق‪KK‬ط‪ ،‬ول‪KK‬و ح‪KK‬اول أن ي‪KK‬ؤاجر بيت المدرس‪KK‬ة أو يس‪KK‬كن غ‪KK‬يره أو يع‪KK‬اوض علي‪KK‬ه بطري‪K‬ق‪ K‬من ط‪KK‬رق‬
‫‪ ،3/176‬خالصة البدر المنير‪.2/198 :‬‬
‫‪ )(1‬المغني‪.7/3 :‬‬
‫‪ )(2‬وبعض المحققين من الحنفية حملوا النكاح المذكور في هذه اآلية على الوطء‪ ،‬وق‪K‬الوا ذك‪KK‬ر العق‪KK‬د مس‪KK‬تفاد ب‪KK‬ذكر قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪:‬‬
‫زوجا غيره ﴾ ‪ ،‬فال يصير زوجا إال بالعقد‪ ،‬فال يحمل النكاح على العقد ألنه يكون تكرارا غير مفيد فحملوه على الوطء وصار معن‪K‬اه‪:‬‬
‫فال تحل هذه المطلقة ثالثا حتى تمكن من وطئها رجال‪ ،‬وقد تزوجها بعد انقضاء عدتها من األول‪.‬‬
‫‪ )(3‬طلبة الطلبة‪.38 :‬‬
‫‪ )(4‬حاشيتا قليوبي وعميرة‪.3/207 :‬‬
‫المعاوضات‪ K‬امتنع ذلك‪.‬‬
‫أما تمليك المنفع‪KK‬ة فه‪KK‬و أعم وأش‪KK‬مل فيباش‪KK‬ر بنفس‪KK‬ه ويمكن غ‪KK‬يره من االنتف‪KK‬اع‪ ،‬ومثال‪KK‬ه من اس‪KK‬تأجر دارا أو‬
‫اس‪KK‬تعارها فل‪KK‬ه أن يؤاجره‪KK‬ا من غ‪KK‬يره‪ ،‬أو يس‪KK‬كنه بغ‪KK‬ير ع‪KK‬وض ويتص‪KK‬رف‪ K‬في ه‪KK‬ذه المنفع‪KK‬ة تص‪KK‬رف‪ K‬المالك في‬
‫أمالكهم على جري العادة‪ ،‬على الوجه الذي ملكه‪ ،‬فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناول‪KK‬ه عق‪KK‬د اإلج‪KK‬ارة‪،‬‬
‫أو أشهدت به العادة في العارية(‪.)1‬‬
‫ثانيا ـ مشروعية الزواج‬
‫دلت األدلة الكث‪K‬يرة من الكت‪K‬اب والس‪K‬نة على مش‪K‬روعية ال‪K‬زواج‪ ،‬وله‪K‬ذا انعق‪K‬د اإلجم‪K‬اع على ذل‪K‬ك‪ ،‬وص‪K‬ار‬
‫معلوما من الدين بالضرورة‪ ،‬وسنسوق‪ K‬في هذا المبحث ما أمكن من النصوص المثبتة لهذه المشروعية‪:‬‬
‫من القرآن الكريم ‪:‬‬
‫وردت النصوص القرآنية الكث‪K‬يرة الدال‪K‬ة على مش‪K‬روعية ال‪K‬زواج والحث علي‪K‬ه وبي‪K‬ان الكث‪K‬ير من أحكام‪K‬ه‪،‬‬
‫والمصححة لكثير من األخطاء حوله‪ ،‬وسنسرد هذه النصوص وما يتعلق به‪KK‬ا من أحك‪KK‬ام في مواض‪KK‬عها الخاص‪KK‬ة‪،‬‬
‫ونكتفي هنا ببعض النصوص كنماذج لما ورد في القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ .1‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬و ِم ْن آ َيا ِت ِه َأ ْن خَ َل َق َل ُك ْم ِم ْن َأنفُ ِس ُك ْم َأ ْز َواجًا ِلتَسْ ُكنوا ِإل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َنك ْم َم َودة َو َرحْ َم‪ K‬ة ِإن ِفي ذ ِل‪KK‬كَ َي‪KK‬ا ٍ‬
‫ت‬ ‫آَل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وْم َي َت َف َّكرُونَ ﴾ (الروم‪ ،)21 :‬ففي هذه اآلية توجيه لألنظار للنعم التي وضعها هللا تعالى في الزواج‪ ،‬وكيف هيأ‬ ‫ِل َق ٍ‬
‫الزوجين لبعضهما لتنتج عن ذلك المودة والرحمة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫اَّل‬
‫ُول أ ْن َي‪K‬أ ِت َي ِبآ َي‪ٍ K‬ة ِإ ِب‪K‬إِذ ِن ِ ِلك‪K‬لِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ .2‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬و َل َق ْد َأرْ َس ْلنَا رُ ُساًل ِم ْن َق ْب ِلكَ َو َج َع ْلنَا َله ُْم أز َواجًا َوذرِّ يَّة َو َما َكانَ ِل َرس ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َأ َج ٍل ِكتَاب﴾ٌ(الرعد‪ ،)38 :‬وفي هذه اآلية إخبار بأن الزواج من سنن المرس‪KK‬لين‪ ،‬وفي‪KK‬ه رد بلي‪KK‬غ على الممتنعين‬
‫عنه بحجة التعبد والتبتل‪.‬‬
‫اس ٌع‬ ‫‪ .3‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬و َأن ِكحُوا اأْل َ َيا َمى ِمنك ْم َوالصَّا ِل ِحينَ ِم ْن ِع َبا ِدك ْم َو ِإ َما ِئك ْم ِإ ْن َيكونوا ف َق َرا َء يُغ ِن ِه ْم ُ ِم ْن َفضْ ِل ِه َو ُ َو ِ‬
‫هَّللا‬ ‫هَّللا‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َع ِلي ٌم﴾(النور‪ ،)32 :‬وفي هذه اآلية حث على تزويج من للمسلم والية عليهم‪ ،‬ونهي عن جعل الفق‪K‬ر ح‪K‬اجزا بين‬
‫المؤمن والزواج‪.‬‬
‫ث َورُ َب‪KK‬ا َع َف‪K‬إِ ْن ِخ ْفتُ ْم َأاَّل‬ ‫ُ‬
‫اء َمثنَى َوثاَل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪K‬اب َلك ْم ِمنَ ال ِّن َس‪ِ K‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اَّل‬ ‫ْ‬
‫‪ .4‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬و ِإ ْن ِخفتُ ْم أ تُق ِسطوا ِفي ال َيتَا َمى َفان ِكحُوا َما ط‪َ K‬‬
‫ت َأ ْي َم‪K‬انُ ُك ْم َذ ِل‪K‬كَ َأ ْدنَى َأاَّل َتعُولُ‪K‬وا﴾(النس‪K‬اء‪ )3 :‬وفي ه‪K‬ذه اآلي‪K‬ة إج‪K‬ازة للتع‪K‬دد في إط‪K‬اره‬ ‫اح‪َ K‬د ًة َأوْ َم‪K‬ا َم َل َك ْ‬‫تَعْ ِدلُوا َف َو ِ‬
‫الشرعي الصحيح‪ ،‬وتنبيه للعلة من إجازته‪.‬‬
‫من السنة النبوية‪:‬‬
‫وردت النصوص الكثيرة عنه ‪ ‬في الحث عل الزواج والترغيب فيه‪ ،‬وقد أفردت لها المصنفات‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر الهيثمي ‪(:‬األصل فيه قبل اإلجم‪K‬اع اآلي‪KK‬ات واألخب‪KK‬ار الكث‪KK‬يرة‪ ،‬وق‪K‬د جمعته‪KK‬ا ف‪K‬زادت على المائ‪KK‬ة بكث‪K‬ير في‬
‫تصنيف‪ K‬سميته اإلفصاح عن أحاديث النك‪K‬اح)(‪ ،)2‬وسنس‪KK‬وق‪ K‬األح‪K‬اديث المتعلق‪K‬ة بك‪K‬ل ب‪K‬اب من أب‪K‬واب ال‪K‬زواج في‬
‫محله‪ ،‬وسنذكر‪ K‬هنا بعض النصوص المرغبة في الزواج كأمثلة عنها‪:‬‬
‫‪ .1‬قال ‪(: ‬ما استفاد المؤمن بعد تقوى هللا عز وجل خير ًا من زوج‪K‬ة ص‪K‬الحة‪ ،‬إن أمره‪K‬ا أطاعت‪K‬ه‪ ،‬وإن نظ‪K‬ر‬
‫إليها سرته‪ ،‬وان أقسم عليها أبرته‪ ،‬وان غاب عنها حفظته في نفسها وماله)(‪ )3‬فقد اعتبر ‪ ‬في هذا الح‪KK‬ديث‬
‫الزوجة الصالحة للرجل أفضل ثروة يكتنزها من دنياه ‪ -‬بعد اإليمان باهلل وتقواه ‪ -‬وعدها أحد أسباب السعادة‪.‬‬
‫قال ‪(: ‬الدنيا متاع‪ ،‬وخير متاعها المرأة الصالحة)(‪)4‬‬ ‫‪.2‬‬
‫قال ‪(: ‬من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة‪ ،‬والمسكن الصالح‪ ،‬والمركب الصالح)(‪)5‬‬ ‫‪.3‬‬

‫أنوار البروق‪.1/187:‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫تحفة المحتاج ‪.7/183:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أبو داود ‪.2/126:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المسند المستخرج على صحيح مسلم‪ ،4/141 :‬مصنف عبد الرزاق‪ ،10/221 :‬المعجم األوسط‪.8/281 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫رواه احمد والبزار والطبراني في الكبير واألوسط ورجال أحمد رجال الصحيح‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫قال ‪(: ‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة‪ ،‬فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبص‪KK‬ر‪ ،‬وأحص‪KK‬ن للف‪KK‬رج‪ ،‬ومن لم‬ ‫‪.4‬‬
‫يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء(‪)2( ))1‬‬
‫روي أن‪K‬ه ج‪K‬اء ثالث‪K‬ة ره‪K‬ط إلى بي‪K‬وت أزواج الن‪K‬بي ‪ ‬يس‪K‬ألون عن عب‪K‬ادة الن‪K‬بي ‪ ،‬فلم‪K‬ا أخ‪K‬بروا ك‪K‬أنهم‬ ‫‪.5‬‬
‫تقالوها(‪ ،)3‬فقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي ‪ ‬قد غفر له ما تقدم من ذنبه وم‪K‬ا ت‪K‬أخر ؟ ق‪K‬ال أح‪K‬دهم‪ :‬أم‪K‬ا أن‪K‬ا ف‪K‬إني‬
‫أصلي الليل أبدا‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أصوم الدهر وال أفطر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أن‪K‬ا أع‪K‬تزل النس‪K‬اء فال أت‪K‬زوج أب‪K‬دا‪ ،‬فج‪K‬اء‬
‫رسول هللا ‪ ‬إليهم فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا أم‪K‬ا وهللا إني ألخش‪K‬اكم هلل وأتق‪K‬اكم ل‪K‬ه لك‪K‬ني أص‪K‬وم وأفط‪K‬ر‬
‫وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني(‪ )5( ))4‬قال ابن حجر ‪(:‬فيه إشارة إلى رد م‪KK‬ا‬
‫بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له ال يحتاج إلى مزيد في العبادة بخالف غيره‪ ،‬ف‪K‬أعلمهم أن‪K‬ه م‪K‬ع كون‪K‬ه يب‪K‬الغ‬
‫في التشديد في العبادة أخش‪K‬ى هلل وأتقى من ال‪K‬ذين يش‪K‬ددون‪ ،‬وإنم‪K‬ا ك‪K‬ان ك‪K‬ذلك ألن المش‪K‬دد ال ي‪K‬أمن من المل‪K‬ل‬
‫بخالف المقتصد فأنه أمكن الستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه)(‪)6‬‬
‫قال ‪ (: ‬ثالث ال تؤخرها‪ :‬الصالة إذا آنت‪ ،‬والجنازة إذا حضرت‪ ،‬واأليم إذا وجدت لها كفئا)(‪)7‬‬ ‫‪.6‬‬
‫قال ‪(: ‬أربع من سنن المرسلين‪ :‬الحياء والتعطر والسواك والنكاح)(‪)8‬‬ ‫‪.7‬‬
‫قال ‪(: ‬ثالثة حق على هللا عونهم(‪ )9‬المجاهد في سبيل هللا والمكاتب ال‪K‬ذي يري‪K‬د األداء والن‪K‬اكح ال‪K‬ذي يري‪K‬د‬ ‫‪.8‬‬
‫العفاف)(‪ ،)10‬قال الطيبي‪ :‬إنما آثر هذه الصيغة إيذانا بأن هذه األمور من األم‪KK‬ور الش‪KK‬اقة ال‪KK‬تي تف‪KK‬دح اإلنس‪KK‬ان‬
‫وتقصم ظهره‪ ،‬لوال أن هللا تعالى يعينه عليها ال يقوم بها‪ ،‬وأصعبها العفاف ألنه قمع الشهوة الجبلية المرك‪KK‬وزة‬
‫فيه‪ ،‬وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين‪ ،‬فإذا استعف وتداركه ع‪K‬ون هللا تع‪K‬الى ت‪K‬رقى إلى منزل‪K‬ة‬
‫المالئكة وأعلى عليين(‪.)11‬‬
‫قال ‪( : ‬إن الدين يقضى من صاحبه يوم القيامة إذا مات إال من يدين في ثالث خالل‪ :‬الرجل تضعف قوت‪K‬ه‬ ‫‪.9‬‬
‫في سبيل هللا فيستدين يتقوى به لعدو هللا وعدوه‪ ،‬ورجل يموت عنده مسلم ال يجد ما يكفن‪KK‬ه ويواري‪KK‬ه إال ب‪KK‬دين‪،‬‬
‫ورجل خاف هللا على نفسه العزبة فينكح خشية على دينه فإن هللا يقضي عن هؤالء يوم القيامة)(‪)12‬‬

‫ثالثا ـ أحكام الزواج األصلية والعارضة‬

‫‪ )(1‬الوجاء‪ :‬بكسر الواو وبجيم ومد وهو رض الخص‪K‬يتين‪ ،‬وقي‪K‬ل رض عروقهم‪K‬ا‪ ،‬ومن يفع‪K‬ل ب‪K‬ه ذل‪K‬ك تنقط‪K‬ع ش‪K‬هوته‪ ،‬ومقتض‪K‬ى‬
‫الحديث أن الصوم قامع لشهوة النكاح‪ .‬وقد استشكل ذلك بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الش‪KK‬هوة‪ ،‬لكن ذل‪KK‬ك ـ كم‪KK‬ا‬
‫أجاب ابن حجر ـ إنما يقع في مبدأ األمر‪ ،‬فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.4/119:‬‬
‫‪ )(2‬مسلم‪ ،2/1018 :‬البخاري‪ ،2/673 :‬ابن حب‪KK‬ان‪ ،9/335 :‬ال‪KK‬دارمي‪ ،2/177 :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،4/296 :‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/219 :‬النس‪KK‬ائي‪:‬‬
‫‪.2/95‬‬
‫‪ )(3‬بتشديد‪ K‬الالم المضمومة أي استقلوها‪ ،‬وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة‪.‬‬
‫‪ )(4‬قوله ‪ «: ‬فليس مني » فرق العلماء في أمثال هذه العبارات بين ما لو كانت الرغبة بضرب من التأويل‪ ،‬فإنه يعذر ص‪KK‬احبه‬
‫فيه فمعنى " فليس منى " أي على طريقتي وال يلزم أن يخرج عن الملة‪ ،‬أم‪K‬ا إن ك‪K‬ان إعراض‪K‬ا وتنطع‪KK‬ا يفض‪K‬ي إلى اعتق‪K‬اد أرجحي‪K‬ة‬
‫عمله‪ ،‬فمعنى العبارة حينئذ‪ « K‬ليس على ملتي »ألن اعتقاد ذلك نوع من الكفر‪.‬‬
‫‪ )(5‬البخاري‪.5/1949 :‬‬
‫‪ )(6‬فتح الباري‪.9/105 :‬‬
‫‪ )(7‬الحاكم‪ ،2/176 :‬الترمذي‪ ،1/320 :‬البيهقي‪ ،7/132 :‬أحمد‪.1/105 :‬‬
‫‪ )(8‬الترمذي‪ ،3/391 :‬المعجم الكبير‪.4/183 :‬‬
‫‪ )(9‬أي ثابت عنده إعانتهم‪ ،‬أو واجب عليه بمقتضي وعده معاونتهم‪.‬‬
‫‪ )(10‬الترمذي‪ ،4/184 :‬البيهقي‪ ،10/318 :‬النسائي‪.3/194 :‬‬
‫‪ )(11‬فيض القدير‪.3/317 :‬‬
‫‪ )(12‬ابن ماجة‪.2/814 :‬‬
‫يختلف حكم الزواج باختالف أحوال الناس من حيث القدرة على التحصن والعف‪KK‬اف‪ ،‬والق‪KK‬درة على اإلنف‪KK‬اق‬
‫على الزوجة‪ ،‬وعلى هاتين الداللتين حمل لفظ (الباءة) في قوله ‪(: ‬يا معشر الش‪KK‬باب من اس‪KK‬تطاع منكم الب‪KK‬اءة‪،‬‬
‫فليتزوج‪ ،‬فإنه أغض للبصر‪ ،‬وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(‪)1‬‬
‫وقد اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن المراد معناها اللغوي‪ :‬وهو الجماع‪ ،‬فتقديره من اس‪KK‬تطاع منكم الجم‪KK‬اع لقدرت‪KK‬ه على مؤن‪KK‬ه‬
‫وهي مؤن النكاح فليتزوج‪ ،‬ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته‪ ،‬ويقطع ش‪KK‬ر مني‪KK‬ه‬
‫كما يقطع الوجاء‪ ،‬وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء‪ ،‬وال ينفكون عنها غالبا‪،‬‬
‫وقد‪ K‬رجحه النووي‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن المراد بالباءة مؤن النكاح‪ ،‬وس‪KK‬ميت باس‪KK‬م م‪KK‬ا يالزمه‪KK‬ا‪ ،‬وتق‪KK‬ديره‪ :‬من اس‪KK‬تطاع منكم م‪KK‬ؤن‬
‫النكاح فليتزوج‪ ،‬ومن لم يستطع‪ K‬فليصم‪ ،‬قالوا‪ :‬والع‪K‬اجز عن الجم‪K‬اع ال يحت‪K‬اج إلى الص‪K‬وم ل‪K‬دفع الش‪K‬هوة‪ ،‬ف‪K‬وجب‬
‫تأويل الباءة على المؤن‪ ،‬وهذا التعليل للبازري(‪.)2‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫لعل األرجح في هذا الخالف هو أن الحديث يحتمل كال المعنيين‪ ،‬الحتمال اللغة ذل‪KK‬ك‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن حج‪KK‬ر‪ :‬وال‬
‫مانع من الحمل على المعنى األعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج(‪ ،)3‬وقال‪ K‬القاضي عياض‪ :‬ال‬
‫يبعد أن تختلف االستطاعتان فيكون المراد بقوله‪ :‬من استطاع منكم الب‪KK‬اءة‪،‬أي بل‪KK‬غ الجم‪KK‬اع وق‪KK‬در‪ K‬علي‪KK‬ه فلي‪KK‬تزوج‪،K‬‬
‫ويكون قوله‪( :‬ومن لم يستطع)‪ ،‬أي لم يقدر على التزويج‪.‬‬
‫وقد أجاب ابن حجر على ما استش‪KK‬كله الم‪KK‬ازري‪ K‬بأن‪KK‬ه يج‪KK‬وز أن يرش‪KK‬د من ال يس‪KK‬تطيع الجم‪KK‬اع من الش‪KK‬باب‬
‫لفرط حياء أو عدم شهوة إلى م‪K‬ا يه‪KK‬يئ ل‪K‬ه اس‪K‬تمرار‪ K‬تل‪K‬ك الحال‪K‬ة‪ ،‬ألن الش‪KK‬باب مظن‪KK‬ة ث‪KK‬وران الش‪KK‬هوة الداعي‪K‬ة إلى‬
‫الجماع‪ ،‬فال يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها‪ ،‬فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور فيك‪KK‬ون قس‪KK‬م‬
‫الشباب إلى قسمين‪ :‬قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور‪ K،‬بخالف اآلخ‪KK‬رين فن‪KK‬دبهم‪K‬‬
‫إلى أمر تستمر به حالتهم ألن ذلك أرفق‪ K‬بهم للعلة التي ذكرت في الرواية األخرى(‪.)4‬‬
‫وبناء على هذين االعتبارين اختلفت آراء الفقهاء في حكمه حسب أحواله المختلفة‪ ،‬فال يخل‪KK‬و ح‪KK‬ال المتأه‪KK‬ل‬
‫للزواج من ثالثة أحوال ‪:‬‬
‫القدرة مع الحاجة إلى الزواج‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الش‪KK‬خص ق‪KK‬ادراً على تك‪KK‬اليف ال‪KK‬زواج واثق‪K‬ا ً من نفس‪KK‬ه الق‪KK‬درة على الع‪KK‬دل م‪KK‬ع‬
‫زوجته وأنه ال يلحق بها الضرر‪ ،‬ويتيقن أنه لو لم يتزوج‪ K‬وقع في الفاحشة وال يستطيع التحرز عنها ب‪KK‬أي وس‪KK‬يلة‪،‬‬
‫فإنه يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء من جميع المذاهب‪ ،‬قال الكاس‪KK‬اني‪(:‬ال خالف أن النك‪KK‬اح ف‪KK‬رض حال‪KK‬ة‬
‫التوقان‪ ،‬حتى أن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث ال يمكنه الصبر عنهن وهو قادر‪ K‬على المهر والنفقة ولم ي‪KK‬تزوج‬
‫يأثم)(‪)5‬‬
‫ألنه يلزمه إعفاف نفسه‪ ،‬وصونها عن الحرام‪ ،‬وطريقه النكاح‪ ،‬وألن ت‪KK‬رك ال‪KK‬زنى مف‪KK‬روض علي‪K‬ه والم‪KK‬انع‬
‫من وقوعه فيه هو التزوج فيكون وسيلة إلى الفرض‪.‬‬
‫ونفس الحكم ينطبق على المرأة فإنه يفرض عليها الزواج إذا عجزت عن اكتساب قوتها‪ K‬وليس لها من ينفق‬
‫عليها‪ ،‬وكانت عرضة لمطامع أهل الفساد فيها وال تستطيع أن تصون نفسها إال بالزواج‪.‬‬
‫‪ )(1‬مسلم‪ ،2/1018 :‬البخاري‪ ،2/673 :‬ابن حب‪KK‬ان‪ ،9/335 :‬ال‪KK‬دارمي‪ ،2/177 :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،4/296 :‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/219 :‬النس‪KK‬ائي‪:‬‬
‫‪.2/95‬‬
‫‪ )(2‬ويعكر عليه قوله ‪ ‬في الرواية األخرى ‪ »:‬كنا مع النبي ‪ ‬شبابا ال نجد شيئا« فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع‪ ،‬فتح‬
‫الباري‪.9/106 :‬‬
‫‪ )(3‬فتح الباري‪ ،9/106 :‬وانظر‪ :‬نيل األوطار ‪ ،6/123:‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪.2/168:‬‬
‫‪ )(4‬فتح الباري‪.9/106 :‬‬
‫‪ )(5‬بدائع الصنائع‪.2/228:‬‬
‫اعتدال الحال‬
‫وهي أن يكون قادرا على تكاليف الزواج واثقا من نفسه أن‪K‬ه ي‪K‬ؤدي‪ K‬حق‪K‬وق الزوج‪K‬ة دون ج‪K‬ور‪ K‬أو ظلم‪ ،‬وال‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يخشى في نفس الوقت على نفسه الوقوع في الفاحشة إذا لم يتزوج‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الحالة على األقوال التالية‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه فرض عين‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ ،‬قال ابن حزم ‪(:‬فرض على ك‪KK‬ل ق‪KK‬ادر‪ K‬على ال‪KK‬وطء إن‬
‫وجد من أين يتزوج أو يتسرى‪ K‬أن يفعل أحدهما وال بد‪ ،‬فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم)(‪)1‬‬
‫وظاهر كالم أحمد أنه ال فرق‪ K‬بين القادر على اإلنفاق والعاجز عن‪KK‬ه‪ ،‬حيث ق‪KK‬ال‪(:‬ينبغي للرج‪KK‬ل أن ي‪KK‬تزوج‪،‬‬
‫فإن كان عنده ما ينفق‪ ،‬أنفق‪ ،‬وإن لم يكن عنده‪ ،‬صبر‪ ،‬ولو ت‪KK‬زوج بش‪KK‬ر ك‪KK‬ان ق‪KK‬د تم أم‪KK‬ره)‪ ،‬وق‪KK‬ال في رج‪KK‬ل قلي‪KK‬ل‬
‫الكسب‪ ،‬يضعف‪ K‬قلبه عن العيال‪ :‬هللا يرزقهم‪ ،‬التزويج أحصن له‪ ،‬ربما أتى عليه وقت ال يملك قلبه‪ .‬وهذا في ح‪KK‬ق‬
‫ف الَّ ِذينَ اَل يَ ِج‪ُ K‬دونَ نِ َكا ًح‪KK‬ا َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم هَّللا ُ ِم ْن‬ ‫من يمكنه التزويج‪ ،‬فأما من ال يمكنه‪ ،‬فقد ق‪KK‬ال هللا تع‪KK‬الى‪َ ﴿:‬و ْليَ ْس‪K‬تَ ْعفِ ْ‪K‬‬
‫فَضْ لِ ِه﴾ (النور‪ ،)2()33:‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن النبي ‪ ‬كان يصبح وما عندهم شيء‪ ،‬ويمسي وما عندهم شيء ومع ذلك لم يترك الزواج‪.‬‬
‫‪ .2‬أن النبي ‪ ‬زوج رجال لم يقدر على خاتم حديد‪ ،‬وال وجد إال إزاره‪ ،‬ولم يكن له رداء‪.‬‬
‫‪ .3‬الرد على ما استدل بها المخالفون‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َس ِّيدًا َو َحصُورًا َو َن ِب ًّيا ِم ْن الصَّا ِل ِحينَ ﴾(آل عمران‪ ،)39:‬قال ابن حزم‪ (:‬وهذا ال حج‪KK‬ة في‪KK‬ه‪ ،‬ألنن‪KK‬ا لم‬
‫نأمر الحصور باتخاذ النساء‪ ،‬إنما أمرنا بذلك من له قوة على الجماع)(‪)3‬‬
‫‪ .2‬من الحديث ‪(:‬خيركم في المائتين الخفيف الحاذ الذي ال أهل ل‪K‬ه وال ول‪K‬د)‪ ،‬واآلخ‪K‬ر ‪(:‬إذا ك‪K‬ان س‪K‬نة خمس ومائ‪K‬ة‬
‫فألن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدا)‪ ،‬ق‪K‬ال ابن ح‪K‬زم‪( :‬وه‪K‬ذان خ‪K‬بران موض‪K‬وعان‪ ،‬ألنهم‪K‬ا من‬
‫رواية أبي عصام رواد بن الجراح العسقالني ‪ -‬وهو منكر الحديث ‪ -‬ال يحتج به‪ ،‬وبيان وضعهما أنه لو استعمل‬
‫الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل اإلسالم‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والدين‪ ،‬وغلب أه‪K‬ل الكف‪K‬ر م‪K‬ع م‪K‬ا في‪K‬ه من إباح‪K‬ة تربي‪K‬ة‬
‫الكالب‪ ،‬فظهر فساد كذب رواد بال شك)(‪)4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه فرض كفاية‪ ،‬إن فعله البعض سقط اإلثم عن اآلخرين‪ ،‬وإليه ذهب بعض الفقهاء الحنفية‪.‬‬
‫وقد احتج لذلك باألوامر‪ K‬ال‪KK‬واردة في ب‪KK‬اب النك‪KK‬اح واألم‪KK‬ر المطل‪KK‬ق للفرض‪KK‬ية والوج‪KK‬وب‪ K‬قطع‪KK‬ا‪ ،‬والنك‪KK‬اح ال‬
‫يحتمل ذلك على طريق‪ K‬التعيين‪ ،‬ألن كل واحد من آحاد الناس لو تركه ال ي‪KK‬أثم‪ ،‬فيحم‪KK‬ل على الفرض‪KK‬ية والوج‪KK‬وب‬
‫على طريق‪ K‬الكفاية‪ ،‬فأشبه الجهاد‪ ،‬وصالة الجنازة‪ ،‬ورد السالم(‪.)5‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه مباح كاألكل والشرب‪ ،‬وإليه ذهب بعض الشافعية‪ ،‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫اس‪K‬ت َْمتَعْ تُ ْم ِب‪ِ K‬ه ِم ْنه َُّن َف‪K‬آتُوه َُّن‬
‫ْ‪K‬ر ُم َس‪K‬ا ِف ِحينَ َف َم‪K‬ا ْ‬ ‫‪ .1‬قوله تعالى‪َ ﴿:‬وأُ ِحلَّ َل ُك ْم َما َو َرا َء َذ ِل ُك ْم َأ ْن َت ْب َت ُغ‪K‬وا ِب‪K‬أَ ْم َوا ِل ُك ْم ُم ِ‬
‫حْص‪ِ K‬نينَ َغي َ‬
‫يض ِة ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َع ِلي ًم‪K‬ا َح ِكي ًم‪K‬ا﴾(النس‪K‬اء‪ ،)24 :‬ف‪K‬أخبر‬ ‫اض ْيتُ ْم ِب ِه ِم ْن َبعْ ِد ْال َف ِر َ‬
‫َاح َع َل ْي ُك ْم ِفي َما ت ََر َ‬ ‫يض ًة َواَل جُ ن َ‬ ‫أُ َ‬
‫جُوره َُّن َف ِر َ‬
‫عن إحالل النكاح‪ ،‬والمحل‪K‬ل والمب‪K‬اح من األس‪K‬ماء المترادف‪K‬ة‪ ،‬وألن‪K‬ه ق‪K‬ال‪ ﴿ :‬وأح‪K‬ل لكم ﴾ ولف‪K‬ظ لكم يس‪K‬تعمل في‬
‫المباحات‪.‬‬
‫‪ .2‬قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َس ِّيدًا َو َحصُورًا َون ِب ّيا ِمن الصَّا ِل ِحينَ ﴾(آل عمران‪ ،)39:‬وقد خرج هذا النص مخ‪K‬رج الم‪K‬دح ليح‪K‬يى‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫‪ ‬بكونه حصورا‪ ،‬والحصور الذي ال يأتي النساء مع القدرة ولو ك‪K‬ان واجب‪K‬ا لم‪K‬ا اس‪K‬تحق الم‪K‬دح بترك‪K‬ه‪ ،‬ألن‬
‫ترك الواجب ألن يذم عليه أولى من أن يمدح(‪.)6‬‬
‫‪ .3‬أن النكاح سبب يتوصل به إلى قضاء الشهوة فيكون مباحا كشراء الجارية للتسري بها‪ ،‬وهذا ألن قضاء الش‪KK‬هوة‬
‫المحلى‪.9/3 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المغني‪.513/ 7 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المحلى‪.9/4:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المحلى‪.9/4:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫بدائع الصنائع‪.2/228 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫حاشية البجيرمي على المنهج‪.322/ 3 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫إيصال النفع إلى نفس‪K‬ه‪ ،‬وليس يجب على اإلنس‪K‬ان إيص‪K‬ال النف‪K‬ع إلى نفس‪K‬ه ب‪K‬ل ه‪K‬و مب‪K‬اح في األص‪K‬ل‪ ،‬كاألك‪K‬ل‬
‫والشرب‪ ،‬وإذا كان مباحا ال يكون واجبا لما بينهما من التنافي‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أنه سنة‪ ،‬وهو قول جمهور‪ K‬الفقه‪KK‬اء من الحنفي‪KK‬ة والمالكي‪KK‬ة واإلمامية(‪ ،)1‬ووافقهم الحنابل‪KK‬ة في‬
‫المشهور‪ K‬عندهم وبعض الشافعية‪ ،‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬أن النبي ‪ ‬ذكر أركان الدين من الفرائض وبين الواجبات‪ ،‬ولم يذكر من جملتها النكاح‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه كان في الصحابة من لم يتزوج‪ ،‬ولم ينكر عليه رسول هللا ‪ ‬ذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬أنه كما يتوصل بالنكاح إلى التح‪K‬رز عن الزن‪K‬ا يتوص‪K‬ل بالص‪K‬وم إلي‪K‬ه‪ ،‬كم‪K‬ا ق‪K‬ال ‪(: ‬ي‪K‬ا معش‪K‬ر الش‪K‬بان عليكم‬
‫بالنكاح فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(‪)2‬‬
‫‪ .4‬ق‪KK‬ال ‪(: ‬النك‪KK‬اح س‪KK‬نتي فمن رغب عن س‪KK‬نتي فليس م‪KK‬ني)(‪)3‬ف‪KK‬أخبر ‪ ‬أن ليس من س‪KK‬نته‪ ،‬وه‪KK‬و يفي‪KK‬د ع‪KK‬دم‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة في الحال الذي وصفنا‪ ،‬وهو توفر‪ K‬القدرة وانتفاء الموانع ه‪KK‬و الق‪KK‬ول ب‪KK‬الوجوب‬
‫للنصوص الكثيرة التي ال يصح حملها على غيره‪ ،‬وألن مقاصد شرعية كث‪K‬يرة تتعل‪KK‬ق ب‪K‬الفرد أو ب‪K‬المجتمع ترتب‪KK‬ط‬
‫ارتباطا‪ K‬كبيرا بالزواج‪.‬‬
‫ولكنه مع القول بوجوبه ال يصح إلزام الناس به‪ ،‬أو اعتبارهم‪ K‬عاصين بترك‪KK‬ه في ه‪KK‬ذه الحال‪K‬ة‪ ،‬ألن الموان‪KK‬ع‬
‫الشرعية تختلف باختالف األفراد‪ K‬واألحوال‪ ،‬فلذلك يترك تحديد وقت الزواج‪ ،‬أو تركه كلية للحرية الشخصية لكل‬
‫فرد‪ ،‬فقد يمنعه من الزواج من الموانع الشرعية ما ال يستطيع‪ K‬التصريح به‪.‬‬
‫عدم الحاجة إلى الزواج‬
‫وهو من ال شهوة له‪ ،‬إما ألنه لم يخلق له شهوة كالعنين‪ ،‬أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو م‪KK‬رض ونح‪KK‬وه‪،‬‬
‫وقد‪ K‬تعارض فيه عند الفقهاء وجهان وبناء على تغليب أحدهما يكون الحكم ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن عموم النصوص التي ترغب في الزواج تحمل حكمه على االستحباب‪.‬‬
‫‪ .2‬أن المضرة التي قد تنتج عن الزواج‪ ،‬مثل منع زوجته من التحصين بغيره‪ ،‬ويض‪KK‬ر به‪KK‬ا‪ ،‬ويحبس‪KK‬ها على نفس‪KK‬ه‪،‬‬
‫ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله ال يتمكن من القيام بها‪ ،‬ويشتغل عن العلم والعبادة بما ال فائ‪KK‬دة في‪KK‬ه تحمل‪KK‬ه‬
‫على الكراهة أو التحريم بحسب المضرة الناتجة‪.‬‬
‫وحكم هذه الحالة يتردد بين الكراهة والتحريم كما يلي‪:‬‬
‫الحرمة‪ :‬وهو فيما إذا كان الشخص غير قادر‪ K‬على تكاليف الزواج أو كان قادراً عليها لكنه يقطع بأن‪KK‬ه يظلم‬
‫زوجته إذا تزوج سواء كان ظلمها باإلي‪KK‬ذاء أو بع‪KK‬دم الق‪KK‬درة على المعاش‪KK‬رة الجنس‪KK‬ية‪ ،‬وذل‪KK‬ك ألن الظلم ح‪KK‬رام فم‪KK‬ا‬
‫يكون طريقا ً إليه يأخذ حكمه غير أن حرمته ال لذاته‪.‬‬
‫الكراهة‪ :‬وهو فيما إذا خاف الوقوع‪ K‬في الظلم إن تزوج إما لعجزه عن اإلنفاق أو إس‪K‬اءة العش‪KK‬رة لش‪KK‬ذوذ في‬
‫خلقه أو عدم قدرته على المخالطة الجنسية‪ ،‬فإذا خاف الوقوع‪ K‬في واحدة من ذلك كره له التزوج كراهة تح‪KK‬ريم‪ K‬أو‬
‫تنزيه حسبما يخشاه من أنواع الظلم‪.‬‬
‫أما من يرجى منه النسل ولو لم يكن له حاجة في النساء‪ ،‬وكذا من له رغبة في نوع من االس‪KK‬تمتاع بالنس‪KK‬اء‬
‫غير المعاشرة الجنسية مع عدم اإلساءة إلى المرأة‪ ،‬فهو مندوب في حقه ـ كم‪KK‬ا ق‪KK‬ال القاض‪KK‬ي عي‪KK‬اض ـ أم‪KK‬ا من ال‬
‫نسل له وال أرب له في النساء وال في االستمتاع‪ K‬فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت(‪.)4‬‬
‫وه‪KK‬و ق‪KK‬ول جي‪KK‬د في المس‪KK‬ألة خاص‪KK‬ة م‪KK‬ع اش‪KK‬تراط علم الم‪KK‬رأة ب‪KK‬ذلك‪ ،‬ألن مقاص‪KK‬د ال‪KK‬زواج ال تقتص‪KK‬ر على‬

‫‪ )(1‬المبسوط ‪ ،193 K:4‬و بداية المجتهد ‪ ،2 K:2‬و فتح الرحيم ‪ ،34 K:2‬و الوجيز ‪ ،2 K:2‬و مغني المحتاج ‪ ،125 K:3‬والمجموع ‪:16‬‬
‫‪ 131‬و ‪ ،132‬و المغني البن قدامة ‪ ،334 :7‬و الشرح الكبير ‪ ،335 :7‬و رحمة األمة ‪ ،26 :2‬و الميزان الكبرى ‪.108 :2‬‬
‫‪ )(2‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ )(3‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ )(4‬نيل األوطار ‪.123/ 6:‬‬
‫المعاشرة الجنسية‪.‬‬
‫تعارض هذه األحوال‪:‬‬
‫بقيت حاالت أخرى‪ ،‬وهي تعرض هذه األحوال فيما بينها(‪ ،)1‬وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬الحاجة إلى الزواج مع القطع بظلم الزوجة‪:‬‬
‫وهو ما إذا كان يقطع بالوقوع‪ K‬في الفاحشة إن لم ي‪KK‬تزوج كم‪KK‬ا يقط‪KK‬ع بظلم الزوج‪KK‬ة إن ت‪KK‬زوج‪ ،‬واألرجح في‬
‫هذه الحالة أن ال يتزوج دفعا ً للظلم‪ ،‬ألن‪KK‬ه العالج المتعين ل‪KK‬ذلك لقول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪َ ﴿ :‬و ْليَ ْس‪K‬تَ ْعفِ ْ‬
‫ف الَّ ِذينَ اَل يَ ِج‪ُ K‬دونَ نِ َكا ًح‪KK‬ا‬
‫َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم هَّللا ُ ِم ْن فَضْ لِ ِه ﴾(النور‪)33:‬‬
‫وهذا ال يعني إباحة الزنا‪ ،‬بل عليه بعد أن يترك الزواج أن يقاوم كال المحظورين‪ ،‬فيح‪KK‬ارب‪ K‬ش‪KK‬هوته بش‪KK‬تى‬
‫الوسائل ليتغلب عليها‪ ،‬ويقوم‪ K‬نفسه ليخلصها‪ K‬من رذيلة ظلم الغير‪ ،‬وما يج‪K‬ده س‪KK‬هالً علي‪K‬ه يس‪KK‬ير على م‪K‬ا يقتض‪KK‬يه‪،‬‬
‫فإن سهل عليه محاربة الش‪KK‬هوة دون األخ‪KK‬رى بقي على كف‪KK‬ه عن ال‪KK‬تزويج‪ ،‬وان استعص‪K‬ى‪ K‬علي‪KK‬ه محارب‪KK‬ة الش‪KK‬هوة‬
‫ووجد‪ K‬من نفسه ميالً إلى ترك الظلم تزوج‪.‬‬
‫ومن العالج‪KK‬ات الش‪KK‬رعية لمث‪KK‬ل ه‪KK‬ذه الحال‪KK‬ة الص‪KK‬وم‪ K‬كم‪KK‬ا ورد في ح‪KK‬ديث الب‪KK‬اءة‪ ،‬والت‪KK‬داوي‪ ،‬وق‪KK‬د اس‪KK‬تدل‬
‫الخطابي‪ K‬بنفس الحديث على جواز التداوي لقطع الشهوة باألدوية‪ ،‬وحكاه البغوي في شرح السنة‪ ،‬ولكن ينبغي أن‬
‫يحمل على دواء يسكن الشهوة‪ ،‬وال يقطعها باألصالة ألنه قد يقوى على وجدان مؤن النك‪KK‬اح‪ ،‬ب‪KK‬ل ق‪KK‬د وع‪KK‬د هللا من‬
‫يستعف‪ K‬أن يغنيه من فضله ألنه جعل اإلغناء غاية لالس‪K‬تعفاف‪ ،‬وألنهم اتفق‪K‬وا على من‪K‬ع الجب واإلخص‪K‬اء‪ K‬فيلح‪K‬ق‬
‫بذلك ما في معناه(‪.)2‬‬
‫‪ .2‬الحاجة إلى الزواج مع عدم القدرة على اإلنفاق ‪:‬‬
‫وهو ما إذا ما كان يقطع بالوقوع‪ K‬في الفاحشة إن لم يتزوج كما يقطع بعدم القدرة على اإلنفاق على الزوج‪KK‬ة‬
‫إال من حرام إن تزوج‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة تعارض مقصدان للشرع هما حفظ المال وحفظ العرض‪.‬‬
‫واألولى في هذه الحالة ـ وهللا أعلم ـ حفظ العرض‪ ،‬وقد‪ K‬أشار الصاوي إلى االحتمالين جميعا بقول‪KK‬ه‪ (:‬ولكن‬
‫اعترض بأن الخائف من الزنا مكلف بترك الزنا‪ ،‬ألنه في طوقه كما أن‪K‬ه مكل‪K‬ف ب‪K‬ترك ال‪K‬تزوج الح‪K‬رام‪ ،‬فال يفع‪K‬ل‬
‫محرما ل‪KK‬دفع مح‪KK‬رم فال يص‪KK‬ح أن يق‪KK‬ال إذا خ‪KK‬اف الزن‪KK‬ا وجب النك‪KK‬اح‪ ،‬ول‪KK‬و أدى اإلنف‪KK‬اق من ح‪KK‬رام‪ ،‬وق‪K‬د‪ K‬يق‪KK‬ال إذا‬
‫استحكم األمر فالقاعدة ارتكاب أخف الضررين)(‪ ،)3‬ونرى أن أشد الضررين في هذه الحالة هو ض‪KK‬رر الف‪KK‬واحش‬
‫والمنكرات‪ K‬ألنها تمس صميم الجانب االجتماعي بخالف المال‪.‬‬
‫وقد فصل المسألة تفصيال جيدا مبينا أحكامها وطرق‪ K‬الموازن‪KK‬ة فيه‪KK‬ا أب‪KK‬و حام‪KK‬د الغ‪KK‬زالي‪ ،‬بع‪KK‬د ذك‪KK‬ره لفوائ‪KK‬د‬
‫الزواج وآفاته واعتبارها موازين يفضل على أساسها الزواج أو العزوب‪KK‬ة‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(:‬فه‪KK‬ذه مج‪KK‬امع اآلف‪KK‬ات والفوائ‪KK‬د‪،‬‬
‫فالحكم‪ K‬على شخص واحد بأن األفضل له النكاح أو العزوبة مطلقا ً قصور عن اإلحاطة بمجامع ه‪KK‬ذه األم‪KK‬ور‪ ،‬ب‪KK‬ل‬
‫تتخذ هذه الفوائد واآلفات‪ K‬معتبراً ومحكما ً ويعرض المريد عليه نفسه)(‪)4‬‬
‫وقد جمع الغزالي بذلك بين النصوص المرغبة في الزواج أو المرغبة عنه‪ ،‬قال الغ‪KK‬زالي‪(:‬فهك‪KK‬ذا ينبغي أن‬
‫توزن هذه اآلفات بالفوائد ويحكم‪ K‬بحسبها‪ ،‬ومن أحاط بهذا لم يشكل عليه ش‪KK‬يء مم‪KK‬ا نقلن‪KK‬ا عن الس‪KK‬لف من ت‪KK‬رغيب‬

‫‪ )(1‬لخص الصاوي هذه األقسام جميعا في قوله‪ « :‬وحاصل ما في المقام أن الشخص إما راغب في النكاح أو ال‪ ،‬والراغب إما أن‬
‫يخشى العنت أو ال‪ ،‬فالراغب إن خشي العنت وجب عليه ولو مع إنفاق عليها من حرام‪ ،‬أو مع وجود مقتضى التحريم غير ذلك‪ ،‬فإن‬
‫لم يخش ندب له رجا النسل أم ال‪ ،‬ولو قطعه عن عبادة غير واجبة‪ .‬وغير الراغب إن خاف ب‪KK‬ه قطع‪KK‬ه عن عب‪KK‬ادة غ‪KK‬ير واجب‪KK‬ة ك‪KK‬ره‪،‬‬
‫رجا النسل أم ال‪ ،‬وإن لم يخش ورجا النسل ندب‪ ،‬فإن لم يرج أبيح‪ .‬واعلم أن كال من قسم المندوب والجائز والمكروه مقيد بم‪KK‬ا إذا لم‬
‫يكن موجب التحريم‪ ،‬والمرأة مساوية للرجل في هذه األقسام إال في التسري » حاشية الصاوي‪.2/330:‬‬
‫‪ )(2‬سبل السالم‪.2/160:‬‬
‫‪ )(3‬حاشية الصاوي‪ ،2/330:‬وانظر‪ :‬حاشية الدسوقي‪.2/214 :‬‬
‫‪ )(4‬اإلحياء‪.2/34 :‬‬
‫صحيح)(‪)1‬‬ ‫في النكاح مرة ورغبة عنه أخرى‪ ،‬إذ ذلك بحسب األحوال‬
‫ثم بين طريقة الموازنة في المسألة وضابطها فيما يمكن تلخيصه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬إن انتفت في حقه اآلفات واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حالل وخلق حسن وج ّد في الدين تام ال يشغله النك‪KK‬اح‬
‫عن هللا‪ ،‬وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبـير المنزل والتحصن بالعش‪K‬يرة‪ ،‬فال‬
‫يماري في أن النكاح أفضل له مع ما فيه من السعي في تحصيل الولد‪.‬‬
‫‪ .2‬إن انتفت الفوائد واجتمعت اآلفات فالعزوبة أفضل له‪.‬‬
‫‪ .3‬إن تقابل األمران‪ ،‬فينبغي أن يوزن بالميزان القسط حظ تل‪K‬ك الفائ‪K‬دة في الزي‪K‬ادة من دين‪K‬ه وح‪K‬ظ تل‪K‬ك اآلف‪K‬ات في‬
‫النقصان منه‪ ،‬فإذا غلب على الظن رجحان أحدهما حكم به‪.‬‬
‫وقد اعتبر الغزالي أن أظهر الفوائد طلب الولد وتسكين الشهوة‪ ،‬وأظهر اآلف‪KK‬ات الحاج‪KK‬ة إلى كس‪KK‬ب الح‪KK‬رام‬
‫واالشتغال‪ K‬عن هللا‪ ،‬فإن تعارضت هذه األمور فإن أحكامها كما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬من لم يكن في أذية من الشهوة‪ ،‬وكانت فائدة نكاحه في الس‪K‬عي لتحص‪K‬يل الول‪K‬د وك‪K‬انت اآلف‪K‬ة الحاج‪K‬ة إلى كس‪K‬ب‬
‫الحرام واالشتغال عن هللا فالعزوبة له أولى‪ ،‬فال خير فيم‪K‬ا يش‪KK‬غل عن هللا‪ ،‬وال خ‪K‬ير في كس‪K‬ب الح‪K‬رام‪ ،‬وال يفي‬
‫بنقصان هذين األمرين أمر الولد‪ ،‬فإن النكاح للولد سعي في طلب حياة للول‪K‬د موهوم‪K‬ة‪ ،‬وه‪K‬ذا نقص‪K‬ان في ال‪K‬دين‬
‫ناجز‪ ،‬فحفظه لحياة نفسه وصونها عن الهالك أهم من السعي في الولد وذلك ربح والدين رأس م‪KK‬ال‪ .‬وفي فس‪KK‬اد‬
‫الدين بطالن الحياة األخروية وذهاب رأس المال‪ ،‬وال تقاوم هذه الفائدة إحدى هاتين اآلفتين‪.‬‬
‫‪ .4‬إذا انضاف إلى أمر الولد حاجة كسر الشهوة لتوقان النفس إلى النكاح نظر‪ :‬ف‪KK‬إن لم يق‪KK‬و لج‪KK‬ام التق‪KK‬وى في رأس‪KK‬ه‬
‫وخاف على نفسه الزنا فالنكاح له أولى‪ ،‬ألنه متردد بـين أن يقتحم الزنا أو يأكل الحرام‪ ،‬والكس‪K‬ب الح‪K‬رام أه‪K‬ون‬
‫الشرين‪.‬‬
‫‪ .5‬إن كان يثق بنفسه أنه ال يزني‪ ،‬ولكن ال يقدر م‪K‬ع ذل‪K‬ك على غض البص‪K‬ر عن الح‪K‬رام ف‪K‬ترك النك‪K‬اح أولى‪ ،‬ألن‬
‫النظر حرام والكسب من غير وجهه حرام‪ ،‬والكسب يقع دائماً وفيه عصيانه وعصيان أهله‪ ،‬والنظر يق‪KK‬ع أحيان‪K‬اً‬
‫وهو يخصه وينصرم على قرب‪ ،‬والنظ‪K‬ر زن‪K‬ا العين ولكن إذا لم يص‪ّ K‬دقه الف‪K‬رج فه‪K‬و إلى العف‪K‬و أق‪K‬رب من أك‪K‬ل‬
‫الحرام‪ ،‬إال أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج ف‪K‬يرجع ذل‪K‬ك إلى خ‪K‬وف العنت فه‪K‬و إلى العف‪K‬و أق‪K‬رب من‬
‫أكل الحرام‪ ،‬إال أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فيرجع ذلك إلى خوف العنت‪.‬‬
‫‪ .6‬أن يقوى على غض البصر ولكن ال يقوى على دفع األفكار الشاغلة للقلب ف‪KK‬ذلك أولى ب‪KK‬ترك النك‪KK‬اح‪ ،‬ألن عم‪KK‬ل‬
‫القلب إلى العفو أقرب‪ ،‬وإنما يراد فراغ القلب للعبادة وال تتم عبادة مع الكسب الحرام وأكله وإطعامه‪.‬‬
‫المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة‬
‫اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة على قولين‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬إن النكاح أفضل من التخلي لعبادة هللا في النوافل‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬واستدلوا على ذلك بما‬
‫يلي(‪:)2‬‬
‫اًل‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لْ‬‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫رْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ .1‬أن هللا تعالى قال لنبيه ‪َ ﴿ :‬واذك اس َم َربِّكَ َوت َبت ِإلي ِه تب ِتي ﴾(المزمل‪ ،)8:‬فبين الن‪K‬بي ‪ ‬التبت‪K‬ل بفعل‪K‬ه‪ ،‬وش‪K‬رح‬
‫أنه امتثال األمر‪ ،‬واجتناب النهي‪ ،‬وليس بترك المباحات‪ ،‬ومن رغب عن سنته فليس منه‪.‬‬
‫‪ .2‬أن حال الرسول ‪ ‬أولى من االستدالل بحال يحيى ‪ ‬مع أنه كان في ش‪K‬ريعتهم العزل‪K‬ة أفض‪K‬ل من العش‪K‬رة‪،‬‬
‫وفي شريعتنا العشرة أفضل من العزلة‪.‬‬
‫قال ‪(: ‬ال رهبانية في اإلسالم)(‪)3‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪ .4‬ما روي أن نفرا من أصحاب النبي ‪ ‬سألوا أزواج النبي ‪ ‬عن عمله في السر ؟ فقال بعض‪KK‬هم‪ :‬ال أت‪KK‬زوج‬
‫النساء وقال بعضهم‪ :‬ال آكل اللحم وقال بعضهم‪ :‬ال أنام على فراش فبل‪K‬غ ذل‪K‬ك الن‪K‬بي ‪ ‬فحم‪K‬د هللا وأث‪K‬نى علي‪K‬ه‬

‫‪ )(1‬اإلحياء‪.2/35:‬‬
‫‪ )(2‬المبسوط‪ ،4/193:‬أحكام القرآن البن العربي‪.2/144:‬‬
‫‪ )(3‬قال الحافظ ‪:‬لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبران‪:‬ي أن هللا أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة‪،‬انظر‪:‬‬
‫نيل األوطار‪.6/231 :‬‬
‫وقال‪ :‬ما بال أقوام قالوا كذا ؟ لكني أصلي وأن‪K‬ام وأص‪K‬وم وأفط‪KK‬ر‪ ،‬وأت‪K‬زوج النس‪K‬اء فمن رغب عن س‪K‬نتي فليس‬
‫مني)(‪)1‬‬
‫‪ .5‬ما روي أن النبي ‪ ‬كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول‪ :‬تزوجوا الودود الولود‪ ،‬ف‪KK‬إني مك‪KK‬اثر‬
‫بكم األنبياء يوم القيامة)(‪)2‬‬
‫‪ .6‬أن رسول هللا ‪ ‬تزوج حتى انتهى العدد المشروع المباح له‪ ،‬وال يجوز أن يقال بأن‪K‬ه إنم‪K‬ا فع‪K‬ل ذل‪K‬ك ألن نفس‪K‬ه‬
‫كان تواقة إلى النساء فإن هذا المعنى يرتفع بالمرأة الواحدة‪ ،‬ولما لم يكتف بالواحدة دل أن النكاح أفضل‪.‬‬
‫‪ .7‬أن النبي ‪ ‬نهى عثمان بن مظعون عن التبتل‪ ،‬كما مر ذكره سابقا‪.‬‬
‫‪ .8‬أن النكاح مشتمل على مصالح جمة‪ ،‬فاالشتغال به أولى من االش‪K‬تغال بنف‪K‬ل العب‪K‬ادة‪ ،‬فليس المقص‪K‬ود به‪K‬ذا العق‪K‬د‬
‫قضاء الشهوة فقط‪ ،‬وإنما المقصود المصلحة الشرعية المعتبرة‪.‬‬
‫‪ .9‬أن منفعة العبادة قاصرة على العابد بخالف منفعة النكاح فإنها ال تقتصر على الن‪K‬اكح ب‪K‬ل تتع‪K‬دى إلى غ‪K‬يره وم‪K‬ا‬
‫يكون أكثر نفعا فهو أفضل‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن التخلي لعبادة هللا تعالى أفضل إال أن تتوق نفسه إلى النساء‪ ،‬وال يج‪KK‬د الص‪KK‬بر على التخلي‬
‫لعبادة هللا‪ ،‬واستدلوا‪ K‬على ذلك بما يلي(‪:)3‬‬
‫ص‪K‬ورًا ﴾(آل عم‪K‬ران‪ ،)39 :‬فق‪K‬د م‪K‬دح يح‪K‬يى ‪ ‬بأن‪K‬ه ك‪K‬ان‬ ‫‪ .1‬قول‪K‬ه تع‪K‬الى في الثن‪K‬اء على يحي ‪َ ﴿ :‬و َس‪ِّ K‬يدًا َو َح ُ‬
‫حصورا‪ ،‬والحصور هو الذي ال يأتي النساء مع القدرة على اإلتيان فدل أن ذلك أفضل‪.‬‬
‫‪ .2‬أن النكاح من جنس المعامالت حتى يصح من المسلم والكافر‪ ،‬والمقصود به قضاء الشهوة‪ ،‬وذلك مما يميل إلي‪K‬ه‬
‫الطبع فيكون بمباشرته عامال لنفسه‪ ،‬وفي االشتغال بالعبادة هو عامل هلل تعالى بمخالفة هوى النفس‪.‬‬
‫ت ْال ِج َّن َواإْل ِ َ‬
‫نس ِإاَّل ِل َيعْ بُدُو ِني﴾(الذاريات‪56 :‬‬ ‫‪ .3‬أن فيه اشتغاال بما خلقه هللا تعالى ألجله‪ ،‬كما قال هللا تعالى ‪َ ﴿:‬و َما خَ َل ْق ُ‬
‫)فكان هذا أفضل إال أن تكون نفسه تواقة إلى النساء فحينئذ في النكاح معنى تحصين الدين والنفس عن الزنا‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫ال ريب أن القول األرجح في المسألة هو ما عليه جمه‪KK‬ور الفقه‪KK‬اء من فض‪KK‬ل ال‪KK‬زواج على التف‪KK‬رغ للعب‪KK‬ادة‪،‬‬
‫ألن العبادة بمعناها الحقيقي الكامل ال تقتصر على الشعائر التعبدية‪ ،‬ب‪KK‬ل تتع‪KK‬داها إلى ك‪KK‬ل من‪KK‬احي الحي‪KK‬اة بم‪KK‬ا فيه‪KK‬ا‬
‫تكوين أسرة مسلمة صالحة‪.‬‬
‫وقد نص على هذا الترجيح الغزالي بعد بيانه لفوائد وآفات الزواج فق‪KK‬د تس‪KK‬اءل بع‪KK‬د بيانه‪KK‬ا ‪(:‬ف‪KK‬إن قلت‪ :‬فمن‬
‫أمن اآلفات فما األفضل له‪ :‬التخلي لعبادة هللا‪ ،‬أو النكاح؟‬
‫ثم أجاب ‪(:‬يجم‪K‬ع بـينهما‪ ،‬ألن النك‪K‬اح ليس مانع‪K‬ا ً من التخلي لعب‪K‬ادة هللا من حيث إن‪K‬ه عق‪K‬د‪ ،‬ولكن من حيث‬
‫ألن اللي‪KK‬ل وس‪KK‬ائر أوق‪KK‬ات النه‪KK‬ار يمكن‬ ‫الحاجة إلى الكسب‪ ،‬ف‪KK‬إن ق‪KK‬در على الكس‪KK‬ب الحالل فالنك‪KK‬اح أيض‪K‬ا ً أفض‪KK‬ل‪ّ ،‬‬
‫التخلي فيه للعبادة‪ ،‬والمواظبة على العب‪KK‬ادة من غ‪KK‬ير اس‪KK‬تراحة غ‪KK‬ير ممكن‪ ،‬ف‪KK‬إن ف‪KK‬رض كون‪KK‬ه مس‪KK‬تغرقا ً لألوق‪KK‬ات‬
‫بالكسب حتى ال يبقى له وقت سوى أوقات مكتوبة والنوم‪ K‬واألكل وقضاء الحاجة‪ ،‬فإن ك‪KK‬ان الرج‪KK‬ل ممن ال يس‪KK‬لك‬
‫سبـيل اآلخرة إال بالصالة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من األعمال البدنية فالنكاح ل‪KK‬ه أفض‪KK‬ل‪ ،‬ألن في كس‪KK‬ب‬
‫الحالل والقيام باألهل والسعي في تحصيل الولد والصبر على أخالق النساء أنواعا ً من العبادات ال يقصر فض‪KK‬لها‬
‫عن نوافل‪ K‬العبادة وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير‪ K‬الباطن‪ ،‬والكسب يش ّوش عليه ذلك‪ ،‬فترك النكاح أفضل)(‪)4‬‬
‫ولكن هذه الحالة التي يذكرها الغزالي‪ ،‬والتي قد تمنع السالك طريق العلم والتدبر من ال‪K‬زواج حال‪K‬ة مؤقت‪K‬ة‪،‬‬
‫وهي حالة الضعف‪ ،‬واألكمل منها حال رس‪K‬ول هللا ‪ ،‬وق‪K‬د‪ K‬نص الغ‪K‬زالي على ذل‪K‬ك بقول‪K‬ه ‪(:‬ف‪K‬إن قلت‪ :‬فلم ت‪K‬رك‬
‫عيسى ‪ ‬النكاح مع فضله؟ ووإن كان األفضل التخلي لعبادة هللا فلم استكثر رس‪KK‬ولنا‪  K‬من األزواج؟ ف‪KK‬اعلم ّ‬
‫أن‬

‫‪ )(1‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ )(2‬سنن أبي داود ‪،2/220:‬رقم‪ ،2050:‬صحيح ابن حبان‪،9/328:‬رقم‪ ،4028:‬مستدرك الحاكم‪ ،2/176:‬رقم‪،2658:‬مسند أحمد‪:‬‬
‫‪،3/633‬رقم‪.12202:‬‬
‫‪ )(3‬الوسيط‪ ،5/25 :‬حاشية البجيرمي‪ ،3/322 :‬حواشي الشرواني‪ ،7/186 :‬روضة الطالبين‪.7/18 :‬‬
‫‪ )(4‬اإلحياء‪.2/35:‬‬
‫األفضل الجمع بـينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فال يش‪K‬غله عن هللا ش‪KK‬اغل‪ ،‬ورس‪K‬ولنا ‪ ‬أخ‪KK‬ذ‬
‫بالقوّة‪ ،‬وجمع بـين فضل العبادة والنكاح‪ ،‬ولقد كان م‪K‬ع تس‪K‬ع من النس‪K‬وة متخلي‪K‬ا ً لعب‪K‬ادة هللا‪ ،‬وك‪K‬ان قض‪K‬اء ال‪K‬وطر‬
‫بالنكاح في حقه غير مانع‪ ،‬كما ال يكون قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبـيرات الدنيا مانع‪K‬ا ً لهم عن التدبـير‪،‬‬
‫حتى يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم‪ K‬غير غافلة عن مهم‪KK‬اتهم‪ ،‬وك‪KK‬ان رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫لعل ّو درجته ال يمنعه أمر هذا العالم عن حض‪KK‬ور القلب م‪KK‬ع هللا تع‪KK‬الى‪ ،‬فك‪KK‬ان ي‪KK‬نزل علي‪KK‬ه ال‪KK‬وحي وه‪KK‬و في ف‪KK‬راش‬
‫امرأته‪ ،‬أما عيسى ‪ ‬فإنه أخذ بالحزم ال بالقوّة‪ ،‬واحتاط لنفس‪KK‬ه‪ ،‬ولع‪KK‬ل حالت‪KK‬ه ك‪KK‬انت حال‪KK‬ة ي‪KK‬ؤثر‪ K‬فيه‪KK‬ا االش‪KK‬تغال‬
‫باألهل‪ ،‬أو يتعذر معها طلب الحالل‪ ،‬أو ال يتيسر‪ K‬فيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعب‪KK‬ادة‪ ،‬وهم‬
‫أعلم بأسرار‪ K‬أحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاس‪KK‬ب وأخالق النس‪KK‬اء‪ ،‬وم‪KK‬ا على الن‪KK‬اكح من غوائ‪KK‬ل النك‪KK‬اح‬
‫وما له فيه‪ ،‬ومهما كانت األحوال منقسمة حتى يكون النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها أفضل‪ ،‬فحقنا أن‬
‫ننزل أفعال األنبـياء على األفضل في كل حال)(‪)1‬‬
‫وقد رد في موضع آخر على من يعتبر ترك الزواج زهدا وتقرب‪KK‬ا هلل‪ ،‬بقول‪KK‬ه‪(:‬ف‪KK‬إن علم أن الم‪KK‬رأة ال تش‪KK‬غله‬
‫عن ذكر هللا ولكن ترك ذلك احترازا من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة‪ ،‬فليس هذا من الزهد أصال‪ ،‬ف‪KK‬إن الول‪KK‬د‬
‫مقصود لبقاء نسله وتكثير‪ K‬أمة محمد ‪ ‬من القربات‪ ،‬واللذة التي تلحق اإلنسان فيم‪K‬ا ه‪K‬و من ض‪K‬رورة الوج‪K‬ود ال‬
‫تضره إذا لم تكن هي المقصد والمطلب‪ ،‬وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازا‪ K‬من لذة األكل والشرب‪،‬‬
‫وليس ذلك من الزهد في شئ‪،‬ألن في ترك ذل‪K‬ك ف‪K‬وات بدن‪K‬ه فك‪K‬ذلك في ت‪K‬رك النك‪K‬اح انقط‪K‬اع نس‪K‬له‪ ،‬فال يج‪K‬وز أن‬
‫يترك النكاح زهدا في لذته من غير خوف آفة أخرى)(‪)2‬‬
‫ونفس ه‪KK‬ذا الموق‪KK‬ف نص علي‪KK‬ه الكث‪KK‬ير من علم‪KK‬اء اإلمامي‪KK‬ة‪ ،‬ومنهم الش‪KK‬يخ محم‪KK‬د حس‪KK‬ن النجفي ص‪KK‬احب‬
‫الجواهر‪ ،‬فقد طرح هذا السؤال‪ :‬هل الزواج أفضل أم التخلي للعبادة؟‪ ،‬وأجاب عنه‪ :‬بأن في المسألة قولين أقواهما‬
‫أفضلية الزواج (لما في ترك النكاح واالشتغال بالعبادة والرياضة من الرهبانية المنفيّة في هذه الشريعة)‪ ،‬واستدل‬
‫لذلك بأدلة كثيرة‪ ،‬لعل أهمها ما نص عليه بقوله‪( :‬ال يقال‪ :‬لعل الوجه في ذلك وجود التوق‪KK‬ان الى النك‪KK‬اح كم‪KK‬ا ه‪KK‬و‬
‫الغالب‪ ،‬وال نزاع في أفضليته حينئذ‪ ،‬إنما النزاع في أفضليته لمن لم تتق نفسه‪ ،‬وال داللة للفع‪KK‬ل المنق‪KK‬ول علي‪KK‬ه إال‬
‫مع العلم بانتفاء الوصف‪ ،‬وهو ممنوع‪ ،‬ألنا نقول‪ :‬ثبوت الفعل عن النبي ‪ ‬وصحته عنه يقتضي رجحان التأسي‬
‫والمتابعة لك‪K‬ل أح‪K‬د وان ك‪K‬ان مخالف‪K‬ا ل‪K‬ه في الوص‪K‬ف‪ K‬إال إذا ك‪K‬ان مغ‪K‬يرا للحكم‪ ،‬لعم‪K‬وم‪ K‬األدل‪K‬ة وانتف‪K‬اء م‪K‬ا يص‪K‬لح‬
‫للتخصيص فيما عدا الوصف المغير‪ ،‬كيف ولو كان التأسي مقص‪KK‬ورا‪ K‬على ص‪KK‬ورة العلم بتواف‪K‬ق‪ K‬االوص‪KK‬اف‪ K‬ال‪KK‬تى‬
‫يحتمله التغيير‪ K‬بها لزم أن ال يسلم في شئ من الموارد‪ ،‬لقي‪KK‬ام االحتم‪KK‬ال في جميعه‪KK‬ا‪ ،‬فرجح‪KK‬ان التأس‪KK‬ي في النك‪KK‬اح‬
‫يقتضى عدم الفرق في ذلك بين وجود‪ K‬التوقان وانتفائه وإن قلنا بثبوته في المتأسى به إال أن ثب‪KK‬وت الوص‪KK‬ف ل‪KK‬ه ال‬
‫يقتضى استناد الحكم إليه حتى ال يجوز‪ K‬التأسي لفاقده)(‪)3‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬وألج‪KK‬ل االختالف بين أح‪KK‬وال الن‪KK‬اس ق‪KK‬وة وض‪KK‬عفا ال ينبغي اإلنك‪KK‬ار على من ت‪KK‬أخر زواج‪KK‬ه‬
‫بسبب انشغال بعبادة من العبادات إن لم يكن قصده من ذلك التنطع والرهبانية‪ ،‬قال الصنعاني‪ K‬بع‪KK‬د إي‪KK‬راده لح‪KK‬ديث‬
‫الثالثة السابق ذكره‪(:‬يحتمل أن تكون هذه الكراهة للتنطع‪ ،‬والغلو في ال‪K‬دين وق‪K‬د يختل‪K‬ف ذل‪K‬ك ب‪K‬اختالف المقاص‪K‬د‬
‫فإن من ترك اللحم ‪ -‬مثال ‪ -‬يختلف حكمه بالنسبة إلى مقص‪K‬وده‪ ،‬ف‪K‬إن ك‪KK‬ان من ب‪K‬اب الغل‪KK‬و والتنط‪KK‬ع‪ ،‬وال‪K‬دخول‪ K‬في‬
‫الرهبانية‪ :‬فهو ممنوع مخالف للشرع وإن كان لغير ذلك من المقاصد المحمودة‪ ،‬كمن تركه تورعا لقيام ش‪KK‬بهة في‬
‫ذلك الوقت في اللحوم‪ ،‬أو عجزا‪ ،‬أو لمقصود صحيح غير ما تقدم لم يكن ممنوعا)‬
‫ثم عقب على ذلك بقوله‪(: :‬وال شك أن الترجيح يتب‪K‬ع المص‪K‬الح‪ ،‬ومقاديره‪K‬ا‪ K‬مختلف‪K‬ة وص‪K‬احب الش‪K‬رع أعلم‬
‫بتلك المقادير فإذا لم يعلم المكلف حقيقة تل‪KK‬ك المص‪KK‬الح‪ ،‬ولم يستحض‪KK‬ر أع‪KK‬دادها‪ :‬ف‪KK‬األولى اتب‪KK‬اع اللف‪KK‬ظ ال‪KK‬وارد‪ K‬في‬
‫الشرع)(‪)4‬‬

‫اإلحياء‪.2/35:‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلحياء‪.4/238:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫جواهر الكالم‪ ،‬ج‪ ،29‬ص‪.26‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫سبل السالم‪.2/170 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المقاصد الشرعية من الزواج‬
‫راعى الشرع في األحكام المتعلقة بالزواج الكثير من المقاص‪KK‬د ال‪K‬تي تخ‪K‬دم المص‪KK‬الح الدنيوي‪KK‬ة واألخروي‪K‬ة‪،‬‬
‫والتي يستحيل اجتماعها بواقعيتها‪ K‬ومثاليتها في نفس ال‪KK‬وقت في غ‪KK‬ير التش‪KK‬ريعات اإلس‪KK‬المية‪ ،‬ففيه‪KK‬ا مراع‪KK‬اة تام‪KK‬ة‬
‫للمصالح الفردية والمصالح االجتماعية ومصالح األمة جميعا من غير أن يطغى فيها جانب على جانب‪.‬‬
‫وقبل أن نعرض باختصار مجامع هذه المقاصد‪ ،‬نذكر قولي عالمين اهتما اهتماما شديدا بالمقاصد‪ K‬الشرعية‬
‫ننطلق منهما في بيان المقاصد الشرعية من الزواج‪:‬‬
‫أولهما السرخسي الذي حاول أن يجمع المقاص‪KK‬د الش‪KK‬رعية من ال‪KK‬زواج بقول‪KK‬ه‪(:‬تعل‪KK‬ق به‪KK‬ذا العق‪KK‬د أن‪KK‬واع من‬
‫المصالح الدينية والدنيوية من ذلك حفظ النساء والقي‪KK‬ام عليهن واإلنف‪KK‬اق‪ ،‬ومن ذل‪KK‬ك ص‪KK‬يانة النفس عن الزن‪KK‬ا‪ ،‬ومن‬
‫ذلك تكثير عباد هللا تعالى وأمة الرسول ‪ ‬وتحقيق مباهاة الرسول ‪ ‬بهم)(‪)1‬‬
‫أما الثاني‪ ،‬فهو الغزالي‪ ،‬فقد قال عند بيان فوائد الزواج‪(:‬وفيه فوائد خمسة‪ :‬الولد‪ ،‬وكس‪K‬ر الش‪K‬هوة‪ ،‬وتدبـير‬
‫المنزل‪ ،‬وكثرة العشيرة‪ ،‬ومجاهدة النفس بالقيام بهن)(‪)2‬‬
‫وانطالقا‪ K‬من هذين النصين يمكن حصر مجامع المقاصد الشرعية من الزواج في المقاصد التالية‪:‬‬
‫المقصد األول ـ تحصين الرجل والمرأة‬
‫ومعنى اإلحصان(‪ )3‬هو توفير المناعة الكافية للم‪KK‬ؤمن‪ ،‬وال‪KK‬تي تص‪KK‬ده عن الوق‪KK‬وع في الفاحش‪KK‬ة أو تص‪KK‬رفه‬
‫بالتفكير فيها عن الوظائف الموكلة إليه‪.‬‬
‫وسر ذلك هو أن اإلسالم يعترف‪ K‬بالغرائز التي وجدت في نفس اإلنسان‪ ،‬فال يقاومها أو يطلب إماتته‪KK‬ا‪ ،‬ب‪KK‬ل‬
‫يوفر‪ K‬السبل النظيفة التي تتيح إخراجه‪KK‬ا في ج‪KK‬و يحف‪KK‬ظ مبادئ‪KK‬ه ومقاص‪KK‬ده الكلي‪KK‬ة‪ ،‬وال يص‪KK‬ادم‪ K‬ـ في نفس ال‪KK‬وقت ـ‬
‫الفطرة التي فطر هللا الناس عليها‪.‬‬
‫هَّللا‬ ‫َّ‬
‫ف ال ِذينَ اَل يَ ِج‪ُ K‬دونَ نِ َكاحً‪K‬ا َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم ُ ِم ْن فَ ْ‬
‫ض‪K‬لِ ِه ﴾‬ ‫ْ‬
‫وق‪K‬د‪ K‬نص على ه‪KK‬ذا المقص‪KK‬د قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪َ ﴿:‬وليَ ْس‪K‬تَ ْعفِ ْ‬
‫(النور‪ ،)33 :‬فالنص ظاهر في أن من مقاصد الزواج االستعفاف‪K.‬‬
‫ونص عليه من السنة قوله ‪(: ‬يا معشر الشباب من استطاع منكم الب‪KK‬اءة‪ ،‬فلي‪KK‬تزوج‪ ،‬فإن‪KK‬ه أغض للبص‪KK‬ر‪،‬‬
‫وأحصن للفرج‪ ،‬ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(‪ ،)4‬وقوله ‪(: ‬ثالثة حق على هللا ع‪KK‬ونهم‪ :‬المجاه‪KK‬د‬
‫في سبيل هللا‪ ،‬والمكاتب الذي يريد األداء‪ ،‬والناكح الذي يريد العفاف)(‪)5‬‬
‫فالزواج هو السبيل الوحيد للتحصين من الشهوات‪ ،‬فلذلك اعتبر من صرف‪ K‬شهوته بغير س‪KK‬بيل ال‪KK‬زواج من‬
‫المعت‪KK‬دين‪ ،‬كم‪KK‬ا ق‪KK‬ال تع‪KK‬الى ‪َ ﴿:‬والَّ ِذينَ هُ ْم لِفُ‪K‬رُو ِج ِه ْم َح‪KK‬افِظُونَ )(المؤمن‪KK‬ون‪ ،)5:‬ثم اس‪KK‬تثنى‪ ،‬فق‪KK‬ال تع‪KK‬الى ‪ ﴿:‬إاَّل َعلَى‬
‫ت أَ ْي َمانُهُ ْم فَإِنَّهُ ْم َغ ْي ُر َملُو ِمينَ )(المؤمن‪KK‬ون‪ ،)6:‬أي (وال‪KK‬ذين ق‪K‬د حفظ‪KK‬وا ف‪K‬روجهم من الح‪K‬رام فال‬ ‫أَ ْز َوا ِج ِه ْ‪K‬م أَوْ َما َملَ َك ْ‬
‫يقعون فيما نهاهم هّللا عنه من زنا ولواط‪ ،‬ال يقربون س‪K‬وى‪ K‬أزواجهم ال‪KK‬تي أحله‪KK‬ا هّللا لهم‪ ،‬أو م‪K‬ا ملكت أيم‪K‬انهم من‬
‫السراري‪ ،‬ومن تعاطى ما أحل‪K‬ه هّللا ل‪K‬ه فال ل‪K‬وم علي‪K‬ه وال ح‪K‬رج)‪ ،‬فق‪K‬د اس‪K‬تثنت اآلي‪K‬ة من حف‪K‬ظ الف‪K‬رج حفظ‪K‬ه عن‬
‫‪ )(1‬المبسوط‪.4/192:‬‬
‫‪ )(2‬اإلحياء‪.2/24 :‬‬
‫صنَ ُك ْم ِم ْن بَأْ ِس‪ُ KK‬ك ْم‬ ‫‪ )(3‬اإلحصان في اللغة هو التمنع؛ ومنه الحصن ألنه يمتنع فيه؛ ومنه قوله تعالى ‪َ :‬وعَلَّ ْمنَاهُ َ‬
‫ص ْن َعةَ لَبُو ٍ‬
‫س لَ ُك ْم لِتُحْ ِ‬
‫فَهَلْ أَ ْنتُ ْم َشا ِكرُونَ ﴾ (االنبياء‪ ،)80:‬أي لتمنعكم؛ ومنه الحصان للفرس ألنه يمنع صاحبه من الهالك‪ .‬والحصان (بفتح الحاء)‪ :‬الم‪KK‬رأة‬
‫العفيفة لمنعها نفسها من الهالك‪ .‬وحصنت المرأة تحصن فهي حصان؛ مثل جبنت فهي جبان‪.‬‬
‫‪ )(4‬مس‪KK‬لم‪ ،2/1018 :‬البخ‪KK‬اري‪ ،2/673 :‬ابن حب‪KK‬ان‪ ،9/335 :‬ال‪KK‬دارمي‪ ،2/177 :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،4/296 :‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/219 :‬النس‪KK‬ائي‪:‬‬
‫‪.2/95‬‬
‫‪ )(5‬قال الترمذي‪:‬هذا حديث حسن‪ ،‬انظر‪ :‬الترمذي‪ ،4/184 :‬البيهقي‪ ،7/78 :‬النسائي‪.3/194 :‬‬
‫الزوجة أو ملك اليمين‪ ،‬وهي في حكم الزوجة‪.‬‬
‫وه‪KK‬ذا موق‪KK‬ف وس‪KK‬ط بين من فتح المج‪KK‬ال للش‪KK‬هوات فتح‪KK‬ا مطلق‪KK‬ا‪ ،‬فانتش‪KK‬رت الرذيل‪KK‬ة وعم االنح‪KK‬راف باس‪KK‬م‬
‫الحرية‪ ،‬أو باسم مقاومة الكبت‪ ،‬وترك العن‪KK‬ان للغرائ‪KK‬ز الحيواني‪KK‬ة‪ ،‬وبين دع‪KK‬اة الرهباني‪KK‬ة ال‪KK‬ذين دع‪KK‬وا إلى العف‪KK‬اف‬
‫بمقاومة الطبيعة البش‪KK‬رية والفط‪KK‬رة ال‪KK‬تي خل‪KK‬ق هللا الن‪KK‬اس عليه‪KK‬ا‪ ،‬يق‪KK‬ول س‪KK‬يد قطب تعليق‪KK‬ا على اآلي‪K‬ة الس‪KK‬ابقة ‪(:‬إن‬
‫الزواج هو الطريق الطبيعي‪ K‬لمواجهة الميول الجنسية الفطرية‪ ،‬وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة‪ ،‬فيجب أن‬
‫تزول العقبات من طريق‪ K‬الزواج‪ ،‬لتجري الحي‪KK‬اة على طبيعته‪KK‬ا وبس‪KK‬اطتها‪ ،‬والعقب‪KK‬ة المالي‪KK‬ة هي العقب‪KK‬ة األولى في‬
‫طريق‪ K‬بناء البيوت‪ ،‬وتحصين النفوس‪ ،‬واإلس‪KK‬الم‪ K‬نظ‪KK‬ام متكام‪KK‬ل‪ ،‬فه‪K‬و‪ K‬ال يف‪KK‬رض العف‪K‬ة إال وق‪K‬د‪ K‬هي‪KK‬أ له‪KK‬ا أس‪KK‬بابها‪،‬‬
‫وجعلها ميسورة لألفراد األسوياء‪ .‬فال يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إال الذي يعدل عن الطريق النظيف الميس‪KK‬ور‪ K‬عام‪KK‬دا‬
‫غير مضطر)‪)1(K‬‬
‫وبن‪KK‬اء على ه‪KK‬ذا أم‪KK‬ر هللا الجماع‪KK‬ة المس‪KK‬لمة أن تعين من يق‪KK‬ف الم‪KK‬ال في ط‪KK‬ريقهم إلى النك‪KK‬اح الحالل بقول‪KK‬ه‬
‫اس‪ٌ K‬ع‬‫ض‪K‬لِ ِه َوهَّللا ُ َو ِ‬ ‫تعالى‪َ ﴿:‬وأَن ِكحُوا اأْل َيَا َمى ِم ْن ُك ْم َوالصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَ‪KK‬ا ِد ُك ْ‪K‬م َوإِ َم‪KK‬ائِ ُك ْم إِ ْن يَ ُكونُ‪KK‬وا فُقَ‪َ K‬‬
‫‪K‬را َء يُ ْغنِ ِه ْم هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ‬
‫َعلِي ٌم﴾(النور‪)32:‬واأليامى هم الذين ال أزواج لهم رجاال كانوا أو نساء‪ ،‬والم‪KK‬راد بهم في ه‪KK‬ذه اآلي‪KK‬ة األح‪KK‬رار دون‬
‫الرقيق‪ K‬ألنه أفردهم في قوله تعالى‪َ ﴿:‬والصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَا ِد ُك ْم َوإِ َمائِ ُك ْم﴾‪K‬‬
‫يقول سيد عن موقف‪ K‬العلماء من ه‪KK‬ذا األم‪KK‬ر اإللهي ال‪KK‬ذي يقتض‪KK‬ي ظ‪KK‬اهره الوج‪KK‬وب‪( :‬وه‪KK‬ذا أم‪KK‬ر للجماع‪KK‬ة‬
‫بتزويجهم‪ ،‬والجمهور‪ K‬على أن األمر هنا للندب‪ ،‬ودليلهم‪ K‬أنه قد وجد أي‪KK‬امى على عه‪KK‬د رس‪KK‬ول هللا ‪‬لم يزوج‪KK‬وا‪،‬‬
‫ولو كان األمر للوجوب لزوجهم)(‪)2‬‬
‫ويذكر موقفه بقوله ‪(:‬ونحن ن‪KK‬رى أن األم‪KK‬ر للوج‪KK‬وب‪ ،‬ال بمع‪KK‬نى أن يج‪KK‬بر اإلم‪KK‬ام األي‪KK‬امى على ال‪KK‬زواج ؛‬
‫ولكن بمعنى أنه يتعين إعانة الراغبين منهم في الزواج‪ ،‬وتمكينهم من اإلحصان‪ ،‬بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية‬
‫العملية‪ ،‬وتطهير‪ K‬المجتمع اإلسالمي‪ K‬من الفاحشة‪ ،‬وهو واجب ووسيلة الواجب واجبة)(‪)3‬‬
‫وهو قول تؤيده األدلة الكثيرة بناء على التصور اإلسالمي لدور‪ K‬ولي األم‪K‬ر ال‪K‬ذي يهتم بببن‪K‬اء اإلنس‪K‬ان قب‪K‬ل‬
‫اهتمامه بأي بنيان آخر‪.‬‬
‫ونفس األمر ينطبق على المرأة التي يتقدم لها الكفء الذي ترغب فيه‪ ،‬فال يحل عضلها عنه ح‪KK‬تى ل‪KK‬و ك‪KK‬ان‬
‫ْض‪K‬لُوه َُّن أَ ْن يَ ْن ِكحْ نَ أَ ْز َوا َجه َُّن إِ َذا‬ ‫قد سبق له إيذاءها بالطالق‪ ،‬ق‪KK‬ال تع‪KK‬الى ‪َ ﴿:‬وإِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َس‪K‬ا َء فَبَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَال تَع ُ‬
‫‪K‬ر َذلِ ُك ْم أَ ْز َكى لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫طهَ‪ُ K‬ر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم‬ ‫ك يُو َعظُ بِ ِه َم ْن َك‪KK‬انَ ِم ْن ُك ْم يُ‪Kْ K‬ؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَ‪KK‬وْ ِ‪K‬م اآْل ِخ‪ِ K‬‬ ‫ضوْ ا‪ K‬بَ ْينَهُ ْم بِ ْال َم ْعر ِ‪K‬‬
‫ُوف َذلِ َ‬ ‫تَ َرا َ‬
‫َوأَ ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمونَ )(البقرة‪ ،)232:‬قال ابن عباس‪ :‬نزلت هذه اآلية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقض‪KK‬ي‬
‫عدتها ثم يبدوا له أن يتزوجها وأن يراجعها وتري‪K‬د‪ K‬الم‪KK‬رأة ذل‪KK‬ك فيمنعه‪K‬ا‪ K‬أولياؤه‪KK‬ا من ذل‪KK‬ك فنهى هّللا أن يمنعوه‪KK‬ا‪،‬‬
‫والذي قاله ظاهر من اآلية‪.‬‬
‫ومثل نهي العضل عن المطلق عضل المتوفى‪ K‬عنها زوجها طمع‪KK‬ا في ماله‪KK‬ا وفي ع‪KK‬دم خروجه‪K‬ا‪ K‬من أس‪KK‬رة‬
‫ضلُوه َُّن لِت َْذهَبُوا بِبَع ِ‬
‫ْض‬ ‫الزوج بعد وفاته‪ ،‬قال تعالى ‪ ﴿:‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال يَ ِحلُّ لَ ُك ْم أَ ْن ت َِرثُوا‪ K‬النِّ َسا َء كَرْ ها ً َوال تَ ْع ُ‬
‫ُوف فَإِ ْن َك ِر ْهتُ ُموه َُّن فَ َع َسى أَ ْن تَ ْك َرهُوا َشيْئا ً َويَجْ َع‪َ KK‬ل هَّللا ُ‬ ‫َما آتَ ْيتُ ُموه َُّن إِاَّل أَ ْن يَأْتِينَ بِفَا ِح َش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة َوعَا ِشرُوه َُّن بِ ْال َم ْعر ِ‪K‬‬
‫فِي ِه َخيْراً َكثِيراً ﴾ (النساء‪)19:‬‬
‫ومثل ذلك عضل أي امرأة عن الزواج بمن تتحقق فيه شرائط الكفاءة التي س‪KK‬نذكرها‪ K‬في محله‪KK‬ا‪ ،‬ق‪KK‬ال ‪: ‬‬
‫(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن ال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير)‪ ،‬قالوا ‪(:‬ي‪KK‬ا رس‪KK‬ول هللا‪،‬‬
‫وإن كان فيه)قال ‪(:‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)ثالث مرات(‪.)4‬‬
‫ولهذا ـ وبعد توفير‪ K‬الجو المناسب الذي تصرف‪ K‬فيه الغرائز ـ ورد التشديد‪ K‬على حرمة الزن‪KK‬ا‪ ،‬واعتب‪KK‬اره من‬
‫الكبائر والفواحش التي تهدم القيم التي ينبني عليها الكيان النفسي واالجتماعي‪ ،‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬وال تَ ْق َربُوا ال ‪ِّ K‬زنَى إِنَّهُ‬

‫في ظالل القرآن‪.4/2515 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫في ظالل القرآن‪.4/2515 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫في ظالل القرآن‪.4/2515 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫رواه الترمذي وقال حسن غريب‪ ،‬الترمذي‪.3/394 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫َكانَ فَا ِح َشةً َو َسا َء َسبِيالً﴾ (االسراء‪)32:‬‬
‫وورد التنفير منه بذكر أنواع العقاب المناطة به‪ ،‬فالزاني ال تفتح له أب‪KK‬واب الس‪KK‬ماء‪ ،‬ق‪KK‬ال ‪(: ‬تفتح أب‪KK‬واب‬
‫السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب‪ K‬له ؟ هل من سائل فيعطى‪ K‬؟ هل من مك‪KK‬روب‪ K‬فيف‪KK‬رج عن‪KK‬ه ؟‬
‫فال يبقى مسلم يدعو دعوة إال استجاب هللا عز وجل له إال زانية تسعى بفرجها أو عشارا)(‪)1‬‬
‫وموعد الزاني نار يلتهب بها وجهه‪ ،‬قال ‪(: ‬إن الزناة تشتعل وجوههم‪ K‬نارا)(‪ ،)2‬وق‪KK‬ال‪  K‬يص‪KK‬ف بعض‬
‫العقاب الذي يتعذب به الزناة في البرزخ ‪(:‬رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني‪ K‬إلى أرض مقدسة)ـ فذكر الح‪KK‬ديث‬
‫إلى أن قال ـ ‪(:‬فانطلقنا‪ K‬إلى نقب مثل التنور أعاله ضيق وأسفله واسع يتوقد‪ K‬تحته ن‪KK‬ار ف‪KK‬إذا ارتفعت ارتفع‪KK‬وا ح‪KK‬تى‬
‫كادوا أن يخرجوا وإذا خمدت رجعوا فيها‪ ،‬وفيها‪ K‬رجال ونساء عراة)(‪ ،)3‬وفي‪ K‬رواية قال ‪(: ‬فانطلقن‪KK‬ا إلى مث‪KK‬ل‬
‫التنور‪ ،‬قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات‪ ،‬قال فاطلعن‪K‬ا‪ K‬في‪KK‬ه ف‪KK‬إذا في‪KK‬ه رج‪KK‬ال ونس‪KK‬اء ع‪KK‬راة وإذا هم‬
‫يأتيهم لهب من أس‪KK‬فل منهم ف‪KK‬إذا أت‪KK‬اهم ذل‪KK‬ك اللهب ضوض‪KK‬وا ‪ -‬أي ص‪KK‬احوا)الح‪KK‬ديث‪ ،‬وفي آخ‪KK‬ره ‪(:‬وأم‪KK‬ا الرج‪KK‬ال‬
‫والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم‪ K‬الزناة والزواني)‬
‫وجاء في السنة تغليظ عظيم في الزنى ال سيما بحليلة الجار والتي غاب عنها زوجها‪ ،‬فعن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫سألت رسول هللا ‪ r‬أي الذنب أعظم عند هللا ؟ قال أن تجعل هلل ن‪KK‬دا وه‪KK‬و خلق‪KK‬ك‪ :‬قلت إن ذل‪KK‬ك لعظيم‪ ،‬قلت ثم أي ؟‬
‫قال‪ :‬أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك‪ ،‬قلت ثم أي ؟ قال‪ :‬أن تزاني حليلة جارك)(‪ )4‬وفي رواية‪ :‬وتال هذه اآلية‬
‫ق أَثَاما ً‬
‫ك يَ ْل َ‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫ق َوال يَ ْزنُونَ َو َم ْن يَ ْف َعلْ َذلِ َ‬ ‫‪َ ﴿:‬والَّ ِذينَ ال يَ ْد ُعونَ َم َع هَّللا ِ إِلَها ً آ َخ َر َوال يَ ْقتُلُونَ النَّ ْف َ‬
‫﴾ (الفرقان‪)68:‬‬
‫ومثل هذا التغليظ فيمن خفت عليه دواعي الغريزة بكبر السن‪ ،‬قال ‪(: ‬ثالثة ال يكلمهم هللا يوم القيامة وال‬
‫يزكيهم‪ K‬وال ينظر‪ K‬إليهم ولهم عذاب أليم‪ :‬شيخ زان‪ ،‬وملك كذاب‪ ،‬وعائل ‪ -‬أي فق‪KK‬ير ‪ -‬مس‪KK‬تكبر)(‪ ،)5‬وق‪KK‬ال ‪(: ‬ال‬
‫ينظر هللا يوم القيامة إلى الشيخ الزاني وال إلى العجوز الزانية)(‪)6‬‬
‫بل أخبر ‪ ‬أن الزنى أحبط عبادة ستين سنة‪ ،‬قال ‪(: r‬تعبد عاب‪KK‬د من ب‪KK‬ني إس‪KK‬رائيل فعب‪KK‬د هللا في ص‪KK‬ومعته‬
‫ستين عاما فأمطرت األرض فاخضرت فأشرف‪ K‬الراهب من صومعته فقال لو نزلت ف‪KK‬ذكرت هللا ف‪KK‬ازددت‪ K‬خ‪KK‬يرا‪،‬‬
‫فنزل ومعه رغيف أو رغيفان فبينما هو في األرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه‬
‫فنزل الغدير ليستحم فج‪K‬اء س‪K‬ائل فأوم‪K‬أ إلي‪K‬ه أن يأخ‪K‬ذ ال‪K‬رغيفين‪ ،‬ثم م‪K‬ات ف‪K‬وزنت‪ K‬عب‪K‬ادة س‪K‬تين س‪K‬نة بتل‪K‬ك الزني‪K‬ة‬
‫فرجحت الزنية بحسناته‪ ،‬ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له)(‪)7‬‬
‫وانطالقا‪ K‬من هذا‪ ،‬فقد سعت كل التشريعات المرتبطة بالزواج ـ كما سنرى ـ إلى تيسير‪ K‬الزواج‪ ،‬ورف‪KK‬ع ك‪KK‬ل‬
‫العقبات الحائلة دونه‪ ،‬حفاظا على حصانة المجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وحفظها‪ K‬من الفواحش‪.‬‬
‫وهذا الذي نص علي‪K‬ه اإلس‪K‬الم ه‪K‬و ال‪K‬ذي اع‪K‬ترف ب‪K‬ه عقالء الغ‪K‬رب‪ ،‬يق‪K‬ول وي‪K‬ل دورانت في كتاب‪K‬ه (ل‪K‬ذات‬
‫الفلس‪KK‬فة)‪(:‬إن ال‪KK‬زواج في ال‪KK‬وقت المناس‪KK‬ب يقض‪KK‬ي على نص‪KK‬ف الفحش‪KK‬اء واألم‪KK‬راض الخط‪KK‬رة‪ ،‬وح‪KK‬االت العزل‪KK‬ة‬
‫العقيمة‪ ،‬واالنحرافات‪ K‬التي ابتُليَت بها الحضارة الحديثة)‬
‫ويقول في مكان آخر من كتابه ‪(:‬إن النمو الجنسي لإلنسان يسبق تكامل‪KK‬ه االقتص‪KK‬ادي‪ ،‬والح‪KK‬د من الرغب‪KK‬ات‬
‫الجنسية في المجتمع الريفي أم ٌر معقول‪ ،‬لكن الحد من هذه الرغبات في المجتمع الصناعي ال‪KK‬ذي يت‪KK‬أخر في‪KK‬ه س‪KK‬ن‬
‫الزواج إلى ثالثين عاما ً ليس أمراً سهالً‪ ،‬وال ب‪KK‬د للش‪KK‬هوة أن تعلن عن نفس‪K‬ها‪ ،‬وعن‪K‬د ذل‪K‬ك يك‪K‬ون ك‪KK‬ف النفس أم‪KK‬راً‬
‫صعبا‪.‬‬
‫أحمد والطبراني واللفظ له‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الطبراني‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البخاري‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الشيخان في التفسير واألدب والتوحيد والديات والمحاربين‪ ،‬ومسلم في اإليمان وأحمد والترمذي والنسائي‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مسلم وأحمد والنسائي‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الطبراني‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫ابن حبان في صحيحه‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫لذا ننصح طلبة الجامعات المش‪KK‬غولين بالدراس‪KK‬ة وال يس‪KK‬تطيعون تحم‪KK‬ل الض‪KK‬غوط الجنس‪KK‬ية‪ ،‬ويخ‪KK‬افون على‬
‫أنفسهم من االنحراف أن يتزوجوا‪ K‬بعقد شرعي وقانوني‪ K‬على أن يتم الدخول‪ ،‬وتكوين األسرة بعد انته‪KK‬اء الط‪KK‬رفين‬
‫من التحصيل الجامعي‪ ،‬وبهذا الشكل يمكننا صيانة الشباب من االنحراف)‬
‫بع‪KK‬د تعرفن ‪K‬ا‪ K‬على مراع‪KK‬اة الش‪KK‬رع له‪KK‬ذا المقص‪KK‬د في تش‪KK‬ريع ال‪KK‬زواج نتس‪KK‬اءل عن الحكم المراع‪KK‬اة في ه‪KK‬ذا‬
‫المقصد‪ ،‬أو بعبارة أخرى جريئة‪ ،‬على منطق المتحررين ‪:‬‬
‫ما الحاجة إلى اإلحصان‪ ،‬مع أن هذا األمر حرية شخص‪K‬ية‪ ،‬أو ه‪KK‬و عملي‪K‬ة بيولوجي‪KK‬ة ال تختل‪K‬ف عن س‪KK‬ائر‬
‫العمليات التي يقوم بها جسم اإلنسان؟‬
‫ثم لماذا يعتبر العفاف خلقا نبيال‪ ،‬ولماذا يعتبر الزنى فاحشة ومنكرا؟‬
‫واإلجابة على هذا تستدعي تفاصيل كثيرة ال محل لها هنا‪ ،‬ولكنا على سبيل االختصار سنحاول‪ K‬ذكر بعض‬
‫األضرار‪ K‬الواقعية عن انتشار الفواحش‪ ،‬لتكون وحدها دليال على ما دعا إليه الشرع‪:‬‬
‫التحصين من األضرار الصحية ‪:‬‬
‫بما أن الخلق متفقون على حرمة هذا الجسد‪ ،‬فإن من الحفاظ على حرمته االبتعاد به عن كل م‪KK‬ا ق‪KK‬د يس‪KK‬تبب‬
‫في تضرره ومرضه‪.‬‬
‫وانتشار‪ K‬الفواحش ـ كما ي‪KK‬دل علي‪K‬ه الواق‪KK‬ع ـ من أهم أس‪KK‬باب األم‪KK‬راض الخط‪KK‬يرة‪ ،‬ف‪K‬األمراض‪ K‬الجنس‪K‬ية من‬
‫أخطر األمراض وأشدها فتك‪KK‬ا باإلنس‪KK‬ان خصوص‪K‬ا‪ K‬في ه‪KK‬ذا العص‪KK‬ر‪ ،‬حيث تش‪KK‬ير آخ‪KK‬ر التق‪KK‬ارير لمنظم‪KK‬ة الص‪KK‬حة‬
‫العالمية أن األمراض الجنسية هي أكثر األمراض انتشارا‪ K‬في العالم‪ ،‬وأنها أهم وأخطر‪ K‬المشاكل الص‪KK‬حية العاجل‪KK‬ة‬
‫التي تواجه دول الغرب‪ ،‬فعدد اإلصابات في ارتفاع مستمر في كل األعم‪KK‬ار خصوص‪KK‬ا في مرحل‪KK‬ة الش‪KK‬باب يق‪KK‬ول‬
‫الدكتور‪ K‬جول‪K‬د‪( :‬لق‪KK‬د حس‪KK‬ب أن في ك‪KK‬ل ثاني‪KK‬ة يص‪K‬اب أربع‪K‬ة أش‪K‬خاص ب‪K‬األمراض الجنس‪K‬ية في الع‪K‬الم‪ ،‬ه‪KK‬ذا وف‪KK‬ق‬
‫اإلحصائيات‪ K‬المسجلة والتي يقول عنها الدكتور‪ K‬جورج كوس إن الح‪KK‬االت المعلن عنه‪KK‬ا رس‪KK‬ميا ال تتع‪KK‬دي رب‪KK‬ع أو‬
‫عشر العدد الحقيقي)‬
‫مرض‪K‬ا واح‪KK‬دا‬
‫ً‬ ‫إن هذه األمراض تنتشر بين الناس كانتشار‪ K‬النار في الهش‪KK‬يم‪ ،‬ويمكن لش‪KK‬خص واح‪KK‬د يحم‪KK‬ل‬
‫منها أن يحدث وباء في بيئته‪ ،‬وقد أكدت دراسة أجريت في بريطانيا منذ أكثرمن ثالثين عاما تقريب‪KK‬ا ه‪KK‬ذه الحقيق‪KK‬ة‬
‫شخص‪K‬ا‪ K‬آخ‪K‬رين‪ .‬فم‪KK‬اذا‬
‫ً‬ ‫حيث تسبب مصاب واحد بنقل عدوي مرضه الجنس‪K‬ي إلي أل‪K‬ف وس‪K‬تمائة وتس‪KK‬عة وثالثين‬
‫تُحدث األعداد الهائلة من المصابين بهذه األمراض وهم بالماليين من أوبئة كاسحة في تلك المجتمعات!‬
‫إن اآلالم واألمراض والدمار‪ K‬والهالك الشامل هو النتيجة الطبيعية النتشار‪ K‬هذه األمراض‪ ،‬لذلك قامت ع‪KK‬دة‬
‫منظمات عالمية لمواجهة هذه األخطار الماحقة كمنظمة الص‪KK‬حة العالمي‪KK‬ة‪ ،‬واالتح‪KK‬اد الع‪KK‬المي لمكافح‪KK‬ة األم‪KK‬راض‬
‫الجنسية‪ ،‬وانتهي‪ K‬خبراء هذه المنظمات من وضع قرارات وتوصيات‪ K‬وتحذيرات‪ ،‬ومع كل ه‪KK‬ذا ظلت المش‪KK‬كلة في‬
‫ازدياد‪ K‬وتعقيد مستمر‪ ،‬سواء في أنواع هذه األمراض‪ ،‬أو أعداد المصابين بها‪ ،‬بحيث أصبحت أض‪KK‬عافا مض‪KK‬اعفة‪،‬‬
‫فما هو السبب الحقيقي لالنتشار المريع لهذه األمراض إنه س‪KK‬بب ب‪KK‬ديهي مع‪KK‬روف‪ K‬ض‪KK‬جت ب‪KK‬ه الش‪KK‬كوى وبحت ب‪KK‬ه‬
‫األصوات‪ ،‬واتخذت له إجراءات لكن بدون جدوى! إنه التحل‪K‬ل الخلقي واإلباحي‪K‬ة المطلق‪K‬ة في العالق‪K‬ات الجنس‪K‬ية‪،‬‬
‫إنه انتشار الزنا واللواط وسائر‪ K‬العالقات الجنسية الشاذة والمحرمة‪.‬‬
‫يقول الدكتور‪ K‬كنج في كتابه األمراض الزهرية‪ :‬إن اآلمال التي كانت معقودة علي وس‪KK‬ائلنا‪ K‬الطبي‪KK‬ة الحديث‪KK‬ة‬
‫في القض‪KK‬اء أو علي األق‪KK‬ل الح‪KK‬د من األم‪KK‬راض الجنس‪KK‬ية ق‪KK‬د خ‪KK‬ابت وب‪KK‬اءت بالخس‪KK‬ران‪ ،‬إن أس‪KK‬باب انتش‪KK‬ار ه‪KK‬ذه‬
‫األم‪KK‬راض تكمن في الظ‪KK‬روف االجتماعي‪KK‬ة وتغ‪KK‬ير الس‪KK‬لوك اإلنس‪KK‬اني‪ ،‬فق‪KK‬د انتش‪KK‬رت اإلباحي‪KK‬ة انتش‪KK‬ار ذريع‪KK‬ا في‬
‫المجتمعات الغربية‪.‬‬
‫وقد شهد العالم موجات كاسحة من انتشار‪ K‬وباء الزهري علي فترات منذ أن ظه‪KK‬ر ألول م‪KK‬رة ع‪KK‬ام ‪1494‬م‬
‫وق‪KK‬د قض‪KK‬ي علي مئ‪KK‬ات الماليين من األش‪KK‬خاص في الق‪KK‬رون الخمس‪KK‬ة الماض‪KK‬ية وحطم حي‪KK‬اة ماليين أخ‪KK‬ري منهم‪،‬‬
‫انظروا‪ K‬إلي جرثومته التي ال تري بالعين المجردة إنها جرثومة دقيقة ض‪KK‬عيفة‪ ،‬لكنه‪KK‬ا قاتل‪KK‬ة خط‪KK‬يرة ته‪KK‬اجم جمي‪KK‬ع‬
‫أعضاء الجسم‪ ،‬وفي غفلة من الضحية تدمره وتقضي عليه بعد رحلة طويلة من اآلالم واألوج‪KK‬اع‪ K‬ال‪KK‬تي لم يعه‪KK‬دها‬
‫الناس وقتئذ وما سمعوا بها‪ ،‬وبرغم اكتشاف‪ K‬المضادات الحيوية‪ ،‬فما زال المرض يزداد وينتشر إذ يصاب س‪KK‬نويا‬
‫حوالي خمسين مليونا من البشر بهذا المرض‬
‫ويتصدر‪ K‬مرض السيالن قائمة األمراض المعدية‪ ،‬فهو أكثر األمراض الجنسية شيوعا في العالم إذ ي‪KK‬تراوح‬
‫الرقم‪ K‬المثبت في اإلحص‪KK‬ائيات ح‪KK‬والي م‪KK‬ائتين وخمس‪KK‬ين ملي‪KK‬ون مص‪KK‬اب س‪KK‬نويا‪ ،‬وه‪KK‬ذا ال يمث‪KK‬ل الحقيق‪K‬ة ألن ع‪KK‬دد‬
‫الحاالت المبلغ بها والواردة في اإلحصائيات‪ K‬تمثل من عشر إلي ربع الرقم الحقيقي‪.‬‬
‫وبرغم هجوم ميكروب الس‪K‬يالن ال‪K‬دقيق‪ K‬علي جمي‪K‬ع أعض‪K‬اء الجس‪K‬م وتس‪K‬ببه في االلتهاب‪K‬ات والعل‪K‬ل واآلالم‬
‫للمصاب إال أن أخطر آثاره هو قطع نسل الضحية ؛ لذلك يسمي هذا المرض بالمعقم األكبر‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هذا فإن أخطر م‪K‬رض جنس‪K‬ي يكتس‪KK‬ح الع‪KK‬الم‪ ،‬ويث‪K‬ير‪ K‬في‪K‬ه ال‪KK‬رعب ه‪K‬و م‪K‬رض نقص المناع‪K‬ة‬
‫المكتسب [اإليدز]‪ ،‬الذي يعتبر من أكثر األمراض انتشارا‪ K‬في العالم‪ ،‬فقد بلغ عدد المصابين بع‪KK‬دوى‪ K‬اإلي‪KK‬دز ح‪KK‬تى‬
‫نهاي‪KK‬ة ع‪KK‬ام ‪2003‬م نح‪KK‬و ‪ 40‬ملي‪KK‬ون (‪ 46-34‬ملي‪KK‬ون) ‪ %50‬منهم من النس‪KK‬اء‪ ،‬وتش‪KK‬ير (تق‪KK‬ارير منظم‪KK‬ة الص‪KK‬حة‬
‫العالمية ‪ )WHO‬إلى أن ما يزيد عن ‪ %95‬من اإلصابات تتركز في الدول النامية‪.‬‬
‫وما يزال هذا الوباء آخذ في االنتشار‪ K‬على الصعيد العالمي‪ ،‬إذ أصيب قرابة ‪ 5‬مليون (‪ 5.8 – 4.2‬مليون)‬
‫شخص بعدوى المرض خالل عام ‪2003‬م وبلغ عدد الوفيات من المرض في العام نفسه ‪ 3‬مليون (‪ 2.5‬ملي‪KK‬ون –‬
‫‪ 3.5‬مليون) شخص ‪ % 48‬منهم نساء‪.‬‬
‫التحصين من األضرار النفسية ‪:‬‬
‫تص‪KK‬احب المش‪KK‬كالت الص‪KK‬حية ال‪KK‬تي يتع‪KK‬رض له‪KK‬ا المنحرف‪KK‬ون‪ K‬جنس‪KK‬يا مجموع‪KK‬ة من المش‪KK‬كالت النفس‪KK‬ية‬
‫والعصابية والتي يأتي على رأسها الهوس والجنون والوسواس‪ K‬المرضي‪ .‬ويمكن تلخيص أبرز المشكالت النفسية‬
‫التي يتعرض لها هؤالء األشخاص في ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬تنشأ في نفس المنحرف حالة من الصراع النفسي بين المرغوب والمحظور نتيجة إدراكه الت‪K‬ام لك‪K‬ون ممارس‪K‬ته‬
‫ممارسة غير مقبولة دينيا واجتماعيا وأخالقيا‪ ،‬فتبعث في نفسه حالة من عدم االستقرار النفسي‪.‬‬
‫‪ .2‬تؤدي حالة عدم االستقرار النفسي إلى خلق حالة من االض‪K‬طراب فتعط‪K‬ل ق‪K‬درة الش‪K‬خص عن اتخ‪K‬اذ الق‪K‬رارات‬
‫السليمة‪ ،‬مما يعود بالضرر المباشر عليه وعلى المجتمع المحيط‪.‬‬
‫‪ .3‬تنشأ في نفس الشخص حالة من عدم التوازن مما يؤدي إلى حدوث حالة من القلق المستمر‪.‬‬
‫‪ .4‬تتطب‪KK‬ع شخص‪KK‬ية المنح‪KK‬رف بض‪KK‬عف الثق‪KK‬ة ب‪KK‬النفس وب‪KK‬اآلخرين‪ ،‬األم‪KK‬ر ال‪KK‬ذي يعي‪KK‬ق عملي‪KK‬ة االن‪KK‬دماج والتكي‪KK‬ف‬
‫االجتماعي السليم‪.‬‬
‫‪ .5‬تؤدي حالة انعدام الثقة في النفس وفي اآلخرين إلى ظهور وتعزز الغيرة المرضية التي تنعكس س‪KK‬لبا على ق‪KK‬درة‬
‫المنحرف على إقامة عالقة زوجية طبيعية‪ ،‬وكذلك هو الحال بالنسبة للعالقات االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫‪ .6‬من بين األم‪KK‬راض النفس‪KK‬ية ال‪KK‬تي تظه‪KK‬ر على المنح‪KK‬رف الوس‪KK‬واس المرض‪KK‬ي والخ‪KK‬وف المس‪KK‬تمر وغيره‪KK‬ا من‬
‫الحاالت التي تعتبر مظهرا من مظاهر عدم االستقرار أو االختالل النفسي‪.‬‬
‫التحصين من األضرار االجتماعية‪:‬‬
‫كم‪KK‬ا ه‪KK‬و واض‪KK‬ح من األض‪KK‬رار‪ K‬النفس‪KK‬ية اآلنف‪KK‬ة ال‪KK‬ذكر‪ ،‬نالح‪KK‬ظ أن الش‪KK‬خص المنح‪KK‬رف‪ K‬ونتيج‪KK‬ة حال‪KK‬ة ع‪KK‬دم‬
‫االستقرار‪ K‬النفسي وما ينتج عن هذه الحال‪KK‬ة من آث‪KK‬ار ومض‪KK‬اعفات‪ ،‬يك‪KK‬ون ع‪KK‬اجزا عن العيش بص‪KK‬ورة طبيعي‪KK‬ة في‬
‫محيطه االجتماعي‪.‬‬
‫له‪KK‬ذا ن‪KK‬رى المنح‪KK‬رفين في الغ‪KK‬الب يش‪KK‬كلون تجمع‪KK‬ات وتكتالت تع‪KK‬اني من حال‪KK‬ة اإلقص‪KK‬اء من قب‪KK‬ل المحي‪KK‬ط‬
‫االجتماعي‪ .‬وتبعث حالة اإلقصاء هذه في الغالب على االستمرار في حالة االنحراف‪ K‬انتقاما من المجتمع‪ ،‬ما يزيد‬
‫من حالة عدم القبول أو الرفض االجتماعي لهذه الفئة‪ ..‬وهكذا تدور الحلقة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن المجتم‪KK‬ع اإلنس‪KK‬اني‪ K‬يخس‪KK‬ر كنتيج‪KK‬ة له‪KK‬ذه الممارس‪KK‬ات المنحرف‪KK‬ة طاق‪KK‬ات بش‪KK‬رية في‬
‫الغالب تكون طاقات شابة بمعنى أنها في أوج قدرتها على البذل والعطاء‪ ،‬في الوقت الذي يحتاج فيه المجتم‪KK‬ع إلى‬
‫كل جزء من جزئيات هذه الطاقة‪.‬‬
‫ومن مظاهر الضرر‪ K‬االجتم‪K‬اعي انع‪K‬دام األمن االجتم‪K‬اعي ال‪K‬تي تك‪K‬ون متبوع‪K‬ة بحال‪K‬ة من انع‪K‬دام الثق‪K‬ة في‬
‫المحيط االجتماعي بشكل عام‪ ،‬وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على حالة االستقرار في المجتمع ليؤدي ب‪KK‬ذلك إلى‬
‫حالة من التفكك االجتماعي‪ ،‬وخلق حالة من العزلة رغم وجود المظهر االجتماعي على السطح‪.‬‬
‫أي أنه يجب أن ن‪KK‬درك ب‪KK‬أن س‪KK‬لوك المنح‪KK‬رف‪ K‬ال ينعكس س‪KK‬لبا علي‪KK‬ه فق‪KK‬ط أو على المجموع‪KK‬ة ال‪KK‬تي يم‪KK‬ارس‬
‫انحرافه معها أو من خاللها‪ ،‬وإنما يكون المجتمع بأكمله بصالحه وفاسده عرضة للتأثر بس‪KK‬لبيات ه‪KK‬ذا االنح‪KK‬راف‪.‬‬
‫ومن هنا تبرز أهمية النهوض والمبادرة لعالج مث‪KK‬ل ه‪KK‬ذه االنحراف‪KK‬ات الس‪KK‬لوكية لحف‪KK‬ظ حال‪KK‬ة الطه‪KK‬ر االجتم‪KK‬اعي‪،‬‬
‫وللحفاظ على الروابط‪ K‬االجتماعية التي تعتبر المحرك الرئيسي‪ K‬لعجلة التنمية االجتماعية‪.‬‬
‫تحصين العالقة باهلل ‪:‬‬
‫وربما ال يفهم هذا المقصد العظيم إال المؤمنون العارفون باهلل‪ ،‬فهم أعلم الناس بأن سعادة اإلنس‪KK‬ان الحقيقي‪KK‬ة‬
‫تتوقف على مدى صلته باهلل‪.‬‬
‫وانتشار‪ K‬الفواحش من أعظم الحجب التي تحول بين الروح وبين التطلع هلل‪ ،‬ألنها تجع‪KK‬ل ص‪KK‬احبها كالبهيم‪KK‬ة‬
‫ال هم له إال إرضاء نزواته‪.‬‬
‫وقد أشار الغزالي إلى هذه الحكمة بقوله‪(:‬إن الش‪KK‬هوة إذا غلبت ولم يقاومه‪KK‬ا ق‪K‬وّة التق‪KK‬وى ج‪K‬رّت إلى اقتح‪KK‬ام‪K‬‬
‫ض َوفَ َسا ٌد َكبِ‪KK‬يرٌ﴾ (األنف‪KK‬ال‪ ،)73:‬وإن‬ ‫الفواحش‪ ،‬وإليه أشار بقوله ‪ ‬عن هللا تعالى ‪ ﴿:‬إِاَّل تَ ْف َعلُوهُ تَ ُك ْن فِ ْتنَةٌ فِي اأْل َرْ ِ‬
‫كان ملجما ً بلجام التقوى فغايته أن يك‪K‬ف الج‪K‬وارح عن إجاب‪K‬ة الش‪KK‬هوة‪ ،‬فيغض البص‪KK‬ر ويحف‪K‬ظ الف‪KK‬رج‪ ،‬فأم‪K‬ا حف‪K‬ظ‬
‫القلب عن الوسواس والفكر فال يدخل تحت اختياره)(‪)1‬‬
‫ويحكي في ذلك عن بعض الصالحين أنه كان يكثر من الزواج حتى ال يكاد يخل‪KK‬و من اث‪KK‬نين وثالث‪ ،‬ف‪KK‬أنكر‬
‫عليه بعضهم‪ ،‬فقال‪ :‬هل يعرف أحد منكم أنه جلس بـين يدي هللا تعالى جلسة أو وقف بـين يدي‪KK‬ه موقف ‪K‬ا ً في معامل‪KK‬ة‬
‫فخطر‪ K‬على قلبه خاطر شهوة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يصيبنا من ذلك كث‪KK‬يراً‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬ل‪KK‬و رض‪KK‬يت في عم‪KK‬ري كل‪KK‬ه بمث‪KK‬ل ح‪KK‬الكم في‬
‫وقت واحد لما تزوجت‪ ،‬لكني ما خطر على قلبـي خاطر يشغلني عن حالي إال نفذته فأستريح‪ K‬وأرج‪KK‬ع إلى ش‪KK‬غلي‪،‬‬
‫ومنذ أربعين سنة ما خطر على قلبـي معصية(‪.)2‬‬
‫ولهذا كان من العلل التي حرم الزنا ألجلها ـ زيادة على آثاره االجتماعية ـ حيلولته بين اإلنسان والوظ‪KK‬ائف‬
‫التي أنيطت به‪ ،‬وهي تعرفه على هللا وعبادته‪ ،‬ولهذا قرن القرآن الكريم بين الشرك والزنا‪ ،‬فق‪K‬ال تع‪K‬الى ‪َ ﴿:‬والَّ ِذينَ‬
‫ق أَثَام‪K‬ا ً ﴾‬ ‫ك يَ ْل‪َ K‬‬
‫ق َوال يَ ْزنُ‪KK‬ونَ َو َم ْن يَ ْف َع‪KK‬لْ َذلِ‪َ K‬‬ ‫س الَّتِي َح‪َّ K‬ر َم هَّللا ُ إِاَّل بِ‪ْ K‬‬
‫‪K‬ال َح ِّ‬ ‫ال يَ‪ْ K‬د ُعونَ َم‪َ K‬ع هَّللا ِ إِلَه‪K‬ا ً آ َخ‪َ K‬‬
‫‪K‬ر َوال يَ ْقتُلُ‪KK‬ونَ النَّ ْف َ‬
‫(الفرقان‪)68:‬‬
‫ولهذا أخبر ‪ ‬أن الزنا نوع من أنواع الكفر أو مظهر من مظاهره‪ ،‬ق‪KK‬ال ‪(:‬ال ي‪KK‬زني‪ K‬ال‪KK‬زاني حين ي‪KK‬زني‬
‫وهو مؤمن‪ ،‬وال يسرق السارق‪ K‬حين يسرق وه‪K‬و م‪K‬ؤمن‪ ،‬وال يش‪K‬رب الخم‪K‬ر حين يش‪K‬ربها‪ K‬وه‪K‬و م‪K‬ؤمن)(‪ ،)3‬زاد‬
‫النسائي ‪(:‬فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة اإلسالم من عنقه فإن تاب تاب هللا عليه)‬
‫وصور‪ K‬ذلك حديث آخر‪ ،‬قال ‪(: ‬إذا زنى الرجل أخرج منه اإليمان وكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه‬
‫اإليمان)(‪ ،)4‬وقال ‪(: ‬من زنى أو شرب الخمر نزع هللا منه اإليمان كم‪K‬ا يخل‪K‬ع اإلنس‪K‬ان القميص من رأس‪K‬ه)(‪)5‬‬
‫وفي‪ K‬حديث آخر قال ‪(: ‬إن اإليمان سربال يسربله هللا من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال اإليمان فإن تاب‬
‫رد عليه)(‪)6‬‬
‫وفي حديث آخر يخبر ‪ ‬عن ترفع‪ K‬المؤمن عن ذلك‪ ،‬قال ‪(: ‬ال يسرق‪ K‬الس‪K‬ارق‪ K‬وه‪K‬و م‪KK‬ؤمن‪ ،‬وال ي‪KK‬زني‬
‫الزاني وهو مؤمن‪ ،‬اإليمان أكرم على هللا من ذلك)(‪)7‬‬
‫ولهذا وصف هللا تعالى المؤمنين بالعفاف في آيات كثيرة مما يدل على أنه سمة من سمة الف‪KK‬رد المس‪KK‬لم كم‪KK‬ا‬
‫أن توفير‪ K‬أسباب العفاف سمة من سمات المجتمع المسلم‪ ،‬ومنه‪KK‬ا قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪ ﴿:‬قَ‪ْ K‬د أَ ْفلَ َح ْال ُم ْؤ ِمنُ‪KK‬ونَ (‪)1‬الَّ ِذينَ هُ ْم فِي‬
‫اإلحياء‪.2/28 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اإلحياء‪.2/28 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الحاكم‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫البيهقي‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫البزار‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫)والَّ ِذينَ هُ ْم لِفُ‪KKK‬ر ِ‬
‫ُوج ِه ْ‪K‬م‬ ‫‪KKK‬اعلُونَ (‪َ 4‬‬‫)والَّ ِذينَ هُ ْم لِل َّز َك‪KKK‬ا ِة فَ ِ‬ ‫ض‪KKK‬ونَ (‪َ 3‬‬ ‫ْر ُ‬ ‫َاش‪KKK‬عُونَ (‪َ )2‬والَّ ِذينَ هُ ْم ع َْن اللَّ ْغ ِ‬
‫‪KKK‬و ُمع ِ‬ ‫ص‪KKK‬اَل تِ ِه ْ‪K‬م خ ِ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اج ِه ْ‪K‬م أوْ َما َمل َكت أ ْي َمانهُ ْم فَإِنهُْ‪K‬م َغ ْي ُر َملو ِمينَ (‪)6‬فَ َم ْن ا ْبتَغَى َو َرا َء ذلِكَ فَأوْ لئِكَ هُ ْم ال َعادُون﴾‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَّل‬
‫َحافِظونَ (‪)5‬إِ َعلى أز َو ِ‬ ‫ُ‬
‫(المؤمنون‪1 :‬ـ ‪ ،)7‬ولما أنزلت هذه اآليات على النبي ‪ ‬قال‪ :‬قد أنزلت علي عشر آيات من أق‪K‬امهن دخ‪K‬ل الجن‪K‬ة‬
‫ثم قرأ هذه اآليات‪.‬‬
‫ق هَلوعًا﴾ (المعارج‪)19 :‬إلى قوله تعالى‬ ‫ُ‬ ‫إْل‬
‫ومثلها ما ورد في صفات المؤمنين في قوله تعالى‪ ﴿:‬إِ َّن ا ِ ن َسانَ ُخلِ َ‬
‫ت أَ ْي َم‪KK‬انُهُ ْم فَ‪K‬إِنَّهُْ‪K‬م َغ ْي‪ُ K‬ر َمل‪KK‬و ِمينَ (‪)30‬فَ َم ْن ا ْبتَغَى‬
‫ُ‬ ‫ُوج ِه ْم َح‪KK‬افِظُونَ (‪)29‬إِاَّل َعلَى أَ ْز َوا ِج ِه ْم أَوْ َم‪KK‬ا َملَ َك ْ‬ ‫‪َ ﴿:‬والَّ ِذينَ هُ ْم لِفُ‪K‬ر ِ‬
‫ك هُ ْم ْال َعا ُدونَ ﴾(المعارج‪ 29 :‬ـ ‪)31‬‬ ‫َو َرا َء َذلِكَ فَأُوْ لَئِ َ‪K‬‬
‫وقد ذكر هللا تعالى نماذج العفاف لتكون قدوة للمؤمنين‪ ،‬وذكر‪ K‬نتائج ذلك العفاف‪ ،‬ف‪KK‬ذكر عن م‪KK‬ريم ـ عليه‪KK‬ا‬
‫ت َربِّهَا َو ُكتُبِ ِه‬‫ت بِ َكلِ َما ِ‬‫ص َّدقَ ْ‬ ‫َت فَرْ َجهَا‪ K‬فَنَفَ ْخنَا فِي ِه ِم ْن ر ِ‬
‫ُوحنَا‪َ K‬و َ‬ ‫صن ْ‬ ‫السالم ـ قوله تعالى‪َ ﴿:‬و َمرْ يَ َ‪K‬م ا ْبنَتَ ِع ْم َرانَ الَّتِي أَحْ َ‬
‫َت ِم ْن ْالقَانِتِين﴾(التحريم‪)12:‬‬ ‫َو َكان ْ‬
‫وذكر من الرجال يوس‪K‬ف ‪ ،‬فقص‪K‬ته في الق‪KK‬رآن الك‪K‬ريم‪ K‬نم‪K‬وذج عن العف‪KK‬اف اإليم‪KK‬اني‪ ،‬وعرض‪KK‬ها بتل‪KK‬ك‬
‫الصورة‪ ،‬وبذلك التعبير القرآني كانت من أكبر أسباب تربية المؤمنين على ه‪KK‬ذا الخل‪KK‬ق العظيم‪ ،‬يق‪KK‬ول ابن القيم ‪:‬‬
‫(وقد ذكر هللا تعالى عن يوسف‪ K‬الصديق‪ K‬من العفاف أعظم ما يكون‪ ،‬فإن الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في‬
‫حق غيره‪ ،‬فإنه كان شابا‪ ،‬والشباب مركب الش‪KK‬هوة‪ ،‬وك‪KK‬ان عزب‪KK‬ا ليس عن‪KK‬ده م‪KK‬ا يعوض‪KK‬ه‪ ،‬وك‪KK‬ان غريب‪KK‬ا عن أهل‪KK‬ه‬
‫ووطنه والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلم‪KK‬وا ب‪KK‬ه فيس‪KK‬قط من عي‪KK‬ونهم‪ ،‬ف‪KK‬إذا تغ‪KK‬رب زال ه‪KK‬ذا الم‪KK‬انع‪،‬‬
‫وكان في صورة المملوك والعبد‪ K‬ال يأنف مما يأنف منه الحر‪ ،‬وك‪KK‬انت الم‪KK‬رأة ذات منص‪KK‬ب وجم‪KK‬ال وال‪KK‬داعي م‪KK‬ع‬
‫ذلك أقوى من داعي من ليس كذلك‪ ،‬وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كلفة تعرض الرجل وطلبه وخوفه من ع‪KK‬دم‬
‫اإلجابة‪ ،‬وزادت مع الطلب الرغبة التامة والم‪KK‬راودة ال‪KK‬تي ي‪KK‬زول معه‪KK‬ا ظن االمتح‪KK‬ان واالختب‪KK‬ار‪ K‬لتعلم عفاف‪KK‬ه من‬
‫فجوره‪ ،‬وكانت في محل سلطانها وبيتها‪ K‬بحيث تعرف وقت اإلمكان ومكانه الذي ال تناله العيون‪ ،‬وزادت مع ذل‪K‬ك‬
‫تغليق األبواب لتأمن هجوم الداخل على بغتة‪ ،‬وأتته بالرغبة والرهبة ومع هذا كله فعف هلل ولم يطعها)(‪)1‬‬

‫المقصد الثاني ـ صيانة المرأة‬


‫لقد وضع اإلسالم ـ خالفا للكثير من الجاهليات ـ المرأة في مكانها الطبيعي في كيان األس‪KK‬رة‪ ،‬المك‪KK‬ان ال‪KK‬ذي‬
‫ق ِم ْنهَ‪KK‬ا‬ ‫س َوا ِح‪َ K‬د ٍة َو َخلَ‪َ K‬‬ ‫يتفق مع المبدأ العام الذي قرره في قوله تعالى ‪ ﴿:‬يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا َربَّ ُك ْم الَّ ِذي خَ لَقَ ُك ْم ِم ْن نَ ْف ٍ‬
‫ث ِم ْنهُ َما ِر َجااًل َكثِيرًا َونِ َس‪K‬ا ًء﴾ (النس‪K‬اء‪ ،)1:‬ل‪K‬يرفع مس‪K‬توى‪ K‬المش‪K‬اعر اإلنس‪K‬انية في الحي‪K‬اة الزوجي‪K‬ة من‬ ‫زَ وْ َجهَا‪َ K‬وبَ َّ‬
‫المستوى‪ K‬الحيواني الهابط إلى المستوى‪ K‬اإلنساني الرفيع‪ ،‬ويظللها بظالل االح‪K‬ترام‪ K‬والم‪K‬ودة والتع‪KK‬اطف والتجم‪KK‬ل؛‬
‫وليوثق الروابط‪ K‬والوشائج‪ ،‬فال تنقطع عند الصدمة األولى‪ ،‬وعند االنفعال األول(‪.)2‬‬
‫ويدل على ه‪K‬ذا أن تش‪K‬ريعات‪ K‬اإلس‪K‬الم في ه‪K‬ذا الج‪K‬انب راعت ح‪K‬ق ال‪K‬زوجين إال أنه‪K‬ا ك‪K‬انت أك‪K‬ثر اهتمام‪K‬ا‬
‫ورعاية لحق المرأة باعتبارها الجانب الذي يمكن أن يستغل‪ ،‬أو تهضم حقوق‪K‬ه‪ ،‬وس‪K‬نرى‪ K‬في تفاص‪K‬يل أج‪K‬زاء ه‪K‬ذه‬
‫السلسلة الكثير مما يبرهن على هذا‪ ،‬ولكنا ـ هنا سنسوق باختص‪K‬ار‪ K‬ـ بعض المظ‪K‬اهر التش‪K‬ريعية لص‪K‬يانة اإلس‪K‬الم‬
‫للمرأة‪ ،‬لنترك التفاصيل في محالها المختلفة‪:‬‬
‫‪ .1‬حرم اإلسالم وراثة المرأة كما كان الشأن في الجاهلية‪ ،‬كم‪K‬ا ح‪K‬رم العض‪K‬ل ال‪K‬ذي يتخ‪K‬ذ أداة لإلض‪K‬رار به‪K‬ا‪ ،‬وفي‬
‫مقابل ذلك أعطى المأة الحرية الكاملة في اختيار من تعاشره ابتداء أو استئنافا‪ .‬بكرا أم ثيبا مطلقة أو متوفى عنها‬
‫زوجها‪ ،‬وقد نص هللا تعالى على هذه الحقوق جميع‪K‬ا في قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى ‪َ ﴿:‬ي َاأ ُّي َه‪K‬ا الَّ ِذينَ آ َمنُ‪KK‬وا اَل َي ِح‪ K‬لُّ َل ُك ْم َأ ْن ت َِرثُ‪K‬وا‬
‫عْرُوف َف‪K‬إِ ْن‬
‫ِ‬ ‫َاش‪K‬رُوه َُّن ِب ْ‬
‫‪K‬ال َم‬ ‫اح َش‪ٍ K‬ة ُم َب ِّينَ‪ٍ K‬ة َوع ِ‬ ‫عْض َم‪K‬ا آ َت ْيتُ ُم‪K‬وه َُّن ِإاَّل َأ ْن َي ْ‪K‬أ ِتينَ ِب َف ِ‬‫َعْض‪K‬لُوه َُّن ِلت َْ‪K‬ذ َهبُوا ِب َب ِ‬ ‫ال ِّن َسا َء كَرْ هً‪K‬ا َواَل ت ُ‬
‫َك ِر ْهتُ ُموه َُّن َف َع َسى َأ ْن ت َْك َرهُوا َش ْي ًئا َو َيجْ َع َل هَّللا ُ ِفي ِه خَ يْرًا َك ِثيرًا﴾(النساء‪)19:‬‬
‫‪ .2‬اعتبرت الشريعة اإلسالمية الزوجة سكنا لزوجها‪ ،‬وأن العالقة بينهما هي عالقة الم‪KK‬ودة والرحم‪KK‬ة‪ ،‬ق‪KK‬ال تع‪K‬الى‪:‬‬
‫‪K‬وْم َي َت َف َّكرُون﴾‬
‫ت ِل َق‪ٍ K‬‬ ‫﴿ َو ِم ْن آ َيا ِت ِه َأ ْن خَ َل َق َل ُك ْم ِم ْن َأنفُ ِس ُك ْم َأ ْز َواجًا ِل َت ْس ُكنُوا ِإ َل ْي َها َو َج َع َل َب ْي َن ُك ْم َم َو َّد ًة َو َرحْ َم ًة ِإ َّن ِفي َذ ِلكَ آَل َي‪KK‬ا ٍ‬
‫(الروم‪)21 :‬‬
‫‪ )(1‬روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص‪)318 :‬‬
‫‪ )(2‬في ظالل القرآن‪.1/604 :‬‬
‫اعتبر الشرع قيام المرأة بحقوق الزوجية جهاد ًا في سبيل هللا‪ ،‬فقد جاءت امرأة النبي ‪ r‬فقالت‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إني‬ ‫‪.3‬‬
‫رسول النساء إليك‪ ،‬وما منهن ام‪K‬رأة ‪ -‬علمت أو لم تعلم ‪ -‬إال وهي ته‪K‬وى مخ‪K‬رجي إلي‪K‬ك‪ .‬ثم عرض‪K‬ت قض‪K‬يتها‬
‫فقالت‪ :‬هللا رب الرجال والنساء وإلههن‪ ،‬وأنت رس‪KK‬ول هللا إلى الرج‪KK‬ال والنس‪KK‬اء‪ ،‬كتب هللا الجه‪KK‬اد على الرج‪KK‬ال‪،‬‬
‫فإن أصابوا أجروا وان استشهدوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون‪ ،‬فما يعدل ذلك من أعمالهم من الطاعة ؟ قال ‪:‬‬
‫(طاعة أزواجهن والقيام بحقوقهم‪ ،‬وقليل منكن من يفعله)(‪.)1‬‬
‫فرضت الشريعة على الرجل توفير جميع أنوع النفقة لزوجت‪K‬ه‪ ،‬ق‪K‬ال ‪ ‬في بي‪K‬ان حق‪K‬وق النس‪K‬اء ‪(:‬ولهن عليكم‬ ‫‪.4‬‬
‫رزقهن وكسوتهن بالمعروف)(‪ ،)2‬والمعروف هو ما يتعارف عليه أهل ال‪KK‬دين والفض‪KK‬ل من الن‪KK‬اس بال إس‪KK‬راف‬
‫وال تقتر‪ ،‬وقال تعالى‪ِ ﴿:‬ليُن ِف ْق ُذو َس َع ٍة ِم ْن َس َع ِت ِه َو َم ْن قُ ِد َر َع َل ْي ِه ِر ْزقُهُ َف ْليُن ِف ْق ِم َّما آتَاهُ هَّللا ُ اَل يُ َك ِّلفُ هَّللا ُ َن ْفسًا ِإاَّل َم‪KK‬ا آتَا َه‪KK‬ا‬
‫َس َيجْ َعلُ هَّللا ُ َبعْ َد ُعس ٍْر يُسْرًا﴾(الطالق‪)7:‬‬
‫عْرُوف ﴾ (النس‪K‬اء‪ ،)19:‬وه‪K‬و ح‪K‬ق‬ ‫ِ‬ ‫َاشرُوه َُّن ِب ْ‬
‫‪K‬ال َم‬ ‫فرض على الرجل معاشرة زوجته بالمعروف فقال تعالى‪َ ﴿:‬وع ِ‬ ‫‪.5‬‬
‫يتض‪KK‬من إحس‪KK‬ان العامل‪KK‬ة في ك‪KK‬ل عالق‪KK‬ة بين الم‪KK‬رء وزوج‪KK‬ه‪ ،‬من حس‪KK‬ن الخل‪KK‬ق‪ ،‬ولين الج‪KK‬انب‪ ،‬وطيب الكالم‪،‬‬
‫وبشاشة الوجه‪ ،‬وتطييب نفسها بالممازحة والترفيه عنها‪.‬‬
‫أكدت الشريعة حق المرأة في ال‪K‬دفاع عن نفس‪K‬ها في ح‪K‬ال ش‪K‬قاقها م‪K‬ع زوجه‪K‬ا‪ ،‬وع‪K‬رض الخالف على محكم‪K‬ة‬ ‫‪.6‬‬
‫مختصة‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿:‬و ِإ ْن ِخ ْفتُ ْم ِش َقا َق َب ْي ِن ِه َما َفا ْب َعثُوا َح َكماً ِم ْن َأ ْه ِل ِه َو َح َكماً ِم ْن َأ ْه ِل َها ِإ ْن ي ُِريدَا ِإصْالحاً ي َُو ِّف ِ‬
‫ق هَّللا ُ َب ْي َنهُ َما‬
‫ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َع ِليماً خَ ِبير ًا﴾ (النساء‪)35:‬‬
‫أكد اإلسالم حق المرأة أماً‪ ،‬وجع‪K‬ل حقه‪K‬ا مض‪K‬اعفاً بالنس‪K‬بة لح‪K‬ق األب‪ ،‬وق‪K‬رن هللا تع‪K‬الى عبادت‪K‬ه باإلحس‪K‬ان إلى‬ ‫‪.7‬‬
‫‪K‬ر َأ َح‪ُ K‬دهُ َما َأوْ ِكالهُ َم‪K‬ا َفال‬ ‫ضى َربُّكَ َأاَّل تَعْ بُدُوا ِإاَّل ِإيَّا ُه َو ِب ْال َوا ِل َدي ِْن ِإحْ َساناً ِإ َّما َي ْبلُغ ََّن ِع ْن‪K‬دَكَ ْال ِك َب َ‬ ‫الوالدين‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿:‬و َق َ‬
‫الذلِّ ِمنَ الرَّحْ َم‪ِ K‬ة‬ ‫َاح ُّ‬
‫اخ ِفضْ َلهُ َما َجن َ‬ ‫ال َك ِريماً﴾ (االسراء‪ K،)23:‬وقال تعالى‪َ ﴿:‬و ْ‬ ‫َتقُلْ َلهُ َما أُفٍّ َوال َت ْن َهرْ هُ َما َوقُلْ َلهُ َما َقوْ ً‬
‫ص ِغير ًا﴾ (االسراء‪ ،)24:‬بل ورد في الحديث عن بهز بن حكيم عن أبي‪KK‬ه عن ج‪KK‬ده‬ ‫َوقُلْ َربِّ َ‬
‫ارْح ْمهُ َما َك َما َربَّ َيا ِني َ‬
‫قال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬من أبر؟ قال ‪(:‬أمك)قال‪ :‬ثم من؟ قال ‪(:‬أمك)‪ ،‬قال قلت‪ :‬ثم من؟ قال ‪(:‬أمك)قال‪ :‬ثم من؟ قال ‪:‬‬
‫(أباك)‪ ،‬وعن معاوية بن جاهمة أنه جاء النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول هللا أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك؟ فق‪K‬ال‬
‫‪(:‬هل لك أم؟)قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال ‪(:‬فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)‬
‫أعطى اإلسالم المرأة حقها في التملك‪ ،‬وحقها في التصرف فيما تملكه دون والية‪ ،‬وال وص‪K‬اية‪ ،‬وأعطاه‪K‬ا حقه‪K‬ا‬ ‫‪.8‬‬
‫في اختيار زوجها‪ ،‬كما أعطاها حقها على أهلها من حيث التربية‪ ،‬والحف‪KK‬اظ عليه‪KK‬ا‪ ،‬والع‪KK‬دل في العطي‪KK‬ة بالنس‪KK‬بة‬
‫لعطايا والديها م‪K‬ع إخوانه‪K‬ا‪ ،‬وحقه‪K‬ا في الم‪K‬يراث‪ ،‬وحقه‪K‬ا على زوجه‪K‬ا من حيث النفق‪K‬ة ب‪K‬المعروف‪ ،‬والمعامل‪K‬ة‬
‫الحسنة‪ ،‬والتعاون معها في شؤون البيت‪ ،‬والعدل في القسم‪ ،‬والنفقة في حال التعدد‪.‬‬
‫المقصد الثالث ـ بناء األسرة‬
‫وهذا المقصد من أهم المقاصد الشرعية من الزواج‪ ،‬ولذلك اعتبرت الشريعة األوالد أهم ثم‪KK‬رة من ثم‪KK‬رات‬
‫الزواج‪ ،‬يقول الغزالي عند ذكر هذا المقصد من مقاصد الزواج‪(:‬الولد‪ ،‬وهو األصل وله وضع النكاح‪ ،‬والمقصود‪K‬‬
‫إبقاء النسل وأن ال يخلو العالم عن جنس اإلنس‪ ،‬وإنما الشهوة خلقت باعث‪KK‬ة مس‪KK‬تحثة كالموك‪KK‬ل بالفح‪KK‬ل في إخ‪KK‬راج‬
‫البذر‪ ،‬وباألنثى في التمكين من الحرث تلطفا ً بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بس‪KK‬بب الوق‪KK‬اع‪ ،‬ك‪KK‬التلطف‪ K‬ب‪KK‬الطير‬
‫في بث الحب الذي يشتهيه ليساق إلى الشبكة‪ .‬وكانت القدرة األزلية غير قاصرة عن اختراع األشخاص ابتداء من‬
‫غير حراثة وازدواج‪ ،‬ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المس‪KK‬ببات على األس‪KK‬باب م‪KK‬ع االس‪KK‬تغناء عنه‪KK‬ا إظه‪KK‬اراً‪ K‬للق‪KK‬درة‬
‫وإتماماً‪ K‬لعجائب الصنعة وتحقيقا ً لما سبقت به المشيئة وحقت به الكلمة وجرى‪ K‬به القلم)‬
‫وقد وردت النصوص الكثيرة تحث على طلب البلد‪ ،‬وتبين أن ذلك ال يتناقض مع الصالح كما يدعي بعض‬
‫‪K‬رينَ ﴾ (الش‪K‬عراء‪:‬‬ ‫ق فِي اآْل ِخ ِ‬
‫ص‪ْ K‬د ٍ‬
‫المغالين‪ ،‬فقد قال هللا تعالى مخ‪K‬برا عن إب‪K‬راهيم الخلي‪K‬ل ‪َ ﴿:‬واجْ َع‪K‬لْ لِي لِ َس‪K‬انَ ِ‬

‫‪ )(1‬رواه الطبراني وفيه رشدين كريب وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد‪.4/306 :‬‬
‫‪ )(2‬مسلم‪ ،2/889:‬ابن خزيمة‪ ،4/251:‬ابن حبان‪ ،4/311 :‬الدارمي‪ ،2/69:‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،5/8:‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/185 :‬النس‪KK‬ائي‪،2/421:‬‬
‫ابن ماجة‪ ،2/1025 :‬أحمد‪.5/72 :‬‬
‫ال َربِّ هَبْ لِي ِم ْن لَ ُد ْنكَ ُذرِّ يَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ َس‪ِ K‬مي ُع ال‪ُّ K‬دعَاء﴾ِ(آل‬‫ك َدعَا زَ َك ِريَّا‪َ K‬ربَّهُ قَ َ‬‫‪ ،)84‬وقال عن زكريا ‪ ﴿: ‬هُنَالِ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫عمران‪)38:‬وقال عن عباد الرحمن ‪َ ﴿:‬وال ِذينَ يَقولونَ َربَّنَا هَبْ لنَا ِم ْن أز َوا ِجنَا َوذرِّ يَّاتِنَا‪ K‬ق َّرةَ أ ْعيُ ٍن ﴾(الفرقان‪)74:‬‬
‫وقد ذكر الغزالي وجوه ترغيب الشارع في تحصيل هذا المقص‪K‬د من ال‪K‬زواج‪ ،‬مم‪K‬ا ي‪K‬دل على ش‪KK‬دة مراع‪K‬اة‬
‫الشارع لهذا المقصد‪ ،‬فقال ‪(:‬وفي التوص‪K‬ل إلى الول‪K‬د قرب‪K‬ة من أربع‪K‬ة أوج‪K‬ه هي األص‪K‬ل في ال‪K‬ترغيب في‪K‬ه عن‪K‬د‬
‫األمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى هللا عزباً)‬
‫وسنذكر‪ K‬هنا هذه الوجوه األربعة‪ ،‬والتي تجعل من تكوين األسرة في النظرة اإلسالمية ال يقل عن أي عم‪KK‬ل‬
‫عبادي‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬موافقة محبة هللا بالسعي في تحصيل الول‪K‬د إلبق‪K‬اء جنس اإلنس‪K‬ان‪ ،‬وذل‪K‬ك ب‪K‬التوافق‪ K‬م‪K‬ع ق‪K‬انون‬
‫الحكمة الذي يسير هللا به الكون‪ ،‬فاهلل تعالى خلق ال‪K‬زوجين‪ ،‬وأدودع‪ K‬فيهم‪K‬ا م‪KK‬ا يش‪KK‬ير إلى حكمت‪K‬ه من خلق‪K‬ة‪ ،‬يق‪K‬ول‬
‫الغزالي ‪(:‬فهذه األفعال واآلالت تشهد بلسان ذلق في اإلعراب عن مراد خالقها وتن‪KK‬ادي‪ K‬أرب‪KK‬اب األلب‪KK‬اب بتعري‪K‬ف‪K‬‬
‫ما أعدت له‪ ،‬هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسول هللا ‪ ‬بالمراد حيث قال ‪(:‬تَنَا َكحُوا تَنَا َسلُوا)(‪،)1‬‬
‫فكيف‪ K‬وقد صرح باألمر وباح بالسر؟ فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق هللا‬
‫من اآلالت المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من ش‪KK‬واهد الخلق‪KK‬ة المكتوب‪KK‬ة على ه‪KK‬ذه األعض‪KK‬اء‬
‫بخط إلهي يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة األزلية)(‪)2‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬السعي في محبة رسول هللا ‪ ‬ورضاه‪ ،‬وذلك بتكثير ما به مباهات‪KK‬ه‪ ،‬فق‪KK‬د ص‪KK‬رح رس‪KK‬ول‪ K‬هللا‬
‫‪ ‬بذلك‪ ،‬ففي الحديث قال ‪ ..( :‬أما علمتم إني أباهي بكم األمم يوم القيام‪KK‬ة ح‪KK‬تى بالس‪KK‬قط‪ ،‬يظ‪KK‬ل محبنطئ‪K‬ا ً على‬
‫باب الجنة‪ ،‬فيقول هللا ع ّز وجل‪ :‬أدخل‪ ،‬فيقول‪ :‬ال أدخل حتى يدخل أبواي قبلي‪ ،‬فيقول هللا تبارك وتعالى‪ K‬لمل‪KK‬ك من‬
‫المالئكة‪ :‬ائتني بأبويه‪ ،‬فيأمر‪ K‬بهما إلى الجنة‪ ،‬فيقول‪ :‬هذا بفضل رحمتي لك)(‪)3‬‬
‫وفي حديث آخر‪ ،‬قال ‪( :‬تناكحوا تناسلوا تكثروا‪ K،‬فإني أباهي بكم األمم يوم القيامة ولو بالسقط)(‪)4‬‬
‫ومن النصوص العظيمة المرغبة في هذا ما ورد في الحديث من قوله ‪( :‬إذا كان ي‪KK‬وم القيام‪KK‬ة ن‪KK‬ودي في‬
‫أطفال المؤمنين والمسلمين ‪ :‬أن اخرجوا من قبوركم‪ K‬فيخرجون من قبورهم‪ K،‬ث ّم ينادى فيهم ‪ :‬أن امضوا إلى الجنّ‪K‬ة‬
‫زمراً‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ربّنا ووالدينا‪ K‬معنا ؟‪ ..‬ثم ينادي فيهم ثانية ‪ :‬أن امضوا إلى الجنّة زم‪KK‬راً‪ ،‬فيقول‪KK‬ون‪ :‬ربنّ‪KK‬ا ووال‪KK‬دينا‬
‫‪K‬ل إلى أبوي‪KK‬ه‪ ،‬فيأخ‪KK‬ذون بأي‪KK‬ديهم‪ K‬في‪KK‬دخلون بهم الجنّ‪KK‬ة‪ ،‬فهم‬ ‫معنا ؟‪ ..‬فيقول في الثالثة ‪ :‬ووالديكم معكم‪ ،‬فيثب ك ّل طف‪ٍ K‬‬
‫أعرف بآبائهم وأ ّمهاتهم‪ K‬يومئ ٍذ من أوالدكم الّذين في بيوتكم)(‪)5‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن يبقى بعده ولداً صالحا ً يدعو ل‪KK‬ه‪ ،‬كم‪KK‬ا ورد في الخ‪KK‬بر أن جمي‪KK‬ع عم‪KK‬ل ابن آدم منقط‪KK‬ع إال‬
‫ثالثا ً فذكر الولد الصالح‪ ،‬وهذا الوجه يستدعي بذل الجهد للتنشئة الصالحة لألوالد‪ ،‬قال الغ‪KK‬زالي ‪(:‬وق‪KK‬ول القائ‪KK‬ل‪:‬‬
‫إن الولد ربما لم يكن صالحا ً ال يؤثر فإنه م‪KK‬ؤمن‪ ،‬والص‪KK‬الح ه‪KK‬و الغ‪KK‬الب على أوالد ذوي ال‪KK‬دين ال س‪KK‬يما إذا ع‪KK‬زم‬ ‫ّ‬
‫على تربـيته وحمله على الصالح)(‪)6‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن الدعاء مستجاب منهم ولو لم يكونوا صالحين‪ ،‬قال الغزالي‪(:‬وبالجملة دع‪KK‬اء الم‪KK‬ؤمن ألبوي‪KK‬ه‬
‫مفيد براً كان أو فاجراً‪ ،‬فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته‪ ،‬فإن‪KK‬ه ال ت‪KK‬زر وازرة‬
‫وزر‪ K‬أخرى‪ ،‬ولذلك قال تعالى‪ ﴿:‬أَل َح ْقنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّاتِ ِه ْ‪K‬م َو َما ألَ ْتنَاهُ ْم ِم ْن َع َملِ ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء﴾ أي ما نقصناهم من أعم‪KK‬الهم‪،‬‬
‫وجعلنا أوالدهم‪ K‬مزيداً في إحسانهم)(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬قال في كشف الخفاء‪ :‬رواه عبدالرزاق والبيهقي عن سعيد بن أبي هالل مرسال بلفظ ‪ «:‬تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم األمم‬
‫يوم القيامة» كشف الخفاء‪.1/380 :‬‬
‫‪ )(2‬اإلحياء‪.2/25 :‬‬
‫‪ )(3‬الكافي‪ :‬ج‪ 5‬ص‪ 334‬ح‪..1‬‬
‫‪ )(4‬جامع األخبار‪ :‬ص‪ 101‬الفصل ‪ 58‬في التزويج‪..‬‬
‫‪ )(5‬مسكن الفؤاد ص‪.118‬‬
‫‪ )(6‬اإلحياء‪.2/26 :‬‬
‫‪ )(7‬اإلحياء‪.2/26 :‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬أن يموت الولد قبله فيكون ل‪K‬ه ش‪K‬فيعاً‪ ،‬وق‪K‬د وردت النص‪K‬وص الكث‪K‬يرة المبين‪K‬ة لألج‪K‬ر المع‪K‬د‬
‫لذلك‪ ،‬ففي الحديث أن رجال كان يأتي النبي ‪ ‬ومعه ابن له‪ ،‬فق‪KK‬ال ل‪KK‬ه الن‪KK‬بي ‪(: ‬أتحب‪KK‬ه؟ فق‪KK‬ال‪ :‬ي‪KK‬ا رس‪KK‬ول هللا‪،‬‬
‫أحبك هللا كما أحبه‪ ،‬ففقده النبي ‪ ‬فقال‪ :‬ما فعل ابن فالن؟ قالوا‪ :‬ي‪KK‬ا رس‪KK‬ول هللا م‪KK‬ات‪ ،‬فق‪KK‬ال الن‪KK‬بي ‪ ‬ألبي‪KK‬ه‪ :‬أم‪KK‬ا‬
‫تحب أن ال تأتي بابا من أبواب الجنة إال وجدته ينتظرك عليه‪ ،‬فقال رجل‪ :‬أله خاصة يا رس‪K‬ول‪ K‬هللا أو لكلن‪KK‬ا ق‪KK‬ال‪:‬‬
‫بل لكلكم(‪.)1‬‬
‫وفي حديث آخر أن رسول هللا ‪ ‬قال للنساء‪( :‬ما منكن امرأة يموت لها ثالثة من الولد إال كانوا لها حجابا‬
‫من النار) فقالت امرأة‪ :‬واثنان فقال‪ :‬واثنان(‪.)2‬‬
‫وقال ‪(: ‬ما من مسلم يموت له ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث فتمسه النار إال تحلة القسم)(‪)3‬‬
‫ويروي‪ K‬الغزالي في ذلك أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من ده‪KK‬ره‪ ،‬ق‪KK‬ال فانتب‪KK‬ه‬
‫من نومه ذات يوم وقال‪ :‬زوّجوني‪ K‬زوجوني‪ ،‬فز ّوجوه‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪ :‬لعل هللا يرزقني ولداً ويقبضه فيك‪KK‬ون‬
‫لي مقدمة في اآلخرة‪ ،‬ثم قال‪ :‬رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وك‪KK‬أني في جمل‪KK‬ة الخالئ‪KK‬ق في الموق‪KK‬ف‪ ،‬وبـي‬
‫من العطش ما كاد أن يقطع عنقي‪ ،‬وكذا الخالئق في شدة العطش والكرب‪ ،‬فنحن كذلك إذ ولدان يتخلل‪KK‬ون الجم‪KK‬ع‪،‬‬
‫عليهم مناديل من نور‪ ،‬وبأيديهم‪ K‬أب‪K‬اريق من فض‪K‬ة وأك‪K‬واب من ذهب‪ ،‬وهم يس‪K‬قون الواح‪K‬د بع‪K‬د الواح‪K‬د‪ ،‬يتخلل‪K‬ون‬
‫الجمع ويتجاوزون أكثر الناس‪ ،‬فمددت يدي إلى أح‪KK‬دهم وقلت‪ :‬اس‪KK‬قني فق‪KK‬د أجه‪KK‬دني العطش‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬ليس ل‪KK‬ك فين‪KK‬ا‬
‫ولد‪ ،‬إنما نسقي آباءنا‪ ،‬فقلت‪ :‬ومن أنتم؟ فقالوا‪ :‬نحن من مات من أطفال المسلمين‪.‬‬
‫وبناء على هذه المقاص‪KK‬د الكث‪KK‬يرة المرتبط‪KK‬ة بفض‪KK‬ل ك‪KK‬ثرة الول‪KK‬د‪ ،‬ف‪KK‬إن ال‪KK‬دعوة الغربي‪KK‬ة إلى تحدي‪KK‬د النس‪KK‬ل ال‬
‫تتناسب مع المقاصد الشرعية‪ ،‬و ال يصح أن يتأثر المسلمون بها كما حصل في بعض البالد اإلسالمية‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك‪ ،‬ال يصح أن ننكر أن هناك ظروفا ق‪KK‬د تحتم على المس‪KK‬لمين اللج‪KK‬وء إلى تنظيم النس‪KK‬ل لتحقي‪KK‬ق‬
‫بعض المصالح الشرعية‪ ،‬وسنتحدث عن ذلك بتفصيل في الجزء المرتبط‪ K‬بـ [حق‪K‬وق األوالد النفس‪KK‬ية والص‪K‬حية]‪،‬‬
‫وسنكتفي‪ K‬هنا بإيراد بعض األدلة على مشروعية التنظيم رعاية للمصالح الشرعية‪ ،‬وقد ذكر هذه األدل‪KK‬ة د‪ .‬ح‪KK‬بيب‬
‫هللا طاهري‪ ،‬في دراسة قيمة له بعنوان [تحديد النسل في الشريعة اإلسالمية – قراءة فقهيّة وحقوقيّة](‪)4‬‬

‫فمما ورد فيها قوله بع‪KK‬د إي‪KK‬راد بعض النص‪KK‬وص الدال‪KK‬ة على اس‪KK‬تحتاب ك‪KK‬ثرة الول‪KK‬د‪( :‬م‪KK‬ا يُس‪KK‬تفاد من األدلّ‪KK‬ة‬
‫ي رجحان التكاثر ومطلوبيته واستحبابه‪ ،‬أما وج‪KK‬وب أو حرم‪KK‬ة تحدي‪K‬د النس‪KK‬ل فال‪ ..‬نعم‪ ،‬الول‪KK‬د‬ ‫المذكورة بنح ٍو قطع ّ‪K‬‬
‫زين ‪K‬ةٌ ألبوي‪KK‬ه‪ ،‬ومبعث فخ‪KK‬رهم وش‪KK‬وكتهم واقت‪KK‬دارهم‪ ،‬وه‪KK‬و بالتأكي‪K‬د‪ K‬مطل‪KK‬وبٌ للش‪KK‬رع األق‪KK‬دس‪ ،‬لكن الكالم في أن‬
‫محبوبيّة تحديد النسل ليست مطلقةً وقاعدةً عامة ودائمية في تمام الظروف‪ ،‬بل من الممكن أن يُقيّ‪KK‬د ه‪KK‬ذا الحكم في‬
‫بعض الظروف‪ ،‬فيقع تحديد النسل ممدوحا ً ومطلوباً‪ K‬للشارع بدالً من التكاثر)‬
‫ثم ساق بعض األدلة نختصرها‪ K‬فيما يلي‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫األدلة ال تُثبت رجحان التكاثر على نحو القضيّة الحقيقية‪ ،‬وبصفته قانونا عا ّما‪ ،‬جاري‪K‬ا في األزمن‪K‬ة واألمكن‪K‬ة‬ ‫‪ .1‬هذه ّ‬
‫زمان خاصّ ‪ ،‬كزمان صدر اإلسالم‪ ،‬حيث ك‪K‬ان‬ ‫ٍ‬ ‫والظروف كا ّفة‪ ،‬بل هي من قبيل القضايا الخارجية الناظرة إلى‬
‫الولد عندهم مصدر فخرهم واقتدارهم‪.‬‬ ‫المسلمون أقل ّي ًة وكانت كثرة ُ‬
‫خاص‪K‬ة‪ ،‬في غاي‪K‬ة الض‪K‬عف‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬في عصر النبي ‪ ‬كان النموّ الس ّكاني في العالم أجمع‪ ،‬وفي البق‪K‬اع اإلس‪K‬المية‬
‫تكن مش ّقات المعيشة واحتياجاته‪K‬ا على م‪K‬ا هي علي‪K‬ه الي‪K‬وم؛ وله‪K‬ذا الس‪K‬بب ك‪K‬ان ال‪K‬ترغيب بالزي‪K‬ادة الس‪ّ K‬كانية إلى‬
‫أقصى الدرجات للمسلمين والتزوّد بالقدرة إزاء القدرات األخرى أمر ًا طبيعياً‪.‬‬
‫‪ .3‬في عصر النبي ‪ ‬كانت نسبة الموت والوفيّ‪K‬ات مرتفع‪K‬ة ج‪K‬د ًا؛ له‪K‬ذا ك‪K‬انت العوائ‪K‬ل مض‪K‬طرّ ًة ألن تُنجب أوالد ًا‬
‫كثيرين‪ ،‬حتى يبقى ّقلةٌ منهم أحيا ًء‪ ،‬بينما في العصر الراهن‪ ،‬وبسبب تق‪ّ K‬دم العلم وحؤول‪K‬ه دون وق‪KK‬وع الكث‪K‬ير من‬
‫األمراض‪ّ ،‬قلت نسبة الوفيات الواسعة النطاق‪.‬‬

‫أحمد‪ ،3/436 :‬قال ابن حجر‪ :‬رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح‪ ،‬مجمع الزوائد‪.3/10 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مسلم‪ ،4/2028 :‬البيهقي‪ ،4/67 :‬النسائي‪ 3/451 :‬أحمد‪ ،1/421 :‬مسند أبي يعلى‪.9/18 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫البخاري‪ ،1/421 :‬الحاكم‪.4/163 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجلة نصوص معاصرة‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫والمتطلب‪K‬ات العائلي‪K‬ة واالجتماعي‪K‬ة في عص‪K‬ر الن‪K‬بي ‪ ‬وعص‪K‬رنا‪ ،‬وه‪K‬و يش‪K‬مل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫اختالف الظروف االقتصادية‬ ‫‪.4‬‬
‫المأكل‪ ،‬والملبس‪ ،‬والمسكن‪ ،‬والقدرات التعليمي‪K‬ة‪ ،‬والترفي‪K‬ه والتس‪K‬لية‪ ،‬ووس‪K‬ائل النق‪K‬ل الع‪K‬ام‪ ،‬والص‪K‬حّة والعالج‪،‬‬
‫متعلقة بالرفاهية‪ ،‬ونحن اليوم ـ شئنا أم أبينا ـ نق‪K‬ف أم‪K‬ام‬ ‫والضمان‪ ،‬ومياه الشفة‪ ،‬والكهرباء وأمور ًا أخرى كثيرة ّ‬
‫هذا الواقع‪ ،‬ولزا ٌم علينا أن نسعى في تأمين مستلزماته‪.‬‬
‫ليس تحديد النسل تشكيكاً في رازقية هللا تعالى؛ إذ ليس معنى رازقيته أن ال َيقدِّر البش‪KK‬رُ معيش‪KK‬تهم بإعم‪KK‬ال العق‪KK‬ل‬ ‫‪.5‬‬
‫وحسبان النفقات والمداخيل؛ ففي البالد الفقيرة والرجعية يُعاني كثيرٌ من الناس ـ واألطفال على وجه الخصوص‬
‫ـ من سوء التغذية‪ ،‬أو يموتون جوعاً‪ ،‬بيد أن هللا راز َقهم موجود أيضاً؛ وذل‪KK‬ك ألن رازقيت‪KK‬ه ليس‪KK‬ت جبر ّي‪ً K‬ة وعلى‬
‫خالف إرادة البشر واختيارهم‪ ،‬وعليه‪ ،‬فحتى مع تحديد النسل يظلّ هللا رازقاً أيض‪K‬اً‪ ،‬فاهلل نفس‪KK‬ه ق‪KK‬د أم‪KK‬ر بالس‪KK‬عي‬
‫والجهد لجلب الرزق ونهي بش ّدة عن الكسل‪ ،‬لقد أمر باالعتدال في اإلنفاق ونهي عن اإلفراط والتفريط فيه‪.‬‬
‫أن ننسب طرح مسألة تحدي‪K‬د الس‪ّ K‬كان في البالد اإلس‪K‬المية إلى االس‪K‬تعمار األجن‪K‬بي‪ ،‬وعمالئ‪K‬ه في ال‪K‬داخل عم‪K‬لٌ‬ ‫‪.6‬‬
‫سهل‪ ،‬ويمكن االستشهاد عليه بالقلق الذي أبدوه في كتبهم ومجالتهم من االزدياد الس ّكاني للمسلمين‪ ،‬ونحن أيضاً‬
‫أن المطل‪K‬وب دراس‪K‬ة تحدي‪K‬د النس‪K‬ل وتحليل‪K‬ه من‬ ‫لسنا ننكر أنه متى ما تس ّنى للمستعمرين إيقاع األذى لفعل‪K‬وه‪ ،‬إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫خالل سابقته التاريخية في العالم عا ّمة وفي دني‪K‬ا الغ‪K‬رب خاص‪K‬ة‪ ،‬ال‪K‬ذي س‪K‬رى من‪K‬ه إلى الع‪K‬الم اإلس‪K‬المي‪ ،‬ال أن‬
‫نعتبره مجرّد مسألة استعمارية‪.‬‬
‫كلما كان المسلمون أكثر سوف يشت ّد الخط‪K‬ر على االس‪K‬تكبار‪ ،‬لكن ليس ك‪K‬لّ ك‪K‬ثر ٍة ك ّمي‪K‬ة وك‪K‬لّ زي‪K‬ادة‬ ‫صحيحٌ أنه ّ‬ ‫‪.7‬‬
‫سكانية‪ ،‬بل الك ّمية المصحوبة بالكيفية‪ ،‬وفي معظم األحيان ال تتوفر الكيفية مع الكثرة المفرطة‪ ،‬ب‪K‬ل م‪K‬ا أك‪K‬ثر م‪K‬ا‬
‫تكون الكثرة المفطرة والفاقدة للقدرات المطلوبة سبباً لتبعية المجتمع لالستعمار‪ ،‬كما يشاهد في بعض الدول‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األسرة‬
‫وضع اإلسالم الكثير من التشريعات‪ K‬والمبادئ التي تحف‪KK‬ظ كي‪KK‬ان األس‪KK‬رة المس‪KK‬لمة رعاي‪KK‬ة للمقاص‪KK‬د الس‪KK‬ابق‬
‫ذكرها‪ ،‬وهذه التشريعات تساهم في تضييق‪ K‬كل المناف‪KK‬ذ المؤدي‪KK‬ة للطالق‪ ،‬وال يمكنن‪KK‬ا هن‪KK‬ا حص‪KK‬ر ك‪KK‬ل ذل‪KK‬ك‪ ،‬ولكن‪KK‬ا‬
‫سنذكر‪ K‬بعض هذه التشريعات‪ K‬من باب التلخيص واالختصار‪ K‬لما تمس الحاجة إليه‪ ،‬أما التفاصيل فتوجد‪ K‬في محالها‬
‫من سائر السلسلة‪.‬‬
‫أوال ـ التأسيس الصحيح للزواج‬
‫ألن بناء األسرة المسلمة ينطلق‪ K‬من التأسيس الصحيح لها‪ ،‬ويتحقق هذا التأسيس بمراعاة األرك‪KK‬ان المتعلق‪KK‬ة‬
‫باالختيار‪ K‬وغيره‪ ،‬وهي وإن ذكر بعضها‪ K‬في الفقه كس‪KK‬نن ومس‪KK‬تحبات إال أنه‪KK‬ا بالنس‪KK‬بة للحي‪KK‬اة الزوجي‪KK‬ة الص‪KK‬حيحة‬
‫فرائض ال يستغنى‪ K‬عنها‪ ،‬ويمكن حصر هذه األسس في األركان الثالثة التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ حسن اختيار الزوجة‪:‬‬
‫فقد رغب الشرع في اختيار المرأة الصالحة‪ ،‬ألن استقرار الحي‪KK‬اة الزوجي‪KK‬ة يرتب‪KK‬ط بص‪KK‬الحهما‪ ،‬وكث‪KK‬ير من‬
‫مشاكل الفرقة تكون بسبب قلة الدين والخلق‪ ،‬ولهذا نهى النبي ‪ ‬أن يكون القص‪KK‬د األول من ال‪KK‬زواج ه‪KK‬و مج‪KK‬رد‬
‫الحسن أو المال وذكر العواقب الوخيمة لذلك فقال ‪(: ‬ال تتزوجوا النساء لحس‪KK‬نهن فعس‪K‬ى‪ K‬حس‪KK‬نهن أن ي‪KK‬رديهن‪،‬‬
‫وال تتزوجوهن ألموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن‪ .‬ولكن تزوجوهن على الدين‪ ،‬فألمة خرق‪KK‬اء س‪KK‬وداء ذات دين‬
‫أفضل)(‪)1‬‬
‫وقد حذر ‪ ‬من أن يكون مصدر االختيار هو األعراف واألذواق البعيدة عن اعتبار ال‪KK‬دين‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(:‬تنكح‬
‫المرأة ألربع لمالها ولحسبها وجمالها‪ K‬ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)(‪)2‬‬
‫ولكنه مع هذا راعى الطبيعة البشرية في االختيار‪ ،‬بل دعا إلى أن ي‪KK‬راعي الم‪KK‬ؤمن ذوق‪KK‬ه وه‪KK‬واه المحص‪KK‬ن‬
‫بحصن الدين حتى تس‪KK‬تقر حيات‪KK‬ه م‪KK‬ع زوجت‪KK‬ه اس‪KK‬تقرارا ص‪KK‬حيحا‪ K‬ألنه‪KK‬ا مبني‪KK‬ة على ال‪KK‬دين بمثاليت‪KK‬ه وعلى الطبيع‪KK‬ة‬
‫البشرية بواقعيتها‪ K،‬ولهذا قال ‪ ‬لجابر‪ :‬أتزوجت يا جابر؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم قال‪ :‬بكرا أم ثيب‪K‬ا ؟ ق‪K‬ال‪ :‬قلت‪ :‬ب‪K‬ل ثيب‪K‬ا‬
‫قال‪ :‬فهال بكرا تالعبها وتالعبك؟)(‪)3‬‬
‫وراعى الطبيعة البشرية في حب الولد‪ ،‬فقد جاءه ‪ ‬رجل فقال‪ :‬إني أص‪KK‬بت ام‪KK‬رأة ذات حس‪KK‬ب ومنص‪KK‬ب‪،‬‬
‫إال أنها ال تلد‪ ،‬أفأتزوجها ؟ فنهاه‪ ،‬ثم أتاه الثانية‪ ،‬فنهاه‪ ،‬ثم أتاه الثالثة‪ ،‬فقال‪( :‬تزوجوا الودود‪ K‬الول‪KK‬ود‪ ،‬ف‪KK‬إني مك‪KK‬اثر‬
‫بكم)(‪)4‬‬
‫وجمع ‪ ‬كل صفات المرأة المستحسنة التي يقي اختيار مثلها عن عواقب التفريق بقوله ‪ ‬وقد س‪KK‬ئل‪ :‬أي‬
‫النساء خير ؟ فقال ‪(:‬التي تسره إذا نظر‪ ،‬وتطيعه إذا أمر‪ ،‬وال تخالفه في نفسها وال في ماله بما يكره)(‪)5‬‬
‫وقد استحب العلماء لمن أراد الزواج أن يختار من مال إليها قلبه‪ ،‬وحنت إليها عاطفت‪KK‬ه‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن الج‪KK‬وزي‪:‬‬
‫(ومن ابتلي بالهوى‪ ،‬فأراد التزوج‪ ،‬فليجتهد في نكاح التي ابتلي بها إن ص‪KK‬ح ذل‪KK‬ك وج‪KK‬از وإال فليتخ‪KK‬ير‪ K‬م‪KK‬ا يظن‪KK‬ه‬
‫مثلها)(‪)6‬‬

‫‪ )(1‬قال الصنعاني‪ :‬أخرجه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث عب‪K‬د هللا بن عم‪K‬رو مرفوع‪K‬ا‪ ،‬انظ‪K‬ر‪:‬س‪K‬بل الس‪K‬الم‪ ،3/111:‬س‪K‬نن‬
‫البيهقي الكبرى‪ ،7/80 :‬كشف الخفاء‪.1/381 :‬‬
‫‪ )(2‬البخاري ‪ ،5/1958:‬مسلم ‪.2/1086:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪،3/1083:‬رقم‪،2805:‬مسلم‪.2/1087:‬‬
‫‪ )(4‬سنن أبي داود ‪،2/220:‬رقم‪ ،2050:‬صحيح ابن حبان‪.9/328:‬‬
‫‪ )(5‬سنن النسائي ‪،6/68:‬رقم‪ ،3231‬مسند أحمد‪،2/496:‬رقم‪ ،7372:‬سنن سعيد بن منصور‪،1/141:‬سنن البيهقي‪.10/244:‬‬
‫‪ )(6‬اإلنصاف‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.19‬‬
‫‪ 2‬ـ التحقق من االختيار‪:‬‬
‫وهذا سواء من الزوج ب‪KK‬أن يتحق‪KK‬ق وي‪KK‬دقق‪ K‬في ص‪KK‬فات زوجت‪KK‬ه باس‪KK‬تعمال وس‪KK‬ائل التحق‪KK‬ق الش‪KK‬رعية‪ ،‬أو من‬
‫أولياء الزوجة‪ ،‬بالبحث عن سيرة المتقدم لموليتهم‪ ،‬وهذا تفاديا للغرر ال‪KK‬ذي اعت‪KK‬بره الفقه‪KK‬اء من موجب‪KK‬ات التفري‪KK‬ق‬
‫بين الزوجين‪.‬‬
‫وتفاديا لحصول هذا شرع اإلسالم كثيرا من وسائل التحقق من االختيار‪ ،‬وأهمها تعري‪K‬ف الش‪K‬خص بنفس‪K‬ه‪،‬‬
‫سواء للمرأة أو ألوليائها‪ K،‬وبمقدار صدقه في إخباره عن نفسه تستقر حيات‪KK‬ه الزوجي‪KK‬ة وبق‪KK‬در تغري‪KK‬ره تنه‪KK‬ار‪ ،‬وق‪KK‬د‬
‫روي‪ K‬أن بالالً وصهيبا ً أتيا أهل بـيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما‪ :‬من أنتما؟ فق‪KK‬ال بالل‪ :‬أن‪KK‬ا بالل وه‪KK‬ذا أخي‬
‫صهيب‪ ،‬كنا ضالين فهدانا هللا‪ ،‬وكنا مملوكين فأعتقنا هللا‪ ،‬وكنا عائلين فأغنان‪KK‬ا هللا‪ ،‬ف‪KK‬إن تزوجون‪K‬ا‪ K‬فالحم‪KK‬د هلل‪ ،‬وإن‬
‫تردونا‪ K‬فسبحان هللا‪ ،‬فقالوا‪ :‬بل تزوجان‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬فقال صهيب‪ :‬لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا م‪KK‬ع رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫فقال‪ :‬اسكت فقد صدقت‪ ،‬فأنكحك الصدق‪.)1(K‬‬
‫ومن الوسائل الهامة للتحقق من االختيار‪ K‬أن يرسل الراغب في الزواج أمه أو إحدى قريبات‪KK‬ه للتع‪KK‬رف‪ K‬على‬
‫من يريد خطبتها كما هو حاصل في بعض المناطق المحافظة‪ ،‬ولكن ذلك ال يكفي‪ ،‬وال يغني عن معاينة الش‪KK‬خص‬
‫نفسه‪ ،‬ولهذا شرع اإلسالم النظر للمخطوبة أو لمن يرغب في خطبتها‪ K‬واعتبر ذلك ‪ ‬من الوسائل ال‪KK‬تي تحص‪KK‬ل‬
‫بها األلفة بين الزوجين‪ ،‬فقال لمن خطب امرأة‪(:‬انظر إليها فإن‪K‬ه أح‪K‬رى أن ي‪K‬ؤدم بينكم‪K‬ا)(‪ ،)2‬أي أج‪K‬در وأدعى أن‬
‫يحصل الوفاق‪ K‬والمالءمة بينكما‪ ،‬وبين جواز ذلك قب‪KK‬ل الخطب‪KK‬ة فق‪KK‬ال ‪(: ‬إذا ألقى هللا ع‪K‬ز وج‪KK‬ل في قلب ام‪KK‬رئ‬
‫خطبة امرأة فال بأس أن ينظر إليها)(‪)3‬‬
‫وكما يندب نظر الخطيب لخطيبته يستحب للمرأة أن تنظر كذلك للرجل الذي خطبها ألنه‪KK‬ا يعجبه‪KK‬ا من‪KK‬ه م‪KK‬ا‬
‫يعجبه منها‪ ،‬قال الحطاب ‪(:‬هل يستحب للمرأة نظر الرج‪KK‬ل ؟ لم أر في‪KK‬ه نص‪KK‬ا للمالكي‪KK‬ة‪ ،‬والظ‪KK‬اهر‪ K‬اس‪KK‬تحبابه وفاق‪KK‬ا‬
‫للشافعية‪ ،‬قالوا‪ :‬يستحب لها أيضا أن تنظر إليه)(‪)4‬‬
‫‪ 3‬ـ الرضى التام من المرأة‪:‬‬
‫ولهذا شرع استئذانها بل استئمارها‪ ،‬ونهي‪ K‬عن جبرها‪ ،‬أو أن يفرض ولي المرأة أي رج‪KK‬ل على موليت‪KK‬ه إال‬
‫برضاها‪ ،‬بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الولي إذا زوج القاصرة أو البكر بغير كفء لها فس‪KK‬خه بع‪KK‬د البل‪KK‬وغ‪ ،‬وق‪KK‬د‬
‫روي‪ K‬أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا فأتته ‪ ‬فرد نكاحها(‪ ،)5‬وروي أن جاري‪KK‬ة بك‪KK‬را‬
‫أتت النبي ‪ ‬فذكرت له أن أباها زوجها كارهة فخيرها‪ K‬النبي ‪ ،)6()‬وفي‪ K‬الحديث المش‪KK‬هور ق‪KK‬ال ‪(::‬ال تنكح‬
‫األيم حتى تستأمر وال تنكح البكر حتى تستأذن)‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا وكيف إذنها؟ قال‪( :‬أن تسكت)(‪)7‬‬

‫ثانيا ـ حماية الحياة الزوجية‬


‫شرع اإلسالم للحياة الزوجية الكث‪K‬ير من الض‪K‬وابط‪ K‬ال‪K‬تي تض‪K‬ع األم‪K‬ور في نص‪K‬ابها‪ ،‬وتنقس‪K‬م به‪K‬ا المهم‪K‬ات‬
‫الزوجية بين الرجل وامرأته بحيث ال يبغي بعضهم على بعض‪ ،‬وفيما يلي بعض هذه األسباب ال‪K‬تي تحف‪K‬ظ الحي‪K‬اة‬
‫الزوجية‪ ،‬وسترد تفاصيلها في محالها من هذه السلسلة ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ توزيع متطلبات الحياة الزوجية بين الزوجين‪:‬‬
‫فق‪KK‬د ت‪KK‬ولى الش‪KK‬رع تقس‪KK‬يم متطلب‪KK‬ات الحي‪KK‬اة الزوجي‪KK‬ة بين الرج‪KK‬ل والم‪KK‬رأة تقس‪KK‬يما ع‪KK‬ادال بحس‪KK‬ب الق‪KK‬درات‬

‫المراسيل ألبي داود‪.194 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫ابن ماجة‪،1/599:‬رقم‪،1865:‬مستدرك الحاكم‪،2/179:‬رقم‪ ،2697:‬مسند أحمد‪،5/299:‬رقم‪.17688:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫ابن ماجة‪،1/599:‬رقم‪،،1864:‬رقم‪،5839:/‬مسند أحمد‪،4/549:‬رقم‪.15598:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الخرشي ج‪ ،3‬ص‪ ،166‬وانظر‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،216‬أسنى المطالب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.108‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الموطأ ‪ ،2/535:‬المنتقى البن الجارود‪ ،1/178 :‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،7/119 :‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫البيهقي‪ ،7/117 :‬الدارقطني‪ ،3/234 :‬أبو داود‪ ،2/232 :‬ابن ماجة‪ ،1/603 :‬أحمد‪ ،1/273 :‬أبو يعلى‪.4/404 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫البخاري ‪ ،5/1974:‬مسلم ‪،2/1036:‬وغيرهما‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫والرغبات‪ ،‬ألن الكثير من أسباب الفرقة تنتج من عدم تعرف كل فرد على دوره المناط به أو تخليه عنه أو تدخل‪K‬ه‬
‫في الدور المتعلق بغيره‪.‬‬
‫وقد نص ‪ ‬على هذا التقسيم في اكبر اجتماع له مع المسلمين‪ ،‬فقد قال ‪ ‬في خطبت‪KK‬ه في حج‪KK‬ة ال‪KK‬وداع ‪:‬‬
‫(ف‪KK‬اتقوا هللا في النس‪KK‬اء‪ ،‬ف‪KK‬إنكم‪ K‬أخ‪KK‬ذتموهن بأمان‪KK‬ة هللا‪ ،‬واس‪KK‬تحللتن ف‪KK‬روجهن بكلم‪KK‬ة هللا‪ ،‬ولكم عليهن أن ال ي‪KK‬وطئن‬
‫فرشكم أحدا تكرهونه‪ ،‬فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح‪ ،‬ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف)(‪)1‬‬
‫وبين واجبات الزوج على زوجته‪ ،‬فقال مجيبا من سأله‪ :‬يا رسول هللا م‪KK‬ا ح‪KK‬ق زوج‪KK‬ة أح‪KK‬دنا علي‪KK‬ه؟ فأجاب‪KK‬ه‬
‫‪(:‬أن تطعمه‪KK‬ا إذا طعمت وتكس‪KK‬وها إذا اكتس‪KK‬يت‪ ،‬أو اكتس‪KK‬بت‪ ،‬وال تض‪KK‬رب الوج‪KK‬ه‪ ،‬وال تقبح وال تهج‪KK‬ر إال في‬
‫البيت)(‪)2‬‬
‫ونهى الزوج أن يتدخل في تصرفاتها القتصادية معاوضات كانت أو تبرع‪KK‬ات‪ ،‬وح‪KK‬رم علي‪KK‬ه أن يطم‪KK‬ع في‬
‫ص ُدقَاتِ ِه َّن نِحْ لَ ‪K‬ةً فَ ‪K‬إِ ْن ِط ْبنَ لَ ُك ْم ع َْن‬
‫مالها‪ ،‬أو يأخذ منه إال بما سمحت به عن طيب نفس‪ ،‬فقال تعالى‪َ ﴿:‬وآتُوا‪ K‬النِّ َسا َء َ‬
‫َش ْي ٍء ِم ْنهُ نَ ْفسًا فَ ُكلُوهُ هَنِيئًا َم ِريئًا﴾(النساء‪)4:‬‬
‫وفي حال التعدد أمر برعاية العدل بين الزوجات بحيث ال يميل إلى إحداهن بأي وجه من وجوه الميل‪.‬‬
‫وفي مقابل هذا نص على أن للرجل حق القوامة على زوجته بقوله تع‪KK‬الى ‪ ﴿:‬الرِّ َج‪ K‬ا ُل قَ َّوا ُم‪KK‬ونَ َعلَى النِّ َس‪K‬ا ِء‬
‫ْض َوبِ َما أَنفَقُوا ِم ْن أَ ْم َوالِ ِه ْم﴾ (النساء‪)34 :‬‬ ‫بِ َما فَض ََّل هَّللا ُ بَ ْع َ‬
‫ضهُ ْم َعلَى بَع ٍ‬
‫وهذه القوام‪K‬ة تتطلب طاع‪K‬ة الم‪K‬رأة لزوجه‪K‬ا‪ K‬في المع‪K‬روف وعلى ق‪K‬در الطاق‪K‬ة‪ ،‬وله‪K‬ذا رب‪K‬ط اإلثم بمعص‪K‬ية‬
‫المرأة لزوجها‪ ،‬ففي الحديث‪(:‬لعن رسول هللا ‪ ‬ثالثة‪ :‬رج‪KK‬ل أم قوم‪K‬ا‪ K‬وهم ل‪KK‬ه ك‪KK‬ارهون‪ ،‬وام‪KK‬رأة ب‪KK‬اتت وزوجه‪K‬ا‪K‬‬
‫عليها ساخط‪ ،‬ورجل سمع حي على الفالح ثم لم يجب)(‪ ،)3‬وعلق األجر على طاعتها له‪ ،‬ففي الحديث قال رسول‬
‫هللا ‪(: ‬أيما امرأة ماتت وزوجها‪ K‬عنها راض دخلت الجنة)(‪)4‬‬
‫ونهى الرجل أن يستبد بهذا الح‪KK‬ق فيتج‪KK‬بر‪ K‬على زوجت‪KK‬ه‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(: ‬إن الرج‪KK‬ل لي‪KK‬درك ب‪KK‬الحلم درج‪KK‬ة‪ ،‬وإن‬
‫الرجل ليكتب جبارا وما يملك إال أهل بيته)(‪)5‬‬
‫ولهذا شرع قيودا كثيرا تجعل من هذا الطاعة أمرا ترضى به الزوجة وترغب فيه‪ ،‬بل تؤدي‪KK‬ه ط‪KK‬وع نفس‪KK‬ها‬
‫من غير تكلف وال عناء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحث على المعاشرة بالمعروف‪:‬‬
‫ُوف﴾ (النس‪KK‬اء‪ ،)19 :‬أي‪:‬‬ ‫‪KK‬ال َم ْعر ِ‬ ‫َاش‪KK‬رُوه َُّن بِ ْ‬
‫تع‪KK‬الى‪﴿:‬وع ِ‬
‫َ‬ ‫وه‪KK‬و ركن الحي‪KK‬اة الزوجي‪KK‬ة األساس‪KK‬ي‪ ،‬وق‪KK‬د ق‪KK‬ال‬
‫عاشروهن بالعشرة ا ِإلنسانية التي تليق بالزوجة والم‪KK‬رأة‪ ،‬ث ّم عقب على ذل‪KK‬ك بقول‪KK‬ه‪( :‬ف‪KK‬إن كرهتم‪KK‬وهن فعس‪K‬ى‪ K‬أن‬
‫تكرهوا‪ K‬شيئا ً ويجعل هللا فيه خيراً كثيراً)‪.‬‬
‫‪K‬وهن لبعض األس‪KK‬باب فال تب‪KK‬ادروا‪ K‬إِلى‬ ‫أي أنه‪ :‬حتى إِذا لم تكونوا على رضا كام‪KK‬ل من الزوج‪KK‬ات‪ ،‬وكرهتم‪ّ K‬‬
‫‪K‬أنهن في الخط‪KK‬أ‬ ‫بمداراتهن ما استطعتم‪ ،‬إِذ يج‪KK‬وز أن تكون‪KK‬وا‪ K‬ق‪KK‬د وقعتم‪ K‬في ش‪ّ K‬‬ ‫ّ‬ ‫ا ِإلنفصال عنهن والطالق‪ K،‬بل عليكم‬
‫‪K‬رتهن ب‪KK‬المعروف والمعاش‪KK‬رة‬ ‫ّ‬ ‫وأن يكون هللا قد جعل فيما كرهتموه خ‪KK‬يراً كث‪KK‬يراً‪ ،‬وله‪KK‬ذا ينبغي أن ال ت‪KK‬تركوا معاش‪K‬‬

‫‪ )(1‬مسلم‪ ،2/889:‬ابن خزيمة‪ ،4/251:‬ابن حبان‪ ،4/311 :‬الدارمي‪ ،2/69:‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،5/8:‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/185 :‬النس‪KK‬ائي‪،2/421:‬‬
‫ابن ماجة‪ ،2/1025 :‬أحمد‪.5/72 :‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم‪،‬قال الح‪KK‬اكم ص‪K‬حيح اإلس‪KK‬ناد‪ ،‬وأل‪KK‬زم ال‪KK‬دارقطني الش‪KK‬يخين تخ‪KK‬ريج ه‪KK‬ذه الترجم‪KK‬ة‪،‬‬
‫خالصة البدر المنير‪ ،2/253:‬وانظر‪:‬أبو داود‪ ،2/244 :‬النسائي‪ ،5/273 :‬البيهقي‪ ،7/305:‬أحمد‪.4/447 :‬‬
‫‪ )(3‬ابن خزيم‪KK‬ة‪ ،3/11 :‬الترم‪KK‬ذي‪ ،2/191 :‬مجم‪KK‬ع الزوائ‪KK‬د‪ ،2/68 :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،3/128 :‬أب‪KK‬و داود‪ ،1/162 :‬ابن ماج‪KK‬ة‪،1/311 :‬‬
‫المعجم الكبير‪.1/115 :‬‬
‫‪ )(4‬الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪ .‬وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين‪ :‬هذا حديث ص‪K‬حيح اإلس‪KK‬ناد ولم يخرج‪K‬اه‪ .‬ووافق‪KK‬ه‬
‫الذهبي في التلخيص‪ ،‬وقد ضعفه الشيخ األلباني في السلسلة الضعيفة برقم ‪.1426‬‬
‫‪ )(5‬رواه الطبراني في األوسط وفيه عبدالحميد‪ K‬بن عبيدهللا بن حمزة وهو ضعيف جدا‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،8/24:‬ق‪K‬ال المن‪K‬ذري‪ :‬رواه‬
‫أب‪KK‬و الش‪KK‬يخ ابن حب‪KK‬ان في كت‪KK‬اب الث‪KK‬واب‪ ،‬ال‪KK‬ترغيب وال‪KK‬ترهيب‪ ،3/281:‬وانظ‪K‬ر‪ :‬مجم‪KK‬ع الزوائ‪KK‬د‪ ،8/24 :‬المعجم األوس‪KK‬ط‪،6/232 :‬‬
‫الفردوس بمأثور الخطاب‪.1/194 :‬‬
‫ّ‬
‫خاص‪K‬ة وإِن أك‪KK‬ثر م‪KK‬ا يق‪KK‬ع بين األزواج‬ ‫الحسنة ما لم يبلغ السيل الزبى‪ ،‬ولم تصل األُمور إِلى الح ّد الذي ال يطاق‪،‬‬
‫من سوء الظن ال يستند إِلى مبرر صحيح‪ ،‬وأكثر‪ K‬ما يص‪KK‬درونه من أحك‪KK‬ام ال يق‪KK‬وم على أُس‪KK‬س واقعي‪KK‬ة إِلى درج‪KK‬ة‬
‫أنّهم قد يرون األمر الحس‪K‬ن س‪K‬يئا ً واألم‪K‬ر الس‪K‬يء حس‪K‬نا ً في حين ينكش‪K‬ف‪ K‬األم‪K‬ر على حقيق‪K‬ة بع‪K‬د مض‪K‬ي حين من‬
‫الزمن‪ ،‬وشيء من المداراة(‪.)1‬‬
‫فالمعاشرة بالمعروف هي التي تحفظ كيان األسرة‪ ،‬وتزرع السعادة في البيت المس‪KK‬لم‪ ،‬وهي تب‪KK‬نى أوال على‬
‫المودة بين الزوجين‪ ،‬فهي التي تحمل على دوام العشرة مع تغير األحوال‪ ،‬وقد كان ‪ ‬يذكر خديجة ويثني عليها‬
‫أحسن الثناء‪ ،‬حتى قالت عائشة‪ :‬فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين‪ ،‬قد أبدلك هللا خيرا منها‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫(ما أبدلني هللا خيرا منها‪ ،‬قد آمنت بي إذ كفر بي الناس‪ ،‬وصدقتني إذ كذبني الناس‪ ،‬وواس‪KK‬تني‪ K‬بماله‪KK‬ا إذ حرم‪KK‬ني‬
‫الناس‪ ،‬ورزقني‪ K‬هللا أوالدها‪ ،‬وحرمني أوالد الناس)(‪)2‬‬
‫وهي تبنى ثانيا على التراحم بين الزوجين والمواساة واالعتراف بالجميل‪ ،‬وقد حذر ‪ ‬النساء خاص‪KK‬ة من‬
‫إنكار النعمة‪ ،‬وعدم االعتراف بها‪ ،‬وسمى‪ K‬ذلك كفرا‪ ،‬فقال ‪(: ‬يا معشر النساء تصدقن وأكثرن االس‪KK‬تغفار ف‪KK‬إني‬
‫رأيتكن أكثر أهل النار‪ ،‬فقالت امرأة منهن جزلة‪ :‬وما لنا أكثر أهل النار ؟ قال‪ :‬تكثرن اللعن وتكفرن العشير)(‪)3‬‬
‫بل أجاز الشرع الكذب مع حرمته الشديدة إن كان فيه تراحما بين الزوجين‪ ،‬فقال ‪(: ‬ال يح‪KK‬ل الك‪KK‬ذب إال‬
‫في ثالث‪ :‬يحدث الرجل امرأته ليرضيها‪ K،‬والك‪KK‬ذب في الح‪KK‬رب‪ ،‬والك‪KK‬ذب ليص‪KK‬لح بين الن‪KK‬اس)(‪ ،)4‬ق‪KK‬ال الخط‪KK‬ابي‪:‬‬
‫كذب الرجل زوجته أن يعدها ويمنيها‪ K‬ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم‪ K‬بذلك ص‪KK‬حبتها ويص‪KK‬لح ب‪KK‬ه‬
‫خلقها(‪.)5‬‬
‫وقد كان التراحم والمواساة من سنته ‪ ‬مع الناس جميعا ومع زوجات‪KK‬ه خصوص‪KK‬ا‪ ،‬فعن ص‪KK‬فية بنت ح‪KK‬يي‪،‬‬
‫قالت‪ :‬دخل علي رسول هللا ‪ ،‬وقد‪ K‬بلغني عن حفصة وعائشة كالم فذكرت‪ K‬ذلك له‪ ،‬فقال‪ :‬أال قلت‪ :‬فكيف تكونان‬
‫خيرا مني‪ ،‬وزوجي محمد‪ ،‬وأبي هارون وعمي موسى‪ ،‬وكان الذي بلغه‪KK‬ا أنهم ق‪KK‬الوا‪ :‬نحن أك‪KK‬رم على رس‪KK‬ول هللا‬
‫‪ ‬منها‪ ،‬وقالوا نحن أزواج النبي ‪ ‬وبنات عمه(‪.)6‬‬
‫ودعا إلى تلطيف الحياة الزوجية باللهو والم‪KK‬رح بين ال‪KK‬زوجين‪ ،‬واعت‪KK‬بر ذل‪KK‬ك من حس‪KK‬ن الخل‪KK‬ق ومن كم‪KK‬ال‬
‫اإليمان‪ ،‬فقال ‪(:‬إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم‪ K‬بأهله)(‪)7‬‬
‫‪ 3‬ـ العالج الواقعي للخالفات الزوجية‪:‬‬
‫وقد وض‪KK‬عت الش‪KK‬ريعة الكث‪KK‬ير من أن‪KK‬واع العالج ال‪KK‬تي تحمي بني‪KK‬ان األس‪KK‬رة من االنهي‪KK‬ار‪ ،‬وس‪KK‬نتحدث عنه‪KK‬ا‬
‫بتفصيل عند الحديث عن األحكام المرتبطة بالعشرة الزوجية‪.‬‬
‫ومن أهمها المعرفة بطبيع‪K‬ة الزوج‪K‬ة الفطري‪K‬ة أو الخاص‪K‬ة‪ ،‬وله‪K‬ذا ال يس‪K‬تغرب أن ت‪K‬رد األح‪K‬اديث المعرف‪K‬ة‬
‫بطبيعة المرأة‪ ،‬لما لها من دور وقائي‪ K‬في الحفاظ على األسرة حتى ال تعامل الرج‪KK‬ل م‪KK‬ع زوجت‪KK‬ه باعتباره‪KK‬ا رجال‬
‫مثله‪ ،‬وهو من أكبر أسباب الشقاق بين الزوجين‪ ،‬ففي الحديث قال رس‪KK‬ول هللا ‪(: ‬إن الم‪KK‬رأة كالض‪KK‬لع إن ذهبت‬
‫تقيمها كسرتها وإن تركتها‪ K‬استمتعت بها على عوج)(‪ ،)8‬قال الشوكاني ‪(:‬الحديث فيه اإلرشاد‪ K‬إلى مالطف‪KK‬ة النس‪KK‬اء‬
‫والصبر‪ K‬على ما ال يستقيم من أخالقهن‪ ،‬والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الص‪K‬فة ال‪K‬تي ال يفي‪K‬د معه‪K‬ا الت‪K‬أديب وال‬

‫‪ )(1‬تفسير األمثل ‪ -‬مكارم الشيرزي ‪.161 /3 :‬‬


‫‪ )(2‬أحمد‪ ،6/117:‬المعجم الكبير‪ ،23/13 :‬مجمع الزوائد‪.9/224 :‬‬
‫‪ )(3‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ )(4‬الترمذي‪ ،4/331 :‬ابن ماجة‪.1/18 :‬‬
‫‪ )(5‬نقال عن‪ :‬عون المعبود‪.13/179 K:‬‬
‫‪ )(6‬الترمذي‪.5/708 :‬‬
‫‪ )(7‬الحاكم‪ ،1/119 :‬الترمذي‪ ،5/9 :‬أحمد‪ ،6/99 :‬شعب اإليمان‪ ،6/232 :‬ابن أبي شيبة‪.5/210 :‬‬
‫‪ )(8‬قال الترمذي‪:‬حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وإسناده جيد‪ ،‬الترم‪KK‬ذي‪ ،3/493:‬مس‪KK‬ند أبي عوان‪KK‬ة‪:‬‬
‫‪ ،3/142‬المعجم األوسط‪.1/293:‬‬
‫والمخاشنة)(‪)1‬‬ ‫ينجع عندها النصح‪ ،‬فلم يبق إال الصبر والمحاسنة وترك التأنيب‬
‫ومن هذا الباب ما ورد من نهي الشرع عن التتعامل مع المرأة بال‪KK‬ذوق‪ K‬المج‪KK‬رد عن الرحم‪KK‬ة‪ ،‬وال‪KK‬ذي تملي‪KK‬ه‬
‫األهواء والغرائز‪ ،‬وال تستقيم معه الحياة المستقرة‪ ،‬ففي الحديث أن رسول هللا ‪ ‬ق‪KK‬ال ‪(:‬ال يف‪KK‬رك م‪KK‬ؤمن مؤمن‪KK‬ة‪،‬‬
‫إن كره منها خلقا رضي منها آخر)(‪)2‬‬
‫ونهى في هذا الميدان أن يلجأ إلى العالج التأديبي قبل استنفاذ ك‪K‬ل الوس‪K‬ائل الش‪K‬رعية‪ ،‬فعن عب‪K‬د هللا بن زمع‪K‬ة أن‪K‬ه‬
‫سمع النبي ‪ ‬يخطب‪ ،‬وذكر الناقة‪ ،‬والذي عقر فقال رسول هللا ‪ ‬إذ انبعث أشقاها انبعث لها رجل عزيز عارم منيع‬
‫في رهطه مثل أبي زمعة‪ ،‬وذكر النساء فقال ‪(:‬يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد‪ ،‬فلعل‪KK‬ه يض‪KK‬اجعها من آخ‪KK‬ر يوم‪KK‬ه)(‪،)3‬‬
‫وهذا الجمع بين شقي ثمود ومن يضرب امرأته دليل على تجبر هذا الزوج وتكبره على نعمة رب‪KK‬ه كم‪KK‬ا فع‪KK‬ل ال‪KK‬ذي عق‪KK‬ر‬
‫الناقة‪ ،‬وقد كان يشرب من لبنها‪.‬‬
‫وسنرى‪ K‬في األج‪KK‬زاء القادم‪KK‬ة أن ك‪KK‬ل النص‪KK‬وص ال‪KK‬تي رخص‪KK‬ت في الض‪KK‬رب حثت على اإلحس‪KK‬ان للزوج‪KK‬ة‬
‫واحترامه‪KK‬ا واعتب‪KK‬ار العالق‪KK‬ة به‪KK‬ا عالق‪KK‬ة في هللا وبكلم‪KK‬ة هللا‪ ،‬ثم قص‪KK‬رت إباح‪KK‬ة الض‪KK‬رب على المعص‪KK‬ية وقي‪KK‬دت‪K‬‬
‫المعصية على األمر الكبير الخطير‪ K‬الذي تأنف منه الطباع‪ ،‬وهو أن تدخل المرأة األجانب ل‪KK‬بيت زوجه‪K‬ا‪ K‬من غ‪KK‬ير‬
‫إذنه(‪ ،)4‬ثم قيدت الضرب بكونه غير مبرح‪ ،‬وفسر‪ K‬بما ال يشين وال يدمي‪ ،‬وفسرت وسيلته بالسواك ونحوه‪.‬‬
‫أما اآلية الوحيدة التي وردت فيها هذه الرخصة‪ ،‬فق‪KK‬د جعلت الض‪KK‬رب ه‪KK‬و الوس‪KK‬يلة النهائي‪KK‬ة الم‪KK‬رأة لم يج‪KK‬د‬
‫معها القول الرقيق‪ K‬الواعظ‪ ،‬وال السلوك الذي يمس صميم‪ K‬مشاعر المرأة‪ ،‬فلم يبق مع هذه الم‪KK‬رأة ال‪KK‬تي لم يس‪KK‬تجب‬
‫عقلها وال قلبها إال اللجوء إلى هذه الوسيلة كحل ضروري‪ K‬مؤقت ومحدد‪ ،‬وقد ختمت اآلية بنهي وفاصلة وكالهما‬
‫توجيه شديد للرجل بعدم الظلم والتعدي ‪:‬‬
‫أما النهي فقوله تعالى ‪ ﴿:‬فَال تَ ْب ُغوا َعلَ ْي ِه َّن َسبِيالً ﴾(النساء‪)34:‬أي ال تجن‪K‬وا عليهن بق‪K‬ول أو فع‪KK‬ل‪ ،‬وه‪K‬و نهى‬
‫عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن‪ ،‬ثم جاءت الفاص‪KK‬لة القرآني‪KK‬ة بقول‪KK‬ه تع‪KK‬الى ‪ ﴿:‬إِ َّن هَّللا َ َك‪KK‬انَ‬
‫َعلِيّا ً َكبِيراً﴾ (النس‪K‬اء‪)34:‬إش‪K‬ارة إلى األزواج بخفض الجن‪K‬اح ولين الج‪K‬انب‪ ،‬أي (إن كنتم تق‪K‬درون عليهن فت‪K‬ذكروا‪K‬‬
‫قدرة هللا فيده بالقدرة فوق كل يد فال يس‪KK‬تعل أح‪KK‬د على امرأت‪KK‬ه فاهلل بالمرص‪KK‬اد فل‪KK‬ذلك حس‪KK‬ن االتص‪KK‬اف هن‪KK‬ا ب‪KK‬العلو‬
‫والكبر)(‪)5‬‬
‫ويكفي في التنفير من هذا السلوك أنه خالف سنة رس‪KK‬ول هللا ‪ ،‬ففي الح‪KK‬ديث‪(:‬م‪KK‬ا ض‪KK‬رب رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫شيئا قط بيده وال امرأة وال خادما إال أن يجاهد في سبيل هللا‪ ،‬وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إال أن ينتهك‬
‫شيء من محارم‪ K‬هللا فينتقم هلل تعالى)(‪)6‬‬
‫ولهذا ك‪KK‬ان ‪ ‬يح‪KK‬ذر من زواج من يتع‪KK‬دى على النس‪KK‬اء بالض‪KK‬رب‪ ،‬وكأن‪KK‬ه يح‪KK‬ذر من الض‪KK‬رب نفس‪KK‬ه‪ ،‬فعن‬
‫فاطمة بنت قيس ‪:‬قال لي رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬إذا أحللت ف‪KK‬آذنيني‪ ،‬فآذنت‪KK‬ه فخطبه‪K‬ا‪ K‬معاوي‪KK‬ة بن أبي س‪KK‬فيان وأب‪KK‬و الجهم‪،‬‬
‫وأسامة بن زيد‪ ،‬فقال رسول هللا ‪ :‬أما معاوية فرجل ترب ال مال له‪ ،‬وأما أبو الجهم فرجل ضراب للنساء)(‪)7‬‬
‫وفي األخ‪KK‬ير‪ ،‬إن لم تج‪KK‬د ك‪KK‬ل العالج‪KK‬ات أوجب الش‪KK‬رع على األه‪KK‬ل الت‪KK‬دخل للنظ‪KK‬ر في أس‪KK‬باب الخالف‪KK‬ات‬
‫ومحاولة عالجها‪ ،‬وقد فصل ابن عباس طريقة الحكمين في الحكم بين الزوجين فقال ‪(:‬أمر هللا تع‪KK‬الى أن يبعث‪KK‬وا‬
‫رجال صالحا من أهل الرجل ورجال مثله من أهل المرأة‪ ،‬فينظران أيهما المس‪KK‬يء ف‪KK‬إن ك‪KK‬ان الرج‪KK‬ل ه‪KK‬و المس‪KK‬يء‬
‫حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة‪ ،‬وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها‪ K‬على زوجها ومنعوها‪ K‬النفقة‪ ،‬فإن‬
‫‪ )(1‬نيل األوطار‪.6/358:‬‬
‫‪ )(2‬المسند المستخرج على صحيح مسلم‪ ،4/142:‬البيهقي‪ ،7/295:‬أحمد‪ ،2/329 :‬مسند ابي يعلى‪.11/303:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪.4/1888:‬‬
‫‪ )(4‬وألجل التستر على األسرار الزوجية‪ ،‬جاء في الحديث أن عمر ‪ ‬ضرب امرأته فعذل في ذلك فق‪KK‬ال س‪KK‬معت رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫يقول‪ :‬ال يسأل الرجل فيم ضرب أهله»‪ ،‬البيهقي‪ ،7/305 :‬أبو داود‪.2/246 :‬‬
‫‪ )(5‬القرطبي‪.5/173 :‬‬
‫‪ )(6‬مسلم‪ ،4/1814 :‬النسائي‪ ،5/370 :‬أحمد‪ ،6/130 :‬مسند إسحق‪.2/292 :‬‬
‫‪ )(7‬مسلم‪ ،2/1119 :‬البيهقي‪ ،7/136 :‬ابن ماجة‪ ،1/601 :‬أحمد‪.6/412 :‬‬
‫اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز‪ ،‬فإن رأيا أن يجمعا فرض‪K‬ى‪ K‬أح‪K‬د ال‪KK‬زوجين وك‪K‬ره اآلخ‪K‬ر‪ ،‬ثم‬
‫مات أحدهما فإن الذي رضى يرث الذي لم يرض‪ ،‬وال يرث الكاره الراضي)(‪)1‬‬

‫ثالثا ـ بعد الفرقة الزوجية‬


‫مع كل التشريعات الوقائية السابقة‪ ،‬فإن اإلسالم وضع للطالق قبل وقوعه الكثير من القيود والضوابط‪ K‬التي‬
‫سنرى‪ K‬تفاصيلها‪ K‬في محلها من هذه السلسلة‪ ،‬والتي تجعل منه أمرا محدودا‪ K‬في محال معينة ال يتجاوزها‪ K،‬أم‪KK‬ا بع‪KK‬د‬
‫وقوعه‪ ،‬فإنه لم يجعله آخ‪KK‬ر العالج‪ ،‬ب‪KK‬ل وض‪K‬ع من الح‪K‬وافز‪ K‬م‪K‬ا يمكن أن يعي‪KK‬د للحي‪K‬اة الزوجي‪KK‬ة مس‪KK‬ارها الط‪KK‬بيعي‬
‫ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األمر بالتزام الطالق السني‪:‬‬
‫ألن الطالق السني هو الذي يترك الفرص للزوج في التراجع‪ ،‬ويحصر‪ K‬الطالق في ف‪KK‬ترات مح‪KK‬دودة يك‪KK‬ون‬
‫فيها الزوج راغبا في زوجته بحيث ال يطلق فيها إال من كان قاصدا‪ K‬قصدا صحيحا‪.‬‬
‫وقد ورد في ذلك من حيث مراعاة ال‪KK‬وقت قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪ ﴿ :‬يَاأَيُّهَ‪KK‬ا النَّبِ ُّي إِ َذا طَلَّ ْقتُ ْم النِّ َس‪K‬ا َء فَطَلِّقُ‪KK‬وه َُّن لِ ِع‪َّ K‬دتِ ِهن﴾َّ‬
‫(الطالق‪)1:‬وقد فسر ابن مسعود ذلك بأن يطلقها في طهر ال جماع فيه‪ ،‬ومثله عن ابن عباس‪ ،‬وعن ابن عمر أن‪KK‬ه‬
‫طلق امرأته وهي حائض‪ ،‬فسأل عمر رسول هللا ‪ ‬عن ذلك‪ ،‬فقال له رسول‪ K‬هللا ‪ :‬مره فليراجعها‪ ،‬ثم ليتركه‪KK‬ا‬
‫حتى تطهر‪ ،‬ثم تحيض‪ ،‬ثم تطهر‪ ،‬ثم إن شاء أمسك بعد‪ ،‬وإن شاء طلق قبل أن يمس‪ ،‬فتلك العدة ال‪KK‬تي أم‪KK‬ر هللا أن‬
‫يطلق لها النساء)(‪ ،)2‬وقد‪ K‬جاء في بعض الروايات بلفظ السنة‪ ،‬فقد وردت بلف‪KK‬ظ‪( :‬ي‪KK‬ا ابن عم‪KK‬ر م‪KK‬ا هك‪KK‬ذا أم‪KK‬ر هللا‪،‬‬
‫أخطأت السنة‪ ،‬والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق‪ K‬لكل قرء)(‪)3‬‬
‫ومن حيث العدد‪ ،‬نهى أن يقلص الفرص التي جعلها هللا تعالى للمراجعة‪ ،‬فعن محمود بن لبيد قال أخبر رس‪KK‬ول هللا‬
‫‪ ‬عن رجل طلق امرأته ثالث تطليقات جميعا‪ ،‬فغضب‪ ،‬ثم قال‪ :‬أيلعب بكتاب هللا وأن‪KK‬ا بين أظه‪KK‬ركم ؟ ح‪KK‬تى ق‪KK‬ام رج‪KK‬ل‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أال أقتله(‪.)4‬‬
‫ولهذا كان األرجح عدم إيقاع الطالق البدعي مهما كانت ص‪K‬فته‪ ،‬وس‪K‬نرى التفاص‪K‬يل الكث‪K‬يرة المرتبط‪K‬ة ب‪K‬ذلك في‬
‫األجزاء المتعلقة بحل عصمة الزوجية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تشريع العدة ‪:‬‬
‫وهو فرصة من فرص المراجعة‪ ،‬حيث تظل الم‪K‬رأة المعت‪K‬دة في بيت الزوجي‪K‬ة‪ ،‬وق‪K‬د أج‪K‬از له‪K‬ا الفقه‪K‬اء أن‬
‫تتزين لزوجه‪KK‬ا بم‪KK‬ا تفعل‪KK‬ه النس‪KK‬اء ألزواجهن من أوج‪KK‬ه الزين‪KK‬ة من اللبس وغ‪KK‬يره‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول الجمه‪KK‬ور‪ ،‬ب‪KK‬ل نص‬
‫الحنابلة على أنها تتزين وتسرف في ذلك‪ ،‬ونص الحنفية على أن لها أن تتزين وتتشوف (‪ )5‬له‪ ،‬واستدلوا‪ K‬على ذلك‬
‫بأن التزين وسيلة للرجعة‪ ،‬فلعله يراها في زينتها فتروق‪ K‬في عينه ويندم‪ K‬على طالقها فيراجعها‪K.‬‬
‫وبمثل هذا ذكر فقهاء اإلمامية‪ ،‬قال المحقق البحراني‪( :‬أما الرجعية فلبقاء أحكام الزوجي‪KK‬ة وتوق‪KK‬ع الرجع‪KK‬ة‪،‬‬
‫بل ظاهر جملة من األخبار استحباب التزين لها كما ستقف عليه‪..‬والذي وقفت عليه من االخبار المتعلقة بالمقام ما‬
‫رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة عن أبي عبد هللا (ع) قال‪( :‬المطلقة تكتحل وتختض‪K‬ب‪ K‬وتلبس م‪KK‬ا ش‪KK‬اءت من‬
‫‪ )(1‬رواه ابن أبي حاتم وابن جرير‪ ،‬انظر‪ :‬تفسير ابن كثير‪.1/494:‬‬
‫‪ )(2‬البخ‪KK‬اري‪ ،5/2011 :‬مس‪KK‬لم‪ ،2/1095 :‬المنتقى‪ ،1/183 :‬مس‪KK‬ند أبي عوان‪KK‬ة‪ ،3/144 :‬ال‪KK‬دارمي‪ ،2/213 :‬ال‪KK‬بيهقي‪،7/323 :‬‬
‫الدارقطني‪ ،4/6:‬مسند الشافعي‪ ،101 :‬أبو داود‪ ،2/25 :‬النسائي‪ ،3/339 :‬ابن ماجة‪ ،1/651 :‬الموطأ‪ ،2/576:‬أحمد‪ ،2/61 :‬مسند‬
‫ابن الجعد‪.409 :‬‬
‫‪ )(3‬مجمع الزوائد‪.4/136K:‬‬
‫‪ )(4‬قال ابن حجر‪ :‬أخرجه النسائي ورجاله ثقات لكن محمود بن لبي‪K‬د ول‪K‬د في عه‪K‬د الن‪K‬بي ‪ ‬ولم يثبت ل‪K‬ه من‪K‬ه س‪K‬ماع وأن ذك‪K‬ره‬
‫بعضهم في الصحابة فألجل الرؤية‪ ،‬وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له عدة أحاديث ليس فيه‪K‬ا ش‪K‬يء ص‪K‬رح في‪K‬ه بالس‪KK‬ماع‪ ،‬فتح‬
‫الباري‪.9/362 :‬‬
‫‪ )(5‬التشوف وضع الزينة في الوجه‪ ،‬والتزين أعم من التشوف ; ألنه يشمل الوجه وغيره‪.‬‬
‫ث بَ ْع‪َ K‬د َذلِ‪KK‬كَ أَ ْم‪ K‬رًا ﴾ (الطالق‪ ،)1 :‬لعله‪KK‬ا أن تق‪KK‬ع في نفس‪KK‬ه‬ ‫الثياب الن هللا عزوجل يقول‪ ﴿ :‬اَل تَ‪ْ K‬د ِري لَ َع‪َّ K‬ل هَّللا َ يُحْ‪ِ K‬د ُ‬
‫فيراجعها‪ .. .‬وهذه االخبار كما ترى ظاهرة في نفي الحداد في المطلقة الرجعية‪ ،‬وأنه يستحب لها الزينة)(‪)1‬‬
‫‪ 3‬ـ تشريع الرجعة‪:‬‬
‫وهو رجوع المرأة لزوجها‪ ،‬وقد ندب الشرع إلى ذلك إن تعلقت به المصالح الشرعية لكال الزوجين‪ ،‬وذلك‬
‫إما في فترة العدة أو بعدها‪ ،‬فقد ورد‪ K‬النهي عن عضل الزوجة إن رغبت في العودة إلى زوجها‪ K‬بعد انتهاء ع‪KK‬دتها‪،‬‬
‫ُوف َذلِ‪َ K‬‬
‫ك‬ ‫اض‪K‬وْ ا بَ ْينَهُ ْم بِ‪ْ K‬‬
‫‪K‬ال َم ْعر ِ‬ ‫ضلُوه َُّن أَ ْن يَن ِكحْ نَ أَ ْز َو َ‬
‫اجه َُّن إِ َذا ت ََر َ‬ ‫قال تعالى‪َ ﴿:‬وإِ َذا طَلَّ ْقتُ ْم النِّ َسا َء فَبَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَاَل تَ ْع ُ‬
‫طهَ ُر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم َوأَ ْنتُ ْم اَل تَ ْعلَ ُمونَ ﴾(الطالق‪)232:‬‬‫يُو َعظُ بِ ِه َم ْن َكانَ ِم ْن ُك ْم ي ُْؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَوْ ِ‪K‬م اآْل ِخ ِر َذلِ ُك ْم أَ ْز َكى لَ ُك ْم َوأَ ْ‬
‫وس‪KK‬نرى التفاص‪KK‬يل الكث‪KK‬يرة المرتبط‪KK‬ة ب‪KK‬ذلك في الج‪KK‬زء المخص‪KK‬ص آلث‪KK‬ار ح‪KK‬ل عص‪KK‬مة الزوجي‪KK‬ة من ه‪KK‬ذه‬
‫السلسلة‪.‬‬

‫‪ )(1‬الحدائق الناضرة ‪ -‬المحقق البحراني (‪)476 /25‬‬


‫الفصل الرابع‬
‫الضوابط الشرعية الختيار الزوجين‬
‫أول مقدمة تنطلق منها الحياة الزوجية ـ في نظر الشرع ـ هي االختي‪K‬ار الص‪K‬حيح من الرج‪K‬ل لزوجت‪K‬ه ومن‬
‫المرأة لزوجها‪ ،‬ولذلك وردت النص‪KK‬وص الش‪K‬رعية الكث‪KK‬يرة تحث على ض‪KK‬رورة االختي‪KK‬ار وال‪K‬تروي في‪KK‬ه‪ ،‬وتعطي‬
‫المواصفات التي ينبغي أن يتم على أساس‪K‬ها‪ K‬االختي‪K‬ار‪ ،‬وت‪K‬بين الوس‪KK‬ائل الش‪K‬رعية ال‪KK‬تي يتم من خالله‪K‬ا التحق‪K‬ق من‬
‫االختيار‪ K‬في ظل الضوابط الشرعية التي تحف‪KK‬ظ الحرم‪KK‬ات وتس‪KK‬د ذرائ‪KK‬ع الفس‪KK‬اد في المجتم‪KK‬ع‪ ،‬وس‪KK‬نتحدث في ه‪KK‬ذا‬
‫الفصل عن هذه األركان الثالثة الختيار الزوجين بعضهما البعض‪.‬‬
‫أوال ـ حق الزوجين في اختيار بعضهما البعض‬
‫أعطى الشرع الحق لكل من الرجل والمرأة في اختيار الشريك‪ K‬المناسب‪ ،‬ودعا إلى إزالة كل العقب‪KK‬ات ال‪KK‬تي‬
‫تحول دون حرية االختيار‪ ،‬ومن أخطرها تدخل األهل‪:‬‬
‫فبالنسبة للرجل نص الفقهاء على أن عدم طاعة الرجل والديه في شأن االختي‪KK‬ار ليس من العق‪KK‬وق‪ ،‬وش‪KK‬بهوا‬
‫ذلك بأمره بأكل ما ال يريد(‪ ،)1‬قال ابن مفلح الحنبلي‪( :‬ليس للوالدين إلزام الولد بنكاح من ال يريد‪ ،‬قال الش‪KK‬يخ تقي‬
‫الدين‪ :‬إنه ليس ألحد األبوين أن يلزم الولد بنكاح من ال يريد‪ ،‬وإنه إذا امتن‪KK‬ع ال يك‪KK‬ون عاق‪KK‬ا‪ ،‬وإذا لم يكن ألح‪KK‬د أن‬
‫‪K‬ل المك‪KK‬روه م‪KK‬رارة‬‫يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه ‪ :‬كان النكاح كذلك‪ ،‬وأولى‪ ،‬فإن أَ ْك‪َ K‬‬
‫شرة المكروه من الزوجين على طول‪ ،‬تؤذي صاحبه‪ ،‬وال يمكنه فراقه)(‪)2‬‬ ‫ساعة‪ ،‬و ِع ْ‬
‫وبالنسبة للمرأة‪ ،‬نهى عن فرض ولي المرأة أي رجل على موليته إال برضاها‪ ،‬بل ذهب بعض الفقه‪KK‬اء إلى‬
‫أن الولي إذا زوج القاصرة أو البكر بغير كفء لها فسخه بعد البلوغ(‪.)3‬‬
‫يقول الشيخ سيد سابق‪( :‬ومهما يكن من خالف في والية الم‪KK‬رأة‪ ،‬فإن‪KK‬ه يجب على ال‪KK‬ولي أن يب‪KK‬دأ بأخ‪KK‬ذ رأي‬
‫المرأة‪ ،‬ويعرف‪ K‬رضاها قبل العقد إذ أن الزواج معاشرة دائمة‪ ،‬وشركه قائمة بين الرجل والمرأة‪ ،‬وال يدوم الوئ‪KK‬ام‬
‫ويبقى الود واالنسجام‪ K‬ما لم يعلم رضاها‪ ،‬ومن ثم منع الش‪KK‬رع إك‪KK‬راه الم‪KK‬رأة ‪ -‬بك‪KK‬راً ك‪KK‬انت أو ثيب‪K‬ا ً ‪ -‬على ال‪KK‬زواج‬
‫واجبارها‪ K‬على من ال رغبة لها فيه‪ ،‬وجعل العقد عليه قبل استئذانها‪ K‬غير صحيح‪ ،‬ولها حق المطالبة بالفسخ ابطاالً‬
‫لتصرفات الولي المستبد إذا عقد عليها)(‪)4‬‬
‫ومن األدلة النصية على ذلك أن خنساء بنت خدام زوجه‪KK‬ا أبوه‪KK‬ا وهي كاره‪KK‬ة‪ ،‬وك‪KK‬انت ثيب‪KK‬ا فأتت‪KK‬ه ‪ ‬ف‪KK‬رد‬
‫نكاحها(‪ ،)5‬قال ابن عبد البر ‪(:‬وهذا حديث صحيح مجتمع على صحته وعلى القول به ألن القائلين بـ (ال نك‪KK‬اح إال‬
‫بولي) يقولون‪ :‬إن الثيب ال يزوجها‪ K‬وليها أبا كان أو غيره إال بإذنها ورضاها‪ ،‬ومن قال ليس للولي مع الثيب أم‪KK‬ر‬
‫فهو أحرى باستعمال‪ K‬هذا الحديث‪ ،‬وكذلك الذين أجازوا النكاح بغ‪K‬ير ولي‪ ..‬وم‪K‬دار‪ K‬ه‪K‬ذا الح‪KK‬ديث ومعن‪KK‬اه ال‪K‬ذي من‬
‫أجله ورد أن الثيب ال يجوز عليها في نكاحها إال ما ترضاه وال أعلم مخالفا في أن الثيب ال يجوز ألبيها وال ألح‪KK‬د‬
‫من أوليائها إكراهها على النكاح إال الحسن البصري فإن أبا بكر بن أبي شيبة ذكر عن الحسن أنه كان يقول نك‪KK‬اح‬
‫األب جائز على ابنته بكرا كانت أو ثيبا أكرهت أو لم تك‪K‬ره‪،‬وق‪K‬ال إس‪K‬ماعيل القاض‪K‬ي ال أعلم أح‪K‬دا ق‪K‬ال في ال‪K‬ثيب‬
‫بقول الحسن)(‪)6‬‬
‫ومنها ما روي‪ K‬عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت الن‪KK‬بي ‪ ‬ف‪KK‬ذكرت ل‪KK‬ه أن أباه‪KK‬ا زوجه‪KK‬ا كاره‪KK‬ة فخيره‪KK‬ا‬
‫مطالب أولي النهى‪.5/9:‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫اآلداب الشرعية ‪.. 447 / 1 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫سنفصل الكالم في هذه المسألة في مبحث الوالية‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫فقه السنّة ج ‪ 2‬ص ‪.129‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الموطأ ‪ ،2/535:‬المنتقى البن الجارود‪ ،1/178 :‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،7/119 :‬وغيرها‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التمهيد‪.19/319 K:‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الن‪K‬بي ‪ ،)1()‬ق‪K‬ال ابن القيم ‪(:‬وه‪K‬ذه غ‪K‬ير خنس‪K‬اء‪ ،‬فهم‪K‬ا قض‪K‬يتان قض‪K‬ى في إح‪K‬داهما بتخي‪K‬ير ال‪K‬ثيب‪،‬وقض‪K‬ى‪ K‬في‬
‫األخرى بتخيير‪ K‬البكر)(‪)2‬‬
‫ومنها النصوص المبينة عالمة اإلذن‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله ‪(:‬ال تنكح األيم حتى تستأمر وال تنكح البكر حتى تستأذن)‪ ،‬ق‪K‬الوا‪ :‬ي‪K‬ا رس‪K‬ول هللا وكي‪K‬ف إذنه‪K‬ا ق‪K‬ال ‪(:‬أن‬
‫تسكت)(‪)3‬‬
‫روي أنه قيل لرسول هللا ‪ :‬يا رسول هللا إن البكر تستحي‪ ،‬قال ‪(:‬رضاها صمتها)(‪)4‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ .3‬روي أنه قيل لرسول هللا ‪ :‬ي‪K‬ا رس‪K‬ول هللا يس‪K‬تأمر النس‪K‬اء في أبض‪K‬اعهن ق‪K‬ال‪ :‬نعم‪ ،‬قلت‪ :‬ف‪K‬إن البك‪K‬ر تس‪K‬تأمر‬
‫فتستحيي فتسكت‪ ،‬قال‪ :‬سكاتها إذنها (‪.)5‬‬
‫وقال ‪(: ‬الثيب تعرب عن نفسها‪ ،‬والبكر رضاها صمتها)(‪)6‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومع صراحة هذه األحاديث فقد اختلف الفقهاء في حق الولي في إجبار موليته على الزواج على ستة أقوال‬
‫ذكرها ابن القيم هي‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه يجبر بالبكارة‪ ،‬وهو قول الشافعي ومالك وأحمد في رواية‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه يجبر بالصغر‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأحمد في الرواية الثانية‪.‬‬
‫‪ .3‬أنه يجبر بهما معا‪ ،‬وهو الرواية الثالثة عن أحمد‪.‬‬
‫‪ .4‬أنه يجبر بأيهما وجد‪ ،‬وهو الرواية الرابعة عنه‪.‬‬
‫‪ .5‬أنه يجبر باإليالد فتجبر الثيب البالغ‪ ،‬حكاه القاضي إس‪KK‬ماعيل عن الحس‪KK‬ن‪ ،‬وه‪KK‬و خالف اإلجم‪KK‬اع كم‪KK‬ا ذكرن‪KK‬ا‬
‫سابقا‪.‬‬
‫‪ .6‬أنه يجبر من يكون في عياله‪.‬‬
‫وقد رد ابن القيم على هذه األقوال جميعا‪ ،‬فقال بعد سرده لبعض األحاديث الواردة في هذا الباب‪(:‬وم‪KK‬وجب‬
‫هذا الحكم أنه ال تجبر البكر البالغ على النك‪KK‬اح وال ت‪KK‬زوج إال برض‪KK‬اها‪ ،‬وه‪KK‬ذا ق‪KK‬ول جمه‪KK‬ور الس‪KK‬لف وم‪KK‬ذهب أبي‬
‫حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه وهو القول الذي ندين به وال نعتقد سواه وه‪KK‬و المواف‪K‬ق‪ K‬لحكم رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫وأمره ونهيه وقواعد‪ K‬شريعته أمته)(‪)7‬‬
‫ثم بين وجه ترجيحه لهذا القول بالوجوه التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬موافقته لحكمه ‪ ‬فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة كم‪K‬ا رأين‪K‬ا في ح‪K‬ديث البك‪K‬ر ال‪K‬تي ج‪K‬اءت لرس‪K‬ول هللا ‪،‬‬
‫وليس رواية الحديث مرسلة بعلة فيه(‪،)8‬فإنه قد روي مسندا ومرسال‪ ،‬ومن وصله مق‪K‬دم على من أرس‪K‬له كم‪K‬ا‬
‫هو تصرف الفقهاء في غالب األحاديث‪ ،‬ثم إنه مرسل قد عضدته اآلثار الصحيحة الصريحة والقياس وقواعد‬
‫الشرع كما سنذكره فيتعين به‪.‬‬
‫‪ .2‬موافقة هذا القول ألمره‪ ،‬ألنه قال ‪(:‬والبكر تستأذن)‪ ،‬وهو أمر مؤكد ألنه ورد الخبر الدال على تحقق المخ‪KK‬بر‬
‫به وثبوته ولزومه واألصل في أوامره أن تكون ما لم يقم إجماع على خالفه‪.‬‬
‫‪ .3‬موافقته لنهيه‪ ،‬لقوله ‪(: ‬ال تنكح البكر حتى تس‪K‬تأذن)‪ ،‬ف‪K‬أمر ونهى وحكم ب‪K‬التخيير وك‪K‬ل ذل‪K‬ك إثب‪K‬ات للحكم‬
‫‪ )(1‬أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماج‪KK‬ة وأحم‪KK‬د في مس‪KK‬نده ورواه ال‪KK‬بيهقي‪ ،‬انظ‪KK‬ر‪ :‬نص‪KK‬ب الراي‪KK‬ة‪ ،3/190:‬التحقي‪KK‬ق في أح‪KK‬اديث‬
‫الخالف‪ ،2/262 :‬الدراية‪ ،2/61 :‬البيهقي‪ ،7/117 :‬ال‪KK‬دارقطني‪ ،3/234 :‬أب‪KK‬و داود‪ ،2/232 :‬ابن ماج‪KK‬ة‪ ،1/603 :‬أحم‪KK‬د‪،1/273 :‬‬
‫أبو يعلى‪.4/404 :‬‬
‫‪ )(2‬زاد المعاد‪.5/95:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري ‪ ،5/1974:‬مسلم ‪،2/1036:‬وغيرهما‪.‬‬
‫‪ )(4‬البخاري ‪.5/1974:‬‬
‫‪ )(5‬البخاري ‪.6/2574:‬‬
‫‪ )(6‬ابن ماجة ‪.1/602:‬‬
‫‪ )(7‬زاد المعاد‪.5/96 :‬‬
‫‪ )(8‬انظر في هامش الحديث ما قيل في إرساله ووصله‪.‬‬
‫بأبلغ الطرق‪.‬‬
‫‪ .4‬موافقته لقواعد شرعه‪ ،‬ألن البكر البالغة العاقلة الرشيدة ال يتصرف أبوها في شيء من مالها إال برض‪KK‬اها وال‬
‫يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها‪ ،‬فكيف له أن يزوجه‪K‬ا بغ‪K‬ير رض‪K‬اها إلى من يري‪K‬ده ه‪K‬و‪ ،‬وهي‬
‫من أكره الناس فيه من أبغض شيء إليها ومع هذا فينكحه‪K‬ا إي‪K‬اه قه‪K‬را بغ‪K‬ير رض‪K‬اها إلى من يري‪K‬ده ويجعله‪K‬ا‬
‫عنده‪.‬‬
‫‪ .5‬موافقته لمصالح األمة‪ ،‬ألنه ال يخفى أن مصلحة البنت في تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول ضد ذل‪KK‬ك‬
‫بمن تبغضه وتنفر عنه‪ ،‬قال ابن القيم ‪(:‬فلو لم تأت السنة بهذا القول لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة ال‬
‫تقتضي غيره)‬
‫ومم‪KK‬ا يت‪KK‬ذرع ب‪KK‬ه من يق‪KK‬ول بج‪KK‬بر البك‪KK‬ر على ال‪KK‬زواج أن‪KK‬ه ‪ ‬حكم ب‪KK‬الفرق بين البك‪KK‬ر وال‪KK‬ثيب كم‪KK‬ا م‪KK‬ر في‬
‫األحاديث السابقة من جهتين‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه قال‪ :‬األيم أحق بنفسها من وليها والبكر يستأذنها‪ ،‬فجعل األيم أحق بنفسها من وليها فعلم أن ولي البكر‬
‫أحق بها من نفسها وإال لم يكن تخصيص األيم بذلك معنى‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه ‪ ‬قد فرق بينهما في صفة اإلذن فجعل إذن الثيب النطق وإذن البك‪KK‬ر الص‪KK‬مت‪ ،‬وه‪KK‬و ي‪KK‬دل على ع‪KK‬دم‬
‫اعتبار رضاها وأنها ال حق لها مع أبيها‪.‬‬
‫وقد أجاب ابن القيم على هذه الشبهة بأنه ليس في ذلك ما يدل على جواز تزويجها‪ K‬بغير رضاها مع بلوغه‪KK‬ا‬
‫وعقلها وأن يزوجها بأبغض الخلق إليها إذا كان كفئا‪.‬‬
‫أما األحاديث التي احتجوا بها فقد أجاب عنها بقوله ‪(:‬واألح‪KK‬اديث ال‪K‬تي احتججتم به‪K‬ا في إبط‪K‬ال ه‪K‬ذا الق‪KK‬ول‬
‫وليس معكم أقوى من قوله ‪(: ‬األيم أحق بنفسها من وليها)‪ ،‬وهذا يدل بطريق المفهوم‪ ،‬ومنازعوكم ينازعونكم‬
‫في كونه حجة‪ ،‬ولو سلم أنه حجة فال يجوز على المنطوق‪ K‬الصريح‪ ،‬وه‪KK‬ذا إنم‪KK‬ا ي‪KK‬دل إذا قلت إن للمفه‪KK‬وم عموم‪KK‬ا‪،‬‬
‫والصواب‪ K‬ال عموم له‪ ،‬إذ داللته ترجع أن التخصيص بالمذكور‪ K‬ال بد له من فائدة‪ ،‬وهي نفي الحكم عما عداه)(‪)1‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلكراه على الزواج وأحكامه‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على حرمة اإلكراه على الزواج وإرغام الغ‪KK‬ير علي‪KK‬ه ب‪KK‬دون رض‪KK‬اه‪ ،‬لم‪KK‬ا ي‪KK‬ترتب على ذل‪KK‬ك من‬
‫المفاسد‪ ،‬واختلفوا في أثر هذا الحكم‪ ،‬هل يصح نكاح المكره أم ال ؟ على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬يصح نكاح المكره(‪ ،)2‬وهو قول الحنفي‪KK‬ة‪ ،‬ق‪KK‬ال السرخس‪KK‬ي ‪(:‬ول‪KK‬و أك‪KK‬ره بوعي‪KK‬د قت‪KK‬ل‪ ،‬أو حبس‬
‫حتى تزوج امرأة على عشرة آالف درهم‪ ،‬ومهر مثلها ألف درهم جاز النكاح)(‪)3‬‬
‫وقد نصوا على أن الزوج إن كان كفؤا لها ثبت لها الخيار‪ ،‬لما يلحقها من الضرر‪ K‬بنقصان حقها عن صداق‪K‬‬
‫مثلها‪ ،‬والزوج متمكن من إزالة هذا الضرر بأن يلتزم لها كمال مهر مثلها‪ ،‬ف‪KK‬إن ال‪KK‬تزم ذل‪KK‬ك فالنك‪KK‬اح بينهم‪KK‬ا الزم‪،‬‬
‫وإن أبى‪ ،‬فرق بينهما‪ ،‬وال شيء لها إن لم يكن دخل بها‪ ،‬وإن كان دخل بها مكرهة‪ ،‬فلها تم‪K‬ام مه‪KK‬ر مثله‪KK‬ا النع‪K‬دام‬
‫الرضا منها بالنقصان‪ ،‬وال خيار لها بعد ذلك‪ ،‬ألن الضرر اندفع حين استحقت كمال مهر مثلها‪ ،‬ومن األدل‪KK‬ة على‬
‫ذلك‪:‬‬
‫أن الجد‪ ،‬والهزل في النكاح‪ ،‬والطالق‪ ،‬والعتاق سواء‪ ،‬فكذلك اإلكراه‪ ،‬والطواعية‪.‬‬
‫أن للمرأة مقدار مهر مثلها‪ ،‬ألن التزام المال يعتمد تمام الرضا‪ ،‬ويختل‪K‬ف بالج‪K‬د‪ ،‬واله‪K‬زل‪ ،‬فيختل‪K‬ف أيض‪K‬ا ب‪K‬اإلكراه‪،‬‬
‫والطوع‪ ،‬فال يصح من الزوج التزام المال مكرها إال أن مقدار مهر المثل يجب لصحة النكاح ال محالة‪.‬‬
‫أما إن حصل اإلك‪KK‬راه من الم‪KK‬رأة للرج‪KK‬ل فق‪KK‬د نص على ذل‪KK‬ك السرخس‪KK‬ي بقول‪KK‬ه ‪(:‬ول‪KK‬و أن الم‪KK‬رأة هي ال‪KK‬تي‬
‫أكرهت ببعض ما ذكرنا على أن تزوج نفسها منه ب‪KK‬ألف‪ ،‬ومه‪KK‬ر مثله‪KK‬ا عش‪KK‬رة آالف فزوجه‪KK‬ا أولياؤه‪KK‬ا مك‪KK‬رهين‪،‬‬

‫‪ )(1‬زاد المعاد‪.5/99:‬‬
‫‪ )(2‬هو مذهبهم في أكثر التصرفات‪ ،‬قال في تبيين‪ K‬الحق‪KK‬ائق‪ »:‬ثم جمل‪KK‬ة م‪KK‬ا يص‪KK‬ح من األحك‪KK‬ام م‪KK‬ع اإلك‪KK‬راه عش‪KK‬رة العت‪KK‬اق والطالق‬
‫والنكاح والعفو عن القصاص والرجعة واإليالء والفيء في اإليالء والظهار واليمين والن‪K‬ذر ; ألن ه‪K‬ذه تص‪K‬رفات ال يفتق‪K‬ر وقوعه‪K‬ا‬
‫إلى الرضا بدليل أنها تصح مع الهزل والخطأ‪«.‬تبيين الحقائق‪.2/195:‬‬
‫‪ )(3‬المبسوط‪ ،24/64:‬وانظر‪ :‬بدائع الصنائع‪.7/185:‬‬
‫فيه)(‪)1‬‬ ‫فالنكاح جائز‪ ،‬وال ضمان على المكره‬
‫القول الثاني‪ :‬عدم صحة زواج المك‪KK‬ره‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول الجمه‪KK‬ور‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن بط‪KK‬ال‪(:‬ذهب الجمه‪KK‬ور‪ K‬إلى بطالن‬
‫نكاح المكره)‪ ،‬قال سحنون ‪(:‬أجمع أصحابنا‪ K‬على إبطال نكاح المكره والمكرهة وقالوا ال يجوز‪ K‬المقام علي‪KK‬ه ألن‪KK‬ه‬
‫لم ينعقد)(‪ ،)2‬وفي‪ K‬المدونة ‪(:‬قلت‪ :‬أرأيت طالق المكره ومخالعته قال‪ :‬مالك‪ :‬ال يجوز طالق المكره فمخالعته مثل‬
‫ذلك عندي قلت‪ :‬وكذلك نكاح المكره وعتق المكره ال يجوز في قول مالك قال‪ :‬نعم‪ ،‬كذلك قال مالك)(‪)3‬‬
‫وقد نص على هذا غير المالكية‪ ،‬واستدلوا‪ K‬على ذلك بما سبق من النصوص في وجوب االستئذان‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو القول الثاني بناء على ما س‪KK‬بق من أدل‪KK‬ة‪ ،‬وه‪KK‬و األوف‪KK‬ق بمقاص‪KK‬د الش‪KK‬ريعة‪،‬‬
‫ونعجب هنا من أصحاب القول األول من تش‪K‬ددهم‪ K‬في الحق‪K‬وق المالي‪K‬ة للزوج‪K‬ة‪ ،‬وتس‪K‬اهلهم في ح‪K‬ق حريته‪K‬ا ال‪K‬تي‬
‫كفلها لها الشرع‪ ،‬مع أن المراد من المهر في الشرع ال يعدو‪ K‬أن يكون رمزا وهدي‪KK‬ة يتق‪KK‬رب به‪KK‬ا ال‪KK‬زوج لزوجت‪KK‬ه‪،‬‬
‫ولكنهم‪ K‬في هذا المحل وغيره كما سنرى يتعاملون معه على أساس أنه ع‪K‬وض‪ ،‬وللمس‪K‬ألة محله‪K‬ا من التفص‪K‬يل في‬
‫الفصل الخاص بأحكام المهر‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الصفات األساسية للزوجة‪:‬‬
‫إن الصفة األساسية التي رغب الشرع في مراعاتها أثناء االختيار هي ال‪KK‬دين والخل‪KK‬ق ألن األس‪KK‬رة المس‪KK‬لمة‬
‫السعيدة ترتبط بصالح كل من الرجل وزوجته في دينهما وخلقهما‪.‬‬
‫ولهذا نهى النبي ‪ ‬أن يكون القصد األول من الزواج هو مجرد الحسن أو المال وذك‪KK‬ر الع‪KK‬واقب الوخيم‪KK‬ة‬
‫لذلك فقال‪( :‬ال تتزوجوا‪ K‬النساء لحسنهن فعسى‪ K‬حسنهن أن يرديهن‪ ،‬وال تتزوجوهن ألم‪KK‬والهن فعس‪KK‬ى أم‪KK‬والهن أن‬
‫تطغيهن‪ ،‬ولكن تزوجوهن على الدين‪ ،‬فألمة خرقاء سوداء ذات دين أفضل)(‪)4‬‬
‫وعندما ذكر ‪ ‬صفات الم‪KK‬رأة ال‪KK‬تي تعتبره‪KK‬ا األع‪KK‬راف واألذواق‪ K‬ذك‪KK‬ر ال‪KK‬دين باعتب‪KK‬اره الص‪KK‬فة األساس‪KK‬ية‬
‫والدائمة ودعا إلى الظفر بها‪ ،‬فقال ‪(: ‬تنكح المرأة ألربع لمالها ولحسبها وجمالها‪ K‬ولدينها ف‪KK‬اظفر ب‪KK‬ذات ال‪KK‬دين‬
‫تربت يداك‪)5().‬‬
‫بل إنه اعتبر المرأة الصالحة بما توفره لزوجها من راحة وسعادة من خير مت‪KK‬اع ال‪KK‬دنيا فق‪KK‬ال ‪) ‬إن ال‪KK‬دنيا‬
‫كلها متاع(‪ )6‬وخير‪ K‬متاع الدنيا المرأة الصالحة)(‪)7‬‬
‫قال العلماء‪ :‬فيه إيماء إلى أنها أطيب حالل في الدنيا ألنه تعالى زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقوله‪ُ ﴿:‬زيِّنَ‬
‫ض ِة َو ْالخَ ي ِْل ْال ُم َس َّو َم ِة َواأْل َ ْن َع ِ‪K‬ام َو ْال َحرْ ِ‬
‫ث‬ ‫ب َو ْالفِ َّ‬ ‫ير ْال ُمقَ ْنطَ َر ِة ِم ْن َّ‬
‫الذهَ ِ‬ ‫ت ِم ْن النِّ َسا ِء َو ْالبَنِينَ َو ْالقَنَا ِط ِ‪K‬‬
‫اس حُبُّ ال َّشهَ َوا ِ‬ ‫لِلنَّ ِ‬
‫ُس‪K‬نُ ْال َم‪KK‬آب﴾ِ(آل عم‪KK‬ران‪ ،)14:‬وتل‪KK‬ك الس‪KK‬بعة هي مالذه‪KK‬ا وغاي‪K‬ة آم‪KK‬ال طالبه‪KK‬ا‬ ‫ع ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ِع ْن َدهُ ح ْ‬
‫ك َمتَا ُ‬‫َذلِ َ‬
‫وأعمها زينة وأعظمها شهوة النساء‪ ،‬ألنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام باألمور‪ K‬الدنيوي‪KK‬ة والديني‪KK‬ة‪،‬‬
‫وكل لذة أعانت على لذات اآلخرة فهي محبوبة مرضية هلل فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وق‪KK‬رة عين‪KK‬ه به‪KK‬ا ومن‬
‫جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإيصاله إلى لذة أكمل منها‪ ،‬وقد‪ K‬قيدها ‪ ‬بالصالحة إيذانا بأنها شر المتاع لو لم‬
‫‪ )(1‬المبسوط‪.24/64:‬‬
‫‪ )(2‬القرطبي‪.10/186:‬‬
‫‪ )(3‬المدونة‪.2/79 :‬‬
‫‪ )(4‬قال الصنعاني‪ :‬أخرجه ابن ماجه والبزار وال‪K‬بيهقي من ح‪K‬ديث عب‪K‬د هللا بن عم‪K‬رو مرفوع‪K‬ا‪ ،‬انظ‪K‬ر‪:‬س‪K‬بل الس‪K‬الم‪ ،3/111:‬س‪K‬نن‬
‫البيهقي الكبرى‪ ،7/80 :‬كشف الخفاء‪.1/381 :‬‬
‫‪ )(5‬البخاري ‪ ،5/1958:‬مسلم ‪.2/1086:‬‬
‫‪ )(6‬أصل المتاع انتفاع ممتد‪ K‬من قولهم متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق األرض لل‪KK‬زوال ومن‪KK‬ه‪ ،‬مت‪KK‬اع المس‪KK‬افر‪،‬‬
‫والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن‪ ،‬قال الزمخشري‪ :‬ش‪K‬به ال‪K‬دنيا بالمت‪K‬اع ال‪KK‬ذي ي‪K‬دلس ب‪KK‬ه على‬
‫المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين‪ K‬له فساده ورداءته »‪ ،‬وقال الحرالي‪ :‬وعبر بلفظ المت‪KK‬اع إفهام‪KK‬ا لخس‪KK‬تها لكون‪KK‬ه من أس‪KK‬ماء الجيف‪KK‬ة‬
‫التي إنما هي منال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها‪ .‬انظر‪ :‬فيض القدير‪.3/548:‬‬
‫‪ )(7‬مسلم‪ ،2/1090 :‬صحيح ابن حبان‪ ،9/340 :‬سنن النسائي الكبرى‪ ،3/271 :‬سنن ابن ماحة‪ ،1/596:‬أحمد‪.2/168 :‬‬
‫تكن صالحة(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫واعتبرها ‪ ‬بديال عن الذهب والفضة واألموال التي كان يحرص عليها الناس‪ ،‬فقد روي أنه ل َّما نَ َز َل فِي‬
‫ك‬‫‪K‬ير ِه فَ‪K‬أ َ ْد َر َ‪K‬‬‫ض‪Kَ K‬ع َعلَى بَ ِع ِ‬ ‫ال ُع َمرُ‪ :‬فَأَنَا أَ ْعلَ ُم لَ ُك ْم َذلِ‪K‬كَ فَأَوْ َ‬ ‫ال نَتَّ ِخ ُذ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ي ْال َم ِ‬ ‫ب َما نَ َز َل قَا ُل الصحابة ‪(:‬فَأ َ َّ‬ ‫ْالفِ َّ‬
‫ض ِة َوال َّذهَ ِ‬
‫‪K‬ذ أَ َح‪ُ K‬د ُك ْم قَ ْلبً‪KK‬ا َش‪K‬ا ِكرًا َولِ َس‪K‬انًا َذا ِك‪K‬رًا َو َزوْ َج‪ K‬ةً‬ ‫ال ‪(:‬لِيَتَّ ِخ‪ْ K‬‬
‫ي ْال َما ِل نَتَّ ِخ ُذ فَقَ َ‬ ‫ي ‪َ ‬وأَنَا فِي أَثَ ِر ِه فَقَال‪ َ:‬يَا َرسُو َل هَّللا ِ أَ َّ‬ ‫النَّبِ َّ‬
‫ُم ْؤ ِمنَةً تُ ِعينُ أَ َح َد ُك ْم َعلَى أَ ْم ِر اآْل ِخ َر ِة)(‪،)2‬وعل‪KK‬ل س‪KK‬ر ذل‪KK‬ك في رواي‪KK‬ة أبى داود بقول‪KK‬ه ‪(:‬أال أخ‪KK‬برك بخ‪KK‬ير م‪KK‬ا يك‪KK‬نز‬
‫المرء المرأة الصالحة‪ ،‬إذا نظر إليها سرته‪ ،‬وإذا أمرها أطاعته‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظته)(‪)3‬‬
‫وأول صفات المؤمن التي تجعله يشعر بالسعادة لثقته فيها هو عفافها‪ ،‬ولهذا لم‪KK‬ا ج‪KK‬اء رج‪KK‬ل إلى الن‪KK‬بي ‪‬‬
‫فقال إن امرأتي ال تمنع يد المس فقال ‪(:‬غربها إن شئت)قال‪ :‬إني أخاف أن تتبعها نفسي قال ‪(:‬استمتع بها)(‪)4‬‬
‫ونهى نهيا شديدا أن تزوج المرأة للفاسق الذي يرتد فسقه على الذي زوجه‪KK‬ا من‪KK‬ه فيقط‪KK‬ع رحمه‪KK‬ا فق‪KK‬ال ‪:‬‬
‫(من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)(‪)5‬‬
‫ودعا في مقابل ذلك إلى تزويجها‪ K‬لمن يرضى دينه وخلق‪KK‬ه‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(: ‬إذا خطب إليكم من ترض‪KK‬ون‪ K‬دين‪KK‬ه‬
‫وخلقه فزوجوه‪ ،‬إال تفعلوا تكن فتنة في األرض وفساد عريض)(‪)6‬‬
‫وقد تكلم الفقهاء عن الذي يختار ام‪KK‬رأة ال تص‪KK‬لي وت‪KK‬رددوا في أفض‪KK‬ليتها‪ K‬على الكتابي‪KK‬ة‪ ،‬وق‪KK‬د رجح بعض‪KK‬هم‪K‬‬
‫الكتابية لإلجماع على صحة نكاحها‪ ،‬ولبطالن نكاح تاركة الصالة لردتها عند من يرى الكفر بترك الصالة (‪.)7‬‬
‫وقد اتفق الفقهاء مع ذلك على عدم اعتبار المعاصي مهما كانت سببا لحرمة الزواج أو القول بفسخه إال في‬
‫الزنا‪ ،‬فقد اختلفوا في حكم زواج العفيف بالزانية(‪ ،)8‬أو العفيفة بالزاني على قولين ‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬إذا زنت المرأة لم يحل ـ لمن يعلم ذلك ـ زواجها‪ K‬إال بع‪KK‬د انقض‪KK‬اء ع‪KK‬دتها‪ ،‬وتوبته‪K‬ا‪ K‬من الزن‪KK‬ا‪،‬‬
‫وهو مذهب الحنابلة والظاهرية(‪ )9‬والمشهور‪ K‬من مذهب اإلمامية(‪ ،)10‬ومن أدلتهم على ذلك‪:‬‬
‫زَان َأوْ ُم ْش ‪ِ K‬ر ٌك َوحُ‪KK‬رِّ َم َذ ِل‪KK‬كَ َع َلى‬ ‫‪K‬زا ِني اَل َين ِكحُ إاَّل زَا ِن َي‪ً K‬ة َأوْ ُم ْش ‪ِ K‬ر َك ًة َو َّ‬
‫الزا ِن َي‪K‬ةُ اَل َين ِكحُ َه‪KK‬ا ِإاَّل ٍ‬ ‫‪ .1‬ق‪KK‬ول هللا تع‪KK‬الى‪ ﴿ :‬ال‪َّ K‬‬
‫ْال ُم ْؤ ِم ِنينَ ﴾ (النور‪)3 :‬‬
‫َات ِم ْن‬ ‫حْص‪K‬ن ُ‬ ‫ت َو ْال ُم َ‬ ‫َات ِم ْن ْال ُم ْؤ ِمنَ‪K‬ا ِ‬ ‫ط َعا ُم ُك ْم ِحلٌّ َله ُْم َو ْال ُم َ‬
‫حْص‪K‬ن ُ‬ ‫َاب ِحلٌّ َل ُك ْم َو َ‬ ‫ُ‬
‫ط َعا ُم الَّ ِذينَ أوتُوا ْال ِكت َ‬ ‫‪ .2‬قول هللا تعالى‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ان َف َق ْد‬ ‫حْص ِنينَ َغي َْر ُم َسا ِف ِحينَ َواَل ُمتَّ ِخ ِذي َأ ْخد ٍ‬
‫َان َو َم ْن َي ْكفُرْ ِباإْل ِ ي َم ِ‬ ‫جُوره َُّن ُم ِ‬ ‫ُ‬ ‫الَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِكت َ‬
‫َاب ِم ْن َق ْب ِل ُك ْم ِإ َذا آ َت ْيتُ ُموه َُّن أ َ‬
‫خَاس ِرينَ ﴾ (المائدة‪ .)5:‬واستدلوا باآلية من وجهين ‪:‬‬ ‫ط َع َملُهُ َوه َُو ِفي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن ْال ِ‬ ‫َح ِب َ‬
‫الوجه األول ‪ :‬أن المحصنات هن العفيفات‪ ،‬كما قال الشعبي‪ ،‬والحسن والنخعي والضحاك‪ ،‬والسدي‪،‬‬
‫ت‬ ‫ص‪َّ K‬دقَ ْ‪K‬‬‫َت فَرْ َجهَا‪ K‬فَنَفَ ْخنَ‪KK‬ا فِي‪ِ K‬ه ِم ْن رُو ِحنَ‪K‬ا‪َ K‬و َ‬ ‫صن ْ‬ ‫وهو ما يشير إليه قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َمرْ يَ َم ا ْبنَتَ ِع ْم َرانَ الَّتِي أَحْ َ‬
‫ت‬‫ت ْال َغ‪KK‬افِاَل ِ‬ ‫ص ‪K‬نَا ِ‬ ‫َت ِم ْن ْالقَانِتِينَ ﴾(التحريم‪)12:‬وقوله تعالى ‪﴿:‬إِ َّن الَّ ِذينَ يَرْ ُمونَ ْال ُمحْ َ‬ ‫ت َربِّهَا َو ُكتُبِ ِه َو َكان ْ‬ ‫بِ َكلِ َما ِ‬

‫‪ )(1‬فيض القدير‪ 3/548 :‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ )(2‬مسلم ‪.2/1090:‬‬
‫‪ )(3‬أبو داود ‪.2/126:‬‬
‫‪ )(4‬سنن أبي داود ‪ ،2/220:‬مجتبى النسائي ‪.5/169:‬‬
‫‪ )(5‬البيهقي ‪:‬شعب اإليمان‪.6/412:‬‬
‫‪ )(6‬الترمذي ‪ 3/394:‬رقم‪،1084:‬سنن سعيد بن منصور‪،1/162:‬رقم‪ ،590:‬سنن البيهقي ‪،10/245:‬رقم‪.13766:‬‬
‫‪ )(7‬تحفة المحتاج‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.189‬‬
‫‪ )(8‬الزنى شرعا هو وطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح والشبهة نكاح بمطاوعتها‪ ،‬وقيل‪ :‬هو إدخال فرج في فرج مش‪KK‬تهى‬
‫طبعا محرم شرعا‪ ،‬انظر ‪:‬القرطبي ‪.159\12‬‬
‫‪ )(9‬المحلى‪.35/ 9:‬‬
‫‪ )(10‬فقد روي عن اإلمام جعفر الصادق ‪ « :‬ال تتزوج المرأة المعلنة بالزنا وال يتزوج الرجل المعلن بالزنا إال بعد‪ K‬أن تعرف منهما‬
‫التوبة »‪ ،‬وعنه أيضا ً ‪ «:‬لو أن إنسانا ً زنى ثم تاب تزوج حيث شاء » [ الحر الع‪KK‬املي‪ :‬محم‪KK‬د بن الحس‪KK‬ن‪ /‬وس‪KK‬ائل الش‪KK‬يعة ج‪ 20‬ص‬
‫‪ 438‬حديث رقم‪].26034‬‬
‫َظي ٌم﴾(النور‪﴾)23:‬‬ ‫ت لُ ِعنُوا فِي ال ُّد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِة َولَهُ ْم َع َذابٌ ع ِ‬ ‫ْال ُم ْؤ ِمنَا ِ‬
‫الوجه الث اني‪ :‬أن المحصنات هن الحرائ‪KK‬ر على م‪KK‬ا ق‪KK‬ال ابن عب‪KK‬اس‪ ،‬ألن ع‪KK‬ادة الع‪KK‬رب أن الح‪KK‬رة‬
‫عندهم ال تعرف بالزنا‪ ،‬وإنما تعرف بالزنا اإلماء ولهذا لما بايع النبي ‪ ‬هند امرأة أبي سفيان على أن ال‬
‫تزني قالت‪ :‬أوتزني‪ K‬الحرة ؟)(‪)1‬‬
‫‪ .3‬قوله ‪(: ‬ال ينكح الزاني المجلود إال مثله)(‪ ،)2‬قال الصنعاني ‪(:‬الح‪K‬ديث دلي‪KK‬ل على أن‪K‬ه يح‪KK‬رم على الم‪K‬رأة أن‬
‫تزوج بمن ظهر زناه‪ ،‬ولعل الوصف بالمجلود بناء على األغلب في حق من ظه‪K‬ر من‪K‬ه ال‪K‬زنى‪ ،‬وك‪K‬ذلك الرج‪K‬ل‬
‫يحرم عليه أن يتزوج بالزانية التي ظهر زناها)(‪)3‬‬
‫‪ .4‬قوله ‪(: ‬ثالثة ال ينظر هللا عز وجل إليهم ي‪K‬وم القيام‪K‬ة الع‪K‬اق لوالدي‪K‬ه والم‪K‬رأة المترجل‪K‬ة وال‪K‬ديوث وثالث‪K‬ة ال‬
‫يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى)(‪ )4‬والذي يتزوج بامرأة زانية مص‪KK‬رة على‬
‫زناها ال شك في دياثته‪ ،‬والوعيد بعدم دخوله الجنة دليل على التحريم‪.‬‬
‫‪ .5‬أما بالنسبة لجواز الزواج بها بعد التوبة‪ ،‬فألنها تخرج بالتوبة عن هذه الصفة الشنيعة كما يدل عليه قولـه‬
‫ت ﴾ وجمل‪KK‬ة من الرواي‪KK‬ات‬ ‫صالِحًا فَأُوْ لَئِ‪KK‬كَ يُبَ‪ِّ K‬د ُل هَّللا ُ َس‪K‬يِّئَاتِ ِه ْم َح َس‪K‬نَا ٍ‬ ‫َاب َوآ َمنَ َو َع ِم َل َع َمالً َ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إِالَّ َم ْن ت َ‬
‫ً‬
‫المعتبرة التي يس‪KK‬تفاد منه‪KK‬ا أن الت‪KK‬ائب من ال‪KK‬ذنب كمن ال ذنب ل‪KK‬ه‪ ،‬مض‪KK‬افا‪ K‬إلى دالل‪KK‬ة جمل‪KK‬ة من الرواي‪KK‬ات‬
‫الصحيحة صريحا ً على جواز التزوج حتى بالمشهورة بالزنا في فرض التوبة ‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬كراهة الزواج من زانية أو زواج المرأة بزان‪ ،‬وهو قول جمهور الفقهاء(‪ ،)5‬وتنتفي‪ K‬الكراه‪KK‬ة‬
‫عندهم إذا أقيم عليها الحد ألن الحدود جوابر‪ ،‬أو من يتكلم فيه‪KK‬ا وليس‪KK‬ت مش‪KK‬هورة ب‪KK‬ذلك‪ ،‬واس‪KK‬تدلوا على ذل‪KK‬ك ب‪KK‬أن‬
‫الحرام ال يحرم الحالل‪ ،‬قال الشافعي‪( :‬ليست معصية واحد منهما في نفسه تحرم عليه الحالل إذا أتاه)(‪)6‬‬
‫أما ما ستدل به المخالفون من قوله تعالى ﴿ ال َّزانِي اَل يَن ِك ُح إاَّل زَ انِيَةً أَوْ ُم ْش ِر َكةً َوال َّزانِيَ ‪K‬ةُ اَل يَن ِك ُحهَ‪KK‬ا إِاَّل زَ ا ٍن‬
‫ك َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِينَ ﴾(النور‪ ﴾)3:‬فإنه ال يدل على حرمة الزواج بالزانية من وجهين ‪:‬‬ ‫ك َو ُح ِّر َم َذلِ َ‬‫أَوْ ُم ْش ِر ٌ‬
‫الوجه األول ‪ :‬أن اآلية خاصة وليست عامة‪،‬وقد اختلف فيمن خصت‪ ،‬فقيل ‪:‬نزلت في امرأة خاصة كما قال‬
‫الخطابي‪ ،‬أو أنها نزلت في رجل من المسلمين‪ ،‬فتك‪KK‬ون خاص‪KK‬ة ب‪KK‬ه قال‪KK‬ه مجاه‪KK‬د‪ ،‬أو أنه‪KK‬ا ن‪KK‬زلت في أه‪KK‬ل الص‪KK‬فة‪،‬‬
‫فتكون خاصة بهم قاله أبو صالح‬
‫ومن الروايات المنقولة في سبب نزولها‪ K:‬أنه كان رج‪K‬ل من المس‪K‬لمين يق‪K‬ال ل‪K‬ه مرث‪K‬د‪ ،‬يحم‪K‬ل األس‪K‬ارى من‬
‫مكة حتى يأتي بهم المدينة‪ ،‬وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق‪ ،‬وكانت صديقة له‪ ،‬وذك‪KK‬ر قص‪KK‬ة وفيه‪KK‬ا‪ :‬ف‪KK‬أتيت‬
‫رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬فقلت‪ :‬ي‪KK‬ا رس‪KK‬ول هللا أنكح عناق ‪K‬اً؟ فلم ي‪KK‬رد علي ش‪KK‬يئا ً ح‪KK‬تى ن‪KK‬زلت ﴿ ال ‪َّ K‬زانِي اَل يَن ِك ُح إاَّل زَ انِيَ ‪K‬ةً أَوْ‬
‫ك َعلَى ْال ُم ْؤ ِمنِين﴾َ(النور‪ ،)3 :‬فقال رسول‪ K‬هللا ‪(: ‬يا مرثد‬ ‫ُم ْش ِر َكةً َوال َّزانِيَةُ اَل يَن ِك ُحهَا إِاَّل َزا ٍن أَوْ ُم ْش ِر ٌ‪K‬‬
‫ك َو ُح ِّر َم َذلِ َ‬
‫الزاني ال ينكح إال زانية أو مشركة والزانية ال ينكحها إال زان أو مشرك وحرم ذل‪KK‬ك على المؤم‪KK‬نين‪ ،‬فال تنكحها)‬
‫(‪)7‬‬

‫‪ )(1‬مسند أبي يعلى‪ ،8/194:‬رقم‪.4754:‬‬


‫‪ )(2‬سنن أبي داود ‪،2/221:‬رقم‪ ،2052:‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )(3‬سبل السالم ‪.2/187:‬‬
‫‪ )(4‬سنن النسائي ‪،5/80:‬رقم‪.2562:‬‬
‫‪ )(5‬يقول الشافعي‪ [ :‬إن زنا الرجل ال يحرمه على المرأة العفيفة وأن زنا المرأة ال يحرمها على الرجل العفي‪KK‬ف‪ ،‬ول‪KK‬و ت‪KK‬زوج رج‪K‬ل‬
‫امرأة لم يعلم أنها زنت فعلم قبل دخولها عليه أنها زنت قبل زواجه أو بعده لم تحرم علي‪K‬ه‪ ،‬وك‪K‬ان ل‪K‬ه إن ش‪K‬اء أن يمس‪K‬ك وإن ش‪K‬اء أن‬
‫يطلق وكذلك إن كان هو الذي زنى قبل أن ينكحها أو بعدما نكحها قبل الدخول أو بعده فال خي‪KK‬ار له‪KK‬ا في فراق‪KK‬ه وهي زوجت‪KK‬ه بحاله‪KK‬ا‬
‫وال تحرم عليه سواء حد الزاني منهما أو لم يح‪KK‬د أو ق‪K‬امت علي‪K‬ه بين‪K‬ة أو اع‪K‬ترف » األم‪ ،5/13:‬وق‪K‬ال مال‪KK‬ك‪ [ :‬ليس على ال‪KK‬ولي أن‬
‫يخبر بعيب وليته وال بفاحشتها إال العيوب األربعة أو أنها ال تحل له بنسب أو رضاع أو ع‪KK‬دة‪ ،‬وال ينبغي لمن علم لوليت‪KK‬ه فاحش‪KK‬ة أن‬
‫يخبر بها إذا خطبت » انظر ‪:‬التاج واإلكليل ‪.5/150‬‬
‫‪ )(6‬األم‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.13‬‬
‫‪ )(7‬سنن الترمذي ‪،5/328:‬رقم‪،3177:‬سنن البيهقي‪،10/384:‬رقم‪.14172:‬‬
‫وفي رواية أخرى أنها نزلت في نس‪KK‬اء معلوم‪KK‬ات‪ ،‬فك‪KK‬ان الرج‪KK‬ل من فق‪KK‬راء المس‪KK‬لمين ي‪KK‬تزوج الم‪KK‬رأة منهن‬
‫لتنفق عليه‪ ،‬فنهاهم هللا عن ذلك‪ ،‬وفي‪ K‬رواية عن ابن عب‪KK‬اس‪ :‬أنه‪KK‬ا ن‪KK‬زلت في بغاي‪KK‬ا معلن‪KK‬ات كن في الجاهلي‪KK‬ة وكن‬
‫زواني‪ K‬مشركات‪ ،‬فحرم‪ K‬هللا نكاحهن على المؤمنين‪.‬‬
‫وعن شعبة مولى ابن عباس قال‪ :‬كنت مع ابن عباس فأتاه رجل فقال‪ :‬إني كنت أتبع امرأة فأصبت منها م‪KK‬ا‬
‫حرم هللا علي‪ ،‬وقد رزقني‪ K‬هللا منها توبة فأردت أن أتزوجه‪K‬ا‪ ،‬فق‪K‬ال الن‪K‬اس‪ :‬ال‪K‬زاني ال ينكح إال زاني‪K‬ة أو مش‪K‬ركة‪،‬‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬ليس هذا موضع هذه اآلية‪ ،‬إنما كن نساء بغايا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن الناس‬
‫يعرفن بذلك‪ ،‬فأنزل‪ K‬هللا هذه اآلية‪ ،‬تزوجها فما كان فيها من إثم فعلي‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أنها منسوخة بقوله تعالى‪َ ﴿:‬وأَن ِكحُوا اأْل َيَ‪KK‬ا َمى ِم ْن ُك ْم﴾(الن‪KK‬ور‪ ،)32:‬ق‪KK‬ال النح‪KK‬اس‪ :‬وه‪KK‬ذا الق‪KK‬ول‬
‫عليه أكثر العلماء‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أنها إخبار عن أمر واقع بأن الزاني ال يزني إال بزانية أو مشركة‪ ،‬وأن الزانية ال ي‪KK‬زني به‪KK‬ا‬
‫إال زان أو مشرك‪ ،‬وأنه البد في تحقق هذا الفعل الشنيع من شخصين من سنخ واحد‪ ،‬فيكون مدلولها‪ K‬مدلول المث‪KK‬ل‬
‫المعروف‪ K:‬إن الطيور‪ K‬على أمثالها تقع‪ .‬فهي غير ناظرة إلى التزوج بالمرة والمراد بالنكاح فيها إنما هو نفس فعل‬
‫الزنا‪ ،‬ومما يدل على ذلك استثناء نكاح الزاني من المشركة‪ ،‬ونكاح الزاني‪KK‬ة من المش‪KK‬رك‪ ،‬والح‪KK‬ال أن ال‪KK‬زواج في‬
‫هذين الموردين باطل بإجماع المسلمين(‪.)1‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬تأويل لفظ النكاح بحمله على الجماع‪ ،‬فعن ابن عباس في قوله‪ ﴿ :‬ال َّزانِي اَل يَن ِك ُح إاَّل زَانِيَ‪KK‬ةً ﴾‬
‫(النور‪)3:‬ق‪KK‬ال‪ :‬ليس ه‪KK‬ذا بالنك‪KK‬اح‪ ،‬ولكن الجم‪KK‬اع‪ ،‬ال ي‪KK‬زني به‪KK‬ا حين ي‪KK‬زني إال زان أو مش‪KK‬رك‪ ،‬وح‪KK‬رم‪ K‬ذل‪KK‬ك على‬
‫المؤمنين‪ ،‬يعني الزنا‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو حرمة زواج المسلم العفيف بالزانية المصرة لالعتبارات التالية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تعارض ذلك مع مقاصد الزواج‪ ،‬ألن من مقاصد الزواج تكوين أس‪KK‬رة مس‪KK‬لمة‪ ،‬ومث‪KK‬ل ه‪KK‬ذا ال‪KK‬زواج ال‬
‫ينجر عنه سوى‪ K‬تكوين أسرة منحرفة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬صراحة اآلية الدالة على حرمة ذلك‪ ،‬أما ما ذكره المخالفون من توجيه اآلية وتأويلها‪ K‬فالرد عليه كم‪KK‬ا‬
‫يلي‪:‬‬
‫على الوجه األول‪ :‬أن اآلية ـ وإن كانت خاصة بسبب نزولها ـ فإنه‪K‬ا عام‪K‬ة بحكمه‪KK‬ا‪ ،‬وإال انتفت داللته‪KK‬ا أو‬
‫انحصرت فيما ال يفيد معنى عمليا‪ ،‬وهو يتنافى‪ K‬مع الداللة العامة للقرآن الكريم‪ ،‬وعلى اعتب‪KK‬ار خصوص‪KK‬ها‪ ،‬لم‪KK‬اذا‬
‫تحرم على مرثد وأهل الصفة أو غ‪KK‬يرهم ممن قي‪KK‬ل بخصوص‪KK‬يتها بهم ثم ال تح‪KK‬رم على غ‪KK‬يرهم؟ ثم م‪KK‬ا ه‪KK‬و النص‬
‫النبوي أو الداللة القرآنية الدالة على التخصيص؟‬
‫أما على الوجه الثاني فإنه ال تعارض بين اآليتين حتى تحمل إحداهما على النسخ‪.‬‬
‫أما على الوجه الثالث‪ ،‬فهو‪ K‬محتمل‪ ،‬ومع ذلك تنتفي الداللة العملية لآلية بحصرها‪ K‬في الداللة الخبري‪KK‬ة‪ ،‬م‪KK‬ع‬
‫ض‪K‬نَاهَا‬‫أن سورة النور نفسها أنزلت لبيان األحكام الشرعية بداللة مطلعها‪ ،‬كما قال تع‪KK‬الى ‪ُ ﴿:‬س‪K‬و َرةٌ أَن َز ْلنَاهَ‪KK‬ا َوفَ َر ْ‬
‫ت لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّكرُون﴾(النور‪ ،)1:‬فالسورة نزلت لتنظيم الناحية الجنسية في المجتمع المسلم‪،‬وهو‬ ‫نز ْلنَا‪ K‬فِيهَا آيَا ٍ‬
‫ت بَيِّنَا ٍ‬ ‫َوأَ َ‬
‫يقتضي بيان األحكام المتعلقة بهذه الجوانب‪.‬‬
‫أما على الوجه الرابع فإن األصل في المصطلح الشرعي أن يبقى على إطالقه وداللته الش‪KK‬رعية ال الدالل‪KK‬ة‬
‫اللغوية التي تحيله مرنا سهال للتفلت من تكاليفه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن في المنع من تزويج الزناة والزواني من أهل العفة سد لذريع‪KK‬ة الفس‪KK‬اد في المجتم‪KK‬ع بتب‪KK‬يين كرام‪KK‬ة‬
‫أهل العفة والصالح‪.‬‬
‫هذا إن كان الزوج عفيفا‪ ،‬أما إن كان هو اآلخر زان‪ ،‬فإنه يمكنه الزواج من التي زنى بها من غير كراه‪KK‬ة‪،‬‬
‫بل قد يصبح ذلك واجبا‪ ،‬لتصدق توبته‪ ،‬وقد روي‪ K‬في ذل‪K‬ك عن اإلم‪K‬ام جعف‪K‬ر الص‪K‬ادق‪ K‬أن‪K‬ه س‪K‬ئل عن رج‪K‬ل فج‪K‬ر‪K‬‬
‫بامرأة‪ ،‬ثم بدا له أن يتزوجها؟ فقال ‪( :‬حالل‪ ،‬أوّلـه سفاح وآخره نكاح‪ ،‬أوّلـه حرام وآخ‪KK‬ره حالل)(‪ ،)2‬وفي‪ K‬رواي‪KK‬ة‬
‫‪ )(1‬الخوئي‪ :‬السيد أبو القاسم‪ /‬مباني العروة الوثقى‪ -‬النكاح ج‪ 1‬ص‪.267‬‬
‫‪ )(2‬الحر العاملي‪ :‬محمد بن الحسن‪ /‬وسائل الشيعة ج‪ 20‬ص‪.438‬‬
‫أخرى‪( :‬لو أن رجالً فجر‪ K‬بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شيء من ذلك)‬
‫وسنعرض للمسألة بتفاصيلها‪ K‬والخالف الوارد فيها في محلها من هذه السلسلة‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ الصفات الثانوية للزوجة‪:‬‬


‫ذكرت النصوص الشرعية باإلضافة إلى الصفات األصلية التي هي الدين والخلق صفات أخرى اعتبرناه‪KK‬ا‬
‫ثانوية(‪ )1‬باعتبارها في الدرجة الثانية بعد الصالح والتقوى‪ ،‬ولكنها مع ذلك قد تتوقف عليها الكثير منه‪KK‬ا المقاص‪KK‬د‬
‫الشرعية من الحياة الزوجية‪.‬‬
‫وقد رتب الفقه‪KK‬اء الص‪KK‬فات ال‪KK‬تي تخت‪KK‬ار من أجله‪KK‬ا الزوج‪KK‬ة في ح‪KK‬ال تعارض‪KK‬ها‪ K‬فق‪KK‬الوا‪(:‬ل‪KK‬و تعارض‪K‬ت‪ K‬تل‪KK‬ك‬
‫الصفات فاألوجه تقديم ذات الدين مطلقا ثم العقل وحس‪KK‬ن الخل‪KK‬ق ثم النس‪KK‬ب ثم البك‪KK‬ارة ثم ال‪KK‬والدة ثم الجم‪KK‬ال ثم م‪KK‬ا‬
‫المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده)(‪)2‬‬
‫وسنفصل الحديث عن هذه الصفات فيما يلي‪:‬‬
‫البكر‪:‬‬
‫وهي التي لم يسبق‪ K‬لها الزواج‪ ،‬وهي ص‪KK‬فة مس‪KK‬تحبة في ح‪KK‬ق من يص‪KK‬لح له‪KK‬ا خالف‪KK‬ا للش‪KK‬يخ الكب‪KK‬ير ال‪KK‬ذي ال‬
‫يستطيع‪ K‬أن يعفها‪ ،‬وقد قال ‪ ‬لجابر‪ :‬أتزوجت يا جابر ؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬نعم ق‪KK‬ال‪ :‬بك‪KK‬را أم ثيب‪KK‬ا ؟ ق‪KK‬ال‪ :‬قلت‪ :‬ب‪KK‬ل ثيب‪KK‬ا‬
‫قال‪ :‬فهال بكرا تالعبها وتالعبك ؟)(‪)3‬‬
‫وعلل النبي ‪ ‬ذلك بقوله ‪(:‬عليكم باألبكار‪ ،‬فإنهن أعذب أفواها(‪)4‬وأنقى أرحاما)(‪ ،)5‬وفي‪ K‬رواية ‪(:‬وأنتق‬
‫أرحاما(‪ )6‬وأرضى باليسير(‪)7‬‬
‫والسر في هذا الترغيب أن من مقاص‪KK‬د الش‪KK‬رع اإلعف‪KK‬اف‪ ،‬وه‪KK‬و ال يحص‪KK‬ل إال م‪KK‬ع من ي‪KK‬رغب فيه‪KK‬ا الطب‪KK‬ع‬
‫السليم‪ ،‬ومن العلل التي ذكرها الفقهاء لهذا الترغيب ‪(:‬أنها ألذ استمتاعا وأطيب نكهة وأرغب في االس‪KK‬تمتاع‪ K‬ال‪KK‬ذي‬
‫هو مقص‪K‬ود النك‪KK‬اح وأحس‪KK‬ن عش‪KK‬رة وأفك‪K‬ه محادث‪K‬ة وأجم‪K‬ل منظ‪KK‬را وألين ملمس‪K‬ا وأق‪KK‬رب إلى أن يعوده‪K‬ا‪ K‬زوجه‪K‬ا‪K‬‬
‫األخالق التي يرتضيها)(‪)8‬‬
‫ونرى في هذا التعليل ازدواج المقصود الشرعي مع الطبيعة السليمة‪ ،‬ألن الشرع لم يأت لمنازع‪KK‬ة الطبيع‪KK‬ة‬
‫وإنما إلصالحها‪K.‬‬
‫الثيب التي يحتاج إليها‪:‬‬
‫يستحب اختيار‪ K‬الثيب إذا كان له إليها حاجة كتربية أوالد أو كبر سن أو قيام على أس‪KK‬رة كم‪KK‬ا استص‪KK‬وبه ‪‬‬
‫من ج‪KK‬ابر عن‪KK‬دما ق‪KK‬ال ل‪KK‬ه ‪(:‬ه‪KK‬ل نكحت ؟ قلت‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪KK‬ال‪ :‬أبك‪KK‬را أم ثيب‪KK‬ا ؟ قلت‪ :‬ثيب‪ ،‬ق‪KK‬ال‪ :‬فهال بك‪KK‬را تالعبه‪KK‬ا‬
‫وتالعبك‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا قتل أبي يوم أحد وترك‪ K‬تسع بنات‪ ،‬فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن ولكن امرأة‬
‫تمشطهن وتقوم عليهن قال‪ :‬أصبت)(‪)9‬فقوله‪ :‬أصبت يدل على االستحباب(‪.)10‬‬
‫‪ )(1‬انظر في تفص‪KK‬يل ه‪KK‬ذه الص‪K‬فات‪ :‬الف‪K‬روع البن مفلح ‪ ،5/150:‬البح‪K‬ر الزخ‪KK‬ار ‪ ،6/6:‬فتح الق‪KK‬دير‪ ،184 K/ 3 :‬أس‪KK‬نى المط‪KK‬الب‪:‬‬
‫‪ ،3/108‬الغرر البهية‪ ،93/ 4:‬مواهب الجليل ‪ ،3/403:‬شرح مختصر خليل للخرشي‪ ،3/165:‬يلغة الس‪KK‬الك‪ ،2/341:‬ش‪KK‬رح الني‪KK‬ل‪:‬‬
‫‪.6/16‬‬
‫‪ )(2‬نهاية المحتاج‪.6/184:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪،3/1083:‬رقم‪،2805:‬مسلم‪،2/1087:‬رقم‪.715:‬‬
‫‪ )(4‬قال القاضي إضافة العذوبة إلى األفواه الحتوائها على الريق‪ ،‬وقد يقال للريق والخمر األعذبان‪ ،‬فيض القدير‪.4/336:‬‬
‫‪ )(5‬سنن ابن ماجة‪،1/598:‬رقم‪ ،1861:‬مصنف عبد الرزاق ‪،6/159:‬رقم‪،10341:‬سنن البيهقي‪10/242:‬رقم‪.13758:‬‬
‫‪ )(6‬أي أرحامهن أكثر نتقا بالولد وهو النتق ويقال امرأة منتاق أي كثيرة الولد وزند ناتق أي وار‪.‬‬
‫‪ )(7‬أرضى باليسير من االرفاق ألنها لم تتعود في سائر األزمان من معاشرة األزواج ما يدعوها إلى استقالل ما تصادفه‪.‬‬
‫‪ )(8‬طرح التثريب ‪.3/3‬‬
‫‪ )(9‬البخاري‪،3/1083:‬رقم‪،2805:‬مسلم‪،2/1087:‬رقم‪.715:‬‬
‫‪ )(10‬نهاية المحتاج‪.6/184:‬‬
‫الولود ‪:‬‬
‫يستحب أن تكون الزوجة من نساء يعرفن بكثرة الوالدة‪ ،‬ألن من مقاصد الزواج األساسية تكثير نس‪KK‬ل ه‪KK‬ذه‬
‫األمة‪ ،‬كما قال ‪(: ‬تزوجوا الودود‪ K‬الولود‪ ،‬ف‪KK‬إني مك‪KK‬اثر بكم األمم ي‪KK‬وم القيام‪KK‬ة)(‪ ،)1‬ونالح‪K‬ظ‪ K‬أن رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫جمع في هذا الحديث بين الود‪ ،‬وهو حسن الخلق الذي يثمر التربية الحس‪KK‬نة لألوالد‪ ،‬م‪KK‬ع ك‪KK‬ثرة ال‪KK‬والدة لي‪KK‬دل على‬
‫ضرورة الجمع بين كثرة األوالد والتربية الحسنة‪ ،‬فإن تعارض أحدهما م‪KK‬ع اآلخ‪KK‬ر ق‪KK‬دمت التربي‪KK‬ة‪ ،‬فتس‪KK‬تحب‪ K‬قل‪KK‬ة‬
‫األوالد إن خشي عليهم االنحراف في حال الكثرة‪ ،‬ويدل عليه أن الرسول ‪ ‬علل ذلك بمكاثرته بهم ي‪KK‬وم القيام‪KK‬ة‬
‫وهو ‪ ‬ال يكاثر‪ K‬ويباهي إال بالخيرين من أمته‪ ،‬أما الفسقة والمنحرفين فال فضل في المكاثرة بهم‪.‬‬
‫وقد كان ‪ ‬يحث أصحابه على ذلك‪،‬وينهاهم‪ K‬عن العقيم فقد جاءه رجل فقال‪ :‬إني أصبت امرأة ذات حس‪KK‬ب‬
‫ومنصب‪ ،‬إال أنها ال تلد‪ ،‬أفأتزوجها ؟ فنهاه‪ ،‬ثم أتاه الثانية‪ ،‬فنه‪KK‬اه‪ ،‬ثم أت‪KK‬اه الثالث‪KK‬ة‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬تزوج‪KK‬وا ال‪KK‬ودود الول‪KK‬ود‪،‬‬
‫فإني مكاثر‪ K‬بكم)(‪ ،)2‬وجاءه رجل آخر فقال‪ :‬يا رسول هللا إني أصبت امرأة ذات حس‪K‬ن وجم‪KK‬ال وحس‪K‬ب ومنص‪K‬ب‪K‬‬
‫ومال إال أنها ال تلد أفأتزوجها‪ K‬؟ فنهاه‪ ،‬ثم أتاه الثانية فق‪KK‬ال ل‪K‬ه مث‪K‬ل ذل‪K‬ك‪ ،‬ثم أت‪K‬اه الثالث‪KK‬ة‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(:‬تزوج‪K‬وا‪ K‬ال‪K‬ودود‪K‬‬
‫الولود‪ K‬فإني مكاثر بكم األمم)(‪)3‬‬
‫ويظهر من هذه النصوص أن النهي عن زواج العقيم ليس من باب التشريع‪ ،‬وإنما ه‪KK‬و من ب‪KK‬اب المش‪KK‬ورة‪،‬‬
‫وإال فإنه ال خالف في صحة الزواج من العقيم‪ ،‬بل ويستحب ذلك إن كانت امرأة صالحة‪ ،‬وقصد من زواجه منه‪KK‬ا‬
‫تحصينها‪ ،‬خاصة مع تشريع تعدد الزوجات‪ ،‬ألن من أغراضه ومقاصده األصلية تزويج ذوي الحاجة من النساء‪.‬‬
‫الجميلة‪:‬‬
‫ألن من مقاصد الزواج األساسية حصول العفة‪ ،‬وهي قد ال تحص‪KK‬ل إال م‪K‬ع الجميل‪K‬ة ال‪KK‬تي تس‪KK‬كن له‪K‬ا النفس‬
‫ويميل إليها الطبع ويرضاها الذوق‪ ،‬وألجل مراعاة الجمال شرع النظر قبل الزواج‪ ،‬والم‪KK‬راد بالجم‪KK‬ال (الوص‪KK‬ف‬
‫القائم بالذات المستحسن عند ذوي الطباع الس‪KK‬ليمة)(‪ ،)4‬وه‪KK‬و يختل‪KK‬ف ب‪KK‬اختالف‪ K‬األش‪KK‬خاص واألذواق‪ K‬واألع‪KK‬راف‪،‬‬
‫ولهذا شرع النظر الشخصي‪ ،‬وقد سئل الرسول ‪ :‬أي النس‪KK‬اء خ‪KK‬ير ؟ فق‪KK‬ال ‪(:‬ال‪KK‬تي تس‪KK‬ره إذا نظ‪KK‬ر‪ ،‬وتطيع‪KK‬ه إذا‬
‫أمر‪ ،‬وال تخالفه في نفسها وال في ماله بما يكره)(‪)5‬‬
‫ويعتبر ‪ ‬من أعظم الفوائد التي يستفيدها المؤمن في حياته بعد إسالمه المرأة الجميلة‪ ،‬فق‪KK‬ال ‪(: ‬خ‪KK‬ير‬
‫فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسالمه‪ ،‬امرأة جميلة‪ ،‬تسره إذا نظر إليها‪ ،‬وتطيعه إذا أمرها‪ ،‬وتحفظه في غيبته في‬
‫ماله ونفسها)(‪)6‬‬
‫وسر ذلك هو أن المقص‪KK‬ود‪ K‬من ال‪KK‬زواج زي‪KK‬ادة على الغ‪KK‬رض ال‪KK‬ديني تحقي‪KK‬ق الغ‪KK‬رض النفس‪KK‬ي المب‪KK‬اح ال‪KK‬ذي‬
‫يحصن المؤمن عن الحرام‪.‬‬
‫ولكنه مع ذل‪KK‬ك تك‪KK‬ره المبالغ‪K‬ة في طلب الجم‪K‬ال والت‪K‬دقيق في أوص‪K‬افه ألن ذات الجم‪KK‬ال الب‪KK‬ارع (تزه‪K‬و ب‪K‬ه‬
‫وتتطلع‪ K‬إليها أعين الفجرة)(‪ ،)7‬وقد‪ K‬قال اإلمام أحمد لبعض أصحابه ‪(:‬وال تغال في المليحة فإنها قل أن تسلم ل‪KK‬ك)‬
‫(‪)8‬‬
‫وخشية من رد المرأة مع تدينها استحب اإلمام أحمد أن يسأل أوال عن جمال المرأة‪ ،‬فقال‪ :‬إذا خطب الرجل‬
‫‪ )(1‬سنن أبي داود ‪،2/220:‬رقم‪ ،2050:‬صحيح ابن حبان‪،9/328:‬رقم‪ ،4028:‬مستدرك الحاكم ‪،2/176:‬رقم‪،2658:‬مسند أحم‪KK‬د‪:‬‬
‫‪،3/633‬رقم‪.12202:‬‬
‫‪ )(2‬سنن أبي داود ‪،2/220:‬رقم‪ ،2050:‬صحيح ابن حبان‪،9/328:‬رقم‪ 4028:‬وغيرهم‪.‬‬
‫‪ )(3‬انظر‪ :‬التخريج السابق‪.‬‬
‫‪ )(4‬فتاوى الرملي‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.156‬‬
‫‪ )(5‬سنن النس‪KK‬ائي ‪،6/68:‬رقم‪ ،3231‬مس‪KK‬ند أحم‪KK‬د‪،2/496:‬رقم‪ ،7372:‬س‪KK‬نن س‪KK‬عيد بن منص‪KK‬ور‪،1/141:‬رقم‪،501:‬س‪KK‬نن ال‪KK‬بيهقي‪:‬‬
‫‪.10/244‬‬
‫‪ )(6‬سنن سعيد بن منصور‪،1/141:‬رقم‪.501:‬‬
‫‪ )(7‬تحفة المحتاج‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.187‬‬
‫‪ )(8‬مغني المحتاج‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.206‬‬
‫امرأة سأل عن جمالها أوال‪ ،‬فإن حمد سأل عن دينها‪ ،‬فإن حمد ت‪KK‬زوج‪ ،‬وإن لم يحم‪KK‬د يك‪KK‬ون ردا ألج‪KK‬ل ال‪KK‬دين‪ ،‬وال‬
‫يسأل أوال عن الدين‪ ،‬فإن حمد سأل عن الجمال‪ ،‬فإن لم يحمد ردها للجمال ال للدين (‪.)1‬‬
‫وهذا ألن التدين صفة أساسية بخالف الجمال فهو صفة عرضية س‪KK‬رعان م‪KK‬ا ت‪KK‬زول‪ ،‬وي‪KK‬روي اإلمامي‪KK‬ة في‬
‫ذلك عن علي قوله ‪(:‬إذا تزوج الرجل المرأة‪ ،‬لجمالها أو لماله‪KK‬ا وك‪KK‬ل إلى ذل‪KK‬ك‪ ،‬وإذا تزوجه‪KK‬ا‪ ،‬ل‪KK‬دينها رزق‪KK‬ه هللا‬
‫المال والجمال)(‪)2‬‬
‫واستحباب هذه الصفة خاص بمن يخاف عدم التحصن بغيرها‪ ،‬فالجمال ليس مطلوبا‪ K‬لذاته‪ ،‬أما من تحص‪KK‬نه‬
‫أي امرأة فال حرج عليه أن يتزوج الدميمة‪ ،‬بل هو إلى الزهد أقرب‪ ،‬كما قال الغزالي ‪(:‬أما من أراد من الزوج‪KK‬ة‬
‫مجرد السنة أو الولد أو تدبـير الم‪K‬نزل‪ ،‬فل‪K‬و رغب عن الجم‪K‬ال فه‪K‬و إلى الزه‪K‬د أق‪K‬رب ألن‪K‬ه على الجمل‪K‬ة ب‪K‬اب من‬
‫الدنيا‪ ،‬وإن كان قد يعين على الدين في حق بعض األشخاص)(‪)3‬‬
‫ومن األخبار التي ذكرها عن السلف في ذل‪KK‬ك ق‪KK‬ول أبي س‪KK‬ليمان ال‪KK‬داراني ‪(:‬الزه‪KK‬د في ك‪KK‬ل ش‪KK‬يء ح‪KK‬تى في‬
‫المرأة‪ ،‬يتزوج الرجل العجوز إيثاراً للزهد في الدنيا)وقد‪ K‬كان مالك بن دينار يقول ‪(:‬يترك أحدكم أن يتزوج‪ K‬يتيم‪KK‬ة‬
‫فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترض‪KK‬ى باليس‪KK‬ير‪ ،‬وي‪K‬تز ّوج‪ K‬بنت فالن وفالن يع‪K‬ني أبن‪KK‬اء ال‪K‬دنيا‬
‫فتشتهي‪ K‬عليه الشهوات وتقول‪ :‬اكسني كذا وكذا)واختار أحمد ابن حنبل عوراء على أختها وك‪K‬انت جميل‪KK‬ة‪ ،‬فس‪KK‬أل‪:‬‬
‫من أعقلهما؟ فقيل‪ :‬العوراء‪ ،‬فقال‪ :‬زوّجوني‪ K‬إياها‪.‬‬
‫وعقب على هذه اآلث‪KK‬ار بقول‪KK‬ه ‪(:‬فه‪KK‬ذا دأب من لم يقص‪KK‬د التمت‪KK‬ع‪ ،‬فأم‪KK‬ا من ال ي‪KK‬أمن على دين‪KK‬ه م‪KK‬ا لم يكن ل‪KK‬ه‬
‫مستمتع فليطلب الجمال‪ ،‬فالتلذذ‪ K‬بالمباح حصن للدين)(‪)4‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إذا كانت المرأة حسناء خيرة األخالق سوداء الحدق‪KK‬ة والش‪KK‬عر‪ K‬كبـيرة العين بـيضاء الل‪KK‬ون محب‪KK‬ة‬
‫لزوجها‪ K‬قاصرة الطرف عليه فهي على صورة الحور العين‪ ،‬فإن هللا تعالى وصف نساء أه‪KK‬ل الجن‪KK‬ة به‪KK‬ذه الص‪KK‬فة‬
‫اص‪َ K‬ر ُ‪K‬‬
‫ات‬ ‫ان﴾(الرحمن‪)70:‬أراد بالخيرات حسنات األخالق‪ ،‬وفيه قوله تع‪KK‬الى‪ ﴿:‬فِي ِه َّن قَ ِ‬ ‫ات ِح َس ٌ‬ ‫في قوله‪﴿ :‬فِي ِه َّن خَ ْي َر ٌ‬
‫ان﴾(الرحمن‪)56:‬‬ ‫ف لَ ْم يَ ْ‬
‫ط ِم ْثه َُّن إِ ْنسٌ قَ ْبلَهُ ْم َواَل َج ٌّ‬ ‫الطَّرْ ِ‪K‬‬
‫ويذكر الكثير من الفقه‪KK‬اء ص‪KK‬فات الجميل‪K‬ة‪،‬ومنه‪K‬ا‪ K‬مثال ‪(:‬أن ال تك‪KK‬ون ش‪KK‬قراء)‪ ،‬ثم يفس‪K‬رون الش‪K‬قراء بأنه‪K‬ا‬
‫(بياض ناصع يخالطه نقط في الوجه لونها غير لونه)(‪ )5‬ويؤكد ذلك آخر ويبرهن عليه بـ (أمر الشافعي الربيع أن‬
‫يرد الغالم األشقر الذي اشتراه له‪ ،‬وقال ما لقيت من أشقر خيرا قط‪ ،‬وقصته مع األشقر الذي أضافه في عوده من‬
‫اليمن مشهورة)(‪ ،)6‬وهو مما نرى لزوم تنزيه كتب الفقه عن مثله العتبارين‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الجمال أمر ذوقي يختلف باختالف الناس وطبائعهم‪.‬‬
‫‪ .2‬خشية االعتقاد أن هذا من أحكام الشريعة‪ ،‬وهو مما يسيء إليها‪ ،‬بل الشريعة على مخالفة ذل‪K‬ك فاهلل تع‪K‬الى ال ينظ‪K‬ر‬
‫إلى صورنا وأجسامنا وإنما ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا‪.‬‬
‫العاقلة ‪:‬‬
‫والفرق بين العقل والدين أن العقل هو حسن التصرف‪ ،‬وتقابله الحماقة والبالهة‪ ،‬بخالف الدين ال‪KK‬ذي يقاب‪KK‬ه‬
‫الفجور والفسق‪ ،‬والعقل مما تقتضيه الحياة الزوجية‪ ،‬وقد‪ K‬قال في ذلك الفقهاء ‪(:‬ويجتنب الحمقاء‪ ،‬ألن النكاح ي‪KK‬راد‬
‫للعشرة‪ ،‬وال تصلح العشرة مع الحمقاء وال يطيب العيش معها‪ ،‬وربم‪K‬ا‪ K‬تع‪KK‬دى ذل‪KK‬ك إلى ول‪KK‬دها‪ .‬وق‪K‬د‪ K‬قي‪KK‬ل‪ :‬اجتنب‪KK‬وا‬
‫الحمقاء‪ ،‬فإن ول‪K‬دها ض‪K‬ياع‪ ،‬وص‪K‬حبتها‪ K‬بالء)(‪ ،)7‬وله‪K‬ذا يس‪K‬تحب أن تك‪K‬ون س‪K‬نها تتناس‪K‬ب م‪K‬ع ق‪K‬درتها على القي‪K‬ام‬
‫بمقتضيات الزواج‪.‬‬
‫مطالب أولي النهى‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.9‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫الروضة البهية‪ ،‬ج‪.5‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫اإلحياء‪.2/39:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلحياء‪.2/39:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫نهاية المحتاج‪ ،‬ج‪،6‬ص‪.185‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مغني المحتاج‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.207‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫انظر‪ :‬كشاف القناع‪ ،5/9 :‬المغني‪.7/83 :‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫الراضية ‪:‬‬
‫وهي المرأة القانعة بالقليل‪ ،‬الراضية بما يأتيها من زوجه‪K‬ا‪ ،‬وه‪K‬ذه الص‪K‬فة غالب‪K‬ا م‪K‬ا تك‪K‬ون طبع‪K‬ا ال تطبع‪K‬ا‪،‬‬
‫فلذلك ورد في الرواية أن إبراهيم ‪ ‬أمر ابنه إسماعيل ‪ ‬بطالق زوجته غير الراضية بمعيش‪KK‬ته‪ ،‬وورد‪ K‬فيه‪KK‬ا‬
‫أن إسماعيل ‪ ‬لبى رغبة أبيه وتزوج‪ K‬من المرأة الثانية القانعة بمعيشة زوجها‪.‬‬
‫فقد ورد في حديث إسماعيل ‪ ‬الطويل وقصته بعد عودة أبيه ‪(:‬وشب الغالم وتعلم العربية منهم وأنفسهم‪K‬‬
‫وأعجبهم حين شب‪ ،‬فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل‪ ،‬فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يط‪KK‬الع‬
‫تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه‪،‬فقالت‪ :‬خرج يبتغي لنا‪ ،‬ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم‪ ،‬فقالت‪ :‬نحن بش‪KK‬ر‬
‫نحن في ضيق وشدة‪،‬فشكت إليه قال‪ :‬فإذا جاء زوجك‪ K‬فاقرئي‪ K‬عليه السالم وق‪K‬ولي ل‪K‬ه يغ‪KK‬ير عتب‪K‬ة باب‪KK‬ه‪ ،‬فلم‪K‬ا ج‪K‬اء‬
‫إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال‪ :‬هل جاءكم من أحد قالت‪ :‬نعم جاءنا ش‪KK‬يخ ك‪KK‬ذا وك‪KK‬ذا فس‪KK‬ألنا‪ K‬عن‪KK‬ك فأخبرت‪KK‬ه وس‪KK‬ألني‬
‫كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال‪ :‬فهل أوصاك‪ K‬بشيء قالت‪ :‬نعم أمرني‪ K‬أن أقرأ عليك السالم ويقول غير‬
‫عتبة بابك قال‪ :‬ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها)‬
‫ثم ذكر زواجه من امرأة أخرى‪ ،‬والفرق بينها وبين المرأة األولى فقال ‪(:‬فلبث عنهم إبراهيم ما شاء هللا‪ ،‬ثم‬
‫أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها‪ K‬عنه فقالت‪ :‬خرج يبتغي لنا قال‪ :‬كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم‬
‫فقالت‪ :‬نحن بخير وسعة وأثنت على هللا فقال‪ :‬ما طع‪K‬امكم‪ K‬ق‪K‬الت‪ :‬اللحم ق‪KK‬ال‪ :‬فم‪KK‬ا ش‪K‬رابكم‪ K‬ق‪K‬الت‪ :‬الم‪KK‬اء ق‪KK‬ال‪ :‬اللهم‬
‫بارك لهم في اللحم والماء‪ ،‬قال النبي ‪ :‬ولم يكن لهم يومئذ حب‪ ،‬ولو ك‪KK‬ان لهم دع‪KK‬ا لهم في‪KK‬ه ق‪KK‬ال‪ :‬فهم‪KK‬ا ال يخل‪KK‬و‬
‫عليهما أحد بغير مكة إال لم يوافقاه قال‪ :‬فإذا جاء زوج‪KK‬ك ف‪KK‬اقرئي‪ K‬علي‪K‬ه الس‪KK‬الم ومري‪K‬ه يثبت عتب‪K‬ة باب‪KK‬ه فلم‪K‬ا ج‪K‬اء‬
‫إسماعيل قال‪ :‬هل أتاكم من أحد قالت‪ :‬نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرت‪KK‬ه فس‪KK‬ألني‪ K‬كي‪KK‬ف‬
‫عيشنا فأخبرته أنا بخير قال‪ :‬فأوصاك‪ K‬بشيء قالت‪ :‬نعم هو يقرأ عليك الس‪KK‬الم وي‪KK‬أمرك أن تثبت عتب‪KK‬ة باب‪KK‬ك ق‪KK‬ال‪:‬‬
‫ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك)(‪)1‬‬
‫وهذا الرضى هو الذي جعله‪KK‬ا تحس‪KK‬ن لقي‪KK‬ا إب‪KK‬راهيم ‪ ‬ومخاطبت‪KK‬ه‪ ،‬ففي رواي‪KK‬ة‪ :‬فق‪KK‬الت‪ :‬ان‪KK‬زل رحم‪KK‬ك هللا‬
‫فاطعم‪ K‬واشرب قال‪ :‬إني ال أستطيع النزول قالت‪ :‬فإني أراك أشعث أفال أغسل رأسك وأدهنه؟ ق‪KK‬ال‪ :‬بلى إن ش‪KK‬ئت‬
‫فجاءته بالمقام وهو يومئذ‪ K‬أبيض مثل المهاة‪ ،‬وكان في بيت إسماعيل ملقى فوض‪K‬ع‪ K‬قدم‪KK‬ه اليم‪KK‬ني وق‪KK‬دم‪ K‬إليه‪KK‬ا ش‪KK‬ق‬
‫رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه األيمن‪ ،‬فلما فرغ حولت له المقام ح‪KK‬تى وض‪KK‬ع قدم‪KK‬ه اليس‪KK‬رى وق‪KK‬دم‪ K‬إليه‪KK‬ا‬
‫برأسه‪ ،‬فغسلت شق رأسه األيسر‪ ،‬فاألثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب واإلصبع‪.)2(K‬‬
‫وألجل مراعاة هذه الصفة الخطيرة ورد التخيير القرآني لنساء النبي ‪ ‬كما قال تعالى‪ ﴿:‬يَ‪KK‬ا أَيُّهَ‪KK‬ا النَّبِ ُّي قُ‪KK‬لْ‬
‫ك إِ ْن ُك ْنتُ َّن تُ ِر ْدنَ ْال َحيَاةَ ال ُّد ْنيَا َو ِزينَتَهَا فَتَ َعالَ ْينَ أُ َمتِّ ْع ُك َّن َوأُ َسرِّحْ ُك َّن َس َرا ًحا‪َ K‬ج ِمياًل ﴾(األحزاب‪ ،)28:‬يقول س‪KK‬يد‬
‫أِل َ ْز َوا ِج َ‪K‬‬
‫قطب تعليق‪KK‬ا على ه‪KK‬ذه اآلي‪KK‬ة ‪(:‬لكن نس‪KK‬اء الن‪KK‬بي ‪ ‬كن نس‪KK‬اء‪ ،‬من البش‪KK‬ر‪ ،‬لهن مش‪KK‬اعر البش‪KK‬ر وعلى فض‪KK‬لهن‬
‫وكرامتهن وقربهن من ينابيع النبوة الكريمة‪ ،‬فإن الرغبة الطبيعية في متاع الحياة ظلت حية في نفوس‪K‬هن‪ .‬فلم‪K‬ا أن‬
‫رأين السعة والرخاء بعدما أفاض هللا على رسوله وعلى المؤم‪KK‬نين راجعن الن‪KK‬بي ‪ ‬في أم‪KK‬ر النفق‪KK‬ة‪ .‬فلم يس‪KK‬تقبل‬
‫هذه المراجعة ب‪KK‬الترحيب‪ ،‬إنم‪KK‬ا اس‪KK‬تقبلها باألس‪K‬ى‪ K‬وع‪KK‬دم الرض‪K‬ى‪ K‬؛ إذ ك‪KK‬انت نفس‪KK‬ه ‪ ‬ت‪KK‬رغب في أن تعيش فيم‪KK‬ا‬
‫اختاره لها من طالقة وارتفاع ورضى ؛ متجردة من االنشغال بمثل ذلك األم‪KK‬ر واالحتف‪KK‬ال ب‪KK‬ه أدنى احتف‪KK‬ال ؛ وأن‬
‫تظل حياته وحياة من يلوذون به على ذل‪K‬ك األف‪K‬ق الس‪K‬امي الوض‪K‬يء الم‪K‬برأ من ك‪K‬ل ظ‪K‬ل له‪K‬ذه ال‪K‬دنيا وأوش‪K‬ابها‪ K‬ال‬
‫بوصفه حالال وحراما‪ - K‬فقد تبين الحالل والحرام ‪ -‬ولكن من ناحية التح‪KK‬رر واالنطالق والفك‪KK‬اك من هوات‪KK‬ف ه‪KK‬ذه‬
‫األرض الرخيصة)(‪)3‬‬
‫ويعلق عليها العالمة ناصر مكارم‪ K‬الشيرازي مبينا بعض أبعادها العملية بقوله‪( :‬لق‪KK‬د جمعت ه‪KK‬ذه اآلي‪K‬ة ك‪ّ K‬ل‬
‫اُسس اإليمان وسلوكيات‪ K‬المؤمن‪ ،‬فمن جهة عنص‪KK‬ر اإليم‪KK‬ان واإلعتق‪KK‬اد باهلل والرّس‪KK‬ول والي‪KK‬وم‪ K‬اآلخ‪KK‬ر‪ ،‬ومن جه‪KK‬ة‬
‫‪K‬إن إظه‪KK‬ار عش‪KK‬ق هللا‬ ‫‪K‬ف المحس‪KK‬نين والمحس‪KK‬نات‪ ،‬وبن‪KK‬ا ًء على ه‪KK‬ذا ف‪ّ K‬‬ ‫اُخرى البرنامج العملي وكون اإلنسان في ص‪ّ K‬‬

‫البخاري‪ ،3/1229 :‬مصنف عبد الرزاق‪.5/109 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫انظر‪ :‬فتح الباري‪.6/405 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫في ظالل القرآن‪.5/2854:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫وحبّه‪ ،‬والتعلّق‪ K‬بالنّبي واليوم اآلخر ال يكفي لوحده‪ ،‬بل يجب أن تنسجم البرامج العملي‪KK‬ة م‪KK‬ع ه‪KK‬ذا الحبّ والعش‪KK‬ق‪K..‬‬
‫يكن ق‪KK‬دوة واُس‪KK‬وة للمؤمن‪KK‬ات على ال‪KK‬دوام‪ ،‬ف‪KK‬إن ّ‬
‫هن‬ ‫وواجبهن في أن ّ‬
‫ّ‬ ‫وبهذا فقد بيّن هللا سبحانه تكلي‪KK‬ف نس‪KK‬اء النّ‪KK‬بي‬
‫تحلين بالزهد وعدم اإلهتمام بزخارف‪ K‬الدنيا وزينتها‪ ،‬وإهتممن باإليمان والعمل الص‪KK‬الح وتس‪KK‬امي‪ K‬ال‪KK‬روح‪ ،‬ف‪KK‬إنّهن‬
‫أن المخ‪K‬اطب في ه‪K‬ذه اآلي‪K‬ة ه‪K‬و‬ ‫فعليهن مفارقته والبون من‪K‬ه‪ ..‬وم‪K‬ع ّ‬
‫ّ‬ ‫يبقين أزواجا ً للنبي ويستحقّ ّن هذا الفخر‪ ،‬وإالّ‬
‫وخاص‪K‬ة من ك‪K‬ان في مق‪K‬ام قي‪K‬ادة الن‪K‬اس وإم‪K‬امتهم‬‫ّ‬ ‫أن محتوى اآليات ونتيجته‪K‬ا تش‪K‬مل الجمي‪K‬ع‪،‬‬ ‫نساء النّبي ‪ ‬إالّ ّ‬
‫فإن هؤالء على مفترق الطرق دائماً‪ ،‬فإ ّما أن يستغلّوا المنصب الظاهري للوصول‪ K‬إلى الحي‪KK‬اة المادي‪KK‬ة‬ ‫واُسوة لهم‪ّ ،‬‬
‫المرفّهة‪ ،‬أو البقاء على حرمانهم‪ K‬لنوال رضى هللا سبحانه وهداية خلقه)(‪)1‬‬
‫الحسيبة‪:‬‬
‫والمراد به الحسب الديني الذي هو الدين والخلق ال الحسب الدنيوي من الم‪KK‬ال والج‪KK‬اه الع‪KK‬اري‪ K‬عن الت‪KK‬دين‪،‬‬
‫وتحقيقها بالنظر إلى أهلها في هذه النواحي وكان يقال‪(:‬إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر‪ K‬إلى أبيها وأخيها)(‪)2‬‬
‫وقد علل ذلك ‪ ‬بقوله ‪(:‬إياكم وخضر‪ K‬الدمن‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول هللا وما خضر الدمن ؟ قال‪ :‬المرأة الحسناء‬
‫في المنبت السوء)(‪ ،)3‬ودعا إلى الزواج من األكفاء بقوله ‪(:‬تخيروا‪ K‬لنطفكم‪ ،‬وانكحوا‪ K‬األكفاء‪ ،‬وأنكحوا‪ K‬إليهم)(‪)4‬‬
‫األجنبية ‪:‬‬
‫والمراد بها غير القرابة القريبة لتأثير ذل‪KK‬ك على ص‪KK‬حة األوالد خاص‪KK‬ة في الع‪KK‬ائالت ال‪KK‬تي تحم‪KK‬ل أمراض‪KK‬ا‬
‫وراثية خطيرة(‪ ،)5‬وقد‪ K‬أشكلت كراهة هذا بتزوج علي بفاطمة بنت رسول هللا ‪ ،‬وأجاب الشمس البرم‪KK‬اوي كم‪KK‬ا‬
‫نقل عنه السبكي (بأنها ليست قرابة قريبة إذ هي التي أول درجات الحل كبنت العم والعمة والخال والخالة بخالف‬
‫‪ )(1‬تفسير األمثل ‪ -‬مكارم الشيرزي‪.229 /13 :‬‬
‫‪ )(2‬انظر‪ :‬حاشية الجمل ‪.4/118:‬‬
‫‪ )(3‬رواه الواقدي من رواية أبي سعيد الخدري وهو معدود من أفراده وقد علم ضعفه‪،‬انظر ‪:‬خالصة البدر المنير‪.2/179:‬‬
‫‪ )(4‬س‪KK‬نن ابن ماج‪KK‬ة‪ 1/632:‬رقم‪ ،1968:‬مس‪KK‬تدرك الح‪K‬اكم‪،2/176:‬رقم‪،2687:‬س‪KK‬نن ال‪KK‬بيهقي‪،10/342:‬رقم‪ ،14060:‬س‪KK‬نن ال‪KK‬دار‬
‫قطني‪،3/299:‬رقم‪.198:‬‬
‫‪ )(5‬ال بأس أن نسوق هنا ما قاله بعض األطباء حول دور زواج األقارب‪ ،‬فقد ورد في بعض المواقع تحت عنوان « زواج االقارب‬
‫فى قفص االتهام »‪:‬‬
‫س‪ :‬يقال إن أغلب األمراض التي تنشأ هي نتيجة الزواج من األقارب فقط‪ ،‬فه‪KK‬ل ه‪KK‬ذا ص‪KK‬حيح؟ وإن ك‪KK‬ان ص‪KK‬حيحا فه‪KK‬ل يمكن قص‪KK‬ر‬
‫الفحص على األزواج من األقارب؟‬
‫ج ‪ -‬يلعب زواج االقارب دورا كبيرا في اإلصابة باألمراض الوراثية الناتجة عن الوراثة المتنحية كفقر ال‪KK‬دم المنجلي وأنيمي‪KK‬ا البح‪K‬ر‬
‫المتوسط‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن عدم الزواج من أحدى األقارب يضمن أن تك‪KK‬ون الذري‪KK‬ة س‪KK‬ليمة من أي م‪KK‬رض وراثي وال ح‪KK‬تى من‬
‫األمراض الوراثية المتنحية‪.‬و لذلك من المهم القيام بتحاليل لكشف إذا ما كان الشخص حامل للمرض بغض النظر عن ص‪KK‬لة القراب‪KK‬ة‬
‫بين الخطيبين‪.‬لذلك ففحوصات ما قبل الزواج هي مهمة لألقارب وغير األقارب‪ .‬وتكون أكثر أهمية لألقارب اذا كان هناك أم‪KK‬راض‬
‫وراثية‪.‬‬
‫س‪ :‬هل زواج األقارب بعد التأكد من إن الخطيبين ال يحمالن أي مرض ممكن؟‬
‫ج‪ -‬إن احتمال اإلصابة باألمراض الخلقية عند المتزوجين من أقاربهم أعلى مقارنة بالمتزوجين من غير أقاربهم‪ .‬وت‪KK‬زداد نس‪KK‬بة ه‪KK‬ذا‬
‫األمراض كلما زادت درجة القرابة‪ .‬فوراثيا ً لدى كل إنسان بغض النظر عن عمره أو حالته الصحية حوالي ‪10-65‬جينات معطوب‪KK‬ة‬
‫(بها طفرة)‪ .‬وهذه الجينات المعطوبة ال تسبب مرض لمن يحملها الن اإلنسان دائما لدية نسخة أخرى سليمة من الجين‪ .‬وعن‪KK‬د زواج‬
‫طرفين لديهما نفس الجين المعطوب فان أطفالهم قد يحصلون على جرعة مزدوجة من هذا الجين المعطوب(أي أن األب يعطي جين‬
‫معطوب واألم أيضا تعطي نفس الجين المعطوب) وهنا تحدث مشكلة صحية على حسب نوع الجين المعط‪KK‬وب‪ .‬وفي الع‪KK‬ادة تختل‪KK‬ف‬
‫أنواع الجينات المعطوبة بين شخص وأخر ويندر أن يلتقي شخصان لديهما نفس الجين المعطوب‪.‬ولكن نوع الجينات المعطوبة عادة‬
‫تتشابه في األقارب‪.‬فهناك احتمال كبير أن يكون أبناء العم والعمة والخال والخالة لديهم نفس الجينات المعطوب‪KK‬ة‪،‬و ل‪KK‬و ت‪KK‬زوج اح‪KK‬دهم‬
‫من األخر فهناك خطر على ذريته‪.‬‬
‫)(‪)1‬‬ ‫التي في ثاني درجاته فإنها بعيدة كفاطمة رضي هللا تعالى عنها فإنها بنت ابن عم علي‬
‫ومن العلل التي ذكرها الفقهاء لكراهة الزواج بالقريبة‪ ،‬وهو مما يتعل‪KK‬ق بمقاص‪KK‬د ال‪KK‬زواج (اتص‪KK‬ال القبائ‪KK‬ل‬
‫ألجل التعاضد والمعاونة واجتماع الكلمة)(‪)2‬‬
‫ومن العلل التي ذكروها ‪(:‬أنه ال تؤمن العداوة في النكاح‪ ،‬وإفضاؤه إلى الطالق‪ ،‬فإذا كان في قرابته أفضى‬
‫إلى قطيعة الرحم المأمور‪ K‬بصلتها)(‪)3‬‬
‫ومن العلل التي ذكرها الغزالي (تأثيره في تضعيف الشهوة‪ ،‬فإن الشهوة إنما تنبعث بقوة اإلحس‪KK‬اس ب‪KK‬النظر‬
‫واللمس وإنما يقوى اإلحساس باألمر الغريب الجديد‪ ،‬فأما المعهود الذي دام النظ‪KK‬ر إلي‪KK‬ه م‪ّ K‬دة فإن‪KK‬ه يض‪KK‬عف الحس‬
‫عن تمام إدراكه والتأثر به وال تنبعث به الشهوة)(‪)4‬‬
‫أما الحديث الذي يرى في هذا وهو (ال تنكحوا القرابة القريب‪K‬ة‪ ،‬ف‪K‬إن الول‪K‬د يخل‪K‬ق ض‪K‬اويا)فق‪K‬د‪ K‬ق‪K‬ال في‪K‬ه ابن‬
‫الصالح ‪(:‬ولم أجد لهذا الحديث أصال معتمدا)‪ ،‬ومن ثم عقب عليه السبكي بقوله ‪(:‬فينبغي أن ال يثبت ه‪KK‬ذا الحكم‬
‫لعدم الدليل‪ .‬وقد‪ K‬زوج النبي ‪ ‬عليا بفاطمة رضي‪ K‬هللا تعالى عنهما‪ ،‬وهي قرابة قريبة)(‪)5‬‬
‫ولكنه مع ذلك نرى ثبوت كراه‪KK‬ة القراب‪KK‬ة القريب‪KK‬ة خاص‪KK‬ة إذا انض‪KK‬م إليه‪KK‬ا المخ‪KK‬اطر‪ K‬الص‪KK‬حية ال‪KK‬تي تص‪KK‬يب‬
‫األوالد نتيجة لها‪.‬‬
‫خفيفة المهر ‪:‬‬
‫الرتباط ذلك ببركتها‪ ،‬وقد قال ‪(: ‬أعظم النساء برك‪KK‬ة أيس‪KK‬رهن ص‪KK‬داقا)(‪ ،)6‬وق‪KK‬د ت‪KK‬زوج رس‪KK‬ول هللا ‪‬‬
‫بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بـيت وكان رحى يد وجرّة ووسادة من أدم حش‪KK‬وها لي‪K‬ف‪ ،‬وأولم على بعض‬
‫نسائه بمدين من شعير وعلى أخرى بم ّدين من تمر وم ّدين من سويق‪K.‬‬
‫وكما تكره المغاالة في المهر من جهة المرأة يكره الس‪KK‬ؤال عن ماله‪KK‬ا من جه‪KK‬ة الرج‪KK‬ل‪ ،‬وال ينبغي أن ينكح‬
‫طمعا ً في المال‪ ،‬قال الثوري‪ :‬إذا تزوج وقال‪ :‬أي شيء للمرأة؟ فاعلم أنه لص‪.‬‬
‫أن تكون محبوبة له‪:‬‬
‫فيستحب أن يقدم في االختيار التي هواها أو مال إليها قلبه إذا كانت صالحة على غيرها‪ ،‬قال ابن الجوزي‪:‬‬
‫ومن ابتلي بالهوى‪ ،‬فأراد‪ K‬التزوج‪ :‬فليجتهد‪ K‬في نكاح ال‪K‬تي ابتلي به‪K‬ا إن ص‪KK‬ح ذل‪K‬ك وج‪K‬از وإال فليتخ‪KK‬ير م‪KK‬ا يظن‪KK‬ه‬
‫مثلها)(‪)7‬‬
‫ونحب أن نفصل هنا في ه‪KK‬ذه المس‪KK‬ألة لش‪KK‬دة الحاج‪KK‬ة إليه‪KK‬ا‪ ،‬فكث‪KK‬ير من الن‪KK‬اس يس‪KK‬ألون عن الحب‪ ،‬وحكم‪KK‬ه‪،‬‬
‫ويمكن تقسيم الحب المتعلق بهذه الناحية‪ ،‬وبحسب حكمه الشرعي إلى ثالثة أقسام‪K:‬‬
‫الحب المستحب‪ :‬وهو حب الرجل لزوجته(‪ ،)8‬وهو قربة وطاعة ألنه أدعي إلى المقاصد التي شرع هللا لها‬
‫النكاح وأكف للبصر والقلب عن التطلع إلى غير أهله‪ ،‬ولهذا يحمد هذا المحب عند هللا وعند الن‪KK‬اس‪ ،‬ويعت‪KK‬بر ذل‪KK‬ك‬
‫من عالمة كمال المؤمن‪.‬‬
‫ق لَ ُك ْم ِم ْن أَنفُ ِس‪ُ K‬ك ْم أَ ْز َوا ًج‪KK‬ا‬
‫ومن األدلة على ذلك أن هللا تعالى من به‪KK‬ا على عب‪KK‬اده فق‪KK‬ال‪َ ﴿ :‬و ِم ْن آيَاتِ‪ِ K‬ه أَ ْن َخلَ‪َ K‬‬
‫ت لِقَ‪KK‬وْ ٍم يَتَفَ َّكرُون﴾(ال‪KK‬روم‪)21:‬اآلي‪KK‬ة‪ ،‬فجع‪KK‬ل الم‪KK‬رأة س‪KK‬كنا‬ ‫ك آَل يَ‪KK‬ا ٍ‬ ‫لِتَ ْس ُكنُوا‪ K‬إِلَ ْيهَا َو َج َع َل بَ ْينَ ُك ْم َم َو َّدةً َو َرحْ َمةً إِ َّن فِي َذلِ َ‬
‫للرجل يسكن إليه قلبه‪ ،‬وجعل بينهما خالص الحب وهو المودة المقترنة بالرحمة‪ ،‬وق‪KK‬د ق‪KK‬ال تع‪KK‬الى عقب ذك‪KK‬ره م‪KK‬ا‬
‫‪K‬وب َعلَ ْي ُك ْم َوهَّللا ُ َعلِي ٌم‬
‫أح‪KK‬ل لن‪KK‬ا من النس‪KK‬اء وم‪KK‬ا ح‪KK‬رم منهن‪ ﴿:‬ي ُِري‪ُ K‬د هَّللا ُ لِيُبَيِّنَ لَ ُك ْم َويَ ْه‪ِ K‬ديَ ُك ْم ُس‪K‬نَنَ الَّ ِذينَ ِم ْن قَ ْبلِ ُك ْ‪K‬م َويَتُ‪َ K‬‬
‫الفتاوى الفقهية الكبرى‪.4/99:‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مغني المحتاج‪.4/206:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المغني ‪.7/83‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إحياء علوم الدين‪.2/41:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مغني المحتاج‪.4/206:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫صحيح ابن حبان‪ 9/342:‬رقم ‪ ،4034:‬مستدرك الحاكم‪،2/194:‬رقم‪،2732:‬سنن البيهقي‪.11/10،14705:‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫اإلنصاف‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.19‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫سنتحدث عن المودة بين الزوجين في مبحث خاص في فصل العشرة الزوجية وأسسها األخالقية‪.‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫َح ِكي ٌم﴾(النساء‪)26:‬إلى قوله ﴿ي ُِري ُد هَّللا ُ أَ ْن يُخَ فِّفَ َع ْن ُك ْم َو ُخلِ َ‬
‫ق اإْل ِ ن َسانُ َ‬
‫ض ِعيفًا﴾ (النساء‪)28:‬‬
‫ويخطئ بعض الناس في االستدالل هنا بقص‪KK‬ة زينب بنت جحش‪ ،‬وال‪KK‬ذي ت‪KK‬دل علي‪KK‬ه الرواي‪KK‬ات الص‪KK‬حيحة‪،‬‬
‫ويتناسب‪ K‬مع العصمة أن زيدا كان قد عزم على طالقها‪ K‬ولم توافقه‪ ،‬وكان يستشير‪ K‬رسول هللا ‪ ‬في فراقه ‪K‬ا‪ K‬وه‪KK‬و‬
‫يأمره بإمساكها‪ K‬فعلم رسول هللا ‪ ‬أنه سيفارقها وال بد‪ ،‬فأخفى في نفسه أن يتزوجها إذا فارقها زيد‪ ،‬وخشي مقالة‬
‫الناس أن رسول هللا تزوج زوجة ابنه‪ ،‬ألنه كان قد تبني زيد قبل النبوة وهللا تعالى يريد أن يشرع شرعا عاما في‪KK‬ه‬
‫مصالح عباده فلما طلقها زيد وانقضت عدتها منه أرسله إليها يخطبها لنفسه‪ ،‬فج‪KK‬اء زي‪KK‬د واس‪KK‬تدبر الب‪KK‬اب بظه‪KK‬ره‪،‬‬
‫وعظمت في صدره لما ذكره رسول هللا ‪ ‬فناداها‪ K‬من وراء الباب‪ :‬ي‪KK‬ا زينب إن رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬يخطب‪K‬ك‪ ،‬فق‪KK‬الت‪:‬‬
‫ما أنا بصانعة شيئا حتى أوامر ربي‪ ،‬وقامت إلى محرابها‪ K‬فصلت‪ ،‬فتولى‪ K‬هللا عز ج‪KK‬ل نكاحه‪KK‬ا من رس‪KK‬وله بنفس‪KK‬ه‪،‬‬
‫وعقد النكاح له من فوق عرشه وجاء الوحي بذلك‪،‬فلما قضى زيد منها وطر زوجناكها‪ K،‬فقام رسول‪ K‬هللا ‪ ‬لوقت‪KK‬ه‬
‫فدخل عليها‪ ،‬فكانت تفخر على نساء الن‪KK‬بي ‪ ‬ب‪KK‬ذلك وتق‪KK‬ول ‪(:‬أنتن زوجكن أهليكن‪ ،‬وزوج‪KK‬ني‪ K‬هللا ع‪KK‬ز وج‪KK‬ل من‬
‫فوق‪ K‬سبع سموات)(‪)1‬‬
‫الحب المباح‪ :‬وهو الحب الذي ال يملك صاحبه دفعه‪ ،‬كحب من صورت له امرأة جميلة أو رآه‪KK‬ا فج‪KK‬أة من‬
‫غير تصد فأورثته ذلك حبا له‪K‬ا‪ ،‬ولم يح‪K‬دث ل‪K‬ه ذل‪K‬ك الحب معص‪K‬ية‪ ،‬فه‪K‬ذا ال يمل‪K‬ك وال يع‪K‬اقب علي‪K‬ه‪ ،‬واألنف‪K‬ع ل‪K‬ه‬
‫مدافعته واالشتغال بما هو انفع له منه‪ ،‬والواجب على هذا أن يكتم ويعف ويص‪KK‬بر‪ K‬على بل‪KK‬واه فيثيب‪KK‬ه هللا على ذل‪KK‬ك‬
‫ويعوضه على صبره هلل وعفته وترك طاعته هواه وإيثار مرضاة هللا وما عنده‪.‬‬
‫وقد أرشد ‪ ‬إلى التفريق هنا بين اإلعجاب المج‪K‬رد عن الحب‪ ،‬أو مج‪K‬رد الحب الجنس‪K‬ي ف‪K‬دل على تفادي‪K‬ه‬
‫بقوله ‪(:‬إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة الشيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبت‪KK‬ه فلي‪KK‬أت أهل‪KK‬ه‬
‫فان ذلك يرد ما في نفسه)(‪ ،)2‬وفي رواية ‪(:‬إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت‪ K‬في قلبه فليعم‪KK‬د إلى امرأت‪KK‬ه فليواقعه‪KK‬ا‬
‫فإن ذلك يرد ما في نفسه)‪ ،‬وهذه الرواية الثانية مبينة لألولى‪ ،‬قال النووي‪(: K‬معناه اإلشارة إلى الهوى والدعاء إلى‬
‫الفتنة بها لما جعله هللا تعالى في نفوس الرج‪KK‬ال من المي‪KK‬ل إلى النس‪KK‬اء‪ ،‬وااللت‪KK‬ذاذ بنظ‪KK‬رهن‪ ،‬وم‪KK‬ا يتعل‪KK‬ق بهن‪ ،‬فهي‬
‫شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له)(‪)3‬‬
‫قال ابن القيم تعليقا على هذا الحديث‪(: :‬ففي هذا الحديث عدة فوائد‪ K‬منها‪ :‬اإلرشاد‪ K‬إلى التسلي عن المطل‪KK‬وب‬
‫بجنسه كما يقوم الطعام مكان الطعام والثوب مقام الثوب‪ ،‬ومنها األمر بمداواة اإلعجاب بالمرأة المورث لش‪KK‬هوتها‬
‫بأنفع األدوية‪ ،‬وهو قضاء وطره من أهله‪ ،‬وذلك ينقض شهوته بها)(‪)4‬‬
‫وقد دل ‪ ‬هذا النوع من المتحابين إلى النكاح كما ورد في الحديث الشريف‪ K‬عن جابر قال‪ :‬جاء رج‪KK‬ل إلى‬
‫الن‪KK‬بي ‪ ‬فق‪KK‬ال‪ :‬ي‪KK‬ا رس‪KK‬ول‪ K‬هللا عن‪KK‬دنا يتيم‪KK‬ة خطبه‪KK‬ا رجالن موس‪K‬ر‪ K‬ومعس‪KK‬ر‪ ،‬وهي ته‪KK‬وى المعس‪KK‬ر ونحن نه‪KK‬وى‬
‫الموسر‪ ،‬فقال رسول هللا ‪(: ‬لم ير للمتحابين مثل النكاح)(‪)5‬‬
‫وتستحب الشفاعة لتزويج المتحابين وهو سنته ‪ ، ‬فق‪KK‬د ش‪KK‬فع الن‪KK‬بي ‪ ‬لعاش‪KK‬ق أن يواص‪KK‬له معش‪KK‬وقه ب‪KK‬أن‬
‫يتزوج به فأبت‪ ،‬وذلك في قصة مغيث وبريرة‪ ،‬فإنه رآه يمشي خلفها بعد فراقها‪ K‬ودموعه تجري على خديه‪ ،‬فق‪KK‬ال‬
‫لها رسول هللا ‪ :‬لو راجعتيه‪ ،‬فقالت‪ :‬أتأمرني‪ K‬قال‪ :‬ال إنما اشفع فقالت‪ :‬ال حاجة لي به‪ ،‬فقال لعمه ‪(:‬يا عباس أال‬
‫تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغضها له)(‪ ،)6‬ولم ينكر عليه حبها وان كانت قد بانت منه ألن هذا ما ال يملكه‪.‬‬
‫الحب الحرام‪ :‬وهو الحب الناشئ عن تعمد النظر والمخالط‪KK‬ة‪ ،‬من غ‪KK‬ير قص‪KK‬د ال‪KK‬زواج‪ ،‬ب‪KK‬ل قص‪KK‬ده الخلط‪KK‬ة‬
‫المحرم‪KK‬ة‪ ،‬وال ش‪K‬ك في تح‪KK‬ريم ه‪KK‬ذا الحب لحرم‪K‬ة وس‪K‬يلته‪ ،‬وعالج‪KK‬ه إم‪K‬ا ال‪K‬زواج بمن أحب‪ ،‬أو ك‪K‬ف البص‪KK‬ر عن‬
‫‪ )(1‬مسلم‪ ،2/1048 :‬النسائي‪ ،5/52 :‬أبو يعلى‪.6/77 :‬‬
‫‪ )(2‬مسلم‪ ،2/1021 :‬البيهقي‪ ،7/90 :‬أبو داود‪ ،2/246:‬النسائي‪ ،5/351 :‬أحمد‪.3/330 :‬‬
‫‪ )(3‬النووي على مسلم‪.9/178:‬‬
‫‪ )(4‬الجواب الكافي‪.171:‬‬
‫‪ )(5‬البيهقي‪ ،7/78 :‬ابن ماجة‪ ،1/593 :‬ابن أبي شيبة‪ ،3/454 :‬أبو يعلى‪.5/132 :‬‬
‫‪ )(6‬البخ‪KKK‬اري‪ ،5/2023 :‬ابن حب‪KKK‬ان‪ ،10/96 :‬ال‪KKK‬دارمي‪ ،2/223 :‬ال‪KKK‬بيهقي‪ ،7/222 :‬ال‪KKK‬دراقطني‪ ،2/154 :‬أب‪KKK‬و داود‪،2/270 :‬‬
‫النسائي‪ ،3/480 :‬ابن ماجة‪.1/671 :‬‬
‫الحرام‪.‬‬
‫فمن أطل‪KK‬ق نظ‪KK‬ره أورده م‪KK‬وارد الهالك‪ ،‬وق‪K‬د‪ K‬ق‪KK‬ال الن‪KK‬بي ‪ (: ‬ال تتب‪KK‬ع النظ‪KK‬رة النظ‪KK‬رة‪ ،‬فإنم‪KK‬ا ل‪KK‬ك األولى‬
‫وليست لك الثانية)(‪)1‬‬
‫صفات أخرى‬
‫وقد ذكر الفقهاء باإلضافة إلى هذا صفات أخرى منها ما هو استحسان محض قد يقب‪KK‬ل وق‪K‬د‪ K‬ي‪KK‬رفض‪ ،‬ومن‪KK‬ه‬
‫مايرجع إل أصول الشريعة وكلياتها‪ ،‬وسنذكر‪ K‬هذه الصفات هنا باختصار‪: K‬‬
‫فمنها‪ :‬أن ال تكون حنانة وال أنانة وال حداقة وال براقة وال ش‪KK‬داقة وال ممراض‪KK‬ة‪ ،‬وق‪KK‬د ذك‪KK‬ر ه‪KK‬ذه الص‪KK‬فات‬
‫الماوردي والغزالي‪ )2(K‬عن بعض العرب‪ ،‬وقد فسرها الغزالي كما يلي(‪:)3‬‬
‫األنانة‪ :‬وهي التي تكثر األنين والتشكي وتعصب رأسها كل ساعة‪.‬‬
‫المنانة‪ :‬وهي التي تمن على زوجها فتقول‪ :‬فعلت ألجلك كذا وكذا‪.‬‬
‫الحنانة‪ :‬هي التي تحن إلى زوج آخر‪..‬‬
‫الحداقة‪ :‬وهي التي ترمي إلى كل شيء بحدقتها فتشتهيه وتكلف الزوج شراءه‪.‬‬
‫البراقة‪ :‬وتحتمل معنيـين‪ :‬أحدهما أن تكون طول النهار في تصقيل وجهها وتزيـينه ليك‪KK‬ون لوجهه‪KK‬ا بري‪KK‬ق‬
‫محصل بالصنع‪ ،‬والثاني أن تغضب على الطعام فال تأكل إال وحدها‪ K‬وتستقل نصيبها‪ K‬من كل شيء‪.‬‬
‫الشد اقة‪ :‬وهي المتشدقة الكثيرة الكالم‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن ال تكون مختلعة‪ ،‬وال مبارية‪ ،‬وال عاهرة‪ ،‬وال ناشزا‪ ،‬وقد حكى الغزالي النهي عن التزوج بمن‬
‫تحمل هذه الصفات عن بعض الصالحين‪ ،‬وفسرها كما يلي‪:‬‬
‫المختلعة‪ :‬وهي التي تطلب الخلع كل ساعة من غير سبب‪.‬‬
‫المبارية‪ :‬وهي المباهية بغيرها المفاخرة بأسباب الدنيا‪.‬‬
‫ت أَ ْخدَا ٍن ﴾(النساء‪)25:‬‬
‫﴿واَل ُمتَّ ِخ َذا ِ‬
‫العاهرة‪ :‬الفاسقة التي تعرف بخليل وخدن وهي التي قال هللا تعالى َ‬
‫الناشز‪ :‬التي تعلو على زوجها بالفعال والمقال‪.‬‬
‫ومنها ما ذكره اإلمام علي في قوله‪( :‬شر خصال الرجال خ‪KK‬ير خص‪KK‬ال النس‪KK‬اء‪ :‬البخ‪KK‬ل‪ ،‬والزه‪KK‬و‪ K،‬والجبن‪،‬‬
‫فإن المرأة إذا كانت بخيلة حفظت مالها وم‪KK‬ال زوجه‪KK‬ا‪ ،‬وإذا ك‪KK‬انت مزه‪K‬وّة اس‪KK‬تنكفت أن تكلم ك‪KK‬ل أح‪KK‬د بكالم لين‬ ‫ّ‬
‫مريب‪ ،‬وإذا كانت جبانة فرقت من كل شيء فلم تخرج من بـيتها واتقت موذاضع التهمة خيفة من زوجها)‬
‫ومنها‪ :‬أن ال يتزوج ذات مطلق ال زالت لها رغبة فيه(‪.)4‬‬
‫‪ 4‬ـ الصفات التي يختار من أجلها الزوج‬
‫وتكاد تشبه في مجموعها الصفات التي يختار الرجل من أجلها زوجته‪:‬‬
‫فمنها مثال أن يكون الزوج بكرا‪،‬قال الغزالي ‪(:‬وكما يس‪KK‬تحب نك‪KK‬اح البك‪KK‬ر يس‪KK‬ن أن ال ي‪KK‬زوج ابنت‪KK‬ه إال من‬
‫بكر لم يتزوج قط‪ ،‬ألن النفوس جبلت على اإليناس بأول مألوف‪ ،‬ولهذا قال ‪ ‬في خديجة ‪(:‬إنها أول نسائي)‬
‫ومنه‪KK‬ا أن ال يك‪KK‬ون عقيم‪KK‬ا‪ ،‬أو أحم‪KK‬ق أو دميم‪KK‬ا ت‪KK‬رغب عن مثل‪KK‬ه‪ ،‬وغيره‪KK‬ا من الص‪KK‬فات ل‪KK‬تي ذك‪KK‬رت في‬
‫مواصفات المرأة)(‪)5‬‬
‫وذكروا‪ K‬أنه يسن للمرأة أن تتزوج بكرا إال لعذر‪ ،‬جميال ولودا إلى آخر الصفات المعتبرة في الم‪KK‬رأة ويس‪KK‬ن‬
‫له أن ال يزوج بنته إال من بكر)(‪)6‬‬
‫وروي‪ K‬أن امرأة نافرت فضالة زوجها إلى س‪KK‬لم بن قتيب‪KK‬ة وه‪KK‬و والي خراس‪KK‬ان فق‪KK‬الت‪ :‬أبغض‪KK‬ه‪ ،‬وهللا لخالل‬
‫الحاكم‪ ،2/212 :‬البيهقي‪ ،7/90 :‬ابن أبي شيبة‪ ،4/6 :‬المعجم األوسط‪ ،1/209 :‬أحمد‪.5/351 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫أسنى المطالب‪.3/108:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر‪ :‬اإلحياء‪.2/38 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫نهاية المحتاج‪.6/185:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫اإلحياء‪.2/41:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫فتوحات الوهاب‪.4/118:‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫فيه‪ ،‬قال‪ :‬وما هي قالت‪ :‬هو وهللا قليل الغيرة سريع الطيرة شديد العتاب كثير الحساب قد أقب‪K‬ل بخ‪KK‬ره وأدب‪K‬ر‪ K‬ذف‪K‬ره‬
‫وهجمت عيناه واضطربت رجاله يفيق سريعا ً وينطق‪ K‬رجيعا ً يصبح جبسا ويمسي‪ K‬رجسا إن جاع ج‪KK‬زع وإن ش‪KK‬بع‬
‫جشع‪.‬‬
‫ثانيا ـ وسائل اختيار الزوجة‬
‫كما دعت الشريعة اإلسالمية إلى حسن االختيار‪ K‬وبينت الص‪KK‬فات ال‪KK‬تي ينبغي مراعاته‪KK‬ا في االختي‪KK‬ار دعت‬
‫إلى التروي فيه والتبين والتدقيق‪ ،‬ألن بناء الحياة الزوجية يقتض‪KK‬ي ت‪KK‬دقيقا وتمحيص‪K‬ا‪ K‬ط‪KK‬ويال‪ ،‬وس‪KK‬نعرض في ه‪KK‬ذا‬
‫المبحث الوسائل التي أباحتها الشريعة أو ندبت إليها لتحصيل هذا الغرض‪.‬‬
‫وهي تنطلق من كون المجتمع اإلسالمي‪ K‬مجتمعا محافظا ال تخرج المرأة فيه إال للحوائج األساسية‪ ،‬ومن ثم‬
‫فقد ال تقصد بالزواج‪ ،‬والرجل كذلك رجل محافظ‪ K‬قد يحتاج للزواج وال يجد الوسيلة الختيار المرأة ال‪KK‬تي يري‪KK‬دها‪،‬‬
‫وق‪K‬د‪ K‬ك‪KK‬ان ه‪KK‬ذا من أك‪KK‬بر الم‪KK‬بررات ال‪KK‬تي دعي به‪KK‬ا إلى الت‪KK‬برج واالنحالل بحج‪KK‬ة أن الم‪KK‬رأة الملتزم‪KK‬ة ال يقص‪KK‬دها‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫وق‪K‬د‪ K‬حلت الش‪KK‬ريعة اإلس‪KK‬المية ه‪KK‬ذا اإلش‪KK‬كال ال‪KK‬ذي ق‪KK‬د يع‪KK‬رض الم‪KK‬رأة للعنوس‪KK‬ة‪ ،‬ويع‪KK‬رض الرج‪KK‬ل لس‪KK‬وء‬
‫االختيار‪ ،‬بغير الطريقة التي حلت بها المجتمعات المنحلة هذه المشكلة‪ ،‬فقد حلتها بطرق كثيرة منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عرض الرجل ابنته لذوي الصالح ممن ترغب فيهم‪:‬‬
‫فإذا وجد الرجل الزوج الصالح لموليته عرضها عليه‪،‬وهي سنة من السنن التي أش‪KK‬ار إليه‪KK‬ا الق‪KK‬رآن الك‪KK‬ريم‬
‫ي‬‫ك إِحْ ‪ K‬دَى ا ْبنَتَ َّ‬‫عندما ذكر أن الشيخ المديني عرض ابنته على موسى ‪ ‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬قَا َل إِنِّي أُ ِري ُد أَ ْن أُن ِك َح َ‬
‫ج فَإِ ْن أَ ْت َم ْمتَ َع ْشرًا فَ ِم ْن ِع ْن ِدكَ َو َما أُ ِري ُد أَ ْن أَ ُش َّ‬ ‫ْ‬
‫ك َست َِج ُدنِي إِ ْن َش‪KK‬ا َء هَّللا ُ ِم ْن‬ ‫ق َعلَ ْي َ‬ ‫هَاتَ ْي ِن َعلَى أَ ْن تَأج َُرنِي ثَ َمانِيَةَ ِح َج ٍ‬
‫الصَّالِ ِحين﴾َ(القصص‪)27:‬‬
‫ً‬
‫قال مكارم‪ K‬الشيرازي‪ ،‬مبينا الفوائد المستنبطة من اآلية الكريمة‪( :‬يستفاد ضمنا من هذه القصّة أن م‪KK‬ا يش‪KK‬يع‬
‫في عصرنا من أن اقتراح األب على اختيار البعل البنته أمر مصيب‪ ،‬ال م‪KK‬انع من‪KK‬ه وليس معيب‪K‬اً‪ ،‬ف‪KK‬إذا وج‪KK‬د األب‬
‫شخصا ً الئقا ً وجديراً‪ ،‬فله الحق أن يقترح عليه الزواج من ابنته‪ ،‬كما فعل شعيب(عليه السالم) مع موسى في شأن‬
‫ابنته(عليه السالم)‪ ،‬والزواج منها)(‪)1‬‬
‫‪ 2‬ـ عرض المرأة نفسها على من ترغب فيه ‪:‬‬
‫أجاز الشرع للمرأة أن تعرض نفسها على الرجل وتعريفه رغبتها فيه‪ ،‬لصالحه وفضله أو لعلم‪KK‬ه وش‪KK‬رفه‬
‫أو لخصلة فيه من خصال الدين‪ ،‬وال غضاضة عليها في ذلك‪ ،‬بل ذلك يدل على فض‪KK‬لها‪ ،‬فعن ث‪KK‬ابت البن‪KK‬اني ق‪KK‬ال‪:‬‬
‫كنت عند أنس وعنده ابنة له‪ ،‬قال أنس‪ :‬جاءت امرأة إلى رسول هللا ‪ ‬تعرض عليه نفسها‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول هللا‪،‬‬
‫ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس‪ :‬ما أقل حياءها‪ ،‬واسوأتاه قال‪ :‬هي خير منك رغبت في النبي ‪ ‬عرض‪KK‬ت علي‪KK‬ه‬
‫نفسها)(‪)2‬‬
‫وقد يدخل في هذا الباب ما ينتشر في الصحف والمجالت من أب‪K‬واب ومس‪K‬احات‪ K‬إلعالن‪KK‬ات ال‪KK‬زواج‪ ،‬وفيه‪KK‬ا‬
‫تُ َح َّدد المواصفات‪.‬‬
‫وه‪KK‬ذه الظ‪KK‬اهرة مباح‪KK‬ة في أص‪KK‬لها ألن تعق‪KK‬د المجتمع‪KK‬ات اس‪KK‬تدعى ه‪KK‬ذا‪ ،‬ولكن م‪KK‬ع ذل‪KK‬ك‪ ،‬ف‪KK‬إن هن‪KK‬اك بعض‬
‫المحاذير‪ K‬التي قد ترفع عنها حكم اإلباحة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ .1‬استغالل بعض الشباب لها للَّهو والتَّسْلية‪ ،‬وقد يستغلها بعض ضعاف‪ K‬النف‪KK‬وس للتغري‪KK‬ر بالفت‪KK‬اة ال‪KK‬تي تري‪KK‬د‬
‫ال َّزواج‪.‬‬
‫‪ .2‬ق‪KK‬د تح‪KK‬دث بعض المكالم‪KK‬ات الهاتفيَّة‪ ،‬أو اللق‪KK‬اءات غ‪KK‬ير المنض‪KK‬بطة بين الرج‪KK‬ل والم‪KK‬رأة بس‪KK‬بب ه‪KK‬ذه‬
‫اإلعالنات‪ ،‬وما تنشره من العناوين‪ ،‬واألرقام‪ K‬الهاتفيَّة؛ مما يسمح للرجل أن يتص‪KK‬ل ب‪KK‬المرأة‪ ،‬وللش‪KK‬اب أن‬
‫يقابل الفتاة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تعريف الزوج أو الزوجة المختار بنفسه ‪:‬‬
‫‪ )(1‬تفسير األمثل ‪ -‬مكارم الشيرزي‪.221 /12 :‬‬
‫‪ )(2‬البخاري‪،5/1967:‬رقم‪،4828:‬وقد ترجم له البخاري ‪[:‬باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح]‪.‬‬
‫وه‪K‬ذه من أهم الوس‪K‬ائل المحقق‪K‬ة له‪K‬ذا التع‪K‬رف‪ ،‬ألن هن‪K‬اك أم‪K‬ورا كث‪K‬يرة ق‪K‬د ال يطل‪K‬ع عليه‪K‬ا الن‪K‬اس فيحت‪K‬اج‬
‫الشخص أن يع‪K‬بر به‪K‬ا عن نفس‪K‬ه‪ ،‬وق‪K‬د ف‪K‬رق‪ K‬الفقه‪K‬اء بين األم‪K‬ور ال‪K‬تي ي‪K‬ذكرها المع‪K‬رف بنفس‪K‬ه واألم‪K‬ور‪ K‬ال‪K‬تي ال‬
‫يذكرها‪ ،‬وقسموا ذلك إلى ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ .1‬إن كان فيه ما يثبت الخيار كاألمراض الجنسية واألمراض الخطيرة المزمنة وجب ذكره للزوج‪KK‬ة‪،‬وع‪KK‬دم‬
‫ذكره من الغرر الذي يفسخ من أجله الزواج‪ ،‬وسنتحدث عن هذا بتفصيل في العيوب التي توجب الفسخ‪.‬‬
‫‪ .2‬إن كان فيه ما يقلل الرغبة عنه وال يثبت الخيار كسوء الخلق والشح استحب ذكره‪.‬‬
‫‪ .3‬إن كان فيه شيء من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه(‪.)1‬‬

‫‪ 4‬ـ استشارة من يعرفه‪:‬‬


‫فال يكتفي مريد الزواج بتعريف الشخص بنفسه‪ ،‬فقد ال يصدق في ذلك‪ ،‬بل يض‪KK‬م إلي‪KK‬ه استش‪KK‬ارة من يعرف‪KK‬ه‬
‫ممن يثق فيه وفي تدينه‪ ،‬بحيث يصدقه في أمره وينصحه كما روي في ذلك أن أخا لبالل خطب ام‪KK‬رأة فق‪KK‬الوا‪ :‬إن‬
‫يحضر‪ K‬بالل زوجناك فحضر‪ K‬فقال‪ :‬أنا بالل وهذا أخي وهو امرؤ سيئ الخلق والدين‪.‬‬
‫وقد روي في ذلك عن رسول هللا ‪ ‬أن أب‪KK‬ا عم‪KK‬رو بن حفص طل‪KK‬ق فاطم‪KK‬ة بنت قيس ألبت‪KK‬ة‪ ،‬وه‪KK‬و غ‪KK‬ائب‬
‫بالشام فأرسل‪ K‬إليها وكيله بشعير فسخطته فقال‪ :‬وهللا ما ل‪KK‬ك علين‪KK‬ا من ش‪KK‬يء فج‪KK‬اءت إلى رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬ف‪KK‬ذكرت‬
‫ذلك له فقال‪ :‬ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال‪ :‬تلك امرأة يغشاها أصحابي اعت‪KK‬دي عن‪KK‬د‬
‫عبد هللا بن أم مكتوم‪ ،‬فإن‪K‬ه رج‪K‬ل أعمى تض‪K‬عين ثياب‪K‬ك عن‪K‬ده ف‪K‬إذا حللت ف‪K‬آذنيني‪ K‬ق‪K‬الت‪ :‬فلم‪K‬ا حللت ذك‪K‬رت ل‪K‬ه أن‬
‫معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام خطباني‪ K‬فقال رسول هللا ‪: ‬أم‪KK‬ا أب‪KK‬و جهم فال يض‪KK‬ع عص‪KK‬اه عن عاتق‪KK‬ه‪،‬‬
‫وأما معاوية فصعلوك‪ K‬ال مال له أنكحي أسامة بن زيد قالت‪ :‬فكرهته ثم قال‪ :‬أنكحي أسامة ابن زيد فنكحت‪KK‬ه فجع‪KK‬ل‬
‫هللا في ذلك خيرا واغتبطت به(‪.)2‬‬
‫وقد استنبط العلماء من هذا الحديث جواز الصدق في ذكر مس‪KK‬اوي الخ‪KK‬اطب ليح‪KK‬ذر‪ ،‬واختل‪KK‬ف بعض‪KK‬هم في‬
‫الحكم بوجوب ذلك على ثالثة أقوال(‪:)3‬‬
‫القول األول‪ :‬التفريق في ذلك بين حالين‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا كان هناك من يعرف حال المسئول عنه غير ذلك المسئول جاز ذكر المساوئ لمن استشاره‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا كان ال يعرف حال المسؤول غيره وجب علي‪K‬ه ذك‪K‬ر المس‪K‬اوئ ألن‪K‬ه من نص‪K‬يحة المس‪K‬لم ألخي‪K‬ه‪ ،‬وهي‬
‫واجبة باتفاق‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن محل الج‪KK‬واز إذا لم يس‪KK‬أله عم‪KK‬ا فيه‪KK‬ا من العي‪KK‬وب وإال وجب علي‪KK‬ه ال‪KK‬ذكر‪ ،‬ألن‪KK‬ه من ب‪KK‬اب‬
‫النصيحة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إذا استشاره وجب عليه ذكر المساوئ كان هناك من يعرف تل‪K‬ك المس‪K‬اوئ‪ K‬أم ال‪ ،‬وإال فين‪K‬دب‬
‫له ذكرها‪.‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫نرى أن القول الثالث وه‪KK‬و وج‪KK‬وب ذك‪KK‬ر المس‪KK‬اوئ‪ K‬مطلق‪KK‬ا ك‪KK‬ان هن‪KK‬اك من يعرفه‪KK‬ا أم ال أوف‪K‬ق‪ K‬بالمص‪KK‬لحة‪،‬‬
‫وأعظم للنصح ألن المستشير‪ K‬قد يكتفي بمشورته عن زيادة التأكد باستشارة غيره فيقع في خطر عدم النص‪KK‬ح‪ ،‬ب‪KK‬ل‬
‫نرى أن من الواجب على المسلم أن ينصح أخاه ولو لم يستش‪KK‬ره إن رأى في اختي‪KK‬اره م‪KK‬ا يس‪KK‬وؤه أو يس‪KK‬وء الم‪KK‬رأة‬
‫التي يخطبها‪.‬‬
‫ومن اآلداب في النص‪KK‬ح أن يكتفي ب‪KK‬التعريض إن ك‪KK‬ان كافي‪KK‬ا في أداء الغ‪KK‬رض وإال وجب التص‪KK‬ريح‪،‬ومن‬
‫التعريض قوله مثال ‪(:‬ال يصلح لك)وما شابهه(‪.)4‬‬

‫مغني المحتاج ‪ ،4/222‬وانطر ‪:‬الخرشي‪ ،3/171 :‬الفتاوى الفقهية الكبرى‪.4/103 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫مسلم‪،2/1114:‬رقم‪،1480:‬سنن أبي داود‪،2/285:‬رقم‪،2284:‬الموطأ‪،2/580:‬رقم‪.1210:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫التاج واإلكليل‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،42‬حاشية الدسوقي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.220‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫األشباه والنظائر‪.84 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ويستحب التشدد واألخذ باالحتياط عند االستشارة مخافة الوقوع في الغرر‪ ،‬قال الغزالي ‪(:‬والغرور يقع في‬
‫الجمال والخلق جميعاً‪ ،‬فيستحب إزالة الغرور‪ K‬في الجمال بالنظر‪ ،‬وفي الخلق بالوص‪KK‬ف واالستيص‪KK‬اف فينبغي‪ K‬أن‬
‫يقدم ذلك على النكاح‪ ،‬وال يستوصف‪ K‬في أخالقها وجمالها إال من هو بصير صادق خبـير بالظ‪KK‬اهر والب‪KK‬اطن‪ ،‬وال‬
‫يميل إليها فيفرط في الثناء‪ ،‬وال يحسدها فيقصر‪ ،‬فالطباع‪ K‬مائلة في مبادئ النكاح ووصف‪ K‬المنكوحات إلى اإلفراط‪K‬‬
‫والتفريط‪ ،‬وقل من يصدق فيه ويقتصد‪ ،‬بل الخ‪KK‬داع واإلغ‪KK‬راء أغلب‪ ،‬واالحتي‪KK‬اط في‪KK‬ه مهم لمن يخش‪KK‬ى على نفس‪KK‬ه‬
‫التش ّوف‪ K‬إلى غير زوجته)(‪)1‬‬
‫‪ 5‬ـ إرسال من يتعرف على من يريد خطبتها‪:‬‬
‫وهي من الوسائل الهامة والتي ال تزال مطبقة في مجتمعاتن‪KK‬ا‪ K،‬وهي أن يرس‪KK‬ل ال‪KK‬راغب في ال‪KK‬زواج أم‪KK‬ه أو‬
‫إحدى قريباته للتعرف على من يريد خطبتها‪.‬‬
‫ومن األخطاء الواقعة في بعض مجتمعاتنا‪ K‬المحافظة االكتفاء بإرسال األقارب ووص‪KK‬فهن‪ ،‬وه‪KK‬و م‪KK‬ا يح‪KK‬دث‬
‫عنه كثير من اآلثار غير المحمودة‪ ،‬فالقصد من هذه الوسائل أن يتوسل بها جميعا للتعرف‪ K‬والتحق‪KK‬ق ال أن يقتص‪KK‬ر‬
‫على وسيلة واحدة‪ ،‬ألن أمر الزواج أخطر من أن تكفي فيه وسيلة واحدة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ النظر لمن يريد خطبتها‪:‬‬
‫وهو من أهم وسائل التعرف‪ ،‬ولذلك وردت اآلثار الكثيرة التي تحث علي‪KK‬ه‪ ،‬وس‪KK‬نتحدث عم‪KK‬ا يتعل‪KK‬ق ب‪KK‬النظر‬
‫من أحكام في المسائل التالية‪:‬‬
‫مشروعية النظر‪:‬‬
‫مع أن الشرع ورد‪ K‬باألمر بغض البصر عن غير المحارم إال أنه ورد عنه من ب‪KK‬اب رعاي‪KK‬ة مص‪KK‬الح الن‪KK‬اس‬
‫األمر بالنظر للمخطوبة أو لمن ي‪K‬رغب في خطبته‪K‬ا‪ ،‬واعت‪KK‬بر ذل‪K‬ك ‪ ‬من الوس‪K‬ائل ال‪KK‬تي تحص‪KK‬ل به‪KK‬ا األلف‪K‬ة بين‬
‫الزوجين‪ ،‬فقال ناصحا من يريد الزواج‪(:‬انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم‪KK‬ا)(‪ ،)2‬أي أج‪KK‬در وأدعى أن يحص‪KK‬ل‬
‫الوفاق‪ K‬والمالءمة بينكما‪.‬‬
‫وبين جواز ذلك قبل الخطبة فقال ‪(: ‬إذا ألقى هللا عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فال بأس أن ينظر‬
‫إليها)(‪)3‬‬
‫ودعا في حال النظر التحري والتركيز على ما يرغب‪K‬ه فيه‪K‬ا فق‪KK‬ال ‪(: ‬إذا خطب أح‪KK‬دكم الم‪K‬رأة فق‪KK‬در أن‬
‫يرى منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)(‪ ،)4‬ويحكي‪ K‬راوي الحديث ج‪KK‬ابر بن عب‪KK‬د هللا عن نفس‪KK‬ه فيق‪KK‬ول ‪(:‬فخطبت‬
‫جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها)‬
‫حكم النظر للمخطوبة ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على مشروعية النظر للمخطوبة أو للتي يرغب في خطبتها (‪ ، )5‬واتفقوا على أن النظر بقص‪KK‬د‬
‫التل‪K‬ذذ أو الش‪K‬هوة ب‪K‬اق على أص‪K‬ل التح‪K‬ريم‪ ،‬ولكنهم اختلف‪K‬وا في حكم النظ‪K‬ر في ح‪K‬ال خ‪K‬وف‪ K‬الفتن‪K‬ة‪ ،‬ومن األق‪K‬وال‬
‫الوادرة في المسألة ‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن النظر مستحب مطلق‪KK‬ا‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول أك‪KK‬ثر العلم‪KK‬اء من المالكي‪KK‬ة والش‪KK‬افعية والحنفي‪KK‬ة إلطالق‬
‫األحاديث ال‪KK‬واردة في ذل‪KK‬ك‪،‬ق‪KK‬ال اإلم‪KK‬ام الروي‪KK‬اني‪(:‬ول‪KK‬ه النظ‪KK‬ر وإن خ‪KK‬اف الفتن‪KK‬ة لغ‪KK‬رض ال‪KK‬تزوج‪ ،‬وإذا لم تعجب‪KK‬ه‬
‫فليسكت وال يقل ال أريدها ألنه إيذاء)(‪ )6‬وقد ورد في بعض كتب المالكية أن حكمه الجواز ووجه‪KK‬ه الدس‪KK‬وقي‪ K‬ب‪K‬أن‬
‫‪ )(1‬اإلحياء‪.2/39:‬‬
‫‪ )(2‬ابن ماجة‪،1/599:‬رقم‪،1865:‬مستدرك الحاكم‪،2/179:‬رقم‪ ،2697:‬مسند أحمد‪،5/299:‬رقم‪.17688:‬‬
‫‪ )(3‬ابن ماجة‪،1/599:‬رقم‪،،1864:‬رقم‪،5839:/‬مسند أحمد‪،4/549:‬رقم‪.15598:‬‬
‫‪ )(4‬سنن أبي داود‪،2/228:‬رقم‪،2082 :‬مستدرك الحاكم‪،2/179:‬رقم‪،1696 :‬مسند أحمد‪،4/287:‬رقم‪.14176:‬‬
‫‪ )(5‬مع صراحة النصوص الواردة في ذلك وجد من الفقهاء من يرى حرمة ذلك‪ ،‬ففي (فتح الباري)‪( :‬نقل الطحاوي عن قوم انه ال‬
‫يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال؛ ألنها حينئذ أجنبية) [فتح الباري ‪]149 :9‬‬
‫وفي (بداية المجتهد)‪ K:‬منع ذلك قوم على اإلطالق؛ ألن النص ورد بالمنع مطلقًا وورد مقيدًا‪ ،‬ومن من‪KK‬ع تمس‪KK‬ك باألص‪KK‬ل وه‪KK‬و تح‪KK‬ريم‬
‫النظر إلى النساء‪ [.‬بداية المجتهد ونهاية المقتصد ‪]4 :2‬‬
‫‪ )(6‬الغرر البهية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.94‬‬
‫م‪KK‬رادهم من‪KK‬ه اإلذن ال الحكم‪ ،‬يق‪KK‬ول الدس‪KK‬وقي ‪(:‬وال‪KK‬ذي في عب‪KK‬ارة أه‪KK‬ل الم‪KK‬ذهب الج‪KK‬واز‪ ،‬ولم يح‪KK‬ك ابن عرف‪KK‬ة‬
‫االستحباب إال عن ابن القطان‪ ،‬ويمكن حمل الجواز في كالم أهل المذهب على اإلذن)(‪)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن النظر مستحب عند أمن الفتنة‪ ،‬وهو قول الحنابل‪KK‬ة‪ ،‬وم‪KK‬روي‪ K‬عن المالكي‪KK‬ة ق‪KK‬ال الخرش‪KK‬ي ‪:‬‬
‫(يندب لمن أراد نكاح امرأة إذا رجا أنها ووليها يجيبانه إلى ما سأل وإال حرم) (‪ ،)2‬فقد حكم بتحريم النظر في حال‬
‫العلم برفضها‪ K‬أو رفض وليها‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى من الترجيح في المسألة مراعاة احتمال القبول‪ ،‬فإذا تيقن عدم القبول حرم عليه ذلك من جهتين‪:‬‬
‫‪ .1‬أن ذلك فتنة له حيث يتعرض ألمر قد يتعلق به قلبه مع عدم الظفر به‪.‬‬
‫‪ .2‬أن في مراعاة احتمال القبول سدا للذريعة حتى ال يتخ‪KK‬ذ من إباح‪KK‬ة النظ‪KK‬ر في ه‪KK‬ذه الحال‪KK‬ة وس‪KK‬يلة إلطالق‬
‫البصر في المحرمات بحجة البحث عن الزوجة المرغوبة‪ ،‬وقد ذك‪KK‬ر المالكي‪KK‬ة مث‪KK‬ل ه‪KK‬ذه العل‪KK‬ة عن‪KK‬د ذك‪KK‬ر‬
‫كراهة استغفالها كما سنرى‪ ،‬قال الخرشي‪( :‬لئال يتطرق‪ K‬أهل الفس‪KK‬اد لنظ‪KK‬ر مح‪KK‬ارم الن‪KK‬اس ويقول‪KK‬ون نحن‬
‫خطاب)(‪.)3‬‬
‫وما ذكرناه من الترجيح هو ما اختاره ورجحه العز بن عبد السالم عند بيانه للحكمة من النظر‪ ،‬حيث ق‪KK‬ال‬
‫في قواعد األحكام ‪(:‬وقد‪ K‬ندب الشارع الخ‪KK‬اطب إلى رؤيته‪K‬ا‪ K‬ليعلم م‪KK‬ا يق‪KK‬در علي‪K‬ه ف‪KK‬يرغب في النك‪KK‬اح ويك‪KK‬ون على‬
‫بصيرة من اإلحجام أو اإلقدام‪ ،‬وإنما جوز ذل‪KK‬ك ل‪KK‬يرجو رج‪KK‬اء ظ‪KK‬اهرا أن يج‪KK‬اب إلى خطبت‪KK‬ه دون من يعلم أن‪KK‬ه ال‬
‫يجاب‪ ،‬أو يغلب على ظنه أنه ال يجاب‪ ،‬وإن استوى األمران ففي هذا احتمال من جهة أن النظر ال يحم‪KK‬ل إال عن‪KK‬د‬
‫غلبة الظن بالسبب المجوز)(‪)4‬‬
‫وهو ما ذكره المحقق الكركي في (جامع المقاصد)‪ ،‬فقال‪( :‬يجوز النظ‪K‬ر م‪K‬ع إرادة النك‪K‬اح إذا ك‪K‬انت محلل‪K‬ة‬
‫خلية من بعل ومن موانع النكاح كالعدة المتناع النكاح حينئذ‪ ،‬وأن تكون اإلجابة ممكنة ووفق النظ‪KK‬ر عن‪KK‬د اجتم‪KK‬اع‬
‫هذه الشروط‪ K‬ال عند األذن في عقد النكاح‪ ،‬وال عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه‪ ،‬وهو وقت تح‪KK‬ريم الخطب‪KK‬ة‬
‫على الخطبة خالفا لبعض العامة وينبغي‪ K‬أن يكون قبل الخطبة إذ لو كان بعدها وتركها‪ K‬لشق عليها واوحشها‪ ،‬ول‪KK‬و‬
‫تعذر عليه النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له فإن النبي ‪ ‬بعث أم س‪K‬ليم إلى ام‪K‬رأة فق‪K‬ال انظ‪K‬ري‪ K‬إلى عرقوبه‪K‬ا‪K‬‬
‫وشمي‪ K‬معاطفها)(‪)5‬‬
‫حكم نظر المرأة لخطيبها‪:‬‬
‫كما يندب نظر الخطيب لخطيبته يستحب للمرأة أن تنظر كذلك للرجل ال‪KK‬ذي خطبه‪KK‬ا ألنه‪KK‬ا يعجبه‪KK‬ا من‪KK‬ه م‪KK‬ا‬
‫يعجبه منها‪ ،‬ويستحب لها أيضا أن تنظر منه الوجه والكفين‪ ،‬قال الحطاب ‪(:‬هل يستحب للم‪K‬رأة نظ‪K‬ر الرج‪KK‬ل ؟ لم‬
‫أر فيه نصا للمالكية‪ ،‬والظاهر استحبابه وفاقا‪ K‬للشافعية‪ ،‬قالوا‪ :‬يستحب لها أيضا أن تنظر إليه)(‪)6‬‬
‫وقال السيد الشيرازي‪( :‬وال يبعد جواز نظر المرأة أيضا ً إلى الرجل الذي يريد تزويجها‪ ،‬كم‪KK‬ا عن القواع‪KK‬د‬
‫وغيره‪ ،‬وقوّاه الشيخ المرتضى‪ ،‬بل في المس‪K‬تند أن‪K‬ه ص‪K‬ريح جماع‪K‬ة التح‪K‬اد العل‪K‬ة‪ ،‬ب‪K‬ل األولوي‪K‬ة حيث أن الرج‪K‬ل‬
‫يمكنه الطالق لو لم يستحسنها‪ K‬بخالف الزوجة)(‪)7‬‬
‫ولم أر من خالف في هذه المسألة إال ما ذكره الصنعاني‪ K‬فإنه قال بع‪KK‬د أن حكى الق‪KK‬ول بج‪KK‬واز‪ K‬رؤي‪KK‬ة الم‪KK‬رأة‬
‫لخطيبها‪(: K‬كذا قيل‪ :‬ولم يرد به حديث‪ ،‬واألصل تحريم‪ K‬نظر األجنبي واألجنبية إال بدليل كالدليل على ج‪KK‬واز نظ‪KK‬ر‬

‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.216‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الخرشي ج‪ ،3‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الخرشي ج‪ ،3‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫قواعد األحكام‪ ،‬ج‪ 2‬نص‪.146‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫جامع المقاصد‪.12/27 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الخرشي ج‪ ،3‬ص‪ ،166‬وانظر‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،216‬أسنى المطالب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.108‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫الشيرازي‪ :‬السيد محمد‪ /‬الفقه ج‪ 62‬ص‪.175‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫خطبتها)(‪)1‬‬ ‫الرجل لمن يريد‬
‫وال نرى أن مثل هذا يحتاج إلى دليل نصي خاص ألن التكاليف‪ K‬موجهة للرج‪KK‬ال والنس‪KK‬اء جميع‪KK‬ا‪ ،‬فم‪KK‬ا أبيح‬
‫للرجال يباح مثله للنساء إال ما ورد به التخصيص‪ ،‬وال تخصيص بدون مخصص‪.‬‬
‫حكم تكرار النظر ‪:‬‬
‫اختل‪KK‬ف الفقه‪KK‬اء في حكم تك‪KK‬رار النظ‪KK‬ر للمخطوب‪KK‬ة أو لل‪KK‬تي ي‪KK‬رغب في خطبته‪KK‬ا‪ ،‬ومن األق‪KK‬وال ال‪KK‬واردة في‬
‫المسألة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ليس هناك حد للتكرار‪ ،‬بل ينظر إليه‪KK‬ا إلى الح‪KK‬د ال‪KK‬ذي تعجب‪KK‬ه فيخطبه‪KK‬ا‪ ،‬أو ال تعجب‪KK‬ه فال‬
‫يتقدم لخطبتها‪ ،‬وعلله في الغرر البهية بقوله ‪(:‬وله تكرير نظره ليتبين هيئتها فال يندم بعد نكاحها عليه)(‪)2‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن له أن يراها ثالث م‪K‬رات فق‪K‬ط‪ ،‬ق‪K‬ال الزركش‪K‬ي ‪(:‬ولم يتعرض‪K‬وا لض‪K‬بط‪ K‬التك‪K‬رار ويحتم‪K‬ل‬
‫تقديره بثالث وفي حديث عائشة الذي ترجم عليه البخاري الرؤية قبل الخطبة ‪(:‬أريتك ثالث ليال)(‪)3‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫ن‪K‬رى أن األرجح في المس‪K‬ألة ه‪K‬و االكتف‪K‬اء من الرؤي‪K‬ة بم‪K‬ا يحق‪K‬ق الغ‪K‬رض ب‪K‬دون ض‪K‬بط‪ K‬ل‪K‬ذلك‪ ،‬وم‪K‬ا ذك‪K‬ره‬
‫الزركشي‪ K‬ليس دليال يعتمد عليه فبقي األمر على أصل اإلباحة‪ ،‬وهي غير مقيدة بعدد‪ ،‬بل مقي‪KK‬دة بتحقي‪KK‬ق الغ‪KK‬رض‬
‫إذا سلمت النية‪.‬‬
‫حكم التزين للخطاب ‪:‬‬
‫استحب الفقهاء للمرأة المتعرضة للخطاب أن تتزين بالزينة المباحة شرعا‪ ،‬وقد‪ K‬ذهب الحنفية إلى أن تحلي‪KK‬ة‬
‫البنات بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة‪ ،‬وقد نق‪KK‬ل عن ابن القط‪KK‬ان قول‪KK‬ه ‪(:‬وله‪KK‬ا (أي للم‪KK‬رأة الخالي‪KK‬ة من‬
‫األزواج)أن تتزين للناظرين (أي للخطاب)بل لو قيل بأنه مندوب ما كان بعيدا‪ ،‬ولو قيل‪ :‬إنه يج‪KK‬وز‪ K‬له‪KK‬ا التع‪KK‬رض‬
‫لمن يخطبها إذا سلمت نيتها في قصد النكاح لم يبعد)(‪)4‬‬
‫ونفس الحكم ينطبق على الرجل ال‪KK‬راغب في الخطب‪KK‬ة‪ ،‬وق‪KK‬د ق‪KK‬ال ابن القط‪KK‬ان‪(:‬إذا خطب الرج‪KK‬ل ام‪KK‬رأة ه‪KK‬ل‬
‫يجوز‪ K‬ل‪KK‬ه أن يقص‪KK‬دها متعرض‪K‬ا‪ K‬له‪KK‬ا بمحاس‪KK‬نه ال‪KK‬تي ال يج‪KK‬وز إب‪KK‬داؤها إليه‪KK‬ا إذا لم تكن مخطوب‪KK‬ة ويتص‪KK‬نع‪ K‬بلبس‪KK‬ه‪،‬‬
‫وسواكه‪ ،‬ومكحلته وخضابه‪ ،‬ومشيه‪ ،‬وركبته‪ ،‬أم ال يجوز له إال م‪K‬ا ك‪K‬ان ج‪K‬ائزا لك‪K‬ل ام‪K‬رأة ؟ ه‪K‬و موض‪K‬ع‪ K‬نظ‪K‬ر‪،‬‬
‫والظاهر‪ K‬جوازه ولم يتحقق في المنع إجماع‪ ،‬أما إذا لم يكن خطب ولكنه يتعرض لنفسه ذل‪KK‬ك التع‪KK‬رض للنس‪KK‬اء فال‬
‫يجوز‪،‬ألنه تعرض للفتن وتعريض لها)(‪)5‬‬
‫ومن األدلة التي استند عليها الفقهاء في ذلك ما روت‪K‬ه أم ليلى ق‪K‬الت‪ :‬بايعن‪KK‬ا رس‪K‬ول‪ K‬هللا ‪ ‬فك‪KK‬ان فيم‪KK‬ا أخ‪K‬ذ‬
‫علينا أن نختضب الغمس‪ ،‬ونمتشط‪ K‬بالعسل‪ ،‬وال نعطل أيدينا من خضاب‪ ،‬وقالت ‪(:‬أمرنا رس‪K‬ول هللا ‪ ‬إذا ك‪K‬انت‬
‫إحدانا تقدر أن تتخذ في يديها مسكتين من فضة فان لم تقدر فصدت يديها ولو بسير)‪ ،‬وقال ‪(:‬ال تش‪K‬بهن بالرج‪K‬ال)‬
‫(‪)6‬‬
‫ودخلت امرأة على رسول هللا ‪ ‬فقال ‪(:‬اختضبي‪ ،‬تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كي‪KK‬د الرج‪KK‬ل)‪،‬‬
‫فما تركت الخضاب وإنها البنة ثمانين(‪.)7‬‬
‫وورد أن سبيعة األسلمية كانت تحت سعد بن خولة وه‪KK‬و في ب‪KK‬ني ع‪KK‬امر بن ل‪KK‬ؤي‪ ،‬وك‪KK‬ان ممن ش‪KK‬هد ب‪KK‬درا‪،‬‬
‫فتوفي عنها في حجة الوداع‪ ،‬وهي حامل فلم تنشب أن وض‪KK‬عت حمله‪KK‬ا بع‪KK‬د وفات‪KK‬ه‪ ،‬فلم‪KK‬ا تعلت من نفاس‪KK‬ها تجملت‬
‫للخطاب‪ ،‬فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها‪ :‬ما لي أراك متجمل‪KK‬ة ؟ لعل‪KK‬ك ت‪KK‬رجين‬

‫سبل السالم‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫الغرر البهية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.94‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الغرر البهية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.94‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫التاج واإلكليل‪.1/499 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫مواهب الجليل‪.3/405:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫رواه الطبراني في األوسط والكبير باسناد واحد على مرتين وفي إسناده من لم اعرفه‪ ،‬مجمع الزوائد ‪.5/171:‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫رواه أحمد وفيه من لم اعرفهم وابن اسحق وهو مدلس‪ ،‬مجمع الزوائد ‪.5/171:‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫النكاح‪ ،‬إنك وهللا ما أنت بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعش‪KK‬ر‪ ،‬ق‪KK‬الت س‪KK‬بيعة‪ :‬فلم‪K‬ا ق‪KK‬ال لي ذل‪K‬ك جمعت علي‬
‫ثيابي حين أمسيت‪ ،‬فأتيت رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬فس‪KK‬ألته عن ذل‪KK‬ك‪ ،‬فأفت‪KK‬اني ب‪KK‬أني ق‪KK‬د حللت حين وض‪KK‬عت حملي وأم‪KK‬رني‪K‬‬
‫بالتزويج إن بدا لي)(‪)1‬‬
‫ففي هذه األحاديث إشارة واضحة إلى جواز ذلك‪ ،‬ولكن في الح‪KK‬دود الش‪KK‬رعية ال‪KK‬تي تح‪KK‬رم الت‪KK‬برج والزين‪KK‬ة‬
‫المحرمة‪ ،‬أما في بيت المخطوبة وأمام محارمها فيجوز‪ K‬من الزينة ما سنذكره عند بيان م‪KK‬ا يج‪KK‬وز النظ‪KK‬ر إلي‪KK‬ه من‬
‫المخطوبة‪.‬‬
‫ما يباح النظر إليه من المخطوبة‪:‬‬
‫لم تحدد النصوص الشرعية المقدار ال‪KK‬ذي يج‪KK‬وز أن ي‪KK‬راه الخ‪KK‬اطب من مخطوبت‪KK‬ه‪ ،‬ومن هن‪KK‬ا ج‪KK‬اء اختالف‬
‫الفقهاء في حدودها‪ ،‬وهي بين المبالغة المتشددة المكتفية بأقل قدر ممكن‪ ،‬وبين المتساهلة إلى أبعد الحدود(‪:)2‬‬
‫القول األول‪ :‬الوجه والكفان‪،‬وهما مم‪KK‬ا اتف‪K‬ق الفقه‪KK‬اء جميع‪K‬ا على إباح‪KK‬ة النظ‪K‬ر إليهم‪KK‬ا‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن قدام‪K‬ة ‪(:‬ال‬
‫خالف بين أهل العلم في إباحة النظر إلى وجهها‪ ،‬وذلك ألنه ليس بعورة‪ ،‬وهو مجمع المحاسن‪ ،‬وموض‪K‬ع‪ K‬النظ‪KK‬ر)‬
‫(‪ ،)3‬ومن األدلة التي ذكرت لجواز ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه‪ ،‬فبقي ما عداه على أصل التحريم‪.‬‬
‫‪ .2‬أن النبي ‪ ‬لما أذن في النظر إليها من غير علمها علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة إذ ال‬
‫يمكن إفراد‪ K‬الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور‪ ،‬وألنه يظهر‪ K‬غالبا‪ ،‬فأبيح النظر إليه كالوجه‪.‬‬
‫‪ .3‬أنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع‪ ،‬فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الوجه يدل على الجمال وعدمه‪ ،‬واليدان تدالن على خصابة البدن وطراوته وعلى عدم ذلك(‪.)4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن له النظر إلى ما عدا الوجه والكفين‪ ،‬وقد‪ K‬اختل‪KK‬ف أص‪KK‬حاب ه‪KK‬ذا الق‪KK‬ول في تحدي‪KK‬د م‪KK‬ا ي‪KK‬راه‬
‫على آراء متعددة منها‪:‬‬
‫الرأي األول‪ :‬جواز رؤية كل شيء ما عدا العورة المغلظة‪ ،‬حك‪KK‬اه ابن عقي‪KK‬ل رواي‪KK‬ة عن أحمد(‪ ،)5‬والع‪KK‬ورة‬
‫المغلظة‪ :‬هي الفرجان‪ ،‬وقال ابن حزم ‪(:‬من أراد أن يتزوج امرأة حرة أو أم‪KK‬ة‪ ،‬فل‪KK‬ه أن ينظ‪KK‬ر منه‪KK‬ا ‪ -‬متغفال له‪KK‬ا‪،‬‬
‫وغير متغفل ‪ -‬إلى ما بطن منها وظهر)(‪)6‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬أن له النظر إلى مواضع اللحم‪ ،‬وهو قول األوزاعي (‪.)7‬‬
‫ال رأي الث الث‪ :‬ص‪KK‬ح عن ابن عم‪KK‬ر إباح‪KK‬ة النظ‪KK‬ر إلى س‪KK‬اقها وبطنه‪K‬ا‪ K‬وظهره‪KK‬ا‪،‬ويض‪KK‬ع ي‪KK‬ده على عجزه‪KK‬ا‬
‫وصدرها (‪.)8‬‬
‫الرأي الرابع‪ :‬صح عن أبي موسى‪ K‬األشعري إباحة النظ‪KK‬ر إلى م‪KK‬ا ف‪KK‬وق الس‪KK‬رة ودون الركب‪KK‬ة‪ ،‬وروي ذل‪KK‬ك‬

‫‪ )(1‬مسلم‪.2/1122:‬‬
‫‪ )(2‬المغني ‪ ،7/74:‬الغرر البهية ‪ ،4/94:‬حاشية الدسوقي ‪ ،2/216:‬اإلنصاف ‪.8/19:‬‬
‫‪ )(3‬المغني ‪.7/74:‬‬
‫‪ )(4‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪.2/216:‬‬
‫‪ )(5‬وقد روي عن اإلمام أحمد أقوال أخرى ذكرها ابن قدامة منها‪ «:‬ما يظهر غالبا سوى الوجه كالكفين والقدمين ونح‪KK‬و ذل‪KK‬ك مم‪KK‬ا‬
‫تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان‪:‬‬
‫‪.1‬ال يباح النظر إليه ألنه عورة فلم يبح النظر إليه كال‪KK‬ذي ال يظه‪KK‬ر‪ ،‬ف‪KK‬إن عب‪KK‬د هللا روى أن الن‪KK‬بي ‪ ‬ق‪KK‬ال‪« :‬الم‪KK‬رأة ع‪KK‬ورة « وألن‬
‫الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه‪ ،‬فبقي ما عداه على التحريم‪.‬‬
‫‪. 2‬أن له النظر إلى ذلك‪ .‬قال أحمد في رواية حنبل‪ :‬ال بأس أن ينظر إليها‪ ،‬وإلى ما يدعوه إلى نكاحها‪ ،‬من يد أو جسم ونحو ذلك‪ .‬قال‬
‫أبو بكر‪ :‬ال بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة »‪ ،‬المغني ‪.7/63:‬‬
‫‪ )(6‬المحلى‪.9/161:‬‬
‫‪ )(7‬نيل األوطار‪ ،‬ج‪،6‬ص‪.133‬‬
‫‪ )(8‬المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.161‬‬
‫أيضا عن سعيد بن المسيب(‪.)1‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫من خالل األقوال المروية في المسألة‪ ،‬ومن خالل النصوص المذكورة فيه‪KK‬ا ن‪KK‬رى أن الغ‪KK‬رض من الرؤي‪KK‬ة‬
‫هو التعرف على جسد المخطوبة‪ ،‬وهو يختلف باختالف الراغب في الزواج‪ ،‬وباختالف‪ K‬المرغوب خطبتها‪ ،‬فرب‬
‫امرأة يكتفى من جمالها بوجهها وكفيها‪ ،‬ورب امرأة أخرى يحتاج إلى النظر إلى شعرها أو ساقيها أو أطرافها‪K.‬‬
‫واألمر في الرجال كذلك مختلف‪ ،‬فمن الرجال من يكتفي بالوجه والكفين‪،‬ومنهم‪ K‬من يريد في ذلك مزيدا من‬
‫التفاصيل‪.‬‬
‫وبما أن الغرض الشرعي من النظر هو الترغيب في النظر إلى ما يعجبه منها نرى إباح‪K‬ة ذل‪K‬ك كل‪K‬ه إذا م‪K‬ا‬
‫كان الهدف صحيحا وصادقا إلطالق النصوص في ذلك‪ ،‬ولكنا مع ذلك نستبعد القول بجواز رؤي‪KK‬ة جمي‪KK‬ع جس‪KK‬دها‬
‫ما عدا العورة المغلظة ألنه مما تربأ عنه الطبائع السليمة‪.‬‬
‫وقد قال بهذا ال‪KK‬ترجيح بس‪KK‬بب إطالق النص‪KK‬وص الص‪KK‬نعاني‪ K‬حيث ق‪KK‬ال في س‪KK‬بل الس‪KK‬الم‪(:‬والح‪KK‬ديث مطل‪KK‬ق‬
‫فينظر‪ K‬إلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه)(‪)2‬‬
‫وقال المحقق البحراني‪( K:‬والمفهوم في هذه األخبار بعد ضم بعضها إلى بعض أنه يج‪K‬وز‪ K‬النظ‪K‬ر إلى الوج‪KK‬ه‬
‫والكفين ظاهرا وباطنا‪ ،‬وإليه يشير تجويز النظر إلى معاصمها وهو كما عرفت موضع السوار من الي‪KK‬د ف‪KK‬إن في‪KK‬ه‬
‫زيادة تحديد الكفين اللذين هما إلى مفص‪KK‬ل الزن‪KK‬د‪ ،‬ول‪KK‬ذا يج‪KK‬وز النظ‪KK‬ر إلى ش‪KK‬عرها ومحاس‪KK‬نها‪ ،‬وفس‪KK‬رت بمواض‪K‬ع‪K‬‬
‫الزينة منها‪ ،‬وهو أوسع دائرة من الوجه والكفين)(‪)3‬‬
‫وقت النظر ‪:‬‬
‫يجوز النظر لمن يرغب في خطبتها قبل الخطبة وبعدها‪ ،‬ألن النظر إليها قب‪KK‬ل الخطب‪KK‬ة ي‪KK‬دعوه إلى خطبته‪KK‬ا‬
‫في حال قبوله بها‪ ،‬والنظر‪ K‬بعدها يؤكد‪ K‬هذه الرغبة بعد إعالنها‪،‬ولكنا نرى كراهة تأخير الرؤية إلى ما بعد الخطبة‬
‫كما يحصل في بعض المجتمعات المحافظة لم‪K‬ا ينج‪K‬ر عن ذل‪K‬ك من إذي‪K‬ة الم‪K‬رأة أو أهله‪K‬ا عن‪K‬د فس‪K‬خ الخطب‪K‬ة بع‪K‬د‬
‫الرؤية‪ ،‬وقد نبه إلى هذا العز بن عبد السالم في قوله ‪(:‬ويقدم الرؤية واإلرسال على الخطبة‪ ،‬كي ال يش‪KK‬اهدها بع‪KK‬د‬
‫الخطبة فال تعجبه فيتركها ويكسرها‪ K‬ويكسر أولياءها بزهده فيهم)(‪)4‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فجواز النظر إليها يستلزم توفر‪ K‬الشروط التالية(‪:)5‬‬
‫‪1‬ـ صالحية هذه المرأة للزواج من هذا الرجل حال النظر‪.‬‬
‫‪2‬ـ موافقة المرأة على الزواج من هذا الرجل بحيث تكون ممكنة ومحتملة‪.‬‬
‫‪3‬ـ البد من احتمال ان هذا النظر يمكن ان يفيد شيئا جديدا للناظر‪.‬‬
‫‪4‬ـ االقتصار‪ K‬بهذا النظر على ارادة تزوج هذه المرأة بالذات‪ ،‬وال يكفي إرادة أصل الزواج‪.‬‬
‫‪5‬ـ ال يكفي في هذا النظر احتمال العزم على الزواج بها بعد النظر‪.‬‬
‫حكم االستئذان للنظر‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في اعتبار اإلذن لجواز‪ K‬النظر على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬اعتبار اإلذن‪ ،‬وهو ما اختاره اإلمام مالك لعلتين‪:‬‬
‫‪ .1‬سدا للذريعة حتى ال يتط‪KK‬رق‪ K‬أه‪KK‬ل الفس‪KK‬اد للنظ‪KK‬ر لمح‪KK‬ارم الن‪KK‬اس ويقول‪KK‬ون‪ :‬نحن خط‪KK‬اب‪ ،‬وفي المنتقى ‪:‬‬
‫(سألت عيسى عن اإلطالع للنظر فقال قد ج‪KK‬اءت في‪KK‬ه رخص‪KK‬ة وك‪KK‬ان مال‪KK‬ك ال ي‪KK‬راه خوف‪KK‬ا أن يطل‪KK‬ع على‬
‫عورة وال بأس أن يستأذن عليها فيدخل)(‪)6‬‬

‫المحلى‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.161‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫سبل السالم‪ ،‬ج‪،2‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الحدائق الناضرة‪.23/42 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫قواعد األحكام‪ ،‬ج‪ 2‬نص‪.146‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫فقه النظر‪ ،‬السيد مهند مصطفى جمال الدين‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫المنتقى‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،266‬الخرشي ج‪ ،3‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪ .2‬خشية الفتنة علي‪KK‬ه إذا علم ع‪KK‬دم اإلجاب‪KK‬ة ويح‪KK‬رم نظ‪KK‬ره في ه‪KK‬ذه الحال‪KK‬ة‪ ،‬وإن لم يخش الفتن‪KK‬ة ك‪KK‬ره النظ‪KK‬ر‪،‬‬
‫وتنتفي الكراهة والحرمة إن كان يعلم أنه لو سألها النظر لما ذكر تجيبه إن كانت غير مج‪KK‬برة أو إذا س‪KK‬أل‬
‫وليها يجيبه لذلك إذا كانت مجبرة أو جهل الحال‪ ،)1( .‬وكال العلتين ترج‪K‬ع إلى س‪K‬د الذريع‪K‬ة‪ ،‬ف‪K‬األولى‪ K‬س‪K‬د‬
‫لذريعة االنحراف االجتماعي‪ ،‬والثانية سد لذريعة االنحراف‪ K‬النفسي‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يجوز‪ K‬له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم ال‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول عام‪KK‬ة الفقه‪KK‬اء‪ ،‬وعلي‪KK‬ه يحم‪KK‬ل‬
‫ظاهر األحاديث(‪.)2‬‬
‫الترجيح ‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة جواز النظر لمن صدق‪ K‬في الرغبة في خطبتها وعلم بإمكاني‪KK‬ة قبوله ‪K‬ا‪ K‬أو قب‪KK‬ول‬
‫أهلها من غير استئذان لما يسببه االستئذان من حرج لها في حال عدم رضاه بها‪.‬‬

‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.216‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫نيل األوطار‪ ،‬ج‪،6‬ص‪.133‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫أحكام الخطبة‬
‫نتناول في هذا الفصل الحديث عن األحكام المتعلقة بالخطبة‪ ،‬سواء كانت أحكام‪KK‬ا أص‪KK‬لية أم عارض‪KK‬ة‪ ،‬وم‪KK‬ا‬
‫يترتب عنها‪.‬‬
‫أوال ـ مفهوم الخطبة وأحكامها‬
‫‪ 1‬ـ تعريف الخطبة ‪:‬‬
‫لغة‪ :‬خطب الـمرأة يخطبه‪KK‬ا خطب‪KK‬ا وخطب‪KK‬ة‪ ،‬بالكس‪KK‬ر‪ ،‬وجم‪KK‬ع الـخاطب‪ :‬خط‪KK‬اب‪ .‬الـجوهري‪ :‬والـخطيب‪K‬‬
‫الـخاطب‪ ،‬والـخطيبى الـخطبة‪ .‬والـخطب‪ :‬الذي يخطب الـمرأة‪ ،‬والـخطبة مصدر بمنزل‪KK‬ة الـخطب‪ ،‬وه‪KK‬و بمنزل‪KK‬ة‬
‫قولك‪ :‬إنه لـحسن القعدة والـجلسة‪ .‬والع‪KK‬رب تق‪KK‬ول‪ :‬فالن خطب فالن‪KK‬ة إذا ك‪KK‬ان يخطبه‪KK‬ا‪ .‬ويق‪KK‬ول الـخاطب‪ :‬خطب‬
‫فـيقول الـمخطوب إلـيهم‪ :‬نكح وهي كلـمة ك‪KK‬انت الع‪KK‬رب ت‪KK‬تزوج به‪KK‬ا‪ .‬ورج‪KK‬ل خط‪KK‬اب‪ :‬كثـير التص‪KK‬رف‪ K‬فـي‬
‫الـخطبة(‪.)1‬‬
‫اصطالحا‪ :‬عرفت الخطبة تعاريف مختلفة منها(‪:)2‬‬
‫‪ .1‬هي ما يورد من الخطب في استدعاء النكاح واإلجابة إليه‪.‬‬
‫‪ .2‬هي التماس التزويج والمحاولة عليه صريحا‪ ،‬مثل أن يقول فالن يخطب فالن‪KK‬ة أو غ‪KK‬ير ص‪KK‬ريح كـ[يري‪KK‬د‬
‫االتصال بكم والدخول في زمرتكم] من الخاطب والمجيب‪.‬‬
‫‪ .3‬هي التماس النكاح تصريحا وتعريضا‬
‫ومن القيود التي ضبطت بها الخطبة(‪: )3‬‬
‫‪ .1‬أنها تستعمل في كل ما يس‪K‬تدعى ب‪K‬ه ال‪KK‬زواج من الق‪KK‬ول‪ ،‬وإن لم يكن مؤلف‪KK‬ا على نظم الخطب فيق‪KK‬ال‪ :‬فالن‬
‫يخطب فالنة إذا طلب زواجه‪KK‬ا وإن لم يوج‪K‬د‪ K‬من‪K‬ه لف‪KK‬ظ يس‪KK‬مى خطب‪KK‬ة وي‪KK‬دل علي‪KK‬ه قول‪KK‬ه ‪(: ‬ال يخطب‬
‫أحدكم على خطبة أخيه)(‪ )4‬ولم يعن بالخطبة الكالم المؤلف الذي يؤتى‪ K‬به عند انعق‪KK‬اد النك‪KK‬اح‪ ،‬وإنم‪KK‬ا أراد‬
‫ما يتراجع به القول عند محاولة ذلك ومراوضته‪.‬‬
‫‪ .2‬أن الخطبة ليست عقدا شرعيا ملزما‪ ،‬وإن تخيل كونها عقدا فليس بالزم بل هو جائز من الجانبين قطعا‪.‬‬
‫‪ .3‬أن الخطبة هي ما يجري من المراجعة والمحاولة للنكاح‪ ،‬ألنه أمر غير مقدر وال يتعين له أول وال آخر‪.‬‬
‫‪ .4‬أن الخطبة وسيلة للزواج غالبا‪ ،‬إذ ال يخلو عنها في معظم الصور‪ ،‬وليست شرطا‪ K‬لصحته‪ ،‬فلو تم ب‪KK‬دونها‬
‫كان صحيحا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحكم األصلي للخطبة‪:‬‬
‫اختلف العلماء في الحكم األصلي للخطبة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن األصل في حكم الخطبة هو االستحباب وهو مذهب جمهور العلماء‪ ،‬بل ص‪KK‬رح ابن قدام‪KK‬ة‬
‫إلى (أنها غير واجبة عند أحد من أهل العلم علمناه إال داود)(‪ ،)5‬ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أن رجال قال للنبي ‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬زوجنيها‪ K.‬فقال رسول هللا ‪( :‬زوجتكها‪ K‬بما معك من الق‪KK‬رآن)(‪،)6‬‬
‫فلم يذكر خطبة فدل ذلك على جواز التزويج بدون خطبة‪.‬‬
‫لسان العرب‪ ،1/360 :‬مختار الصحاح‪.76 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المنتقى‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،264‬الخرشي‪،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،167‬نهاية المحتاج‪ ،‬ج‪،6‬ص‪.201‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫حاشية البجيرمي عل الخطيب‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.407‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البخاري ‪،2/752:‬مسلم‪،2/1029:‬الموطأ‪.2/523:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المغني‪.7/63:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫البخاري ‪،4/1920:‬مسلم ‪،2/1040:‬الموطأ ‪ ،2/526:‬الترمذي ‪.3/421:‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪ .2‬عن رجل من بني سليم‪ ،‬قال‪ :‬خطبت إلى رسول هللا ‪ ‬أمام‪KK‬ة بنت عب‪KK‬د المطلب‪ ،‬ف‪KK‬أنكحني‪ K‬من غ‪KK‬ير أن‬
‫يتشهد(‪ ،)1‬قال ابن القيم ‪(:‬وفيه أنه ال يشترط في صحة العقد تقدم الخطبة إذا لم يق‪KK‬ع في ش‪KK‬يء من ط‪KK‬رق‬
‫هذا الحديث وقوع‪ K‬حمد وال تشهد وال غيرهما من أركان الخطبة)(‪)2‬‬
‫‪ .3‬أنه عقد معاوضة‪ ،‬فلم تجب فيه الخطبة كالبيع‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الوجوب‪ ،‬وهو قول داود الظاهري‪ K‬على ما ذكره الناقلون عن‪K‬ه‪ ،‬وربم‪KK‬ا اس‪KK‬تدل بم‪KK‬ا ي‪KK‬دل على‬
‫االستحباب على القول بالوجوب‪،‬فقد‪ K‬قال في المغني ‪(:‬وما استدلوا‪ K‬به يدل على عدم الكمال بدون الخطب‪KK‬ة‪ ،‬ال على‬
‫الوجوب)(‪ ،)3‬وقال‪ K‬ابن القيم ‪(:‬ووافقهم‪ K‬من الشافعية أبو عوانة فترجم في صحيحه باب وجوب الخطبة عند العق‪KK‬د)‬
‫(‪)4‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو أن الخطبة سنة كما دل على ذلك النصوص‪ ،‬وس‪KK‬نيتها‪ K‬تتحق‪KK‬ق فيم‪KK‬ا ل‪KK‬و علم‬
‫الولي مثال قبول موليته الزواج بمن تقدم إليها‪ ،‬أو كانت حاضرة وعلم رأيها‪ ،‬فتتحول بالت‪KK‬الي نفس الخطب‪K‬ة عق‪KK‬دا‪،‬‬
‫ولكن في حال عدم العلم‪ ،‬أو الحاجة إلى االستئذان‪ ،‬وهو األعم األغلب‪ ،‬تتحول الخطب‪KK‬ة إلى حكم الوج‪KK‬وب تفريق‪KK‬ا‬
‫بينها وبين العقد الشرعي‪ ،‬وه‪KK‬ذا الوج‪KK‬وب‪ ،‬وإن لم تقتض‪KK‬ه النص‪KK‬وص‪ ،‬ولكن‪KK‬ه وس‪KK‬يلة ال‪KK‬واجب‪ ،‬ووس‪KK‬يلة ال‪KK‬واجب‬
‫واجبة‪ ،‬والواجب هنا هو االس‪K‬تئذان واالس‪K‬تئمار‪ K‬والتح‪K‬ري‪ ،‬وك‪K‬ل ه‪K‬ذه الواجب‪K‬ات تقتض‪K‬ي التمه‪K‬ل قب‪K‬ل عق‪K‬د العق‪K‬د‬
‫الشرعي‪ ،‬وبالتالي تقتضي الخطبة‪.‬‬
‫وهذا الترجيح على مقتضى ما ذكرنا في قيود‪ K‬الخطبة من أنها مجرد التماس النك‪K‬اح‪ ،‬ال م‪K‬ا يق‪K‬ال من خطب‬
‫ويعقد من اجتماعات‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األحكام العارضة للخطبة‪:‬‬
‫يع‪K‬رض للخطب‪K‬ة األحك‪K‬ام الش‪KK‬رعية األخ‪K‬رى‪ ،‬ألن حكم الوس‪KK‬يلة ت‪KK‬ابع لحكم المقص‪K‬د‪ ،‬فتك‪K‬ره ممن يك‪K‬ره ل‪K‬ه‬
‫النكاح‪ ،‬وتحرم‪ K‬ممن يحرم عليه(‪ ،)5‬وسنذكر‪ K‬هنا بعض أحكامها العارضة‪:‬‬
‫الخطبة المباحة‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن المرأة التي تجوز خطبتها هي المرأة التي لم يقم بها أي مانع من موان‪KK‬ع ال‪KK‬زواج اآلتي‬
‫ذكرها‪ ،‬واتفقوا على أنه يجوز خطبتها‪ K‬تصريحا وتعريضا‪.‬‬
‫الخطبة المحرمة ‪:‬‬
‫وسبب تحريمها ثالثة أمور‪:‬‬
‫أمر قائم بالخاطب ‪ :‬وهو حرمة الزواج عليه كما سنذكر‪ K‬في موانع الزواج‪ ،‬فمن حرم عليه الزواج ح‪KK‬رمت‬
‫عليه الخطبة لكونها طلبا لما يحرم وللوسائل‪ K‬حكم الغايات‪ ،‬ولكن بعض الفقهاء ذهب إلى إباحة ذلك‪ ،‬ولسنا ن‪KK‬دري‬
‫وجه استدالله على ذلك‪.‬‬
‫أمر ق ائم بالمخطوبة ‪ :‬وهي خطبة الم‪KK‬رأة ل‪KK‬تي ق‪KK‬ام به‪KK‬ا م‪KK‬انع من الموان‪KK‬ع ال‪KK‬تي تمنعه‪KK‬ا من ال‪KK‬زواج وال‪KK‬تي‬
‫سنفصل الكالم عليها بإذن هللا في موانع الزواج‪ ،‬ولكنا نقتص‪KK‬ر هن‪KK‬ا على أم‪KK‬رين لهم‪KK‬ا عالق‪KK‬ة بالخطب‪KK‬ة المحرم‪KK‬ة‪،‬‬
‫وهما‪:‬‬
‫خطبة المرأة في حال عدتها ‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على ثالثة أحكام تتعلق بعدة المرأة هي‪:‬‬
‫‪ .1‬تحريم‪ K‬خطبة المرأة المعتدة تصريحا‪ K‬مهما كان نوع عدتها‪.‬‬
‫‪ .2‬تحريم‪ K‬خطبة المرأة المعتدة من طالق رجعي تصريحا وتعريضا‪K.‬‬

‫أبو داود ‪،2/239:‬سنن البيهقي الكبرى‪.7/147:‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫عون المعبود‪.6/111:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المغني‪ ،7/63:‬المنتقى‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.264‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫عون المعبود‪.6/111:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫حاشيتا قليوبي وعميرة‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.214‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫‪ .3‬جواز خطبة المعتدة من وفاة زوجها‪ K‬تعريضا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫والدليل على ذلك كله هو قوله تعالى‪َ ﴿ :‬والَّ ِذينَ يُت ََوفوْ نَ ِمنك ْم َويَذرُونَ أز َواجًا يَتَ َربَّصْ نَ بِأنف ِس ِه َّن أرْ بَ َعةَ أشه ٍُر‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ُوف َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُونَ خَ بِ‪KK‬ي ٌر َوال ُجنَ‪KK‬ا َح َعلَ ْي ُك ْم‬ ‫َو َع ْشرًا فَإِ َذا بَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَال ُجنَا َح َعلَ ْي ُك ْم فِي َما فَ َع ْلنَ فِي أَنفُ ِس ِه َّن بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫اع‪ K‬دُوه َُّن ِس‪ًّ K‬را إِالَ أَ ْن‬ ‫فِي َما َعرَّضْ تُ ْم بِ ِه ِم ْن ِخ ْ‬
‫طبَ‪ِ K‬ة النِّ َس‪K‬ا ِء أَوْ أَ ْكنَنتُ ْم فِي أَنفُ ِس‪ُ K‬ك ْم َعلِ َم هَّللا ُ أَنَّ ُك ْم َس‪K‬ت َْذ ُكرُونَه َُّن َولَ ِك ْن ال تُ َو ِ‬
‫اح َحتَّى يَ ْبلُ َغ ْال ِكتَ‪KK‬ابُ أَ َجلَ‪K‬هُ َوا ْعلَ ُم‪KK‬وا أَ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َم‪KK‬ا فِي أَنفُ ِس‪ُ K‬ك ْم فَاحْ‪َ K‬ذرُوهُ‬ ‫ْز ُموا ُع ْق َدةَ النِّ َك ِ‬ ‫تَقُولُوا قَوْ الً َم ْعرُوفًا َوال تَع ِ‬
‫َوا ْعلَ ُموا أَ َّن هَّللا َ َغفُو ٌر َحلِي ٌم﴾ (البقرة‪)235- 234 :‬‬
‫فهذا النص الكريم يبين عدة المتوفى‪ K‬عنه‪K‬ا زوجه‪KK‬ا‪ ،‬واألحك‪K‬ام‪ K‬المتص‪K‬لة به‪K‬ا‪ ،‬ورف‪KK‬ع الجن‪KK‬اح عن التع‪KK‬ريض‬
‫بخطبته‪K‬ا‪ K‬في الع‪K‬دة‪ ،‬ونهى عن المواع‪K‬دة بالنك‪K‬اح‪ ،‬وه‪K‬و الخطب‪K‬ة الص‪K‬ريحة‪ ،‬ثم نهى عن العق‪K‬د عليه‪K‬ا ح‪K‬تى تنتهي‬
‫عدتها‪ ،‬والمراد‪ K‬بالنساء هن المتوفى‪ K‬عنهن أزواجهن بدليل سياق‪ K‬الكالم فيقتصر‪ K‬االستثناء على موضعه‪.‬‬
‫وقد ذكر الفقهاء السر في إباحة التعريض بأن الزوجية قد انقطعت بالوفاة‪ ،‬وال أمل في عودتهم‪KK‬ا فليس هن‪KK‬ا‬
‫زوج يتضرر‪ K‬من هذا التعريض‪ ،‬وقد يكون في ذل‪K‬ك ع‪K‬زاء له‪K‬ذه الم‪K‬رأة ال‪K‬تي فق‪K‬دت عائله‪K‬ا‪ ،‬فال ينقط‪K‬ع أمله‪K‬ا في‬
‫الحياة الكريمة في ظل زوج كريم‪ ،‬أما منع التصريح فمراعاة لجانب المرأة من ناحية أخرى‪ ،‬وه‪KK‬و إح‪KK‬دادها على‬
‫زوجها‪ ،‬فلو أبيح التصريح لحمل المرأة على التزين وترك اإلحداد‪ ،‬على أن ال‪KK‬زوج ال يع‪KK‬دم أن يك‪KK‬ون ل‪KK‬ه أق‪KK‬ارب‬
‫يلحقهم األذى بهذا التصريح‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء فيمن لم تبق تحت عصمة زوجها بالطالق البائن أو الفسخ هل يج‪K‬وز خطبته‪KK‬ا تعريض‪KK‬ا‬
‫أم ال على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن المعتدة من طالق بائن بينونة صغرى‪ K‬ال تج‪K‬وز خطبته‪K‬ا‪ ،‬ال تص‪K‬ريحاً‪ K‬وال تعريض‪K‬اً‪ ،‬وه‪K‬و‬
‫قول الحنفية‪ ،‬ومن أدلتهم على ذلك(‪:)1‬‬
‫‪ .1‬أن التعريض للمطلقة اكتساب عداوة وبغض فيم‪KK‬ا بينه‪K‬ا وبين زوجه‪K‬ا‪ ،‬إذ الع‪K‬دة من حق‪K‬ه ب‪K‬دليل أن‪K‬ه إذا لم‬
‫يدخل بها ال تجب العدة‪ ،‬ومعنى‪ K‬العداوة ال يتقدر بينها وبين الميت وال بينها وبين ورثته أيضا‪ ،‬ألن الع‪KK‬دة‬
‫في المتوفى‪ K‬عنها زوجها ليست لحق الزوج بدليل أنها تجب قبل الدخول بها فال يكون التع‪KK‬ريض في ه‪KK‬ذه‬
‫العدة تسبيبا إلى العداوة والبغض بينها وبين ورثة المتوفى فلم يكن بها بأس‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه ال يجوز للمعتدة من طالق الخروج من منزلها أصال بالليل وال بالنهار فال يمكن التعريض على وج‪KK‬ه‬
‫ال يقف عليه الناس واإلظهار بذلك بالحضور‪ K‬إلى بيت زوجها‪ K‬قبيح‪ .‬وأما المتوفى‪ K‬عنها زوجها فيب‪KK‬اح له‪KK‬ا‬
‫الخروج نهارا فيمكن التعريض على وجه ال يقف عليه سواها‪.‬‬
‫‪K‬اف في من‪KK‬ع خطبته‪KK‬ا لئال‬ ‫‪ .3‬أن الطالق البائن مع قطعه لرب‪KK‬اط الزوجي‪KK‬ة إال أن بعض آث‪KK‬اره باقي‪KK‬ة‪ ،‬وذل‪KK‬ك ك‪ٍ K‬‬
‫يؤدي‪ K‬ذلك إلى إثارة النزاع بين مطلقها وبين من خطبها‪.‬‬
‫‪ .4‬أن إباحة خطبتها قد يحملها على ارتكاب محظور إذا رغبت في زواج من خطبها‪ ،‬فتق‪KK‬ر بانقض‪KK‬اء ع‪KK‬دتها‬
‫في مدة زاعمة أنها حاضت فيها ثالث حيضات‪ ،‬وتصدق في ذلك اإلقرار‪ ،‬ألنه أمر ال يعلم إال من جهتها‬
‫وليس ألحد سلطان عليها‪ ،‬بخالف المتوفى عنها زوجها‪ K‬فإن جواز التعريض في حقه‪KK‬ا ال ي‪KK‬ؤدي إلى ه‪KK‬ذا‬
‫المحظور‪ K‬حيث تعتد بوضع الحمل إن كانت حامال أو بأربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حامالً‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يجوز‪ K‬التع‪K‬ريض بخطب‪K‬ة الم‪K‬رأة المعت‪K‬دة غ‪K‬ير الرجعي‪K‬ة‪ ،‬ك‪K‬أن تك‪K‬ون معت‪K‬دة عن وف‪K‬اة‪ ،‬أو‬
‫شبهة‪ ،‬أو فراق بائن بطالق‪ ،‬أو فسخ‪ ،‬وحكم‪ K‬جواب الم‪K‬رأة تص‪K‬ريحا‪ K‬وتعريض‪K‬ا‪ K‬حكم الرج‪K‬ل في ذل‪K‬ك‪ ،‬وه‪K‬و ق‪K‬ول‬
‫الجمهور‪ K‬من المالكية والشافعية والحنابلة(‪ ،)2‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫َّض‪KK‬تُ ْم بِ ‪ِ K‬ه ِم ْن ِخ ْ‬
‫طبَ ‪ِ K‬ة النِّ َس ‪K‬ا ِء أَوْ أَ ْكنَنتُ ْم فِي أَنفُ ِس ‪ُ K‬ك ْم َعلِ َم هَّللا ُ أَنَّك ْمُ‬ ‫‪K‬اح َعلَ ْي ُك ْم فِي َم‪KK‬ا َعر ْ‬ ‫‪ .1‬قول‪KK‬ه تع‪KK‬الى‪َ ﴿ :‬واَل ُجنَ‪َ K‬‬
‫اح َحتَّى يَ ْبلُ َغ ْال ِكتَابُ‬ ‫َست َْذ ُكرُونَه َُّن َولَ ِك ْن اَل تُ َوا ِعدُوه َُّن ِس ًّرا إِاَّل أَ ْن تَقُولُوا قَوْ اًل َم ْعرُوفًا َواَل تَع ِ‬
‫ْز ُموا ُع ْق َدةَ النِّ َك ِ‬
‫أَ َجلَهُ َوا ْعلَ ُموا أَ َّن هَّللا َ يَ ْعلَ ُم َما فِي أَنفُ ِس ُك ْم فَاحْ َذرُوهُ َوا ْعلَ ُم‪KK‬وا أَ َّن هَّللا َ َغفُ‪KK‬و ٌر َحلِي ٌم﴾(البق‪KK‬رة‪ ﴾)235:‬وم‪KK‬ع ورود‪K‬‬
‫اآلية في عدة الوفاة إال أنها تشمل كل ما يشابهه من أنواع الفراق‪.‬‬

‫بدائع الصنائع‪،‬ج‪ ،3‬ص‪.204‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أسنى المطالب‪ ،‬ج‪،3‬ص‪ ،115‬حاشية البجيرمي على المنهاج‪ ،‬ج‪ ،330 ،3‬األم‪،‬ج‪ ،5‬ص‪.39‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫‪ .2‬عدم سلطنة الزوج عليها فهي في جميع تلك األحوال ليس لها زوج‪ ،‬وإنما منع التصريح لها بالخطب‪KK‬ة م‪KK‬ع‬
‫ذلك ألنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدة‪.‬‬
‫‪ .3‬أنه ال يجوز خطبتها‪ K‬تصريحا ً مراعاة لجانب الزوج المطلق‪ ،‬ألنها معتدة منه‪ ،‬وقد يثور‪ K‬النزاع بين‪KK‬ه وبين‬
‫من خطبه‪K‬ا‪ ،‬أم‪K‬ا خطبته‪K‬ا بطري‪K‬ق‪ K‬التع‪K‬ريض فالنقط‪K‬اع الزوجي‪K‬ة ب‪K‬الطالق الب‪K‬ائن‪ ،‬وه‪K‬و ك‪K‬اف في ج‪K‬واز‬
‫التعريض الذي ال يثير النزاع بينه وبين مطلقها‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة واألوفق‪ K‬بمقاصد الشريعة هو النظ‪KK‬ر في المص‪KK‬الح والمفاس‪KK‬د المترتب‪KK‬ة عن كال‬
‫األمرين‪ ،‬فإن رأى أن في التعريض إذية للزوج أو الزوجة كف عنه إال إذا خشي أن يس‪KK‬بقه إليه‪KK‬ا غ‪KK‬يره‪ ،‬فيج‪KK‬وز‪،‬‬
‫ألن األم‪KK‬ر حين‪KK‬ذاك أهم من مراع‪KK‬اة المش‪KK‬اعر ال‪KK‬تي ق‪KK‬د تك‪KK‬ون متوهم‪KK‬ة وال‪KK‬دليل عليه‪KK‬ا ه‪KK‬و الف‪KK‬راق الحاص‪KK‬ل بين‬
‫الزوجين‪.‬‬
‫أما إن كان األذى من جهة الزوج فقط‪ ،‬فإن أولى األقوال هو الق‪KK‬ول الث‪KK‬اني‪ ،‬ألن ال‪KK‬زوج ق‪KK‬د انقطعت ص‪KK‬لته‬
‫بزوجته‪ ،‬وقد كان سببا أو محال لقطعها‪ ،‬فلذلك ال يصح مراعاة شعوره‪ ،‬ونسيان ش‪KK‬عور الم‪KK‬رأة‪ ،‬وهي المتض‪KK‬ررة‬
‫في أغلب األحوال‪ ،‬بل قد تكون حالتها تستدعي هذا التعريض‪.‬‬
‫خطبة المعتدة من نكاح فاسد أو المستبرأة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم التعريض بخطبة المعتدة من نكاح فاسد وفسخ وشبههما‪ ،‬كالمعتدة من لعان أو ردة‪،‬‬
‫أو المستبرأة من الزنى‪ ،‬أو التفريق لعيب أو عنة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬جواز التعريض لهن(‪ ،)1‬وهو قول جمهور‪ K‬المالكية والشافعية والحنابلة وجمهور‪ K‬الحنفية أخذا‬
‫بعموم‪ K‬اآلية وقياسا على المطلقة ثالثا‪ ،‬وأن سلطة الزوج قد انقطعت‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن التعريض يختلف حكمه بحسب ما يترتب عليه‪ ،‬فإن ك‪KK‬ان ي‪KK‬ؤدي إلى ع‪KK‬داوة المطل‪KK‬ق فه‪KK‬و‬
‫حرام‪ ،‬وإال فال‪ ،‬وهو قول بعض الحنفية‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو ما ذكرناه في المسألة السابقة من اعتب‪KK‬ار المص‪KK‬الح والمفاس‪KK‬د المنج‪KK‬رة عن‬
‫الخطبة مع مراعاة مصلحة المرأة في ذلك قبل مصلحة الرجل‪.‬‬
‫الفرق بين التصريح والتعريض بالخطبة ‪:‬‬
‫التصريح في الخطبة ‪:‬هو م‪KK‬ا يقط‪K‬ع بالرغب‪K‬ة في ال‪KK‬زواج‪ ،‬كقول‪KK‬ه‪ :‬أري‪KK‬د أن أتزوج‪KK‬ك أو إذا انقض‪K‬ت ع‪K‬دتك‬
‫تزوجتك‪ K.‬وال فرق في ذلك بين الحقيقة والمجاز‪ K‬والكناي‪K‬ة كقول‪K‬ه ‪(:‬أري‪K‬د أن أنف‪K‬ق علي‪K‬ك نفق‪K‬ة الزوج‪K‬ات)فك‪K‬ل من‬
‫الثالثة إن أفاد القطع بالرغبة في النكاح فهو تصريح‪،‬أو مجرد االحتمال لها فتعريض‪.‬‬
‫التعريض بالخطبة ‪ :‬هو ما يحتمل الرغبة في الزواج وغيره من األقوال واألفعال‪ ،‬ومن األمثلة التي ذكرها‬
‫الفقهاء لذلك(‪:)2‬‬
‫األق وال‪ :‬وهي أن يق‪KK‬ول الرج‪KK‬ل للم‪KK‬رأة وهي في ع‪KK‬دتها من وف‪KK‬اة زوجه‪KK‬ا‪ :‬إن‪KK‬ك علي لكريم‪KK‬ة‪ ،‬وإني في‪KK‬ك‬
‫لراغب‪ ،‬وإن هللا لسائق إليك خيرا ورزقا وإنك لنافقة‪ ،‬وإن‪K‬ك إللى خ‪K‬ير‪ ،‬وإني ب‪K‬ك لمعجب‪ ،‬وإني ل‪K‬ك لمحب‪ ،‬وإن‬
‫يقدر أمر يكن ونحو‪ K‬هذا من القول‪.‬‬
‫األفعال ‪:‬كأن يهدي إليها الهدية‪ ،‬وفيما‪ K‬رواه ابن حبيب عن مالك قال ‪(:‬وال أحب أن يفتي ب‪KK‬ه إال من تحج‪KK‬زه‬
‫التقوى عما وراءه‪ ،‬ووجه ذلك أنه ليس في الهداية تصريح بالنكاح وال مواعدة وإنما فيه إظهار المودة كقوله‪ :‬إني‬
‫فيك لراغب وإني عليك لحريص)(‪)3‬‬

‫‪ )(1‬هذا كله في غير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها‪ ،‬أما هو فيحل له التعريض والتصريح‪ ،‬وأما من ال يحل له نكاح‪KK‬ه فيه‪KK‬ا‬
‫كما لو طلقها الثالثة أو رجعيا فوطئها أجنبي بشبهة في العدة فحملت منه‪ ،‬ف‪K‬إن ع‪K‬دة الحم‪K‬ل تق‪K‬دم‪ ،‬فال يح‪K‬ل لص‪K‬احب ع‪K‬دة الش‪K‬بهة أن‬
‫يخطبها ; ألنه ال يجوز له العقد عليها حينئذ‪.‬‬
‫‪ )(2‬حاشية البجيرمي على المنهاج‪ ،‬ج‪ ،330 ،3‬المدونة‪،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،20‬المنتقى‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.265‬‬
‫‪ )(3‬المنتقى‪ ،‬ج‪،3‬ص‪.265‬‬
‫حكم جواب الخطبة‪:‬‬
‫نص الفقهاء على أن حكم جواب المرأة أو وليه‪K‬ا للخ‪K‬اطب كحكم خطب‪K‬ة ه‪K‬ذا الخ‪K‬اطب حال وحرم‪K‬ة‪ ،‬فيح‪K‬ل‬
‫للمتوفى‪ K‬عنه‪KK‬ا زوجه‪KK‬ا المعت‪KK‬دة أن تجيب من ع‪KK‬رض بخطبته‪KK‬ا بتع‪KK‬ريض أيض‪KK‬ا‪ ،‬ويح‪KK‬رم عليه‪KK‬ا وعلى ك‪KK‬ل معت‪KK‬دة‬
‫التصريح بالجواب ‪ -‬لغير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها ‪ -‬وكذلك الحكم في بقية المعتدات كما مر سابقا‪.‬‬

‫خطبة المرأة المخطوبة‪:‬‬


‫اتفق الفقه‪KK‬اء على أن الخطب‪KK‬ة على الخطبة(‪ )1‬ح‪KK‬رام إذا حص‪KK‬ل الرك‪KK‬ون إلى الخ‪KK‬اطب األول‪ ،‬لم‪KK‬ا روي أن‬
‫رسول هللا ‪ ‬قال‪( :‬ال يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب)(‪)2‬‬
‫قال ابن عبد البر ‪(:‬هذا حديث صحيح ثابت عن النبي ‪ ‬وروى عن أبي هري‪KK‬رة من وج‪KK‬وه ورواه أيض‪KK‬ا‬
‫ابن عمر عن الن‪KK‬بي ‪ ،‬والمع‪KK‬نى في‪KK‬ه عن‪KK‬د أه‪KK‬ل العلم بالح‪KK‬ديث أن الخ‪KK‬اطب إذا ركن إلي‪KK‬ه وق‪KK‬رب أم‪KK‬ره وم‪KK‬الت‬
‫النفوس بعضها إلى بعض في ذلك وذكر الصداق ونحو ذلك لم يجز ألحد حينئذ الخطبة على رجل قد تناهت حاله‬
‫وبلغت ما وصفنا)(‪ ،)3‬واس‪KK‬تدل‪ K‬ل‪KK‬ذلك ب‪KK‬أن رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬خطب ألس‪KK‬امة بن زي‪KK‬د فاطم‪KK‬ة بنت قيس إذ أخبرت‪KK‬ه أن‬
‫معاوية وأبا جهم خطباها‪ ،‬ولم ينكر أيضا خطبة واحد منهما‪ ،‬وخطبها على خطبتهم‪K‬ا إذ لم يكن من فاطم‪K‬ة رك‪K‬ون‬
‫وميل‪ .‬وهذا النهي يجري‪ K‬مجرى قوله ‪(: ‬ال يبع بعضكم‪ K‬على بيع بعض وال يس‪K‬وم أح‪KK‬دكم على س‪K‬وم)(‪ ،)4‬وألن‬
‫فيها إيذاء وجفاء وخيانة وإفسادا على الخاطب األول‪ ،‬وإيقاعا للعداوة بين الناس‪.‬‬
‫وقد حكى النووي اإلجماع على أن النهي في الحديث للتحريم‪ ،)5(K‬ومع ذل‪KK‬ك فق‪KK‬د اختل‪KK‬ف في بعض المس‪KK‬ائل‬
‫المتعلقة بهذا الباب‪ ،‬ومنها‪K:‬‬

‫محل تحريم الخطبة على الخطبة ‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء في محل تحريم الخطبة على الخطبة على األقوال التالية‪:‬‬
‫الق ول األول‪ :‬أن‪KK‬ه يش‪KK‬ترط للتح‪KK‬ريم‪ K‬أن يك‪KK‬ون الخ‪KK‬اطب األول ق‪KK‬د أجيب‪ ،‬ولم ي‪KK‬ترك ولم يع‪KK‬رض‪ ،‬ولم ي‪KK‬أذن‬
‫للخاطب الثاني‪ ،‬وعلم الخاطب الثاني بخطبة األول وإجابته‪ ،‬وهو قول الشافعية والحنابلة(‪ ،)6‬وهو قريب من ق‪KK‬ول‬
‫ابن حزم‪ ،‬فقد قال ‪(:‬وال يحل لمسلم أن يخطب على خطبة مسلم سواء ركنا وتقاربا أو لم يكن ش‪KK‬يء من ذل‪KK‬ك‪ ،‬إال‬
‫أن يكون أفضل له‪KK‬ا في دين‪K‬ه وحس‪KK‬ن ص‪K‬حبته‪ ،‬فل‪KK‬ه حينئ‪K‬ذ أن يخطب على خطب‪KK‬ة غ‪K‬يره ممن ه‪KK‬و دون‪KK‬ه في ال‪K‬دين‬
‫وجميل الصحبة‪ ،‬أو إال أن يأذن ل‪KK‬ه الخ‪KK‬اطب األول في أن يخطبه‪KK‬ا فيج‪KK‬وز‪ K‬ل‪KK‬ه أن يخطبه‪KK‬ا حينئ‪KK‬ذ‪ ،‬أو إال أن ي‪KK‬دفع‬
‫الخاطب األول الخطبة فيكون لغيره أن يخطبه‪K‬ا‪ K‬حينئ‪KK‬ذ‪ ،‬أو إال أن ت‪KK‬رده المخطوب‪KK‬ة فلغ‪KK‬يره أن يخطبه‪KK‬ا حينئ‪KK‬ذ وإال‬
‫فال)(‪)7‬‬
‫القول الثاني‪ :‬يشترط لتحريم‪ K‬الخطبة على الخطبة ركون المرأة المخطوبة أو وليها‪ ،‬ووقوع‪ K‬الرضا بخطب‪KK‬ة‬
‫‪ )(1‬انظر‪ :‬منار السبيل‪ ،2/132 :‬المغني‪ ،7/111:‬المهذب‪ ،2/47 :‬إعانة الطالبين‪ ،3/268 :‬حاش‪KK‬ية البج‪KK‬يرمي‪ ،3/330 :‬م‪KK‬واهب‬
‫الجليل‪ ،3/411:‬شرح النووي على مسلم‪ ،10/158 ،9/197 :‬المحلى‪ ،10/34:‬نيل األوطار‪.6/235 :‬‬
‫‪ )(2‬البخاري‪ 2/752 :‬مسلم‪ ،2/1032 :‬ابن حبان‪ ،9/359 :‬الدارميك ‪ ،2/181‬البيهقيك ‪ ،7/180‬أحمد‪.2/122 :‬‬
‫‪ )(3‬التمهيد‪.13/19: K‬‬
‫‪ )(4‬البيهقي‪ ،5/344 :‬الموطأ‪.2/683 :‬‬
‫‪ )(5‬شرح النووي على مسلم‪.9/179:‬‬
‫‪ )(6‬وهو قول اإلمامية‪ :‬ففي (الخالف) للشيخ الطوسي ج ‪( 04‬ص‪ :)322 :‬ك‪KK‬ل موض‪KK‬ع نق‪KK‬ول‪ :‬يح‪KK‬رم على الرج‪KK‬ل أن يخطب على‬
‫خطبة غيره بأن تكون أجابت ورضيت‪ ،‬أو أجاب وليها ورضي إن لم تكن من أهل الوالية‪.‬‬
‫وزاد الشافعية في شروط التحريم‪ ،‬أن تكون إجابة الخاطب األول ص‪K‬راحة‪ ،‬وخطبت‪K‬ه ج‪K‬ائزة أي غ‪K‬ير محرم‪K‬ة‪ ،‬وأن يك‪KK‬ون الخ‪K‬اطب‬
‫الثاني عالما بحرمة الخطبة على الخطبة‪ .‬وق‪K‬ال الحنابل‪K‬ة‪ :‬إن إجاب‪K‬ة الخ‪K‬اطب األول تعريض‪K‬ا تكفي لتح‪K‬ريم الخطب‪KK‬ة على خطبت‪KK‬ه وال‬
‫يشترط التصريح باإلجابة‪.‬‬
‫‪ )(7‬المحلى‪.10/34:‬‬
‫الخاطب األول غير الفاسق ولو لم يقدر صداق‪ ،‬وهو قول المالكية‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو الجم‪K‬ع بين النظ‪K‬ر إلى مص‪K‬لحة المخطوب‪K‬ة م‪K‬ع مص‪K‬لحة الخ‪K‬اطب من تل‪K‬ك‬
‫الزيج‪KK‬ة‪ ،‬ف‪KK‬إن تعارض ‪K‬ا‪ K‬ق‪KK‬دمت مص‪KK‬لحة المخطوب‪KK‬ة‪ ،‬وذل‪KK‬ك ألن الن‪KK‬بي ‪ ‬نهى عن الخطب‪KK‬ة على الخطب‪KK‬ة رعاي‪KK‬ة‬
‫لمصلحة الخاطب‪ ،‬ودلت أفعاله على جواز بعض مواضعها‪ K‬ألن مصلحة المخطوب‪KK‬ة اقتض‪KK‬تها‪ ،‬م‪KK‬ع ك‪KK‬ون ذل‪KK‬ك ق‪KK‬د‬
‫يضر الخاطب‪ ،‬فدل بفعله ‪ ‬على ترجيح جانب المخطوبة على جانب الخاطب‪.‬‬
‫وهذا الترجيح ال يتطلب النظ‪K‬ر في الناحي‪K‬ة الديني‪K‬ة فق‪K‬ط‪ ،‬ب‪K‬ل ق‪K‬د يرج‪K‬ع لن‪K‬واح تتعل‪K‬ق به‪K‬ا س‪K‬عادة ال‪K‬زوجين‬
‫واستقرارهما كما أخبر ‪ ‬فاطمة بنت قيس‪ ،‬ولكن المرجع في هذا ال ينبغي أن يكون الهوى والحكم المج‪KK‬رد عن‬
‫الدليل‪ ،‬بل يجب أن يكون الشرع المؤيد‪ K‬بالنظر الصحيح‪.‬‬
‫من تعتبر إجابته أو رده‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء فيمن تعتبر إجابته أورده على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن المعتبر رد ال‪KK‬ولي وإجابت‪KK‬ه إن ك‪KK‬انت مج‪KK‬برة‪ ،‬وإال فرده‪KK‬ا وإجابته‪KK‬ا‪ ،‬وه‪KK‬و ق‪KK‬ول الش‪KK‬افعية‬
‫والحنابلة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬المعتبر ركون غير المجبرة إلى الخاطب األول‪ ،‬وركون المجبرة معرضا مجبرها بالخ‪KK‬اطب‬
‫ولو بسكوته‪ ،‬وعليه ال يعتبر ركون المجبرة مع رد مجبرها‪ ،‬وال ردها مع ركونه‪ ،‬وال يعتبر ركون أمها أو وليه‪KK‬ا‬
‫غير المجبر مع ردها ال مع عدمه فيعتبر‪ ،‬وهو قول المالكية‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫قد ذكرنا في الفصل الماضي أنه ال يصح اإلجبار مطلقا سواء للرجل أو للمرأة‪ ،‬ولهذا فإنه ال يصح اعتب‪KK‬ار‬
‫الركون إال بعد قبول المخطوبة‪ ،‬أما وليها‪ ،‬فليس له في هذا الباب إال أن يرفض من يرى فيه عدم الكف‪KK‬اءة لموليت‪KK‬ه‬
‫بالشروط التي سنعرفها‪ K‬في محلها‪.‬‬
‫العقد بعد الخطبة المحرمة ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم عقد النكاح على امرأة تحرم خطبتها على العاقد كالخطبة على الخطب‪KK‬ة‪ ،‬وكالخطب‪KK‬ة‬
‫المحرمة في العدة تصريحا أو تعريضا على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن عقد النكاح على من تحرم خطبتها‪ K‬كعقد الخاطب الث‪KK‬اني على المخطوب‪KK‬ة‪ ،‬وكعق‪KK‬د الخ‪KK‬اطب‬
‫في العدة على المعتدة بعد انقضاء عدتها يكون صحيحا مع الحرمة‪ ،‬وهو قول جماهير الفقهاء‪ ،‬واستدلوا على ذلك‬
‫بما يلي‪:‬‬
‫أن الخطبة المحرمة ال تقارن العقد فلم تؤثر فيه‪.‬‬
‫أنها ليست شرطا في صحة النكاح فال يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن عقد الخاطب الثاني على المخطوبة يفسخ حال خطبة األول بطالق‪ ،‬وجوبا‪ K‬لحق هللا تعالى‬
‫وإن لم يطلبه الخاطب األول‪ ،‬وظاهره وإن لم يعلم الثاني بخطبة األول‪ ،‬ما لم يبين الثاني حيث استمر الرك‪KK‬ون أو‬
‫كان الرجوع ألجل خطبة الثاني‪ ،‬فإن كان لغيرها لم يفسخ‪ ،‬ومحله أيضا إن لم يحكم بصحة نكاح الثاني حاكم يراه‬
‫وإال لم يفسخ‪ ،‬وهو قول بعض المالكية(‪.)1‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة واألصلح لل‪KK‬زوجين ه‪KK‬و الق‪KK‬ول بص‪KK‬حة العق‪KK‬د م‪KK‬ا دام مبني‪KK‬ا على التراض‪KK‬ي بين‬
‫المتعاقدين‪ ،‬والحرام‪ K‬ال يحرم الحالل‪ ،‬ألن أثره هو اإلثم ال التأثير في العقد‪ ،‬وهذا الترجيح يتف‪KK‬ق م‪KK‬ع مص‪KK‬لحة كال‬
‫الزوجين‪ ،‬ألنه لو قلنا بوجوب تطليقها‪ ،‬فإن هذا الخ‪K‬اطب س‪K‬يعود للعق‪K‬د عليه‪K‬ا من جدي‪K‬د‪ ،‬بع‪K‬د أن وض‪K‬ع في ذمت‪K‬ه‬
‫طلقة تنقص من الفرص التي جعلها الشرع للزوجين لللمراجعة‪ ،‬ويتنافى ذلك مع تشوف الش‪KK‬رع للح‪KK‬د من الطالق‬
‫وتضييق بابه كما سنراه في محله من هذه السلسلة‪.‬‬
‫من تخطب إليه المرأة ‪:‬‬

‫‪ )(1‬المشهور عن مالك وأكثر أصحابه أن فسخ العقد حينئذ مستحب ال واجب‪.‬‬


‫اتف‪KK‬ق الفقه‪KK‬اء على أن خطب‪KK‬ة الم‪KK‬رأة المج‪KK‬برة تك‪KK‬ون إلى وليه‪KK‬ا‪ ،‬واتفق‪KK‬وا على أن‪KK‬ه يج‪KK‬وز أن تخطب الم‪KK‬رأة‬
‫الرشيدة إلى نفسها‪ ،‬لحديث أم سلمة قالت‪ .‬لما مات أبو سلمة أرسل إلي النبي ‪ ‬ح‪KK‬اطب بن أبي بلتع‪KK‬ة يخطب‪KK‬ني‪K‬‬
‫له‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن لي بنتا وأنا غيور‪ ،‬فقال‪ :‬أما ابنتها فندعو هللا أن يغنيها عنها‪ ،‬وأدعو هللا أن يذهب ب‪KK‬الغيرة)‪ ،‬وفي‬
‫رواية (إني امرأة غيرى وإني امرأة مصبية فقال‪ :‬أما قولك‪ :‬إني ام‪KK‬رأة غ‪KK‬يرى فس‪KK‬أدعو‪ K‬هللا ل‪KK‬ك في‪KK‬ذهب غيرت‪KK‬ك‪،‬‬
‫وأما قولك‪ :‬إني امرأة مصبية فستكفين صبيانك)(‪)1‬‬
‫ونرى أن الحديث ال ي‪KK‬دل على تخص‪KK‬يص الكب‪KK‬يرة والص‪KK‬غيرة بالخطب‪KK‬ة من ال‪KK‬ولي‪ ،‬ولكن‪KK‬ه ي‪KK‬دل على كيفي‪KK‬ة‬
‫الخطبة‪ ،‬فلهذا يصح اعتباره دليال على صحة خطبة المرأة سواء كانت بكرا أو ثيب‪K‬ا من نفس‪K‬ها‪ ،‬فليس في الح‪K‬ديث‬
‫ما يخصص إحداهما بحكم دون األخرى‪ ،‬ولكن األدب مع ذلك قد يقتضي الخطبة من ولي المرأة‪ ،‬فإن لم يكن له‪KK‬ا‬
‫ولي‪ ،‬أو خاف من وليها الرفض دون إعالمه‪KK‬ا‪ ،‬فل‪KK‬ه أن يخبره‪KK‬ا عن رغبت‪K‬ه في التق‪KK‬دم لخطبته‪KK‬ا‪ ،‬ثم ي‪KK‬ذهب بع‪K‬دها‬
‫لوليها‪.‬‬
‫أما ما يفعله البعض من الجرأة في هذا الباب على التقدم من أي امرأة‪ ،‬ثم مواعدتها بالخطبة من باب العبث‬
‫واللهو‪ ،‬فال شك في حرمته الشديدة‪ ،‬فهو من التذرع بالمباح للوصول‪ K‬إلى الحرام الذي يتعلق به حق الغير‪.‬‬
‫خطبة المحرم‪:‬‬
‫يكره للمحرم(‪ )2‬أن يخطب ام‪KK‬رأة ول‪KK‬و لم تكن محرم‪KK‬ة عن‪KK‬د الجمه‪KK‬ور‪ ،‬كم‪KK‬ا يك‪KK‬ره أن يخطب غ‪KK‬ير المح‪KK‬رم‬
‫المحرمة‪ ،‬لما روي عنه ‪ ‬أنه قال ‪(:‬ال ينكح المحرم وال ينكح وال يخطب)(‪ ،)3‬والخطب‪KK‬ة ت‪KK‬راد لعق‪KK‬د النك‪KK‬اح ف‪KK‬إذا‬
‫كان ممتنعا كره االشتغال بأسبابه‪ ،‬وألنه سبب إلى الحرام(‪.)4‬‬
‫التدليس في الخطبة‪:‬‬
‫كأن يخطب رجل امرأة ويجاب إلى ذلك‪ ،‬ثم يغرر به بالزواج‪ K‬بغيرها وهو يعتقد أنها التي خطبها فال ينعق‪KK‬د‬
‫هذا الزواج ألن القبول انص‪K‬رف‪ K‬إلى غ‪K‬ير من وج‪K‬د اإليج‪K‬اب في‪K‬ه فلم يص‪K‬ح ال‪K‬زواج ووجب الفس‪K‬خ‪ ،‬ف‪K‬إن أراد أن‬
‫يتزوجها تزوجها‪ K‬بعقد جديد‪.‬‬
‫وللتدليس الذي يتحقق به خيار الفسخ في عقد الزواج ثالثة موارد‪K:‬‬
‫‪ .1‬إذا إشترط في عقد الزواج توفر‪ K‬صفة معينة ألي من الطرفين‪ ،‬ثم تبين أن تلك الصفة ك‪KK‬انت مفق‪KK‬ودة حين‬
‫العقد‪ ،‬فللطرف‪ K‬اآلخر أن يفسخ عقد الزواج‪.‬كما لو اشترط‪ K‬الزوج أن تك‪KK‬ون الزوج‪KK‬ة بك‪KK‬راً‪ ،‬أو س‪KK‬ليمة من‬
‫مرض معين‪ ،‬أو ذات صفة معينة‪ ،‬ثم أتضح خالف ذلك فله ح‪K‬ق الفس‪K‬خ‪.‬وك‪K‬ذلك ل‪K‬و اش‪K‬ترطت الم‪K‬رأة في‬
‫العقد أن يكون الزوج من نسب معين‪ ،‬أو ذا مهنة شريفة معينة‪ ،‬أو سليما ً من مرض ما‪ ،‬ثم انكشف خالفه‬
‫فلها حق الفسخ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن تُذكر تلك الصفة ضمن العقد كتوصيف ألحدهما‪ ،‬بأن يقول زوجتك‪ K‬هذه المرأة الباكرة أو غير ال‪KK‬ثيب‪،‬‬
‫أو هذه الخالية من المرض‪ ،‬أو ذات الصفة الكدائية‪ ،‬أو يقول بالنسبة للزوج‪ ،‬زوجت فالنة فالنا ً الهاش‪KK‬مي‬
‫أو العالم أو ما أشبه‪ ،‬ثم يتضح عدم وجود تلك الصفة المذكورة في العقد‪ ،‬فذلك تدليس يعطي لآلخ‪KK‬ر ح‪KK‬ق‬
‫الفسخ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن يتم التحادث واالتفاق بين الطرفين أو من ينوب عنهما‪ ،‬على أساس وجود صفة معينة‪ ،‬ثم يجري العقد‬
‫بنا ًء على ذلك االتفاق‪ ،‬فهنا وإن لم تذكر في العقد على نحو االش‪KK‬تراط أو التوص‪KK‬يف‪ ،‬إال أن العق‪KK‬د ج‪KK‬رى‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬فإذا ما تبين الخالف‪ ،‬يكون خيار الفسخ قائماً‪.‬‬
‫أما اآلثار المترتبة على هذا الزواج في حال وقوعه‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫‪ )(1‬النسائي‪ ،3/286 :‬ابن حبان‪ ،7/212 :‬البيهقي‪ ،7/131 :‬أحمد‪.6/317 :‬‬
‫‪ )(2‬يجوز عند الحنفية الخطبة حال اإلحرام‪.‬‬
‫‪ )(3‬مسلم‪ ،2/1030 :‬ابن خزيمة‪ ،4/183 :‬ابن حبان‪ ،9/436 :‬الترمذي‪.3/199 :‬‬
‫المحرم للحج أو للعمرة ال يتزوج وال يزوّج‪ ،‬رجالً كان أو ام‪KK‬رأة‪ ،‬وكيالً أو ولي‪K‬اً‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ )(4‬قال اإلمامية والشافعية والمالكية والحنابلة‪:‬‬
‫المحرم‪ ،‬وال يُنكح‪ ،‬وال يخطب)‪ ،‬وقال الحنفية‪ :‬اإلحرام ال يمن‪KK‬ع ِمن ال‪KK‬زواج‪ ،‬وق‪KK‬ال‬
‫ِ‬ ‫وإن حصل الزواج كان باطالً؛ لحديث‪( :‬ال يَنكح‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫اإلمامية‪ :‬إذا حصل العقد حال اإلحرام‪ :‬فإن كان مع الجهل بالتحريم حرمت المرأة مؤقتا‪ ،‬فإذا أحال‪ ،‬أو أحل الرجل إن لم تكن المرأة‬
‫محرمة جاز له العقد عليها‪ ،‬وإن كان مع العلم بالتحريم فُرّق بينهما وحرمت مؤبداً‪[ .‬الفقه على المذاهب الخمسة‪ :‬ج‪ ،1‬ص‪]322‬‬
‫ثبوت النسب ‪:‬‬
‫إن ولدت تلك المرأة ثبت نسب ولدها إليه ألن المقصد الشرعي هو إثبات األنساب ما أمكن‪ ،‬كم‪KK‬ا سنفص‪KK‬له‬
‫في موضعه إن شاء هللا‪.‬‬
‫استحقاق المهر‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في استحقاق هذه المرأة المهر على أقوال‪ ،‬منها‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن المهر على وليها‪ ،‬وإليه ذهب أحم‪K‬د في رواي‪K‬ة عن‪K‬ه‪،‬ق‪K‬ال أحم‪K‬د في رج‪K‬ل خطب جاري‪K‬ة‪،‬‬
‫فزوجوه أختها‪ ،‬ثم علم بعد ‪(:‬يفرق بينهما‪ ،‬ويكون الصداق على وليها ألنه غره)‬
‫القول الثاني‪ :‬أن عليه المهر بما أصاب منها‪ ،‬روي عن علي في رجلين تزوجا‪ K‬امرأتين‪ ،‬فزفت كل ام‪KK‬رأة‬
‫إلى زوج األخرى‪ :‬لهما الصداق‪ ،‬ويعتزل كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها‪ ،‬وبه قال النخعي والشافعي‪،‬‬
‫وإسحاق‪ K‬وأصحاب الرأي‪.‬قال أحمد في رج‪K‬ل ت‪K‬زوج ام‪K‬رأة ف‪K‬أدخلت علي‪K‬ه أخته‪K‬ا ‪(:‬له‪K‬ا المه‪K‬ر بم‪K‬ا أص‪K‬اب منه‪K‬ا‪،‬‬
‫وألختها‪ K‬المهر‪ .‬قيل‪ :‬يلزمه مهران ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ويرجع على وليها‪ ،‬هذه مثل التي بها برص أو جذام‪).‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة التفريق بين حالين‪:‬‬
‫‪ .1‬المرأة العالمة بالخدعة التي تعرض لها الخاطب‪ ،‬ال حق لها في المهر ألنها زانية مطاوعة‪.‬‬
‫‪ .2‬المرأة الجاهلة‪ ،‬ولها حقان‪ :‬حق من زوجها الذي أصابها‪ ،‬وهو أدنى م‪KK‬ا يطل‪KK‬ق علي‪KK‬ه المه‪KK‬ر على الخالف‬
‫الذي بين العلماء في المسألة جزاء ما أصاب منها‪ ،‬وحق على وليها‪ ،‬وهو مهر المثل ألن‪KK‬ه المتس‪KK‬بب فيم‪KK‬ا‬
‫حصل لها‪.‬‬
‫الرجوع للزوجة األولى التي طلبها الخاطب‪:‬‬
‫يجوز الرجوع للزوج‪KK‬ة ال‪KK‬تي طلبه‪KK‬ا بالص‪KK‬داق‪ K‬األول‪،‬ولكن بعق‪KK‬د جدي‪KK‬د‪ ،‬بع‪KK‬د انقض‪KK‬اء ع‪KK‬دة أخته‪KK‬ا إن ك‪KK‬ان‬
‫أصابها ألن العقد الذي عقده لم يصح في واحدة منهم‪KK‬ا فاإليج‪KK‬اب ص‪KK‬در في إح‪KK‬داهما‪ ،‬والقب‪KK‬ول في األخ‪KK‬رى‪ ،‬فلم‬
‫ينعقد في هذه وال في تلك فإن اتفقوا على تجديد عقد في إحداهما أيتهما كان جاز‪.‬‬
‫وللمسألة مزيد من التفاصيل في محلها من الفصل الخاص بالكفاءة‪.‬‬
‫ثانيا ـ مستحبات الخطبة‬
‫من المستحبات التي ذكرها الفقهاء للخطبة‪:‬‬
‫صيغة الخطبة‪:‬‬
‫يستحب أن يبدأ الخطبة بذكر هللا لقول النبي ‪(: ‬كل أمر ذي بال ال يبدأ فيه بالحمد هلل فهو أقطع)(‪)1‬‬
‫ويكفي في ذلك أن يحمد هللا تعالى‪ ،‬ويتش‪K‬هد‪ K،‬ويص‪K‬لي‪ K‬على رس‪KK‬ول هللا ‪ ،‬والمس‪KK‬تحب أن يخطب بخطب‪KK‬ة‬
‫عبد هللا بن مسعود التي رواها بقوله ‪(:‬علمنا رسول هللا‪ ‬التشهد في الصالة‪ ،‬والتشهد‪ K‬في الحاجة‪ ،‬قال‪ :‬التش‪KK‬هد‬
‫في الحاجة‪ :‬إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬من يه‪KK‬ده هللا فال مض‪KK‬ل ل‪KK‬ه‪،‬‬
‫ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن محمدا عبده ورس‪KK‬وله‪ ،‬ويق‪KK‬رأ ثالث آي‪KK‬ات ‪(:‬اتَّقُ‪KK‬وا هَّللا َ َح‪َّ K‬‬
‫ق‬
‫تُقَاتِ ِه َواَل تَ ُم‪KK‬وتُ َّن إِاَّل َوأَ ْنتُ ْم ُم ْس‪K‬لِ ُمون﴾(البق‪KK‬رة‪))102:‬و﴿ َواتَّقُ‪KK‬وا هَّللا َ الَّ ِذي تَت ََس‪K‬ا َءلُونَ بِ‪ِ K‬ه َواأْل َرْ َح‪ K‬ا َم إِ َّن هَّللا َ َك‪KK‬انَ َعلَ ْي ُك ْم‬
‫ُص‪K‬لِحْ لَ ُك ْم أَ ْع َم‪KK‬الَ ُك ْم َويَ ْغفِ‪KK‬رْ لَ ُك ْم ُذنُ‪KK‬وبَ ُك ْم َو َم ْن‬
‫َرقِيبًا﴾(النساء‪))1:‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َوقُولُوا‪ K‬قَ‪KK‬وْ اًل َس‪ِ K‬ديدًا(‪)70‬ي ْ‬
‫ظي ًما(‪(﴾)71‬األحزاب‪)2()70،71:‬‬ ‫يُ ِط ْع هَّللا َ َو َرسُولَهُ فَقَ ْد فَا َز فَوْ ًزا َع ِ‬
‫وتكره اإلطالة في الخطبة فقد روي‪ K‬عن ابن عمر أنه كان إذا دعي ليزوج قال‪ :‬ال تفضضوا‪ K‬علين‪KK‬ا الن‪KK‬اس‪،‬‬
‫الحمد هلل‪ ،‬وصلى هللا على محمد‪ ،‬إن فالنا يخطب إليكم‪ ،‬فإن أنكحتموه فالحمد هلل‪ ،‬وإن رددتموه فسبحان هللا‪.‬‬
‫وقد ذكر الدسوقي‪ K‬الكيفية المثلى إلجراء الخطبة وعليها العمل في البالد المالكي‪KK‬ة‪،‬وهي أن يق‪KK‬ول ال‪KK‬زوج أو‬

‫‪ )(1‬صحيح ابن حبان ‪ ،1/173:‬سنن ابن ماج‪KK‬ة‪ ،1/610:‬المعجم الكب‪KK‬ير‪ ،19/72:‬وق‪K‬د اختل‪KK‬ف في وص‪K‬له وإرس‪K‬اله ف‪K‬رجح النس‪K‬ائي‬
‫والدارقطني اإلرسال‪ ،‬انظر‪ :‬التلخيص الحبير‪.3/151:‬‬
‫‪ )(2‬السنن الكبرى‪ ،3/321:‬المجتبى‪.6/89:‬‬
‫وكيله الحمد هلل والصالة والس‪K‬الم على رس‪K‬ول هللا ﴿ ي‪K‬ا أيه‪K‬ا ال‪K‬ذين آمن‪K‬وا اتق‪K‬وا هللا ح‪K‬ق تقات‪K‬ه وال تم‪K‬وتن إال وأنتم‬
‫مسلمون ﴾ َواتَّقُوا هَّللا َ الَّ ِذي تَت ََس‪K‬ا َءلُونَ بِ‪ِ K‬ه َواأْل َرْ َح‪KK‬ا َم إِ َّن هَّللا َ َك‪KK‬انَ َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبً‪KK‬ا﴾(النس‪KK‬اء‪)1:‬و﴿ اتق‪KK‬وا هللا وقول‪KK‬وا ق‪KK‬وال‬
‫سديدا ﴾ اآلية أما بعد فإني أو فإن فالن‪KK‬ا رغب فيكم ويري‪KK‬د االنض‪KK‬مام إليكم وال‪KK‬دخول‪ K‬في زم‪KK‬رتكم‪ K‬وف‪KK‬رض لكم من‬
‫الصداق كذا وكذا‪ ،‬فانكحوه فيقول ولي المرأة بعد الخطبة المتقدمة‪ :‬أما بعد فقد أجبناه لذلك(‪.)1‬‬
‫وذكر السيد إسماعيل الحسيني المرعشي الكيفية المستحبة إلجراء الخطبة عند اإلمامي‪KK‬ة‪ ،‬فق‪KK‬ال‪( :‬من الس‪K‬نةّ‬
‫المؤ ّكدة الخطبة بض ّم الخاء المعجمة أمام العقد تأسيّا ً بالنب ّى ‪ ‬واألئمة ع ورجال الدين‪ ،‬واألولى أن تتص ‪ّ K‬دى‪ K‬هي‬
‫بنفسها لإليجاب في العقد وخطبته‪ ،‬فإذا استحيت من إلقاء الخطبة وإجراء العق‪KK‬د إيجاب‪K‬ا ً أخ‪KK‬ذت وكيال له‪K‬ا في إلق‪KK‬اء‬
‫الخطبة وإجراء ص‪KK‬يغة العق‪KK‬د إيجاب‪K‬اً‪ ،‬فيب‪KK‬دأ بالبس‪KK‬ملة ث ّم يش‪KK‬رع‪ K‬في إلق‪KK‬اء الخطب‪KK‬ة بلس‪KK‬ان فص‪KK‬يح مفهم للمع‪KK‬نى‪ ،‬ث ّم‬
‫يفسّرها بلسانهم‪ ،‬وأقلّها‪( :‬الحمد هلل والصالة على مح ّمد رس‪KK‬ول هللا وعلى آل‪KK‬ه آل هللا)‪ ،‬أو يق‪KK‬ول‪( :‬الحم‪KK‬د هلل ال‪KK‬ذي‬
‫أح ّل النكاح وحرّم الزنا والسفاح‪ ،‬وصلى هللا على مح ّمد وآل‪KK‬ه في ك‪ّ K‬ل مس‪KK‬اء وص‪KK‬باح‪ ،‬ث ّم ك‪KK‬ان من فض‪KK‬ل هللا على‬
‫األنام أن أغناهم بالحالل عن الحرام‪ ،‬فقال ع ّز من قائل في كتابه الكريم ومبرم‪ K‬خطابه الحكيم‪َ ﴿ :‬وأَ ْن ِكحُوا اأْل َيَ‪KK‬ا َمى‬
‫اس‪ٌ K‬ع َعلِي ٌم ﴾ (الن‪KK‬ور‪ )32 :‬وق‪KK‬ال‬ ‫ض‪K‬لِ ِه َوهَّللا ُ َو ِ‬
‫‪K‬را َء يُ ْغنِ ِه ُم هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ‬
‫ِم ْن ُك ْم َوالصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَا ِد ُك ْم َوإِ َمائِ ُك ْم إِ ْن يَ ُكونُوا فُقَ‪َ K‬‬
‫رسول هللا ‪( :‬تناكحوا تناسلوا‪ ،‬فإنّي أُباهي بكم األمم يوم القيام‪KK‬ة ول‪KK‬و بالس‪KK‬قط)‪ ،‬وق‪KK‬ال ‪( :‬النك‪KK‬اح س‪K‬نّتي ف َمن‬
‫رغب عن سنّتي فليس مني)‪ ،‬وعن اإلمام الصادق‪ K‬عن آبائه ع عن رسول هللا ‪ ‬أنّه قال‪( :‬مااس‪KK‬تفاد ام‪KK‬ر ٌء مس‪KK‬لم‬
‫فائدة بعد اإلسالم أفضل من زوجة مسلمة تس ّره إذا نظر إليها‪ ،‬وتحفظه إذا غ‪KK‬اب عنه‪KK‬ا في نفس‪KK‬ها ومال‪KK‬ه)‪ ،‬وق‪KK‬ال‪:‬‬
‫(ما بني في اإلسالم بناء أحبّ إلى هللا من التزويج (الزواج)‪ ،‬ث ّم يقول‪( :‬فعلى كتاب هللا تعالى وسنّة نبيّه مح ّمد ‪‬‬
‫ومنهاج أمير المؤمنين واألئمة المعصومين‪ K‬من ولده ع‪ ،‬ث ّم تجري هي أو يجري الوكيل عنها إيجاب صيغة العقد)‬
‫(‪)2‬‬
‫عدد الخطبات ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في صيغة الخطبة‪ ،‬هل تكرر‪ ،‬أم يكتفى بواحدة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن المستحب خطبة واحدة يخطبها الولي‪ ،‬أو الزوج‪ ،‬أو غيرهما ب‪KK‬دليل أن المنق‪KK‬ول عن الن‪KK‬بي‬
‫‪ ‬خطبة واحدة‪ ،‬وهو أولى ما اتبع (‪.)3‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أن المسنون أكثر من خطبة ‪:‬‬
‫‪ .1‬فذهب الشافعي إلى أنهما خطبتان‪ :‬واحدة في أوله‪ ،‬وخطبة من الزوج قبل قبوله‪.‬‬
‫‪ .2‬وذكر‪ K‬المالكية أربع خطب‪ :‬اثنتان عند التماس النكاح‪ ،‬واحدة من الزوج وواح‪KK‬دة من ولي الم‪KK‬رأة واثنت‪KK‬ان‬
‫عند عقد النكاح واحدة من ولي المرأة أو وكيله وواحدة من الزوج(‪.)4‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن كل ذلك جائز فمن نوى باإلكثار من عدد الخطب التبرك بذكر هللا تعالى أو إعطاء حرم‪KK‬ة للخطب‪KK‬ة‬
‫فهو حسن‪ ،‬ومن أراد باالكتفاء بواحدة االختصار‪ K‬واتباع ما نقل فهو حسن كذلك‪ ،‬وم‪K‬ع ذل‪K‬ك نش‪K‬ير إلى أن م‪KK‬ا نق‪K‬ل‬
‫في ذلك عن السلف ال يعني التحديد حتى تعتقد سنية ذلك‪.‬‬

‫حاشية الدسوقي‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.217‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫إجماعيات فقه الشيعة ج ‪( - 3‬ص‪)22 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المغني‪ ،‬ج‪،7‬ص‪.5300‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫حاشية الدسوقي‪،‬ج‪ ،2‬ص‪.217‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الفصل السادس‬
‫أحكام الزفاف‬
‫‪ 1‬ـ تقديم التوثيق الكتابي على البناء‬
‫اتفق الفقهاء على وجوب توثيق(‪ )1‬النكاح قبل البناء‪ ،‬ألن اإلش‪KK‬هاد في‪KK‬ه واجب س‪KK‬واء أك‪KK‬ان عن‪KK‬د العق‪KK‬د كم‪KK‬ا‬
‫يقول الجمهور أم عند الدخول كما يقول المالكية لقول النبي ‪(: ‬ال نكاح إال بولي وشاهدي ع‪KK‬دل)(‪ ،)2‬وس‪KK‬نبحث‬
‫عن هذا النوع من التوثيق‪ K‬في فصل خاص باإلشهاد على الزواج‪ ،‬ولكنا نري‪KK‬د هن‪KK‬ا نوع‪KK‬ا خاص‪KK‬ا يقص‪KK‬د من‪KK‬ه حف‪KK‬ظ‬
‫الحقوق عند التنازع‪ ،‬وهو التوثيق الكتابي سواء عند الموثق الخاص‪ ،‬أو عند ضابط‪ K‬األحوال المدنية‪.‬‬
‫ون‪K‬رى ـ من خالل المش‪K‬اكل الكث‪K‬يرة ال‪K‬تي تق‪K‬ع في األس‪K‬ر نتيج‪K‬ة التن‪K‬ازع على أم‪K‬ور ل‪K‬و وثقت لكفتهم ش‪K‬ر‬
‫االختالف‪ ،‬ونتيجة لضياع حق المرأة إذا لم يوثق عقد زواجها ـ وج‪K‬وب التوثي‪K‬ق‪ K‬الكت‪K‬ابي وع‪K‬دم االكتف‪K‬اء بش‪K‬هادة‬
‫الشهود‪ ،‬فاهلل تعالى أمر بكتابة ما هو أقل شأنا من الزواج‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ﴿:‬يَاأَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا إِ َذا تَدَايَنتُ ْم بِ ‪َ K‬د ْي ٍن إِلَى‬
‫أَ َج ٍل ُم َس ّمًى فَا ْكتُبُوهُ﴾ (البقرة‪،)282:‬وقد وثق النبي ‪ ‬بالكتابة في معامالته‪ ،‬فباع وكتب‪ ،‬ومن ذلك الوثيقة التالي‪KK‬ة‬
‫التي حفظتها السنة المطهرة ‪(:‬هذا ما اشترى‪ K‬العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول هللا ‪ ‬اش‪KK‬ترى من‪KK‬ه عب‪KK‬دا‬
‫أو أمة‪ ،‬ال داء‪ ،‬وال غائلة‪ ،‬وال خبثة‪ ،‬بيع المسلم من المسلم)(‪)3‬‬
‫وق‪KK‬د أم‪KK‬ر الن‪KK‬بي ‪ ‬بالكتاب‪KK‬ة فيم‪KK‬ا قل‪KK‬د في‪KK‬ه عمال‪KK‬ه من األمان‪KK‬ة‪ ،‬وأم‪KK‬ر بالكت‪KK‬اب في الص‪KK‬لح فيم‪KK‬ا بين‪KK‬ه وبين‬
‫المشركين‪ ،‬والناس تعاملوه من لدن رسول هللا ‪ ‬إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫شروط التوثيق الكتابي ‪:‬‬
‫بما أن المقصود من كتابة عقد الزواج هو إحكام‪K‬ه باس‪K‬تيفاء ش‪K‬روطه‪ ،‬وبم‪K‬ا أن الفق‪K‬ه ه‪K‬و ال‪K‬ذي يرس‪K‬م ه‪K‬ذه‬
‫الشروط‪ K،‬وعن طريقه يعرف ما يصح من الوثائق وما يبطل‪ ،‬فإن الشرط الوحيد للوثيقة هو أن تتم كتابتها حس‪KK‬ب‬
‫الشروط‪ K‬التي نص عليها الفقهاء ‪ -‬فيما يسمى بعلم الشروط‪ - K‬وما لذلك من شروط انعقاد‪ ،‬وصحة ونف‪KK‬اذ‪ ،‬ول‪KK‬زوم‪،‬‬
‫ألن األحكام تختلف باختالف العبارات في ال‪KK‬دعاوى واإلق‪KK‬رارات والش‪KK‬هادات‪ K‬وغ‪KK‬ير ذل‪KK‬ك‪ .‬فاتب‪KK‬اع الش‪KK‬روط‪ K‬ال‪KK‬تي‬
‫وضعها‪ K‬الفقهاء هو الذي يتضمن حقوق المحكوم له والمحكوم‪ K‬عليه‪ .‬والشهادة ال تسمع إال بما فيه‪ ،‬ولذلك يقول هللا‬
‫تعالى ‪َ ﴿:‬ذلِ ُك ْم أَ ْق َسطُ‪ِ K‬ع ْن َد هَّللا ِ َوأَ ْق َو ُ‪K‬م لِل َّشهَا َد ِة َوأَ ْدنَى أَاَّل تَرْ تَابُوا﴾(البقرة‪)282:‬‬
‫وق‪KK‬د نص الفقه‪KK‬اء على أن للم‪KK‬رأة حض‪KK‬ور‪ K‬مجلس التوثي‪KK‬ق‪ ،‬وه‪KK‬و األح‪KK‬وط ح‪KK‬تى يعلم قبوله‪KK‬ا خش‪KK‬ية من أن‬
‫يجبرها وليها على الزواج بمن ال ترغب فيه‪ ،‬وحتى تعرف شروطها التي يزيدها التوثيق تأكيدا وإحكاما‪.)4(K‬‬
‫نماذج عن أساليب التوثيق كتابة‪:‬‬
‫من النماذج التي ذكرها الفقهاء في األحوال المختلفة للزواج(‪: )5‬‬
‫النموذج األول‪ :‬تزوج فالن فالنة بتزويج وليها فالن إياه بإذنها ورض‪KK‬اها وأمره‪KK‬ا إي‪KK‬اه بمهره‪KK‬ا ك‪KK‬ذا نكاح‪KK‬ا‬

‫‪ )(1‬التوثيق‪ :‬مصدر وثق الشيء إذا أحكمه وثبته‪ ،‬وثالثيه وثق‪ .‬يقال وثق الشيء وثاقة‪ :‬قوى وثبت وصار محكما‪ .‬والوثيقة ما يحكم‬
‫به األمر‪ ،‬والوثيقة‪ :‬الصك بالدين أو البراءة منه‪ ،‬والمستند‪ K،‬وما جرى هذا المجرى والجمع وثائق‪ .‬والموثق من يوثق العقود‪.‬‬
‫‪ )(2‬ق‪KK‬ال الش‪KK‬وكاني‪ «:‬وق‪KK‬د ص‪KK‬حت الرواي‪KK‬ة في‪KK‬ه عن أزواج الن‪KK‬بي ‪ ‬عائش‪KK‬ة وأم س‪KK‬لمة وزينب بنت جحش‪ ،‬ثم س‪KK‬رد تم‪KK‬ام ثالثين‬
‫صحابيا‪ ،‬وقد جمع اإلشارة الدمياطي من المتأخرين‪ ،‬وقد اختلف في وصله وإرساله‪ ،‬فرواه شعبة والثوري عن أبي اسحاق مرس‪KK‬ال‪،‬‬
‫ورواه إسرائيل عنه فأسنده‪ ،‬وأبو إسحاق مشهور بالتدليس‪،‬وأسند الحاكم من طريق علي بن الم‪K‬ديني ومن طري‪K‬ق البخ‪K‬اري وال‪K‬ذهلي‬
‫وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل» انظر ‪:‬ني‪KK‬ل األوط‪KK‬ار‪ ،6/249:‬س‪KK‬نن ال‪KK‬دارقطني‪ ،3/220 :‬ص‪KK‬حيح ابن حب‪KK‬ان‪ ،9/389 :‬أب‪KK‬و‬
‫داود‪ ،2/229 :‬المستدرك‪ ،2/183:‬سنن ابن ماجة‪.1/605:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪ ،2/731 :‬الترمذي‪ ،3/520 :‬البيهقي‪ ،5/327 :‬الدارقطني‪ ،3/77 :‬ابن ماجة‪.2/756 :‬‬
‫‪ )(4‬انظر‪ :‬الفتاوى الهندية‪.6/253K‬‬
‫‪ )(5‬انظر للمزيد من النماذج‪ :‬الفتاوى الهندية‪ ،6/251‬فما بعدها‪.‬‬
‫صحيحا جائزا نافدا حضره جماعة من العدول وزوجها هذا كفأا له‪K‬ا في الحس‪K‬ب وغ‪K‬يره ق‪K‬ادر على إيف‪K‬اء مهره‪K‬ا‬
‫ونفقتها ليس بينهما سبب يؤدي‪ K‬إلى نقض النكاح أو فساده والمهر‪ K‬المسمى فيه مهر مثلها‪ ،‬وهي امرأته بهذا النكاح‬
‫الموصوف فيه‪ ،‬وهذا الصداق لها عليه حق واجب ودين الزم‪ ،‬وذلك كله في تاريخ كذا‪.‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬هذا ما شهد علي‪K‬ه الش‪K‬هود‪ K‬المس‪K‬مون آخ‪K‬ر ه‪K‬ذا ال‪K‬ذكر‪ ،‬ش‪K‬هدوا جميع‪KK‬ا أن فالن‪KK‬ا زوج ابنت‪KK‬ه‬
‫البالغة المسماة فالنة برضاها من فالن بمحض‪K‬ر‪ K‬من الش‪KK‬هود‪ K‬المرض‪KK‬يين على ص‪KK‬داق ك‪KK‬ذا تزوج‪K‬ا‪ K‬ص‪KK‬حيحا‪ ،‬وأن‬
‫فالنا تزوجها‪ K‬على هذا الصداق المذكور‪ K‬فيه في ذلك المجلس تزوجا‪ K‬ص‪KK‬حيحا‪ ،‬وص‪KK‬ارت فالن‪KK‬ة زوج‪KK‬ة فالن به‪KK‬ذا‬
‫التزويج الموصوف فيه‪ ،‬وذلك كله في تاريخ كذا‪ ،‬فإن كان أبو الزوج قبل هذا العقد البن‪KK‬ه واالبن ب‪KK‬الغ يكتب‪ ،‬وأن‬
‫فالن بن فالن والد فالن هذا الزوج قبل هذا العقد البنه فالن هذا بالصداق المذكور‪ K‬فيه بأمره إياه في ذل‪KK‬ك المجلس‬
‫قبوال صحيحا‪.‬‬
‫النموذج الثالث‪ :‬أن يكتب إقرار الزوج بالنكاح وتصديق المرأة إياه بذلك وإقرار‪ K‬المرأة به وتصديق الزوج‬
‫إياها بذلك أو إقرار الولي وتصديق ال‪KK‬زوجين‪ ،‬وه‪KK‬و أح‪KK‬وط الختالف العلم‪KK‬اء في ج‪KK‬واز النك‪KK‬اح بغ‪KK‬ير ال‪KK‬ولي كم‪KK‬ا‬
‫سنرى‪ K‬في الفصول القادمة‪.‬‬
‫النم وذج الرابع‪ :‬أن يكتب وولى تزويجه‪K‬ا‪ K‬إي‪KK‬اه أبوه‪KK‬ا بع‪KK‬د أن س‪KK‬ماه له‪KK‬ا وأعلمه‪KK‬ا بالص‪KK‬داق‪ K‬الم‪KK‬ذكور‪ K‬في‪KK‬ه‬
‫فصمتت أو يكتب فبكت وهي بكر عاقلة بالغة صحيحة العقل والبدن‪ ،‬وكان ذكره له‪K‬ا ذل‪KK‬ك وس‪KK‬كوتها‪ K‬بمش‪K‬هد فالن‬
‫وفالن وهما يعرفانها‪ K‬باسمها ونسبها فالنة بنت فالن امرأة فالن بسبب هذا العقد الموصوف فيه‪ ،‬وكتابة ذكر اس‪KK‬م‬
‫الزوج وإعالمها الصداق أمر ال بد منه‪ ،‬ألن بدونه اختالفا معروفا‪ K‬في أن سكوتها‪ K‬هل يجعل رضا منها أو ال ؟‬
‫النموذج الخامس‪ :‬إن كانت االبنة صغيرة يكتب تزوج فالن فالنة بتزويج أبيها إياه بوالية األبوة‪ ،‬وإن كان‬
‫الزوج صغيرا أيضا يكتب هذا ما زوج فالن ابنته الصغيرة المسماة فالنة بوالية األبوة من فالن بن فالن الصغير‬
‫على صداق كذا تزويجا صحيحا‪ K‬جائزا نافذا‪ K‬الزما بمحضر‪ K‬من الشهود العدول المرضيين‪ ،‬وقبل هذا النك‪KK‬اح به‪KK‬ذا‬
‫الصداق لهذا الص‪KK‬غير وال‪KK‬ده فالن بوالي‪KK‬ة األب‪KK‬وة قب‪KK‬وال ص‪KK‬حيحا في مجلس ه‪KK‬ذا العق‪KK‬د‪ ،‬وه‪KK‬ذا الص‪KK‬غير كف‪KK‬ؤ له‪KK‬ذه‬
‫الصغيرة‪ ،‬والمهر المذكور فيه مهر مثلها‪ ،‬فإن ضمن األب المهر عن ابنه الص‪KK‬غير يكتب وض‪KK‬من فالن وال‪KK‬د ه‪KK‬ذا‬
‫الزوج الصغير له‪K‬ذه الص‪K‬غيرة جمي‪K‬ع ه‪K‬ذا المه‪K‬ر عن ابن‪K‬ه الص‪K‬غير‪ K‬ه‪K‬ذا ض‪K‬مانا ص‪K‬حيحا وأج‪K‬از‪ K‬ذل‪K‬ك وال‪K‬د ه‪K‬ذه‬
‫الصغيرة ورضي‪ K‬به مشافهة في هذا المجلس‪ ،‬وإن أدى األب شيئا من المه‪KK‬ر معجال من مال‪KK‬ه يكتب‪ ،‬ثم إن فالن‪KK‬ا‬
‫والد هذا الصغير‪ K‬تبرع بأداء ك‪K‬ذا دين‪K‬ارا من م‪K‬ال نفس‪K‬ه من جمل‪K‬ة ه‪K‬ذا الص‪K‬داق الم‪K‬ذكور‪ K‬في‪K‬ه إلى فالن وال‪K‬د ه‪K‬ذه‬
‫الصغيرة فقبضه منه لها بوالية األبوة قبضا‪ K‬صحيحا ووقعت البراءة لهذا الزوج من جملة هذا المهر بهذا‪ ،‬والق‪KK‬در‬
‫بقي لها عليه بعد أداء هذا المقدار كذا‪ ،‬وإن أدى األب شيئا من المهر معجال وضمن الباقي يكتب‪ .‬ثم إن فالنا والد‬
‫هذا الصغير تبرع بأداء كذا دينارا‪ K‬من مال نفسه من جملة هذا الصداق وض‪KK‬من لزوج‪K‬ة ه‪K‬ذا الص‪KK‬غير م‪KK‬ا بقي له‪KK‬ا‬
‫عليه من هذا الصداق‪ ،‬وذلك كذا دين‪KK‬ارا ض‪KK‬مانا ص‪KK‬حيحا ورض‪K‬ي‪ K‬ب‪KK‬ه من ل‪KK‬ه والي‪KK‬ة الرض‪KK‬ا وأج‪KK‬از من ل‪KK‬ه والي‪KK‬ة‬
‫اإلجازة في الشرع ويتم‪ K‬الكتاب‪.‬‬
‫النموذج السادس‪ :‬إن كان المزوج أخا ألب وأم أو ألب يكتب ‪:‬‬
‫هذا ما زوج فالن أخت‪KK‬ه الص‪KK‬غيرة المس‪KK‬ماة فالن‪KK‬ة بنت فالن بن فالن بوالي‪KK‬ة األخ‪KK‬وة ألب وأم أو ألب إذا لم‬
‫يكن لها ولي أقرب منه‪ ،‬وحكم بصحته حاكم من حك‪KK‬ام المس‪KK‬لمين ع‪KK‬دل ج‪KK‬ائز الحكم بع‪KK‬د خص‪KK‬ومة معت‪KK‬برة وقعت‬
‫فيه‪ ،‬إنما ألحق به حكم الحكام‪ ،‬ألن في ج‪K‬واز ت‪K‬زويج غ‪K‬ير األب والج‪K‬د الص‪K‬غيرة اختالف‪K‬ا بين العلم‪K‬اء‪ ،‬وإن ك‪K‬ان‬
‫المزوج عما يكتب هذا ما زوج فالن فالنة ابن‪KK‬ة أخي‪KK‬ه فالن بوالي‪KK‬ة العمومي‪KK‬ة ألب وأم أو ألب‪ ،‬ويلح‪KK‬ق ب‪KK‬آخره م‪KK‬ا‬
‫ذكرنا في تزويج األخ‪ .‬وإن لم يكن للمرأة ولي فزوجت‪ K‬نفسها بإذن القاضي يكتب ه‪KK‬ذا م‪KK‬ا ت‪KK‬زوج فالن فالن‪KK‬ة على‬
‫صداق كذا بمحضر من الشهود العدول بتزويجها نفسها من‪K‬ه ب‪KK‬إذن القاض‪KK‬ي فالن تزويج‪KK‬ا ص‪KK‬حيحا‪ ،‬ولم يكن له‪KK‬ا‬
‫ولي حاض‪KK‬ر‪ ،‬وال غ‪KK‬ائب‪ ،‬وإن زوجت نفس‪KK‬ها بغ‪KK‬ير إذن القاض‪KK‬ي يلح‪KK‬ق ب‪KK‬آخره وحكم بص‪KK‬حته ح‪KK‬اكم من حك‪KK‬ام‬
‫المسلمين ويكتب وقبضت من هذا الزوج كذا درهما من جملة هذا الصداق المذكور‪ K‬وبقي لها عليه كذا(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ إقامة الوليمة‬

‫‪ )(1‬الفتاوى الهندية‪.6/254K‬‬
‫تعريف الوليمة‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س وغيره‪ ،‬وقد‪ K‬أوْ لـم‪ .‬قال أبو عبـيد‪:‬‬ ‫صنِع لعُرْ ٍ‬
‫طعام ُ‬
‫ٍ‬ ‫ك‪ ،‬وقـيل‪ :‬هي كلُّ‬ ‫لغة‪ :‬الولـيمةُ‪ :‬طعا ُ‪K‬م العُرس وا ِإل ْمال ِ‬
‫ك النَّقـيعةَ؛ وأَصل هذا كلّ‪KK‬ه‬ ‫سمعت أَبا زيد يقول‪ :‬يس َّمى الطعا ُم الذي يُصْ نَع عند العُرس الولـي َمةَ‪ ،‬والذي عند ِ‬
‫اإل ْمال ِ‬
‫الو ْلـمةُ تما ُم الشيء واجتِماعُه(‪.)1‬‬
‫من االجتماع‪ ،‬قال أَبو العباس‪َ :‬‬
‫اصطالحا‪ :‬الوليمة تقع على كل طعام‪ K‬لسرور حادث‪ ،‬إال أن استعمالها في طعام العرس أكثر(‪.)2‬‬
‫حكم الوليمة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم الوليمة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن الوليمة سنة في العرس‪ ،‬وهو قول الجمهور‪،‬وذلك لألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روي أن النبي ‪ ‬أمر بها وفعلها‪ ،‬فق‪KK‬ال لعب‪KK‬د ال‪KK‬رحمن بن ع‪KK‬وف‪ ،‬حين ق‪KK‬ال‪ :‬ت‪KK‬زوجت‪ (:‬أولم ول‪KK‬و‬
‫بشاة(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬ق‪KK‬ال أنس‪ :‬م‪KK‬ا أولم رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬على ام‪KK‬رأة من نس‪KK‬ائه م‪KK‬ا أولم على زينب‪ ،‬جع‪KK‬ل يبعث‪KK‬ني‪ K‬ف‪KK‬أدعو ل‪KK‬ه‬
‫الناس‪ ،‬فأطعمهم‪ K‬خبزا ولحما حتى شبعوا)(‪)4‬‬
‫القول الثاني‪ :‬هي واجبة‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية(‪ ،)5‬وقد‪ K‬روى القول به القرطبي عن م‪KK‬ذهب مال‪KK‬ك‪ ،‬وق‪KK‬ال‪:‬‬
‫مشهور‪ K‬المذهب أنها مندوبة‪ ،‬وروى‪ K‬ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد‪،‬وحكى الوجوب في البحر عن أحد‬
‫قولي‪ K‬الشافعي‪ ،،‬وقال‪ K‬سليم الرازي‪ :‬أنه ظاهر نص األم‪ ،‬ونقله أبو إسحاق الشيرازي‪ K‬عن النص‪ ،‬وحك‪KK‬اه في الفتح‬
‫أيضا عن بعض الشافعية(‪ ،)6‬ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬حمل األحاديث الواردة في المسألة على الوجوب(‪.)7‬‬
‫‪ .2‬أن اإلجابة إليها واجبة‪ ،‬فكانت واجبة‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو أن الوليمة مس‪KK‬تحبة‪ ،‬لع‪KK‬دم ورود‪ K‬أدل‪KK‬ة نص‪KK‬ية قوي‪KK‬ة على الوج‪KK‬وب‪ ،‬وألنه‪KK‬ا‬
‫طعام لسرور حادث‪ ،‬فأشبه سائر األطعمة‪ ،‬وألن هذا القول يتناسب مع قدرات الناس المختلفة‪ ،‬فرب فق‪KK‬ير يرهق‪KK‬ه‬
‫القول بوجوبها‪ ،‬أما ميسور‪ K‬الحال فيجزئه القول بإباحتها‪ ،‬لذلك كانت السنية أوسط األقوال‪ ،‬وأولى ما تحم‪KK‬ل علي‪KK‬ه‬
‫النصوص‪ ،‬أما ما اس‪KK‬تدلوا ب‪K‬ه من وج‪KK‬وب اإلجاب‪KK‬ة إليه‪KK‬ا فليس ب‪KK‬دليل‪ ،‬فالس‪KK‬الم ـ مثال ـ س‪KK‬نة وم‪KK‬ع ذل‪KK‬ك ف‪KK‬إن رده‬
‫واجب(‪.)8‬‬
‫وقت الوليمة‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء من لدن السلف الصالح في وقت الوليمة‪ ،‬هل هو عند العقد أو عقبه‪ ،‬أو عند الدخول أو عقبه‬
‫أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال منها‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬استحبابها‪ K‬بعد الدخول‪ ،‬وهو األصح عند المالكية‪.‬‬
‫‪ )(1‬لسان العرب‪.12/643 :‬‬
‫‪ )(2‬هناك اصطالحات وألفاظ خاصة بأنواع الوالئم‪ ،‬ذكرها الفقهاء وأهل اللغة‪ ،‬منها‪ :‬العذيرة‪ :‬اسم لدعوة الختان‪ ،‬وتسمى اإلعذار‪،‬‬
‫والخرس والخرسة‪ :‬عند الوالدة‪ .‬والوكيرة‪ :‬دعوة البناء‪ .‬يقال‪ :‬وكر وخرس‪ ،‬مشدد‪ .‬والنقيعة عند قدوم الغائب‪ ،‬يقال‪ :‬نقع‪ ،‬مخف‪KK‬ف‪.‬‬
‫والعقيقة‪ :‬الذبح ألجل الولد‪ ،‬والحذاق‪ :‬الطعام عند ح‪KK‬ذاق الص‪KK‬بي‪ .‬والمأدبة‪ :‬اس‪K‬م لك‪KK‬ل دع‪KK‬وة لس‪KK‬بب ك‪K‬انت أو لغ‪KK‬ير س‪KK‬بب‪ .‬واآلدب‪،‬‬
‫صاحب المأدبة‪ ،‬انظر‪ :‬معتصر المختصر‪ ،295 /1:‬المغني‪.7/212:‬‬
‫‪ )(3‬البخاري‪ ،2/722 :‬الترمذي‪ ،3/402:‬النسائي‪ ،3/336 :‬ابن ماجة‪ ،1/605 :‬أحمد‪.3/190 :‬‬
‫‪ )(4‬البخاري‪ 5/1982:‬مسلم‪ ،2/1049 :‬ابن حبان‪.9/369 :‬‬
‫‪ )(5‬المحلى‪.7/20 :‬‬
‫‪ )(6‬قال الشوكاني بعد‪ K‬سوقه لخالف في المسألة‪ :‬وبهذا يظهر ثبوت الخالف في الوجوب ال كما قال ابن بطال وال أعلم أحدا أوجبها‬
‫وكذا قال صاحب المغني‪ ،‬انظر‪ :‬نيل األوطار‪.6/322:‬‬
‫‪ )(7‬انظر األحاديث في ذلك وتخريجها في نيل األوطار‪.6/323:‬‬
‫‪ )(8‬انظر‪ :‬المغني‪.7/212:‬‬
‫القول الثاني‪ :‬استحبابها عند العقد‪ ،‬وهو قول للمالكية‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬عند العقد وبعد الدخول‪ ،‬وهو مروي عن ابن جندب‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫األرجح في وقت الوليمة على حسب النقول(‪ )1‬الواردة عن النبي ‪ ‬هو ارتباطها بالبناء ال بالعق‪KK‬د‪ ،‬ألن من‬
‫مقاصد الوليمة إعالن الدخول‪ ،‬ففي الزواج جانبان‪ :‬ج‪K‬انب البن‪K‬اء‪ ،‬وج‪K‬انب العق‪K‬د‪ ،‬وه‪K‬و وإن ك‪K‬ان مع‪K‬برا عن ك‪K‬ل‬
‫معاني الزوجية إال أنه بسبب عدم البناء يبقى فترة تربصية يمكن للزوجين خاللها مراجعة نفس‪KK‬يهما بش‪KK‬أن الق‪KK‬رار‬
‫النهائي حوله‪ ،‬تفاديا لوقوع الطالق بعد الدخول‪ ،‬ألن وقوع‪ K‬الطالق قب‪K‬ل ال‪K‬دخول أه‪KK‬ون من وقوع‪K‬ه بع‪K‬ده‪ ،‬ول‪K‬ذلك‬
‫رخص الشارع في نصف المهر حقا للزوج‪.‬‬
‫ولهذا إذا ارتبطت الوليمة بالبناء كانت أدل على تمام الرضى به‪ ،‬بخالف وقوعه‪KK‬ا قبل‪KK‬ه ثم حص‪KK‬ول الطالق‬
‫قبل الدخول‪ ،‬ففي ذلك زي‪KK‬ادة على التك‪KK‬اليف المادي‪KK‬ة الح‪KK‬رج الحاص‪KK‬ل لل‪KK‬زوجين‪ ،‬وخاص‪KK‬ة للزوج‪KK‬ة‪ ،‬وخاص‪KK‬ة في‬
‫مجتمعاتنا‪K.‬‬
‫ما يولم به‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه يستحب أن يولم بشاة‪ ،‬لقوله ‪(: ‬أولم ولو بشاة)(‪)2‬ولو ه‪KK‬ذه ليس‪K‬ت االمتناعي‪KK‬ة وإنم‪K‬ا‬
‫هي التي للتقليل‪ ،‬وفي الحديث دليل على أن الشاة أقل ما يج‪KK‬زي في الوليم‪KK‬ة عن الموس‪KK‬ر‪ ،‬ق‪KK‬ال الش‪KK‬وكاني‪ :‬ول‪KK‬وال‬
‫ثبوت أن‪KK‬ه ‪ ‬أولم على بعض نس‪KK‬ائه بأق‪KK‬ل من الش‪KK‬اة لك‪KK‬ان يمكن أن يس‪KK‬تدل ب‪KK‬ه على أن الش‪KK‬اة أق‪KK‬ل م‪KK‬ا يج‪KK‬زي في‬
‫الوليمة مطلقا)(‪)3‬‬
‫وما ذكره الشوكاني‪ K‬هو ما ورد‪ K‬أنه ‪ ‬أولم على صفية بحيس‪ ،‬وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير‪.‬‬
‫وق‪KK‬د روي في مقاب‪KK‬ل ذل‪KK‬ك ق‪KK‬ول أنس ‪(:‬م‪KK‬ا أولم الن‪KK‬بي ‪ ‬على ش‪KK‬يء من نس‪KK‬ائه م‪KK‬ا أولم على زينب‪ ،‬أولم‬
‫بشاة) (‪.)4‬‬
‫وق‪KK‬د نص ش‪KK‬راح الح‪KK‬ديث على أن ذل‪KK‬ك محم‪KK‬ول على م‪KK‬ا انتهى إلي‪KK‬ه علم أنس‪ ،‬أو لم‪KK‬ا وق‪KK‬ع من البرك‪KK‬ة في‬
‫وليمتها‪ K‬حيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة‪ ،‬وإال فالذي يظه‪KK‬ر أن‪KK‬ه أولم على ميمون‪KK‬ة بنت الح‪KK‬رث‬
‫التي تزوجها في عمرة القضاء بمكة‪ ،‬وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها‪ ،‬فيمتنع أن يكون ما أولم به عليه‪KK‬ا‬
‫أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال‪ ،‬ألن ذل‪KK‬ك ك‪KK‬ان بع‪KK‬د فتح خي‪KK‬بر وق‪KK‬د وس‪KK‬ع هللا على المس‪KK‬لمين في‬
‫فتحها‪.‬‬
‫وقد نقل الشوكاني‪ K‬أن الفقهاء أجمعوا على أنه ال حد ألكثر ما يولم به وأما أقله فك‪KK‬ذلك‪ ،‬ومهم ‪K‬ا‪ K‬تيس‪KK‬ر أج‪KK‬زأ‬
‫والمستحب أنها على قدر حال الزوج(‪.)5‬‬
‫ونرى أن هذا اإلجماع مقيد بحرمة اإلسراف المجمع عليها كذلك‪ ،‬والتي نص عليها الق‪KK‬رآن الك‪KK‬ريم‪ ،‬ودلت‬
‫عليها النصوص الشرعية‪ ،‬ولذلك ما نراه من بعض الناس من المبالغة فيها إلى درجة اإلس‪KK‬راف‪ ،‬ثم رمي الطع‪KK‬ام‪K‬‬
‫الكثير في القمامات في الوقت الذي يجوع الناس فيه‪ ،‬ال نشك في اإلجم‪KK‬اع على حرمت‪KK‬ه‪ ،‬فل‪KK‬ذلك من الخط‪KK‬أ اتخ‪KK‬اذ‬
‫مثل هذه األقوال الصادرة من الفقهاء والمقيدة بالقواعد الشرعية ذريعة لضرب غيرها من المقاص‪KK‬د الش‪KK‬رعية في‬
‫مختلف المجاالت‪ ،‬فال ينبغي ضرب الدين بعضه ببعض‪.‬‬
‫حكم إجابة الدعوة للوليمة‪:‬‬
‫‪ )(1‬نقل الشوكاني عن السبكي أن المنقول من فعل النبي ‪ ‬أنها بعد الدخول‪ ،‬وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنه‪KK‬ا‬
‫بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم‪ .‬انظر‪ :‬نيل األوطار‪.6/322 :‬‬
‫‪ )(2‬البخاري‪ ،2/722 :‬الترمذي‪ ،3/402:‬النسائي‪ ،3/336 :‬ابن ماجة‪ ،1/605 :‬أحمد‪.3/190 :‬‬
‫‪ )(3‬نيل األوطار‪.6/322 :‬‬
‫‪ )(4‬تحدث العلماء عن سبب تفضيل زينب بذلك‪ K،‬ومما قالوه في ذلك‪،‬وهو أحسن ما قيل قول ابن بطال‪ :‬لم يقع من الن‪KK‬بي ‪ ‬القص‪KK‬د‬
‫إلى تفضيل بعض النساء على بعض‪ ،‬بل باعتبار ما اتفق‪ ،‬وأنه لو وجد الشاة في كل منهن ألولم به‪KK‬ا‪ ،‬ألن‪KK‬ه ك‪KK‬ان أج‪KK‬ود الن‪KK‬اس‪ ،‬ولكن‬
‫كان ال يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق‪ ،‬وقال غيره‪ :‬يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز ‪ ،‬انظر‪ :‬نيل األوطار‪.6/323:‬‬
‫‪ )(5‬نيل األوطار‪.6/323:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم إجابة الدعوة للوليمة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬الوجوب العيني إلجابة الدعوة‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬قال ابن عبد ال‪KK‬بر‪( :‬ال خالف في وج‪KK‬وب‬
‫اإلجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها‪ ،‬إذا لم يكن فيها لهو)(‪)1‬‬
‫القول الثاني‪ :‬الوجوب الكفائي‪ ،‬وهو قول بعض الشافعية‪ ،‬ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬أن اإلجابة إكرام ومواالة‪ ،‬فهي كرد السالم‪.‬‬
‫‪ .2‬ما روى ابن عمر‪ ،‬أن رسول هللا ‪ ‬قال ‪(:‬إذا دعي أح‪KK‬دكم إلى الوليم‪KK‬ة فليأته‪KK‬ا)‪ .‬وفي لف‪KK‬ظ ق‪KK‬ال‪ :‬ق‪KK‬ال‬
‫رسول هللا ‪(: ‬أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها)‬
‫‪ .3‬أن اإلجابة تجب بالدعوة‪ ،‬فكل من دعي فقد وجبت عليه اإلجابة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬االستحباب‪ ،‬وهو مذهب الكثير من الفقه‪KK‬اء واإلمامي‪K‬ة‪ ، ،‬وق‪K‬د تعقب ابن حج‪K‬ر ق‪KK‬ول ابن عب‪KK‬د‬
‫البر السابق بقوله ‪(:‬وقد‪ K‬نقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي‪ K‬االتفاق على القول بوجوب اإلجابة لوليم‪KK‬ة الع‪KK‬رس‬
‫وفيه نظر‪ ،‬نعم المشهور‪ K‬من أقوال العلماء الوجوب‪ ،‬وصرح‪ K‬جمهور الشافعية والحنابلة بأنها ف‪KK‬رض عين‪ ،‬ونص‬
‫عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابل‪K‬ة أنه‪K‬ا مس‪K‬تحبة‪ ،‬وذك‪KK‬ر اللخمي من المالكي‪K‬ة أن‪KK‬ه الم‪K‬ذهب وكالم ص‪KK‬احب‬
‫الهداية يقتضي الوجوب مع تص‪KK‬ريحه بأنه‪KK‬ا س‪KK‬نة‪ ،‬فكأن‪KK‬ه أراد أنه‪KK‬ا وجبت بالس‪KK‬نة وليس‪KK‬ت فرض‪K‬ا‪ K‬كم‪KK‬ا ع‪KK‬رف من‬
‫قاعدتهم)(‪)2‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫ن‪KK‬رى أن األرجح في المس‪KK‬ألة ه‪KK‬و اختالف الحكم بحس‪KK‬ب اختالف ن‪KK‬وع ال‪KK‬دعوة وح‪KK‬رص الم‪KK‬دعو وعالق‪KK‬ة‬
‫المدعو بصاحب الوليمة مع انتفاء الموانع‪ ،‬فإن علم المدعو تأذي الداعي بعدم الحضور‪ K،‬ولم يكن هناك ح‪KK‬رج من‬
‫تلبية الدعوة‪ ،‬ولم يكن هناك ما يمنع من ذلك‪ ،‬فإن األولى هو الق‪KK‬ول بوج‪KK‬وب اإلجاب‪KK‬ة لم‪KK‬ا ورد في النص‪KK‬وص من‬
‫الداللة على ذلك‪.‬‬
‫أما إن كانت الدعوة عامة‪ ،‬ولم يكن هناك حرص من ال‪KK‬داعي للحض‪KK‬ور‪ ،‬أو منعت الموان‪KK‬ع من ذل‪KK‬ك‪ ،‬وهي‬
‫تختلف باختالف أحوال الناس‪ ،‬فال حرج في عدم اإلجابة‪ ،‬واألولى للداعي عدم إذية الن‪KK‬اس باإللح‪KK‬اح في حض‪KK‬ور‬
‫الدعوة نفيا للحرج عنهم‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن دقيق العيد في ذكر األعذار المجيزة لعدم اإلجابة ‪(:‬يسوغ‪ K‬ترك اإلجابة ألعذار منها‪ :‬أن يكون‬
‫في الطعام شبهة‪ ،‬أو يخص بها األغنياء‪ ،‬أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه‪ ،‬أو ال يليق لمجالسته أو ي‪KK‬دعوه‬
‫لخوف شره أو لطمع في جاهه‪ ،‬أو ليعاونه على باطل أو يكون هناك منك‪KK‬ر من خم‪KK‬ر أو له‪KK‬و أو ف‪KK‬راش حري‪KK‬ر أو‬
‫ستر لجدران البيت أو صورة في البيت‪ ،‬أو يعتذر‪ K‬إلى الداعي فيتركه‪ ،‬أو كانت في الثالث فه‪KK‬ذه األع‪KK‬ذار ونحوه‪KK‬ا‬
‫في تركها على القول بالوجوب‪ K‬وعلى القول بالندب باألول‪ ،‬وهذا مأخوذ مما علم من الش‪KK‬ريعة ومن قض‪KK‬ايا‪ K‬وقعت‬
‫للصحابة)(‪)3‬‬
‫شروط إجابة الدعوة‪:‬‬
‫يشترط لوجوب إجابة الدعوة للوليمة الشروط التالية‪:‬‬
‫تعيين الدعوة‪:‬‬
‫يشترط إلجابة الدعوة التعيين بالدعوة(‪ ،)4‬بأن يدعو رجال بعينه‪ ،‬أو جماعة معينين‪ ،‬فإن دعا دع‪KK‬وة عام‪KK‬ة‪،‬‬
‫كأن يضع إعالنا عن الوليمة في محل أو جريدة‪ ،‬أو يقول‪ :‬يا أيه‪KK‬ا الن‪KK‬اس‪ ،‬أجيب‪KK‬وا إلى الوليم‪KK‬ة فال‪KK‬دعوة عام‪KK‬ة‪ ،‬أو‬
‫يقول الرسول‪ :‬أمرت أن أدعو كل من لقيت‪ ،‬أو من شئت‪ ،‬لم تجب اإلجاب‪KK‬ة‪ ،‬ولم تس‪KK‬تحب‪ ،‬ألن‪KK‬ه لم يعين بال‪KK‬دعوة‪،‬‬
‫فلم تتعين عليه اإلجابة‪ ،‬وألنه غير منصوص عليه‪ ،‬وال يحصل كسر قلب الداعي ب‪KK‬ترك إجابت‪KK‬ه‪ ،‬وتج‪KK‬وز اإلجاب‪KK‬ة‬
‫بهذا‪ ،‬لدخوله في عموم الدعاء‪.‬‬

‫التمهيد‪ ،10/179 K:‬وانظر‪ :‬منار السبيل‪ ،2/185 :‬المغني‪.7/213 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫فتح الباري‪.9/242:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نقال عن‪ :‬سبل السالم‪.3/155 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫انظر‪ :‬المغني‪ ،7/214:‬اإلنصاف للمرداوي‪.8/213:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أن ال تكون ألكثر من يوم‪:‬‬
‫لم يوقت النبي ‪ ‬للوليم‪KK‬ة وقت‪KK‬ا معين‪KK‬ا يختص ب‪KK‬ه اإليج‪KK‬اب أو االس‪KK‬تحباب‪ ،‬أم‪KK‬ا م‪KK‬ا روي في ذل‪KK‬ك من أن‬
‫(الوليمة أول يوم حق والثاني‪ K‬معروف والثالث رياء وسمعة)(‪ ،)1‬فقد قال البخاري ال يص‪KK‬ح إس‪KK‬ناده‪ ،‬وه‪KK‬و يخ‪KK‬الف‬
‫إطالق النصوص كما قال الن‪KK‬بي ‪(: ‬إذا دعي أح‪KK‬دكم إلى الوليم‪KK‬ة فليجب)‪ ،‬ولم يخص ثالث‪KK‬ة أي‪KK‬ام وال غيره‪KK‬ا‪،‬‬
‫ومع ذلك فقد قال ابن حجر ‪(:‬وهذه األحاديث وأن كان كل منها ال يخلو عن مقال فمجموعها‪ K‬يدل على أن للح‪KK‬ديث‬
‫أصال)(‪)2‬‬
‫ويدل على هذا األصل ما روي عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم وأجاب‪ ،‬ودعى ث‪KK‬اني ي‪KK‬وم فأج‪KK‬اب‪،‬‬
‫ودعى ثالث يوم فلم يجب وقال‪ :‬أهل رياء وسمعة‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬فكأنه بلغه الحديث فعم‪KK‬ل بظ‪KK‬اهره إن ثبت ذل‪KK‬ك‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقد اختلفت مواقف‪ K‬الفقهاء في العمل بهذا الحديث بم‪KK‬ا ال يمكن حص‪KK‬ره‪ ،‬وم‪KK‬ع ذل‪KK‬ك يمكن تمي‪KK‬يز ق‪KK‬ولين في‬
‫المسألة‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬العمل بظاهر‪ K‬الحديث‪ ،‬وهو قول الشافعية والحنابلة‪ ،‬ق‪KK‬ال الن‪KK‬ووي‪ K:‬إذا أولم ثالث‪KK‬ا فاإلجاب‪KK‬ة في‬
‫اليوم الثالث مكروه‪K‬ة وفي‪ K‬الث‪K‬اني ال تجب قطع‪K‬ا‪ ،‬وال يك‪K‬ون اس‪K‬تحبابها في‪K‬ه كاس‪K‬تحبابها في الي‪K‬وم األول‪ ،‬واعت‪K‬بر‬
‫الحنابلة الوجوب في اليوم األول‪ ،‬وأما الثاني فقالوا سنة تمسكا بظاهر لفظ حديث بن مسعود ‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬استحباب أن تكون أكثر من يوم‪ ،‬وهو قول المالكية‪ ،‬كما قال عياض‪ :‬استحب أصحابنا أله‪KK‬ل‬
‫السعة كونها أسبوعا‪،‬ومحله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله ولم يكرر عليهم‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح هو أن محل الكراهة أو الحرمة مرتبط باإلس‪KK‬راف والتب‪KK‬ذير ودع‪KK‬وة غ‪KK‬ير المحت‪K‬اج وك‪K‬ون‬
‫ذلك على سبيل التباهي والفخر‪ ،‬فإذا خلت الوليمة من كل ذلك زالت الكراهة‪ ،‬ودخلت في االستحباب الذي وردت‬
‫به النصوص في استحباب إطعام الطعام‪ ،‬كما لو كثر الن‪KK‬اس‪ ،‬وض‪KK‬اق‪ K‬المح‪KK‬ل ال‪KK‬ذي يطعمهم في‪KK‬ه‪ ،‬وك‪KK‬ان ذا س‪KK‬عة‪،‬‬
‫فاحتاج ليعدد األيام حتى يشمل بدعوته الكثير من غير فخر وال خيالء‪.‬‬
‫وقد ذهب إلى قريب من هذا العمراني‪ K‬بقوله‪ :‬إنما تك‪K‬ره إذا ك‪K‬ان الم‪K‬دعو في الث‪K‬الث ه‪K‬و الم‪K‬دعو في األول‪،‬‬
‫قال ابن حجر ‪(:‬وليس ببعيد ألن إطالق كونه رياء وسمعه يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة‪ ،‬وإذا كثر الناس ف‪KK‬دعا في‬
‫كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبا)(‪)3‬‬
‫أن يكون الداعي مسلما‪:‬‬
‫نص الفقهاء على أن من شروط الداعي كون مسلما‪ ،‬ف‪KK‬إن دع‪K‬اه ذمي‪ ،‬ال تجب إجابت‪K‬ه‪ ،‬ألن اإلجاب‪K‬ة للمس‪KK‬لم‬
‫لإلكرام والمواالة وتأكيد‪ K‬المودة واإلخ‪K‬اء‪ ،‬فال تجب على المس‪K‬لم لل‪K‬ذمي‪ ،‬وألن‪K‬ه ال ي‪K‬أمن اختالط طع‪KK‬امهم ب‪KK‬الحرام‬
‫والنجاس‪KK‬ة‪ ،‬ولكن تج‪KK‬وز إج‪KK‬ابتهم‪ ،‬لم‪KK‬ا روى‪ K‬أنس‪ ،‬أن يهودي‪KK‬ا دع‪KK‬ا الن‪KK‬بي ‪ ‬إلى خ‪KK‬بز ش‪KK‬عير‪ ،‬وإهال‪KK‬ة س‪KK‬نخة(‪،)4‬‬
‫فأجابه(‪.)5‬‬
‫أن ال تتأخر الدعوة‪:‬‬
‫ويتحقق ذلك فيما لو دعاه رجالن‪ ،‬ولم يمكن الجمع بينهما‪ ،‬وسبق‪ K‬أحدهما‪ ،‬فإنه يجيب السابق‪ ،‬فإن اس‪KK‬تويا‪،‬‬
‫أجاب أقربهما منه بابا‪ ،‬فإن استويا‪ ،‬أجاب أقربهما رحما‪ ،‬لما فيه من صلة الرحم‪ ،‬فإن استويا‪ ،‬أجاب أدينهما‪ ،‬فإن‬
‫استويا‪ K‬أقرع بينهما‪ ،‬ألن القرعة تعين المستحق‪ K‬عند استواء الحقوق‪ ،‬وذلك لألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬عن النبي ‪ ‬أنه قال ‪(:‬إذا اجتمع داعيان‪ ،‬فأجب أقربهما بابا‪ ،‬ف‪K‬إن أقربهم‪K‬ا‪ K‬ج‪K‬وارا‪ ،‬ف‪K‬إن س‪K‬بق أح‪K‬دهما‪،‬‬

‫الدارمي‪ ،2/143 :‬البيهقي‪ ،7/260 :‬أبو داود‪ ،3/341 :‬ابن ماجة‪ ،1/617 :‬أحمد‪ ،5/28 :‬المعجم الكبير‪..5/272 :‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫فتح الباري‪.9/243 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫فتح الباري‪.9/243 :‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫اإلهالة الودك‪ ،‬والسنخة الزنخة المتغيرة‪ ،‬نيل األوطار‪.1/87 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أحمد‪ ،3/210 :‬األحاديث المختارة‪.7/87 :‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫سبق)(‪)1‬‬‫فأجب الذي‬
‫‪ .2‬أن إجابته وجبت حين دعاه‪ ،‬فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني‪ ،‬ولم تجب إجابة الثاني‪ ،‬ألنها غير ممكنة م‪KK‬ع‬
‫إجابة األول‪.‬‬
‫‪ .3‬أن هذا من أبواب ال‪KK‬بر‪ ،‬فق‪KK‬دم األق‪KK‬رب ف‪KK‬األقرب كم‪KK‬ا دلت على ذل‪KK‬ك النص‪KK‬وص الكث‪KK‬يرة من تق‪KK‬ديم الن‪KK‬اس‬
‫بحسب مراتبهم‪.‬‬
‫أن ال يخص بالدعوة األغنياء‪:‬‬
‫ورد في األحاديث الصحيحة ما يدل من غ‪KK‬ير طري‪KK‬ق التص‪KK‬ريح بع‪KK‬دم وج‪KK‬وب إجاب‪KK‬ة ال‪KK‬دعوة إن خص به‪KK‬ا‬
‫األغنياء دون الفقراء‪ ،‬وهو قوله ‪(: ‬شر الطعام طعام الوليمة‪ ،‬يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم‬
‫يجب الدعوة فقد عصى هللا ورسوله)(‪ ،)2‬وفي رواية الطبراني من حديث ابن عباس ‪(:‬بئس الطعام طعام الوليم‪KK‬ة‬
‫يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان)‬
‫قال النووي‪ K‬في شرحه للحديث ‪(:‬ومع‪KK‬نى ه‪KK‬ذا الح‪KK‬ديث األخب‪KK‬ار بم‪KK‬ا يق‪KK‬ع من الن‪KK‬اس بع‪KK‬ده ‪ ‬من مراع‪KK‬اة‬
‫األغنياء في الوالئم ونحوها‪ K‬وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم‪ K‬وتقديمهم وغير ذلك مما‬
‫هو الغالب في الوالئم وهللا المستعان)(‪)3‬‬
‫فهذا الحديث برواياته المختلف‪KK‬ة ن‪KK‬رى أن األص‪KK‬ح في فهم‪KK‬ه ه‪KK‬و النهي عن حض‪KK‬ور‪ K‬ال‪KK‬دعوة في ح‪KK‬ال تع‪KK‬الي‬
‫الداعي وتكبره وتخصيصه العلية من الناس دون غيرهم‪ ،‬وهذا الفهم هو ما روي عن بعض الص‪KK‬حابة ‪ ،‬كم‪KK‬ا ق‪KK‬ال‬
‫ابن مسعود ‪(:‬إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن ال نجيب)روى عن أي هريرة انه كان يق‪KK‬ول ‪(:‬أنتم العاص‪KK‬ون‬
‫في الدعوة تدعون من ال يأتي وتدعون من يأتي)‪ ،‬يعني باألول األغنياء وبالثاني‪ K‬الفقراء‪.‬‬
‫ونرى أن هذا هو الذي ينسجم م‪K‬ع مقاص‪K‬د الش‪K‬ريعة من محارب‪K‬ة ك‪K‬ل أن‪K‬واع الطبقي‪K‬ة االجتماعي‪K‬ة‪ ،‬بتفض‪K‬يل‬
‫الناس على أسس غير شرعية‪ ،‬فلهذا يكون من خصص طبق‪KK‬ة دون طبق‪KK‬ة ق‪KK‬د أتى منك‪KK‬را‪ ،‬فيجب على ال‪KK‬داعي إم‪KK‬ا‬
‫اإلنكار عليه‪ ،‬وإما عدم إجابته‪.‬‬
‫وقد نص كثير من الشراح على أن الذم مختص بالفعل‪ ،‬ال بأثره‪ ،‬قال ابن عبد البر‪( :‬أما قول‪KK‬ه‪ :‬ش‪KK‬ر الطع‪KK‬ام‬
‫طعام الوليمة‪ ،‬فلم يرد ذم الطعام في ذاته وحاله وإنما ذم الفعل الذي هو ال‪KK‬دعاء لألغني‪KK‬اء‪ ،‬إلي‪K‬ه دون الفق‪KK‬راء ف‪KK‬إلى‬
‫فاعل ذلك توجه الذم ال إلى الطعام)(‪)4‬‬
‫وذهب بعضهم‪ K‬إلى جواز التمي‪KK‬يز بين األغني‪KK‬اء والفق‪KK‬راء في ذل‪KK‬ك‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن بط‪KK‬ال ‪(:‬وإذا م‪KK‬يز ال‪KK‬داعي بين‬
‫األغنياء والفقراء فأطعم كال على حدة لم يكن به بأس‪ ،‬وقد فعله ابن عمر)(‪ ،)5‬ون‪KK‬رى‪ K‬أن ه‪KK‬ذا الس‪KK‬لوك ال يتناس‪KK‬ب‬
‫تماما مع ما أمر به اإلسالم من تساوي الناس وعدم التمييز بينهم‪.‬‬
‫خلو الوليمة من المعصية‪:‬‬
‫فإذا دعي إلى وليمة‪ ،‬فيها معصية‪ ،‬وأمكنه اإلنكار‪ ،‬وإزالة المنك‪KK‬ر‪ ،‬لزم‪KK‬ه الحض‪KK‬ور واإلنك‪KK‬ار‪ K‬ألن‪KK‬ه ي‪KK‬ؤدي‬
‫فرضين‪ ،‬إجابة أخي‪KK‬ه المس‪KK‬لم‪ ،‬وإزال‪KK‬ة المنك‪KK‬ر‪ ،‬وإن لم يق‪KK‬در على اإلنك‪KK‬ار‪ ،‬لم يحض‪KK‬ر‪ ،‬وإن لم يعلم ب‪KK‬المنكر‪ K‬ح‪KK‬تى‬
‫حضر‪ ،‬أزاله‪ ،‬فإن لم يقدر انصرف‪.‬‬
‫‪ )(1‬قال ابن حجر‪ :‬رواه أبو داود وأحمد عن حمي‪KK‬د بن عب‪KK‬د ال‪KK‬رحمن عن رج‪KK‬ل من الص‪KK‬حابة وإس‪KK‬ناده ض‪KK‬عيف ورواه أب‪KK‬و نعيم في‬
‫معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه به‪ ،‬تلخيص الحبير‪ ،3/196:‬أبو داود‪ ،3/344 :‬قال الصنعاني‪ :‬لكن رجال‬
‫إسناده موثقون‪ ،‬وال يدرى ما وجه ض‪KK‬عف س‪KK‬نده فإن‪KK‬ه رواه أب‪KK‬و داود عن هن‪KK‬اد بن الس‪KK‬ري عن عب‪KK‬د الس‪KK‬الم بن ح‪K‬رب عن أبي خال‪KK‬د‬
‫الداالني عن أبي العالء األودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي ‪ ‬وكل هؤالء وثقهم األئمة إال أب‪KK‬ا‬
‫خالد الداالني فإنهم اختلفوا فيه‪ :‬فوثقه أبو حاتم وقال أحمد وابن معين ال بأس به وقال ابن حبان ال يجوز االحتجاج به وقال ابن عدي‬
‫حديثه لين وقال شريك كان مرجئا‪ ،‬سبل السالم‪.3/158:‬‬
‫‪ )(2‬البخاري‪ ،5/1985 :‬مسلم‪ ،2/1055 :‬ابن حبان‪.12/116 :‬‬
‫‪ )(3‬النووي على مسلم‪.9/237:‬‬
‫‪ )(4‬التمهيد‪.10/175 K:‬‬
‫‪ )(5‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.9/245 :‬‬
‫أما إن علم أن عند أهل الوليمة منكرا‪ ،‬ال يراه وال يس‪KK‬معه‪ ،‬لكون‪KK‬ه بمع‪KK‬زل عن موض‪KK‬ع الطع‪KK‬ام‪ ،‬أو يخفون‪KK‬ه‬
‫وقت حضوره فله أن يحضر ويأكل‪ ،‬ولكن األولى مع ذلك عدم اإلجابة إن كان المنكر عظيما‪ ،‬وقد‪ K‬سئل أحمد عن‬
‫الرجل يدعى إلى الختان أو العرس‪ ،‬وعنده المخنثون‪ ،‬فيدعوه بعد ذلك بيوم أو س‪KK‬اعة‪ ،‬وليس عن‪KK‬ده أولئ‪KK‬ك ؟ ق‪KK‬ال‪:‬‬
‫أرجو أن ال يأثم إن لم يجب‪ ،‬وإن أجاب فأرجو‪ K‬أن ال يكون آثم‪K‬ا‪ ،‬فأس‪K‬قط الوج‪K‬وب‪ ،‬إلس‪K‬قاط ال‪K‬داعي حرم‪K‬ة نفس‪K‬ه‬
‫باتخاذ المنكر‪ ،‬ولم يمنع اإلجابة‪ ،‬لكون المجيب ال يرى منكرا وال يسمعه‪ .‬وقال أحمد‪ :‬إنم‪KK‬ا تجب اإلجاب‪KK‬ة إذا ك‪KK‬ان‬
‫المكسب طيبا‪ ،‬ولم ير منكرا(‪ ،)1‬ومن األدلة على ذلك‪:‬‬
‫قوله ‪( :‬من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬فال يقعد على مائدة يدار عليها الخمر)(‪)2‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ .2‬أنه يشاهد المنكر ويسمعه‪ ،‬من غير حاجة إلى ذلك‪ ،‬فمنع منه‪ ،‬كم‪KK‬ا ل‪KK‬و ق‪KK‬در على إزالت‪KK‬ه‪ ،‬بخالف من ل‪KK‬ه‬
‫جار مقيم على المنكر‪ ،‬حيث يباح له المقام‪ ،‬فإن تلك حال حاجة‪ ،‬لما في الخروج من المنزل من الضرر‪.‬‬
‫ما يباح في الوليمة‪:‬‬
‫األكل من طعام الوليمة‪:‬‬
‫اتفق الفقهاء على أن الدعاء إلى الوليم‪KK‬ة إذن في ال‪KK‬دخول واألك‪KK‬ل‪ ،‬لم‪KK‬ا روي عن الن‪KK‬بي ‪ ‬أن‪KK‬ه ق‪KK‬ال ‪(:‬إذا‬
‫دعي أحدكم‪ ،‬فجاء مع الرسول‪ ،‬فذلك إذن له)(‪)3‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في نوع هذا اإلذن هل هو على سبيل االستحباب أم على سبيل الوجوب على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬األولى له األكل من غير وجوب‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ K،‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫قول النبي ‪(: ‬إذا دعي أحدكم فليجب‪ ،‬فإن شاء أكل‪ ،‬وإن شاء ترك)(‪)4‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ .2‬أنه أبلغ في إكرام الداعي‪ ،‬وجبر قلبه‪.‬‬
‫‪ .3‬أنه لو وجب األكل‪ ،‬لوجب على المتطوع‪ K‬بالصوم‪ ،‬فلما لم يلزمه األكل‪ ،‬لم يلزمه إذا كان مفطرا‪.‬‬
‫‪ .4‬أنه ليس المقصود من الدعوة األكل‪ ،‬بل المقصود اإلجابة‪ ،‬ولذلك وجبت على الصائم‪ K‬الذي ال يأكل‪.‬‬
‫‪ .5‬أن في الحضور فوائد‪ K‬أخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به واالنتفاع بإشارته والصيانة عما ال يحصل ل‪KK‬ه‬
‫الصيانة لو لم يحضر‪ ،‬وفي اإلخالل باإلجابة تفويت ذلك وال يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه يلزمه األكل‪ ،‬وهو قول بعض الشافعية‪ ،‬واستدلوا‪ K‬على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬قول النبي ‪(: ‬وإن كان مفطرا فليطعم)‪.‬‬
‫‪ .2‬أن المقصود من الدعوة األكل‪ ،‬فكان واجبا‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو أن حكم ذلك يختلف بحسب حال الداعي والم‪KK‬دعو‪ ،‬ف‪KK‬إن ك‪KK‬ان في األك‪KK‬ل أو‬
‫عدمه أذى ألحدهما زال الوجوب‪ ،‬وال يمكن حصر األحوال في ذلك‪ ،‬ومن األمثلة لذلك أن يكون المدعو مريض‪KK‬ا‬
‫مرضا‪ K‬يمنعه من أكل طعام معين‪ ،‬فيعتذر عن عدم األكل‪ ،‬فيعذر‪ K‬في ذلك من غير إحراج له بالتعرف على عذره‪،‬‬
‫أما الداعي‪ ،‬فإن علم من حاله التأذي بعدم األكل من طعامه‪ ،‬فإن الواجب هو األكل من باب تحريم إذية المسلم‪.‬‬
‫حكم أكل المدعو إن كان صائما ‪:‬‬
‫إن كان المدعو صائما‪ ،‬فإن حكم أكله يختلف بحسب نوع صومه حسب الحالتين التاليتين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إن كان صومه واجبا‪ ،‬فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يجيب الدعوة وال يفطر‪ ،‬لألدلة التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬أن الفطر غير جائز‪ ،‬ألن الصوم واجب‪ ،‬واألكل غير واجب‬
‫‪ .2‬قال رسول هللا ‪(: ‬إذا دعي أحدكم فليجب‪ ،‬فإن كان ص‪KK‬ائما فلي‪KK‬دع‪ ،‬وإن ك‪KK‬ان مفط‪KK‬را فليطعم)(‪ ،)5‬وفي‬
‫‪ )(1‬المغني‪.7/217:‬‬
‫‪ )(2‬الحاكم‪ ،4/320 :‬الدارمي‪ ،2/153 :‬البيهقي‪ ،7/266 :‬النسائي‪ ،4/171 :‬المعجم األوسط‪ ،1/213 :‬شعب اإليمان‪.5/12 :‬‬
‫‪ )(3‬شعب اإليمان‪.6/445:‬‬
‫‪ )(4‬ابن حبان‪ ،12/115 :‬المسند المستخرج على مسلم‪ ،4/107 :‬البيهقي‪.7/264 :‬‬
‫‪ )(5‬مسلم‪ ،2/1053 :‬ابن حبان‪ ،12/115 :‬الترم‪KK‬ذي‪ ،3/150 :‬ال‪K‬دارمي‪ ،2/192 :‬ال‪K‬بيهقي‪ ،7/261 :‬أب‪K‬و داود‪ ،2/331 :‬النس‪K‬ائي‪:‬‬
‫‪ ،4/140‬ابن ماجة‪.1/616 :‬‬
‫رواية (فليصل)يعني‪ :‬يدعو‪ ،‬والصالة الدعاء‪ ،‬وقد حمله بعض الشراح على ظاهره فقال‪:‬إن ك‪KK‬ان ص‪KK‬ائما‬
‫فليشتغل‪ K‬بالصالة ليحصل له فضلها‪ ،‬ويحصل ألهل المنزل والحاضرين بركتها(‪.)1‬‬
‫الحال ة الثانية‪ :‬إن كان ص‪KK‬وما تطوعي‪KK‬ا‪ ،‬وق‪KK‬د اختل‪KK‬ف الفقه‪KK‬اء في ه‪KK‬ذه الحال‪KK‬ة ف‪KK‬ذهب إلى اس‪KK‬تحباب الفط‪KK‬ر‬
‫اإلمامية وأكثر الشافعية وبعض الحنابلة‪ ،‬وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر‪ ،‬وهذا على رأي من يجوز‬
‫الخروج من صوم النفل‪.‬‬
‫وأما من يوجبه فال يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض‪ ،‬قال ابن حجر ‪(:‬ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الص‪KK‬وم‬
‫ليس عذرا في ترك اإلجابة‪ ،‬وال سيما مع ورود األمر للصائم بالحضور والدعاء نعم لو اعتذر به الم‪KK‬دعو‪ ،‬فقب‪KK‬ل ال‪KK‬داعي‬
‫عذره عليه أن ال يأكل إذا حضر‪ ،‬أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر‪ ،‬ووق‪K‬ع في ح‪K‬ديث ج‪K‬ابر عن‪K‬د مس‪K‬لم إذا دعي‬
‫أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر ال يجب عليه األك‪KK‬ل وه‪KK‬و أص‪KK‬ح‬
‫الوجهين)(‪)2‬‬
‫ويستحب في حال الصوم أن يدعو لهم‪ ،‬ويخ‪KK‬برهم‪ K‬بص‪KK‬يامه‪ ،‬ليعلم‪KK‬وا ع‪KK‬ذره‪ ،‬ف‪KK‬تزول عن‪KK‬ه التهم‪KK‬ة في ت‪KK‬رك‬
‫األكل‪ ،‬ومن األدلة ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬روي‪ K‬أن النبي ‪ ‬كان في دعوة‪ ،‬ومعه جماعة‪ ،‬فاعتزل رجل من الق‪KK‬وم ناحي‪KK‬ة‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬إني ص‪KK‬ائم‪ ،‬فق‪KK‬ال‬
‫النبي ‪ :‬دعاكم أخوكم‪ ،‬وتكلف لكم‪ ،‬كل‪ ،‬ثم صم يوما مكانه إن شئت(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬أن إجابة أخيه المسلم‪ ،‬وإدخال السرور‪ K‬على قلبه أولى من صومه‪.‬‬
‫النثار‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم النثار(‪ )4‬ال‪KK‬ذي ي‪KK‬رمى في ال‪KK‬والئم كم‪KK‬ا تج‪KK‬ري‪ K‬ب‪KK‬ه األع‪KK‬راف عن‪KK‬دنا في ال‪KK‬والئم على‬
‫قولين(‪:)5‬‬
‫القول األول‪ :‬أن ذلك مكروه في العرس وغيره‪ ،‬وقد روي‪ K‬هذا الق‪KK‬ول عن أبي مس‪KK‬عود الب‪KK‬دري‪ ،‬وعكرم‪KK‬ة‪،‬‬
‫وابن سيرين وعطاء‪ ،‬وعبد هللا بن يزيد الخطمي‪ ،‬وطلحة‪ ،‬وزبيد اليامي‪ ،‬وبه قال مال‪KK‬ك‪ ،‬والش‪KK‬افعي‪ ،‬ورواي‪KK‬ة عن‬
‫أحمد‪ ،‬وقد نص الشافعية على أنه إن عرف أن الن‪KK‬اثر ال ي‪KK‬ؤثر بعض‪KK‬هم على بعض ولم يق‪KK‬دح االلتق‪KK‬اط في م‪KK‬روءة‬
‫الملتقط انتفت الكراهة‪ ،‬ويكره أخذ النثار من الهواء بإزار أو غيره فإن أخذ منه أو التقطه أو بسط حجره له فوق‪KK‬ع‬
‫فيه ملكه‪ ،‬وإن لم يبسط حجره له لم يملكه ألنه لم يوجد منه قصد تملك وال فعل(‪ ،)6‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روي عن النبي ‪ ‬أنه قال ‪(:‬ال تحل النهبى)(‪ ،)7‬وفي لفظ‪ :‬أن النبي ‪ ‬نهى عن النهبى والمثلة‪.‬‬
‫‪ .2‬أن فيه نهبا‪ ،‬وتزاحم‪KK‬ا‪ K،‬وقت‪KK‬اال‪ ،‬وربم‪KK‬ا أخ‪KK‬ذه من يك‪KK‬ره ص‪KK‬احب النث‪KK‬ار‪ ،‬لحرص‪KK‬ه وش‪KK‬رهه ودن‪KK‬اءة نفس‪KK‬ه‪،‬‬
‫ويحرمه من يحب ص‪KK‬احبه‪ ،‬لمروءت‪KK‬ه وص‪KK‬يانة نفس‪KK‬ه وعرض‪KK‬ه‪ ،‬وه‪KK‬ذا ه‪KK‬و الغ‪KK‬الب‪ ،‬ألن أه‪KK‬ل الم‪KK‬روآت‬
‫يصونون أنفسهم عن المزاحمة على الطعام أو غيره‪.‬‬
‫‪ .3‬أن في هذا دناءة‪ ،‬وهللا يحب معالي األمور‪ ،‬ويكره سفسافها‪.‬‬
‫‪ .4‬أن خبر البدنات الذي استدل به أصحاب الق‪KK‬ول الث‪KK‬اني‪ ،‬فيحتم‪KK‬ل أن الن‪KK‬بي ‪ ‬علم أن‪KK‬ه ال نهب‪KK‬ة في ذل‪KK‬ك‪،‬‬
‫لكثرة اللحم‪ ،‬وقلة اآلخذين‪ ،‬أو فعل ذلك الشتغاله بالمناسك‪ K‬عن تفريقها‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬إنه ليس بمكروه‪ ،‬وهو قول الحسن‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والنخعي‪ ،‬وأبي حنيفة‪ ،‬وأبي عبيد‪ ،‬وابن المنذر‪،‬‬
‫‪ )(1‬فتح الباري‪.9/247 :‬‬
‫‪ )(2‬فتح الباري‪.9/247 :‬‬
‫‪ )(3‬مجمع الزوائد‪ ،4/53 K:‬البيهقي‪ 4/279 :‬المعجم األوسط‪ ،3/306 :‬قال في كشف الخفاء بضعفه‪ ،‬كشف الخفاء‪.1/238:‬‬
‫‪ )(4‬النثار بالكسر والضم لغة اسم للفعل كالنثر ويكون بمعنى المنثور كالكتاب بمعنى المكت‪KK‬وب وأص‪KK‬بت من النث‪KK‬ار أي من المنث‪KK‬ور‬
‫وقيل النثار ما يتناثر من الشيء كالسقاط اسم لما يسقط والضم لغة تشبيها بالفضلة ال‪K‬تي ت‪K‬رمى‪ ،‬المص‪K‬باح المن‪K‬ير‪ ،‬والم‪K‬راد من‪K‬ه في‬
‫العرف هو ما يرمى في الوالئم من حلوى وغيرها‪.‬‬
‫‪ )(5‬انظر‪ :‬الروض المربع‪ ،3/123 :‬المغني‪ ،7/219 :‬الفروع‪.5/236:‬‬
‫‪ )(6‬حاشية البجيرمي‪.3/34:‬‬
‫‪ )(7‬النسائي ‪ ،3/158‬المجتبى‪.7/201 :‬‬
‫واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روى عبد هللا بن قرط‪ ،‬قال‪ :‬قرب إلى رسول هللا ‪ ‬خمس بدنات أو ست‪ ،‬فطفقن يزدلفن إلي‪KK‬ه ب‪KK‬أيتهن‬
‫يبدأ‪ ،‬فنحرها رسول هللا ‪ ‬وقال كلمة لم أسمعها‪ ،‬فسألت من قرب من‪KK‬ه‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬من ش‪KK‬اء اقتطع(‪ ،)1‬وه‪KK‬ذا‬
‫جار مجرى النثار‪.‬‬
‫‪ .2‬روي‪ K‬أن النبي ‪ ‬دعي إلى وليمة رجل من األنصار‪ ،‬ثم أتوا بنهب فأنهب عليه‪ ،‬ق‪KK‬ال ال‪KK‬راوي‪ :‬ونظ‪KK‬رت‪K‬‬
‫إلى رسول هللا ‪ ‬يزاحم الناس أو نحو ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول هللا ‪ ‬أوما نهيتن‪KK‬ا عن النهب‪K‬ة ؟ ق‪KK‬ال‪ :‬نهيتكم‬
‫عن نهبة العساكر‪.)2(K‬‬
‫‪ .3‬أنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام‪ K‬للضيوف‪.‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة انطالقا مما يجري‪ K‬في األعراف عندنا هو كراهة هذا التص‪K‬رف‪ K‬لم‪K‬ا يج‪K‬ر إلي‪K‬ه‬
‫في أحيان كثيرة من أذى للمدعوين‪ ،‬والحديث الصريح في النهي عن النهبى واض‪KK‬ح في داللت‪KK‬ه على ذل‪KK‬ك‪ ،‬ثم إن‪KK‬ه‬
‫بعد ذل‪K‬ك يتن‪K‬اقض م‪KK‬ع الس‪K‬لوك اإلس‪KK‬المي في الطع‪K‬ام من البع‪KK‬د عن الش‪KK‬ره والح‪KK‬رص واإليث‪KK‬ار‪ K‬إن ك‪KK‬ان يأك‪K‬ل في‬
‫جماعة‪.‬‬
‫أما ما استدل به أصحاب القول الثاني‪ ،‬فإن حديث البدنات ال يصح االستدالل به هنا لكون‪KK‬ه ليس نث‪KK‬ارا‪ ،‬أم‪KK‬ا‬
‫الحديث اآلخر‪ ،‬فلو لم يكذبه المحدثون لكذبته سيرة رسول هللا ‪ ،‬فهو أرفع مقاما من أن يفعل ذلك‪.‬‬
‫الغناء ‪:‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في حكمه اختالفا كبيرا واسعا(‪ )3‬من لدن الصدر األول إلى اآلن‪ ،‬وألهمية هذه المس‪KK‬ألة‪،‬‬
‫ومبالغة البعض في اإلنكار عليها سنذكر رأي الفريقين من القائلين بالجواز والحرمة على قدر ما يقتض‪KK‬يه المق‪KK‬ام‪،‬‬
‫‪ )(1‬ابن خزيمة‪ ،4/294 :‬الحاكم‪ ،4/246 :‬البيهقي‪ ،7/288 :‬أبو داود‪ ،2/248 :‬أحمد‪.4/350 :‬‬
‫‪ )(2‬ال شك في ظهور الوضع على هذا الحديث‪ ،‬وإنما ذكرنا إليراد الفقهاء له‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن حج‪KK‬ر‪ :‬قلت هك‪KK‬ذا فليكن الك‪KK‬ذب‪ ،‬وق‪KK‬د رواه‬
‫حازم مولى بني هاشم مجهول عن لمازة ومن لمازة عن ثور عن خالد بن معدان عن معاذ بنحو منه‪ ،‬لسان الم‪KK‬يزان‪ :‬وفي مجم‪KK‬ع‬
‫الزوائد‪ ، 2/19 :‬قال في مجمع الزوائد‪ :‬رواه الطبراني في األوسط والكبير بنحوه وفي إسناد األوسط بش‪KK‬ر بن اب‪KK‬راهيم وه‪KK‬و وض‪KK‬اع‬
‫وفي إسناد الكبير حازم مولى بني هاشم عن لمازة ولم أجد من ترجمهما ولمازة‪ ،‬هذا يروى عن ثور بن يزي‪KK‬د مت‪KK‬أخر وليس ه‪KK‬وابن‬
‫زياد ذاك ي‪KK‬روى عن علي ابن أبي ط‪KK‬الب ونح‪KK‬وه وبقي‪KK‬ة رجال‪KK‬ه ثق‪KK‬ات‪ ،‬مجم‪KK‬ع الزوائ‪KK‬د‪ ،4/290 :‬وانظ‪KK‬ر‪ :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،7/288 :‬المعجم‬
‫األوسط‪ ،1/44 :‬المعجم الكبير‪.20/97 :‬‬
‫‪ )(3‬وقد اختلف الفقهاء حول ثالثة أنواع من الغناء جمعها المال علي القاري في رسالة له‪ ،‬وحاصل األنواع والخالف فيها كما يلي‪:‬‬
‫أوال ـ ما ال يكون بآلة مع سالمة القول من الفتنة والمالمة‪ ،‬نقل عن جماعة من الصحابة والتابعين والمجتهدين كأبي حنيفة‬
‫ومالك والشافعي وأحمد إباحته‪ ،‬وهو مختار القشيري وحكى الغزالي االتفاق وابن حزم ادعى إجماع الص‪KK‬حابة والت‪KK‬ابعين علي‪KK‬ه وفي‬
‫النهاية أيضا جوازه وعند السرخسي أنه لدفع وحشة ومختار عز الدين وابن دقيق العيد وبدر الدين‪.‬‬
‫ثانيا ـ ما يكون بآلة كاألوتار والمزامير فالمشهور من المذاهب األربعة أن الضرب واس‪KK‬تماعه ح‪KK‬رام وعن بعض المالكي‪KK‬ة‬
‫والشافعية إباحته وكذا عن شرذمة من السلف وعن أبي الطيب الط‪KK‬بري عن األربع‪KK‬ة حرمت‪KK‬ه وعن بعض الش‪KK‬افعية فأم‪KK‬ا م‪KK‬ذهب أبي‬
‫حنيفة فيه فأشد المذاهب وقوله أغلظ األقوال وصرح أصحابه أن استماعه فسق والتلذذ به كفر وليس بع‪KK‬د الكف‪K‬ر غاي‪KK‬ة‪ ،‬ق‪KK‬د حكى أب‪KK‬و‬
‫عمرو بن الصالح اإلجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء فق‪KK‬ال في فتاوي‪KK‬ه‪ :‬أم‪KK‬ا إباح‪KK‬ة ه‪KK‬ذا الس‪KK‬ماع وتحليل‪KK‬ه‬
‫فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغ‪KK‬يرهم من علم‪KK‬اء المس‪KK‬لمين ولم يثبت عن أح‪KK‬د‬
‫ممن يعتد بقوله في اإلجماع واالختالف أنه أباح هذا السماع «إغاثة اللهفان‪» 1/228 :‬‬
‫ثالثا ـ ما يقارن بالدف والشبابة فعند الجمهور من األئمة األربعة حرام ومختار النووي وعند بعضهم مباح ومختار جماعة‬
‫من الشافعية كالرافعي والغزالي وابن عبد السالم وعن ابن دقيق العيد أنه لم يرد حديث ص‪KK‬حيح على منع‪KK‬ه وال ح‪KK‬ديث ص‪KK‬حيح على‬
‫جوازه فهذه مسألة اجتهادية فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى التحريم قال به ومن اجتهد وأداه إلى الجواز قال به‪ .‬انظر‪ :‬بريقة محمودية‪:‬‬
‫‪.4/52‬‬
‫ونعقبه بما نراه من ترجيح يتناسب مع واقع والئمنا‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في حكم الغناء على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬حرمة الغناء مطلقا‪ ،‬وهو قول أكثر الفقه‪KK‬اء من المتق‪KK‬دمين(‪ ،)1‬فق‪KK‬د روي عن الش‪KK‬افعي ومال‪KK‬ك‬
‫وأبـي حنيفة وسفيان وجماعة من العلماء ألفاظا ً يستدل بها على أنهم رأوا تحريمه‪.‬‬
‫أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن اس‪KK‬تماعه‪ ،‬وق‪KK‬ال‪ :‬إذا اش‪KK‬ترى جاري‪KK‬ة فوج‪KK‬دها‪ K‬مغني‪KK‬ة ك‪KK‬ان ل‪KK‬ه أن يرده‪KK‬ا‬
‫بالعيب‪ ،‬وسئل مالك عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال‪ :‬إنما يفعله عندنا الفساق‪ ،‬وأم‪K‬ا أب‪K‬و حنيف‪K‬ة فإن‪K‬ه‬
‫يكره الغناء‪ ،‬ويجعله من الذنوب‪،‬ومذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ األقوال‪ ،‬وقد صرح‬
‫أصحابه بتحريم سماع المالهي كلها كالمزمار‪ K‬والدف حتى الض‪KK‬رب بالقض‪KK‬يب‪ ،‬وص‪KK‬رحوا بأن‪KK‬ه معص‪KK‬ية ي‪KK‬وجب‬
‫الفسق وترد به الشهادة‪ ،‬وأبلغ من ذلك أنهم قالوا‪ :‬إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا‬
‫ال يصح رفعه‪ ،‬وقال‪ K‬أبو يوسف‪ K‬في دار يسمع منها صوت المعازف‪ K‬والمالهي‪ :‬ادخل عليهم بغير إذنهم ألن النهي‬
‫عن المنكر فرض‪ ،‬فلو لم يجز الدخول بغير إذن المتنع الناس من إقامة الفرض‪.‬‬
‫أما الشافعي‪ ،‬فقال‪ :‬إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمح‪KK‬ال ومن اس‪KK‬تكثر من‪KK‬ه فه‪KK‬و س‪KK‬فيه ت‪KK‬رد ش‪KK‬هادته‪،‬‬
‫وصرح‪ K‬أصحابه بتحريمه‪،‬وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إس‪KK‬حق وابن‬
‫الصباغ‬
‫أما اإلمام أحمد فقال عبد هللا ابنه‪ :‬سألت أبي عن الغناء‪ ،‬فقال‪ :‬الغناء ينبت النف‪KK‬اق في القلب‪ ،‬ال يعجب‪KK‬ني‪ ،‬ثم‬
‫ذكر قول مالك‪ :‬إنما يفعله عندنا الفساق(‪ ،)2‬واستدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫هَّللا‬
‫يل ِ بِ َغي ِْر ِعل ٍم َويَتَّ ِخ َذهَا‪ K‬هُ‪ُ K‬ز ًوا أولَئِ‪K‬كَ لَهُ ْم‬ ‫اس َم ْن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َح ِدي ِ‬
‫ُض َّل ع َْن َسبِ ِ‬
‫ث لِي ِ‬ ‫‪ .1‬قال تعالى ‪َ ﴿:‬و ِم ْن النَّ ِ‬
‫ين﴾ (لقمان‪)6:‬ووجه االستدالل باآلية أن أكثر المفسرين على أن المراد بله‪KK‬و الح‪KK‬ديث الغن‪KK‬اء‪،‬‬ ‫َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫وقد‪ K‬صرح بذلك ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه وقاله عبد هللا بن مس‪KK‬عود في رواي‪KK‬ة أبي‬
‫الصهباء عنه‪ ،‬وهو قول مجاهد وعكرمة(‪.)3‬‬
‫‪ .2‬أنه باطل‪ ،‬والباطل ضد الحق‪ ،‬ألن الباطل إما معدوم‪ K‬ال وجود له وإما موجود ال نفع له فالكفر والفس‪KK‬وق‬
‫والعصيان والسحر‪ K‬والغناء واستماع المالهي كله من النوع الثاني‪ ،‬وقد‪ K‬سئل القاسم بن محمد‪ :‬كيف ترى‬
‫في الغناء‪ ،‬فقال له القاسم‪ :‬هو باطل فق‪KK‬ال‪ :‬ق‪KK‬د ع‪KK‬رفت أن‪KK‬ه باط‪KK‬ل فكي‪KK‬ف ت‪KK‬رى في‪KK‬ه؟ فق‪KK‬ال القاس‪KK‬م‪ :‬أرأيت‬
‫الباطل أين هو؟ قال‪ :‬في النار قال فهو ذاك‪ ،‬وقال رجل البن عباس ‪ :‬ما تقول في الغناء‪ ،‬أحالل ه‪KK‬و أم‬
‫حرام؟ فقال‪:‬ال أقول حراما إال ما في كتاب هللا‪،‬فقال أفحالل هو؟ فقال‪ :‬وال أق‪KK‬ول ذل‪KK‬ك‪ ،‬ثم ق‪KK‬ال ل‪KK‬ه‪:‬أرأيت‬
‫الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة‪ ،‬فأين يكون الغناء‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يكون مع الباطل‪،‬فقال ل‪KK‬ه ابن عب‪KK‬اس‪:‬‬
‫اذهب فقد أفتيت نفسك(‪.)4‬‬
‫‪ .3‬أنه ذريعة إلى ارتكاب الفواحش حتى أطلق عليه [ رقية الزنى ]‪،‬وهذه التس‪KK‬مية معروف‪KK‬ة عن الفض‪KK‬يل بن‬
‫عي‪KK‬اض‪ ،‬ق‪KK‬ال يزي‪KK‬د بن الولي‪KK‬د‪ :‬ي‪KK‬ا ب‪KK‬ني أمي‪KK‬ة إي‪KK‬اكم والغن‪KK‬اء فإن‪KK‬ه ينقص الحي‪KK‬اء ويزي‪KK‬د في الش‪KK‬هوة ويه‪KK‬دم‪K‬‬
‫المروءة‪،‬وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر‪ ،‬فإن كنتم ال بد فاعلين فجنب‪KK‬وه النس‪KK‬اء‪ ،‬ف‪KK‬إن الغن‪KK‬اء‬
‫داعية الزنى‪ ،‬وقد‪ K‬نقل ابن القيم عن محمد بن الفضل األزدي قال‪ :‬نزل الحطيئة برج‪KK‬ل من الع‪KK‬رب ومع‪KK‬ه‬
‫ابنته مليكة‪ ،‬فلما جنه الليل سمع غناء‪ ،‬فقال لصاحب المنزل‪ :‬كف هذا عني‪ ،‬فق‪KK‬ال‪ :‬وم‪KK‬ا تك‪KK‬ره من ذل‪KK‬ك؟‬
‫فقال‪ :‬إن الغناء رائد من رادة الفجور‪ ،‬وال أحب أن تسمعه هذه يعني ابنته‪ ،‬فإن كففته وإال خ‪KK‬رجت عن‪KK‬ك‪،‬‬
‫وقال ابن القيم ‪(:‬فلعمر‪ K‬هللا كم من حرة صارت بالغناء من البغايا‪ ،‬وكم من حر أصبح به عبدا للصبيان أو‬
‫الص‪K‬بايا‪ ،‬وكم من غي‪K‬ور تب‪K‬دل ب‪K‬ه اس‪K‬ما قبيح‪K‬ا‪ K‬بين البراي‪K‬ا‪ ،‬وكم من ذي غ‪K‬نى وث‪K‬روة أص‪K‬بح بس‪K‬ببه على‬
‫األرض بعد المطارف‪ K‬والحشايا‪ ،‬وكم من معافى تعرض له فأمسى‪ K‬وقد حلت به أنواع الباليا‪ ،‬وكم أه‪KK‬دى‬
‫للمشغوف‪ K‬به من أشجان وأحزان فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا‪ ،‬وكم ج‪K‬رع من غص‪K‬ة وأزال من نعم‪K‬ة‬

‫إغاثة اللهفان‪.1/238 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫هذه النقول من خطبة كتاب للطرطوشي في تحريم السماع‪ ،‬نقال عن‪ :‬إغاثة اللهفان‪.1/226 :‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫انظر النقول من السلف عن ذلك في‪ :‬المصنف البن أبي شيبة‪.5/132:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إغاثة اللهفان‪.1/242 :‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫وجلب من نقمة وذلك من‪KK‬ه من إح‪KK‬دى العطاي‪KK‬ا‪ ،‬وكم خب‪KK‬أ ألهل‪K‬ه من آالم منتظ‪KK‬رة وغم‪KK‬وم متوقع‪KK‬ة وهم‪KK‬وم‪K‬‬
‫مستقبلة‪ ،‬فسل ذا خبرة ينبيك عنه لتعلم كم خبايا في الزوايا‪ ،‬وحاذر‪ K‬إن شغفت ب‪KK‬ه س‪KK‬هاما مريش‪KK‬ة بأه‪KK‬داب‬
‫المنايا‪ ،‬إذا ما خالطت قلبا كئيبا تمزق بين أطباق الرزايا‪ ،‬ويصبح بعد أن قد كان حرا عفيف الفرج عب‪KK‬دا‬
‫للصبايا‪ ،‬ويعطي‪ K‬من به يغني غناء وذلك منه من شر العطايا)(‪)1‬‬
‫‪ .4‬أنه يورث النفاق‪ ،‬قال عبد هللا بن مسعود‪ : K‬الغناء ينبت النفاق في القلب‪ ،‬وهو صحيح عن ابن مسعود‪ K‬من‬
‫قوله‪ ،‬وقد‪ K‬جعل ابن القيم هذا من علل التحريم‪ ،‬فقال ‪(:‬اعلم أن للغناء خ‪KK‬واص له‪KK‬ا ت‪KK‬أثير في ص‪KK‬بغ القلب‬
‫بالنفاق ونبات‪KK‬ه في‪KK‬ه كنب‪KK‬ات ال‪KK‬زرع بالم‪KK‬اء‪ ،‬فمن خواص‪KK‬ه أن‪KK‬ه يلهي القلب ويص‪KK‬ده عن فهم الق‪KK‬رآن وت‪KK‬دبره‬
‫والعمل بما فيه)‬
‫القول الثاني‪ :‬إباحة الغناء‪ ،‬وهو قول الظاهرية والغزالي وكثير من المتأخرين‪ ،‬وهو قول كث‪KK‬ير من المعاص‪KK‬رين‪،‬‬
‫ويمكن حصر أدلة القائلين باإلباحة في دليلين‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬أنه لم يدل دليل صحيح أو صريح على حرمة الغناء‪ ،‬ألنه بثب‪K‬وت ع‪K‬دم التح‪K‬ريم يبقى األص‪K‬ل‬
‫وهو اإلباحة‪ ،‬قال الغزالي في إثبات هذا النوع من االستدالل ‪(:‬اعلم أن ق‪KK‬ول القائ‪KK‬ل‪ :‬الس‪KK‬ماع ح‪KK‬رام‪ ،‬معن‪KK‬اه ّ‬
‫أن هللا‬
‫تعالى يعاقب عليه؛ وهذا أمر ال يعرف‪ K‬بمج‪KK‬رد العق‪KK‬ل‪ ،‬ب‪KK‬ل بالس‪KK‬مع‪ ،‬ومعرف‪KK‬ة الش‪KK‬رعيات محص‪KK‬ورة في النص أو‬
‫القي‪KK‬اس على المنص‪KK‬وص‪ ،‬وأع‪KK‬ني ب‪KK‬النص م‪KK‬ا أظه‪KK‬ره ‪ ‬بقول‪KK‬ه أو فعل‪KK‬ه‪ ،‬وبالقي‪KK‬اس المع‪KK‬نى المفه‪KK‬وم من ألفاظ‪KK‬ه‬
‫وأفعاله‪ ،‬فإن لم يكن فيه نص ولم يستقم فيه قياس على منص‪KK‬وص بط‪KK‬ل الق‪KK‬ول بتحريم‪KK‬ه‪ ،‬وبقي فعالً ال ح‪KK‬رج في‪KK‬ه‬
‫كسائر‪ K‬المباحات‪ .‬وال ي‪K‬دل على تح‪K‬ريم الس‪KK‬ماع نص وال قي‪KK‬اس‪ ،‬ويتض‪KK‬ح ذل‪K‬ك في جوابن‪KK‬ا على أدل‪K‬ة الم‪KK‬ائلين إلى‬
‫التحريم‪ K.‬ومهما تم الجواب عن أدلتهم كان ذلك مسلكا ً كافيا ً في إثبات ه‪K‬ذا الغ‪K‬رض)(‪ ،)2‬وسنفص‪K‬ل باختص‪K‬ار‪ K‬ه‪K‬ذا‬
‫الدليل فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم صحة اآلثار التي استدل بها المخالفون‪ ،‬وقد حاول ابن حزم أن يثبت ه‪KK‬ذا بجم‪KK‬ع األح‪KK‬اديث ال‪KK‬تي‬
‫استدل بها المخالفون ومناقشتها على ضوء مناهج المحدثين‪ ،‬قال ابن حزم ‪(:‬وال يصح في ه‪K‬ذا الب‪KK‬اب ش‪K‬يء أب‪K‬دا‪،‬‬
‫وكل ما فيه فموضوع‪ ،‬وهللا لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقاة إلى رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬لم‪KK‬ا ترددن‪K‬ا‪ K‬في‬
‫األخذ به)(‪ ،)3‬وال بأس أن نورد هنا بعض ما أورده المخ‪KK‬الفون من أدل‪KK‬ة م‪KK‬ع ذك‪KK‬ر م‪KK‬ا أورده ابن ح‪KK‬زم من وج‪KK‬وه‬
‫تضعيف‪ K‬الحديث‪ ،‬قال ابن حزم ‪(:‬واحتج المانعون بآثار ال تص‪KK‬ح‪ ،‬أو يص‪KK‬ح بعض‪KK‬ها‪ ،‬وال حج‪KK‬ة لهم فيه‪KK‬ا)(‪ ،)4‬ثم‬
‫أورد اآلثار التالية(‪:)5‬‬
‫‪ .1‬قال رسول‪ K‬هللا ‪(: ‬كل شيء يلهو به الرج‪KK‬ل فباط‪KK‬ل‪ ،‬إال رمي الرج‪KK‬ل بقوس‪KK‬ه‪ ،‬أو تأديب‪KK‬ه فرس‪KK‬ه‪ ،‬أو‬
‫مالعبته امرأته‪ ،‬فإنهن من الحق)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬فيه عبد هللا بن زيد بن األزرق‪ K‬مجهول‪.‬‬
‫‪ .2‬عن خال‪KK‬د بن زي‪KK‬د الجه‪KK‬ني ق‪KK‬ال‪ :‬ق‪KK‬ال لي عقب‪K‬ة بن ع‪KK‬امر‪ :‬ق‪KK‬ال رس‪KK‬ول هللا ‪(: ‬ليس له‪KK‬و الم‪KK‬ؤمن إال‬
‫ثالث)ثم ذكره‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬فيه خالد بن زيد مجهول‪.‬‬
‫‪ .3‬عن عطاء بن أبي رباح رأيت ج‪KK‬ابر بن عب‪KK‬د هللا‪ ،‬وج‪KK‬ابر بن عبي‪KK‬د األنص‪KK‬اريين يرمي‪KK‬ان فق‪KK‬ال أح‪KK‬دهما‬
‫لآلخر‪ :‬أم‪KK‬ا س‪KK‬معت رس‪KK‬ول هللا ‪ ‬يق‪KK‬ول ‪(:‬ك‪KK‬ل ش‪KK‬يء ليس من ذك‪KK‬ر هللا فه‪KK‬و لعب‪ ،‬ال يك‪KK‬ون أربع‪KK‬ة‪:‬‬
‫مالعبة الرجل امرأته‪ ،‬وتأديب الرجل فرسه‪ ،‬ومشي الرجل بين الغرض‪KK‬ين‪ ،‬وتعليم الرج‪KK‬ل الس‪KK‬باحة)‪،‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬هذا حديث مغشوش مدلس دلسة سوء‪ ،‬ألن الزهري الم‪KK‬ذكور في‪KK‬ه ليس ه‪KK‬و ابن ش‪KK‬هاب‪،‬‬
‫لكنه رجل زهري مجهول اسمه عبد الرحيم‪ ،‬ثم ليس فيه إال أنه سهو ولغو وليس فيه تحريم‪.‬‬
‫‪ .4‬ما روي أن النبي ‪ ‬قال ‪(:‬إن هللا ح‪KK‬رم المغني‪KK‬ة وبيعه‪KK‬ا وثمنه‪KK‬ا وتعليمه‪KK‬ا واالس‪KK‬تماع إليه‪KK‬ا)‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن‬
‫‪ )(1‬إغاثة اللهفان‪.1/247:‬‬
‫‪ )(2‬إحياء علوم الدين ‪.2/270:‬‬
‫‪ )(3‬المحلى‪.7/359 :‬‬
‫‪ )(4‬المحلى‪.7/359 :‬‬
‫‪ )(5‬سنكتفي بذكر هذه اآلثار كما أوردها ابن حزم م‪KK‬ع مناقش‪KK‬ته له‪KK‬ا‪ ،‬دون الحاجةلإلطال‪KK‬ة بتخريجه‪KK‬ا‪ ،‬انظ‪KK‬ر‪ :‬المحلى‪ ،7/560 :‬فم‪KK‬ا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫حزم‪ :‬في‪K‬ه ليث‪ ،‬وه‪K‬و ض‪KK‬عيف‪ ،‬وس‪K‬عيد‪ K‬بن أبي رزين وه‪K‬و مجه‪KK‬ول ال ي‪K‬درى من ه‪KK‬و عن أخي‪KK‬ه‪ ،‬وم‪KK‬ا‬
‫أدراك ما عن أخيه هو ما يعرف وقد سمي‪ ،‬فكيف أخوه الذي لم يسم‪.‬‬
‫ق‪KK‬ال رس‪KK‬ول‪ K‬هللا ‪(: ‬إذا عملت أم‪KK‬تي خمس عش‪KK‬رة خص‪KK‬لة ح‪KK‬ل به‪KK‬ا البالء ‪ -‬ف‪KK‬ذكر منهن واتخ‪KK‬ذوا‪K‬‬ ‫‪.5‬‬
‫القينات‪ ،‬والمعزف فليتوقعوا‪ K‬عند ذلك ريحا حمراء‪ ،‬ومسخا‪ K‬وخسفا)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬الحق بن الحسين‪،‬‬
‫وض‪KK‬رار بن علي‪ ،‬والحمص ‪K‬ي‪ K‬مجهول‪KK‬ون‪ ،‬وف‪KK‬رج‪ K‬بن فض‪KK‬الة حمص‪KK‬ي م‪KK‬تروك‪ ،‬ترك‪KK‬ه يح‪KK‬يى‪ ،‬وعب‪KK‬د‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫عن كيسان مولى معاوية أنا معاوية قال)نهى رسول‪ K‬هللا ‪ ‬عن تسع وأنا أنهاكم عنهن اآلن فذكر فيهن‬ ‫‪.6‬‬
‫الغناء‪ ،‬والنوح)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬محمد بن المهاجر ضعيف‪ ،‬وكيسان مجهول‪.‬‬
‫قال رسول‪ K‬هللا ‪(: ‬إن الغناء ينبت النفاق في القلب)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬عن شيخ عجب جدا‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫قال ‪(: ‬يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها‪ K‬بغير اسمها يضرب على رءوسهم‪ K‬بالمعازف والقينات‬ ‫‪.8‬‬
‫يخسف هللا بهم األرض)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬معاوية بن صالح ضعيف‪ ،‬وليس فيه‪ :‬أن الوعيد المذكور إنما‬
‫هو على المعازف‪ ،‬كما أنه ليس على اتخاذ القينات ‪ -‬والظاهر أنه على استحاللهم الخمر بغير اس‪KK‬مها‪،‬‬
‫والديانة ال تؤخذ بالظن‪.‬‬
‫عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول‪ K‬هللا ‪(: ‬من جلس إلى قينة فسمع منها صب هللا في أذنيه اآلنك يوم‬ ‫‪.9‬‬
‫القيامة)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬هذا حديث موضوع م‪KK‬ركب‪ ،‬فض‪KK‬يحة م‪KK‬ا ع‪KK‬رف ق‪KK‬ط من طري‪KK‬ق أنس‪ ،‬وال من‬
‫رواية ابن المنكدر‪ ،‬وال من حديث مالك‪ ،‬وال من جهة ابن المبارك وك‪KK‬ل من دون ابن المب‪K‬ارك‪ K‬إلى ابن‬
‫شعبان مجهولون‪ .‬وابن شعبان في المالكيين نظير عبد الباقي‪ K‬بن قانع في الحنفيين‪ ،‬ق‪KK‬د تأملن‪KK‬ا ح‪KK‬ديثهما‬
‫فوج‪KK‬دنا‪ K‬في‪KK‬ه البالء ال‪KK‬بين‪ ،‬والك‪KK‬ذب البحت والوض‪K‬ع‪ K‬الالئح‪ ،‬وعظيم الفض‪KK‬ائح‪ ،‬فإم‪KK‬ا تغ‪KK‬ير ذكرهم‪KK‬ا‪ ،‬أو‬
‫اختلطت كتبهما‪ ،‬وإما تعمدا الرواية عن كل من ال خير فيه من كذاب‪ ،‬ومغفل يقبل التلقين‪ .‬وأما الثالث‪KK‬ة‬
‫وهو ثالثة األثافي أن يكون البالء من قبلهما‪.‬‬
‫قال رسول‪ K‬هللا ‪(: ‬من م‪KK‬ات وعن‪KK‬ده جاري‪KK‬ة مغني‪KK‬ة فال تص‪KK‬لوا‪ K‬علي‪KK‬ه)‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن ح‪KK‬زم‪ :‬هاش‪KK‬م وعم‪KK‬ر‬ ‫‪.10‬‬
‫مجهوالن‪ ،‬ومكحول‪ K‬لم يلق عائشة‪.‬‬
‫ما روي ‪(:‬أن هللا تع‪K‬الى نهى عن ص‪K‬وتين ملع‪K‬ونين‪ :‬ص‪K‬وت نائح‪K‬ة‪ ،‬وص‪K‬وت‪ K‬مغني‪K‬ة)‪ ،‬ق‪K‬ال ابن ح‪K‬زم‪:‬‬ ‫‪.11‬‬
‫حديث ال ندري‪ K‬له طريقا‪ ،‬إنما ذكروه هكذا مطلقا‪ ،‬قال‪:‬وهذا ال شيء‪.‬‬
‫عن أبي أمامة قال ‪:‬سمعت رسول‪ K‬هللا ‪ ‬يقول ‪(:‬ال يحل بيع المغنيات وال شراؤهن وثمنهن حرام وقد‬ ‫‪.12‬‬
‫‪K‬ر ِع ْل ٍم‬
‫ُض‪َّ K‬ل ع َْن َس‪K‬بِي ِل هَّللا ِ بِ َغ ْي‪ِ K‬‬ ‫‪K‬و ْال َح‪ِ K‬دي ِ‬
‫ث لِي ِ‬ ‫اس َم ْن يَ ْشت َِري‪ K‬لَ ْه‪َ K‬‬
‫نزل تصديق‪ K‬ذلك في كتاب هللا‪َ ﴿ :‬و ِم ْن النَّ ِ‬
‫ين﴾(لقمان‪ ،)6:‬والذي نفسي بي‪KK‬ده م‪K‬ا رف‪K‬ع رج‪KK‬ل ق‪KK‬ط عق‪K‬يرة ص‪KK‬وته‬ ‫َويَتَّ ِخ َذهَا هُ ُز ًوا أُولَئِ َ‬
‫ك لَهُ ْم َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫بغن‪KK‬اء إال ارتدف‪KK‬ه ش‪KK‬يطانان يض‪KK‬ربانه على ص‪KK‬دره وظه‪KK‬ره ح‪KK‬تى يس‪KK‬كت)‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن ح‪KK‬زم‪ :‬إس‪KK‬ماعيل‬
‫ض‪K‬عيف‪ ،‬ومط‪KK‬رح مجه‪KK‬ول‪ ،‬وعبي‪KK‬د هللا بن زح‪KK‬ر ض‪K‬عيف‪ ،‬والقاس‪K‬م‪ K‬ض‪K‬عيف‪ ،‬وعلي بن يزي‪KK‬د دمش‪K‬قي‬
‫مطرح متروك الحديث‪ ،‬أما الطرق‪ K‬األخرى للحديث التي أوردها ابن حزم ففيها عبد الملك وهو هالك‪،‬‬
‫وإس‪KK‬ماعيل بن عي‪KK‬اش ض‪KK‬عيف‪ ،‬وعلي بن يزي‪KK‬د ض‪KK‬عيف م‪KK‬تروك الح‪KK‬ديث‪ ،‬والقاس‪KK‬م بن عب‪KK‬د ال‪KK‬رحمن‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫عن عبد هللا بن عمر قال‪ :‬قال رجل يا رسول هللا لي إبل‪ ،‬أفأحدو‪ K‬فيها ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ق‪KK‬ال‪ :‬أف‪KK‬أغني فيه‪KK‬ا ؟‬ ‫‪.13‬‬
‫قال‪ :‬اعلم أن المغني أذناه بيد شيطان يرغمه حتى يسكت)‪ ،‬ق‪K‬ال ابن ح‪K‬زم‪ :‬ه‪K‬ذا عب‪K‬د المل‪K‬ك‪ ،‬والعم‪K‬ري‬
‫الصغير ‪ -‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫ما روي أن رسول هللا ‪ ‬قال‪(:‬يمسخ قوم من أمتي في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا‪ :‬يا رسول هللا‬ ‫‪.14‬‬
‫يشهدون أن ال إله إال هللا وأنك رسول هللا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويصومون‪ ،‬ويحجون‪ K‬قالوا‪ :‬فما ب‪KK‬الهم‬
‫يا رسول هللا ؟ قال‪ :‬اتخذوا المعازف والقينات‪ ،‬والدفوف‪ ،‬ويشربون هذه األشربة‪ ،‬فب‪KK‬اتوا على له‪KK‬وهم‪،‬‬
‫وشرابهم‪ ،‬فأصبحوا قردة وخنازير)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬هذا عن رجل لم يسم‪ ،‬ولم يدر من هو‪.‬‬
‫عن أبي أمام‪KK‬ة ق‪KK‬ال‪ :‬ق‪KK‬ال رس‪KK‬ول هللا ‪(: ‬ت‪KK‬بيت طائف‪KK‬ة من أم‪KK‬تي على له‪KK‬و ولعب‪ ،‬وأك‪KK‬ل وش‪KK‬رب‪،‬‬ ‫‪.15‬‬
‫فيصبحوا‪ K‬قردة وخنازير‪ ،‬يكون فيها خس‪K‬ف‪ ،‬وق‪K‬ذف‪ ،‬ويبعث على حي من أحي‪K‬ائهم‪ K‬ريح فتنس‪K‬فهم‪ ،‬كم‪K‬ا‬
‫نسفت من كان قبلهم باستحاللهم الحرام‪ ،‬ولبسهم الحرير‪ ،‬وض‪KK‬ربهم‪ K‬ال‪KK‬دفوف‪ K،‬واتخ‪KK‬اذهم‪ K‬القي‪KK‬ان)‪ ،‬ق‪KK‬ال‬
‫ابن حزم‪ :‬الحارث بن نبهان ال يكتب حديثه‪ ،‬وفرقد‪ K‬السبخي ضعيف‪ ،‬وسليم‪ K‬بن سالم‪ ،‬وحس‪KK‬ان بن أبي‬
‫سنان‪ ،‬وعاصم بن عمرو ال أعرفهم فسقط هذان الخبران بيقين(‪.)1‬‬
‫‪ .16‬عن أبي أمام‪KK‬ة ق‪KK‬ال‪ :‬ق‪KK‬ال رس‪KK‬ول هللا ‪(: ‬إن هللا بعث‪KK‬ني رحم‪KK‬ة للع‪KK‬المين‪ ،‬وأم‪KK‬رني‪ K‬بمح‪KK‬و المع‪KK‬ازف‪،‬‬
‫والمزامير‪ ،‬واألوثان‪ ،‬والصلب‪ :‬ال يحل بيعهن‪ ،‬وال شراؤهن‪ ،‬وال تعليمهن‪ ،‬وال التج‪KK‬ارة بهن‪ ،‬وثمنهن‬
‫حرام)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬القاسم ضعيف‪.‬‬
‫‪ .17‬عن أبي عامر ‪ -‬أو أبي مالك األشعري ‪ -‬ووهللا ما كذبني‪ :‬أنه سمع رسول‪ K‬هللا ‪ ‬يقول ‪(:‬ليك‪KK‬ونن من‬
‫أمتي قوم‪ K‬يستحلون الحر والحرير‪ K،‬والخمر‪ ،‬والمعازف)‪ ،‬قال ابن حزم‪ :‬وهذا منقطع لم يتص‪KK‬ل م‪KK‬ا بين‬
‫البخاري وصدقة بن خالد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ما أورده المخالفون من آث‪K‬ار عن بعض الص‪KK‬حابة فمن بع‪KK‬دهم ال حج‪K‬ة في‪K‬ه من وج‪KK‬وه ذكره‪K‬ا ابن‬
‫حزم‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه ال حجة ألحد دون رسول هللا ‪ ،‬وأنه قد خالف غيرهم من الصحابة والتابعين‪.‬‬
‫هَّللا‬
‫ُض ‪َّ K‬ل ع َْن َس ‪K‬بِي ِل ِ‬ ‫اس َم ْن يَ ْشت َِري‪ K‬لَه َْو ْال َح‪ِ K‬دي ِ‬
‫ث لِي ِ‬ ‫‪ .2‬أن نص اآلية يبطل احتجاجهم‪ K‬بها‪ ،‬ألن فيها‪َ ﴿ :‬و ِم ْن النَّ ِ‬
‫ين﴾(لقمان‪)6:‬وهذه ص‪KK‬فة من فعله‪KK‬ا ك‪KK‬ان ك‪KK‬افرا‪ ،‬بال خالف‪،‬‬ ‫بِ َغي ِْر ِع ْل ٍم َويَتَّ ِخ َذهَا‪ K‬هُ ُز ًوا أُولَئِ َ‬
‫ك لَهُ ْم َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫إذا اتخذ سبيل هللا تعالى ه‪KK‬زوا‪ ،‬ق‪KK‬ال ابن ح‪KK‬زم ‪(:‬ول‪KK‬و أن ام‪KK‬رأ اش‪KK‬ترى مص‪KK‬حفا ليض‪KK‬ل ب‪KK‬ه عن س‪KK‬بيل هللا‬
‫ويتخذها‪ K‬هزوا لكان كافرا‪ ،‬فهذا هو الذي ذم هللا تعالى وما ذم قط تعالى من اش‪KK‬ترى‪ K‬له‪KK‬و الح‪KK‬ديث ليلتهي‬
‫به ويروح نفسه‪ ،‬ال ليضل عن سبيل هللا تعالى‪ ،‬فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا‪ .‬وكذلك من اشتغل عامدا‬
‫عن الصالة بقراءة القرآن‪ ،‬أو بقراءة السنن‪ ،‬أو بحديث يتحدث به‪ ،‬أو ينظر في مال‪KK‬ه‪ ،‬أو بغن‪KK‬اء‪ ،‬أو بغ‪KK‬ير‬
‫ذلك‪ ،‬فهو‪ K‬فاسق عاص هلل تعالى‪ ،‬ومن لم يضيع شيئا من الفرائض اشتغاال بما ذكرنا فهو محسن)(‪)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬أما قول المخالفين ‪(:‬من الحق الغناء أم من غير الحق‪ ،‬وال سبيل إلى قسم ثالث) مما ذكرن‪KK‬ا س‪KK‬ابقا من‬
‫أدلة القول األول‪ ،‬فقد أجاب عليه ابن حزم بقوله ‪(:‬أن رسول هللا ‪ ‬قال ‪(:‬إنما األعم‪KK‬ال بالني‪KK‬ات ولك‪KK‬ل ام‪KK‬رئ م‪KK‬ا‬
‫نوى)(‪)3‬فمن نوى باستماع الغناء عونا على معصية هللا تعالى فهو فاسق‪ K،‬وكذلك كل شيء غير الغناء‪ ،‬ومن ن‪KK‬وى‬
‫به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة هللا تعالى ينشط نفسه ب‪KK‬ذلك على ال‪KK‬بر فه‪KK‬و مطي‪KK‬ع محس‪KK‬ن‪ ،‬وفعل‪KK‬ه ه‪KK‬ذا من‬
‫الحق‪ ،‬ومن لم ينو طاعة وال معصية‪ ،‬فهو‪ K‬لغو معفو عنه كخروج اإلنسان إلى بستانه متنزه‪KK‬ا‪ ،‬وقع‪KK‬وده على ب‪KK‬اب‬
‫داره متفرجا وصباغه ثوبه الزورديا أو أخضر أو غير ذلك‪ ،‬ومد ساقه وقبضها‪ K‬وسائر‪ K‬أفعاله‪،‬فبطل كل ما شغبوا‪K‬‬
‫به بطالنا متيقنا ‪ -‬وهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬الحمد‪ ،‬وما نعلم لهم شبهة غير ما ذكرنا)(‪)4‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬أن هناك الكثير من األدلة النقلية والعقلية الدالة على اإلباحة‪ ،‬يمكن تلخيصها في دليلين هما‪:‬‬
‫أوال ـ القياس‪:‬ولعل أحسن قياس إلباحة الغناء‪ ،‬هو ما نص عليه الغزالي بتفصيل في إحياء علوم ال‪KK‬دين في‬
‫كتاب خصصه لذلك هو [كتاب آداب السماع] (‪ ،)5‬وهو قياس يستند إلى تحليل مع‪KK‬نى الغن‪KK‬اء‪ ،‬ثم الح‪KK‬ديث عن حكم‬
‫كل ركن أو خاصية في الغناء وإثبات إباحته‪KK‬ا‪ ،‬ق‪KK‬ال الغ‪KK‬زالي ‪(:‬إن الغن‪KK‬اء اجتمعت في‪KK‬ه مع‪KK‬ان ينبغي أن يبحث عن‬
‫فإن فيه سماع صوت طيب موزون‪ K‬مفهوم المع‪KK‬نى مح‪KK‬رك للقلب‪ ،‬فالوص ‪K‬ف‪ K‬األعم أن‪KK‬ه‬ ‫أفرادها‪ K‬ثم عن مجموعها‪ّ ،‬‬
‫صوت طيب‪ ،‬ثم الطيب ينقسم إلى الموزون وغيره‪ .‬والموزون ينقسم إلى المفهوم كاألش‪KK‬عار‪ ،‬وإلى غ‪KK‬ير المفه‪KK‬وم‬
‫كأصوات الجمادات وسائر‪ K‬الحيوانات)(‪ ،)6‬ثم تحدث عن إباحة كل ركن من هذه األركان المكون‪KK‬ة لحقيق‪KK‬ة الغن‪KK‬اء‪،‬‬
‫وسنلخص باختصار‪ K‬ما ذكره من ذلك‪:‬‬
‫يقصد هذا الخبر والخبر السابق‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المحلى‪.7/567:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫سبق تخريجه‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المحلى‪.7/567:‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫انظر‪ :‬اإلحياء‪.2/268:‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫اإلحياء‪.2/270 :‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫‪ .1‬سماع الصوت الطيب من حيث إنه طيب‪ ،‬ال ينبغي أن يحرم‪ ،‬بل هو حالل بالنص والقي‪KK‬اس‪ :‬أم‪KK‬ا القي‪KK‬اس‬
‫إلنس‪K‬ان عق‪K‬ل وخمس ح‪K‬واس ولك‪K‬ل‬ ‫فهو أنه يرجع إلى تلذذ حاسة السمع بإدراك ما هو مخصوص ب‪K‬ه‪ ،‬ول ِ‬
‫حاسة إدراك‪ ،‬وفي مدركات تلك الحاس‪KK‬ة م‪KK‬ا يس‪KK‬تلذ‪ ،‬فل‪KK‬ذة النظ‪KK‬ر مثال في المبص‪KK‬رات الجميل‪KK‬ة كالخض‪KK‬رة‬
‫والماء الجاري والوجه الحسن‪ ،‬فكذلك األص‪KK‬وات المدرك‪KK‬ة بالس‪KK‬مع تنقس‪KK‬م إلى مس‪KK‬تلذة كص‪KK‬وت العن‪KK‬ادل‬
‫والمزامير‪ ،‬ومستكرهة كنهيق الحمير وغيرها‪ .‬أما النص‪ :‬فيدل على إباحة سماع الصوت الحسن امتن‪KK‬ان‬
‫ق َما يَ َشا ُء﴾‪،‬فقيل هو الصوت الحسن‪.‬‬‫هللا تعالى على عباده إذ قال‪ ﴿ :‬يَ ِزي ُد في ال َخ ْل ِ‬
‫فإن الوزن وراء الحسن فكم من صوت حسن خارج عن الوزن وكم‬ ‫‪ .2‬النظر في الصوت الطيب الموزون‪ّ ،‬‬
‫من صوت موزون غير مستطاب‪ .‬واألصوات‪ K‬الموزونة باعتبار مخارجها ثالثة‪ :‬فإنها إما أن تخ‪KK‬رج من‬
‫جماد كصوت المزامير واألوتار وضرب‪ K‬القضيب والطبل وغ‪K‬يره‪ ،‬وإم‪KK‬ا أن تخ‪KK‬رج من حنج‪K‬رة حي‪K‬وان؛‬
‫وذلك الحيوان إما إنسان أو غيره كصوت العن‪KK‬ادل والقم‪KK‬اري وذات الس‪KK‬جع من الطي‪KK‬ور؛ فهي م‪KK‬ع طيبه‪KK‬ا‬
‫موزونة متناسبة المطالع والمقاطع فلذلك يستلذ سماعها‪ ،‬فسماع هذه األصوات يس‪KK‬تحيل أن يح‪KK‬رم لكونه‪K‬ا‬
‫طيبة أو موزونة فال ذاهب إلى تحريم‪ K‬صوت العندليب وسائر‪ K‬الطيور‪ .‬وال فرق بـين حنجرة وحنجرة وال‬
‫بـين جماد وحيوان‪ .‬فينبغي أن يقاس على صوت العندليب األصوات الخارجة من سائر األجسام باختي‪KK‬ار‬
‫اآلدمي كالذي يخرج من حلقه أو من القضيب والطبل والدف‪ K‬وغيره‪.‬‬
‫اإلنسان فيقطع بإباحة ذل‪KK‬ك ألن‪KK‬ه م‪KK‬ا زاد إال‬ ‫‪ .3‬الموزون والمفهوم‪ K،‬وهو الشعر وهو ال يخرج إال من حنجرة ِ‬
‫كونه مفهوماً‪ .‬والكالم المفهوم غير حرام والصوت الطيب الموزون‪ K‬غير حرام‪ ،‬فإذا لم يحرم اآلح‪KK‬اد فمن‬
‫أين يحرم المجموع؟ نعم ينظر فيما يفهم منه فإن كان فيه أمر محظور‪ K‬حرم نثره ونظمه وحرم النطق ب‪KK‬ه‬
‫سواء كان بألحان أو لم يكن‪ ،‬والحق‪ K‬في‪KK‬ه م‪KK‬ا قال‪KK‬ه الش‪KK‬افعي‪ K‬رحم‪KK‬ه هللا إذ ق‪KK‬ال‪ :‬الش‪KK‬عر كالم فحس‪KK‬نه حس‪KK‬ن‬
‫وقبـيحه قبـيح‪ .‬ومهما جاز إنشاد الشعر بغير صوت وألحان جاز إنشاده مع األلحان‪ :‬ألن أفراد المباح‪KK‬ات‬
‫إذا اجتمعت كان ذل‪K‬ك المجم‪K‬وع‪ K‬مباح‪K‬اً‪ .‬ومهم‪K‬ا‪ K‬انض‪K‬م مب‪K‬اح إلى مب‪K‬اح لم يح‪K‬رم إال إذا تض‪K‬من المجم‪K‬وع‬
‫محظوراً‪ K‬ال تتضمنه اآلحاد‪.‬‬
‫‪ .4‬النظر فيه من حيث إنه محرك للقلب ومهيج لم‪K‬ا ه‪K‬و الغ‪K‬الب علي‪K‬ه‪ ،‬فلل‪K‬ه تع‪K‬الى س‪K‬ر في مناس‪K‬بة النغم‪K‬ات‬
‫الموزونة لألرواح حتى إنها لتؤثر فيها تأثيراً عجيباً‪ ،‬فمن األصوات ما يفرح‪ ،‬ومنها ما يحزن‪ ،‬ومنها م‪KK‬ا‬
‫ينوم‪ ،‬ومنها ما يضحك ويطرب‪ ،‬ومنه‪KK‬ا م‪KK‬ا يس‪KK‬تخرج من األعض‪KK‬اء حرك‪KK‬ات على وزنه‪KK‬ا بالي‪KK‬د والرج‪KK‬ل‬
‫والرأس‪ ،‬ومهما ك‪K‬ان النظ‪K‬ر في الغن‪K‬اء باعتب‪K‬ار ت‪K‬أثيره في القلب لم يج‪K‬ز أن يحكم في‪K‬ه مطلق‪K‬ا ً بإباح‪K‬ة وال‬
‫تحريم‪ ،‬بل يختلف ذلك باألحوال واألشخاص واختالف طرق النغمات‪ ،‬فحكمه حكم ما في القلب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من النصوص الشرعية‪ :‬دلت النصوص الصحيحة على إباحة الغناء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الحديث األول‪ :‬عن أبي مسعود‪ K‬البدري‪ ،‬وقرظة بن كعب‪ ،‬وثابت بن يزيد ‪ -‬وهم في عرس وعندهم غناء ‪-‬‬
‫فقلت لهم‪ :‬هذا وأنتم أصحاب محمد ‪ ‬فقالوا ‪(:‬إنه رخص لنا في الغناء في العرس‪ ،‬والبكاء على الميت من غير‬
‫نوح)(‪)1‬قال ابن حزم ‪(:‬ليس فيه النهي عن الغناء في غير العرس)(‪)2‬‬
‫الحديث الثاني‪ :‬أن النبي ‪ ‬كان ينشد مع الصحابة ويقرهم على األراج‪KK‬يز‪ ،‬وهي ال تع‪KK‬دو أن تك‪KK‬ون نوع‪KK‬ا‬
‫من الغناء‪ ،‬فعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬خرج رسول هللا ‪ ‬إلى الخندق‪ ،‬فإذا المهاجرون واألنصار يحفرون في غ‪KK‬داة ب‪KK‬اردة‪،‬‬
‫فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال‪:‬‬
‫فاغفر لألنصار‬ ‫اللهم إن العيش عيش‬
‫والمهاجره‬ ‫اآلخره‬
‫فقالوا مجيبين له‪:‬‬
‫على الجهاد ما بقينا أبدا‬ ‫نحن الذين بايعوا محمدا‬
‫وعن البراء قال‪ :‬كان النبي ‪ ‬ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو اغبر بطنه‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫الحاكم‪ ،2/201 :‬البيهقي‪ ،7/289 :‬المعجم الكبير‪.17/248 :‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المحلى‪..7/570:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫وال تصدقنا‪ K‬وال صلينا‬ ‫وهللا لوال هللا ما اهتدينا‬
‫وثبت األقدام إن القينا‬ ‫فأنزلن سكينة علينا‬
‫إذا أرادوا فتنة أبينا‬ ‫إن األلى قد بغوا علينا‬
‫ورفع بها صوته أبينا أبينا(‪.)1‬‬
‫الحديث الخامس‪ :‬أن الغناء كان يتم في غير المناسبات‪ ،‬وك‪KK‬ان الن‪KK‬بي ‪ ‬يق‪KK‬ر ذل‪KK‬ك‪ ،‬فعن أنس بن مال‪KK‬ك أن‬
‫النبي ‪ ‬مر ببعض المدينة فإذا هو بجوار‪ K‬يضربن بدفهن ويتغنين ويقلن‪:‬‬
‫يا حبذا محمد من جار‬ ‫نحن جوار من بني‬
‫النجار‬
‫فقال النبي ‪ :‬اللهم بارك فيهن (‪.)2‬‬
‫الترجيح‪:‬‬
‫نرى أن األرجح في المسألة هو اختالف حكم الغناء باختالف أنواعه‪ ،‬فحالل‪K‬ه حالل‪ ،‬وحرام‪K‬ه ح‪K‬رام‪ ،‬وق‪K‬د‬
‫رأينا أنه ال يوجد في النصوص ما يتنافى‪ K‬مع إباحة الغناء‪ ،‬بل إن ما روي عن السلف يدل على أن القول ب‪KK‬الجواز‬
‫كان فاشيا‪ ،‬وإنما كان إنكارهم على المغنين لفسقهم‪ ،‬ال لذات الغناء‪ ،‬ولذا قال مالك‪ :‬إنما يفعله عندنا الفساق (‪.)3‬‬
‫غير أن هناك قيودا ال بد أن تراعى إلباح‪KK‬ة الغن‪KK‬اء ـ وخاص‪KK‬ة في األع‪KK‬راس ـ اجتم‪KK‬ع على ذكره‪KK‬ا الفقه‪KK‬اء‬
‫القدامى والمعاصرون‪ ،‬ومن أهم الضوابط‪ K‬في ذلك وأجمعها الضابطين التاليين‪:‬‬
‫‪ .1‬أن يكون موضوع الغناء مما ال يخالف األصول العامة لإلسالم أو مبادئ‪KK‬ه وتش‪KK‬ريعاته‪ ،‬ف‪KK‬إذا ك‪KK‬انت هن‪KK‬اك‬
‫أغنية تمجد الخمر أو تدعو إلى شربها مثال فإن أداءها حرام‪ ،‬واالستماع‪ K‬إليها حرام وذل‪KK‬ك يختل‪KK‬ف أحيان‪KK‬ا‬
‫باختالف السامعين‪ ،‬فقد يستثار‪ K‬هذا بما ال يستثار به غيره‪ ،‬قال الشوكاني بع‪KK‬د إي‪KK‬راده النص‪KK‬وص المبيح‪KK‬ة‬
‫لذلك ‪(:‬وفي‪ K‬ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب األدفاف‪ K‬ورفع األص‪KK‬وات بش‪KK‬يء من الكالم‪ ،‬نح‪KK‬و‬
‫أتين‪K‬اكم أتين‪K‬اكم‪ K‬ونح‪K‬وه ال باألغ‪K‬اني المهيج‪K‬ة للش‪K‬رور المش‪K‬تملة على وص‪K‬ف‪ K‬الجم‪K‬ال والفج‪K‬ور‪ K‬ومع‪K‬اقرة‬
‫الخمور‪ ،‬فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم في غيره‪ ،‬وكذلك سائر المالهي المحرمة)(‪)4‬‬
‫‪ .2‬أن ال تقترن به محرمات أخرى كالميوع‪KK‬ة والتخنث والتكس‪KK‬ر‪ ،‬أو أن يك‪KK‬ون في مجلس ش‪KK‬رب أو تخالط‪KK‬ه‬
‫خالعة أو فجور‪ ،‬فهذا هو الذي أنذر رسول هللا ‪ ‬أهله وسامعيه بالعذاب الشديد كما مر ذك‪KK‬ر األح‪KK‬اديث‬
‫في ذلك سابقا‪.‬‬
‫ونرى أن في القول بهذا م‪KK‬ع ض‪KK‬وابطه الش‪KK‬رعية ترجيح‪KK‬ا لمقاص‪KK‬د الش‪KK‬ريعة في تيس‪KK‬ير حي‪KK‬اة الن‪KK‬اس ورف‪KK‬ع‬
‫الحرج عنهم وتلبية رغباتهم الفطرية بما ال يتصادم‪ K‬مع األحكام الش‪KK‬رعية‪ ،‬فالس‪KK‬ماع للغن‪KK‬اء ال يختل‪KK‬ف عن ك‪K‬ل م‪KK‬ا‬
‫أباحته الشريعة من الطيبات‪ ،‬فهو حاجة فطرية‪ ،‬بل هو عند بعض الناس أعظم من حاجة األك‪K‬ل والش‪K‬رب‪ ،‬فل‪K‬ذلك‬
‫من الحرج الكبير‪ ،‬بل من صرف الناس عن الدين القول بحرمته‪ ،‬فالشريعة لم تأت لتحريم الطيبات‪ ،‬وإنما لتمي‪KK‬يز‬
‫الطيب عن الخبيث‪ ،‬وما أسهل أن نميز الغناء طيبه عن خبيثه‪.‬‬
‫ولذلك نرى أنه يستحب أن ينتهض للقيام بص‪K‬ناعة الب‪K‬ديل اإلس‪K‬المي من الغن‪K‬اء الطيب المب‪K‬اح ال‪K‬ذي يحم‪K‬ل‬
‫اآلداب اإلسالمية‪ ،‬والقضايا اإلسالمية في قالب ذوقي رفيع‪ ،‬ليغ‪KK‬ني الن‪KK‬اس عم‪KK‬ا ينش‪KK‬ره الغن‪KK‬اء الف‪KK‬اجر من إباحي‪KK‬ة‬
‫وتحلل‪.‬‬
‫مأثورات الزفاف‬
‫‪ )(1‬البخاري‪ ،3/1103:‬مس‪KK‬لم‪ ،3/1429 :‬ابن حب‪KK‬ان‪ ،7/470 :‬ال‪KK‬بيهقي‪ ،9/154 :‬النس‪K‬ائي‪ ،5/69 :‬أحم‪KK‬د‪ ،3/431 :‬ابن أبي ش‪KK‬يبة‪:‬‬
‫‪.7/392‬‬
‫‪ )(2‬رواه أبو يعلى من طريق رشيد عن ثابت ورشيد هذا قال الذهبي مجهول‪ ،‬انظر‪ :‬مجمع الزوائد‪ ،10/42 :‬ابن ماج‪KK‬ة‪،1/612 :‬‬
‫مسند أبي يعلى‪.6/134 :‬‬
‫‪ )(3‬إغاثة اللهفان‪.1/229:‬‬
‫‪ )(4‬نيل األوطار‪.6/337 :‬‬
‫تهنئة العروس‪:‬‬
‫ذهب الفقهاء إلى استحباب تهنئة العروس والدعاء له‪ ،‬سواء كان ذكرا أو أنثى‪ ،‬إلدخال السرور‪ K‬عليه عقب‬
‫العقد والبناء‪ ،‬فيقول له‪ :‬بارك هللا لك‪ ،‬وبارك عليك وجمع بينكما في خير‪ ،‬ومن النصوص المبينة لكيفية ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روي في الحديث أن النبي ‪ ‬كان إذا رفأ‪ )1(K‬اإلنس‪KK‬ان إذا ت‪KK‬زوج ق‪KK‬ال‪ :‬ب‪KK‬ارك هللا ل‪KK‬ك‪ ،‬وب‪KK‬ارك علي‪KK‬ك‪،‬‬
‫وجمع بينكما في خير)(‪)2‬‬
‫‪ .2‬أن النبي ‪ ‬رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال‪ :‬ما ه‪KK‬ذا ؟ فق‪KK‬ال‪ :‬إني ت‪KK‬زوجت ام‪KK‬رأة على‬
‫وزن نواة من ذهب‪ ،‬قال بارك هللا لك‪ ،‬أولم ولو بشاة)(‪ ،)3‬وقد ترجم البخاري‪ K‬له‪KK‬ذا الح‪KK‬ديث بقول‪KK‬ه ‪(:‬ب‪KK‬اب‬
‫كيف يدعي للمتزوج)‪ ،‬وذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة‪ ،‬وقد نص شراح البخاري‪K‬‬
‫على أنه إنما أراد بهذا الباب رد قول العامة عن‪KK‬د الع‪KK‬رس بالرف‪KK‬اء والب‪KK‬نين(‪ ،)4‬فكأن‪KK‬ه أش‪KK‬ار إلى تض‪KK‬عيفه‪،‬‬
‫ومثله ما ورد في حديث معاذ بن جبل أنه ش‪KK‬هد أمالك رج‪KK‬ل من األنص‪KK‬ار فخطب رس‪KK‬ول هللا ‪،‬وأنكح‬
‫األنصاري وقال‪ :‬على األلفة والخير‪ K‬والبركة والطير‪ K‬الميمون والسعة في الرزق)(‪)5‬‬
‫وه‪KK‬ذه الص‪KK‬يغ ال ت‪KK‬دل على الحص‪KK‬ر‪ ،‬ب‪KK‬ل إن للع‪KK‬رف دخال في تحدي‪KK‬دها‪ K‬بش‪KK‬رط أن ال تتن‪KK‬اقض م‪KK‬ع القواع‪KK‬د‬
‫الشرعية أو تكون من الصيغ التي ورد النهي عنها‪ ،‬قال ابن ح‪KK‬بيب من المالكي‪KK‬ة‪ :‬وال ب‪KK‬أس بالزي‪KK‬ادة على ه‪KK‬ذا من‬
‫ذكر السعادة‪ ،‬وما أحب من خير‪.‬‬
‫ولكنه يكره أن يقول‪ :‬بالرفاء والبنين‪ ،‬لما روي أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جش‪KK‬م‪ ،‬ف‪KK‬دخل علي‪KK‬ه‬
‫القوم فقالوا‪ :‬بالرفاء والبنين‪ ،‬فقال‪ :‬ال تفعلوا ذلك‪ .‬قالوا‪ :‬فم‪K‬ا نق‪K‬ول؟ ق‪K‬ال‪ :‬قول‪K‬وا‪ K:‬ب‪K‬ارك هللا لكم وب‪K‬ارك عليكم‪ ،‬إن‪KK‬ا‬
‫كذلك كنا نؤمر)(‪)6‬‬
‫ويظهر أن هذا اللفظ كان مشهورا‪ K‬عندهم غالبا حتى سمي كل دعاء للمتزوج ترفئة‪ ،‬وقد اختلف العلم‪KK‬اء في‬
‫علة النهي عن ذلك‪ ،‬فقيل‪ :‬ألنه ال حمد فيه وال ثناء وال ذكر هلل‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لما فيه من اإلشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر‪.‬‬
‫وال مانع من أن يكون كال المعنيين علة للنهي‪ ،‬قال ابن المنير‪ :‬الذي يظهر أنه ‪ ‬كره اللف‪KK‬ظ لم‪KK‬ا في‪KK‬ه من‬
‫موافقة الجاهلية‪ ،‬ألنهم كانوا يقولونه تفاؤال ال دعاء‪ ،‬فيظهر‪ K‬أنه ل‪KK‬و قي‪KK‬ل للم‪KK‬تزوج بص‪KK‬ورة ال‪KK‬دعاء لم يك‪KK‬ره‪ ،‬ك‪KK‬أن‬
‫يقول اللهم ألف بينهما وارزقهما‪ K‬بنين صالحين مثال أو ألف هللا بينكما ورزقكما ولدا ونحو ذلك(‪ ،)7‬ولكنه مع ذل‪KK‬ك‬
‫يستحب االقتصار على المأثور‪ ،‬فهو أولى مراعاة للقدوة التي تحمل معاني العبودية‪،‬كما هو الشأن في كل ما ورد‬
‫به الشرع من صيغ‪.‬‬
‫آداب الدخول على العروس‬
‫يستحب للعروس‪ K‬إذا زفت إليه زوجته أول مرة اآلداب التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يصلي ركعتين مع زوجته‪ ،‬فعن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال‪(:‬تزوجت فحضره عبد هللا بن مسعود‬
‫‪ )(1‬رفأ بفتح الراء وتشديد‪ K‬الفاء ‪:‬دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين‪ ،‬وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية ف‪KK‬ورد النهي عنه‪KK‬ا‪ ،‬كم‪KK‬ا‬
‫روى بقي بن مخلد عن رجل من بني تميم قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء اإلسالم علمنا رآه ق‪KK‬ال قول‪KK‬وا ب‪KK‬ارك هللا‬
‫لكم وبارك عليكم‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.9/222:‬‬
‫‪ )(2‬قال الحاكم‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪ ،‬المستدرك‪ ،2/199:‬وقال الترم‪KK‬ذي‪ :‬ح‪KK‬ديث حس‪KK‬ن ص‪KK‬حيح‪ ،‬س‪KK‬نن‬
‫الترمذي‪.3/400 :‬‬
‫‪ )(3‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ )(4‬أما ما أخرجه بن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال ‪:‬شهدت شريحا وأتاه رجل من أه‪KK‬ل الش‪KK‬ام فق‪KK‬ال إني ت‪KK‬زوجت‬
‫امرأة فقال بالرفاء والبنين‪ K،‬فهو محمول على أن شريحا لم يبلغه النهي عن ذلك فتح الباري‪.9/222:‬‬
‫‪ )(5‬أخرجه الطبراني في الكبير بسند ضعيف وأخرجه في األوسط بسند أضعف منه وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة‬
‫االهلين من حديث أنس وزاد فيه والرفاء البنين وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري‪.9/222:‬‬
‫‪ )(6‬سنن الدارمي‪.2/180 :‬‬
‫‪ )(7‬فتح الباري ‪.9/222:‬‬
‫وأبو ذر وحذيفة وغيرهم من أصحاب رسول هللا ‪ ‬فحضرت‪ K‬الصالة فقدموه فصلى‪ K‬بهم‪ ،‬ثم ق‪KK‬الوا ل‪KK‬ه‪ :‬إذا دخلت‬
‫على أهلك فصل ركعتين‪ ،‬ثم خذ برأس أهل‪KK‬ك فق‪KK‬ل ‪(:‬اللهم ب‪KK‬ارك لي في أهلي‪ ،‬وب‪KK‬ارك ألهلي في‪ ،‬وارزقهم م‪KK‬ني‬
‫وارزقني‪ K‬منهم)‪ ،‬ثم شأنك وشأن أهلك‪.‬‬
‫وقد ورد ما يدل على أثر ذلك في تيسير الربط بين الرجل وزوجته‪ ،‬فقد جاء رجل إلى عب‪KK‬د هللا بن مس‪KK‬عود‪K‬‬
‫فقال‪ :‬إني ال أصل إلى امرأتي‪ ،‬قال له‪ :‬توضأ ثم صل ركعتين‪ ،‬ومرها‪ K‬أن تصلي خلفك‪ ،‬فإذا ف‪KK‬رغت من ص‪KK‬التك‬
‫فقل‪ :‬اللهم بارك لي في أهلي‪ ،‬وبارك ألهلي في‪ ،‬وارزقني‪ K‬منهن وارزقهن مني‪ ،‬اللهم ما جمعت بيننا فاجمع بيننا‬
‫في خير‪ ،‬وإذا فرقت‪ K‬ففرق في خير(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يأخذ بناصيتها‪ ،‬ويدعو أن يبارك هللا لك‪KK‬ل منهم‪KK‬ا في ص‪KK‬احبه‪ ،‬لقول‪KK‬ه ‪(: ‬إذا أف‪KK‬اد أح‪KK‬دكم داب‪KK‬ة أو‬
‫امرأة أو خادما أو بعيرا‪ ،‬فليضع يده على ناصيته‪ ،‬وليقل‪ :‬اللهم إني أسألك خيرها وخير م‪KK‬ا جبلته‪KK‬ا علي‪KK‬ه‪ ،‬وأع‪KK‬وذ‬
‫بك من شرها ومن شر ما جبلتها عليه‪ ،‬فأما البعير فإنه يأخذ بذروة سنامه‪ ،‬ثم ليقل مثل ذلك)(‪)2‬‬
‫‪ 3‬ـ أن يقول حين المعاشرة هذا الدعاء المأثور‪ K‬عن النبي ‪ ،‬فعن ابن عباس قال‪ :‬قال النبي ‪(: ‬ل‪KK‬و أن‬
‫أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله(‪ )3‬ق‪KK‬ال‪ :‬بس‪KK‬م هللا اللهم جنبن‪KK‬ا الش‪KK‬يطان وجنب الش‪KK‬يطان م‪KK‬ا رزقتن‪KK‬ا‪ ،‬ثم ق‪K‬در أن يك‪KK‬ون‬
‫بينهما ولد في ذلك لم يسلط عليه الشيطان)(‪)4‬‬

‫كتاب الدعاء‪ ،1/196 :‬الفردوس بمأثور الخطاب‪.1/475:‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫سنن أبي داود‪ ،2/248:‬سنن ابن ماجه‪ ،2/757:‬مسند أبي يعلى‪ ،11/490:‬مجمع الزوائد‪ ،10/141:‬شرح الزرقاني‪.3/212:‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫حين إرادته الجماع ال حين شروعه فيه ألنه ال يشرع حينئذ الذكر‪.‬انظر‪ :‬فيض القدير‪.5/307:‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البخاري‪ ،6/2692:‬المسند المستخرج على صحيح مسلم‪ ،4/109:‬صحيح ابن حبان‪.3/263:‬‬ ‫‪)(4‬‬

You might also like