Professional Documents
Culture Documents
hadeeth12015 منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
hadeeth12015 منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
السند
ā ŪR
المدخل
لم تحظ َّأمة من األمم بالعناية بمرويات نبيهم كما حظيت أمة محمد صلى اهلل عليه وسلم ،لذا اشتهرت
بأنها َّأمة السند ،فتولى نخبة من رجالها التمحيص والتدقيق في أسانيد جميع األحاديث التي وصلتنا عن
خاتم األنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصالة والتسليم .قال أبو حاتم الرازي" :لم يكن في أمة من
*
أستاذة مساعدة ،الحديث وعلومه ،جامعة ماردين أرتوقلو ،تركياay_dor@yahoo.com ،
0000-0002-4420-5257
1
وتصان من
السنةُ ،
األمم منذ خلق اهلل آدم أمناء يحفظون آثار الرسول إال في هذه األمة "،فباإلسناد تحفظ ُّ
التحريف والوضع والزيادة والنقصان ،حيث إنها ثبتت بأدق طرق النقد والتحقيق التي لم َتعرف البشرية لها
جدا تتعلق باإلسناد بل هي أهم مسائل اإلسناد
مثيالا في تاريخها ،فجاء هذا البحث ليؤكد على مسألة هامة ا
على االطالق أال وهي االتصال ،فمن المعروف أ َّن لصحة الحديث خمسة شروط أولها اتصال السند ،وقد
جهدا كبيرا ،للتحقق من سماع الرواة عمن فوقهم ،وأولوا هذا األمر عناية بالغة لما يحتمله
ا بذل أئمة النقد
ا
السند المنقطع من سقوط راو ال يتصف بالعدالة أو يكون غير ضابط .قال شعبة بن الحجاج" :كل حديث
ليس فيه ،حدثنا فهو مثل الرجل في فالة معه بعير بال خطام 2".وقال اإلمام الشافعي" :إذا اتصل الحديث
وصح اإلسناد فهو سنة 3".وقال محمد بن يحيى الهذلي" :ال يجوز االحتجاج إال بالحديث
َّ عن رسول اهلل،
4
الموصول غير المنقطع ،الذي ليس فيه رجل مجروح".
بالغا في البحث عن االتصال ،فدرسوا روايات كل راوي ،وبحثوا عن شيوخه
جهدا ا
لذا بذل أئمة النقد ا
مثال" :فالن سمع
وتالمذته ،وتحققوا من إدراك كل راو لمن فوقه ومن سماعه له ،وتنوعت عباراتهم ،فقالوا ا
معينا-من فالن" ،أو "فالن
عددا ا
شيئا من فالن" ،أو "فالن سمع حدي اثا –أو ا
من فالن" ،أو "فالن لم يسمع ا
أدرك فالن" ،وغيرها من العبارات الدالة على السماع أو عدمه ،لذا لزم التعرف على منهج المحدثين وطرقهم
في معرفة اتصال السند وإثبات سماع الرواة عمن فوقهم ،والطرق التي يسلكها من جاء بعدهم من الباحثين.
مشكلة البحث
تعد معرفة طرق اتصال اإلسناد من أهم المسائل التي تطرق إليها أئمة النقد من المحدثين للوصول
للحكم على الحديث ،مما يدلل على الجهد الكبير الذي بذله هؤالء العلماء في حماية وصون السنة النبوية
من التحريف والتلفيق ،واالنتقاء العلمي القائم على منهج اإلقناع واإلنصاف والتورع عن إطالق األحكام
جزا افا ،كما يدل على تبحرهم ،وعميق فهمهم ،ومتانة حفظهم ،ورصانة منهجهم في النقد والذي لم يسبقهم
إليه أحد من األمم .لذا جاء هذا البحث ليجيب عن أسئلة هامة منها:
ما منهج أئمة النقد في الحكم على األسانيد باالتصال أو االنقطاع؟
هل اعتمد أئمة النقد على مصطلحات معينة في التعبير عن االتصال أو االنقطاع؟
ما الوسائل التي اعتمد عليها أئمة النقد في معرفة إدراك الراوي لمن فوقه والسماع منه؟
ما القرائن التي يتوصل بها إلى معرفة سماع الراوي ممن فوقه؟
1
محمد بن عبد الرحمن بن محمد ،السخاوي ،فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي ،مح .علي حسين علي( ،مصر:
مكتبة السنة 2003 ،م).330 ،3 ،
2
محمد بن أحمد بن عثمان ،الذهبي ،سير أعالم النبالء( ،القاهرة :دار الحديث 2006 ،م).617 ،6 ،
3
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن أبي حاتم ،الرازي ،المراسيل ،مح .شكر اهلل نعمة اهلل قوجاني( ،بيروت :مؤسسة
الرسالة ،دت).11 ،6 ،
4
أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد ،الخطيب البغدادي ،الكفاية في علم الرواية ،مح .أبو عبد اهلل السورقي ،إبراهيم حمدي
المدني( ،المدينة المنورة :المكتبة العلمية ،دت) ،ص.20 .
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
ما الطرق التي يستعملها من جاء بعد أئمة النقد للكشف عن اتصال السند أو انقطاعه؟
هل علينا اتباع آراء أئمة النقد في الرواة؟ أم أننا غير ملزمين بذلك؟ عن هذه األسئلة وغيرها يسعى هذا
البحث لإلجابة عنها.
الدراسات السابقة
بعد البحث عن دراسة مشابهة لدراستي هذه وجدت ما يأتي:
1ـ رسالة ماجستير بعنون (مسالك الكشف عن االتصال واالنقطاع عند المحدثين النقاد) ،إعداد :فاتح
بو زيت ،وهي رسالة مقدمة للجامعة األردنية عام 2006م.
2ـ كتاب (االتصال واالنقطاع) إلبراهيم بن عبد اهلل الالحم ،طبعته مكتبة الرشد بالرياض عام 2005م.
والدراستان ،وإن كان فيهما توافق مع بعض أجزاء دراستي هذه ،إال أن فيهما تفصيالت وتفرعات كثيرة
مسهبة ومطولة ،في حين أن دراستي تركز بالدرجة األولى على أمر يهتم به كل من يريد الحكم على اإلسناد
بأقصر الطرق وأسرعها ،وأقربها للصحة ،بشكل مباشر وموجز بال إسهاب وال تفريط قدر المستطاع.
منهج البحث
استدعت طبيعة هذا البحث االعتماد على المنهج االستقرائي والتحليلي ،واستخدمته في استقصاء
منهج أئمة النقد من المحدثين في اثبات السماع واالتصال بين الرواة أو نفيه ،ثم تحليل تلك الطرق التي
استخدموها وإثبات دقتها ومتانتها .وكذلك المنهج االستنباطي والذي استخدمته في استنباط الطرق التي
تساعد الباحثين ومن جاء بعد أئمة النقد في اثبات االتصال والسماع بين الرواة أو نفيه.
5
محمد بن مكرم بن على ،ابن منظور ،لسان العرب ،ط( ،3بيروت :دار صادر 1414 ،هـ) ،726 ،11 ،مادة (وصل).
6
محمد رواس قلعجي ،وحامد صادق قنيبي ،معجم لغة الفقهاء ،ط( ،2بيروت :دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع1988 ،
م) ،ص ،86 .ص.504 .
األشياء بعضها ببعض ،كاتصال طرفي الدائرة ،ويضاده االنفصال 8".أما المقصود باتصال السند عند
المحدثين فهو" :أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه ،حتى ينتهي إلى آخره ،وإن لم يبين السماع
بل اقتصر على العنعنة 9".وعرفه ابن الصالح بأنه" :الذي اتصل إسناده ،فكان كل واحد من رواته قد سمعه
10
وعرف بأنه" :الحديث الذي سلم إسناده من سقوط فيه ،بحيث يكون
ُ ممن فوقه ،حتى ينتهي إلى منتهاه".
كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه بال واسطة 11".ويقال للحديث الموصوف به :متصال وموصوال،
مؤتصال ،كما عزاه السخاوي للشافعي 12،قال ابن عبد البر" :وإنما سمي متصالا ألن بعضهم صحت
ا وكذا
13
مجالسته ولقاؤه لمن بعده في اإلسناد وصح سماعه منه".
8
عبد الرؤوف بن تاج العارفين ،المناوي ،التوقيف على مهمات التعاريف( ،القاهرة :عالم الكتب 1990 ،م) ،ص.37 .
9
الخطيب البغدادي ،الكفاية ،ص.21 .
10
عثمان بن عبد الرحمن أبو عمرو ،ابن الصالح ،معرفة أنواع علوم الحديث( ،بيروت :دار الفكر المعاصر 1986 ،م) ،ص.
.44
11
عبد الرؤوف بن تاج العارفين ،المناوي ،اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر ،مح .المرتضي الزين أحمد( ،الرياض:
مكتبة الرشد 1999 ،م).339 ،1 ،
12
السخاوي ،فتح المغيث.136 ،1 ،
13
يوسف بن عبد اهلل بن محمد ،ابن عبد البر ،التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد ،مح .مصطفى العلوي ومحمد
البكري( ،المغرب :وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية 1387 ،هـ).24 ،1 ،
14
إسماعيل بن عمر القرشي البصري ،ابن كثير ،اختصار علوم الحديث ،ط( ،2بيروت :دار الكتب العلمية ،د.ت) ،ص.109 .
15
ابن الصالح ،معرفة أنواع علوم الحديث ،ص.137 .
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
16
أو أجزت لك روايته".
وأما المكاتبة المقترنة باإلجازة ،فهي أن يكتب الشيخ إلى الطالب ويقول له" :أجزت لك ما كتبته لك،
17
أو ما كتبت به إليك".
وأما صيغ التحمل األخرى والتي لم تقترن بإجازة كالوجادة ،والوصية ،واإلعالم ،فعند جمهور
المحدثين أنه ال يعمل بها ،وإن أجازها بعض المحدثين .فالوجادة مثال وهي" :أن يقف على كتاب شخص
فيه أحاديث يرويها بخطه ،ولم يلقه ،أو لقيه ،ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ،وال له منه إجازة،
وال نحوها .فيقول :وجدت بخط فالن ،أو قرأت بخط فالن ،أو في كتاب فالن بخطه أخبرنا فالن بن
18
المحدثين والفقهاء من المالكيين ،وغيرهم ال يرون العمل بذلك ،وحكي
فالن ".قال ابن الصالح" :معظم ُ
عن الشافعي ،وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به 19".والوصية :وهي "أن يوصي الراوي بكتاب يرويه
عند موته ،أو سفره لشخص 20".قال ابن الصالح" :روي عن بعض السلف رضي اهلل تعالى عنهم :أنه جوز
جدا ،وهو إما زلة عالم ،أو متأول على أنه
بذلك رواية الموصى له لذلك عن الموصي الراوي ،وهذا بعيد ا
أراد الرواية على سبيل الوجادة 21".وكذلك اإلعالم وهو" :أن يعلم الشيخ أحد الطلبة بأنني أروي الكتاب
22
الفالني عن فالن ،فإن كان له منه إجازة اعتبر ،وإال فال عبرة بذلك".
2ـ نوع يفيد االتصال غير الصريح وهي" :عن" ،و"أ َّن" ،و"قال" .وهذا ما عرف عند علماء الحديث
بالحديث المعنعن والمؤنن ،ومذهب الجمهور أنه ال فرق بينهما وال عبرة بالحروف واأللفاظ .ويشترط
لهذه األدوات كي تفيد االتصال :عدالة الراوي ،وسالمته من التدليس ،وإمكانية لقائه بمن روى عنه بالعنعنة.
قال ابن عبد البر" :وجدت أئمة الحديث أجمعوا على قبول المعنعن إذا جمع شروطا ثالثة العدالة ،وعدم
التدليس ،ولقاء بعضهم بعضا على خالف بينهم في ذلك 23".فاإلمام البخاري رحمه اهلل وشيخه ابن المديني
25
فيشترطان ثبوت اللقاء بين الراوي ومن روى عنه بالعنعنة 24واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة.
16
جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،السيوطي ،تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي( ،الرياض :دار طيبة ،د.ت)،1 ،
.467
17
ابن الصالح ،معرفة أنواع علوم الحديث ،ص.173 .
18
المصدر السابق ،ص.178 .
19
المصدر السابق ،ص.180 .
20
المصدر السابق ،ص.177 .
21
المصدر السابق ،ص.177 .
22
أحمد بن علي بن محمد ،ابن حجر ،نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل األثر( ،الرياض :مطبعة سفير،
1422هـ) ،ص.161 .
23
صالح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي ،العالئي ،جامع التحصيل في أحكام المراسيل ،ط( ،2بيروت :عالم الكتب1986 ،
م) ،ص.116 .
24
السيوطي ،تدريب الراوي.246 ،1 ،
25
ابن حجر ،نزهة النظر ،ص.75 .
.2.2نفي المحدثين السماع لبعض الرواة عمن فوقهم:
وبالرغم من اهتمام المحدثين بصيغ األداء وأدوات التحمل ،إال أنهم لم يأخذوا أحيا انا بها في كل
وقت ،فكانوا يقفون عن األخذ بها رغم صراحتها في السماع أحيا انا ،وأحيا انا يبطلون السماع من أصله،
وأحيا انا يقبلون الصيغ المحتملة لثبات السماع عندهم ،وسأبين الحاالت الثالث هذه مع األمثلة:
.1.2.2عدم قبول التصريح بالسماع في حاالت معينة
لم يقبل علماء الجرح والتعديل التصريح بسماع بعض الرواة في عدة حاالت وهي:
1ـ أبطلوا السماع إذا كان قد وقع من الراوي سجية 26.سأل اإلمام يحيى بن سعيد القطان اإلمام علي
َّ
بن المديني عن قول فطر بن خليفة هل تعتمد على قوله :حدثنا فالن؟ وهل قوله حدثنا فالن موصول؟ قال:
"ال .قلت :كانت منه سجية؟ قال :نعم" 27وكذلك قال يحيى بن معين في يونس بن أبي إسحاق" :كانت فيه
غفلة وكانت فيه سجية ،كان يقول :حدثني أبي 28".وقال اإلمام أحمد بن حنبل" :يقول كان سجية في جرير
َّ
بن حازم يقول حدثنا الحسن قال حدثنا عمرو بن تغلب وأبو األشهب يقول عن الحسن قال بلغني أن النبي
29
صلى اهلل عليه وسلم قال لعمرو بن تغلب".
مؤوال فال يعتد به .وهذا التأويل يعرفه الحذاق من علماء الجرح والتعديل
بالسماع َّ
التصريح َّ
2ـ إذا كان َّ
ممن لهم معرفة ثاقبة بالرجال ،ومن أمثلته :قول أبي حاتم الرازي عن الحسن البصري" :الحسن لم يسمع
30
أيضا عن أبي البختري
من ابن عباس وقوله خطبنا ابن عباس يعني خطب أهل البصرة ".وقال الرازي ا
الطائي" :لم يلق سلمان ،وأما قول أبي البختري أنهم حاصروا نهاوند يعني أن المسلمين حاصروا 31".ومن
أيضا :قول علي بن المديني" :روى الحسن بن أبي الحسن أ َّن سراقة حدثهم في رواية علي بن زيد
أمثلته ا
بن جدعان وهو إسناد ينبو عنه القلب أن يكون الحسن سمع من سراقة إال أن يكون معنى حدثهم حدث
32
الناس فهذا أشبه".
3ـ إذا وقع التصريح بالسماع خطأ ووهما .قال ابن رجب" :وحينئذ ينبغي التفطن لهذه األمور ،وال يعتبر
بمجرد ذكر السماع والتحديث في األسانيد ،فقد ذكر ابن المديني أن شعبة وجدوا له غير شيء يذكر فيه
األخبار عن شيوخه ،ويكون منقطعا ،وذكر أحمد أن ابن مهدي حدث بحديث عن هشيم (أنا) منصور بن
26
يع اة م ْن َغير َت َكلُّف( .ينظر :ابن منظور ،لسان العرب.)372 ،14 ،
ْ سجية :أَي َ
طب َ َّ 27
الذهبي ،سير أعالم النبالء.32 ،7 ،
28
يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف ،المزي ،تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،مح .بشار عواد معروف( ،بيروت :مؤسسة
الرسالة).491 ،32 ،
29
أحمد بن محمد بن حنبل ،الشيباني ،العلل ومعرفة الرجال ،مح .وصي اهلل بن محمد عباس ،ط( ،2الرياض :دار الخاني،
2001م).267 ،1 ،
30
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.99 .
31
المصدر السابق ،ص.269 .
32
المصدر السابق ،ص.128 .
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
زاذان ،قال أحمد :ولم يسمعه هشيم من منصور ،ولم يصحح قول معمر وأسامة عن الزهري ،سمعت عبد
33
الرحمن بن أزهر".
تدليسا .رواية المدلس أحيانا يكون فيها أداة محتملة للسماع وغيره كعن
ا 4ـ إذا وقع التصريح بالسماع
ومن ،ولكن إذا كان فيها أداة تدل على التصريح بالسماع وقد ثبت عدم سماعه فهذا يعد من أشد أنواع
شديدا،
ا تدليسا
ا التدليس .ومثاله ما ذكره السيوطي عن أبي حفص عمر بن علي المقدمي قال" :كان يدلس
يقول :سمعت ،وحدثنا ،ثم يسكت ،ثم يقول :هشام بن عروة ،األعمش 34".وهذا ما يسميه المحدثون
بتدليس السكوت :وهو أن يذكر الشيخ الصيغة ويسكت عن ذكر شيخه ،ثم يذكر شيخاا فوقه بطبقة.
كذبا .ومن أمثلته :ما حدث لإلمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين في
5ـ إذا وقع التصريح بالسماع ا
قاصاا يقول :أخبرنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ،عن عبد
مسجد الرصافة حيث دخال المسجد فسمعا َّ
الرزاق ،عن معمر ،عن قتادة ،عن أنس أنه قال :من قال :ال إله إال اهلل خلق من كل كلمة طير اا منقاره من
ذهب وريشه من ُمرجانة ...وأخذ في قصة طويلة ،فأنكرا عليه الحديث ،فقال :أليس في الدنيا غيركما أحمد
ويحيى؟ 35ومنه كذلك ما رواه الخطيب البغدادي عن عفير بن معدان الكالعي ،قال" :قدم علينا عمر بن
موسى حمص فاجتمعنا إليه في المسجد ،فجعل يقول حدثنا شيخكم الصالح ،حدثنا شيخكم الصالح ،فلما
أكثر ،قلت له :من شيخنا هذا الصالح؟ سمه لنا نعرفه ،قال :فقال خالد بن معدان ،قلت له :في أي سنة
لقيته؟ قال :لقيته سنة ثمان ومائة ،قلت :فأين لقيته؟ قال :لقيته في غزاة أرمينية ،قال :فقلت له :اتق اهلل يا
شيخ ،وال تكذب ،مات خالد بن معدان في سنة أربع ومائة ،وأنت تزعم أنك لقيته بعد موته بأربع سنين،
وأزيدك أخرى إنه لم يغز أرمينية قط ،كان يغزو الروم 36".ومن أمثلتهم أحمد بن عطاء الهجيمي البصري
الزاهد أبو عمرو ،قال ابن المديني" :رأيته يحدث بما لم يسمع فقلت له في ذلك فقال أرغبهم وأقربهم إلى
اهلل ليس فيه حكم وال سنة فقلت له :أما تخاف اهلل تقرب العباد إلى اهلل بالكذب على رسول اهلل 37".وقد
روى الخطيب البغدادي عن حسين بن إدريس قال" :سألت عثمان أنا وجدي عن أبي هشام الرفاعي فقال:
ال تخبر هؤالء أنه يسرق حديث غيره فيرويه ،قلت :أعلى وجه التدليس ،أو على وجه الكذب؟ فقال :كيف
38
يكون تدليسا وهو يقول َح َّد َث َنا؟"
33
زين الدين عبد الرحمن بن أحمد ،ابن رجب ،شرح علل الترمذي ،مح .همام عبد الرحيم سعيد( ،األردن :مكتبة المنار،
1987م).201 ،1 ،
34
السيوطي ،تدريب الراوي.260 ،1 ،
35
جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد ،ابن الجوزي ،الموضوعات( ،المدينة المنورة :المكتبة السلفية 1966 ،م)،1 ،
.46
36
الخطيب البغدادي ،الكفاية في علم الرواية ،ص.119 .
37
علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن ،ابن عراق الكتاني ،تنزيه الشريعة المرفوعة عن األخبار الشنيعة الموضوعة ،مح .عبد
الوهاب عبد اللطيف ،عبد اهلل محمد الصديق الغماري( ،بيروت :دار الكتب العلمية 1399 ،هـ).30 ،1 ،
38
أحمد بن علي بن ثابت ،الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد( ،بيروت :دار الكتب العلمية 1417 ،هـ) ،مح .مصطفى عبد القادر
عطا.147 ،4 ،
.2.2.2إبطال السماع أصالة
السماع لمن فوقهم لما عرفوه
أبطل بعض علماء الحديث وخاصة من لهم علم ثاقب في معرفة الرجال َّ
من عدم إدراك الراوي لمن فوقه ،أو أنه أدركه لكنه لم يسمع منه تلك الرواية ،أو يحدث عمن أدركه ولم
يلقه ،أو يحدث وقد اختلط ،وتفصيل ذلك بما يأتي:
1ـ من يحدث عمن لم يدركه :ومن أمثلة ذلك رواية ابن جريج عن عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة ،ورواية
مالك بن أنس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ،ورواية حماد بن أبي سليمان عن علقمة ،قال
الخطيب البغدادي" :فهذه كلها روايات ممن سمينا عمن لم يعاصروه 39".ومنه كذلك رواية خالد بن معدان
عن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه ،قال أبو حاتم الرازي" :خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرسل لم يسمع
منه وربما كان بينهما اثنان 40".وقال عن أبي البختري" :أبو البختري كوفي قتل في الجماجم لم يسمع من
42
علي ولم يدركه 41".وقال عن الشعبي" :ولم يدرك عاصم بن عدي ألنه قديم".
2ـ من يحدث عمن أدركه ما لم يسمع منه :وهذا نوع من أنواع تدليس بعض المحدثين ،ال يكتشفه إال
الحفاظ وذو المعرفة الثاقبة بأحوال الرجال .وقد حدد اإلمام الشافعي شروط الراوي الذي يكون خبره
مدلسا ،يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه 43ومن أمثلة ذلك
ا حجة ،وذكر منها :أن يكون بريئا من أن يكون
ما ذكره عبد اهلل بن أحمد بن حنبل قال" :حدثني أبي قال حدثنا عبد اهلل بن نمير قال حدثنا الحارث بن
حصيرة قال سمعت أبا سليمان الجهني قال أبي يعني زيد بن وهب قال أبي لم يسمع منه بن نمير إال حدي اثا
واحدا يعني هذا الحديث 44".وكذلك قال اإلمام أحمد عن سفيان الثوري في روايته عن عبد اهلل بن شداد،
ا
واحدا عن عبد اهلل بن شداد 45".ومن أمثلة كذلك ما ذكره
ا قال" :لم يسمع الثوري من أبي عون إال حدي اثا
اإلمام أحمد بن حنبل عن سعيد بن أبي عروبة قال" :لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم بن عتيبة شيئا
وال من حماد وال من عمرو بن دينار وال من هشام بن عروة وال من إسماعيل بن أبي خالد وال من عبيد
اهلل بن عمر وال من أبي بشر وال من زيد بن أسلم وال من أبي الزناد ،وقد حدث عن هؤالء كلهم ولم يسمع
منهم شيئا 46".وقال اإلمام أحمد" :لم يسمع هشيم من عاصم بن كليب وال من الحسن بن عبيد اهلل شيئا
وقد حدث عنهما وقد حدث عن العمري الصغير ولم يسمع منه وحدث عن أبي خلدة ولم يسمع منه حدثنا
39
المصدر السابق ،ص.384 .
40
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.181 .
41
المصدر السابق ،ص.258 .
42
المصدر السابق ،ص.591 .
43
الخطيب البغدادي ،الكفاية ،ص.23 .
44
أحمد بن حنبل ،العلل ومعرفة الرجال.339 ،1 ،
45
المصدر السابق.387 ،1 ،
46
المصدر السابق.358 ،1 ،
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
عنه ثم سئل عنه فأنكره 47".وقال عن بشر بن المفضل" :لم يسمع بشر بن المفضل من بن طاوس إال حدي اثا
واحدا اتقوا بيتا يقال له الحمام 48".وقال علي بن المديني عن األعمش" :األعمش لم يسمع من أنس بن
مالك إنما رآه رؤية بمكة يصلي خلف المقام فأما طرق األعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشي
50
عن أنس.49".وقال أبو عبد اهلل الحاكم عن الشعبي" :لم يسمع من عبد اهلل بن مسعود انما رآه رؤية".
51
"رواه َر ْوح بن ُعبادة عن
وبمثله ما ذكره الدارقطني من علة في حديث" :أفطر عندكم الصائمون "،قالَ :
وسلم ...الخ ،وال شك أن
َ َ
اهلل َعليه حيى ْبن أَبي َكثير َعن أَنس أَ َّن َّ
النبي َصلى َّ ُ هشام بن أَبي َعبد اهلل عن ي
َ َ َ
52
أنسا ولكنه لم يسمع منه هذا الحديث". َ
حيى بن أبي كثير رأى ا ي
َ َ
3ـ من يحدث عمن أدركه ولم يلقه :ومن أمثلته ما سأله ابن الجنيد ليحيى بن معين :إن يحيى بن سعيد
يزعم أن قتادة لم يسمع من سنان بن سلمة الهذلي حديث ذؤيب الخزاعي في البدن ،فقال" :ومن شك في
هذا؛ أن قتادة لم يسمع منه ولم يلقه؟!" 53وكذلك رواية الحسن البصري عن ابن عباس رضي اهلل عنه ،قال
علي بن المديني" :الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط كان ابن عباس بالبصرة 54".وقال أبو حاتم
عن رواية عبد اهلل بن عكيم عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :ال يعرف له سماع صحيح أدرك زمان
55
النبي صلى اهلل عليه وسلم".
56
4ـ من اختلط :يشترط في الراوي أن يكون حاف اظا إن حدث من حفظه حافظا لكتابه إن حدث من كتابه
واالختالط ينافي الحفظ واالتقان .واالختالط في اصطالح أهل الحديث" :هو كون الراوي ثقة حافظ اا ،ثم
47
المصدر السابق.32 ،2 ،
48
المصدر السابق.189 ،2 ،
49
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.294 .
50
الحاكم محمد بن عبد اهلل بن محمد النيسابوري ،ابن البيع ،سؤاالت مسعود بن علي السجزي (مع أسئلة البغداديين عن
أحوال الرواة لإلمام الحافظ أبي عبد اهلل محمد بن عبد اهلل الحاكم النيسابوري) ،مح .موفق بن عبد اهلل بن عبد القادر،
(بيروت :دار الغرب اإلسالمي 1988 ،م) ،ص.149 .
51
رواه أحمد بن شعيب بن علي الخراساني ،النسائي ،السنن الكبرى ،كتاب األشربة المحظورة ،باب الدعاء لمن أفطر عنده،
(بيروت :مؤسسة الرسالة 2001 ،م) ،311 ،6 ،رقم (.)6874
وسليمان بن األشعث بن إسحاق ،أبو داود ،سنن أبي داود ،كتاب األطعمة ،باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده،
(بيروت :المكتبة العصرية ،دت) ،367 ،3 ،رقم (.)3854
صائما( ،دار إحياء الكتب العربية:
ا ومحمد بن يزيد القزويني ،ابن ماجه ،سنن ابن ماجه ،كتاب الصيام ،باب في ثواب من فطر
بيروت ،دت) ،556 ،1 ،رقم (.)1747
52
علي بن عمر بن أحمد ،الدارقطني ،العلل الواردة في األحاديث النبوية( ،الرياض :دار طيبة 1985 ،م).45 ،1 ،
53
يحيى بن معين بن عون ،سؤاالت ابن الجنيد ألبي زكريا يحيى بن معين ،مح .أحمد محمد نور سيف( ،المدينة المنورة:
مكتبة الدار 1988 ،م) ،ص.340 .
54
علي بن عبد اهلل بن جعفر السعدي ،المديني ،العلل ،مح .محمد مصطفى األعظمي ،ط( ،2بيروت :المكتب اإلسالمي،
،)1980ص.49 .
55
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.371 .
56
البغدادي ،الكفاية ،ص.30 .
يطرأ سوء الحفظ عليه لسبب من األسباب 57".فاالختالط هو تغير في الحفظ واختالل في الضبط يحدث
للراوي لعدة أسباب منها :كبر سنه ،أو ذهاب بصره ،أو احتراق كتبه ،أو موت بعض أهله ،أو سرقة بيته،
وغيرها .ومن أمثلة هؤالء :صالح بن أبي األخضر ،قال عنه ابن حبان" :اختلط عليه ما سمع بما لم يسمع
فحدث بالكل فال ينبغي أن يحدث عنه 58".ومنهم :قيس بن الربيع األسدي ،قال الحافظ ابن حجر" :قال
ابن حبان تتبعت حديثه فرأيته صادقا إال أنه لما كبر ساء حفظه فيدخل عليه ابنه فيحدث منه ثقة به فوقعت
59
المناكير في روايته فاستحق المجانبة".
إثبات المحدثين السماع لبعض الرواة عمن فوقهم رغم عدم التصريح بالسماع:
أثبت علماء الجرح والتعديل من المحدثين سماع بعض الرواة عمن فوقهم بالرغم من استخدامهم للصيغ
المحتملة للسماع وعدمه في حالت معينة وهي:
مثال -تصدر من راو عرف عنه أنه ال يدلس وقد التقى بمن روى
1ـ أن تكون تلك الصيغ -عن ،أن ا
عنه ،أو عاصره .قال ابن رجب" :قول الشافعي ـ رحمه اهلل :وأقبل الحديث حدثني فالن عن فالن ،إذا لم
يكن مدلساا مراده أن تقبل العنعنة عمن عرف منه أنه ليس بمدلس ،فإن الربيع نقل عنه أيضاا ،قال في كالم
له :لم يعرف التدليس ببلدنا ،فيمن مضى ،وال ممن أدركنا من أصحابنا ،إال حديث اا ،فإن منهم من قبله عمن
لو تركه عليه كان خير اا له .وكان قول الرجل :سمعت فالن اا يقول :سمعت فالن اا وقوله :حدثني فالن عن
فالن سواء عندهم ،ال يحدث واحد منهم عمن لقي إال ما سمع منه ،فمن عرفناه بهذا الطريق قبلنا منه:
حدثني فالن عن فالن ،إذا لم يكن مدلسا 60".وقال ابن الصالح" :هذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة
بعضا ،مع براءتهم من وصمة التدليس ،فحينئذ يحمل على ظاهر االتصال،
إليهم قد ثبتت مالقاة بعضهم ا
إال أن يظهر فيه خالف ذلك" 61وقال الحافظ ابن حجر" :وعنعنة المعاصر محمولة على السماع ،بخالف
غير المعاصر فإنها تكون مرسلة أو منقطعة ،فشرط حملها على السماع ثبوت المعاصرة ،إال من المدلس
فإنها ليست محمولة على السماع 62".وهذا على الخالف الذي ذكرته سابقا بين اإلمام البخاري وشيخه ابن
المديني اللذان يشترطان اللقاء مع المعاصرة ،وبين اإلمام مسلم الذي اكتفى بالمعاصرة.
2ـ إذا عرف عن الراوي أنه ال يروي بالعنعنة إال فيما سمعه ممن فوقه :وهذا ما ذكره السيوطي بقوله:
"إن عرف من حاله أنه ال يقول :قال إال فيما سمعه منه ،كحجاج بن محمد األعور روى كتب ابن جريج
57
وصى اهلل بن محمد عباس ،علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية( ،المدينة المنورة :مجمع الملك فهد لطباعة
المصحف الشريف) ،ص.30 .
58
جال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ،ابن الجوزي ،العلل المتناهية في األحاديث الواهية ،مح .إرشاد الحق
األثري( ،باكستان :إدارة العلوم األثرية 1981 ،م).202 ،1 ،
59
ابن حجر ،تهذيب التهذيب ،ج ،8ص.394 .
60
ابن رجب ،شرح علل الترمذي.586 ،2 ،
61
ابن الصالح ،معرفة أنواع علوم الحديث ،ص.61 .
62
ابن حجر ،نزهة النظر ،ص.159 .
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
عنه بلفظ :قال ابن جريج ،فحملها الناس عنه واحتجوا بها ،وخص الخطيب حمله على السماع به أي من
عرف منه ذلك بخالف من ال يعرف منه ذلك فال يحمله على السماع 63".وهذا ما أشار إليه ابن الصالح
في كون العرف في زمن الرواية إذا كان بالعنعنة فإنه يدل على االتصال .قال رحمه اهلل" :كثر في عصرنا وما
قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال (عن) في اإلجازة فإذا قال أحدهم :قرأت على فالن عن فالن أو
نحو ذلك فظن أنه رواه باإلجازة ،قال :وال يخرجه ذلك من قبيل االتصال على ما ال يخفى 64".ومن ذلك:
رواية هشام بن عروة عن أبيه ،وهشام بن عروة مشهور السماع من أبيه ،بل هو أشهر من روى عن أبيه،
فذكر مسلم حدي اثا من رواية هشام بن عروة عن أبيه ،دلسه هشام ،إذ لم يكن قد سمعه من أبيه ،وإنما سمعه
من رجل عن أبيه ،إال أن العلماء لم يترددوا في قبول رواية هشام عن أبيه بالعنعنة ،ألن الحكم للغالب،
والغالب من عنعنات هشام أنها وقعت منه مع السماع واالتصال 65.وذكر اإلمام الصنعاني بعض رجال
الصحيحين الذين وصفوا بالتدليس ثم قال" :فهؤالء الرفعاء من المدلسين في الصحيحين ممن لم يوصف
نادرا وغالب رواياتهم على السماع 66".يتضح مما سبق من أقوال العلماء أن من اشتهر بالعنعنة
بالتدليس إال ا
في الرواية تقبل روايته إن كان معرو افا سماعه عمن فوقه ،أو كان نادر التدليس ،وهذا ما يعرفه أئمة النقد
من المحدثين رحمهم اهلل.
3ـ إذا عرف بالتدليس عن الثقات فقط :قال الزركشي" :من كانت عادته ال يدلس إال عن ثقة فحديثه
مقبول 67".وقال الحافظ أبو بكر البزار :من كان يدلس عن الثقات كان تدليسه مقبوال عند أهل العلم وإن
مدلسا 68".وقال الحافظ ابن حجر" :من عرف لقيه وكان يدلس لكن ال يدلس إال عن ثقة قبل وإال ا كان
69
فال ".وقال الصنعاني" :أكثر األئمة من إخراج حديثه إما ألمانته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى
من الحديث الكثير أو أنه كان ال يدلس إال عن ثقة 70".وقد علم أئمة الجرح والتعديل أحوال هؤالء الذين
متصال ،وكان من أبرزهم سفيان
ا اشتهروا بالتدليس عن الثقات فقبلوا أخبارهم ومروياتهم ،واعتبروا إسنادهم
بن عيينة ،وإبراهيم النخعي ،وإسماعيل األحمسي ،والحسن البصري ،والزهري ،وسليمان األعمش،
63
السيوطي ،تدريب الراوي.423 ،1 ،
64
محمد بن إسماعيل بن صالح ،الصنعاني ،توضيح األفكار لمعاني تنقيح األنظار ،مح .صالح بن محمد بن عويضة( ،بيروت:
دار الكتب العلمية 1997 ،م).307 ،1 ،
65
ينظر :حاتم بن عارف بن ناصر الشريف ،العوني ،إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين
المتعاصرين( ،الرياض :دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع 1421 ،هـ).154 ،1 ،
66
الصنعاني ،توضيح األفكار.328 ،1 ،
67
بدر الدين محمد بن عبد اهلل بن بهادر ،الزركشي ،النكت على مقدمة ابن الصالح ،مح .زين العابدين بن محمد( ،الرياض:
أضواء السلف 1998 ،م).72 ،2 ،
68
إبراهيم بن موسى بن أيوب ،األبناسي ،الشذا الفياح من علوم ابن الصالح ،مح .صالح فتحي هلل( ،الرياض :مكتبة الرشد،
1998م).176 ،1 ،
69
أحمد بن علي بن محمد ،ابن حجر العسقالني ،النكت على كتاب ابن الصالح ،مح .ربيع بن هادي عمير المدخلي( ،المدينة
المنورة :الجامعة اإلسالمية 1984 ،م).584 ،2 ،
70
الصنعاني ،توضيح األفكار.328 ،1 ،
وغيرهم وقد روى عنهم أصحاب الكتب الستة .لذا قال اإلمام ابن عبد البر" :االعتبار ليس بالحروف وإنما
صحيحا ،كان حديث بعضهم
ا هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة ،فإذا كان سماع بعضهم من بعض
محموال على االتصال حتى تتبين فيه علة االنقطاع 71".وهنا أود اإلشارة إلى
ا أبدا بأي لفظ ورد
عن بعض ا
72
أن المدلس إذا صرح بالتحديث انتفت عنه شبهة التدليس وقبلت روايته عند كثير من المحدثين.
الرجوع لكتب الجرح والتعديل لترجمة الراويين والتحقق من رواية أحدهما عن اآلخر:
يعد الرجوع لكتب الرجال ومعرفة تالمذة وشيوخ الراوي من أهم الطرق لمعرفة شيوخ الراوي ،أو
جدا في حصر شيوخ
عظيما ا
ا جهدا
ا معرفة تالمذة الشيخ ،وبذلك يتحقق السماع بينهما ،وقد بذل أئمة النقد
كل راو وتالمذته ،وكان الهدف من ذلك بالدرجة األولى التحقق من اتصال السند ،إضافة لما يقرره هؤالء
العلماء من اثبات سماع فالن من فالن ،أو نفي السماع ،وكذلك التعرف على مواليد الرواة ووفياتهم للتحقق
من المعاصرة وإمكان اللقاء ،والتعرف على الصحابة والتابعين لتمييز المرسل من الموصول والموقوف من
المقطوع ،وقد ظهرت لنا كتب عظيمة في هذا المجال ،تفنن أصحابها في تنويعها وتقسيمها ،فمن كتب
خاصة بمعرفة الصحابة ،إلى كتب صنفت على الطبقات ،وأخرى على البلدان ،ومن كتب خاصة برجال
كتب معينة ،إلى كتب عامة ،ولعل من أبرز هذه الكتب والتي صنفت في رجال كتب مخصوصة وهي الكتب
الستة -البخاري ،ومسلم،وأبو داود ،والنسائي ،والترمذي ،وابن ماجه-هو كتاب (الكمال في معرفة الرجال)
اشتهارا وقد لقي عناية بالغة من العلماء،
ا لإلمام عبد الغني المقدسي( ،ت 600هـ) ،وهو من أشهر الكتب
فقد قام الحافظ أبو الحجاج يوسف بن زكي المزي( 742هـ) بتهذيبه في كتاب أسماه (تهذيب الكمال) ،ثم
وذيله وسماه (إكمال تهذيب
جاء الحافظ عالء الدين مغلطاي (ت 762هـ) أكمل كتاب تهذيب الكمال َّ
الكمال) ،ثم جاء الحافظ أبو عبد اهلل الذهبي (ت 748هـ) فصنف على كتاب شيخه المزي كتابين( ،تذهيب
التهذيب) و(الكاشف)،ومن بعده جاء الحافظ ابن حجر فعمل على تهذيب واختصار كتاب تهذيب الكمال
في كتاب سماه( :تهذيب التهذيب) ،ثم اختصره في كتاب سماه(تقريب التهذيب) ،ثم جاء الحافظ صفي
الدين الخزرجي فاختصر كتاب (تذهيب التهذيب) للذهبي في كتاب (خالصة تذهيب تهذيب الكمال).
ولقد أصبح كتاب اإلمام المزي من أشهر الكتب التي يلجأ إليها الباحثون عن اتصال السند من عدمه،
والذي هذب به كتاب (الكمال) لعبد الغني المقدسي ،بل إن بعض األئمة من أحال إليه ،فقد ذكر اإلمام
البيهقي قول اإلمام البخاري" :وال أعرف ألبي خالد الداالني سماعا من قتادة 73".وتعقبه ابن التركماني (ت
71
ابن عبد البر ،التمهيد.26 ،1 ،
72
ينظر :علي بن سلطان محمد ،القاري ،شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل األثر( ،بيروت :دار األرقم ،دت) ،ص.674 .
73
محمد بن عيسى بن َس ْورة ،الترمذي ،علل الترمذي الكبير( ،بيروت :عالم الكتب 1409 ،هـ) ،ص.45 .
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
750هـ) بقوله" :ذكر صاحب الكمال أنه سمع عن قتادة 74".فهنا استند اإلمام ابن التركماني على قول اإلمام
عبد الغني المقدسي في كتاب الكمال كما يظهر .وكذلك في قول اإلمام الشافعي عن قيس بن طلق :لم
75
نجد من يعرفه ،تعقبه ابن التركماني بقوله" :هو معروف روى عنه تسعة أنفس ذكرهم صاحب الكمال".
وقال في موضع آخر":وذكر صاحب الكمال أن سليمان بن يسار سمع من أم سلمة 76".وقال ابن الملقن
(ت 804هـ)" :وقد جزم صاحب الكمال بأن سليمان سمع منها ،وتبعه المزي والذهبي 77".وهذا مما يدل
على اعتماد األئمة ومن جاء بعدهم على هذا الكتاب لمعرفة االتصال واالنقطاع .إال أنه مما ينبغي التنبيه
عليه أن اإلمامين عبد الغني المقدسي والمزي لم يستوعبا جميع شيوخ الراوي أو تالمذته ،فال ينبغي التسرع
جدا استيعاب جميع الشيوخ أو
بالحكم باالنقطاع لمجرد أنهما لم يذكرا شيخا أو تلميذا ،فمن الصعب ا
جدا وهو :هل الرواية عن شخص ما تعني السماع
أيضا أمر مهم اجميع التالميذ كما هو معلوم .وهنا ا
واالتصال؟
من المعلوم أن اإلمام المزي رحمه اهلل كان يستعمل عبارة "روى عن" ،وعبارة "روى عنه" ،وقد أورد
علماء الجرح وتعديل عبارات عديدة في النقد بمثل" :لم يسمع منه" ،أو "سمع منه حدي اثا واحدا" من أن
ظاهر السند االتصال ،فهل يمكن االعتماد على قول المزي" :روى عنه" الثبات اتصال السند؟ في الحقيقة
أن هناك مواضع في كتابه قد يستدل بها على أنه يحكم باالتصال بين الراويين ،78ومن أمثلته ما تعقب به
الكتاب األصل وهو (الكمال) ،فقد ذكر المقدسي في ترجمة عبداهلل بن نافع الصائغ أنه روى عن هشام بن
عروة ،فتعقبه المزي قائالا" :وذكر صاحب (الكمال) في شيوخه :هشام بن عروة ،ولم يدركه إنما يروي عن
أسمة عنه 79".إال أنه لم يوجد تصريح من قبل اإلمام المزي بعبارة تدل على أنه يقصد بعبارة" :روى عن"،
أو "روى عنه" السماع .وقد جرت عادة األئمة أن يعبروا بالرواية عن الشخص ،وال يريدون بذلك إثبات
السماع واالتصال .80فكثرت عبارات النقاد بمثل" :لم يدرك فالن" ،أو "لم يسمع من فالن" .ومن النماذج
على ذلك ما ذكره الترمذي في رواية أبي عبيد القاسم بن سالم عن ابن جريج ،قال الترمذي" :أبو عبيد لم
يدرك ابن جريج 81".ومنه :ما رواه ابن خيثمة في تاريخه" :حدثنا يحيى بن معين ،قال :حدثنا غندر ،عن
74
عالء الدين علي بن عثمان ،ابن التركماني ،الجوهر النقي على سنن البيهقي( ،بيروت :دار الفكر ،دت).121 ،1 ،
75
المصدر السابق.134 ،1 ،
76
المصدر السابق.333 ،1 ،
77
عمر بن علي بن أحمد ،ابن الملقن ،البدر المنير في تخريج األحاديث واألثار الواقعة في الشرح الكبير( ،الرياض :دار الهجرة
للنشر والتوزيع 2004 ،م).124 ،3 ،
78
إبراهيم بن عبد اهلل ،الالحم ،االتصال واالنقطاع( ،الرياض :مكتبة الرشد 2005 ،م) ،ص.53 .
79
يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف ،المزي ،تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،مح .د .بشار عواد معروف( ،بيروت :مؤسسة
الرسالة 1980 ،م).209 ،16 ،
80
الالحم ،االتصال واالنقطاع ،ص.54 .
81
يوسف بن محمد الدخيل ،النجدي ،سؤاالت الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي( ،المدينة المنورة :عمادة
البحث العلمي بالجامعة اإلسالمية 2003 ،م).846 ،2 ،
سعيد بن أبي عروبة ،عن قتادة ،...قال ابن خيثمة" :سمعت يحيى بن معين يقول :قتادة لم يدرك سنان بن
شيئا 82".ومنه :قال ابن قانع" :حدثنا عبد اهلل بن بشر الطيالسي ،نا محفوظ بن أبي توبة،
سلمة وال سمع منه ا
نا عبد اهلل بن نافع ،عن محمد بن صالح التمار ،عن الزهري ،عن سعيد بن المسيب ،عن عتاب بن أسيد،...
لم يدرك سعيد بن المسيب عتاب بن أسيد 83".وقال ابن المديني" :لم يسمع أبو قالبة من هشام بن عامر
أيضا" :سعيد بن المسيب روى عنه القاسم ولم يثبت أنه سمع منه شيئا 85":وقال أبو 84
وروى عنه ".وقال ا
حاتم الرازي" :لم يسمع أبو إسحق من ابن عمر إنما رآه رؤية 86".وعن عبد الملك بن ميسرة قال" :قلت
للضحاك :أسمعت من ابن عباس؟ قال :ال .قلت :فهذا الذي ترويه عمن أخذته؟ قال :عنك ،وعن ذا ،وعن
ذا 87".وغيرها من نماذج كثيرة تدل على أن الرواية ال تدل على السماع ،بل إن اإلمام المزي نفسه ،يذكر
"مرسال 89".إضافة لذلك فالمزي رحمه اهلل يذكر
ا أحيا انا عبارات تدل على عدم السماع كـ "لم يدركه 88"،أو
في نهاية كل ترجمة أقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي ،ومن ذلك إثبات السماع أو نفيه عمن روى
عنه ،لذا فإن االعتماد على عبارة "روى" عن" ،أو "روى عنه" لتكون حكماا في االتصال اعتماد في قصور
فهو ال يعدو أن يكون قرينة ،واهلل أعلم.
كالم علماء الجرح والتعديل في الرواة ،من حيث إثبات السماع من عدمه:
يعمد كثير من أئمة النقد في كتب الجرح والتعديل إلى إثبات سماع الراوي عمن فوقه ،أو سماع التلميذ
عن شيخه ،أو نفي السماع أصالة ،أو إثبات سماع ألحاديث مخصوصة فقط ،لذا فاألمر يتطلب الرجوع
لكتب الجرح والتعديل لمن يريد التحقق من السماع والبحث عن أقوال العلماء في سماع فالن عن فالن.
ومن أهم الكتب المساعدة على ذلك والتي تكلم فيها أصحابها عن السماع وعدمه ،الكتب التي اهتمت
بالمراسيل ككتاب (المراسيل) البن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) ،وكتاب (جامع التحصيل في أحكام
المراسيل) لصالح الدين العالئي( ،ت 761هـ) ،وكتاب (تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل) ألبي زرعة
العراقي ( 826هـ) .وكذلك كتب السؤاالت ،ككتاب (سؤاالت أبي داود لإلمام أحمد بن حنبل في جرح
الرواة وتعديلهم) ،وكتاب (سؤاالت الحاكم النيسابوري للدارقطني) ،وكتاب (سؤاالت محمد بن عثمان بن
82
أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة ،أبو خيثمة ،التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة( ،القاهرة :الفاروق الحديثة للطباعة
والنشر 2006 ،م).42 ،1 ،
83
عبد الباقي بن قانع بن مرزوق ،ابن قانع ،معجم الصحابة ،مح .صالح بن سالم المصراتي( ،المدينة المنورة :مكتبة الغرباء
األثرية 1418 ،هـ).270 ،2 ،
84
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.109 .
85
ابن المديني ،العلل ،ص.49 .
86
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.146 .
87
المصدر السابق ،ص.340 .
88
مثال :المزي ،تهذيب الكمال.221 ،12 ،
ينظر ا
89
المصدر السابق.9 ،2 ،
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
أبي شيبة لعلي بن المديني) ،وكتاب (سؤاالت البرقاني للدارقطني) ،وغيرها .وكذلك كتب العلل ،ككتاب
(العلل ومعرفة الرجال) لإلمام أحمد (ت 241هـ) ،وكتاب (العلل) لعلي بن المديني (ت 234هـ) ،وكتاب
(لعلل الواردة في األحاديث النبوية ).للدارقطني (ت 385هـ) ،وكتاب (العلل الكبير) ،و(العلل الصغير)
للترمذي (ت 279هـ) ،وغيرها إضافة لكتب الرجال األخرى وبما فيها (تهذيب الكمال) ،للمزي ،و(تهذيب
التهذيب) البن حجر ،و(إكمال تهذيب الكمال) لمغلطاي.
ومن أمثلة ما ذكره أصحاب هذه الكتب ما يأتي :قال ابن المديني في الحسن عن عائذ بن عمرو" :ليس
بشيء وحرك رأسه ما أراه سمع منه شيئا 90".وسأل أبو داود اإلمام أحمد عن معاوية بن صالح فقال :لم
يسمع ابن عياش سمع منه أبو فضالة وأبو فضالة قديم 91".وقال ابن أبي حاتم" :سمعت أبي يقول أبو إسحق
َّ
الهمداني قد رأى حجر بن عدي وال أعلم سمع منه 92".وكذا سأل ابن أبي حاتم أبيه" :يحيى بن أبي كثير
عن عبد الرحمن األعرج سمع منه؟ قال :ال لم يسمع منه 93".قال عبد اهلل بن أحمد بن حنبل" :سألت أبي
عن مطر الوراق سمع من رجاء بن حيوة فقال قد سمع منه أرى قال أبي قال بعض الناس قتادة لم يسمع
من رجاء بن حيوة إنما هو عن مطر وأنكره أبي جدا وقال ال قد حدث عنه قتادة 94".وكذلك سأل عبد اهلل
بن أحمد أباه عن بن أبي ذئب سمع من الزهري؟ قال" :نعم سمع منه ،قلت :إنهم يقولون لم يسمع من
الزهري ،قال :قد سمع من الزهري ،حدثناه يحيى بن سعيد عن بن أبي ذئب قال :حدثني الزهري ،فذكر
أيضا :سألت الزهري 95".وقال العالئي" :وقد اختلف في سماع عبد
غير حديث فيها حدثني الزهري ،وفيها ا
الرحمن بن عبد اهلل بن مسعود من أبيه ،فالصحيح أنه سمع منه دون أخيه أبي عبيدة ،قاله اإلمام البخاري
وغيره 96".وقد يستفاد من الرجوع لهذه الكتب لمعرفة إمكانية إدراك الراوي لمن فوقه من عدمها وبناء عليه
يستطيع التحقق من إمكانية السماع ،أو عدمها.
ومثال ذلك :روى اإلمام أبو داود في المراسيل قال :حدثنا موسى بن إسماعيل ،حدثنا حماد هو ابن
سلمة عن برد أبي العالء ،عن سليمان بن موسى ،عن رجل ،من بني عدي بن كعب ،...ثم قال" :سليمان
لم يدرك العدوي هذا 97".وفي موضع آخر قال :حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم ،حدثنا حجاج ،عن
ابن جريج ،عن عطاء الخراساني ،عن ابن عباس ،...ثم قال" :عطاء الخراساني لم يدرك ابن عباس ولم
90
ابن المديني ،العلل ،ص.66 .
91
أحمد بن محمد بن حنبل ،الشيباني ،سؤاالت أبي داود لإلمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة وتعديلهم ،مح .زياد محمد
منصور( ،المدينة المنورة :مكتبة العلوم والحكم 1414 ،هـ) ،ص.195-194 .
92
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.146 .
93
المصدر السابق ،ص.895 .
94
أحمد بن حنبل ،العلل ومعرفة الرجال.362 ،1 ،
95
المصدر السابق.538 ،1 ،
96
العالئي ،جامع التحصيل ،ص.53 .
97
أبو داود ،المراسيل ،ص.47 .
يره 98".وقال الترمذي :سألت محمدا -يعني البخاري -عن حديث القاسم بن الفضل ،عن محمد بن علي،
عن أم سلمة ...،فقال" :لم يدرك محمد بن علي أم سلمة 99".وقال علي بن المديني" :عمر بن الحكم لم
يسمع من أسامة ولم يدركه وروى عن مولى أسامة عن أسامة 100".مع أن اإلمام المزي رحمه اهلل قال في
ترجمة عمر بن الحكم :روى عن أسامة بن زيد 101.وقال ابن المديني عن أبي عثمان النهدي" :وقد أدرك
النبي صلى اهلل عليه وسلم 102".وقال أبو حاتم عن عبد اهلل بن يزيد األنصاري" :وكان قد أدرك النبي صلى
اهلل عليه وسلم 103".لذا فمن الضروري جدا الرجوع ألئمة الجرح والتعديل للتحقق من أمر سماع الراوي
أو إدراكه لمن يروي عنه ،ثم يبنى الحكم على السند باالتصال من عدمه بعد ذلك ،خاصة إذا كان هناك
اتفاق على راو ما في أنه سمع أو لم يسمع من فالن .فمثال قال أبو حاتم" :الزهري لم يسمع من أبان بن
شيئا ،ال ألنه لم يدركه ،قد أدركه وأدرك من هو أكبر منه ،ولكن ال يثبت له السماع منه ،كما أن
عثمان ا
حبيب بن أبي ثابت ال يثبت له السماع من عروة بن الزبير ،وهو قد سمع ممن هو أكبر منه ،غير أن أهل
104
الحديث قد اتفقوا على ذلك واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة".
"وإذا وقف الباحث على كالم اإلمام أو أكثر من أئمة النقد فعليه أن يتحقق جيداا من صحة نسبة القول
إلى صاحبه ،إذ قد يقع في النقل اضطراب ،لسبب من األسباب يلزم معه البحث والتحري في نسبة القول
105
وذلك بمثل قول ابن أبي حاتم عن أبيه في (المراسيل)" :عكرمة لم يسمع من إلى من روى عنه"
107
وبالتالي يجب التحقق عائشة 106"،وقوله في (الجرح والتعديل)" :قيل ألبي سمع من عائشة؟ فقال نعم".
من النقل ،وعدم وجود تحريف في النص ،والرجوع لمصادر أخرى معززة ألحد القولين ،فقد يكون لإلمام
قول آخر ،أو خالفه آخرون فيأخذ برأي األغلبية .وفي أمر سماع عكرمة من عائشة رضي اهلل عنهما:
فاألرجح واهلل أعلم أن رأي أبي حاتم أنه لم يسمع منها ،ألنه أثبت عدم السماع في كتاب (المراسيل) وهو
مخصص للسماعات عندي أن أبا حاتم يذهب لعدم السماع؛ ألن النقل عنه في ذلك كان في كتاب
«المراسيل» المخصص لهذه المسائل في السماعات ،وهي محررة .واهلل أعلم.
وقد رجح بعض أهل العلم سماع عكرمة من عائشة ألن اإلمام البخاري أخرج ثالثة أحاديث في
98
المصدر السابق ،ص.349 .
99
الترمذي ،علل الترمذي الكبير ،ص.220 .
100
أحمد بن عبد الرحيم العراقي ،أبو زرعة ،تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ،مح .عبد اهلل نوارة( ،الرياض :مكتبة الرشد،
دت) ،ص.239 .
101
المزي ،تهذيب الكمال.307 ،21 ،
102
ابن المديني ،العلل ،ص.87 .
103
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ،ابن أبي حاتم ،العلل( ،الرياض :مطابع الحميضي 2006 ،م).111 ،2 ،
104
المصدر السابق ،ص.703 .
105
الالحم ،االتصال واالنقطاع ،ص.67 .
106
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.581 .
107
ابن أبي حاتم ،الجرح والتعديل.7 ،7 ،
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
صحيحه عن عكرمة عن عائشة رضي اهلل عنها .قال أبو زرعة العراقي عن قول ابن أبي حاتم" :حكى في
المراسيل عن أبيه أن عكرمة لم يسمع من عائشة ،وقال في كتاب الجرح والتعديل :قيل ألبي سمع عكرمة
108
من عائشة؟ قال :نعم ،فهذا تناقض ورجح سماعه منها أن روايته عنها في صحيح البخاري".
108
أبو زرعة ،تحفة التحصيل ،ص.232 .
109
محيي الدين يحيى بن شرف ،النووي ،التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث( ،بيروت :دار الكتاب
العربي 1985 ،م) ،ص.117 .
110
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.761 .
111
أيضا فيه داللة واضحة على اهتمام علماء النقد بقضية
سماع وال رؤية وال سؤاله عن مسألة ".وهذا ا
إدراك التلميذ للشيخ والتأكد من لقائه والسماع منه .وفي إسناد لألشج ،عن أبي خالد ،عن ابن عجالن ،عن
شيئا،
أبي حازم ،عن أبي هريرة ،قال الدارقطني" :وأبو حازم هذا هو سلمة بن دينار لم يسمع من أبي هريرة ا
112
والحديث يرويه أبو حازم ،عن سهل بن سعد".
2ـ تباعد مكان الراوي عن مكان من روى عنه.
من يروي عن راو ليس من أهل بلدته ،ولم يثبت رحلته إليها دليل قوي على عدم السماع يستعين به
كثير من أئمة النقد .وقد اعتنى أئمة النقد بمعرفة المكان الذي اجتمع فيه الراوي مع شيخه ،بل إن بعضهم
نص على تاريخ دخول الراوي إلى بلدة ما ،وفترة إقامته بها ،ومن لقيه فيها ،وهنا تكمن أهمية الرحلة في
طلب الحديث ،وأئمة النقد إذا علموا بذلك استطاعوا اثبات السماع أو نفيه ،لذا فأمر وارد أن يجمع بعض
الرواة عصر واحد ،ولكن لم يسمع بعضهم من البعض.
قال ابن رجب" :أن يروي الراوي عن شيخ من غير أهل بلده ،ولم يعلم أنه دخل إلى بلده ،وال أن
الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه ،ومثاله :ما نقله مهنا عن أحمد ،قال :لم يسمع زرارة بن أوفى من
تميم الداري ،تميم بالشام وزرارة بصري ،وقال ابن المديني :لم يسمع الحسن من الضحاك بن قيس كان
113
ومن أمثلته :قول الشافعي عن سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من بالل الضحاك يكون بالبوادي".
114
الحبشي رضي اهلل عنه ،قال" :وال نعلم عبد الرحمن رأى بالال قط ،عبد الرحمن بالكوفة".
وكذلك قول ابن أبي حاتم" :سئل أبي عن ابن سيرين سمع من أبي الدرداء؟ قال :قد أدركه ،وال أظنه
سمع منه ذاك بالشام وهذا بالبصرة 115".وقال اإلمام أحمد" :لم يسمع الحسن من ابن عباس إنما كان ابن
116
عباس بالبصرة واليا أيام علي رضي اهلل عنهما".
3ـ أن يروي عمن عاصره ،ثم يدخل أحيا انا بينه وبين من يروي عنه واسطة .يستدل أئمة النقد بهذا على
عدم السماع من الراوي لمن فوقه .قال ابن رجب" :هذا يستدل به هؤالء األئمة على عدم السماع ،ومثاله:
قال أحمد :البهي ما أراه سمع من عائشة إنما يروى عن عروة عن عائشة ،وقال في حديث زائدة عن السدى
117
عن البهي ،قال :حدثتني عائشة .قال :وكان ابن مهدي سمعه من زائدة ،وكان يدع منه :حدثتني عائشة".
ومن أمثلته :قال اإلمام أحمد" :خيثمة لم يسمع من عبد اهلل بن مسعود شيئا روى عن األسود عن عبد
111
المصدر السابق ،ص.899 .
112
الدارقطني ،العلل.238 ،8 ،
113
ابن رجب ،شرح علل الترمذي.200 ،1 ،
114
أحمد بن الحسين بن علي ،البيهقي ،معرفة السنن واآلثار ،مح .عبد المعطي أمين قلعجي( ،بيروت :دار قتيبة 1991 ،م)،1 ،
.276
115
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.680 .
116
المصدر السابق ،ص.96 .
117
ابن رجب ،شرح علل الترمذي.201 ،1 ،
منهج المحدثين في التحقق من اتصال السند
118
شيئا إنما يحدث
اهلل ".وسئل عن الحجاج بن أرطأة هل سمع من عكرمة؟ فقال" :لم يسمع من عكرمة ا
119
وقال اإلمام البخاري في رواية يونس بن عبيد عن نافع" :ما أرى عن داود بن الحصين عن عكرمة".
يونس بن عبيد سمع من نافع ،وروى يونس بن عبيد ،عن ابن نافع ،عن أبيه حدي اثا 120".وقال ابن معين" :لم
121
يسمع الحسن من حبيب ،إنما سمع حديثه من عمرو بن خالد عنه ،وعمرو متروك".
4ـ من اشتهر بكثرة اإلرسال ،أو كان من بلد اشتهر أهله بكثرة اإلرسال .وهذه قرينة تدل على عدم
السماع .وممن اشتهروا باإلرسال :عبد الرحمن بن سابط ،سئل يحيى بن معين :عبد الرحمن بن سابط سمع
َّ
من سعد بن أبي وقاص؟ قال :ال ،قيل :سمع من أبي أمامة؟ قال :ال ،قيل :سمع من جابر؟ قال :ال ،هو
مرسل كان مذهب يرسل عنهم ولم يسمع منهم 122ومنهم إسحاق بن أبي فروة :قال اإلمام الزهري إلسحاق
بن أبي فروة" :مالك -قاتلك اهلل -تجيئنا بأسانيد ال خطم لها وال أزمة 123".ومنهم :يحيى بن أبي كثير،
قال ابن رجب" :وكان يحيى بن أبي كثير يرسل .وضعف يحيى بن سعيد مرسالته وقال :هي شبه الريح.
وقال أحمد :ال تعجبني مراسيله ،ألنه قد روى عن رجال صغار ضعاف 124".ومنهم :مكحول الدمشقي،
125
قال العالئي" :وهو مشهور باإلرسال عن جماعة لم يلقهم".
126
. وقد ذكر عدد من أئمة أهل النقد أن الشام مشهورة باإلرسال ،فإن اإلرسال يغلب على روايتهم
قال أبو عوانة" :كنا يوما عند الحكم فذكر حديثا ليس بمسند فقال :ليس هذا من بابه شعبة ،قال :فقال شعبة:
127
وأود التنبيه هنا إلى أن هذه القرائن تفيد الباحث خاصة إذا لم ال ينبغي أن تروي عن الشامي كثيرا".
ا
يوجد التصريح بالتحديث فبها يستطيع إثبات السماع وعدمه ،كما أن فيها فائدة كبيرة في حال التصريح
دليال على
أيضا فهي تؤكد التصريح وتعززه ،بل أحيا انا تنفي صدق التصريح بالتحديث فتكون ا
بالتحديث ا
عدم السماع.
5ـ طول صحبة الراوي لشيخه ،أو قصرها" .أعطى المحدثون لطول مالزمة الراوي لشيخه ،وممارسته
لحديثه أهمية كبيرة ،حيث قسموا الرواة عن الشيخ إلى فئات بين األطول صحبة ،واألقصر ،واألقل ممارسة،
واألكثر ،ورجحوا من أجل ذلك أسانيد كثيرة على أخرى 128".فلطول صحبة الراوي بشيوخه اعتبار مهم
118
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.189 .
119
العالئي ،جامع التحصيل ،ص.123 .
120
الترمذي ،العلل الكبير ،ص.345 .
121
ابن رجب ،شرح علل الترمذي.827 ،2 ،
122
ابن أبي حاتم ،المراسيل ،ص.459 .
123
ابن رجب ،شرح علل الترمذي.185 ،1 ،
124
المصدر السابق.445 ،1 ،
125
العالئي ،جامع التحصيل ،ص.120 .
126
الالحم ،االتصال واالنقطاع ،ص.85 .
127
أحمد بن حنبل ،العلل.415 ،3 ،
128
فاتح بو زيت ،مسالك الكشف عن االتصال واالنقطاع في الرواية ،رسالة ماجستير ،الجامعة األردنية ،كلية الدراسات العليا،
عند أئمة النقد ،فبه يحكمون على الرواية باالتصال ،كما أن قصر صحبة الراوي لشيخه عدها األئمة أحد
أسباب ضعف الرواية .ومما يدل على ذلك تقسيم ابن رجب من روى عن الزهري إلى خمس طبقات،
فقال عن الطبقة األولى" :جمعت الحفظ واإلتقان وطول الصحبة للزهري ،والعلم بحديثه والضبط له،
كمالك ،وابن عيينة ،وعبيد اهلل بن عمر ،ومعمر ،ويونس ،وعقيل وشعيب وغيرهم ،وهؤالء متفق على
129
تخريج حديثهم عن الزهري".
وكذا الحال إذا قصرت صحبة الراوي لشيخه ،قدم سماع من هو أحفظ منه في شيخه .ومثاله" :سئل
أبو زرعة عن حديث رواه القعنبي ،عن سليمان بن المغيرة ،عن ثابت ،عن أبي موسى ،عن النبي صلى اهلل
عليه وسلم قال :إذا سقطت لقمة أحدكم ،فليمط عنها ،ثم ليأكلها ،وال يدعها للشيطان ،ورواه حماد بن
حمادا
ا سلمة ،عن ثابت ،عن أنس ،عن النبي صلى اهلل عليه وسلم؟ فقال أبو زرعة" :حماد أحفظ 130".فقدم
على سليمان لطول صحبة حماد لشيخه ثابت وقصر صحبة سلمان له.
والدليل على ذلك ما نقله المزي عن يحيى بن معين قال :من خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول
قول حماد ،قيل :فسليمان بن المغيرة عن ثابت قال :سليمان ثبت ،وحماد أعلم الناس بثابت ،أثبت الناس
في ثابت البناني حماد بن سلمة ،...وقال علي بن المديني :لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن
سلمة" .131لذا فإن طول الصحبة للشيخ ترجح السماع عند المحدثين ،وتقدمه على الراوي الذي قصرت
صحبته ومالزمته للذات الشيخ.
النتائج
وختاما وبعد التعرف على منهج أئمة النقد من المحدثين في الكشف عن اتصال السند والتحقق من
ا
سماع الراوي عمن فوقه ،وطرق الباحثين الذين أتوا من بعدهم ممن يريد معرفة اتصال السند أو انقطاعه
نخلص على النتائج اآلتية:
بالغا لم تشهده أمة من األمم السابقة ،بغية صون سنة
اهتماما ا
ا 1ـ اهتم علماء المسلمين بدراسة األسانيد
جهدا
ا اهتماما استلزم
ا النبي صلى اهلل عليه وسلم وحمايتها من التحريف والكذب ،ومن الزيادة والنقصان،
عظيما ،صنفت ألجله مصنفات عديدة شملت جل رواة السنة.
ا
استعماال للكشف عن اتصال الرواية والتحقق من السماع،
ا 2ـ تعتبر صيغ التحمل واألداء الطريقة األكثر
إال أنها أحيا انا ال يؤخذ بها وإن تم التصريح بالسماع فيها العتبارات معينة عند أئمة النقد.
3ـ دقة أئمة النقد من المحدثين وغزارة علمهم وحفظهم الثاقب أدى لمعرفتهم إدراك الرواة لمن فوقهم