Professional Documents
Culture Documents
مباحث في اللسانيات - د. أحمد حساني-5
مباحث في اللسانيات - د. أحمد حساني-5
لالختزال،ونوعية الرؤية إىل العامل ،وحول فر ضية وحدة اللغة وعالقتها بالفكر ،هي اليت عمقت أكثر
)1( .
أهمية اللسانيات التقابلية
ولذلك فإنَّ احللول العلمية اليت توفرها اللسانيات التقابلية هي موجهة لواضعي الربامج العلمية وأساتذة
اللغات أكثر من املتعلم ،فهي تتوخى تطورًا نوعيً ا من أجل مقاربة اللغة الثانية انطالقًا من وظيفة اللغة
()2
األم.
تنتمي اللسانيات التقابلية ،حينئذ ،إىل املقاربا ت اللسانية التطبيقية يف ميدان تعليم اللغات ،فهي إجراء
تقابلي يسعى إىل إجياد إجابات علمية كافية للمشاكل اليت يطرحها التعدد اللغوي يف الوسط
التعليمي ،خاصة فيما يتعلق بتعليم لغة أجنبية بالطرائق نفسها املستخدمة لتعليم اللغة األم .
تنطلق اللسانيات التقابلية من حتليل األخطاء اليت تظهر يف امللفوظات اليت ينجزها املتعلمون
املبتدئون ،وذلك ملعرفة أسبابها وعالقتها بالكفاية اللغوية لدى املتعلم ،وضبط جماهلا يف اللغة األم ،واللغة
الثانية املراد تعليمها.
قد تتدخل اللسانيات التقابلية ،وكذا علم النفس اللساني ،لتيسري التالقي اللغوي لدى املتعلم ،وتذليل
()3
الصعوبات املتعلقة مبسار تشكل التعددية اللغوية يف الوسط التعليمي .
ليس من السهل تعليم لغتني أو أكثر باعتماد املعطيات اللسانية الصرف ،فالبد من األخذ بعني االعتبار
العوامل املباشرة وغري املباشرة للتعارض بني اللغات ،وضبط جمال التداخل يف الوسط التعليمي بالرتكيز
على العملية التفلظية يف حد ذاتها.
137
تعد املقابلة بني لغتني ،ال تنتميان إىل ساللة واحدة ،مرتكزًا أساسً ا للسانيات التقابلية ،فاملقابلة بني اللغة
العربية واللغة الفرنسية ،لغرض تعليمي أو ترمجي ،هي أكثر إثارة ومردودية من املقابلة بني الفرنسية
واإلسبانية ،أو بني العربية والعربية .
تسعى اللسانيات القابلية إىل وضع منهجية متميزة لرتقية التالقي بني اللغات ،منهجية قابلة للتطبيق يف كل
حاالت التعدد اللغوي ،سواء أكان األمر يتعلق بالرتمجة أم بتعليم اللغات .
يعرف عادة التداخل يف نظرية التعلم بأنَّه ت أثري تعلم يف تعلم آخر أقرب إليه ،وهو يتعلق ،يف تعليمية
اللغات ،بالعوائق والصعوبات اليت تعرتض املتعلم ،وكذلك األخطاء اليت يرتكبها أثناء تعلمه اللغة
األجنبية حتت تأثري لغته األم أو لغة أجنبية أخرى سبق له أنْ تعلمها.
وقد يتبدى التداخل يف مجيع مستويات اللغة ( تداخل صوتي ،مورفولوجي ،تركييب،داللي،أسلوبي).
يستطيع التداخل أنْ يؤخر اكتساب مستوى من مستويات النسق اللساني أو يقاومه ،وقد يؤدي إىل حدوث
اضطراب داللي وأسلوبي يتبدى يف اختيار كلمات غري مالئمة بفعل متاثل داللي خاطئ.
ومن هذا املنطلق فإنَّ اللسانيات التقابلية ميكن هلا أنْ تتنبأ بالتداخالت على كل املستويات اليت أشرنا
إليها ،وأنْ تسعى إىل شرحها وتوضيحها ،وتقرتح يف الوقت ن فسه تقنيات خاصة ملعلمي اللغات ،وهذه
التقنيات هي نوعان:
3ـ تقنيات وقائية (Techniques préventives ):تستخدم لتفادي األخطاء الناجتة عن التداخل
بني اللغات .
138
وال ميكن هلذه اإلجراءات أنْ حتقق أهدافها دون تكث يف املقارنة البنيوية بني اللغات ،ودون دراسة نسقية
()1
لألخطاء .
تداخل تقدمي :عندما يؤثر التعلم السابق يف التعلم الالحق ،تأثري تعلم اللغة (أ) يف تعلم اللغة (ب).
تداخل تراجعي:عندما يؤث ر الالحق يف السابق ،تأثري تعلم اللغة (ب) يف تعلم اللغة(أ).
1ـ تداخل إجيابي :عندما يساعد على تيسري العملية التعليمية ،عندما يسهل على املتعلم تعلم اللغة (ب)
مبساعدة اللغة (أ) ،أو العكس تعلم اللغة (ب) يعمق تعلم اللغة (أ).
2ـ تداخل سليب :عندما يعوق ويعرقل عملية التعلم ،تعلم اللغة (أ) يعرقل تعلم اللغة (ب) أو تعلم اللغة
()2
(ب) حيدث اضطرابًا يف تعلم اللغة (أ).
ب ـ األخطاء:
139
1ـ طفيليات ميكن هلا أنْ تعرقل التعلم.
قد يصبح اخلطأ يف العملية التعليمية الكاشف ،أو املنبه ) (Révélateurلنقاط الضعف يف الطرائق
املستعملة لتعليم اللغات ).(1
مييز بعضهم بني األخطاء واألغالط ،ويتماشى هذا التمييز مع املقابلة اليت وضعها تشومسكي بني الكفاية
اللسان ية واألداء الكالمي أو اإلجناز ،فاألغالط ناجتة عن ا ألداء واألخطاء ناجتة عن الكفاية .فاالحنرافات
اليت تالحظ يف تعليم اللغة األم ،هي أغالط وليست بأخطاء ،واإلخفاقات اليت تطرأ على مسار تعلم لغة
أجنبية هي أخطاء؛ ألنَّها تتعلق بامتالك كفاية لسانية ثانية .
تتعل ق األخطاء بتعلم اللغة األجنبية ،إذ يرتبط حتليل األخطاء مباشرة بهذا النوع من التعليم؛ ألنَّ ظهور
( )2
األخطاء يعكس قصورً ا يف كفاية املتعلمني يف هذه اللغة؛ أي القدرة على متثل النسق اللغوي اجلديد.
لقد عرفت اللسانيات التقابلية وتعليم اللغات والرتمجة يف السنوات األخرية تغريًا عميقًا؛ ألنَّ اللسانيات
التقابلية كانت يف بداية أمرها ترتكز على منا هج استبطانية ،ولكنها اآلن ترتكز على جمموعة واسعة من
النصوص املزدوجة أو املتعددة اللغات اليت تهيئ قاعدة جتريبية صلدة مل تكن متوافرة من قبل .
( )2ـ ينظر د ،سام عمار :حنو رؤية جديدة لتدريس النحو العربي على املستوى اجلامعي ،جملة الرتبية عدد 318مارس
8111قطر.
141
وما دامت هذه النصوص موجودة على شكل مدونات إلكرتونية ،فهي إذ ذاك قابلة للتحليل اآللي أو
()1
نصف اآللي ،بفضل الربامج اآللية للتحليل اللساني.
ـ مجع مدونات مربجمة آليا مزدوجة ،ومتعددة اللغات ،واستثمارها يف ترقية التقابل بني اللغات يف حقل
الرتمجة أو تعليمية اللغات .
( )1ـ ينظر أعمال ملتقى :اللسانيات التقابلية والرتمجة ـ مقاربات جتريبية ـ باجلامعة الكاثوليكية.
141
خنلص إىل القول يف نهاية املطاف بإنَّ احلقل التعليمي للغات ينماز بالتعددية اللغوية والثقافية ،وهو إذ
ذاك مهيأ السرتفاد مجيع العلوم واملعارف اليت هلا صلة بتشكل األمناط اللغوية والثقافية ،من حيث هي
أمناط تعك س فاعلية العقل البشري من جهة ،وتعكس النزعة التواصلية لدى األفراد و اجملتمعات من جهة
أخرى .
وهو األمر الذي يستدعي وعيًا عميقً ا بأهمية تفعيل تعليمية اللغات واللسانيات التقابلية ،وذلك إلجياد
مجيع اآلليات املمكنة لتجاوز كثري من املعوقات واإلخفاقات اليت تط رأ عادة حتت تأثري التداخل
اللغوي ،وهو التداخل الذي قد يعوق أحيانً ا العملية التلفظية يف الوسط التعليمي للغات ،من حيث هو
وسط متعدد األلسن والثقافات بالضرورة.
( )1ـ األنثروبولوجيا Anthropologyمصطلح إجنليزي مشتق من أصل يوناني مكون من : Anthropolos :
اإلنسان و : Logosالعلم أو الكلمة أو الدراسة ،فاملركب الداللي للمصطلح هو علم اإلنسان = علم اإلناسة .
142
مخطط توضيحي
اللسانيات
اللغة من حيث هي Anthropological
ظاهرة ثقافية األنثروبولوجية linguistics
األنثروربولوجيا اللسانيات
Anthropology Linguistics
تعد اللغة من حيث هي ظاهرة ثقافيه قامسًا مشرتكً ا بني اللسانيات واألنثروبولوجيا ،وهو األمر الذي
يؤدي إىل تقاطعهما معرفيًا ومنهجيًا ،فنشأ عن هذا التقاطع فرع علمي جديد جيمع بني املرجعيتني (اللسانية
واألنثروبولوجية ) ،أضحى يسمى فيما بعد باللسانيات األنثربولوجية .موضوعها األلسنة اخلاصة
143
باجلماعات البشرية من حيث اخلصائص اإلنسانية للمجتمعات خباصة اجملتمعات اليت تنعت عادة بالبدائية
أو الفطرية ،فهي تبحث يف الصلة اليت تربط اللغة باخلصائص الثقافيه لإلنسان يف جمتمع معني ،إذ إنَّ الصلة
بني اللغة وثقافة اجملتمع تعد من املوضوعات اهلامة لعامل األنثروبولوجيا .وما كان ذلك إال ألنَّ كل
اجملتمعات سواء أكانت متحضرة (متطورة) أم بدائية هلا ثقافة ،وأنَّ احلامل املادي هلذه الثقافة هي اللغة يف
()1
بنيتها املتميزة.
ومن ههنا فإ َّن النمط الثقايف ألي جمموعة بشرية يرتبط ارتباطًا وثيقً ا بالنموذج اللغوي املتميز لتلك
اجلماعة ،مما جيعل تقطيع املفاهيم وتوزيعها يف ثقافة من الثقافات خيتلف باختالف اللغات ،فقد الحظ يف
هذا السبيل مدون املادة املعجمية ( اسم) يف األنسيكلوبيديا يف القرن الثامن عشر ،أنَّ استخدام بعض األلفاظ
()2
اليت تتفاوت يف مدى جتريدها ليس بناتج عن قدرات ذهنية ،بل عن اهتمامات اجلماعة الثقافيه.
ولذلك جند عالقة الثقافة باللغة الطبيعية حتتل مركزًا هامًا يف املطبوعات األوىل جلامعة تارتو ( )TARTU
( اجلمعية السيميائية – باالحتاد السوفياتي سابقًا ) حيث حددت الظواهر الثقافية على أنَّها أنظمة ثانوية
( )3
مشكلة وفق النموذج اللغوي.
تعود هذه الفكرة يف مرحلتها اجلنينية إىل هاردر ( ) HARDERوهمبلد وغريهما يف أوروبا ،وإىل
يف أمريكا حيث يرى هؤالء مجيعاً أنَّ اللغة حتدد نظرة اجملتمع للعامل احمليط ()4
سابري ( ( SAPIR
باإلنسان الذى ينتمي إىل منط ثقايف معني ،كما أنَّ هلا تأثريًا يف الطريقة اليت يفكر بها أفراد اجملتمع الذين
()5
يتكملون لغة متجانسة.
يرى سابري أنَّ البشر ال يعيشون يف العامل املادي وحده وال يف عامل النشاط االجتماعي باملفهوم العادي،
() 6
ولكنهم خيضعون خضوعًا إلزاميًا إىل النموذج اللغوي الذي حيدد التكيف االجتماعي يف احمليط الثقايف.
( )5ـ عاطف مدكور ،علم اللغة بني القديم واحلديث ،ص. 48
( )6ـ املرجع نفسه ،ص. 48.
144
ويؤكد أيضاً يف مقام آخر أنَّ فصل اللغة عن الثقافة ليس باألمر اهلني ،ويستعمل ههنا لفظ الثقافة مبعناها
الواسع للداللة على جمموعة التصورات ،والتمثالت ،واملفاهيم اليت تشكل النظرة اليت تكوِّنها اجملموعة
()1
البشرية عن العامل احمليط بها.
لقد اقتفى ورف ( )2(( WHORFأثر أستاذه سابري ،إذ كان تلميذه ومساعده يف اإلجنازات العلمية اليت
حققها يف جمال البحث اللساني واألنثروبولوجي ،فأفاد ورف من هذه الدراسات واستغل هذا الرصيد املعريف
يف الدراسات الشاملة اليت قام بها يف الوسط الثقايف واللساني للهنود احلمر ،فتوص ل إىل جمموعة من النتائج
العلمية ،أصبحت تنعت فيما بعد بفرضية ورف HYPOTHESE ) Whorf hypothesis
:)DE WHORF
يرى ورف أنَّ اللغة ليست يف جوهرها وسيلة للتعبري عن األفكار ،بل هي نفسها اليت تشكل هذه
األفكار ،فنحن نقسم العامل بناء على اإلطار العام الذي حيدده النموذج اللغوي سلفًا ( .)3وقدم صاحب هذه
النظرية أمثلة كثرية من لغات متعددة لتأكيد فرضيته منها :مناذج من بنية األفعال يف إحدى لغات اهلنود احلمر
املسماة ( ، ) HOPIوقارنها ببنية ال فعل يف اللغة اإلجنليزية فتبيَّن له بعد هذه املقارنة أن نظرة كل من
()4
اجملتمعني إىل الزمن ختتلف اختالفا جذريا.
جيوز لنا أنْ نقول يف األخري:إنَّ النموذج اللغوي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالنماذج الثقافية جملموعة بشرية معينة،
وبناء على ذلك فإنَّ اللغة عامل أسا س يف إضفاء الط ابع الثقايف املميز على اجملتمع؛ ألنَّ العالقات
االجتماعية التتشكل إال بواس طة النموذج اللغوي الذي يقوم بدور جوهري يف جمال الرتاكم الثقايف ،وانتقال
النمط الثقايف عرب األجيال )5(.وما كان ذلك كله إال ألنَّ اللغة تشكل جزءً ا من الوعي الثقايف للجماعة ،وهي
() 6
وهي تعد يف بنيتها اجلوهرية واحدة من أقدم املظاهر هلذا الوعي.
( )1ـ ميشال زكريا ،األلسنية ( علم اللغة احلديث) مبادئها وأعالمها ،ص.331
( )2ـ 3287 Benjamin Lee Whorfـ : 3893لساني أمريكي.
145
رابعًًا -علم االجتماع اللساني : Sociolinguistics / sociolinguistique
كانت البداية منذ أنْ أكد دي سويسر الطابع االجتماعي للسان من حيث هو نظام متكامل من العالمات
الدالة ،فهو يف ح قيقة أمره راسب من رواسب النشاط االجتماعي جلماعة بشرية معينة تتميز خبصوصيات
()1
ثقافية وحضارية متجانسة ،إذ ليس هناك حقيقة لسانية واقعية خارج بنية اجملتمع.
لقد استمد دي سويسر هذا التصور االجتماعي للظاهرة اللغوية من املدد النظري الذي هيأه العامل
االجتماعي دور كايم ) David Émile Durkheim )1858 –1917الذي أثار االنتباه إىل
خصوصيات الظاهرة االجتماعية ،فأمست اللغة – إذ ذاك – ظاهرة اجتماعية كغريها من الظواهر األخرى
،مما جعل بعض العلماء يرى أنَّ ه إذا كانت اللغة ظاهرة اجتماعية ،وتؤدي أيضً ا وظيفة اجتماعية ،فليس
()2
هناك ف رق بني اللسانيات وعلم االجتماع ،واألنثروبولوجيا االجتماعية.
يتقاطع علم االجتماع من حيث هو علم يدرس الظواهر االجتماعية مع اللسانيات معرفيًا ومنهجيًا عندما
ي درس اللسان بوصفه ظاهرة اجتماعية ،ينشأ عن هذا التقاطع علم فرعي جديد يسمى بعلم االجتماع
اللساني .Sociolinguistics
146
غ للا
سم ة قا
تش م
ب كر
ي
سان علم االجتماع اللساني ن الل
ت اي
لعو
ال ا م
امجت
ع علم االجتماع
اللسانيات
ظاهرة اجتماعية
اللغة ظاهرة لسانية
147
اللغات األوروبية املعاصرة (اإليطالية ـ الفرنسية ـ اإلسبانية ـ الربتغالية ـ والرومانية ) .اليت كانت هلجات
()1
متفرعة عن اللغة الالتينية.
2ـ اللهجات الفردية (: ) Idiolects / Idiolectes
يتعلق هذا النمط اللهجي بالطابع الش خصي أثناء اإلجناز الفعلي للكالم ،إذ إنَّ لكل شخص خصائصه
اللغوية املتميزة ،ومنها:
-البصمة الصوتية اليت ختتلف من شخص إىل آخر. أ
ب ـ العادات اللغوية اليت تظهر أثناء عملية التلفظ.
ج -الشعور باالنتماء املهين واحلريف وأثره يف القاموس اللغوي عند الفرد املتكلم.
3ـ عالقة اللغة باجلنس :
إ َّن أدنى تأمل يف اإلجناز الفعلي للغة يف اجملتمع يهدي إىل أنَّ هناك فرقًا ملموسًا بني لغة الرجال ولغة
النساء ،فالقاموس اللغوي عند املرأة خي تلف عن القاموس اللغوي عند الرجل ،هناك كلمات خاصة بالنساء
اليستعملها الرجال كأمساء األلوان مثال والصفات الدالة على املشاعر واألحاسيس والعواطف ،وقد تزداد
هذه الفروق يف اجملتمعات اليت التسمح باالختالط بني اجل نسني يف مرافق احلياة االجتماعية ،وقد تقل
() 2
وتتالشى يف اجملتمعات اليت تبيح االختالط.
4ـ عالقة اللغة بالتباين االجتماعي :
يدرس علم االجتماع اللساني ظاهرة التفاوت الطبقي وأثرها يف النسق اللغوي ،فيبني الفروق اللغوية
املوجودة بني طبقات اجملتمع امل ختلفة ،كما يرصد التحول أو االنتقال االجتماعي من طبقة إىل أخرى ،وأثر
ذلك كله يف حتول بنية النسق اللغوي .
5ـ الكالم احملظور (: )TABOU
ترتبط هذه الظاهرة باجملتمع اللغوي ارتباطًا كبريًا ؛ ألن االستعمال اللغوي خيضع لقواعد واعتبارات
اجتماعية ختتلف من جمتمع إ ىل آخر ،وهذه االعتبارات هي اليت ت قبل أو ترفض استعمال كلمات
معينة،مثل الكلمات اليت تتصل بالعيوب والعاهات اجلسمية ،وأمساء األمراض ،فنرى يف كثري من
اجملتمعات حتايالً بتهذيب بعض الكلمات وحتسينها ،مثل كلمة( :مات) اليت تستبدل عادة بكلمات مثل :
انتقل إىل رمحة ا هلل ،أسلم روحه ،قضى حنبه ،توفاه اهلل ،اختاره اهلل ،ذهب إىل جوار ربه .كما جند بعض
148
الكلمات يعزهلا اجملتمع ،بل يصادرها اجتماعيًا مثل :الكلمات اليت تتصل بأجزاء معينة من جسم اإلنسان
()1
وإفرازاته واألمور اجلنسية.
ليس هذا التقارب جبديد بني الظاهرة النفسية ،والظاهرة اللغوية ،فمنذ أنْ كان االهتمام بالظاهرة اللغوية
كان التصور النفسي هلذه الظاهرة حاضراً حضوراً دائما يف أي مبحث يسعى إىل استكشاف حقيقة هذه
الظاهرة اإلنسانية .
كانت اإل رهاصات األوىل هلذا العلم تتكون يف رحاب املدرسة اإلجنليزية اليت ميثلها الرتابطيون( ( ) 2النزعة
الرتابطية ) Associationismالذين كانوا منشغلني بتفسري العمليات العقلية بواسطة تداعي األفكار،
وكانت تعتمد يف حتليل ذلك على املعرفة اللغوية .
كما جند مالمح علم النفس اللساني تتبدى يف أصفى صورة هلا يف أملانيا على يد وهلام فونتW .
)3( Wundtوهو أول من أسس خمتربا لعلم النفس عام ، 0228كما أنَّ ه أول باحث نفسي يكتب
املقاالت الطوال حول سيكولوجية اللغة.
( )1ـ زكي حسام الدين ،أصول تراثية يف علم اللغة ،ص .010
( )2ـ املرتكز املعريف األساس الذي ترتكز عليه هذه املدرسة هو مفهوم الرتابط (ترابط األفكار) عن طريق العقل الذي ينظم
األفكار والتصورات الذهنية يف سلسلة من العالقات النسقية القائمة على التداعي واالستدعاء.
( )3ـ . Wilhelm Maximilian Wund.فيلسوف ونفساني أملاني (1832ـ ، )1921أسس سنة 1879أول
خمترب يف علم النفس التجرييب يف ( ) Leipzig.بأملانيا ،كان له الفضل الكبري يف تكوين عدد من الطلبة من أوروبا وأمريكا
الشمالية ،وإكسابهم منهجية علم النفس التجرييب.
149
أما يف أمريكا فقد اكتمل هذا املبحث ،واستقل بنفسه خاصة منذ أن ظهر عدد خاص من جملة علم النفس
األمريكية سنة ، 0821حيث كان موضوع هذا العدد املشكالت املختلفة لعلم النفس اللساني يف ظل
()1
الثنائية ( لسان /كالم ).
ويتدعم هذا املنهج بظهور أفكار واطسون 0226( John Broadus Watsonـ )0862نفساني
أمريكي مؤسس علم النفس السلوكي ابتداء من سنة .0830يرى واطسون أنَّ السلوك اإلنساني ما هو إال
سلوك ديناميكي ،وأنَّ العقل ليس موضوعًا مناسبً ا للدراسة النفسية ،ويقرتح بدالً من ذلك دراسة السلوك
الظاهري فحسب .ومن ههنا فإنَّ أي إجراء عملي يتناول الظاهرة النفسية مبعزل عن املثري واالستجابة ،يعد
وهما علميًا عقيمًا .
أصبحت اللغة بناء على هذا التصور سلوكًا ظاهريًا ،وفُسِّرَتْ حينئذ تفسريًا بسيطًا ،فهي التعدو أنْ تكون
()2
جمموعة من ردود األفعال املشروطة.
ثم يظهر بعد ذلك هيل ( ،) 0821( )HULLثم سكينر Burrhus Frederic Skinner
0814ـ 0881الذي طور هذه النظرية ( ،)0862وأسقط معطياتها على عملية التعلم )3(،وهي النظرية
اليت أثرت يف الفكر اللساني عند بلومفيلد ( )Bloomfieldخباصة ما كتبه عامل النفس السلوكي بول
()4
ويس ( )Paul Weissيف كتابه " :األصول النظرية للسلوك اإلنساني".
عندما كانت السلوكية يف أوج ازدهارها ظهرت يف هذه الفرتة ؛ أي ابتداء من سنة 0842نظرية االتصال
على يد مؤسسها شانون 3831 ( Claude Shannonـ ، )8113وترى جودت جرن ( Judith
)Greenأنَّ علماء النفس الذين درسوا اللغة قد تأثروا مبؤثرين أساسني :نظرية التعلم ،ونظرية االتصال
ا ليت تبحث يف عملية االتصال بعامة ،واالتصال اللغوي خباصة ،وهي تنطلق من حقيقة مؤداها أنَّ اللغة
الطبيعية تتطلب من مستخدميها دراية وخربة ،متكنهم من التحكم يف أي جانب من جوانب الرسالة
151
الكالمية( .)1فنظرية االتصال يف توجهها العام جتعل اللغة اإلنسانية وسيلة من وسائل التواصل ،فهي ترتكز
على دراسة آلية تركيب الرسائل الشفوية وتفكيكها يف خمتلف السياقات .
3ـ حتديد األسس العصبية للغة ودور ال دماغ يف إنتاج اللغة واستقباهلا.
2ـ حتديد األسس النظرية للغة من خالل دراسة العالقة بني اللغة والتفكري.
6ـ ضبط آليات الفهم واإلدراك ( :تفسري املنطوق واملكتوب وحتديد ردود األ فعال العقلية واللغوية املناسبة).
2ـ تشخيص صعوبات الفهم يف التواصل اللغوي واألمراض الكالمية املرتبطة بذلك .مثل :التأتأة والفأفأة
واحلبسة الكالمية و احلبسة الرتكيبية( صعوبة تركيب اجلمل وتفكيكها).
151
ثانيا :املوضوعات :يدرس علم النفس اللساني املوضوعات اآلتية :
0ـ خصائص السلوك اللغوي وأثر اجلوانب النفسية يف اللغة ( :عالقة اللغة باحلالة النفسية للمتكلم).
2ـ الكفاية اللغوية ،واألداء الكالمي ( :القدرة العقلية اليت ميتلكها اإلنسان واليت تسمح له باملمارسة
الفعليه للغة).
6ـ اضطرابات اللغة والعوائق اليت تعرتض العملية التلفظية وأمراض الكالم .
5ـ صعوبات امتالك املهارات اللغوية ( :االستماع ،والكالم ،والقراءة ،والكتابة).
ُيعد االهتمام بالعامل اجلغرايف أث ناء التعامل مع الظاهرة اللغوية نزعة قدمية يقدم البحث اللغوي نفسه،
فالدارسون العرب األقدمون أسسوا حترياتهم اللغوية على العامل اجلغرايف ويظهر ذلك يف حرصهم الشديد
على حتديد رقعة الفصاحة حتديدًا جغرافيًا .ويندرج هذا اإلجراء فيما يسمى بالبحث يف اللسانيات اخلارجية،
يقول دي سوسري يف هذا الشأن " :إنَّ من يباشر مسألة عالقة الظاهرة اللسانية باملكان ،خيرج من جمال
()1
اللسانيات الداخلية ويدخل يف جمال اللسانيات اخلارجية "
إنَّ تأسيس البحث – يف اللسانيات اخلارجية – على املكان قد جيد مربرًا له يف تنوع احلدث اللغوي،
واختالفه من منطقة جغرافية إىل أخرى ،يقول دي سوسري " :لئن كانت االختالفات اللغوية النامجة عن
( )1ـ دي سوسري ،د روس يف األلسنية العامة ،ترمجة صاحل القرمادي ،ص .326
152
الزمان غالبً ا ما تغيب عن املالحظ فإنَّ ا الختالفات اللغوية بني مكان وآخر ،تربز مباشرة للعيان ( )...إنَّ هذه
()1
املقارنة بالذات ،هي اليت جتعل شعبً ا من الشعوب يتفطن إىل أنَّ له لسانًا خاصًا".
وقد حاول الباحثون يف هذا السمت ضبط االستعماالت اللغوية املختلفة بكل مستويات ها الصوتية والرتكيبية
والداللية ،وتصنيفها حسب التوزيع اجلغرايف للمصدر البشري املستعمل للغة معينة ،ويتم ذلك عادة
بواسطة خرائط وأطاليس تبيِّ ن االختالفات اللهجية للمجموعة البشرية الواحدة.
أول مبادرة تسجل يف هذا الشأن كانت على يد الباحث اللغوي األملاني 0263( Georg Wenker
ـ )0800الذي مل يؤثر يف الفكر اللغوي آنذاك بسبب تأخر نشر أحباثه ( ) 0220ثم وسع ()Wenker
التحريات إىل كل املناطق األملانية فحصل على جمموعة من األجوبة ( 44630إجابة) جملموعة أسئلة كان قد
اعتمدها ،بيد أنَّ هذه النتائج مل تظهر إال يف سنة 0835بعنوان . Deutscher Sprachtlas
( )1ـ دي سوسري ،د روس يف األلسنية العامة ،ترمجة صاحل القرمادي ،ص . 326،
153
ثم بع د ذلك بدأ الفرنسي ون يهتمون بهذا النوع من الدراسة ،فقام أحد الباحثني ،وهو جول جيلريون
) 0835 – 0264( Jules Gilliéronبإجراء حتريات تتمثل يف جمموعة من األمثلة املوجهة ملعرفة
كيفيات أداء اللغة ،تتكون من 0611سؤال طرحت على األهالي الذين يتوزعون على 521منطقة
جغرافية معينة ،ثم وضع األجوبة على خرائ ط ونشرها باسم أطلس فرنسا اللغوي(L'Atlas ( .)1
linguistique de la France (ALFيسمى أيضا أطلس جيلريون نشر بني 3818و 3831
يتضمن االختالفات اللهجية انطالقً ا من األقاليم اجلغرافية لفرنسا.
ومن الكتب األخرى اليت تدرج يف هذا السمت (: )2
-Andre MARTINET, Prononciation du français contemporain, 1945.
( )1ـ احلاج صاحل ،املرجع املذكور سابقا ،ص ، 20 ، 21العدد 0سنة .0823
( )2ـ ميشال زكريا ،املرجع املذكور سابقا ،ص 030
154