You are on page 1of 10

‫المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدار البيضاء سطات‬

‫المقر الرئيس‬

‫نظريات التعلم‬
‫نظريات التعلم والنماذج البيداغوجية‬
‫التعلمي‬
‫لحسن‬ ‫‪.‬توبي إلى‬
‫اديكمدالتعليمي‬
‫من البار‬
‫إعداد‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫نظريات التعلم‬
‫‪ -‬السلوكية‬
‫‪ -‬الجشطلتية‬
‫‪ -‬البنائية‬
‫‪ -‬السوسيوبنائية‬

‫‪2‬‬
‫نظريات التعلم‪ :‬من السلوكية إلى المعرفية‬

‫شكلت ظاهرة التعلم موضوعا لنظريات تعلمية عديدة أو نظريات في مجال سيكولوجية‬
‫التعلم‪ ،‬حيث حاولت تفسير عملية التعلم عند مختلف الكائنات (اإلنسان والحيوان)‪ ،‬فاختلفت‬
‫تصوراتها باختالف منطلقاتها ومرجعياتها النظرية‪ ،‬وانتهت إلى جملة من القوانين أو المبادئ‬
‫التعلمية‪ :‬وهي تتوزع بين اتجاهين كبيرين أو باراديكمين‪ :‬األول سلوكي‪ ،‬يعتبر التعلم تعديال‬
‫ويركز على وصف السلوكات القابلة للمالحظة‪ .‬أما الثاني‪ ،‬فذو طابع معرفي‬
‫للسلوك‪ُ ،‬‬
‫(‪ ، )Cognitiviste‬ينظر إلى التعلم باعتباره تعديال للتمثالت وخطاطات الفعل‪ .‬يتميز هذا‬
‫االتجاه بقطعه الصلة مع الباراديكم السلوكي‪ ،‬ألنه يضع فرضيات حول ما يجري في "العلبة‬
‫السوداء" عند حصول التعلم‪ ،‬ويهتم بمختلف العمليات الذهنية‪ ،‬والسيرورات المعرفية‬
‫المتحكمة في جريان التعلم واالكتساب‪ ،‬وباالستراتيجيات الذهنية للفرد‪ ،‬ومعالجته لإلخبار أو‬
‫المعلومات‪.‬‬
‫وحرص اتجاه آخر على استحضار المتغيرات االجتماعية في تحديد التعلم‪ ،‬مركزين على‬
‫عامل الوساطة‪ ،‬وعلى العالقة القائمة بين الشخص ومحيطه االجتماعي‪ ،‬وفسروا جريان‬
‫التعلم على أساس هذا المنطلق‪.‬‬

‫أثرت هذه النظريات التعلمية بمختلف توجهاتها‪ ،‬على تطور الخطاب التربوي‪ ،‬وعلى‬
‫الممارسات التعليمية التعلمية داخل الفصول الدراسية‪ .‬ولرصد خصوصية هذه النظريات‪،‬‬
‫سنقدم بطاقات تقنية واصفة‪ ،‬تتيح تحديد سياق ظهورها‪ ،‬ورصد منطلقاتها‪ ،‬وشبكاتها‬
‫المفاهيمية‪ ،‬والمبادئ التعلمية التي اهتدت إليها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫السلوكية‬

‫التأثر بالفلسفة الوضعية (‪ )positivisme‬التي تحتفي بنتائج العلم‪ .‬لهذا اقترنت أبحاث‬ ‫‪‬‬ ‫السياق‬
‫السلوكيين بالبحث المخبري‪ ،‬الذي ركز على دراسة السلوك الحيواني‪ ،‬ليتحول االهتمام بعد‬ ‫ظهور‬
‫ذلك إلى "تطبيق مبادئ السلوك على المشكالت اإلنسانية‪( ،‬تكنولوجيا التعليم)"‪.‬‬ ‫االتجاه‬
‫التحول الذي عرفه حقل علم النفس‪ ،‬خاصة بعد انفصاله عن الدرس الفلسفي‪ ،‬وظهور معالم‬ ‫‪‬‬ ‫السلوكي‬
‫جديدة في البحث‪ ،‬تعتمد على مقاربة الظواهر والعمليات النفسية بكيفية علمية‪.‬‬
‫الم َمهدين لهذا التوجه في البحث‪ ،‬ليتطور‬
‫‪ُ ‬يعد ابنكوس )‪ Ebbinghaus (1850-1909‬من ُ‬
‫بعد ذلك على يد واتسون (‪ ،Watson )1938-1878‬الذي حدد موضوع علم النفس في‬
‫دراسة السلوك‪ ،‬فكان ذلك بمثابة إعالن عن ظهور االتجاه السلوكي‪ ،‬ثم تطور هذا االتجاه‬
‫على يد مجموعة من الرواد على رأسهم بافلوف )‪Pavlov (1849-1939‬‬
‫وتورندايك )‪Thorndike (1874-1949‬وسكينر)‪... Skinner (1904_1990‬‬
‫هي نظرية في مجال التعلم أو سيكولوجية التعلم‪ ،‬تُركز على السلوك القابل للمالحظة‪ ،‬وتتفرع إلى‬ ‫ماذا نعني‬
‫توجهين نظريين‪:‬‬ ‫بالسلوكية؟‬
‫تندرج في إطاره مجموعة من التصورات على رأسها تصور بافلوف حول اإلشراط الكالسيكي‪.‬‬ ‫توجه اقتراني ‪.1‬‬
‫أو ارتباطي‬
‫ُيقر هذا االتجاه بأن التعلم يحصل بموجب االرتباطات بين المثير البيئي واالستجابة‪.‬‬
‫(‪)associationnist‬‬
‫الحظ بافلوف في بداية تجربته أن الكلب الجائع عندما تُقدم لها شرائح لحم يبدأ لعابه في السيالن‪،‬‬
‫يسمي شريحة لحم بالمثير غير المشروط‪ )Stimulus inconditionnel( ،‬بينما اللعاب باالستجابة‬
‫غير الشرطية(‪.) Réponse inconditionnel‬‬
‫ثم أدرج بافلوف في تجربته مثي ار آخر يتمثل في رنين الجرس‪ ،‬األمر الذي ترتب عنه في البداية توجيه‬
‫اهتمام الكلب‪ ،‬غير أن تكرار هذا المثير (المثير المحايد) لم تنشأ عنه أي استجابة‪ .‬بعد ذلك َقرن‬
‫بافلوف بين تقديم شريحة اللحم (المثير غير الشرطي) ورنين الجرس (المثير المحايد)‪ ،‬فأفضت التجربة‬
‫إلى جعل الكلب يفرز اللعاب‪ .‬وبعد تكرار هذه العملية عدة مرات تحول رنين الجرس من مثير محايد‬
‫إلى مثير شرطي‪.‬‬

‫ويمثله مجموعة من األعالم‪ ،‬كثورندايك (نظرية المحاولة والخطأ)‪ ،‬ونظرية سكينر (النظرية‬ ‫‪.2‬‬ ‫توجه‬
‫اإلجرائية أو اإلجرائية الشرطية)‪ ،‬حيث يتم التركيز على الوظائف التي يضطلع بها السلوك‪ ،‬من دون‬ ‫وظيفي‬
‫إغفال عالقة االرتباط بين المثير واالستجابة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫نظرية تورندايك االرتباطية‬
‫انطلق من حقيقة مضمونها أن التعلم يقوم على أساس وجود عالقة بين مثيرات مادية وردود أفعال‬
‫قابلة للمالحظة‪.‬‬
‫وأنه يمكن تقوية هذه االرتباطات أو االقترانات أو إضعافها‪.‬‬
‫انطالقا من تجارب على الحيوانات (قطط) بين تورندايك أهمية آليتي المحاولة والخطأ‪ ،‬باعتبارهما‬
‫محددين أساسين للتعلم‪ .‬فبعد اإلكثار من المحاوالت الخاطئة‪ ،‬يبدأ الكائن في إقصاء السلوكات األقل‬
‫فعالية بشكل تدريجي‪ ،‬فيتوصل بسرعة إلى حل المشكلة‪.‬‬

‫ميز سكينر بين نوعين من السلوك‪ :‬األول‪ ،‬يحدث نتيجة بعض المثيرات‪ ،‬مثل إغماض العينين بفعل‬ ‫النظرية‬
‫الغبار؛ والثاني ُيعرف بالسلوك اإلجرائي‪ ،‬والذي يتخذ طابعا إراديا‪ ،‬ويؤثر في البيئة‪.‬‬ ‫اإلجرائية‬
‫توصل سكينر من خالل التجارب المخبرية على الحيوانات إلى أن التعلم هو نتيجة لسيرورة "اإلشراط"‪،‬‬ ‫الشرطية‬
‫غير أنه يتخذ طابعا إجرائيا (‪ ،)Opérant‬ويرتبط بالسلوك اإلرادي‪ ،‬خالفا لبافلوف‪.‬‬

‫خلص إلى أن الذات فاعلة‪ ،‬وتتعلم بمالحظة نتائج أفعالها وتلقيها للدعم (‪ ،)Renforcement‬أي أن‬
‫التعليم طريقة نشطة‪ ،‬تُركز على إثارة التعلم وتنظيم إمكانيات التعزيز" ‪.‬‬

‫سعى سكينر إلى تطبيق النتائج والمبادئ التي توصل إليها‪ ،‬على التعليم اإلنساني‪ ،‬فطور طريقة‬
‫تعليمية تُعرف بالتعليم المبرمج (‪ ،)Enseignement programmé‬وهي تنطلق من مبدأ مضمونه‬
‫أن التحكم في البيئة التعليمية يضمن تعلما جيدا‪.‬‬
‫في ضوء هذه الخلفية النظرية أضحى المدرس مطالبا بتوفير شروط التعلم‪ ،‬وهيكلة الوضعيات‪،‬‬
‫وتهيئة برامج تجعل التلميذ ينخرط في الفعل‪ ،‬وتتقيد بتقطيع مادة التعلم إلى أجزاء‪ ،‬وإعداد األسئلة‬
‫(مثيرات) من شأنها جعل المتعلم نشطا‪ ،‬والدفع به إلى إنتاج األجوبة الصحيحة (استجابات)‪ ،‬وتقديم‬
‫يز إيجابيا‪ ،‬ودعم مكتسباته‪ ،‬في أفق تعديل السلوك الذي يبرمجه المدرس‪.‬‬
‫بعد ذلك تعز ا‬
‫انتهت السلوكية إلى مجموعة من المبادئ أو القوانين التعلمية من بينها‪:‬‬ ‫مبادئ‬
‫‪ .1‬قانون االقتران‪ ،‬حيث يحصل تحول في المثير‪ ،‬فبعدما كان رنين الجرس مثي ار محايدا أصبح‬ ‫وقوانين‬
‫مثي ار شرطيا‪ ،‬جعل الكلب يستجيب استجابة شرطية (سيالن اللعاب)‪.‬‬ ‫التعلم‬
‫‪ .2‬قانون المران ( ‪ :)Loi de l’exercice‬أو قانون االستخدام ‪ :‬أن االرتباطات بين الوضعية‬
‫(القفص الذي توجد فيه القطة) واالستجابة (جذب المزالج) تتعزز عن طريق المران‪،‬‬
‫وتضعف بتوقف التمرن‪.‬‬
‫‪ .3‬قانون األثر(‪ :)la loi de l'effet‬إن االرتباط يتقوى أو يضعف بفعل أثر نتائجه‪ ،‬إذا كانت‬
‫عملية ارتباط الوضعية باالستجابة‪ ،‬قد نتج عنها رضى الذات (تعزيز) فإن االرتباط يتقوى‪.‬‬
‫أما إذا لم لزم عنها الضيق وعدم الرضر فإن هذا االرتباط يضعف‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫علم النفس الجشتطلتي‬

‫ظهرت الجشطلتية في بداية القرن العشرين‪ .‬وارتبطت بمجموعة من األعالم‪ ،‬مثل كوهلر ‪Wolfgang‬‬ ‫السياق‬
‫)‪ Kahler (1887-1967‬وكوفكا )‪ Kurt Koffka (1886-1941‬ورتيمر ‪Max Wertheimer‬‬
‫)‪...)(1880-1943‬‬
‫جاءت الجشطلتية في سياق االعتراض على التيار السلوكي‪ ،‬والنظرية االقترانية‪ ،‬التي َبسطت عملية‬
‫التعلم في آلية اإلشراط‪.‬‬
‫تُحيل كلمة الجشتلط على الشكل أو الهيئة أو البنية أو الكل المنظم‪ .‬ولهذا قد تُنعت "بالنظرية النفسية‬ ‫ماذا نعني‬
‫للشكل" (‪ .)psychologie de la forme‬ويتبين من اسمها أنها تهتم أكثر بالشكل الجيد لإلدراك‪.‬‬
‫بالجشطلتية؟‬
‫‪ -‬اهتمت بقضايا عديدة‪ ،‬كاإلدراك‪ ،‬مطلقة من حقيقة مضمونها أنه "إذا أردنا أن نفهم لماذا يقوم‬ ‫منطلقات‬
‫الكائن بالسلوك الذي يسلك ه‪ ،‬فال بد لنا من أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه‪ ،‬والموقف الذي‬
‫الجشطلتية‬
‫يجد فيه نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬من منطلقاتها اإلقرار بمبدأ الكلية في عملية اإلدراك‪ ،‬حيث تنص على أن الوعي يتشكل من‬
‫مجموع العناصر‪ ،‬وليس بناء على عناصر مجزأة‪ ،‬وأنه يمكن بعد ذلك إما القيام بتركيب شامل‬
‫لهذه المجموعات أو تحليلها‪ .‬فالجزء فاقد للمعنى‪ ،‬إذا كان منفصال عن الكل‪ .‬ويترتب عن هذا‬
‫المبدأ الجزم بأن فهم الظاهرة السلوكية ال يتأتى من خالل تحليلها إلى مستويات جزئية وعناصرها‬
‫الذرية‪ ،‬وإنما يحصل الفهم عبر اإلدراك الشمولي الكلي في مختلف المواقف‪.‬‬
‫‪ -‬الجشطلت‪ُ :‬يقصد به "ذلك النظام الذي تكون فيه األجزاء المكونة له مترابطة ترابطا ديناميا فيما‬ ‫الشبكة‬
‫بينها‪ ،‬وما بين الكل ذاته‪...‬والجشطلت هو النقيض للمجموع‪ ،‬إذ إن المجموع ليس أكثر من حزمة من‬
‫المفاهيمية‬
‫األجزاء التي قد تكون‪ ...‬ملصقة بعضها ببعض بطريقة عشوائية"‪.‬‬
‫البنية‪":‬لكل جشطلت بنية متأصلة فيه وتميزه عن غيره‪ ،‬ومهمة الباحث هي وصف البنى الطبيعية‬
‫بطريقة ال تشوه أصولها أو كنهها‪.‬‬
‫االستبصار‪:‬هو فهم ترابط أجزاء موقف ُمشكل‪ ،‬وطريقة عمله‪ ،‬وكيفية التوصل إلى الحلول المناسبة‬
‫له‪ .‬ولن يتحقق التعلم في صورته النموذجية ما لم يحصل االستبصار‪.‬‬
‫الفهم‪ُ :‬يقرن الفهم باالستبصار‪ ،‬ذلك أن تحقق هذا األخير يعني حصول فهم كامل للموقف‪ .‬ويعد‬
‫الفهم هو الهدف من التعلم‪.‬‬
‫إعادة التنظيم‪:‬عادة ما يقود التعلم إلى تغيير في اإلدراك األولي الذي ُن َكونه حول الموقف‪ ،‬حيث ُيعاد‬
‫تنظيم هذا اإلدراك على نحو يقود إلى النجاح‪ .‬مع استبعاد التفاصيل التي ال تكتسي أهمية داخل هذا‬
‫الموقف‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫توصلت الجشطلتية إلى مجموعة من المبادئ‪ ،‬التي تتحكم في عملية اإلدراك‪ ،‬ولها تأثير في التعلم‪.‬‬ ‫مبادئ‬
‫ومن أهمها‪:‬‬
‫الجشطلتية‬
‫مبدأ التشابه‪ :‬ينص مبدأ التشابه (‪ )similarity‬على أن إدراك الخصائص العالئقية بين األشياء‬

‫له دور أساس في عملية تخزين المعلومات‪ ،‬سواء على مستوى اللون أو الحجم أو الشكل‪ ،‬األمر‬
‫الذي يجعلها تُدرك بأنها تُشكل كال موحدا‪ ،‬فيسهل استرجاعها بسهولة‪.‬‬

‫مبدأ التقارب(‪ :)proximity‬كلما حصل تقارب بين األشياء والموضوعات على مستوى الزمان أو‬

‫المكان‪ ،‬تُدرك على أنها تنتمي إلى المجموعة نفسها‪ ،‬فتشكل كال موحدا‪ ،‬ويسهل تخزينها في الذاكرة‪.‬‬

‫مبدأ اإلغالق (‪ :)Clouse‬يتميز النظام اإلدراكي اإلنساني بالدينامية والقدرة على إعادة تنظيم‬

‫المدركات الحسية‪ ،‬لسد كل فجوة أو نقص‪ ،‬وإلدراك الكل على النحو التام‪ :‬فاألشكال الهندسية التي‬
‫تفتقد إلى جزء معين‪ ،‬كالدائرة مثال غير التامة‪ ،‬ندركها كما هي في اكتمالها‪ .‬والعبارة اللغوية الناقصة‬
‫ندرك مظاهر االرتباط فيها‪ .‬ألن األفراد يسعون جاهدين إلى "ملء الفراغات الناقصة‪...‬‬

‫‪7‬‬
‫البنائية والسوسيو بنائية‬

‫ارتبطت البنائية ببياجي ‪ ، Jean Piaget‬وجاءت في سياق االعتراض على الممارسات‬ ‫سياق ظهور‬
‫التعليمية التقليدية القائمة فقط على تبليغ المعارف ونقلها‪ ،‬كما أنها رد فعل ضد التيار السلوكي‪ ،‬إذ‬
‫البنائية‬
‫لم يعد التعلم هو تغيير للسلوك وإنما يقوم على تعديل التمثالت والخطاطات المستضمرة في البنية‬
‫التصورية للفرد‪.‬‬
‫يحيل اسم البنائية على نماذج نظرية في مجال التعلم‪ ،‬تنطلق من مبدأ مضمونه أن المعرفة ال‬ ‫مفهوم البنائية‬
‫يستَقبلها الفرد بكيفية سلبية‪ ،‬وإنما "يبنيها" بطريقة َن ِشطة‪ .‬وانطالقا من هذا المبدأ يتحدد التعلم‬
‫ْ‬
‫على أساس أنه عملية إعادة تنظيم ذهني‪ ،‬يقوم بها الفرد نفسه‪.‬‬

‫‪ -‬حاولت تفسير السيرورات الذهنية المتحكمة في بناء المعرفة‪ ،‬وقدمت إضاءات حول‬ ‫منطلقات‬
‫كيفية إدراك الطفل للعالم‪ ،‬والطريقة التي يفكر من خاللها بهذا العالم‪.‬‬
‫البنائية‬
‫‪ -‬انطلقت من مبدأ يقضي بأن اإلنسان مزود بقدرته على التنظيم‪ ،‬وتُ َمثل مصد ار أساسا‬
‫في بناء المعرفة‪ ،‬ونمو العقل‪ ،‬وتطور أساليب تفكير الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬انطلق بياجي من أن معرفة الفرد تنجم عن تفاعل الذات مع محيطها‪ ،‬أي بيئته‬
‫االجتماعية والمادية‪ ،‬ألن اإلنسان نظام متكامل بين المستويين‪.‬‬

‫‪ -‬انطلق من بعض المرجعيات الفلسفية‪ ،‬على رأسها كانط‪ ،‬الذي أكد أن "معرفة أي‬
‫شيئ في هذا العالم تتطلب وجود معرفة سابقة‪ ،‬تتعلق بالزمان والمكان والعمق‪ ،‬لكنه‬
‫اختلف معه من حيث إن الفرد يقوم ببناء مثل هذه المفاهيم من خالل عملية التوازن‬
‫العقلي‪.‬‬

‫انطلق بياجي من مسلمة مضمونها أن معرفة اإلنسان مستمدة جزئيا من المحيطين المادي‬ ‫عوامل النمو‬
‫واالجتماعي ومن عامل النضج (‪ ،)Maturation‬وأنه باإلضافة إلى ذلك فإن ثمة محددا‬
‫يضطلع بدور أساس في التعلم يتمثل في ما ُيعرف "بالموازنة"(‪ .)Equilibration‬وتتميز هذه‬
‫العوامل بتكاملها‪ .‬ويمكن أن نفصل القول في هذه العوامل كاآلتي‪:‬‬

‫النضج‪ُ :‬يراد به نمو الجهاز العصبي والجهاز الجسمي والحواس باعتبارها ِتؤتر في النمو‬
‫المعرفي لدى األفراد‪ .‬فالكثير من األنماط السلوكية واألبنية المعرفية ال يمكن للفرد تشكيلها أو‬
‫القيام بها ما لم يحدث النضج في تلك األجهزة أو في بعض منها"‪.‬‬

‫التفاعل مع العالم المادي‪( :‬األشياء الموجودة في العالم تسمح بتطوير مجموعة من الخبرات‬
‫والمعارف‪ ،‬وتكوين أبنية منطقية ورياضية ذات عالقة بهذه الموجودات‪)...‬‬

‫‪8‬‬
‫التفاعل مع العالم االجتماعي‪ :‬يتفاعل الفرد مع محيطه االجتماعي‪( ،‬األسرة والجمعيات ودور‬
‫العبادة ‪ ،)...‬مما ينعكس على نموه المعرفي‪ ،‬فتنشأ بنيات معرفية عن العالم‪.‬‬

‫الموازنة‪ُ :‬يقصد بهذا المفهوم العملية التي نستند إليها إلزالة كل أشكال التناقضات‪ .‬فبعدما‬
‫يدرك الشخص أن ثمة شيئا غير عاد‪ ،‬يترتب عنه اختالل في التوازن‪ ،‬فإن ذلك يقوده إلى‬
‫"تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض‪ .‬وهي ال تنجم مما يراه اإلنسان‪ ،‬بل‬
‫إنها تساعد اإلنسان على فهم ما يراه‪.‬‬
‫إن النمو المعرفي لإلنسان هو سيرورة تتحقق بموجب "توازن" بين ما يسميه بالتمثل أو‬
‫االستيعاب (‪ ،)Assimilation‬من حيث كونه عملية إدماجية لمثيرات جديدة مع الخطاطات‬
‫الموجودة مسبقا‪ ،‬أو عملية إدماج العالم الخارجي داخل البنية المعرفية للشخص‪.‬‬

‫أما التكيف أو المالءمة(‪ )Accommodation‬فهي "عملية االنتباه التي تختص كلية بالتجربة‬
‫الجديدة وبصورة مستقلة عن الخبرات السابقة"‪ .‬ويترتب عنها ظهور خطاطات جديدة عند‬
‫مواجهة صعوبة استخدام الخطاطات السابقة‪ ،‬حيث يتم تعديل في البنيات المعرفية السابقة‬
‫لتتالءم مع الواقع الجديد‪.‬‬

‫يكتسي التعلم داللة كلما هيأنا األسباب لجعل المتعلم يقوى على إزالة تناقض أو تعارض بين‬ ‫كيف يحصل‬
‫التنبؤات والنتائج‪ ،‬أي الوصول إلى حالة التنظيم الذاتي الذي ُي َميز عملية التوازن‪ ،‬بعد إلغاء‬
‫التعلم‬
‫مستويات من الفهم السابقة وغير المكتملة‪ .‬وبهذا أضحى مصدر "التعزيز" الذي ُيَقوي السلوك‬
‫ليس البيئة وإنما أفكار المتعلم ِ‬
‫نفسه‪ .‬فالتعزيزات الخارجية لم تعد سوى مصد ار واحدا من‬ ‫ُ‬
‫مصادر التعلم‪.‬‬
‫إن القيمة االبستمولوجية للبنائية تتحدد في أنها سعت إلى التدليل على أن التعلم اإلنساني يتم‬
‫المتعلم هو الذي يبني معرفته الخاصة‪.‬‬
‫بشكل تلقائي وذاتي‪ ،‬منطلقة من مسلمة مقتضاها أن ُ‬
‫وال أحد على اإلطالق يمكن أن يحل محله في إطار هذه العملية‪ .‬لقد استعاضت بهذا عن كل‬
‫ومهدت‬
‫نظرة تختزل الطفل في صفحة بيضاء قابلة ألن تسجل عليها قائمة من المعلومات‪َ ،‬‬
‫لخطاب بيداغوجي عجل بتقويض دعائم االساليب التعليمية التقليدية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫السوسيوبنائية (فيكوتسكي)‬
‫إذا كان بياجي قد أقام نظرية حول النمو والتعلم‪ ،‬متأث ار بالمرجعية البيولوجية‪ ،‬ومنطلقا من حقيقة هي‬ ‫السياق‬
‫أن الفكر يتبع مسارا‪ ،‬ينطلق من البعد الفردي أو الداخلي‪ ،‬ليتجه نحو ما هو اجتماعي‪ ،‬فإن رواد‬
‫المدرسة السوسيو بنائية (فيكوتسكي) ركزوا على البعد االجتماعي‪ ،‬وعلى عامل تفاعل المتعلم مع‬
‫األخر (الوسيط)‪،‬‬
‫تركز السوسيوبنائية على أهمية التفاعالت االجتماعية‪ ،‬لكونها مسؤولة عن تشكل البنية العقلية‬ ‫المنطلقات‬
‫للطفل؛‬
‫يعتبر فيكوتسكي أن كل وظيفة من "الوظائف النفسية العليا" للطفل (اللغة المكتوبة‪ ،‬الخرائط‪ ،‬وتكوين‬ ‫التصورية‬
‫مفاهيم‪ ،‬الخطاطات الخ‪ )...‬يمكن رصدها من خالل محطتين مختلفتين‪ ،‬تُميزان سيرورة الطفل‬
‫التعلمية‪:‬‬
‫‪ .1‬فمرة تتجلى في األنشطة الجماعية التي ُيدعمها الراشد أو مجموعة اجتماعية أو من خالل‬
‫التفاعل مع األقران‪ ،‬وهي أنشطة يصعب أن يقوم بها الطفل بمفرده‪.‬‬
‫‪ .2‬أما في الحالة الثانية‪ ،‬فتبرز هذه الوظائف عبر أنشطة الطفل الفردية‪ ،‬وتُستبطن في فكره‪،‬‬
‫وتبدأ العمليات أو اآلليات الداخلية الفردية في العمل‪.‬‬
‫بمعنى آخر‪ ،‬ف إن تطور الوظائف النفسية العليا هي حصيلة تفاعل بين النمو الطبيعي‪ ،‬الذي يرتبط‬
‫بالنضج العضوي‪ ،‬وبين عملية االكتساب الثقافي‪ ،‬المقترنة بنشاط التعلم‪.‬‬

‫‪ُ -‬يميز فيكوتسكي بين محطتين أو وضعيتين‪ :‬األولى‪ ،‬يكون فيها الطفل قاد ار على القيام‬
‫بأشياء معينة‪ ،‬في منأى عن أي مساعدة من الراشد ("النمو الحالي للطفل)‪ .‬أما في الثانية‪ ،‬فيتحدد‬
‫مستوى النمو المتوقع‪ ،‬ويمكن أن نرصد في ضوئها ما ينجح الطفل في القيام به‪ ،‬بمساعدة‬
‫اآلخرين له "القدرة االحتمالية للنمو‪ .)" (capacité potentielle de développement‬أما‬
‫المسافة الفاصلة بين هاتين المحطتين فتغطي ما يسمى "بالمنطقة األقرب إلى النمو"( ‪Zone‬‬
‫‪.")proximale de développement‬‬

‫‪ُ -‬يشدد فيكوتسكي أن الطفل باستطاعته السيطرة على نموه‪ ،‬ذلك أن لديه "قابلية للنمو‪ ،‬الذي‬
‫يعتبر متغي ار تابعا لتعلم الطفل"‪ .‬وتعد هذه النقطة محور خالف مع تصور بياجي‪.‬‬
‫‪ -‬يؤكد فيكوتسكي على أن طبيعة منطقة النمو المحتمل‪ ،‬تتميز بطابع اجتماعي ثقافي‪:‬‬
‫فعندما يتعلم طفل لعبة معينة‪ ،‬فألنه مارسها على نحو مشابه للطريقة التي مارسها قرينه أو‬
‫ُمدرسه‪ ،‬فيدفعه هذا إلى محاكاة أسلوب الوسيط (المدرس‪ ،‬الراشد‪ ،‬القرين‪.)...‬‬
‫ُيحيل هذا المفهوم على فضاء يتحقق داخله النمو‪ ،‬ويمثل محور أنشطة تعلمية‪ ،‬ويساعدنا في معرفة‬ ‫لمنطقة‬
‫الخطوات المستقبلية للطفل ودينامية تطوره‪ ،‬حيث تتم مراعاة ليس فقط النتائج المحصل عليها‪ ،‬وإنما‬
‫إلى‬ ‫األقرب‬
‫أيضا تلك التي في طور االكتساب‪ .‬فإذا أردنا‪ ،‬مثال‪ ،‬تعليم طفل لعبة معينة‪ ،‬فمنطقة النمو المحتمل‬
‫ستكون ال محالة هي المسافة الموجودة بين معارف الطفل ومهاراته حول هذه اللعبة‪ ،‬وما يقوى على‬ ‫النمو‬
‫من هنا تصبح التربية مدعوة إلى االهتمام بهذه المنطقة‪ ،‬أي‬
‫فعله عندما يقوم شخص بتعليمه إياها‪10 .‬‬
‫منطقة النمو الممكن حدوثه‪.‬‬

You might also like