Professional Documents
Culture Documents
كتاب لماذا قالوا لا طاقة لنا اليوم 5 5 2020
كتاب لماذا قالوا لا طاقة لنا اليوم 5 5 2020
تأليف
د /حممد بن أمحد بن حممد اجلحالن
@maljahlan
الطبعة الثانية
1441هـ 2020 /م
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
إن الذي يشرب من النهر والكل ينظر إليه وهو غير مبال بما يفعله
أمام الجميع وقد نُهي عن الشرب منه ،هو الذي كان قد شرب المعاصي
شربا ،وجاهر هبا وتفاخر هبا ،فهو ال يستحي من الناس ،وال يستحي
من اهلل ابتدا ًء .فرتاه يشرب الكذب شربا ،ويشرب الربا شربا ،ويشرب
الفواحش شربا ،ويشرب الخيانة شربا و ال يرده عن أي ظلم إال عدم
وجود فرصه أمامه ،فمتى ما وجد فرصة للظلم تراه ظالما .وهذه الفئة
قد تربأ منها طالوت وقال عنهم فيما أخربنا به اهلل﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ﴾
ومن حكمة اهلل أن فضح هؤالء الظالمين أمام الناس
الناس
الناس بين أهل الحق وبين أهل الباطل .وبذلك يعلم ُ
حتى يميز ُ
من يتبعونه ومن يحذرون منه ...
2
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
3
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
الطبعة الثانية
1441هـ 2020 -م
4
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
5
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
لكن الحصول على هذه الطاقة ال يستطيعه إال من تفضل اهلل هبا عليه ،فآمن
بعضا من آثارها ،وكلما ازداد المؤمن إيمانًا باهلل قولاً وتطبي ًقا يف
بوجودها وجرب ً
كل أمور حياته ازدادت هذه الطاقة لديه ،فعرف قيمتها واستزاد منها.
عرفها أكثر عندما فقدها ،قال تعالى﴿ :ﭰ ﭱ
عرف هذه الطاقة َ
وبعض َمن َ
وهؤالء (((
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ﴾
الناس من بني إسرائيل ،هم المؤمنون الذين جربوا هذه الطاقة وأحسوا بفقداهنا
يف لحظة من لحظاهتم ،يف ذلك اليوم ،عندما قالوا﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾((( فهم
يعرفوهنا ،وقد جربوها يف كثير من أمورهم ،فبها ال يقف أمامهم شيء وال يعكر
صفوهم شيء بإذن اهلل ،ألن قرهبم من اهلل يمأل قلوهبم وجميع جوارحهم
بالقوة التي يتغلبون هبا على كل ما يواجهونه يف حياهتم اليومية ،ويجعلهم ِ
راضي َن
مطمئنين ،ال يعرفون التوتر وال القلق ،لكنهم يف ذلك اليوم العصيب ،ويف لحظة
من اللحظات ،أحسوا بفقدان تلك الطاقة ،وذلك بسبب بعض ما كسبت أيديهم،
فأعلنوا بصوت مسموع عن فقداهنا.
وهؤالء المأل من بني إسرائيل عندما أعلنوا اعرتافهم بالذنب ومِن َث َّم توبتهم،
أعاهنم اهلل بإخوان لهم ،ممن يتواصون بالحق ويتواصون بالصرب ،يملكون طاقة
دائمة ال يفقدوهنا أبدً ا ،بإذن اهلل ،فذكّروهم باهلل فاست َقوا من إيماهنم وطاقتهم
إيمانًا وطاقة أعانتهم على الثبات والطمأنينة والقوة المعنوية والمادية ،فهزموا
العدو بإذن اهلل ،وهم الذين قال اهلل عنهم﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾(((.
6
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وكان من بين هؤالء الذين يظنون أهنم مالقو اهلل داود وقد كان
أعالهم إيمانًا ،ومِن َث َّم أعالهم طاقة ،وم َّكنه اهلل من أخطر عدو لهم،
وهو جالوت ،وقد أخرب اهلل سبحانه عن ذلك بقوله﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾(((.
ولذلك حاز داود الدنيا واآلخرة ،فبعدما كان جند ًّيا من الجنود ،أصبح َملِ ًكا
على كل الجنود ،بل وتفضل اهلل عليه بأن جعله نب ًّيا ،فآتاه اهلل الملك والحكمة
وع َّلمه مما يشاء.
وقبل أن يذهب داود للقتال لم يكن َيدُ ْر يف َخ َلده هذه المنح من اهلل ،ولم
يطلبها ولم َي ْس َع إليها لِذاهتا ،وإنما كان همه هو رضا اهلل فرضي
اهلل عنه ،وأرضاه يف الدنيا واآلخرة ،حيث أوصله اهلل إلى مرحلة الرضا بعد أن
كما قال تعالى﴿ :ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾((( فال يرى فوق عطاء اهلل
رضا ،فقد رضي واطمأن يف كل
قدرا ،وال فوق رضا اهلل ً
عطاء ،وال فوق قدر اهلل ً
لحظة من لحظاته.
الملك قبل الذهاب ،وهم الذين قال اهلل عنهم:
وذلك خالف َمن طلبوا ُ
﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾((( يعنُون بذلك طالوت،
وهؤالء أبعد ما يكونون عن الرضا ،فقد كان هدفهم دنيو ًّيا ،فلم ينالوا دنيا وال
آخرة ،بل قال عنهم طالوت( :إهنم ليسوا مني) وأبعدهم عنه حينما لم ينجحوا يف
امتحان النهر ،فأصبحوا من الخاسرين.
7
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
***
8
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
فمنذ أن خلق اهلل سبحانه آدم بل وقبل أن ُيخلق آدم ،إلى يومنا
هذا ،هناك مليارات القصص بعدد مخلوقات اهلل ،قصص بين اهلل ومالئكته ،وبين
اهلل وإبليس ،وبين آدم وربه ،وبين آدم والمالئكة ،وبين النبي وقومه ،وبين االبن
وأبيه ،وبين األخ وأخيه ،وبين المرء وصديقه ،وبينه وبين عدوه ،وبين اإلنس
والجن ،وبين اإلنسان والحيوان ﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾((( وبين النملة والنمل ﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾(((.
قصص ال يعده وال يحصيه إال اهلل وقد اختار لنا منها أحسن
القصص التي مرت على كل العصور لكي نتدبرها ونستفيد مما فيها من أمور
حصلت على أرض الواقع ،وليست نظريات غير مطبقة أو ال يمكن تطبيقها،
ولكي نراها رأي المتيقن بقول اهلل عندما يقول﴿ :ﭑ ﭒ ﴾ ونعمل
بمثل ما عمل به أولئك المؤمنون فنكون مثلهم.
9
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
***
10
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
11
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
12
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ويف قصة جنود طالوت ،الكل هنا قد خرج وهو يدّ عي اإليمان ،مع ٍ
قائد
مؤمن وهو طالوت ،لذا فقد أخرب اهلل سبحانه عن هذا الموقف بأنه ابتالء ،حيث
يقول سبحانه﴿ :ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾(((.
ولقد ب ّين ربنا لهؤالء المأل من بني إسرائيل ماهية هذا االبتالء،
بل وطريقة النجاح وتخطي االمتحان ،كما أنه سبحانه سهل عليهم االمتحان
وأعطاهم فرصتين للنجاح مقابل فرصة واحدة للخسارة ،وأخربهم سبحانه
أصر الخاسرون إال الخسارة ،ولم
بنتائج هذا االبتالء قبل الدخول فيه ،ومع ذلك ّ
يجتز هذا االمتحان إال القليل منهم.
وقد ذكر اهلل صفات القسمين الثاين والثالث من المؤمنين بعد أن اجتازوا
النهر ،فكان النهر هو الفاصل بين الكفر واإليمان.
13
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
14
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
أصروا على طلبهم ،وكرروا القول بأن الهدف من القتال أنه قتال يف سبيل اهلل ،مع
أهنم ذكروا أن السبب الحقيقي من القتال كوهنم أخرجوا من ديارهم وأبنائِهم،
وليس قتالاً لتكون كلمة اهلل هي العليا.
قال تعالى مخربا عنهم﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﮋ ﴾((( وبين لنا أن سبب خوفهم ومن َث َّم توليهم هو كوهنم ظالمين،
والظالم أينما كان وكيفما كان فإنه يف الحقيقة أجبن وأضعف ما يكون ،وقد أخربنا
اهلل عنه يف كثير من اآليات .،ونراه يف هذه اآليات حالاً واق ًعا ،فهو -سبحانه -
عليم هبم يف كل عصر من العصور ،يعلم الصادق من الكاذب ،وهو -سبحانه
-يخربنا هنا أن األكثرية يف كل عصر هم الظالمون ،كما قال تعالى﴿ :ﰇ ﰈ
ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﴾((( أي إن أكثر الناس هم الظالمون.
و يجب أن نالحظ هنا أهنم قد كرروا ادعاءهم مرتين بأن القتال قتال يف سبيل
اهلل ،لكن نبيهم نفى القتال كلي ًة عنهم ،ال يف سبيل اهلل وال يف غير سبيل اهلل ،حيث
أخربنا يف قوله﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾((( فنبيهم قال لهم﴿ :ﭮ ﭯ ﴾(((ولم يقل:
(أ ّ
ال تقاتلوا يف سبيل اهلل) فنفى قتالهم كليةً ،وتأكد ذلك يف قوله تعالى يف هناية اآلية:
(((
﴿ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ﴾
15
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
فاألغلبية تولت ،وبقيت القلة من المؤمنين الذين لم يطلبوا القتال ،وهم الذين
اجتازوا امتحان اإليمان باجتيازهم النهر مع طالوت ،كما سوف نرى الح ًقا بإذن
اهلل ،وهذا يؤكد أنه لم يجتز النهر إال المؤمنون فقط الذين قاتلوا يف سبيل اهلل ،أما
الظالمون فإهنم لم يقاتلوا البتة.
ومن المقدمات التي بينت لنا حقيقة هؤالء الظالمين ،قبل الدخول يف
االمتحان الحقيقي عند النهر ،أهنم لم َيخ ُفوا حرصهم على الدنيا ،حيث أعلنوا
أهنم هم أحق بالملك من طالوت ،فيما أخربنا اهلل عنهم﴿ :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾(((.
وهذا هو الخطأ الثاين ،الذي بين لنا سبب الخطأ األول ،والذي كان يوم أن
طلبوا القتال وا ّدعوا أنه يف سبيل اهلل قبل أن ُيطلب منهم ،وهم ههنا قد جعلوا
يؤت سعة من المال ،بينما األفضل عند اهلل
األفضل من الناس يف نظرهم هو من َ
هو األتقى ،قال تعالى ﴿ :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾(((.
وهذا خطأ ثالث أخربنا اهلل به عنهم ،لنعرف لماذا وصفهم اهلل بالظالمين،
ونعرف ونرى سبب فقداهنم للطاقة ومن َث َّم توليهم عن القتال.
ما أكرمك يا رب وأنت تبين لنا صفات مدَّ عي المثالية الذين لم يستطيعوا إخفاء
وحب للذات ،وهي نفس الصفات التي قد نراها يف كل
ٍّ نواياهم الحقيقية من طمع
زمان ممن هم على شاكلة هؤالء ،نراها وقد كشفها اهلل لنا يف كل وقت من األوقات.
16
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ولما أكد لهم نبيهم أن طالوت هو الملك الذي بعثه اهلل لهم ،لم يصدقوه،
وطالبوه بأن يأتيهم بآية من ربه.
حليم سبحانه
ٌ وهذا هو الخطأ الرابع ،حيث لم يصدقوا قول نبيهم ،ولكن اهلل
حيث أرسل لهم التابوت وفيه بقية من آل موسى وآل هارون - وكان قد
ُسرق منهم -وقد كانوا يتفاءلون به عند القتال ،فيأخذونه معهم عند مالقاة عدوهم،
ويزعمون أن سبب انتصاراهتم هو وجود التابوت معهم ،حتى ُسلِ َ
ب منهم يف آخر
حرب لهم ،فلما رأوا أن التابوت قد عاد إليهم اقتنعوا بأحقية طالوت بالملك.
واقتناعهم بعد أن رأوا التابوت الذي يتفاءلون به يف حروهبم وأنه سبب
انتصاراهتم ،فيه قدح يف توكلهم على اهلل.
وهذا خطأ خامس ،حيث بينوا خوفهم من العدو قبل لقائه ،وبينوا عدم ثقتهم
باهلل .
هذه هي بعض المقدمات التي نستطيع أن نراها يف هذه اآليات الكريمة من
صفات هؤالء القوم الذين أخربنا اهلل عنهم بأهنم تولوا وأهنم ظالمون ،حتى نعرف
السبب الحقيقي يف انعدام الطاقة لديهم ،ومِن َث َّم رعبهم من العدو حتى تملكهم
العطش الشديد بسبب الخوف الشديد ،فالخوف يجلب العطش ،فلم يستطيعوا أن
يمنعوا أنفسهم من الشرب ،وبالتالي فشلوا يف اختبار النهر ،فأصبحوا من الخاسرين،
حيث تولوا ولم يقاتلوا مع طالوت ،وذلك نتيجة ما كسبته أيديهم من ظلم.
وهؤالء الذين شربوا من الماء هم األغلبية ،وهم من اعتادوا شرب المعاصي
وتفاخرا هبا أمام الناس قبل مجيئهم إلى النهر ،حتى استمرأوا
ً شرب الهيم مجاهر ًة
تلك المعاصي ،كما وصفهم اهلل ووصف طباعهم ،وكيف كانت
17
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
18
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
يحذرون منه .وهذه سنة اهلل يف كل ظالم يصر على الظلم ،يفضحه حينما يتعرى
من المثاليات التي كان يدّ عيها لنفسه يف وقت الحاجة الحقيقية لتلك المثاليات.
19
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾(((.
المغرتفين بأيديهم غرفة، (((
فاستثنى من قوله﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾
فكأن طالوت قال :فمن شرب من ماء النهر فليس مني ،إال من اغرتف غرفة بيده
فإنه مني .فقد استثناهم من أن يكونوا كمن شربوا من النهر شرب الهيم ،وبالتالي
استثناهم ممن ليسوا منه ،فاعترب طالوت هؤالء الذين اغرتفوا غرفة بأيديهم منه
باإليمان ،ثم استثنى من قوله ﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﴾((( المغرتفين بأيديهم غرفة فقال:
ومن لم يطعم ماء ذلك النهر فإنه مني ،إال من طعمه بغرفة يغرتفها بيده فإنه ليس
مني يف كمال اإليمان .حيث إنه لم يصل إلى درجة من لم يطعمه يف كمال اإليمان.
فالذي اغرتف غرفة بيده هو منه يف اإليمان ،لكنه ليس منه يف كمال اإليمان.
و أكثر المؤمنين هم من هذه الفئة ،وربنا إنما ُيذكـِّرهم بالرجوع إليه
عندما يصيبهم بالمصائب بسبب بعض ما كسبته أيديهم ،ليرجعوا إليه
وليرتقوا إلى أعلى منزلة ،وهي منزلة الذين لم يطعموا المعاصي.
20
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
21
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾(((.
وهذه الحكمة من اهلل تعيننا على أن نرى من هو األتقى الذي يجب أن ُيقتدى
به و ُيطاع و ُيسأل النصيحة ويثق به الناس ،حتى ال يختلط على الناس المؤمن
الحق من المنافق .وهؤالء هم الذين يثبتهم اهلل يف المواقف الصعبة ،فال يجزعون
وال يخافون ،بل تجدهم مطمئنين راضين لذلك.
ولقد استفاد مؤمنو بني إسرائيل من هؤالء الصفوة بعد عبورهم النهر،
وطلبوا منهم النصح ،فنصحوهم النصيحة الحقيقية ،وانتصروا على عدوهم،
حيث قالوا لهم كما أخربنا اهلل عنهم﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( وهذه الفئة
لم تتأثر هبذه الحادثة ،بل إهنا زادهتم إيمانًا باهلل ،فأظهروا هذا اإليمان قولاً وعملاً .
حيث أعلنوا ذلك بقولهم كما أخربنا اهلل ﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( فال
خوف وال طلب للعون إال من اهلل ،كما قال اهلل سبحانه واص ًفا من هم مثلهم يف
اإليمان يف آية أخرى﴿ :ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾(((.
ونجد المصيبة التي يراها غيرهم أهنا مصيبة ،هم ال يروهنا كذلك ،وإنما يرون
ٍ
راض كل الرضا بإذن اهلل؛ ألنه أهنا حادثة فيها ابتالء وامتحان من اهلل يجتازه وهو
22
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ٍ
راض تمام الرضا كان قد وصل إلى مرحلة ﴿ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾((( فهو
رضا ليس معه خوف وال جزع وال هم وال غم ،ال غم مما فات
بكل ما يقدره اهللً ،
وال هم مما سيأيت ،ويكون جواهبم يف كل مصيبة صغيرة كانت أم كبيرة هو قولهم:
﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾((( وهم الذين يظنون أهنم مالقو اهلل .بعكس من يجزع
ويسخط عند المصيبة ،خاصة يف أول الصدمة.
والمؤمنون موقنون هبذا االبتالء ،ويعلمون أنه ال يأيت إال ليمحص اهلل به
الخبيث من الطيب ،فيعدّ ون هذا االبتالء تحقي ًقا لوعد اهلل باالبتالء ويزيدهم
إيمانًا على إيماهنم ،لذلك فقد هتيأوا له ،كما قال اهلل عنهم﴿ :ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰔ ﴾((( وذلك ألن لديهم طاقة دائمة من رهبم يعينهم اهلل هبا على كل أمورهم،
ٍ
بصوت وهي الطاقة التي أعلن القسم اآلخر من مؤمني قوم طالوت عن فقداهنا
مسموع حينما قالوا﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾((( فرأيناها واضحة عند هؤالء
المؤمنين الذين يظنون أهنم مالقو اهلل يف قولهم﴿ :ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾(((.
ومما يميز كاملي اإليمان أن فائض اإليمان عندهم يتعدى إلى غيرهم،
وذلك بالتواصي بالحق والتواصي بالصرب ،كما قال اهلل -تعالى -عنهم﴿ :ﭾ
ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
23
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
24
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
إلى جنب سبعة ،قد قتلهم ثم قتلوه ،فأتى النبي فوقف عليه فقال:
« َقت ََل َس ْب َع ًةُ ،ث َّم َق َت ُلو ُه ،هَ َذا ِمنِّي َو َأ َنا ِم ْن ُه ،هَ َذا ِمنِّي َو َأ َنا ِم ْن ُه» قال :فوضعه على
ساعدَ ا النبي .قال :فحفر له ووضع يف قربه .ولم ساعديه ،ليس له إال ِ
يذكر غسالً.
فج َليبِ ٌ
يب وجدوه مقتولاً بين سبعة قد قتلهم ،وقد شهد له الرسول ُ
بأنه هو الذي قتلهم ،وهذه الصورة تدل على عدم خوفه وعلى عزمه
وإقدامه وإصراره على قتال سبعة رجال حتى قـُتل وهبذا أعلن الرسول
بأن ُج َليبِي ًبا منه ،وأن الرسول مِن ُج َليبِيب ،وهذه شهادة
مغمورا بين الصحابة ،حتى أهنم لم يفقدوه عندما سألهم ً عظيمة لصحابي كان
َ
الرسول بقوله« :هَ ْل َت ْف ِقدُ ونَ ِم ْن أ َح ٍد؟» كررها مرتين ،فذكروا ً
أناسا
يب مكانة عند لج َليبِ ٍ
ولم يذكروا ُج َليبِي ًبا ،ولكنه ذكره ألنه يعرف أن ُ
«غ ْي َر َأ َّن َك ِع ْن َد اهَّلل ِ َل ْس َت
اهلل وقد قال له الرسول يو ًماَ :
اس ٍد» عندما َ
عرض عليه الرسول الزواج فقال عن نفسه :إذا بِ َك ِ
تجدين كاسدً ا.
وكل إنسان يف هذه الدنيا البد أن يكون موقعه يف إحدى هذه الفئات ،فأين
نضع أنفسنا نحن من بين هذه الفئات الثالث؟
***
25
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
26
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
27
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
28
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
والهم سبيلاً إلى قلوهبم ،فقد وهبهم اهلل طاقة تعينهم بإذن اهلل على كل
ُّ
أمورهم الدينية والدنيوية.
وهؤالء هم الواثقون باهلل وبقدرته وبرحمته ،وبنصره لهم يف أي زمان ومكان،
وهم الذين يعرفون اهلل ،ويعلمون علم اليقين أهنم مالقو اهلل ويعلمون
أن اهلل بيده الخير ،فكل ما يصيبهم إنما هو خير من اهلل ،وما أصاهبم من شر فإنما هو
من أنفسهم ،قال تعالى﴿ :ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﴾((( لذلك
فهم يبعدون أنفسهم عن كل ما يوجب نزول المصيبة عليهم ،ويجاهدون أنفسهم يف
ذلك ،وإذا حصل منهم خطأ من غير قصد ،ألهنم غير معصومين من الخطأ ،فإهنم
ويطهرون أنفسهم بكثرة االستغفار والتوبة.
ِّ يبتعدون عنه لحظة معرفتهم بذلك،
وقد أخربنا سبحانه عن بعض صور هؤالء المؤمنين الذين لم يطعموا
المعاصي ممن كانوا مع طالوت ،فنراهم يف أحلك المواقف ثابتين مطمئنين ال
يبدو عليهم الخوف ،بل إهنم يحاولون تثبيت وطمأنة إخواهنم ممن اغرتف ُغرفة
بيده ،الذين بدا عليهم الخوف واالرتباك.
وقد علم اهلل ذلك عنهم ،فقال واص ًفا الذين لم يطعموا بقوله سبحانه:
﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( وهذا هو حال من لم يطعم المعاصي يف كل وقت ويف
كل حال من أحواله ،وصرب على ذلك واستمر عليه ،تراه مطمئنًّا ثابتًا ،قد طمأنه
اهلل ألنه سبحانه مع أوليائه الصابرين على طاعة اهلل وعلى البعد عما
يغضبه سبحانه.
29
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
30
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
اهلل لهم على طاعته سبحانه ،وبذا تستمر نِ َعم اهلل عليهم وحفظه سبحانه لهم من
كل سوء ،وكل ذلك ألن اهلل سبحانه وتعالى ذو فضل عظيم ،وفضله سبحانه ال
يمكن أن يحيط به مخلوق ،زادنا اهلل وإياكم من فضله ﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﴾((( واسع الفضل ،عليم بمن يستحق هذا الفضل ممن أحسنوا
واتقوا ،عليم بكيف ومتى يعطيهم هذا الفضل يف كل وجوهه ،فهو سبحانه الواسع
يف رحمته ،الواسع يف عفوه ،الواسع يف رزقه ،الواسع يف علمه ،الواسع يف عطائه.
***
31
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
رأينا -كما أمرنا اهلل أن نرى عندما قال سبحانه﴿ :ﭑ ﭒ ﴾ -كيف كان مآل
الظالمين الذين ال يؤمنون باهلل ،ورأينا كيف كانت الطاقة العظمى لذوي اإليمان
الكامل ،وهم الذين نجحوا يف االبتالء وترجموا إيماهنم عملاً ،فلم يطعموا
يتواصون مع أنفسهم ومع غيرهم
َ المعاصي ولم يعرفوا لها مذا ًقا ،وهم الذين
ويتواصون بالصرب على االستمرار يف أن يكونوا كذلك .وهم الذين أنعم اهلل
َ بالحق،
عليهم ووهبهم النصر على عدوهم الطاغية ،وهؤالء ق ّلـة مقارنة بجنود جالوت.
وكذلك رأينا -كما أمرنا اهلل أن نرى -كيف أن داود جاء جند ًّيا من الجنود
الملك وجعله نب ًّيا وع ّلمه مما يشاء سبحانه، ِ
ورجع َمل ًكا على كل الجنود ،فوهبه اهلل ُ
حيث كان هو أعظم هؤالء الجنود إيمانًا ،وكان يطبق هذا اإليمان تطبي ًقا عمل ًّيا
يف كل خطوة من خطواته ،فأبعده اهلل عن كل خسارة وفاز بحظ الدنيا واآلخرة.
وإذا رأينا هذا كله فيجب أن نستفيد من هذه الرؤية ونختار ألنفسنا بأن نكون
من أتباع أفضل قسم من األقسام الثالثة ،وهم ذوو الطاقة العظمى الذين لم يطعموا
المعاصي .وهذا االختيار سهل لمن سهله اهلل عليه ،ويتحقق ذلك باآليت:
اً
أول :حتديد اهلدف:
فنجعل هدفنا أن نكون مع هؤالء الذين لم يطعموا المعاصي ،فنكون مع من
هم أفضل من يمشي على األرض ،وهم أكرم الناس عند اهلل ،قال تعالى﴿ :ﭵ
ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
32
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾((( فقد أخربنا سبحانه أن أكرم إنسان عند اهلل من بين هؤالء
الناس من الشعوب والقبائل هو أتقاهم هلل ،فال ينظر سبحانه ال لنوع الجنس ذكر
كان أم أنثى ،وال لنوع الشعب ،وال لنوع القبيلة يف اإلكرام ،وهو سبحانه عليم
خبير هبؤالء الصفوة من األتقياء .جعلنا اهلل وإياكم من هؤالء.
33
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
طلب الهداية من نفسه وبحث عنها وسعى إليها! فاهلل العادل لن يخيبهم يف أي
مكان يف األرض وال يف أي زمان ،منذ بدء الخلق حتى قيام الساعة.
فعبد اهلل بن أم مكتوم ،وهو األعمى الذي ال يرى بعينيه ،أراد معرفة الحق
وسعى إليه بقلبه ،فلم يرسله اهلل إلى أبي جهل وال إلى الوليد بن المغيرة وال إلى
أي كافر ،بل إن اهلل دله على منبع الحق حيث ذهب إلى الرسول
أمرا للرسول بأن يستمع
ليبين له الحق ،وقد أصدر اهلل ً
َ
أفضل البشر محمدً ا ألنه تلهى اهلل
لهذا الذي جاءه يسعى ،وعاتب ُ
عن عبد اهلل ابن أم مكتوم ﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﴾((( فاهلل وعد بأن كل من جاهد نفسه لمعرفة الحقيقة فإن اهلل
سوف يهديه إلى الحق الذي هو سبيل اهلل ،كما قال سبحانه﴿ :ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾(((.
أيضا أحد آثار هذه اآلية الكريمة -وأنصح
وقصة إسالم سلمان الفارسي هي ً
الكل بأن يقرأها -فقد جاهد سلمان لمعرفة الحق ،فهداه اهلل سبحانه
ألفضل السبل وجاء به من أصبهان يف بالد فارس إلى الشام ومن ثـ ََّم
جاء به إلى المدينة مق َّيدً ا ،حتى أوصله سبيل اهلل وجعله يستقي من معين الهداية،
من الرسول .
وسا ِعنْدَ النَّبِ ِّي
روى مسلم يف «صحيحه» َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َق َالُ :كنَّا ُج ُل ً
ور ُة ا ْل ُج ُم َع ِةَ ،ف َل َّما َق َر َأ﴿ :ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾((( َق َال َر ُج ٌل: ِ
إِ ْذ ن ََز َل ْت َع َل ْيه ُس َ
ول اهللِ؟ َف َلم ُير ِ
اج ْع ُه النَّبِ ُّي َ ح َّتى َس َأ َل ُه َم َّر ًة َأ ْو َم َّر َت ْي ِن َأ ْو َم ْن َه ُؤلاَ ِء َيا َر ُس َ
ْ َ
34
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
صحيح مسلم )6498( :ط الرسالة ،وأخرجه البخاري )4897( :ط الرسالة. (((
سورة الجمعة :آية .3 (( (
سورة الجمعة :اآليات .4-2 (((
سورة العنكبوت :آية .69 (( (
35
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
التخلية:
صغيرا ،ألن الذنوب هي كبيرا كان أو ِ
ً فالتخلية أن نُخل َي أنفسنا من كل ذنب ً
سبب كل مصيبة ،كما قال ﴿ :ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾((( مصيبة دينية أو دنيوية ،مصيبة يف الدين أو يف البدن،
وأكرب مصيبة هي ترك الطاعات؛ ألن السيئة تجلب السيئة وتبعد الطاعة أو تضعفها.
وقد رأينا ما أصاب جنود طالوت الذين شربوا من النهر ،فمصيبتهم العظمى
يف دينهم هي معصية اهلل يف الشرب من النهر والتخلف عن الجهاد مع طالوت،
وسبب ذلك كان مصيبتهم يف بدهنم ،حيث الرعب والخوف الشديد من جنود
قووا
جالوت الذي زلزلهم وجعلهم يشعرون بالعطش الشديد ،حتى إهنم لم َي َ
على عدم الشرب ،كل ذلك كان بسبب تراكم المعاصي وظلمهم قبل أن يصلوا
إلى النهر ،حتى وصلوا إلى مرحلة عدم الثقة والقلق ،ففضحهم اهلل أمام المأل،
وهكذا دواليك يف حلقة مفرغة ،والعياذ باهلل من ذلك.
كما يجب أ َّ
ال نستحقر صغائر الذنوب؛ ألن اإلصرار عليها قد يجعلها من
36
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
الكبائر.
روى أحمد يف مسنده أن سهل بن سعد قال :قال رسول اهلل :
ودَ ،و َج َاء َذا بِ ُع ٍ
ود، وبَ ،ك َق ْو ٍم َنزَ ُلوا ِفي َب ْط ِن َو ٍادَ ،ف َج َاء َذا بِ ُع ٍ ات ُّ
الذ ُن ِ اك ْم َو ُم َح َّق َر ِ
«إِ َّي ُ
اح ُب َها ُت ْه ِل ْك ُه»(((.
وب َمتَى ُيؤْ َخ ْذ بِ َها َص ِ ات ُّ
الذ ُن ِ َح َّتى َأن َْض ُجوا ُخ ْبزَ َت ُه ْمَ ،وإِنَّ ُم َح َّق َر ِ
أعاذنا اهلل من ذلك.
وقد يكون الذنب يف شيء لم نتوقعه أو نفكر فيه مما اعتاد الناس عليه يف
حياهتم اليومية ،بل قد يكون الذنب يف الطاعة ،وذلك عندما يعجب إنسان بعم ٍل
صالحٍ َع ِم َله ،وقد يكون الذنب يف عدم أداء الطاعة على الوجه المطلوب الذي
يريده اهلل منا ،كعدم الخشوع يف الصالة ،وقد يكون الذنب يف شيء نرتكبه كل
يوم وال نشعر به ،كوجود غل على بعض المؤمنين ،أو يف عدم خفض الجناح
للمؤمنين ،واهلل أمر نبيه أن يخفض جناحه للمؤمنين ،قال تعالى﴿ :ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﴾(((.
يجب أن نرجع إلى أنفسنا يف كل مصيبة تصيبنا ،ولو كانت شوكة ن َُشاكُها،
وننظر ماذا عملنا من ذنب أوجب علينا هذه المصيبة ،فنحمد اهلل سبحانه َّأولاً
بأهنا جاءت يف شوكة ولم ِ
تأت بمصيبة أكرب؛ ألن اهلل قد عفا عن كثير مما يوجب
ُخلِ َي أنفسنا من
حرصا شديدً ا أن ن ْ
ً أكرب من هذه المصيبة ،ثم بعد ذلك نحرص
تلك الذنوب باالبتعاد عنها ،ولذا نطلب من اهلل التخلية الكاملة من كل ذنب
باالستغفار والتوبة إلى اهلل ،وإذا لم نتذكر ذن ًبا بعينه فلنكثر من االستغفار والتوبة
(( ( مسند أحمد ) 312/5( :تحقيق أحمد شاكر ،وقال :إسناده صحيح ،وكذا صححه األلباين ،وقال
الهيثمي :رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد .)193/10
(( ( سورة الحجر :آية .88
37
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
فأبو بكر ،وهو من الصديقين وأفضل الصحابة وأرجحهم إيمانًا ،ومع ذلك
ظلما
طلب منه الرسول أن يدعو ربه ويعرتف لربه أنه ظلم نفسه ً
كثيرا ،وأن يطلب المغفرة من ربه يف كل صالة.
ً
عجب بنفسه!
إذا عرفنا ذلك فكيف بنا نحن! وكيف بمن يعمل العمل هلل ثم ُي َ
(( ( الرتمذي ( )3822ط الرسالة ،وابن ماجه ( )3850ط الرسالة ،وأحمد يف مسنده ( )25384ط
الرسالة ،وكذلك النسائي يف الكربى ( )7665ط الرسالة ،وهو حديث صحيح ،صححه الرتمذي
والنووي وابن القيم واأللباين وغيرهم.
(( ( صحيح البخاري )6326( :ط الرسالة ،وأخرجه مسلم )6869( :ط الرسالة.
38
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
مقارنة بأبي بكر الذي شهد له اهلل بأنه األتقى ،حيث يقول سبحانه﴿ :ﭚ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾((( ومع ذلك ُيع ِّلمه الرسول أن يدعو هبذا
الدعاء يف كل صالة حتى ينقيه اهلل من كل ذنب.
والرسول لم يخرت ألبي بكر من بين كل األدعية التي َيعلمها
إال هذا الدعاء ،ألنه يعلم قيمة هذا الدعاء ،فاختاره الرسول
تحصل على التخلية قبل التحلية عندما
ّ ألحب الناس إليه .وهبذا
طلب من اهلل المغفرة ثم الرحمة يف كل صالة يصليها.
بل إن أفضل البشر ،وهو الرسول الذي قد غفر اهلل له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر ،يستغفر اهلل ويتوب إليه يف اليوم أكثر من سبعين مرة.
ول اهَّللِ
روى البخاري يف «صحيحه» عن َأبي ُه َر ْي َر َة قالَ :س ِم ْع ُت َر ُس َ
ين َم َّر ًة»(((. «وال َّل ِه إِ ِّني أَ َل ْس َتغْ ِف ُر ال َّل َه َو َأ ُت ُ
وب إِ َل ْي ِه ِفي ال َي ْو ِم َأ ْك َث َر ِم ْن َس ْب ِع َ َي ُق ُ
ولَ :
فكثرة االستغفار وطلب العفو من اهلل يف كل وقت تضمن للمؤمن بإذن اهلل
تنقيته وتخليته من كل ذنب علمه أو لم يعلمه ،وإذا خال المؤمن من الذنوب فإنه
بإذن اهلل يخلو مما يوجب العذاب يف الدنيا واآلخرة ،قال تعالى﴿ :ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﴾(((.
يقول القرطبي يف تفسيره لهذه اآلية :استفهام بمعنى التقرير للمنافقين .التقدير:
أي منفعة له يف عذابكم إن شكرتم وآمنتم؛ فنبه تعالى أنه ال يعذب الشاكر المؤمن،
39
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وأن تعذيبه عباده ال يزيد يف ملكه ،وتركه عقوبتهم على فعلهم ال ينقص من سلطانه.
وقال مكحول :أربع من ك َّن فيه ك َّن له ،وثالث من ك َّن فيه ك َّن عليه؛ فاألربع
الاليت له :فالشكر واإليمان والدعاء واالستغفار ،قال اهلل تعالى﴿ :ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵﯶﯷﯸ﴾((( وقال اهلل تعالى﴿ :ﯫﯬﯭﯮﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶﯷ ﯸ ﴾((( وقال تعالى﴿ :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﴾((( وأما الثالث الاليت عليه فالمكر والبغي والنكث ،قال اهلل تعالى:
(((
﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾((( وقال تعالى﴿ :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾
وقال تعالى﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﴾((( .انتهى كالم القرطبي .(((
لذلك إذا فكر اإلنسان يف عمل معصية من المعاصي ،فليعلم أنه يهيئ نفسه
الستحقاق مصيبة تصيبه ،كما قال تعالى﴿ :ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﴾(((.
قال القرطبي يف التفسير :أي يف تعذيبه إياكم بإقامته حجته عليكم إذ قد هناكم(((.
التحلية:
وبعد التخلية وتنقية النفس من كل دنس نكون قد هيأنا أنفسنا للتحلية،
40
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وتكون النفس أسرع ما تكون لعمل كل ما يرضي اهلل .وربنا عندما يأمرنا بعمل
فإنه -سبحانه -يبدأ بالتخلية قبل التحلية ،وأعظم تخلية وتحلية هي يف كلمة
التوحيد (ال إله إال اهلل) وكذلك يف قوله تعالى ﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ
ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾((( فبدأ سبحانه بالتخلية من عبادة غير اهلل إلى
التحلية يف عبادة اهلل وحده واالستمساك بالعروة الوثقى.
وهكذا يف جميع أعمالنا ،فنتخلى عن الكذب لنتحلى بالصدق ،ونتخلى
اهلل النظر إليه لنتحلى
عن الغش لنتحلى باألمانة ،ونتخلى عن النظر إلى ماحرم ُ
بغض البصر ،ونتخلى عن ترك الصالة أو التكاسل يف أدائها لنتحلى بالمحافظة
على أدائها على الوجه المطلوب وبالزيادة منها نافلة ،ونتخلى عن البخل لنتحلى
باإلنفاق يف سبيل اهلل ،ونتخلى عن الغضب لنتحلى بكظم الغيظ ،وهكذا يف كل ما
يرضي اهلل يف جميع حركاتنا وسكناتنا.
راب ًعا:الصرب:
إذا حددنا الهدف بأن نكون ممن لم يطعم المعاصي ،ثم سعينا لذلك وطلبناه،
وبعد ذلك بدأنا بتتبع كل خطوة نخطوها ،بحيث ال تكون هذه الخطوة إال فيما
يرضي اهلل ،فأخلينا أنفسنا من كل ما يسخط اهلل ،وتحلينا بما يرضي اهلل ،بعد ذلك
يأيت الصرب على االستمرار على هذه األشياء ،وهذا الصرب يساعدنا بإذن اهلل على
تحقيق األهداف المرجوة يف الدنيا واآلخرة.
والصرب نوعان:
41
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
43
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
أعانه اهلل على معرفة معنى الصرب على الحوادث ،وهو االنتظار لتحقق الهدف يف
الزمان والمكان الذي يعلم اهلل أهنما األحسن لمن يصرب لذلك الوقت ،ولذلك
كان رد أبي بكر لعمر بن الخطاب هو نفس رد الرسول لعمر عندما
العا َم؟» أي :هل أخربتك يا عمر أننا سوف
يه َقال َ « :ف َأ ْخ َب ْر ُت َك َأ َّنا َن ْأتِ ِ
نطوف بالبيت هذا العام؟ فقال عمر :ال .قال له رسول اهلل وقال له
يه َو ُم َّط ِّو ٌف بِ ِه» وهذا هو كمال اليقين والتصديق واإليمان باهلل
أبو بكرَ « :فإِ َّن َك آتِ ِ
ومن ثم الصرب واالنتظار لذلك الوقت بطمأنينة.
لهذا فإنه ال يتحقق لنا أن نكون ممن لم يطعمه إال بتطبيقنا لكل معاين الصرب،
الصرب الذي ال يستطيعه من يشرب المعاصي شرب ِ
اله ِ
يم ،أو الذي ال يقدر على
بعضه ممن يغرتف من المعاصي ُغرفة بيده.
ومؤمنو قوم طالوت بصربهم على ترك المعاصي واالستمرار على طاعة
اهلل ،أعاهنم اهلل على الصرب والثبات يف المعركة حتى حققوا هدفهم المرجو ،قال
تعالى﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾(((.
فهؤالء القوم صربوا باهلل عندما طلبوا العون من اهلل يف قولهم﴿ :ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﴾((( وصربوا هلل ،فلم يكن صربهم يف عدم الشرب من النهر وصربهم
44
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
على القتال رياء وال لمصلحة دنيوية ،وصربوا مع اهلل فيما يرضيه يف أوامره ونواهيه
فلم يشربوا من النهر .بعكس الظالمين الذين لم يحققوا معنى الصرب قبل مجيئهم
وبعد مجيئهم للنهر ،فأصبحوا من الخاسرين.
***
45
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
46
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ٍ
مكان يعلمه اهلل أنه مناسب لهذا اإلنسان ٍ
زمان وأفضل بإذن اهلل يف أفضل
المؤمن ،فينتج عن هذا كله الطمأنينة والرضا عن اهلل
﴿ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﴾(((.
فاإلنسان يف كل عمل البد أن يحقق هذه الصفات األربع بعد عمل األسباب،
ويصرب على األعمال هلل وباهلل ومع اهلل ،ويصرب على الحوادث التي تحدث يف
الوقت والمكان َ
اللذ ْين يعلم اهلل أهنما األفضل لهذا الحدث ،أو أن يصرب ويتقبل
عدم تحقيق هذا األمر الذي يعلم اهلل أن قضاءه سوف يسبب له أذى .هذا هو
الفوز بالدنيا الذي يؤدي للفوز العظيم باآلخرة ،وهو الفوز بالجنة ،والفوز برؤية
اهلل .
***
48
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
49
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
خالصا
ً وسنأيت ببعض األمثلة ألناس ممن لم يطعموا المعاصي ،وكان عملهم
هلل ،ال يريدون به غير وجه اهلل وقد أظهر اهلل عملهم للناس بعد أن كانوا
قد أخفوه ،حيث كان مبدأهم يف العمل قول اهلل تعالى﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾(((.
***
50
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
Jداود L
بين لنا ربنا يف قـَصص قوم طالوت أن أفضل رجل من الذين لم
يطعموا النهر هو داود ولم يكن قد بعثه اهلل نب ًّيا قبل مجيئه مع طالوت،
لكنه كان من أولئك الذين أنعم اهلل عليهم ،فربوا أنفسهم على أال يطعموا
شي ًئا من المعاصي يف جميع أحوالهم ،وكان دائم الذكر هلل ،فكان يسبح وتسبح
معه الجبال.
وبين لنا ثمرة هذا اإليمان يوم التقى الجمعان ،يوم أن قال الذين
حيث طمأهنم (((
اغرتفوا غرفة باليد﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾
وحثهم داود ومن كان معه ،ممن لم يطعموا النهر ،على القتال ،كما قال تعالى:
﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾((( وتأكد هذا القول بالفعل حيث رأينا كيف تقدم داود
جالوت بإذن اهلل.
َ بشجاعة وتوك ٍل على اهلل فقتل
51
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
منه ،بل يعمل العمل ابتغاء وجه ربه األعلى ،وأغلب أعمال هؤالء المؤمنين إنما
يعملوهنا يف الخفاء وال يطلع عليها إال اهلل .
ولذلك شهد اهلل لمن كانت هذه حاله بأنه األتقى يف قوله سبحانه﴿ :ﭚ
ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾(((.
وقد وعد اهلل أن من كانت هذه صفاته أنه سوف يرضى ،وإذا قال
اهلل عن أحد أنه سوف يرضى فإنه البد أن يرضى؛ ألنه قول الحق
.فلك أن تتخيل مدى الرضا الذي يعيشه من تفضل اهلل عليه وأرضاه.
جعلنا اهلل وإياكم ممن وعده اهلل بأنه سوف يرضى.
و لذلك فإن داود جنى ثمرة إيمانه الكامل باهلل ،فرأينا كما أمرنا اهلل أن نرى كيف
نجح يف امتحان النهر ،وكيف كان ثباته وتثبيته للمؤمنين عندما واجهوا جالوت
وجنوده حتى تم لهم النصر ،فاختاره اهلل من بين المأل من بني إسرائيل ألن يكون
َملِ ًكا نب ًّيا كما أخرب سبحانه﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﴾(((.
وهذا ما يريدنا اهلل أن نراه يف قصص المأل من بني إسرائيل ،وما حدث لهم
مع طالوت وجالوت ،وكيف خسر الخاسرون ،وحاز األفضل منهم -وهو داود
الذي لم يطعم من المعاصي -على خير الدارين.
هذا هو طبع األنبياء كلهم ،فهم الذين اصطفاهم اهلل للنبوة ،وكذلك هو طبع
من تفضل اهلل عليهم من الصديقين الذين يقتدون باألنبياء.
52
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وإنما ذكرت داود من بين األنبياء ألنه جاء مع الجيش جند ًّيا مثل
بقية الجنود يف الطاعة لطالوت ،قبل أن يؤتيه اهلل الملك والحكمة ،لكنه ُف ِّضل
عليهم كلهم بما فضله اهلل من علو اإليمان ،ونجح يف االمتحان العلني أمام جميع
خيري الدنيا واآلخرة.
الجنود ،فحاز على َ
***
53
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
54
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ُأ ِّمي َو َصلاَ تِي! َف َأ ْق َب َل َع َلى َصلاَ تِ ِهَ ،فان َْص َر َف ْتَ ،ف َل َّما َكانَ ِم َن ا ْل َغ ِد َأ َت ْت ُه َو ُه َو ُي َص ِّلي،
الَ :يا َر ِّب ُأ ِّمي َو َصلاَ تِي! َف َأ ْق َب َل َع َلى َصلاَ تِ ِهَ ،فان َْص َر َف ْتَ ،ف َل َّما َف َق َال ْتَ :يا ُج َر ْي ُج! َف َق َ
الَ :أ ْي َر ِّب ُأ ِّمي َو َصلاَ تِي! َف َأ ْق َب َل َكانَ ِم َن ا ْل َغ ِد َأ َت ْت ُه َو ُه َو ُي َص ِّلي َف َق َال ْتَ :يا ُج َر ْي ُج! َف َق َ
اتَ .فت ََذ َاك َر َبنُو وه ا ْل ُم ِ
وم َس ِ الله َّم اَل ُت ِم ْت ُه َح َّتى َي ْن ُظ َر إِ َلى ُو ُج ِ َع َلى َصلاَ تِ ِهَ ،ف َق َال ْتُ :
ت ا ْم َر َأ ٌة َب ِغ ٌّي ُيت ََم َّث ُل بِ ُح ْسنِ َهاَ ،ف َق َال ْت :إِنْ ِش ْئت ُْم أَ َل ْفتِ َن َّن ُه
يل ُج َر ْي ًجا َو ِع َبا َد َته َُ ،و َكا َن ِ
إِ ْس َرائِ َ
اع ًيا َكانَ َي ْأ ِوي إِ َلى َص ْو َم َعتِ ِه، َل ُك ْم!» َق َالَ « :فت ََع َّر َض ْت َل ُه َف َل ْم َي ْلت َِف ْت إِ َل ْي َهاَ ،ف َأ َت ْت َر ِ
َف َأ ْم َك َن ْت ُه ِم ْن َن ْف ِس َهاَ ،ف َو َق َع َع َل ْي َها َف َح َم َل ْتَ ،ف َل َّما َو َل َد ْت َق َال ْتُ :ه َو ِم ْن ُج َر ْي ٍجَ .ف َأ َت ْو ُه
الَ :ما َش ْأ ُن ُك ْم؟ َقا ُلواَ :ز َن ْي َت بِ َه ِذ ِهاس َتنْزَ ُلو ُه َوهَ َد ُموا َص ْو َم َع َت ُه َو َج َع ُلوا َي ْض ِر ُبو َن ُهَ ،ف َق َ َف ْ
الَ :د ُعونِي َح َّتى ُأ َص ِّل َي. الصبِ ُّي؟ َف َج ُاءوا بِ ِهَ ،ف َق َ الَ :أ ْي َن َّ ا ْل َب ِغ ِّي َف َو َل َد ْت ِم ْن َك! َف َق َ
ال: وك؟ َق َ الَ :يا ُغلاَ ُم َم ْن َأ ُب َ الصبِ َّي َف َط َع َن ِفي َب ْطنِ ِه َو َق َ َف َص َّلىَ ،ف َل َّما ان َْص َر َف َأ َتى َّ
الَ :ف َأ ْق َب ُلوا َع َلى ُج َر ْي ٍج ُي َق ِّب ُلو َن ُه َو َيت ََم َّس ُحونَ بِ ِهَ ،و َقا ُلواَ :ن ْبنِي َل َك اعيَ .ق َ الر ِ ُفلاَ نٌ َّ
ين َك َما َكا َن ْتَ .ف َف َع ُلوا. ال :اَلَ ،أ ِعيدُ وهَ ا ِم ْن ِط ٍ بَ .ق ََص ْو َم َعت ََك ِم ْن َذهَ ٍ
ار ٍة َح َسن ٍَة، اك ٌب َع َلى َدا َّب ٍة َفا ِرهَ ٍة َو َش َ َو َب ْينَا َصبِ ٌّي َي ْر َض ُع ِم ْن ُأ ِّم ِهَ ،ف َم َّر َر ُج ٌل َر ِ
الله َّم
الُ : اج َعلِ ا ْبنِي ِمث َْل هَ َذا! َفت ََر َك ال َّثدْ َي َو َأ ْق َب َل إِ َل ْي ِهَ ،فن ََظ َر إِ َل ْي ِه َف َق َ َف َق َال ْت ُأ ُّم ُهُ :
الله َّم ْ
ول اهللِ اَل َت ْج َع ْلنِي ِمث َْل ُه! ُث َّم َأ ْق َب َل َع َلى َثدْ يِ ِه َف َج َع َل َير َت ِض ُع» َق َالَ :ف َك َأنِّي َأ ْن ُظر إِ َلى رس ِ
َ ُ ُ ْ
الس َّبا َب ِة فِي َف ِم ِهَ ،ف َج َع َل َي ُم ُّص َهاَ .ق َال: ِِ ِ ِ
َ و ُه َو َي ْحكي ْارت َضا َع ُه بِإِ ْص َبعه َّ
ولَ :ح ْسبِ َي الل ُه ت! َو ِه َي َت ُق ُ ت! َس َر ْق ِ «و َم ُّروا بِ َجا ِر َي ٍة َو ُه ْم َي ْض ِر ُبو َن َها َو َي ُقو ُلونَ َ :ز َن ْي ِ َ
اع َو َن َظ َر إِ َل ْي َها الر َض َ الله َّم اَل َت ْج َعلِ ا ْبنِي ِمث َْل َها! َفت ََر َك َّ يل! َف َق َال ْت ُأ ُّم ُهُ : َونِ ْع َم ا ْل َو ِك ُ
يثَ ،ف َق َال ْتَ :ح ْل َقى! َم َّر َر ُج ٌل اج َعا ا ْل َح ِد َ
َاك َت َر َ اج َع ْلنِي ِمث َْل َها! َف ُهن َ الله َّم ْالُ : َف َق َ
الله َّم اَل َت ْج َع ْلنِي ِمث َْل ُه! َو َم ُّروا
اج َعلِ ا ْبنِي ِمث َْل ُه! َف ُق ْل َتُ : َح َس ُن ا ْل َه ْيئ َِة َف ُق ْل ُتُ :
الله َّم ْ
الله َّم اَل َت ْج َعلِ ا ْبنِيت! َف ُق ْل ُتُ : تَ ،س َر ْق ِ بِ َه ِذ ِه أْ َ
ال َم ِة َو ُه ْم َي ْض ِر ُبو َن َها َو َي ُقو ُلونَ َ :ز َن ْي ِ
55
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
((( صحيح مسلم )6509( :ط الرسالة ،ورواه البخاري )3436( :ط الرسالة.
56
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
اً
أول :رصيده مع اهلل يف دوام العبادة هلل:
فقد كان جريج دائم الصالة هلل حتى أنه لم ُي ِر ْد أن َيتلهى عن
أيضا عبادة وطاعة هلل ،لكنه اجتهد
الصالة ولو للحظات مع أمه ،مع أن إجابته ألمه ً
يف اتخاذ القرار بين أمه أو صالته ،فاختار اجتها ًدا صالته واستمر يف الصالة ،فهو
يعترب أن لحظ ًة يبتعدُ فيها عن الصالة وعن الوقوف أمام اهلل خسارة
كبيرة بالنسبة له؛ ألنه يتلذذ بكل ساعة وكل دقيقة وكل ثانية يكون فيها واق ًفا
أمام اهلل.
وهذا التلذذ يذكرنا بالحديث الذي رواه أبو داود عن سالم بن أبي الجعد:
الصلاَ َة َأ ِر ْحنَا بِ َها»((( فقرة عين النبي
أن النبي قالَ « :يا بِلاَ ُل َأ ِق ِم َّ
ُ ج ِع َل ْت يف الصالة .وهذا هو دأب العارفين بلذة الصالة ،نسأل اهلل
أن يبلغنا منازلهم.
(( ( سنن أبي داود )4985( :وصححه األلباين ،وقال الزيلعي يف تخريج الكشاف ( :)62/1إسناده سند
الصحيحين.
57
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
أمه ،وعرف أن اهلل استجاب لها ،فعلم بذلك أنه أخطأ يف اجتهاده ،فصلى ركعتين
استغفر اهلل ودعاه هبما ،فغفر اهلل له واستجاب لدعوته.
فهذا هو جريج ال يرضى لنفسه النظر ولو للحظة واحدة للمومسات ،ولو
مضطرا للدفاع عن نفسه ،كما هو الحال عندما ادعت عليه تلك المرأة ،وهذا
ًّ كان
كله ألنه ر ّبى نفسه على أن يكون ممن لم يطعم المعاصي.
فأين نحن من جريج يف ذلك؟
58
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
فجريج يرى يف نفسه أنه أغنى الناس باهلل الذي وعده ووعد األتقى
بأنه سوف يرضى.
هذه سنة اهلل يف خلقه إلى يوم القيامة ،وهذه سنته فيمن لم يطعم المعاصي،
يغنيه اهلل يف الدنيا حتى ال يكون بحاجة ألحد إال هلل ويف
اآلخرة يفوز بجنات الخلد ،وقد طمأنه اهلل يف الدنيا واآلخرة ،قال تعالى﴿ :ﭡ
ﭢﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾(((.
***
59
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
60
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
61
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
درجة ﴿ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾(((:
أما عن حرصه على األعمال التي ترضي اهلل ،فإن كل عمل يعمله أبو بكر
الصديق إنما هو عمل خالص لوجه ربه األعلى ،ال يشوبه شائبة ،فال يفعل ذلك
بيد له عنده ،حتى وصل إلى منزلة ﴿ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ألحد ٍ
ٍ مجازا ًة
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾((( فال أحدَ من المخلوقين له نعمة يجازيه
عليها أبو بكر ،بل يفعل ذلك ابتغاء وجه ربه األعلى وطلب رضاه ،ولذلك عندما
وعده بأنه سوف يرضى.
فما أعظمها من منزلة ،منزلة ﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﴾((( بحيث تكون عنوانا ّ
لكل عمل يعمله ابن آدم ليصل إلى رضا اهلل
ثم يشمله قول اهلل ﴿ :ﭯ ﭰ ﭱ ﴾(((.
ومن ّ
وألن أبا بكر ُيخفي أعماله ويجعلها خالصة لوجه اهلل حقا ،فإن اهلل يظهرها
للناس فتكون معلومة لكل جيل إلى يوم القيامة ،ويعلمها من لم يكن قد عاش يف
عصر أبي بكر الصديق.
ومن هذه األعمال ما جاء يف صحيح مسلم أن أبا هريرة قال :قال رسول اهلل
َ « :م ْن َأ ْص َب َح ِم ْن ُك ُم ا ْل َي ْو َم َصائِ ًما؟» َق َال َأ ُبو َب ْك ٍر َ :أنَاَ .ق َال:
َاز ًة؟» َق َال َأ ُبو َب ْك ٍر َ :أنَاَ .ق َالَ « :ف َم ْن َأ ْط َع َم ِم ْن ُك ُم « َف َم ْن َتبِ َع ِم ْن ُك ُم ا ْل َي ْو َم َجن َ
يضا؟» ا ْل َي ْو َم ِم ْس ِكينًا؟» َق َال َأ ُبو َب ْك ٍر َ :أنَاَ .ق َالَ « :ف َم ْن َعا َد ِم ْن ُك ُم ا ْل َي ْو َم َم ِر ً
62
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
اجت ََم ْع َن ِفي ا ْم ِر ٍئ َق َال َأبو ب ْك ٍر َ :أنَاَ .ف َق َال رس ُ ِ
ول اهلل َ « :ما ْ َ ُ ُ َ
إِ اَّل َد َخ َل ا ْل َج َّن َة»(((.
فكان وحده من بين الحضور الذي اجتمعت فيه هذه األعمال ،فكيف يا ترى
يكون أبو بكر بقية يومه؟ وكيف يكون يف ليله؟
فهو لم يكن يعلم أن رسول اهلل سوف يسأله ،وإنما كان هذا
هو أسلوبه يف الحياة ،بحيث ال يرتك أية فرصة أمامه يرى فيها زيادة يف األجر إال
استكثر من هذا األجر مبتغ ًيا وجه ربه األعلى ،وهبذا استطاع أبو بكر أن يستويف
كل شعب اإليمان بسهولة؛ ألن اهلل سهلها عليه.
وقد أظهر اهلل ما أخفاه أبو بكر من أعمال حتى نعرف منزلة من نقتدي هبم
من الصديقين ،وحتى يبين لنا اهلل أن األعمال الصالحة ليست نظريات
ال يمكن تطبيقها ،وإنما يوجد مؤمنون يطبقوهنا على أكمل وجه فيتنافس بذلك
المتنافسون.
وهبذا نال أبو بكر أعلى الدرجات بعد األنبياء ،وجنى ثمار ذلك يف الدنيا واآلخرة.
63
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وكذلك وعد اهلل له بأنه سوف يرضى ،أي سوف يرضى يف الدنيا واآلخرة،
ونحن نعلم أن هدف كل إنسان هو الرضا ،وليس بعد الرضا شيء ،فهني ًئا لمن قال
عنه اهلل بأنه سوف يرضى؛ ألن وعد اهلل حق.
ولك أن تتخيل مدى رضا إنسان قد بشره الرسول بالجنة ،فأبو
بكر قد بشره الرسول أكثر من مرة بأنه من أهل الجنة ،بل إنه يدخل
الجنة من جميع أبواهبا الثمانية.
ول اهللِ َ ق َالَ « :م ْن َأ ْن َف َق َز ْو َج ْي ِن ِفي َسبِيلِ َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َأ َّن َر ُس َ
اب الصلاَ ِة ُد ِع َي ِم ْن َب ِ ود َي ِفي ا ْل َج َّن ِةَ :يا َع ْب َد اهللِ ،هَ َذا َخ ْي ٌرَ ،ف َم ْن َكانَ ِم ْن َأ ْهلِ َّ اهللِ ُن ِ
ادَ ،و َم ْن َكانَ ِم ْن َأ ْهلِ َّ
الص َد َق ِة الصلاَ ِةَ ،و َم ْن َكانَ ِم ْن َأ ْهلِ ا ْل ِج َه ِ
اد ُد ِع َي ِم ْن َب ِ
اب ا ْل ِج َه ِ َّ
ان» َق َال َأ ُبو َب ْك ٍر
الر َّي ِ
اب َّ الص َد َق ِةَ ،و َم ْن َكانَ ِم ْن َأ ْهلِ ِّ
الص َيا ِم ُد ِع َي ِم ْن َب ِ اب َّ ُد ِع َي ِم ْن َب ِ
ور ٍةَ ،ف َه ْل ول اهللِ ،ما َع َلى َأح ٍد يدْ َعى مِن تِ ْل َك الأْ َبو ِ ِ الصدِّ ُيقَ :يا َر ُس َ
اب م ْن َض ُر َ َْ ْ َ ُ َ ِّ
ول اهللِ َ « :ن َع ْمَ ،و َأ ْر ُجو اب ُك ِّل َها؟ َق َال َر ُس ُُيدْ َعى َأ َحدٌ مِ ْن تِ ْل َك الأْ َ ْب َو ِ
َأنْ َت ُكونَ ِم ْن ُه ْم»(((.
ثان ًيا :إنه أحب الناس من الرجال للرسول .
ش َذ ِ
ات اص َ أ َّن النَّبِي َ ب َع َث ُه َع َلى َج ْي ِ عن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ
َّ
«عائِ َش ُة» َف ُق ْل ُت :مِ َن الر َج ِ
ال؟ ب إِ َل ْي َك؟ َق َالَ : السالَ ِسلَِ ،ف َأ َت ْي ُت ُه َف ُق ْل ُتَ :أ ُّي الن ِ
َّاس َأ َح ُّ
ِّ ُّ
اب» َف َعدَّ ِر َجال(((. الخ َّط ِ
«أ ُبوهَ ا» ُق ْل ُتُ :ث َّم َم ْن؟ َق َالُ « :ث َّم ُع َم ُر ْب ُن َ َف َق َالَ :
والرسول ال يحب أحدً ا إال هلل ،ودرجة حبه للشخص إنما هي
بدرجة إيمان هذا الشخص ،فهو يتعبد اهلل يف حبه للمؤمنين ،ألن
64
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ُخلقه القرآن ،والقرآن يقول﴿ :ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾((( وإذا كان أبو بكر
الصديق هو أحب الرجال للرسول فهذا يعني أن أبا بكر هو أتقى
الصحابة وأعالهم إيمانًا.
ثال ًثا :ال عجب من كانت هذه صفاته أن يكون من أهل الدرجات العال
بشهادة رسول اهلل له.
ول اهَّللِ « :إِنَّ َأ ْه َل يد َق َالَ :ق َال َر ُس ُ فقد روى الرتمذي َعن َأبِي س ِع ٍ
َ ْ
اءَ ،وإِنَّ َأ َبا ُ العلاَ َل َي َر ُاه ْم َم ْن َت ْحت َُه ْم َك َما َت َر ْونَ ال َّن ْج َم َّ
الطالِ َع ِفي أ ُف ِق َّ
الس َم ِ ات ُ الدَّ َر َج ِ
َب ْك ٍر َو ُع َم َر ِم ْن ُه ْم َو َأن َْع َما».
الخدْ ِر ِّي َ ع ِن النَّبِ ِّي يد ُ وقد رواه البخاري ومسلم َعن َأبِي س ِع ٍ
َ ْ
ف ِم ْن َف ْو ِق ِه ْمَ ،ك َما َيت ََر َاء ْونَ الج َّن ِة َيت ََر َاء ْونَ َأ ْه َل ُ
الغ َر ِ َ ق َال« :إِنَّ َأ ْه َل َ
ب ،لِ َت َف ُ الم ْش ِر ِق َأ ِو َ
األ ُف ِقِ ،م َن َ الغابِر ِفي ُ َ
اضلِ َما َب ْين َُه ْم» َقا ُلوا المغْ ِر ِ الك ْو َك َب الدُّ ِّر َّي َ َ
ال َي ْب ُل ُغ َها َغ ْي ُر ُه ْم؟ َق َالَ « :ب َلى َوا َّل ِذي َن ْف ِسي بِ َي ِد ِه،
اء َ َ ول اهَّللِ تِ ْل َك َمن ِ
َاز ُل األَ ْنبِي ِ َيا َر ُس َ
الم ْر َس ِل َ
ين»(((. ال آ َمنُوا بِال َّل ِه َو َصدَّ ُقوا ُ
ِر َج ٌ
راب ًعا :إن اهلل أكرمه بأن يكون هو أول خليفة يخلف رسول اهلل على
المسلمين ،فكانت خالفته أول ُسنّة تسن للمسلمين يف أ ّمة محمد
لمن يحكمهم بعد رسول اهلل .
قدرا من اهلل قدّ ره للمسلمين ،وقد علم ذلك رسول
وقد كان اختياره ً
اهلل حيث قال :يأبى اهلل والمؤمنون إال أبا بكر.
65
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ول اهللِ فِي َم َر ِض ِه« :ا ْد ِعي لِي َأ َبا فعن َعائِ َش َة َقا َل ْتَ :ق َال لِي َر ُس ُ
ول َقائِ ٌلَ :أ َنا
اف َأنْ َيت ََم َّنى ُمت ََم ٍّن َو َي ُق ُ
ُب ِكتَا ًباَ ،فإِ ِّني َأ َخ ُ اكَ ،ح َّتى َأ ْكت َ اكَ ،و َأ َخ ِ َب ْك ٍر َأ َب ِ
َأ ْو َلى! َو َي ْأ َبى الل ُه َوا ْل ُمؤْ ِم ُنونَ إِ اَّل َأ َبا َب ْك ٍر»(((.
فالرسول ال يعمل أي عمل إال ويتعبد اهلل هبذا العمل ألنه يطبق
(((
قول اهلل ﴿ :ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﴾
ولذلك غضب وهو على فراش المرض إال أن يكون أبو بكر الصديق
يرض أن يكون أبو بكر مأمو ًما. هو اإلمام يف الصالة ،ولم َ
ِ ِ فعن عائِ َش َة ُأم المؤمِنِين َأ َّن رس َ ِ
«م ُرواول اهَّلل َ ق َال في َم َر ِضهُ : َ ُ ِّ ُ ْ َ َ ْ َ
اس» َقا َل ْت َعائِ َشةُُ :ق ْل ُت :إِ َّن َأ َبا َب ْك ٍر إِ َذا َقا َم فِي َم َقامِ َك َل ْم َأ َبا َب ْك ٍر ُي َص ِّلي بِال َّن ِ
«م ُروا َأ َبا َب ْك ٍر َف ْل ُي َص ِّل اءَ ،ف ُم ْر ُع َم َر َف ْل ُي َص ِّل لِلن ِ يس ِم ِع النَّاس مِن الب َك ِ
َّاس! َف َق َالُ : َ َ ُ ُْ
اس» َف َقا َل ْت َعائِ َشةَُ :ف ُق ْل ُت ل ِ َح ْف َصةَُ :قولِي إِ َّن َأ َبا َب ْك ٍر إِ َذا َقا َم فِي َم َقامِ َك َل ْم بِال َّن ِ
ول اهَّللِ
َّاس! َف َف َع َل ْت َح ْف َصةَُ ،ف َق َال َر ُس ُ اءَ ،ف ُم ْر ُع َم َر َف ْل ُي َص ِّل بِالن ِ يس ِم ِع النَّاس مِن الب َك ِ
َ َ ُ ُْ
اس» َف َقا َل ْت وس َفُ ،م ُروا َأ َبا َب ْك ٍر َف ْل ُي َص ِّل لِل َّن ِ اح ُب ُي ُ « :إِ َّن ُك َّن أَ َل ْنت َُّن َص َو ِ
يب مِن ِْك َخ ْي ًرا(((. لأِ ِ ِ ِ
َح ْف َص ُة ل َعائ َشةََ :ما ُكن ُْت ُص َ
فأي فضل ألبي بكر أفضل من أن يأبى اهلل والمؤمنون أن يكون خليفة رسول
اهلل غير أبي بكر الصديق !ومن يرضى غير ذلك بعد أن سمع كالم الرسول
!فليس من المؤمنين الذين ذكرهم الرسول إهنم يأبون
وس ّمي من فس ّمي أبو ٍ
بكر خليفة رسول اهلل ُ إال أن يكون أبا بكرُ ،
جاء بعده بخليفة خليفة رسول اهلل .
66
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
خامسا :ومن الثمار التي جناها أبو بكر الصديق أن اهلل أكرمه بكرامات ومن ً
ِ الر ْح َم ِن ْب ِن َأبِي َب ْك ٍر َّ ِ
الص َّفة كَانُوا ُأن ً
َاسا أن َأ ْص َح َ
اب ُّ هذه الكرامات ما رواه َع ْبد َّ
ث، ُف َق َرا َء َو َأ َّن النَّبِي َ ق َالَ « :م ْن َكانَ ِع ْن َد ُه َط َع ُام ا ْثن َْي ِن َف ْل َي ْذهَ ْب بِ َثالِ ٍ
َّ
ٍ
س» َو َأ َّن َأ َبا َب ْك ٍر َجا َء بِ َثالَ َثةَ ،فا ْن َط َل َق النَّبِ ُّي ام ٌس َأ ْو َس ِ َوإِنْ َأ ْر َب ٌع َف َخ ِ
اد ٌ
ادم -بينَنَا وبين بي ِ ِ ِ ٍ
ت بِ َع َش َرةَ .ق َالَ :ف ُه َو َأنَا َو َأبِي َو ُأ ِّمي َ -فالَ َأ ْد ِري َق َالَ :وا ْم َر َأتي َو َخ ٌ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ
الع َشا ُء،ت ِ َأبِي ب ْك ٍر ،وإِ َّن َأبا ب ْك ٍر َتع َّشى ِعنْدَ النَّبِي ُ ثم َلبِ َث حي ُث ص ِّلي ِ
َْ ُ َ َّ ِّ َ َ َ َ َ
ُث َّم َر َج َعَ ،ف َلبِ َث َحتَّى َت َع َّشى النَّبِ ُّي َ ف َجا َء َب ْعدَ َما َم َضى مِ َن ال َّل ْي ِل َما َشا َء
يه ْم؟ َقا َل ْتَ :أ َب ْوا اهَّللَ ،قا َل ْت َل ُه ا ْم َر َأ ُت ُهَ :و َما َح َب َس َك َع ْن َأ ْض َيافِ َك؟ َق َالَ :أ َو َما َع َّش ْيتِ ِ ُ
اخ َت َب ْأ ُتَ ،ف َق َال َيا ُغنْ َث ُر! َف َجدَّ َع جي َءَ ،قدْ ُع ِر ُضوا َف َأ َب ْواَ .ق َالَ :ف َذ َه ْب ُت َأنَا َف ْ َحتَّى َت ِ
ال َأ ْط َع ُم ُه َأ َبدً ا! َوا ْي ُم اهَّللَِ ،ما ُكنَّا ن َْأ ُخ ُذ مِ ْن ال َهنِي ًئا! َف َق َالَ :واهَّللِ َ بَ ،و َق َالُ :ك ُلوا َ َو َس َّ
ُل ْق َم ٍة إِلاَّ َر َبا مِ ْن َأ ْس َفلِ َها َأ ْك َث ُر مِن َْهاَ .ق َالَ :ي ْعنِي َحتَّى َشبِ ُعوا َو َص َار ْت َأ ْك َث َر مِ َّما كَان َْت
َق ْب َل َذل ِ َكَ ،فنَ َظ َر إِ َل ْي َها َأ ُبو َب ْك ٍر َفإِ َذا ِه َي ك ََما ِه َي َأ ْو َأ ْك َث ُر مِن َْهاَ ،ف َق َال لاِ ْم َر َأتِ ِهَ :يا ُأ ْخ َت
اآلن َأ ْك َثر مِنْها َقب َل َذل ِ َك بِ َثالَ ِ ِ ِ َبنِي فِ َر ٍ
ث ال َو ُق َّرة َع ْينيَ ،ل ِه َي َ ُ َ ْ اس َما َه َذا؟ َقا َل ْتَ :
انَ .ي ْعنِي َي ِمينَ ُهُ ،ث َّم َأك ََل الشي َط ِ اتَ .ف َأك ََل مِنْها َأبو ب ْك ٍر و َق َال :إِنَّما ك َ ِ ِ
َان َذل َك م َن َّ ْ َ َ ُ َ َ
مر ٍ
َ َّ
مِن َْها ُل ْق َمةًُ ،ث َّم َح َم َل َها إِ َلى النَّبِي َ ف َأ ْص َب َح ْت ِعنْدَ ُهَ ،وك َ
َان َب ْينَنَا َو َب ْي َن َق ْو ٍم ِّ
اهَّلل َأ ْع َل ُم ك َْم ِ
َاسُ ، َع ْقدٌ َ ،ف َم َضى األَ َج ُلَ ،ف َف َّر َقنَا ا ْثنَا َع َش َر َر ُجلاً َ ،م َع ك ُِّل َر ُج ٍل من ُْه ْم ُأن ٌ
ونَ ،أ ْو ك ََما َق َال(((. َم َع ك ُِّل َر ُجلٍَ ،ف َأ َك ُلوا مِن َْها َأ ْج َم ُع َ
هذا الحديث يبين لنا فضل أبي بكر الصديق وعلو منزلته عند اهلل يف هذه
الكرامة ،حيث بارك اهلل يف طعامهم فربا وزاد ،حتى أقسمت زوجته لهي اآلن أكثر
منها قبل ذلك بثالث مرات ،فأكلوا حتى شبعوا جمي ًعا ،ثم فرقوها على جمع من
67
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ومعلوم أن منزلة الصديقين تأيت بعد األنبياء ،وقد أخرب اهلل أهنم من الذين
أنعم اهلل عليهم ،وامتدح من يكون رفي ًقا لهم ،قال تعالى﴿ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﴾((( وإذا قال اهلل تعالى﴿ :ﮉ ﮊ ﮋ﴾ فاعلم أهنم
يف أحسن رفقة ،ألن اهلل قال ذلك ،فأي منزلة أعظم من هذه الرفقة.
وعظم هذه المنزلة تتضح يف آثارها ،قال تعالى﴿ :ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾((( فالصديقون قد أنعم اهلل عليهم من ضمن الذين
أنعم اهلل عليهم بالهداية للصراط المستقيم ،ومنزلتهم يف اتباع الصراط المستقيم
تأيت بعد األنبياء من حيث التصديق والتطبيق.
واتباع الصراط المستقيم درجات بحسب درجات اإليمان ،أعالها األنبياء
ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون ،ول ِ ُع ُل ِّو هذه المنزلة أمرنا اهلل أن ندعوه
ليهدينا صراطهم ،وهبذه الهداية يمشي الصديقون بنور اهلل يف كل أمورهم،
ويصاحبهم التوفيق من اهلل يف كل قراراهتم بإذن اهلل.
68
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
وال عجب أن يكون ذلك لمن هم يف أعلى منزلة بعد األنبياء من اتباع الطريق
المستقيم ،قال تعالى﴿ :ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
فالمؤمنون يمشون بنور اهلل يف كل حركة من حركاهتم ،قال تعالى: (((
ﯵ﴾
﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾((( فينير لهم الطريق الصحيح
يف كل أمورهم ،يف العبادات والمعامالت ،يهديهم اهلل لعبادته العبادة الصحيحة
الخالصة له ،ويهديهم ليتعاملوا مع الناس أفضل معاملة؛ ليصلوا بذلك إلى كمال
العبادات وكمال المعامالت.
ومثل هؤالء هم الذين نقتدي هبم ونطلب منهم االستشارة فيما يطرأ من قضايا
وأحداث ،ألهنم على نور من رهبم الذي يهديهم إلى الطريق الصحيح ،وهذا ما
فعله الذين لم يطعموا المعاصي من قوم طالوت حينما طلب منهم إخواهنم العون
عندما واجهوا عدوهم جالوت وجنوده ،فبينوا لهم أن النصر ليس بالكثرة ،وإنما
باإليمان والصرب بإذن اهلل.
وألن هذه النصيحة جاءت من مؤمنين هداهم اهلل إلى صراطه المستقيم،
وبينوا هذه الهداية باإليمان الصادق والثبات والصرب واإلخالص هلل ،فقد ذكر اهلل
نصيحتهم هذه يف آيات تتلى إلى يوم القيامة ،وجعل قـَصصهم من ضمن أحسن
القصص الذي اختاره اهلل لنا ،فذكره يف كتابه الكريم ،قال تعالى﴿ :ﭾ ﭿ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ
ﮐ ﮑ ﴾(((.
69
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
بخالف المكذبين الذين نجد أن قراراهتم فيها تخبط وارتباك ،ألنه ليس
لديهم هداية ونور من اهلل ،قال تعالى﴿ :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
فهم ُص ٌّم ال يستمعون لمن
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾((( ُ
وهم ُب ْك ٌم ال يستطيعون إقناع غيرهم بما يقولون،
يكلمهم ،فال يرون إال رأيهمُ ،
ألهنم يفقدون الحجة ،وهم يف ظلمات ال يرون الرؤية الحقيقية لما يدور حولهم،
فال يحسنون تحليل القضايا والحوادث والتصرف على ضوئها.
سابع ًا :ثمار الهداية لصراط الصديقين التي تفرد هبا أبو بكر الصديق عن غيره
من الصحابة:
إن من عدل اهلل ورحمته أن دلنا على الصديقين وصفاهتم كي
نقتدي هبم وهنتدي هبدايتهم ،وكذلك أرانا ثمار هداية الصديقين التي طلب منا أن
ندعوه كي يهدينا إياها ،ومن ثمار هداية أبي بكر الصديق للصراط المستقيم التي
تفرد هبا عن غيره:
) 1جوابه السريع عندما أخربه كفار قريش بخرب اإلسراء والمعراج ظنًّا
منهم أنه سوف يرتد ،فقال قولته المشهورة( :إن كان قاله فلقد صدق)((( فهذا
الرد السريع يدل على إيمانه القوي ويقينه وتصديقه بكل ما يقوله الرسول
حتى أنه لم يسأل أي سؤال قد يفيد الشك ،فلم يسأل عن كيفية
اإلسراء ،وال متى ذهب ،وال متى رجع ،بل كان رده التصديق فقط ،ألن كل
ما يقوله الرسول حق ،وهذه الدرجة من الهداية هي نعمة من اهلل
ينعمها على الصديقين من أمثال أبي بكر .
70
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
ال ُت َك ِّل ْم َأ َحدً ا مِن ُْه ْم كَلِ َم ًة َحتَّى َتن َْح َر ُبدْ ن ََكَ ،و َتدْ ُع َو َحال ِ َق َك َف َي ْحلِ َق َكَ .ف َخ َر َج َف َل ْم َ
ُي َك ِّل ْم َأ َحدً ا مِن ُْه ْمَ ،حتَّى َف َع َل َذل ِ َك؛ ن ََح َر ُبدْ َن ُهَ ،و َد َعا َحال ِ َق ُه َف َح َل َق ُهَ ،ف َل َّما َر َأ ْوا َذل ِ َك
َقا ُموا َفن ََح ُرواَ ،و َج َع َل َب ْع ُض ُه ْم َي ْحلِ ُق َب ْع ًضاَ ،حتَّى كَا َد َب ْع ُض ُه ْم َي ْقت ُُل َب ْع ًضا َغ ًّما(((.
َّاس ،ا َّت ِه ُموا ِ ٍ ِ
و َع ْن َأبِي َوائ ٍل َق َالَ :قا َم َس ْه ُل ْب ُن ُحنَ ْيف َي ْو َم ص ِّفي َن َف َق َالَ :أ ُّي َها الن ُ
ول اهللِ َ ي ْو َم ا ْل ُحدَ ْيبِ َي ِة َو َل ْو ن ََرى قِ َتالاً َل َقا َت ْلنَا، َأ ْن ُفس ُكمَ ،ل َقدْ ُكنَّا م َع رس ِ
َ َ ُ َ ْ
ول اهللِ َ و َب ْي َن ا ْل ُم ْش ِركِي َنَ ،ف َجا َء َان َب ْي َن رس ِ
َ ُ الص ْلحِ ا َّل ِذي ك َ ِ ِ
َو َذل َك في ُّ
ول اهللَِ ،أ َل ْسنَا َع َلى ول اهللِ َ ف َق َالَ :يا َر ُس َ ابَ ،ف َأ َتى َر ُس َ ُع َم ُر ْب ُن ا ْل َخ َّط ِ
َح ٍّق َو ُه ْم َع َلى َباطِلٍ! َق َالَ « :ب َلى» َق َالَ :أ َل ْي َس َقتْلاَ نَا فِي ا ْل َجن َِّة َو َقتْلاَ ُه ْم فِي الن ِ
َّار!
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يم ُن ْعطي الدَّ ن َّي َة في ديننَاَ ،ون َْرج ُع َو َل َّما َي ْح ُك ِم ُ
اهلل َب ْينَنَا َو َب ْين َُه ْم؟ َق َالَ « :ب َلى» َق َالَ :فف َ
الله َو َل ْن ُي َض ِّي َعنِي الل ُه َأ َبدً ا» َق َالَ :فا ْن َط َل َق ُع َم ُر ول ِ اب ،إِ ِّني َر ُس ُ َف َق َالَ « :يا ْب َن ا ْل َخ َّط ِ
َف َل ْم َي ْصبِ ْر ُم َت َغ ِّي ًظاَ ،ف َأ َتى َأ َبا َب ْك ٍر َف َق َالَ :يا َأ َبا َب ْك ٍر َأ َل ْسنَا َع َلى َح ٍّق َو ُه ْم َع َلى َباطِلٍ!
َّار! َق َالَ :ب َلىَ .ق َالَ :ف َعلاَ َم َق َالَ :ب َلىَ .ق َالَ :أ َل ْي َس َقتْلاَ نَا فِي ا ْل َجن َِّة َو َقتْلاَ ُه ْم فِي الن ِ
اهلل َب ْينَنَا َو َب ْين َُه ْم؟ َف َق َالَ :يا ْب َن ا ْل َخ َّط ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
اب، ُن ْعطي الدَّ ن َّي َة في ديننَاَ ،ون َْرج ُع َو َل َّما َي ْح ُك ِم ُ
ول اهللِ آن َع َلى رس ِ
َ ُ اهلل َأ َبدً اَ .ق َالَ :فن ََز َل ا ْل ُق ْر ُ إِ َّنه رس ُ ِ
ول اهلل َو َل ْن ُي َض ِّي َع ُه ُ ُ َ ُ
ول اهللَِ ،أ ْو َفت ٌْح ُهو؟ َق َالَ « :ن َع ْم» بِا ْل َف ْتحِ َ ،ف َأ ْر َس َل إِ َلى ُع َم َرَ ،ف َأ ْق َر َأ ُه إِ َّيا ُهَ ،ف َق َالَ :يا َر ُس َ
َف َطا َب ْت َن ْف ُس ُه َو َر َج َع(((.
حاضرا
ً فقد كان رد أبي بكر مطاب ًقا لر ّد الرسول مع أنه لم يكن
عندما كان عمر يسأل الرسول لكنه نور اهلل يهدي لنوره من يشاء،
است َْم ِس ْك بِ َغ ْر ِز ِهَ ،ف َوال َّل ِه
حتى إن أبا بكر ليقينه أقسم باهلل على ذلك عندما قالَ :ف ْ
(( ( صحيح البخاري )2732( ،)2731( :ط الرسالة ،صحيح مسلم )4834( :الرسالة.
((( مسلم )4633( :ط الرسالة ،.البخاري )3182( :ط الرسالة.
72
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
73
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
فهذه الصور وغيرها انفرد هبا الصديق عن غيره من الصحابة حتى استحق
لقب الصديق عند اهلل حيث أصر على إنفاذ جيش أسامة ،ألن الذي أمر به هو
الرسول وهو يعلم أن الرسول يمشي على الصراط
المستقيم ،صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين ،وهو بذلك يتبع هذا الصراط
الخير يف
َ كما أمر اهلل أن يتبعه ،فيطبق ما يأمر به الرسول ألنه يرى
غانما ،وألن
سالما ً
ً أمر الرسول وقد كان ذلك ،حيث رجع الجيش
حريصا كل الحرص يف اتباع صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين، ً أبا بكر كان
فقد ارتقى بذلك حتى وصل إلى منزلة الصديقين الذين أنعم اهلل عليهم ،ممن َي َّتبِع
صراطهم المؤمنون.
) 4هدايته للصراط المستقيم يف حربه المرتدين.
ف َأ ُبو َب ْك ٍر ُخلِ َ است ْ عن َأبِي هرير َة َق َالَ :لما ُتو ِّفي رس ُ ِ
ول اهَّلل َ و ْ َّ ُ َ َ ُ ُ َ َْ َ ْ
َّاس َو َقدْ َق َال بَ ،ق َال ُعمر لأِ َبِي ب ْك ٍرَ :كي َ ِ َب ْعدَ ُهَ ،و َك َف َر َم ْن َك َف َر مِ َن ال َع َر ِ
ف ُت َقات ُل الن َ ْ َ َُ
اس َح َّتى َي ُقو ُلواَ :
(ال إِ َل َه إِ اَّل ال َّل ُه) َف َم ْن «أ ِم ْر ُت َأنْ ُأ َقاتِ َل ال َّن َ ول اهَّللِ ُ : َر ُس ُ
ال: (ال إِ َل َه إِ اَّل ال َّل ُه) َع َص َم ِمنِّي َم َال ُه َو َن ْف َس ُه ،إِ اَّل بِ َح ِّق ِه َو ِح َسا ُب ُه َع َلى ال َّل ِه»؟ َف َق َ
الَ : َق َ
الَ ،وال َّل ِه َل ْو َمن َُعونِي الز َك ِاةَ ،فإِنَّ َّ
الز َكا َة َح ُّق َ
الم ِ ال ِة َو َّ َوال َّل ِه أَ ُل َقاتِ َل َّن َم ْن َف َّر َق َب ْي َن َّ
الص َ
ول ال َّل ِه َ ل َقا َت ْلت ُُه ْم َع َلى َم ْن ِع ِهَ .ف َق َ
ال ُع َم ُر: ِع َق اًال َكا ُنوا ُيؤَ ُّدو َن ُه إِ َلى َر ُس ِ
َالَ ،ف َع َر ْفت َأ َّن ُه َ
الح ُّق(((. َف َوال َّل ِه َما ُه َو إِ اَّل َأنْ َر َأ ْيت ال َّل َه َقدْ َش َر َح َصدْ َر َأبِي َب ْك ٍر لِ ْل ِقت ِ
لقد عرف عمر بن الخطاب درجة هداية الصديقين ،فأقسم على أن
صراط أبي بكر الصديق هو الحق ،عندما قالَ « :ف َواهَّلل ِ َما ُه َو إِ اَّل َأ ْن َر َأ ْيت اهَّللَ َقدْ
(( ( البخاري )7285( ،)7284( :ط الرسالة .ورواه مسلم )124( :ط الرسالة.
74
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
***
75
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
Jاخلامتة L
تلك هي صفات وأحوال من لم يطعم المعاصي ،قد أظهرها اهلل للناس يف كل
عصر ليعلموا أن التأسي هبؤالء واتباع طريقهم المستقيم ليس صع ًبا لمن سهله
اهلل عليه.
وهؤالء قد م ّن اهلل عليهم بمعرفة األسلحة التي ينفعهم اهلل هبا يف الدنيا واآلخرة
فاستخدموها ،فصاروا أقوى وأثبت من يمشي على األرض بعد األنبياء؛ ألهنم
ول اهَّللِ عرفوا اهلل الذي يقول يف الحديث القدسي الذي رواه أبو ُه َر ْي َرةََ :ق َال َر ُس ُ
بَ ،و َما َت َق َّر َب إِ َل َّي الح ْر ِ الَ :م ْن َعا َدى لِي َولِ ًّيا َف َقدْ آ َذ ْن ُت ُه بِ َ « :إِنَّ ال َّل َه َق َ
َع ْب ِدي بِ َش ْي ٍء َأ َح َّب إِ َل َّي ِم َّما ا ْفت ََر ْض ُت َع َل ْي ِهَ ،و َما َيزَ ُال َع ْب ِدي َي َت َق َّر ُب إِ َل َّي بِال َّن َو ِافلِ
َح َّتى ُأ ِح َّب ُهَ ،فإِ َذا َأ ْح َب ْب ُت ُه ُك ْن ُت َس ْم َع ُه ا َّل ِذي َي ْس َم ُع بِ ِهَ ،و َب َص َر ُه ا َّل ِذي ُي ْب ِص ُر بِ ِهَ ،و َي َد ُه
أَ َ
است ََعا َذنِي ش بِ َهاَ ،و ِر ْج َل ُه ا َّلتِي َي ْم ِشي بِ َهاَ ،وإِنْ َسأ َلنِي ُل ْع ِط َي َّن ُهَ ،و َلئِ ِن ْ ا َّلتِي َي ْب ِط ُ
الم ْو َت المؤْ ِم ِنَ ،ي ْك َر ُه َ س ُ اع ُل ُه َت َر ُّد ِدي َع ْن َن ْف ِ يذ َّن ُهَ ،و َما َت َر َّد ْدت َع ْن َش ْي ٍء َأ َنا َف ِ أَ ُل ِع َ
َو َأ َنا َأ ْك َر ُه َم َس َاء َت ُه»(((.
جعلنا اهلل ممن ال يطعم المعاصي ،وممن إذا سأله أعطاه وإذا استعاذه أعاذه.
وجعلنا ممن قال عنهم سبحانه ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾((( آمين.
***
(( ( البخاري )6502( :ط الرسالة.
(( ( سورة الليل :اآليات .21-19
76
ملاذا قالوا :ال طاقة لنا اليوم؟
Jالفهرس L
املراد بالطاقة 5.........................................................................................................................
أحسن القصص 9........................................................................................................................
طالوت وجالوت11.......................................................................................................................
● ●الفئة األوىل :الذين ال يعرفون وال ميلكون الطاقة14...........................................................
● ●الفئة الثانية :الذين ميلكون طاقة قد يفقدونها يف بعض األحيان 19.................................
● ●الفئة الثالثة :الذين ميلكون طاقة دائمة 20.......................................................................
أثر هذه الطاقة اإلميانية على من ميلكها 26..........................................................................
كيف نكون مع من مل يطعمه؟32...............................................................................................
أول :حتديد اهلدف 32...........................................................................................................
● ● اً
● ●ثان ًيا :السعي واجملاهدة هلذا اهلدف 33.................................................................................
● ●ثال ًثا :العمل 36.....................................................................................................................
● ●راب ًعا :الصرب 41......................................................................................................................
هل أنت يف خسر أم يف فوز؟ 46...................................................................................................
صور ممن مل يطعم املعاصي49...................................................................................................
● ●داود 51..................................................................................................................
● ● ُج َر ْي ٌج الراهب 54....................................................................................................................
● ●أبو بكر الصديق 60.................................................................................................
اخلامتة 76..................................................................................................................................
***
77