Professional Documents
Culture Documents
المقدمات الشرعية للزواج برؤية مقاصدية
المقدمات الشرعية للزواج برؤية مقاصدية
()1
الطبعة الثانية
2015 – 1436
105 1ـ عرض الرجل ابنته لذوي الصالح ممن ترغب فيهم:
105 2ـ عرض المرأة نفسها على من ترغب فيه :
106 3ـ تعريف الزوج أو الزوجة المختار بنفسه :
107 4ـ استشارة من يعرفه:
109 5ـ إرسال من يتعرف على من يريد خطبتها:
109 6ـ النظر لمن يريد خطبتها:
121 الفصل الخامس
121 أحكام الخطبة
)(1الوجاء :بكسر الواو وبجيم ومد وهو رض الخصKيتين ،وقيKل رض عروقهمKا ،ومن يفعKل بKه ذلKك تنقطKع شKهوته ،ومقتضKى
الحديث أن الصوم قامع لشهوة النكاح .وقد استشكل ذلك بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشKKهوة ،لكن ذلKKك ـ كمKKا
أجاب ابن حجر ـ إنما يقع في مبدأ األمر ،فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك .انظر :فتح الباري.4/119:
)(2مسلم ،2/1018 :البخاري ،2/673 :ابن حبKKان ،9/335 :الKKدارمي ،2/177 :الKKبيهقي ،4/296 :أبKKو داود ،2/219 :النسKKائي:
.2/95
)(3بتشديد Kالالم المضمومة أي استقلوها ،وأصل تقالوها تقاللوها أي رأى كل منهم أنها قليلة.
)(4قوله «: فليس مني » فرق العلماء في أمثال هذه العبارات بين ما لو كانت الرغبة بضرب من التأويل ،فإنه يعذر صKKاحبه
فيه فمعنى " فليس منى " أي على طريقتي وال يلزم أن يخرج عن الملة ،أمKا إن كKان إعراضKا وتنطعKKا يفضKي إلى اعتقKاد أرجحيKة
عمله ،فمعنى العبارة حينئذ « Kليس على ملتي »ألن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.
)(5البخاري.5/1949 :
)(6فتح الباري.9/105 :
)(7الحاكم ،2/176 :الترمذي ،1/320 :البيهقي ،7/132 :أحمد.1/105 :
)(8الترمذي ،3/391 :المعجم الكبير.4/183 :
)(9أي ثابت عنده إعانتهم ،أو واجب عليه بمقتضي وعده معاونتهم.
)(10الترمذي ،4/184 :البيهقي ،10/318 :النسائي.3/194 :
)(11فيض القدير.3/317 :
)(12ابن ماجة.2/814 :
يختلف حكم الزواج باختالف أحوال الناس من حيث القدرة على التحصن والعفKKاف ،والقKKدرة على اإلنفKKاق
على الزوجة ،وعلى هاتين الداللتين حمل لفظ (الباءة) في قوله (: يا معشر الشKKباب من اسKKتطاع منكم البKKاءة،
فليتزوج ،فإنه أغض للبصر ،وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)()1
وقد اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين:
القول األول :أن المراد معناها اللغوي :وهو الجماع ،فتقديره من اسKKتطاع منكم الجمKKاع لقدرتKKه على مؤنKKه
وهي مؤن النكاح فليتزوج ،ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ،ويقطع شKKر منيKKه
كما يقطع الوجاء ،وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ،وال ينفكون عنها غالبا،
وقد Kرجحه النووي.
القول الثاني :أن المراد بالباءة مؤن النكاح ،وسKKميت باسKKم مKKا يالزمهKKا ،وتقKKديره :من اسKKتطاع منكم مKKؤن
النكاح فليتزوج ،ومن لم يستطع Kفليصم ،قالوا :والعKاجز عن الجمKاع ال يحتKاج إلى الصKوم لKدفع الشKهوة ،فKوجب
تأويل الباءة على المؤن ،وهذا التعليل للبازري(.)2
الترجيح :
لعل األرجح في هذا الخالف هو أن الحديث يحتمل كال المعنيين ،الحتمال اللغة ذلKKك ،قKKال ابن حجKKر :وال
مانع من الحمل على المعنى األعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج( ،)3وقال Kالقاضي عياض :ال
يبعد أن تختلف االستطاعتان فيكون المراد بقوله :من استطاع منكم البKKاءة،أي بلKKغ الجمKKاع وقKKدر KعليKKه فليKKتزوج،K
ويكون قوله( :ومن لم يستطع) ،أي لم يقدر على التزويج.
وقد أجاب ابن حجر على ما استشKKكله المKKازري KبأنKKه يجKKوز أن يرشKKد من ال يسKKتطيع الجمKKاع من الشKKباب
لفرط حياء أو عدم شهوة إلى مKا يهKKيئ لKه اسKتمرار KتلKك الحالKة ،ألن الشKKباب مظنKKة ثKKوران الشKKهوة الداعيKة إلى
الجماع ،فال يلزم من كسرها في حالة أن يستمر كسرها ،فلهذا أرشد إلى ما يستمر به الكسر المذكور فيكKKون قسKKم
الشباب إلى قسمين :قسم يتوقون إليه ولهم اقتدار عليه فندبهم إلى التزويج دفعا للمحذور K،بخالف اآلخKKرين فنKKدبهمK
إلى أمر تستمر به حالتهم ألن ذلك أرفق Kبهم للعلة التي ذكرت في الرواية األخرى(.)4
وبناء على هذين االعتبارين اختلفت آراء الفقهاء في حكمه حسب أحواله المختلفة ،فال يخلKKو حKKال المتأهKKل
للزواج من ثالثة أحوال :
القدرة مع الحاجة إلى الزواج:
اتفق الفقهاء على أنه إذا كان الشKKخص قKKادراً على تكKKاليف الKKزواج واثقKا ً من نفسKKه القKKدرة على العKKدل مKKع
زوجته وأنه ال يلحق بها الضرر ،ويتيقن أنه لو لم يتزوج Kوقع في الفاحشة وال يستطيع التحرز عنها بKKأي وسKKيلة،
فإنه يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء من جميع المذاهب ،قال الكاسKKاني(:ال خالف أن النكKKاح فKKرض حالKKة
التوقان ،حتى أن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث ال يمكنه الصبر عنهن وهو قادر Kعلى المهر والنفقة ولم يKKتزوج
يأثم)()5
ألنه يلزمه إعفاف نفسه ،وصونها عن الحرام ،وطريقه النكاح ،وألن تKKرك الKKزنى مفKKروض عليKه والمKKانع
من وقوعه فيه هو التزوج فيكون وسيلة إلى الفرض.
ونفس الحكم ينطبق على المرأة فإنه يفرض عليها الزواج إذا عجزت عن اكتساب قوتها Kوليس لها من ينفق
عليها ،وكانت عرضة لمطامع أهل الفساد فيها وال تستطيع أن تصون نفسها إال بالزواج.
)(1مسلم ،2/1018 :البخاري ،2/673 :ابن حبKKان ،9/335 :الKKدارمي ،2/177 :الKKبيهقي ،4/296 :أبKKو داود ،2/219 :النسKKائي:
.2/95
)(2ويعكر عليه قوله في الرواية األخرى »:كنا مع النبي شبابا ال نجد شيئا« فإنه يدل على أن المراد بالباءة الجماع ،فتح
الباري.9/106 :
)(3فتح الباري ،9/106 :وانظر :نيل األوطار ،6/123:إحكام األحكام شرح عمدة األحكام.2/168:
)(4فتح الباري.9/106 :
)(5بدائع الصنائع.2/228:
اعتدال الحال
وهي أن يكون قادرا على تكاليف الزواج واثقا من نفسه أنKه يKؤدي KحقKوق الزوجKة دون جKور Kأو ظلم ،وال ً ً
يخشى في نفس الوقت على نفسه الوقوع في الفاحشة إذا لم يتزوج.
وقد اختلف الفقهاء في حكم هذه الحالة على األقوال التالية:
القول األول :أنه فرض عين ،وهو مذهب الظاهرية ،قال ابن حزم (:فرض على كKKل قKKادر Kعلى الKKوطء إن
وجد من أين يتزوج أو يتسرى Kأن يفعل أحدهما وال بد ،فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم)()1
وظاهر كالم أحمد أنه ال فرق Kبين القادر على اإلنفاق والعاجز عنKKه ،حيث قKKال(:ينبغي للرجKKل أن يKKتزوج،
فإن كان عنده ما ينفق ،أنفق ،وإن لم يكن عنده ،صبر ،ولو تKKزوج بشKKر كKKان قKKد تم أمKKره) ،وقKKال في رجKKل قليKKل
الكسب ،يضعف Kقلبه عن العيال :هللا يرزقهم ،التزويج أحصن له ،ربما أتى عليه وقت ال يملك قلبه .وهذا في حKKق
ف الَّ ِذينَ اَل يَ ِجُ Kدونَ نِ َكا ًحKKا َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم هَّللا ُ ِم ْن من يمكنه التزويج ،فأما من ال يمكنه ،فقد قKKال هللا تعKKالىَ ﴿:و ْليَ ْسKتَ ْعفِ ْK
فَضْ لِ ِه﴾ (النور ،)2()33:واستدلوا على ذلك بما يلي:
.1أن النبي كان يصبح وما عندهم شيء ،ويمسي وما عندهم شيء ومع ذلك لم يترك الزواج.
.2أن النبي زوج رجال لم يقدر على خاتم حديد ،وال وجد إال إزاره ،ولم يكن له رداء.
.3الرد على ما استدل بها المخالفون ،ومنها:
.1قوله تعالىَ ﴿ :و َس ِّيدًا َو َحصُورًا َو َن ِب ًّيا ِم ْن الصَّا ِل ِحينَ ﴾(آل عمران ،)39:قال ابن حزم (:وهذا ال حجKKة فيKKه ،ألننKKا لم
نأمر الحصور باتخاذ النساء ،إنما أمرنا بذلك من له قوة على الجماع)()3
.2من الحديث (:خيركم في المائتين الخفيف الحاذ الذي ال أهل لKه وال ولKد) ،واآلخKر (:إذا كKان سKنة خمس ومائKة
فألن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدا) ،قKال ابن حKزم( :وهKذان خKبران موضKوعان ،ألنهمKا من
رواية أبي عصام رواد بن الجراح العسقالني -وهو منكر الحديث -ال يحتج به ،وبيان وضعهما أنه لو استعمل
الناس ما فيهما من ترك النسل لبطل اإلسالم ،والجهاد ،والدين ،وغلب أهKل الكفKر مKع مKا فيKه من إباحKة تربيKة
الكالب ،فظهر فساد كذب رواد بال شك)()4
القول الثاني :أنه فرض كفاية ،إن فعله البعض سقط اإلثم عن اآلخرين ،وإليه ذهب بعض الفقهاء الحنفية.
وقد احتج لذلك باألوامر KالKKواردة في بKKاب النكKKاح واألمKKر المطلKKق للفرضKKية والوجKKوب KقطعKKا ،والنكKKاح ال
يحتمل ذلك على طريق Kالتعيين ،ألن كل واحد من آحاد الناس لو تركه ال يKKأثم ،فيحمKKل على الفرضKKية والوجKKوب
على طريق Kالكفاية ،فأشبه الجهاد ،وصالة الجنازة ،ورد السالم(.)5
القول الثالث :أنه مباح كاألكل والشرب ،وإليه ذهب بعض الشافعية ،واستدلوا على ذلك بما يلي:
اسKت َْمتَعْ تُ ْم ِبِ Kه ِم ْنه َُّن َفKآتُوه َُّن
ْKر ُم َسKا ِف ِحينَ َف َمKا ْ .1قوله تعالىَ ﴿:وأُ ِحلَّ َل ُك ْم َما َو َرا َء َذ ِل ُك ْم َأ ْن َت ْب َت ُغKوا ِبKأَ ْم َوا ِل ُك ْم ُم ِ
حْصِ Kنينَ َغي َ
يض ِة ِإ َّن هَّللا َ َكانَ َع ِلي ًمKا َح ِكي ًمKا﴾(النسKاء ،)24 :فKأخبر اض ْيتُ ْم ِب ِه ِم ْن َبعْ ِد ْال َف ِر َ
َاح َع َل ْي ُك ْم ِفي َما ت ََر َ يض ًة َواَل جُ ن َ أُ َ
جُوره َُّن َف ِر َ
عن إحالل النكاح ،والمحلKل والمبKاح من األسKماء المترادفKة ،وألنKه قKال ﴿ :وأحKل لكم ﴾ ولفKظ لكم يسKتعمل في
المباحات.
.2قوله تعالىَ ﴿ :و َس ِّيدًا َو َحصُورًا َون ِب ّيا ِمن الصَّا ِل ِحينَ ﴾(آل عمران ،)39:وقد خرج هذا النص مخKرج المKدح ليحKيى ْ ً َ
بكونه حصورا ،والحصور الذي ال يأتي النساء مع القدرة ولو كKان واجبKا لمKا اسKتحق المKدح بتركKه ،ألن
ترك الواجب ألن يذم عليه أولى من أن يمدح(.)6
.3أن النكاح سبب يتوصل به إلى قضاء الشهوة فيكون مباحا كشراء الجارية للتسري بها ،وهذا ألن قضاء الشKKهوة
المحلى.9/3 : )(1
المغني.513/ 7 : )(2
المحلى.9/4: )(3
المحلى.9/4: )(4
بدائع الصنائع.2/228 : )(5
حاشية البجيرمي على المنهج.322/ 3 : )(6
إيصال النفع إلى نفسKه ،وليس يجب على اإلنسKان إيصKال النفKع إلى نفسKه بKل هKو مبKاح في األصKل ،كاألكKل
والشرب ،وإذا كان مباحا ال يكون واجبا لما بينهما من التنافي.
القول الرابع :أنه سنة ،وهو قول جمهور KالفقهKKاء من الحنفيKKة والمالكيKKة واإلمامية( ،)1ووافقهم الحنابلKKة في
المشهور Kعندهم وبعض الشافعية ،واستدلوا على ذلك بما يلي:
.1أن النبي ذكر أركان الدين من الفرائض وبين الواجبات ،ولم يذكر من جملتها النكاح.
.2أنه كان في الصحابة من لم يتزوج ،ولم ينكر عليه رسول هللا ذلك.
.3أنه كما يتوصل بالنكاح إلى التحKرز عن الزنKا يتوصKل بالصKوم إليKه ،كمKا قKال (: يKا معشKر الشKبان عليكم
بالنكاح فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)()2
.4قKKال (: النكKKاح سKKنتي فمن رغب عن سKKنتي فليس مKKني)()3فKKأخبر أن ليس من سKKنته ،وهKKو يفيKKد عKKدم
الوجوب.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة في الحال الذي وصفنا ،وهو توفر Kالقدرة وانتفاء الموانع هKKو القKKول بKKالوجوب
للنصوص الكثيرة التي ال يصح حملها على غيره ،وألن مقاصد شرعية كثKيرة تتعلKKق بKالفرد أو بKالمجتمع ترتبKKط
ارتباطا Kكبيرا بالزواج.
ولكنه مع القول بوجوبه ال يصح إلزام الناس به ،أو اعتبارهم Kعاصين بتركKKه في هKKذه الحالKة ،ألن الموانKKع
الشرعية تختلف باختالف األفراد Kواألحوال ،فلذلك يترك تحديد وقت الزواج ،أو تركه كلية للحرية الشخصية لكل
فرد ،فقد يمنعه من الزواج من الموانع الشرعية ما ال يستطيع Kالتصريح به.
عدم الحاجة إلى الزواج
وهو من ال شهوة له ،إما ألنه لم يخلق له شهوة كالعنين ،أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مKKرض ونحKKوه،
وقد Kتعارض فيه عند الفقهاء وجهان وبناء على تغليب أحدهما يكون الحكم :
.1أن عموم النصوص التي ترغب في الزواج تحمل حكمه على االستحباب.
.2أن المضرة التي قد تنتج عن الزواج ،مثل منع زوجته من التحصين بغيره ،ويضKKر بهKKا ،ويحبسKKها على نفسKKه،
ويعرض نفسه لواجبات وحقوق لعله ال يتمكن من القيام بها ،ويشتغل عن العلم والعبادة بما ال فائKKدة فيKKه تحملKKه
على الكراهة أو التحريم بحسب المضرة الناتجة.
وحكم هذه الحالة يتردد بين الكراهة والتحريم كما يلي:
الحرمة :وهو فيما إذا كان الشخص غير قادر Kعلى تكاليف الزواج أو كان قادراً عليها لكنه يقطع بأنKKه يظلم
زوجته إذا تزوج سواء كان ظلمها باإليKKذاء أو بعKKدم القKKدرة على المعاشKKرة الجنسKKية ،وذلKKك ألن الظلم حKKرام فمKKا
يكون طريقا ً إليه يأخذ حكمه غير أن حرمته ال لذاته.
الكراهة :وهو فيما إذا خاف الوقوع Kفي الظلم إن تزوج إما لعجزه عن اإلنفاق أو إسKاءة العشKKرة لشKKذوذ في
خلقه أو عدم قدرته على المخالطة الجنسية ،فإذا خاف الوقوع Kفي واحدة من ذلك كره له التزوج كراهة تحKKريم Kأو
تنزيه حسبما يخشاه من أنواع الظلم.
أما من يرجى منه النسل ولو لم يكن له حاجة في النساء ،وكذا من له رغبة في نوع من االسKKتمتاع بالنسKKاء
غير المعاشرة الجنسية مع عدم اإلساءة إلى المرأة ،فهو مندوب في حقه ـ كمKKا قKKال القاضKKي عيKKاض ـ أمKKا من ال
نسل له وال أرب له في النساء وال في االستمتاع Kفهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت(.)4
وهKKو قKKول جيKKد في المسKKألة خاصKKة مKKع اشKKتراط علم المKKرأة بKKذلك ،ألن مقاصKKد الKKزواج ال تقتصKKر على
)(1المبسوط ،193 K:4و بداية المجتهد ،2 K:2و فتح الرحيم ،34 K:2و الوجيز ،2 K:2و مغني المحتاج ،125 K:3والمجموع :16
131و ،132و المغني البن قدامة ،334 :7و الشرح الكبير ،335 :7و رحمة األمة ،26 :2و الميزان الكبرى .108 :2
)(2سبق تخريجه.
)(3سبق تخريجه.
)(4نيل األوطار .123/ 6:
المعاشرة الجنسية.
تعارض هذه األحوال:
بقيت حاالت أخرى ،وهي تعرض هذه األحوال فيما بينها( ،)1وهي:
.1الحاجة إلى الزواج مع القطع بظلم الزوجة:
وهو ما إذا كان يقطع بالوقوع Kفي الفاحشة إن لم يKKتزوج كمKKا يقطKKع بظلم الزوجKKة إن تKKزوج ،واألرجح في
هذه الحالة أن ال يتزوج دفعا ً للظلم ،ألنKKه العالج المتعين لKKذلك لقولKKه تعKKالىَ ﴿ :و ْليَ ْسKتَ ْعفِ ْ
ف الَّ ِذينَ اَل يَ ِجُ Kدونَ نِ َكا ًحKKا
َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم هَّللا ُ ِم ْن فَضْ لِ ِه ﴾(النور)33:
وهذا ال يعني إباحة الزنا ،بل عليه بعد أن يترك الزواج أن يقاوم كال المحظورين ،فيحKKارب KشKKهوته بشKKتى
الوسائل ليتغلب عليها ،ويقوم Kنفسه ليخلصها Kمن رذيلة ظلم الغير ،وما يجKده سKKهالً عليKه يسKKير على مKا يقتضKKيه،
فإن سهل عليه محاربة الشKKهوة دون األخKKرى بقي على كفKKه عن الKKتزويج ،وان استعصKى KعليKKه محاربKKة الشKKهوة
ووجد Kمن نفسه ميالً إلى ترك الظلم تزوج.
ومن العالجKKات الشKKرعية لمثKKل هKKذه الحالKKة الصKKوم KكمKKا ورد في حKKديث البKKاءة ،والتKKداوي ،وقKKد اسKKتدل
الخطابي Kبنفس الحديث على جواز التداوي لقطع الشهوة باألدوية ،وحكاه البغوي في شرح السنة ،ولكن ينبغي أن
يحمل على دواء يسكن الشهوة ،وال يقطعها باألصالة ألنه قد يقوى على وجدان مؤن النكKKاح ،بKKل قKKد وعKKد هللا من
يستعف Kأن يغنيه من فضله ألنه جعل اإلغناء غاية لالسKتعفاف ،وألنهم اتفقKوا على منKع الجب واإلخصKاء KفيلحKق
بذلك ما في معناه(.)2
.2الحاجة إلى الزواج مع عدم القدرة على اإلنفاق :
وهو ما إذا ما كان يقطع بالوقوع Kفي الفاحشة إن لم يتزوج كما يقطع بعدم القدرة على اإلنفاق على الزوجKKة
إال من حرام إن تزوج.
ففي هذه الحالة تعارض مقصدان للشرع هما حفظ المال وحفظ العرض.
واألولى في هذه الحالة ـ وهللا أعلم ـ حفظ العرض ،وقد Kأشار الصاوي إلى االحتمالين جميعا بقولKKه (:ولكن
اعترض بأن الخائف من الزنا مكلف بترك الزنا ،ألنه في طوقه كما أنKه مكلKف بKترك الKتزوج الحKرام ،فال يفعKل
محرما لKKدفع محKKرم فال يصKKح أن يقKKال إذا خKKاف الزنKKا وجب النكKKاح ،ولKKو أدى اإلنفKKاق من حKKرام ،وقKد KيقKKال إذا
استحكم األمر فالقاعدة ارتكاب أخف الضررين)( ،)3ونرى أن أشد الضررين في هذه الحالة هو ضKKرر الفKKواحش
والمنكرات Kألنها تمس صميم الجانب االجتماعي بخالف المال.
وقد فصل المسألة تفصيال جيدا مبينا أحكامها وطرق KالموازنKKة فيهKKا أبKKو حامKKد الغKKزالي ،بعKKد ذكKKره لفوائKKد
الزواج وآفاته واعتبارها موازين يفضل على أساسها الزواج أو العزوبKKة ،فقKKال (:فهKKذه مجKKامع اآلفKKات والفوائKKد،
فالحكم Kعلى شخص واحد بأن األفضل له النكاح أو العزوبة مطلقا ً قصور عن اإلحاطة بمجامع هKKذه األمKKور ،بKKل
تتخذ هذه الفوائد واآلفات Kمعتبراً ومحكما ً ويعرض المريد عليه نفسه)()4
وقد جمع الغزالي بذلك بين النصوص المرغبة في الزواج أو المرغبة عنه ،قال الغKKزالي(:فهكKKذا ينبغي أن
توزن هذه اآلفات بالفوائد ويحكم Kبحسبها ،ومن أحاط بهذا لم يشكل عليه شKKيء ممKKا نقلنKKا عن السKKلف من تKKرغيب
)(1لخص الصاوي هذه األقسام جميعا في قوله « :وحاصل ما في المقام أن الشخص إما راغب في النكاح أو ال ،والراغب إما أن
يخشى العنت أو ال ،فالراغب إن خشي العنت وجب عليه ولو مع إنفاق عليها من حرام ،أو مع وجود مقتضى التحريم غير ذلك ،فإن
لم يخش ندب له رجا النسل أم ال ،ولو قطعه عن عبادة غير واجبة .وغير الراغب إن خاف بKKه قطعKKه عن عبKKادة غKKير واجبKKة كKKره،
رجا النسل أم ال ،وإن لم يخش ورجا النسل ندب ،فإن لم يرج أبيح .واعلم أن كال من قسم المندوب والجائز والمكروه مقيد بمKKا إذا لم
يكن موجب التحريم ،والمرأة مساوية للرجل في هذه األقسام إال في التسري » حاشية الصاوي.2/330:
)(2سبل السالم.2/160:
)(3حاشية الصاوي ،2/330:وانظر :حاشية الدسوقي.2/214 :
)(4اإلحياء.2/34 :
صحيح)()1 في النكاح مرة ورغبة عنه أخرى ،إذ ذلك بحسب األحوال
ثم بين طريقة الموازنة في المسألة وضابطها فيما يمكن تلخيصه فيما يلي:
.1إن انتفت في حقه اآلفات واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حالل وخلق حسن وج ّد في الدين تام ال يشغله النكKKاح
عن هللا ،وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبـير المنزل والتحصن بالعشKيرة ،فال
يماري في أن النكاح أفضل له مع ما فيه من السعي في تحصيل الولد.
.2إن انتفت الفوائد واجتمعت اآلفات فالعزوبة أفضل له.
.3إن تقابل األمران ،فينبغي أن يوزن بالميزان القسط حظ تلKك الفائKدة في الزيKادة من دينKه وحKظ تلKك اآلفKات في
النقصان منه ،فإذا غلب على الظن رجحان أحدهما حكم به.
وقد اعتبر الغزالي أن أظهر الفوائد طلب الولد وتسكين الشهوة ،وأظهر اآلفKKات الحاجKKة إلى كسKKب الحKKرام
واالشتغال Kعن هللا ،فإن تعارضت هذه األمور فإن أحكامها كما يلي:
.1من لم يكن في أذية من الشهوة ،وكانت فائدة نكاحه في السKعي لتحصKيل الولKد وكKانت اآلفKة الحاجKة إلى كسKب
الحرام واالشتغال عن هللا فالعزوبة له أولى ،فال خير فيمKا يشKKغل عن هللا ،وال خKير في كسKب الحKرام ،وال يفي
بنقصان هذين األمرين أمر الولد ،فإن النكاح للولد سعي في طلب حياة للولKد موهومKة ،وهKذا نقصKان في الKدين
ناجز ،فحفظه لحياة نفسه وصونها عن الهالك أهم من السعي في الولد وذلك ربح والدين رأس مKKال .وفي فسKKاد
الدين بطالن الحياة األخروية وذهاب رأس المال ،وال تقاوم هذه الفائدة إحدى هاتين اآلفتين.
.4إذا انضاف إلى أمر الولد حاجة كسر الشهوة لتوقان النفس إلى النكاح نظر :فKKإن لم يقKKو لجKKام التقKKوى في رأسKKه
وخاف على نفسه الزنا فالنكاح له أولى ،ألنه متردد بـين أن يقتحم الزنا أو يأكل الحرام ،والكسKب الحKرام أهKون
الشرين.
.5إن كان يثق بنفسه أنه ال يزني ،ولكن ال يقدر مKع ذلKك على غض البصKر عن الحKرام فKترك النكKاح أولى ،ألن
النظر حرام والكسب من غير وجهه حرام ،والكسب يقع دائماً وفيه عصيانه وعصيان أهله ،والنظر يقKKع أحيانKاً
وهو يخصه وينصرم على قرب ،والنظKر زنKا العين ولكن إذا لم يصّ Kدقه الفKرج فهKو إلى العفKو أقKرب من أكKل
الحرام ،إال أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فKيرجع ذلKك إلى خKوف العنت فهKو إلى العفKو أقKرب من
أكل الحرام ،إال أن يخاف إفضاء النظر إلى معصية الفرج فيرجع ذلك إلى خوف العنت.
.6أن يقوى على غض البصر ولكن ال يقوى على دفع األفكار الشاغلة للقلب فKKذلك أولى بKKترك النكKKاح ،ألن عمKKل
القلب إلى العفو أقرب ،وإنما يراد فراغ القلب للعبادة وال تتم عبادة مع الكسب الحرام وأكله وإطعامه.
المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة
اختلف الفقهاء في المفاضلة بين الزواج والتخلي للعبادة على قولين:
القول األول :إن النكاح أفضل من التخلي لعبادة هللا في النوافل ،وهو قول الجمهور ،واستدلوا على ذلك بما
يلي(:)2
اًل ْ َ ْ َ لَّْ َ ْ رْ ُ ْ
.1أن هللا تعالى قال لنبيه َ ﴿ :واذك اس َم َربِّكَ َوت َبت ِإلي ِه تب ِتي ﴾(المزمل ،)8:فبين النKبي التبتKل بفعلKه ،وشKرح
أنه امتثال األمر ،واجتناب النهي ،وليس بترك المباحات ،ومن رغب عن سنته فليس منه.
.2أن حال الرسول أولى من االستدالل بحال يحيى مع أنه كان في شKريعتهم العزلKة أفضKل من العشKرة،
وفي شريعتنا العشرة أفضل من العزلة.
قال (: ال رهبانية في اإلسالم)()3 .3
.4ما روي أن نفرا من أصحاب النبي سألوا أزواج النبي عن عمله في السر ؟ فقال بعضKKهم :ال أتKKزوج
النساء وقال بعضهم :ال آكل اللحم وقال بعضهم :ال أنام على فراش فبلKغ ذلKك النKبي فحمKد هللا وأثKنى عليKه
)(1اإلحياء.2/35:
)(2المبسوط ،4/193:أحكام القرآن البن العربي.2/144:
)(3قال الحافظ :لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبران:ي أن هللا أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة،انظر:
نيل األوطار.6/231 :
وقال :ما بال أقوام قالوا كذا ؟ لكني أصلي وأنKام وأصKوم وأفطKKر ،وأتKزوج النسKاء فمن رغب عن سKنتي فليس
مني)()1
.5ما روي أن النبي كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول :تزوجوا الودود الولود ،فKKإني مكKKاثر
بكم األنبياء يوم القيامة)()2
.6أن رسول هللا تزوج حتى انتهى العدد المشروع المباح له ،وال يجوز أن يقال بأنKه إنمKا فعKل ذلKك ألن نفسKه
كان تواقة إلى النساء فإن هذا المعنى يرتفع بالمرأة الواحدة ،ولما لم يكتف بالواحدة دل أن النكاح أفضل.
.7أن النبي نهى عثمان بن مظعون عن التبتل ،كما مر ذكره سابقا.
.8أن النكاح مشتمل على مصالح جمة ،فاالشتغال به أولى من االشKتغال بنفKل العبKادة ،فليس المقصKود بهKذا العقKد
قضاء الشهوة فقط ،وإنما المقصود المصلحة الشرعية المعتبرة.
.9أن منفعة العبادة قاصرة على العابد بخالف منفعة النكاح فإنها ال تقتصر على النKاكح بKل تتعKدى إلى غKيره ومKا
يكون أكثر نفعا فهو أفضل.
القول الثاني :أن التخلي لعبادة هللا تعالى أفضل إال أن تتوق نفسه إلى النساء ،وال يجKKد الصKKبر على التخلي
لعبادة هللا ،واستدلوا Kعلى ذلك بما يلي(:)3
صKورًا ﴾(آل عمKران ،)39 :فقKد مKدح يحKيى بأنKه كKان .1قولKه تعKالى في الثنKاء على يحي َ ﴿ :و َسِّ Kيدًا َو َح ُ
حصورا ،والحصور هو الذي ال يأتي النساء مع القدرة على اإلتيان فدل أن ذلك أفضل.
.2أن النكاح من جنس المعامالت حتى يصح من المسلم والكافر ،والمقصود به قضاء الشهوة ،وذلك مما يميل إليKه
الطبع فيكون بمباشرته عامال لنفسه ،وفي االشتغال بالعبادة هو عامل هلل تعالى بمخالفة هوى النفس.
ت ْال ِج َّن َواإْل ِ َ
نس ِإاَّل ِل َيعْ بُدُو ِني﴾(الذاريات56 : .3أن فيه اشتغاال بما خلقه هللا تعالى ألجله ،كما قال هللا تعالى َ ﴿:و َما خَ َل ْق ُ
)فكان هذا أفضل إال أن تكون نفسه تواقة إلى النساء فحينئذ في النكاح معنى تحصين الدين والنفس عن الزنا.
الترجيح:
ال ريب أن القول األرجح في المسألة هو ما عليه جمهKKور الفقهKKاء من فضKKل الKKزواج على التفKKرغ للعبKKادة،
ألن العبادة بمعناها الحقيقي الكامل ال تقتصر على الشعائر التعبدية ،بKKل تتعKKداها إلى كKKل منKKاحي الحيKKاة بمKKا فيهKKا
تكوين أسرة مسلمة صالحة.
وقد نص على هذا الترجيح الغزالي بعد بيانه لفوائد وآفات الزواج فقKKد تسKKاءل بعKKد بيانهKKا (:فKKإن قلت :فمن
أمن اآلفات فما األفضل له :التخلي لعبادة هللا ،أو النكاح؟
ثم أجاب (:يجمKع بـينهما ،ألن النكKاح ليس مانعKا ً من التخلي لعبKادة هللا من حيث إنKه عقKد ،ولكن من حيث
ألن الليKKل وسKKائر أوقKKات النهKKار يمكن الحاجة إلى الكسب ،فKKإن قKKدر على الكسKKب الحالل فالنكKKاح أيضKا ً أفضKKلّ ،
التخلي فيه للعبادة ،والمواظبة على العبKKادة من غKKير اسKKتراحة غKKير ممكن ،فKKإن فKKرض كونKKه مسKKتغرقا ً لألوقKKات
بالكسب حتى ال يبقى له وقت سوى أوقات مكتوبة والنوم Kواألكل وقضاء الحاجة ،فإن كKKان الرجKKل ممن ال يسKKلك
سبـيل اآلخرة إال بالصالة النافلة أو الحج وما يجري مجراه من األعمال البدنية فالنكاح لKKه أفضKKل ،ألن في كسKKب
الحالل والقيام باألهل والسعي في تحصيل الولد والصبر على أخالق النساء أنواعا ً من العبادات ال يقصر فضKKلها
عن نوافل Kالعبادة وإن كان عبادته بالعلم والفكر وسير Kالباطن ،والكسب يش ّوش عليه ذلك ،فترك النكاح أفضل)()4
ولكن هذه الحالة التي يذكرها الغزالي ،والتي قد تمنع السالك طريق العلم والتدبر من الKزواج حالKة مؤقتKة،
وهي حالة الضعف ،واألكمل منها حال رسKول هللا ،وقKد Kنص الغKزالي على ذلKك بقولKه (:فKإن قلت :فلم تKرك
عيسى النكاح مع فضله؟ ووإن كان األفضل التخلي لعبادة هللا فلم استكثر رسKKولنا Kمن األزواج؟ فKKاعلم ّ
أن
)(1سبق تخريجه.
)(2سنن أبي داود ،2/220:رقم ،2050:صحيح ابن حبان،9/328:رقم ،4028:مستدرك الحاكم ،2/176:رقم،2658:مسند أحمد:
،3/633رقم.12202:
)(3الوسيط ،5/25 :حاشية البجيرمي ،3/322 :حواشي الشرواني ،7/186 :روضة الطالبين.7/18 :
)(4اإلحياء.2/35:
األفضل الجمع بـينهما في حق من قدر ومن قويت منته وعلت همته فال يشKغله عن هللا شKKاغل ،ورسKولنا أخKKذ
بالقوّة ،وجمع بـين فضل العبادة والنكاح ،ولقد كان مKع تسKع من النسKوة متخليKا ً لعبKادة هللا ،وكKان قضKاء الKوطر
بالنكاح في حقه غير مانع ،كما ال يكون قضاء الحاجة في حق المشغولين بتدبـيرات الدنيا مانعKا ً لهم عن التدبـير،
حتى يشتغلون في الظاهر بقضاء الحاجة وقلوبهم مشغوفة بهممهم Kغير غافلة عن مهمKKاتهم ،وكKKان رسKKول هللا
لعل ّو درجته ال يمنعه أمر هذا العالم عن حضKKور القلب مKKع هللا تعKKالى ،فكKKان يKKنزل عليKKه الKKوحي وهKKو في فKKراش
امرأته ،أما عيسى فإنه أخذ بالحزم ال بالقوّة ،واحتاط لنفسKKه ،ولعKKل حالتKKه كKKانت حالKKة يKKؤثر KفيهKKا االشKKتغال
باألهل ،أو يتعذر معها طلب الحالل ،أو ال يتيسر Kفيها الجمع بين النكاح والتخلي للعبادة فآثر التخلي للعبKKادة ،وهم
أعلم بأسرار Kأحوالهم وأحكام أعصارهم في طيب المكاسKKب وأخالق النسKKاء ،ومKKا على النKKاكح من غوائKKل النكKKاح
وما له فيه ،ومهما كانت األحوال منقسمة حتى يكون النكاح في بعضها أفضل وتركه في بعضها أفضل ،فحقنا أن
ننزل أفعال األنبـياء على األفضل في كل حال)()1
وقد رد في موضع آخر على من يعتبر ترك الزواج زهدا وتقربKKا هلل ،بقولKKه(:فKKإن علم أن المKKرأة ال تشKKغله
عن ذكر هللا ولكن ترك ذلك احترازا من لذة النظر والمضاجعة والمواقعة ،فليس هذا من الزهد أصال ،فKKإن الولKKد
مقصود لبقاء نسله وتكثير Kأمة محمد من القربات ،واللذة التي تلحق اإلنسان فيمKا هKو من ضKرورة الوجKود ال
تضره إذا لم تكن هي المقصد والمطلب ،وهذا كمن ترك أكل الخبز وشرب الماء احترازا Kمن لذة األكل والشرب،
وليس ذلك من الزهد في شئ،ألن في ترك ذلKك فKوات بدنKه فكKذلك في تKرك النكKاح انقطKاع نسKله ،فال يجKوز أن
يترك النكاح زهدا في لذته من غير خوف آفة أخرى)()2
ونفس هKKذا الموقKKف نص عليKKه الكثKKير من علمKKاء اإلماميKKة ،ومنهم الشKKيخ محمKKد حسKKن النجفي صKKاحب
الجواهر ،فقد طرح هذا السؤال :هل الزواج أفضل أم التخلي للعبادة؟ ،وأجاب عنه :بأن في المسألة قولين أقواهما
أفضلية الزواج (لما في ترك النكاح واالشتغال بالعبادة والرياضة من الرهبانية المنفيّة في هذه الشريعة) ،واستدل
لذلك بأدلة كثيرة ،لعل أهمها ما نص عليه بقوله( :ال يقال :لعل الوجه في ذلك وجود التوقKKان الى النكKKاح كمKKا هKKو
الغالب ،وال نزاع في أفضليته حينئذ ،إنما النزاع في أفضليته لمن لم تتق نفسه ،وال داللة للفعKKل المنقKKول عليKKه إال
مع العلم بانتفاء الوصف ،وهو ممنوع ،ألنا نقول :ثبوت الفعل عن النبي وصحته عنه يقتضي رجحان التأسي
والمتابعة لكKل أحKد وان كKان مخالفKا لKه في الوصKف Kإال إذا كKان مغKيرا للحكم ،لعمKوم KاألدلKة وانتفKاء مKا يصKلح
للتخصيص فيما عدا الوصف المغير ،كيف ولو كان التأسي مقصKKورا Kعلى صKKورة العلم بتوافKق KاالوصKKاف KالKKتى
يحتمله التغيير Kبها لزم أن ال يسلم في شئ من الموارد ،لقيKKام االحتمKKال في جميعهKKا ،فرجحKKان التأسKKي في النكKKاح
يقتضى عدم الفرق في ذلك بين وجود Kالتوقان وانتفائه وإن قلنا بثبوته في المتأسى به إال أن ثبKKوت الوصKKف لKKه ال
يقتضى استناد الحكم إليه حتى ال يجوز Kالتأسي لفاقده)()3
ولكن مع ذلك ،وألجKKل االختالف بين أحKKوال النKKاس قKKوة وضKKعفا ال ينبغي اإلنكKKار على من تKKأخر زواجKKه
بسبب انشغال بعبادة من العبادات إن لم يكن قصده من ذلك التنطع والرهبانية ،قال الصنعاني KبعKKد إيKKراده لحKKديث
الثالثة السابق ذكره(:يحتمل أن تكون هذه الكراهة للتنطع ،والغلو في الKدين وقKد يختلKف ذلKك بKاختالف المقاصKد
فإن من ترك اللحم -مثال -يختلف حكمه بالنسبة إلى مقصKوده ،فKإن كKKان من بKاب الغلKKو والتنطKKع ،والKدخول Kفي
الرهبانية :فهو ممنوع مخالف للشرع وإن كان لغير ذلك من المقاصد المحمودة ،كمن تركه تورعا لقيام شKKبهة في
ذلك الوقت في اللحوم ،أو عجزا ،أو لمقصود صحيح غير ما تقدم لم يكن ممنوعا)
ثم عقب على ذلك بقوله(: :وال شك أن الترجيح يتبKع المصKالح ،ومقاديرهKا KمختلفKة وصKاحب الشKرع أعلم
بتلك المقادير فإذا لم يعلم المكلف حقيقة تلKKك المصKKالح ،ولم يستحضKKر أعKKدادها :فKKاألولى اتبKKاع اللفKKظ الKKوارد Kفي
الشرع)()4
اإلحياء.2/35: )(1
اإلحياء.4/238: )(2
جواهر الكالم ،ج ،29ص.26 )(3
سبل السالم.2/170 : )(4
الفصل الثاني
المقاصد الشرعية من الزواج
راعى الشرع في األحكام المتعلقة بالزواج الكثير من المقاصKKد الKتي تخKدم المصKKالح الدنيويKKة واألخرويKة،
والتي يستحيل اجتماعها بواقعيتها Kومثاليتها في نفس الKKوقت في غKKير التشKKريعات اإلسKKالمية ،ففيهKKا مراعKKاة تامKKة
للمصالح الفردية والمصالح االجتماعية ومصالح األمة جميعا من غير أن يطغى فيها جانب على جانب.
وقبل أن نعرض باختصار مجامع هذه المقاصد ،نذكر قولي عالمين اهتما اهتماما شديدا بالمقاصد Kالشرعية
ننطلق منهما في بيان المقاصد الشرعية من الزواج:
أولهما السرخسي الذي حاول أن يجمع المقاصKKد الشKKرعية من الKKزواج بقولKKه(:تعلKKق بهKKذا العقKKد أنKKواع من
المصالح الدينية والدنيوية من ذلك حفظ النساء والقيKKام عليهن واإلنفKKاق ،ومن ذلKKك صKKيانة النفس عن الزنKKا ،ومن
ذلك تكثير عباد هللا تعالى وأمة الرسول وتحقيق مباهاة الرسول بهم)()1
أما الثاني ،فهو الغزالي ،فقد قال عند بيان فوائد الزواج(:وفيه فوائد خمسة :الولد ،وكسKر الشKهوة ،وتدبـير
المنزل ،وكثرة العشيرة ،ومجاهدة النفس بالقيام بهن)()2
وانطالقا Kمن هذين النصين يمكن حصر مجامع المقاصد الشرعية من الزواج في المقاصد التالية:
المقصد األول ـ تحصين الرجل والمرأة
ومعنى اإلحصان( )3هو توفير المناعة الكافية للمKKؤمن ،والKKتي تصKKده عن الوقKKوع في الفاحشKKة أو تصKKرفه
بالتفكير فيها عن الوظائف الموكلة إليه.
وسر ذلك هو أن اإلسالم يعترف Kبالغرائز التي وجدت في نفس اإلنسان ،فال يقاومها أو يطلب إماتتهKKا ،بKKل
يوفر Kالسبل النظيفة التي تتيح إخراجهKKا في جKKو يحفKKظ مبادئKKه ومقاصKKده الكليKKة ،وال يصKKادم Kـ في نفس الKKوقت ـ
الفطرة التي فطر هللا الناس عليها.
هَّللا َّ
ف ال ِذينَ اَل يَ ِجُ Kدونَ نِ َكاحًKا َحتَّى يُ ْغنِيَهُ ْم ُ ِم ْن فَ ْ
ضKلِ ِه ﴾ ْ
وقKد Kنص على هKKذا المقصKKد قولKKه تعKKالىَ ﴿:وليَ ْسKتَ ْعفِ ْ
(النور ،)33 :فالنص ظاهر في أن من مقاصد الزواج االستعفافK.
ونص عليه من السنة قوله (: يا معشر الشباب من استطاع منكم البKKاءة ،فليKKتزوج ،فإنKKه أغض للبصKKر،
وأحصن للفرج ،ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)( ،)4وقوله (: ثالثة حق على هللا عKKونهم :المجاهKKد
في سبيل هللا ،والمكاتب الذي يريد األداء ،والناكح الذي يريد العفاف)()5
فالزواج هو السبيل الوحيد للتحصين من الشهوات ،فلذلك اعتبر من صرف Kشهوته بغير سKKبيل الKKزواج من
المعتKKدين ،كمKKا قKKال تعKKالى َ ﴿:والَّ ِذينَ هُ ْم لِفُKرُو ِج ِه ْم َحKKافِظُونَ )(المؤمنKKون ،)5:ثم اسKKتثنى ،فقKKال تعKKالى ﴿:إاَّل َعلَى
ت أَ ْي َمانُهُ ْم فَإِنَّهُ ْم َغ ْي ُر َملُو ِمينَ )(المؤمنKKون ،)6:أي (والKKذين قKد حفظKKوا فKروجهم من الحKرام فال أَ ْز َوا ِج ِه ْKم أَوْ َما َملَ َك ْ
يقعون فيما نهاهم هّللا عنه من زنا ولواط ،ال يقربون سKوى Kأزواجهم الKKتي أحلهKKا هّللا لهم ،أو مKا ملكت أيمKانهم من
السراري ،ومن تعاطى ما أحلKه هّللا لKه فال لKوم عليKه وال حKرج) ،فقKد اسKتثنت اآليKة من حفKظ الفKرج حفظKه عن
)(1المبسوط.4/192:
)(2اإلحياء.2/24 :
صنَ ُك ْم ِم ْن بَأْ ِسُ KKك ْم )(3اإلحصان في اللغة هو التمنع؛ ومنه الحصن ألنه يمتنع فيه؛ ومنه قوله تعالى َ :وعَلَّ ْمنَاهُ َ
ص ْن َعةَ لَبُو ٍ
س لَ ُك ْم لِتُحْ ِ
فَهَلْ أَ ْنتُ ْم َشا ِكرُونَ ﴾ (االنبياء ،)80:أي لتمنعكم؛ ومنه الحصان للفرس ألنه يمنع صاحبه من الهالك .والحصان (بفتح الحاء) :المKKرأة
العفيفة لمنعها نفسها من الهالك .وحصنت المرأة تحصن فهي حصان؛ مثل جبنت فهي جبان.
)(4مسKKلم ،2/1018 :البخKKاري ،2/673 :ابن حبKKان ،9/335 :الKKدارمي ،2/177 :الKKبيهقي ،4/296 :أبKKو داود ،2/219 :النسKKائي:
.2/95
)(5قال الترمذي:هذا حديث حسن ،انظر :الترمذي ،4/184 :البيهقي ،7/78 :النسائي.3/194 :
الزوجة أو ملك اليمين ،وهي في حكم الزوجة.
وهKKذا موقKKف وسKKط بين من فتح المجKKال للشKKهوات فتحKKا مطلقKKا ،فانتشKKرت الرذيلKKة وعم االنحKKراف باسKKم
الحرية ،أو باسم مقاومة الكبت ،وترك العنKKان للغرائKKز الحيوانيKKة ،وبين دعKKاة الرهبانيKKة الKKذين دعKKوا إلى العفKKاف
بمقاومة الطبيعة البشKKرية والفطKKرة الKKتي خلKKق هللا النKKاس عليهKKا ،يقKKول سKKيد قطب تعليقKKا على اآليKة السKKابقة (:إن
الزواج هو الطريق الطبيعي Kلمواجهة الميول الجنسية الفطرية ،وهو الغاية النظيفة لهذه الميول العميقة ،فيجب أن
تزول العقبات من طريق Kالزواج ،لتجري الحيKKاة على طبيعتهKKا وبسKKاطتها ،والعقبKKة الماليKKة هي العقبKKة األولى في
طريق Kبناء البيوت ،وتحصين النفوس ،واإلسKKالم KنظKKام متكامKKل ،فهKو Kال يفKKرض العفKة إال وقKد KهيKKأ لهKKا أسKKبابها،
وجعلها ميسورة لألفراد األسوياء .فال يلجأ إلى الفاحشة حينئذ إال الذي يعدل عن الطريق النظيف الميسKKور KعامKKدا
غير مضطر))1(K
وبنKKاء على هKKذا أمKKر هللا الجماعKKة المسKKلمة أن تعين من يقKKف المKKال في طKKريقهم إلى النكKKاح الحالل بقولKKه
اسٌ KعضKلِ ِه َوهَّللا ُ َو ِ تعالىَ ﴿:وأَن ِكحُوا اأْل َيَا َمى ِم ْن ُك ْم َوالصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَKKا ِد ُك ْKم َوإِ َمKKائِ ُك ْم إِ ْن يَ ُكونُKKوا فُقََ K
Kرا َء يُ ْغنِ ِه ْم هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ
َعلِي ٌم﴾(النور)32:واأليامى هم الذين ال أزواج لهم رجاال كانوا أو نساء ،والمKKراد بهم في هKKذه اآليKKة األحKKرار دون
الرقيق Kألنه أفردهم في قوله تعالىَ ﴿:والصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَا ِد ُك ْم َوإِ َمائِ ُك ْم﴾K
يقول سيد عن موقف Kالعلماء من هKKذا األمKKر اإللهي الKKذي يقتضKKي ظKKاهره الوجKKوب( :وهKKذا أمKKر للجماعKKة
بتزويجهم ،والجمهور Kعلى أن األمر هنا للندب ،ودليلهم Kأنه قد وجد أيKKامى على عهKKد رسKKول هللا لم يزوجKKوا،
ولو كان األمر للوجوب لزوجهم)()2
ويذكر موقفه بقوله (:ونحن نKKرى أن األمKKر للوجKKوب ،ال بمعKKنى أن يجKKبر اإلمKKام األيKKامى على الKKزواج ؛
ولكن بمعنى أنه يتعين إعانة الراغبين منهم في الزواج ،وتمكينهم من اإلحصان ،بوصفه وسيلة من وسائل الوقاية
العملية ،وتطهير Kالمجتمع اإلسالمي Kمن الفاحشة ،وهو واجب ووسيلة الواجب واجبة)()3
وهو قول تؤيده األدلة الكثيرة بناء على التصور اإلسالمي لدور Kولي األمKر الKذي يهتم بببنKاء اإلنسKان قبKل
اهتمامه بأي بنيان آخر.
ونفس األمر ينطبق على المرأة التي يتقدم لها الكفء الذي ترغب فيه ،فال يحل عضلها عنه حKKتى لKKو كKKان
ْضKلُوه َُّن أَ ْن يَ ْن ِكحْ نَ أَ ْز َوا َجه َُّن إِ َذا قد سبق له إيذاءها بالطالق ،قKKال تعKKالى َ ﴿:وإِ َذا طَلَّ ْقتُ ُم النِّ َسKا َء فَبَلَ ْغنَ أَ َجلَه َُّن فَال تَع ُ
Kر َذلِ ُك ْم أَ ْز َكى لَ ُك ْم َوأَ ْ
طهَُ Kر َوهَّللا ُ يَ ْعلَ ُم ك يُو َعظُ بِ ِه َم ْن َكKKانَ ِم ْن ُك ْم يُKْ Kؤ ِمنُ بِاهَّلل ِ َو ْاليَKKوْ ِKم اآْل ِخِ K ضوْ ا Kبَ ْينَهُ ْم بِ ْال َم ْعر ِK
ُوف َذلِ َ تَ َرا َ
َوأَ ْنتُ ْم ال تَ ْعلَ ُمونَ )(البقرة ،)232:قال ابن عباس :نزلت هذه اآلية في الرجل يطلق امرأته طلقة أو طلقتين فتنقضKKي
عدتها ثم يبدوا له أن يتزوجها وأن يراجعها وتريKد KالمKKرأة ذلKKك فيمنعهKا KأولياؤهKKا من ذلKKك فنهى هّللا أن يمنعوهKKا،
والذي قاله ظاهر من اآلية.
ومثل نهي العضل عن المطلق عضل المتوفى Kعنها زوجها طمعKKا في مالهKKا وفي عKKدم خروجهKا Kمن أسKKرة
ضلُوه َُّن لِت َْذهَبُوا بِبَع ِ
ْض الزوج بعد وفاته ،قال تعالى ﴿:يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال يَ ِحلُّ لَ ُك ْم أَ ْن ت َِرثُوا Kالنِّ َسا َء كَرْ ها ً َوال تَ ْع ُ
ُوف فَإِ ْن َك ِر ْهتُ ُموه َُّن فَ َع َسى أَ ْن تَ ْك َرهُوا َشيْئا ً َويَجْ َعَ KKل هَّللا ُ َما آتَ ْيتُ ُموه َُّن إِاَّل أَ ْن يَأْتِينَ بِفَا ِح َش ٍة ُمبَيِّنَ ٍة َوعَا ِشرُوه َُّن بِ ْال َم ْعر ِK
فِي ِه َخيْراً َكثِيراً ﴾ (النساء)19:
ومثل ذلك عضل أي امرأة عن الزواج بمن تتحقق فيه شرائط الكفاءة التي سKKنذكرها Kفي محلهKKا ،قKKال :
(إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إن ال تفعلوه تكن فتنة في األرض وفساد كبير) ،قالوا (:يKKا رسKKول هللا،
وإن كان فيه)قال (:إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)ثالث مرات(.)4
ولهذا ـ وبعد توفير Kالجو المناسب الذي تصرف Kفيه الغرائز ـ ورد التشديد Kعلى حرمة الزنKKا ،واعتبKKاره من
الكبائر والفواحش التي تهدم القيم التي ينبني عليها الكيان النفسي واالجتماعي ،قال تعالى َ ﴿:وال تَ ْق َربُوا ال ِّ Kزنَى إِنَّهُ
)(1رواه الطبراني وفيه رشدين كريب وهو ضعيف ،انظر :مجمع الزوائد.4/306 :
)(2مسلم ،2/889:ابن خزيمة ،4/251:ابن حبان ،4/311 :الدارمي ،2/69:الKKبيهقي ،5/8:أبKKو داود ،2/185 :النسKKائي،2/421:
ابن ماجة ،2/1025 :أحمد.5/72 :
ال َربِّ هَبْ لِي ِم ْن لَ ُد ْنكَ ُذرِّ يَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ َسِ Kمي ُع الُّ Kدعَاء﴾ِ(آلك َدعَا زَ َك ِريَّاَ Kربَّهُ قَ َ ،)84وقال عن زكريا ﴿: هُنَالِ َ
َ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ َّ
عمران)38:وقال عن عباد الرحمن َ ﴿:وال ِذينَ يَقولونَ َربَّنَا هَبْ لنَا ِم ْن أز َوا ِجنَا َوذرِّ يَّاتِنَا Kق َّرةَ أ ْعيُ ٍن ﴾(الفرقان)74:
وقد ذكر الغزالي وجوه ترغيب الشارع في تحصيل هذا المقصKد من الKزواج ،ممKا يKدل على شKKدة مراعKاة
الشارع لهذا المقصد ،فقال (:وفي التوصKل إلى الولKد قربKة من أربعKة أوجKه هي األصKل في الKترغيب فيKه عنKد
األمن من غوائل الشهوة حتى لم يحب أحدهم أن يلقى هللا عزباً)
وسنذكر Kهنا هذه الوجوه األربعة ،والتي تجعل من تكوين األسرة في النظرة اإلسالمية ال يقل عن أي عمKKل
عبادي:
الوجه األول :موافقة محبة هللا بالسعي في تحصيل الولKد إلبقKاء جنس اإلنسKان ،وذلKك بKالتوافق KمKع قKانون
الحكمة الذي يسير هللا به الكون ،فاهلل تعالى خلق الKزوجين ،وأدودع KفيهمKا مKKا يشKKير إلى حكمتKه من خلقKة ،يقKول
الغزالي (:فهذه األفعال واآلالت تشهد بلسان ذلق في اإلعراب عن مراد خالقها وتنKKادي KأربKKاب األلبKKاب بتعريKفK
ما أعدت له ،هذا إن لم يصرح به الخالق تعالى على لسان رسول هللا بالمراد حيث قال (:تَنَا َكحُوا تَنَا َسلُوا)(،)1
فكيف Kوقد صرح باألمر وباح بالسر؟ فكل ممتنع عن النكاح معرض عن الحراثة مضيع للبذر معطل لما خلق هللا
من اآلالت المعدة وجان على مقصود الفطرة والحكمة المفهومة من شKKواهد الخلقKKة المكتوبKKة على هKKذه األعضKKاء
بخط إلهي يقرؤه كل من له بصيرة ربانية نافذة في إدراك دقائق الحكمة األزلية)()2
الوجه الثاني :السعي في محبة رسول هللا ورضاه ،وذلك بتكثير ما به مباهاتKKه ،فقKKد صKKرح رسKKول Kهللا
بذلك ،ففي الحديث قال ..( :أما علمتم إني أباهي بكم األمم يوم القيامKKة حKKتى بالسKKقط ،يظKKل محبنطئKا ً على
باب الجنة ،فيقول هللا ع ّز وجل :أدخل ،فيقول :ال أدخل حتى يدخل أبواي قبلي ،فيقول هللا تبارك وتعالى KلملKKك من
المالئكة :ائتني بأبويه ،فيأمر Kبهما إلى الجنة ،فيقول :هذا بفضل رحمتي لك)()3
وفي حديث آخر ،قال ( :تناكحوا تناسلوا تكثروا K،فإني أباهي بكم األمم يوم القيامة ولو بالسقط)()4
ومن النصوص العظيمة المرغبة في هذا ما ورد في الحديث من قوله ( :إذا كان يKKوم القيامKKة نKKودي في
أطفال المؤمنين والمسلمين :أن اخرجوا من قبوركم Kفيخرجون من قبورهم K،ث ّم ينادى فيهم :أن امضوا إلى الجنّKة
زمراً ،فيقولون :ربّنا ووالدينا Kمعنا ؟ ..ثم ينادي فيهم ثانية :أن امضوا إلى الجنّة زمKKراً ،فيقولKKون :ربنّKKا ووالKKدينا
Kل إلى أبويKKه ،فيأخKKذون بأيKKديهم KفيKKدخلون بهم الجنّKKة ،فهم معنا ؟ ..فيقول في الثالثة :ووالديكم معكم ،فيثب ك ّل طفٍ K
أعرف بآبائهم وأ ّمهاتهم Kيومئ ٍذ من أوالدكم الّذين في بيوتكم)()5
الوجه الثالث :أن يبقى بعده ولداً صالحا ً يدعو لKKه ،كمKKا ورد في الخKKبر أن جميKKع عمKKل ابن آدم منقطKKع إال
ثالثا ً فذكر الولد الصالح ،وهذا الوجه يستدعي بذل الجهد للتنشئة الصالحة لألوالد ،قال الغKKزالي (:وقKKول القائKKل:
إن الولد ربما لم يكن صالحا ً ال يؤثر فإنه مKKؤمن ،والصKKالح هKKو الغKKالب على أوالد ذوي الKKدين ال سKKيما إذا عKKزم ّ
على تربـيته وحمله على الصالح)()6
ومع ذلك ،فإن الدعاء مستجاب منهم ولو لم يكونوا صالحين ،قال الغزالي(:وبالجملة دعKKاء المKKؤمن ألبويKKه
مفيد براً كان أو فاجراً ،فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه وغير مؤاخذ بسيئاته ،فإنKKه ال تKKزر وازرة
وزر Kأخرى ،ولذلك قال تعالى ﴿:أَل َح ْقنَا بِ ِه ْم ُذ ِّريَّاتِ ِه ْKم َو َما ألَ ْتنَاهُ ْم ِم ْن َع َملِ ِه ْم ِم ْن َش ْي ٍء﴾ أي ما نقصناهم من أعمKKالهم،
وجعلنا أوالدهم Kمزيداً في إحسانهم)()7
)(1قال في كشف الخفاء :رواه عبدالرزاق والبيهقي عن سعيد بن أبي هالل مرسال بلفظ «:تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم األمم
يوم القيامة» كشف الخفاء.1/380 :
)(2اإلحياء.2/25 :
)(3الكافي :ج 5ص 334ح..1
)(4جامع األخبار :ص 101الفصل 58في التزويج..
)(5مسكن الفؤاد ص.118
)(6اإلحياء.2/26 :
)(7اإلحياء.2/26 :
الوجه الرابع :أن يموت الولد قبله فيكون لKه شKفيعاً ،وقKد وردت النصKوص الكثKيرة المبينKة لألجKر المعKد
لذلك ،ففي الحديث أن رجال كان يأتي النبي ومعه ابن له ،فقKKال لKKه النKKبي (: أتحبKKه؟ فقKKال :يKKا رسKKول هللا،
أحبك هللا كما أحبه ،ففقده النبي فقال :ما فعل ابن فالن؟ قالوا :يKKا رسKKول هللا مKKات ،فقKKال النKKبي ألبيKKه :أمKKا
تحب أن ال تأتي بابا من أبواب الجنة إال وجدته ينتظرك عليه ،فقال رجل :أله خاصة يا رسKول Kهللا أو لكلنKKا قKKال:
بل لكلكم(.)1
وفي حديث آخر أن رسول هللا قال للنساء( :ما منكن امرأة يموت لها ثالثة من الولد إال كانوا لها حجابا
من النار) فقالت امرأة :واثنان فقال :واثنان(.)2
وقال (: ما من مسلم يموت له ثالثة من الولد لم يبلغوا الحنث فتمسه النار إال تحلة القسم)()3
ويروي Kالغزالي في ذلك أن بعض الصالحين كان يعرض عليه التزويج فيأبى برهة من دهKKره ،قKKال فانتبKKه
من نومه ذات يوم وقال :زوّجوني Kزوجوني ،فز ّوجوه ،فسئل عن ذلك فقال :لعل هللا يرزقني ولداً ويقبضه فيكKKون
لي مقدمة في اآلخرة ،ثم قال :رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وكKKأني في جملKKة الخالئKKق في الموقKKف ،وبـي
من العطش ما كاد أن يقطع عنقي ،وكذا الخالئق في شدة العطش والكرب ،فنحن كذلك إذ ولدان يتخللKKون الجمKKع،
عليهم مناديل من نور ،وبأيديهم KأبKاريق من فضKة وأكKواب من ذهب ،وهم يسKقون الواحKد بعKد الواحKد ،يتخللKون
الجمع ويتجاوزون أكثر الناس ،فمددت يدي إلى أحKKدهم وقلت :اسKKقني فقKKد أجهKKدني العطش ،فقKKال :ليس لKKك فينKKا
ولد ،إنما نسقي آباءنا ،فقلت :ومن أنتم؟ فقالوا :نحن من مات من أطفال المسلمين.
وبناء على هذه المقاصKKد الكثKKيرة المرتبطKKة بفضKKل كKKثرة الولKKد ،فKKإن الKKدعوة الغربيKKة إلى تحديKKد النسKKل ال
تتناسب مع المقاصد الشرعية ،و ال يصح أن يتأثر المسلمون بها كما حصل في بعض البالد اإلسالمية.
ولكن مع ذلك ،ال يصح أن ننكر أن هناك ظروفا قKKد تحتم على المسKKلمين اللجKKوء إلى تنظيم النسKKل لتحقيKKق
بعض المصالح الشرعية ،وسنتحدث عن ذلك بتفصيل في الجزء المرتبط Kبـ [حقKوق األوالد النفسKKية والصKحية]،
وسنكتفي Kهنا بإيراد بعض األدلة على مشروعية التنظيم رعاية للمصالح الشرعية ،وقد ذكر هذه األدلKKة د .حKKبيب
هللا طاهري ،في دراسة قيمة له بعنوان [تحديد النسل في الشريعة اإلسالمية – قراءة فقهيّة وحقوقيّة]()4
فمما ورد فيها قوله بعKKد إيKKراد بعض النصKKوص الدالKKة على اسKKتحتاب كKKثرة الولKKد( :مKKا يُسKKتفاد من األدلّKKة
ي رجحان التكاثر ومطلوبيته واستحبابه ،أما وجKKوب أو حرمKKة تحديKد النسKKل فال ..نعم ،الولKKد المذكورة بنح ٍو قطع ّK
زين Kةٌ ألبويKKه ،ومبعث فخKKرهم وشKKوكتهم واقتKKدارهم ،وهKKو بالتأكيKد KمطلKKوبٌ للشKKرع األقKKدس ،لكن الكالم في أن
محبوبيّة تحديد النسل ليست مطلقةً وقاعدةً عامة ودائمية في تمام الظروف ،بل من الممكن أن يُقيّKKد هKKذا الحكم في
بعض الظروف ،فيقع تحديد النسل ممدوحا ً ومطلوباً Kللشارع بدالً من التكاثر)
ثم ساق بعض األدلة نختصرها Kفيما يلي:
ً ً ً
األدلة ال تُثبت رجحان التكاثر على نحو القضيّة الحقيقية ،وبصفته قانونا عا ّما ،جاريKا في األزمنKة واألمكنKة .1هذه ّ
زمان خاصّ ،كزمان صدر اإلسالم ،حيث كKان ٍ والظروف كا ّفة ،بل هي من قبيل القضايا الخارجية الناظرة إلى
الولد عندهم مصدر فخرهم واقتدارهم. المسلمون أقل ّي ًة وكانت كثرة ُ
خاصKة ،في غايKة الضKعف ،ولم ّ .2في عصر النبي كان النموّ الس ّكاني في العالم أجمع ،وفي البقKاع اإلسKالمية
تكن مش ّقات المعيشة واحتياجاتهKا على مKا هي عليKه اليKوم؛ ولهKذا السKبب كKان الKترغيب بالزيKادة السّ Kكانية إلى
أقصى الدرجات للمسلمين والتزوّد بالقدرة إزاء القدرات األخرى أمر ًا طبيعياً.
.3في عصر النبي كانت نسبة الموت والوفيّKات مرتفعKة جKد ًا؛ لهKذا كKانت العوائKل مضKطرّ ًة ألن تُنجب أوالد ًا
كثيرين ،حتى يبقى ّقلةٌ منهم أحيا ًء ،بينما في العصر الراهن ،وبسبب تقّ Kدم العلم وحؤولKه دون وقKKوع الكثKير من
األمراضّ ،قلت نسبة الوفيات الواسعة النطاق.
أحمد ،3/436 :قال ابن حجر :رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ،مجمع الزوائد.3/10 : )(1
مسلم ،4/2028 :البيهقي ،4/67 :النسائي 3/451 :أحمد ،1/421 :مسند أبي يعلى.9/18 : )(2
البخاري ،1/421 :الحاكم.4/163 : )(3
مجلة نصوص معاصرة. )(4
والمتطلبKات العائليKة واالجتماعيKة في عصKر النKبي وعصKرنا ،وهKو يشKمل: ّ اختالف الظروف االقتصادية .4
المأكل ،والملبس ،والمسكن ،والقدرات التعليميKة ،والترفيKه والتسKلية ،ووسKائل النقKل العKام ،والصKحّة والعالج،
متعلقة بالرفاهية ،ونحن اليوم ـ شئنا أم أبينا ـ نقKف أمKام والضمان ،ومياه الشفة ،والكهرباء وأمور ًا أخرى كثيرة ّ
هذا الواقع ،ولزا ٌم علينا أن نسعى في تأمين مستلزماته.
ليس تحديد النسل تشكيكاً في رازقية هللا تعالى؛ إذ ليس معنى رازقيته أن ال َيقدِّر البشKKرُ معيشKKتهم بإعمKKال العقKKل .5
وحسبان النفقات والمداخيل؛ ففي البالد الفقيرة والرجعية يُعاني كثيرٌ من الناس ـ واألطفال على وجه الخصوص
ـ من سوء التغذية ،أو يموتون جوعاً ،بيد أن هللا راز َقهم موجود أيضاً؛ وذلKKك ألن رازقيتKKه ليسKKت جبر ّيً Kة وعلى
خالف إرادة البشر واختيارهم ،وعليه ،فحتى مع تحديد النسل يظلّ هللا رازقاً أيضKاً ،فاهلل نفسKKه قKKد أمKKر بالسKKعي
والجهد لجلب الرزق ونهي بش ّدة عن الكسل ،لقد أمر باالعتدال في اإلنفاق ونهي عن اإلفراط والتفريط فيه.
أن ننسب طرح مسألة تحديKد السّ Kكان في البالد اإلسKالمية إلى االسKتعمار األجنKبي ،وعمالئKه في الKداخل عمKلٌ .6
سهل ،ويمكن االستشهاد عليه بالقلق الذي أبدوه في كتبهم ومجالتهم من االزدياد الس ّكاني للمسلمين ،ونحن أيضاً
أن المطلKوب دراسKة تحديKد النسKل وتحليلKه من لسنا ننكر أنه متى ما تس ّنى للمستعمرين إيقاع األذى لفعلKوه ،إ ّ
ال ّ
خالل سابقته التاريخية في العالم عا ّمة وفي دنيKا الغKرب خاصKة ،الKذي سKرى منKه إلى العKالم اإلسKالمي ،ال أن
نعتبره مجرّد مسألة استعمارية.
كلما كان المسلمون أكثر سوف يشت ّد الخطKر على االسKتكبار ،لكن ليس كKلّ كKثر ٍة ك ّميKة وكKلّ زيKادة صحيحٌ أنه ّ .7
سكانية ،بل الك ّمية المصحوبة بالكيفية ،وفي معظم األحيان ال تتوفر الكيفية مع الكثرة المفرطة ،بKل مKا أكKثر مKا
تكون الكثرة المفطرة والفاقدة للقدرات المطلوبة سبباً لتبعية المجتمع لالستعمار ،كما يشاهد في بعض الدول.
الفصل الثالث
تشريعات اإلسالم لحفظ كيان األسرة
وضع اإلسالم الكثير من التشريعات Kوالمبادئ التي تحفKKظ كيKKان األسKKرة المسKKلمة رعايKKة للمقاصKKد السKKابق
ذكرها ،وهذه التشريعات تساهم في تضييق Kكل المنافKKذ المؤديKKة للطالق ،وال يمكننKKا هنKKا حصKKر كKKل ذلKKك ،ولكنKKا
سنذكر Kبعض هذه التشريعات Kمن باب التلخيص واالختصار Kلما تمس الحاجة إليه ،أما التفاصيل فتوجد Kفي محالها
من سائر السلسلة.
أوال ـ التأسيس الصحيح للزواج
ألن بناء األسرة المسلمة ينطلق Kمن التأسيس الصحيح لها ،ويتحقق هذا التأسيس بمراعاة األركKKان المتعلقKKة
باالختيار Kوغيره ،وهي وإن ذكر بعضها Kفي الفقه كسKKنن ومسKKتحبات إال أنهKKا بالنسKKبة للحيKKاة الزوجيKKة الصKKحيحة
فرائض ال يستغنى Kعنها ،ويمكن حصر هذه األسس في األركان الثالثة التالية:
1ـ حسن اختيار الزوجة:
فقد رغب الشرع في اختيار المرأة الصالحة ،ألن استقرار الحيKKاة الزوجيKKة يرتبKKط بصKKالحهما ،وكثKKير من
مشاكل الفرقة تكون بسبب قلة الدين والخلق ،ولهذا نهى النبي أن يكون القصKKد األول من الKKزواج هKKو مجKKرد
الحسن أو المال وذكر العواقب الوخيمة لذلك فقال (: ال تتزوجوا النساء لحسKKنهن فعسKى KحسKKنهن أن يKKرديهن،
وال تتزوجوهن ألموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن .ولكن تزوجوهن على الدين ،فألمة خرقKKاء سKKوداء ذات دين
أفضل)()1
وقد حذر من أن يكون مصدر االختيار هو األعراف واألذواق البعيدة عن اعتبار الKKدين ،فقKKال (:تنكح
المرأة ألربع لمالها ولحسبها وجمالها Kولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)()2
ولكنه مع هذا راعى الطبيعة البشرية في االختيار ،بل دعا إلى أن يKKراعي المKKؤمن ذوقKKه وهKKواه المحصKKن
بحصن الدين حتى تسKKتقر حياتKKه مKKع زوجتKKه اسKKتقرارا صKKحيحا KألنهKKا مبنيKKة على الKKدين بمثاليتKKه وعلى الطبيعKKة
البشرية بواقعيتها K،ولهذا قال لجابر :أتزوجت يا جابر؟ قال :قلت :نعم قال :بكرا أم ثيبKا ؟ قKال :قلت :بKل ثيبKا
قال :فهال بكرا تالعبها وتالعبك؟)()3
وراعى الطبيعة البشرية في حب الولد ،فقد جاءه رجل فقال :إني أصKKبت امKKرأة ذات حسKKب ومنصKKب،
إال أنها ال تلد ،أفأتزوجها ؟ فنهاه ،ثم أتاه الثانية ،فنهاه ،ثم أتاه الثالثة ،فقال( :تزوجوا الودود KالولKKود ،فKKإني مكKKاثر
بكم)()4
وجمع كل صفات المرأة المستحسنة التي يقي اختيار مثلها عن عواقب التفريق بقوله وقد سKKئل :أي
النساء خير ؟ فقال (:التي تسره إذا نظر ،وتطيعه إذا أمر ،وال تخالفه في نفسها وال في ماله بما يكره)()5
وقد استحب العلماء لمن أراد الزواج أن يختار من مال إليها قلبه ،وحنت إليها عاطفتKKه ،قKKال ابن الجKKوزي:
(ومن ابتلي بالهوى ،فأراد التزوج ،فليجتهد في نكاح التي ابتلي بها إن صKKح ذلKKك وجKKاز وإال فليتخKKير KمKKا يظنKKه
مثلها)()6
)(1قال الصنعاني :أخرجه ابن ماجه والبزار والبيهقي من حديث عبKد هللا بن عمKرو مرفوعKا ،انظKر:سKبل السKالم ،3/111:سKنن
البيهقي الكبرى ،7/80 :كشف الخفاء.1/381 :
)(2البخاري ،5/1958:مسلم .2/1086:
)(3البخاري،3/1083:رقم،2805:مسلم.2/1087:
)(4سنن أبي داود ،2/220:رقم ،2050:صحيح ابن حبان.9/328:
)(5سنن النسائي ،6/68:رقم ،3231مسند أحمد،2/496:رقم ،7372:سنن سعيد بن منصور،1/141:سنن البيهقي.10/244:
)(6اإلنصاف ،ج ،8ص.19
2ـ التحقق من االختيار:
وهذا سواء من الزوج بKKأن يتحقKKق ويKKدقق Kفي صKKفات زوجتKKه باسKKتعمال وسKKائل التحقKKق الشKKرعية ،أو من
أولياء الزوجة ،بالبحث عن سيرة المتقدم لموليتهم ،وهذا تفاديا للغرر الKKذي اعتKKبره الفقهKKاء من موجبKKات التفريKKق
بين الزوجين.
وتفاديا لحصول هذا شرع اإلسالم كثيرا من وسائل التحقق من االختيار ،وأهمها تعريKف الشKخص بنفسKه،
سواء للمرأة أو ألوليائها K،وبمقدار صدقه في إخباره عن نفسه تستقر حياتKKه الزوجيKKة وبقKKدر تغريKKره تنهKKار ،وقKKد
روي Kأن بالالً وصهيبا ً أتيا أهل بـيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما :من أنتما؟ فقKKال بالل :أنKKا بالل وهKKذا أخي
صهيب ،كنا ضالين فهدانا هللا ،وكنا مملوكين فأعتقنا هللا ،وكنا عائلين فأغنانKKا هللا ،فKKإن تزوجونKا KفالحمKKد هلل ،وإن
تردونا Kفسبحان هللا ،فقالوا :بل تزوجان ،والحمد هلل ،فقال صهيب :لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مKKع رسKKول هللا
فقال :اسكت فقد صدقت ،فأنكحك الصدق.)1(K
ومن الوسائل الهامة للتحقق من االختيار Kأن يرسل الراغب في الزواج أمه أو إحدى قريباتKKه للتعKKرف Kعلى
من يريد خطبتها كما هو حاصل في بعض المناطق المحافظة ،ولكن ذلك ال يكفي ،وال يغني عن معاينة الشKKخص
نفسه ،ولهذا شرع اإلسالم النظر للمخطوبة أو لمن يرغب في خطبتها Kواعتبر ذلك من الوسائل الKKتي تحصKKل
بها األلفة بين الزوجين ،فقال لمن خطب امرأة(:انظر إليها فإنKه أحKرى أن يKؤدم بينكمKا)( ،)2أي أجKدر وأدعى أن
يحصل الوفاق Kوالمالءمة بينكما ،وبين جواز ذلك قبKKل الخطبKKة فقKKال (: إذا ألقى هللا عKز وجKKل في قلب امKKرئ
خطبة امرأة فال بأس أن ينظر إليها)()3
وكما يندب نظر الخطيب لخطيبته يستحب للمرأة أن تنظر كذلك للرجل الذي خطبها ألنهKKا يعجبهKKا منKKه مKKا
يعجبه منها ،قال الحطاب (:هل يستحب للمرأة نظر الرجKKل ؟ لم أر فيKKه نصKKا للمالكيKKة ،والظKKاهر KاسKKتحبابه وفاقKKا
للشافعية ،قالوا :يستحب لها أيضا أن تنظر إليه)()4
3ـ الرضى التام من المرأة:
ولهذا شرع استئذانها بل استئمارها ،ونهي Kعن جبرها ،أو أن يفرض ولي المرأة أي رجKKل على موليتKKه إال
برضاها ،بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الولي إذا زوج القاصرة أو البكر بغير كفء لها فسKKخه بعKKد البلKKوغ ،وقKKد
روي Kأن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة وكانت ثيبا فأتته فرد نكاحها( ،)5وروي أن جاريKKة بكKKرا
أتت النبي فذكرت له أن أباها زوجها كارهة فخيرها Kالنبي ،)6()وفي Kالحديث المشKKهور قKKال (::ال تنكح
األيم حتى تستأمر وال تنكح البكر حتى تستأذن) ،قالوا :يا رسول هللا وكيف إذنها؟ قال( :أن تسكت)()7
)(1مسلم ،2/889:ابن خزيمة ،4/251:ابن حبان ،4/311 :الدارمي ،2/69:الKKبيهقي ،5/8:أبKKو داود ،2/185 :النسKKائي،2/421:
ابن ماجة ،2/1025 :أحمد.5/72 :
)(2رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم،قال الحKKاكم صKحيح اإلسKKناد ،وألKKزم الKKدارقطني الشKKيخين تخKKريج هKKذه الترجمKKة،
خالصة البدر المنير ،2/253:وانظر:أبو داود ،2/244 :النسائي ،5/273 :البيهقي ،7/305:أحمد.4/447 :
)(3ابن خزيمKKة ،3/11 :الترمKKذي ،2/191 :مجمKKع الزوائKKد ،2/68 :الKKبيهقي ،3/128 :أبKKو داود ،1/162 :ابن ماجKKة،1/311 :
المعجم الكبير.1/115 :
)(4الترمذي :حديث حسن غريب .وقال الحاكم في المستدرك على الصحيحين :هذا حديث صKحيح اإلسKKناد ولم يخرجKاه .ووافقKKه
الذهبي في التلخيص ،وقد ضعفه الشيخ األلباني في السلسلة الضعيفة برقم .1426
)(5رواه الطبراني في األوسط وفيه عبدالحميد Kبن عبيدهللا بن حمزة وهو ضعيف جدا ،مجمع الزوائد ،8/24:قKال المنKذري :رواه
أبKKو الشKKيخ ابن حبKKان في كتKKاب الثKKواب ،الKKترغيب والKKترهيب ،3/281:وانظKر :مجمKKع الزوائKKد ،8/24 :المعجم األوسKKط،6/232 :
الفردوس بمأثور الخطاب.1/194 :
ّ
خاصKة وإِن أكKKثر مKKا يقKKع بين األزواج الحسنة ما لم يبلغ السيل الزبى ،ولم تصل األُمور إِلى الح ّد الذي ال يطاق،
من سوء الظن ال يستند إِلى مبرر صحيح ،وأكثر Kما يصKKدرونه من أحكKKام ال يقKKوم على أُسKKس واقعيKKة إِلى درجKKة
أنّهم قد يرون األمر الحسKن سKيئا ً واألمKر السKيء حسKنا ً في حين ينكشKف KاألمKر على حقيقKة بعKد مضKي حين من
الزمن ،وشيء من المداراة(.)1
فالمعاشرة بالمعروف هي التي تحفظ كيان األسرة ،وتزرع السعادة في البيت المسKKلم ،وهي تبKKنى أوال على
المودة بين الزوجين ،فهي التي تحمل على دوام العشرة مع تغير األحوال ،وقد كان يذكر خديجة ويثني عليها
أحسن الثناء ،حتى قالت عائشة :فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين ،قد أبدلك هللا خيرا منها ،قال :
(ما أبدلني هللا خيرا منها ،قد آمنت بي إذ كفر بي الناس ،وصدقتني إذ كذبني الناس ،وواسKKتني KبمالهKKا إذ حرمKKني
الناس ،ورزقني Kهللا أوالدها ،وحرمني أوالد الناس)()2
وهي تبنى ثانيا على التراحم بين الزوجين والمواساة واالعتراف بالجميل ،وقد حذر النساء خاصKKة من
إنكار النعمة ،وعدم االعتراف بها ،وسمى Kذلك كفرا ،فقال (: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن االسKKتغفار فKKإني
رأيتكن أكثر أهل النار ،فقالت امرأة منهن جزلة :وما لنا أكثر أهل النار ؟ قال :تكثرن اللعن وتكفرن العشير)()3
بل أجاز الشرع الكذب مع حرمته الشديدة إن كان فيه تراحما بين الزوجين ،فقال (: ال يحKKل الكKKذب إال
في ثالث :يحدث الرجل امرأته ليرضيها K،والكKKذب في الحKKرب ،والكKKذب ليصKKلح بين النKKاس)( ،)4قKKال الخطKKابي:
كذب الرجل زوجته أن يعدها ويمنيها Kويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم Kبذلك صKKحبتها ويصKKلح بKKه
خلقها(.)5
وقد كان التراحم والمواساة من سنته مع الناس جميعا ومع زوجاتKKه خصوصKKا ،فعن صKKفية بنت حKKيي،
قالت :دخل علي رسول هللا ،وقد Kبلغني عن حفصة وعائشة كالم فذكرت Kذلك له ،فقال :أال قلت :فكيف تكونان
خيرا مني ،وزوجي محمد ،وأبي هارون وعمي موسى ،وكان الذي بلغهKKا أنهم قKKالوا :نحن أكKKرم على رسKKول هللا
منها ،وقالوا نحن أزواج النبي وبنات عمه(.)6
ودعا إلى تلطيف الحياة الزوجية باللهو والمKKرح بين الKKزوجين ،واعتKKبر ذلKKك من حسKKن الخلKKق ومن كمKKال
اإليمان ،فقال (:إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم Kبأهله)()7
3ـ العالج الواقعي للخالفات الزوجية:
وقد وضKKعت الشKKريعة الكثKKير من أنKKواع العالج الKKتي تحمي بنيKKان األسKKرة من االنهيKKار ،وسKKنتحدث عنهKKا
بتفصيل عند الحديث عن األحكام المرتبطة بالعشرة الزوجية.
ومن أهمها المعرفة بطبيعKة الزوجKة الفطريKة أو الخاصKة ،ولهKذا ال يسKتغرب أن تKرد األحKاديث المعرفKة
بطبيعة المرأة ،لما لها من دور وقائي Kفي الحفاظ على األسرة حتى ال تعامل الرجKKل مKKع زوجتKKه باعتبارهKKا رجال
مثله ،وهو من أكبر أسباب الشقاق بين الزوجين ،ففي الحديث قال رسKKول هللا (: إن المKKرأة كالضKKلع إن ذهبت
تقيمها كسرتها وإن تركتها Kاستمتعت بها على عوج)( ،)8قال الشوكاني (:الحديث فيه اإلرشاد Kإلى مالطفKKة النسKKاء
والصبر Kعلى ما ال يستقيم من أخالقهن ،والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصKفة الKتي ال يفيKد معهKا التKأديب وال
)(1زاد المعاد.5/99:
)(2هو مذهبهم في أكثر التصرفات ،قال في تبيين KالحقKKائق »:ثم جملKKة مKKا يصKKح من األحكKKام مKKع اإلكKKراه عشKKرة العتKKاق والطالق
والنكاح والعفو عن القصاص والرجعة واإليالء والفيء في اإليالء والظهار واليمين والنKذر ; ألن هKذه تصKرفات ال يفتقKر وقوعهKا
إلى الرضا بدليل أنها تصح مع الهزل والخطأ«.تبيين الحقائق.2/195:
)(3المبسوط ،24/64:وانظر :بدائع الصنائع.7/185:
فيه)()1 فالنكاح جائز ،وال ضمان على المكره
القول الثاني :عدم صحة زواج المكKKره ،وهKKو قKKول الجمهKKور ،قKKال ابن بطKKال(:ذهب الجمهKKور Kإلى بطالن
نكاح المكره) ،قال سحنون (:أجمع أصحابنا Kعلى إبطال نكاح المكره والمكرهة وقالوا ال يجوز Kالمقام عليKKه ألنKKه
لم ينعقد)( ،)2وفي Kالمدونة (:قلت :أرأيت طالق المكره ومخالعته قال :مالك :ال يجوز طالق المكره فمخالعته مثل
ذلك عندي قلت :وكذلك نكاح المكره وعتق المكره ال يجوز في قول مالك قال :نعم ،كذلك قال مالك)()3
وقد نص على هذا غير المالكية ،واستدلوا Kعلى ذلك بما سبق من النصوص في وجوب االستئذان.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو القول الثاني بناء على ما سKKبق من أدلKKة ،وهKKو األوفKKق بمقاصKKد الشKKريعة،
ونعجب هنا من أصحاب القول األول من تشKددهم Kفي الحقKوق الماليKة للزوجKة ،وتسKاهلهم في حKق حريتهKا الKتي
كفلها لها الشرع ،مع أن المراد من المهر في الشرع ال يعدو Kأن يكون رمزا وهديKKة يتقKKرب بهKKا الKKزوج لزوجتKKه،
ولكنهم Kفي هذا المحل وغيره كما سنرى يتعاملون معه على أساس أنه عKوض ،وللمسKألة محلهKا من التفصKيل في
الفصل الخاص بأحكام المهر.
2ـ الصفات األساسية للزوجة:
إن الصفة األساسية التي رغب الشرع في مراعاتها أثناء االختيار هي الKKدين والخلKKق ألن األسKKرة المسKKلمة
السعيدة ترتبط بصالح كل من الرجل وزوجته في دينهما وخلقهما.
ولهذا نهى النبي أن يكون القصد األول من الزواج هو مجرد الحسن أو المال وذكKKر العKKواقب الوخيمKKة
لذلك فقال( :ال تتزوجوا Kالنساء لحسنهن فعسى Kحسنهن أن يرديهن ،وال تتزوجوهن ألمKKوالهن فعسKKى أمKKوالهن أن
تطغيهن ،ولكن تزوجوهن على الدين ،فألمة خرقاء سوداء ذات دين أفضل)()4
وعندما ذكر صفات المKKرأة الKKتي تعتبرهKKا األعKKراف واألذواق KذكKKر الKKدين باعتبKKاره الصKKفة األساسKKية
والدائمة ودعا إلى الظفر بها ،فقال (: تنكح المرأة ألربع لمالها ولحسبها وجمالها Kولدينها فKKاظفر بKKذات الKKدين
تربت يداك)5().
بل إنه اعتبر المرأة الصالحة بما توفره لزوجها من راحة وسعادة من خير متKKاع الKKدنيا فقKKال ) إن الKKدنيا
كلها متاع( )6وخير Kمتاع الدنيا المرأة الصالحة)()7
قال العلماء :فيه إيماء إلى أنها أطيب حالل في الدنيا ألنه تعالى زين الدنيا بسبعة أشياء ذكرها بقولهُ ﴿:زيِّنَ
ض ِة َو ْالخَ ي ِْل ْال ُم َس َّو َم ِة َواأْل َ ْن َع ِKام َو ْال َحرْ ِ
ث ب َو ْالفِ َّ ير ْال ُمقَ ْنطَ َر ِة ِم ْن َّ
الذهَ ِ ت ِم ْن النِّ َسا ِء َو ْالبَنِينَ َو ْالقَنَا ِط ِK
اس حُبُّ ال َّشهَ َوا ِ لِلنَّ ِ
ُسKنُ ْال َمKKآب﴾ِ(آل عمKKران ،)14:وتلKKك السKKبعة هي مالذهKKا وغايKة آمKKال طالبهKKا ع ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َوهَّللا ُ ِع ْن َدهُ ح ْ
ك َمتَا َُذلِ َ
وأعمها زينة وأعظمها شهوة النساء ،ألنها تحفظ زوجها عن الحرام وتعينه على القيام باألمور KالدنيويKKة والدينيKKة،
وكل لذة أعانت على لذات اآلخرة فهي محبوبة مرضية هلل فصاحبها يلتذ بها من جهة تنعمه وقKKرة عينKKه بهKKا ومن
جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإيصاله إلى لذة أكمل منها ،وقد Kقيدها بالصالحة إيذانا بأنها شر المتاع لو لم
)(1المبسوط.24/64:
)(2القرطبي.10/186:
)(3المدونة.2/79 :
)(4قال الصنعاني :أخرجه ابن ماجه والبزار والKبيهقي من حKديث عبKد هللا بن عمKرو مرفوعKا ،انظKر:سKبل السKالم ،3/111:سKنن
البيهقي الكبرى ،7/80 :كشف الخفاء.1/381 :
)(5البخاري ،5/1958:مسلم .2/1086:
)(6أصل المتاع انتفاع ممتد Kمن قولهم متع النهار إذا طال ولهذا يستعمل في امتداد مشارق األرض للKKزوال ومنKKه ،متKKاع المسKKافر،
والتمتع بالنساء ولهذا غلب استعماله في معرض التحقير سيما في القرآن ،قال الزمخشري :شKبه الKدنيا بالمتKاع الKKذي يKدلس بKKه على
المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين Kله فساده ورداءته » ،وقال الحرالي :وعبر بلفظ المتKKاع إفهامKKا لخسKKتها لكونKKه من أسKKماء الجيفKKة
التي إنما هي منال المضطر على شعوره برفضه عن قرب من مرتجي الفناء عنها .انظر :فيض القدير.3/548:
)(7مسلم ،2/1090 :صحيح ابن حبان ،9/340 :سنن النسائي الكبرى ،3/271 :سنن ابن ماحة ،1/596:أحمد.2/168 :
تكن صالحة(.)1
َ
واعتبرها بديال عن الذهب والفضة واألموال التي كان يحرص عليها الناس ،فقد روي أنه ل َّما نَ َز َل فِي
كKير ِه فَKأ َ ْد َر َKضKَ Kع َعلَى بَ ِع ِ ال ُع َمرُ :فَأَنَا أَ ْعلَ ُم لَ ُك ْم َذلِKكَ فَأَوْ َ ال نَتَّ ِخ ُذ ،قَ َ ي ْال َم ِ ب َما نَ َز َل قَا ُل الصحابة (:فَأ َ َّ ْالفِ َّ
ض ِة َوال َّذهَ ِ
Kذ أَ َحُ Kد ُك ْم قَ ْلبًKKا َشKا ِكرًا َولِ َسKانًا َذا ِكKرًا َو َزوْ َج Kةً ال (:لِيَتَّ ِخْ K
ي ْال َما ِل نَتَّ ِخ ُذ فَقَ َ ي َ وأَنَا فِي أَثَ ِر ِه فَقَال َ:يَا َرسُو َل هَّللا ِ أَ َّ النَّبِ َّ
ُم ْؤ ِمنَةً تُ ِعينُ أَ َح َد ُك ْم َعلَى أَ ْم ِر اآْل ِخ َر ِة)(،)2وعلKKل سKKر ذلKKك في روايKKة أبى داود بقولKKه (:أال أخKKبرك بخKKير مKKا يكKKنز
المرء المرأة الصالحة ،إذا نظر إليها سرته ،وإذا أمرها أطاعته ،وإذا غاب عنها حفظته)()3
وأول صفات المؤمن التي تجعله يشعر بالسعادة لثقته فيها هو عفافها ،ولهذا لمKKا جKKاء رجKKل إلى النKKبي
فقال إن امرأتي ال تمنع يد المس فقال (:غربها إن شئت)قال :إني أخاف أن تتبعها نفسي قال (:استمتع بها)()4
ونهى نهيا شديدا أن تزوج المرأة للفاسق الذي يرتد فسقه على الذي زوجهKKا منKKه فيقطKKع رحمهKKا فقKKال :
(من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)()5
ودعا في مقابل ذلك إلى تزويجها Kلمن يرضى دينه وخلقKKه ،فقKKال (: إذا خطب إليكم من ترضKKون KدينKKه
وخلقه فزوجوه ،إال تفعلوا تكن فتنة في األرض وفساد عريض)()6
وقد تكلم الفقهاء عن الذي يختار امKKرأة ال تصKKلي وتKKرددوا في أفضKKليتها Kعلى الكتابيKKة ،وقKKد رجح بعضKKهمK
الكتابية لإلجماع على صحة نكاحها ،ولبطالن نكاح تاركة الصالة لردتها عند من يرى الكفر بترك الصالة (.)7
وقد اتفق الفقهاء مع ذلك على عدم اعتبار المعاصي مهما كانت سببا لحرمة الزواج أو القول بفسخه إال في
الزنا ،فقد اختلفوا في حكم زواج العفيف بالزانية( ،)8أو العفيفة بالزاني على قولين :
القول األول :إذا زنت المرأة لم يحل ـ لمن يعلم ذلك ـ زواجها Kإال بعKKد انقضKKاء عKKدتها ،وتوبتهKا Kمن الزنKKا،
وهو مذهب الحنابلة والظاهرية( )9والمشهور Kمن مذهب اإلمامية( ،)10ومن أدلتهم على ذلك:
زَان َأوْ ُم ْش ِ Kر ٌك َوحُKKرِّ َم َذ ِلKKكَ َع َلى Kزا ِني اَل َين ِكحُ إاَّل زَا ِن َيً Kة َأوْ ُم ْش ِ Kر َك ًة َو َّ
الزا ِن َيKةُ اَل َين ِكحُ َهKKا ِإاَّل ٍ .1قKKول هللا تعKKالى ﴿ :الَّ K
ْال ُم ْؤ ِم ِنينَ ﴾ (النور)3 :
َات ِم ْن حْصKن ُ ت َو ْال ُم َ َات ِم ْن ْال ُم ْؤ ِمنَKا ِ ط َعا ُم ُك ْم ِحلٌّ َله ُْم َو ْال ُم َ
حْصKن ُ َاب ِحلٌّ َل ُك ْم َو َ ُ
ط َعا ُم الَّ ِذينَ أوتُوا ْال ِكت َ .2قول هللا تعالىَ ﴿ :و َ
ان َف َق ْد حْص ِنينَ َغي َْر ُم َسا ِف ِحينَ َواَل ُمتَّ ِخ ِذي َأ ْخد ٍ
َان َو َم ْن َي ْكفُرْ ِباإْل ِ ي َم ِ جُوره َُّن ُم ِ ُ الَّ ِذينَ أُوتُوا ْال ِكت َ
َاب ِم ْن َق ْب ِل ُك ْم ِإ َذا آ َت ْيتُ ُموه َُّن أ َ
خَاس ِرينَ ﴾ (المائدة .)5:واستدلوا باآلية من وجهين : ط َع َملُهُ َوه َُو ِفي اآْل ِخ َر ِة ِم ْن ْال ِ َح ِب َ
الوجه األول :أن المحصنات هن العفيفات ،كما قال الشعبي ،والحسن والنخعي والضحاك ،والسدي،
ت صَّ Kدقَ ْKَت فَرْ َجهَا Kفَنَفَ ْخنَKKا فِيِ Kه ِم ْن رُو ِحنَKاَ Kو َ صن ْ وهو ما يشير إليه قوله تعالىَ ﴿ :و َمرْ يَ َم ا ْبنَتَ ِع ْم َرانَ الَّتِي أَحْ َ
تت ْال َغKKافِاَل ِ ص Kنَا ِ َت ِم ْن ْالقَانِتِينَ ﴾(التحريم)12:وقوله تعالى ﴿:إِ َّن الَّ ِذينَ يَرْ ُمونَ ْال ُمحْ َ ت َربِّهَا َو ُكتُبِ ِه َو َكان ْ بِ َكلِ َما ِ
مغني المحتاج ،4/222وانطر :الخرشي ،3/171 :الفتاوى الفقهية الكبرى.4/103 : )(1
مسلم،2/1114:رقم،1480:سنن أبي داود،2/285:رقم،2284:الموطأ،2/580:رقم.1210: )(2
التاج واإلكليل ،ج ،5ص ،42حاشية الدسوقي ،ج ،2ص.220 )(3
األشباه والنظائر.84 : )(4
ويستحب التشدد واألخذ باالحتياط عند االستشارة مخافة الوقوع في الغرر ،قال الغزالي (:والغرور يقع في
الجمال والخلق جميعاً ،فيستحب إزالة الغرور Kفي الجمال بالنظر ،وفي الخلق بالوصKKف واالستيصKKاف فينبغي Kأن
يقدم ذلك على النكاح ،وال يستوصف Kفي أخالقها وجمالها إال من هو بصير صادق خبـير بالظKKاهر والبKKاطن ،وال
يميل إليها فيفرط في الثناء ،وال يحسدها فيقصر ،فالطباع Kمائلة في مبادئ النكاح ووصف Kالمنكوحات إلى اإلفراطK
والتفريط ،وقل من يصدق فيه ويقتصد ،بل الخKKداع واإلغKKراء أغلب ،واالحتيKKاط فيKKه مهم لمن يخشKKى على نفسKKه
التش ّوف Kإلى غير زوجته)()1
5ـ إرسال من يتعرف على من يريد خطبتها:
وهي من الوسائل الهامة والتي ال تزال مطبقة في مجتمعاتنKKا K،وهي أن يرسKKل الKKراغب في الKKزواج أمKKه أو
إحدى قريباته للتعرف على من يريد خطبتها.
ومن األخطاء الواقعة في بعض مجتمعاتنا Kالمحافظة االكتفاء بإرسال األقارب ووصKKفهن ،وهKKو مKKا يحKKدث
عنه كثير من اآلثار غير المحمودة ،فالقصد من هذه الوسائل أن يتوسل بها جميعا للتعرف KوالتحقKKق ال أن يقتصKKر
على وسيلة واحدة ،ألن أمر الزواج أخطر من أن تكفي فيه وسيلة واحدة.
6ـ النظر لمن يريد خطبتها:
وهو من أهم وسائل التعرف ،ولذلك وردت اآلثار الكثيرة التي تحث عليKKه ،وسKKنتحدث عمKKا يتعلKKق بKKالنظر
من أحكام في المسائل التالية:
مشروعية النظر:
مع أن الشرع ورد Kباألمر بغض البصر عن غير المحارم إال أنه ورد عنه من بKKاب رعايKKة مصKKالح النKKاس
األمر بالنظر للمخطوبة أو لمن يKرغب في خطبتهKا ،واعتKKبر ذلKك من الوسKائل الKKتي تحصKKل بهKKا األلفKة بين
الزوجين ،فقال ناصحا من يريد الزواج(:انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكمKKا)( ،)2أي أجKKدر وأدعى أن يحصKKل
الوفاق Kوالمالءمة بينكما.
وبين جواز ذلك قبل الخطبة فقال (: إذا ألقى هللا عز وجل في قلب امرئ خطبة امرأة فال بأس أن ينظر
إليها)()3
ودعا في حال النظر التحري والتركيز على ما يرغبKه فيهKا فقKKال (: إذا خطب أحKKدكم المKرأة فقKKدر أن
يرى منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)( ،)4ويحكي Kراوي الحديث جKKابر بن عبKKد هللا عن نفسKKه فيقKKول (:فخطبت
جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها)
حكم النظر للمخطوبة :
اتفق الفقهاء على مشروعية النظر للمخطوبة أو للتي يرغب في خطبتها ( ، )5واتفقوا على أن النظر بقصKKد
التلKذذ أو الشKهوة بKاق على أصKل التحKريم ،ولكنهم اختلفKوا في حكم النظKر في حKال خKوف KالفتنKة ،ومن األقKوال
الوادرة في المسألة :
القول األول :أن النظر مستحب مطلقKKا ،وهKKو قKKول أكKKثر العلمKKاء من المالكيKKة والشKKافعية والحنفيKKة إلطالق
األحاديث الKKواردة في ذلKKك،قKKال اإلمKKام الرويKKاني(:ولKKه النظKKر وإن خKKاف الفتنKKة لغKKرض الKKتزوج ،وإذا لم تعجبKKه
فليسكت وال يقل ال أريدها ألنه إيذاء)( )6وقد ورد في بعض كتب المالكية أن حكمه الجواز ووجهKKه الدسKKوقي KبKأن
)(1اإلحياء.2/39:
)(2ابن ماجة،1/599:رقم،1865:مستدرك الحاكم،2/179:رقم ،2697:مسند أحمد،5/299:رقم.17688:
)(3ابن ماجة،1/599:رقم،،1864:رقم،5839:/مسند أحمد،4/549:رقم.15598:
)(4سنن أبي داود،2/228:رقم،2082 :مستدرك الحاكم،2/179:رقم،1696 :مسند أحمد،4/287:رقم.14176:
)(5مع صراحة النصوص الواردة في ذلك وجد من الفقهاء من يرى حرمة ذلك ،ففي (فتح الباري)( :نقل الطحاوي عن قوم انه ال
يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال؛ ألنها حينئذ أجنبية) [فتح الباري ]149 :9
وفي (بداية المجتهد) K:منع ذلك قوم على اإلطالق؛ ألن النص ورد بالمنع مطلقًا وورد مقيدًا ،ومن منKKع تمسKKك باألصKKل وهKKو تحKKريم
النظر إلى النساء [.بداية المجتهد ونهاية المقتصد ]4 :2
)(6الغرر البهية ،ج ،4ص.94
مKKرادهم منKKه اإلذن ال الحكم ،يقKKول الدسKKوقي (:والKKذي في عبKKارة أهKKل المKKذهب الجKKواز ،ولم يحKKك ابن عرفKKة
االستحباب إال عن ابن القطان ،ويمكن حمل الجواز في كالم أهل المذهب على اإلذن)()1
القول الثاني :أن النظر مستحب عند أمن الفتنة ،وهو قول الحنابلKKة ،ومKKروي Kعن المالكيKKة قKKال الخرشKKي :
(يندب لمن أراد نكاح امرأة إذا رجا أنها ووليها يجيبانه إلى ما سأل وإال حرم) ( ،)2فقد حكم بتحريم النظر في حال
العلم برفضها Kأو رفض وليها.
الترجيح:
نرى من الترجيح في المسألة مراعاة احتمال القبول ،فإذا تيقن عدم القبول حرم عليه ذلك من جهتين:
.1أن ذلك فتنة له حيث يتعرض ألمر قد يتعلق به قلبه مع عدم الظفر به.
.2أن في مراعاة احتمال القبول سدا للذريعة حتى ال يتخKKذ من إباحKKة النظKKر في هKKذه الحالKKة وسKKيلة إلطالق
البصر في المحرمات بحجة البحث عن الزوجة المرغوبة ،وقد ذكKKر المالكيKKة مثKKل هKKذه العلKKة عنKKد ذكKKر
كراهة استغفالها كما سنرى ،قال الخرشي( :لئال يتطرق Kأهل الفسKKاد لنظKKر محKKارم النKKاس ويقولKKون نحن
خطاب)(.)3
وما ذكرناه من الترجيح هو ما اختاره ورجحه العز بن عبد السالم عند بيانه للحكمة من النظر ،حيث قKKال
في قواعد األحكام (:وقد Kندب الشارع الخKKاطب إلى رؤيتهKا Kليعلم مKKا يقKKدر عليKه فKKيرغب في النكKKاح ويكKKون على
بصيرة من اإلحجام أو اإلقدام ،وإنما جوز ذلKKك لKKيرجو رجKKاء ظKKاهرا أن يجKKاب إلى خطبتKKه دون من يعلم أنKKه ال
يجاب ،أو يغلب على ظنه أنه ال يجاب ،وإن استوى األمران ففي هذا احتمال من جهة أن النظر ال يحمKKل إال عنKKد
غلبة الظن بالسبب المجوز)()4
وهو ما ذكره المحقق الكركي في (جامع المقاصد) ،فقال( :يجوز النظKر مKع إرادة النكKاح إذا كKانت محللKة
خلية من بعل ومن موانع النكاح كالعدة المتناع النكاح حينئذ ،وأن تكون اإلجابة ممكنة ووفق النظKKر عنKKد اجتمKKاع
هذه الشروط Kال عند األذن في عقد النكاح ،وال عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه ،وهو وقت تحKKريم الخطبKKة
على الخطبة خالفا لبعض العامة وينبغي Kأن يكون قبل الخطبة إذ لو كان بعدها وتركها Kلشق عليها واوحشها ،ولKKو
تعذر عليه النظر بعث امرأة تتأملها وتصفها له فإن النبي بعث أم سKليم إلى امKرأة فقKال انظKري Kإلى عرقوبهKاK
وشمي Kمعاطفها)()5
حكم نظر المرأة لخطيبها:
كما يندب نظر الخطيب لخطيبته يستحب للمرأة أن تنظر كذلك للرجل الKKذي خطبهKKا ألنهKKا يعجبهKKا منKKه مKKا
يعجبه منها ،ويستحب لها أيضا أن تنظر منه الوجه والكفين ،قال الحطاب (:هل يستحب للمKرأة نظKر الرجKKل ؟ لم
أر فيه نصا للمالكية ،والظاهر استحبابه وفاقا Kللشافعية ،قالوا :يستحب لها أيضا أن تنظر إليه)()6
وقال السيد الشيرازي( :وال يبعد جواز نظر المرأة أيضا ً إلى الرجل الذي يريد تزويجها ،كمKKا عن القواعKKد
وغيره ،وقوّاه الشيخ المرتضى ،بل في المسKتند أنKه صKريح جماعKة التحKاد العلKة ،بKل األولويKة حيث أن الرجKل
يمكنه الطالق لو لم يستحسنها Kبخالف الزوجة)()7
ولم أر من خالف في هذه المسألة إال ما ذكره الصنعاني Kفإنه قال بعKKد أن حكى القKKول بجKKواز KرؤيKKة المKKرأة
لخطيبها(: Kكذا قيل :ولم يرد به حديث ،واألصل تحريم Kنظر األجنبي واألجنبية إال بدليل كالدليل على جKKواز نظKKر
)(1مسلم.2/1122:
)(2المغني ،7/74:الغرر البهية ،4/94:حاشية الدسوقي ،2/216:اإلنصاف .8/19:
)(3المغني .7/74:
)(4حاشية الدسوقي على الشرح الكبير .2/216:
)(5وقد روي عن اإلمام أحمد أقوال أخرى ذكرها ابن قدامة منها «:ما يظهر غالبا سوى الوجه كالكفين والقدمين ونحKKو ذلKKك ممKKا
تظهره المرأة في منزلها ففيه روايتان:
.1ال يباح النظر إليه ألنه عورة فلم يبح النظر إليه كالKKذي ال يظهKKر ،فKKإن عبKKد هللا روى أن النKKبي قKKال« :المKKرأة عKKورة « وألن
الحاجة تندفع بالنظر إلى الوجه ،فبقي ما عداه على التحريم.
. 2أن له النظر إلى ذلك .قال أحمد في رواية حنبل :ال بأس أن ينظر إليها ،وإلى ما يدعوه إلى نكاحها ،من يد أو جسم ونحو ذلك .قال
أبو بكر :ال بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة » ،المغني .7/63:
)(6المحلى.9/161:
)(7نيل األوطار ،ج،6ص.133
)(8المحلى ،ج ،9ص.161
أيضا عن سعيد بن المسيب(.)1
الترجيح:
من خالل األقوال المروية في المسألة ،ومن خالل النصوص المذكورة فيهKKا نKKرى أن الغKKرض من الرؤيKKة
هو التعرف على جسد المخطوبة ،وهو يختلف باختالف الراغب في الزواج ،وباختالف Kالمرغوب خطبتها ،فرب
امرأة يكتفى من جمالها بوجهها وكفيها ،ورب امرأة أخرى يحتاج إلى النظر إلى شعرها أو ساقيها أو أطرافهاK.
واألمر في الرجال كذلك مختلف ،فمن الرجال من يكتفي بالوجه والكفين،ومنهم Kمن يريد في ذلك مزيدا من
التفاصيل.
وبما أن الغرض الشرعي من النظر هو الترغيب في النظر إلى ما يعجبه منها نرى إباحKة ذلKك كلKه إذا مKا
كان الهدف صحيحا وصادقا إلطالق النصوص في ذلك ،ولكنا مع ذلك نستبعد القول بجواز رؤيKKة جميKKع جسKKدها
ما عدا العورة المغلظة ألنه مما تربأ عنه الطبائع السليمة.
وقد قال بهذا الKKترجيح بسKKبب إطالق النصKKوص الصKKنعاني Kحيث قKKال في سKKبل السKKالم(:والحKKديث مطلKKق
فينظر Kإلى ما يحصل له المقصود بالنظر إليه)()2
وقال المحقق البحراني( K:والمفهوم في هذه األخبار بعد ضم بعضها إلى بعض أنه يجKوز KالنظKر إلى الوجKKه
والكفين ظاهرا وباطنا ،وإليه يشير تجويز النظر إلى معاصمها وهو كما عرفت موضع السوار من اليKKد فKKإن فيKKه
زيادة تحديد الكفين اللذين هما إلى مفصKKل الزنKKد ،ولKKذا يجKKوز النظKKر إلى شKKعرها ومحاسKKنها ،وفسKKرت بمواضKعK
الزينة منها ،وهو أوسع دائرة من الوجه والكفين)()3
وقت النظر :
يجوز النظر لمن يرغب في خطبتها قبل الخطبة وبعدها ،ألن النظر إليها قبKKل الخطبKKة يKKدعوه إلى خطبتهKKا
في حال قبوله بها ،والنظر Kبعدها يؤكد Kهذه الرغبة بعد إعالنها،ولكنا نرى كراهة تأخير الرؤية إلى ما بعد الخطبة
كما يحصل في بعض المجتمعات المحافظة لمKا ينجKر عن ذلKك من إذيKة المKرأة أو أهلهKا عنKد فسKخ الخطبKة بعKد
الرؤية ،وقد نبه إلى هذا العز بن عبد السالم في قوله (:ويقدم الرؤية واإلرسال على الخطبة ،كي ال يشKKاهدها بعKKد
الخطبة فال تعجبه فيتركها ويكسرها Kويكسر أولياءها بزهده فيهم)()4
ومع ذلك ،فجواز النظر إليها يستلزم توفر Kالشروط التالية(:)5
1ـ صالحية هذه المرأة للزواج من هذا الرجل حال النظر.
2ـ موافقة المرأة على الزواج من هذا الرجل بحيث تكون ممكنة ومحتملة.
3ـ البد من احتمال ان هذا النظر يمكن ان يفيد شيئا جديدا للناظر.
4ـ االقتصار Kبهذا النظر على ارادة تزوج هذه المرأة بالذات ،وال يكفي إرادة أصل الزواج.
5ـ ال يكفي في هذا النظر احتمال العزم على الزواج بها بعد النظر.
حكم االستئذان للنظر:
اختلف الفقهاء في اعتبار اإلذن لجواز Kالنظر على قولين:
القول األول :اعتبار اإلذن ،وهو ما اختاره اإلمام مالك لعلتين:
.1سدا للذريعة حتى ال يتطKKرق KأهKKل الفسKKاد للنظKKر لمحKKارم النKKاس ويقولKKون :نحن خطKKاب ،وفي المنتقى :
(سألت عيسى عن اإلطالع للنظر فقال قد جKKاءت فيKKه رخصKKة وكKKان مالKKك ال يKKراه خوفKKا أن يطلKKع على
عورة وال بأس أن يستأذن عليها فيدخل)()6
)(1هذا كله في غير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها فيها ،أما هو فيحل له التعريض والتصريح ،وأما من ال يحل له نكاحKKه فيهKKا
كما لو طلقها الثالثة أو رجعيا فوطئها أجنبي بشبهة في العدة فحملت منه ،فKإن عKدة الحمKل تقKدم ،فال يحKل لصKاحب عKدة الشKبهة أن
يخطبها ; ألنه ال يجوز له العقد عليها حينئذ.
)(2حاشية البجيرمي على المنهاج ،ج ،330 ،3المدونة،ج ،2ص ،20المنتقى ،ج،3ص.265
)(3المنتقى ،ج،3ص.265
حكم جواب الخطبة:
نص الفقهاء على أن حكم جواب المرأة أو وليهKا للخKاطب كحكم خطبKة هKذا الخKاطب حال وحرمKة ،فيحKل
للمتوفى KعنهKKا زوجهKKا المعتKKدة أن تجيب من عKKرض بخطبتهKKا بتعKKريض أيضKKا ،ويحKKرم عليهKKا وعلى كKKل معتKKدة
التصريح بالجواب -لغير صاحب العدة الذي يحل له نكاحها -وكذلك الحكم في بقية المعتدات كما مر سابقا.
)(1صحيح ابن حبان ،1/173:سنن ابن ماجKKة ،1/610:المعجم الكبKKير ،19/72:وقKد اختلKKف في وصKله وإرسKاله فKرجح النسKائي
والدارقطني اإلرسال ،انظر :التلخيص الحبير.3/151:
)(2السنن الكبرى ،3/321:المجتبى.6/89:
وكيله الحمد هلل والصالة والسKالم على رسKول هللا ﴿ يKا أيهKا الKذين آمنKوا اتقKوا هللا حKق تقاتKه وال تمKوتن إال وأنتم
مسلمون ﴾ َواتَّقُوا هَّللا َ الَّ ِذي تَت ََسKا َءلُونَ بِِ Kه َواأْل َرْ َحKKا َم إِ َّن هَّللا َ َكKKانَ َعلَ ْي ُك ْم َرقِيبًKKا﴾(النسKKاء)1:و﴿ اتقKKوا هللا وقولKKوا قKKوال
سديدا ﴾ اآلية أما بعد فإني أو فإن فالنKKا رغب فيكم ويريKKد االنضKKمام إليكم والKKدخول Kفي زمKKرتكم KوفKKرض لكم من
الصداق كذا وكذا ،فانكحوه فيقول ولي المرأة بعد الخطبة المتقدمة :أما بعد فقد أجبناه لذلك(.)1
وذكر السيد إسماعيل الحسيني المرعشي الكيفية المستحبة إلجراء الخطبة عند اإلماميKKة ،فقKKال( :من السKنةّ
المؤ ّكدة الخطبة بض ّم الخاء المعجمة أمام العقد تأسيّا ً بالنب ّى واألئمة ع ورجال الدين ،واألولى أن تتص ّ Kدى Kهي
بنفسها لإليجاب في العقد وخطبته ،فإذا استحيت من إلقاء الخطبة وإجراء العقKKد إيجابKا ً أخKKذت وكيال لهKا في إلقKKاء
الخطبة وإجراء صKKيغة العقKKد إيجابKاً ،فيبKKدأ بالبسKKملة ث ّم يشKKرع Kفي إلقKKاء الخطبKKة بلسKKان فصKKيح مفهم للمعKKنى ،ث ّم
يفسّرها بلسانهم ،وأقلّها( :الحمد هلل والصالة على مح ّمد رسKKول هللا وعلى آلKKه آل هللا) ،أو يقKKول( :الحمKKد هلل الKKذي
أح ّل النكاح وحرّم الزنا والسفاح ،وصلى هللا على مح ّمد وآلKKه في كّ Kل مسKKاء وصKKباح ،ث ّم كKKان من فضKKل هللا على
األنام أن أغناهم بالحالل عن الحرام ،فقال ع ّز من قائل في كتابه الكريم ومبرم Kخطابه الحكيمَ ﴿ :وأَ ْن ِكحُوا اأْل َيَKKا َمى
اسٌ Kع َعلِي ٌم ﴾ (النKKور )32 :وقKKال ضKلِ ِه َوهَّللا ُ َو ِ
Kرا َء يُ ْغنِ ِه ُم هَّللا ُ ِم ْن فَ ْ
ِم ْن ُك ْم َوالصَّالِ ِحينَ ِم ْن ِعبَا ِد ُك ْم َوإِ َمائِ ُك ْم إِ ْن يَ ُكونُوا فُقََ K
رسول هللا ( :تناكحوا تناسلوا ،فإنّي أُباهي بكم األمم يوم القيامKKة ولKKو بالسKKقط) ،وقKKال ( :النكKKاح سKنّتي ف َمن
رغب عن سنّتي فليس مني) ،وعن اإلمام الصادق Kعن آبائه ع عن رسول هللا أنّه قال( :مااسKKتفاد امKKر ٌء مسKKلم
فائدة بعد اإلسالم أفضل من زوجة مسلمة تس ّره إذا نظر إليها ،وتحفظه إذا غKKاب عنهKKا في نفسKKها ومالKKه) ،وقKKال:
(ما بني في اإلسالم بناء أحبّ إلى هللا من التزويج (الزواج) ،ث ّم يقول( :فعلى كتاب هللا تعالى وسنّة نبيّه مح ّمد
ومنهاج أمير المؤمنين واألئمة المعصومين Kمن ولده ع ،ث ّم تجري هي أو يجري الوكيل عنها إيجاب صيغة العقد)
()2
عدد الخطبات :
اختلف الفقهاء في صيغة الخطبة ،هل تكرر ،أم يكتفى بواحدة على قولين:
القول األول :أن المستحب خطبة واحدة يخطبها الولي ،أو الزوج ،أو غيرهما بKKدليل أن المنقKKول عن النKKبي
خطبة واحدة ،وهو أولى ما اتبع (.)3
القول الثاني :أن المسنون أكثر من خطبة :
.1فذهب الشافعي إلى أنهما خطبتان :واحدة في أوله ،وخطبة من الزوج قبل قبوله.
.2وذكر Kالمالكية أربع خطب :اثنتان عند التماس النكاح ،واحدة من الزوج وواحKKدة من ولي المKKرأة واثنتKKان
عند عقد النكاح واحدة من ولي المرأة أو وكيله وواحدة من الزوج(.)4
الترجيح:
نرى أن كل ذلك جائز فمن نوى باإلكثار من عدد الخطب التبرك بذكر هللا تعالى أو إعطاء حرمKKة للخطبKKة
فهو حسن ،ومن أراد باالكتفاء بواحدة االختصار Kواتباع ما نقل فهو حسن كذلك ،ومKع ذلKك نشKير إلى أن مKKا نقKل
في ذلك عن السلف ال يعني التحديد حتى تعتقد سنية ذلك.
)(1التوثيق :مصدر وثق الشيء إذا أحكمه وثبته ،وثالثيه وثق .يقال وثق الشيء وثاقة :قوى وثبت وصار محكما .والوثيقة ما يحكم
به األمر ،والوثيقة :الصك بالدين أو البراءة منه ،والمستند K،وما جرى هذا المجرى والجمع وثائق .والموثق من يوثق العقود.
)(2قKKال الشKKوكاني «:وقKKد صKKحت الروايKKة فيKKه عن أزواج النKKبي عائشKKة وأم سKKلمة وزينب بنت جحش ،ثم سKKرد تمKKام ثالثين
صحابيا ،وقد جمع اإلشارة الدمياطي من المتأخرين ،وقد اختلف في وصله وإرساله ،فرواه شعبة والثوري عن أبي اسحاق مرسKKال،
ورواه إسرائيل عنه فأسنده ،وأبو إسحاق مشهور بالتدليس،وأسند الحاكم من طريق علي بن المKديني ومن طريKق البخKاري والKذهلي
وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل» انظر :نيKKل األوطKKار ،6/249:سKKنن الKKدارقطني ،3/220 :صKKحيح ابن حبKKان ،9/389 :أبKKو
داود ،2/229 :المستدرك ،2/183:سنن ابن ماجة.1/605:
)(3البخاري ،2/731 :الترمذي ،3/520 :البيهقي ،5/327 :الدارقطني ،3/77 :ابن ماجة.2/756 :
)(4انظر :الفتاوى الهندية.6/253K
)(5انظر للمزيد من النماذج :الفتاوى الهندية ،6/251فما بعدها.
صحيحا جائزا نافدا حضره جماعة من العدول وزوجها هذا كفأا لهKا في الحسKب وغKيره قKادر على إيفKاء مهرهKا
ونفقتها ليس بينهما سبب يؤدي Kإلى نقض النكاح أو فساده والمهر Kالمسمى فيه مهر مثلها ،وهي امرأته بهذا النكاح
الموصوف فيه ،وهذا الصداق لها عليه حق واجب ودين الزم ،وذلك كله في تاريخ كذا.
النموذج الثاني :هذا ما شهد عليKه الشKهود KالمسKمون آخKر هKذا الKذكر ،شKهدوا جميعKKا أن فالنKKا زوج ابنتKKه
البالغة المسماة فالنة برضاها من فالن بمحضKر Kمن الشKKهود KالمرضKKيين على صKKداق كKKذا تزوجKا KصKKحيحا ،وأن
فالنا تزوجها Kعلى هذا الصداق المذكور Kفيه في ذلك المجلس تزوجا KصKKحيحا ،وصKKارت فالنKKة زوجKKة فالن بهKKذا
التزويج الموصوف فيه ،وذلك كله في تاريخ كذا ،فإن كان أبو الزوج قبل هذا العقد البنKKه واالبن بKKالغ يكتب ،وأن
فالن بن فالن والد فالن هذا الزوج قبل هذا العقد البنه فالن هذا بالصداق المذكور Kفيه بأمره إياه في ذلKKك المجلس
قبوال صحيحا.
النموذج الثالث :أن يكتب إقرار الزوج بالنكاح وتصديق المرأة إياه بذلك وإقرار Kالمرأة به وتصديق الزوج
إياها بذلك أو إقرار الولي وتصديق الKKزوجين ،وهKKو أحKKوط الختالف العلمKKاء في جKKواز النكKKاح بغKKير الKKولي كمKKا
سنرى Kفي الفصول القادمة.
النم وذج الرابع :أن يكتب وولى تزويجهKا KإيKKاه أبوهKKا بعKKد أن سKKماه لهKKا وأعلمهKKا بالصKKداق KالمKKذكور KفيKKه
فصمتت أو يكتب فبكت وهي بكر عاقلة بالغة صحيحة العقل والبدن ،وكان ذكره لهKا ذلKKك وسKKكوتها KبمشKهد فالن
وفالن وهما يعرفانها Kباسمها ونسبها فالنة بنت فالن امرأة فالن بسبب هذا العقد الموصوف فيه ،وكتابة ذكر اسKKم
الزوج وإعالمها الصداق أمر ال بد منه ،ألن بدونه اختالفا معروفا Kفي أن سكوتها Kهل يجعل رضا منها أو ال ؟
النموذج الخامس :إن كانت االبنة صغيرة يكتب تزوج فالن فالنة بتزويج أبيها إياه بوالية األبوة ،وإن كان
الزوج صغيرا أيضا يكتب هذا ما زوج فالن ابنته الصغيرة المسماة فالنة بوالية األبوة من فالن بن فالن الصغير
على صداق كذا تزويجا صحيحا Kجائزا نافذا Kالزما بمحضر Kمن الشهود العدول المرضيين ،وقبل هذا النكKKاح بهKKذا
الصداق لهذا الصKKغير والKKده فالن بواليKKة األبKKوة قبKKوال صKKحيحا في مجلس هKKذا العقKKد ،وهKKذا الصKKغير كفKKؤ لهKKذه
الصغيرة ،والمهر المذكور فيه مهر مثلها ،فإن ضمن األب المهر عن ابنه الصKKغير يكتب وضKKمن فالن والKKد هKKذا
الزوج الصغير لهKذه الصKغيرة جميKع هKذا المهKر عن ابنKه الصKغير KهKذا ضKمانا صKحيحا وأجKاز KذلKك والKد هKذه
الصغيرة ورضي Kبه مشافهة في هذا المجلس ،وإن أدى األب شيئا من المهKKر معجال من مالKKه يكتب ،ثم إن فالنKKا
والد هذا الصغير Kتبرع بأداء كKذا دينKارا من مKال نفسKه من جملKة هKذا الصKداق المKذكور KفيKه إلى فالن والKد هKذه
الصغيرة فقبضه منه لها بوالية األبوة قبضا Kصحيحا ووقعت البراءة لهذا الزوج من جملة هذا المهر بهذا ،والقKKدر
بقي لها عليه بعد أداء هذا المقدار كذا ،وإن أدى األب شيئا من المهر معجال وضمن الباقي يكتب .ثم إن فالنا والد
هذا الصغير تبرع بأداء كذا دينارا Kمن مال نفسه من جملة هذا الصداق وضKKمن لزوجKة هKذا الصKKغير مKKا بقي لهKKا
عليه من هذا الصداق ،وذلك كذا دينKKارا ضKKمانا صKKحيحا ورضKي KبKKه من لKKه واليKKة الرضKKا وأجKKاز من لKKه واليKKة
اإلجازة في الشرع ويتم Kالكتاب.
النموذج السادس :إن كان المزوج أخا ألب وأم أو ألب يكتب :
هذا ما زوج فالن أختKKه الصKKغيرة المسKKماة فالنKKة بنت فالن بن فالن بواليKKة األخKKوة ألب وأم أو ألب إذا لم
يكن لها ولي أقرب منه ،وحكم بصحته حاكم من حكKKام المسKKلمين عKKدل جKKائز الحكم بعKKد خصKKومة معتKKبرة وقعت
فيه ،إنما ألحق به حكم الحكام ،ألن في جKواز تKزويج غKير األب والجKد الصKغيرة اختالفKا بين العلمKاء ،وإن كKان
المزوج عما يكتب هذا ما زوج فالن فالنة ابنKKة أخيKKه فالن بواليKKة العموميKKة ألب وأم أو ألب ،ويلحKKق بKKآخره مKKا
ذكرنا في تزويج األخ .وإن لم يكن للمرأة ولي فزوجت Kنفسها بإذن القاضي يكتب هKKذا مKKا تKKزوج فالن فالنKKة على
صداق كذا بمحضر من الشهود العدول بتزويجها نفسها منKه بKKإذن القاضKKي فالن تزويجKKا صKKحيحا ،ولم يكن لهKKا
ولي حاضKKر ،وال غKKائب ،وإن زوجت نفسKKها بغKKير إذن القاضKKي يلحKKق بKKآخره وحكم بصKKحته حKKاكم من حكKKام
المسلمين ويكتب وقبضت من هذا الزوج كذا درهما من جملة هذا الصداق المذكور Kوبقي لها عليه كذا(.)1
2ـ إقامة الوليمة
)(1الفتاوى الهندية.6/254K
تعريف الوليمة:
َ َ َ
س وغيره ،وقد Kأوْ لـم .قال أبو عبـيد: صنِع لعُرْ ٍ
طعام ُ
ٍ ك ،وقـيل :هي كلُّ لغة :الولـيمةُ :طعا ُKم العُرس وا ِإل ْمال ِ
ك النَّقـيعةَ؛ وأَصل هذا كلّKKه سمعت أَبا زيد يقول :يس َّمى الطعا ُم الذي يُصْ نَع عند العُرس الولـي َمةَ ،والذي عند ِ
اإل ْمال ِ
الو ْلـمةُ تما ُم الشيء واجتِماعُه(.)1
من االجتماع ،قال أَبو العباسَ :
اصطالحا :الوليمة تقع على كل طعام Kلسرور حادث ،إال أن استعمالها في طعام العرس أكثر(.)2
حكم الوليمة:
اختلف الفقهاء في حكم الوليمة على قولين:
القول األول :أن الوليمة سنة في العرس ،وهو قول الجمهور،وذلك لألدلة التالية:
.1ما روي أن النبي أمر بها وفعلها ،فقKKال لعبKKد الKKرحمن بن عKKوف ،حين قKKال :تKKزوجت (:أولم ولKKو
بشاة(.)3
.2قKKال أنس :مKKا أولم رسKKول هللا على امKKرأة من نسKKائه مKKا أولم على زينب ،جعKKل يبعثKKني KفKKأدعو لKKه
الناس ،فأطعمهم Kخبزا ولحما حتى شبعوا)()4
القول الثاني :هي واجبة ،وهو مذهب الظاهرية( ،)5وقد Kروى القول به القرطبي عن مKKذهب مالKKك ،وقKKال:
مشهور Kالمذهب أنها مندوبة ،وروى Kابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد،وحكى الوجوب في البحر عن أحد
قولي Kالشافعي ،،وقال Kسليم الرازي :أنه ظاهر نص األم ،ونقله أبو إسحاق الشيرازي Kعن النص ،وحكKKاه في الفتح
أيضا عن بعض الشافعية( ،)6ومن األدلة على ذلك:
.1حمل األحاديث الواردة في المسألة على الوجوب(.)7
.2أن اإلجابة إليها واجبة ،فكانت واجبة.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو أن الوليمة مسKKتحبة ،لعKKدم ورود KأدلKKة نصKKية قويKKة على الوجKKوب ،وألنهKKا
طعام لسرور حادث ،فأشبه سائر األطعمة ،وألن هذا القول يتناسب مع قدرات الناس المختلفة ،فرب فقKKير يرهقKKه
القول بوجوبها ،أما ميسور Kالحال فيجزئه القول بإباحتها ،لذلك كانت السنية أوسط األقوال ،وأولى ما تحمKKل عليKKه
النصوص ،أما ما اسKKتدلوا بKه من وجKKوب اإلجابKKة إليهKKا فليس بKKدليل ،فالسKKالم ـ مثال ـ سKKنة ومKKع ذلKKك فKKإن رده
واجب(.)8
وقت الوليمة:
اختلف الفقهاء من لدن السلف الصالح في وقت الوليمة ،هل هو عند العقد أو عقبه ،أو عند الدخول أو عقبه
أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال منها:
القول األول :استحبابها Kبعد الدخول ،وهو األصح عند المالكية.
)(1لسان العرب.12/643 :
)(2هناك اصطالحات وألفاظ خاصة بأنواع الوالئم ،ذكرها الفقهاء وأهل اللغة ،منها :العذيرة :اسم لدعوة الختان ،وتسمى اإلعذار،
والخرس والخرسة :عند الوالدة .والوكيرة :دعوة البناء .يقال :وكر وخرس ،مشدد .والنقيعة عند قدوم الغائب ،يقال :نقع ،مخفKKف.
والعقيقة :الذبح ألجل الولد ،والحذاق :الطعام عند حKKذاق الصKKبي .والمأدبة :اسKم لكKKل دعKKوة لسKKبب كKانت أو لغKKير سKKبب .واآلدب،
صاحب المأدبة ،انظر :معتصر المختصر ،295 /1:المغني.7/212:
)(3البخاري ،2/722 :الترمذي ،3/402:النسائي ،3/336 :ابن ماجة ،1/605 :أحمد.3/190 :
)(4البخاري 5/1982:مسلم ،2/1049 :ابن حبان.9/369 :
)(5المحلى.7/20 :
)(6قال الشوكاني بعد Kسوقه لخالف في المسألة :وبهذا يظهر ثبوت الخالف في الوجوب ال كما قال ابن بطال وال أعلم أحدا أوجبها
وكذا قال صاحب المغني ،انظر :نيل األوطار.6/322:
)(7انظر األحاديث في ذلك وتخريجها في نيل األوطار.6/323:
)(8انظر :المغني.7/212:
القول الثاني :استحبابها عند العقد ،وهو قول للمالكية.
القول الثالث :عند العقد وبعد الدخول ،وهو مروي عن ابن جندب.
الترجيح:
األرجح في وقت الوليمة على حسب النقول( )1الواردة عن النبي هو ارتباطها بالبناء ال بالعقKKد ،ألن من
مقاصد الوليمة إعالن الدخول ،ففي الزواج جانبان :جKانب البنKاء ،وجKانب العقKد ،وهKو وإن كKان معKبرا عن كKل
معاني الزوجية إال أنه بسبب عدم البناء يبقى فترة تربصية يمكن للزوجين خاللها مراجعة نفسKKيهما بشKKأن القKKرار
النهائي حوله ،تفاديا لوقوع الطالق بعد الدخول ،ألن وقوع Kالطالق قبKل الKدخول أهKKون من وقوعKه بعKده ،ولKذلك
رخص الشارع في نصف المهر حقا للزوج.
ولهذا إذا ارتبطت الوليمة بالبناء كانت أدل على تمام الرضى به ،بخالف وقوعهKKا قبلKKه ثم حصKKول الطالق
قبل الدخول ،ففي ذلك زيKKادة على التكKKاليف الماديKKة الحKKرج الحاصKKل للKKزوجين ،وخاصKKة للزوجKKة ،وخاصKKة في
مجتمعاتناK.
ما يولم به:
اتفق الفقهاء على أنه يستحب أن يولم بشاة ،لقوله (: أولم ولو بشاة)()2ولو هKKذه ليسKت االمتناعيKKة وإنمKا
هي التي للتقليل ،وفي الحديث دليل على أن الشاة أقل ما يجKKزي في الوليمKKة عن الموسKKر ،قKKال الشKKوكاني :ولKKوال
ثبوت أنKKه أولم على بعض نسKKائه بأقKKل من الشKKاة لكKKان يمكن أن يسKKتدل بKKه على أن الشKKاة أقKKل مKKا يجKKزي في
الوليمة مطلقا)()3
وما ذكره الشوكاني Kهو ما ورد Kأنه أولم على صفية بحيس ،وأولم على بعض نسائه بمدين من شعير.
وقKKد روي في مقابKKل ذلKKك قKKول أنس (:مKKا أولم النKKبي على شKKيء من نسKKائه مKKا أولم على زينب ،أولم
بشاة) (.)4
وقKKد نص شKKراح الحKKديث على أن ذلKKك محمKKول على مKKا انتهى إليKKه علم أنس ،أو لمKKا وقKKع من البركKKة في
وليمتها Kحيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة ،وإال فالذي يظهKKر أنKKه أولم على ميمونKKة بنت الحKKرث
التي تزوجها في عمرة القضاء بمكة ،وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها ،فيمتنع أن يكون ما أولم به عليهKKا
أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال ،ألن ذلKKك كKKان بعKKد فتح خيKKبر وقKKد وسKKع هللا على المسKKلمين في
فتحها.
وقد نقل الشوكاني Kأن الفقهاء أجمعوا على أنه ال حد ألكثر ما يولم به وأما أقله فكKKذلك ،ومهم Kا KتيسKKر أجKKزأ
والمستحب أنها على قدر حال الزوج(.)5
ونرى أن هذا اإلجماع مقيد بحرمة اإلسراف المجمع عليها كذلك ،والتي نص عليها القKKرآن الكKKريم ،ودلت
عليها النصوص الشرعية ،ولذلك ما نراه من بعض الناس من المبالغة فيها إلى درجة اإلسKKراف ،ثم رمي الطعKKامK
الكثير في القمامات في الوقت الذي يجوع الناس فيه ،ال نشك في اإلجمKKاع على حرمتKKه ،فلKKذلك من الخطKKأ اتخKKاذ
مثل هذه األقوال الصادرة من الفقهاء والمقيدة بالقواعد الشرعية ذريعة لضرب غيرها من المقاصKKد الشKKرعية في
مختلف المجاالت ،فال ينبغي ضرب الدين بعضه ببعض.
حكم إجابة الدعوة للوليمة:
)(1نقل الشوكاني عن السبكي أن المنقول من فعل النبي أنها بعد الدخول ،وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنهKKا
بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم .انظر :نيل األوطار.6/322 :
)(2البخاري ،2/722 :الترمذي ،3/402:النسائي ،3/336 :ابن ماجة ،1/605 :أحمد.3/190 :
)(3نيل األوطار.6/322 :
)(4تحدث العلماء عن سبب تفضيل زينب بذلك K،ومما قالوه في ذلك،وهو أحسن ما قيل قول ابن بطال :لم يقع من النKKبي القصKKد
إلى تفضيل بعض النساء على بعض ،بل باعتبار ما اتفق ،وأنه لو وجد الشاة في كل منهن ألولم بهKKا ،ألنKKه كKKان أجKKود النKKاس ،ولكن
كان ال يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق ،وقال غيره :يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز ،انظر :نيل األوطار.6/323:
)(5نيل األوطار.6/323:
اختلف الفقهاء في حكم إجابة الدعوة للوليمة على قولين:
القول األول :الوجوب العيني إلجابة الدعوة ،وهو قول الجمهور ،قال ابن عبد الKKبر( :ال خالف في وجKKوب
اإلجابة إلى الوليمة لمن دعي إليها ،إذا لم يكن فيها لهو)()1
القول الثاني :الوجوب الكفائي ،وهو قول بعض الشافعية ،ومن األدلة على ذلك:
.1أن اإلجابة إكرام ومواالة ،فهي كرد السالم.
.2ما روى ابن عمر ،أن رسول هللا قال (:إذا دعي أحKKدكم إلى الوليمKKة فليأتهKKا) .وفي لفKKظ قKKال :قKKال
رسول هللا (: أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها)
.3أن اإلجابة تجب بالدعوة ،فكل من دعي فقد وجبت عليه اإلجابة.
القول الثالث :االستحباب ،وهو مذهب الكثير من الفقهKKاء واإلماميKة ، ،وقKد تعقب ابن حجKر قKKول ابن عبKKد
البر السابق بقوله (:وقد Kنقل ابن عبد البر ثم عياض ثم النووي Kاالتفاق على القول بوجوب اإلجابة لوليمKKة العKKرس
وفيه نظر ،نعم المشهور Kمن أقوال العلماء الوجوب ،وصرح Kجمهور الشافعية والحنابلة بأنها فKKرض عين ،ونص
عليه مالك وعن بعض الشافعية والحنابلKة أنهKا مسKتحبة ،وذكKKر اللخمي من المالكيKة أنKKه المKذهب وكالم صKKاحب
الهداية يقتضي الوجوب مع تصKKريحه بأنهKKا سKKنة ،فكأنKKه أراد أنهKKا وجبت بالسKKنة وليسKKت فرضKا KكمKKا عKKرف من
قاعدتهم)()2
الترجيح:
نKKرى أن األرجح في المسKKألة هKKو اختالف الحكم بحسKKب اختالف نKKوع الKKدعوة وحKKرص المKKدعو وعالقKKة
المدعو بصاحب الوليمة مع انتفاء الموانع ،فإن علم المدعو تأذي الداعي بعدم الحضور K،ولم يكن هناك حKKرج من
تلبية الدعوة ،ولم يكن هناك ما يمنع من ذلك ،فإن األولى هو القKKول بوجKKوب اإلجابKKة لمKKا ورد في النصKKوص من
الداللة على ذلك.
أما إن كانت الدعوة عامة ،ولم يكن هناك حرص من الKKداعي للحضKKور ،أو منعت الموانKKع من ذلKKك ،وهي
تختلف باختالف أحوال الناس ،فال حرج في عدم اإلجابة ،واألولى للداعي عدم إذية النKKاس باإللحKKاح في حضKKور
الدعوة نفيا للحرج عنهم.
وقد ذكر ابن دقيق العيد في ذكر األعذار المجيزة لعدم اإلجابة (:يسوغ Kترك اإلجابة ألعذار منها :أن يكون
في الطعام شبهة ،أو يخص بها األغنياء ،أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه ،أو ال يليق لمجالسته أو يKKدعوه
لخوف شره أو لطمع في جاهه ،أو ليعاونه على باطل أو يكون هناك منكKKر من خمKKر أو لهKKو أو فKKراش حريKKر أو
ستر لجدران البيت أو صورة في البيت ،أو يعتذر Kإلى الداعي فيتركه ،أو كانت في الثالث فهKKذه األعKKذار ونحوهKKا
في تركها على القول بالوجوب Kوعلى القول بالندب باألول ،وهذا مأخوذ مما علم من الشKKريعة ومن قضKKايا Kوقعت
للصحابة)()3
شروط إجابة الدعوة:
يشترط لوجوب إجابة الدعوة للوليمة الشروط التالية:
تعيين الدعوة:
يشترط إلجابة الدعوة التعيين بالدعوة( ،)4بأن يدعو رجال بعينه ،أو جماعة معينين ،فإن دعا دعKKوة عامKKة،
كأن يضع إعالنا عن الوليمة في محل أو جريدة ،أو يقول :يا أيهKKا النKKاس ،أجيبKKوا إلى الوليمKKة فالKKدعوة عامKKة ،أو
يقول الرسول :أمرت أن أدعو كل من لقيت ،أو من شئت ،لم تجب اإلجابKKة ،ولم تسKKتحب ،ألنKKه لم يعين بالKKدعوة،
فلم تتعين عليه اإلجابة ،وألنه غير منصوص عليه ،وال يحصل كسر قلب الداعي بKKترك إجابتKKه ،وتجKKوز اإلجابKKة
بهذا ،لدخوله في عموم الدعاء.
الدارمي ،2/143 :البيهقي ،7/260 :أبو داود ،3/341 :ابن ماجة ،1/617 :أحمد ،5/28 :المعجم الكبير..5/272 : )(1
فتح الباري.9/243 : )(2
فتح الباري.9/243 : )(3
اإلهالة الودك ،والسنخة الزنخة المتغيرة ،نيل األوطار.1/87 : )(4
أحمد ،3/210 :األحاديث المختارة.7/87 : )(5
سبق)()1فأجب الذي
.2أن إجابته وجبت حين دعاه ،فلم يزل الوجوب بدعاء الثاني ،ولم تجب إجابة الثاني ،ألنها غير ممكنة مKKع
إجابة األول.
.3أن هذا من أبواب الKKبر ،فقKKدم األقKKرب فKKاألقرب كمKKا دلت على ذلKKك النصKKوص الكثKKيرة من تقKKديم النKKاس
بحسب مراتبهم.
أن ال يخص بالدعوة األغنياء:
ورد في األحاديث الصحيحة ما يدل من غKKير طريKKق التصKKريح بعKKدم وجKKوب إجابKKة الKKدعوة إن خص بهKKا
األغنياء دون الفقراء ،وهو قوله (: شر الطعام طعام الوليمة ،يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم
يجب الدعوة فقد عصى هللا ورسوله)( ،)2وفي رواية الطبراني من حديث ابن عباس (:بئس الطعام طعام الوليمKKة
يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان)
قال النووي Kفي شرحه للحديث (:ومعKKنى هKKذا الحKKديث األخبKKار بمKKا يقKKع من النKKاس بعKKده من مراعKKاة
األغنياء في الوالئم ونحوها Kوتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم بطيب الطعام ورفع مجالسهم Kوتقديمهم وغير ذلك مما
هو الغالب في الوالئم وهللا المستعان)()3
فهذا الحديث برواياته المختلفKKة نKKرى أن األصKKح في فهمKKه هKKو النهي عن حضKKور KالKKدعوة في حKKال تعKKالي
الداعي وتكبره وتخصيصه العلية من الناس دون غيرهم ،وهذا الفهم هو ما روي عن بعض الصKKحابة ،كمKKا قKKال
ابن مسعود (:إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن ال نجيب)روى عن أي هريرة انه كان يقKKول (:أنتم العاصKKون
في الدعوة تدعون من ال يأتي وتدعون من يأتي) ،يعني باألول األغنياء وبالثاني Kالفقراء.
ونرى أن هذا هو الذي ينسجم مKع مقاصKد الشKريعة من محاربKة كKل أنKواع الطبقيKة االجتماعيKة ،بتفضKيل
الناس على أسس غير شرعية ،فلهذا يكون من خصص طبقKKة دون طبقKKة قKKد أتى منكKKرا ،فيجب على الKKداعي إمKKا
اإلنكار عليه ،وإما عدم إجابته.
وقد نص كثير من الشراح على أن الذم مختص بالفعل ،ال بأثره ،قال ابن عبد البر( :أما قولKKه :شKKر الطعKKام
طعام الوليمة ،فلم يرد ذم الطعام في ذاته وحاله وإنما ذم الفعل الذي هو الKKدعاء لألغنيKKاء ،إليKه دون الفقKKراء فKKإلى
فاعل ذلك توجه الذم ال إلى الطعام)()4
وذهب بعضهم Kإلى جواز التميKKيز بين األغنيKKاء والفقKKراء في ذلKKك ،قKKال ابن بطKKال (:وإذا مKKيز الKKداعي بين
األغنياء والفقراء فأطعم كال على حدة لم يكن به بأس ،وقد فعله ابن عمر)( ،)5ونKKرى Kأن هKKذا السKKلوك ال يتناسKKب
تماما مع ما أمر به اإلسالم من تساوي الناس وعدم التمييز بينهم.
خلو الوليمة من المعصية:
فإذا دعي إلى وليمة ،فيها معصية ،وأمكنه اإلنكار ،وإزالة المنكKKر ،لزمKKه الحضKKور واإلنكKKار KألنKKه يKKؤدي
فرضين ،إجابة أخيKKه المسKKلم ،وإزالKKة المنكKKر ،وإن لم يقKKدر على اإلنكKKار ،لم يحضKKر ،وإن لم يعلم بKKالمنكر KحKKتى
حضر ،أزاله ،فإن لم يقدر انصرف.
)(1قال ابن حجر :رواه أبو داود وأحمد عن حميKKد بن عبKKد الKKرحمن عن رجKKل من الصKKحابة وإسKKناده ضKKعيف ورواه أبKKو نعيم في
معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه به ،تلخيص الحبير ،3/196:أبو داود ،3/344 :قال الصنعاني :لكن رجال
إسناده موثقون ،وال يدرى ما وجه ضKKعف سKKنده فإنKKه رواه أبKKو داود عن هنKKاد بن السKKري عن عبKKد السKKالم بن حKرب عن أبي خالKKد
الداالني عن أبي العالء األودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي وكل هؤالء وثقهم األئمة إال أبKKا
خالد الداالني فإنهم اختلفوا فيه :فوثقه أبو حاتم وقال أحمد وابن معين ال بأس به وقال ابن حبان ال يجوز االحتجاج به وقال ابن عدي
حديثه لين وقال شريك كان مرجئا ،سبل السالم.3/158:
)(2البخاري ،5/1985 :مسلم ،2/1055 :ابن حبان.12/116 :
)(3النووي على مسلم.9/237:
)(4التمهيد.10/175 K:
)(5انظر :فتح الباري.9/245 :
أما إن علم أن عند أهل الوليمة منكرا ،ال يراه وال يسKKمعه ،لكونKKه بمعKKزل عن موضKKع الطعKKام ،أو يخفونKKه
وقت حضوره فله أن يحضر ويأكل ،ولكن األولى مع ذلك عدم اإلجابة إن كان المنكر عظيما ،وقد Kسئل أحمد عن
الرجل يدعى إلى الختان أو العرس ،وعنده المخنثون ،فيدعوه بعد ذلك بيوم أو سKKاعة ،وليس عنKKده أولئKKك ؟ قKKال:
أرجو أن ال يأثم إن لم يجب ،وإن أجاب فأرجو Kأن ال يكون آثمKا ،فأسKقط الوجKوب ،إلسKقاط الKداعي حرمKة نفسKه
باتخاذ المنكر ،ولم يمنع اإلجابة ،لكون المجيب ال يرى منكرا وال يسمعه .وقال أحمد :إنمKKا تجب اإلجابKKة إذا كKKان
المكسب طيبا ،ولم ير منكرا( ،)1ومن األدلة على ذلك:
قوله ( :من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ،فال يقعد على مائدة يدار عليها الخمر)()2 .1
.2أنه يشاهد المنكر ويسمعه ،من غير حاجة إلى ذلك ،فمنع منه ،كمKKا لKKو قKKدر على إزالتKKه ،بخالف من لKKه
جار مقيم على المنكر ،حيث يباح له المقام ،فإن تلك حال حاجة ،لما في الخروج من المنزل من الضرر.
ما يباح في الوليمة:
األكل من طعام الوليمة:
اتفق الفقهاء على أن الدعاء إلى الوليمKKة إذن في الKKدخول واألكKKل ،لمKKا روي عن النKKبي أنKKه قKKال (:إذا
دعي أحدكم ،فجاء مع الرسول ،فذلك إذن له)()3
وقد اختلف الفقهاء في نوع هذا اإلذن هل هو على سبيل االستحباب أم على سبيل الوجوب على قولين:
القول األول :األولى له األكل من غير وجوب ،وهو قول الجمهور K،واستدلوا على ذلك بما يلي:
قول النبي (: إذا دعي أحدكم فليجب ،فإن شاء أكل ،وإن شاء ترك)()4 .1
.2أنه أبلغ في إكرام الداعي ،وجبر قلبه.
.3أنه لو وجب األكل ،لوجب على المتطوع Kبالصوم ،فلما لم يلزمه األكل ،لم يلزمه إذا كان مفطرا.
.4أنه ليس المقصود من الدعوة األكل ،بل المقصود اإلجابة ،ولذلك وجبت على الصائم Kالذي ال يأكل.
.5أن في الحضور فوائد Kأخرى كالتبرك بالمدعو والتجمل به واالنتفاع بإشارته والصيانة عما ال يحصل لKKه
الصيانة لو لم يحضر ،وفي اإلخالل باإلجابة تفويت ذلك وال يخفى ما يقع للداعي من ذلك من التشويش.
القول الثاني :أنه يلزمه األكل ،وهو قول بعض الشافعية ،واستدلوا Kعلى ذلك بما يلي:
.1قول النبي (: وإن كان مفطرا فليطعم).
.2أن المقصود من الدعوة األكل ،فكان واجبا.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة هو أن حكم ذلك يختلف بحسب حال الداعي والمKKدعو ،فKKإن كKKان في األكKKل أو
عدمه أذى ألحدهما زال الوجوب ،وال يمكن حصر األحوال في ذلك ،ومن األمثلة لذلك أن يكون المدعو مريضKKا
مرضا Kيمنعه من أكل طعام معين ،فيعتذر عن عدم األكل ،فيعذر Kفي ذلك من غير إحراج له بالتعرف على عذره،
أما الداعي ،فإن علم من حاله التأذي بعدم األكل من طعامه ،فإن الواجب هو األكل من باب تحريم إذية المسلم.
حكم أكل المدعو إن كان صائما :
إن كان المدعو صائما ،فإن حكم أكله يختلف بحسب نوع صومه حسب الحالتين التاليتين:
الحالة األولى :إن كان صومه واجبا ،فإن الفقهاء اتفقوا على أنه يجيب الدعوة وال يفطر ،لألدلة التالية:
.1أن الفطر غير جائز ،ألن الصوم واجب ،واألكل غير واجب
.2قال رسول هللا (: إذا دعي أحدكم فليجب ،فإن كان صKKائما فليKKدع ،وإن كKKان مفطKKرا فليطعم)( ،)5وفي
)(1المغني.7/217:
)(2الحاكم ،4/320 :الدارمي ،2/153 :البيهقي ،7/266 :النسائي ،4/171 :المعجم األوسط ،1/213 :شعب اإليمان.5/12 :
)(3شعب اإليمان.6/445:
)(4ابن حبان ،12/115 :المسند المستخرج على مسلم ،4/107 :البيهقي.7/264 :
)(5مسلم ،2/1053 :ابن حبان ،12/115 :الترمKKذي ،3/150 :الKدارمي ،2/192 :الKبيهقي ،7/261 :أبKو داود ،2/331 :النسKائي:
،4/140ابن ماجة.1/616 :
رواية (فليصل)يعني :يدعو ،والصالة الدعاء ،وقد حمله بعض الشراح على ظاهره فقال:إن كKKان صKKائما
فليشتغل Kبالصالة ليحصل له فضلها ،ويحصل ألهل المنزل والحاضرين بركتها(.)1
الحال ة الثانية :إن كان صKKوما تطوعيKKا ،وقKKد اختلKKف الفقهKKاء في هKKذه الحالKKة فKKذهب إلى اسKKتحباب الفطKKر
اإلمامية وأكثر الشافعية وبعض الحنابلة ،وأطلق الروياني وابن الفراء استحباب الفطر ،وهذا على رأي من يجوز
الخروج من صوم النفل.
وأما من يوجبه فال يجوز عنده الفطر كما في صوم الفرض ،قال ابن حجر (:ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصKKوم
ليس عذرا في ترك اإلجابة ،وال سيما مع ورود األمر للصائم بالحضور والدعاء نعم لو اعتذر به المKKدعو ،فقبKKل الKKداعي
عذره عليه أن ال يأكل إذا حضر ،أو لغير ذلك كان ذلك عذرا له في التأخر ،ووقKع في حKديث جKابر عنKد مسKلم إذا دعي
أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وأن شاء ترك فيؤخذ منه أن المفطر ولو حضر ال يجب عليه األكKKل وهKKو أصKKح
الوجهين)()2
ويستحب في حال الصوم أن يدعو لهم ،ويخKKبرهم KبصKKيامه ،ليعلمKKوا عKKذره ،فKKتزول عنKKه التهمKKة في تKKرك
األكل ،ومن األدلة ذلك بما يلي:
.1روي Kأن النبي كان في دعوة ،ومعه جماعة ،فاعتزل رجل من القKKوم ناحيKKة ،فقKKال :إني صKKائم ،فقKKال
النبي :دعاكم أخوكم ،وتكلف لكم ،كل ،ثم صم يوما مكانه إن شئت(.)3
.2أن إجابة أخيه المسلم ،وإدخال السرور Kعلى قلبه أولى من صومه.
النثار:
اختلف الفقهاء في حكم النثار( )4الKKذي يKKرمى في الKKوالئم كمKKا تجKKري KبKKه األعKKراف عنKKدنا في الKKوالئم على
قولين(:)5
القول األول :أن ذلك مكروه في العرس وغيره ،وقد روي Kهذا القKKول عن أبي مسKKعود البKKدري ،وعكرمKKة،
وابن سيرين وعطاء ،وعبد هللا بن يزيد الخطمي ،وطلحة ،وزبيد اليامي ،وبه قال مالKKك ،والشKKافعي ،وروايKKة عن
أحمد ،وقد نص الشافعية على أنه إن عرف أن النKKاثر ال يKKؤثر بعضKKهم على بعض ولم يقKKدح االلتقKKاط في مKKروءة
الملتقط انتفت الكراهة ،ويكره أخذ النثار من الهواء بإزار أو غيره فإن أخذ منه أو التقطه أو بسط حجره له فوقKKع
فيه ملكه ،وإن لم يبسط حجره له لم يملكه ألنه لم يوجد منه قصد تملك وال فعل( ،)6واستدلوا على ذلك بما يلي:
.1ما روي عن النبي أنه قال (:ال تحل النهبى)( ،)7وفي لفظ :أن النبي نهى عن النهبى والمثلة.
.2أن فيه نهبا ،وتزاحمKKا K،وقتKKاال ،وربمKKا أخKKذه من يكKKره صKKاحب النثKKار ،لحرصKKه وشKKرهه ودنKKاءة نفسKKه،
ويحرمه من يحب صKKاحبه ،لمروءتKKه وصKKيانة نفسKKه وعرضKKه ،وهKKذا هKKو الغKKالب ،ألن أهKKل المKKروآت
يصونون أنفسهم عن المزاحمة على الطعام أو غيره.
.3أن في هذا دناءة ،وهللا يحب معالي األمور ،ويكره سفسافها.
.4أن خبر البدنات الذي استدل به أصحاب القKKول الثKKاني ،فيحتمKKل أن النKKبي علم أنKKه ال نهبKKة في ذلKKك،
لكثرة اللحم ،وقلة اآلخذين ،أو فعل ذلك الشتغاله بالمناسك Kعن تفريقها.
القول الثاني :إنه ليس بمكروه ،وهو قول الحسن ،وقتادة ،والنخعي ،وأبي حنيفة ،وأبي عبيد ،وابن المنذر،
)(1فتح الباري.9/247 :
)(2فتح الباري.9/247 :
)(3مجمع الزوائد ،4/53 K:البيهقي 4/279 :المعجم األوسط ،3/306 :قال في كشف الخفاء بضعفه ،كشف الخفاء.1/238:
)(4النثار بالكسر والضم لغة اسم للفعل كالنثر ويكون بمعنى المنثور كالكتاب بمعنى المكتKKوب وأصKKبت من النثKKار أي من المنثKKور
وقيل النثار ما يتناثر من الشيء كالسقاط اسم لما يسقط والضم لغة تشبيها بالفضلة الKتي تKرمى ،المصKباح المنKير ،والمKراد منKه في
العرف هو ما يرمى في الوالئم من حلوى وغيرها.
)(5انظر :الروض المربع ،3/123 :المغني ،7/219 :الفروع.5/236:
)(6حاشية البجيرمي.3/34:
)(7النسائي ،3/158المجتبى.7/201 :
واستدلوا على ذلك بما يلي:
.1ما روى عبد هللا بن قرط ،قال :قرب إلى رسول هللا خمس بدنات أو ست ،فطفقن يزدلفن إليKKه بKKأيتهن
يبدأ ،فنحرها رسول هللا وقال كلمة لم أسمعها ،فسألت من قرب منKKه ،فقKKال :من شKKاء اقتطع( ،)1وهKKذا
جار مجرى النثار.
.2روي Kأن النبي دعي إلى وليمة رجل من األنصار ،ثم أتوا بنهب فأنهب عليه ،قKKال الKKراوي :ونظKKرتK
إلى رسول هللا يزاحم الناس أو نحو ذلك ،قلت :يا رسول هللا أوما نهيتنKKا عن النهبKة ؟ قKKال :نهيتكم
عن نهبة العساكر.)2(K
.3أنه نوع إباحة فأشبه إباحة الطعام Kللضيوف.
الترجيح:
نرى أن األرجح في المسألة انطالقا مما يجري Kفي األعراف عندنا هو كراهة هذا التصKرف KلمKا يجKر إليKه
في أحيان كثيرة من أذى للمدعوين ،والحديث الصريح في النهي عن النهبى واضKKح في داللتKKه على ذلKKك ،ثم إنKKه
بعد ذلKك يتنKاقض مKKع السKلوك اإلسKKالمي في الطعKام من البعKKد عن الشKKره والحKKرص واإليثKKار Kإن كKKان يأكKل في
جماعة.
أما ما استدل به أصحاب القول الثاني ،فإن حديث البدنات ال يصح االستدالل به هنا لكونKKه ليس نثKKارا ،أمKKا
الحديث اآلخر ،فلو لم يكذبه المحدثون لكذبته سيرة رسول هللا ،فهو أرفع مقاما من أن يفعل ذلك.
الغناء :
وقد اختلف الفقهاء في حكمه اختالفا كبيرا واسعا( )3من لدن الصدر األول إلى اآلن ،وألهمية هذه المسKKألة،
ومبالغة البعض في اإلنكار عليها سنذكر رأي الفريقين من القائلين بالجواز والحرمة على قدر ما يقتضKKيه المقKKام،
)(1ابن خزيمة ،4/294 :الحاكم ،4/246 :البيهقي ،7/288 :أبو داود ،2/248 :أحمد.4/350 :
)(2ال شك في ظهور الوضع على هذا الحديث ،وإنما ذكرنا إليراد الفقهاء له ،قKKال ابن حجKKر :قلت هكKKذا فليكن الكKKذب ،وقKKد رواه
حازم مولى بني هاشم مجهول عن لمازة ومن لمازة عن ثور عن خالد بن معدان عن معاذ بنحو منه ،لسان المKKيزان :وفي مجمKKع
الزوائد ، 2/19 :قال في مجمع الزوائد :رواه الطبراني في األوسط والكبير بنحوه وفي إسناد األوسط بشKKر بن ابKKراهيم وهKKو وضKKاع
وفي إسناد الكبير حازم مولى بني هاشم عن لمازة ولم أجد من ترجمهما ولمازة ،هذا يروى عن ثور بن يزيKKد متKKأخر وليس هKKوابن
زياد ذاك يKKروى عن علي ابن أبي طKKالب ونحKKوه وبقيKKة رجالKKه ثقKKات ،مجمKKع الزوائKKد ،4/290 :وانظKKر :الKKبيهقي ،7/288 :المعجم
األوسط ،1/44 :المعجم الكبير.20/97 :
)(3وقد اختلف الفقهاء حول ثالثة أنواع من الغناء جمعها المال علي القاري في رسالة له ،وحاصل األنواع والخالف فيها كما يلي:
أوال ـ ما ال يكون بآلة مع سالمة القول من الفتنة والمالمة ،نقل عن جماعة من الصحابة والتابعين والمجتهدين كأبي حنيفة
ومالك والشافعي وأحمد إباحته ،وهو مختار القشيري وحكى الغزالي االتفاق وابن حزم ادعى إجماع الصKKحابة والتKKابعين عليKKه وفي
النهاية أيضا جوازه وعند السرخسي أنه لدفع وحشة ومختار عز الدين وابن دقيق العيد وبدر الدين.
ثانيا ـ ما يكون بآلة كاألوتار والمزامير فالمشهور من المذاهب األربعة أن الضرب واسKKتماعه حKKرام وعن بعض المالكيKKة
والشافعية إباحته وكذا عن شرذمة من السلف وعن أبي الطيب الطKKبري عن األربعKKة حرمتKKه وعن بعض الشKKافعية فأمKKا مKKذهب أبي
حنيفة فيه فأشد المذاهب وقوله أغلظ األقوال وصرح أصحابه أن استماعه فسق والتلذذ به كفر وليس بعKKد الكفKر غايKKة ،قKKد حكى أبKKو
عمرو بن الصالح اإلجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء فقKKال في فتاويKKه :أمKKا إباحKKة هKKذا السKKماع وتحليلKKه
فليعلم أن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغKKيرهم من علمKKاء المسKKلمين ولم يثبت عن أحKKد
ممن يعتد بقوله في اإلجماع واالختالف أنه أباح هذا السماع «إغاثة اللهفان» 1/228 :
ثالثا ـ ما يقارن بالدف والشبابة فعند الجمهور من األئمة األربعة حرام ومختار النووي وعند بعضهم مباح ومختار جماعة
من الشافعية كالرافعي والغزالي وابن عبد السالم وعن ابن دقيق العيد أنه لم يرد حديث صKKحيح على منعKKه وال حKKديث صKKحيح على
جوازه فهذه مسألة اجتهادية فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى التحريم قال به ومن اجتهد وأداه إلى الجواز قال به .انظر :بريقة محمودية:
.4/52
ونعقبه بما نراه من ترجيح يتناسب مع واقع والئمنا ،فقد اختلف الفقهاء في حكم الغناء على قولين:
القول األول :حرمة الغناء مطلقا ،وهو قول أكثر الفقهKKاء من المتقKKدمين( ،)1فقKKد روي عن الشKKافعي ومالKKك
وأبـي حنيفة وسفيان وجماعة من العلماء ألفاظا ً يستدل بها على أنهم رأوا تحريمه.
أما مالك فإنه نهى عن الغناء وعن اسKKتماعه ،وقKKال :إذا اشKKترى جاريKKة فوجKKدها KمغنيKKة كKKان لKKه أن يردهKKا
بالعيب ،وسئل مالك عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء فقال :إنما يفعله عندنا الفساق ،وأمKا أبKو حنيفKة فإنKه
يكره الغناء ،ويجعله من الذنوب،ومذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقوله فيه أغلظ األقوال ،وقد صرح
أصحابه بتحريم سماع المالهي كلها كالمزمار Kوالدف حتى الضKKرب بالقضKKيب ،وصKKرحوا بأنKKه معصKKية يKKوجب
الفسق وترد به الشهادة ،وأبلغ من ذلك أنهم قالوا :إن السماع فسق والتلذذ به كفر هذا لفظهم ورووا في ذلك حديثا
ال يصح رفعه ،وقال Kأبو يوسف Kفي دار يسمع منها صوت المعازف Kوالمالهي :ادخل عليهم بغير إذنهم ألن النهي
عن المنكر فرض ،فلو لم يجز الدخول بغير إذن المتنع الناس من إقامة الفرض.
أما الشافعي ،فقال :إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحKKال ومن اسKKتكثر منKKه فهKKو سKKفيه تKKرد شKKهادته،
وصرح Kأصحابه بتحريمه،وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب الطبري والشيخ أبي إسKKحق وابن
الصباغ
أما اإلمام أحمد فقال عبد هللا ابنه :سألت أبي عن الغناء ،فقال :الغناء ينبت النفKKاق في القلب ،ال يعجبKKني ،ثم
ذكر قول مالك :إنما يفعله عندنا الفساق( ،)2واستدلوا على ذلك بما يلي:
ُ ْ هَّللا
يل ِ بِ َغي ِْر ِعل ٍم َويَتَّ ِخ َذهَا Kهُُ Kز ًوا أولَئِKكَ لَهُ ْم اس َم ْن يَ ْشت َِري لَ ْه َو ْال َح ِدي ِ
ُض َّل ع َْن َسبِ ِ
ث لِي ِ .1قال تعالى َ ﴿:و ِم ْن النَّ ِ
ين﴾ (لقمان)6:ووجه االستدالل باآلية أن أكثر المفسرين على أن المراد بلهKKو الحKKديث الغنKKاء، َع َذابٌ ُم ِه ٌ
وقد Kصرح بذلك ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه وقاله عبد هللا بن مسKKعود في روايKKة أبي
الصهباء عنه ،وهو قول مجاهد وعكرمة(.)3
.2أنه باطل ،والباطل ضد الحق ،ألن الباطل إما معدوم Kال وجود له وإما موجود ال نفع له فالكفر والفسKKوق
والعصيان والسحر Kوالغناء واستماع المالهي كله من النوع الثاني ،وقد Kسئل القاسم بن محمد :كيف ترى
في الغناء ،فقال له القاسم :هو باطل فقKKال :قKKد عKKرفت أنKKه باطKKل فكيKKف تKKرى فيKKه؟ فقKKال القاسKKم :أرأيت
الباطل أين هو؟ قال :في النار قال فهو ذاك ،وقال رجل البن عباس :ما تقول في الغناء ،أحالل هKKو أم
حرام؟ فقال:ال أقول حراما إال ما في كتاب هللا،فقال أفحالل هو؟ فقال :وال أقKKول ذلKKك ،ثم قKKال لKKه:أرأيت
الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة ،فأين يكون الغناء ،فقال الرجل :يكون مع الباطل،فقال لKKه ابن عبKKاس:
اذهب فقد أفتيت نفسك(.)4
.3أنه ذريعة إلى ارتكاب الفواحش حتى أطلق عليه [ رقية الزنى ]،وهذه التسKKمية معروفKKة عن الفضKKيل بن
عيKKاض ،قKKال يزيKKد بن الوليKKد :يKKا بKKني أميKKة إيKKاكم والغنKKاء فإنKKه ينقص الحيKKاء ويزيKKد في الشKKهوة ويهKKدمK
المروءة،وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعل السكر ،فإن كنتم ال بد فاعلين فجنبKKوه النسKKاء ،فKKإن الغنKKاء
داعية الزنى ،وقد Kنقل ابن القيم عن محمد بن الفضل األزدي قال :نزل الحطيئة برجKKل من العKKرب ومعKKه
ابنته مليكة ،فلما جنه الليل سمع غناء ،فقال لصاحب المنزل :كف هذا عني ،فقKKال :ومKKا تكKKره من ذلKKك؟
فقال :إن الغناء رائد من رادة الفجور ،وال أحب أن تسمعه هذه يعني ابنته ،فإن كففته وإال خKKرجت عنKKك،
وقال ابن القيم (:فلعمر Kهللا كم من حرة صارت بالغناء من البغايا ،وكم من حر أصبح به عبدا للصبيان أو
الصKبايا ،وكم من غيKور تبKدل بKه اسKما قبيحKا Kبين البرايKا ،وكم من ذي غKنى وثKروة أصKبح بسKببه على
األرض بعد المطارف Kوالحشايا ،وكم من معافى تعرض له فأمسى Kوقد حلت به أنواع الباليا ،وكم أهKKدى
للمشغوف Kبه من أشجان وأحزان فلم يجد بدا من قبول تلك الهدايا ،وكم جKرع من غصKة وأزال من نعمKة