You are on page 1of 18

‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬

‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫درس‬

‫املعاني املستهدفة يف البحث ‪ :‬اخلصوصي –الكوني‪-‬االنساني –العاملي‪-‬العوملة‪-‬‬


‫املركزية الثقافية –التنوع الثقايف‪-‬االختالف‪-‬التثاقف‪-‬الثقافة‪-‬احلضارة‬
‫االنسانية‪-‬العيش املشرتك‪-‬اهلوية‪-‬اهلوية املركبة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫ـ على سبيل التقديم ‪:‬‬

‫تندرج هذه المسألة في فضاء إشكالي عام هو مطلب الكوني باعتباره رهانا لإلنساني‬
‫في واقع محكوم بالصراع والهيمنة وموجه بمبادئ وقيم وضعية باتت تهدد وحدة‬
‫االنسانية ‪ .‬للتفكير في امكان "العيش المشترك"ضمن افق حوار إيتيقي تشرع له‬
‫فلسفة االختالف واالنثربولوجيا البنيوية اليوم ‪.‬‬

‫ـ إحراجات‪:‬‬

‫‪ ‬كيف ميكن أن نتحدّث عن كوني إنساني يف واقع فسيفساء ثقافية ؟‬


‫‪ ‬هل ميكن فعال أن حنقّق هذا الكوني أم أن فكرة" العيش املشرتك" تبقى جمرّد امكان وجود‬
‫يفسد عندما يتحقّق؟‬
‫‪ ‬كيف ميكن أن حنقق هذا الكوني دون أن نقع فريسة "مركزية ثقافية" جتتثنا من جذورنا؟‬
‫‪ ‬كيف حنافظ على اهلوية دون الوقوع يف موقف انغالقي قصووي رافض لكل كونية؟‬
‫‪ ‬وبالتالي كيف ميكن أن نستشرف أفق كوني يتحقّق فيه التواصل ضمن شروط ايتيقية‬
‫ويراعي اخلصوصية؟‬

‫"علي ان افتح نوافذي لكل رياح العامل شرط ان ال‬


‫تقتلعين من جذوري " غاندي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫‪ .2‬يف السّؤال عن اهلوية‬


‫‪ .2‬الرمز مبا هو مكون للخصوصية‬
‫‪ .3‬من اخلصوصية اىل الكونية ‪:‬‬
‫أ) اشكالية التنوع الثقايف‬
‫ب) اشكالية املركزية الثقافية‬
‫ت) حوار ام صدام احلضارات‬
‫‪ .4‬الكونية والعوملة ؟‬

‫‪ -‬يف السؤال عن اهلوية ‪:‬‬

‫السؤال عن الهوية وان ودل من رمح الفلسفة اليواننية اال انه ودل والدة منطقية فقد اكن‬
‫سؤال الهوية هو سؤال املنطق عند أرسطو قبل أن يصبح سؤال الفلسفة وعمل الاجامتع‬
‫مث عمل النرثبولوجيا‪.‬‬
‫ومعىن الهوية لغة من هو أو هو هو وتعين هو الوجود املشار اليه احلارض واملرادف‬
‫ملاهية اليشء أو الوجود املنفرد كام يقول الفارابي ‪":‬هوية الشئ وعينيته وتشخصه‬
‫وخصوصيته ووجوده المنفرد له كل واحد وقولنا انه هو إشارة إلى هويته وخصوصيته‬
‫ووجوده المنفرد له الذي ال يقع فيه اشتراك" أي ما تكون خصوصية ذاته غري موقوفة عىل غريه بل مس تفادة منه ‪.‬وهو‬
‫تقريبا املعىن نفسه يف الالتينية حيث تعين الهوية ‪ identité‬من ‪ idem‬اي ما يكون هو نفسه ‪lui-même‬‬
‫» ‪« l'identité est le « sentiment subjectif et tonique d'une unité personnelle et d'une continuité temporelle‬‬

‫ويه معاين عىل وصال مبفاهمي أخرى ذات قرابة مثل املاهية وذات النفس عىل املعىن اذلي ذهب اليه اجلرجاين يف تعريفاته‬
‫"ماهية اليشء يه ما به يكون الش ئي هو هو " غري أن الهوية تتحد اليوم من معاين خمتلفة قد حنرصها يف معنيني‪:‬‬
‫هوية األنا وهوية الذات ‪.‬ويه التحديدات اليت أعرب عهنا اريك فروم حني مزي بني هوية ال "املا أوجد" ويعين هوية‬
‫الان ويه هوية فردية خشصية ذات طابع فردي نفيس ينظر لها من منظور س يكولويج وهو ما يسميه جون لوك "هوية‬

‫‪3‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫خشصية "وهوية اثنية يسمهيا فروم هوية ال " ما امكل" وتعين ما سامه هوية اذلات ويه هوية مفتوحة عىل اخلارج أو هوية‬
‫اجامتعية أو ثقافية أو "هوية مركبة" كام سامها ادغار موران ‪.‬‬
‫ان الفضل يعود – ان اكن مثة فضل –للحباث وادلراسات النرثبولوجية يف الاهامتم ابلهوية من هجة ما يه مطلب اذلات‬
‫امجلاعية ووحدهتا ومن هجة وعي هذه اذلات خبصوصيهتا يف عامل أصبح الانفتاح والتنوع فيه واقعا حيا‪,‬مل يعد ابالماكن اناكره‬
‫أو جتاههل منذ الاس تعامر‪.‬واليوم يزتايد الاهامتم مبعاين اخلصوصية الثقافية (‪)5‬بعد التحوالت اجليو‪ -‬س ياس ية اليت عرفها العامل‬
‫بهناية احلرب الباردة وظهور طرف اس تقطاب عاملي أحادي أسس ملقوالت جديدة للهمينة بعد " مركزية الثقافة" مثل‬
‫"العوملة "و"القرية الكونية "و"صدام احلضارات" و‪ "...‬العيش معا ‪.".‬‬
‫فاذا اكن الرصاع ادلويل اليوم مل تعد حتسمه شعوب أو دول بل حضارات كام يبني صامويل هتنغتون فان " الهوية‬
‫الثقافية اليت يه يف أوسع معانهيا الهوية احلضارية تشلك مناذج للامتسك والتفكك والرصاع " ‪.‬ان الهوية تتحدّ د معوما‬
‫ابعتبارها ما به يكون اليشء هو نفسه‪ ،‬وهذا التحديد للهوية ليس بعيدا عن معىن االنية من حيث أهنا حتيل‬
‫يعّب به عن حقيقته من وهجة ميتافزييقية‪ .‬بيد أن السؤال عن اخلصوصية حييل اىل‬ ‫اىل ما ميزي االنسان وما ّ‬
‫الهوية من هجة ما ميزي االنسان مبا هو اكئن ينمتي اىل مجموعة أو جممتع معني‪ .‬وهذا يعين أن اشاكلية اخلصوصية‬
‫والكونية جتعلنا نغادر هنائيا حقل الفردية املنغلقة عىل ذاهتا اىل مس توى أوسع من الانفتاح عىل الغريية يف‬
‫خمتلف أشاكلها وأبعادها الثقافية واحلرضية‪.‬‬
‫غري أن إدغار موران يتناول مشلك الهوية من هجة تعقد و ّ‬
‫تنوع مس توايت الهوية االنسانية‪ ،‬اذ أنه يرى أ ّن‬
‫التنوع بني الفراد والثقافات يبلغ حدّ ا كبريا اىل درجة أننا حنسب القول ابلوحدة االنسانية رضاب من التجريد‪.‬‬
‫ذكل أن "موران" يعتّب الهوية "هوية مركبة" من هوية خشصية وهوية اجامتعية وهوية ثقافية أي كهوية‬
‫تدرك من ادلاخل ولكن أيضا كهوية ميكن التعرف الهيا من اخلارج ومتثل الساس اذلي يس متدّ منه أ ّي جممتع أو‬
‫ثقافة اختالفها ومتزيها عن جممتع أخر أو عن ثقافة أخرى‪ ،‬فكيف ميكن اذا أن حنافظ عىل الهوية دون أن يلحق‬
‫ضامي مبا هو كوين؟‬

‫ا ّن "ادغار موران" يريد فهم جدلية‬


‫الوحدة والتنوع مبا يه الساس التفسريي‬
‫لالنساين والثقافة عىل حدّ سواء‪ ،‬اذ‬
‫جيب حسب رأيه أن ننظر يف الوحدة‬
‫من هجة كوهنا تنتج التنوع ال من هجة‬
‫كوهنا ّ‬
‫تودل التجانس وتقيض عىل التنوع‬
‫كام جيب أن ننظر لل ّ‬
‫تنوع من هجة كونه‬

‫‪4‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫ينتج الوحدة ال التنوع اذلي ينغلق عىل ذاته فيقيض عىل الوحدة‪ ،‬ذكل أن السؤال عن الهوية عند "ادغار‬
‫موران" ال خيرج عن سؤال ما االنسان؟ وابلتايل السؤال عام هو انساين يف االنسان‪ ،‬خاصة وأن السؤال عن‬
‫الهوية كرثت املطارحات حوهل يف الوقت الراهن حيث أصبحنا شهودا مذعورين من املشاهد الوحش ية اليت‬
‫تقدّ هما وسائل االعالم يوميا‪ ،‬فنتساءل عن طبيعة هذا الاكئن القادر عىل اخلري كام الرش اىل أقىص حدّ ‪.‬ذلكل‬
‫يرى "ادغار موران" أن الثالثية االنسانية املمتثةل يف الفرد واجملمتع والنوع تضع الفرد االنساين يف وضعية تسمح‬
‫هل يف ذات الوقت بتكوين تنوع غري حمدود ووحدة خصوصية‪ ،‬والعالقات بني هذه احلدود الثالث ليست فقط‬
‫متاكمةل بل يه أيضا متضادة ومتثل اماكانت رصاع بني خاصيات‬
‫تودل مس ّمتر‪ ،‬وذلكل يرى "موران" أن الهوية االنسانية‬ ‫بيولوجية وخاصيات ثقافية يف سريورة متعاودة ويف ّ‬
‫حتمل يف ذاهتا شلك الوضعية االنسانية ال بطريقة منفصةل أو متعاقبة ولكن بطريقة مزتامنة‪ .‬فاالنسان ويف ذات‬
‫الوقت اكئن عارف واكئن صانع‪ ...‬والهوية املركبة هبذا املعىن ال تذوب ال يف النوع وال يف اجملمتع مبا أن االنسان‬
‫كذات أو كفرد ال يتعني فقط يف احلوار مع ذاته ولكن يتعني أيضا يف احلوار مع الخر‪.‬‬

‫ً‬
‫في نهاية الستينات برزت ألاقلية ألامريكية من أصل إفريقي‪ ،‬خصوصا‬
‫بظهور منظمة "الفهود السود" سنة ‪ .6611‬ثم حذت أقليات أخرى حذو حركة السود‬
‫مطالبة باالعتراف بخصوصيتها‪ .‬وهذه الظرفية أنتجت "صحوة هوية حقيقية" في‬
‫سنوات السبعينات‪ .‬وكما الحظ ذلك عالم الاجتماع ألامريكي روجر بروباكر‪ ،‬فإن‬
‫ً‬
‫"تجربة ألامريكيين من أصل إفريقي مع قضية "إلاثنية" باعتبارها تصنيفا يفرض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نفسه‪ ،‬وفي الوقت نفسه باعتبارها تحديدا ذاتيا للهوية‪ ...‬هذه التجربة كانت حاسمة‬
‫ً‬
‫ليس فقط لنفسها وفي داخل حدودها الخاصة‪ ،‬بل أيضا في تقديمها لنموذج الاحتجاج‬
‫ً‬
‫على أساس من الهوية‪ ،‬وهو النموذج الذي استفادت منه جميع أنواع الهويات‪ ،‬بدءا‬
‫من تلك التي تتعلق بالجنس أو باالختيار الجنس ي‪ ،‬وانتهاء بتلك التي تتأسس على‬
‫"الانتماء إلاثني أو العرق"‪.‬وقد انعكس هذا في حقل العلوم الاجتماعية على مستوى‬
‫الهيكلة بتأسيس أقسام متنوعة بالجامعة ألامريكية مثل الدراسات ألافرو‪-‬أمريكية‬
‫(ويسمى هذا القسم بـ"الدراسات السوداء")‪ ،‬والدراسات النسوية‪ ،‬والدراسات‬
‫ً‬
‫الخاصة بطائفة الشاذين جنسيا‪ ،‬والدراسات عن املكسيكيين املستقرين بالواليات‬
‫املتحدة‪ ،‬والدراسات اليهودية‪ .‬وتبدو هوية ألاقلية بالنسبة لهذه الحقول الدراسية‬
‫أوليا‪ .‬كذلك قام مفكرو ما بعد الاستعمار من جانبهم‪ ،‬كإدوارد سعيد وكاياتري‬‫معطى ًّ‬
‫سبيفاك‪ ،‬بمساءلة الهويات الهجينة واملختلطة التي صنعها التاريخ الاستعماري‪.‬‬
‫عن مقال‪ :‬مفهوم الهوية‪ :‬تاريخه واشكاالته‪،‬‬
‫د‪ .‬الياس بلكا‪ ،‬بريوت‪ :‬جملة الكلمة‬

‫‪5‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫‪ -‬الرمز مبا هو مكون للخصوصية‬

‫حييل لفظ املقدس عىل القداسة والتقديس ‪ ،‬ويه مش تقة من فعل قدّس مبعىن طهّر وتبارك اىل مرجعية دينية ابلساس ‪،‬‬
‫سواء اكن موضوع التقديس اماكن او كتبا او اكئنات ‪ .‬ويقال عن هللا القدّ وس‪ ،‬أي املزنه عن لك نقص وعيب ‪ .‬فال غرابة‬
‫ان حييل املقدس عىل الطهارة وانتفاء التدنيس‪ ،‬ويه خاصية السلوك ادليين ‪ ،‬وهنا يتداخل الاسطوري ابدليين بل ان‬
‫املقدس يتجىل كذكل يف السحري والطقويس ‪ ،‬بل يف اشاكل تعابري دنيا اكخلرافة او احلاكية الشعبية ‪ .‬حيث يكون مضموهنا‬
‫دوما هو اخليال ‪ fiction‬والعجيب ‪ ، merveilleux‬و اخلارق ‪ ، fantaisie‬وامليثولويج و الالمعقول ‪، irrationnel‬‬
‫واملعقول ‪ plausible‬أحياان أخرى ‪.‬‬

‫يتجىل املقدس يف صورة اهل او قوة خارقة او اكئن خرايف او جعيب ال واقعي او حسري‪ ،‬يثري الرعب واالجالل معا ‪ .‬ويف‬
‫ذكل ما يشد اليه الاهامتم تذلذا ومتعة او انتظارا لعطاايه او استسالما هل خوفا من انتقامه ‪.‬يقول رويج اكيوا ‪ ":‬امنا من‬
‫املقدس ينتظر املؤمن لك رضوب العون ولك اشاكل التوفيق ‪ ،‬فاالجالل اذلي يبعثه يف نفسه هو مزجي من الرعب والثقة ‪،‬‬
‫وهو يعزو املصائب اليت ترتبص به فيكون حضيهتا كام ‪ ..‬اخلريات اليت حيمل هبا "‪.‬‬

‫لقد وضعت الشعوب في االديان ما كانت تفكر فيه بشان العالم عن‬ ‫"‬
‫المطلق عما كائن بذاته " هيجل ‪HEGEL‬‬

‫لك يشء جتربة ‪ ،‬تنحو اىل أن تتجىل يف صور و متثالت رمزية ‪ .‬وقد بني "مايري" ان جتربة‬ ‫واملقدّس ادليين هو قبل ّ‬
‫املقدّ س يه رضب روحاين من املعانقة للعامل ‪ .‬اهنا حدس مؤسس لنوع من احلضور الغامض‪ ،‬ليشء يتجاوز احلدود املعتادة‬
‫للتجربة االنسانية ‪ .‬وهذا اليشء املغاير متاما لدلنيوي يفلت من ظروف التجربة املدنسة ‪ .‬واملقدّس كرمز يسمح ابالنفتاح عىل‬
‫لك لغة‪ ،‬خاصة وأن‬ ‫العامل املطلق‪ ،‬ذكل أن طقس ما ميكّن االنسان من اكتشاف هذا العامل املطلق ‪ ،‬اذلي يفلت ابملاهية من ّ‬
‫يعّب عن ذاته بواسطة طقوس تشغل الرمز والسطورة‪.‬‬ ‫ادلين هو نسق ّ‬

‫ويف هذا املنظور‪ ،‬تكون السطورة لغة املفارق‪ ،‬عند "غارودي" فهو ال يتحدث عن املفارق ابعتباره خارجيا أو قوة فوق‬
‫طبيعية ‪ ،‬فليس هو تعايل لرب فويق بل جتريد رمزي للمطلق ‪ ،‬وهو ما جيعل من السطورة فعل خلق جامعي‪ ،‬فالسطورة‬

‫‪6‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫جمرد مشاركة يف العامل ‪ ،‬بل يه رؤية للعامل متزي االنسان‪ ،‬ذلكل يرى "غارودي" أننا ال نس تطيع أن ننعت ابلسطورة‬
‫ليست ّ‬
‫جمرد حمافظة عىل احلارض ابعتبارها‬ ‫جمرد أثر ابيق من املايض‪ ،‬كام ال نس تطيع أن نعتّب السطورة ّ‬
‫جمرد اعادة انتاج‪ ،‬أو ّ‬ ‫ما هو ّ‬
‫معيارا للسلوك‪ .‬وهذا يعين أن السطورة ليست من املايض بل أن هناك أساطري ينتجها االنسان اليوم ‪ .‬ما خيلق تقابال بني‬
‫املقدس واملدنس حسب مارسيا الياد‪ ،‬فعند الانسان املؤمن "املقدس حيايك املسكل الالهيي ‪ ،‬يقمي ابلقرب من الالهة‬
‫أي يف احلقيقي وذي املعىن" ‪ .‬بيامن يرى الانسان الالديين يف املقدس "عقبة امام حريته ‪ ،‬ولن يثوب اىل رشده جذراي ‪ ،‬ولن‬
‫يصري حرا حقا ‪ ،‬اال بأن يقتل الاهل الاخري ‪ " ،‬هذا التعالق بني ادليين والالديين بني املقدس واملدنس ‪ ،‬يصفه بول‬
‫ريكور ابلتقابل بني الرمز والوثن ‪ ،‬هو ما خيلق ما يسميه ريكور "الاغرتاب ادليين " اذلي ال ميكن حهل الا ب"ان ميوت‬
‫الوثن وحييا الرمز "‪ .‬فالرمز صورة ختيلية يف ذهن املتدين ال ميكن متثلها واقعيا اال يف موضوع حيس "هو اهنيار العالمة يف‬
‫موضوع فوق طبيعي و فوق ثقايف" كام يقول ريكور ‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫يرى دوركايم ان الافاكر ادلينية والسطورية ‪ ،‬تعمل لجل وظيفة اجامتعية ابلساس ال لغاية الاميان او الاعتقاد‬
‫بل لتحقيق الامتسك الاجامتعي للمجمتع وهو ما يفرس حس به ‪ ،‬خلود واس مترار الظاهرة ادلينية والسطورية بشلك عام‪.‬‬
‫فهذه الافاكر رضب من "وعي مجعي" ‪ ،‬تعمل عىل توحيد اجملمتع واعادة انتاج عالقاته‪ ،‬بعد ان يكون قد اصاهبا الفتور‪.‬‬
‫فالعياد ادلينية وطقوسها تعمل ك "حمرار" اعادة انتاج عالقات الافراد بعضهم ببعض ‪.‬‬

‫يقول دوركايم ‪":‬ليس ممكنا ان يوجد مجتمع ال يشعر بالحاجة الى مشاعر جماعية‪،‬‬
‫وتصورات يرعاها في فترات منتظمة‪ ،‬اذ هي التي تصنع وحدته باالتحادات والجمعيات‬
‫والتكتالت ‪ ،‬حيث يكون التقارب وثيقا بين االفراد فيجمعون من جديد على تأكيد‬
‫مشاعرهم المشتركة"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫ـ من اخلصوصية اىل الكونية ‪:‬‬

‫أ) اشكالية التنوع الثقايف‬


‫ان عرصان اليوم هو عرص الاختالف دون منازع‪ ،‬فنحن‬
‫مندح الاختالف و نقرضه‪ ،‬نطالب حبق الاختالف ونناضل‬
‫من أجهل‪ .‬غري أن احلضور ادلامئ للكمة الاختالف يف‬
‫منطوقنا اليويم و يف خمتلف املنابر‪ ،‬ال يعكس ابلرضورة‬
‫حضور فكرة الاختالف يف ظ ّل واقع العوملة حيث تس يطر‬
‫ثقافة واحدة‪ ،‬وحيث نالحظ مواقف عنرصية و التسامح‬
‫مع الاختالف الثقايف‪ .‬ذكل هو منطلق “لكود لفي‬
‫سرتاوس” يف تظنّنه عىل ما ألت اليه العالقات االنسانية‬
‫اليوم والعالقات بني الثقافات واحلضارات يف ظ ّل احلدّ‬
‫القىص من االتصال أو ما ّمساه “إفراط االتصال »‪ .‬ما هو‬
‫اذن شأن الاختالف الثقايف اليوم؟ هل هو واقع فعيل‬
‫جمرد لكمة أو شعار نتبجح هبا‬
‫معيش أم أ ّن الاختالف هو ّ‬
‫يف املنابر لتويش اخلطب؟‬
‫عندما قارن “كلود لفي ستراوس” عالقات القرابة والساطري عند “البدائيني” الحظ أنه ينهتيي دامئا اىل‬
‫نفس املشلك السايس‪ ،‬فاس تخلص أن وراء تنوع الثقافات توجد وحدة نفس ية لالنسانية‪ ،‬اذ‬
‫" البربري هناكل عنارص أساس ية مشرتكة لالنسانية‪ ،‬واحلضارات ال تقوم اال برتكيب هذه العنارص‬
‫املشرتكة يف تشكيالت خمتلفة‪ .‬وذلكل نالحظ بني الثقافات البعيدة عن بعضها البعض‬ ‫هو من امن‬
‫تشاهبات ويه تشاهبات ال تُعزى ابلرضورة اىل التواصل بني احلضارات خاصة اذا ما تبيّنا‬
‫بوجود‬
‫وجود حضارات يصعب تصور االتصال فامي بيهنا نظرا النزواهئا وتباعدها عن بعضها البعض مثلام‬
‫البربرية " هو شأن حضارة “الناك” يف “امرياك اجلنوبية” و”ادلاهويم” يف “منطقة الغرب الافريقي “‪.‬‬
‫كلود ليفي‬
‫و يالحظ “لكود لفي سرتاوس”‪ ،‬انطالقا من دراس ته للساطري والقواعد الاجامتعية ملتلف‬
‫الثقافات نواة أساس ية متثل ثوابت بنيوية (‪ )Des Invariants structurales‬يف ّ‬
‫لك بقاع العامل‬ ‫ستراوس‬
‫لك اجملمتعات وميثل‬
‫مثل عالقات احملرمات (‪ ،)Prohibition de l’inceste‬فهذا املمنوع حيرض يف ّ‬
‫لك اجملمتعات من التحول من االنسان البيولويج اىل االنسان‬ ‫اثبت بنيوي يسمح يف ّ‬
‫‪8‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫الاجامتعي‪ .‬ومن هذا املنطلق ّيقر “لفي سرتاوس” أنه‪”:‬ليس هناك حضارة بدائية وأخرى متطورة”‪ ،‬بل هناك‬
‫اجاابت خمتلفة ملشالكت أساس ية ومامتثةل‪ ،‬وما يسميه العنرصيون ابملتوحشني مه أيضا يفكرون وفكرمه ليس‬
‫أق ّل مرتبة من فكر الغربيني بل هو فقط فكر يش تغل بطريقة خمتلفة عن فكر الغربيني‪ .‬وهذا يعين أن االنسانية‬
‫عند « لفي سرتاوس” تتطور يف رضوب متنوعة من اجملمتعات واحلضارات‪ ،‬وهذا التنوع الثقايف ليس مرتبطا‬
‫بأي حمتية بيولوجية لن التنوع البيولويج ليس اال تنوعا عىل مس توى أخر مو ٍاز للتنوع الثقايف خاصة وأن‬
‫التنوع الثقايف يمتزي عن التنوع البيولويج من هجة كون التنوع الثقايف يعدّ ابملئات والالف يف حني أن التنوع‬
‫البيولويج يُعدّ ابلعرشات‪ .‬وقدرة الثقافة عىل دمج هذا اجملموع املركب من الاخرتاعات يف امليادين املتلفة‬
‫واذلي نسميه حضارة يتناسب مع عدد واختالف الثقافات اليت تتشارك مع بعضها عن قصد أو عن غري قصد‬
‫يف تأسيس اسرتاتيجيا مشرتكة‪ .‬ذكل ما ينهتيي اليه “لفي سرتاوس” عّب مقارنته بني أورواب يف عرص الهنضة‬
‫وأمرياك ما قبل “كولومبس »‪ ،‬فأورواب عرص الهنضة اكنت متثل موضع تاليق وصهر التأثريات الكرث تنوعا بدءا‬
‫ابلتقليد الروماين واليوانين فاجلرماين والنقلوسكسوين وصوال اىل التأثريات العربية والصينية‪ ،‬يف حني أن أمرياك‬
‫ما قبل “كولومبس” ال تنعم هبذا التنوع حبمك عزلهتا كقارة‪ ،‬ويف حني أن الثقافات اليت اكنت تتالحق يف أورواب‬
‫متثل نتيجة اختالفات قدمية تعود اىل ألفيات مما جعلها حتقق توازان اجامتعيا فان ثقافات أمرياك مل تكن ممتفصةل‬
‫مبا فيه الكفاية وهو رمبا ما يفرس اهنيارها أمام حفنة من املس تعمرين مث ان احللف الثقايف يف أمرياك ما قبل‬
‫“كولومبس” اكن مقاما بني أطراف أق ّل اختالفا‪.‬‬
‫ترس يب يف ذاته وبذاته والتارخي الرتس يب ليس خصوصية بعض العراق أو بعض‬ ‫وهذا يعين أنه ليس هناك جممتع ّ‬
‫الثقافات بل هو نتيجة سلوك ثقايف‪ ،‬هو رضب من وجود الثقافات يمتثل يف وجودها معا‪ ،‬وهكذا يس تخلص‬
‫“لفي سرتاوس” أن التقاء الثقافات قد يؤدي اىل نتيجتني‪:‬‬
‫‪ -‬اما أن يؤدي اىل تصدّ ع واهنيار منوذج أحد اجملمتعات‬
‫‪ -‬اما أن يؤدي اىل تأليف أصيل مبعىن والدة منوذج اثلث ال ميكن اخزتاهل يف المنوذجني السابقني‪.‬‬
‫وهذا يعين أنه ليس هناك تالحق حضاري دون مس تفيد واملس تفيد ال ّول هو ما يسميه “لفي سرتاوس”‬
‫بالحضارة العالمية اليت ال متثل حضارة ممتزية عن احلضارات الخرى وممتتعة بنفس القدر من الواقعية وامنا‬
‫يه فكرة جمردة‪ .‬ومسامهة الثقافات الفعلية املتلفة ال تقترص عىل الحئة ابتاكراهتا اخلاصة‪ ،‬خاصة وأ ّن البحث‬
‫عن جدارة ثقافة ما ابخرتاع أو بأخر هو أمر ال ميكن التثبت منه‪ ،‬مث ان املساهامت الثقافية ميكن توزيعها اىل‬
‫صنفني‪ ،‬مفن هجة دلينا مجموعة من االضافات واملكتس بات املعزوةل اليت يسهل تقيمي أمهيهتا ويه حمدودة ومن‬
‫لك جممتع للتعبري أو الش باع مجموع‬ ‫اجلهة املقابةل دلينا اسهامات نسقية ترتبط ابلطريقة اخلاصة اليت خيتارها ّ‬
‫طموحات انسانية واملشلك ابلنس بة لـ”لفي سرتاوس” ال يمتثل يف قدرة جممتع ما عىل الانتفاع من منط عيش‬
‫جريانه ولكن‪ ،‬اذا ما اكن هذا اجملمتع قادرا و اىل أ ّي مدى يكون قادرا عىل فهم ومعرفة جريانه؟ ومن هذا‬
‫‪9‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫املنطلق فان احلضارة العاملية ال ميكن أن توجد اال كفكرة‪ ،‬من حيث‬
‫أهنا‪" :‬تحالف للثقافات التي تحتفظ ك ّل واحدة منها بخصوصيتها "‪.‬‬

‫أما ما هو بصدد التحقق يف اطار العوملة‪ ،‬فليس اال عالمة تقهقر‬


‫االنساين والكوين‪ .‬واذا اكنت االنسانية تأىب أن تكون املس هتكل العقمي‬
‫للقمي اليت أنتجهتا يف املايض‪ ،‬فانه علهيا أن تتعمل من جديد أن ّ‬
‫لك‬
‫خلق حقيقي يتض ّمن نفيا ورفضا للقمي الخرى‪ ،‬لننا ال نس تطيع أن‬
‫نذوب يف الخرين وأن نكون خمتلفني يف نفس الوقت والعرص اذلهيب‬
‫للخلق حتقق يف “ظ ّل رشوط احلد الدىن من االتصال”‪ ،‬لن هذا‬
‫احلدّ الدىن من االتصال هو ما يدفع أطراف التواصل رمغ البعد ودون أن يكون التواصل دامئا ورسيعا وهو‬
‫الشلك اذلي يضعف الاختالف‪ .‬و”لكود لفي سرتاوس” يعمل أن العودة اىل الوراء غري ممكنة‪ ،‬ولكن الوهجة‬
‫اليت تسري فهيا االنسانية‪ ،‬وهجة العوملة جتعل الوضع االنساين مشحوان ومودلا للحقد العريق و الالتسامح الثقايف‬
‫جمرد مس هتلكني قادرين عىل اس هتالك أي يشء من أية نقطة يف العامل‬ ‫“فنحن الن همددون ابحامتل حتولنا اىل ّ‬
‫ومن أية ثقافة والمثن دامئا فقداننا لصالتنا بأمكلها”‪ .‬يبدو اذن أ ّن افراط االتصال هو ما هيدّ د االنساين لنه هيدّ د‬
‫التنوع والاختالف احملفّز و ّ‬
‫املودل لالبداع احملرز للتقدم‪ .‬و ابلتايل فان عدم اعتبار الاختالف جيعلنا نعتقد أن ما‬
‫للك الناس‪ ،‬جيعلنا نعتقد أن معايريان الثقافية يه معايري كونية‪،‬‬ ‫هو عادي ابلنس بة الينا هو كذكل ابلنس بة ّ‬
‫وجيعلنا نعتقد أن ما هو عادي ابلنس بة الينا هو أيضا طبيعيا‪.‬‬

‫ب‪ -‬اشكالية املركزية الثقافية ‪:‬‬

‫املركزية االثنية او الثقافية او الاس تعالء العريق أو المتركز االثين أو املركزية العرقية أو الاس ِتعراقية كام جاء يف‬
‫موسوعة وايكبيداي ه"و اعتقاد انسان بأن أمته أو اجلنس اذلي ينمتي اليه الحسن والكرث اتساقًا مع الطبيعة‪.‬‬
‫يشري اىل الاعتقاد بأن جامعة الفرد يه الفضل بني لك امجلاعات‪ ،‬وأن احلمك عىل الخرين عىل أساس أن‬
‫جامعة الفرد يه مرجع هذا احلمك اميا ًان ابلقمية الفريدة والصواب التام للجامعة اليت ينمتي الهيا والرتفع عن امجلاعات‬
‫الخرى اىل حد اعتبارها نوع من غري نوع جامعته‪ ،‬وال شك أن هذا المتركز العريق يعد عام ًال هام ًا يف نشأة‬
‫الرصاعات العرقية والتعصبية واليت قد تصل يف أحيان كثرية اىل حد املذاحب واالابدة والمترد والثورة واالرهاب‬
‫واحلروب‪.‬‬
‫أدخل ولمي جراهام مسرن‪ ،‬عا ِلم الاجامتع المرييك هذا املصطلح عام‪ 1906‬م ‪ّ .‬عرفه عىل أنه النظر اىل جامعة ما‬
‫عىل أهنا مركز لك يشء‪ ،‬ومجيع الخرين يوزنون ويرتبون بعدمه‪ .‬ونتيجة التساع نطاق ثقافة ما فان الناس‬
‫أصبحوا يرون طرق جممتعهم ابعتبارها الطرق السلمية للتفكري والشعور والعمل ولهذا السبب فان الاس تعالء‬
‫‪11‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫شعورا ابالنامتء والكّبايء والرغبة يف التضحية من أجل خري امجلاعة‬


‫العريق قد ال ميكن جتنبه‪ .‬انه يعطي الناس ً‬
‫التحزي والتعصب ورفض الراء التية من الثقافات‬ ‫ضارا اذا بلغ حدّ التطرف‪ .‬كام أنه قد يس ِبّب ز‬
‫ولكنه يصبح ً‬
‫الخرى بل واضطهاد امجلاعات الخرى‪ .‬والتعرض للثقافات الخرى يكسب املرء فه ًما ومرونة قد تقلل مثل‬
‫وهو ْس المتركز االثين العريق‬
‫ردود الفعل هذه ولكن ال ميكن التغلب علهيا لكية أبدً ا‪ .‬ان الهوى اليديولويج َ‬
‫واخليال الشخيص تقود اىل تزييف الوعي التارخيي والاس تغراق يف تعظمي التارخي العريق املصطفى عىل حساب‬
‫المانة العلمية واملصداقية الفكرية‪ " .‬وقد اس تغل هذا التحديد فالسفة وس ياس يون وعلامء انرتبولوجيا واجامتع‬
‫الثبات التفوق احلضاري الغريب عىل ثقافات الشعوب الاخرى مس تغلني يف ذكل ما وصلت اليه ادلاروينية يف‬
‫احباث "النشوء والارتقاء "الطبيعية لسحهبا عىل التنوع االثين والثقايف للبرشية ‪.‬مثلام تصور نيتشة فكرة‬
‫السوبرمان القامئة عىل ارادة القوة واليت قد تكون النازية وظفهتا لتّبير مرشوعية احلرب عىل عقيدة تفوق‬
‫اجلنس اجلرماين عىل ابيق الشعوب الاوروبية او فكرة "املعجزة الاغريقية "اليت نظر لها مؤرخ العلوم الفرنيس‬
‫رينيه اتتون ‪ René TATON‬يف موسوعته عن اترخي العلوم اليت اثبت فهيا تفوق الاغريق بفضل اللوغوس ‪.‬‬
‫الصادر في وايكبيديا‬
‫يقول إيريك وولف في كتابه أوروبا ومن ال تاريخ لهم‪:‬‬
‫«ويؤمن بعضنا بأن للغرب شجرة نسب تشير بأن اليونان القديمة أنجبت روما‪ ،‬وأن روما أنجبت أوروبا المسيحية‪،‬‬
‫وأن أوروبا المسيحية أنجبت عصر النهضة‪ ،‬وعصر النهضة أنجب التنوير‪ ،‬والتنوير ما لبث أن تمخضّ‬
‫عن الديمقراطية السياسية والثورة الصناعية أما الصناعة المتزاوجة مع الديمقراطية فسرعان ما تمكنت من‬
‫إنتاج الواليات المتحدة األمريكية المجسدة لحقوق اإلنسان والحرية والبحث عن السعادة»‬

‫و عليه فان املتلف بثقافته ال يعتّب فقط غريبا بل أيضا بربراي)‪ ( Barbare‬فالغريب هو الخر ابلنس بة اىل الان‪،‬‬
‫بري هو الغريب اذلي ُأموضعه يف مرتبة أق ّل من االنسان‪ .‬وعبارة‬ ‫هو من ينمتي اىل ثقافة خمتلفة والّب ّ‬
‫بربري )‪ (barbarian‬انسان ينظر اليه عىل أنه غري متحرض أو بدايئ ‪.‬وعادة ما يطلق عىل الغريب او الاجنيب‬
‫الوافد عىل املدينة ويه عبارة اكن يس تعملها اليوانن لالشارة اىل الغريب الوافد عىل اثينا او غري الناطق بلغهتا‬
‫ويقال يّببر اذ يلوك الالكم وال حيسن نطقه ويه تناسب عند العرب عبارة العجم والاجعمي غري الناطق‬
‫ابلعربية ويف اللسان العريب تقال عىل احليوان لكونه ال ينطق فنقول العجاموات أي اخلرساء لكون الوافدين عىل‬
‫اجلزيرة العربية من غري العرب يصنفوهنم يف خانة احليوان الاجعم ‪.‬فالّببري هو الاجعمي وهو الغريب وهو‬
‫املتوحش( ‪ forasticus‬يف الالتينية ويف الفرنس ية ‪ )farouche‬او غري املمتدن او من ينمتي لعامل الالانسان‬
‫والالمدنية والالحترض‪.‬‬
‫‪.‬مث اصبحت تطلق عىل أي عضو من أمة حيمك علهيا البعض عىل أهنا أقل حضارية أو نظامية (مثل اجملمتع‬
‫القبيل)‪ ،‬ولكن قد يكون أيضا جزءا من مجموعة ثقافية" بدائية" معينة (مثل البدو الرحل) او الطبقة الاجامتعية‬
‫(مثل قطاع الطرق) سواء داخل المة أو خارهجا‪ .‬و قد عرج لكود ليفي سرتاوس يف كتابه العرق والتارخي عىل‬
‫هذا املعىن ابلضبط حني يقول "اكنت العصور القدمية ختلط لك ما ال يشرتك مع الثقافة اليواننية حتت امس‬
‫االسم اليوناني القديم ‪ βάρβαρος‬بارباروس "‪"barbarian‬‬
‫‪11‬‬
‫"برابرة"‪ ،‬نقيض ل ‪ πολίτης‬بوليتس‪" ،‬مواطن" من‪πόλις -‬‬
‫بوليس‪" ،‬دولة المدينة‪".‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫الّببري وفامي بعد اس تعملت احلضارة الغربية تعبري متوحش يف املعىن ذاته ‪..‬اذ من املرحج ان لكمة بربري تقود‬
‫من الناحية اللغوية اىل مغوض ومججمة اغاين العصافري مبواهجة القمية التعبريية للغة البرشية وكذكل لكمة‬
‫متوحش اليت تعين انه ات من الغابة تذكر بنوع من احلياة احليوانية يف مقابل الثقافة الانسانية "‪.‬‬

‫ذلكل يسمي “لكود لفي سرتاوس » مركزية إثنية (‪ ) Ethnocentrisme‬احلمك املس بق اذلي ال حيمك قمييا عىل‬
‫ثقافة أخرى اال انطالقا من ثقافته اخلاصة‪ .‬وهذا يعين أ ّن املركزية االثنية ابلنس بة للوعي امجلاعي‪ ،‬يه عند «‬
‫لكود لفي سرتاوس » نظري الاننية ابلنس بة للوعي الفردي‪ .‬ذلكل يدعوان « لكود لفي سرتاوس” اىل التسامح مع‬
‫الثقافات الخرى وأن نتعمل تقبّل اختالفات االنسانية‪ ،‬ذكل ما يسميه ابلنسبية الثقافية‪ ،‬فليس هناك ثقافة لها‬
‫احلق يف النظر اىل ذاهتا ابعتبارها أرىق من الثقافات الخرى‪ ،‬وذلكل يقول”لكود لفي سرتاوس” ‪ ”:‬إن البربري‬

‫سمل مفاضةل بني الثقافات وامنا هناك‬ ‫هو من آمن بوجود البربرية”‪ ،‬مفن وهجة النظر النرثوبولوجية ليس هناك ّ‬
‫تنوع نس يب بني الثقافات ومفهوم التفوق الثقايف ليس ا ّال وليد احلمك املس بق اذلي متثهل املركزية االثنية أو امليل‬
‫ّ‬
‫العتبار ثقافتنا اخلاصة منوذجا لالنسان‪.‬‬

‫"ان الفرس تقتدي وال تبتكر ‪ ,‬والروم ال يحسنون الا البناء والهندسة‪ ,‬والصين اصحاب صنعة ال فكر وال روية‪ ,‬والترك سباع‬
‫للهراش ‪,‬والهند اصحاب وهم وشعوذة ‪,‬والزنج بهائم هاملة‪ .‬اما العرب فقد علمتهم العزلة التفكير وساعدتهم بيئتهم على دقة‬
‫املالحظة وهم ذوو قيم خلقية عليا " ابو حيان التوحيدي –الامتاع واملؤانسة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫ج ـ حوار ام صدام احلضارات ‪:‬‬

‫هل يف الاختالف والتنوع ما يّبر الرصاع و الاقصاء أم أن‬


‫الاختالف عىل العكس يؤكد التواصل طاملا ان العقل خاصية‬
‫مشرتكة بني امجليع كام تعلمنا منذ دياكرت؟‬
‫يف رسالته "يف أصل التفاوت بني البرش" بني روسو للمرة الوىل ‪،‬‬
‫أن هناك نوعني من التفاوت بني الناس ‪ ،‬تفاوت طبيعي وأخر اجامتعي‬
‫‪ ،‬وأنه اذا اكنت املؤسسات الاجامتعية تكشف عن بشاعة التفاوت‬
‫بني الناس ‪ ،‬فانه من غري املمكن بل من املس تحيل رد هذا التفاوت‬
‫اىل أصل طبيعي ‪ .‬والعودة اىل طبيعة التفاوت يضطران اىل فهم طبيعة االنسان ذاته ‪ .‬و روسو يكشف لنا أن‬
‫الطبيعة البرشية" خرية " وأن نزعة الرش يف االنسان خلقهتا املؤسسات الاجامتعية ‪ ،‬حني بررت الاختالف‬
‫بني الناس عىل أنه طبيعي ‪ ،‬وأن االمتيازات االجامتعية و املادية ‪ ،‬اكالمتياز يف الرثوة و يف املرياث ‪ ،‬من أصل‬
‫طبيعي ‪ .‬واحلال أن ما هو طبيعي يف هذا التفاوت بني البرش عند روسو هو فقط ذكل االختالف يف املودل و‬
‫يف فرص احلياة " ‪ ، " la fortune‬أما احلقوق الطبيعية اليت سنت مهنا ادلساتري " قوانيهنا الوضعية "فهيي‬
‫متساوية عند امجليع ‪ ،‬وامنا هذه النظمة يه اليت أساءت فهم واس تخدام هذه القوانني ‪ .‬ذلكل س يعلن روسو يف‬
‫كتابه " يف العقد االجامتعي ‪":‬يولد الناس أحرارا دوما و لكنهم في كل مكان هم مكبلون باألغالل" ‪ ،‬ابعتبار احلرية‬
‫حق طبيعي قامت النظمة املدنية ابعامتدها شعارا لقياهما ‪ ،‬و أساسا لوحدة البرشية ‪.‬واكن لزاما عىل املؤسسات‬
‫املدنية احملافظة عىل هذا احلق ال اغتصابه كام جاء يف" إلاعالن الفرنس ي لحقوق إلانسان و املواطن " يف‬
‫ذكل الوقت " ان غاية لك اجامتع س يايس يه احملافظة عىل حقوق االنسان الطبيعية والالمتناهية " ‪.‬‬
‫وان اكنت غاية أي اجامتع برشي حتقيق احلقوق الطبيعية لالنسان فان غاية أي التقاء ثقايف هو حتقيق كونية‬
‫هذه احلقوق و هذا يفرتض "ايتيقا حوار " كام سامه بول ريكور من اجل "عيش مشترك" مع الاخر‬
‫املتلف اذ يقول «أعرف الخالق ابملعين العام للفظ وهو الرغبة يف العيش احلسن مع ومن أجل الخرين‬
‫ويف مؤسسات عادةل ‪.‬ومن مثة فان مجيع الفراد والتجمعات البرشية عىل تفردها وخصوصية رؤاها‬
‫ومعتقداهتا وذاكرهتا احلضارية تريد أن تعيش يف س ياق احلياة اخلاصة أو املشرتكة وفقا ملقتضيات الرغبة يف‬
‫الاكامتل السعيد «‪.‬ومن املالحظ أن ريكور يؤكد يف هذا الس ياق أن الرغبة يف الاكامتل السعيد عىل‬
‫الصعيد الممي والكوين ال ميكن أن تتحقق اال مضن منظومة من املبادئ والقمي الايتيقية املشرتكة اليت توحد‬
‫البرش حول غاايهتم الوجودية –الكونية عىل الصعيدين الخاليق والاجامتعي –الثقايف‪ .‬و عليه فأن اللقاء‬
‫بني الثقافات املتنوعة عىل أرضية احلوار املتاكئف ليس ترس با لليوطوبيا والمتثالت اخليالية بقدر ما هو حباجة اىل جتديل‬
‫‪13‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫الاس تعدادات والقمي الاكمنة يف االنسان سواء أتعني يف قدراته اذلاتية‪-‬الشخصية أو يف رهاانته وانتظاراته الايتيقية‬
‫واحلقوقية –الكونية‪ .‬وعليه فان ايتيقا الاعرتاف الكوين ابلهوية والاختالف بني المم والشعوب تبقى عىل الرمغ من لك‬
‫الظروف التارخيية الصعبة اليت مرت هبا رهينة اس تعداد لك أمة للمسامهة االبداعية يف اثراء احلضارة العاملية والتعايش‬
‫يف تفامه ووفاق مع احلضارة الثقافية‪.‬وهو ما تصوره ريكور ممكنا للثقافة العربية الاسالمية وللثقافة الهندية اذ يقول‬
‫"وحدها الثقافة الحية والوفية ألصولها وفي االن نفسه تلك التي في حالة ابداع على صعيد الفن واألدب والفلسفة ‪..‬هي‬

‫القادرة على تحمل اللقاء بالثقافات االخرى ‪...‬واني على يقين بأنه سيكون للعالم االسالمي الذي يشهد نهضة وللعالم‬
‫الهندي الذي تولد تأمالته القديمة تاريخا يافعا مع حضارتنا وثقافتنا االوروبية هذا التجاور المخصوص الذي لكل‬
‫المبدعين"‪.‬‬
‫ولكن تعالوا نرى ما يقوهل فالسفة "ادلميقراطية والعوملة اجلدد " ففرانسيس فوكوياما ‪ F.FOKOYAMA‬هذا‬
‫الشاب الياابين الصل اذلي مل يكن امسه ظاهرا أو معروفا حىت س نة ‪ 1891‬يف أوساط الباحثني حىت‬
‫القاء حمارضته الشهرية بعنوان " هناية التارخي " يف جامعة ش ياكغو ‪.‬أصبح هكذا و جفأة "العقل املفكر"‬
‫للنظام العاملي اجلديد‪ -‬اذ نراه يف يكتب يف مقال نرشته جمةل " نيوزويك " ‪ NEWSWEEK‬بعنوان‪" :‬العدو‬
‫احلقيقي " يعتّب فيه أن "الديمقراطية الحديثة هي نسخة علمانية للمبدأ المسيحي في المساواة اإلنسانية عالميا‬

‫" ويف املقابل فان "اإلسالم هو الحضارة الرئيسية الوحيدة التي يمكن الجدال بأن لديها بعض المشاكل األساسية مع‬

‫الحداثة "‪.‬‬
‫فاملشلك من منظور فوكوايما ‪ ،‬مشلك حضاري‪ ،‬عقائدي‪ ،‬مفشلك التخلف‪،‬والفقر‪،‬واالرهاب ‪ ...،‬سببه‬
‫عدم تالؤم ادلين االساليم مع احلداثة الغربية ‪ ،‬أو ما يسميه " الفاش ية االسالمية " يف اشارة للحراكت‬
‫ادلينية املتطرفة يف الوطن العريب وعىل رأسها " احلركة الوهابية " يف السعودية ‪.‬‬
‫واليت س تعطي هذا املفهوم بعد احداث ‪ 11‬سبمتّب لك ذكل الزمخ ادلاليل يف حرب امرياك عىل الارهاب‬
‫من ابب التّبير الفلسفي والايتيقي ابن املعركة معركة حضارات كام سيسوقها ويمنقها املفكر الاسرتاتيجي‬
‫الامرييك صامويل هتنتغتون يف ما سامه "صدام الحضارات "‪.‬ذكل ان احلضارات الخرى مل تدخل بعد‬
‫عرص " التحرض " ابملفهوم الغريب لللكمة وان تس ىن لها اليوم ذكل فبفضل ما سامه "عبء الرجل‬

‫االبيض"احملكوم ابلتفوق والهمينة ال ابالخالق ‪.‬ف"لما كانت الحضارات االسيوية واإلسالمية تدعي اثبات الطابع‬

‫الكوني لثقافتها فان الغربيين سيدفعون لالهتمام اكثر بالروابط الموجودة بين الكونية واالمبريالية "‪.‬‬
‫وليست مفاهمب "احلرب عىل الارهاب" و"الفوىض اخلالقة" و"الرشق الاوسط اجلديد" و"النظام العاملي‬
‫اجلديد "و"الربيع العريب " اخل سوى نسخ صاحلة للتطبيق ملفهوم صدام احلضارات حسب الظروف‬
‫اجليو‪-‬س ياس ية‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫‪ ) 4‬الكونية والعوملة ‪:‬‬

‫ذكل أن العوملة يه معلية اقتصادية يف مقام ّاول ّمث‬


‫س ياس ية ويتبع ذكل اجلوانب الاجامتعية والثقافية اذ يه‬
‫حتمك وس يطرة تشغل ازاحة السوار واحلواجز بني‬ ‫معلية ّ‬
‫ادلول‪ ،‬بل أهنا تسعى اىل حتويل العامل اىل ما يش به القرية‬
‫حىت تسهل معلية الس يطرة خاصة وأن العوملة من الناحية‬
‫الاقتصادية تقوم عىل نرش الرأساملية كنظام للتجارة‬
‫وكنظام لالس هتالك ويه معلية يلعب فهيا االعالم دورا‬
‫كبريا خاصة وأن االعالم واالتصال واملعلومات متثل اليوم املكوانت الساس ية يف الاقتصاد العاملي‪ ،‬وفرض‬
‫الرأساملية عىل لك دول العامل تسبب يف فقر ادلول النامية وارتفاع مديونيهتا مما أجّب هذه ادلول عىل تقدمي‬
‫تنازالت س ياس ية واجامتعية‪ .‬وهذا ما يضعنا أمام أ ّمه الس ئةل عىل هامش عالقة العوملة ابلهوية وهو سؤال‬
‫يتعلق ابملاكن فاملاكن ض ّل عىل امتداد الرتكيبة الس ياس ية التقليدية ممثال يف ادلوةل الوطنية‪ ،‬ماكن مغلق عىل‬
‫مجموعة من الفاعلني احلارضين يف عالقات تقوم وهجا لوجه‪ ،‬هذا املاكن أصبح اليوم جماال كونيا مفتوحا لتفاعالت‬
‫أبعد من نطاقه احملدّ د‪ ،‬تفاعالت يدخل فهيا أفراد غري موجودين ابملاكن ذاته وأحداث ال حتدث ابملاكن ذاته‪،‬‬
‫مما جيعل التعايش بني العوملة والهوية أمرا حمدودا للغاية ما دامت الهوية ترتكز عىل اخلصوصية بيامن تسعى العوملة‬
‫اىل جتاوز هذه اخلصوصية ‪.‬‬
‫وهكذا يرى "سمير أمين" أن انداثر احلدود الس ياس ية والثقافية والقانونية أمام العوملة املدعومة بوسائل حديثة‬
‫لالتصال اكالنرتانت والفضاءات التلفزية‪ ...‬قد دمر أخر قالع املقاومة لالكتساح الغريب والمرييك ابلساس‪،‬‬
‫اذ تتجاوز الهمينة المريكية يف العوملة اجلانب الاقتصادي والس يايس لتشمل اجلانب الثقايف أطلق عليه "مسري‬
‫أمني" امس ثقافة العوملة مبا يعنيه ذكل من تعممي للقمي النفس ية والعقائدية‪ ...‬المريكية عىل الذواق والسلوكيات‬
‫تشلك املنظومة املتاكمةل للخصوصية احلضارية لبقية شعوب العامل‪ .‬واملدخل السايس لهذه الايديولوجيا‬ ‫اليت ّ‬
‫لك الشاكل التقليدية للتواصل واذلي أنتج ثقافة جديدة‪ ،‬ثقافة ما بعد‬ ‫الثقافية يمتثل يف االعالم اذلي يتجاوز ّ‬
‫ما بعد املكتوب‪ ،‬ثقافة الصورة ابعتبارها املفتاح السحري لثقافة العوملة‪ .‬ذلكل ينقد "مسري أمني" املثقفني العرب‬
‫اذلين تدور مناقشاهتم حول اشاكليات مفتعةل تتعلق ابحلداثة والصاةل‪ ،‬لن الثقافة ابلنس بة لـ‪ :‬مسري أمني‪،‬‬
‫ليست منظومة صلبة وجامدة يف الزمن واملسأةل ابلنس بة اليه جيب أن تطرح يف اطار النسبية الثقافية أين‬
‫تتحدد الثقافة ابعتبارها مبدأ تكيف مع ظروف احلياة ‪.‬ويف اطار هذه املنظومة للنسبية الثقافية يرى "مسري‬
‫أمني" أنه ابالماكن تطوير ثقافة جديدة جتابه العوملة الثقافية وحتمي الهوية الثقافية من الهمينة اليت تفرضها أمرياك‪.‬‬
‫املشلك اذا ابلنس بة لـ"مسري أمني" ال يتعلق ابلهتجم عىل احلداثة والكونية اليت نظرت لها احلداثة مع "اكنط"‬
‫وامنا يف جماهبة ثقافة العوملة ‪.‬‬
‫ذكل أن كانط اكن ينظر القامة سمل دامئة‪ ،‬اكن يرى أ ّن السمل بني الشعوب والثقافات وادلول هو مرشوع‬

‫‪15‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫قابل للتحقيق ال مبعىن تغيري جذري يف االنسان ولكن مبعىن انشاء احلق اذلي س يكون خالص س يايس‬
‫لالنسان‪ ،‬فالسمل ال يكون اال بتطبيق احلق وال تكون رشعية اال العالقات سواء بني الفراد أو ادلول اليت ال‬
‫احلر لقانون مشرتك‪ .‬والكونية اليت يتحدّ ث عهنا "اكنط" تمتثل يف ّ‬
‫سن‬ ‫تقوم عىل العنف وامنا تقوم عىل اخلضوع ّ‬
‫قانون س يايس كوين حيمي حق الغرابء‪ ،‬جعل اكنط يدافع عن فكرة مواطنة عاملية حبيث يمتتع الفرد حبقوقه‬
‫بطريقة مس تقةل عن انامتئه الوطين واالقلميي‪ .‬وهذا يعين أن احلق الس يايس الكوين عند اكنط هو ادانة لغطرسة‬
‫للك أشاكل التخوف من الغريب وذلكل فان تأسيس حق س يايس كوين‪ ،‬جيعل من‬ ‫ادلول الاس تعامرية وادانة ّ‬
‫لك انسان مواطنا للعامل ال مواطنا عامليا مبعىن تنكره لصوهل وثقافته‪ ،‬حبيث يكون الوعي ابملواطنة متسعا‬
‫حبسب العامل لكه‪ .‬وذكل ممكن ابلنس بة لاكنط النه يعتّب أن ما جيب عىل االنسان فعهل هو ابلضبط ما يس تطيع‬
‫احلرية الخالقية عنده‪ ،‬وذكل هو أيضا املطلب االنساين اذلي ّنظرت هل احلداثة‬
‫االنسان فعهل‪ .‬ذكل هو معىن ّ‬
‫مع اكنط‪.‬‬
‫فالكونية اليت يسمهيا اكنط "الضيافة الكونية"يه مرشوع ممكن اخالقيا وميتافزييقيا ( العقل العميل) قابل‬
‫للتأسيس مضن رشوط احلق الكوين وليس حمبة الانسان ومضن مبادئ السمل البرشي ورشوط الزايرة ال‬
‫الاقامة ما يفرتض دس تور كومسوبولويت دلول مجهورية لفيدراليات حرة تتوفر عىل فضاء معويم اليتيقا الفعل‬
‫الس يايس عىل النحو التايل ‪:‬‬
‫دستور‬
‫كوسموبولوتي‬

‫الكونية‬
‫مبدأ العمومية‬ ‫مشروع‬ ‫فدراليات دول‬
‫حرة‬
‫سالم دائم‬

‫رقابة‬
‫الفيلسوف‬

‫كرواد للحداثة اكن ابماكهنام أن يأخذا بعني الاعتبار أمهية العامل الاقتصادي يف‬
‫لكن ال "اكنط" وال "هيغل" ّ‬
‫ّ‬
‫نشأة احلروب واندالعها وهو ما تشهد عليه العوملة‪ .‬ذكل هو املنطلق اذلي جعل "بودراير" يعتّب أن الكوين‬
‫كطوبيا تغنت ابحلداثة و ّنظرت اليه ميوت عندما يتحقق‪ ،‬لن الكونية تفسد عندما تتحقق‪ .‬ذكل أن العوملة‬
‫حسب "بودراير" ليست يشء أخر غري اخلصوصية املدعية للكونية‪ ،‬والثقافة الغربية اليت اكنت حبىل‬
‫ابلكوين‪ ،‬عندما جاءها املاض ودلت العوملة مفاتت بدورها‪ .‬ولكن اذا اكن موت الثقافات الخرى موات رحامي‬
‫لك خصوصية عّب‬ ‫لهنا ماتت من فرط خصوصيهتا‪ ،‬فان موت الثقافة الغربية اكن موات شنيعا لهنا فقدت ّ‬
‫‪16‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫الكوني يهلك في‬ ‫لك قميها السمحه (احلرية‪ ،‬ادلميقراطية‪ ،‬حقوق الانسان‪ )...‬يف اطار العوملة اذ أ ّن "‬
‫استئصال ّ‬
‫العولمة‪".‬‬
‫اوالعاملية‬ ‫(‪)globalisation‬‬ ‫فالعوملة‬
‫( ‪ )mondialisation‬ليست يه ما نعنيه ابلكونية‬
‫(‪ )universalisation‬يف معناها الفلسفي‬
‫والايتيقي الانف اذلكر واذلي نظر هل لك‬
‫فالسفة التنوير ‪,‬بل العوملة يه مرشوع‬
‫نيوليّبايل و نيوكولونيايل (اس تعامر جديد)‬
‫اقتصادي واجامتعي وثقايف تعمل منظومة‬
‫الرأساملية العاملية عىل جتذيره وفق براديغم‬
‫الانتاج –الاس هتالك ‪ -‬واملردودية املنتج لنظام اكرث توحشا بعد هناية احلرب الباردة وفق مجةل من اليات‬
‫الهمينة الامّبايلية اليت ميكن اجاملها يف ييل ‪:‬‬

‫على المستوى‬ ‫على المستوى المالي‬ ‫على المستوى التجاري‬ ‫مس توايت على المستوىالعسكري‬
‫الثقافي‬
‫الهمينة‬
‫امجلعيات واملنظامت ذات‬
‫الصبغة احلقوقية واخلريية‬ ‫حلف شامل الاطليس‬ ‫الالية‬
‫والاعالمية واملعاهد‬ ‫البنك العاملي وصندوق النقد‬ ‫منظمة التجارة العاملية‬ ‫او كام يسمى اختصار‬
‫ادلويل والصناديق املاحنة‬ ‫الناتو ‪N.A.T.O‬‬
‫الاسرتاتيجية‪ .‬مثل "فريدوم‬
‫‪W.T.O‬‬
‫هاوس " هيومن رايتس واتش‬ ‫‪F.M.I‬‬
‫–الانرتنت –الفضائيات –‬ ‫‪World Trade‬‬
‫‪W.B‬‬ ‫‪Organization‬‬
‫برامج تلفزيون الواقع اخل‬

‫تمنيط القمي والافاكر عىل‬ ‫اقراض ادلول الفقرية‬ ‫الوظيفة اتفاقيات ادلفاع املشرتك اتفاقيات الرشاكة والتبادل التجاري‬
‫صعيد عاملي وتكييف‬ ‫والنامية بعنوان تعديل‬ ‫بني الرشاكء ولعب دور‬
‫بفتح احلدود والغاء الرسوم امجلركية‬
‫موازانهتا املالية واغراقها يف العقول خبلق ما‬ ‫رشطي العامل‪.‬‬
‫وحترير املبادالت والتعامل ابدلوالر‬
‫يسمى"اجيال القادة" و‬ ‫املديونية ملزيد تفقريها‬ ‫كعمةل عاملية وحيدة‪.‬‬
‫الخضاعها وهنب ثرواهتا‪ .‬تروجي ثقافة الاس هتالك‬
‫وقمي الفردانية واملردودية‬
‫واملصلحة ‪.‬‬

‫هذا يعين أن العوملة تسري يف اجتاه القضاء عىل الاختالف خاصة وأن الاختالف ميثل ابلنس بة لـ"لكود لفي‬
‫سرتوس" واقعا طبيعيا‪ .‬اذ يالحظ "لكود لفي سرتوس "أن احلضارات والثقافات توجد يف واقع الاختالف اذ‬
‫تتطور االنسانية يف رضوب متنوعة من اجملمتعات واحلضارات‪ .‬والتنوع الثقايف ّ‬
‫يودل ابلرضورة تالحقا بني‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫الثقافات‪ ،‬فرضب وجود الثقافات متثل يف وجودها معا‪ ،‬والالتقاء بني الثقافات اما أن يؤدّي اىل تصدّ ع‬
‫‪17‬‬
‫األستاذ‪ :‬اهلادي عبد احلفيظ‬
‫معهد حي االمل قابس ‪1029-1028‬‬

‫واهنيار منوذج أحد اجملمتعات واما اىل تأليف أصيل مبعىن والدة منوذج اثلث ال ميكن اخزتاهل يف المنوذجني‬
‫السابقني‪ .‬وهذا يعين أنه ليس هناك تالحق حضاري دون مس تفيد‪ ،‬واملس تفيد الول يسميه "سرتاوس"‬
‫ابحلضارة العاملية اليت ال متثل يف نظره حضارة ممتزية عن احلضارات الخرى وممتتعة بنفس القدرة من الواقعية‬
‫جمردة‪ .‬واملشلك ابلنس بة لـ"سرتاوس" ال يمتثل يف قدرة جممتع ما عىل الانتفاع من منط عيش‬ ‫وامنا يه فكرة ّ‬
‫جريانه ولكن هو مشلك قدرة جممتع ما عىل فهم ومعرفة جريانه‪ .‬ومن هذا املنطلق فان احلضارة العاملية ال ميكن‬
‫لك واحدة مهنا خبصوصياهتا‪ .‬أما ما هو بصدد‬ ‫يه "حتالف للثقافات اليت حتتفظ ّ‬ ‫أن توجد اال كفكرة من حيث ّ‬
‫التحقق اليوم يف ظ ّل العوملة فليس اال عالمة تقهقر االنساين والكوين‪ ،‬واذا اكنت االنسانية تأىب أن تكون‬
‫لك خلق حقيقي يتضمن رفضا‬ ‫املس هتكل العقمي للقمي اليت أنتجهتا يف املايض فانه علهيا أن تتعمل من جديد أن ّ‬
‫ونفيا للقمي الخرى‪ ،‬لننا ال نس تطيع أن نذوب يف الخر ونكون خمتلفني يف نفس الوقت ذلكل ينقد لفي‬
‫سرتاوس فكرة التفوق الثقايف اليت يعتّبها وليدة للحمك املس بق اذلي متثهل املركزية االثنية أي امليل اىل اعتبار‬
‫ثقافتنا اخلاصة منوذج لالنسان‪.‬‬

‫حوصلة واستنتاجات‬
‫لنئ اكن اشاكل اخلصوصية جسني مطلب الهوية فقد ظل اشاكل الكوين رهني العوملة بلك ما تتكشف عليه اليوم من رغبة‬
‫ابلهمينة الراساملية الغربية عىل لك املقدرات احلضارية والقميية لشعوب الارض اليت غدت "قرية كونية "صغرية يلهو فهيا الرجل‬
‫الابيض او ميرح فهيا "اليانيك "جبواده طوال وعرضا دومنا ضابط اخاليق او انساين فيدوس اترخي احلضارات والشعوب وقميها‬
‫بل ويعبث هبا ويعدهما من الوجود مثلام فعل لثقافة "الهنود امحلر" ‪.‬فاحلضارات املنترصة يه من يكتب اترخي الانسانية امل‬
‫يقل ريمون ارون " ان التاريخ يدوس جثث الثقافات مثلما يدوس جثث البشر "‪.‬‬

‫‪1029 01 29‬‬

‫‪Abunadem.marzouki@gmail.com‬‬

‫‪18‬‬

You might also like