Professional Documents
Culture Documents
الديون و توثيقها في الفقه الاسلامى للدكتور عبداللطيف محمد عامر القسم الثانى وسائل توثيق الديون
الديون و توثيقها في الفقه الاسلامى للدكتور عبداللطيف محمد عامر القسم الثانى وسائل توثيق الديون
الديون و و ي ها
ف
ي
القسم الثاين
وسائل توثيق الديون
خطة البحث:
تمهيد عن وسائل التوثيق بصفة عامة.
* الفصل األول :الحوالة
––123
«تلقت المالئكة روح رجل ممن كان قبلكم» فقالوا :أعملت من الخرب شيئا؟ قال :ال قالوا :تذكر قال
كنت أداين الناس وآمر فتياين أن ينظروا المعرس ويتجوزوا من المورس قال :قال هللا عز وجل ،تجوزوا عنه» ( صحیح مسلم باب
فضل انظار المعرص ج .)١٠ / ٢٢٤
* «مطل الغىن ظلم وإذا اتبع أحدكم عىل ميل ء فليتبع» (صحيح مسلم ج ۱۰باب تحريم مطل الغىن وصحة الحوالة « * )٢٢٧ /أنا
ني رت ىف ني
أوىل بالمؤمن من أنفسهم .فمن تو من المؤمن ف ك دينا فعىل قضاؤه ،ومن ترك ماال فلورثته» (البخاري ج 3باب الكفالة يف
القرض والديون ١٢٨ /ط الشعب)
* « ال يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ،له غنمه ،وعليه غرمه» (سبل السالم ج 3باب السلم والقرض والرهن )٨٧٠ /
––124
تمهيد:
كلمة التوثيق مأخوذة من كلمة الثقة ،فلو قلنا إن الدائن – مثال – يف مدينه ،فإننا نقصد بذلك أنه يعطيه المال دينا ويعلم أن هذا المال
سيعود إليه يف الحارض أو المستقبل.
فما يعود إليه يف الحارض هو ما يعرف بالدين العاجل ،وما يعود إليه يف المستقبل هو ما يعرف بالدين األجل.
والثقة المتبادلة بني الدائن والمدين يه اليت تجعل المدين بأخذ المال من الدائن وهو ينوى ان يرده.
وهذه النية نفسها تعطيه ثقة بأنه سيقدر عىل األداء ،حيث يقول رسول هللا ﷺ « من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى هللا عنه،
ومن أخذها يريد إتالفها أتلفه هللا(»)۱
كما أن هذه الثقة يه اليت تزرع اإلحساس باألمان يف نفس الدائن ،حيث يعىط المال للمحتاج إليه وهو واثق أن هذا المال لن يضيع يف
الدنيا حيث يرد إليه ،ولن يضيع يف اآلخرة حيث يؤجر عليه ·
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
––125
وقد جاء يف «المعجم الوسيط»( )۱وثق بفالن يثق ثقة ائتمنه ،فهو واثق به.
ووثق اليش ء وثاقة قوى وثبت صار محكما ،ووثق فالن :أخذ بالوثيفة يف أمره فهذا األمر وثيق ،ومؤنثة وثيقة ،يقال .دابة وثيقة
الخلق ومروة وثيقة محكمة ال تنقطع وال تنفصم.
وأوثق فالنا إثيانا جعله وثيقا ،وواثقه عاهده ،:تقول :واثقته باهلل ألفعلن كذا ،ومنه قوله تعاىل «واذكروا نعمة هللا عليكم وميثاقه
الذي واثكم به»(.)٢
وتواثق القوم عىل األمر تعاهدوا وتحالفوا ،وتوثق يف األمر ومن األمر أخذ فيه بالوثيقة أو بالثقة.
والوثيقة الصلة بالدين أو الرب اءة منه ،والوثيقة المستند وماجري هذا المجزي ،والجمع وثائق.
والموثق االئتمان ،ويطلق عىل العهد المؤكد ألنه يقع يف االئتمان ،وهو الوارد يف القرآن الكريم يف قوله تعاىل عىل لسان يوسف عليه
َُ َ ۡ ُ ۡ َ ٗ َ َ ُ ۡ َ یّٰت ُ ۡ ُ ۡ َ ۡ ً ِّ َ ہّٰلل َ َ ۡ ُ َّ ۡ ۤ اَّل ۤ َ ۡ ُّ َ َ ُ ۡ َ َ َّ ۤ ٰ َ ۡ ُ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ہّٰلل یٰل
ال ا ُ َع َما نق ۡو ُل َو ِک ۡی ٌل»
()٣
السالم قال«لن ار ِسلہ معکم ح تٔوتو ِن مو ِثقا من ا ِ لتاتنیِن ِب ٖہ ِا ان یحاط ِبکم ۚ فلما اتوہ مو ِثقہم ق
ويقال يف التفضيل ،العقد األوثق والعروة الوثىق ،والمتمسك بالدين متمسك بالعروة الوثىق ،أي متمسك بحبل متني يعصمه من
الزلل ،يقول هللا
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
––126
ۡ ۡ یٰق َ ۡ َ َ ۡ َّ ۡ ُ ۡ َّ ُ ۡ َ ُ ۡ ۡۢ ہّٰلل َ َ ۡ َ
است ۡم َسک ِبال ُع ۡر َو ِۃ ال ُوث (»)۱ تعاىل «فمن یکفر ِبالطاغو ِت و یٔو ِمن ِبا ِ فق ِد
وهذه المادة قد وردت بصبغ كثري ة يف القرآن الكريم تدل كلها عىل معىن الثقة واالئتمان والتقوية منها الموثق والوثاق والميثاق
وغري ها.
توثيق الدين:
يقصد بتوثيق الدين تشبيته يف ذمة المدين وتقويته وتأكيده حقا للدائن فال يضيع.
ومن أجل هذا التثبيت والتأكيد كان ال بد أن تكون هناك وسائل متعددة يتفق عليها فيما بينهما ،ويكون الهدف منها واضحا أمام كل
()٣
منهما ولقد بينت آية المداينة()٢بعض هذه الوسائل ،وهذه اآلية يه أطول آية يف القرآن الكريم ،وقد وصفها ابن العريب بقوله
«يه آية عظىم يف األحكام ،مبينة حمال من الحالل والحرام ،ويه أصل يف مسائل البيوع وكثري من الفروع»
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
( )۲يم قوله تعاىل « يا أيها الذين آمنوا إذا تداينم بدين ...اآلية» (البقرة )۲۸۲ /
––127
كتابة الديون
يقول هللا سبحانه وتعالى في هذه اآلية:
ب َك َما َعلَّ َمهُ هَّللا ُ ۚ فَ ْليَ ْكتُبْ س ًّمى فَا ْكتُبُوه ۚ َو ْليَ ْكتُب بَّ ْينَ ُك ْم كَاتِبٌ بِ ْالعَ ْد ِل ۚ َواَل يَْأ َ
ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ «يَا َأيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا ت َ َدايَنتُم ِب َدي ٍْن ِإلَ ٰى َأ َج ٍل ُّم َ
ق هَّللا َ َربَّهُ»... َو ْلي ُْم ِل ِل الَّذِي َعلَ ْي ِه ْال َح ُّق َو ْليَت َّ ِ
ولقد جاءت هذه اآلية الكريمة بعد األمر باالتفاق في سبيل هللا ،والنهي عن الربا الذي يناقض الصدقة ،فما زالت سلطة صاحب الربا
الذي حرمه هللا ،ولم يبق له إال رأس ماله ،وقد أمر فيه باء نظار المعسر (فنظرة إلى ميسرة) ،والتصدق على غير القادر على األداء
()۱
«وأن تصدقوا خير لكم» ،وكان ال بد لحفظ المال من كتابته إذ ربما يخشى ضياعه باإلنظار إلى األجل ،جاء بعد أحكام الدين ونحوه
والكتابة المقصودة في اآلية هي كتابة صك بين الدائن والمدين ال والمدين للتذكير بالدين عقد حلول األجل ،فقد ينسى أحدهما هذا الدين،
أو ينسى مقداره ،وقد يموت أحدها قبل أن يحمل وقت األداء ،أو قد ينكر أحدهما المبلغ الحقيقي للدين فيزيد الدائن في هذا المبلغ أو ينقص
المدين فيه .....إلى آخر هذه االحتماالت فتكون الكتابة وسيلة إلى ضمان الدين تحديد مقداره وزمن الوفاء به.
ولقد شرعت الكتابة منذ الزمن األول ،فلقد روى ابن جرير عن سعيد
––128
ابن المسيب أنه بلغه :أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين( ،)۱وروى اإلمام أحمد عن ابن عباس أنه قال( :لما نزلت آية الدين قال رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم :إن أول من جحد آدم عليه السالم ،إن هللا لما خلق آدم مسح ظهره ،فأخرج منه ما هو ذارئ()٢إلى يوم القيامة ،فجعـل
يعرض ذريته عليه ،فرأى فيهم رجال يزهر( ،)٣فقال :أي رب من هذا ؟ قال :هوا بنك داود قال :أي رب كم عمره ؟ قال ستون عاما ،قال:
رب زد في عمره قال :ال ،إال أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف سنه ،فراده أر بعين عاما ،فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه
المالئكة ،فلما احتضر آدم وأتته المالئكة ،قال :إنه قد بقى من عمري أربعون عاما ،فقيل :إنك قد وهبتها البنك داود قال :ما فعلت ،فأبرز
()٤
هللا عليه الكتاب وأشهد عليه المالئكة.
ولقد بينت اآلية أن الكتابة للدين تكون بيان جميع صفاته التي أوضحه وتزيل الخالف حوله بين الدائن والمدين فتذكر ۔ مثال ۔ مقداره
صغيرا كان أم كبرا ،وصفته من حيث الجودة والرداءة ،أومن حيث نوع العملة ،وكيفية أدائه عاجال أم آجال إلى غير ذلك.
ولذلك فقد جعلت اآلية الكتابة بين اثنين:
كاتب :يكتب بالعدل ال يزيد وال ينقص ،وال يميل إلى أحد الجانبين ولقد ذكر العلماء أن العـدل في الكاتب يستلزم العام بشروط المعامالتـ
التي
––129
تحفظ الحقوق ،ألن الكاتب الجاهل قد يترك بعض الشروط أو يزيد فيها أو يبهم في الكتابة بجهله فيلتبس بذلك الحق بالباطل.
ويؤيد ذلك ما جاء في اآلية نفسها من وصف الكاتب بقوله تعالى:
ب َك َما َعلَّ َمهُ اللَّ» ،فان تعليم هللا إباه ليس خاصا بصناعة الكتابة ،بل هو يعم ما وفقه له من علم األحكام والفقه «واَل يَْأ َ
ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ َ
فيها ،والكتابة ال تكون ضمانا تاما إال إذا كان الكاتب عالما بما يجب عامه في ذلك من األحكام الشرعية.
()۱
الساعة ولقد علق اإلمام محمد عبده على هذه الصفة في كاتب الديون بقوله
إن كاتب العقود والوثائق بمنزلة المحكمة الفاصلة بين الناس ،وليس كل من يخط بالقلم أهال لذلك ،وإنما أهله من يكون عادال عارفا
بالحقوق واألحكام.
وهذه قاعدة شرعية ال يجاد المقتدرين على كتابة العقود ،وهو ما يسمونه اليوم «العقود الرسمية»
ومن هنا – أيضا – يجب أن يكون الكاتب غير المتعاقدين وإن كانا يخستان الكتابة ،لئال يغالط أحدها اآلخر أو يغشه.
وعليه العمل اآلن ،فان للعقود الرسمية كتابا يختصون بها.
ُممل ،وهو الذي يملى الكاتب ،وقد وصفته اآلية بأنه «الذي عليه الحق» أي المدين وهو الذي على ألنه المقر بالدين والملتزم به ،ولو
كان الدائن هو الذي يملى لم ينفع إمالؤه حتى يقر الذي عليه الحق ،فألجل ذلك كانت البداية فيه ،ألن القول قوله.
––130
وإلى هذه الحكمة وقعت اإلشارة يقول الرسول ﷺ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر(»)۱
ولقد اشترط في المدين أن يكون قادرا على اإلمالء ،فال يكون صفيها أو ضعيفا.
وقيل في السفيه إنه الجاهل أو الصبي أو المبذر لماله المفسد لدينه.
كما قيل في الضعيف إنه األحمق أو األخرس أو الغبي ،كذلك يطلق الضعيف على ضعيف العقل أو ضعيف البدن(.)٢
وعلى وجه العموم فان العاجز عن اإلمالء ألي سبب من هذه األسباب أو غيرها ال يجوز له أن يملى.
ومن هنا قال تعالى« :فَ ْلي ُْمل ِْل َو ِليُّهُ بِ ْالعَ ْد ِل » وقد اختلف الناس على ما يعود ضمير «وليه» على قولين.
األول :يعود على الحق ،والتقدير «فليملل ولى الحق»
الثاني :أنه يعود على الذي عليه الحق ،والتقدير :فليملل ولى الذي عليه الحق الممنوع من اإلمالء بالسفه والضعف والعجر.
واألرجح الثاني ،ألنه صاحب الولي في اإلطالق ،يقال ،ولى السفيه ،وولى الضعيف ،وال يقال ولى الحق ،إنما يقال صاحب الحق(.)٣
––131
داللة األمر بالكتابة(:)۱
يرى أكثر العلماءـ أن األمر بالكتابة في قوله تعالى«:واكتبوه» هو للندب واإلرشاد وقد نبه على ذلك في آخر اآلية بقولهٰ «:ذَ ِل ُك ْم َأ ْق َ
س ُ
ط عِن َد
ش َها َدةِ َوَأ ْدن َٰى َأاَّل ت َْرت َابُوا».
هَّللا ِ َوَأ ْق َو ُم لِل َّ
وعن ابن عباس قال :أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى ،أن هللا أحله وأذن فيه ،ثم قرأ« :يَا َأيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإذَا ت َ َدايَنتُم بِ َدي ٍْن ِإلَ ٰى
س ًّمى»( ،)٢وقد روى ليث عن مجاهد أن ابن عمر كان إذا باع أشهد ولم يكتب ،وهذا يدل على أنه رآه ندبا ،ألنه لو كان واجبا لكانت َأ َج ٍل ُّم َ
الكتابة مع االشهاد ألنه مأمور بهما في اآلية.
وقال الجصاص :ال يخلو قوله تعالى «فاكتبوه» من أن يكون موجبا للكتابة ،وكان هذا حكما مستقرا ثابتا إلى أن ورد نسخ إيجابه بقوله
ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ» ،فإن كان كذلك فغير جائز أن يكون المراد بالكتاب واإلشهاد االيجاب ،المتناع
تعالى «فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ
ورود الناسخ والمنسوخ معافى شيء واحد.
ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ» ،فثبت بذلك أن األمر بالكتابة
ولم يرد األمر بالكتاب واإلشهاد إال مقرونا بقوله تعالى «فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ
()٣
واإلشهاد ندب غير واجب
وال يكاد ينفرد بالقول بوجوب الكتابة واإلشهاد إال ابن حزم .،
––132
حيث يقول :ال يجوز أن يقول هللا «فاكتبوه» ،فيقول قائل :ال أكتب إن شئت ،ويقول هللا« :وأشهدوا» فيقول قائل :ال أشهد(.)۱
ويرد عليه بأن القائل الندب ال يقول :ال أكتب ...ال أشهد ،و إنما يقول :يستجب وينبغي أن يكتب ويشهد عليه ،قياسا على قوله تعالى «ِإذَا
صاَل ة ُ فَانتَش ُِروا فِي اَأْل ْر ِ
ض َوا ْبتَغُوا( ،»)٣فانه ال يجب على المحرم – في اآلية األولى – أن ت ال َّ طادُوا(»)٢وقوله« :فَِإذَا قُ ِ
ضي َ ِ َحلَ ْلت ُ ْم فَا ْ
ص َ
()٤
يصطاد ،وال على الذي قضى صالته – في الثانية – أن ينتشر في األرض .
و ما روي عن ابن عباس من آية الدين محكمةـ لم ينسخ منها شيء الداللة فيه على أنه رأى اإلشهاد واجبا ،ألله جائز أن يريد أن الجميع
ض ُكم بَ ْعضًا فَ ْليَُؤ ِ ّد الَّذِي اْؤ تُمِ نَ َأ َمانَتَهُ» .وال
ورد مما ،فكان في نسق التالوة ما أوجب أن يكون االشهادـ ندبا وهو قوله تعالى«:فَِإ ْن َأمِ نَ بَ ْع ُ
يتعارض األمر بكتابه الديون مع ما ثبت في الصحيحين عن عبدهللا ابن عمر أن النبي ﷺ قال« :إنا أمة أمية ال نكتب وال نحسب» فان
الدين – هو الذي االعتقاد – غير مفتقر إلى كتابة أصال ،ألن كتاب هللا قد سول هللا حفظه على الناس ويسره لهم ،والسنن أيضا محفوظة
عن رسول هللا ﷺ.
ولكن الذي أمر بكتابته إنما هو أشياء جزئية تقع بين الناس ،وقد أمروا فيها بالكتابة أمر إرشاد ال أمر إيجاب(.)٥
____________________________________________________________________________
()۱المحلى ج ۰ ۸۰/۸
( )۲سورة المائدة .۲ /
( )۳سورة الحجمة .10 /
()٤أنظر إعالن الش ج 510–513 / 14
( )٥عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير ،اختصار وتحقيق :أحمد محمد شا کر ج۱۰۱/۲
––133
– ٢اإلشهاد
يقول هللا تعالى:
ش َهدَاءِ َأن ت ِ
َض َّل ِإحْ َدا ُه َما فَتُذَ ّك َِر ِإحْ َدا ُه َما ض ْونَ مِ نَ ال ُّ ش ِهي َدي ِْن مِ ن ِ ّر َجا ِل ُك ْم ۖ فَِإن لَّ ْم يَ ُكونَا َر ُجلَي ِْن فَ َر ُج ٌل َو ْام َرَأت ِ
َان مِ َّمن ت َْر َ ...وا ْست َ ْش ِهدُوا َ
« َ
َ
ب الش َه َدا ُء ِإذا َما ُدعُوا ۚ». ُّ ْأ
اُأْل ْخ َر ٰى ۚ َو يَ َ
اَل
«وَأ ْش ِهدُوا ذَ َو ْ
ي َع ْد ٍل ِ ّمن ُك ْم»(.)۱ وقد نبهت آية آخرى إلى توفر صفة العدالة في الشهود حيث يقول تعالىَ :
فإذا اجتمعت هاتان الصفتان– الرضا والعدل – في الشهود فقـد انتفت التهمة.
التحمل واألداء للشهادة:
قد يطلب من الشخص أن يشهد الواقعة أي يحضرها ،وقد يطلب منه أن يؤدي الشهادة أي يصف الواقعة التي حضرها ويثبتها وهللا تعالى
ش َه َدا ُء ِإذَا َما ُدعُوا» تعالى«:واَل يَْأ َ
ب ال ُّ َ يقول في ذلك« :تفسير قوله
وقد قال البعض إن المراد بذلك حالة التحمل للشهادة ،وهي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ،الن إباء الناس جميعا لتحمل
الشهادة إضاءة للحقوق ،وألن قيامهم جميعا ً بهذا التحمل إضاعة للمصالح الوقت ولهذا المعنى جعلها أهل بعض البالد والية يخصص لها
بعض الناس ويقيمهم الحاكم أو نائبه ،ويقيمهم للناس ويبرزهم لهم و يجعل لهم من بيت المال كفايتهم ،فال يكون لهم شغل إال حفظ حقوق
الناس يتحمل الشهادة إذ تصبوا لذلك ،و باألداء إذا طلب منهم ا األداء(.)٢
ب َك َما َعلَّ َمهُ هَّللا ُ» ،والمقصود أنه ال يتخلف أحد عن القيام بواجب «واَل يَْأ َ
ب كَاتِبٌ َأن يَ ْكت ُ َ وهذا المعنى هو نظير قوله تعالى في الكتابة َ
ندب إليه أو كان صالحا للقيام به.
____________________________________________________________________________
()٢
()۱سورة الطالق /آیه
انظر أحكام القرآن البن العربي ( مسابق )
––136
ش َه َدا ُء ِإذَا َما ُدعُوا» أن المقصود به اداء الشهادة ،لحقيقة قوله «الشهداء» ،والشاهد حقيقة ومذهب الجمهور في قوله تعالى ( َواَل يَْأ َ
ب ال ُّ
()۱
فيمن تحمل ،فاذا دعى ألدائها فعليه اإلجابة إذا تعينت أي تكون فرض عين ،وإال فهى فرض كفاية .
وقد قال غير واحد من العلماء :إذا دعيت لتشهد فأبت بالخيار ،وإذا شهدتـ فدعیت ت فأجب .فجعلوا تحمل الشهادة بالخيار ،وجعلوا
أداءها واجبا عند الدعوة إليها.
وقد ثبت في صحيح مسلم()٢أن رسول ہللا ﷺ قال« :أال أخبركم بخبر الشهداء ؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها»
ش َها َدة َ ۚ َو َمن يَ ْكت ُ ْم َها فَِإنَّهُ آثِ ٌم قَ ْلبُهُ ۗ»
أي أنه قد حمل الشهادة أوال ،ثم أراد أن يؤديها وإن لم تطلب منه عمال بقوله تعالىَ ۗ«:واَل ت َ ْكت ُ ُموا ال َّ
أما الحديث اآلخر الذي ثبت في الصحيحين ،ومنه قوله ﷺ« :ثم قوم تسبق إبنائهم شهادتهم،ـ وتسبق شهاتهم أيمانهم» وفي رواية«ثم بأتى
قوم يشهدون وال يستشهدون»( )٣وهؤالء هم شهود الزور ،وقد روى عن ابن عباس والحسن البصري أنها يهم الحالين :التحمل واألداء.
––137
–۳الرهرن
يقول هللا تعالى:
ضةٌ ۖ»
َان َّم ْقبُو َ
سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ
«وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ
َ
فالرهن من طرق تو ثيق الدين ،وسوف تخصص له – بتوفيق هللا – مبحثا مستقال.
ولكن اآلية هنا بظاهرها قد حكمت بمشروعيته عند السفر وعدم وجود الكاتب الذي يكتب الدين.
قال ابن عباس :أو وجدوا الكاتب ولم يجدوا فرطاسا أو دواة أو قلما ،أى تعذرت وسائل الكتابة على العموم.
و من العلماء من حمل اآلية على ظاهرها ،ولم يجوز الرحمن إال في السفر.
قاله مجاهد وكافة العلماء يردون ذلك ،ألن هذا الكالم وإن كان قد خرج مخرج الشرط ،فالمراد به غالب األحوال ،والدليل على ذلك
()۱
ماثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول ہللا ﷺ توفى ودرعه مرهونه عند يهودي على ثالثين وسقا من شعير رهنها قوتا ألهله»
وقد استدل بقوله «فرهان مقبوضه» على أن الرهن ال يلزم إال بالقبض ،كما هو مذهب الشافعي والجمهور ،وقد قال الشافعي :لم يجعل
هللا القش
––138
الحكم إال لرهن موصوف بالقبض ،فاذا عدمت الصفة وجب أن عدم الحكم.
وعلى جواز رهن الدين بناء على جوازرهن العين ،وذلك كما إذا تعامل رجالن ألحدها على اآلخر دين فرهنه دينا الذي له عليه:
وذهب مالك إلى أنه بصح اال رتهان باإليجاب والقبول من دون قبض.
وقال آخرون إذ اصار الرهن عند العدل فهو مقبوض حقيقة ألن العدل نائب عن صاحب الحق ما عنى له الوكيل:
وقد قال ابن حزم بعدم جواز اشتراط الرهن إال في البيع إلى أجل مسمى في السفر ،وحجته في ذلك أن اشتراط الرهن شرط وقد قال
رسول هللا ﷺ «كل شرط ليس في كتاب هللا فهو باطل وإن كان مالبة شرط» وقال تعالىِ« :إ َذا ت َ َدايَنتُم ِب َدي ٍْن ِإلَ ٰى َأ َج ٍل ُّم َ
س ًّمى فَا ْكتُبُوهُ» إلى
ضةٌ ۖ» فهنا يجوز اشتراط الرهن حيث أجازه هللا تعالى والدين إلى أجل مسمى ال َان َّم ْقبُو َ
سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ
قوله«:وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ
َ
يعدو أن يكون بيعا(.)۱
والظاهر من كالم ابن حزم أنه ال يمنع من الرهن ولكنه يمنع اشتراطه عند العقد فاذا قدم المدين رهنـا من غير اشتراط فهو باب التطوع
والتطوع بما لم ينه عنه حسن.
––139
وهناك تفصيالت كثيرة حول الرهن نستنبط من اآلية أو تكون تقريعات فقهية في موضوع الرهن ذاته ،ونرجو أن تعرض لهذه التفريعاتـ
في حينها.
هذه وسائل التوثيق التي عرضتها اآلية ،وأحسب أنها تصلح أساسا ً لدراسة عقود التوثق وهي:
الحوالة – الكفالة – الرهن.
وهي ما نحاول عرضها في الصفحات التالية بعون هللا وتوفيقه:
––140
الفصل األول
الحوالة
خطة البحث:
تعريفها في المذاهب الفقهية المختلفة ،والموازنة بين هذه التعريفات
– تعريفها في القانون.
– مشروعيتها من األدلة المختلفة.
– أركان الحوالة وشروطها.
– صيغتها.
– حكم التزام كل طرف بأحكام الحوالة.
– أثر الحوالة في انتقال الدين أو انقضائه.
– حق رجوع كل من المحال والمحال عليه بمثل مال الحواله.
– انتهاء حكم الحوالة.
––141
المبحث األول
تعريف الحوالة:
–۱جاء في تعريف الحنفية للحوالة ما يلى:
«نقل الدين من ذمة إلى ذمة(»)۱
()٢
– نقل الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه
–٢وعنـد المـالكـية:
طرح الدين طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى( ،»)٣أو هي«نقل الدين حق ذمة بمثله الى أخرى( »)٤ويقول عياض :إن أكثر المالكية
على أن الحوالة بيع دين بدين ،ولكنها رخصة إستنيت من يبيع الدين بالد ين ومن بيع العين()٥بالعين فلم يشترط فيما حضور المحال عليه
وإقراره بما عليه حق الدين ،ولم يشترط فيها أن تكون يدا ً بيد كما في بيع المين بالعين.
–٣وعند الحنابلة:
براها بعض الحنابلة أنها من قبيل بيع الدين بالدين ،ويقولون إن
––142
المحيل يشترى ما في ذمته بماله في ذمة المحال عليه ،وجازت ترخيصا ويراها أكثر الحنابلة نقال للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال
عليه(.)۱
– ٤وعند الشافعية:
من الشافعيةـ من يرى أن الحوالة نقل دين من ذمة إلى أخرى كما يراها الحنفية()٢ومنهم من يراها استيفاء ،فهى نوع من أنواع الوفاء
يستوفى بها المحال دينه بما للمحيل في ذمة المحال عليه ،ومنهم من يقول إنها إسقاط بعوض ،أي أن المحال تنازل عن دينه الثابت له في
ذمة المحال عليه.
ورأى يقزل أنها دين بدين جوز للحاجة ،وهذا هو الرأى األصح ورأي يقول أنها عند الشافعيةـ(.)٣
مالحظات على التعريفات السابقة:
–١يظهر الفرق بين تعريفى الحنفية للحوالة بأنها ـ في التعريف األول نقل للمحال المحال به من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
أما هي في التعريف الثاني فانها نقل للمال والمطالبه معا ،ومعنى ذلك أن ذمة المحيل تبرأ من الدين ،والن يكون هو نفسه هدفا للمطالبة
به ولقد إختلف الحنفية في كيفية النقل مع اتفاقهم على ثبوت أصله موجبا ً للحوالة.
––143
فقال أبو حنيفه وأبو يوسف :إن الحوالة نقل للمطالبة والدين معا من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ،ومعنى هذا أن المحال عليه يكون
هدفا لمطالبة الدائن ،ويكون أيضا ً ملزما بأداء الدين ،بينما تبرأ ذمة المحمل – وهو المدين األصلى ـ من المطالبة ومن الدين جميعا ً(.)۱
وحجة هذا الرأى أن الحوالة ألنها مشتقة من التحويل فانها توجب النقل وألن اسمها ( حوالة الدين ) ،فهي تقتضى نقل ما أضيفت إليه
وهو الدين.
وإذا قال المدين :أحلت بالدين أو أحلت فالنا بدينه فان ذلك يوجب انتقال الدين إلى المحال عليه ،إال أنه إذا إنتقل أصل الدين إليه تنتقل
المطالبة ألنها تابعة.
هذا إلى أن المحتال إذا أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه له البراءة أو الهبة ،وعلى العكس لو أبرأ المحيل أو وهبه الدين ال يصبح
()٢
ذلك ألن عليك الدين غير جائز
ويرى محمد أن الحوالة نقل للمطالبة فقط ،أما أصل الدين فيبقى في ذمة المحيل .وحجة هذا الرأي من االجماع والمعقول:
أما اإلجماع فإن المحيل إذا قضى دين الطالب بعد الحوالة وقبل أن يؤدى المحال عليه ،فانه ال يكون متطوعا ،بهذا العمل ،ولو لم يكن
عليه دين لكان متطوعاً ،كما إذا تطوع أجنبى بقضاء دين إنسان على غيره ،ولو كان له عليه دين فان هذا الدين الذي له يذهب مع الدين
الذي عليه.
وذلك دليل على أن الدين يبقى في ذمة المدين األصلي.
––144
أما المعقول فهو أن الحوالة شرعت وثيقة الدين ،وليس معنى الوثيقة إبراء المدين بل هي فقط نقل المطالبة مع قيام أصل الدين في ذمة
المحيل ،كما أن المحتال لو أبرأ المحال عليه صحت البراءة ولما ارتدت برده ،کإبراء الكفيل ولو كان مدينا الرتدت برده لما فيها من
معنى التمليك(.)۱
وفي هذه الصورة من اإلبراء اليرجع المحال عليه بالدين على المحيل ولوكانت الحوالة بأمره كما في الكفالة ألنه إبراء من المطالبة
ولكن إذا وهبه الدين كان للمحال عليه أن يرجع على المحيل ،ولو كان له على المحيل دين فان له أن ينقص مقدار ما وهب للمحيل عنده.
ولو كان الدين قد تحول إلى ذمة المحال عليه لكان اإلبراء والهبة في حقه سواء( .)٢ونظهر نتيجة الخالف بين الرأيين ( رأى أبي حنيفة
وأبي يوسف من جهة ،ورأى محمد من جهة أخرى ) فيما بلى:
(ا) إذا احتبس البائع العين المبيعة استيفاء الثمن ،ثم حوله المشترى إلى شخص ثالث ؛ فان هذا المشترى يبرأ من الثمن والمطالبه على
رأى أبي يوسف ،وال يبرأ أال من المطالبه على رأى محمد.
(ب) إذا أبرأ المحال المحيل بعد الحوالة فال يصح اإلبراء وفقا لرأي أبي يوسف األنه لم يصادف محال وهو دين تشغل به ذمة البرأ.
ووفقا الرأى محمـد فان البراءة صحيحه ألن ذمة المحيل ما زالت مشغولة بالدين( )٣ویری زفر أن الحوالة ال ينتقل فيها الدين ،وال
المطالبة من ذمة المدين إلى ذمة المحال عليه ،بل تضم ذمة المحال عليه إلى ذمة المدين في المطالبة.
وال يزيد ذلك على أن يكون كفالة ،ومعنى ذلك أنه يرى الحوالة كفالة من حيث أن كال منها توثيق للدين.
––145
وهذا على عكس الرأي القائل بأن كال منهما توجب براءة األصيل ،ألن مطالبة الكفيل تقتضى وجود الدين في ذمته ،ويترتب على هذا
فراغ ذمة األصيل منه(.)۱
–۲يتضح من تعريف المالكية للحوالة أنها معاوضة ،ويشترطون وجود دين للمحيل على المحال عليه ،فاذا لم توجد هذا الدين ،فليست
العملية حوالة ،وإنما هي حوالة يترتب عليها أن يلزم المدين الجديد في مواجهة الدائن كما يلتزم الكفيل ،ولكن المدين األصلى ال يبرأ إال
إذا تخلى الدائن صراحة عن مطالبته(.)٢
–۳يتفق أكنا الحنابلة مع أبي يوسف في أن الحوالة نقلى للدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
– ٤نظرا لتعدد تصورات الشافعيةـ للحوالة فانها تتفق أحيانا مع آراء الحنفية ،وتختلف أحيانا أخرى بناء على هذه التصورات المتعددة.
الحوالة في القانون(:)٣
يقصد بحوالة الدين ذلك العمل القانوني الذي بموجبه يدخل شخص كمدين في التزام قائم دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في مضمون
االلتزام .ومعنى ذلك أنها عقد يقتضى دخول مدين جديد ال يخل بااللتزام القديم أمام الدائن.
ونتيجة لذلك أيضا فانها تقتضى براءة المـدين السابق ،ودخول المدين الجديد في الدين(.)٤
––146
أنواع الحوالة:
رأينا في تعريفنا للحوالة في الفقه اإلسالمي أن هناك تعريفا يتم بمقتضاه انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه دون انتقال
المطالبة وأن هناك تعريفا ً آخر يقتضى نقل المطالبة والدين معا من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
وهنا نجد تقسيما للحوالة يقترب من هذين التعريفين.
فقد قسموا حوالة الدين إلى األقسام اآلتية:
( )۱الوعد بالتنفيذ :وفيه يتفق المحال عليه مع المحيل على الوفاء بالدين فقط ،وفي هذه الحالة يكون االلتزام قاصرا ً على العالقة بينه وبين
()۱
المدين وهذا االتفاق ال يكسب الدائن حقا ً قبل المدين الحديد وال يؤدي إلى براءة المدين القديم.
ومن تم فإن هذا الوعد بالتنفيذ يكون ناتجا عن عقد حوالة إبراء بين المدين والمحال عليه وال دخل فيه للدائن ،وإذا لم يقر الدائن هذا
العقد ،فان الوعد يظل ساريا بين المدين والواعد على أن ينفذ الواعد االلتزام وفق طريقة معينة نص عليها العقد الذي تم بينهما.
(ب) حوالة التوثيق :وفيها يزداد التزام المحال عليه شدة وتأكيداً ،حيث يصبح مدينا ينفس االلتزام إلى جانب المدين السابق ،ويكسب
الدائن قبلة حقا ً يمكن المطالبه به.
ومعنى ،ذلك أن الدائن قد كسب مدينا جديدا ً إلى جانب مدينه األصلي وله الخيار في مطالبة أي المدينين شاء.
____________________________________________________________________________
()۱أي انتقال المدين دون انتقال المطالبة.
––147
وهذا النوع من الحواالت يتم إما بعقد بين الدائن والمحال عليه مباشرة ،وإما بعقد بين المدين والمحال عليه ،وال يتوقف هذا العقد األخير
على رضا المدائن أو مشاركته.
(ج) حوالة اإلبراء :وفيها يصل التزام المدين الجديد إلى درجته القصوى فيصيح مسئوال عن الدين بدل المدين القديم الذي يؤدي االتفاق
إلى برائته وهي عقد بموجبه بحتال مدين جديد دينا موجودا على المدين الحالي بدال هذا األخير ويترتب عليها براءة المدين السابق
ودخول مدين جديد مع بقاء االلتزام كما هو وهذه هي حوالة المدين بالمعنى الحقيقي والتي تؤدي إلى خالفة خاصة في الدين.
و تتميز هذه الحوالة بخاصتين:
(ا) أنها تؤدى إلى براءة المدين القديم ودخول المدين الجديد في الدين.
(ب) الوحدة القانوبية لاللتزام رغم تغيير المدين
––148
المبحث الثاني
مشروعية الحوالة
األصل في مشروعية الحوالة من السنة واإلجماع :أما السنة فقول الرسول ﷺ«:مطل الغنى ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع»(.)۱
والمطل هو تحاولة المدين عدم دفع الدين ،والمليىء هو الغني ،و معنى الحديث أن المدين إذا كان غنيا وأراد أن يهرب من أداء الدين
الذي عليه فهو ظالم ،وأن الدائن إذا حوله المدين إلى رجل غني ليأخذ الدين منه فعليه أن يقبل هذه الحوالة.
وقد يدل الحديث – بمفهوم المخالفة – أن مطل العاجز األداء عن ال يدخل في الظلم ،والذين ال يقولون بمفهوم المخالفة يقولون إن العاجر
ال يسمى ماطال ،وكذلك الغنى إذا غاب عنه ماله فهو كالمعدوم.
ويؤخذ من هذا أن المعسر ال يطالب حتى يوسر ،وأن المطل ال يكون إال من القادر على األداء الممتنع عن الوفاء(.)٢
()٣
وقال الشافعي :لو جازت مؤاخذة الفقير أو العاجز عن األداء لكان ظالما ،والفرض أنه ليس بظالم لعجزه
––149
ويؤخذ من ذلك أنه إذا تعذر على المحال عليه التسليم لفقر لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل ،ألنه لو كان له الرجوع لم يكن الشتراط
الغني فائدة ،فلما شرطة الشارع علم أنه انتقل انتقاال الرجوع فيه كما لو عوض في دينه بعوض ثم تلف في يد صاحب الدين.
واألمر في قوله – ﷺ – «فليتبع» ،محمول على الندب واالستحباب عند الجمهور ال على الوجوب ،خالفا لما يراه أهل الظاهر ،حيث
يقول ابن حرم فرض على الذي أحيل أن يستجيل عليه و يجبر على ذلك ،ويبرأ المحيل مما كان عليه ،والرجوع للذي أحيل على الذي
أحاله بشيء من ذلك الحق سواء أخذ حقه أو لم يأخذه ،وسواء أعسر المحال عليه بعد اإلحالة عليه أم لم يعسر الن رسول هللا أمره باتباع
المحال عليه ،فال يجوز له اتباع غيره(.)۱
ولكن القول يخوب قبول الحوالة مردود باشتراط رضا المحتال بها عند مالك والشافعي وغيرهما ،ألن حقه في ذمة المحيل ،فال يجوز
نقل هذا الحق إلى غيره بغير رضاء التفاوت الذمم ،وقد يكون المحيل ـ وهو المدين االصلي أكثر من المحال عليه(.)٢
ولقول الرسول ﷺ «على اليد ماأخذت حتى تؤديه»( ،)٣وفيه داللة على ثبوت الحق في ذمة المديون حتى يؤديه ،وال يجوز نقله إلى
غيرها بغير رضا المحتال.
ولو جاز إجبار المحال على قبول الحوالة لوجب إذا أحاله المحال عليه على آخر أن يجبر على اتباعه ،ثم إذا أحاله ذلك على آخر أن
يجبر أيضا على
––150
()۱
أتباعه وهكذا أبدا
وهذا قد يودي إلى ضباع حقه بين محيل ومحيل آخر.
وأما مشروعية الحواله من اإلجماع ،فقد نقل إجماع الصحابة ومن بعدهم على جواز الحواله ،وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه كان
ألبيه المسيب د ين على إنسان ألفا درهم ،ولرجل آخر على على بن أبي طالب أنها درهم فقال ذلك الرجل للمسيب :أنا أحيلك على علي،
وأحلنى أنت على فالن تفعال في هذا الخبر احالة احدهما على اآلخر على مديونه من غير حاجة اليه بل بمجرد رغبتهما فيه·
وقد نقل اإلجماع أيضا بما قاله الموفق في «المغنى»()٢أجمع أهل العلم على جواز الحوالة في الجملة ( أي وان اختلفوا في بعض
شروطها ) واشتقاقهاـ من تحويل الحق من ذمة الى ذمة(.)٤
الحوالة والقياس
اختلف الفقهاء ـ بناء على حديث الحوالة ـ حول الحوالة نفسها .هل هي بيع دين بدين رخص فيه الرسول حيث استثناه من النهى عن بيع
الدين يالدين بوجه عام ،أم إنها استيفاء للدين وليست بيعا ؟
قال بعضهم .أنها بيع ، ،فان المحيل يشترى مافى ذمته بماله في ذمة المحال عليه ،وجاز تأخير القبض رخصة ألنه موضوع على الرفق
فيدخلها خيار المجلس
––151
لذلك أو كأن المحيل قد باع المحتال ماله في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته أي الغالب عليها.
وقد جاز هذا البيع للحاجة .ألن كال قد ملك بالحوالة مالم يملكه من قبل(.)۱
ولقد قال ابن قدامة ـ الفقيه الحنبلي ـ والصحيح أنها عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره ،ألنها لو كانت بيعا لما جازت
()٢
لكونها بيع دین بدین
وعلى وجه العموم فان الفقهاء ـ من غير الحنفية – يرون أن الحوالة تبدو على أنها بيع دين بدين حيث يشترطون أن يكون المحيل مدينا
للمحال وأن يكون المحال مدينا للمحيل حتى تصح الحوالة·
وأما الحنفية ـ كما سنرى ـ فانهم ال يتطلبون أن يكون المحال عليه مدينا للمحيل فتارة يكون مدينا وتارة يكون غير مدين و إذا كان مدينا
فقد تقيد الحوالة بذلك الدين ـ وهذه هي الحوالة المقيدة ـ وقد ال تقيد ـ وهذه هي الحوالة المطلقة ـ كما سنرى فيما بعد.
و يتجه ابن القيم( )٣الى أن الذين يرون الحوالة بيع دين بدين يقولون انها مخالف القياس·
ويرى أنهم قد غلطوا ـ في ذلك ـ من وجهين
––152
أحدهما ،أن بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام وال إجماع وانما وردالنهى عن بيع الكائي بالكائي()۱وبينهما خالف ،فالكائي هو المؤخر
الذي لم يقبض كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة وكالهما مؤخر فهذا ال يجوز باال تفاق.
وأما بيع الدين بالدين فشيء غير ذلك حيث ينقسم الى بيع واجب بواجب وساقط بساقط وساقط بواجب وواحب بساقط(.)٢
الوجه الثاني ،أن الحوالة من جنس ايفاء الحق ال من جنس البيع فان صاحب الحق اذا استوفى من المدين ما له كان هذا استيفاء فاذا إحاله
على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل(.)٣
ومن هنا كان أمر الرسول للمدين بالوفاء ونهيه عن المطل ألنه ظلم وأمر الغريم بقبول الوفاء اذا أحيل على ملييء وهــــذا كقوله سبحانه
ان»()٤فالمستحق يطالب بالمعروف والمدين يؤدى باحسان. س ٍع بِ ْال َم ْع ُروفِ َوَأ َدا ٌء ِإلَ ْي ِه بِِإحْ َ
«فَا ِت ّبَا ٌ
ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وان كان فيه شبه بالمعاوضة فال يتوقف هذا الوفاء على تصور دين في ذمة المحال عليه تحصل به
المقاصة بالدين الذي في ذمة المحيل بل إن المال الذي أداء المحال عليه يحصل ،الوفاء دون حاجة الى تقدير دين سابق في ذمته للمدين
األصلي.
––153
المبحث الثالث
اركان الحوالة و شرطها
مطلب :أركان الحوالة
تبدو الحوالة ـ وفقا لمذهب الحنفية – عقدا يتطلب رضاء ثالثة:
١ـ المحيل( )debtorـ :وهو الذي له دين على آخر ،وعليه دين آلخر.
– ٢المحال( )creditorأو «المحتال» :وهو صاحب الدين الذي على المحتل ( و يقضى ذلك أن يكون المحيل مدينا للمحال ؛ فلو أن إسماعيل
– مثال – أحال زيدا ۔ وهو غير مديون له ـ بألف على بكر ،فذلك ال يكون حوالة ،وإنما هي وكاله بالقبض ) و لكن ال يشترط أن يكون
المحال عليه مديونا للمحيل فتصح حوالته وإن لم يكن له على المحال دين.
–٣المحال عليه( :)new debtorوهو الذي عليه دين للمحيل ،أو هو الذي قبل حوالة المحيل و إن لم يكن مدينا له –
ومع ذلك فق ذلك فقد يتم عقد الحوالة بين الدائن والمحال عليه ،أو بين المـدين والمحال عليه ،أو بين الدائن والمدين.
ولقد لخص الحنفية ذلك في أن ركن الحوالة هو اإليجاب والقبول :اإليجاب من المحيل ـ ولهو المدين األصلي( – )principal debtorوالقبول
من المحال عليه .والمحال جميعا )( .)٢واإليجاب والقبول هما ما تجمعهما كلمة ( الصيغة )
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
()۱انظر القدائع ج .7كتاب الحوالة :٣٤٣٠ /
––154
ولقد عرف بعض الفقهاء الحوالة بأنها مادات على ترك المحال دينه في ذمه المحيل بمثله في ذمه المحال عليه.
وإذن فان صيغتها ال تنحصر في لفظ مأخوذ من الحوالة ،بل يكفي معناها مثل :نقلت حقك إلى فالن ،أو جعلت ما أستحقه على فالن لك،
أو ملكتك الذي عليه بحقك ....أو أي صيغة تؤدى هذا المعنى ،وتعبر هن انتقال الدين من المحيل إلى ذمة المحال عليه ،وتكون واضحة
التعبير عن فصد المحيل وقريبة إلى فهم كل من المحال والمحال عليه إذا إعتبر رضا كل منهما شرطا من شروط الحوالة والقبول كذلك
من كل حق المحال والمحال عليه أن يقول كل واحد منهما .قبلت أو رضيت أو نحو ذلك مما يدل على القبول والرضا ..وهذا عند الحنفية
وعند الشافعي أنه إذا لم يكن للمحيل على المحال عليه دين فكذلك فأما إذا كان له عليه دين فيهم بإيجاب المحيل وقبول المحتال
ألن المحيل في هذه الصورة مستوف حق نفسه بيد الطالب فال يقف على قبول من عليه الحق كما إذا وكله بالقبض وليس هو كالمحال
()٢
ألن الحوالة تصرف عليه بنقل حقه من ذمة إلى ذمة مع اختالف الذمم فال يصح من غير رضا صاحب الحق
وقد عبر عن قبوله حيث يستدعى ذلك إيجابا من المحيل كما في البي.
–١فيما يشترطون في المحيل أن يكون عاقال ،ألن العقل من شرائط أهلية التصرفات ،وأن يكون بالغا ،ألن البلوع شرط النفاذ دون
االنعقاد حيث تنعقد حوالة الصبي العاقل موقوفة على إجازة وليه.
وأما حرية المحيل فليست بشرط لصحة الحوالة ،ألن الحوالة ليست تبرعا بالتزام شي كالكفالة ،وكذلك صحة المحيل ليست شرطا في
صحة الحوالة لالعتبار السابق.
–٢وما يشترط في المحال أن يكون عاقال لالعتبار السابق في العقل وألن قبوله ركن وغير العاقل ال يكون من أهل القبول.
وأن يكون بالغا كذلك ،وغير البالغ ينعقد احتياله موقوفا على أجازه وليه إن كان الثاني أمال من األول.
––159
«واَل تَ ْق َربُوا
والوصي إذا احتال بمال اليتيم ال يصح احتياله إال بهذا الشرط ،ألنه منهى عن قربان ماله اال على وجه األحسن لقوله تعالىَ :
سنُ َحت َّ ٰى َي ْبلُ َغ َأ ُ
ش َّدهُ(»)۱ َما َل ْاليَت ِِيم ِإاَّل ِبالَّتِي ه َ
ِي َأحْ َ
– ٣وهذان الشرطان (العقل والبلوغ) هما اللذان يشترطان أيضا في المحال عليه فال يصح قبول الحوالة من مجنون أو صبي سواء
أكانت بأمر المحيل أم بغير أمره فاذا كانت بأمره فان المحال عليه إذا كان صبيا فانه ال يملك الرجوع على المحيـل فكانت تبرعا بابتدائه
وإذا كانت بغير أمره كذلك فانه ال يملك الرجوع فكان تبرعا بابتدائه وانتهائه ( )2
مطلب :الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة
بقسم الحنفية الحوالة قسمين:
(أ) الحوالة المقيدة :وهي التي يكون المحيل فيها دائنا المحال عليه ،وحينئذ يقول المحيل للمحال ،خذ دينك الذي على من ديني الذي لي
على فالن ،وهو المحال عليه.
ومعنى ذلك أن المحيل قد قيد جهة أداء الدين الذي عليه للمحال ،فجعل هذا األداء من ماله الذي هو في ذمة المحال عليه أو في يده.
(ب) الحوالة المطلقة :وهي التي لم يقيد فيها المال الذي يعطيه المحال عليه للمحال فقد ال يكون المحال عليه مدينا للحيل ،ولكنه مع قد قبل
الحوالة ،فهو يؤدى الدين للمحال ثم يرجع – ذلك – بعد ذلك بما دفع على المحيل.
––160
( )١
الفرق بينهما:
–١إذا كانت الحوالة مطلقة لم ولم يكن على المحال عليه دين للمحيل ،فان هذا المحال عليه ال يكون مطالبا إال بدين الحوالة ،أما إذا كان
مدينا للمحيل فانه يصبح مطالبا بدينين:
(أ) دين الحوالة الذي يجب أن يؤديه إلى المحال.
(ب) الدين األصلي الذي عليه للمحيل ،فهو من تم هدف لمطالبة المحال والمحيل على السواء.
ومعنى ذلك أنه – بالحوالة المطلقة – لم ينقطع حق المطالبة للمحيل بدينه الذي عند المحال عليه ،ولو كانت مقيدة بالدين الذي له عنده ال
نقطع حق المطالبة بعد أن أدى المحال عليه دين المحال من المال الذي عنده للمحيل ألن القيد قد دخل على حوالة الدين فيتقيد به.
– ٢إذا كانت الحوالة مقيدة بأن يقضى دين المحال من الدين الذي للمحيل عند المحال عليه ،ثم ظهرت براءة المحال عليه ،وأنه ليس
عليه دين محيل بطلت الحوالة ،فاذا أدى الدين للمحال كان له حق الرجوع على المحيل ألنه قضى دينه بأمره ،وألنه إذا ظهر أنه لم يكن
عليه دين أصال فال حوالة حينئذ ،ألن الحوالة بالدين وقد ظهر عدم وجود دين.
وهذا ال يوجد في الحوالة المطلقة ،ألن تعلق دين المحال بدين المحيل يجعل الحوالة مقيدة ،ولم يوجد هذا التعلق في الحوالة المطلقة ،فيبقى
الدين متعلقا في ذمة المحال عليه الفي ماله .فال تبطل الحوالة.
––161
إذا كانت الحوالة مقيدة بالدين الذي على المحال عليه ،ثم مات المحيل قبل أن يؤدي المحال عليه الدين إلى المحال ،وكان على المحيل
ديون أخرى ولم يكن له مال إال ذلك الدين الذي عند المحال عليه ،فان المحال ال يكون أحق من غيره من الغرماء بهذا المال ،بل هم
يشاركون فيه بنسبة ديونهم (وذلك عند أبي حنيفة والصاحبين) ،أما عند زفر فهو أحق به من سائر الغرماء كالرهن.
ولو كانت الحوالة مطلقة أخذ من المحال عليه جميع الدين الذي عليه للمحيل وقسم بين غرماء المحيل وال يدخل المحال معهم في القسمة
وانما يأخذ دينه من المحال عليه ،ألن الحوالة لم تتعلق به فذلك ملك المحيل ،وال يشاركهمـ المحال فيه ألن حقه قد ثبت على المحال عليه
(.)۱
––162
المبحث الثالث
التزام المحال بأحكام الحوالة
يظهر من تعريف الحوالة وشروطها أن الدين ينتقل من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ،بحيث ال يملك صاحب الدين ـ وهو المحال ـ أن
يرجع إلى المدين األصلي ـ وهو المحيل ـ فيطالبه بالدين الذي لم يتمكن من أخذه من المحـال عليه ،ذلك ألن الحوالة ـ كما يقول ابن قدامة
الفقيه الحنبلي()۱ـ تنقل الحق من ذمة الحيل إلى ذمة المحال عليه ،فال يملك المحتال الرجوع عليه بحال ،ألن الحق انتقل وال يعود بعد
انتقاله.
وهناك فرق بين ما إذا كان الحق ـ في الحوالة ـ متعلقا بالمال أم بصاحب المال :فان كان الحق متعلقا بالمال نفسه لم يسقط بالحوالة ،وإن
كان متعلقا بمالكه لمعنى زال بانتقاله عنه سقط ،وإن كان ال يزول بانتقاله لم يسقط على األصح ،ويرى جمهور الفقهاء أن الحوالة ضد
الحوالة في أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء ،ألنه إذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت برئت ذمة
المحيـل من دين المحال ،وبرئت ذمة المحال عليه من دين المحيل وتحول حق المحتال الى ذمة المحال عليه.
مطلب :حق رجوع المحتال على المحيل
ولكن الرأي السابق للجمهور ليس على إطالقه ،فان براءة المحيل من الدين مقيدة بسالمه حق المحتال()٢فہي ۔ اذن ـ ليست براءة نهائية إذ
يجوز للدان ـ إذا توافرت شروط معينه أن يرجع بحقه على المحيل.
––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
( )۱المغني – ج60 –59\ 5
( )٢مرشد الخيران – م 777
––163
وقد أخرج البيهقي عن عثمان بن عفان أنه قال« :ليس على مال امرىء مسلم توی( ،»)۱وقد رتب فقهاء الحنفية على ذلك أن الحوالة يجب
أال ينتج عنها ضياع حق الدائن(.)٢
وعلى وجه العموم فإننا يمكن تلخيص الحاالت التي يرجع فيها المحتال على تلخيص الحاالت التي يرجع فيها المحتال على المحيل فيما
يأتي(:)٣
– ۱إذا لم يبرى الدائن مدينه عند الحوالة ،ومعنى ذلك أنه إذا قال المحيل للمحال :ال دين لي عند المحال عليه ،ومع ذلك اشترط المحيل
البراءة من الذي عليه ،ورضى المحال بهذا الشرط صح التحول ،وال رجوع له على المحيل ،ألنه ترك حقه حيث رضى بالتحول.
فاذا لم يشترط المحيل البراءة ،أو لم يقبلها المحال بقيت الذمة مشغولة بالدين ،وبقي المحال الحق في الرجوع على المحيل إذا لم يأخذ
الدين المحال عليه.
– ۲إذا أفلس المحال عليه أو جحد الحق قبل عقد الحوالة ولم تكن هناك بينة عليها فال تصح لفقد شرطها من ثبوت الدين بخالف الفلس
حين الحوالة ،فال يمنع منها ،بلى يتحول الحق معه.
()٤
وقد قال أبو حنيفة :يرجع صاحب الدين على المحيل إذا ماتـ المحال عليه مفلسا أو جحد الحوالة وإن لم تكن له بينه
––164
– ۳إذا كان المحيل قد خدع المحال حيث أحاله على رجل مفلس ،وهو يعلم ذلك قبل الحوالة ،ألن عامه بأن المحال عليه ال يملك الوفاء
بالدين بدل على فساد نيته ومحاولته التخلص من الدين الذي عليه.
()۱
هكذا قال مالك وأبو حنيفة ،أما الشافعي فانه يقول :ال يرجع على المحيل في كل ذلك
وإلى مثل ذلك يتجه ابن حزم حيث يرى أن المحيل يبرأ مما كان عليه ،وال رجوع للذي أحيل على الذي أحاله بشيء من ذلك ،أخذ حقه
أو لم يأخذه ،أعسر المحال عليه إثر اإلحالة أم لم يعسر(.)٢
وقال بعضهم :لو لم يرض المحتال بالحوالة ،ثم ظهر المحال عليه مفلسا أو ميتا رجع على المحبل بال خالف ،فانة ال يلزمه االحتيال
على غير ملىء لما عليه فيه من الضرر.
وكأنهم أضافوا عنصرا آخر إلى خداع المحيل للمحتال وهو عدم رضا المحال الحوالة في بادىء األمر.
وإذا كاو قد رضى بالحوالة ولم يغر ،المحيل فقد برئت ذمة هذا األخير ولم تعد مشغولة بالدين ،وشغل الذمة بالدين ال يعود بعد زواله.
––165
المبحث الرابع
حق رجوع كل من المحال عليه والمحيل
مطلب :حق رجوع المحال عليه بمثل مال الحوالة على المحيل.
قد يحيل المدين دائنه على شخص ثالث يكون ـ هو بدوره ـ مدينا للمحيل ،فاذا أدى المحال عليه الدين المحال ،فحينئذ يسقط الدين الذي
عنده في مقابل الدين الذي أداء ،وهذه هي الحوالة المقيدة التي سبق الكالم عنها وأحيانا يؤدى المحال عليه دين المحال في الوقت الذي ال
يكون عنده دين للمحيل .أصال ،وهو ما يعرف ـ أيضا ـ بالحواله المطلقة.
وفي الحالة الثانية ـ أي التي ال يكون بين المحيل والمحال عليه ديون ۔ فان من حق المحال عليه أن يرجع على المحيل بمثل ما أداه
بالشروط اآلتية(:)۱
– ۱أن تكون الحوالة بأمر المحيل ،أي أن المحيل هو الذي طلب من المحال عليه أن يؤدى نيابة عنه ،وحين ذلك يكون المحال مملكا
الدين من المحال عليه بما أدى إليه من المال ،فكان له أن يرجع بذلك على المحيل.
أما إذا كان األداء بغير أمر المحيل فال يوجد معنى التمليك ،وهو ـ حينئذ ـ قد أدى الدين متطوعا ،فال يثبت له حق الرجوع عليه(.)٢
– ۲أن ال يكون للمحيل على المحال عليه دين مثله ،و كانت الحوالة أن ال مقيدة باألداء من الدين الذي عليه.
––170
فاذا كان هناك دين بينهما فال حق للمحال عليه في الرجوع على المحيل ،حيث يلتقى الديان فيسقطان مقاصة.
وإذا رجع المحال عليه بمثل مال الحوالة على المحيل فقال المحيل :لقد أحلت بدين لى عليك ،لم يقبل قوله ،ألن سبب رجوع المحال عليه
دينا وهويبنكروالقول للمنكر إال أن يكون لآلخر بيئة على إدعائه.
وال يكون أداء المحال عليه إقرارا ً منه بدين للمحيل ،ألن الحوالة قد تكون بغير دين بينهما كما ذكرنا.
فطلب :حق مطالبة المحيل للمحال بمثل ما أخذ
قد يطلب واحد من آخر أن يقبض مبلغا من المال من شخص ثالث ،وبعد أن يتم القبض يختلف األول مع الثاني على هذا المبلغ :األول
يدعى أنه و كل الثاني في قبض المبلغ له مجرد وكالة ،والثاني يدعى أنه قبض هذا المبلغ بطريق الحوالة فقد كان له دين عند األول
فحوله إلى الثالث …
ويرى الفقهاء في هذه الحالة أن القول المعتبر هو قول المحيل ،ألن المحال يدعى عليه الدين وهو ينكر ،ولفظ الحوالة مستعمل في
الوكاله ،فيكون للقول قول مدعى الوكاله مع يمينه ،النه يدعى بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله ،واألصل .معه ،فاذا كان ألحدها بينة
على اآلخر حكم بها(.)٣
––171
ولكن إذا اتفق المحيل والمحال على أن األول منهما قد قال للثاني :أحلتك بدينك ،ثم اختلفا بعد ذلك ،فاعتبر المحال أنها قد وقعت حوالة
بلفظها الذي ال يحتمل غيرها ،واعتبر المحيل أنها وكالة وقعت بلفظ الحوالة فالقول هنا قول المحال ال قول المحيل ،ألن الحواله بالدين ال
تقبل الوكالة فال يقبل قول مدعى الوكالة ؛ ألن قوله :أحلتك بديتك اعتراف – بدينه فال يقبل منه أن يحسده بعد ذلك.
––172
المبحث الخامس
()۱
انتهاء حكم الحوالة
بنتهى حكم الحوالة ،ويخرج المحال عنها بأمور منها:
– ۱فسخ الحوالة ،وهذا الفسخ يتم برجوع أحد األطراف عن قبولها وذلك ألن في الحوالة معنى معاوضة المال بالمال ،ومتى يتم الفسخ
تعودالمطالبة إلى المحيل كما يبقى الدين في ذمته.
– ۲يبرأ المحال عليه بالوفاء أو بأي سبب آخر من أسباب اإلبراء كالمقاصه .وإذا وفى الدين فانه يرجع على المحيل بما أدى أو يجرى
النقاص بين ما أداه وما للمحيل عنده(.)٢
وإذا أدى المحال عليه المال خرج عن الحوالة ،إذ ال فائدة في بقائها بعد انتهاء حكمها.
– ۳إذا حدث أن المحال عليه قد أحال الدين إلى ثالث فانه يبرأ من التزامه ،وعلى عكس براءة المدين األصلى فان براءة المحال عليه
تعتبر براءة نهائية ،فلومات المحال عليه الثاني ،فان الدائن ال يرجع على المحال عليه األول ،وإنما يرجع على المدين األصلى ،وذلك
خالفا لرأى أبي يوسف الذي المحال عليه الذي يرى – في هذه الحالة – أن يرجع الدائن على المحال عليه األول ،ألنه األصلى عند
إفالس المحال عليه الثاني يكون المحال عليه األول في مركز المدين األصلي عند إفالس المحال عليه(.)٣
––173
– ٤إذا وهب المحال المال للمحال عليه فقيه ،أو تصدق به عليـه ألن الهبة والصدقة في معنى االبراء(.)۱
وإذا أبرأ المحال المحال عليه سقط الدين وبرى .المحال عليه ،وإذا كان المحال عليه مدينا للمحيل ،فإنه ال يستطيع أن يجرى النقاص بين
ما أبرى .منه وما للمحيل عنده ،وإذا لم يكن مدينا فال يرجع على المحيل بشيء ،ألن اإلبراء إسقاط ال تمليك(.)٢
والفرق بين الهبة واإلبراء أن الهبة تمليك يشترط فيها القبول ،وهي ترتد برد الموهوب له بخالف اإلبراء فانه إسقاط ال يتوقف على قبول
وال يرتد بالرد(.)٣
ولكن غير الحنفية ال يفرقون بين الهبة واإلبراء فكالهما يتم لمصلحة المحال عليه(.)٤
و تختم هذا البحث عن الحوالة بما سجله أحد رجال القانون()٥من أن الشريعة اإلسالمية قد عرفت حوالة الدين قبل أن ينادي بها فقهاء
القانون في ألمانيا ( سنة ١٨٠٣بمئات السنين ،وأنه وإن اختلف الدافع إلى وجودها في الشريعة اإلسالمية عنه في القانون الحديث ،إال أن
هذا ال ينفى أن فقهاءـ
––174
المسلمين قد أقاموا نظاما لحوالة الدين يتفق في معظم أحكامه وآثاره مع ما تقرره التشريعات الحديثة .هذا إلى أن حوالة الدين كانت
مطبقة تشريعيا في الدولة العمانية ابتداء من سنة 1869في الوقت الذي كان الجدل حول هذا الموضوع ال يزال محتدما بين الفقهاء
األلمان.
وبهذا تكون حوالة الدين ولقا ألحكام الشريعة اإلسالمية قد طبقت فعال قبل أن تطبق حوالة الدين في ألمانيا بأكثر من ثالثين عاما.
––175
الفصل الثاني
الكفالة
خطة البحث:
* تعريف الكفالة لغة واصطالحا.
* مشروعيتها من الكتاب والسنة.
* أركانها وشروطها.
* أحكام الكفالة عند الفقهاء.
* خروج الكفيل عن الكفالة.
––176
المبحث األول
تعريف الكفالة:
(أ) الكفالة لغة(:)۱
تعرف الكفالة بأسماءـ كثيرة منها:
الضمان :هو في اللغة االلتزام ،فالذي يضمن المال لميزم بدفعه .وهذه الكلمة مشتقة إما من الضم أي اإلضافة والزيادة ،وإما من التضمن
أي االشتمال ،ألن ذمة المتضمن تتضمن الحق أي تتسع له وتشتمل عليه.
ولقد قال ابن عقيل :إن كلمة «الضمان» مشتقة من الضمن ،أى أن ذمة الضا من في ضمن ذمة المضمون عنه ·
وكفل الرجل ،وبالرجل كفال وكفاله :ضمنه ،ويقال :كفل المال ،وكفل عنه المال ،لغريمه فهو كافل والجمع كفل (بضم الكاف والغاء).
وكفل الصغير :رباه وأنفق عليه ،قال تعالىَ « :و َما ُكنتَ لَ َد ْي ِه ْم ِإ ْذ ي ُْلقُونَ َأ ْقاَل َم ُه ْم َأيُّ ُه ْم َي ْكفُ ُل َم ْريَ َم»(.)٢
وأكفل فالنا المال :جعله يضمنه ،وأكفل فالنا ماله :أعطاه إليه ليكفله ويرعاه ،قال تعالى «ِإ َّن ٰ َهذَا َأخِ ي لَهُ تِ ْس ٌع َوتِ ْسعُونَ نَ ْع َجةً َول َ
ِي نَ ْع َجةٌ
َواحِ َدةٌ :فَقَا َل َأ ْكف ِْلنِي َها»( )٣أي اجعلني كافال لها راعيا لشئونها ،أو أعطنى إياها ألرعاها.
––177
ي»(.)۱ «وَأنبَت َ َها نَبَاتًا َح َ
سنًا َو َكفَّلَ َها زَ ك َِر َّ وكفل فالنا – بالتضعيف – جعله كافال له ،وفي قوله تعالى َ
و تكفل بالشيء :ألومة نفسه وتحمل به ،يقال :تكفل بالدين التزم به.
من مشتقات هذه المادة أيضا أن يقال :كفل فالنا يكفل كفالو كفوال إذا واصل الصوم ،وكفل :أخذ على نفسه أال يتكلم في الصوم فهو كافل
ويقال :كفل في صيامه وكفل :أ كل خبزا بغير إدام.
()٢
س ِيَّئةً يَ ُكن لَّهُ ِك ْف ٌل ِ ّم ْن َها ۗ»
شفَا َعةً َ
والكفل .النصيب قال تعالى « َو َمن يَ ْشف َْع َ
()٣
(ب) الكفالة شرعا
ال كمل اللفظ في المدلول اللغوى قريب من المدلول االصطالحي.
فالضمان شرعا .ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق فيثبت هذا الحق في ذمتهما معا ولصاحب الحق مطالبة من
شاء منهما.
وهذا التعريف يقضى شغ الذمتين معا .ذمة الضامن وذمة المضمون عنه وهي بهذا ال تتعدى تقوية الذمة األولى للذمة الثانية أمام شخص
ثالث هو المضمون له.
––178
ولكن ابن حزم يرى أن من كان له على آخر حق بمال من بيع أو من غير بيع من أي وجه فضمن له ذلك الحق إنسان آخر متطوعا فقد
سقط ذلك الحق عن الذي كان عليه وانتقل إلى الضامن ولزمه بكل حال وال يجوز للمضمون له أن يرجع على المضمون عنه وال على
ورثته بشيء من ذلك الحق انتصيف أو لم ينتصف.
كما ال يجوز للضامن أن يرجع على المضمون عنه وال على ورثته بشيء مما عنه أصال إال إذا قال المدين للضامن .اضمن عنى مالهذا
الرجل عندى فاذا أديت عنى فهو دين لك عندى فهنا يرجع عليه ما أدى عنه ألنه استقرضه عنه فهو قرض صحيح.
وهذا التفسير الذي يراه ابن حزم للضمان يقترب من تفسير الحوالة على أنها انتقال الدين والمطالبة من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
ولكن براءة األصيل ليست الحكم في الكفالة عند عامة العلماء فالطالب بالخيار إن شاء طالب األصيل و إن شاءـ طالب الكفيل إال إذا
كانت الكفالة بشرط براءة األصيل فتكون حوالة في المعنى أوكانت مقيدة بما عليه من الدين ألنها في معنى الحوالة أيضا ·
ويتجه ابن أبي ليلى اتجاه ابن حزم في أن الكفالة توجب براءة األصيل والصحيح قول العامة ألن الكفالة تنبيء عن الضم وهو ضم ذمة
إلى ذمة في حق المطالبة بما على األصيل أوفى حق أصل الدين والبراءة تنافي الضم(.)۱
وقد جاء في المجلة أنه لو اشترط في الكفالة براءة األصيل تنقلب حوالة اعتبارا للمعنى كما أن الحوالة بشرط عدم براءة المحيل تنقلب
كفالة.
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
()۱البدائع ج 6كتاب الكفالة
––179
ولصاحب الحق مطالبة المكفول عنه أو الكفيل وذلك الن الكفالة ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة فيقتضى قيام األول ال البراءة منه ولو
طالب اآلخر وله أن يطالبهما الن مقتضاء الفم(.)۱
كما جاء في بعض كتب المالكية تعريف للضمان بأنه ( شغل ذمة أخرى بالحق )( )٢وهو في هذا التعريف يختلف من البيع والحوالة إذ
ليس فيهما شغل ذمة بل براءة ذمة.
والمقصود بشغل الذمة أن صاحب الحق يشغل ذمه الضامن مع ذمة المدين.
و «أل» في كلمة «الحق» للعهد أى الحق األول الذي هو في ذمة المدين االصلى.
فخرج بذلك فيما لو باع سلعة لرجل بدين ثم باع سلعة أخرى لغيره بدین آخر فهذان حقان في ذمتين مختلفتين.
كما يطلق لفظ «الضمان» على التزام الدين و البدن والعين وعلى العقد المحمل للذات ويسمى الملتزم ضامنا وضمينا وجميال وزعيما
وكفيال وصبرا.
غير أن العرف خصص الضمين بالمال والحميل بالدية والزعيم بالمال العظيم والكفيل بالنفس والصبير يعم الكل(.)٣
ومن أسماء الكفالة أيضا الزعامة وهما صريحان في معنى واحد هو معنی الضمان أو الغرامة قال رسول هللا ﷺ «الزعيم غارم»()٤أو
الكفيل ضامن
––180
ِير َوَأنَا ِب ِه زَ عِي ٌم»()۱أي كفيل لمن أتى بصواع الملك المفقود أن
«و ِل َمن َجا َء ِب ِه حِ ْم ُل بَع ٍ
وأنا زیم وقال تعالى على لسان يوسف عليه السالم َ
يعطيه حمل بغيرمن القمح
ِي بِاهَّلل ِ َو ْال َماَل ِئ َك ِة ْأ
ومن أسماء الكفالة أيضا القبالة :يقال :قبلت به أقبل قبالة ،وتقبلت به أي تكفلت ،وهو قبيل أي كفيل .قال تعالى «َأ ْو ت َ ت َ
قَبِياًل »( ،)٢أي جماعة جماعة ،أو كفالء يشهدون بصحة دعواك
ويقال لها كذلك الحوالة ،أي تحمل الدين والتعهد بدفعه ،والحميل بمعنى – المحمول فعيل بمعنى مفعول كالفتيل بمعنى المقتول وأنه
تنبىء عن تحمـل الضمان.
والخالصة التي تخرج منها بعد هذا العرض أن الكفالة قد اعتبرت من عقود التوثق ،ألن ذمة الضامن إذا انضمت إلى ذمة المضمون عنه
أدى ذلك إلى رضا الدائن وثقته في عودة دينه اليه ،كما أدى إلى تقوية ذمة المدين والتزامه بحسن االداء.
–––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
()۱يوسف ۷۲ /
( )۲االسراء ۹۲ /
––181
المبحث الثاني
مشروعية الكفالة
ِير َوَأنَا ِب ِه زَ عِي ٌم»
تعالى«:و ِل َمن َجا َء ِب ِه حِ ْم ُل َبع ٍ
َ يستدل الفقهاء على مشروعية الكفالة بأدلة من الكتاب والسنة واإلجماع فمن الكتاب :قوله
وقد قال ابن عباس .الزعيم هو الكفيل.
وعن بعض العلماء أن هذه اآلية نص في جواز الكفالة ،ألن الرجل إذا قال :أنا زعيم ،فمعناهـ أنا ملتزم ،وال فرق بين قوله :ألزمه عن
نفسي أو ألتزام من غيري.
والكفالة – في هذه اآلية – مضافة إلى سبب موجب على وجه التعليق بالشرط.
وقد اختلف الناس فيها :فجوزها أصحاب أبي حنيفة محالة على – وجوب كقوله :ما كان لك على فالن فهو علي ،أو إذا أهل الهالل فلك
على عنه كذا ،بخالف أن تكون معلقة على شرط محض كقوله :إن قدم فالن أو أن كلمت فالنا(.)۱
وليست هذة اآلية – فيما ترى – نصا في مشروعية الكفالة بقدر ماهي نص في مشروعية الجعالة ،ذلك ألن يوسف عليه السالم يجعل في
هذه اآلية جائزة لمن يأتى بصواع الملك المفقود ،ويتكفل بتسليم هذه الجائزة لمن يستحقها.
____________________________________________________________________________
()۱انظر أحكام القرآن البن العربي القسم الثالث ١٠٩٦ /
––182
فإذا أضفنا إلى ذلك تعريف الكفالة الذي ذكرناه فيما سبق بأنهاضنم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق ،فاننا ال نجد
المعنى في هذه اآلية يندرج تحت هذا التعريف.
ولعل هذا ما جعل ابن رشد يستدل على مشروعية الكفالة من السنة و إجماع الصدر األول وفقهاء األمصار ،ولم يذكر دليال على
مشروعيبها من الكتاب(.)۱
وقد قال القاضي أبو إسحاق :ليست اآلية من باب الكفالة ،فانها ليس فيها كفالة إنسان عن إنسان ،وإنما هو رجل التزم عن نفسه وضمن
عنها وذاك جائز لغة وشرعا.
كما أن ابن العربي يقول :إذا كان لفظ اآلية نصا في الزعامة فان معناها نص في الجعالة( )٢وقد نرى في قوله تعالى عند كتابة الديون «..
ضعِيفًا َأ ْو اَل يَ ْستَطِ ي ُع َأن يُمِ َّل ه َُو فَ ْلي ُْمل ِْل َو ِليُّهُ ِب ْالعَ ْد ِل ۚ» ،اتصاال بموضوع الكفالة. ۚ فَِإن َكانَ الَّذِي َعلَ ْي ِه ْال َح ُّق َ
سفِي ًها َأ ْو َ
فان في إمالء الدين نوها من اإلقرار به ،فاذا لم يستطع المدين أن يملى لعجز فيه ،فان وليه هو الذي يملى فكا نه يقر بالدين نيابة من
المولى عليه .وكانه يضم ذمته إلى ذمته في التعهد بالوفاء.
ونرى أيضا مما يتصل بالكفالة بالنفس( )٣قوله تعالى «..قَالُوا يَا َأيُّ َها
____________________________________________________________________________
()۱انظر بداية المجتهد ج – 2كتاب الكفالة.
( )۲انظر أحكام القرآن البن العربي – السابق.1096 / ،
()۳
سنتحدث عن سمى الكفالة :الكفالة بالمال ،الكفالة بالنفس
––183
يرا فَ ُخ ْذ َأ َح َدنَا َمكَانَهُ ۖ ِإنَّا ن ََراكَ مِ نَ ْال ُمحْ ِسنِينَ »(.)۱ ْالعَ ِز ُ
يز ِإ َّن لَهُ َأبًا َ
ش ْي ًخا َكبِ ً
فان إخوة يوسف – في اآليه – يعرضون أحدهم ليحل محل أخيهم عند الملك ،وفي هذا – من وجه من الوجوه – كفالة بالنفس وإن لم
تكن مكتملة الشروط.
أما مشروعيتها من السنة فقوله ﷺ «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ،ومن ترك ماال
فلورثته»
فاننا نجد الرسول ﷺ يتكفل بديون المدينين إن لم يتركوا وفاء وماتوا دون أن يؤدوا ما عليهم من ديون.
وفيما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة أن رسول هللا ﷺ قال« :العارية مؤداة ،والمنحة مردودة ،والدين مقضى ،الزعيم غارم»
()٣
وقد روى أيضا أن أحد صحابته ـ وهو أبو قتادة ـ قد تكفل بدين على ميث ،فصلى الرسول عليه ،وقبل كفالة أبي قتادة
وهذه الروايات تدل على صحة هذه الكفالة·
وأما مشروعية الكفالة من االجماع فلقد أجمع الصحابة والمسلمون من بعدهم على جواز الكفالة شرعا ،وصال جيتها أسلوبا في معامالتـ
المسلمين فعن محمد بن حمزة بن عمرو األسلمي عن أبيه أن عمر رضي هللا عنه بعثه مصدقا ،فوقع رجل على جارية امرأته فأخذ حمزة
من الرجل كفيال حتى قدم على عمر وكان قد جلده فصدقهمـ وعذره با لجهالة(.)٤
____________________________________________________________________________
()۱سورة يوسف .۷۸ /
( )٢البخاری ج 3باب الكفالة .١٢٨ /
( )٣رواه البخاري (ج / 5باب من تكفل بخ ميت دينا ص ) ١٣٦وأحمد والنسائي وسنتحدث بعد ذلك عن الكفالة من دبن الميت •
()٤البخاري ج 3باب الكفالة ١٢٤ /ط الشعبـ
––184
وقال جرير واألشعثـ لعبدهللا بن مسعود في المرتدين :اشتنبهم وكفلهم فتا بوا وكفلهم عشائرهم(.)۱
وذكروا أن شريحا كفل في دم وحبس الكفيل في السجن ،وأن عمر ابن عبد العزيز كفل في حد(.)٢
وهذا إجماع من أن الصحابة مشروعية الكفالة.
وإذا كان المسلمون قد أجمعوا على جواز الكفالة في الجملة ،فقد اختلعوا في فروع فيها نذكر بعضها إن شاء هللا تعالى.
____________________________________________________________________________
()۱فتح الباري ج ٤ / ٢٨٤
( )۲المحلى ج 5/120
––185
المبحث الثالث
أركان الكفالة وشروطها
من المعروف أن الركن عند جمهور الفقهاء هو ماتوقف عليه وجود الشيء سواء أكان جزءا من حقيقته أم كان خارجا عنه.
وقد قصر الحنيفة الركن على ما كان داخال في حقيقة الشيء ،أو بألخرى ما كان جزءا من هذه الحقيقه.
وعلى ذلك فان أركان أن عقد من العقود ـ عند جمهور الفقهاء ـ ثالثه
–۱الصيغة التي يتم بها العقد أو االيجاب والقبول.
–۲والعاقدان أي الموجب والقابل.
– ٣المحل ـ أي موضوع التعاقد.
ووجهة نظر هؤالء أن العقد ال يمكن تصور وجوده بدون العاقدين والمعقود عليه والصيغة(.)۱
أما على رأي األحناف( )٢فان الركن هو اإليجاب والقبول :االيجاب من الكفيل ،والقبول من الطالب ( وهذا عند أبي حنيفة ومحمد) ،وهو
––186
قول ألبي يوسف وله قول آخر أن الركن هو االيجاب فقط ،أما القبول فليس بركن(.)۱
وهذا القول األخير ألبي يوسف هو أحد قولي الشافعي( )٢لما روى أن النبيﷺ قد قبل الكفالة عن ميت فصلى عليه ،ولم ينقل قبول الطالب.
وألن الكفالة لغة هي الضم ،وشرعا هي التزام المطالبة بما على األصيل ال تمليك ،وااللتزام يحتمل الجهالة والتعليق بالشرط ،والتمليك
ال يحتمل ذلك ومعنى الضم وااللتزام يتم بإيجاب الكفيل فأشبه النذر.
والدليل على ذلك أن المريض إذا طلب من ورثته أن يضمنوا عنه ديونه التي لغرماء غائبين فضمنوا فان ذلك جائز ،ويلزم الغرماء دون
قبول.
ويرى أبو حنيفة ومحمد أن الكفالة ليست التزاما محضا ،بل فيها معنى التمليك ،والتمليك ال يتم إال باإليجاب والقبول كالبيع .كما أن الكفالة
تجدد لصاحب الحق سلطة ووالية لم تكن ،وال يجوز أن يمتلك اإلنسان شيئا بتمليك الغير من غير رضاه.
ولقد رجح الشافعيةـ عدم امتراط القبول ،حيث فرقوا بين الكفالة وبين سائر المليكات األخرى بأن الكفالة ال تثبت ملك شيء جديد ،وإنما
يتوثق بها الدين الذي كان مملوكا من قبل.
()٣
وهذا الترجيح ـ فما نرى ـ له وجاهته واعتباره
––187
وإذا تأملنا رأى الجمهور و رأى الحنفية في الركن ،فستجد أن أحدهما قريب من اآلخر ،ألن الصيغة التي تتكون من االيجاب والقبول ال
تكون إال من عاقدين :أحدهما يمثل االيجاب ،واآلخر يمثل القبول ،كما أن هذين الطرفين ال يكونان إال حول شيء محدد هو المحل ،أو هو
موضوع التعاقد.
وبناء على ذلك فان أركان الكفالة هي:
–٣الكفيل(.)Guaranteed
–٥المكفول له(.)Creditor/Obligee
– ۱أن يكونالمكفول به مضمونا على األصيل( )Principalويقصد بذلك أن يكون تطلبتا في ذمته ،ومن هنا فان الذين تصح الكفالة به بال
خالف ألنه مضمون على األصيل مقدور االستيفاء من الكفيل.
– ٢أن يكون الزما على األصيل ،والمراد بالالزم ما ال يقبل الفسخ منها من غير سبب ،حتى لو كان غير مستقر ،فتجوز الكفالة بالمهر
قبل الدخول النه دين الزم في ذمة الزوج ،وتجوز كفالة ثمن المبيع قبل القبض كما تجوز كفالة دين السلم ال نهما من الديون التي تنتهى
إلى اللزوم .فظهرت الحاجة إلى توثيقها.
––189
ولقد اختلف الفقهاء على جواز الكفالة في مال لم يخب بعد:
فمن المجيزين أبو حنيفة وأبـو بـوسف ومالك وبعض الحنابلة وأصحاب الشافعي.
وحجتهم في ذلك أن الرسول ولى زيد بن حارثة جيش اال مراء .فان مات فجعفر بن أبي طالب .فان مات .فعبد هللا بن رواجة .وكما
تجوز .المخاطرة في الواليات فانها تجوز في الضمان.
كما أن الكفالة ضم ذمه البكفيل إلى ذمة المكفول عنه في أنه يلزمه ما يلزمه ،وأن ما ثبت في ذمة المكفول عنه يثبت في ذمة الكفيل ،وهذا
كاف.
ولقد سلم أصحاب الشافعيـ في أحد الوجهين ضمان الجعل في الجعالة قبل العمل وما وجب شيء بعد(.)۱
ويرى الشافعي وابن حزم عدم جواز الكفالة في مال لم يجب بعد ،ألن الكفالة عقد واجب ،وال يجوز الواجب في غير واجب ،وهو التزام
ما لم يلزم بعد ،وكل عقد لم يلزم حين التزامه فال يجوز أن يلزم شخصا آخر.
ويرد ابن حزم على قياس جواز الكفالة بجواز المخاطرة في الواليات – في رأى الحنفية ـ بأن الوالية فرض على المسلمين ،وليست
الكفالة فرضا نسبة بينهما(.)٢
()٣
–۳يشترط أن يكون المكفول به معلوما ،ألنه التزام مال ،فال يصح مجهوال كالثمن في المبيع .وهذا قول الشافعي و بعض الفقهاء
– – 190
والشرط أنه يمكن معرفته كان يقول :أنا ضامن لثمن ما يعث من فالن ووهو جاهل به ألن معرفته بعد ذلك متيسرة(.)۱
وقد نقل عن كثير من الفقهاء صحة كفالة المجهول ،فمتى قال :أنا ضامن لك مالك على فالن؛ أو ما يقضى به عليه ،أو ما يقر به لك
صحت الكفالة وبهذا قال أبو حنيفة و مالك(.)٢
وقد احتج صاحب «بدائع الصنائع» لذلك بقوله تعالى «ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم(،»)۳فقد أجاز هللا تعالى الكفالة بحمل البعير.
مع أن هذا الحمل يحتمل الزيادة و النقصان(.)٤
كما يصح االحتجاج بقول رسول ﷺ «فمن توفى من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه»(.)٥على اعتبار أن الدين الذي تكفل به الرسول هنا
مجهول المقدار.
وابن حزم اليرى جواز كفالة الحق المجهول فيقول ال يجوز ضمان ما ال يدرى مقداره مثل أن يقول :أنا أضلمن عنك ما لفالن عليك لقول
اض ِ ّمن ُك ْم» ولقول الرسول ﷺ «ال يحل مال امرىء مسلم إال بطيب هللا تعاى «اَل تَْأ ُكلُوا َأ ْم َوالَ ُكم بَ ْينَ ُكم بِ ْالبَاطِ ِل ِإاَّل َأن تَ ُكونَ تِ َج َ
ارة ً َعن ت ََر ٍ
نفس منه».
والتراضى و طيب النفس ال يكون إال على معلوم القدر(.)٦
––191
ثالثا – الكفيل
الكفيل .يشترط في الكفيل أن يكون من أهل التبرع ألنه يلزم نفسه بحق لم يكن عليه أصال .وحد هذه األهلية العقل والبلوغ .فانهما من
شرائط االنعقاد لهذا التصرف .فال تنعقد كفالة الصبى والمجنون حيث ال تتوفر فيهما أهلية التبرع(.)۱
لكن لو أن االب او الولى استدان دينا في نفقة اليتيم ،وأمر اليتيم أن يضمن المال عنه جاز .ألن ضمان الدين قد لذمه من غير شرط
فالشرط يزيده إال تأكيدا ً فلم يكن متبرع(.)٢
وقيل أيضا في أهليته أنه يقصد بذكرها إخراج المحجور عليه بالسفه .فانهو إن كان صحيح العبارة فكفالته مردودة ،حيث أنها تبرع ،و
تبرهات السفية مردودة ،وال يصح من الوالى االذن فيها.
والقول بأن الكفالة تبرع إنما يظهر حيث ال يثبت الرجوع فيها ،فإذا ثبت فيها الرجوع فهى إقراض ال تبرع·
وقد نقل الشافعي وغيره بأن الرجل إذا تكفل بدين في مرض الموت بغير إذن المدين ،فان ذلك يعد تبرعا ،واذا مات المريض فان الحق
يكون محسو با من ثلث تركته على إعتبار أنه ال يملك التبرع بأكثر من الثلث.
أما إن كفل الدين بإذن المدين فإنه يؤخذ كله من رأس المال ،ألن للورثة في هذه الحالة أن يرجعوا على المدين األصلى(.)٣
––192
ويفرق الحنابلة بين المحجور عليه اسمه ،والمحجور عليه لفلس ،فال تجوز الكفالة من األول ؛ ألنها إيجاب مال بعقد فلم تصح منه كالبيع
والشراء وال يشبه االقرار ألنه أخبار بحق سابق.
()۱
أما المحجور عليه لفلس فانه يصح ضمانه و يتبع به بعد فك الحجر عنه ألنه من أهل التصرف ،والحجر عليه فى ماله ال في ذمته .
غير أن المالكية ال يجيزون كفالة المفلس(.)٢
وإذا كانت أهلية التبرع أوحرية التصرف في األساس في جواز الكفالة فانه من المسلم به وجوب توفر شرط الحرية في الكفيل ،فالحرية
شرط نفاذ التصرفاتـ ومن ثم فال تجوز الكفالة من العبد ،ألنها كما ذكرنا تبرع والعبد ال يملكه.
ولكننا ال نطيل تفصيل ذلك الشرط حيث تالشى نظام الرق في االسالم ولقد إشترط الشيعة الجعفرية مالءة الكفيل وقت العقد دون إستمرار
لهذه المالءة فاذا كان الكفيل غير ملىء ولم يصل إلى علم الدئن ذلك .فإنه يتقرر حق الفسخ عندما يعلم ويطالب المدين.
رابعا– المكفول عنه.
والمكفول عنه هو المدين األصيل .ويشترط فيه شرطان:
أولها القدرة على تسليم المكفول به إما بنفسه وإما بنائبه.
وقد اشترط أبو حنيفة أن يكون المدين قادرا ً على الوفاء بالدين
––193
ولكن المالكية والشافعية والحنابلة لم يشترطوا هذا الشرط استنادا إلى حديث علي رضي هللا عنه ما رواه أبو سعيد الخدري من أن النبي
ﷺ أجاز الكفالة فيه.
و من هنا لشأ خالف – نشير إليه فيما بعد – في جواز الكفالة بالدين عن ميت مفلس ،فهى عند أبي حنيفة ال تصح ،ألن الدين عبارة من
الفعل ،والميت عاجز عن الفعل ،وكانت هذه كفالة بدين ساقط وال تصح ،كما كفل على إنسان بدين وال دين عليه ،أما إذا مات المدين مليئا
فهو قادر على أسليم المكفول به بواسطة نائبه.
ويرى أبو يوسف و محمد جواز الكفالة عن الميت المفلس ،ألن الموت ال ينافي بقاء الدين ،وهو مال حكمى ،فال يحتاج بقاؤه إلى القدرة،
والمدين إذا مات مليئا صحت الكفالة عنه ،وكذلك تبقى إذا مات مفلسا(.)۱
ثانيهما :أن يكون المكفول عنه معلوما للكفيل ،بأن يقول الكفيل :كفلت فالنا بدينه ،أما إن قال :كفلت واحدا من الناس فال يجوز ،ألن
المكفول عنه مجهول ،وألن جواز الكفالة بالعرف ،وهى على هذا الوجه غير معروفة.
ويجوز الحنفية والشافعية الكمفالة مع جهالة المكفول عنه إذا كان واحدا غير معين من أشخاص معينين نحو كفلت مالك على فالن أو
فالن ،أو :إن غصب مالك واحد من هؤالء القوم فأنا ذامن.
––194
أما نحو :ما ذاب لك على أحد من الناس فعلى ال يصح(.)۱
وال يشترط العقل والبلوغ في المكفول عنه جواز الكفالة ،ألن الكفالة مضمون ما على األصيل مقدور االستيفاء من الكفيل وقد وجد.
ولذا فقد جازب الكفالة عن المجنون والصبى ،ألن الدين في ذمتهما ،والولى مطالب به في الحال ،وها أيضا مطالبان به بعد اإلفاقةـ
والبلوغ.
كما ال يشترط رضا المكفول عنه بالكفالة ،فانها تصح بغير إذنه ،فكما يجوز لشخص أن يؤدى دينا عن آخر بغير إذنه رفقا به ،فإنه
()٢
يجوز له أن يتكفل بدينه بغير إذنه كذالك
()٣
خامسا :المكفول له
وهو صاحب الحق ،ويشترط لجواز الكفالة له هذه الشروط.
– ١أن يكون معلوما للكفيل ،ألنه إذا كان مجهوال ال يحصل ماشرعت له الكفالة وهو التوثق ،والمقصود من الجهالة المانعة من جواز
الكفالة هو الجهالة الفاحشة .كما إذا ضمن على أحد من الناس وهم غير معلومين .أما إذا ضمن ما على أحد من جماعة معلومة أو كفل
ِير َوَأنَا بِ ِه زَ عِي ٌم»
«و ِل َمن َجا َء بِ ِه حِ ْم ُل بَع ٍ
ألحد من الناس وهم محدودون فيجوز بدليل احتجاجهم بقوله تعالى َ
– – 195
وقد سبقت االشارة الى ان البعض قد استشهدوا بهذه اآلية الكريمة على جواز الكفاله بدين المجهول وهي هنا مساوقة لالستشهاد بها على
جواز الكفالة لدائن مجهول ولكنها جهالة غير فاحشه(.)۱
لكن المالكيه والحنابلة ال يشترطون معرفة المفقول له عند الكفالة وتصح عندهم الكفالة مع جهالة المكفول له نحو :انا ضامن زيدا في
الدين الذي عليه للناس(.)٢
()٣
واالصح عند الشافعيهـ اشتراط معرفة المضمون له كما اشترطها الحنفية لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيال .
– ۲يشترط ابو حنيفه ومحمد حضور المكفول له في مجلس العقد ،حتى قاال ان من كفل لغائب عن المجلس فبلغه الخبر فاجاز الكفاله
فانها ال تجوز الى لم يقبل انه حاضرا ،وحجتهما ان في الكفاله معنى التمليك ،والتمليك ال يقوم اال بااليجاب والقبول ،فكان االيجاب وحده
شطر العقد فال يكف على غائب عن المجلس(.)٣
واليشترط ابو يوسف حضور المكفول له المجلس ،الن معنى عقد الكفاله لغه وشرعا هو ضم وااللتزام يتم بايجاب الكفيل ،فكان ايجابه
كل العقد.
–۳مما يتفعر على اشتراط حضور المكفول له المجلس وقبوله وان يكون عاقال فال يصح قبول المجنون والصبي الذي ال يعقل ،ألنهما
ليسا
––196
من أهل القبول ،وال يجوز قبول وليهما عنهما ،ألن القبول يعتبر ممن وقع له االيجاب ومن وقع له االيجاب ليس من أهل القبول ومن قبل
لم يقع االيجاب له ،فال يعتبر قبوله.
لكن يصح قبول الصبى الميز عند الحنفية ،ألن قبول الكفالة عنه تفع محض بالنسبة له ،ويخالف الشيعة في ذلك بحجة أن يكون الكفيل
غير قادر على الوفاء فال يصح – بناء على ذلك قبول الصبي المميز عندهم.
––197
المبحث الرابع
أحكام الكفالة
2
مطلب :الكفالة بالمال 1والكفالة بالنفس
الكفاله نوعان:
(أ) كفالة بالمال :وهي الكفالة التي سبق تعريفها بأنها ضم ذمه إلى ذمة ،وهي كفالة بأداء مال واجب على المضمون عنه ،وقد أشرنا إلى
مشروعيتها في الكتاب والسنة واإلجماع.
(ب) كفالة بالنفس :وهي التزام شخص باحضار المكفول به إلى مجلس الحكم ،حيث كان العقد في الكفالة واقعا على بدن المكفول به ،فكان
إحضاره هو الملتزم به كالضمان.
والكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم ،ومنهم مالك و أبو حنيفه والشافعي في بعض أقواله.
وابن حزم ال يجوز الكفالة بالنفس أصال ال في مال وال في حد وال في شيء من األشياء ،ویبنی رأيه هذا على أنه إذا تكفل الكفيل بالنفس
فغاب المكفول عنه فنحن أمام موقفين:
أن تغرم الكفيل بمقدار ما على المكفول عنه ،وهذا ال يجوز ،ألنه يعد من أكل أموال الناس بالباطل.
1 Surety ship for the property of for the discharge of claim
––224
تعجل الكفيل الوفاء بالدين قبل حلول أجله لم يكن له أن يرجع به على المدين إال عند حلول األجل األصلي للمدين.
الثاني :أن يقوم الكفيل با خطار المدين قبل الوفاء ،فإذا أخطر الكفيل المدين بعزمه على الوفاء بالدين عند حلول أجله ولم يعترض المدين
()۱
على ذلك ،كان للكفيل أن يرجع على المدين بما وفاء عنه
––225
الفصل الثالث
الرهن
خطة البحث:
– تعريف الرهن لغة واصطالحاً
– مشروعيته.
– أركانه وشروطها.
أحكام الرهن :
ما يخرج به الرهن عن كونه مرهونا
––226
المبحث األول
تعريف الرهن
()۱
الرهن لغة
الرهن لغة الحبس ،يقال :رهن فالن عند فالن الشيء :حبسه عنده بدين ،ويقال :رهنته لسانی :كففته وحبسته ،فهو مرهون ورهين.
وهو أيضا الثبات والدوام يقال :رهن الشيء رهنا ورهونا :ثبت ودام و يقال رهن بالمكان :أقام فيه ،ورهن الرجل والدابة رهونا هزل و
أهيا.
وفالن رهن بكذا ورهين ورهينة ومرتهن :مأخوذ به.
ٌ(»)٣ ْ
ْ
سبَت َرهِينَة . َ ُّ ُ
ِين » ،واقوله «كل نَف ٍس بِ َما ك َ
()٢
ب َره ٌ ومنه قوله تعالى« ُك ُّل ْام ِرٍئ بِ َما َك َ
س َ
واالنسان رهن عمله ،والخلق رهائن الموت ،ورهن يده المنيه:
إذا استمات .قال األخطل:
لماله و لقد رهنت يدي المنية معلما
وحملت حين تواكل الحمال
وارتهنه الشيء منه :أخذه رهنا ،واسترهنه :طلب منه رهنا والرهن
__________________________________________________________________________________________________________________________________
()۱انظر مادة «رهن» فى :أساس البالغة ،المعجم الوسيط ،قاموس األلفاظ واألعالم القرآنية ،معجم ألفاظ القرآن الكريم
()٢الطور 21
()٣المدثر 38
––227
ٌ َان َّم ْقبُو َ
()۱
ضة» سف ٍَر َولَ ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ
يجمع على رهون ،ورهان كما في قوله تعالىَ «:وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ
الرهن اصطالحا:
( أ ) عند الحنفية( ( : )٣جعل الشيء محبوسا بحق يمكنه استيفاؤه من الرهن كالديون.
( ب ) عند المالكية( ( : )٣بذل من له البيع مايباغ أو غروا ولو اشترط في العقد وثيقة بحق )
( ج ) عند الشافعية( ( : )٤جعل عين( )property/goodsمال متمولة( )rich/wealthyوثيقة بدين ليستو في منها تعذر وفائه )
( د ) عند الحنابلة( ( : )٥المال الذي يجعل وثيقه بالدين ليستوفى من ثمنه إن تعذر استيفاؤه ممن هو عليه ).
ومن خالل عرضنا لهذه التعريفات نالحظ ما يلى:
– ١يتفق الحنفية والمالكية في أن الرهن مال يحبس للوفاء بحق من الحقوق ،والحق هنا لفظ أوسع من الدين ،إذ يشمل الدين والعين على
السواء وإن جاء الدين في تعريف الحنفية مثال على الحق المرهون به.
– ٢أما تعريف كل من الشافعيةـ والحنابلة فقد ظهر فيه أن المرهون به دين ،وأن المرهون عين تجعل وثيقة لالستيفاء منها إن تعذو الوفا
بالدين
––228
– ٣ال خالف بين الجميع في جواز كون المرهون عينا ،ويجوز عند المالكية أن يكون المرهون دينا ،بمعنى أن الشخص يمكن أن يرهن
دينا له على آخر ليوثق دينا عليه لشخص ثالث ،وهذا من باب تيسير المعامالت بين الناس(.)۱
تعريف الرهن في القانون (.)٢
هو ( عقد به يكسب الدائن على عقار مخصص لوفاء دينه حقا عينيا يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التالين له
في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد يكون ).
وهذا التعريف يتضمن ما يأتي
– ١أن الرهن يطلق على العقد الذي يتم بين الدان والمدين لضمان حق األول على الثاني.
– ٢وأنه يطلق أيضا على الحق العيني ذاته الذي هو ضمان للوفاء بالدين.
– ۳يكون الرهن حقا عينيا عقاريا وال يكون دينا.
– ٤يثبت هذا التعريف حق يقدم الدائن المرتهن على سائر الغرماء اآلخرين ،ومعنى ذلك أنه يمكن أن يلجأ في استيفاء دينه من ثمن
للعقار المرهون إلى التنفيذ على هذا العقار وبيعه بالمزاد العلني(.)٣
––229
المبحث الثاني
()۱
مشروعية الرهن
الرهن مشروع بالقرآن والسنة واإلجماع:
ضة».ٌ ْ
َان َّمقبُو َ َ َ
أما القرآن في قوله عز وجلَ «:وِإن ُكنت ُ ْم َعل ٰى َ
سف ٍَر َول ْم ت َِجدُوا كَاتِبًا فَ ِره ٌ
فقد جاءت هذه اآلية الكريمة – في المصحف – عقب آية المداينه التي تحت على كتابة الدين واإلشهاد عليه وتأكيده بشتي وسائل التوثيق،
ومن هذه الوسائل الرهن·
وقد فهم جمهور الفقهاء من االية جواز الرهن في الحضر والسفر إال مانقل عن مجاهد وأهل الظاهر من قولهم :ليس الرهن إال في السفر،
سف ٍَر». ألن هللا تعالى شرط السفر في الرهن بقولهَ «:وِإن ُكنت ُ ْم َعلَ ٰى َ
أما كافة العلماء فيجوزوه في الحضر والسفر ،غير أن ذكر السفر بناء على غالب األحوال في عدم الكاتب والشهيد فيها ،فينوب الرهن
منابها.
وال يفيد ذلك أن الرهن يقوم مقام الشهادة والكتابة من كل وجه ،فان
––230
الذي يختص بالرهن إعداد المرهون الستيفاء الحق منه فهو وثيقة لجانب االستيفاء.
وقد جعل الرهن وثيقة لصاحب الدين ليكون محبوسا في يدة بدينه فيكون عند الموت واإلفالس أحق به من سائر الغرماء،ـ ومتى لم يكن
(.)۱
في يدة كان لفوا ال معنى له ،وهو وسائر الغرماءـ فيه سواء
ضةٌ» أي فارهنوا واقبضوا ألنه مصدر أي مفردة ،جعل جزاء الشرط بالفاء ،فجرى مجرى األمر َان َّم ْقبُو َ
و لقد قيل في قوله تعالى «فَ ِره ٌ
كقالله تعالى« فتحرير رقبة»«فضرب الرقاب».
والوثائق بالحقوق ثالثة ،شهادة ورهن وضمان ،فاألول لخوف الجحد واآلخران لخوف اإلفالس.
وأما السنة فقد تضافرت أحـاديث الباب على مشروعية الرهن ،ومنها ما روى عن عائشة أن رسول ہللا ﷺ اشترى من يهودي طعاما
بنسيئة فأعطاة درعا له رهنا (.)٢
وفي هذا الحديث وغيره بروايات متعددة ما يدل على جواز هذا الرهن ومشروعيته في الحضر والسفر ،وأما اشتراء النبي ﷺ الطعام من
اليهودي ورهنه عنده دون الصحابة ،فقيل :فعله بيانا لجواز ذلك ،أو ألن الصحابة ال يأخذون من الرسول رهنا ،وال يقبضون منه الثمن،
فعدل إلى معاملة اليهودي
––231
(.)۱
لئال يضيق على أحد من أصحابه
ومادام رسول هللا ﷺ قد فعل الرهن ،فان أقل مرتبة لفعله الجواز.
ولقد أجمع المسلمون على جواز الرهن في الجملة ،فتعاملوا به ،وجرت به عادتهم تيسيرا للتعامل بينهم ،وتحقيقا لمصلحة كل من الراهن
والمرتهن.
––232
المبحث الثالث
أركان الرهن وشروطها
ركن العقد – كما هو معروف عند الحنفية – هو االيجاب والقبول ،بينما هو عند الجمهور يتمثل في العاقد والمعقود عليه وكل ماله
ارتباط بالعقد.
ومن ثم فان أركان الرهن عندهم في:
الصيغة – العاقدان – المرهون به – المرهون(.)Mortgaged
أوال – الصيغة:
الصيغة – كما أتجه الفقهاء – هي االيجاب والقبول ،ويشترط إن تكون بلغة يفهمها الطرفان كان يقول الراهن :رهنتك هذا الشيء بمالك
على من الدين أو يقول .هذا الشيء رهن بدينك وما يجري هذا المجرى.
و يقول المرتهن( ،)Mortgageeارتهنت أو قبلت .أو رضيت وما يجرى مجراه.
و لكن ال يشترط أن تكون الصيغة بلفظ «الرهن» بالذات فلو أن المشترى اشتري سلعة فقال للبائع .أمسك هذه الساعة أو احتفظ بهذا
الثواب حتى آتيك بالثمن فان هذا جائز و تكون الساعة أو يكون الثوب رهنا ألنه أتى بمعنى العقد والعبره في باب العقود للمعاني(.)۱
اإليجاب والقبول بدالن على الرضا ومن ثم فان العقد ينعقد بيهما و إن
––233
كان بعض الحنفية قد قالوا بأن العبرة في الرهن باإليجاب أما القبول فهو شرط صيرورة اإليجاب علة إذ هو عقد تبرع ألن الراهن لم
يستوجب شيئا على المرتهن إذاء ما أثبتت له من المعين(..)۱
ثانيا – العاقدان:
يتفق الفقهاء أن يكون العاقدان عاقلين فال يجوز الرهن واالرتهان من المجنون والصبي الذي ال يعقل ويعتبر ذلك في حال الرهن
واإلقباض فاذا جن( )To become insaneأحد المتراهنين قبل القبض لم يبطل الرهن ويقوم ولى المجنون مقامةـ (.)٢
وقد اشترط الشافعي فوق ذلك البلوغ والرشد وأهليه التبرع(.)٣
وعند المالكية ال يجوز الرهن من مال المحجور( )Attachedإال إذا كان ذلك سدادا ،ودعت اليه الحاجة والضرودة .
()٤