You are on page 1of 41

‫ق‬ ‫ث‬ ‫ت‬

‫الديون و و ي ها‬
‫ف‬
‫ي‬

‫س‬ ‫ق‬ ‫لف‬


‫ا ه اإل المى‬

‫دكتور عبداللطيف محمد عامر‬

‫دار المرجان للطباعة‬

‫القسم الثاين‬
‫وسائل توثيق الديون‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تمهيد عن وسائل التوثيق بصفة عامة‪.‬‬
‫* الفصل األول‪ :‬الحوالة‬

‫* الفصل الثاين ‪ :‬الكفالة‬

‫* الفضل الثالث‪ :‬الرهن‬

‫–‪–123‬‬

‫من أحاديث الباب‬

‫«تلقت المالئكة روح رجل ممن كان قبلكم» فقالوا‪ :‬أعملت من الخرب شيئا؟ قال‪ :‬ال قالوا‪ :‬تذكر قال‬

‫كنت أداين الناس وآمر فتياين أن ينظروا المعرس ويتجوزوا من المورس قال‪ :‬قال هللا عز وجل‪ ،‬تجوزوا عنه» ( صحیح مسلم باب‬
‫فضل انظار المعرص ج ‪.)١٠ / ٢٢٤‬‬

‫* «مطل الغىن ظلم وإذا اتبع أحدكم عىل ميل ء فليتبع» (صحيح مسلم ج ‪ ۱۰‬باب تحريم مطل الغىن وصحة الحوالة ‪« * )٢٢٧ /‬أنا‬
‫ني رت‬ ‫ىف‬ ‫ني‬
‫أوىل بالمؤمن من أنفسهم‪ .‬فمن تو من المؤمن ف ك دينا فعىل قضاؤه‪ ،‬ومن ترك ماال فلورثته» (البخاري ج ‪ 3‬باب الكفالة يف‬
‫القرض والديون ‪ ١٢٨ /‬ط الشعب)‬

‫* « ال يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه‪ ،‬له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه» (سبل السالم ج ‪ 3‬باب السلم والقرض والرهن ‪)٨٧٠ /‬‬
‫–‪–124‬‬

‫وسائل التوثيق بصفة عامة‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫معىن التوثيق لغة ورش عا‪.‬‬

‫كلمة التوثيق مأخوذة من كلمة الثقة‪ ،‬فلو قلنا إن الدائن – مثال – يف مدينه‪ ،‬فإننا نقصد بذلك أنه يعطيه المال دينا ويعلم أن هذا المال‬
‫سيعود إليه يف الحارض أو المستقبل‪.‬‬

‫فما يعود إليه يف الحارض هو ما يعرف بالدين العاجل‪ ،‬وما يعود إليه يف المستقبل هو ما يعرف بالدين األجل‪.‬‬

‫والثقة المتبادلة بني الدائن والمدين يه اليت تجعل المدين بأخذ المال من الدائن وهو ينوى ان يرده‪.‬‬

‫وهذه النية نفسها تعطيه ثقة بأنه سيقدر عىل األداء‪ ،‬حيث يقول رسول هللا ﷺ « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى هللا عنه‪،‬‬
‫ومن أخذها يريد إتالفها أتلفه هللا(‪»)۱‬‬

‫كما أن هذه الثقة يه اليت تزرع اإلحساس باألمان يف نفس الدائن‪ ،‬حيث يعىط المال للمحتاج إليه وهو واثق أن هذا المال لن يضيع يف‬
‫الدنيا حيث يرد إليه‪ ،‬ولن يضيع يف اآلخرة حيث يؤجر عليه ·‬

‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬

‫[(‪)۱‬صحيح البخاري ج ‪ 3‬باب يف االستقراض وأداء الديون س ‪ ١٥١‬ط‪ .‬الشعب ]‪.‬‬

‫–‪–125‬‬

‫وقد جاء يف «المعجم الوسيط»(‪ )۱‬وثق بفالن يثق ثقة ائتمنه‪ ،‬فهو واثق به‪.‬‬

‫ووثق اليش ء وثاقة قوى وثبت صار محكما‪ ،‬ووثق فالن‪ :‬أخذ بالوثيفة يف أمره فهذا األمر وثيق‪ ،‬ومؤنثة وثيقة‪ ،‬يقال‪ .‬دابة وثيقة‬
‫الخلق ومروة وثيقة محكمة ال تنقطع وال تنفصم‪.‬‬

‫وأوثق فالنا إثيانا جعله وثيقا‪ ،‬وواثقه عاهده‪ ،:‬تقول‪ :‬واثقته باهلل ألفعلن كذا‪ ،‬ومنه قوله تعاىل «واذكروا نعمة هللا عليكم وميثاقه‬
‫الذي واثكم به»(‪.)٢‬‬

‫وتواثق القوم عىل األمر تعاهدوا وتحالفوا‪ ،‬وتوثق يف األمر ومن األمر أخذ فيه بالوثيقة أو بالثقة‪.‬‬

‫والوثيقة الصلة بالدين أو الرب اءة منه‪ ،‬والوثيقة المستند وماجري هذا المجزي‪ ،‬والجمع وثائق‪.‬‬

‫والموثق االئتمان‪ ،‬ويطلق عىل العهد المؤكد ألنه يقع يف االئتمان‪ ،‬وهو الوارد يف القرآن الكريم يف قوله تعاىل عىل لسان يوسف عليه‬
‫َُ‬ ‫َ ۡ ُ ۡ َ ٗ َ َ ُ ۡ َ یّٰت ُ ۡ ُ ۡ َ ۡ ً ِّ َ ہّٰلل َ َ ۡ ُ َّ ۡ ۤ اَّل ۤ َ ۡ ُّ َ َ ُ ۡ َ َ َّ ۤ ٰ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ہّٰلل یٰل‬
‫ال ا ُ َع َما نق ۡو ُل َو ِک ۡی ٌل»‬
‫(‪)٣‬‬
‫السالم قال«لن ار ِسلہ معکم ح تٔوتو ِن مو ِثقا من ا ِ لتاتنیِن ِب ٖہ ِا ان یحاط ِبکم ۚ فلما اتوہ مو ِثقہم ق‬

‫ويقال يف التفضيل‪ ،‬العقد األوثق والعروة الوثىق ‪ ،‬والمتمسك بالدين متمسك بالعروة الوثىق ‪ ،‬أي متمسك بحبل متني يعصمه من‬
‫الزلل‪ ،‬يقول هللا‬

‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬

‫[(‪ )۱‬المعجم الوسيط‪ :‬مجمع اللغة العربية – مادة «وثق»‪.‬‬

‫(‪ )۲‬سورة المائدة ‪.7 /‬‬

‫(‪ )۳‬سورة يوسف ‪].66 /‬‬

‫–‪–126‬‬
‫ۡ ۡ یٰق‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ َ ۡ َّ ۡ ُ ۡ َّ ُ ۡ َ ُ ۡ ۡۢ ہّٰلل َ َ ۡ َ‬
‫است ۡم َسک ِبال ُع ۡر َو ِۃ ال ُوث (‪»)۱‬‬ ‫تعاىل «فمن یکفر ِبالطاغو ِت و یٔو ِمن ِبا ِ فق ِد‬

‫وهذه المادة قد وردت بصبغ كثري ة يف القرآن الكريم تدل كلها عىل معىن الثقة واالئتمان والتقوية منها الموثق والوثاق والميثاق‬
‫وغري ها‪.‬‬

‫توثيق الدين‪:‬‬

‫يقصد بتوثيق الدين تشبيته يف ذمة المدين وتقويته وتأكيده حقا للدائن فال يضيع‪.‬‬

‫ومن أجل هذا التثبيت والتأكيد كان ال بد أن تكون هناك وسائل متعددة يتفق عليها فيما بينهما‪ ،‬ويكون الهدف منها واضحا أمام كل‬
‫(‪)٣‬‬
‫منهما ولقد بينت آية المداينة(‪)٢‬بعض هذه الوسائل‪ ،‬وهذه اآلية يه أطول آية يف القرآن الكريم‪ ،‬وقد وصفها ابن العريب بقوله‬

‫«يه آية عظىم يف األحكام‪ ،‬مبينة حمال من الحالل والحرام‪ ،‬ويه أصل يف مسائل البيوع وكثري من الفروع»‬

‫وقد ذكرت هذه اآلية «العظىم» الوسائل اآلتية لتوثيق الديون‪.‬‬

‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬

‫[(‪)۱‬سورة البقرة ‪٢٠٦ /‬‬

‫(‪ )۲‬يم قوله تعاىل « يا أيها الذين آمنوا إذا تداينم بدين‪ ...‬اآلية» (البقرة ‪)۲۸۲ /‬‬

‫(‪)٣‬أحكام القرآن‪ .‬القسم األول ص ‪] ٢٤٦‬‬

‫–‪–127‬‬

‫كتابة الديون‬
‫يقول هللا سبحانه وتعالى في هذه اآلية‪:‬‬
‫ب َك َما َعلَّ َمهُ هَّللا ُ ۚ فَ ْليَ ْكتُبْ‬ ‫س ًّمى فَا ْكتُبُوه ۚ َو ْليَ ْكتُب بَّ ْينَ ُك ْم كَاتِبٌ بِ ْالعَ ْد ِل ۚ َواَل يَْأ َ‬
‫ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ‬ ‫«يَا َأيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا ت َ َدايَنتُم ِب َدي ٍْن ِإلَ ٰى َأ َج ٍل ُّم َ‬
‫ق هَّللا َ َربَّهُ‪»...‬‬ ‫َو ْلي ُْم ِل ِل الَّذِي َعلَ ْي ِه ْال َح ُّق َو ْليَت َّ ِ‬
‫ولقد جاءت هذه اآلية الكريمة بعد األمر باالتفاق في سبيل هللا‪ ،‬والنهي عن الربا الذي يناقض الصدقة‪ ،‬فما زالت سلطة صاحب الربا‬
‫الذي حرمه هللا‪ ،‬ولم يبق له إال رأس ماله‪ ،‬وقد أمر فيه باء نظار المعسر (فنظرة إلى ميسرة)‪ ،‬والتصدق على غير القادر على األداء‬
‫(‪)۱‬‬
‫«وأن تصدقوا خير لكم»‪ ،‬وكان ال بد لحفظ المال من كتابته إذ ربما يخشى ضياعه باإلنظار إلى األجل‪ ،‬جاء بعد أحكام الدين ونحوه‬
‫والكتابة المقصودة في اآلية هي كتابة صك بين الدائن والمدين ال والمدين للتذكير بالدين عقد حلول األجل‪ ،‬فقد ينسى أحدهما هذا الدين‪،‬‬
‫أو ينسى مقداره‪ ،‬وقد يموت أحدها قبل أن يحمل وقت األداء‪ ،‬أو قد ينكر أحدهما المبلغ الحقيقي للدين فيزيد الدائن في هذا المبلغ أو ينقص‬
‫المدين فيه‪ .....‬إلى آخر هذه االحتماالت فتكون الكتابة وسيلة إلى ضمان الدين تحديد مقداره وزمن الوفاء به‪.‬‬
‫ولقد شرعت الكتابة منذ الزمن األول‪ ،‬فلقد روى ابن جرير عن سعيد‬
‫–‪–128‬‬
‫ابن المسيب أنه بلغه‪ :‬أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين(‪ ،)۱‬وروى اإلمام أحمد عن ابن عباس أنه قال‪( :‬لما نزلت آية الدين قال رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ :‬إن أول من جحد آدم عليه السالم‪ ،‬إن هللا لما خلق آدم مسح ظهره‪ ،‬فأخرج منه ما هو ذارئ(‪)٢‬إلى يوم القيامة‪ ،‬فجعـل‬
‫يعرض ذريته عليه‪ ،‬فرأى فيهم رجال يزهر(‪ ،)٣‬فقال‪ :‬أي رب من هذا ؟ قال‪ :‬هوا بنك داود قال‪ :‬أي رب كم عمره ؟ قال ستون عاما‪ ،‬قال‪:‬‬
‫رب زد في عمره قال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف سنه‪ ،‬فراده أر بعين عاما‪ ،‬فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه‬
‫المالئكة‪ ،‬فلما احتضر آدم وأتته المالئكة‪ ،‬قال‪ :‬إنه قد بقى من عمري أربعون عاما‪ ،‬فقيل‪ :‬إنك قد وهبتها البنك داود قال‪ :‬ما فعلت‪ ،‬فأبرز‬
‫(‪)٤‬‬
‫هللا عليه الكتاب وأشهد عليه المالئكة‪.‬‬
‫ولقد بينت اآلية أن الكتابة للدين تكون بيان جميع صفاته التي أوضحه وتزيل الخالف حوله بين الدائن والمدين فتذكر ۔ مثال ۔ مقداره‬
‫صغيرا كان أم كبرا‪ ،‬وصفته من حيث الجودة والرداءة‪ ،‬أومن حيث نوع العملة‪ ،‬وكيفية أدائه عاجال أم آجال إلى غير ذلك‪.‬‬
‫ولذلك فقد جعلت اآلية الكتابة بين اثنين‪:‬‬
‫كاتب‪ :‬يكتب بالعدل ال يزيد وال ينقص‪ ،‬وال يميل إلى أحد الجانبين ولقد ذكر العلماء أن العـدل في الكاتب يستلزم العام بشروط المعامالتـ‬
‫التي‬
‫–‪–129‬‬
‫تحفظ الحقوق‪ ،‬ألن الكاتب الجاهل قد يترك بعض الشروط أو يزيد فيها أو يبهم في الكتابة بجهله فيلتبس بذلك الحق بالباطل‪.‬‬
‫ويؤيد ذلك ما جاء في اآلية نفسها من وصف الكاتب بقوله تعالى‪:‬‬
‫ب َك َما َعلَّ َمهُ اللَّ»‪ ،‬فان تعليم هللا إباه ليس خاصا بصناعة الكتابة‪ ،‬بل هو يعم ما وفقه له من علم األحكام والفقه‬ ‫«واَل يَْأ َ‬
‫ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ‬ ‫َ‬
‫فيها‪ ،‬والكتابة ال تكون ضمانا تاما إال إذا كان الكاتب عالما بما يجب عامه في ذلك من األحكام الشرعية‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫الساعة ولقد علق اإلمام محمد عبده على هذه الصفة في كاتب الديون بقوله‬
‫إن كاتب العقود والوثائق بمنزلة المحكمة الفاصلة بين الناس‪ ،‬وليس كل من يخط بالقلم أهال لذلك‪ ،‬وإنما أهله من يكون عادال عارفا‬
‫بالحقوق واألحكام‪.‬‬
‫وهذه قاعدة شرعية ال يجاد المقتدرين على كتابة العقود‪ ،‬وهو ما يسمونه اليوم «العقود الرسمية»‬
‫ومن هنا – أيضا – يجب أن يكون الكاتب غير المتعاقدين وإن كانا يخستان الكتابة‪ ،‬لئال يغالط أحدها اآلخر أو يغشه‪.‬‬
‫وعليه العمل اآلن‪ ،‬فان للعقود الرسمية كتابا يختصون بها‪.‬‬
‫ُممل‪ ،‬وهو الذي يملى الكاتب‪ ،‬وقد وصفته اآلية بأنه «الذي عليه الحق» أي المدين وهو الذي على ألنه المقر بالدين والملتزم به‪ ،‬ولو‬
‫كان الدائن هو الذي يملى لم ينفع إمالؤه حتى يقر الذي عليه الحق‪ ،‬فألجل ذلك كانت البداية فيه‪ ،‬ألن القول قوله‪.‬‬
‫–‪–130‬‬
‫وإلى هذه الحكمة وقعت اإلشارة يقول الرسول ﷺ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر(‪»)۱‬‬
‫ولقد اشترط في المدين أن يكون قادرا على اإلمالء‪ ،‬فال يكون صفيها أو ضعيفا‪.‬‬
‫وقيل في السفيه إنه الجاهل أو الصبي أو المبذر لماله المفسد لدينه‪.‬‬
‫كما قيل في الضعيف إنه األحمق أو األخرس أو الغبي‪ ،‬كذلك يطلق الضعيف على ضعيف العقل أو ضعيف البدن(‪.)٢‬‬
‫وعلى وجه العموم فان العاجز عن اإلمالء ألي سبب من هذه األسباب أو غيرها ال يجوز له أن يملى‪.‬‬
‫ومن هنا قال تعالى‪« :‬فَ ْلي ُْمل ِْل َو ِليُّهُ بِ ْالعَ ْد ِل » وقد اختلف الناس على ما يعود ضمير «وليه» على قولين‪.‬‬
‫األول‪ :‬يعود على الحق‪ ،‬والتقدير «فليملل ولى الحق»‬
‫الثاني‪ :‬أنه يعود على الذي عليه الحق‪ ،‬والتقدير‪ :‬فليملل ولى الذي عليه الحق الممنوع من اإلمالء بالسفه والضعف والعجر‪.‬‬
‫واألرجح الثاني‪ ،‬ألنه صاحب الولي في اإلطالق‪ ،‬يقال‪ ،‬ولى السفيه‪ ،‬وولى الضعيف‪ ،‬وال يقال ولى الحق‪ ،‬إنما يقال صاحب الحق(‪.)٣‬‬
‫–‪–131‬‬
‫داللة األمر بالكتابة(‪:)۱‬‬

‫يرى أكثر العلماءـ أن األمر بالكتابة في قوله تعالى‪«:‬واكتبوه» هو للندب واإلرشاد وقد نبه على ذلك في آخر اآلية بقوله‪ٰ «:‬ذَ ِل ُك ْم َأ ْق َ‬
‫س ُ‬
‫ط عِن َد‬
‫ش َها َدةِ َوَأ ْدن َٰى َأاَّل ت َْرت َابُوا»‪.‬‬
‫هَّللا ِ َوَأ ْق َو ُم لِل َّ‬
‫وعن ابن عباس قال‪ :‬أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى‪ ،‬أن هللا أحله وأذن فيه‪ ،‬ثم قرأ‪« :‬يَا َأيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا ت َ َدايَنتُم بِ َدي ٍْن ِإلَ ٰى‬
‫س ًّمى»(‪ ،)٢‬وقد روى ليث عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا باع أشهد ولم يكتب‪ ،‬وهذا يدل على أنه رآه ندبا‪ ،‬ألنه لو كان واجبا لكانت‬ ‫َأ َج ٍل ُّم َ‬
‫الكتابة مع االشهاد ألنه مأمور بهما في اآلية‪.‬‬
‫وقال الجصاص‪ :‬ال يخلو قوله تعالى «فاكتبوه» من أن يكون موجبا للكتابة‪ ،‬وكان هذا حكما مستقرا ثابتا إلى أن ورد نسخ إيجابه بقوله‬
‫ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ»‪ ،‬فإن كان كذلك فغير جائز أن يكون المراد بالكتاب واإلشهاد االيجاب ‪،‬المتناع‬
‫تعالى «فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ‬
‫ورود الناسخ والمنسوخ معافى شيء واحد‪.‬‬
‫ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ»‪ ،‬فثبت بذلك أن األمر بالكتابة‬
‫ولم يرد األمر بالكتاب واإلشهاد إال مقرونا بقوله تعالى «فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ‬
‫(‪)٣‬‬
‫واإلشهاد ندب غير واجب‬
‫وال يكاد ينفرد بالقول بوجوب الكتابة واإلشهاد إال ابن حزم ‪.،‬‬

‫–‪–132‬‬
‫حيث يقول‪ :‬ال يجوز أن يقول هللا «فاكتبوه»‪ ،‬فيقول قائل‪ :‬ال أكتب إن شئت‪ ،‬ويقول هللا‪« :‬وأشهدوا» فيقول قائل‪ :‬ال أشهد(‪.)۱‬‬
‫ويرد عليه بأن القائل الندب ال يقول‪ :‬ال أكتب‪ ...‬ال أشهد‪ ،‬و إنما يقول‪ :‬يستجب وينبغي أن يكتب ويشهد عليه‪ ،‬قياسا على قوله تعالى «ِإذَا‬
‫صاَل ة ُ فَانتَش ُِروا فِي اَأْل ْر ِ‬
‫ض َوا ْبتَغُوا(‪ ،»)٣‬فانه ال يجب على المحرم – في اآلية األولى – أن‬ ‫ت ال َّ‬ ‫طادُوا(‪»)٢‬وقوله‪« :‬فَِإذَا قُ ِ‬
‫ضي َ ِ‬ ‫َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ‬
‫ص َ‬
‫(‪)٤‬‬
‫يصطاد‪ ،‬وال على الذي قضى صالته – في الثانية – أن ينتشر في األرض ‪.‬‬
‫و ما روي عن ابن عباس من آية الدين محكمةـ لم ينسخ منها شيء الداللة فيه على أنه رأى اإلشهاد واجبا‪ ،‬ألله جائز أن يريد أن الجميع‬
‫ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ»‪ .‬وال‬
‫ورد مما‪ ،‬فكان في نسق التالوة ما أوجب أن يكون االشهادـ ندبا وهو قوله تعالى‪«:‬فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ‬
‫يتعارض األمر بكتابه الديون مع ما ثبت في الصحيحين عن عبدهللا ابن عمر أن النبي ﷺ قال‪« :‬إنا أمة أمية ال نكتب وال نحسب» فان‬
‫الدين – هو الذي االعتقاد – غير مفتقر إلى كتابة أصال‪ ،‬ألن كتاب هللا قد سول هللا حفظه على الناس ويسره لهم‪ ،‬والسنن أيضا محفوظة‬
‫عن رسول هللا ﷺ‪.‬‬
‫ولكن الذي أمر بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس‪ ،‬وقد أمروا فيها بالكتابة أمر إرشاد ال أمر إيجاب(‪.)٥‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬المحلى ج ‪۰ ۸۰/۸‬‬
‫(‪ )۲‬سورة المائدة ‪.۲ /‬‬
‫(‪ )۳‬سورة الحجمة ‪.10 /‬‬
‫(‪)٤‬أنظر إعالن الش ج ‪510–513 / 14‬‬
‫(‪ )٥‬عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير‪ ،‬اختصار وتحقيق‪ :‬أحمد محمد شا کر ج‪۱۰۱/۲‬‬
‫–‪–133‬‬

‫‪ – ٢‬اإلشهاد‬
‫يقول هللا تعالى‪:‬‬

‫ش َهدَاءِ َأن ت ِ‬
‫َض َّل ِإحْ َدا ُه َما فَتُذَ ّك َِر ِإحْ َدا ُه َما‬ ‫ض ْونَ مِ نَ ال ُّ‬ ‫ش ِهي َدي ِْن مِ ن ِ ّر َجا ِل ُك ْم ۖ فَِإن لَّ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَي ِْن فَ َر ُج ٌل َو ْام َرَأت ِ‬
‫َان مِ َّمن ت َْر َ‬ ‫‪...‬وا ْست َ ْش ِهدُوا َ‬
‫« َ‬
‫َ‬
‫ب الش َه َدا ُء ِإذا َما ُدعُوا ۚ»‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ْأ‬
‫اُأْل ْخ َر ٰى ۚ َو يَ َ‬
‫اَل‬

‫واالشهاد طلب الشهود‪ ،‬وهم بحضورهم وعلمهم الواقعة يثبتونه ويؤكدونها‪.‬‬


‫(‬
‫وقد شهد شهادة أي دل داللة قاطعة يقول أو بغيره‪ ،‬وشهد باهلل أقسم‪ ،‬وقد جاء اللفظ في القرآن الكريم بمعنى الداللة القاطعة بقول أو بغيره‬
‫‪.)۱‬‬
‫واإلشهاد على الكتابة نوع من التوثيق أيضا‪ ،‬فهو توثيق للكتابة يؤدي إلى توثيق الدين‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في حكم اإلشهاد‪ :‬هل هو واجب أو مندوب ؟‬
‫«وَأ ْش ِهدُوا ِإذَا تَبَايَ ْعت ُ ْم ۚ»‪ ،‬فالدين يقولون‬
‫ولقد كان أساس الخالف بين هؤالء العلماء هو وجوب اإلشهاد على البيع حيث قال هللا تعالى َ‬
‫بوجوب اإلشهاد في البيع يقولون بوجوبه في الديون‪.‬‬
‫«وَأ ْش ِهدُوا ِإذَا تَبَايَ ْعت ُ ْم ۚ» يعنى‪ :‬أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فأشهدوا على‬
‫وقد روى عن سعيد بن جبير في قوله تعالى‪َ :‬‬
‫حقكم على كل حال )‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬أنظر سورة آل عمران آیه ‪ ،۱۸‬يوسف ‪ .۲۰ /‬فصلت ‪ ،۲۰ /‬الزخرف ‪۱۰ /‬وهذا على سبيل المثال ال الحصر‪.‬‬
‫–‪–134‬‬
‫ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ»‪.‬‬
‫وقال الشعبى والحسن أن األمر باألشهاد منسوخ بقوله تعالى‪« :‬فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ‬
‫وهذا األمر محمول – عند الجمهور – على اإلرشـــاد والندب ال على الوجوب‪ ،‬والدليل على ذلك ما روى عن رسول ہللا ﷺ أنه باع ولم‬
‫يشهد‪ ،‬واشترى ورهن ولم يشهد(‪ ،)۱‬ولو كان االشهاد واجبا لوجوب مع الرهن لخوف المنازعة‪.‬‬
‫ولكن االحتياط هو اإلشهاد لما روى عن النبي ﷺ أنه قال‪«:‬ثالثة يدعون هللا فال يستجاب لهم‪ :‬رجل له امرأة سئية الخلق فلم يطلقها‪،‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ‪ ،‬ورجل أقرض رجال ماال فلم يشهده»‬
‫وليس في هذا الحديث دالله على وجوب اإلشهاد‪ ،‬ألنه ال خالف في أنه ليس من الواجب على من له امرأة سيئة الخلق أن يطلقها وإنما‬
‫القول على أن تارك ذاك تارك لالحتياط(‪.)٣‬‬
‫وإذا كانت اآلية قد جعلت الشهادة لرجلين أو رجل وامرأتين مما ال مجال لتفصيل حكمته ومغزاه هنا‪ ،‬فانها قد قيدت صفة الشهود بالرضا‬
‫حيث قالت «ممن ترضون من الشهداء»‪ ،‬وذلك ألن الشهادة والية‪ ،‬إذ هي تنفيذ قول الغير على الغير‪ ،‬فكان من المناسب أن يكون الشاهد‬
‫موثوقا به‪ ،‬وأن تقوم االمارات على الرضا عنه‪ ،‬ألن الرضا نفسه معنى كامن في النفس تدل عليه بعض الدالالت واإلشارات‪.‬‬
‫–‪–135‬‬

‫«وَأ ْش ِهدُوا ذَ َو ْ‬
‫ي َع ْد ٍل ِ ّمن ُك ْم»(‪.)۱‬‬ ‫وقد نبهت آية آخرى إلى توفر صفة العدالة في الشهود حيث يقول تعالى‪َ :‬‬
‫فإذا اجتمعت هاتان الصفتان– الرضا والعدل – في الشهود فقـد انتفت التهمة‪.‬‬
‫التحمل واألداء للشهادة‪:‬‬
‫قد يطلب من الشخص أن يشهد الواقعة أي يحضرها‪ ،‬وقد يطلب منه أن يؤدي الشهادة أي يصف الواقعة التي حضرها ويثبتها وهللا تعالى‬
‫ش َه َدا ُء ِإذَا َما ُدعُوا»‬ ‫تعالى‪«:‬واَل يَْأ َ‬
‫ب ال ُّ‬ ‫َ‬ ‫يقول في ذلك‪« :‬تفسير قوله‬
‫وقد قال البعض إن المراد بذلك حالة التحمل للشهادة‪ ،‬وهي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين‪ ،‬الن إباء الناس جميعا لتحمل‬
‫الشهادة إضاءة للحقوق‪ ،‬وألن قيامهم جميعا ً بهذا التحمل إضاعة للمصالح الوقت ولهذا المعنى جعلها أهل بعض البالد والية يخصص لها‬
‫بعض الناس ويقيمهم الحاكم أو نائبه‪ ،‬ويقيمهم للناس ويبرزهم لهم و يجعل لهم من بيت المال كفايتهم‪ ،‬فال يكون لهم شغل إال حفظ حقوق‬
‫الناس يتحمل الشهادة إذ تصبوا لذلك‪ ،‬و باألداء إذا طلب منهم ا األداء(‪.)٢‬‬
‫ب َك َما َعلَّ َمهُ هَّللا ُ»‪ ،‬والمقصود أنه ال يتخلف أحد عن القيام بواجب‬ ‫«واَل يَْأ َ‬
‫ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ‬ ‫وهذا المعنى هو نظير قوله تعالى في الكتابة َ‬
‫ندب إليه أو كان صالحا للقيام به‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)٢‬‬
‫(‪)۱‬سورة الطالق ‪ /‬آیه‬
‫انظر أحكام القرآن البن العربي ( مسابق )‬
‫–‪–136‬‬
‫ش َه َدا ُء ِإذَا َما ُدعُوا» أن المقصود به اداء الشهادة‪ ،‬لحقيقة قوله «الشهداء»‪ ،‬والشاهد حقيقة‬ ‫ومذهب الجمهور في قوله تعالى ( َواَل يَْأ َ‬
‫ب ال ُّ‬
‫(‪)۱‬‬
‫فيمن تحمل‪ ،‬فاذا دعى ألدائها فعليه اإلجابة إذا تعينت أي تكون فرض عين‪ ،‬وإال فهى فرض كفاية ‪.‬‬
‫وقد قال غير واحد من العلماء‪ :‬إذا دعيت لتشهد فأبت بالخيار‪ ،‬وإذا شهدتـ فدعیت ت فأجب‪ .‬فجعلوا تحمل الشهادة بالخيار‪ ،‬وجعلوا‬
‫أداءها واجبا عند الدعوة إليها‪.‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم(‪)٢‬أن رسول ہللا ﷺ قال‪« :‬أال أخبركم بخبر الشهداء ؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها»‬
‫ش َها َدة َ ۚ َو َمن يَ ْكت ُ ْم َها فَِإنَّهُ آثِ ٌم قَ ْلبُهُ ۗ»‬
‫أي أنه قد حمل الشهادة أوال‪ ،‬ثم أراد أن يؤديها وإن لم تطلب منه عمال بقوله تعالى‪َ ۗ«:‬واَل ت َ ْكت ُ ُموا ال َّ‬

‫أما الحديث اآلخر الذي ثبت في الصحيحين‪ ،‬ومنه قوله ﷺ‪« :‬ثم قوم تسبق إبنائهم شهادتهم‪،‬ـ وتسبق شهاتهم أيمانهم» وفي رواية«ثم بأتى‬
‫قوم يشهدون وال يستشهدون»(‪ )٣‬وهؤالء هم شهود الزور‪ ،‬وقد روى عن ابن عباس والحسن البصري أنها يهم الحالين‪ :‬التحمل واألداء‪.‬‬
‫–‪–137‬‬

‫‪ –۳‬الرهرن‬
‫يقول هللا تعالى‪:‬‬
‫ضةٌ ۖ»‬
‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫«وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ‬
‫َ‬
‫فالرهن من طرق تو ثيق الدين‪ ،‬وسوف تخصص له – بتوفيق هللا – مبحثا مستقال‪.‬‬
‫ولكن اآلية هنا بظاهرها قد حكمت بمشروعيته عند السفر وعدم وجود الكاتب الذي يكتب الدين‪.‬‬
‫قال ابن عباس‪ :‬أو وجدوا الكاتب ولم يجدوا فرطاسا أو دواة أو قلما‪ ،‬أى تعذرت وسائل الكتابة على العموم‪.‬‬
‫و من العلماء من حمل اآلية على ظاهرها ‪،‬ولم يجوز الرحمن إال في السفر‪.‬‬
‫قاله مجاهد وكافة العلماء يردون ذلك‪ ،‬ألن هذا الكالم وإن كان قد خرج مخرج الشرط‪ ،‬فالمراد به غالب األحوال‪ ،‬والدليل على ذلك‬
‫(‪)۱‬‬
‫ماثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول ہللا ﷺ توفى ودرعه مرهونه عند يهودي على ثالثين وسقا من شعير رهنها قوتا ألهله»‬
‫وقد استدل بقوله «فرهان مقبوضه» على أن الرهن ال يلزم إال بالقبض‪ ،‬كما هو مذهب الشافعي والجمهور‪ ،‬وقد قال الشافعي‪ :‬لم يجعل‬
‫هللا القش‬
‫–‪–138‬‬
‫الحكم إال لرهن موصوف بالقبض‪ ،‬فاذا عدمت الصفة وجب أن عدم الحكم‪.‬‬
‫وعلى جواز رهن الدين بناء على جوازرهن العين‪ ،‬وذلك كما إذا تعامل رجالن ألحدها على اآلخر دين فرهنه دينا الذي له عليه‪:‬‬
‫وذهب مالك إلى أنه بصح اال رتهان باإليجاب والقبول من دون قبض‪.‬‬
‫وقال آخرون إذ اصار الرهن عند العدل فهو مقبوض حقيقة ألن العدل نائب عن صاحب الحق ما عنى له الوكيل‪:‬‬
‫وقد قال ابن حزم بعدم جواز اشتراط الرهن إال في البيع إلى أجل مسمى في السفر‪ ،‬وحجته في ذلك أن اشتراط الرهن شرط وقد قال‬
‫رسول هللا ﷺ «كل شرط ليس في كتاب هللا فهو باطل وإن كان مالبة شرط» وقال تعالى‪ِ« :‬إ َذا ت َ َدايَنتُم ِب َدي ٍْن ِإلَ ٰى َأ َج ٍل ُّم َ‬
‫س ًّمى فَا ْكتُبُوهُ» إلى‬
‫ضةٌ ۖ» فهنا يجوز اشتراط الرهن حيث أجازه هللا تعالى والدين إلى أجل مسمى ال‬ ‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫قوله‪«:‬وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ‬
‫َ‬
‫يعدو أن يكون بيعا(‪.)۱‬‬
‫والظاهر من كالم ابن حزم أنه ال يمنع من الرهن ولكنه يمنع اشتراطه عند العقد فاذا قدم المدين رهنـا من غير اشتراط فهو باب التطوع‬
‫والتطوع بما لم ينه عنه حسن‪.‬‬
‫–‪–139‬‬
‫وهناك تفصيالت كثيرة حول الرهن نستنبط من اآلية أو تكون تقريعات فقهية في موضوع الرهن ذاته‪ ،‬ونرجو أن تعرض لهذه التفريعاتـ‬
‫في حينها‪.‬‬
‫هذه وسائل التوثيق التي عرضتها اآلية‪ ،‬وأحسب أنها تصلح أساسا ً لدراسة عقود التوثق وهي‪:‬‬
‫الحوالة – الكفالة – الرهن‪.‬‬
‫وهي ما نحاول عرضها في الصفحات التالية بعون هللا وتوفيقه‪:‬‬
‫–‪–140‬‬

‫الفصل األول‬
‫الحوالة‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫تعريفها في المذاهب الفقهية المختلفة‪ ،‬والموازنة بين هذه التعريفات‬
‫– تعريفها في القانون‪.‬‬
‫– مشروعيتها من األدلة المختلفة‪.‬‬
‫– أركان الحوالة وشروطها‪.‬‬
‫– صيغتها‪.‬‬
‫– حكم التزام كل طرف بأحكام الحوالة‪.‬‬
‫– أثر الحوالة في انتقال الدين أو انقضائه‪.‬‬
‫– حق رجوع كل من المحال والمحال عليه بمثل مال الحواله‪.‬‬
‫– انتهاء حكم الحوالة‪.‬‬
‫–‪–141‬‬

‫المبحث األول‬
‫تعريف الحوالة‪:‬‬
‫‪ –۱‬جاء في تعريف الحنفية للحوالة ما يلى‪:‬‬
‫«نقل الدين من ذمة إلى ذمة(‪»)۱‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫– نقل الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‬
‫‪ –٢‬وعنـد المـالكـية‪:‬‬
‫طرح الدين طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى(‪ ،»)٣‬أو هي«نقل الدين حق ذمة بمثله الى أخرى(‪ »)٤‬ويقول عياض‪ :‬إن أكثر المالكية‬
‫على أن الحوالة بيع دين بدين‪ ،‬ولكنها رخصة إستنيت من يبيع الدين بالد ين ومن بيع العين(‪)٥‬بالعين فلم يشترط فيما حضور المحال عليه‬
‫وإقراره بما عليه حق الدين‪ ،‬ولم يشترط فيها أن تكون يدا ً بيد كما في بيع المين بالعين‪.‬‬
‫‪ –٣‬وعند الحنابلة‪:‬‬
‫براها بعض الحنابلة أنها من قبيل بيع الدين بالدين‪ ،‬ويقولون إن‬
‫–‪–142‬‬
‫المحيل يشترى ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه‪ ،‬وجازت ترخيصا ويراها أكثر الحنابلة نقال للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال‬
‫عليه(‪.)۱‬‬
‫‪ – ٤‬وعند الشافعية‪:‬‬
‫من الشافعيةـ من يرى أن الحوالة نقل دين من ذمة إلى أخرى كما يراها الحنفية(‪)٢‬ومنهم من يراها استيفاء‪ ،‬فهى نوع من أنواع الوفاء‬
‫يستوفى بها المحال دينه بما للمحيل في ذمة المحال عليه‪ ،‬ومنهم من يقول إنها إسقاط بعوض‪ ،‬أي أن المحال تنازل عن دينه الثابت له في‬
‫ذمة المحال عليه‪.‬‬
‫ورأى يقزل أنها دين بدين جوز للحاجة‪ ،‬وهذا هو الرأى األصح ورأي يقول أنها عند الشافعيةـ(‪.)٣‬‬
‫مالحظات على التعريفات السابقة‪:‬‬

‫‪ –١‬يظهر الفرق بين تعريفى الحنفية للحوالة بأنها ـ في التعريف األول نقل للمحال المحال به من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪.‬‬
‫أما هي في التعريف الثاني فانها نقل للمال والمطالبه معا‪ ،‬ومعنى ذلك أن ذمة المحيل تبرأ من الدين‪ ،‬والن يكون هو نفسه هدفا للمطالبة‬
‫به ولقد إختلف الحنفية في كيفية النقل مع اتفاقهم على ثبوت أصله موجبا ً للحوالة‪.‬‬
‫–‪–143‬‬
‫فقال أبو حنيفه وأبو يوسف‪ :‬إن الحوالة نقل للمطالبة والدين معا من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬ومعنى هذا أن المحال عليه يكون‬
‫هدفا لمطالبة الدائن‪ ،‬ويكون أيضا ً ملزما بأداء الدين‪ ،‬بينما تبرأ ذمة المحمل – وهو المدين األصلى ـ من المطالبة ومن الدين جميعا ً(‪.)۱‬‬
‫وحجة هذا الرأى أن الحوالة ألنها مشتقة من التحويل فانها توجب النقل وألن اسمها ( حوالة الدين )‪ ،‬فهي تقتضى نقل ما أضيفت إليه‬
‫وهو الدين‪.‬‬
‫وإذا قال المدين‪ :‬أحلت بالدين أو أحلت فالنا بدينه فان ذلك يوجب انتقال الدين إلى المحال عليه‪ ،‬إال أنه إذا إنتقل أصل الدين إليه تنتقل‬
‫المطالبة ألنها تابعة‪.‬‬
‫هذا إلى أن المحتال إذا أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه له البراءة أو الهبة‪ ،‬وعلى العكس لو أبرأ المحيل أو وهبه الدين ال يصبح‬
‫(‪)٢‬‬
‫ذلك ألن عليك الدين غير جائز‬
‫ويرى محمد أن الحوالة نقل للمطالبة فقط‪ ،‬أما أصل الدين فيبقى في ذمة المحيل‪ .‬وحجة هذا الرأي من االجماع والمعقول‪:‬‬
‫أما اإلجماع فإن المحيل إذا قضى دين الطالب بعد الحوالة وقبل أن يؤدى المحال عليه‪ ،‬فانه ال يكون متطوعا‪ ،‬بهذا العمل‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫عليه دين لكان متطوعاً‪ ،‬كما إذا تطوع أجنبى بقضاء دين إنسان على غيره‪ ،‬ولو كان له عليه دين فان هذا الدين الذي له يذهب مع الدين‬
‫الذي عليه‪.‬‬
‫وذلك دليل على أن الدين يبقى في ذمة المدين األصلي‪.‬‬
‫–‪–144‬‬
‫أما المعقول فهو أن الحوالة شرعت وثيقة الدين‪ ،‬وليس معنى الوثيقة إبراء المدين بل هي فقط نقل المطالبة مع قيام أصل الدين في ذمة‬
‫المحيل‪ ،‬كما أن المحتال لو أبرأ المحال عليه صحت البراءة ولما ارتدت برده‪ ،‬کإبراء الكفيل ولو كان مدينا الرتدت برده لما فيها من‬
‫معنى التمليك(‪.)۱‬‬
‫وفي هذه الصورة من اإلبراء اليرجع المحال عليه بالدين على المحيل ولوكانت الحوالة بأمره كما في الكفالة ألنه إبراء من المطالبة‬
‫ولكن إذا وهبه الدين كان للمحال عليه أن يرجع على المحيل‪ ،‬ولو كان له على المحيل دين فان له أن ينقص مقدار ما وهب للمحيل عنده‪.‬‬
‫ولو كان الدين قد تحول إلى ذمة المحال عليه لكان اإلبراء والهبة في حقه سواء(‪ .)٢‬ونظهر نتيجة الخالف بين الرأيين ( رأى أبي حنيفة‬
‫وأبي يوسف من جهة‪ ،‬ورأى محمد من جهة أخرى ) فيما بلى‪:‬‬
‫(ا) إذا احتبس البائع العين المبيعة استيفاء الثمن‪ ،‬ثم حوله المشترى إلى شخص ثالث ؛ فان هذا المشترى يبرأ من الثمن والمطالبه على‬
‫رأى أبي يوسف‪ ،‬وال يبرأ أال من المطالبه على رأى محمد‪.‬‬
‫(ب) إذا أبرأ المحال المحيل بعد الحوالة فال يصح اإلبراء وفقا لرأي أبي يوسف األنه لم يصادف محال وهو دين تشغل به ذمة البرأ‪.‬‬
‫ووفقا الرأى محمـد فان البراءة صحيحه ألن ذمة المحيل ما زالت مشغولة بالدين(‪ )٣‬ویری زفر أن الحوالة ال ينتقل فيها الدين‪ ،‬وال‬
‫المطالبة من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬بل تضم ذمة المحال عليه إلى ذمة المدين في المطالبة‪.‬‬
‫وال يزيد ذلك على أن يكون كفالة‪ ،‬ومعنى ذلك أنه يرى الحوالة كفالة من حيث أن كال منها توثيق للدين‪.‬‬
‫–‪–145‬‬
‫وهذا على عكس الرأي القائل بأن كال منهما توجب براءة األصيل‪ ،‬ألن مطالبة الكفيل تقتضى وجود الدين في ذمته‪ ،‬ويترتب على هذا‬
‫فراغ ذمة األصيل منه(‪.)۱‬‬

‫‪ –۲‬يتضح من تعريف المالكية للحوالة أنها معاوضة‪ ،‬ويشترطون وجود دين للمحيل على المحال عليه‪ ،‬فاذا لم توجد هذا الدين‪ ،‬فليست‬
‫العملية حوالة‪ ،‬وإنما هي حوالة يترتب عليها أن يلزم المدين الجديد في مواجهة الدائن كما يلتزم الكفيل‪ ،‬ولكن المدين األصلى ال يبرأ إال‬
‫إذا تخلى الدائن صراحة عن مطالبته(‪.)٢‬‬

‫‪ –۳‬يتفق أكنا الحنابلة مع أبي يوسف في أن الحوالة نقلى للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪.‬‬

‫‪ – ٤‬نظرا لتعدد تصورات الشافعيةـ للحوالة فانها تتفق أحيانا مع آراء الحنفية‪ ،‬وتختلف أحيانا أخرى بناء على هذه التصورات المتعددة‪.‬‬

‫الحوالة في القانون(‪:)٣‬‬
‫يقصد بحوالة الدين ذلك العمل القانوني الذي بموجبه يدخل شخص كمدين في التزام قائم دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في مضمون‬
‫االلتزام‪ .‬ومعنى ذلك أنها عقد يقتضى دخول مدين جديد ال يخل بااللتزام القديم أمام الدائن‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك أيضا فانها تقتضى براءة المـدين السابق‪ ،‬ودخول المدين الجديد في الدين(‪.)٤‬‬
‫–‪–146‬‬
‫أنواع الحوالة‪:‬‬
‫رأينا في تعريفنا للحوالة في الفقه اإلسالمي أن هناك تعريفا يتم بمقتضاه انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه دون انتقال‬
‫المطالبة وأن هناك تعريفا ً آخر يقتضى نقل المطالبة والدين معا من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪.‬‬
‫وهنا نجد تقسيما للحوالة يقترب من هذين التعريفين‪.‬‬
‫فقد قسموا حوالة الدين إلى األقسام اآلتية‪:‬‬
‫(‪ )۱‬الوعد بالتنفيذ‪ :‬وفيه يتفق المحال عليه مع المحيل على الوفاء بالدين فقط‪ ،‬وفي هذه الحالة يكون االلتزام قاصرا ً على العالقة بينه وبين‬
‫(‪)۱‬‬
‫المدين وهذا االتفاق ال يكسب الدائن حقا ً قبل المدين الحديد وال يؤدي إلى براءة المدين القديم‪.‬‬
‫ومن تم فإن هذا الوعد بالتنفيذ يكون ناتجا عن عقد حوالة إبراء بين المدين والمحال عليه وال دخل فيه للدائن‪ ،‬وإذا لم يقر الدائن هذا‬
‫العقد‪ ،‬فان الوعد يظل ساريا بين المدين والواعد على أن ينفذ الواعد االلتزام وفق طريقة معينة نص عليها العقد الذي تم بينهما‪.‬‬
‫(ب) حوالة التوثيق‪ :‬وفيها يزداد التزام المحال عليه شدة وتأكيداً‪ ،‬حيث يصبح مدينا ينفس االلتزام إلى جانب المدين السابق‪ ،‬ويكسب‬
‫الدائن قبلة حقا ً يمكن المطالبه به‪.‬‬
‫ومعنى‪ ،‬ذلك أن الدائن قد كسب مدينا جديدا ً إلى جانب مدينه األصلي وله الخيار في مطالبة أي المدينين شاء‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬أي انتقال المدين دون انتقال المطالبة‪.‬‬
‫–‪–147‬‬
‫وهذا النوع من الحواالت يتم إما بعقد بين الدائن والمحال عليه مباشرة‪ ،‬وإما بعقد بين المدين والمحال عليه‪ ،‬وال يتوقف هذا العقد األخير‬
‫على رضا المدائن أو مشاركته‪.‬‬
‫(ج) حوالة اإلبراء‪ :‬وفيها يصل التزام المدين الجديد إلى درجته القصوى فيصيح مسئوال عن الدين بدل المدين القديم الذي يؤدي االتفاق‬
‫إلى برائته وهي عقد بموجبه بحتال مدين جديد دينا موجودا على المدين الحالي بدال هذا األخير ويترتب عليها براءة المدين السابق‬
‫ودخول مدين جديد مع بقاء االلتزام كما هو وهذه هي حوالة المدين بالمعنى الحقيقي والتي تؤدي إلى خالفة خاصة في الدين‪.‬‬
‫و تتميز هذه الحوالة بخاصتين‪:‬‬
‫(ا) أنها تؤدى إلى براءة المدين القديم ودخول المدين الجديد في الدين‪.‬‬
‫(ب) الوحدة القانوبية لاللتزام رغم تغيير المدين‬
‫–‪–148‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫مشروعية الحوالة‬
‫األصل في مشروعية الحوالة من السنة واإلجماع‪ :‬أما السنة فقول الرسول ﷺ‪«:‬مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»(‪.)۱‬‬
‫والمطل هو تحاولة المدين عدم دفع الدين‪ ،‬والمليىء هو الغني‪ ،‬و معنى الحديث أن المدين إذا كان غنيا وأراد أن يهرب من أداء الدين‬
‫الذي عليه فهو ظالم‪ ،‬وأن الدائن إذا حوله المدين إلى رجل غني ليأخذ الدين منه فعليه أن يقبل هذه الحوالة‪.‬‬
‫وقد يدل الحديث – بمفهوم المخالفة – أن مطل العاجز األداء عن ال يدخل في الظلم‪ ،‬والذين ال يقولون بمفهوم المخالفة يقولون إن العاجر‬
‫ال يسمى ماطال‪ ،‬وكذلك الغنى إذا غاب عنه ماله فهو كالمعدوم‪.‬‬
‫ويؤخذ من هذا أن المعسر ال يطالب حتى يوسر‪ ،‬وأن المطل ال يكون إال من القادر على األداء الممتنع عن الوفاء(‪.)٢‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬لو جازت مؤاخذة الفقير أو العاجز عن األداء لكان ظالما‪ ،‬والفرض أنه ليس بظالم لعجزه‬
‫–‪–149‬‬
‫ويؤخذ من ذلك أنه إذا تعذر على المحال عليه التسليم لفقر لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل‪ ،‬ألنه لو كان له الرجوع لم يكن الشتراط‬
‫الغني فائدة‪ ،‬فلما شرطة الشارع علم أنه انتقل انتقاال الرجوع فيه كما لو عوض في دينه بعوض ثم تلف في يد صاحب الدين‪.‬‬
‫واألمر في قوله – ﷺ – «فليتبع»‪ ،‬محمول على الندب واالستحباب عند الجمهور ال على الوجوب‪ ،‬خالفا لما يراه أهل الظاهر‪ ،‬حيث‬
‫يقول ابن حرم فرض على الذي أحيل أن يستجيل عليه و يجبر على ذلك‪ ،‬ويبرأ المحيل مما كان عليه‪ ،‬والرجوع للذي أحيل على الذي‬
‫أحاله بشيء من ذلك الحق سواء أخذ حقه أو لم يأخذه‪ ،‬وسواء أعسر المحال عليه بعد اإلحالة عليه أم لم يعسر الن رسول هللا أمره باتباع‬
‫المحال عليه‪ ،‬فال يجوز له اتباع غيره(‪.)۱‬‬
‫ولكن القول يخوب قبول الحوالة مردود باشتراط رضا المحتال بها عند مالك والشافعي وغيرهما‪ ،‬ألن حقه في ذمة المحيل‪ ،‬فال يجوز‬
‫نقل هذا الحق إلى غيره بغير رضاء التفاوت الذمم‪ ،‬وقد يكون المحيل ـ وهو المدين االصلي أكثر من المحال عليه(‪.)٢‬‬
‫ولقول الرسول ﷺ «على اليد ماأخذت حتى تؤديه»(‪ ،)٣‬وفيه داللة على ثبوت الحق في ذمة المديون حتى يؤديه‪ ،‬وال يجوز نقله إلى‬
‫غيرها بغير رضا المحتال‪.‬‬
‫ولو جاز إجبار المحال على قبول الحوالة لوجب إذا أحاله المحال عليه على آخر أن يجبر على اتباعه‪ ،‬ثم إذا أحاله ذلك على آخر أن‬
‫يجبر أيضا على‬
‫–‪–150‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫أتباعه وهكذا أبدا‬
‫وهذا قد يودي إلى ضباع حقه بين محيل ومحيل آخر‪.‬‬
‫وأما مشروعية الحواله من اإلجماع‪ ،‬فقد نقل إجماع الصحابة ومن بعدهم على جواز الحواله‪ ،‬وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه كان‬
‫ألبيه المسيب د ين على إنسان ألفا درهم‪ ،‬ولرجل آخر على على بن أبي طالب أنها درهم فقال ذلك الرجل للمسيب‪ :‬أنا أحيلك على علي‪،‬‬
‫وأحلنى أنت على فالن تفعال في هذا الخبر احالة احدهما على اآلخر على مديونه من غير حاجة اليه بل بمجرد رغبتهما فيه·‬
‫وقد نقل اإلجماع أيضا بما قاله الموفق في «المغنى»(‪)٢‬أجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة ( أي وان اختلفوا في بعض‬
‫شروطها ) واشتقاقهاـ من تحويل الحق من ذمة الى ذمة(‪.)٤‬‬
‫الحوالة والقياس‬
‫اختلف الفقهاء ـ بناء على حديث الحوالة ـ حول الحوالة نفسها‪ .‬هل هي بيع دين بدين رخص فيه الرسول حيث استثناه من النهى عن بيع‬
‫الدين يالدين بوجه عام‪ ،‬أم إنها استيفاء للدين وليست بيعا ؟‬
‫قال بعضهم‪ .‬أنها بيع‪ ، ،‬فان المحيل يشترى مافى ذمته بماله في ذمة المحال عليه‪ ،‬وجاز تأخير القبض رخصة ألنه موضوع على الرفق‬
‫فيدخلها خيار المجلس‬
‫–‪–151‬‬
‫لذلك أو كأن المحيل قد باع المحتال ماله في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته أي الغالب عليها‪.‬‬
‫وقد جاز هذا البيع للحاجة‪ .‬ألن كال قد ملك بالحوالة مالم يملكه من قبل(‪.)۱‬‬
‫ولقد قال ابن قدامة ـ الفقيه الحنبلي ـ والصحيح أنها عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره‪ ،‬ألنها لو كانت بيعا لما جازت‬
‫(‪)٢‬‬
‫لكونها بيع دین بدین‬
‫وعلى وجه العموم فان الفقهاء ـ من غير الحنفية – يرون أن الحوالة تبدو على أنها بيع دين بدين حيث يشترطون أن يكون المحيل مدينا‬
‫للمحال وأن يكون المحال مدينا للمحيل حتى تصح الحوالة·‬
‫وأما الحنفية ـ كما سنرى ـ فانهم ال يتطلبون أن يكون المحال عليه مدينا للمحيل فتارة يكون مدينا وتارة يكون غير مدين و إذا كان مدينا‬
‫فقد تقيد الحوالة بذلك الدين ـ وهذه هي الحوالة المقيدة ـ وقد ال تقيد ـ وهذه هي الحوالة المطلقة ـ كما سنرى فيما بعد‪.‬‬
‫و يتجه ابن القيم(‪ )٣‬الى أن الذين يرون الحوالة بيع دين بدين يقولون انها مخالف القياس·‬
‫ويرى أنهم قد غلطوا ـ في ذلك ـ من وجهين‬
‫–‪–152‬‬
‫أحدهما‪ ،‬أن بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام وال إجماع وانما وردالنهى عن بيع الكائي بالكائي(‪)۱‬وبينهما خالف‪ ،‬فالكائي هو المؤخر‬
‫الذي لم يقبض كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة وكالهما مؤخر فهذا ال يجوز باال تفاق‪.‬‬
‫وأما بيع الدين بالدين فشيء غير ذلك حيث ينقسم الى بيع واجب بواجب وساقط بساقط وساقط بواجب وواحب بساقط(‪.)٢‬‬
‫الوجه الثاني‪ ،‬أن الحوالة من جنس ايفاء الحق ال من جنس البيع فان صاحب الحق اذا استوفى من المدين ما له كان هذا استيفاء فاذا إحاله‬
‫على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل(‪.)٣‬‬
‫ومن هنا كان أمر الرسول للمدين بالوفاء ونهيه عن المطل ألنه ظلم وأمر الغريم بقبول الوفاء اذا أحيل على ملييء وهــــذا كقوله سبحانه‬
‫ان»(‪)٤‬فالمستحق يطالب بالمعروف والمدين يؤدى باحسان‪.‬‬ ‫س ٍ‬‫ع بِ ْال َم ْع ُروفِ َوَأ َدا ٌء ِإلَ ْي ِه بِِإحْ َ‬
‫«فَا ِت ّبَا ٌ‬
‫ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وان كان فيه شبه بالمعاوضة فال يتوقف هذا الوفاء على تصور دين في ذمة المحال عليه تحصل به‬
‫المقاصة بالدين الذي في ذمة المحيل بل إن المال الذي أداء المحال عليه يحصل‪ ،‬الوفاء دون حاجة الى تقدير دين سابق في ذمته للمدين‬
‫األصلي‪.‬‬

‫–‪–153‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫اركان الحوالة و شرطها‬
‫مطلب‪ :‬أركان الحوالة‬
‫تبدو الحوالة ـ وفقا لمذهب الحنفية – عقدا يتطلب رضاء ثالثة‪:‬‬

‫‪١‬ـ المحيل(‪ )debtor‬ـ‪ :‬وهو الذي له دين على آخر‪ ،‬وعليه دين آلخر‪.‬‬

‫‪ – ٢‬المحال(‪ )creditor‬أو «المحتال»‪ :‬وهو صاحب الدين الذي على المحتل ( و يقضى ذلك أن يكون المحيل مدينا للمحال ؛ فلو أن إسماعيل‬
‫– مثال – أحال زيدا ۔ وهو غير مديون له ـ بألف على بكر‪ ،‬فذلك ال يكون حوالة‪ ،‬وإنما هي وكاله بالقبض ) و لكن ال يشترط أن يكون‬
‫المحال عليه مديونا للمحيل فتصح حوالته وإن لم يكن له على المحال دين‪.‬‬

‫‪ –٣‬المحال عليه(‪ :)new debtor‬وهو الذي عليه دين للمحيل‪ ،‬أو هو الذي قبل حوالة المحيل و إن لم يكن مدينا له –‬

‫ومع ذلك فق ذلك فقد يتم عقد الحوالة بين الدائن والمحال عليه‪ ،‬أو بين المـدين والمحال عليه‪ ،‬أو بين الدائن والمدين‪.‬‬

‫ولقد لخص الحنفية ذلك في أن ركن الحوالة هو اإليجاب والقبول‪ :‬اإليجاب من المحيل ـ ولهو المدين األصلي(‪ – )principal debtor‬والقبول‬
‫من المحال عليه‪ .‬والمحال جميعا )(‪ .)٢‬واإليجاب والقبول هما ما تجمعهما كلمة ( الصيغة )‬
‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫(‪)۱‬انظر القدائع ج ‪ .7‬كتاب الحوالة ‪:٣٤٣٠ /‬‬
‫–‪–154‬‬
‫ولقد عرف بعض الفقهاء الحوالة بأنها مادات على ترك المحال دينه في ذمه المحيل بمثله في ذمه المحال عليه‪.‬‬
‫وإذن فان صيغتها ال تنحصر في لفظ مأخوذ من الحوالة‪ ،‬بل يكفي معناها مثل‪ :‬نقلت حقك إلى فالن‪ ،‬أو جعلت ما أستحقه على فالن لك‪،‬‬
‫أو ملكتك الذي عليه بحقك‪ ....‬أو أي صيغة تؤدى هذا المعنى‪ ،‬وتعبر هن انتقال الدين من المحيل إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬وتكون واضحة‬
‫التعبير عن فصد المحيل وقريبة إلى فهم كل من المحال والمحال عليه إذا إعتبر رضا كل منهما شرطا من شروط الحوالة والقبول كذلك‬
‫من كل حق المحال والمحال عليه أن يقول كل واحد منهما‪ .‬قبلت أو رضيت أو نحو ذلك مما يدل على القبول والرضا‪ ..‬وهذا عند الحنفية‬
‫وعند الشافعي أنه إذا لم يكن للمحيل على المحال عليه دين فكذلك فأما إذا كان له عليه دين فيهم بإيجاب المحيل وقبول المحتال‬
‫ألن المحيل في هذه الصورة مستوف حق نفسه بيد الطالب فال يقف على قبول من عليه الحق كما إذا وكله بالقبض وليس هو كالمحال‬
‫(‪)٢‬‬
‫ألن الحوالة تصرف عليه بنقل حقه من ذمة إلى ذمة مع اختالف الذمم فال يصح من غير رضا صاحب الحق‬
‫وقد عبر عن قبوله حيث يستدعى ذلك إيجابا من المحيل كما في البي‪.‬‬

‫مطلب شروط الحوالة‬


‫‪ .‬الحوالة شروط متفق عليها وشروط مختلف عليها‬
‫––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫‪)۱(.‬انظر البدائع (السابق)‬
‫(‪ )٢‬انظر‪ :‬اإلقناع في حل ألفاظ أبي شجاع ج ‪ ،٣٠/٢‬الشرقاوي على التحرير ج ‪٦٨ / ٢‬‬
‫–‪–155‬‬
‫فمن الشروط المتفق عليها(‪:)۱‬‬
‫‪ –١‬أن يكون الدين الذي على المحال عليه من جنس الدين الذي على المحيل في المقدار والوصف‪ ،‬وفى الحلول والتأجيل‪.‬‬
‫فلو كان أحد الدينين يحل بعد شهر واآلخر بعد شهرين لم تصح الحوالة‪ ،‬وقد اشترط التماثل في الجنس والصفة‪ ،‬ألن تحويل الدين ـ أي‬
‫الحوالة – تحويل للحق ونقل له‪ ،‬فينتقل الذين على صفته في الجنس‪ ،‬كأن يحيل من عليه ذهب بذهب‪ ،‬وفي الصفة‪ ،‬فلو أحال من عليه‬
‫نقود جياد بنقود زيوف لم يصح ذلك للمخالف بينهما(‪.)٢‬‬
‫وقد اشترط حلول الدين الحال به وهو الذي على المحيل ألنه إذا لم يكن حاال أدى إلى تعمير ذمة بذمة‪ ،‬فيؤدي إلى بيع الدين بالدين‬
‫والذهب بالذهب أو أحدهما باآلخر ال يدا بيد إن كان الدينان عينا إال أن يكون المحال عليه حاال ويقبضه قبل أن يتفرقا مثل الصرف‬
‫فيجوز(‪.)٣‬‬
‫كما أنه إذا لم يتماثل الدينان في القدر والصفة كان بيعا ولم يكن حوالة‪ ،‬أو يمكن أن تتم الحوالة بقدراألقل منهما كما يحدث في المقاصة(‪.)٤‬‬
‫وقد قال ابن حزم‪ :‬تجوز الحوالة بالدين المؤجل إلى مثل أجـله ال إلى أبعد وال إلى أقرب‪ ،‬وتجوز الحوالة بالحال على الحال ؛ وال تجوز‬
‫بحـال على مؤجل‪ ،‬وال بمؤجل على حال‪ ،‬وال بمؤجل على مؤجل إلى غير أجله‪ ،‬ألن في كل ذلك إيجاب تأجيل حال أو إيجاب حلول‬
‫مؤجل(‪.)٥‬‬
‫––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫(‪)۱‬انظر‪ :‬البدائع ج ‪ ،٣٤٣٧ / ٧‬بلغة السالك ج‪ ٢/٦٦٠‬ومابعدها‪ ،‬اإلقناع ج ‪٢٠ /٣‬‬
‫(‪ )٢‬المغنى ج ‪٥/٥٥‬‬
‫(‪)٣‬القاسى ( الشرح الكبير ج ‪٥٩ / ٥‬‬
‫(‪)٤‬الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج ‪۲۹۷ – ٢٩٦ / ٣‬‬
‫(‪)٥‬المحلى ج ‪١٠٩ /٨‬‬
‫–‪–156‬‬
‫‪ –٢‬أن يكون الدين المحال به دينا مستقرا في ذمة المحال عليه حتى يكون ذلك ضمانا لحق المحال‪ ،‬ومبررا لرضاه عن الحوالة ( وهذا‬
‫عند من يشترطون وجود دين في ذمة المحال عليه مائل لما في ذمة المحيل )‪.‬‬
‫وهذا ما يفسر وصف رسول هللا ﷺ للمحال عليه بأنه «مليى ء»‪ ،‬أي قادر على الوفاء بالدين بعد اعترافه به‪ ،‬واشتغال ذمته بالوفاء(‪.)۱‬‬
‫ومن الشروط المختلف عليها رضا المحال عليه والمحيل‪:‬‬
‫فان الرأي السائد ـ عند الحنيفة هو ضرورة رضا الدائن بالحوالة‪ ،‬ألن األمر الوارد في قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬وإذا أحيل أحدكم‬
‫على مليء فليحتل» ليس للوجوب‪ ،‬وإنما هو لالستحباب؛ وذمم الناس تتفاوت في األداء‪ ،‬فقد يكون المدين الجديد موسرا‪ ،‬ولكنه مماطل‪،‬‬
‫فالقول بوجوب الحوالة على الدائن قد يضره‪ ،‬إذا قد تكون النتيجة ضياع حقه بين المحيل والمحال عليه(‪)۱‬بينما يرى بعضهم أن ال ضرورة‬
‫لرضاء المدين األصلي بالحوالة‪ ،‬ألنه ال يترتب عليها إضرار به‪ ،‬بل على العكس نافعة له نفها محضا(‪)٢‬البعض اآلخر ضرورة رضاء‬
‫المدين األصلي عن الحوالة‪ ،‬ألن ذوي المروءات يقبلون أن يتحمل عنهم غيرهم ديونهم‪ ،‬ومن هنا فانه ال يمكن أن تم الحوالة دون رضا‬
‫المدين األصلي(‪.)٤‬‬
‫ويتوسط فرا بق ثالث فال يشترط رضاء المدين األصلي إال إذ كان المحال‬
‫–‪–157‬‬
‫عليه ينوى الرجوع على المدين بما دفع‪ ،‬أو يخصم ما أدى للمحال مما لديه من دين للمحيل(‪.)۱‬‬
‫ولقد اشترط مالك رضاء المحال‪ ،‬ولم يعتبر رضاء المحال عليه‪ ،‬بينم إشترط المالكية رضا المحيل والمحال فقط ولم يشترطوا رضا‬
‫المحال عليه على المشهور إال إذا كانت بينه وبين الدائن عداوة‪ ،‬فقد يشتد هذا الدائن في مطالبته‪ ،‬ومن ثم فان المحال عليه يجب أن‬
‫يحضر مجلس الحوالة حتى ال يعتبر غيابه عن المجلس اعترافا ضمنيا بالدين الذي عليه للمحيل(‪ )١‬ومن الفقهاء من اعتبر رضا المحيل‬
‫والمحال عليه معا ومنهم من لم يعتبر رضا المحال و اعتبر رضا المحال عليه‪.‬‬
‫ووجه ذلك أن الحوالة إلزام دين على المحال عليه‪ ،‬وال لزوم بال التزام غير أنه تصح الحوالة بدون رضا المحال عليه وقبوله في مسألة‬
‫واحدة‪ ،‬وهي إذا إستدانت الزوجة النفقة بأمر القاضي‪ ،‬فان لهـا أن تحيل بها على الزوج بدون رضاه‪.‬‬
‫وابن قدامة لم يعتبر رضا المحال عليه وال المحال‪ ،‬وذلك إذا كان المحال عليه لميئاً‪ ،‬بل يجب على المحال أن يقبل الحـــوالة لظاهر‬
‫الخبر‪ ،‬وقد يسر «المليي ء» بأنه المليي‪ ،‬في ماله و بدنه وقوله‪ :‬ولديه قدره مالية على الوفاء‪ ،‬ويمكنه الحضور بنفسه في المجلس‪ ،‬وليس‬
‫مماطال‪.‬‬
‫ولم يشترط إال رضا المحيل فقط‪ ،‬ألن الحق عليه فال يلزمه أداؤه ـ من جهة الدين الذي على المحال عليه وهو يستطيع بارادته المنفردة أن‬
‫ينقل الدين وليس على الدائن والمحال عليه إال أن ينزال على هذه اإلرادة(‪.)٣‬‬
‫–‪–158‬‬
‫ونرى بعد هذا العرض أن الرضاء الذي يجب أن يعول عليه في الحوالة هو رضاء كل من المحال والمحال عليه‪ ،‬ويجب أن يكون ذلك‬
‫هو موضع االعتبار‪.‬‬
‫فالمحال يجب أن يرضى عن تحوله عن مدين قديم عرفه إلى مدين جديد قد يجهل حاله يسرا وإعسارا‪ ،‬وأخالقه استعدادا للوفاء بالدين أو‬
‫مماطلة لدائنه الجديد‪.‬‬
‫كما أن رضا المحال عليه يجب أن يعتبر كذلك‪ ،‬ألن جهة المطالبة بالدين تتغير بالحوالة‪ ،‬وقد يختلف المحال من المحيل سماحة في‬
‫المطالبة بالحق أو الحاط في هذا الطلب‪.‬‬
‫شروط عامة في أطراف الحوالة‪:‬‬
‫يشترط الحنفية شروطا عامة في كل من المحيل والمحال والمحال عليه‪:‬‬

‫‪ –١‬فيما يشترطون في المحيل أن يكون عاقال‪ ،‬ألن العقل من شرائط أهلية التصرفات‪ ،‬وأن يكون بالغا‪ ،‬ألن البلوع شرط النفاذ دون‬
‫االنعقاد حيث تنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه‪.‬‬
‫وأما حرية المحيل فليست بشرط لصحة الحوالة‪ ،‬ألن الحوالة ليست تبرعا بالتزام شي كالكفالة‪ ،‬وكذلك صحة المحيل ليست شرطا في‬
‫صحة الحوالة لالعتبار السابق‪.‬‬
‫‪ –٢‬وما يشترط في المحال أن يكون عاقال لالعتبار السابق في العقل وألن قبوله ركن وغير العاقل ال يكون من أهل القبول‪.‬‬
‫وأن يكون بالغا كذلك‪ ،‬وغير البالغ ينعقد احتياله موقوفا على أجازه وليه إن كان الثاني أمال من األول‪.‬‬
‫–‪–159‬‬
‫«واَل تَ ْق َربُوا‬
‫والوصي إذا احتال بمال اليتيم ال يصح احتياله إال بهذا الشرط‪ ،‬ألنه منهى عن قربان ماله اال على وجه األحسن لقوله تعالى‪َ :‬‬
‫سنُ َحت َّ ٰى َي ْبلُ َغ َأ ُ‬
‫ش َّدهُ(‪»)۱‬‬ ‫َما َل ْاليَت ِِيم ِإاَّل ِبالَّتِي ه َ‬
‫ِي َأحْ َ‬
‫‪ – ٣‬وهذان الشرطان (العقل والبلوغ) هما اللذان يشترطان أيضا في المحال عليه فال يصح قبول الحوالة من مجنون أو صبي سواء‬
‫أكانت بأمر المحيل أم بغير أمره فاذا كانت بأمره فان المحال عليه إذا كان صبيا فانه ال يملك الرجوع على المحيـل فكانت تبرعا بابتدائه‬
‫وإذا كانت بغير أمره كذلك فانه ال يملك الرجوع فكان تبرعا بابتدائه وانتهائه ( ‪)2‬‬
‫مطلب‪ :‬الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة‬
‫بقسم الحنفية الحوالة قسمين‪:‬‬
‫(أ) الحوالة المقيدة‪ :‬وهي التي يكون المحيل فيها دائنا المحال عليه‪ ،‬وحينئذ يقول المحيل للمحال‪ ،‬خذ دينك الذي على من ديني الذي لي‬
‫على فالن‪ ،‬وهو المحال عليه‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن المحيل قد قيد جهة أداء الدين الذي عليه للمحال‪ ،‬فجعل هذا األداء من ماله الذي هو في ذمة المحال عليه أو في يده‪.‬‬
‫(ب) الحوالة المطلقة‪ :‬وهي التي لم يقيد فيها المال الذي يعطيه المحال عليه للمحال فقد ال يكون المحال عليه مدينا للحيل‪ ،‬ولكنه مع قد قبل‬
‫الحوالة‪ ،‬فهو يؤدى الدين للمحال ثم يرجع – ذلك – بعد ذلك بما دفع على المحيل‪.‬‬
‫–‪–160‬‬
‫( ‪)١‬‬
‫الفرق بينهما‪:‬‬
‫‪ –١‬إذا كانت الحوالة مطلقة لم ولم يكن على المحال عليه دين للمحيل‪ ،‬فان هذا المحال عليه ال يكون مطالبا إال بدين الحوالة‪ ،‬أما إذا كان‬
‫مدينا للمحيل فانه يصبح مطالبا بدينين‪:‬‬
‫(أ) دين الحوالة الذي يجب أن يؤديه إلى المحال‪.‬‬
‫(ب) الدين األصلي الذي عليه للمحيل‪ ،‬فهو من تم هدف لمطالبة المحال والمحيل على السواء‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أنه – بالحوالة المطلقة – لم ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه الذي عند المحال عليه‪ ،‬ولو كانت مقيدة بالدين الذي له عنده ال‬
‫نقطع حق المطالبة بعد أن أدى المحال عليه دين المحال من المال الذي عنده للمحيل ألن القيد قد دخل على حوالة الدين فيتقيد به‪.‬‬
‫‪ – ٢‬إذا كانت الحوالة مقيدة بأن يقضى دين المحال من الدين الذي للمحيل عند المحال عليه‪ ،‬ثم ظهرت براءة المحال عليه‪ ،‬وأنه ليس‬
‫عليه دين محيل بطلت الحوالة‪ ،‬فاذا أدى الدين للمحال كان له حق الرجوع على المحيل ألنه قضى دينه بأمره‪ ،‬وألنه إذا ظهر أنه لم يكن‬
‫عليه دين أصال فال حوالة حينئذ‪ ،‬ألن الحوالة بالدين وقد ظهر عدم وجود دين‪.‬‬
‫وهذا ال يوجد في الحوالة المطلقة‪ ،‬ألن تعلق دين المحال بدين المحيل يجعل الحوالة مقيدة‪ ،‬ولم يوجد هذا التعلق في الحوالة المطلقة‪ ،‬فيبقى‬
‫الدين متعلقا في ذمة المحال عليه الفي ماله‪ .‬فال تبطل الحوالة‪.‬‬
‫–‪–161‬‬
‫إذا كانت الحوالة مقيدة بالدين الذي على المحال عليه‪ ،‬ثم مات المحيل قبل أن يؤدي المحال عليه الدين إلى المحال‪ ،‬وكان على المحيل‬
‫ديون أخرى ولم يكن له مال إال ذلك الدين الذي عند المحال عليه‪ ،‬فان المحال ال يكون أحق من غيره من الغرماء بهذا المال‪ ،‬بل هم‬
‫يشاركون فيه بنسبة ديونهم (وذلك عند أبي حنيفة والصاحبين)‪ ،‬أما عند زفر فهو أحق به من سائر الغرماء كالرهن‪.‬‬
‫ولو كانت الحوالة مطلقة أخذ من المحال عليه جميع الدين الذي عليه للمحيل وقسم بين غرماء المحيل وال يدخل المحال معهم في القسمة‬
‫وانما يأخذ دينه من المحال عليه‪ ،‬ألن الحوالة لم تتعلق به فذلك ملك المحيل‪ ،‬وال يشاركهمـ المحال فيه ألن حقه قد ثبت على المحال عليه‬
‫(‪.)۱‬‬
‫–‪–162‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫التزام المحال بأحكام الحوالة‬
‫يظهر من تعريف الحوالة وشروطها أن الدين ينتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬بحيث ال يملك صاحب الدين ـ وهو المحال ـ أن‬
‫يرجع إلى المدين األصلي ـ وهو المحيل ـ فيطالبه بالدين الذي لم يتمكن من أخذه من المحـال عليه‪ ،‬ذلك ألن الحوالة ـ كما يقول ابن قدامة‬
‫الفقيه الحنبلي(‪)۱‬ـ تنقل الحق من ذمة الحيل إلى ذمة المحال عليه‪ ،‬فال يملك المحتال الرجوع عليه بحال‪ ،‬ألن الحق انتقل وال يعود بعد‬
‫انتقاله‪.‬‬
‫وهناك فرق بين ما إذا كان الحق ـ في الحوالة ـ متعلقا بالمال أم بصاحب المال‪ :‬فان كان الحق متعلقا بالمال نفسه لم يسقط بالحوالة‪ ،‬وإن‬
‫كان متعلقا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه سقط‪ ،‬وإن كان ال يزول بانتقاله لم يسقط على األصح‪ ،‬ويرى جمهور الفقهاء أن الحوالة ضد‬
‫الحوالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء‪ ،‬ألنه إذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت برئت ذمة‬
‫المحيـل من دين المحال‪ ،‬وبرئت ذمة المحال عليه من دين المحيل وتحول حق المحتال الى ذمة المحال عليه‪.‬‬
‫مطلب‪ :‬حق رجوع المحتال على المحيل‬
‫ولكن الرأي السابق للجمهور ليس على إطالقه‪ ،‬فان براءة المحيل من الدين مقيدة بسالمه حق المحتال(‪)٢‬فہي ۔ اذن ـ ليست براءة نهائية إذ‬
‫يجوز للدان ـ إذا توافرت شروط معينه أن يرجع بحقه على المحيل‪.‬‬
‫––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫(‪ )۱‬المغني – ج‪60 –59\ 5‬‬
‫(‪ )٢‬مرشد الخيران – م ‪777‬‬
‫–‪–163‬‬
‫وقد أخرج البيهقي عن عثمان بن عفان أنه قال‪« :‬ليس على مال امرىء مسلم توی(‪ ،»)۱‬وقد رتب فقهاء الحنفية على ذلك أن الحوالة يجب‬
‫أال ينتج عنها ضياع حق الدائن(‪.)٢‬‬
‫وعلى وجه العموم فإننا يمكن تلخيص الحاالت التي يرجع فيها المحتال على تلخيص الحاالت التي يرجع فيها المحتال على المحيل فيما‬
‫يأتي(‪:)٣‬‬
‫‪ – ۱‬إذا لم يبرى الدائن مدينه عند الحوالة‪ ،‬ومعنى ذلك أنه إذا قال المحيل للمحال‪ :‬ال دين لي عند المحال عليه‪ ،‬ومع ذلك اشترط المحيل‬
‫البراءة من الذي عليه‪ ،‬ورضى المحال بهذا الشرط صح التحول‪ ،‬وال رجوع له على المحيل‪ ،‬ألنه ترك حقه حيث رضى بالتحول‪.‬‬
‫فاذا لم يشترط المحيل البراءة‪ ،‬أو لم يقبلها المحال بقيت الذمة مشغولة بالدين‪ ،‬وبقي المحال الحق في الرجوع على المحيل إذا لم يأخذ‬
‫الدين المحال عليه‪.‬‬
‫‪ – ۲‬إذا أفلس المحال عليه أو جحد الحق قبل عقد الحوالة ولم تكن هناك بينة عليها فال تصح لفقد شرطها من ثبوت الدين بخالف الفلس‬
‫حين الحوالة‪ ،‬فال يمنع منها‪ ،‬بلى يتحول الحق معه‪.‬‬
‫(‪)٤‬‬
‫وقد قال أبو حنيفة‪ :‬يرجع صاحب الدين على المحيل إذا ماتـ المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينه‬
‫–‪–164‬‬
‫‪ – ۳‬إذا كان المحيل قد خدع المحال حيث أحاله على رجل مفلس‪ ،‬وهو يعلم ذلك قبل الحوالة‪ ،‬ألن عامه بأن المحال عليه ال يملك الوفاء‬
‫بالدين بدل على فساد نيته ومحاولته التخلص من الدين الذي عليه‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫هكذا قال مالك وأبو حنيفة‪ ،‬أما الشافعي فانه يقول‪ :‬ال يرجع على المحيل في كل ذلك‬
‫وإلى مثل ذلك يتجه ابن حزم حيث يرى أن المحيل يبرأ مما كان عليه‪ ،‬وال رجوع للذي أحيل على الذي أحاله بشيء من ذلك‪ ،‬أخذ حقه‬
‫أو لم يأخذه‪ ،‬أعسر المحال عليه إثر اإلحالة أم لم يعسر(‪.)٢‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬لو لم يرض المحتال بالحوالة‪ ،‬ثم ظهر المحال عليه مفلسا أو ميتا رجع على المحبل بال خالف‪ ،‬فانة ال يلزمه االحتيال‬
‫على غير ملىء لما عليه فيه من الضرر‪.‬‬
‫وكأنهم أضافوا عنصرا آخر إلى خداع المحيل للمحتال وهو عدم رضا المحال الحوالة في بادىء األمر‪.‬‬
‫وإذا كاو قد رضى بالحوالة ولم يغر‪ ،‬المحيل فقد برئت ذمة هذا األخير ولم تعد مشغولة بالدين‪ ،‬وشغل الذمة بالدين ال يعود بعد زواله‪.‬‬
‫–‪–165‬‬

‫مطلب‪ :‬متى يتوى حق المحال‬


‫معنى النوى‪:‬‬
‫التوى في اللغة يعنى الهالك والضياع‪ ،‬يقال‪ :‬أتواه هللا يعنى أهلكه‪ ،‬وتوى المال نوى‪ :‬ذهب فلم يرج‪ ،‬توى اإلنسان هلك فهو تو‪.‬‬
‫وأقوى ماله‪ :‬أهلكه‪ ،‬وأتوى هللا الشيء‪ :‬أذهبه(‪.)۱‬‬
‫وهو في االصطالح قريب من هذا المعنى‪ ،‬فهو يراد به ضياع الدين الذي للدائن بين المحيل والمحال عليه‪.‬‬
‫متى يتوى حق المحال(‪:)٢‬‬
‫بتوى حق المحال ـ عند أبي حنيفة ـ أحد شيئين‪:‬‬
‫(‪ )۱‬أن يموت المحال عليه مفلسا أي ال مال له‪ ،‬في الوقت الذي كانت ذمة المحيل قد برئت من الدين بالحوالة‪.‬‬
‫(ب) أن يجحد الحوالة ويحلف وال بينة للمحال‪.‬‬
‫وقد أضاف أبو يوسف ومحمد سببا ثالثا وهو‪:‬‬
‫أن يفلس المحال عليه حال حياته ويقضى القاضي بإفالسه بناء على أن القاضي يقضى باإلفالس حال حياته عندها‪ ،‬وعند أبي حنيفة ال‬
‫يقضي به ووجه قولها إن المراد بإفالس المحتال حال حياته حكم الحاكم بهذا اإلفالس ال مجرد دعواه‪ ،‬وإال ال دعى من شاء ما شاء‪ ،‬وفيه‬
‫من إضاعة حقوق الناس‬
‫–‪–166‬‬
‫ما ال يخفى(‪)۱‬والرأي الذي كان مأخوذا به هو رأى أبي حنيفة كما نص عليه مرشد الحيران بقوله(‪ :)٢‬وتعذر استيفاء الدين من المحال‬
‫عليه وتفليسه ولو يأمر الحاكم ال يوجبان بطالن الحوالة وعود الدين على المحيل )‪.‬‬
‫ولقد قالوا ـ كما أشرنا سابقا ـ إن براءة المحيل مقيدة بسالمة حق المحال‪ ،‬فاذا لم يسلم هذا الحق وبعد إلى صاحبه لم تبرأ ذمة المحيل‪،‬‬
‫اعتمادا على ما روي عن عثمان بأنه قال في المحال عليه إذا مات مفلسا عاد الدين إلى ذمة المحيل ألنه «التوى على مال أمرىء‬
‫مسلم»‪.‬‬
‫ويستند الشافعيـ في قوله بعدم رجوع المحال على المحيل وإن توى الحق أن البراءة قد حصلت بمجرد قبول الحوالة‪ ،‬ومن ثم فقد حصلت‬
‫مطلقة فال تعود إال بسبب جديد‪.‬‬
‫والحوالة ـ بعد قبولها ـ عقد الزم ال ينفسخ بفسخها فيمتنع الرجوع كما لو اشترى شيئا وغبن فيه أو أخذ عوضا عن دينه وتلف عنده‪.‬‬
‫كما أن في قول الرسول ﷺ «ومن أحيل على ملى‪ .‬فليتبع»‪ .‬إيجاب اتباع المحال عليه مطلقا‪ ،‬ولو كان للمحال حق الرجوع على المحيل‬
‫إذا توى الحق لما كان لذكر المالءة في الحديث فائدة‪.‬‬
‫ولكنها ذكرت داللة على أن الحق انتقل انتقاال ال رجوع فيه‪ ،‬وأن فائدة ذكرها حراسة الحق‪ ،‬وقبول المحال للحوالة يتضمن اعترافه‬
‫بشروطها وموافقته على هذه الشروط(‪.)٣‬‬
‫–‪–167‬‬
‫وظاهر كالم الحنابلة أن الحق إذا اثبت أنه انتقل ورضى المحال بالحوالة ولم يشترط يسار المحال عليه لم يعد له حق الرجوع على‬
‫المحيل أبدا‪ ،‬سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غير ذلك‪.‬‬
‫وعن أحمد بن حنبل ما يدل على أنه إذا كان المحال عليه مفلسا ولم يعلم المحال بذلك وله الرجوع إال أن يرضى بعد العلم(‪.)۱‬‬
‫ويعرض ابن القيم(‪)٢‬في «باب الحيل»‪ ،‬كيفية احتفاظ المحال بحقه في الرجوع على المحيل إذ أخشى أن يتوى ماله‪ ،‬فيعرض لذلك ثالث‬
‫حيل‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يقول‪ :‬أنا ال احتالل‪ ،‬ولكن أكون وكيال لك في قبضه فان استنفقه ثبت له ذلك في ذمة الوكيل‪ ،‬وله في ذمة الموكل نظيره‬
‫فيتقاصان‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يشترط على المحيل أنه إن توى المال رجع عليه‪ ،‬ويصح هذا الشرط على قياس المذهب‪ ،‬فان المحتال إنما قبل الحوالة على‬
‫هذا الشرط فال يجوز أن يلزم بها بدون الشرط‪.‬‬
‫وهذا يشبه ما قدمناه من حق المحال في الرجوع على المحيل إذا لم يشترط المحيل البراءة من الدين بمجرد الحوالة‪.‬‬
‫وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بصحة هذا الشرط في الحوالة‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫–‪–168‬‬
‫يجوز إن يحتال الطالب بالمال على غريم المطلوب على أن هذا الغريم إن لم يوف الطالب هذا المال إلى كذا وكذا فالمطلوب ضامن لهذا‬
‫المال على حاله‪ ،‬وللطالب أخذه بذلك‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يقول طالب الحق للمحال عليه‪ :‬اضمن لي هذا الدين الذي على غريمي‪ ،‬ويرضى منه بذلك بدل الحوالة‪ ،‬فاذا ضمنه تمكن من‬
‫مطالبة أيهما شاء·‬
‫–‪–169‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫حق رجوع كل من المحال عليه والمحيل‬
‫مطلب‪ :‬حق رجوع المحال عليه بمثل مال الحوالة على المحيل‪.‬‬
‫قد يحيل المدين دائنه على شخص ثالث يكون ـ هو بدوره ـ مدينا للمحيل‪ ،‬فاذا أدى المحال عليه الدين المحال‪ ،‬فحينئذ يسقط الدين الذي‬
‫عنده في مقابل الدين الذي أداء‪ ،‬وهذه هي الحوالة المقيدة التي سبق الكالم عنها وأحيانا يؤدى المحال عليه دين المحال في الوقت الذي ال‬
‫يكون عنده دين للمحيل‪ .‬أصال‪ ،‬وهو ما يعرف ـ أيضا ـ بالحواله المطلقة‪.‬‬
‫وفي الحالة الثانية ـ أي التي ال يكون بين المحيل والمحال عليه ديون ۔ فان من حق المحال عليه أن يرجع على المحيل بمثل ما أداه‬
‫بالشروط اآلتية(‪:)۱‬‬
‫‪ – ۱‬أن تكون الحوالة بأمر المحيل‪ ،‬أي أن المحيل هو الذي طلب من المحال عليه أن يؤدى نيابة عنه‪ ،‬وحين ذلك يكون المحال مملكا‬
‫الدين من المحال عليه بما أدى إليه من المال‪ ،‬فكان له أن يرجع بذلك على المحيل‪.‬‬
‫أما إذا كان األداء بغير أمر المحيل فال يوجد معنى التمليك‪ ،‬وهو ـ حينئذ ـ قد أدى الدين متطوعا‪ ،‬فال يثبت له حق الرجوع عليه(‪.)٢‬‬
‫‪ – ۲‬أن ال يكون للمحيل على المحال عليه دين مثله‪ ،‬و كانت الحوالة أن ال مقيدة باألداء من الدين الذي عليه‪.‬‬
‫–‪–170‬‬
‫فاذا كان هناك دين بينهما فال حق للمحال عليه في الرجوع على المحيل‪ ،‬حيث يلتقى الديان فيسقطان مقاصة‪.‬‬
‫وإذا رجع المحال عليه بمثل مال الحوالة على المحيل فقال المحيل‪ :‬لقد أحلت بدين لى عليك‪ ،‬لم يقبل قوله‪ ،‬ألن سبب رجوع المحال عليه‬
‫دينا وهويبنكروالقول للمنكر إال أن يكون لآلخر بيئة على إدعائه‪.‬‬
‫وال يكون أداء المحال عليه إقرارا ً منه بدين للمحيل‪ ،‬ألن الحوالة قد تكون بغير دين بينهما كما ذكرنا‪.‬‬
‫فطلب‪ :‬حق مطالبة المحيل للمحال بمثل ما أخذ‬
‫قد يطلب واحد من آخر أن يقبض مبلغا من المال من شخص ثالث‪ ،‬وبعد أن يتم القبض يختلف األول مع الثاني على هذا المبلغ‪ :‬األول‬
‫يدعى أنه و كل الثاني في قبض المبلغ له مجرد وكالة‪ ،‬والثاني يدعى أنه قبض هذا المبلغ بطريق الحوالة فقد كان له دين عند األول‬
‫فحوله إلى الثالث …‬
‫ويرى الفقهاء في هذه الحالة أن القول المعتبر هو قول المحيل‪ ،‬ألن المحال يدعى عليه الدين وهو ينكر‪ ،‬ولفظ الحوالة مستعمل في‬
‫الوكاله‪ ،‬فيكون للقول قول مدعى الوكاله مع يمينه‪ ،‬النه يدعى بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله‪ ،‬واألصل‪ .‬معه‪ ،‬فاذا كان ألحدها بينة‬
‫على اآلخر حكم بها(‪.)٣‬‬
‫–‪–171‬‬
‫ولكن إذا اتفق المحيل والمحال على أن األول منهما قد قال للثاني‪ :‬أحلتك بدينك‪ ،‬ثم اختلفا بعد ذلك‪ ،‬فاعتبر المحال أنها قد وقعت حوالة‬
‫بلفظها الذي ال يحتمل غيرها‪ ،‬واعتبر المحيل أنها وكالة وقعت بلفظ الحوالة فالقول هنا قول المحال ال قول المحيل‪ ،‬ألن الحواله بالدين ال‬
‫تقبل الوكالة فال يقبل قول مدعى الوكالة ؛ ألن قوله‪ :‬أحلتك بديتك اعتراف – بدينه فال يقبل منه أن يحسده بعد ذلك‪.‬‬
‫–‪–172‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫(‪)۱‬‬
‫انتهاء حكم الحوالة‬
‫بنتهى حكم الحوالة‪ ،‬ويخرج المحال عنها بأمور منها‪:‬‬
‫‪ – ۱‬فسخ الحوالة‪ ،‬وهذا الفسخ يتم برجوع أحد األطراف عن قبولها وذلك ألن في الحوالة معنى معاوضة المال بالمال‪ ،‬ومتى يتم الفسخ‬
‫تعودالمطالبة إلى المحيل كما يبقى الدين في ذمته‪.‬‬
‫‪ – ۲‬يبرأ المحال عليه بالوفاء أو بأي سبب آخر من أسباب اإلبراء كالمقاصه‪ .‬وإذا وفى الدين فانه يرجع على المحيل بما أدى أو يجرى‬
‫النقاص بين ما أداه وما للمحيل عنده(‪.)٢‬‬
‫وإذا أدى المحال عليه المال خرج عن الحوالة‪ ،‬إذ ال فائدة في بقائها بعد انتهاء حكمها‪.‬‬
‫‪ – ۳‬إذا حدث أن المحال عليه قد أحال الدين إلى ثالث فانه يبرأ من التزامه‪ ،‬وعلى عكس براءة المدين األصلى فان براءة المحال عليه‬
‫تعتبر براءة نهائية‪ ،‬فلومات المحال عليه الثاني‪ ،‬فان الدائن ال يرجع على المحال عليه األول‪ ،‬وإنما يرجع على المدين األصلى‪ ،‬وذلك‬
‫خالفا لرأى أبي يوسف الذي المحال عليه الذي يرى – في هذه الحالة – أن يرجع الدائن على المحال عليه األول‪ ،‬ألنه األصلى عند‬
‫إفالس المحال عليه الثاني يكون المحال عليه األول في مركز المدين األصلي عند إفالس المحال عليه(‪.)٣‬‬
‫–‪–173‬‬
‫‪ – ٤‬إذا وهب المحال المال للمحال عليه فقيه‪ ،‬أو تصدق به عليـه ألن الهبة والصدقة في معنى االبراء(‪.)۱‬‬
‫وإذا أبرأ المحال المحال عليه سقط الدين وبرى‪ .‬المحال عليه‪ ،‬وإذا كان المحال عليه مدينا للمحيل‪ ،‬فإنه ال يستطيع أن يجرى النقاص بين‬
‫ما أبرى‪ .‬منه وما للمحيل عنده‪ ،‬وإذا لم يكن مدينا فال يرجع على المحيل بشيء‪ ،‬ألن اإلبراء إسقاط ال تمليك(‪.)٢‬‬
‫والفرق بين الهبة واإلبراء أن الهبة تمليك يشترط فيها القبول‪ ،‬وهي ترتد برد الموهوب له بخالف اإلبراء فانه إسقاط ال يتوقف على قبول‬
‫وال يرتد بالرد(‪.)٣‬‬
‫ولكن غير الحنفية ال يفرقون بين الهبة واإلبراء فكالهما يتم لمصلحة المحال عليه(‪.)٤‬‬
‫و تختم هذا البحث عن الحوالة بما سجله أحد رجال القانون(‪)٥‬من أن الشريعة اإلسالمية قد عرفت حوالة الدين قبل أن ينادي بها فقهاء‬
‫القانون في ألمانيا ( سنة ‪ ١٨٠٣‬بمئات السنين‪ ،‬وأنه وإن اختلف الدافع إلى وجودها في الشريعة اإلسالمية عنه في القانون الحديث‪ ،‬إال أن‬
‫هذا ال ينفى أن فقهاءـ‬
‫–‪–174‬‬
‫المسلمين قد أقاموا نظاما لحوالة الدين يتفق في معظم أحكامه وآثاره مع ما تقرره التشريعات الحديثة‪ .‬هذا إلى أن حوالة الدين كانت‬
‫مطبقة تشريعيا في الدولة العمانية ابتداء من سنة ‪ 1869‬في الوقت الذي كان الجدل حول هذا الموضوع ال يزال محتدما بين الفقهاء‬
‫األلمان‪.‬‬
‫وبهذا تكون حوالة الدين ولقا ألحكام الشريعة اإلسالمية قد طبقت فعال قبل أن تطبق حوالة الدين في ألمانيا بأكثر من ثالثين عاما‪.‬‬
‫–‪–175‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫الكفالة‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫* تعريف الكفالة لغة واصطالحا‪.‬‬
‫* مشروعيتها من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫* أركانها وشروطها‪.‬‬
‫* أحكام الكفالة عند الفقهاء‪.‬‬
‫* خروج الكفيل عن الكفالة‪.‬‬
‫–‪–176‬‬

‫المبحث األول‬
‫تعريف الكفالة‪:‬‬
‫(أ) الكفالة لغة(‪:)۱‬‬
‫تعرف الكفالة بأسماءـ كثيرة منها‪:‬‬
‫الضمان‪ :‬هو في اللغة االلتزام‪ ،‬فالذي يضمن المال لميزم بدفعه‪ .‬وهذه الكلمة مشتقة إما من الضم أي اإلضافة والزيادة‪ ،‬وإما من التضمن‬
‫أي االشتمال‪ ،‬ألن ذمة المتضمن تتضمن الحق أي تتسع له وتشتمل عليه‪.‬‬
‫ولقد قال ابن عقيل‪ :‬إن كلمة «الضمان» مشتقة من الضمن‪ ،‬أى أن ذمة الضا من في ضمن ذمة المضمون عنه ·‬
‫وكفل الرجل‪ ،‬وبالرجل كفال وكفاله‪ :‬ضمنه‪ ،‬ويقال‪ :‬كفل المال‪ ،‬وكفل عنه المال‪ ،‬لغريمه فهو كافل والجمع كفل (بضم الكاف والغاء)‪.‬‬
‫وكفل الصغير‪ :‬رباه وأنفق عليه‪ ،‬قال تعالى‪َ « :‬و َما ُكنتَ لَ َد ْي ِه ْم ِإ ْذ ي ُْلقُونَ َأ ْقاَل َم ُه ْم َأيُّ ُه ْم َي ْكفُ ُل َم ْريَ َم»(‪.)٢‬‬

‫وأكفل فالنا المال‪ :‬جعله يضمنه‪ ،‬وأكفل فالنا ماله‪ :‬أعطاه إليه ليكفله ويرعاه‪ ،‬قال تعالى «ِإ َّن ٰ َهذَا َأخِ ي لَهُ تِ ْس ٌع َوتِ ْسعُونَ نَ ْع َجةً َول َ‬
‫ِي نَ ْع َجةٌ‬
‫َواحِ َدةٌ‪ :‬فَقَا َل َأ ْكف ِْلنِي َها»(‪ )٣‬أي اجعلني كافال لها راعيا لشئونها‪ ،‬أو أعطنى إياها ألرعاها‪.‬‬
‫–‪–177‬‬
‫ي»(‪.)۱‬‬ ‫«وَأنبَت َ َها نَبَاتًا َح َ‬
‫سنًا َو َكفَّلَ َها زَ ك َِر َّ‬ ‫وكفل فالنا – بالتضعيف – جعله كافال له‪ ،‬وفي قوله تعالى َ‬
‫و تكفل بالشيء‪ :‬ألومة نفسه وتحمل به‪ ،‬يقال‪ :‬تكفل بالدين التزم به‪.‬‬
‫من مشتقات هذه المادة أيضا أن يقال‪ :‬كفل فالنا يكفل كفالو كفوال إذا واصل الصوم‪ ،‬وكفل‪ :‬أخذ على نفسه أال يتكلم في الصوم فهو كافل‬
‫ويقال‪ :‬كفل في صيامه وكفل‪ :‬أ كل خبزا بغير إدام‪.‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫س ِيَّئةً يَ ُكن لَّهُ ِك ْف ٌل ِ ّم ْن َها ۗ»‬
‫شفَا َعةً َ‬
‫والكفل‪ .‬النصيب قال تعالى « َو َمن يَ ْشف َْع َ‬
‫(‪)٣‬‬
‫(ب) الكفالة شرعا‬
‫ال كمل اللفظ في المدلول اللغوى قريب من المدلول االصطالحي‪.‬‬
‫فالضمان شرعا‪ .‬ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت هذا الحق في ذمتهما معا ولصاحب الحق مطالبة من‬
‫شاء منهما‪.‬‬
‫وهذا التعريف يقضى شغ الذمتين معا‪ .‬ذمة الضامن وذمة المضمون عنه وهي بهذا ال تتعدى تقوية الذمة األولى للذمة الثانية أمام شخص‬
‫ثالث هو المضمون له‪.‬‬
‫–‪–178‬‬
‫ولكن ابن حزم يرى أن من كان له على آخر حق بمال من بيع أو من غير بيع من أي وجه فضمن له ذلك الحق إنسان آخر متطوعا فقد‬
‫سقط ذلك الحق عن الذي كان عليه وانتقل إلى الضامن ولزمه بكل حال وال يجوز للمضمون له أن يرجع على المضمون عنه وال على‬
‫ورثته بشيء من ذلك الحق انتصيف أو لم ينتصف‪.‬‬
‫كما ال يجوز للضامن أن يرجع على المضمون عنه وال على ورثته بشيء مما عنه أصال إال إذا قال المدين للضامن‪ .‬اضمن عنى مالهذا‬
‫الرجل عندى فاذا أديت عنى فهو دين لك عندى فهنا يرجع عليه ما أدى عنه ألنه استقرضه عنه فهو قرض صحيح‪.‬‬
‫وهذا التفسير الذي يراه ابن حزم للضمان يقترب من تفسير الحوالة على أنها انتقال الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه‪.‬‬
‫ولكن براءة األصيل ليست الحكم في الكفالة عند عامة العلماء فالطالب بالخيار إن شاء طالب األصيل و إن شاءـ طالب الكفيل إال إذا‬
‫كانت الكفالة بشرط براءة األصيل فتكون حوالة في المعنى أوكانت مقيدة بما عليه من الدين ألنها في معنى الحوالة أيضا ·‬
‫ويتجه ابن أبي ليلى اتجاه ابن حزم في أن الكفالة توجب براءة األصيل والصحيح قول العامة ألن الكفالة تنبيء عن الضم وهو ضم ذمة‬
‫إلى ذمة في حق المطالبة بما على األصيل أوفى حق أصل الدين والبراءة تنافي الضم(‪.)۱‬‬
‫وقد جاء في المجلة أنه لو اشترط في الكفالة براءة األصيل تنقلب حوالة اعتبارا للمعنى كما أن الحوالة بشرط عدم براءة المحيل تنقلب‬
‫كفالة‪.‬‬
‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫(‪)۱‬البدائع ج ‪ 6‬كتاب الكفالة‬
‫–‪–179‬‬
‫ولصاحب الحق مطالبة المكفول عنه أو الكفيل وذلك الن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة فيقتضى قيام األول ال البراءة منه ولو‬
‫طالب اآلخر وله أن يطالبهما الن مقتضاء الفم(‪.)۱‬‬
‫كما جاء في بعض كتب المالكية تعريف للضمان بأنه ( شغل ذمة أخرى بالحق )(‪ )٢‬وهو في هذا التعريف يختلف من البيع والحوالة إذ‬
‫ليس فيهما شغل ذمة بل براءة ذمة‪.‬‬
‫والمقصود بشغل الذمة أن صاحب الحق يشغل ذمه الضامن مع ذمة المدين‪.‬‬
‫و «أل» في كلمة «الحق» للعهد أى الحق األول الذي هو في ذمة المدين االصلى‪.‬‬
‫فخرج بذلك فيما لو باع سلعة لرجل بدين ثم باع سلعة أخرى لغيره بدین آخر فهذان حقان في ذمتين مختلفتين‪.‬‬
‫كما يطلق لفظ «الضمان» على التزام الدين و البدن والعين وعلى العقد المحمل للذات ويسمى الملتزم ضامنا وضمينا وجميال وزعيما‬
‫وكفيال وصبرا‪.‬‬
‫غير أن العرف خصص الضمين بالمال والحميل بالدية والزعيم بالمال العظيم والكفيل بالنفس والصبير يعم الكل(‪.)٣‬‬
‫ومن أسماء الكفالة أيضا الزعامة وهما صريحان في معنى واحد هو معنی الضمان أو الغرامة قال رسول هللا ﷺ «الزعيم غارم»(‪)٤‬أو‬
‫الكفيل ضامن‬
‫–‪–180‬‬
‫ِير َوَأنَا ِب ِه زَ عِي ٌم»(‪)۱‬أي كفيل لمن أتى بصواع الملك المفقود أن‬
‫«و ِل َمن َجا َء ِب ِه حِ ْم ُل بَع ٍ‬
‫وأنا زیم وقال تعالى على لسان يوسف عليه السالم َ‬
‫يعطيه حمل بغيرمن القمح‬
‫ِي بِاهَّلل ِ َو ْال َماَل ِئ َك ِة‬ ‫ْأ‬
‫ومن أسماء الكفالة أيضا القبالة‪ :‬يقال‪ :‬قبلت به أقبل قبالة‪ ،‬وتقبلت به أي تكفلت‪ ،‬وهو قبيل أي كفيل‪ .‬قال تعالى «َأ ْو ت َ ت َ‬
‫قَبِياًل »(‪ ،)٢‬أي جماعة جماعة‪ ،‬أو كفالء يشهدون بصحة دعواك‬
‫ويقال لها كذلك الحوالة‪ ،‬أي تحمل الدين والتعهد بدفعه‪ ،‬والحميل بمعنى – المحمول فعيل بمعنى مفعول كالفتيل بمعنى المقتول وأنه‬
‫تنبىء عن تحمـل الضمان‪.‬‬
‫والخالصة التي تخرج منها بعد هذا العرض أن الكفالة قد اعتبرت من عقود التوثق‪ ،‬ألن ذمة الضامن إذا انضمت إلى ذمة المضمون عنه‬
‫أدى ذلك إلى رضا الدائن وثقته في عودة دينه اليه‪ ،‬كما أدى إلى تقوية ذمة المدين والتزامه بحسن االداء‪.‬‬
‫–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––‬
‫(‪)۱‬يوسف ‪۷۲ /‬‬
‫(‪ )۲‬االسراء ‪۹۲ /‬‬

‫–‪–181‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫مشروعية الكفالة‬
‫ِير َوَأنَا ِب ِه زَ عِي ٌم»‬
‫تعالى‪«:‬و ِل َمن َجا َء ِب ِه حِ ْم ُل َبع ٍ‬
‫َ‬ ‫يستدل الفقهاء على مشروعية الكفالة بأدلة من الكتاب والسنة واإلجماع فمن الكتاب‪ :‬قوله‬
‫وقد قال ابن عباس‪ .‬الزعيم هو الكفيل‪.‬‬
‫وعن بعض العلماء أن هذه اآلية نص في جواز الكفالة‪ ،‬ألن الرجل إذا قال‪ :‬أنا زعيم‪ ،‬فمعناهـ أنا ملتزم‪ ،‬وال فرق بين قوله‪ :‬ألزمه عن‬
‫نفسي أو ألتزام من غيري‪.‬‬
‫والكفالة – في هذه اآلية – مضافة إلى سبب موجب على وجه التعليق بالشرط‪.‬‬
‫وقد اختلف الناس فيها‪ :‬فجوزها أصحاب أبي حنيفة محالة على – وجوب كقوله‪ :‬ما كان لك على فالن فهو علي‪ ،‬أو إذا أهل الهالل فلك‬
‫على عنه كذا‪ ،‬بخالف أن تكون معلقة على شرط محض كقوله‪ :‬إن قدم فالن أو أن كلمت فالنا(‪.)۱‬‬
‫وليست هذة اآلية – فيما ترى – نصا في مشروعية الكفالة بقدر ماهي نص في مشروعية الجعالة‪ ،‬ذلك ألن يوسف عليه السالم يجعل في‬
‫هذه اآلية جائزة لمن يأتى بصواع الملك المفقود‪ ،‬ويتكفل بتسليم هذه الجائزة لمن يستحقها‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬انظر أحكام القرآن البن العربي القسم الثالث ‪١٠٩٦ /‬‬
‫–‪–182‬‬
‫فإذا أضفنا إلى ذلك تعريف الكفالة الذي ذكرناه فيما سبق بأنهاضنم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق‪ ،‬فاننا ال نجد‬
‫المعنى في هذه اآلية يندرج تحت هذا التعريف‪.‬‬
‫ولعل هذا ما جعل ابن رشد يستدل على مشروعية الكفالة من السنة و إجماع الصدر األول وفقهاء األمصار‪ ،‬ولم يذكر دليال على‬
‫مشروعيبها من الكتاب(‪.)۱‬‬
‫وقد قال القاضي أبو إسحاق‪ :‬ليست اآلية من باب الكفالة‪ ،‬فانها ليس فيها كفالة إنسان عن إنسان‪ ،‬وإنما هو رجل التزم عن نفسه وضمن‬
‫عنها وذاك جائز لغة وشرعا‪.‬‬
‫كما أن ابن العربي يقول‪ :‬إذا كان لفظ اآلية نصا في الزعامة فان معناها نص في الجعالة(‪ )٢‬وقد نرى في قوله تعالى عند كتابة الديون «‪..‬‬
‫ضعِيفًا َأ ْو اَل يَ ْستَطِ ي ُع َأن يُمِ َّل ه َُو فَ ْلي ُْمل ِْل َو ِليُّهُ ِب ْالعَ ْد ِل ۚ»‪ ،‬اتصاال بموضوع الكفالة‪.‬‬ ‫ۚ فَِإن َكانَ الَّذِي َعلَ ْي ِه ْال َح ُّق َ‬
‫سفِي ًها َأ ْو َ‬
‫فان في إمالء الدين نوها من اإلقرار به‪ ،‬فاذا لم يستطع المدين أن يملى لعجز فيه‪ ،‬فان وليه هو الذي يملى فكا نه يقر بالدين نيابة من‬
‫المولى عليه‪ .‬وكانه يضم ذمته إلى ذمته في التعهد بالوفاء‪.‬‬
‫ونرى أيضا مما يتصل بالكفالة بالنفس(‪ )٣‬قوله تعالى «‪..‬قَالُوا يَا َأيُّ َها‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬انظر بداية المجتهد ج ‪ – 2‬كتاب الكفالة‪.‬‬
‫(‪ )۲‬انظر أحكام القرآن البن العربي – السابق‪.1096 / ،‬‬
‫(‪)۳‬‬
‫سنتحدث عن سمى الكفالة‪ :‬الكفالة بالمال‪ ،‬الكفالة بالنفس‬

‫–‪–183‬‬
‫يرا فَ ُخ ْذ َأ َح َدنَا َمكَانَهُ ۖ ِإنَّا ن ََراكَ مِ نَ ْال ُمحْ ِسنِينَ »(‪.)۱‬‬ ‫ْالعَ ِز ُ‬
‫يز ِإ َّن لَهُ َأبًا َ‬
‫ش ْي ًخا َكبِ ً‬
‫فان إخوة يوسف – في اآليه – يعرضون أحدهم ليحل محل أخيهم عند الملك‪ ،‬وفي هذا – من وجه من الوجوه – كفالة بالنفس وإن لم‬
‫تكن مكتملة الشروط‪.‬‬
‫أما مشروعيتها من السنة فقوله ﷺ «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه‪ ،‬ومن ترك ماال‬
‫فلورثته»‬
‫فاننا نجد الرسول ﷺ يتكفل بديون المدينين إن لم يتركوا وفاء وماتوا دون أن يؤدوا ما عليهم من ديون‪.‬‬
‫وفيما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة أن رسول هللا ﷺ قال‪« :‬العارية مؤداة‪ ،‬والمنحة مردودة‪ ،‬والدين مقضى‪ ،‬الزعيم غارم»‬
‫(‪)٣‬‬
‫وقد روى أيضا أن أحد صحابته ـ وهو أبو قتادة ـ قد تكفل بدين على ميث‪ ،‬فصلى الرسول عليه‪ ،‬وقبل كفالة أبي قتادة‬
‫وهذه الروايات تدل على صحة هذه الكفالة·‬
‫وأما مشروعية الكفالة من االجماع فلقد أجمع الصحابة والمسلمون من بعدهم على جواز الكفالة شرعا‪ ،‬وصال جيتها أسلوبا في معامالتـ‬
‫المسلمين فعن محمد بن حمزة بن عمرو األسلمي عن أبيه أن عمر رضي هللا عنه بعثه مصدقا‪ ،‬فوقع رجل على جارية امرأته فأخذ حمزة‬
‫من الرجل كفيال حتى قدم على عمر وكان قد جلده فصدقهمـ وعذره با لجهالة(‪.)٤‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬سورة يوسف ‪.۷۸ /‬‬
‫(‪ )٢‬البخاری ج ‪ 3‬باب الكفالة ‪.١٢٨ /‬‬
‫(‪ )٣‬رواه البخاري (ج‪ / 5‬باب من تكفل بخ ميت دينا ص ‪ ) ١٣٦‬وأحمد والنسائي وسنتحدث بعد ذلك عن الكفالة من دبن الميت •‬
‫(‪)٤‬البخاري ج ‪ 3‬باب الكفالة ‪ ١٢٤ /‬ط الشعبـ‬
‫–‪–184‬‬
‫وقال جرير واألشعثـ لعبدهللا بن مسعود في المرتدين‪ :‬اشتنبهم وكفلهم فتا بوا وكفلهم عشائرهم(‪.)۱‬‬
‫وذكروا أن شريحا كفل في دم وحبس الكفيل في السجن‪ ،‬وأن عمر ابن عبد العزيز كفل في حد(‪.)٢‬‬
‫وهذا إجماع من أن الصحابة مشروعية الكفالة‪.‬‬
‫وإذا كان المسلمون قد أجمعوا على جواز الكفالة في الجملة‪ ،‬فقد اختلعوا في فروع فيها نذكر بعضها إن شاء هللا تعالى‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬فتح الباري ج ‪٤ / ٢٨٤‬‬
‫(‪ )۲‬المحلى ج ‪5/120‬‬
‫–‪–185‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫أركان الكفالة وشروطها‬

‫من المعروف أن الركن عند جمهور الفقهاء هو ماتوقف عليه وجود الشيء سواء أكان جزءا من حقيقته أم كان خارجا عنه‪.‬‬
‫وقد قصر الحنيفة الركن على ما كان داخال في حقيقة الشيء‪ ،‬أو بألخرى ما كان جزءا من هذه الحقيقه‪.‬‬
‫وعلى ذلك فان أركان أن عقد من العقود ـ عند جمهور الفقهاء ـ ثالثه‬
‫‪ –۱‬الصيغة التي يتم بها العقد أو االيجاب والقبول‪.‬‬
‫‪ –۲‬والعاقدان أي الموجب والقابل‪.‬‬
‫‪ – ٣‬المحل ـ أي موضوع التعاقد‪.‬‬
‫ووجهة نظر هؤالء أن العقد ال يمكن تصور وجوده بدون العاقدين والمعقود عليه والصيغة(‪.)۱‬‬
‫أما على رأي األحناف(‪ )٢‬فان الركن هو اإليجاب والقبول‪ :‬االيجاب من الكفيل‪ ،‬والقبول من الطالب ( وهذا عند أبي حنيفة ومحمد)‪ ،‬وهو‬
‫–‪–186‬‬
‫قول ألبي يوسف وله قول آخر أن الركن هو االيجاب فقط‪ ،‬أما القبول فليس بركن(‪.)۱‬‬
‫وهذا القول األخير ألبي يوسف هو أحد قولي الشافعي(‪ )٢‬لما روى أن النبيﷺ قد قبل الكفالة عن ميت فصلى عليه‪ ،‬ولم ينقل قبول الطالب‪.‬‬
‫وألن الكفالة لغة هي الضم‪ ،‬وشرعا هي التزام المطالبة بما على األصيل ال تمليك‪ ،‬وااللتزام يحتمل الجهالة والتعليق بالشرط‪ ،‬والتمليك‬
‫ال يحتمل ذلك ومعنى الضم وااللتزام يتم بإيجاب الكفيل فأشبه النذر‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أن المريض إذا طلب من ورثته أن يضمنوا عنه ديونه التي لغرماء غائبين فضمنوا فان ذلك جائز‪ ،‬ويلزم الغرماء دون‬
‫قبول‪.‬‬
‫ويرى أبو حنيفة ومحمد أن الكفالة ليست التزاما محضا‪ ،‬بل فيها معنى التمليك‪ ،‬والتمليك ال يتم إال باإليجاب والقبول كالبيع‪ .‬كما أن الكفالة‬
‫تجدد لصاحب الحق سلطة ووالية لم تكن‪ ،‬وال يجوز أن يمتلك اإلنسان شيئا بتمليك الغير من غير رضاه‪.‬‬
‫ولقد رجح الشافعيةـ عدم امتراط القبول‪ ،‬حيث فرقوا بين الكفالة وبين سائر المليكات األخرى بأن الكفالة ال تثبت ملك شيء جديد‪ ،‬وإنما‬
‫يتوثق بها الدين الذي كان مملوكا من قبل‪.‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫وهذا الترجيح ـ فما نرى ـ له وجاهته واعتباره‬
‫–‪–187‬‬
‫وإذا تأملنا رأى الجمهور و رأى الحنفية في الركن‪ ،‬فستجد أن أحدهما قريب من اآلخر‪ ،‬ألن الصيغة التي تتكون من االيجاب والقبول ال‬
‫تكون إال من عاقدين‪ :‬أحدهما يمثل االيجاب‪ ،‬واآلخر يمثل القبول‪ ،‬كما أن هذين الطرفين ال يكونان إال حول شيء محدد هو المحل‪ ،‬أو هو‬
‫موضوع التعاقد‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فان أركان الكفالة هي‪:‬‬

‫‪ –١‬الصيغة(‪ )Form of contract‬التي تتم بها الكفالة‪.‬‬

‫‪ –۲‬المكفول به(‪.)Subject matter‬‬

‫‪ –٣‬الكفيل(‪.)Guaranteed‬‬

‫‪ –٤‬المكفول عنه(‪.)Principle debtor‬‬

‫‪ –٥‬المكفول له(‪.)Creditor/Obligee‬‬

‫ولكل من هذه األركان شروط نجعلها فيما يلى‪:‬‬


‫مطلب‪ :‬شروط أركان الكفالة‬
‫أوال‪ .‬من حيث الصيغة‪.‬‬
‫تتم الكفالة بأي لفظ يؤدي معناها كقول الكفيل‪ :‬أنا كفيل ضمين أو زعيم‪ ،‬أو يقول لصاحب الدين‪ .‬لك عندي كذا‪ ،‬أو ضمنت لك ما على‬
‫فالن‪ ،‬أو أنا بهذا المال كفيل أو زعيم‪ ....‬فهذه العبارات كلها تفيد االلتزام)(‪.)۱‬‬
‫–‪–188‬‬
‫وأما القبول فانه يتحقق بقول الطالب قبلت أو رضيت أو ما يدل على هذا المعنى‪.‬‬
‫وقد قال بعضهم إن الكفيل لو قال‪ .‬أنا أودى ما على المدين‪ ،‬أو أنا أحضر ما عليه لم يكن كفيال بذلك‪ ،‬ألنه وعد وليس التزاما‪.‬‬
‫غير أن الكفالة تصح بكل لفظ يفهم منه معنى الضمان عرفا مثل قوله زوجه وأنا أؤدى الصداق عنه‪ ،‬أو‪ :‬بـه وأنا أعطيك التمن‪ ،‬أو‪ :‬اتركه‬
‫وال نطالبه وأنا أعطيك ما عليه‪ ...‬ونحو ذلك مما يؤدى هذا المعنى‪ ،‬ألن الشرع لم يحدد ذلك بلفظ معين ومرجع األمر إلى العرف(‪.)۱‬‬
‫(‪)٢()Subject matter‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث المكفول به‬

‫‪ – ۱‬أن يكونالمكفول به مضمونا على األصيل(‪ )Principal‬ويقصد بذلك أن يكون تطلبتا في ذمته‪ ،‬ومن هنا فان الذين تصح الكفالة به بال‬
‫خالف ألنه مضمون على األصيل مقدور االستيفاء من الكفيل‪.‬‬
‫‪ – ٢‬أن يكون الزما على األصيل‪ ،‬والمراد بالالزم ما ال يقبل الفسخ منها من غير سبب‪ ،‬حتى لو كان غير مستقر‪ ،‬فتجوز الكفالة بالمهر‬
‫قبل الدخول النه دين الزم في ذمة الزوج‪ ،‬وتجوز كفالة ثمن المبيع قبل القبض كما تجوز كفالة دين السلم ال نهما من الديون التي تنتهى‬
‫إلى اللزوم‪ .‬فظهرت الحاجة إلى توثيقها‪.‬‬
‫–‪–189‬‬
‫ولقد اختلف الفقهاء على جواز الكفالة في مال لم يخب بعد‪:‬‬
‫فمن المجيزين أبو حنيفة وأبـو بـوسف ومالك وبعض الحنابلة وأصحاب الشافعي‪.‬‬
‫وحجتهم في ذلك أن الرسول ولى زيد بن حارثة جيش اال مراء‪ .‬فان مات فجعفر بن أبي طالب‪ .‬فان مات‪ .‬فعبد هللا بن رواجة‪ .‬وكما‬
‫تجوز‪ .‬المخاطرة في الواليات فانها تجوز في الضمان‪.‬‬
‫كما أن الكفالة ضم ذمه البكفيل إلى ذمة المكفول عنه في أنه يلزمه ما يلزمه‪ ،‬وأن ما ثبت في ذمة المكفول عنه يثبت في ذمة الكفيل‪ ،‬وهذا‬
‫كاف‪.‬‬
‫ولقد سلم أصحاب الشافعيـ في أحد الوجهين ضمان الجعل في الجعالة قبل العمل وما وجب شيء بعد(‪.)۱‬‬
‫ويرى الشافعي وابن حزم عدم جواز الكفالة في مال لم يجب بعد‪ ،‬ألن الكفالة عقد واجب‪ ،‬وال يجوز الواجب في غير واجب‪ ،‬وهو التزام‬
‫ما لم يلزم بعد‪ ،‬وكل عقد لم يلزم حين التزامه فال يجوز أن يلزم شخصا آخر‪.‬‬
‫ويرد ابن حزم على قياس جواز الكفالة بجواز المخاطرة في الواليات – في رأى الحنفية ـ بأن الوالية فرض على المسلمين‪ ،‬وليست‬
‫الكفالة فرضا نسبة بينهما(‪.)٢‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫‪ –۳‬يشترط أن يكون المكفول به معلوما‪ ،‬ألنه التزام مال‪ ،‬فال يصح مجهوال كالثمن في المبيع‪ .‬وهذا قول الشافعي و بعض الفقهاء‬
‫– ‪– 190‬‬
‫والشرط أنه يمكن معرفته كان يقول‪ :‬أنا ضامن لثمن ما يعث من فالن ووهو جاهل به ألن معرفته بعد ذلك متيسرة(‪.)۱‬‬
‫وقد نقل عن كثير من الفقهاء صحة كفالة المجهول‪ ،‬فمتى قال‪ :‬أنا ضامن لك مالك على فالن؛ أو ما يقضى به عليه‪ ،‬أو ما يقر به لك‬
‫صحت الكفالة وبهذا قال أبو حنيفة و مالك(‪.)٢‬‬
‫وقد احتج صاحب «بدائع الصنائع» لذلك بقوله تعالى «ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم(‪،»)۳‬فقد أجاز هللا تعالى الكفالة بحمل البعير‪.‬‬
‫مع أن هذا الحمل يحتمل الزيادة و النقصان(‪.)٤‬‬
‫كما يصح االحتجاج بقول رسول ﷺ «فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه»(‪.)٥‬على اعتبار أن الدين الذي تكفل به الرسول هنا‬
‫مجهول المقدار‪.‬‬
‫وابن حزم اليرى جواز كفالة الحق المجهول فيقول ال يجوز ضمان ما ال يدرى مقداره مثل أن يقول‪ :‬أنا أضلمن عنك ما لفالن عليك لقول‬
‫اض ِ ّمن ُك ْم» ولقول الرسول ﷺ «ال يحل مال امرىء مسلم إال بطيب‬ ‫هللا تعاى «اَل تَْأ ُكلُوا َأ ْم َوالَ ُكم بَ ْينَ ُكم بِ ْالبَاطِ ِل ِإاَّل َأن تَ ُكونَ تِ َج َ‬
‫ارة ً َعن ت ََر ٍ‬
‫نفس منه»‪.‬‬
‫والتراضى و طيب النفس ال يكون إال على معلوم القدر(‪.)٦‬‬
‫–‪–191‬‬
‫ثالثا – الكفيل‬
‫الكفيل‪ .‬يشترط في الكفيل أن يكون من أهل التبرع ألنه يلزم نفسه بحق لم يكن عليه أصال‪ .‬وحد هذه األهلية العقل والبلوغ‪ .‬فانهما من‬
‫شرائط االنعقاد لهذا التصرف‪ .‬فال تنعقد كفالة الصبى والمجنون حيث ال تتوفر فيهما أهلية التبرع(‪.)۱‬‬
‫لكن لو أن االب او الولى استدان دينا في نفقة اليتيم‪ ،‬وأمر اليتيم أن يضمن المال عنه جاز‪ .‬ألن ضمان الدين قد لذمه من غير شرط‬
‫فالشرط يزيده إال تأكيدا ً فلم يكن متبرع(‪.)٢‬‬
‫وقيل أيضا في أهليته أنه يقصد بذكرها إخراج المحجور عليه بالسفه‪ .‬فانهو إن كان صحيح العبارة فكفالته مردودة‪ ،‬حيث أنها تبرع‪ ،‬و‬
‫تبرهات السفية مردودة‪ ،‬وال يصح من الوالى االذن فيها‪.‬‬
‫والقول بأن الكفالة تبرع إنما يظهر حيث ال يثبت الرجوع فيها‪ ،‬فإذا ثبت فيها الرجوع فهى إقراض ال تبرع·‬
‫وقد نقل الشافعي وغيره بأن الرجل إذا تكفل بدين في مرض الموت بغير إذن المدين‪ ،‬فان ذلك يعد تبرعا‪ ،‬واذا مات المريض فان الحق‬
‫يكون محسو با من ثلث تركته على إعتبار أنه ال يملك التبرع بأكثر من الثلث‪.‬‬
‫أما إن كفل الدين بإذن المدين فإنه يؤخذ كله من رأس المال‪ ،‬ألن للورثة في هذه الحالة أن يرجعوا على المدين األصلى(‪.)٣‬‬
‫–‪–192‬‬
‫ويفرق الحنابلة بين المحجور عليه اسمه‪ ،‬والمحجور عليه لفلس‪ ،‬فال تجوز الكفالة من األول ؛ ألنها إيجاب مال بعقد فلم تصح منه كالبيع‬
‫والشراء وال يشبه االقرار ألنه أخبار بحق سابق‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫أما المحجور عليه لفلس فانه يصح ضمانه و يتبع به بعد فك الحجر عنه ألنه من أهل التصرف‪ ،‬والحجر عليه فى ماله ال في ذمته ‪.‬‬
‫غير أن المالكية ال يجيزون كفالة المفلس(‪.)٢‬‬
‫وإذا كانت أهلية التبرع أوحرية التصرف في األساس في جواز الكفالة فانه من المسلم به وجوب توفر شرط الحرية في الكفيل‪ ،‬فالحرية‬
‫شرط نفاذ التصرفاتـ ومن ثم فال تجوز الكفالة من العبد‪ ،‬ألنها كما ذكرنا تبرع والعبد ال يملكه‪.‬‬
‫ولكننا ال نطيل تفصيل ذلك الشرط حيث تالشى نظام الرق في االسالم ولقد إشترط الشيعة الجعفرية مالءة الكفيل وقت العقد دون إستمرار‬
‫لهذه المالءة فاذا كان الكفيل غير ملىء ولم يصل إلى علم الدئن ذلك‪ .‬فإنه يتقرر حق الفسخ عندما يعلم ويطالب المدين‪.‬‬
‫رابعا– المكفول عنه‪.‬‬
‫والمكفول عنه هو المدين األصيل‪ .‬ويشترط فيه شرطان‪:‬‬
‫أولها القدرة على تسليم المكفول به إما بنفسه وإما بنائبه‪.‬‬
‫وقد اشترط أبو حنيفة أن يكون المدين قادرا ً على الوفاء بالدين‬
‫–‪–193‬‬
‫ولكن المالكية والشافعية والحنابلة لم يشترطوا هذا الشرط استنادا إلى حديث علي رضي هللا عنه ما رواه أبو سعيد الخدري من أن النبي‬
‫ﷺ أجاز الكفالة فيه‪.‬‬
‫و من هنا لشأ خالف – نشير إليه فيما بعد – في جواز الكفالة بالدين عن ميت مفلس‪ ،‬فهى عند أبي حنيفة ال تصح‪ ،‬ألن الدين عبارة من‬
‫الفعل‪ ،‬والميت عاجز عن الفعل‪ ،‬وكانت هذه كفالة بدين ساقط وال تصح‪ ،‬كما كفل على إنسان بدين وال دين عليه‪ ،‬أما إذا مات المدين مليئا‬
‫فهو قادر على أسليم المكفول به بواسطة نائبه‪.‬‬
‫ويرى أبو يوسف و محمد جواز الكفالة عن الميت المفلس‪ ،‬ألن الموت ال ينافي بقاء الدين‪ ،‬وهو مال حكمى‪ ،‬فال يحتاج بقاؤه إلى القدرة‪،‬‬
‫والمدين إذا مات مليئا صحت الكفالة عنه‪ ،‬وكذلك تبقى إذا مات مفلسا(‪.)۱‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن يكون المكفول عنه معلوما للكفيل‪ ،‬بأن يقول الكفيل‪ :‬كفلت فالنا بدينه‪ ،‬أما إن قال‪ :‬كفلت واحدا من الناس فال يجوز‪ ،‬ألن‬
‫المكفول عنه مجهول‪ ،‬وألن جواز الكفالة بالعرف‪ ،‬وهى على هذا الوجه غير معروفة‪.‬‬
‫ويجوز الحنفية والشافعية الكمفالة مع جهالة المكفول عنه إذا كان واحدا غير معين من أشخاص معينين نحو كفلت مالك على فالن أو‬
‫فالن‪ ،‬أو‪ :‬إن غصب مالك واحد من هؤالء القوم فأنا ذامن‪.‬‬
‫–‪–194‬‬
‫أما نحو‪ :‬ما ذاب لك على أحد من الناس فعلى ال يصح(‪.)۱‬‬
‫وال يشترط العقل والبلوغ في المكفول عنه جواز الكفالة‪ ،‬ألن الكفالة مضمون ما على األصيل مقدور االستيفاء من الكفيل وقد وجد‪.‬‬
‫ولذا فقد جازب الكفالة عن المجنون والصبى‪ ،‬ألن الدين في ذمتهما‪ ،‬والولى مطالب به في الحال‪ ،‬وها أيضا مطالبان به بعد اإلفاقةـ‬
‫والبلوغ‪.‬‬
‫كما ال يشترط رضا المكفول عنه بالكفالة‪ ،‬فانها تصح بغير إذنه‪ ،‬فكما يجوز لشخص أن يؤدى دينا عن آخر بغير إذنه رفقا به‪ ،‬فإنه‬
‫(‪)٢‬‬
‫يجوز له أن يتكفل بدينه بغير إذنه كذالك‬
‫(‪)٣‬‬
‫خامسا‪ :‬المكفول له‬
‫وهو صاحب الحق‪ ،‬ويشترط لجواز الكفالة له هذه الشروط‪.‬‬
‫‪ – ١‬أن يكون معلوما للكفيل‪ ،‬ألنه إذا كان مجهوال ال يحصل ماشرعت له الكفالة وهو التوثق‪ ،‬والمقصود من الجهالة المانعة من جواز‬
‫الكفالة هو الجهالة الفاحشة‪ .‬كما إذا ضمن على أحد من الناس وهم غير معلومين‪ .‬أما إذا ضمن ما على أحد من جماعة معلومة أو كفل‬
‫ِير َوَأنَا بِ ِه زَ عِي ٌم»‬
‫«و ِل َمن َجا َء بِ ِه حِ ْم ُل بَع ٍ‬
‫ألحد من الناس وهم محدودون فيجوز بدليل احتجاجهم بقوله تعالى َ‬
‫– ‪– 195‬‬
‫وقد سبقت االشارة الى ان البعض قد استشهدوا بهذه اآلية الكريمة على جواز الكفاله بدين المجهول وهي هنا مساوقة لالستشهاد بها على‬
‫جواز الكفالة لدائن مجهول ولكنها جهالة غير فاحشه(‪.)۱‬‬
‫لكن المالكيه والحنابلة ال يشترطون معرفة المفقول له عند الكفالة وتصح عندهم الكفالة مع جهالة المكفول له نحو‪ :‬انا ضامن زيدا في‬
‫الدين الذي عليه للناس(‪.)٢‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫واالصح عند الشافعيهـ اشتراط معرفة المضمون له كما اشترطها الحنفية لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيال ‪.‬‬
‫‪ – ۲‬يشترط ابو حنيفه ومحمد حضور المكفول له في مجلس العقد‪ ،‬حتى قاال ان من كفل لغائب عن المجلس فبلغه الخبر فاجاز الكفاله‬
‫فانها ال تجوز الى لم يقبل انه حاضرا‪ ،‬وحجتهما ان في الكفاله معنى التمليك‪ ،‬والتمليك ال يقوم اال بااليجاب والقبول‪ ،‬فكان االيجاب وحده‬
‫شطر العقد فال يكف على غائب عن المجلس(‪.)٣‬‬
‫واليشترط ابو يوسف حضور المكفول له المجلس‪ ،‬الن معنى عقد الكفاله لغه وشرعا هو ضم وااللتزام يتم بايجاب الكفيل‪ ،‬فكان ايجابه‬
‫كل العقد‪.‬‬
‫‪ –۳‬مما يتفعر على اشتراط حضور المكفول له المجلس وقبوله وان يكون عاقال فال يصح قبول المجنون والصبي الذي ال يعقل‪ ،‬ألنهما‬
‫ليسا‬
‫–‪–196‬‬
‫من أهل القبول‪ ،‬وال يجوز قبول وليهما عنهما‪ ،‬ألن القبول يعتبر ممن وقع له االيجاب ومن وقع له االيجاب ليس من أهل القبول ومن قبل‬
‫لم يقع االيجاب له‪ ،‬فال يعتبر قبوله‪.‬‬
‫لكن يصح قبول الصبى الميز عند الحنفية‪ ،‬ألن قبول الكفالة عنه تفع محض بالنسبة له‪ ،‬ويخالف الشيعة في ذلك بحجة أن يكون الكفيل‬
‫غير قادر على الوفاء فال يصح – بناء على ذلك قبول الصبي المميز عندهم‪.‬‬
‫–‪–197‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫أحكام الكفالة‬
‫‪2‬‬
‫مطلب‪ :‬الكفالة بالمال‪ 1‬والكفالة بالنفس‬
‫الكفاله نوعان‪:‬‬
‫(أ) كفالة بالمال‪ :‬وهي الكفالة التي سبق تعريفها بأنها ضم ذمه إلى ذمة‪ ،‬وهي كفالة بأداء مال واجب على المضمون عنه‪ ،‬وقد أشرنا إلى‬
‫مشروعيتها في الكتاب والسنة واإلجماع‪.‬‬
‫(ب) كفالة بالنفس‪ :‬وهي التزام شخص باحضار المكفول به إلى مجلس الحكم‪ ،‬حيث كان العقد في الكفالة واقعا على بدن المكفول به‪ ،‬فكان‬
‫إحضاره هو الملتزم به كالضمان‪.‬‬
‫والكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم‪ ،‬ومنهم مالك و أبو حنيفه والشافعي في بعض أقواله‪.‬‬
‫وابن حزم ال يجوز الكفالة بالنفس أصال ال في مال وال في حد وال في شيء من األشياء‪ ،‬ویبنی رأيه هذا على أنه إذا تكفل الكفيل بالنفس‬
‫فغاب المكفول عنه فنحن أمام موقفين‪:‬‬
‫أن تغرم الكفيل بمقدار ما على المكفول عنه‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬ألنه يعد من أكل أموال الناس بالباطل‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Surety ship for the property of for the discharge of claim‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪Surety ship for the person‬‬


‫(‪)۱‬‬
‫أن تترك الكفيل‪ ،‬ومعنى ذلك أننا أبطلنا هذا النوع من الكفالة‬
‫والدليل على مشروعية هذا النوع من الكفالة قوله تعالى على لسان يعقوب‬
‫–‪–198‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫ط بِ ُك ْم ۖ»‬‫ون َم ْوثِقًا ِّمنَ هَّللا ِ لَتَْأتُنَّنِي بِ ِه ِإاَّل ن يُ َحا َ‬
‫َأ‬ ‫عليه السالم «قَا َل لَ ْن ُأ ْر ِسلَهُ َمعَ ُك ْم َحت َّ ٰى تُْؤ ت ُ ِ‬
‫فان يعقوب يرفض أن يعطى أوالده أخاهم إال أن يتعهدوا باحضاره‪ ،‬ويتكفلوا بذلك أمام أبيهم‪ ،‬فجعلهم كفالء بنفس أخي يوسف عليه‬
‫السالم فاذا ثبت هذا فانه متى عمر الكفيل من إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من احضاره لرمه ماعليه‪.‬‬
‫وعند مالك أن الكفيل لو تكفل بالوجه واشترط عدم كفالة المال ثم جاء األجل المضروب ولم يأت الشخص فانه الشيء على الكفيل فال‬
‫يدفع المال يكون األمر كما اشترطه (‪.)٢‬‬
‫ومما يستدل به أيضا على مشروعية الكفالة بالنفس ماروى عن أبي هريرة أن النبيﷺ وسيدة كفل في تهمة(‪ )٣‬وأن عمر بعث حمزة بن‬
‫عمرو األسلمي إلى بني سعد فوجد فيهم رجال وطىء جارية امرأته فولدت منه فأخذ حمرة بالرجل كفيال ولما أتى عمر أخبره وأقره على‬
‫(‪)٤‬‬
‫ذلك‬
‫وأن ابن مسعود استشار الناس فيمن أقروا بنبوة مسيلمة‪ ،‬فأشاروا عليه أن يستتبهم وبأن يكفلهم عشائرهم واستتابهم فتابوا فكفلهم‬
‫(‪)٥‬‬
‫عشائرهم‬
‫وقد علق «ابن حجر»في «فتح الباري» على قصته حمزة بقوله يستفاد‬
‫–‪–199‬‬
‫من هذه القصة مشروعية الكفالة باألبدان‪ ،‬فان حمزة بن عمرو األسلمي صحابي وقد فعله ولم ينكره ممر مع كثرة الصحابة‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫أحكام الكفالة بالنفس‬
‫يتفق جمهور القائلين بالكفالة بالنفس على أن المكفول عنه أذا مات لم يلزم الكفيل شيء وقد فرق بعضهم بين أن يموت المكفول عنه‬
‫حاضرا ً أو غائبا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن مات حاضرا لم يلزم الكفيل شيء‪ ،‬وإن مات غائبا – أي في بلد آخر – فانه ينظر في بعد المسافةـ بين البلدين‪،‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫فان كانت قريبة و كان الكفيل يستطيع إحضاره في حياته فقصر في ذلك غرم‪ ،‬وإن كانت بعيدة بحيث ال يستطيع ذلك لم يغرم‪.‬‬
‫غياب المكفول عنه‬
‫اختلف الفقهاء فيما إذا غاب المكفول عنه في مكان يعرفه الكفيل على ثالثة أوجه‪:‬‬
‫ا – يلتزم الكفيل باحضار‪ .‬أو يغرم‪ ..‬وهذا قول مالك وأصحابه وأهل المدينة(‪.)٣‬‬
‫‪ – ۲‬يحبس الكفيل إلى أن يأتي المكفول عنه أو يعرف المكان الذي هو فيه‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة وأهل العراق‬
‫–‪–200‬‬
‫فالكفيل مطالب – أوال – باحضار المكفول به إن لم يكن طائبا‪ ،‬وإال فان الكفيل يوخذ إلى مدة يمكنه إحضاره فيها‪ ،‬فإن لم يحضر في‬
‫المده ولم يظهر عجزه للقاضي حبسة إلى أن يظهر عجزه له‪ ،‬فإذا علم القاضي ذلك بشهادة الشهود أو غيرها أطلقه وأنظره إلى حال‬
‫القدرة على إحضاره ألنه بمنزلة المفلس‪ ،‬لكن ال يحول بين الطالب والسكنيل‪ ،‬بل يالزمه من الطالب‪.‬‬
‫‪ –٣‬ليس على الكفيل إال أن يحضر المكفول عنه مادام يعرف مكانه ومعنى ذلك أنه ال يكلف نا حضاره االمع العلم بالقدرة على إحضاره‪.‬‬
‫وحجة الرأي األول أن الكفيل بالنفس غارم لصاحب الحق‪ ،‬فوجب عليه القرم إذا غاب‪ ،‬وقد روي عن ابن عباس أن رجال سأل غريمه‬
‫أن يؤدى إليه ماله أو يعطيه كفيال‪ ،‬فلم يقدر حتى حاكمهـ إلى النبي ﷺ‪ ،‬فتحمل عنه رسول هللا ثم أدى المال إليه‪.‬‬
‫أما أصحاب الرأى الثاني فقد قالوا‪ :‬إنما يجب على الكفيل أن يحضر ما تكفل به وهو النفس‪ ،‬وال يتعدى ذلك المال إال إذا شرطه على‬
‫نفسه‪ ،‬حيث قال رسول ہللا ﷺ‪« :‬المؤمنون عند شروطههم» فعلى الكفيل أن يحضر المكفون عنه أو يحبس فيه‪.‬‬
‫وكما أن الكفيل بالمال عليه أن يحضر المال أو يحبس فيه‪ ،‬فكذلك األمر في الكفيل بالنفس‪.‬‬
‫ووجه الرأي الثالث أن الكفيل ملتزم باحضار المكفول عنه إذا كان ذلك ممكناـ «فاذا لم يحضره مع قد قدرته على ذلك حبس فيه‪.‬‬
‫–‪–201‬‬
‫أما إذا كان إحضارة غير ممكن فال يجب عليه إحضاره‪.‬‬
‫حكم الكفالة بالمال‪:‬‬
‫يتفق الفقهاء على أن الكفيل بالمال فارم إذا غاب المكفول عنه واختلفوا فما إذا حضر الكفيل والمكفول عنه وكالهم مومر‪:‬‬
‫فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وأحمد‪ ،‬للدائن – أو للطالب – أن يأخذ حقه ممن يشاء من الكفيل أو من المكفول عنه لثبوت الحق‬
‫في ذمتيهما جميعا‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫فال يبرأ المكفول عنه بمجرد الكفالة‪ ،‬بل يثبت الحق في ذمتيهما جميعا وألن الكفيل لو تكفل بالمطالبة دون الدين لم يصح ‪.‬‬
‫وقال مالك‪ .‬إذا حضر المكفول عنه وكان قادرا على األداء فليس لصاحب الحق أن يطالب الكفيل(‪.)٢‬‬
‫وهناك رأي آخر لبعض الفقهاء يقول بأن من ضمن من رجل ماال لزمه أداء هذا المال وبرىء المضمون‪ ،‬وال يجوز أن يكون مال واحد‬
‫على أثنين‪.‬‬
‫لكن يتصور أن يكون المال الواحد على اثنين إن كفل اثنان رجال بدينه‪ ،‬فلقد جاء في المغني البن قدامه أنه يجوز أن يضمن الحق عن‬
‫الرجل الواحد اثنان أو أكثر‪ ،‬سواء ضمن كل واحد منها الحق أو جز منه‪.‬‬
‫–‪–202‬‬
‫فإن ضمن كل واحد منهماـ جميع الحق برىء كل واحد منهما بأداء أحدهكا وإن أبرأ المضمون عنه برى الجميع ألنهم فروع له‪.‬‬
‫أما ان أبرأ أحد الضامنين برىء وحده ولم يبرأغيره‪ ،‬ألنهم غير فروع له‪.‬‬
‫كما يجوز أن يتكفل واحد الثنين معا‪ ،‬وحينئد فاذا أبرأه أحدهمالم يبرأ من اآلخر‪ ،‬ألن العقد الواحد مع االثنين بمنزلة العقدين‪ ،‬فاذا بريء‬
‫من واحد منهما على اآلخر(‪.)۱‬‬
‫وعند ابن حزم (‪ )٢‬أنه ال يجوز أن يشترط في ضمان اثنين عن واحد أن يأخذ أيهما شاء بالجميع‪ ،‬وال أن يشترط ذلك الضامن في نفسه‬
‫وفى المضمون عنه‪ ،‬وال أن يشترط أن يأخذ الملىء منهما عن المعسـر والحاضر من الغائب‪.‬‬
‫ووجه هذا القول أنه شرط لم يأت بإ باحته نص وأيضا فانه ضمان لم يستقر عليهما وال على واحد منهما بعينه وانما هو ضمان معلق‬
‫على أحدهما بغير عينه ال يدرى على أيهما يستقر فهو باطل الن ما لم يصح على المرء بعينه حين عقده إياه فمن الباطل أن يصبح عليه‬
‫بعد ذلك في حين لم يعقده وال التزمه‪.‬‬
‫فان ضمن اثنان فصاعدا حقا على انسان فهو بينهم بالحصص الن من الممتنع أن يكون مال واحد على اثنين فصاعدا يكون كله على كل‬
‫واحد منهما النه كأن يصير الدرهم در همين أو يكون غير الزم الحدها بعينه وال لهما جميعا وهذا باطل‪.‬‬
‫وألنهما استويا في الكفالة والمكفول به يحتمل االنقسام فينقسم عليهما في حق المطالبة كما في الشرا ء(‪.)٣‬‬
‫–‪203‬‬
‫مطلب‪ :‬التعجيل والتأجيل في الكفالة‬
‫قد يكون الدين الذي على المدين مؤجال‪ ،‬فان كفله کفیل فانه يودی الدين مؤجال أيضا‪ ،‬ويلتزم بأدائه معجال من كان على األصيل معجال‪.‬‬
‫و يصبح االتفاق بين الكفيل والدائن على تأجيل الدين إلى أجل جديد بعد انتهاء األجل األول الذي كان بين الدائن والمدين(‪.)۱‬‬
‫وهذا التأجيل في حق الكفيل ال يعني التأجيل في حق المدين األصيل وبهذا قال الشافعي‪.‬‬
‫قال أحمد في رجل ضمن ما على فالن أن يؤديه في ثالث سنين‪ ،‬فهو عليه ويؤديه كما ضمن‪.‬‬
‫ووجه ذلك مارواه ابن عباس من ان رجال لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ما عندي شيء‬
‫اعطيكه‪ ،‬فقال‪ :‬ال وهللا ال افارقك حتى تقضيني او تاتيني بحميل فجره إلى النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم‪":‬‬
‫كم تستنظره؟"‪ ،‬فقال‪ :‬شهرا‪ ،‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬فانا احمل له"‪ ،‬فجاءه في الوقت الذي قال النبي صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫فقال له النبي صلى هللا عليه وسلم‪ ":‬من اين اصبت هذا" قال‪ :‬من معدن‪ .‬قال‪ ":‬ال خير فيها" وقضاها عنه"‪ )٢(.‬وألنه ضمن ماال بعقد‬
‫مؤجل فكان مؤجال كالبيع‪.‬‬
‫واألصل في الدين الحال أنه ال يتأجل‪ ،‬ولكنه هنا يثبت في ذمة الكفيل على غير الوصف الذي يتف به في ذمة المكفول عنه‪ ،‬وذلك الن‬
‫الحق يتأجل في ابتداء ثبوته‪ ،‬إذا كان بعقد‪ ،‬وبعد ابتداء نبوته في ذمة الكفيل من وقت قبول الكفالة‪ ،‬ولم يكن الحق ثابتا عليه حاال‪.‬‬
‫–‪–204‬‬
‫وقيل‪ :‬إن الكفيل إن ضمن الدين الحال مؤجال إلى أجل معلوم ففيه وجهان‪.‬‬
‫أحدهما‪ .‬أنه ال يصح الضمان لكون الملتزم مخالفا لما على األصيل‪.‬‬
‫وأصحهما الصحة ألن الضمان تبرع فيحتمل فيه اختالف الدينين في الكيفية للحاجة‪.‬‬
‫وعلى هذا يثبت األجل وال يطالب الكفيل إال كما ألزم(‪ ،)۱‬الن المطالبة حق الطالب فله أن يتبرع على كل واحد منهماـ بتأخير حقه‪ ،‬وان‬
‫كان الدين عليه حاال جاز التأجيل إلى األجل المذكور ويكون ذلك تأجيال في حقهما جميعاً‪.‬‬
‫وروى عن محمد أنه يكون تأجيال في حق الكفيل خاصة (‪.)٢‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫كما ذكر أن الكفيل يصير كفيال في الحال ولكن التأجيل يذكر لتأخير المطالبة اللتاخير الكفالة نفسها‬
‫–‪–205‬‬
‫مطالب‪ :‬أثر األجل على كل من الكفيل والمكفول عنه‬
‫ذكرنا أن التأجيل في حق الكفيل ال يعني التأجبل في حق المكفول عنه فاذا كان الدين مؤجال في حق المكفول عنه الى شهر فتأجل في‬
‫حق الكفيل الی شهرين فليس للمكفول عنه أن يطالب الكفيل بتأجيل الحق الى شهرين واذا فضى الكفيل الدين قبل حاول أجله وهو شهران‬
‫فان له أن يرجع به في الحال على المكفول عنه(‪.)۱‬‬
‫وقد يرد اعتراض على ذلك بأن الكفيل ماضمن المدين اال ألن االخير عاجز – أداء الدين حاال وانه كفيله رعاية لمصلحته والتعاون معه‬
‫فال يقبل منه بعد ذلك أن يطالبة بدين حال اجله هو على نفسة الى اجل ابعد غير ان المقصود بالمطالبة في الحال ان الكفيل يطالب‬
‫المكفول عنه عند حلول االجل األول وهو الشهر وان ادى بعده او قبلة‪.‬‬
‫وعلى الوجة المقابل لهذة الصورة اذا كان الدين مؤجال على المدين فضمنة الكفيل حاال لم يصر حاال وال يلزمه االداء قبل حلول األجل‬
‫ألن الكفيل فرع المكفول عنه لمال لرمه مالم يلزم المكفول عنه‪.‬‬
‫وعلى هذا فاذا قضى الكفيل الدين حاال لم يرجع على المكفول عنه قبل حلول اجله المتفق عليه بينه وبين الدائن األصلى‪.‬‬
‫والفرق بينه و بين الصورة السابقة أن الدين الحال ثابت في الذمة وواجب القضاء في كل وقت فادا ضمنه الكفيل وأخذ االجل فقد التزم‬
‫بيعض ما يجب على المكفول عنه وهو الدين و تحلل من البعض اآلخر وهو حلول األجل‪ .‬وذلك كما لو كان الدين عشرة فضمن الكفول‬
‫خمسة وهذا جائز‪.‬‬
‫____________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫(‪)۱‬المغنى ج‪٦٠٢ – ٦٠٠/٤‬‬


‫–‪–206‬‬
‫أما الدين المؤجل فال يستحق قضاؤه إال عند حلولى‪ ،‬فإذا ضمنه الكفيل حاال فقد ألزم نفسه بما ال يلزم المكفول عنه‪ ،‬وأشبه مالوكان الدين‬
‫عشرة فتكفل هو بعشرين‪ ،‬فان ذلك ال يلزمه وال يلزم المكفول عنه‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫لكن إذا تطوع الكفيل فضمن الدين المؤجل وأداء حاال جاز‪ ،‬حيث رضى المدين باسقاط حقه من األجل إن كان الدين مما يجوز تعجيله‬
‫وعكس ذلك وهو ضمان الحال مؤجال كان يقول شخص لصاحب الدين الحال‪:‬‬
‫أجل مدينك شهرا وأنا أضمنه لك‪ ،‬فيصبح وذلك بأحد أمرين‪:‬‬
‫‪ – ۱‬إذا أيسر المدين بالدين الحال ولو في أول األجل‪ ،‬وحين ذلك يكون الدائن قادرا على استيفاء دينه‪ ،‬فادا أجله فكأنه بدأ سلفا جديدا‪ ،‬ألن‬
‫من أجل ماءجل يعد مسلفا‪.‬‬
‫‪ – ٢‬إذا أعسر المدين في األجل واستمر عمره إلى القضاء األجل يجوز ضمانه ألنه وإن خصا‪ ،‬نفع بالضمان فال يعد الدائن مسلفا سلفا‬
‫جديدا‪ ،‬حيث يجب انتظار المعسر عمال بقوله تعالى‪َ «:‬وِإن َكانَ ذُو ُعس َْرةٍ فَنَظِ َرة ٌ ِإلَ ٰى َم ْي َ‬
‫س َرةٍ»(‪.)٢‬‬
‫وإن من صور الكفالة إلى أجل في المصارف الحديثة ما يسمى «با لسند االذبي»( ‪ ) Bellet A Ordre Promimy‬وفيه يتعهد المدين‬
‫لدائنه بمبلغ معين بعد أجل معين‪.‬‬
‫و يستطيع الدائن بمقتضى هذا السندأن يتقدم إلى البنك ليعرف له قيمة‬
‫____________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫(‪)۱‬حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج‪ )٢( ۳۳۱/۳۰‬السابق‬


‫–‪–207‬‬
‫السند بعد خصم الفائدة عن مدة األجل‪ ،‬وتولى البنك تحصيل قيمة السند من المدين عند حلول أجل االستحقاق(‪.)۱‬‬
‫مطالب الكفالة من أجل مجهول‬
‫بينا فيما سبق أن الكفيل يلتزم بوقت اداء الدين كما كان على المدين‪ ،‬وقد يتفق كل من الكفيل والدائن على تأجيل الدين إلى أجل معلوم‬
‫يحددانه‬
‫اما تأجيل كفاله الدين إلى أجل مجهول‪ ،‬فإن كان يشبه آجال الناس كوفت الحصاد و نحوه فهو جائز‪ ،‬ألن الجهالة هنا ليست جهالة فاحشة‬
‫فتحملها الكفالة‪ ،‬وذلك الن الجهالة ال تمنع من دوار العقد لعينها‪ ،‬بل الفضانها الى المنازعة بالتقديم والتأخير وجهالة التقديم والتأخير ال‬
‫تفضى إلى المنازعة في باب الكفالة النه يسامح في أخد العقد ماال يسامح في غيره إلمكان استيفاء الحق من جهة األصيل بخالف البيع‪،‬‬
‫والن الكفالة تجوز بالعرف‪ ،‬والكفالة إلى مثل هذه األجال متعارفة‪،‬ـ ولو كانت حالة فأخر الى هذه االوقاتـ جاز(‪.)٢‬‬
‫وعند الشافعي ال يجوز تأجيل الكفالة الى أجل مجاول‪ ،‬الن هذا عقدالي أجل مجهول‪ ،‬فال يصح كالبيع(‪.)٣‬‬
‫وعند الحنابلة ايضا ال تصح الكفالة الى أجل مجهول الن المكفول له ليس لة وقف يستحق المطالبة فيه‪ ،‬ويبرا من كقل شهرا او نحوه ان‬
‫لم بطالبة مكفول له باحضاره في الشهر ونحوه‪ ،‬النه بمضية ال يكون كفيال‪،‬‬
‫– ‪– 208‬‬
‫وأما توقيت الضمان فالظاهر أنه ال يصح(‪.)۱‬‬
‫وإن كان تأجيل الكفالة إلى آجال غير متعارفة بين الناس كسقوط المطر‪ ،‬وهبوب الرياح فاألجل باطل والكفالة صحيحة‪ ،‬ألن هذه جهالة‬
‫فاسخة فال تتحملها الكفالة فلم يصح التأجيل وبقيت الكفالة صحيحة(‪.)٢‬‬
‫مطلب ‪ :‬الكفالة في البيع والسلم والدين‬
‫سف ٍَر َولَ ْم‬ ‫ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ» بعد قوله« َوِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ‬‫استدل القائلون بجوار الكفالة في السلم بقوله تعالى‪«:‬فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ‬
‫ضةٌ»‪.‬‬‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫ولقد قال ابن عباس ‪" :‬أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله هللا في كتابه وأذن فيه"‪ ،‬ثم قال«يَا َأيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا ت َ َدايَنتُم‬
‫س ًّمى فَا ْكتُبُوه»‬‫بِ َدي ٍْن ِإلَ ٰى َأ َج ٍل ُّم َ‬
‫وقد أمر هللا – في هذه اآلية‪ ،‬بكتابة الدين المؤجل‪ ،‬وهو يعم السلم أيضا‪ ،‬وأذن في الرهن عند فقد الكاتب‪ ،‬وأجاز أن يأمن أحدهم اآلخر‪،‬‬
‫ويستوى أن يكون الذي عليه الحق هم األمين عند صاحب الحق أو يكون كفيله أمينا عنده‪ ،‬فثبت بذلك جواز اشتراط الكفيل في السلم‬
‫والدين كما ثبت جوازا اشتراط الرهن فيهما‪ ،‬ألنهما من المال الالزم فصح ضمانه كماألجرة وثمن البيع(‪.)٣‬‬
‫وممن أنكر الكفالة في البيع والسلم والمداينه ابن حزم‪ ،‬ألن ذلك من‬
‫– ‪– 209‬‬
‫الشروط التي لم يرد بها نص من النصوص في كتاب أو سنة(‪ .)۱‬والذين أنكروا جواز الحوالة في السلم والدين – غير ابن حزم – قصروا‬
‫ض ُكم بَ ْعضًا»على أن يكون الذي عليه الحق أمينا ‪ ،‬ولكن اآلية عامة تشمل الذي عليه الحق كما تشمل كفيله‪،‬‬ ‫قوله تعالى«فَِإ ْن َأمِ نَ َب ْع ُ‬
‫فتخصيصها بمن عليه الحق الدليل عليه‪.‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫والذين يجيزون الكفالة في السلم يستدلون بما روى عن عائشة من أن النبيﷺ‪ :‬اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنة درعه ‪.‬‬
‫وفى ذلك احتجاج بجواز الرهن في السلم وجواز الكفالة فيه لكونها وثيقة كالرهن‪.‬‬
‫والخالصة أن هللا تعالى أمر بكتابة الدين المؤجل واألشهاد عليه أو الرهن به إذا لم يكن الذي عليه الحق أو كفيله أمينا عند صاحب الحق‪،‬‬
‫واذا كان أمينا عنده – هو أو كفيله فال يجب الكتابة وال اإلشهاد وال الرهن‪.‬‬
‫(‪)٣‬‬
‫وقد قيل‪ ،‬ان الكفالة في الحدود والقصاص ال تصح ألنا مأمورون بالستر والسعي في اسقاط الحدود ما أمكن ‪.‬‬
‫وقد ورد في المدونة أيضا أنه ال كفالة في الحدود وال في التعزير(‪.)٤‬‬
‫–‪–210‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫الكفالة عن الميت‬
‫األصل في هذا المبحث ما روى عن الرسول ﷺ أنه أي‪ :‬بجنارة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يارسول هللا‪ ،‬صل عليها‪ .‬قال‪ :‬هل ترك شيئا ؟ قالوا‪ :‬ال‪ ،‬قال –‬
‫عليه دين ؟ قالوا‪ :‬ثالثة دنانير‪ .‬قال – صلوا على صاحبكم‪ ،‬فقال أبو قتادة‪ :‬صل عليه يا رسول هللا وعلى دينه‪ ،‬فصلى عليه(‪.)۱‬‬
‫ومن هذا الحديث برواياته المتعددة قال الجمهور بصحة الكفالة الميت‪ ،‬ويلزم الكفيل بما تكفل به سواء أكان الميت غنيا أم فقيرا (‪ )٢‬وال‬
‫رجوع له في مال الميت‪.‬‬
‫(‪.)٣‬‬
‫وأجاز مالك لكفيل أن يرجع على مال الميت إذا كان له مال‬
‫من وقال أبو حنيفة‪ :‬ال تصح الكفاله عن ميت مفلس؛ ألن الكفالة عن الميت المفلس كفالة بدين ساقط والكفالة بالدين الساقط باطلة والحديث‬
‫المذكور يحتمل أن يكون إقرارا بكفالة سابقة فان لفظ األقرار واالنشاء في الكفالة سواء ويحتمل أن يكون عهدا ألكفالة(‪ ،)٤‬لكن يرد على‬
‫احتمال االقرار أن في إحدى روايات الحديث ما يدل على أنها كفالة صريحة‪.‬‬
‫–‪–211‬‬
‫حيث يقول أبو قتادة «أنا أتكفل به»‪ ،‬وهذا أيضا يبطل احتمال العهد‪ ،‬ألن اللفظ صريح في إنشاء الكفالة وال يحتمل األخبار بما مضى‪.‬‬
‫وصحة االستدالل بالحديث تفيد أن أبا قتادة تكفل عن الميت بدينه‪ ،‬فأجازه رسول ہللا ﷺ‪ ،‬وهو يدل على صحة الكفالة عن الميت‪.‬‬
‫و لقد عرض صاحب «إعالء السنن»(‪)۱‬رأى أبي حنيفة وشرحه بقوله‪ :‬إن األمر المتنازع فيه هو الكفالة الغريم‪ ،‬بأن تكون الكفالة لتوثيق‬
‫دينه حفظه عن التوى‪ ،‬ويكون له حق المطالبة‪ ،‬وهذا ال يصح عند أبي حنيفة‪ ،‬الن الكفالة تصح بضم الذمة إلى الذمة في المطالبة‪ ،‬وال‬
‫مطالبة من الميت لسقوط ذمته‪ ،‬فال يصح الضم إلى الساقط‪ .‬وأما الكفالة للميت بقضاء دينه لتبرأ ذمته عن المطالبة األخروية من غير أن‬
‫يكون للعزيم حق المطالبة فال ينكره لتبرأ أبو حنيفة‪.‬‬
‫وعند أبي يوسف ومحمد‪ :‬تصح الكفالة عن الميت‪ ،‬ألن الموت ال ينافي بقاء الدين‪ ،‬ألنه مال حكمى فال يحتاج بقاؤه إلى القدرة‪ ،‬ولهذا يبقى‬
‫الدين إذا مات المدين مليئا فتصح الكفالة به‪.‬‬
‫(‪.)٢‬‬
‫وكذلك تبقى الكفالة بعد موته مفلسا‪ ،‬وإذا مات عن كفيل تصح الكفالة عنه بالدين‪ ،‬فكذا يصح اإلبراء منه والتبرع‬
‫وقد استنتج ابن قدامة – الفقيه الحنبلي – من حديث أبي قتادة صحة الكفالة عن الميت‪ ،‬وعن كل من وجب عليه حق حيا كان أو مبنا‪،‬‬
‫مليئا كان أو مفلسا لعموم الفن الحديث(‪.)٣‬‬
‫–‪–212‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫كما استنتج الشافعي أن القبول ليس ركنا في الكفاله لصحة الكفالة عن الميت ‪.‬‬
‫و تجد من هذا العرض آلراء الفقهاء أنه ال خالف في كفالة دين الميت سواء أكان موسرا أم معسرا‪.‬‬
‫فاذا كان موسرا قد ترك وماء لدينه رجع الكفيل على تركته‪ ،‬وإذا كان معسرا فهو متطوع بما دفع‪ ،‬وإذا كانت الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في‬
‫المطالبة‪ ،‬وكانت ذمة الميت ذمة ساقطة – كما قال أبو حنيفة – فان المتطوع ال يبقى من تطوءه إال إبراء ذمة الميت أمام الناس في الدنيا‪،‬‬
‫وقضاء ديونه التي يحاسب عنها في اآلخرة‪.‬‬
‫ولقد قال – ﷺ – لعلى حين ضمن در همين عن رحل ميت‪:‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫جزاك هللا عن اإلسالم خيرا‪ ،‬وفك رهانك كما فكتتـ رهان أخيك‪ ،‬ثم قال‪ :‬ووجب حق الغريم علميك و برىء الميت منه ‪.‬‬
‫أى أنه أجاز كفالة على عن الميت ودعا له بخير‪ ،‬ثم بين أن ذمة الميت قد برئت بهذه الكفالة وانتقل دينه إلى ذمة الكفيل‪.‬‬
‫وكذلك قال ألبي قتادة بعد أن ضمن دين ميت آخر‪« :‬اآلن بردت جلدته» أي استراح بعد موته و برئت ذمته‪.‬‬
‫وقال كذلك‪«:‬نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه»(‪.)٣‬‬
‫–‪–213‬‬
‫وال بن حزم رأي آخر في الكفالة عن الميت‪ ،‬يتلخص هذا الرأي في أن الميت إذا مات معسرا عاجزا عن الوفاء بدينه فال حاجة للكفاله‬
‫عنه‪.‬‬
‫وال يطالب في اآلخرة بدينه ألنه لم يكن عاطال‪ ،‬أما حقوق غرمائه في الحياة فانها تؤخذ من زكاة المسلمين من سهم «الغارمين»‪ ،‬وال إثم‬
‫(‪)۱‬‬
‫سا ِإاَّل ُو ْسعَ َها»‬ ‫على الميت أصال ما دام لم يثبت عنه مطل ولم يقدر على أداء الدين‪ ،‬وقد قال تعالى‪«:‬اَل يُ َكلّ ُ‬
‫ِف هَّللا ُ نَ ْف ً‬
‫أما موقفه من األحاديث المذكورة سابقا فهو يتلخص فيها بلى‪:‬‬
‫* ليس في قول الرسول‪« :‬فك هللا رهانك كما فكتت رهان أخيك نص على بقاء الدين في ذمة الميت حتى يضمنه أحد األحياء‪ ،‬ولكنه دماء‬
‫لعلى إذ قبل أن يحول دين الميت على نفسه‪ ،‬فكانت هذه الحوالة ضمانا لحق الدائن أكبر مما هي إبراء لذمه المدين‪ ،‬وقد مات وسقطت‬
‫دمته نهائيا‪.‬‬
‫* وأما قول الرسول «اآلن بردت جلدته» وانه قد يكون تبريدا زائدا دخل على الميت حين القضاء عنه‪ ،‬وإن لم يكن قبل ذلك في حرارة‪،‬‬
‫وذلك كما تدخل الراحة على الميت إذا ترك ولدا صالحا يدعو له‪.‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫وأما قوله‪«:‬نفس المؤمن معلقة بدينه» فهدا خاص بمن ماتـ غنيا ومطل دينه‪ ،‬فعليه إثم المطل أعسر بعد ذلك أم لم يعسر وهذا التوجيه‬
‫الذي عرضه ابن حزم لرأيه في الكفالة عن الميت له – في نظرنا – وجاهته واعتباره‪.‬‬
‫–‪–214‬‬
‫المبحث السادس‬
‫خروج الكفيل عن الكفالة‬
‫مطلب‪ :‬خروج الكفيل بالمال‬
‫بينا – عند تعريفنا للكفالة – أنها ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول‪ .‬عنه و تقوية كل من الذمتين باألخرى في االلتزام بدين واحد‪.‬‬
‫ومعنى هذا أن ذمة الكفيل تكون أيضا مشغولة بالدين‪ ،‬فال يخرج الكفيل عن الكفالة فتبرأ ذمته إال في األحوال اآلتية(‪:)۱‬‬
‫‪ – ۱‬األداء ومعنى به أداء المال إلى الدائن سواء أكان هذا األداء – من جانب المدين األصيل‪ ،‬أم من جانب الكفيل‪ ،‬وذلك ألن نشأة الكفالة‬
‫قد بنيت أساساـ على توثيق الدين ثم أدائه‪ ،‬لصاحبه‪ ،‬فاذا أدى فقد برئت ذمة الكفيل وذمة األصيل على السواء‪.‬‬
‫‪ – ٢‬الهبة‪ :‬إذا وهب الدائن دينه لألصيل أو للكفيلي‪ ،‬ألن الهبة في منزلة األداء ؛ وكذلك إذا تصدق بهذا الدين على أحدهما‪ ،‬ألن الصدقة‬
‫تمليك كالهبة‪ ،‬ومعنى ذلك أن الهبة والصدقة تلتقيان على نتيجة واحدة مع األداء هي خروج الكفيل عن الكفالة‪.‬‬
‫‪ – ٣‬االبراء‪ :‬إذا أبرأ الدائن المدين األصلي أو الكفيل خرج الكفيل عن الكفالة‪ ،‬لكنه إذا ابرأ الكفيل فقط لم يبرأ المدين األصيل‬
‫–‪–215‬‬
‫وذلك ألن الدين أساسا على األصيل ال على الكفيل‪ ،‬وليس على هذا الكفيل إال حق المطالبة فقط‪ ،‬فكان إبراء األصيل إسقاطا للدين عن‬
‫ذمته‪ ،‬فاذا أسقط الدين وهو األصل سقطات المطالبه وهي تابعة له‪.‬‬
‫ونجب أن نشير هنا إلى أن المدين األصيل ال تبرأ ذمته بمجرد الكفالة بل تظل هذه الذمة مشغولة حتى يؤدى الكفيل الدين‪ ،‬وذلك بعكس‬
‫الحوالة التي يبرأ فيها المحيل وإذا قبلها المحال‪ ،‬وبهذا قال الشافعيـ(‪ )۱‬وأبو حنيفة(‪)٢‬وغيرهما‪.‬‬
‫بينما قال آخرون‪ .‬الكفالة والحوالة سواء‪ ،‬وكالهما ينقل الحق عن ذمة المكفول عنه وعن ذمة المحيل‪ ،‬واحتجوا لذلك بأن رسول هللا قد‬
‫قبل الصالة على الميت المدين بمجرد كفالة دينه وقبل األداء(‪.)٣‬‬
‫أما خروج الكفيل من الكفالة فانه إبراء لزمته عن المطالبه ال عن الدائن ؛ ألنه لم يكن عليه دين أصال‪.‬‬
‫‪ – ٤‬الصلح‪ :‬فاذا صالح الكفيل الدائن على بعض الدين‪ ،‬ووافق الدائن على ترك البعض اآلخر‪ ،‬فقد خرج الكفيل – بهدا الصلح ـ عن‬
‫الكفالة ألن فيه معنى االبراء‪.‬‬
‫(‪)٤‬‬
‫وقد يؤدي الصلح إلى براءة المدين والكفيل معا‪ ،‬وقد يؤدي إلى براءة الكفيل وحده ‪.‬‬
‫–‪–216‬‬
‫فاذا صالح الكفيل الدائن على بعض الدين وبراءته هو والمدين من البعض اآلخر كانا ال يريثين معا‪ ،‬وأخد الدائن الجزء الذي تم عليه‬
‫الصلح من أيهما شاء‪،‬ـ وكذلك لو صالحه على بعض الدين‪ ،‬ولم يذكر شيئا عن اإلبراء‪.‬‬
‫ولكن إذا صالح الكفيل الدائن ببعض الدين بشرط براءته من الكفالة‪ ،‬فإن الدائن يأخذ منه الجزء الذي صالح عليه و يبرئه‪ ،‬وتبقى ذمته‬
‫المدين األصيل مشمولة بالجزء اآلخر من الدين‪ ،‬وللكفيل في هذه الحالة أن يرجع على األصيل بما دفع إن كان الصلح بأمره(‪.)۱‬‬
‫مطلب خروج الكفيل بالنفس‬
‫يخرج الكفيل بالنفس عن الكفالة في األحوال اآلتية‪:‬‬
‫‪ – ۱‬تسليم النفس إلى الطالب‪ ،‬ويعنى ذلك إحضار الشخص المكفول إلى المكفول له في مكان مناسب يستطيع فيه أن يأخذ الحق منه‪.‬‬
‫(‪)٢‬‬
‫فال يجوز مثال أن يسلمه في صحراء ألنه لم يتحقق الهدف من هــذا التسليم‬
‫و التسليم النفس يشبه أداء الدين في الكفالة بالمال‪ .‬كالهما يبرىء ذمة الكفيل ويخرجه من الكفالة‪.‬‬
‫ولو إشترط المكفول له أن يتسلم المكفول في بلد معين فجاءـ الكفيل وسلمه الشخص المكفول في بلد آخر ماه أيضا يخرج من الكفالة ـ عند‬
‫_________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫(‪)۱‬البدائع – ‪ )٢( ١٢ / ٦‬السابق‪– .‬‬


‫–‪–217‬‬
‫أبي حنيفة ـ ألن المقصود من تسليم النفس هو الوصول إلى الحق عن طريق القاضي‪ ،‬وهذا الغرض يمكن أن يتحقق في أي بلد يوجد فيه‬
‫قاض‪ ،‬فال معنى التحديد بلد معين‬
‫أما الصاحبين فانهما يقوالن بعدم خروج الكفيل من الكفالة بهذا التسليم‪ ،‬ألن تحديد بلد معين قد يفيد المكفول له في التقاضي في القدره‬
‫على إحضار البينة في هذا البلد دون غيره‪.‬‬
‫ولو أن جماعة تكفلو بنفس رجل واحد كفالة واحدة فسلمه أحدهم فقد يرثوا جميعا وخرجوا من الكفالة‪.‬‬
‫‪ – ٢‬اإلبراء فاذا أبرأ الطالب الكفيل‪ ،‬من الكفالة بالنفس خرج عن الكفالة‪ ،‬ألن حكم الكفالة بالنفس حق المطالبة بتسليم النفس‪ ،‬وقد أسقط‬
‫صاحب الحق حقه باال براء‪ ،‬فتنتهى الكفالة‪ ،‬ولكن ال يكون هذا اإلبراء لألصيل‪ ،‬ألن صاحب الحق قد أسقط المطالبة عن الكفيل دون‬
‫األصيل بعكس ما لو أبرأ األصيل فانهماـ يبرءان معا‪.‬‬
‫‪ – ٣‬موت المكفول ألن الكفالة تتضمن تسليم المكفول وهو األصيل‪ ،‬فما دام الطلب قد سقط عنه‪ ،‬فانه يسقط أيضا عن التكفيل‪.‬‬
‫مطلب‪ :‬رجوع الكفيل على المدين‬
‫إذا أدى الكفيل فا نه يرجع على االصيل بما أدى بالشروط اآلتية‪:‬‬
‫‪ – ١‬إذا كانت الكفالة باذن المكفول عنه‪ ،‬وهذا اإلذن في معنى االستقراض أى كأن المكفول عنه يطلب القرض من الكفيل‪.‬‬
‫ولو كفل الكفيل بغير إذن المكفول عنه لكان في ذلك معنى التطوع بقضاء دين الغير بغير إذنه‪ ،‬فال يرجع عليه عند عامة العلماء‪.‬‬
‫–‪–218‬‬
‫وإن كان مالك يرى الرجوع وإن كان االداء بغير إذن المكفول عنه‪.‬‬
‫‪ – ۲‬أن يكون اإلذن صادرا ممن يملك حق االذن‪ ،‬وهو العاقل الرشيد الذي يملك إقراره على نفسه‪ ،‬فلو أدى باذن الرجل المجنون أو‬
‫الصبي المحجور فانه ال يملك حق الرجوع؛ ألن إذن هذين غير صحيح‪ ،‬حيث األدن استقراض‪ ،‬هذين ال تتعلق به الكفالة‪.‬‬
‫وال يكفى مجرد االذن الصحيح دون إضافته إلى صاحبه‪ ،‬بل البد أن يقول‪ .‬اضمن عنى‪ ،‬ولو قال‪ .‬أضمن مبلغ كذا دون أن يضيفه إلى‬
‫(‪)۱‬‬
‫نفسه ال يرجع الكفيل ؛ ألن المكفول عنه إذا لم يضف إليه فان الكفالة ال تكون إقراضا له‬
‫(‪)٢‬‬
‫وعند ابن قدامة أن الكفيل متى أدى رجع على المكفول عنه سواءا قال اضمن عنى أم لم يقل ‪.‬‬
‫‪ –٣‬أن يؤدى الكفيل الحق إلى صاحبه فعال‪ ،‬وال يجوز له أن يرجع على المدين إال بعد األداء‪ ،‬ألن معنى االقراض والتمليك ال تتحقق إال‬
‫بأداء المال‪ ،‬بخالف الوكيل بالشراء حيث برجع قبل االداء النه إنعقد بينهما مبادلة حكميته‪ ،‬والن الموجب للمطالبة هو التمليك وهو ال‬
‫(‪)٣‬‬
‫يملكه قبل األصيل في إبتداء الكفالة‪ ،‬فان براءة األصيل فيه موجودة ولم توجد برأة الكفيل‬
‫–‪–219‬‬
‫‪ – ٤‬أن ال يكون الكفيل مدنيا للمكفول عنه‪ ،‬ألنه إذا كان مدنيا له بمثل الدين المكفول ثم أدى عنه فقد سقط الدنيان قصاصا‪.‬‬
‫مقدار ما يرجع به الكفيل على المكفول عنه(‪.)۱‬‬
‫بينما أن الكفيل حق الرجوع على المدين فيما كفله‪ ،‬ويكون هذا الحق بعد اآلداء خالفا ما يراه ابن حزم من سقوط الدين عن المدين‬
‫بمجرد الكفالة‪ ،‬وال حق للكفيل في الرجوع على المكفول عنه وال ورثته بشيء أصال‪ .‬غير أن الذي يثبت حق رجوع الكفيل على المكفول‬
‫عنه وتحديد المقدار الذي يرجع به هو الحديث الذي يرويه ابن عباس من أن رجال لزم غريما له بعشرة دنانير‪ ،‬فقال‪ :‬وهللا ما أفارقك حتى‬
‫تقتضيني أو تأتينى بحميل قال‪ :‬فتحمل بها النبي ﷺ‪ ،‬فأتاه بقدر ما وعده‪ ،‬فقال له النبي ﷺ‪ :‬من أين أصبت هذا الذهب ؟ قال‪ :‬من معدن‪.‬‬
‫قال‪ :‬ال حاجة لنا فيها‪ ،‬ليس فيها خير‪ ،‬فقضاها عنه رسول هللا(‪.)٢‬‬
‫وهذا الحديث يبين الحقائق التالية‪:‬‬
‫ا – مشروعية الكفالة بالدين وحق الدائن في المطالبة بكفالة من المدين·‬
‫‪ – ۲‬عدم سقوط الدين عن المدين بمجرد الكفالة‪ ،‬فان الدين لو سقط عن المدين لما أتى الرجل المكفول عنه بذهب عند رسول هللا·‬
‫–‪–220‬‬
‫‪ – ٣‬ال يأخذ الكفيل من المكفول عنه إال من جلس ما كفله به وأداه عنه‪ ،‬فان الرسول قد كفل من الرجل و دنانير وأبى أن يأخذ الذهب‪،‬‬
‫وفي المقدار الذي يرجع به الكفيل على المكفول عنه تجد أتجاهين‪.‬‬
‫األول‪ :‬أن الكفيل يرجم بما أدى‪ ،‬فلو أنه كفل بألف ثم أدى خمسمائة فانه يعود على المكفول عنه بألف ال بخمسمائة‪،‬ـ وذلك ألن باألداء ملك‬
‫ما في ذمة األصيل‪.‬‬
‫و ليس الكفيل هنا كالمأمور بأداء الدين‪ ،‬ألن المأمور باألداء يرجع بما أدى فعال ال بالدين‪ ،‬ألنه باألداء لم يملك الدين‪ ،‬بل إنه أقرض المبلغ‬
‫الذي أداء إلى المدين فيرجع عليه بالذي أقرضه‪.‬‬
‫وهذا أيضا يخالف الصلح‪ ،‬فان الكفيل لو صالح الدائن على خمسمائة فانه يرجع على المدين بخمسمائةـ فقط ال بألف‪ ،‬ألنه بأدائه خمسمائةـ‬
‫لم يملك ما في ذمة المدين وهو األلف‪ ،‬بل أسقط عنه بعض الدين والساقط ال يحتمل الرجوع به‪.‬‬
‫ولقد فصل محمد ـ أحد الصاحبين ـ ذلك حيث يرى أن من كفل رجال بخمسة دنانير ثم ذهب إلى الدائن فصالحه على ثالثة فقط من غير‬
‫شروط فانه هو المدين‪ ،‬وال يرجع على المدين إال بثالثة دنانير‪.‬‬
‫أما إن صالح الكفيل الدائن على ثالثه بشرط أن يبرئه عن الكفالة‪ ،‬فانه وحده يبرا بأدائه ثالثة دنانير‪ ،‬وله الحق أن يرجع بها على‬
‫المدين‪ ،.‬كما أن للدائن أن يرجع على المدين أيضا بدينارين تكملة لدينه الحقيقي‪ ،‬وذلك‪.‬‬
‫–‪–221‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫بنا على أن اإلبراء كان للكفيل وحده‪ ،‬وإبراء الكفيل ال يوجب إبراء األصيل ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الكفيل يرجع على المكفول عنه بأقل األمرين‪ :‬بما أداء فعال‪ ،‬أو بمقدار الدين‪ ،‬فان كان الدين ألفا فأدى خمسمائة‪ ،‬فانه يرجع‬
‫بخمسمائة ال بألف‪ ،‬وإن أدى ألفين فال يرجع إال بألف فقط ألنه حين يؤدى زيادة عن الديق فان القدر الزائد لم يكن واجبا فهو متطوع‬
‫بأدائه‪.‬‬
‫أما إن أدى أقل من الدين‪ ،‬فانه ال يرجع إال بما أدى دون زيادة‪ ،‬و يترتب على هذا أن الدائن لو أبرأه دون أن يؤدى له شيئا فانه ال يرجع‬
‫على المدين بشيء‪.‬‬
‫ولو دفع الكفيل للدائن شيئا آخر من غير جنس الدين رجع على المدين بأقل األمرين‪ :‬إما قيمة هذا الشيء‪ ،‬و إما هذا الدين‪.‬‬
‫وإن عجل الكفيل بأداء الدين المؤجل لم يرجع على المكفول عنه إال عند حلول األجل‪ ،‬ألنه ال يجب له أكثر مما كان للدائن(‪.)٢‬‬
‫و إننا ـ بالنظر إلى هذين االتجاهين ـ نجد أن االتجاه الثاني أقرب إلى معنى الكفالة وإلى طبيعتها‪ ،‬بل وإلى طبيعة المعامالتـ المالية بين‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫فنحن حين نعود إلى تعريف الكفالة نجد أنها تقوية ذمة المدين بذمة الكفيل‪ ،‬وأن هذه التقوية ال تعدو أن تكون تعاونا بينهما وتأكيدا ً الثقة في‬
‫نفس الدائن‪.‬‬
‫–‪–222‬‬
‫ومن وجه آخر نقول‪ :‬إن الكفاله توثيق لالداء أكثر مما هي توثيق لمقدار الدين‪ ،‬والذي يسقط فانه يسقط لمصلحة المدين‪ ،‬فاذا سقط الدين‬
‫بأداء الكفيل‪ ،‬فال حق له في الرجوع على المكفول عنه إال‪ ،‬ا أدى‪.‬‬
‫ولكن إن أدى بعض الدين وحصل على براءته وبراءة المدين معا تم رجع على المدين بالدين كله‪ ،‬فكأنه يقتضيه إجرا ً على معروف‬
‫أسداه‪ ،‬والمعروف هو الذي يحكم المعامالت بين المسلمين‪ ،‬وال أجر عليه إال من هللا‪.‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫مطلب‪ :‬رجوع السكفيل على المدين في القانون‬
‫األساس القانوني لدعوى رجوع الـكفيل على المدين‪:‬‬
‫يرجع الكفيل على المدين ـ بعد الوفاء ـ بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول‪:‬‬
‫والدعوى الشخصيه هي دعوى الوكالة‪ ،‬وبرجع بها الكيل على المدين إذا عقدت الكفالة باذن المدين‪ ،‬أو هي دعوى الفضالة إذا عقدت‬
‫بعلمه أو بغير علمه ولكن دون إعتراضه‪ ،‬أو دعوى االنرا‪ ،‬بال سبب إذا عقدت رغم إعترضه‪.‬‬
‫هناك اتجاة قانوني آخر يرى أن األساس القانوني للدعوى التي يرجع بها الكفيل على المدين يختلف عن األساس الذي تقوم عليه كل من‬
‫الدعاوي الثالث ( الوكالة‪ ،‬الفضالة‪ ،‬األنراء بال سبب)‪:‬‬
‫فمثال في الوكالة يجوز للموكل أن يعزل الوكيل‪ ،‬بينما ال يجوز للمدين أن‬
‫–‪–223‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫يعزل الكفيل‪ ،‬ويجوز للوكيل أن يتنهى من الوكالة بينما ال يجوز الكفيل أن يتنهى عن الكفالة‬
‫وكذاك الفضالة ال تكون إال في أمر عاجل ال يتحمل التأخير‪ ،‬وليست الكفالة كذلك‪ ،‬وينهى أصحاب هذا االتجاه إلى أن الدعوى الشخصية‬
‫التي يرجع بها الكفيل على المدين هي دعوى من نوع خاص متميز من دعوی الوكالة وعن دعوى الفضالة ويمكن أن تسمى«دعوى‬
‫الكفالة»‪.‬‬
‫ودعوى الحلول‪ :‬واألساس القانوني لهذه الدعوى مستفاد من مادتين‪:‬‬
‫فقد نصت المادة ‪ ۹۹‬مدنى عليها بقولها‪ ( :‬إذا وفي الكفيل الدين‪ ،‬كان له أن يحل محل الدائن في جميع ما له من حقوق قبل المدين‪ ،‬ولكن‬
‫إذا لم يوف إال بعض الدين فال يرجع بما وفاء إال بعد أن يستوفى الدائن ) كل حقه من الدين و المادة ‪ ٣٢٩‬مدنى التي تقول‪ .‬من حل قانونا‬
‫أو اتفاقا ً محل الدائن كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع‪ ،‬ويكون‬
‫هذا الحلول بالقدر الذي أداء من ما له من حل محل الدائن )‪.‬‬
‫شروط رجوع الكفيل على المدين‪:‬‬
‫يشترط لرجوع الكفيل على المدين شرطان‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون الكفيل قد أدى الدين عند حلول أجله‪ ،‬فاذا‬
‫___________________________________________________________________________‬
‫(‪)۱‬انظر‪ :‬أهم العقود المدنية‪ .‬د محمد علي عرفه‪ .‬ط سنة ‪ / ١٩٤٠‬ص ‪ ۱۲‬وما بعدها‪ .‬‬

‫–‪–224‬‬
‫تعجل الكفيل الوفاء بالدين قبل حلول أجله لم يكن له أن يرجع به على المدين إال عند حلول األجل األصلي للمدين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يقوم الكفيل با خطار المدين قبل الوفاء‪ ،‬فإذا أخطر الكفيل المدين بعزمه على الوفاء بالدين عند حلول أجله ولم يعترض المدين‬
‫(‪)۱‬‬
‫على ذلك‪ ،‬كان للكفيل أن يرجع على المدين بما وفاء عنه‬
‫–‪–225‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الرهن‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫– تعريف الرهن لغة واصطالحاً‬
‫– مشروعيته‪.‬‬
‫– أركانه وشروطها‪.‬‬
‫أحكام الرهن ‪:‬‬
‫ما يخرج به الرهن عن كونه مرهونا‬
‫–‪–226‬‬
‫المبحث األول‬
‫تعريف الرهن‬
‫(‪)۱‬‬
‫الرهن لغة‬
‫الرهن لغة الحبس‪ ،‬يقال‪ :‬رهن فالن عند فالن الشيء‪ :‬حبسه عنده بدين‪ ،‬ويقال‪ :‬رهنته لسانی‪ :‬كففته وحبسته‪ ،‬فهو مرهون ورهين‪.‬‬
‫وهو أيضا الثبات والدوام يقال‪ :‬رهن الشيء رهنا ورهونا‪ :‬ثبت ودام و يقال رهن بالمكان‪ :‬أقام فيه‪ ،‬ورهن الرجل والدابة رهونا هزل و‬
‫أهيا‪.‬‬
‫وفالن رهن بكذا ورهين ورهينة ومرتهن‪ :‬مأخوذ به‪.‬‬
‫ٌ(‪»)٣‬‬ ‫ْ‬
‫ْ‬
‫سبَت َرهِينَة ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِين »‪ ،‬واقوله «كل نَف ٍس بِ َما ك َ‬
‫(‪)٢‬‬
‫ب َره ٌ‬ ‫ومنه قوله تعالى« ُك ُّل ْام ِرٍئ بِ َما َك َ‬
‫س َ‬
‫واالنسان رهن عمله‪ ،‬والخلق رهائن الموت‪ ،‬ورهن يده المنيه‪:‬‬
‫إذا استمات‪ .‬قال األخطل‪:‬‬
‫لماله و لقد رهنت يدي المنية معلما‬
‫وحملت حين تواكل الحمال‬
‫وارتهنه الشيء منه‪ :‬أخذه رهنا‪ ،‬واسترهنه‪ :‬طلب منه رهنا والرهن‬
‫__________________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫(‪)۱‬انظر مادة «رهن» فى‪ :‬أساس البالغة‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬قاموس األلفاظ واألعالم القرآنية‪ ،‬معجم ألفاظ القرآن الكريم‬
‫(‪)٢‬الطور ‪21‬‬
‫(‪)٣‬المدثر ‪38‬‬
‫–‪–227‬‬
‫ٌ‬ ‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫(‪)۱‬‬
‫ضة»‬ ‫سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫يجمع على رهون‪ ،‬ورهان كما في قوله تعالى‪َ «:‬وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ‬
‫الرهن اصطالحا‪:‬‬
‫( أ ) عند الحنفية(‪ ( : )٣‬جعل الشيء محبوسا بحق يمكنه استيفاؤه من الرهن كالديون‪.‬‬
‫( ب ) عند المالكية(‪ ( : )٣‬بذل من له البيع مايباغ أو غروا ولو اشترط في العقد وثيقة بحق )‬
‫( ج ) عند الشافعية(‪ ( : )٤‬جعل عين(‪ )property/goods‬مال متمولة(‪ )rich/wealthy‬وثيقة بدين ليستو في منها تعذر وفائه )‬
‫( د ) عند الحنابلة(‪ ( : )٥‬المال الذي يجعل وثيقه بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه )‪.‬‬
‫ومن خالل عرضنا لهذه التعريفات نالحظ ما يلى‪:‬‬
‫‪ – ١‬يتفق الحنفية والمالكية في أن الرهن مال يحبس للوفاء بحق من الحقوق‪ ،‬والحق هنا لفظ أوسع من الدين‪ ،‬إذ يشمل الدين والعين على‬
‫السواء وإن جاء الدين في تعريف الحنفية مثال على الحق المرهون به‪.‬‬
‫‪ – ٢‬أما تعريف كل من الشافعيةـ والحنابلة فقد ظهر فيه أن المرهون به دين‪ ،‬وأن المرهون عين تجعل وثيقة لالستيفاء منها إن تعذو الوفا‬
‫بالدين‬
‫–‪–228‬‬
‫‪ – ٣‬ال خالف بين الجميع في جواز كون المرهون عينا‪ ،‬ويجوز عند المالكية أن يكون المرهون دينا‪ ،‬بمعنى أن الشخص يمكن أن يرهن‬
‫دينا له على آخر ليوثق دينا عليه لشخص ثالث‪ ،‬وهذا من باب تيسير المعامالت بين الناس(‪.)۱‬‬
‫تعريف الرهن في القانون (‪.)٢‬‬
‫هو ( عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له‬
‫في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون )‪.‬‬
‫وهذا التعريف يتضمن ما يأتي‬
‫‪ – ١‬أن الرهن يطلق على العقد الذي يتم بين الدان والمدين لضمان حق األول على الثاني‪.‬‬
‫‪ – ٢‬وأنه يطلق أيضا على الحق العيني ذاته الذي هو ضمان للوفاء بالدين‪.‬‬
‫‪ – ۳‬يكون الرهن حقا عينيا عقاريا وال يكون دينا‪.‬‬
‫‪ – ٤‬يثبت هذا التعريف حق يقدم الدائن المرتهن على سائر الغرماء اآلخرين‪ ،‬ومعنى ذلك أنه يمكن أن يلجأ في استيفاء دينه من ثمن‬
‫للعقار المرهون إلى التنفيذ على هذا العقار وبيعه بالمزاد العلني(‪.)٣‬‬
‫–‪–229‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫(‪)۱‬‬
‫مشروعية الرهن‬
‫الرهن مشروع بالقرآن والسنة واإلجماع‪:‬‬
‫ضة»‪.‬‬‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫َان َّمقبُو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أما القرآن في قوله عز وجل‪َ «:‬وِإن ُكنت ُ ْم َعل ٰى َ‬
‫سف ٍَر َول ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ‬
‫فقد جاءت هذه اآلية الكريمة – في المصحف – عقب آية المداينه التي تحت على كتابة الدين واإلشهاد عليه وتأكيده بشتي وسائل التوثيق‪،‬‬
‫ومن هذه الوسائل الرهن·‬
‫وقد فهم جمهور الفقهاء من االية جواز الرهن في الحضر والسفر إال مانقل عن مجاهد وأهل الظاهر من قولهم‪ :‬ليس الرهن إال في السفر‪،‬‬
‫سف ٍَر»‪.‬‬ ‫ألن هللا تعالى شرط السفر في الرهن بقوله‪َ «:‬وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ‬
‫أما كافة العلماء فيجوزوه في الحضر والسفر‪ ،‬غير أن ذكر السفر بناء على غالب األحوال في عدم الكاتب والشهيد فيها‪ ،‬فينوب الرهن‬
‫منابها‪.‬‬
‫وال يفيد ذلك أن الرهن يقوم مقام الشهادة والكتابة من كل وجه‪ ،‬فان‬
‫–‪–230‬‬
‫الذي يختص بالرهن إعداد المرهون الستيفاء الحق منه فهو وثيقة لجانب االستيفاء‪.‬‬
‫وقد جعل الرهن وثيقة لصاحب الدين ليكون محبوسا في يدة بدينه فيكون عند الموت واإلفالس أحق به من سائر الغرماء‪،‬ـ ومتى لم يكن‬
‫(‪.)۱‬‬
‫في يدة كان لفوا ال معنى له‪ ،‬وهو وسائر الغرماءـ فيه سواء‬
‫ضةٌ» أي فارهنوا واقبضوا ألنه مصدر أي مفردة‪ ،‬جعل جزاء الشرط بالفاء‪ ،‬فجرى مجرى األمر‬ ‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫و لقد قيل في قوله تعالى «فَ ِره ٌ‬
‫كقالله تعالى« فتحرير رقبة»«فضرب الرقاب»‪.‬‬
‫والوثائق بالحقوق ثالثة‪ ،‬شهادة ورهن وضمان‪ ،‬فاألول لخوف الجحد واآلخران لخوف اإلفالس‪.‬‬
‫وأما السنة فقد تضافرت أحـاديث الباب على مشروعية الرهن‪ ،‬ومنها ما روى عن عائشة أن رسول ہللا ﷺ اشترى من يهودي طعاما‬
‫بنسيئة فأعطاة درعا له رهنا (‪.)٢‬‬
‫وفي هذا الحديث وغيره بروايات متعددة ما يدل على جواز هذا الرهن ومشروعيته في الحضر والسفر‪ ،‬وأما اشتراء النبي ﷺ الطعام من‬
‫اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة‪ ،‬فقيل‪ :‬فعله بيانا لجواز ذلك‪ ،‬أو ألن الصحابة ال يأخذون من الرسول رهنا‪ ،‬وال يقبضون منه الثمن‪،‬‬
‫فعدل إلى معاملة اليهودي‬
‫–‪–231‬‬
‫(‪.)۱‬‬
‫لئال يضيق على أحد من أصحابه‬
‫ومادام رسول هللا ﷺ قد فعل الرهن‪ ،‬فان أقل مرتبة لفعله الجواز‪.‬‬
‫ولقد أجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة‪ ،‬فتعاملوا به‪ ،‬وجرت به عادتهم تيسيرا للتعامل بينهم‪ ،‬وتحقيقا لمصلحة كل من الراهن‬
‫والمرتهن‪.‬‬
‫–‪–232‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫أركان الرهن وشروطها‬
‫ركن العقد – كما هو معروف عند الحنفية – هو االيجاب والقبول‪ ،‬بينما هو عند الجمهور يتمثل في العاقد والمعقود عليه وكل ماله‬
‫ارتباط بالعقد‪.‬‬
‫ومن ثم فان أركان الرهن عندهم في‪:‬‬
‫الصيغة – العاقدان – المرهون به – المرهون(‪.)Mortgaged‬‬
‫أوال – الصيغة‪:‬‬
‫الصيغة – كما أتجه الفقهاء – هي االيجاب والقبول‪ ،‬ويشترط إن تكون بلغة يفهمها الطرفان كان يقول الراهن‪ :‬رهنتك هذا الشيء بمالك‬
‫على من الدين أو يقول‪ .‬هذا الشيء رهن بدينك وما يجري هذا المجرى‪.‬‬
‫و يقول المرتهن(‪ ،)Mortgagee‬ارتهنت أو قبلت‪ .‬أو رضيت وما يجرى مجراه‪.‬‬
‫و لكن ال يشترط أن تكون الصيغة بلفظ «الرهن» بالذات فلو أن المشترى اشتري سلعة فقال للبائع‪ .‬أمسك هذه الساعة أو احتفظ بهذا‬
‫الثواب حتى آتيك بالثمن فان هذا جائز و تكون الساعة أو يكون الثوب رهنا ألنه أتى بمعنى العقد والعبره في باب العقود للمعاني(‪.)۱‬‬
‫اإليجاب والقبول بدالن على الرضا ومن ثم فان العقد ينعقد بيهما و إن‬
‫–‪–233‬‬
‫كان بعض الحنفية قد قالوا بأن العبرة في الرهن باإليجاب أما القبول فهو شرط صيرورة اإليجاب علة إذ هو عقد تبرع ألن الراهن لم‬
‫يستوجب شيئا على المرتهن إذاء ما أثبتت له من المعين(‪..)۱‬‬
‫ثانيا – العاقدان‪:‬‬
‫يتفق الفقهاء أن يكون العاقدان عاقلين فال يجوز الرهن واالرتهان من المجنون والصبي الذي ال يعقل ويعتبر ذلك في حال الرهن‬
‫واإلقباض فاذا جن(‪ )To become insane‬أحد المتراهنين قبل القبض لم يبطل الرهن ويقوم ولى المجنون مقامةـ (‪.)٢‬‬
‫وقد اشترط الشافعي فوق ذلك البلوغ والرشد وأهليه التبرع(‪.)٣‬‬
‫وعند المالكية ال يجوز الرهن من مال المحجور(‪ )Attached‬إال إذا كان ذلك سدادا‪ ،‬ودعت اليه الحاجة والضرودة ‪.‬‬
‫(‪)٤‬‬

‫ثالثا – المرهون به‪:‬‬


‫وهو الدين و يشترط فيه أن يكون دينا أو مافى معناه فال يحوز الرهن باألعيان إذا كانت أمانة كالوديعة والعين المستأجرة‪.‬‬
‫(‪)٥‬‬
‫ومذهب مالك في هذا أنه يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع األثمان الواقعة في جميع البيوعات ورأس المال في السلم المتعلق بالذمة‬
‫كما يشترط فيه أن يكون ثابتا وقت الرهن سواء أكان ثابتا قبله أم ال‪.‬‬
‫–‪–234‬‬
‫وال يجوز أخذ الرهن بما ليس بواجب وال ماله إلى الوجوب كما ال يجوز أخذ الرهن بالجعل في الجعالة قبل العمل على الراجح عند‬
‫الحنابلة والشافعيةـ(‪.)۱‬‬
‫ويرى أبو حنيفة ومالك جواز الرهن على دين موعود(‪.)٢( )promised,fixed,determined‬‬
‫رابعا – المرهون‬
‫أن يكون محـال قابال للبيع أى أن يكون موجودا وقت العقد متفومـا مملو کما معلوما مقدور التسليم‪.‬‬
‫فال يجوز رهن ما ليس موجودا عند العقد والرهن الميتة الدم النعدام‪ .‬ماليتهما وقد اشترط الحنفية أن يكون المرهون مملوكا الراهن ألنه‬
‫ال يتصور قبض الجزء الشائع بينما تجيز بقية المذاهب رهن المشاع(‪ )٣‬سواء رهن بعض – نصيبه من المشاع أو رهن جميعه‪.‬‬
‫قبض الرهن‪.‬‬
‫ضة» أن الرهن ال يحكم له في الوثيقة إال بعد القبض فلو رهنه قوال ولم يقبضه فعال لم يوجب ذلك له‬ ‫ٌ‬ ‫َان َّم ْقبُو َ‬
‫يقتضى قوله تعالى «فَ ِره ٌ‬
‫حكما‪.‬‬
‫(‪)٤‬‬
‫وقال الشافعي لم يجعل هللا الحكم إال الرهن موصوف بالقبض فاذا هدمت الصفة وجب أن يعدم الحكم‬
‫و إذا قبض المرتهن الرهن لم يجز انتزاعه منه بل يجب استمرار القبض عند األمة الثالثة أبي حنيفة ومالك وابن حنبل بينما يرى االمام‬
‫الشافعي‬
‫–‪–235‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫االستدامة ليست شرطا فاذا قبض الدائن الرهن ولو مرة واحدة فقد لزم الرهن‬
‫وقد قال الجصاص‪ :‬الرهن ال يصح إال مقبوضا من وجهين‪.‬‬
‫ض ْونَ مِ نَ‬
‫َان مِ َّمن ت َْر َ‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬
‫ش ِهي َدي ِْن مِ ن ِ ّر َجا ِل ُك ْم ۖ فَِإن ل ْم يَ ُكونَا َر ُجلَي ِْن فَ َر ُج ٌل َو ْام َر ت ِ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه عطف على ما تقدم من قوله تعالى « َوا ْست َ ْش ِهدُوا َ‬
‫ش َهدَاءِ » ‪ ،‬فلما كان استيفاء العدد المذكور والصفة المشروطة للشهود واحبا وجب أن يكون كذلك حكم الرهن فيما شرط له من الصفة فال‬ ‫ال ُّ‬
‫يصح إال عليها كما ال تصح شهادة الشهود إال على األوصاف المذكورة‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬أن حكم الرهن مأخوذ من االية‪ ،‬واآلية إنما أجازته بهذه الصفة ويدل على أنه ال يصح إال مقبوضا أنه معلوم أنه وثيقة‬
‫لمرتهن بدينه ولو صح غير مقبوض لبطل معنى الوثيقة وكان بمنزلة سائر أموال الراهن التي الوثيقة للمرتهن فيها(‪.)۱‬‬
‫–‪–236‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫أحكام الرهن‬
‫مطلب‪ :‬آثار الرهن‪:‬‬
‫يری جمهور الفقهاء من الشافعيةـ والحنابلة والحنفية أن المال المرهون أمانة في يد الدائن المرتهن كالوديعة‪ ،‬فا ذا قبضه صار في ضمانه‬
‫استدالال يقول الرسول ﷺ بعد ما نفق فرس الرهن عند المرتهن «ذهب حقك» وقوله«إذا غمى الرهن فهو بما فيه»‪ ،‬معناه إذا اشتبهت‬
‫(‪)۱‬‬
‫قيمة الرهن بعد ما هلك فيجب على المرتهن أن يحفظ المال حفظ الوديعة بنفسه أو عند من يحفظ ما له عنده عادة‬
‫وقد قال الشافعي‪ :‬إن الرهن أمانة في يد المرتهن‪ ،‬وال يسقط شيء من الدين بهالكه لقوله عليه الصالة والسالم‪«:‬ال يغلق الرهن‪ ..‬لصاحبه‬
‫غنمه‪ ،‬وعليه عزمه»(‪ )٢‬ومعنى ذلك أن الرهن ال يصير مضمونا بالدين‪ ،‬وألنه وثيقة بالدين فهال كه ال يسقط الدين اعتبارا بهالك الصك‪.‬‬
‫ومالك على هذا الرأي األخير للشافعي‪،‬ـ فقد سئل عن هالك الرهن‪ .‬في طعام فقال‪ :‬ال ضمان عليك‪ ،‬ولك الطعام على صاحبك(‪ .)٣‬ومن‬
‫حيث االحتفاظ بالرهن واإلنفاق عليه يتفق الجمهور على أن نفقة الرهن على الراهن عمال بالحديث المذكور «‪ ..‬لصاحبه غنمه وعليه‬
‫غرمه»‬
‫–‪–237‬‬
‫ومن حيث رءايته واالتفاق عليه يری جمهور الشافعيةـ والمالكية و الظاهرية بأن كل ما يقوم المرتهن با نفاقه على المرهون تكون على‬
‫الراهن لقو له ﷺ «ال يغلق الرهن»‪.‬‬
‫وقد جاء في المغني البن قدامة(‪)۱‬أنه ال يمنع الراهن من إصالح المرهون ودفع الفساد عنه ومداواته إن احتاج إليها‪ ،‬وإن كان المرهون‬
‫تمرة فاحتاجت إلى سقى وتسوية فذلك على الراهن‪.‬‬
‫و يقول الحنفية بأن كل ما كان من حقوق الملك فهو على الراهن‪ ،‬وما كان من حقوق اليد فهو على المرتهن·‬
‫فأجرة البيت الذي يحفظ فيه الرهن على المرتهن‪ ،‬وكذلك أجرة الحافظ أما نفقة الرهن لبقائه فهى على الراهن‪ ،‬واألصل أن ما يحتاج إليه‬
‫لمصلحة الرهن وإبقائه فهو على الراهن‪ ،‬ألن العين باق على ملكه‪ ،‬وكذلك منافعهـ مملوكة له فيكون إصالحه وتبقيته عليه‪.‬‬
‫وعن أبي يوسف أن كراء البيت واجب على الراهن‪ ،‬النه بمنزلة النفقة وسعى في بقاء المرهون (‪.)٢‬‬
‫مطلب‪ :‬االنتفاع بالرهن‪:‬‬
‫الكالم في هذا المطلب يتضمن موضوعين‪:‬‬
‫( أ ) انتفاع المرتهن بالرهن‪.‬‬
‫( ب ) انتفاع الراهن بالرهن‪.‬‬
‫______________________________________________________________________________________________________________________________‬

‫(‪)۱‬ج ‪.٤٩٨ ،٤٩٧ / ٤‬‬


‫(‪ )٢‬الهداية ج ‪ ،١٣١ / ٤‬أحكام القرآن‪ ،‬الكيا المهراس ج ‪٠ ٤١٨ / ١‬‬
‫–‪–238‬‬
‫أوال‪ :‬انتفاع المرمن بالرهن‪.‬‬
‫المتفق عليه بين الفقهاء أن عين الرهن ملك الراهن‪ ،‬وأن يد المرتهن بد مؤقتة على الرهن حتى يستوفى دينه‪.‬‬
‫كما انفقوا أيضا على عدم جواز انتفاع المرتهن بالرهن إذا لم يأذن له المدين بذلك‪ ،‬وهو المالك األصلى‪ ،‬وذاك إذا لم يكن المرهون‬
‫مركوبا أو محلوبا‪.‬‬
‫فاذا أذن الراهن للمرتهن باالنتفاع‪ ،‬كان ذلك إباحة أو عارية له الرجوع ايها متى شاء‪،‬ـ ويقضى له باألجرة من حين الرجوع(‪.)۱‬‬
‫لكن إذا كان المرهون مما يركب أو يحلب‪ ،‬فقد جاز للمرتهن أن يركب الدابة وأن يحلبها نظير النفقة عليها‪ ،‬ألن الرهن إذا كان حيوانا فهو‬
‫محترم نفسه لحق هللا سبحانه‪ ،‬وللمالك فيه حق الملك‪ ،‬وللمر من حق الوثيقة فكان مقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن‬
‫(‪)٢‬‬
‫والحيوان أن يستوفى المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوض عنها بالنفقة‬
‫(‪)٣‬‬
‫وقد قال رسول ہللا ﷺ فيما رواه البخاري‪ « :‬الرهن يركب بنفقته ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا» ‪.‬‬
‫ولكن الجمهور قد تأولوا هذا الحديث‪ ،‬ورأوا أنه ترده أصول مجمع عليها‪ ،‬وحديث آخر في باب المظالم هو«ال تحلب ماشية امرىء بغير‬
‫(‪)٤‬‬
‫اذنه»‬
‫–‪–239‬‬
‫ومن هنا فان الرأى الراجح عند الحنيفية أنه يجوز انتفاع المرتهن بالرهن إذا أذن له الراهن‪ ،‬ألن الراهن هو المالك‪ ،‬وللمرتهن حق‬
‫الحبس دون االنتفاع‪ ،‬فان انتفع بالمرهون دون إذن كان متعديا‪ :‬وال يبطل عقد الرهن بالتعدى(‪.)۱‬‬
‫وكان مالك يرى أن الدين إذا كان ناتجا عن بيع فإن المرتهن أن ينتفع بالرهن‪ ،‬أما إذا كان الدين من قرض فال يجوز ذلك‪ ،‬ألنه يصير‬
‫سلفا جر منفعة إال أنه يرى في الدين الناتج من البيع إذا كان في الدور واألرضين أنه يجوز انتفاع المرتهن فيه بالرهن‪.‬‬
‫أما إذا كان في الحيوان والثياب فا نه يكره ذلك(‪.)٢‬‬
‫ويضيف ابن قدامة أن انتفاع المرتهن ال يجوز أن يكون مشروطا‪ ،‬ألن الشرط هنا فاسد‪.‬‬
‫ولكنه يجوز في المبيع كان يقول‪ :‬بعتك هذا الثوب بدينار بشرط أن ترهتنى خادمك يخدمني شهرا‪ ،‬فيكون بيعا وإجازة فهو صحيح ؛ و إن‬
‫أطلق فالشرط باطل(‪.)٣‬‬
‫ثانيا – انتفاع الراهن بالمرهون‪:‬‬
‫ذكرنا أن يد المرتهن على الرهن في مقابل الدين الذي في ذمة المدين‪ ،‬ومن ثم فإن من حق المرتهن أن يمنع الراهن من االنتفاع بالمال‬
‫المرهون إذا كان من شأن هذا االنتفاع أن يزيل يده أو يضيع دينه‪.‬‬
‫–‪–240‬‬
‫وهذا المبدأ هو الذي يتفق مع قول بعض الفقهاء باستدامة القبض‪.‬‬
‫والذين ال يقولون باستدامة القبض ـ كما أشرنا إلى ذلك من قبل – ال يرون بأسا بانتفاع الراهن بالمرهون شريطة أال يضار الدائن وأال‬
‫تزول يده عن الرهن‪.‬‬
‫فالحنفية والحنابلة مثال يمنعون انتفاع الراهن بالمرهون استخداما وركوبا ولبسا وسكنى‪ ،‬ألن حق الحبس ثابت للمرتهن على سبيل الدوام‪،‬‬
‫(‪)۱‬‬
‫وهذا يمنع االسترداد واالنتفاع‬
‫(‪)٢‬‬
‫وقد علق الفرملي على استخدام الراهن للرهن بقوله‪ ،‬والمعتمد عندنا في أن الرهن متى رجع إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن‬
‫ويرى الشافعيةـ واإلمامان مالك وأحمد أن للراهن أن ينتفع بالمرهون بنفسه أو بنائبه مدة تدخل في أجل الدين استنادا إلى الحديث الشريف‬
‫(‪)٣‬‬
‫«الظهر يركب بنفقته ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونا»‬
‫والن الرهن ال يزيل ملك الراهن في الحال أو في المآل‪ ،‬فال يزول حقه في استيفاء المنفعة بحيث ال يلحق الضرر بحق الدائن‪.‬‬
‫حق الرهن‪ :‬و يقابله – في الفقه الغربي ـ ما يسمى برهن الحيازة‪ ،‬وهو يقع على العقار وعلى المنقول على السواء‪.‬‬
‫–‪–241‬‬
‫والن عقد الرهن عقد يحبس به الدائن ماال للدين ضمانا الستيفاء حقه منه‪ ،‬فإن حق الرهن ـ بناء على ذلك ـ حق تبعى‪ ،‬ال نه ضمان‬
‫للدين‪ ،‬وهو حق عينى ال نه يتعلق مباشرة بالعين المرهونة‪.‬‬
‫وحق الدائن المرتهن في تتبع العين المرهونة في الفقه اإلسالمي أقوى منه في الفقه الغربي‪ ،‬ذلك الن الراهن – في الفقه اإلسالمي – ال‬
‫يستطيع أن يتصرف في العين المرهونة بغير إذن المرتهن‪ ،‬وإال فإن تصرف ال ينفذ‪.‬‬
‫أما في الفقه الغربي فان تصرف الراهن في المرهون ناقد‪ ،‬غير أن المرتهن يملك حق االحتجاج في مواجهة من تصرف له الراهن‪.‬‬
‫وإذا أقر المرتهن تصرف الراهن في العين المرهونة بالبيع نفذ البيع وأصبح الثمن هو الرهن بدال من المبيع‪.‬‬
‫وأما حق التقدم فانه يكون عنداستيفاء المرتهن الدين من العين المرهونة فتباع المعين ؛ ويتقدم للدان في استيفاء حقه من تمنها على‬
‫الدائنين اآلخرين الذين ليس لهم رضن على العين‪.‬‬
‫وحق الدائن يتعلق بمالية العين ال بذاتها‪ ،‬ومن ثم فان أمين المرهونة إذا هلكت في يد المرتهن دون تعمد أو تعد هلكت عليه اال قل من‬
‫(‪.)۱‬‬
‫قيمتها وقت القبض ومن الدين ؛ وما زاد من قيمتها على الدين فهو أمانة في يد المرتهن ال ضمان فيه‬
‫مطلب‪ :‬انقضاء الرهن(‪.)٢‬‬
‫ينقضى الرهن ويخرج المرهون عن كونه مرهونا بأحد األسباب اآلتية‪.:‬‬
‫–‪–242‬‬
‫‪ – ١‬اإلقالة ألنها فسخ العقد و نقده‪ ،‬إال أن الرهن ال بنتهى بمجرد االقالة‪ ،‬بل حين يرد المرتهن الرهن على الراهن بعد اإلقالة‪ ،‬ألن من‬
‫حق المرتهن أن يحبس الرهن حتى بعد اإلقالة‪ ،‬ولما كان العقد ال ينعقد بدون القبض‪ ،‬فانه ال ينفسخ بدون الرد‪.‬‬
‫‪ – ٢‬يخرج المرهون أيضا عن كونه مرهونا بالبيع‪ ،‬سواء أكان البائع هو الراهن‪ ،‬أم كان المرتهن باذن الراهن‪ ،‬ألن ملك المرهون قد‬
‫زال بالبيع‪ ،‬وإن لم يبطل الرهن ذاته‪ ،‬بل زال إلى خلف وهو ثمن المبيع‪.‬‬
‫وليس على المرتهن أن يمكن الراهن من البيع حتى يقضيه الدين ولو قضاء البعض فله أن يحبس كل الرهن حتى يستوفى البقية‪.‬‬
‫‪ – ٣‬الوفاء بالدين يزيل الرهن ويخرج المرهون من كونه مرهونا‪ ،‬فاذا قضى الراهن الدين وتسلمه المرتهن‪ ،‬قيل للمرتهن‪ :‬سلم الرهن‬
‫إليه‪ ،‬ألنه زال المانع من التسليم لوصول الحق إلى مستحقه‪.‬‬
‫(‪)freed‬‬
‫من الرهن بمقدار الدين‪.‬‬ ‫‪ – ٤‬إذا تعدد المرتهنون على عين واحدة مرهونة‪ ،‬وتسلم أحد هؤالء المرتهنين دينه من الراهن اتفك‬
‫وقد أشرنا قبل ذلك إلى أن الحنفية لم يجوزوا رهن المال الشائع‪.‬‬
‫‪ – ٥‬إبراء المرتهن لمدينه من الدين يزيل الدين و الرهن معا‪ ،‬فاذا أبرأه من الرهن انفك الرهن و بقى الدين على حالة هذه بعض أحكام‬
‫الرهن الكل األحكام‪ ،‬وقد عرضناها بقدر ما اتسع له الوقت والجهد‪.‬‬
‫–‪–243‬‬
‫ونرجو أن يتسع لعرض هذا الموضوع تفصيليا وقت أطول وجهد أكثر وأدق‪.‬‬
‫والحمد هلل أوال وأخيراً‪..‬‬
‫سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أال إله إال أنت‪ ،‬نستغفرك ونتوب إليكد‬
‫ذو القعدة ‪ 1404‬ھ‬
‫أغسطس ‪١٩١٤‬م‬

You might also like