Professional Documents
Culture Documents
نظريات التعلم
نظريات التعلم
المقر الرئيس
نظريات التعلم
نظريات التعلم والنماذج البيداغوجية
التعلمي
لحسن .توبي إلى
اديكمدالتعليمي
من البار
إعداد:
1
نظريات التعلم
-السلوكية
-الجشطلتية
-البنائية
-السوسيوبنائية
2
نظريات التعلم :من السلوكية إلى المعرفية
شكلت ظاهرة التعلم موضوعا لنظريات تعلمية عديدة أو نظريات في مجال سيكولوجية
التعلم ،حيث حاولت تفسير عملية التعلم عند مختلف الكائنات (اإلنسان والحيوان) ،فاختلفت
تصوراتها باختالف منطلقاتها ومرجعياتها النظرية ،وانتهت إلى جملة من القوانين أو المبادئ
التعلمية :وهي تتوزع بين اتجاهين كبيرين أو باراديكمين :األول سلوكي ،يعتبر التعلم تعديال
ويركز على وصف السلوكات القابلة للمالحظة .أما الثاني ،فذو طابع معرفي
للسلوكُ ،
( ، )Cognitivisteينظر إلى التعلم باعتباره تعديال للتمثالت وخطاطات الفعل .يتميز هذا
االتجاه بقطعه الصلة مع الباراديكم السلوكي ،ألنه يضع فرضيات حول ما يجري في "العلبة
السوداء" عند حصول التعلم ،ويهتم بمختلف العمليات الذهنية ،والسيرورات المعرفية
المتحكمة في جريان التعلم واالكتساب ،وباالستراتيجيات الذهنية للفرد ،ومعالجته لإلخبار أو
المعلومات.
وحرص اتجاه آخر على استحضار المتغيرات االجتماعية في تحديد التعلم ،مركزين على
عامل الوساطة ،وعلى العالقة القائمة بين الشخص ومحيطه االجتماعي ،وفسروا جريان
التعلم على أساس هذا المنطلق.
أثرت هذه النظريات التعلمية بمختلف توجهاتها ،على تطور الخطاب التربوي ،وعلى
الممارسات التعليمية التعلمية داخل الفصول الدراسية .ولرصد خصوصية هذه النظريات،
سنقدم بطاقات تقنية واصفة ،تتيح تحديد سياق ظهورها ،ورصد منطلقاتها ،وشبكاتها
المفاهيمية ،والمبادئ التعلمية التي اهتدت إليها.
3
السلوكية
التأثر بالفلسفة الوضعية ( )positivismeالتي تحتفي بنتائج العلم .لهذا اقترنت أبحاث السياق
السلوكيين بالبحث المخبري ،الذي ركز على دراسة السلوك الحيواني ،ليتحول االهتمام بعد ظهور
ذلك إلى "تطبيق مبادئ السلوك على المشكالت اإلنسانية( ،تكنولوجيا التعليم)". االتجاه
التحول الذي عرفه حقل علم النفس ،خاصة بعد انفصاله عن الدرس الفلسفي ،وظهور معالم السلوكي
جديدة في البحث ،تعتمد على مقاربة الظواهر والعمليات النفسية بكيفية علمية.
الم َمهدين لهذا التوجه في البحث ،ليتطور
ُ يعد ابنكوس ) Ebbinghaus (1850-1909من ُ
بعد ذلك على يد واتسون ( ،Watson )1938-1878الذي حدد موضوع علم النفس في
دراسة السلوك ،فكان ذلك بمثابة إعالن عن ظهور االتجاه السلوكي ،ثم تطور هذا االتجاه
على يد مجموعة من الرواد على رأسهم بافلوف )Pavlov (1849-1939
وتورندايك )Thorndike (1874-1949وسكينر)... Skinner (1904_1990
هي نظرية في مجال التعلم أو سيكولوجية التعلم ،تُركز على السلوك القابل للمالحظة ،وتتفرع إلى ماذا نعني
توجهين نظريين: بالسلوكية؟
تندرج في إطاره مجموعة من التصورات على رأسها تصور بافلوف حول اإلشراط الكالسيكي. توجه اقتراني .1
أو ارتباطي
ُيقر هذا االتجاه بأن التعلم يحصل بموجب االرتباطات بين المثير البيئي واالستجابة.
()associationnist
الحظ بافلوف في بداية تجربته أن الكلب الجائع عندما تُقدم لها شرائح لحم يبدأ لعابه في السيالن،
يسمي شريحة لحم بالمثير غير المشروط )Stimulus inconditionnel( ،بينما اللعاب باالستجابة
غير الشرطية(.) Réponse inconditionnel
ثم أدرج بافلوف في تجربته مثي ار آخر يتمثل في رنين الجرس ،األمر الذي ترتب عنه في البداية توجيه
اهتمام الكلب ،غير أن تكرار هذا المثير (المثير المحايد) لم تنشأ عنه أي استجابة .بعد ذلك َقرن
بافلوف بين تقديم شريحة اللحم (المثير غير الشرطي) ورنين الجرس (المثير المحايد) ،فأفضت التجربة
إلى جعل الكلب يفرز اللعاب .وبعد تكرار هذه العملية عدة مرات تحول رنين الجرس من مثير محايد
إلى مثير شرطي.
ويمثله مجموعة من األعالم ،كثورندايك (نظرية المحاولة والخطأ) ،ونظرية سكينر (النظرية .2 توجه
اإلجرائية أو اإلجرائية الشرطية) ،حيث يتم التركيز على الوظائف التي يضطلع بها السلوك ،من دون وظيفي
إغفال عالقة االرتباط بين المثير واالستجابة.
4
نظرية تورندايك االرتباطية
انطلق من حقيقة مضمونها أن التعلم يقوم على أساس وجود عالقة بين مثيرات مادية وردود أفعال
قابلة للمالحظة.
وأنه يمكن تقوية هذه االرتباطات أو االقترانات أو إضعافها.
انطالقا من تجارب على الحيوانات (قطط) بين تورندايك أهمية آليتي المحاولة والخطأ ،باعتبارهما
محددين أساسين للتعلم .فبعد اإلكثار من المحاوالت الخاطئة ،يبدأ الكائن في إقصاء السلوكات األقل
فعالية بشكل تدريجي ،فيتوصل بسرعة إلى حل المشكلة.
ميز سكينر بين نوعين من السلوك :األول ،يحدث نتيجة بعض المثيرات ،مثل إغماض العينين بفعل النظرية
الغبار؛ والثاني ُيعرف بالسلوك اإلجرائي ،والذي يتخذ طابعا إراديا ،ويؤثر في البيئة. اإلجرائية
توصل سكينر من خالل التجارب المخبرية على الحيوانات إلى أن التعلم هو نتيجة لسيرورة "اإلشراط"، الشرطية
غير أنه يتخذ طابعا إجرائيا ( ،)Opérantويرتبط بالسلوك اإلرادي ،خالفا لبافلوف.
خلص إلى أن الذات فاعلة ،وتتعلم بمالحظة نتائج أفعالها وتلقيها للدعم ( ،)Renforcementأي أن
التعليم طريقة نشطة ،تُركز على إثارة التعلم وتنظيم إمكانيات التعزيز" .
سعى سكينر إلى تطبيق النتائج والمبادئ التي توصل إليها ،على التعليم اإلنساني ،فطور طريقة
تعليمية تُعرف بالتعليم المبرمج ( ،)Enseignement programméوهي تنطلق من مبدأ مضمونه
أن التحكم في البيئة التعليمية يضمن تعلما جيدا.
في ضوء هذه الخلفية النظرية أضحى المدرس مطالبا بتوفير شروط التعلم ،وهيكلة الوضعيات،
وتهيئة برامج تجعل التلميذ ينخرط في الفعل ،وتتقيد بتقطيع مادة التعلم إلى أجزاء ،وإعداد األسئلة
(مثيرات) من شأنها جعل المتعلم نشطا ،والدفع به إلى إنتاج األجوبة الصحيحة (استجابات) ،وتقديم
يز إيجابيا ،ودعم مكتسباته ،في أفق تعديل السلوك الذي يبرمجه المدرس.
بعد ذلك تعز ا
انتهت السلوكية إلى مجموعة من المبادئ أو القوانين التعلمية من بينها: مبادئ
.1قانون االقتران ،حيث يحصل تحول في المثير ،فبعدما كان رنين الجرس مثي ار محايدا أصبح وقوانين
مثي ار شرطيا ،جعل الكلب يستجيب استجابة شرطية (سيالن اللعاب). التعلم
.2قانون المران ( :)Loi de l’exerciceأو قانون االستخدام :أن االرتباطات بين الوضعية
(القفص الذي توجد فيه القطة) واالستجابة (جذب المزالج) تتعزز عن طريق المران،
وتضعف بتوقف التمرن.
.3قانون األثر( :)la loi de l'effetإن االرتباط يتقوى أو يضعف بفعل أثر نتائجه ،إذا كانت
عملية ارتباط الوضعية باالستجابة ،قد نتج عنها رضى الذات (تعزيز) فإن االرتباط يتقوى.
أما إذا لم لزم عنها الضيق وعدم الرضر فإن هذا االرتباط يضعف.
5
علم النفس الجشتطلتي
ظهرت الجشطلتية في بداية القرن العشرين .وارتبطت بمجموعة من األعالم ،مثل كوهلر Wolfgang السياق
) Kahler (1887-1967وكوفكا ) Kurt Koffka (1886-1941ورتيمر Max Wertheimer
)...)(1880-1943
جاءت الجشطلتية في سياق االعتراض على التيار السلوكي ،والنظرية االقترانية ،التي َبسطت عملية
التعلم في آلية اإلشراط.
تُحيل كلمة الجشتلط على الشكل أو الهيئة أو البنية أو الكل المنظم .ولهذا قد تُنعت "بالنظرية النفسية ماذا نعني
للشكل" ( .)psychologie de la formeويتبين من اسمها أنها تهتم أكثر بالشكل الجيد لإلدراك.
بالجشطلتية؟
-اهتمت بقضايا عديدة ،كاإلدراك ،مطلقة من حقيقة مضمونها أنه "إذا أردنا أن نفهم لماذا يقوم منطلقات
الكائن بالسلوك الذي يسلك ه ،فال بد لنا من أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه ،والموقف الذي
الجشطلتية
يجد فيه نفسه.
-من منطلقاتها اإلقرار بمبدأ الكلية في عملية اإلدراك ،حيث تنص على أن الوعي يتشكل من
مجموع العناصر ،وليس بناء على عناصر مجزأة ،وأنه يمكن بعد ذلك إما القيام بتركيب شامل
لهذه المجموعات أو تحليلها .فالجزء فاقد للمعنى ،إذا كان منفصال عن الكل .ويترتب عن هذا
المبدأ الجزم بأن فهم الظاهرة السلوكية ال يتأتى من خالل تحليلها إلى مستويات جزئية وعناصرها
الذرية ،وإنما يحصل الفهم عبر اإلدراك الشمولي الكلي في مختلف المواقف.
-الجشطلتُ :يقصد به "ذلك النظام الذي تكون فيه األجزاء المكونة له مترابطة ترابطا ديناميا فيما الشبكة
بينها ،وما بين الكل ذاته...والجشطلت هو النقيض للمجموع ،إذ إن المجموع ليس أكثر من حزمة من
المفاهيمية
األجزاء التي قد تكون ...ملصقة بعضها ببعض بطريقة عشوائية".
البنية":لكل جشطلت بنية متأصلة فيه وتميزه عن غيره ،ومهمة الباحث هي وصف البنى الطبيعية
بطريقة ال تشوه أصولها أو كنهها.
االستبصار:هو فهم ترابط أجزاء موقف ُمشكل ،وطريقة عمله ،وكيفية التوصل إلى الحلول المناسبة
له .ولن يتحقق التعلم في صورته النموذجية ما لم يحصل االستبصار.
الفهمُ :يقرن الفهم باالستبصار ،ذلك أن تحقق هذا األخير يعني حصول فهم كامل للموقف .ويعد
الفهم هو الهدف من التعلم.
إعادة التنظيم:عادة ما يقود التعلم إلى تغيير في اإلدراك األولي الذي ُن َكونه حول الموقف ،حيث ُيعاد
تنظيم هذا اإلدراك على نحو يقود إلى النجاح .مع استبعاد التفاصيل التي ال تكتسي أهمية داخل هذا
الموقف.
6
توصلت الجشطلتية إلى مجموعة من المبادئ ،التي تتحكم في عملية اإلدراك ،ولها تأثير في التعلم. مبادئ
ومن أهمها:
الجشطلتية
مبدأ التشابه :ينص مبدأ التشابه ( )similarityعلى أن إدراك الخصائص العالئقية بين األشياء
له دور أساس في عملية تخزين المعلومات ،سواء على مستوى اللون أو الحجم أو الشكل ،األمر
الذي يجعلها تُدرك بأنها تُشكل كال موحدا ،فيسهل استرجاعها بسهولة.
مبدأ التقارب( :)proximityكلما حصل تقارب بين األشياء والموضوعات على مستوى الزمان أو
المكان ،تُدرك على أنها تنتمي إلى المجموعة نفسها ،فتشكل كال موحدا ،ويسهل تخزينها في الذاكرة.
مبدأ اإلغالق ( :)Clouseيتميز النظام اإلدراكي اإلنساني بالدينامية والقدرة على إعادة تنظيم
المدركات الحسية ،لسد كل فجوة أو نقص ،وإلدراك الكل على النحو التام :فاألشكال الهندسية التي
تفتقد إلى جزء معين ،كالدائرة مثال غير التامة ،ندركها كما هي في اكتمالها .والعبارة اللغوية الناقصة
ندرك مظاهر االرتباط فيها .ألن األفراد يسعون جاهدين إلى "ملء الفراغات الناقصة...
7
البنائية والسوسيو بنائية
ارتبطت البنائية ببياجي ، Jean Piagetوجاءت في سياق االعتراض على الممارسات سياق ظهور
التعليمية التقليدية القائمة فقط على تبليغ المعارف ونقلها ،كما أنها رد فعل ضد التيار السلوكي ،إذ
البنائية
لم يعد التعلم هو تغيير للسلوك وإنما يقوم على تعديل التمثالت والخطاطات المستضمرة في البنية
التصورية للفرد.
يحيل اسم البنائية على نماذج نظرية في مجال التعلم ،تنطلق من مبدأ مضمونه أن المعرفة ال مفهوم البنائية
يستَقبلها الفرد بكيفية سلبية ،وإنما "يبنيها" بطريقة َن ِشطة .وانطالقا من هذا المبدأ يتحدد التعلم
ْ
على أساس أنه عملية إعادة تنظيم ذهني ،يقوم بها الفرد نفسه.
-حاولت تفسير السيرورات الذهنية المتحكمة في بناء المعرفة ،وقدمت إضاءات حول منطلقات
كيفية إدراك الطفل للعالم ،والطريقة التي يفكر من خاللها بهذا العالم.
البنائية
-انطلقت من مبدأ يقضي بأن اإلنسان مزود بقدرته على التنظيم ،وتُ َمثل مصد ار أساسا
في بناء المعرفة ،ونمو العقل ،وتطور أساليب تفكير الفرد.
-انطلق بياجي من أن معرفة الفرد تنجم عن تفاعل الذات مع محيطها ،أي بيئته
االجتماعية والمادية ،ألن اإلنسان نظام متكامل بين المستويين.
-انطلق من بعض المرجعيات الفلسفية ،على رأسها كانط ،الذي أكد أن "معرفة أي
شيئ في هذا العالم تتطلب وجود معرفة سابقة ،تتعلق بالزمان والمكان والعمق ،لكنه
اختلف معه من حيث إن الفرد يقوم ببناء مثل هذه المفاهيم من خالل عملية التوازن
العقلي.
انطلق بياجي من مسلمة مضمونها أن معرفة اإلنسان مستمدة جزئيا من المحيطين المادي عوامل النمو
واالجتماعي ومن عامل النضج ( ،)Maturationوأنه باإلضافة إلى ذلك فإن ثمة محددا
يضطلع بدور أساس في التعلم يتمثل في ما ُيعرف "بالموازنة"( .)Equilibrationوتتميز هذه
العوامل بتكاملها .ويمكن أن نفصل القول في هذه العوامل كاآلتي:
النضجُ :يراد به نمو الجهاز العصبي والجهاز الجسمي والحواس باعتبارها ِتؤتر في النمو
المعرفي لدى األفراد .فالكثير من األنماط السلوكية واألبنية المعرفية ال يمكن للفرد تشكيلها أو
القيام بها ما لم يحدث النضج في تلك األجهزة أو في بعض منها".
التفاعل مع العالم المادي( :األشياء الموجودة في العالم تسمح بتطوير مجموعة من الخبرات
والمعارف ،وتكوين أبنية منطقية ورياضية ذات عالقة بهذه الموجودات)...
8
التفاعل مع العالم االجتماعي :يتفاعل الفرد مع محيطه االجتماعي( ،األسرة والجمعيات ودور
العبادة ،)...مما ينعكس على نموه المعرفي ،فتنشأ بنيات معرفية عن العالم.
الموازنةُ :يقصد بهذا المفهوم العملية التي نستند إليها إلزالة كل أشكال التناقضات .فبعدما
يدرك الشخص أن ثمة شيئا غير عاد ،يترتب عنه اختالل في التوازن ،فإن ذلك يقوده إلى
"تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض .وهي ال تنجم مما يراه اإلنسان ،بل
إنها تساعد اإلنسان على فهم ما يراه.
إن النمو المعرفي لإلنسان هو سيرورة تتحقق بموجب "توازن" بين ما يسميه بالتمثل أو
االستيعاب ( ،)Assimilationمن حيث كونه عملية إدماجية لمثيرات جديدة مع الخطاطات
الموجودة مسبقا ،أو عملية إدماج العالم الخارجي داخل البنية المعرفية للشخص.
أما التكيف أو المالءمة( )Accommodationفهي "عملية االنتباه التي تختص كلية بالتجربة
الجديدة وبصورة مستقلة عن الخبرات السابقة" .ويترتب عنها ظهور خطاطات جديدة عند
مواجهة صعوبة استخدام الخطاطات السابقة ،حيث يتم تعديل في البنيات المعرفية السابقة
لتتالءم مع الواقع الجديد.
يكتسي التعلم داللة كلما هيأنا األسباب لجعل المتعلم يقوى على إزالة تناقض أو تعارض بين كيف يحصل
التنبؤات والنتائج ،أي الوصول إلى حالة التنظيم الذاتي الذي ُي َميز عملية التوازن ،بعد إلغاء
التعلم
مستويات من الفهم السابقة وغير المكتملة .وبهذا أضحى مصدر "التعزيز" الذي ُيَقوي السلوك
ليس البيئة وإنما أفكار المتعلم ِ
نفسه .فالتعزيزات الخارجية لم تعد سوى مصد ار واحدا من ُ
مصادر التعلم.
إن القيمة االبستمولوجية للبنائية تتحدد في أنها سعت إلى التدليل على أن التعلم اإلنساني يتم
المتعلم هو الذي يبني معرفته الخاصة.
بشكل تلقائي وذاتي ،منطلقة من مسلمة مقتضاها أن ُ
وال أحد على اإلطالق يمكن أن يحل محله في إطار هذه العملية .لقد استعاضت بهذا عن كل
ومهدت
نظرة تختزل الطفل في صفحة بيضاء قابلة ألن تسجل عليها قائمة من المعلوماتَ ،
لخطاب بيداغوجي عجل بتقويض دعائم االساليب التعليمية التقليدية.
9
السوسيوبنائية (فيكوتسكي)
إذا كان بياجي قد أقام نظرية حول النمو والتعلم ،متأث ار بالمرجعية البيولوجية ،ومنطلقا من حقيقة هي السياق
أن الفكر يتبع مسارا ،ينطلق من البعد الفردي أو الداخلي ،ليتجه نحو ما هو اجتماعي ،فإن رواد
المدرسة السوسيو بنائية (فيكوتسكي) ركزوا على البعد االجتماعي ،وعلى عامل تفاعل المتعلم مع
األخر (الوسيط)،
تركز السوسيوبنائية على أهمية التفاعالت االجتماعية ،لكونها مسؤولة عن تشكل البنية العقلية المنطلقات
للطفل؛
يعتبر فيكوتسكي أن كل وظيفة من "الوظائف النفسية العليا" للطفل (اللغة المكتوبة ،الخرائط ،وتكوين التصورية
مفاهيم ،الخطاطات الخ )...يمكن رصدها من خالل محطتين مختلفتين ،تُميزان سيرورة الطفل
التعلمية:
.1فمرة تتجلى في األنشطة الجماعية التي ُيدعمها الراشد أو مجموعة اجتماعية أو من خالل
التفاعل مع األقران ،وهي أنشطة يصعب أن يقوم بها الطفل بمفرده.
.2أما في الحالة الثانية ،فتبرز هذه الوظائف عبر أنشطة الطفل الفردية ،وتُستبطن في فكره،
وتبدأ العمليات أو اآلليات الداخلية الفردية في العمل.
بمعنى آخر ،ف إن تطور الوظائف النفسية العليا هي حصيلة تفاعل بين النمو الطبيعي ،الذي يرتبط
بالنضج العضوي ،وبين عملية االكتساب الثقافي ،المقترنة بنشاط التعلم.
ُ -يميز فيكوتسكي بين محطتين أو وضعيتين :األولى ،يكون فيها الطفل قاد ار على القيام
بأشياء معينة ،في منأى عن أي مساعدة من الراشد ("النمو الحالي للطفل) .أما في الثانية ،فيتحدد
مستوى النمو المتوقع ،ويمكن أن نرصد في ضوئها ما ينجح الطفل في القيام به ،بمساعدة
اآلخرين له "القدرة االحتمالية للنمو .)" (capacité potentielle de développementأما
المسافة الفاصلة بين هاتين المحطتين فتغطي ما يسمى "بالمنطقة األقرب إلى النمو"( Zone
.")proximale de développement
ُ -يشدد فيكوتسكي أن الطفل باستطاعته السيطرة على نموه ،ذلك أن لديه "قابلية للنمو ،الذي
يعتبر متغي ار تابعا لتعلم الطفل" .وتعد هذه النقطة محور خالف مع تصور بياجي.
-يؤكد فيكوتسكي على أن طبيعة منطقة النمو المحتمل ،تتميز بطابع اجتماعي ثقافي:
فعندما يتعلم طفل لعبة معينة ،فألنه مارسها على نحو مشابه للطريقة التي مارسها قرينه أو
ُمدرسه ،فيدفعه هذا إلى محاكاة أسلوب الوسيط (المدرس ،الراشد ،القرين.)...
ُيحيل هذا المفهوم على فضاء يتحقق داخله النمو ،ويمثل محور أنشطة تعلمية ،ويساعدنا في معرفة لمنطقة
الخطوات المستقبلية للطفل ودينامية تطوره ،حيث تتم مراعاة ليس فقط النتائج المحصل عليها ،وإنما
إلى األقرب
أيضا تلك التي في طور االكتساب .فإذا أردنا ،مثال ،تعليم طفل لعبة معينة ،فمنطقة النمو المحتمل
ستكون ال محالة هي المسافة الموجودة بين معارف الطفل ومهاراته حول هذه اللعبة ،وما يقوى على النمو
من هنا تصبح التربية مدعوة إلى االهتمام بهذه المنطقة ،أي
فعله عندما يقوم شخص بتعليمه إياها10 .
منطقة النمو الممكن حدوثه.