Professional Documents
Culture Documents
جزء عم
للشيخ /ابن عثيمين
رحمه هللا تعالى
اختصره
العبد الفقير إلى رحمة ربه
علي حسن صالح العبيدلي
غفر هللا له ولوالديه وللمسلمين
1
بسم هللا الرحمن الرحيم
هذه السورة قال العلماء :إنها تشتمل على مجمل مع%%اني الق%%رآن في التوحي%%د واألحك%%ام والج%%زاء -
وطرق بني آدم وغير ذلك ,ولذلك سميت (( أم القرآن ))
هذه السورة لها مميزات تتميز بها عن غيره%%ا ,منه%%ا أنه%%ا ركن في الص%%لوات %ال%%تي هي أفض%%ل -
أركان اإلسالم بعد الشهادتين :فال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ,ومنها أنها رقية :إذا قرئ
بها على المريض شفي بإذن هللا .
قوله تعالى [ بسم هللا الرحمن الرحيم ] :الجار والمجرور متعلق بمحذوف ,فإذا قلت (( :باس%%م -
هللا )) وأنت تريد أن تأكل ,تقدر الفع%%ل (( :باس%%م هللا آك%%ل )) [ .هللا ] اس%%م هللا رب الع%%المين ال
يسمى به غيره ,وه%%و أص%%ل األس%%ماء ,وله%%ذا ت%%أتي األس%%ماء التابع%%ة ل%%ه [ ,ال%%رحمن ] أي ذو
الرحمة الواسعة [ ,الرحيم ] أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده .
إنها ليست من الفاتحة ,ولكنها آية مستقلة من كتاب هللا ,وهذا هو القول الح ق ,في الص حيح عن
أنس بن مالك رضي هللا عنه قال (( :صليت خلف النبي ص لى هللا علي ه وس لم وأبي بك ر وعم ر
وعثمان ,فكانوا يستفتحون ب [ الحمد هلل رب العالمين ] ال يذكرون [ بسم هللا ال رحمن ال رحيم ]
في أول قراءة ,وال في آخرها )) .والمراد ال يجهرون ,والتمي يز بينه ا وبين الفاتح ة في الجه ر
وعدمه يدل على أنها ليست منها .
2
قوله تعالى [ الرحمن الرحيم ] (( ,الرحمن )) وصفه و (( الرحيم )) فعله ,قوله تع%%الى [ مال%%ك ي%%وم
الدين ] صفة ل (( هللا )) ,و[ يوم الدين ] هو يوم القيامة ,و [ الدين ] هنا بمعنى الجزاء ,قوله تع%%الى
[ إياك نعبد ] :ال نعبد إال إياك .
فائدة (( :العبادة )) تتضمن فعل كل ما أمر هللا به ,وترك كل ما نهى هللا عنه . -
[ وإياك نستعين ] أي ال نستعين إال إياك على العبادة وغيرها ,
فائدة (( :االستعانة )) طلب العون ,وهللا سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة واالستعانة ,أو التوكل -
في مواطن عدة في القرآن الكريم ,ألن ال قيام بالعبادة على عليه .
قوله تعالى [ اهدنا الصراط المستقيم ] تسأل هللا تع%%الى علم%%ا نافع%%ا وعمال ص%%الحا ,و(( المس%%تقيم )) أي
الذي ال اعوجاج فيه .
-فائدة :الهداية تنقسم إلى قسمين :
-1هداية علم و إرشاد ليس فيها إال مجرد الداللة .
-2هداية توفيق وعمل فيها التوفيق للهدى ,واتباع الشريعة .
قوله تعالى [ صراط الذين أنعمت عليهم ] والذين أنعم هللا عليهم هم المذكورون %في قول%%ه تع%%الى [ ومن
يطع هللا والرسول فأولئك مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين والش%%هداء والص%%الحين وحس%%ن
أولئك رفيقا ] ,قوله تعالى [ غير المغضوب عليهم ] :هم اليهود ,وكل من علم بغير الح%%ق ولم يعم%%ل
به ,قوله تعالى [ وال الضالين ] :هم النصارى قبل بعثة النبي وكل من عمل بغير الحق جاهال به .
فائدة :اعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أي دي الن اس ال تنبغي الق راءة به ا عن د -
العامة ولهذا قال علي (( :حدثوا الناس بما يعرفون ,أتحبون أن يكذب هللا ورسوله )) .
3
َّاج ا (ِ )14ل ُن ْخ ِر َج ِب ِه َحبًّا َو َن َباتً ا ()15
اء ثَج ً
ِ ِ ِ
َّاج ا (َ )13وَأْن َز ْل َن ا م َن ا ْل ُم ْعص َرات َم ً
اجا َوه ً
ِ
َو َج َع ْل َن ا س َر ً
وج َّن ٍ
ات َأْلفَافًا ()16 َ َ
[ عم يتساءلون ] يعني عم يتساءل هؤالء المكذبون بالقرآن وغيره [ ,عن النبأ العظيم ] وهذا النب%%أ ه%%و
الذي جاء به النبي صلى هللا عليه وسلم من البينات والهدى ,وال سيما ما جاء به من األخب%%ار عن الي%%وم
اآلخر والبعث والجزاء ,وقد اختلف الناس في هذا النبأ ,فمنهم من آمن ومنهم من كفر به وكذب به [ ,
كال سيعلمون .ثم كال سيعلمون ] المراد بالعلم الذي توعدهم هللا به هو علم اليقين ال%%ذي يش%%اهدونه على
[ حسب ما أخبروا ب%%ه [ .ألم نجع%%ل األرض مه%%ادا ] أي جع%%ل هللا األرض مه%%ادا ممه%%دة للخل%%ق ,
والجبال أوتادا ] أي جعلها هللا أوتادا لألرض كالوتد للخيمة [ ,وخلقناكم أزواج%%ا ] أي أص%%نافا من ذك%%ر
وأنثى ,وصغير وكبير ,وأسود وأحمر ,وش%%قي وس%%عيد [ ,وجعلن%%ا ن%%ومكم س%%باتا ] أي قاطع%%ا للتعب ,
[ وجعلنا الليل لباسا ] أي جعل هذا الليل على األرض بمنزلة اللباس كأن األرض تلبس%%ه ويك%%ون جلباب%%ا
لها [ ,وجعلنا النه%%ار معاش%%ا ] يعيش الن%%اس في%%ه في طلب ال%%رزق [ ,وبنين%%ا ف%%وقكم س%%بعا ش%%داد ] وهي
السماوات السبع وصفها هللا تعالى بالشداد ألنها قوية [ ,وجعلنا سراجا وهاجا ] يعني بذلك الشمس فهي
سراج مضيء ,وهي أيض%%ا ذات ح%%رارة عظيم%%ة [ .وهاج%%ا ] أي وق%%ادة [ ,وأنزلن%%ا من المعص%%رات ]
يع%%ني من الس%%حاب [ ,م%%اء ثجاج%%ا ] كث%%ير االنهم%%ار والت%%دفق لغزارت%%ه وقوت%%ه ح%%تى ي%%روي األرض ,
[ لنخرج به ] أي لنخرج بهذا الماء [ ,حب%ا ونبات%ا ] يخ%%رج هللا ب%ه الحب بجمي%%ع أص%نافه .والنب%ات من
الثمار [ ,وجنات ألفافا ] أي بساتين ملتف%%ا بعض%%ها إلى بعض ,من كثرته%%ا وحس%%نها وبهائه%%ا ح%%تى إنه%%ا
لتستر من فيها لكثرتها .
ولما ذكر هللا ما أنعم به على العباد في الدنيا ذكر حال الي%%وم اآلخ%%ر وأن%%ه ميق%%ات يجم%%ع هللا في%%ه األولين
واآلخرين فقال تعالى :
[ إن يوم الفصل ] هو يوم القيامة وسمي يوم الفصل ألن اهلل يفصل فيه بين العباد [ ,كان ميقات ا ] أي
ميقات ا للج زاء وموقوت ا ألج ل مع دود [ ,ي وم ينفخ في الص ور فت أتون أفواج ا ] الن افخ الموك ل فيه ا
4
إس رافيل ينفخ نفخ تين :األولى يف زع الن اس ثم يص عقون فيموت ون ,والثاني ة :يبعث ون من قب ورهم ,
وتع ود إليهم أرواحهم [ ,وفتحت الس ماء فك انت أبواب ا ] انف رجت فتك ون أبواب ا يش اهدها الن اس [ ,
وسيرت الجبال فكانت سرابا ] أي أن الجبال العظيمة الصماء تدك فتكون كالرمل ثم تكون كالسراب
تسير [ ,إن جهنم كانت مرصادا ] أي مرصدة ومعدة للطاغين .
فائدة :سميت بهذا االسم ,ألنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها أعاذنا هللا وإياكم منه ا ,وهي -
مرصاد للطاغين قد أعدها هللا عز وج ل لهم من اآلن ,فهي موج ودة رآه ا الن بي ص لى هللا علي ه
وس لم ورأى فيه ا ام رأة تع ذب في ه رة له ا حبس تها ال هي أطعمته ا وال هي أرس لتها تأك ل من
خشاش األرض ,ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار .
[ للطاغين مآبا ] الطغيان مجاوزة الحد ,واألوب في األصل الرجوع [ ,الب%%ثين فيه%%ا أحقاب%%ا ] -
أي باقين فيها مدد طويلة .
الشيء األول :وجود الجنة والنار اآلن وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة . -
الشيء الثاني :اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبدا . -
[ ال يذوقون فيها بردا وال شرابا ] نفى هللا سبحانه وتعالى فيها البرد الذي تكون فيه برودة ظاهر الجسم
,والشراب الذي تكون في%%ه ب%%رودة داخ%%ل الجس%%م [ ,إال حميم%%ا وغس%%اقا ] ليس لهم إال ه%%ذا الحميم وه%%و
الماء الحار المنتهي في الحرارة [ وغساقا ] الغساق هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة ,فيجم%%ع لهم
والعياذ باهلل بين الماء الحار الشديد الحرارة والماء البارد الشديد ال%%برودة لي%%ذوقوا الع%%ذاب من الن%%احيتين
[ جزاء وفاقا ] أي يجزون بذلك ج%زاء موافق%ا ألعم%الهم من غ%ير أن يظلم%وا [ ,إنهم ك%انوا ال يرج%ون
حسابا .وكذبوا بآياتنا كذابا ] فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول أي اليؤملون أن يحاسبوا ,
أما ألسنتهم فيكذبون ,يقولون هذا كذب ,هذا سحر ,هذا جنون [ ,وكل ش%%يء أحص%%يناه كتاب%%ا ] يش%%مل
مايفعله هللا عز وجل وما يفعله العباد وكل صغير وكبير [ أحصيناه ] ضبطناه [ كتابا ] كتب%%ا [ ,ف%%ذوقوا
فلن نزيدكم إال عذابا ] ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخا فلن نرفعه عنكم .
وح
وم ال ُّر ُ ط ًاب ا (َ )37ي ْو َم َيقُ ُ ون ِم ْن ُه ِخ َ
ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا ال َّر ْح َم ِن اَل َي ْم ِل ُك َ
اَأْلر ِ ِ
الس َم َاوات َو ْ َر ِّب َّ
ص َو ًابا (َ )38ذِل َك ا ْل َي ْو ُم ا ْل َح ُّ
ق فَ َم ْن ِ
ون ِإاَّل َم ْن َأذ َن َل ُه ال َّر ْح َم ُن َوقَ ا َل َ ص فًّا اَل َيتَ َكلَّ ُم َ ِئ
َوا ْل َماَل َك ُة َ
ِ
َّم ْت َي َداهُ َو َيقُ و ُل َآبا (ِ )39إَّنا َأْن َذ ْر َنا ُك ْم َع َذ ًابا قَ ِر ً
يبا َي ْو َم َي ْنظُُر ا ْل َم ْر ُء َم ا قَ د َ اء اتَّ َخ َذ ِإلَى َر ِّبه َم ً
ش َ َ
اف ُر َيا لَ ْيتَِني ُك ْن ُ
ت تَُر ًابا ()40 ا ْل َك ِ
[ رب الس%%ماوات واألرض وم%%ا بينهم%%ا ال%%رحمن ] فاهلل س%%بحانه وتع%%الى ه%%و رب ك%%ل ش%%يء -
[ الرحمن ] وهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة [ ,ال يملكون منه خطاب%%ا ] أي ال يس%%تطيع أح%%د أن
يتكلم إال بإذن هللا [ ,يوم يقوم الروح ] وهو جبريل [,والمالئكة صفا ] أي صفا بعد صف ,
[ ال يتكلمون ] أي ال يتكلمون مالئكة وال غيرهم [ إال من أذن ل%%ه ال%%رحمن ] ب%%الكالم فإن%%ه يتكلم
كم%%ا أذن ل%%ه [ وق%%ال ص%%وابا ] أي ق%%ال ق%%وال ص%%وابا موافق%%ا لمرض%%اة هللا س%%بحانه وتع%%الى وذل%%ك
بالشفاعة إذا أذن هللا ألحد أن يشفع [ ,ذلك اليوم الح%%ق ] أي ذل%%ك ال%%ذي أخبرن%%اكم ب%%ه ه%%و الي%%وم
الحق [ ,فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ] أي من شاء عمل العم%%ل الص%%الح المواف%%ق لمرض%%اة هللا ,
[ إنا أنذرناكم عذابا قريبا ] خوفناكم من عذاب قريب وهو ي%%وم القيام%%ة [ ,ي%%وم ينظ%%ر الم%%رء م%%ا
قدمت يداه ] أي ينظر كل امرئ ما عم%%ل في ال%%دنيا [ ,ويق%%ول الك%%افر ي%%ا ليت%%ني كنت تراب%%ا ] أي
ليتني لم أخلق ,أو ليتني لم أبعث ,أو إذا رأى البهائم ال%%تي يقض%%ي هللا بينه%%ا ,ثم يق%%ول :ك%%وني
ترابا فتكون ترابا يتمنى أن يكون مثلهم .
6
تفسير سورة النازعات
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
[ والنازع ات ] يع ني المالئك ة الموكل ة بقبض أرواح الكف ار [ غرق ا ] أي نزع ا بش دة [ ,والناش طات
نش طا ] يع ني المالئك ة الموكل ة بقبض أرواح المؤم نين ,تنشطها نشطا :أي تسلها برفق كاألنشوطة ,
واألنشوطة هي الربط الذي يسمونه عندنا ( التكة ) ,قال النبي صلى هللا عليه وس%%لم (( :من أحب لق%%اء
هللا أحب هللا لقاءه ,ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه )) .قالت عائشة :يارسول هللا :إنا لنك%%ره الم%%وت ,
فقال (( :ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بش%%ر برض%%وان هللا وكرامت%%ه فليس ش%%يء أحب إلي%%ه
مما أمامه فأحب لقاء هللا وأحب هللا لقاءه )) [ .والسابحات سبحا ] هي المالئكة التي تسبح ب%%أمر هللا أي
7
تسرع كما يسرع السابح في الماء [ ,فالسابقات سبقا ] هي المالئكة التي تسبق إلى أمر هللا ع%%ز وج%%ل ,
[ فالمدبرات أمرا ] وصف المالئكة بأنها تدبر األمر يعني أمور هللا عز وجل لها مالئكة تدبرها .
هذه األوصاف كلها أوصاف المالئكة على حسب أعم%الهم ,وأقس%م هللا س%بحانه وتع%الى بالمالئك%ة ألنهم
خير المخلوقات ,واليقسم هللا سبحانه وتعالى بشيء إال له شأن عظيم إما في ذاته ,إما لكون%%ه من آي%%ات
هللا عز وجل [ .يوم ترجف الراجفة .تتبعها الرادفة ] وهما النفخت%%ان في الص%%ور ,إذا رجفت الراجف%%ة
وتبعتها الرادفة انقسم الناس إلى قس%%مين [ :قل%%وب يومئ%%ذ واجف%%ة ] وه%%ذه قل%%وب الكف%%ار و [ واجفة ] أي
خائفة خوفا شديدا [ ,أبص%%ارها خاش%عة ] يع%ني ذليل%ة ,وقول%%ه [ قل%%وب يومئ%ذ ] بص%يغة النك%%رة فيك%ون
المعنى :وقلوب على عكس ذل%ك [ .فإنم%ا هي زج%رة واح%دة .ف%إذا هم بالس%اهرة ] زج%رة من هللا ع%ز
وجل يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واح%%د على ظه%%ر األرض بع%%د أن ك%%انوا في
بطنها .
[ هل أتاك حديث موسى ] الخطاب للنبي صلى اهلل عليه وسلم أو لكل من يصح توجيه الخطاب له
وفي ذلك تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة [ ,إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ]
ن اداه اهلل ع ز وج ل ن داء س معه بص وت اهلل ع ز وج ل ,وال وادي ه و الط ور وط وى اس م لل وادي [ ,
اذهب إلى فرعون إنه طغى ] فرعون كان ملك مصر وكان يقول لقومه أنا ربكم األعلى [ ,طغى ]
أي زاد عن حده [ ,فقل هل لك إلى أن تزكى ] وأصل الزكاة النمو والزيادة وتطلق بمعنى اإلسالم
[ وأه ديك إلى رب ك فتخش ى ] أي أدل ك إلى دين اهلل ع ز وج ل فتخ اف اهلل ع ز وج ل والتوحي د ,
على علم منك .
فائدة :الخشية هي الخوف المقرون بالعلم ,و أما الخوف فهو مجرد ذعر يحصل لإلنسان ولو بال -
علم .
8
[ فأراه اآلية الكبرى ] أرى موسى موسى فرعون اآلية العظمى عصا من خشب من فروع الشجر كم%%ا
ه%%%و مع%%%روف ,فك%%%ان إذا وض%%%عها في األرض ص%%%ارت حي%%%ة تس%%%عى ثم يحمله%%%ا فتع%%%ود عص%%%ى ,
[ [ فكذب وعصى ] كذب الخبر وعصى األمر [ ,ثم أدبر يسعى ] أي تولى مدبرا يسعى حثيثا ,
فحشر فنادى ] أي جمع الناس ونادى فيهم بصوت مرتفع [ ,فقال أنا ربكم األعلى ] يعني ال أح%%د ف%%وقي
وادعى لنفسه ما ليس له [ ,فأخذه هللا نكال اآلخرة واألولى ] أخ%%ذه هللا أخ%%ذ عزي%%ز مقت%%در ونك%%ل ب%%ه في
اآلخرة واألولى ,فكان عبرة في زمنه ,وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة [ ,إن في ذلك لعبرة لمن
يخشى ] في إرسال موسى لفرعون واستكباره عن االنقياد له عبرة لمن يخشى هللا عز وجل ,فهي عبر
يعتبر بها اإلنسان يصلح بها نفسه
َأخ َر َج
ش لَْيلَ َه ا َو ْ طَ اها (َ )28وَأ ْغ َ س َّو َ س ْم َك َها فَ َ
اه ا (َ )27رفَ َع َ
اء َب َن َ َأش ُّد َخ ْلقً ا َِأم َّ
الس َم ُ (َ )26أَأْنتُ ْم َ
ِ ض َب ْع َد َذِل َك َد َح َ
اها ( اه ا (َ )31وا ْل ِج َب ا َل َْأر َ
س َ اء َه ا َو َم ْر َع َ
َأخ َر َج م ْن َه ا َم َ
اه ا (ْ )30 اَأْلر َ
اها (َ )29و ْ ض َح َ
ُ
ام ُك ْم ()33 )32متَاعا لَ ُكم وَأِلْنع ِ
َ ً ْ َ َ
[ أأنتم أشد خلقا أم السماء ] هذا استفهام لتقرير إمك%%ان البعث والج%%واب معل%%وم لك%%ل أح%%د أن%%ه الس%%ماء ,
[ بناها ] أي بناها هللا عز وجل فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء [ ,رفع سمكها فس%%واها] رفع%%ه هللا
عز وجل بغير عمد فجعلها مستوية تامة كاملة [ ,وأغطش ليلها ] أي أظلمه [ ,وأخرج ضحاها ] بين%%ه
بالشمس [ ,واألرض بعد ذلك دحاها ] بين ذلك [أخرج منه%%ا ماءه%%ا ومرعاها] ف%%األرض مخلوق%%ة قب%%ل
السماوات ولكن دحوها وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد خلق السماوات [ ,والجب%%ال أرس%%اها ] أي
جعلها راسية في األرض فال تنس%%فها الري%%اح مهم%%ا ق%%ويت [ ,متاع%%ا لكم وألنع%%امكم ] أي جع%%ل هللا ذل%%ك
متاعا لنا وألنعامنا .
لما ذكر هللا عز وجل عباده بهذه النعم ذكرهم بمآلهم الحتمي فقال :
[ فإذا جاءت الطامة الكبرى ] وذلك قيام الس%اعة ,وس%ماها طام%%ة ألنه%ا داهي%ة عظيم%%ة تطم ك%%ل ش%%يء
سبقها [ ,يوم يتذكر اإلنسان ما سعى ] أي ما عمله في الدنيا يت%%ذكره مكتوب%%ا بكت%%اب يق%%رأه ه%%و بنفس%%ه ,
9
[ وبرزت الجحيم لمن يرى ] أظهرت تجيء تقاد بسبعين أل%%ف زم%%ام ك%%ل زم%%ام في%%ه س%%بعون أل%%ف مل%%ك
يجرونها [ ,فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا ]
فائدة :هذان وصفان من أوصاف أهل النار ,الطغيان وهو مجاوزة الحد ,وح د اإلنس ان م ذكور -
في قول ه تع الى [ وم ا خلقت الجن واإلنس إال ليعب دون ] ,إيث ار ال دنيا على اآلخ رة ,وهم ا
متالزمان فكل من طغى فقد آثر الحياة الدنيا والعكس صحيح .
[ فإن الجحيم هي المأوى ] أي المرجع والمق%%ر [ ,وأم%%ا من خ%%اف مق%%ام رب%%ه ] يع%%ني خ%%اف القي%%ام بين
يديه [ ,ونهى النفس عن الهوى ] أي هواه%%ا المخ%%الف ألم%%ر هللا ورس%%وله [ ,ف%%إن الجن%%ة هي الم%%أوى ]
الجنة هي دار النعيم التي أعدها هللا عز وجل ألوليائ%%ه فيه%%ا م%%ا ال عين رأت وال أذن س%%معت وال خط%%ر
على قلب بشر .
[ يس ألونك عن الس اعة أي ان مرس اها ] يس ألك الن اس م تى وق وع الس اعة [ ,فيم أنت من ذكراه ا ] ال
يمكن أن تذكر لهم متى الساعة ,ألن علما عند اهلل [ ,إنما أنت منذر من يخشاها ] ولكنك منذر من
يخافه ا وهم المؤمن ون [ ,ك أنهم ي وم يرونه ا ] ي رون القيام ة [ ,لم يلبث وا إال عش ية أو ض حاها ]
العشية الزوال إلى غروب الشمس ,والضحى من طلوع الشمس إلى زوالها ,يعني كأنهم لم يلبث وا إال
نصف يوم .
10
تفسير سورة عبس
اَأْلع َمى (َ )2و َم ا ُي ْد ِري َك َل َعلَّ ُه َي َّز َّكى (َْ )3أو َي َّذ َّك ُر فَتَْنفَ َع ُه ال ِّذ ْك َرى ()4
اءهُ ْ َأن َج َ س َوتَ َولَّى (ْ )1 { َع َب َ
س َعى (َ )8و ُه َو اء َك َي ْ َأما َم ْن َج َ ص دَّى (َ )6و َم ا َعلَ ْي َك َأاَّل َي َّز َّكى (َ )7و َّ َأما َم ِن ْ
استَ ْغ َنى ( )5فََأْن َت لَ ُه تَ َ َّ
ف ُم َكَّر َم ٍة (
ش اء َذ َك رهُ (ِ )12في ص ح ٍ
ُ ُ
ِ اَّل ِإ
تَلَ َّهى (َ )10ك َّن َه ا تَ ذْك َرةٌ (َ )11ف َم ْن َ َ َ شى (َ )9فَأْن َت َع ْن ُه َي ْخ َ
سفََر ٍة (ِ )15ك َر ٍام َب َر َر ٍة (} )16 ِ
(ِ )14ب َْأيدي َ وع ٍة ُم َ
ط َّه َر ٍة َ )13م ْرفُ َ
[ عبس وت ولى ] الض مير يع ود إلى رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم [ ,عبس ] أي اس تنكر الش يء
بوجه ه [ .ت ولى ] أع رض [ ,أن ج اءه األعمى ] األعمى ه و عبداهلل بن أم مكت وم رض ي اهلل عن ه ,
فجاء هذا األعمى يسأل النبي ,فكان النبي عليه الصالة والسالم يعرض عنه وعبس في وجهه رجاء
وطمعا في إسالم عظماء قريش [ ,وما يدريك لعله يزكى ] لعل ابن أم مكتوم يتطهر من ال ذنوب [ ,
أو يذكر فتنفعه الذكرى ] أو يتعظ فتنفعه الموعظة ,فإنه رضي اهلل أرجى من هؤالء أن يتعظ ويت ذكر
[ ,أم ا من اس تغنى ] اس تغنى بمال ه وجاه ه ,وهم العظم اء ال ذين عن د الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم [ ,
ف أنت ل ه تص دى ] تطلب إقبال ه علي ك وتقب ل علي ه [ ,وم ا علي ك أال ي زكى ] ليس علي ك ش يء إذا لم
ي تزكى ه ذا المس تغني [ ,وأم ا من ج اءك يس عى ] يس تعجل من أج ل حض ور مجلس الن بي [ ,وه و
11
يخشى ] يخاف اهلل عز وجل بقلبه لعلمه بعظمته [ ,فأنت عنه تلهى ] تتغافل عنه النشغاله برؤساء
القوم [ ,كال ] ال تفعل مثل هذا [ ,إنها تذكرة ] اآليات القرآنية تذكر اإلنسان بما ينفعه وتحثه عليه ,
وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب [ .فمن شاء ذكره ] من شاء اتعظ من الموعظة [ ,
في ص حف مكرم ة .مرفوع ة مطه رة ] معظم ة عن د اهلل [ ,بأي دي س فرة ] المالئك ة ,وس موا س فرة
ألنهم كتب ة وقيل :السفرة الوسطاء بين اهلل وبين عب اده [ ,ك رام ب ررة ] أي كرام في أخالقهم كثيرو
الفضل واإلحسان .
فائدة :هذه اآليات تأديب من هللا عز وجل للخلق أال يكون همهم هما شخصيا بل يك ون همهم هم ا -
معنويا و أال يفضلوا شريفا لشرفه ,وال عظيما لعظمته ,وال قريبا لقربه ,بل يكون الناس عن دهم
سواء في الدعوة إلى هللا ,الفقير والغني ,والكبير والصغير ,القريب والبعيد.
فائدة :وفي اآليات دليل على جواز لقب اإلنسان بوصفه مث ل األعمى واألع رج واألعمش ,ق ال -
أهل العلم :اللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فال بأس به ,وأما إذا كان المقص ود
به تعيير الشخص فإنه حرام .
ش ْي ٍء َخلَقَ ُه (ِ )18م ْن ُن ْطفَ ٍة َخلَقَ ُه فَقَ د ََّرهُ ( )19ثُ َّم ان َم ا َأ ْكفَ َرهُ (ِ )17م ْن ِّ
َأي َ س ُ ِ
قُت َل اِإْل ْن َ
َأم َرهُ ( ش َرهُ (َ )22كاَّل لَ َّما َي ْق ِ
ض َم ا َ اء َأْن َ
ش ََأماتَ ُه فَ َأق َْب َرهُ ( )21ثُ َّم ِإ َذا َ
س َرهُ ( )20ثُ َّم َ
يل َي َّ الس ِب َ
َّ
ش قًّا ( ان ِإلَى َ ِ ِ
ض َ
اَأْلر َ
ش قَ ْق َنا ْص بًّا ( )25ثُ َّم َ
اء َ ط َعام ه (ََّ )24أنا َ
ص َب ْب َنا ا ْل َم َ س ُ َ )23ف ْل َي ْنظُ ِر اِإْل ْن َ
ض ًبا (َ )28و َز ْيتُو ًن ا َو َن ْخاًل (َ )29و َح َداِئ َ
ق ُغ ْل ًب ا ()30 يه ا َحبًّا (َ )27و ِع َن ًب ا َوقَ ْ ِ
)26فََأْن َبتْ َن ا ف َ
ام ُك ْم ()32اكه ًة وَأبًّا ( )31متَاعا َل ُكم وَأِلْنع ِ ِ
َ ً ْ َ َ َوفَ َ َ
[ قتل اإلنسان ] أي أهلك ,والمراد باإلنسان الكافر خاصة [ ,ما أكفره ] ما استفهامية أي :ما
الذي أكفره أو تعجبية يعني عجبا له كيف كفر [ ,من أي شيء خلقه ] استفهام تقرير لما يأتي
بع ده [ ,من نطف ة خلق ه ] الم راد ب ه هن ا م اء الرج ل ال دافق ال ذي يخ رج من بين الص لب
والترائب يلقيه في رحم المرأة فتحمل [ ,فقدره ] أي جعله مقدرا أطوارا :نطفة ,ثم علقة ,
[ ثم السبيل يسره ] أي يسر له طريق الهدى والفالح وذلك بما أرسل إليه من ثم مضغة ,
الرساالت وأنزل إليه من الكتب [ ,ثم أماته] الموت مفارقة الروح للبدن [ ,فأقبره ] قال ابن
عباس رضي اهلل عنهما :أكرمه بدفنه [ ,ثم إذا شاء أنشره ] بعثه اهلل عز وجل يوم النشور
12
ليجازيه على عمله [ ,كال لما يقض ما أمره ] لما بمعنى لم ,والمعنى بأن له موعد منتظر ,
[ فلينظر اإلنسان إلى طعامه] من أين جاء ومن جاء به ؟ وهل أحد خلقه سوى اهلل عز وجل ,
[ أنا صببنا الماء صبا ] من السحاب [ ,ثم شققنا األرض شقا ] بعد المطر تنشق بالنبات [ ,
فأنبيتنا فيها حبا ] كالبر والرز والذرة والشعير [ ,وعنبا وقضبا ] القضب هو القت المعروف
[ وزيتون ا ونخال .وح دائق غلب ا ] الغلب كث ير األش جار [ , ال ذي تأكل ه ال دواب ,
وفاكهة أبا ] األب نبات معروف عند العرب ترعاه اإلبل [ ,متاعا لكم وألنعامكم ] فعلنا ذلك
متعة لكم .
ولما ذكر اهلل عز وجل اإلنسان بحاله ,ذكر حال اآلخرة في قوله :
[ الص اخة ] هي الص يحة العظيم ة ال تي تص خ اآلذان وهي النفخ في الص ور [ ,ي وم يف ر الم رء من
أخيه .وأمه وأبيه ] األم واألب المباشر واألجداد أيضا والجدات [ ,وصاحبته وبنيه ] زوجته وأقرب
الناس إليه ,قال أهل العلم :يفر منهم لئال يطالبوه بما فرط في حقهم من أدب وغيره [ .لكل امرئ
منهم يومئذ شأنه يغنيه ] كل إنسان منشغل بنفسه ال ينظر إلى غيره ,ثم قسم اهلل الناس في ذلك اليوم
[ وجوه يومئذ مسفرة ] من اإلسفار والوضوح ألن وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم قسمين :
من الس رور واالنش راح [ ,ض احكة ] مبتس مة [ ,مستبش رة ] بش رت ب الخير [ ,ووج وه يومئ ذ عليه ا
غبرة ] ألنها ذميمة قبيحة [ ,ترهقها قترة ] أي ظلمة [ ,أولئك هم الكفرة الفجرة ] الذين جمعوا بين
الكفر والفجور ,نسأل اهلل العافية .
13
تفسير سورة التكوير
ش ُار ُعطِّلَ ْت ()4 س ِّي َر ْت (َ )3وِإ َذا ا ْل ِع َوم ا ْن َك َد َر ْت (َ )2وِإ َذا ا ْل ِج َب ا ُل ُ ُّ
س ُك ِّو َر ْت (َ )1وِإ َذا الن ُج ُ الش ْم ُِإ َذا َّ
سِئ لَ ْت (
ودةُ ُ
وس ُز ِّو َج ْت (َ )7وِإ َذا ا ْل َم ْو ُء َ
النفُ ُ س ِّج َر ْت (َ )6وِإ َذا ُّ وِإ َذا ا ْلوح ُ ِ
وش ُحش َر ْت (َ )5وِإ َذا ا ْل ِب َح ُار ُ ُ ُ َ
س ِّع َر ْت ( ِ اء ُك ِش َ ف ُن ِش َر ْت (َ )10وِإ َذا َّ َأي َذ ْن ٍب قُِتلَ ْت (َ )9وِإ َذا ُّ ِ )8ب ِّ
يم ُ
ط ْت (َ )11وِإ َذا ا ْل َجح ُ الس َم ُ الص ُح ُ
ِ
ض َر ْت()14 َأح َ
س َما ْ َ )12وِإ َذا ا ْل َج َّن ُة ُْأز ِلفَ ْت (َ )13عل َم ْت َن ْف ٌ
[ إذا الشمس كورت ] هذا يكون يوم القيامة ,والتكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ولفه كما تكور
العمامة على الرأس [ ,وإ ذا النجوم انكدرت ] يعني تساقطت [ ,وإ ذا الجبال سيرت ] تكون هباء يوم
القيامة وتسير ,
[ وإ ذا العشار عطلت ] العشار جمع عشراء وهي الناقة الحامل التي لها عشرة أشهر وهي من أنفس
األموال عند العرب ولكنها في اآلخرة تعطل وال يلتفت إليها [ ,وإ ذا الوحوش حشرت ] والمراد بها
جمي ع ال دواب [ ,وإ ذا البح ار س جرت ] أي توق د ن ارا [ ,وإ ذا النف وس زوجت ] أي يض م ك ل ص نف
إلى ص نفه [ ,وإ ذا الم وؤدة س ئلت ب أي ذنب قتلت ] الم وؤدة هي األن ثى ال تي ت دفن حي ة في الجاهلي ة
لجهلهم وس وء ظنهم باهلل ,ف الموؤدة تس أل توبيخ ا ب أي ذنب قتلت توبيخ ا لظالمه ا وقاتله ا ودافنه ا [ ,
وإ ذا الصحف نشرت ] وهي مايكتب فيها األعمال [ ,وإ ذا السماء كشطت ] أي تزال من مكانها كما
يكشط الجلد عند سلخ البعير عن اللحم [ ,وإ ذا الجحيم سعرت ] أي النار توقد [ ,وإ ذا الجنة أزلفت ]
أي إذا قربت وزينت للمؤمنين [ ,علمت نفس ما أحضرت ] أي ما قدمت من خير وشر .
14
َّ فَاَل ُأق ِ
س (ِ )18إَّن ُه الص ْب ِح ِإ َذا تََنف َ
س (َ )17و ُّ س (َ )16واللَّْي ِل ِإ َذا َع ْ
س َع َ س ( )15ا ْل َج َو ِار ا ْل ُك َّن ِ ْس ُم ِبا ْل ُخ َّن ِ
ين ( )21وم ا ص ِ
اح ُب ُك ْم اع ثَ َّم ِ
َأم ٍ ط ٍ ين (ُ )20م َ ش َم ِك ٍول َك ِر ٍيم (ِ )19ذي قُ َّو ٍة ِع ْن َد ِذي ا ْل َع ْر ِ س ٍ
ََ َ لَقَ ْو ُل َر ُ
ين (َ )24و َم ا ُه َو ِبقَ ْو ِل ض ِن ٍ ين (َ )23و َم ا ُه َو َعلَى ا ْل َغ ْي ِب ِب َ ق ا ْل ُم ِب ِون (َ )22ولَقَ ْد َرَآهُ ِب اُأْلفُ ِ ِب َم ْج ُن ٍ
يم ( َأن ي ِ ش ِ ِ ون (ِ )26إ ْن ُه َو ِإاَّل ِذ ْك ٌر ِل ْل َع الَ ِم َ ان َر ِج ٍيم ( )25فَ َْأي َن تَذ َ
ط ٍ
س تَق َ
اء م ْن ُك ْم ْ َ ْ
ين ( )27ل َم ْن َ َ ْه ُب َ ش ْي َ
َ
ين ()29 ب ا ْل َعالَ ِم َ
اء اللَّ ُه َر ُّ
ش َ ون ِإاَّل ْ
َأن َي َ اء َ
ش َُ )28و َما تَ َ
[ فال أقسم بالخنس ] وال هنا لتأكيد القسم وليست نافية ومعناها أقسم بالنجوم التي ترجع [ ,الجوار
الكنس ] أي الجواري التي تكنس أي تدخل في مغيبها [ ,والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ] فأقسم
اهلل باللي ل ح ال إقبال ه وبالنه ار ح ال إقبال ه .إنم ا أقس م اهلل تع الى به ذه المخلوق ات لعظمه ا وكونه ا من
آياته الكبرى [ ,إنه ] أي القرآن [ لقول رسول كريم ] هو جبريل عليه الصالة والسالم [ ,ذي قوة ]
وص فه اهلل تع الى ب القوة العظيم ة [ عن د ذي الع رش ] أي عن د ص احب الع رش وه و اهلل ج ل جالل ه[
مكين ] جبري ل عن د اهلل ع ز وج ل ذو مكان ة وش رف [ ,مط اع ثم أمين ] جبري ل مط اع من المالئك ة
والرسل ألنه ينزل باألمر من اهلل وهو أمين على ما كلف به ,
[ وما صاحبكم بمجنون ] يعني محمد صلى اهلل عليه وسلم ليس مجنونا بل أعقل العقالء [ ,ولقد رآه
باألفق المبين ] أي رأى محمد جبريل في جانب السماء البين العالي ,وهذه الرؤية في غار حراء ,
[ وما هو على الغيب بضنين ] أي ما محمد على الوحي الذي جاء به من عند اهلل ببخيل [ ,وما هو
بقول شيطان رجيم ] ليس القرآن بقول أحد من الشياطين [ ,فأين تذهبون .إن هو إال ذكر للعالمين ]
أي هذا القرآن ذكر بمعنى التذكير والتذكر للعالمين وهم من بعث إليهم رسول اهلل [ ,لمن شاء منكم
أن يس تقيم ] واالس تقامة هي االعت دال ,فاإلنس ان ال ذي ال يري د االس تقامة ال يمكن أن ينتف ع به ذا
[ وم ا تش اؤون إال أن يش اء اهلل ] م ا نش اء ش يئا إال بع د أن يك ون اهلل ق د ش اءه [ ,رب الق رآن ,
العالمين ] فالمراد بالعالمين كل من سوى اهلل .
فائدة :هذه مسألة يجب على اإلنسان أن ينتبه لها ,أن يعلم أن فعله بمشيئته مشيئة تامة بال إكراه , -
لكن هذه المشيئة مقترنه بمشيئة هللا .
15
تفسير سورة االنفطار
ور ُب ْع ِث َر ْت ()4
ب ا ْنتَثَ َر ْت (َ )2وِإ َذا ا ْل ِب َح ُار فُ ِّج َر ْت (َ )3وِإ َذا ا ْلقُ ُب ُ
ِ
ط َر ْت (َ )1وِإ َذا ا ْل َك َواك ُ اء ا ْنفَ َ ِإ َذا َّ
الس َم ُ
ِ ِ ِ
اك ان َم ا َغ َّر َك ِب َر ِّب َك ا ْل َك ِريم ( )6الَّذي َخلَقَ َك فَ َ
س َّو َ ُّه ا اِإْل ْن َ
س ُ َأخ َر ْت (َ )5ي ا َأي َ َّم ْت َو َّ
س َم ا قَ د َ َعل َم ْت َن ْف ٌ
ين ()10 اف ِظ َِّين ( )9وِإ َّن علَ ْي ُكم لَح ِ
َ ْ َ َ ون ِبال د ِ اء َر َّك َب َك (َ )8كاَّل َب ْل تُ َك ِّذ ُب َ
ش َ ور ٍة َما َ ص ََأي ُفَ َع َدلَ َك (ِ )7في ِّ
ون ()12
ون َما تَ ْف َعلُ َ اما َك ِات ِب َ
ين (َ )11ي ْعلَ ُم َ ِ
ك َر ً
[ إذا السماء انفطرت ] يعني انشقت [ ,وإ ذا الكواكب انتثرت ] يعني النجوم تنتثر وتتساقط ألن العالم
انتهى [ ,وإ ذا البح ار فج رت ] أي فج ر بعض ها على بعض وملئت األرض [ ,وإ ذا القب ور بع ثرت ]
أي أخرج ما فيها من األموات حتى قاموا هلل عز وجل [ ,علمت نفس ما قدمت وأخرت ] علميت ك ل
نفس ما قدمت وأخرت [ ,يا أيها اإلنسان ما غرك بربك الكريم ] الخطاب لكل إنسان يعني أي شيء
غ رك باهلل حيث تكذب ه في البعث وتعص يه في األم ر والنهي [ ,ال ذي خلق ك ] من الع دم [ ,فس واك ]
جعلك مستوي الخلقة [ فعدلك ] جعلك معتدل القامة [ ,في أي صورة ما شاء ركبك ] اهلل ركبك في
أي صورة شاء فمن الناس الجميل والقبيح واألبيض واألسود [ ,كال بل تكذبون بالدين ] بالجزاء أو
بالدين نفسه [ ,وإ ن عليكم لحافظين .كراما كاتبين ] فعلى كل إنسان حفظة كرام يكتبون كل ما قال
[ يعلمون ما تفعلون ] بالمشاهدة إن كان فعال وبالسماع إن كان قوال ,بل إن عمل وكل ما فعل ,
القلب يطلعهم اهلل علي ه فيكتبون ه كم ا ق ال الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم (( :من هم بالحس نة فلم يعمله ا
كتبت حسنة ,ومن هم بالسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة )) ألنه تركها هلل عز وجل ,واألول يث اب
على مجرد الهم بالحسنة .
16
ِّين (َ )15و َم ا ُه ْم َع ْن َه ا ص لَ ْو َن َها َي ْو َم ال د ِ ٍِ اَأْلب رار لَ ِفي َن ِع ٍيم ( )13وِإ َّن ا ْلفُج ِ ِإ
َّار لَفي َجحيم (َ )14ي ْ َ َ { َّن ْ َ َ
س ِ ِّين ( )17ثُ َّم َم ا َْأد َرا َك َم ا َي ْو ُم ال د ِ
ين (َ )16و َم ا َْأد َرا َك َم ا َي ْو ُم ال د ِ ِب َغ اِئ ِب َ
ِّين (َ )18ي ْو َم اَل تَ ْمل ُك َن ْف ٌ
اَأْلم ُر َي ْو َمِئ ٍذ ِللَّ ِه (} )19
ش ْيًئا َو ْ
س َِل َن ْف ٍ
[ إن األبرار ] األبرار كثيرو فعل الخير والفضل [ لفي نعيم ] وهذا النعيم الحاصل يكون في اآلخرة
وه و الجن ة ,وفي ال دنيا وه و نعيم القلب وطمأنينت ه ورض اه بقض اء اهلل وق دره [ ,وإ ن الفج ار لفي
جحيم ] أي الكفار في نار حامية [ يصلونها يوم الدين ] أي يحترقون بها يوم الجزاء [ ,وما هم عنها
بغ ائبين ] أي لن يغيب وا عنه ا فيخرج وا [ ,وم ا أدراك م ا ي وم ال دين ثم م ا أدراك م ا ي وم ال دين ] ه ذا
االس تفهام للتفخيم والتعظيم [ ,يوم ال تملك نفس لنفس شيئا واألمر يومئذ هلل ] في يوم القيامة ال أحد
يملك ألحد شيئا ال بجلب خير وال بدفع شر إال بإذن اهلل عز وجل .
وه ْم ُي ْخ ِس ُر َ
ون ( وه ْم َْأو َو َز ُن ُ
ون (َ )2وِإ َذا َك الُ ُ
س تَْوفُ َ الن ِ
اس َي ْ ين ( )1الَّ ِذ َ
ين ِإ َذا ا ْكتَ الُوا َعلَى َّ طفِّ ِف َ
َو ْي ٌل ِل ْل ُم َ
ين ()6 اس ِل َر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ ون (ِ )4ل َي ْوٍم َع ِظ ٍيم (َ )5ي ْوم َيقُوم َّ
الن ُ ُ َ َ )3أاَل َيظُ ُّن ُأولَِئ َك ََّأن ُه ْم َم ْب ُعوثُ َ
[ وي ل للمطففين .ال ذين إذا اكت الوا على الن اس يس توفون .وإ ذا ك الوهم أو وزن وهم يخس رون ] وي ل
كلمة وعيد يتوعد اهلل سبحانه وتعالى من خالف أمره أو ارتكب نهيه ,المطففون الذين يستوفون حقهم
ك امال ,وينقص ون ح ق غ يرهم فجمع وا بين الش ح والبخ ل ,الش ح :في طلب حقهم ك امال دون
مسامحة ,والبخل :بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن ,فكل من طلب حقه كامال ممن هو
عليه ومنع حق غيره داخل في هذه اآلية [ ,أال يظن أولئك أنهم مبعوثون ] الظن هنا بمعنى اليقين [
ليوم عظيم ] هذا اليوم عظيم [ يوم يقوم الناس لرب العالمين ] فالناس يقومون على هذا الوصف حفاة
عراة غرال .
[ كال إن كت اب الفج ار لفي س جين ] كال تحتم ل أن تك ون بمع نى حق ا أو تك ون بمع نى ال ردع عن
التكذيب بيوم الدين ,والسجين مأخوذ من السجن وهو المكان الضيق في نار جهنم [ ,وما أدراك ما
سجين ] االستفهام لتعظيم نزوله [ ,كتاب مرقوم ] مكتوب ال يغير وال يبدل [ ,ويل يومئذ للمكذبين .
الذين يكذبون بيوم الدين ] أي يكذبون بيوم القيامة [ ,وما يكذب به إال كل معتد أثيم ] معتد في أفعاله
,أثيم في أقوال ه [ ,إذا تتلى علي ه آياتن ا ق ال أس اطير األولين ] واألس اطير هي الكالم اللغ و ال ذي ال
18
حقيقة له [ ,كال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ] اجتمعت عليها األعمال السيئة وحجبتها عن
الح ق [ ,كال إنهم عن ربهم يومئ ذ لمحجوب ون] يحجب ون عن رؤي ة اهلل ع ز وج ل ي وم القيام ة كم ا
حجبوا عن رؤية شريعته وآياته .
فائدة :بهذه اآلية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية هللا عز وجل ,ووجه الداللة ظ اهر -
فإنه ما حجب هؤالء في حال السخط إال وقد مكن لألبرار من رؤيته في حال الرضا .
[ ثم إنهم لص الوا الجحيم ] الفج ار يص لون حرارته ا وع ذابها ,ثم يق ال [ ه ذا ال ذي كنتم ب ه تك ذبون ]
فيجتمع عليهم العذاب البدني بصلي النار والعذاب القلبي بالتوبيخ.
ِ ين (َ )18و َم ا َْأد َرا َك َم ا ِعلِّي َ اَأْلب َر ِار لَ ِفي ِعلِّ ِّي َ ِ
ش َه ُدهُوم (َ )20ي ْ اب َم ْرقُ ٌ ُّون ( )19كتَ ٌ اب ْ َكاَّل ِإ َّن كتَ َ
ض َرةَ ف ِفي ُو ُج و ِه ِه ْم َن ْ ون ( )23تَ ْع ِر ُ اَأْلراِئ ِك َي ْنظُ ُر َ ِ ٍِ
اَأْلب َر َار َلفي َنعيم (َ )22علَى َ ون (ِ )21إ َّن ْ ا ْل ُمقََّر ُب َ
ون ()26 س َ ِ س ٌك َو ِفي َذِل َك َف ْل َيتََن افَ ِ ِ ِ س قَ ْو َن ِم ْن َر ِحي ٍ
ق َم ْختُ ٍ َّ ِ ِ
س ا ْل ُمتََناف ُ ام ُه م ْوم ( )25ختَ ُ النعيم (ُ )24ي ْ
ب ِب َها ا ْل ُمقََّر ُب َ
ون()28 س ِن ٍيم (َ )27ع ْي ًنا َي ْ
ش َر ُ
ِ
َو ِم َز ُ
اج ُه م ْن تَ ْ
في هذه اآلية يذكر اهلل عز وجل خبرا مؤكدا بأن [ إن كتاب األبرار لفي عليين ] كتاب األبرار في
أعلى الجنة [ ,وما أدراك ما عليون ] للتعظيم ,وتعالى بطاعته .
فائدة :كلما كان اإلنسان أكثر طاعة هلل كان أقرب إلى هللا ,وكلما ك ان اإلنس ان أش د تواض عا هلل -
كان أعز عند هللا .
[ إن األبرار لفي نعيم ] األبرار كثيرو الخير والطاعة واإلحسان وهم في نعيم يشمل نعيم البدن ونعيم
القلب [ ,على األرائك ] وهي األسرة المزخرفة المزينة التي وضع عليها مثل الظل [ ينظرون ] إلى
م ا أنعم اهلل ب ه عليهم [ ,تع رف في وج وههم نض رة النعيم ] أي حس ن النعيم وبهائ ه [ ,يس قون من
رحيق ] أي من شراب خالص ال شوب فيه وال ضرر فيه على العقل وال يصدع الرأس [ ,مختوم.
ختامه مسك ] آخره طيب الريح .
فائ دة :فه ؤالء الق وم األب رار لم ا حبس وا أنفس هم عن المالذ ال تي حرمه ا هللا عليهم في ال دنيا -
أعطوها يوم القيامة .
19
[ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ] في هذا الثواب والجزاء فليتسابق المتسابقون سباقا يصل بهم
[ عين ا ح د النفس [ ,ومزاج ه من تس نيم ] م زاج ه ذا الش راب من عين رفيع ة مع نى وحس ا ,
يشرب بها المقربون ] هذه العين والمياه واألنهار يشرب بها المقربون .
ون (َ )30وِإ َذا ا ْن َقلَ ُب وا ون (َ )29وِإ َذا َمُّروا ِب ِه ْم َيتَ َغ َ
ام ُز َ ض َح ُك َ َآم ُنوا َي ْين َ َأج َر ُموا َكا ُنوا ِم َن الَّ ِذ َ ين ْ ِإ َّن الَّ ِذ َ
ون (َ )32و َم ا ُْأر ِس لُوا َعلَ ْي ِه ْم ض الُّ َ ين (َ )31وِإ َذا َر َْأو ُه ْم قَ الُوا ِإ َّن َه ُؤ اَل ِء لَ َ َأه ِل ِه ُم ا ْن َقلَ ُب وا فَ ِك ِه َ
ِإلَى ْ
اَأْلراِئ ِك َي ْنظُ ُر َ
ون (َ )35ه ْل ثُ ِّو َب ون (َ )34علَى َ
ض َح ُك َ َآم ُن وا ِم َن ا ْل ُكفَّ ِ
ار َي ْ ين َين ( )33فَ ا ْل َي ْو َم الَّ ِذ َاف ِظ َحِ
َ
ون ()36 ا ْل ُكفَّ ُار َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ
[ إن ال ذين أجرم وا ] ق اموا ب الجرم وه و المعص ية والمخالف ة [ ,ك انوا ] في ال دنيا [ من ال ذين آمن وا
يض حكون ] اس تهزاء وس خرية واستص غارا لهم [ ,إذا م روا بهم يتغ امزون ] يغم ز بعض هم بعض ا ,
انظ ر إلى ه ؤالء س خرة واس تهزاء [ ,وإ ذا انقلب وا إلى أهلهم انقلب وا فكهين ] متفكهين بم ا ن الوه
بالس خرية من ه ؤالء المؤم نين [ ,وإ ذا رأوهم ] أي رأى المجرم ون المؤم نين [ ق الوا إن ه ؤالء
لضالون ] ضالون عن الصواب ,متأخرون .
فائدة :لقد كان لهؤالء السلف خلف في زماننا اليوم وما قبله وما بع ده ,فمن الن اس من يق ول عن -
أهل الخير :إنهم رجعيون متخلفون وقول عن المستقيم :إنه متشدد متزمت .
[ وما أرسلوا عليهم حافظين ] هؤالء المجرمون ما بعثوا حافظين لهؤالء المؤمنين يرقبونهم
ويحكم ون عليهم ,ب ل الحكم هلل ع ز وج ل [ ,ف اليوم ال ذين آمن وا من الكف ار يض حكون ] وه ذا
هو الضحك الذي ال بكاء بعده [ ,على األرائك ينظرون ] ينظرون من الجنة ما أعد اهلل لهم
من الث واب ,وينظ رون أولئ ك ال ذين يس خرون بهم في ال دنيا وهم في ع ذاب اهلل [ ,ه ل ث وب
الكفار ما كانوا يعملون ] ثوب بمعنى جوزي ,وهل هنا للتقرير.
20
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
يه ا َوتَ َخلَّ ْت ()4 ِ َّ ِ ِ اء ا ْن َ َّ ِإ َذا َّ
َّت (َ )3وَأْلقَ ْت َم ا ف َ ض ُم د ْ اَأْلر ُ
ش ق ْت (َ )1وَأذ َن ْت لَر ِّب َه ا َو ُحق ْت (َ )2وِإ َذا ْ الس َم ُ
َأما َم ْن ُأو ِت َي ِكتَ َاب ُه
ان ِإ َّن َك َك ِاد ٌح ِإلَى َر ِّب َك َك ْد ًحا فَ ُماَل ِقي ِه ( )6فَ َّ ِ ِ
َوَأذ َن ْت ل َر ِّب َها َو ُحقَّ ْت (َ )5ي ا َأي َ
ُّه ا اِإْل ْن َ
س ُ
َأما َم ْن ُأو ِت َي ِكتَ َاب ُه
ورا (َ )9و َّ س ُر ً
ف يحاس ب ِحس ابا ي ِس يرا ( )8وي ْن َق ِلب ِإلَى ْ ِ ِ
َأهل ه َم ْ ََ ُ س ْو َ ُ َ َ ُ َ ً َ ً
ِِِ
ِب َيمين ه ( )7فَ َ
ان ِفي ْ ِ ِ يرا (ِ )12إ َّن ُه َك َ ف ي ْدعو ثُبورا ( )11ويصلَى ِ
ورا ()13 س ُر ً َأهل ه َم ْ سع ً َ ََ ْ س ْو َ َ ُ ُ ً ظ ْه ِر ِه ( )10فَ َ اء ََو َر َ
َّه َك َ ِ ِ
ور (َ )14بلَى ِإ َّن َرب ُ ِإ َّن ُه َ
ان ِبه َبص ً
يرا()15 َأن َل ْن َي ُح َ
ظ َّن ْ
[ إذا السماء انشقت ] أي انفتحت وانفرجت [ ,وأذنت لربها وحقت ] استمعت وأطاعت أمر ربها عز
وج ل وح ق له ا أن تس مع وتطي ع [ ,وإ ذا األرض م دت ] تم د كم د الجل د والس ماط [ ,وألقت م ا فيه ا
وتخلت ] تلقي جثث ب ني آدم فيخرج ون من قب ورهم هلل ع ز وج ل [ ,وألقت م ا فيه ا وتخلت] استمعت
لربه ا وحقت [ ,ي ا أيه ا اإلنس ان إن ك ك ادح إلى رب ك ك دحا ] الك ادح ه و الس اعي بج د ون وع مش قة ,
فمهما عملت فإن المنتهى هو اهلل عز وجل ,
فائدة :الفرق بين المطيع والعاصي :أن المطيع يعمل عمال يرضاه هللا ويصل به إلى مرض اة هللا -
يوم القيامة ,والعاصي يعمل عمال يغضب هللا لكن مع ذلك ينتهي إلى هللا عز وجل .
[ فمالقيه ] الفاء تدل على الترتيب والتعقيب وما أسرع أن تالقي اهلل عز وجل .ثم قسم اهلل ع ز وج ل
الناس عند مالقاته إلى قسمين [ :فأما من أوتي كتابه بيمينه .فسوف يحاسب حسابا يسيرا ] يستلمه
باليمنى ويحاسبه اهلل تعالى بإحصاء عمله عليه ,لكنه حساب يسير ليس فيه أي عسر [ ,وينقلب إلى
أهل ه مس رورا ] ينقلب بع د الحس اب إلى أهل ه في الجن ة مس رور القلب [ ,وأم ا من أوتي كتاب ه وراء
ظه ره ] ه ؤالء هم األش قياء والعي اذ باهلل ,ي ؤتى كتاب ه وراء ظه ره [ ,فس وف ي دعو ثب ورا ] يق ول :
واثب وراه ي ا وياله وغيره ا من كلم ات الن دم [ ,ويص لى س عيرا ] يص لى الن ار ال تي تس عر ب ه ويك ون
مخلدا فيها أبدا [ ,إنه كان في أهله مسرورا ] كان في الدنيا في أهله مسرورا .
21
فائدة :اربط بين قوله تعالى [ وينقلب إلى أهله مسرورا ] و [ كان في أهله مسرورا ] تجد فرقا -
بين السرورين ,فسرور األول سرور دائم – نسأل هللا أن يجعلن ا منهم – وس رور الث اني س رور
زائل ذهب .
[ إنه ظن أن لن يحور ] أال يرجع الموت [ ,بلى إن ربه كان به بصيرا ] سيرجع إلى اهلل عز وجل
وسوف يحاسبه بحكمته وعدله .
فَاَل ُأق ِ
ق( ط َب ٍ
ط َبقً ا َع ْن َ ق ( )18لَتَ ْر َك ُب َّن َس َ ق (َ )17وا ْلقَ َم ِر ِإ َذا اتَّ َ ق (َ )16واللَّْي ِل َو َم ا َو َ
س َ ْس ُم ِب َّ
الش فَ ِ
ون ( ون (َ )21ب ِل الَِّذ َ
ين َكفَ ُروا ُي َك ِّذ ُب َ س ُج ُد َ َآن اَل َي ْون (َ )20وِإ َذا قُ ِرَئ َعلَ ْي ِه ُم ا ْلقُْر ُ )19فَ َما َل ُه ْم اَل ُيْؤ ِم ُن َ
الص ِالح ِ ِ اب َِأل ٍيم (ِ )24إاَّل الَّ ِذ َ ش ْر ُهم ِب َع َذ ٍ َ )22واللَّ ُه ْ
ات لَ ُه ْم َآم ُنوا َو َعملُ وا َّ َ ين َ ون ( )23فَ َب ِّ ْ َأعلَ ُم ِب َما ُي ُ
وع َ
ون ()25 َأجٌر َغ ْي ُر َم ْم ُن ٍْ
[ فال أقسم بالشفق ] القسم مثبت والمقسم به الشفق وهو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإ ذا
غ ابت دخ ل وقت العش اء [ ,واللي ل وم ا وس ق ] اللي ل وم ا جم ع [ ,والقم ر إذا اتس ق ] القم ر إذا تم
واجتم ع ن وره [ ,ل تركبن طبق ا عن طب ق ] الخط اب هن ا لجمي ع الن اس ,أي لتتح ولن ح اال عن ح ال
-فائدة :وهو يعني أن األحوال تتغير فيشمل :
األول :أح وال الزم ان تتنق ل [ وتل ك األي ام ن داولها بين الن اس ] في وم يك ون في ه الس رور واالنش راح
وانبساط النفس ويوم آخر يكون بالعكس .
الثاني :األمكنة ينزل اإلنسان هذا اليوم منزال وفي اليوم التالي منزال آخر .
الثالث :األبدان واستمع إلى قول هللا تعالى [ :هللا الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ض عف ق وة ثم
جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ] .
الرابع :حال القلوب ,والقلوب كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء ,ف إن
شاء أزاغه وإن شاء هداه ,ولما حدث النبي ص لى هللا علي ه وس لم به ذا الح ديث ق ال (( :اللهم ي ا مقلب
القلوب ثبت قلبي على دينك )) .
[ فم الهم ال يؤمن ون ] أي ش يء يمنعهم من اإليم ان [ ,وإ ذا ق رئ عليهم الق رآن ال يس جدون ] أي ال
يخضعون هلل عز وجل فالسجود هنا بمعنى الخضوع هلل عز وجل ,وإ ن لم تسجد على األرض ولكن
يسجد القلب ويلين ويذل ,
22
فائدة :ومن عالمات الخضوع هلل عز وجل عند قراءة القرآن أن اإلنسان إذا قرأ آي ة س جدة س جد -
هلل ذال له وخضوعا .وسجود التالوة ليس بواجب ولكن سنة مؤكدة .
[ بل الذين كفروا يكذبون ] تركهم للسجود بسبب تكذيبهم [ ,واهلل أعلم بما يوعون ] بما يجمعونه في
ص دورهم [ ,فبش رهم بع ذاب أليم ] [ ,إال ال ذين آمن وا وعمل وا الص الحات لهم أج ر غ ير من ون ] إال
هؤالء لهم ثواب غير مقطوع .
فائدة :والعمل الصالح الذي يجمع بين ش يئين :اإلخالص هلل تع الى ,وأن يك ون متبع ا الرس ول -
عليه الصالة والسالم .
[ والسماء ذات البروج ] الواو حرف قسم ,وذات البروج أي صاحبة البروج لعلوها وارتفاعها .
23
فائ دة :يقسم تعالى بما شاء من خلقه ,أما نحن فال نقسم إال باهلل ,بأسمائه وصفاته وال نقس م بش يء -
من مخلوقاته لقول النبي صلى هللا عليه وسل (( :من كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت )) .
[ والي وم الموع ود ] ي وم القيام ة [ ,وش اهد ومش هود ] أقس م اهلل بك ل ش اهد ومش هود ومن الش هود :
محم د ص لى اهلل علي ه وس لم وه ذه األم ة وأعض اء اإلنس ان والمالئك ة ,والمش هود ي وم القيام ة [ ,قت ل
أصحاب األخدود ] أي أهلك أو بمعنى اللعن ,وهؤالء الكفار الذين حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن
دينهم ولكنهم عجزوا فحفروا حفرا وجمعوا الحطب وأحرقوا المؤمنين بها والعياذ باهلل [ ,النار ذات
الوق ود ] أي الحطب الكث ير المت أجج [ ,إذ هم عليه ا قع ود ] ي رون الن ار تلتهم البش ر وهم قع ود على
األس رة فكه ون [ ,وهم على م ا يفعل ون ب المؤمنين ش هود ] أي حض ور [ ,وم ا نقم وا منهم إال أن
يؤمنوا باهلل العزيز الحميد ] ما أنكر هؤالء إال أن المؤمنين آمنوا باهلل عز وجل ,العزيز هو الغالب
الذي ال يغلبه شيء ,الحميد هو المحمود على كل حال [ ,الذي له ملك السماوات واألرض ] هذه
الملكية شاملة لملك األعيان والتدبير [ ,واهلل على كل شيء شهيد ] أي مطلع عز وجل على كل شيء
[ ,إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ] هم فتنوا
المؤمنين بصدهم عن سبيل اهلل وفتنوهم باإلحراق.
-فائدة :قال بعض السلف :انظر إلى حلم هللا عز وجل يحرقون أولياءه ثم يعرض عليهم التوبة .
فائدة :هللا سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه فلله تعالى في ه ذا حكم ة ,المص ابون من -
المؤمنين أجرهم عند هللا عظيم وهؤالء الكفار المعتدون أملى لهم هللا سبحانه وتع الى ويس تدرجهم
من حيث ال يعلمون ,والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل إلخوانهم .
فائدة :التوب ة ته دم م ا قبله ا ولكن التوب ة ال تك ون نص وحا مقبول ة عن د هللا إال إذا اش تملت على -
شروط خمسة :
األول :اإلخالص هلل عز وجل .
الثاني :الندم على ما حصل من الذنب .
الثالث :أن يقلع عن الذنب .
الرابع :أن يعزم عزما تاما أال يعود للذنب .
الخامس :أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة ,ألن التوبة ال تقب ل في ح التين :األولى إذا حض رت
الوفاة والثانية إذا طلعت الشمس من مغربها .
24
ير (ِ )11إ َّن ِ ِ ِ ات لَ ُه ْم َج َّن ٌالص ِالح ِ ِ ِإ َّن الَّ ِذ َ
ات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َه ا اَأْلْن َه ُار َذل َك ا ْلفَ ْو ُز ا ْل َك ِب ُ َآم ُنوا َو َعملُوا َّ َ
ين َ
ش ا ْل َم ِجي ُد ( ِ ِ ِإ ش ِد ٌ
ود (ُ )14ذو ا ْل َع ْر ِ ور ا ْل َو ُد ُيد (َّ )12ن ُه ُه َو ُي ْب دُئ َو ُيعي ُد (َ )13و ُه َو ا ْل َغفُ ُ ش َر ِّب َك لَ ََب ْط َ
ين َكفَ ُروا ِفي
ود (َ )18ب ِل الَّ ِذ َ ود (ِ )17ف ْر َع ْو َن َوثَ ُم َ اك َح ِد ُ
يث ا ْل ُج ُن ِ )15فَ َّعا ٌل ِل َم ا ُي ِري ُد (َ )16ه ْل َأتَ َ
وظ ()22 يد (ِ )21في لَو ٍح م ْحفُ ٍ يب (َ )19واللَّ ُه ِم ْن َو َراِئ ِه ْم ُم ِحيطٌ (َ )20ب ْل ُه َو قُْر ٌ
َآن َم ِج ٌ تَ ْك ِذ ٍ
ْ َ
[ إن ال%%ذين آمن%%وا ] هم ال%%ذين آمن%%وا باهلل ومالئكت%%ه وكتب%%ه ورس%%له والي%%وم اآلخ%%ر والق%%در خ%%يره وش%%ره
[ وعملوا الصالحات ] واألعمال الصالحة هي ال%%تي ب%%نيت على اإلخالص هلل واتب%%اع ش%%ريعة هللا [ ,لهم
جنات تجري من تحتها األنهار ] لهم عند هللا جنات فيها ما العين رأت وال أذن س%%معت وال خط%%ر على
قلب بشر .
فائدة :قال ابن عباس رضي هللا عنهما :ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إال األسماء فقط . -
[ من تحتها ] أي من تحت أشجارها وقصورها [ ,ذلك الفوز الكبير ] الذي به النجاة من ك%%ل مره%%وب
وحصول كل مطلوب [ ,إن بطش ربك لشديد ] بطش يعني أخذه بالعق%%اب ,والش%%ديد الق%%وي ,أي فيمن
يستحق البطش ورحمة هللا سبقت غضبه [ ,إنه ه%و يب%دئ ويعي%د ] فه%و ال%ذي ب%دأ األش%ياء وإلي%ه تنتهي
األشياء [ ,وهو الغفور ] يعني ذا المغفرة ,والمغفرة ستر الذنب والعفو عنه [ .الودود ] والود خ%%الص
المحبة فاهلل جل وعال محبوب وحاب [ ,ذو العرش ] أي ص%%احب الع%%رش والع%%رش ه%%و ال%%ذي اس%%توى
عليه هللا عز وجل وهو أعظم المخلوقات وأكبرها و أوسعها [ المجيد ] فيها قراءتان ,فعلى قراءة الج%%ر
تكون وصفا للعرش وعلى قراءة الرفع تكون وصفا للرب عز وجل [ ,فعال لم%%ا يري%%د ] فك%%ل م%%ا أراده
سبحانه فهو يفعله [ ,هل أتاك حديث الجنود ز فرعون وثمود ] فقد قص هللا س%%بحانه وتع%%الى علين%%ا من
نبأهم ما فيه العبرة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فائدة :وكان من نبأ فرعون وثمود فائدتين : -
تسلية النبي عليه الصالة والسالم وتقويته وأن الذي نصر رسله من قبل سوف ينصره . -1
تهديد ووعيد لقريش الذين كذبوا رس ول هللا وأنهم ليس وا أش د ق وة من فرع ون وثم ود وم ع ذل ك -2
أصابهم الهالك .
[ بل الذين كفروا في تكذيب ] والذين كفروا يشمل كل من كف%%ر باهلل ورس%%وله من المش%%ركين أو
من اليه%%ود أو من النص%%ارى أو من غ%%يرهم [ ,وهللا من ورائهم محي%%ط ] أي محي%%ط بهم من ك%%ل
جانب ال يشذون عنه وال عن علمه وال عن سلطانه وال عن عقابه [ ,ب%%ل ه%%و ق%%رآن مجي%%د ] أي
ذو عظمة ومجد
-فائدة :وصف القرآن بأنه مجيد ال يعني أن المجد وص ف للق رآن نفس ه فق ط ب ل ه و وص ف
للقرآن ولمن تحمل هذا القرآن فحمله وقام بواجبه من تالوته ح ق تالوت ه فإن ه س يكون لهم المج د
والعزة والرفعة .
25
[ في ل%%وح محف%%وظ ] يع%%ني في الل%%وح المحف%%وظ عن%%د هللا ع%%ز وج%%ل ال%%ذي ه%%و أم الكت%%اب ,ق%ال
العلماء :محفوظ ال يناله أحد ,محفوظ عن التغيير والتبديل .
فائدة :نناش د والة أمورالمس لمين جميع ا ,أناش دهم أن يتق وا هللا ع ز وج ل وأن يرجع وا رجوع ا -
حقيقي ا إلى كت اب هللا تع الى وس نة رس وله ص لى هللا علي ه وس لم ح تى يس تتب لهم األمن
واالستقراروتحصل لهم العزة والمجد والرفعة وتطيعهم شعوبهم ,ف إذا ك ان والة األم ور يري دون
أن تذعن لهم شعوبهم وأن يطيعوا هللا فيهم فليطيعوا هللا تطيعهم أممهم وإال فليس من المعقول أن
يعصوا مالك الملك وهو هللا عز وجل ثم يريدون أن تطيعهم شعوبهم هذا بعيد جدا .
26
تفسير سورة الطارق
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
[ والسماء والطارق ] السماء هو كل ما عال حتى السحاب يسمى سماء ,والطارق هو [ النجم الث%%اقب ]
يحتمل أن يكون المراد جميع النجوم ويحتمل أنه النجم الالمع [ ,إن كل نفس لما عليها حاف%%ظ ] إن هن%%ا
نافيه و لما بمعنى إال يعني ما كل نفس إال عليها حافظ من هللا ,ه%%ؤالء الحفظ%%ة يحفظ%%ون على اإلنس%%ان
عمله ,ما له وما عليه ويجده يوم القيامة كتابا منشورا [ ,فلينظر اإلنس%%ان مم%%ا خل%%ق ] والم%%راد ب%%النظر
هنا نظر االعتبار [,خلق من ماء دافق] وهو ماء الرجل [ ,يخرج من بين الصلب وال%%ترائب ] من بين
صلب الرجل وترائبه أعلى صدره [ ,إنه على رجعه لقادر ] هللا عز وجل قادر على رجع اإلنسان ي%وم
القيامة [ ,يوم تبلى السرائر ] أي تختبر القلوب ,فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب .
فائدة :قال الحسن البصري :وهللا ما سبقهم أبوبكر بصالة وال صوم ,وإنم ا س بقهم بم ا وق ر في -
قلبه من اإليمان .
[ فما له من قوة ] قوة ذاتية [ وال ناصر ] وهي القوة الخارجية .
[ والسماء ذات الرجع ] الرجع هو المطر يسمى رجعا ألنه يرجع ويتكرر [ ,واألرض ذات الصدع
] الص دع ه و االنش قاق يع ني التش قق بخ روج النب ات من ه [ ,إن ه لق ول فص ل ] أي الق رآن يفص ل بين
27
الحق والباطل وبين المتقين والظالمين ,بل إنه فصل قاطع لكل من ناوأه وعاداه [ ,وما هو بالهزل ]
أي ما هو باللعب والعبث واللغو بل هو حق [ ,إنهم يكيدون كيدا ] الكفار المكذبين يكيدون للرسول
عليه الصالة والسالم ويكيدون لمن اتبعه وانظر ماذا كانوا يفعلون بالمؤمنين أيام ما كانوا في مكة من
التعذيب والتوبيخ والتشريد [ ,وأكيد كيدا .فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ] أي انتظر بمهلة وال تنتظر
بمهلة طويلة و [ رويدا ] بمعنى قليال .
في هذه اآلية تهديد لقريش وتسلية للرسول صلى اهلل عليه وسلم ووعد له بالنصر .
28
تفسير سورة األعلى
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
[ سبح اسم ربك األعلى ] الخطاب للرسول صلى هللا عليه وسلم .
فائدة :الخطاب الموجه للرسول عليه الصالة والسالم في القرآن الكريم على ثالثة أقسام : -
القس م األول :أن يق وم ال دليل على أن ه خ اص مث ل قول ه تع الى [ ألم نش رح ل ك ص درك ] وقول ه
[ وأرسلناك للناس رسوال ] .
القسم الثاني :أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم مث ل قول ه تع الى [ :يأيه ا الن بي إذا طلقتم النس اء -
قطلقوهن لعدتهن ] .
القسم الثالث :يوجه هللا تعالى الخطاب للرس ول والم راد الخط اب ل ه لفظ ا وللعم وم حكم ا وهي -
كثيرة مثل هذه اآلية .
[ سبح اسم ربك األعلى ] سبح ربك ذاكرا اسمه ,والرب هو الخالق المالك المدبر لجميع األم%%ور ,
واألعلى من العلو .وعلو هللا عز وجل نوعان :علو صفة فإن أكم%%ل الص%%فات هلل ع%%ز وج%%ل وعل%%و
ذات وهو أن هللا تعالى فوق عباده مستو على عرشه [ ,الذي خلق فسوى ] كل المخلوق%%ات أوج%%دها
هللا عز وجل وسواها على أحسن صورة [ ,والذي قدر] كل شيء له قدر محدود [ فه%%دى ] وتش%%مل
الهداية الكونية أي هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه ,والهداية الشرعية وهي التي بينها هللا عز وج%%ل
بقول%%ه [ وم%%ا خلقت الجن واإلنس إال ليعب%%دون ] [ ,س%%نقرئك فال تنس%%ى ] ه%%ذا وع%%د من هللا تع%%الى
لرسوله أنه يقرئه القرآن وال ينساه الرسول [ ,إال ما ش%%اء هللا ] يع%%ني إال م%%ا ش%%اء أن تنس%%اه ف%%األمر
بيده عز وجل [ ,إنه يعلم الجهر وما يخفى ] والجهر ما يتكلم ب%%ه اإلنس%%ان مس%%موعا و[ وم%%ا يخفى ]
ما يكون خفيا ال يظهر فاهلل عز وجل يعلم الجهر والخفاء [ ,ونيس%%رك لليس%%رى ] وه%%ذا أيض%%ا وع%%د
29
من هللا عز وجل لرسوله صلى هللا عليه وسلم أن تكون أم%%وره ميس%%رة وال س%%يما في طاع%%ة هللا ع%%ز
وجل [ ,فذكر إن نفعت الذكرى ] يعني ذكر الناس بآيات هللا وبأيام هللا وعظهم .
فائدة :البد من التذكير حتى وإن ظننت أنها ال تنفع ,فإنها سوف تنفعك أنت ,وسوف يعلم الن اس -
أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب وإما حرام .
بين هللا عز وجل أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين :
القسم األول [ :سيذكر من يخشى ] من يخاف هللا عز وجل عن علم بعظمة الخ%%الق ج%%ل وعال فه%%ذا
إن ذكر بآيات ربه تذكر .
القس%%م الث%%اني [ :ويتجنبه%%ا األش%%قى ] يتجنب ال%%ذكرى وال ينتف%%ع به%%ا الكف%%ار [ ,ال%%ذي يص%%لى الن%%ار
الكبرى ] نار جهنم [ ,ثم ال يموت فيها وال يحيى ] أي ال يموت فيستريح ,وال يحيى حياة سعيدة .
[ قد أفلح من تزكى ] والفالح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المره%%وب [ ,من ت%%زكى ] م%%أخوذة من
التزكية وهي التطهير .
– فائدة :التزكية لها ثالث متعلقات :األول :في حق هللا تعالى فيتزكى من الش رك فيعب د هللا تع الى
مخلصا له الدين ,الثاني :في حق الرسول يتزكى من االبتداع فيعبد هللا تع الى على مقتض ى ش ريعة
النبي صلى هللا عليه وسلم في العقيدة والقول والعمل ,الثالث :يتزكى في حق عام ة الن اس من الغ ل
والحقد والعداوة والبغضاء .
[ وذكر اسم ربه فصلى ] والمراد به كل ذكر السم هللا عز وجل ,أي كلما ذكر اإلنسان اسم هللا تعالى
اتعظ وأقبل إلى هللا وصلى [ ,بل تؤثرون الحياة الدنيا ] بين هللا تع%%الى ح%%ال اإلنس%%ان أن%%ه م%%ؤثر للحي%%اة
الدنيا ألنها عاجلة ,واإلنسان خلق من عجل ويحب ما في%%ه العجل%%ة [ ,واآلخ%%رة خ%%ير وأبقى ] خ%ير بم%%ا
فيها من النعيم والسرور الدائم وبسبب بقائه%%ا أب%%د اآلب%%دين [ ,إن ه%%ذا ] ك%%ون اإلنس%%ان ي%%ؤثر ال%%دنيا على
اآلخرة [ لفي الصحف األولى ] السابقة على هذه األمة [ ,صحف إبراهيم وموس%%ى ] هي ص%%حف ج%%اء
بها إبراهيم وموسى عليهما الصالة والسالم وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به األحوال .
30
تفسير سورة الغاشية
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
[ وجوه يومئذ ناعمة ] أي ناعمة بما أعطاها اهلل عز وجل من السرور والثواب الجزيل [ ,لسعيها
راضية ] أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية ألنها وصلت به إلى هذا النعيم [ ,في جنة عالية ]
الجنة هي دار النعيم التي أعدها اهلل عز وجل ألوليائه وهي عالية فوق السماوات السبع [ ,ال تسمع
فيها الغية ] أي ال تسمع في هذه الجنة قولة الغية أو نفسا الغية [ ,فيها عين جارية ] أنهار تجري
حيث أراد أهلها ال تحتاج حفر ساقيو وال إقامة أخدود [ ,فيها سرر مرفوعة ] عالية يجلسون عليها
يتفكه ون [ وأك واب موض وعة ] ليس ت مرفوع ة عنهم ب ل موض وعة لهم م تى ش اءوا ش ربوا فيه ا [
ونم ارق مص فوفة ] هي الوس ادة أو م ا يتكئ علي ه مص فوفة على أحس ن وج ه [ وزرابي مبثوث ة ]
الزرابي أعلى أنواع الفرش منشورة في كل مكان .
31
فال َك ْي َ ف ر ِف َع ْت (َ )18وِإلَى ا ْل ِج َب ِ ف ُخِلقَ ْت ( )17وِإلَى َّ ِ ون ِإلَى اِإْل ِب ِل َك ْي َ
الس َماء َك ْي َ ُ َ (َ )16أفَاَل َي ْنظُ ُر َ
س ْي ِط ٍر ( س ط َح ْت ( )20فَ َذ ِّك ْر ِإَّن َم ا َأْن َت ُم َذ ِّكٌر ( )21لَ ْ
س َت َعلَ ْي ِه ْم ِب ُم َ
ف ِ
ض َك ْي َ ُ اَأْلر ِ
ُنص َب ْت (َ )19وِإلَى ْ
ِ
[ أفال ينظرون إلى اإلبل ] وهي األباعر [ كيف خلقت ] يعني كيف خلقها اهلل عز وجل وذكر اإلبل
ألنه ا أعم الحيوانات نفعا وأكثرها مصلحة للعباد [ ,وإ لى السماء كيف رفعت ] رفعت هذا االرتفاع
العظيم ومع هذا فليس لها عمد [ ,وإ لى الجبال كيف نصبت ] نصبها جل وعال بهذا االرتفاع لتكون
رواس ي في األرض لئال تمي د بالن اس [ ,وإ لى األرض كي ف س طحت ] جعله ا س طحا واس عا ليتمكن
الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير هذا [ ,فذكر ] أمر اهلل تعالى نبيه أن يذكر كل أحد في
ك ل ح ال وفي ك ل مك ان [ إنم ا أنت م ذكر ] يع ني محم د ص لى اهلل علي ه وس لم ليس إال م ذكرا مبلغ ا
والهداية بيد اهلل عز وجل
– فائدة :فإذا ُذ ِك رت ولم تجد من قلبك تأثرا وانتفاعا فاتهم نفسك ,واعلم أن فيك نقص إيمان ألنه لو كان
إيمانك كامال النتفعت بالذكرى ألن الذكرى البد أن تنفع المؤمنين .
[ لس ت عليهم بمص يطر ] علي ك البالغ والس لطان والس يطرة هلل ع ز وج ل [ ,إال من ت ولى وكف ر ]
أع رض واس تكبر [ فيعذب ه اهلل الع ذاب األك بر ] ق د بل غ الغاي ة في الك بر والمش قة واإلهان ة [ ,إن إلين ا
إي ابهم ] أي م رجعهم [ ,ثم إن علين ا حس ابهم ] نحاس بهم ,ق ال الن بي علي ه الص الة والس الم لعائش ة :
(( من نوقش الحساب هلك ))
-فائ دة :المؤمن فإن هللا تعالى يخلو به بنفسه ويق رره بذنوب ه ح تى إذا أق ر به ا ق ال هللا تع الى ( :ق د
سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك الي وم ) أم ا الكف ار فتحص ى عليهم ألعم الهم ويق ررون به ا أم ام
العالم ويحصون بها .
– فائدة :هذه إحدى السورتين التي يقرأ بهما النبي في المجامع الكبيرة في صالة العيدين وصالة الجمعة
فقد كان يقرأ [ األعلى ] و [ الغاشية ] .
32
تفسير سورة الفجر
س ٌم ِل ِذي ِح ْج ٍر ( ِ ِ
س ِر (َ )4ه ْل في َذل َك قَ َ الش ْف ِع َوا ْل َوتْ ِر (َ )3واللَّْي ِل ِإ َذا َي ْ
ش ٍر (َ )2و َّ َوا ْلفَ ْج ِر (َ )1ولَ َي ٍ
ال َع ْ
33
[ والفجر ] النور الساطع الذي يكون في األفق الشرقي قرب طلوع الشمس وأقسم اهلل به ألنه ابتداء
النه ار وألن ه ال يق در على اإلتي ان ب ه إال اهلل ع ز وج ل وألن ه ي ترتب علي ه أحك ام شرعية مث ل إمساك
الص ائم ودخ ول وقت ص الة الفج ر [ ,ولي ال عش ر ] ي رجح أنه ا اللي الي العش ر األواخ ر من رمض ان
وأقس م اهلل به ا لش رفها وألن فيه ا ليل ة الق در وألن المس لمين يختم ون به ا ش هر رمض ان [ ,والش فع
والوتر ] قيل المراد به كل الخلق إما شفع و إما وتر وقفيل :الشفع الخلق كلهم والوتر اهلل عز وجل ,
[ واللي ل إذا يسر] وه و الس ير في اللي ل وأقس م اهلل ب ه لم ا في س اعاته من العب ادات كص التي المغ رب
والعش اء وقي ام اللي ل وال وتر ,وألن في اللي ل مناس بة عظيم ة وهي أن اهلل تع الى ي نزل ك ل ليل ة إلى
السماء الدنيا حين يبقى الثلث األخير من الليل فيقول (( :من يسألني فأعطيه ,من يدعوني فأستجيب
له ,من يستغفرني فأغفر له )) .
– فائدة :إن الثلث اآلخر من الليل وقت إجابة فينبغي أن ينتهز اإلنسان هذه الفرصة فيقوم هلل ع ز وج ل
يتهجد ويدعو هللا سبحانه بما شاء من خير الدنيا واآلخرة لعله يص ادف س اعة إجاب ة ينتف ع به ا في دني اه
وأخراه .
[ هل في ذلك قسم لذي حجر ] لذي عقل [ ,ألم تر كيف فعل ربك بعاد ] وعاد قبيله معروفة أرسل
اهلل تعالى لهم هودا فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا واالستفهام يراد به االعتبار [ ,إرم ذات العماد
] قيل بأن إرم اسم قبيلة أو قرية ذات أبنية قوية [,التي لم يخلق مثلها في البالد ] لم يصنع مثلها ألنها
قوي ة ومحكم ة [ ,وثم ود ال ذين ج ابوا الص خر ب الواد ] وهم ق وم ص الح ال ذين أعط اهم اهلل ق وة ح تى
صاروا يخرقون الجبال والصخور العظيمة ويصنعون منها بيوتا .
– فائدة :علينا أن نعتبر بحال هؤالء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهالك والدمار وليعلم أن هذه األمة
لن تهلك بما أهلكت به األمم السابقة بهذا العذاب العام فإن النبي صلى هللا عليه وسلم سأل هللا تع الى أن ال
يهلكها بسنة عامة ,ولكن ق د تهل ك ه ذه األم ة ب أن يجع ل هللا بأس هم بينهم ش ديد فتج ري بينهم الح روب
والمقاتلة ويكون هالك بعضهم على يد بعض ,لهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
[ وفرع ون ] ال ذي أرس ل اهلل تع الى ل ه موس ى [ ذي األوت اد ] أي ذي الق وة ألن جن وده ك انوا ل ه
بمنزل ة الوت د [ ,ال ذين طغ وا في البالد ] زادوا عن ح دهم واعت دوا على عب اد اهلل [ ,ف أكثروا فيه ا
الفساد ] وهو الفساد المعنوي الذي يتبعه الفساد الحسي [ ,فصب عليهم ربك ] الصب يكون من فوق
34
والعذاب أتاهم من فوق من عند اهلل عز وجل [ سوط عذاب ] عصا عذاب أهلكهم وأبادهم [ ,إن ربك
لبالمرصاد ] هذه اآلية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة اهلل ,أو كذب خبره .
َأما ِإ َذا َم ا ْابتَاَل هُ فَقَ َد َر َعلَ ْي ِه ان ِإ َذا َما ْابتَاَل هُ َرب ُ
ُّه فََأ ْك َر َم ُه َو َن َّع َم ُه فَ َيقُ و ُل َر ِّبي َأ ْك َر َم ِن (َ )15و َّ س ُ َأما اِإْل ْن َ
فَ َّ
ين ( س ِك ِ ون علَى َ ِ ِ
ط َع ام ا ْلم ْ اض َ َ يم (َ )17واَل تَ َح ُّ َأه ا َن ِن (َ )16كاَّل ب ل اَل تُ ْك ِرم َ ِ
ون ا ْل َيت َ ُ َ ِر ْزقَ ُه فَ َيقُ و ُل َر ِّبي َ
اث َأكْاًل لَ ًّما (َ )19وتُ ِحب َ
ُّون ا ْل َما َل ُحبًّا َج ًّما ()20 ون التَُّر َ
َ )18وتَْأ ُكلُ َ
فائدة :االبتالء من هللا عز وجل يكون ب الخير وبالش ر كم ا ق ال تع الى [ ونبل وكم ب الخير والش ر -
فتنة ] فيبتلى اإلنسان بالخير ليبلوه هللا عز وجل أيش كر أم يكف ر ,ويبتلى بالش ر ليبل وه أيص بر أم
يفجر وأحوال اإلنسان دائرة بين خير وشر .
[ ربي أكرمن ] يعني أنني أهل لإلكرام وال يعترف بفضل اهلل عز وجل [ ,وأما إذا ما ابتاله فقدر
عليه رزقه ] ضيق عليه الرزق [ فيقول ربي أهانن] يقول إن اهلل تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني ,
[ كال ] بل هذا مقتضى حكمته وعدله [ بل ال تكرمون اليتيم ] إذا أكرمكم اهلل بالنعم ال تعطفون على
اليتامى ,واليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى [ وال تحاضون على طعام المسكين ]
يع ني ال يحض بعض كم بعض ا على أن يطعم المس كين وإ ذا ك ان ال يحض غ يره فه و أيض ا ال يفعل ه
[ وت أكلون ال تراث أكال لم ا ] وال تراث ه و م ا يورث ه اهلل العب د من الم ال [ ,وتحب ون بنفس ه
المال حبا جما ] أي حبا عظيما
[ كال إذا دكت األرض دك ا دكا ] حتى ال ت رى فيه ا عوجا وال أمت ا ت دك الجب ال وال بن اء وال أش جار
وتم د األرض [ ,وج اء رب ك ] وه ذا المجيء ه و مجيئ ه ع ز وج ل ه و نفس ه ولكن ال نعلم كي ف ه ذا
35
المجيء والس ؤال عن ه بدع ة [ والملك ] جمي ع المالئك ة [ ,وجيء يومئ ذ بجهنم ] ه ذه الن ار إذا رأت
أهلها من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا تنخلع منه القلوب [ ,يومئذ يتذكر اإلنسان ] يتذكر أنه
وع د به ذا الي وم [ وأنى ل ه ال ذكرى ] بعي د أن ينتف ع به ذه ال ذكرى [ ,يق ول ي ا ليت ني ق دمت لحي اتي ]
يتمنى أنه قدم لحياته وهي الدار اآلخرة [ ,فيومئذ ال يعذب عذابه أحد .وال يوثق وثاقه أحد ] أي ال
يعذب عذاب اهلل أحد بل عذاب اهلل أشد ,وال يوثق وثاقه أحد بل هو أشد [ ,يا أيتها النفس المطمئن ة ]
يعني المؤمنة اآلمنة [ ,ارجعي إلى ربك راضية ] بما أعطاك اهلل من نعيم [ مرضية ] عند اهلل عز
وج ل [ ,ف ادخلي في عب ادي ] ادخ ل من جمل ة عب ادي الص الحين [ ,وادخلي جن تي ] أي جنت ه ال تي
أعدها اهلل عز وجل ألوليائه ,أضافها اهلل إلى نفسه تشريفا لها وتعظيما ,يقال هذا للمؤمن عند النزع
في آخر لحظة من الدنيا .
[ ال أقس م به ذا البل د ] ال لالس تفتاح والتوكي د وليس ت نافي ة ,والبل د هن ا مك ة أقس م اهلل به ا لش رفها
وعظمها [ ,وأنت حل بهذا البلد ] حال كونك حاال بهذا البلد ألن حلول النبي في مكة يزيدها شرفا
وقيل المعنى :وأنت تستحل هذا البلد ألن مكة في عام الفتح أحلت للرسول صلى اهلل عليه وسلم [ ,
ووالد وما ولد ] المراد كل والد وما ولد ,اإلنسان والبهائم [ ,لقد خلقنا اإلنسان في كبد ] في معاناة
لمشاق األمور وقيل :في حسن قامة واستقامة ويصح أن تحمل اآلية على المعنيين [ ,أيحسب أن لن
يقدر عليه أحد ] يظن أن لن يقدر عليه أحد هذا للكافر أما المؤمن فإنه يعلم أن اهلل تعالى قادر عليه ,
36
[ يقول ] اإلنسان [ أهلكت ماال لبدا ] أي ماال كثيرا في شهواته وملذاته [ ,أيحسب أن لم يره أحد ]
أيظن ه ذا أن ه ال ي راه أح د في تب ذيره للم ال وص رفه في م ا ال ينف ع [ ,ألم نجع ل ل ه عي نين ] يبص ر
فيهما .
فائدة :هاتان العينان تؤديان إلى القلب ما نظر إليه اإلنسان ,فإن نظر نظرة محرمة كان آثما وإن -
نظر نظرا يقربه إلى هللا كان غانما أذا نظر إلى ما يباح ل ه فإن ه ال يحم د وال ي ذم م ا لم يكن ه ذا
النظر مفضيا إلى محظور شرعي فيكون آثما بهذا النظر .
[ ولس انا وش فتين ] لس انا ينط ق ب ه وش فتين يض بط بهم ا النط ق [ ,وه ديناه النج دين ] قي ل :بين ا ل ه
طري ق الخير وطريق الش ر ,وقيل :دللناه على ما به غ ذاؤه وه و الثديان فإنهما نجدان الرتفاعهما
فوق الصدر .
[ فال اقتحم العقب ة ] أي اإلنس ان ال ذي يق ول أهلكت م اال لب دا ,واالقتح ام ه و التج اوز بمش قة والعقب ة
هي الجب ل ال وعر وال يتجاوزه ا إال من ك انت لدي ه ني ة ص ادقة [ ,وم ا أدراك م ا العقب ة ] االس تفهام
للتشويق والتفخيم [ فك رقبة] ولها معني ان :األول :فكها من الرق ,الثاني :فكة رقبة من األسر ,
[ أو ] للتنوي ع [ إطع ام في ي وم ذي مس غبة ] أي ذي مجاع ة ش ديدة[ يتيما] وه و من م ات أب وه قب ل أن
يبلغ [ ذا مقربة ] ذا قرابة من اإلنسان [ أو مسكينا ] المسكين هو الذي ال يجد قوته وال قوت عياله [
ذا مترب ة ] ليس بيدي ه ش يء إال ال تراب [ ,ثم ك ان من ال ذين آمن وا ] ذو إيم ان [ وتواص وا بالص بر ]
أوصى بعضهم بعضا بالصبر .
– فائدة :الصبر ثالثة أنواع :األول :الص بر على طاع ة هللا تع الى ,الث اني :الص بر عن معص ية هللا
تعالى ,الثالث :الصبر على أقدار هللا تعالى المؤلمة .
37
[ وتواص وا بالمرحم ة ] أوص ى بعض هم بعض ا أن ي رحم اآلخ ر [ ,أولئ ك أص حاب الميمن ة ] يؤت ون
كت ابهم بيمينهم [ ,وال ذين كف روا بآياتن ا ] أي جح دوا به ا [ ,هم أص حاب المش ئمة ] يع ني الش مال أو
الشؤم ,
[ عليهم نار مؤصدة ] عليهم نار مغلقة ال يخرجون منها وال يستطيعون إلى ذلك سبيال.
الس م ِ
اء ار ِإ َذا َجاَّل َها (َ )3واللَّْي ِل ِإ َذا َي ْغ َ اها (َ )1وا ْلقَم ِر ِإ َذا تَاَل َها (َ )2و َّ
الن َه ِ الش ْم ِ
َو َّ
اها (َ )4و َّ َ ش َ َ ض َح َ
س َو ُ
اه ا ( )8قَ ْد
ور َه ا َوتَ ْق َو َ
اها ( )7فََأْل َه َم َه ا فُ ُج َ
س َّو َ س َو َم ا َ اه ا (َ )6و َن ْف ٍ
ط َح َ ض َو َم ا َ اَأْلر ِ
اه ا (َ )5و ْ َو َم ا َب َن َ
اها ()10
س َاب َم ْن َد َّ َأ ْفلَ َح َم ْن َز َّك َ
اها (َ )9وقَ ْد َخ َ
[ والشمس وضحاها ] أقسم اهلل تعالى بالشمس وضحاها وهو ضوؤها لما في ذلك من اآليات الدالة
على قدرت ه [ ,والقم ر إذا تاله ا ] قي ل إذا تاله ا في الس ير وقي ل إذا تاله ا في اإلض اءة ,فأقس م اهلل
تعالى بالشمس ألنها آية النهار وبالقمر ألنه آية الليل [ ,والنهار إذا جالها ] بين األرض ووضحها ,
[ والليل إذا يغش اها ] يغطي األرض ح تى يك ون كالعب اءة المفروش ة [ ,والس ماء وم ا بناه ا ] م ا
مص درية بمع نى والس ماء وبنائه ا المحكم [ ,واألرض وم ا طحاه ا ] وم ا س واها فك انت مس توية [ ,
ونفس وما سواها ] المقصود كل نفس سواها خلقة وفطرة [ ,فألهمها ] أي اهلل عز وجل ألهم النفوس
[ فجوره ا وتقواه ا ] التق وى طاع ة اهلل والفج ور معص ية اهلل [ ,ق د أفلح ] ف از ب المطلوب ونج ا من
38
المره وب [ من زكاه ا ] بإخالص ها من الش رك وش وائب المعاص ي [ ,وق د خ اب من دس اها ] من
أرداها في المهالك والمعاصي .
اها ()13
س ْق َي َ ِ ِ
س و ُل اللَّه َناقَ َة اللَّه َو ُ
اها ( )12فَقَ ا َل َل ُه ْم َر ُ َأش قَ َاه ا (ِ )11إِذ ا ْن َب َع َث ْ ط ْغ َو َ َك َّذ َب ْت ثَ ُم ُ
ود ِب َ
اها ()15 اف ُع ْق َب َ
اها (َ )14واَل َي َخ ُ ُّه ْم ِب َذ ْن ِب ِه ْم فَ َ
س َّو َ فَ َك َّذ ُبوهُ فَ َعقَُر َ
وها فَ َد ْم َد َم َعلَ ْي ِه ْم َرب ُ
[ ك ذبت ثم ود ] قبيل ة دي ارهم في الحج ر ك ذبوا ن بيهم ص الح علي ه الس الم [ بطغواها ] أي بطغيانه ا
وعتوها [ ,إذ انبعث ] انطلق بسرعة [ أشقاها ] أعالهم في الشقاء والعي اذ باهلل يريد أن يقضي على
هذه الناقة [ ,فقال لهم رسول اهلل ناقة اهلل وسقياها ] أي ذروا ناقة اهلل [ ,فكذبوه ] أي كذبوا صالحا
[ فعقروها ] ذبحوا الناقة عقرا حصل به الهالك [ ,فدمدم عليهم ربهم ] أطبق عليهم فأهلكهم [ بذنبهم
] بس بب ذن وبهم [ فس واها ] عمه ا ب الهالك [ ,وال يخ اف عقباه ا ] اهلل ع ز وج ل ال يخ اف من عاقب ة
هؤالء الذين عذبهم .
فائدة :الذنوب سبب للهالك والدمار والفساد لقول هللا تع الى [ ظه ر الفس اد في ال بر والبح ر بم ا -
كسبت أيدي الناس لي ذيقهم بعض ال ذي عمل وا لعلهم يرجع ون ] ولقول ه تع الى [ :وإذا أردن ا أن
نهلك قري ة أمرن ا مترفيه ا ففس قوا فيه ا فح ق عليه ا الق ول ف دمرناها ت دميرا ] فاإلنس ان يص اب
بالمصائب من عند نفسه .
39
تفسير سورة الليل
[ والنه ار إذا تجلى ] أي [ واللي ل إذا يغش ى ] أقس م اهلل تع الى باللي ل حين يغطي األرض بظالم ه ,
إذا ظهر وبان [ ,وما خلق الذكر واألنثى ] قيل أقسم اهلل تعالى بخلق الذكر واألنثى وقيل أقسم اهلل
تعالى بنفسه أي والذي خلق الذكر واألنثى [ ,إن سعيكم لشتى ] يعني إن عملكم لمتفرق تفرقا عظيما
[ ,فأما من أعطى ] أي أعطى ما أمر بإعطائه من مال وجاه وعلم [ واتقى ] اتقى ما أمر باتقائه من
المحرم ات [ وص دق بالحس نى ] ص دق ق ول اهلل ع ز وج ل وق ول رس وله ص لى اهلل علي ه وس لم [
فسنيسره لليسرى ] فسييسره اهلل عز وجل لليسرى في أمور دينه ودنياه [ ,وأما من بخل ] لم يعط ما
أم ر بإعطائه [ واستغنى ] عن اهلل عز وج ل ولم يتق رب ه [ وكذب بالحسنى ] بق ول اهلل تعالى وقول
رسوله [ فسنيسره للعسرى ] ييسر للعسرى في أموره كلها [ ,وما يغني عنه ماله ] أي شيء يغني
عنه ماله إذا بخل به و[ تردى ] أي هلك فأي شيء يغني المال ؟ ال يغني شيئا .
ِ
ِإ َّن َعلَ ْي َن ا لَ ْل ُه َدى (َ )12وِإ َّن لَ َن ا لََآْلخ َرةَ َواُأْلولَى ( )13فََأْن َذ ْرتُ ُك ْم َن ًارا تَلَظَّى ( )14اَل َي ْ
ص اَل َها ِإاَّل
س ُي َج َّن ُب َها اَأْلتْقَى ( )17الَّ ِذي ُي ْؤ ِتي َمالَ ُه َيتَ َز َّكى (َ )18و َم ا َّ ِ
اَأْلش قَى ( )15الَّذي َك ذ َب َوتَ َولَّى (َ )16و َ ْ
ضى ()21
ف َي ْر َ
س ْو َ اء َو ْج ِه َر ِّب ِه ْ
اَأْلعلَى (َ )20ولَ َ
ِ ِ ِ ٍ ٍ ِ
َأِلحد ع ْن َدهُ م ْن ن ْع َمة تُ ْج َزى (ِ )19إاَّل ْابت َغ َ
َ
40
[ إن علينا للهدى ] فيه التزام من اهلل عز وجل أن يبين للخلق ما يحتاجون إليه .والمراد بالهدى :
هدى البيان واإلرشاد [ ,وإ ن لنا لآلخرة واألولى ] يعني لنا اآلخرة واألولى [ ,فأنذرتكم نارا تلظى ]
خوفتكم نار اآلخرة التي تشتعل [ ,ال يصالها إال األشقى ] ال يحترق بها إال الذي لم تكتب له السعادة
[ ,ال ذي ك ذب وت ولى ] التك ذيب في مقاب ل الخ بر والت ولي في مقاب ل األم ر والنهي [ ,وس يجنبها ]
يجنب هذه النار [ األتقى ] الذي اتقى اهلل تعالى حق تقاته [ ,الذي يؤتي ماله يتزكى ] يعطي ماله من
يس تحقه على وجه يتطهر به [ ,وم ا ألح د عنده من نعم ة تجزى ] ال يعطي المال مكافأة على نعمة
سابقة من شخص [ ,إال ابتغاء وجه ربه األعلى ] فهو ال ينفق إال طلب الوصول إلى دار كرامة اهلل
التي يكون بها رؤية اهلل عز وجل [ ,ولسوف يرضى ] سوف يرضيه اهلل عز وجل بما يعطيه من
الثواب الكبير.
41
تفسير سورة الضحى
ضااًّل فَ َه َدى (َ )7و َو َج َد َك َع اِئ اًل َآوى (َ )6و َو َج َد َك َ يما فَ َ
ِ ِ
ضى (َ )5ألَ ْم َيج ْد َك َيت ً ُّك فَتَْر َ
يك َرب َ ف ُي ْع ِط َ
س ْو َ
َولَ َ
ِّث ()11 َأما ِب ِن ْع َم ِة َر ِّب َك فَ َحد ْ
الساِئ َل فَاَل تَْن َه ْر (َ )10و َّ
َأما َّ يم فَاَل تَ ْق َه ْر (َ )9و َّ فََأ ْغ َنى ( )8فَ َّ ِ
َأما ا ْل َيت َ
[ والض حى ] أول النه ار وفي ه الن ور والض ياء [ ,واللي ل إذا س جى ] إذا غطى األرض وس دل عليه ا
[ وما قلى ] وما أبغض ,وكان رسول اهلل صلى اهلل ظالمه [ ,ما ودعك ربك ] ما تركك وأهملك
عليه وسلم أحد الخليلين مع إبراهيم عليه السالم ,والخلة أعظم أنواع المحبة [ ,ولآلخرة خير ل ك من
األولى ] وذلك ألن اآلخرة فيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر [ ,ولسوف
] وس وف ت دل على تحق ق الش يء لكن بع د مهل ة وزمن [ يعطي ك رب ك فترض ى ] ولق د أعط اه اهلل عز
وجل ما يرضيه فإن اهلل تعالى يبعثه يوم القيامة مقاما محمودا يحمده فيه األولون واآلخرون ,ثم بين
اهلل سبحانه وتعالى نعمه السابقة حتى يستدل بها على النعم الالحقة [ ألم يجدك يتيما فآوى ] االستفهام
للتقرير ,يعني قد وجدك اهلل يتيما فآواك أي اهلل تعالى تكفل بك ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه
,ول و ك ان التعب ير ( ف آواك ) اختص اإلي واء ب ه ص لى اهلل علي ه وس لم واألم ر أوس ع من ذل ك ف إن اهلل
تعالى آواه وآوى به ,آوى به المؤمنين فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى .
[ ووجداك ضاال ] أي غير عالم ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم لم يكن يعلم شيئا قبل أن ينزل عليه
الوحي [ فهدى ] فهو قد ُهدي عليه الصالة والسالم وهدى اهلل به فهو هاد مهدي عليه الصالة والسالم
[ ,ووجدك عائال فأغنى ] أي وجدك فقيرا ال تملك شيئا فأغناك [ ,فأما اليتيم فال تقهر ] فإذا كان اهلل
آواك في يتمك فال تقهر [ ,وأما السائل فال تنهر ] يدخل في السائل ,السائل عن الشريعة عن العلم
ال تنهره وربما يدخل في ذلك أيضا سائل المال ,يعني إذا جاءك سائل يسألك ماال فال تنهره [ ,وأما
بنعمة ربك فحدث ] حدث بها إظهارا للنعمة وشكرا للمنعم ,ال افتخارا بها على الخلق .
42
تفسير سورة الشرح
[ ألم نش رح ل ك ص درك ] االس تفهام للتقري ر ,وش رح الص در أن يك ون متس عا لحكم اهلل ع ز وج ل
بنوعي ه ,حكم اهلل الشرعي وهو الدين فال يستثقل تنفيذ أوامر اهلل واجتناب نواهيه ,حكم اهلل الكوني
فيشرح اهلل صدره فتجده راضيا بقضاء اهلل وقدره مطمئنا إليه [ ,ووضعنا عنك وزرك ] فالمعنى أن
اهلل تعالى غفر للنبي صلى اهلل عليه وسلم وزره وخطيئته حتى بقي مغفورا له قال تعال [ إنا فتحنا لك
فتحا مبينا ليغفر لك اهلل ما تقدم من ذنبك وما ت أخر ] ,وهذا من خصائص الرسول صلى اهلل عليه
وس لم ,فه ل الن بي ي ذنب ؟ الج واب نعم فق د ق ال علي ه الص الة والس الم (( ك ل ب ني آدم خط اء وخ ير
الخط ائين التواب ون )) لكن هن اك أش ياء ال يمكن أن تق ع من األنبي اء مث ل الك ذب والخيان ة [ ,ال ذي
أنقض ظهرك ] أي هذا الوزر أتعب ظهر النبي صلى اهلل عليه وسلم .
فائدة :إذا كان هذا وزر الرسول صلى هللا عليه وسلم فكيف بأوزار غيره ,أوزارنا تقض ظهورنا -
وتنقضها وتتعبها ,ولكن كأننا لم نحمل شيئا وذلك لضعف إيماننا وكثرة غفلتنا .
فائدة :في بعض اآلثار :أن المؤمن إذا أذنب ذنبا صار عنده كالجبل فوق رأسه ,وأن المن افق إذا -
أذنب ذنبا صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا ,يعني ال يهتم .
[ ورفعنا لك ذكرك ] رفع ذكر الرسول عليه الصالة والسالم ال أحد يشك فيه :
ثاني ا :يرف ع ذك ره عن د ك ل عب ادة ألن من ش روطها ألن ك ل عب ادة الب د فيه ا من ش رطين :
اإلخالص هلل تعالى ,متابعة الرسول .
43
[ فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ] هذه بشارة من اهلل عز وجل للرسول صلى اهلل عليه
وس لم ولس ائر األم ة ,ق ال ابن عب اس عن د ه ذه اآلي ة ( :لن يغلب عس ر يس رين ) وتوجي ه كالم ه
رضي اهلل عنه أن القاعدة تقول :أنه إذا كرر االسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو األول إال
ما ندر وإ ذا كرر االسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير األول .
فائدة :التيسير قد يكون أمرا ظاهريا حسيا مثل أن يكون اإلنسان فقيرا فييسر هللا تع الى ل ه الغ نى -
أو يكون مريضا فيشفيه هللا عز وجل ,وهناك تيسير معنوي وهو معونة هللا اإلنسان على الص بر
فيتيسر له كل عسير .
[ فإذا فرغت فانصب ] إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل اآلخرة وإ ذا فرغت من عمل اآلخرة
فعليك بعمل الدنيا أي اتعب للعمل اآلخر [ ,وإ لى ربك فارغب ] كن مع اهلل عز وجل قبل العمل
وبعد العمل ,قبل العمل تستعينه عز وجل وبعد العمل ترجو منه الثواب .
44
س ِن تَ ْق ِو ٍيم ( ان ِفي ْ
َأح َ ين ( )3لَقَ ْد َخلَ ْق َنا اِإْل ْن َ
س َ ين ( )2و َه َذا ا ْلبلَ ِد ِ
اَأْلم ِ َ َ ين َ ور ِس ِ
ون (َ )1وطُ ِ ين َو َّ
الز ْيتُ ِ َوالتِّ ِ
ون ( )6فَ َم ا َأج ٌر َغ ْي ُر َم ْم ُن ٍ
ات َفلَ ُه ْم ْ الص ِالح ِ ِ ين (ِ )5إاَّل الَّ ِذ َافِل َ
)4ثُ َّم ر َد ْد َناهُ َأس َف َل س ِ
َآم ُن وا َو َعملُ وا َّ َ
ين َ َ ْ َ
اك ِم َ
ين ()8 َأح َكِم ا ْلح ِ
َ س اللَّ ُه ِب ْ ُي َك ِّذ ُب َك َب ْع ُد ِبالد ِ
ِّين (َ )7ألَ ْي َ
[ والتين والزيتون ] أقسم اهلل بهما ألنهما يكثران في فلسطين [ ,وطور سينين ] أقسم اهلل تعالى به
ألنه الجبل الذي كلم اهلل عنده موسى [ ,وهذا البلد األمين ] وهو مكة وأقسم اهلل بها ألنها أحب البقاع
إلى اهلل [ ,لق د خلقن ا اإلنس ان في أحس ن تق ويم ] في أحس ن هيئ ة وخلق ة ,وقي ل في أحس ن فط رة
[ ثم رددناه أسفل سافلين ] اهلل تعالى يرد اإلنسان أسفل سافلين ( ِخلقة ) فكلم ا ازداد في وقصدا ,
السن في اإلنسان تغير إلى أردأ في القوة الجسدية ,و ( فطرة ) إشارة إلى أن من الناس من تعود به
حاله أسفل سافلين بعد أن كان في القمة من اإليمان والعلم [ ,إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] ال
يردون إلى أسفل سافلين [ ,فلهم أجر غير منون ] ثواب غير مقطوع [ ,فما يكذبك بعد بالدين يكذبك
بعد بالدين] [ ,أليس اهلل بأحكم الحاكمين ] االستفهام للتقرير وأحكم من الحكمة والحكم .
45
[ اقرأ باسم ربك ] ألن أسماء اهلل تعالى كلها خير وكلها إعانة يستعين بها اإلنسان ويستعين بها على
وضوئه ويستعين بها على أكله وجماعه فهي كلها عون [ ,الذي خلق ] خلق كل شيء [ خلق اإلنسان
من عل ق ] أي ابتدأ خلق ه من دودة حم راء من الدم صغيرة وهذا ه و المنشأ ال ذي به الحي اة ,وخص
اإلنسان تكريما له [ ,اقرأ وربك األكرم الذي علم بالقلم ] التعليم بالقلم أكثر ما يعتمد الشرع عليه إذ
أن الشرع يكتب ويحفظ .
اس تَ ْغ َنى (ِ )7إ َّن ِإلَى َر ِّب َك ال ُّر ْج َعى (ََ )8أر َْأي َت الَّ ِذي َي ْن َهى ()9
َأن َرَآهُ ْ ان َل َي ْط َغى (ْ )6 س َ َكاَّل ِإ َّن اِإْل ْن َ
َأم َر ِب التَّ ْق َوى (ََ )12أر َْأي َت ِإ ْن َك َّذ َب َوتَ َولَّى
ان َعلَى ا ْل ُه َدى (َْ )11أو َ صلَّى (ََ )10أر َْأي َت ِإ ْن َك َ َع ْب ًدا ِإ َذا َ
اطَئ ٍة (
اص ي ٍة َك ِاذب ٍة َخ ِ
َ
ِ َأن اللَّ َه ي رى (َ )14كاَّل لَِئ ْن لَم ي ْنتَ ِه لَ َنس فَع ْن ِب َّ ِ ِ
الناص َية (َ )15ن َ ْ َ ْ َ ََ (َ )13ألَ ْم َي ْعلَ ْم ِب َّ
ِ َ )16ف ْلي ْدعُ َن ِادي ُه ( )17س َن ْدعُ َّ ِ
الز َبان َي َة (َ )18كاَّل اَل تُط ْع ُه َو ْ
اس ُج ْد َواقْتَ ِر ْب ()19 َ َ َ
[ كال ] بمع نى حق ا [ إن اإلنس ان ليطغى .أن رآه اس تغنى ] ك ل إنس ان من ب ني آدم إذا رأى نفس ه
استغنى فإنه يطغى وهو مجاوزة الحد ولكن هذا يخرج منه المؤمن ألن المؤمن ال يرى أنه استغنى
عن اهلل طرف ة عين [ ,إن إلى رب ك ال رجعى ] أي المرج ع مهم ا طغيت وعل وت واس تكبرت
[ أرأيت ال ذي ينهى عب دا إذا ص لى ] أب و جه ل قي ل ل ه :إن محم دا ص لى اهلل علي ه واس تغنيت ,
وسلم يصلي عند الكعبة يفتن الناس ويصدهم عن أصنامهم وآلهتهم فمر به ذات يوم وهو ساجد فنهى
الن بي علي ه الص الة والس الم [ ,أرأيت إن ك ان على اله دى ] فيم ا فع ل من الس جود والص الة أو أم ر
غيره بالتقوى [ ,ألم يعلم بأن اهلل يرى ] فهذا تهديد لهذا الرجل الذي كان ينهى رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم عن الصالة ,يعني ألم يعلم هذا أن اهلل تعالى يراه ويسمعه [ ,كال ] بمعنى حقا [ لنسفعا ]
[ بالناص ية ] وهي مقدم ة ال رأس ,يحتم ل أن ه يؤخ ذ بالناص ية وق د أخ ذ أي لنأخ ذن بش دة ,
بناص يته ي وم ب در حين قت ل م ع من قت ل من المش ركين ويحتم ل أن يك ون يؤخ ذ بناص يته ي وم القيام ة
فيقذف في النار [,ناصية كاذبة خاطئة ] موصوفة بالكذب مرتكبة لإلثم عمدا [ ,فليدع ناديه ] الالم
[ سندع الزبانية ] يعني عندنا من هم أعظم من نادي ه ذا هنا للتحدي ,والنادي هو مجتمع القوم ,
الرجل وهم الزبانية مالئكة النار [ ,كال ال تطعه ] أي ال تطع هذا الذي ينهاك عن الصالة [ ,واسجد
46
واق ترب ] اس جد هلل ع ز وج ل واق ترب من ه ,والم راد بالس جود هن ا الص الة وع بر عنه ا بالس جود ألن
السجود ركن في الصالة ال تصح إال به .
فائدة :الساجد أقرب ما يكون من ربه كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم (( :أقرب ما يكون -
العبد من ربه وهو ساجد )) .
ش ْه ٍر ( )3تََنَّز ُل اك ما لَْيلَ ُة ا ْلقَ ْد ِر (َ )2لْيلَ ُة ا ْلقَ ْد ِر َخ ْير ِم ْن َأْل ِ ِ ِ ِإ َّ
ف َ ٌ نا َأْن َز ْل َناهُ في َلْيلَة ا ْلقَ ْد ِر (َ )1و َما َْأد َر َ َ
ساَل ٌم ِه َي َحتَّى َم ْطلَ ِع ا ْلفَ ْج ِر ()5 َأم ٍر (َ )4
ِ يها بِِإ ذ ِ
ْن َر ِّب ِه ْم م ْن ُك ِّل ْ
الر ِ
وح ف َ
ِئ
ا ْل َماَل َك ُة َو ُّ ُ
47
[ إنا أنزلناه في ليلة القدر ] ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر وهي في رمضان و ذكر اهلل سبحانه وتعالى
نفسه بالعظمة ألنه سبحانه العظيم الذي ال شيء أعظم منه [ ,في ليلة القدر ] سميت بذلك ألنها ليلة
ذات قدر وشرف كبير وألنها يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من اإلحياء واإلماتة واألرزاق [ ,وما
أدراك م ا ليل ة الق در ] يس تفاد منه ا التعظيم والتفخيم [ ,ليل ة الق در خ ير من أل ف ش هر ] والم راد
بالخيرية فيها ثواب العمل فيها وما ينزل اهلل تعالى فيها من الخير والبركة على هذه األمة ولذلك كان
من قامه ا إيمان ا واحتس ابا غف ر ل ه م ا تق دم من ذنب ه [ ,ت نزل المالئك ة وال روح فيه ا ] تمأل األرض
وتنزل المالئكة دليل على الرحمة والخير والبركة [ والروح ] جبريل عليه السالم [ بإذن ربهم ] أي
بأمره [ من كل أمر ] من بمعنى الباء [ ,سالم هي ] وصفها اهلل تعالى بالسالم لكثرة من يسلم فيها
[ حتى مطلع الفجر ] تتنزل المالئكة فيها حتى نهايتها بمطلع الفجر . من اآلثام وعقوباتها
الفائدة الثانية :كثرة ثواب المسلمين بكثرة األعمال ,فكلما كثر العمل كثر الثواب .
48
[ لم يكن ال ذين كف روا من أه ل الكت اب ] م ا ك ان الكف ار من أه ل الكت اب وهم اليه ود والنص ارى
[ والمشركين ] هم عبدة األوثان من كل جنس [ منفكين ] أي تاركين لما هم عليه من الشرك [ حتى
تأتيهم البينة ] والبينة ما يبين به الحق في كل شيء [ ,رسول من اهلل ] البينة هذا الرسول صلى اهلل
عليه وسلم محمد بن عبداهلل [ يتلو صحفا مطهرة ] يقرأ صحيفة مما يكتب به منقاة من الشرك ومن
رذائ ل األخالق ومن ك ل م ا يس وء [ ,فيه ا كتب قيم ة ] أي مكتوب ات قيم ة [ ,وم ا تف رق ال ذين أوت وا
الكتاب إال من بعد ما جاءتهم البينة ] لما جاءتهم البينة تفرقوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر .
[ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ] جاءت ( من ) هما لبيان إبهام االسم الموصول وعلى
هذا يقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى [ ,أولئك هم شر البرية ] أي شر الخليقة ,
[ إن ال ذين آمن وا وعمل وا الص الحات أولئ ك هم خ ير البري ة ] خ ير خل ق اهلل ع ز وج ل ال ذين آمن وا
وعملوا الصالحات [ ,جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها األنهار ] وهنا قدم اهلل تعالى الثناء
على المؤم نين ال ذين عمل وا الص الحات على ذك ر ج زائهم ألن ثن اء اهلل عليهم أعظم مرتب ة وأعلى
منقبة ,
[ جنات ] جمعها الختالف أنواعها [ ,عدن ] معناها اإلقامة في المكان وعدم النزوح عنه [ تجري
من تحتها األنهار ] قال العلماء :من تحت قصورها وأشجارها [ خالدين فيها أبدا ] ماكثين فيها أبدا ,
[ رض ي اهلل عنهم ورض وا عن ه ] وه ذا أكم ل نعيم أن اهلل تع الى يرض ى عنهم ب ل وينظ رون إلى اهلل
تبارك وتعالى بأعينهم كما يرون القمر ليلة البدر [ ,ذلك لمن خشي ربه ] أي ذلك الجزاء لمن خشي
اهلل ع ز وج ل ,والخش ية هي خ وف اهلل ع ز وج ل المق رون بالهيب ة والتعظيم وال يص در ذل ك إال من
عالم باهلل .
49
تفسير سورة الزلزلة
[ إذا زلزلت األرض زلزالها ] المراد بذلك قوله تعالى [ :يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة
ش يء عظيم ] [ ,وأخ رجت األرض أثقاله ا ] الم راد بهم :أص حاب القب ور [ ,وق ال اإلنس ان ماله ا ]
يقول اإلنسان :مالها وما الذي حدث لها ؟ [ يومئذ ] أي ذلك اليوم إذا زلزلت [ ,تحدث أخبارها ]
تخ بر عم ا فع ل الن اس عليه ا من خ ير أو ش ر [ ,ب أن رب ك أوحى له ا ] يع ني أذن له ا في أن تح دث
50
[ يومئ ذ يص در الن اس أش تاتا ] أي جماع ات متف رقين [ ,ل يروا أعم الهم ] ي ريهم اهلل أخباره ا ,
تعالى أعمالهم إن خيرا فخير ,وإ ن شر فشر وذلك بالحساب وبالكتاب [ ,فمن يعمل مثقال ذرة خيرا
يره .ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] يعني أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه سواء من الخير أو
من الشر [ ,مثقال ذرة ] وزن ذرة والمراد بالذرة :صغار النمل كما هو معروف ,وإ نما ذكر الذرة
ألنها مضرب المثل في القلة .
فائدة :قوله تعالى [ :مثقال ذرة ] يفيد أن الذي يوزن هو األعمال . -
س ْط َن ِب ِه ِ
ص ْب ًحا ( )3فََأثَْر َن ِبه َن ْق ًعا ( )4فَ َو َ يرات ُ
ات قَ ْدحا ( )2فَا ْلم ِغ ِ
ُ َ ً
وري ِ
ض ْب ًحا ( )1فَا ْل ُم ِ َ ات َ وا ْلع ِادي ِ
َ َ َ
ش ِد ٌ
يد (َ )8أفَاَل يد(َ )7وِإ َّن ُه ِل ُح ِّب ا ْل َخ ْي ِر َل َ ود (َ )6وِإ َّن ُه َعلَى َذ ِل َك َل َ
ش ِه ٌ ان ِل َر ِّب ِه لَ َك ُن ٌ
س ََج ْم ًعا (ِ )5إ َّن اِإْل ْن َ
ِئ ٍ ص َل َما ِفي ُّ َي ْعلَ ُم ِإ َذا ُب ْع ِث َر َما ِفي ا ْلقُ ُب ِ
ير ()11 ور (ِ )10إ َّن َرب ُ
َّه ْم ِب ِه ْم َي ْو َم ذ لَ َخ ِب ٌ الص ُد ِ ور (َ )9و ُح ِّ
[ والعاديات ] هذا قسم ,والعاديات هي الخيل التي تعدو على أعدائها [ ضبحا ] ما يسمع من أجواف
الخيل حين تعدو بسرعة [ ,فالموريات قدحا ] يعني بذلك قدح النار حينما يضرب األحجار بعضها
بعضا [ ,فالمغيرات صبحا ] التي تغير على عدوها في الصباح وهذا أحسن وقت لإلغارة [ ,فأثرن
ب ه نقعا ] أث رن الغب ار ألن الخي ل إذا اش تد عوده ا في األرض ص ار له ا غب ار من الك ر والف ر [ ,
فوسطن به جمعا ] توسطن بهذا الغبار أي جموعا من األعداء .
51
فائدة :هذه غاية ما يكون من منافع الخيل ,مع أن الخيل كلها خير كما قال الن بي ص لى هللا علي ه -
وسلم (( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ))
أما المقسم عليه فهو اإلنسان [ إن اإلنسان لربه لكنود ] أي إذا لم يوفق للهداية فإنه كنود أي
كفور لنعمة اهلل عز وجل [ ,وإ نه على ذلك لشهيد ] قيل أن الضمير يعود على اهلل عز وجل
أي أن اهلل تعالى يشهد على العبد بأنه كفور لنعمة اهلل ,وقيل إنه عائد على اإلنسان نفسه أي
أن اإلنسان يشهد على نفسه بكفر نعمة اهلل عز وجل .
[ وإ ن ه لحب الخ ير لش ديد ] والخ ير ه و الم ال [ ,أفال يعلم إذا بع ثر م ا في القب ور ] أي نش ر
وظهر فالناس يخرجون من قبورهم كأنهم جراد منتشر [,وحصل ما في الصدور] أي ما في
القلوب من النيات وأعمال القلب كالتوكل والرغبة والرهبة والخوف والرجاء .
فائدة :هنا جعل هللا عز وجل العمدة ما في الصدور كما قال تعالى [ :يوم تبلى السرائر] ألن ه في -
الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر حتى المنافق يعامل كما يعامل المسلم حقا لكن في اآلخرة العمل
على ما في القلب ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا ألن القلب ه و ال ذي علي ه الم دار وه و ال ذي
سيكون الجزاء عليه يوم القيامة .
[ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ] أي إن اهلل عز وجل بالعباد لخبير .
52
تفسير سورة القارعة
[ القارعة ] هي التي تقرع القلوب وتفزعها وذلك عند النفخ في الصور وهي من أسماء يوم القيامة ,
[ ما القارعة ] استفهام للتعظيم والتفخيم [ ,وما أدراك ما القارعة ] زيادة في التعظيم والتفخيم يعني
أي ش يء أعلم ك م ا القارع ة ؟ [ ي وم يك ون الن اس ك الفراش المبث وث ] حين يخرج ون من قب ورهم
يشبهون الفراش في ضعفه وحيرته وتراكمه وسيره إلى غير هدى و [ المبثوث ] بمعنى المنتشر [,
وتكون الجبال] العظيمة الراسية الصلبة [ كالعهن ] الصوف وقيل القطن [ المنفوش ] المبعثر .قسم
اهلل تعالى الناس في ذلك اليوم إلى قسمين :
القس م األول [ :فأم ا من ثقلت موازين ه ] وه و ال ذي رجحت حس ناته على س يئاته [ فه و في عيش ة
راضية ] أي في عيشة طيبة ليس فيها نكد وال صخب وال نصب وهو العيش في الجنة
القس م الث اني [ :وأم ا من خفت موازين ه ] وه و الك افر أو المس لم المس رف على نفس ه وس يئاته أك ثر
[ فأم ه هاوي ه ] يع ني مآل ه لن ار جهنم وقي ل يلقى في الن ار على أم رأس ه [ ,وم ا أدراك م ا هي ه ] من
باب التفخيم للهاوية [ نار حامية ] في غاية ما يكون من الحمو .
فائدة :في هذه اآلية التخوي ف والتح ذير من ه ذا الي وم وأن الن اس ال يخرج ون عن ح الين :إم ا -
رجل رجحت حسناته وإما رجل رجحت سيئاته .
53
تفسير سورة التكاثر
ون (َ )4كاَّل َل ْوف تَ ْعلَ ُم َ س ْو ََ ون ( )3ثُ َّم َكاَّل ف تَ ْعلَ ُم َ س ْو َ َأْل َها ُك ُم التَّ َكاثُُر (َ )1حتَّى ُز ْرتُ ُم ا ْل َمقَا ِب َر (َ )2كاَّل َ
الن ِع ِيم
سَألُ َّن َي ْومِئ ٍذ َع ِن َّ
َ ثُ َّم لَتُ ْ ين ()7 يم ( )6ثُ َّم لَتََر ُو َّن َها َع ْي َن ا ْل َي ِق ِ ِ
ين ( )5لَتََر ُو َّن ا ْل َجح َ ون ِع ْل َم ا ْل َي ِق ِ
تَ ْعلَ ُم َ
()8
[ ألهاكم التكاثر ] شغلكم حتى ألهاكم عن ذكر اهلل والقيام بطاعته [ التكاثر ] يشمل التكاثر بالمال
والقبيلة والجاه والعلم وكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر [ ,حتى زرتم المقابر ] يعني إلى أن متم .
فائدة :استدل عمر بن عبدالعزيز رحمه هللا على أن الزائر البد أن يرجع إلى وطنه وأن القبور -
ليست بدار إقامة .
[ كال سوف تعلمون ] كال للردع والمعنى سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن اآلخرة
[ ,ثم كال سوف تعلمون ] تأكيد للردع [ ,كال لو تعلمون علم اليقين ] لعرفتم أنكم في ضالل وخطأ
عظيم [ ,لترون الجحيم ] هذه جملة مستأنفة ال عالقة لها بما قبلها وتقديرها :واهلل لترون الجحيم
والجحيم اسم من أسماء النار [ ,ثم لترونها عين اليقين ] تأكيد لرؤية النار [ ,ثم لتسألن يومئذ عن
النعيم ] الذي ُيسأل المؤمن والكافر ,سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة اهلل عز وجل حتى يفرح ويعلم
أن الذي أنعم عليه في الدنيا ينعم عليه في اآلخرة ,وأما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنديم .
ين َآم ُنوا وع ِملُوا َّ ِ ِ ِ وا ْلعص ِر (ِ )1إ َّن اِإْل ْنس َ ِ
اص ْوا ِبا ْل َح ِّ
ق الصال َحات َوتََو َ س ٍر (ِ )2إاَّل الَّذ َ َ َ َ
ان َلفي ُخ ْ َ َ َ ْ
اص ْوا ِب َّ
الص ْب ِر ()3 َوتََو َ
[ والعصر ] العصر هو الزمان وأقسم اهلل به لما يقع فيه من اختالف األحوال وتقلبات األمور
ومداولة األيام بين الناس [ ,إن اإلنسان لفي خسر ] أقسم اهلل تعالى قسما على أن اإلنسان في خسران
ونقصان في كل أحواله ,في الدنيا واآلخرة إال من استثنى اهلل عز وجل [ إال الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] استثنى اهلل سبحانه وتعالى هؤالء المتصفين بهذه
الصفات األربع :
اإليمان الذي ال يخالجه شك كما بينه الرسول صلى اهلل عليه وسلم (( أن تؤمن باهلل ومالئكته -
وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره )) .
[ عملوا الصالحات ] أي قاموا باألعمال الصالحة :من صالة وصيام وزكاة وحج وبر -
للوالدين وصلة األرحام .
[ وتواصوا بالحق ] صار بعضهم يوصي بعضا بالحق وهو الشرع فهم لم يقتصروا على نفع -
أنفسهم بل نفعوا أنفسهم وغيرهم .
[ وتواصوا بالصبر ] يوصي بعضهم بعضا بالصبر . -
فائدة :قال اإلمام الشافعي ( :لولم ينزل هللا على عباده حجة إال هذه السورة لكفتهم ) يعني كفتهم -
موعظة وحثا على التمسك باإليمان والعمل الصالح والدعوة إلى هللا والصبر على ذلك .
55
َأخلَ َدهُ (َ )3كاَّل لَ ُي ْن َب َذ َّن ِفي
َأن َمالَ ُه ْ
ب َّ
سَُّدهُ (َ )2ي ْح َ َو ْي ٌل ِل ُك ِّل ُه َم َز ٍة لُ َم َز ٍة ( )1الَّ ِذي َج َم َع َمااًل َو َعد َ
ط َم ُة (َ )5ن ُار اللَّ ِه ا ْل ُموقَ َدةُ ( )6الَِّتي تَطَّ ِلعُ َعلَى اَأْل ْفِئ َد ِة (ِ )7إَّن َها َعلَ ْي ِه ْم ط َم ِة (َ )4و َما َْأد َرا َك َما ا ْل ُح َ ا ْل ُح َ
َّد ٍة ()9 ص َدةٌ (ِ )8في َع َم ٍد ُم َمد َ ُمْؤ َ
[ ويل ] كلمة وعيد لمن اتصف بهذه الصفات [ لكل همزة لمزة ] الهمز :بالفعل أن يسخر من الناس
بفعله إما أن يلوي وجهه أو باإلشارة يشير إلى شخص .واللمز :باللسان وهو يعيب البشر بقوله ,
[ الذي جمع ماال وعدد ] هذه أيضا من أوصافه القبيحة جماع مناع ,يجمع المال ويمنع العطاء ,
[ وعدده ] التعديد بمعنى اإلحصاء يعني لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد [ ,يحسب
أن ماله أخلده ] أي أخلد ذكره أو أطال عمره [ ,كال ] يسميها العلماء حرف ردع ويحتمل أن تكون
بمعنى حقا [ لينبذن في الحطمة ] أي يطرح في الحطمة التي تحطم الشيء وتفتته وتكسره [ ,وما
أدراك ما الحطمة ] صيغة للتعظيم والتفخيم [ ,نار اهلل الموقدة ] أي المسعرة [ ,التي تطلع إلى
األفئدة ] تصل القلوب من شدة حرارتها [ إنها عليهم مؤصدة ] أي مغلقة على الهماز اللماز الجماع
للمال المناع للخير [ ,في عمد ممدة ] النار لها أعمدة ممدودة على جميع النواحي ال يمكن الخروج
منها وفتحها.
– فائدة :حكى هللا سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا في هذه السورة ال لمجرد أن نتلوه بألسنتنا أو
نعرف معناه بأفهامنا ,لكن المراد أن نحذر من هذه األوصاف الذميمة :عيب الناس بالقول وبالفعل ,
والحرص على المال كأن اإلنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له ,و نعلم أن من كانت هذه
حاله فإن جزاءه هذه النار .
56
ط ْي ًرا ََأبا ِب َ
يل س َل َعلَ ْي ِه ْم َ ض ِل ٍ
يل (َ )2و َْأر َ يل (َ )1ألَ ْم َي ْج َع ْل َك ْي َد ُه ْم ِفي تَ ْ
اب ا ْل ِف ِ
َأص َح ِ
ُّك ِب ْ
ف فَ َع َل َرب َ َألَ ْم تََر َك ْي َ
ول ()5 ف مْأ ُك ٍ يل ( )4فَجعلَهم َكع ٍ ( )3تَْر ِمي ِهم ِب ِح َجار ٍة ِم ْن ِس ِّج ٍ
ص َ َ َ ُْ َ ْ َ ْ
[ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ] أصحاب الفيل هم أهل اليمن الذين جاؤوا لهدم الكعبة بفيل
عظيم أرسله إليهم ملك الحبشة وذلك أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى الكعبة واتفق
مع ملك الحبشة على هدمها [ ,ألم يجعل كيدهم في تضليل .وأرسل عليهم طيرا أبابيل .ترميهم
بحجارة من سجيل ] ,قال العلماء [ :طيرا أبابيل ] يعني جماعات متفرقة ,كل طير في منقاره حجر
صلب [ من سجيل ] وهو الطين المشوي ألنه يكون أصلب [ ,فجعلهم كعصف مأكول ] أي كزرع
أكلته الدواب ووطئته بأقدامها حتى تفتت .
فائدة :كل من أراد الحق بسوء فإن هللا تعالى يجعل كيده في نحره . -
57
[ إليالف قريش ] اإلالف بمعنى الجمع والضم ويراد به التجارة التي كانوا يقومون بها [ ,رحلة
الشتاء والصيف ] في الشتاء يتجهون نحو اليمن للمحصوالت الزراعية وأما في الصيف فيتجهون
نحو الشام ألن تجارة الفواكه تكون في هذا الوقت وهاتين الرحلتين نعمة عظيمة من اهلل سبحانه
وتعالى على قريش ألنه يحصل منها فوائد كثيرة [ ,فليعبدوا رب هذا البيت ] شكرا هلل على هذه
النعمة والبيت هو الكعبة وإ ضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف.
– فائدة :العبادة هي التذلل هلل عز وجل محبة بفعل األوامر وتعظيما بترك النواهي .وقال شيخ اإلالم
ابن تيمية :العبادة اسم جامع لكل ما يحبه هللا و يرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة .
[ الذي أطعمهم من جوع ] فإطعامهم من جوع وقاية من الهالك في أمر باطن وهو الطعام الذي
يأكلونه و[ آمنهم من خوف ] وقاية من الخوف في األمر الظاهر.
– فائدة :إذا كثرت المعاصي في الحرم فالخطر على أهله أكثر من الخطر على غيرهم ألن المعصية
في مكان فاضل أعظم من المعصية في مكان مفضول .
فائدة :على طلبة العلم إذا اختلفوا فيما بينهم أن يجلسوا للتشاور وللمناقشة الهادئة التي يقصد منها -
الوصول إلى الحق ومتى تبين الحق لإلنسان وجب عليه اتباعه وال يجوز أن ينتصر لرأيه .
س ِك ِ
ين ( )3فَ َو ْي ٌل ض علَى َ ِ ِ
ط َعام ا ْلم ْ يم (َ )2واَل َي ُح ُّ َ
ِ ِ َِّ
ِّين ( )1فَ َذل َك الذي َي ُدعُّ ا ْل َيت َ
ِ
ََأر َْأي َت الَّذي ُي َك ِّذ ُ
ب ِبالد ِ
ون ()7 اع َ
ون ا ْل َم ُ
ون (َ )6و َي ْم َن ُع َ
اء َ ون ( )5الَّ ِذ َ
ين ُه ْم ُي َر ُ اه َ س ُ ِ
صاَل ت ِه ْم َ ين ( )4الَّ ِذ َ
ين ُه ْم َع ْن َ صلِّ َ ِ
ل ْل ُم َ
[ أرأيت الذي ] عام لكل من يتوجه له الخطاب [ يكذب بالدين ] أي بالجزاء وهؤالء هم الذين ينكرون
البعث [ ,فذلك الذي يدع اليتيم .وال يحض على طعام المسكين ] فجمع بين أمرين :األول :عدم
58
الرحمة باأليتام الذين هم محل الرحمة فهذا [ يدع اليتيم ] أي يدفعه بعنف ,أما األمر الثاني :ال
يحثون على رحمة الغير [ وال يحض على طعام المسكين ] فال يحض على إطعام المسكين الفقير
المحتاج للطعام ألنه قلبه حجر قاس [ ,فويل للمصلين ] وهذه كلمة وعيد ل [ الذين هم عن صالتهم
ساهون ] أي غافلون عنها ال يقيمونها على ما ينبغي يؤخرونها عن الوقت الفاضل .
فائدة :الذي يسهو عن الصالة ويغفل عنها الشك أنه مذموم .أما الساهي في صالته فهذا ال يالم -
ولهذا وقع السهو من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ,ألن السهو في الشيء معناه نسي شيئا ال
يالم عليه .أما الساهي عن صالته فهو متعمد للتهاون في صالته .
فائدة :من السهو عن الصالة أولئك القوم الذين يدعون الصالة مع الجماعة فإنهم الشك عن -
صالتهم ساهون ويدخلون في هذا الوعيد .
[ الذين هم يراءون ] إذا فعلوا الطاعة يقصدون بها التزلف للناس وليس التقرب إلى اهلل ,
[ ويمنعون الماعون ] أي يمنعون ما يجب بذله من المواعين وهي األواني .
ش ِانَئ َك ُه َو ْ
اَأْلبتَُر ()3 ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر (ِ )2إ َّن َ
اك ا ْل َك ْوثََر ( )1فَ َ
ط ْي َن َ ِإ َّنا ْ
َأع َ
[ إنا أعطيناك الكوثر ] الكوثر في اللغة العربية هو الخير الكثير ,فمن ذلك النهر العظيم الذي في
الجنة والذي يصب منه ميزابان على حوضه المورود صلى اهلل عليه وسلم ,وهذا الحوض في القيامة
يرده المؤمنون من أمة النبي .
فائدة :فمن كان واردا على شريعته في الدنيا كان واردا على حوضه في اآلخرة ومن لم يكن -
واردا على شريعته فإنه محروم منه في اآلخرة .
فائدة :من الخيرات الكثيرة التي أعطيها النبي صلى هللا عليه وسلم قال [ :أعطيت خمسا لم -
يعطهن أحد من األنبياء قبلي (( :نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي األرض مجدا
وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصالة فليصل واعطيت الشفاعة وأحلت لي المغانم وكان
النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ))
59
[ فصل لربك وانحر ] شكرا هلل على هذه النعمة العظيمة ,والمراد بالصالة هنا جميع الصلوات ,
وأول ما يدخل فيها الصالة المقرونة بالنحر وهي صالة عيد األضحى [ ,فصل لربك ] الصلوات
المفروضة والنوافل .صلوات العيد والجمعة [ ,وانحر ] تقرب إليه بالنحر والنحر يختص باإلبل ,
والذبح للبقر والغنم ,لكنه ذكر النحر ألن اإلبل أنفع من غيرها بالنسبة للمساكين [ ,إن شانئك ] أي
[ هو األبتر ] أي المنقطع من كل خير ,إذا كان هذا في مبغضه فهو أيضا في مبغضك ,
مبغض شرعه .
فائدة :من أبغض شريعة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو أبغض شعيرة من شعائر اإلسالم أو -
أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين اإلسالم فإنه كافر خارج الدين .
َأع ُب ُد (َ )3واَل َأَنا َعا ِب ٌد َما َع َب ْدتُ ْم ون (َ )2واَل َأْنتُ ْم َعا ِب ُد َ
ون َما ْ َأع ُب ُد َما تَ ْع ُب ُد َ
ون ( )1اَل ْ
اف ُر َ ُق ْل يا َأيُّها ا ْل َك ِ
َ َ
ين ()6 َأع ُب ُد ( )5لَ ُك ْم ِدي ُن ُك ْم َو ِلي ِد ِ (َ )4واَل َأْنتُ ْم َعا ِب ُد َ
ون َما ْ
َ
هذه السورة إحدى سورتي اإلخالص [ قل يا أيها الكافرون ] [ قل هو اهلل أحد ] وكان النبي -
صلى اهلل عليه وسلم يقرأ بهما في سنة الفجر وسنة المغرب وركعتي الطواف لما تضمنتاه من
اإلخالص هلل عز وجل والثناء عليه بالصفات الكاملة [ ,قل يا أيها الكافرون ] هذا يشمل كل
كافر سواء كان من اليهود والنصارى أو المشركين أو الشيوعيين [ ,ال أعبد ما تعبدون ]
األصنام [ ,وال أنتم عابدون ما أعبد ] وهو اهلل [ ,وال أنا عابد ما عبدتم ] لن أقبل غير
عبادتي [ ,وال أنتم عابدون ما أعبد ] لن أقبل غير عبادتي ولن أقبل عبادتكم ,وأنتم كذلك لن
تقبلوا .
فائدة :قال شيخ اإلسالم ابن تيمية :أن قوله تعالى [ ال أعبد ما تعبدون وال أنتم عابدون ما أعبد ] -
هذا الفعل .وقوله تعالى [ وال أنا عابد ما عبدتم .وال أنتم عابدون ما أعبد ] أي :في القبول .
60
[ لكم دينكم ولي دين ] فأنا بريء من دينكم وأنتم بريؤون من ديني .
[ إذا جاء نصر اهلل والفتح ] الخطاب للنبي صلى اهلل عليه وسلم [ ,نصر اهلل ] النصر هو تسليط اهلل
تعالى اإلنسان على عدوه بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته ,والنصر أعظم سرور يحصل للعبد في
أعماله [ والفتح ] هو فتح مكة [ ,ورأيت الناس يدخلون في دين اهلل أفواجا] أي جماعات بعد أن
كانوا يدخلون فيه أفرادا وفي بعض األحوال متخفين [ ,فسبح بحمد ربك واستغفره ] أي سبحه
تسبيحا مقرونا بالحمد .التسبيح :هو تنزيه اهلل تعالى عما ال يليق بجالله .والحمد :هو الثناء عليه
بالكمال مع المحبة والتعظيم .االستغفار :هو طلب المغفرة .والمغفرة :ستر اهلل تعالى على عبده
ذنوبه مع محوها والتجاوز عنها .وهذا غاية مايريد العبد [ .إنه كان توابا ] أي لم يزل اهلل عز وجل
توابا على عبده .
فائدة :السورة لها مغزى عظيم ال يتفطن له إال األذكياء ,قال ابن عباس لعمر بن الخطاب لما -
سأله عن تفسير السورة :يا أمير المؤمنين هو أجل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أعلمه هللا له [
إذا جاء نصر هللا والفتح ] فتح مكة فذلك عالمة األجل [ ,ورأيت الناس يدخلون في دين هللا
أفواجا .فسبح بحمد ربك واستغفره .إنه كان توابا ] فقال عمر :وهللا ما أعلم منها إال ما تعلم .
فتبين بذلك فضل ابن عباس وتميزه وأن عنده من الذكاء والمعرفة بمراد هللا عز وجل .
61
تفسير سورة المسد
-فائدة :أعمام الرسول عليه الصالة والسالم انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثالثة
أقسام :
قسم آمن وجاهد معه وأسلم هلل رب العالمين مثل العباس وحمزة . -1
قسم ساند وساعد ولكنه باق على الكفر مثل أبي طالب . -2
قسم عاند وعارض وهو كافر مثل أبي لهب . -3
[ تبت يدا أبي لهب وتب ] والتباب الخسار ,وبدأ بيديه قبل ذاته ألن اليدين هما آلتا العمل والحركة
واألخذ والعطاء [ ,ما أغنى عنه ماله ] يعني أي شيء أغنى عنه ماله من اهلل ؟ والجواب :ال شيء
[ وما كسب ] تشمل المال واألوالد والشرف والجاه [ ,سيصلى نارا ذات لهب ] اهلل تعالى توعده بأنه
سيصلى نارا ذات لهب [ ,وامرأته حمالة الحطب ] التي تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في
طريق النبي صلى اهلل عليه وسلم من أجل أذى الرسول [ ,في جيدها حبل من مسد ] الجيد هو
العنق ,والحبل معروف ,والمسد الليف .يعني أنها متقلدة حبال من الليف تخرج به إلى الصحراء
لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي صلى اهلل عليه وسلم .
62
تفسير سورة اإلخالص
ذكر في سبب نزول هذه السورة :أن المشركين أو اليهود قالوا للنبي صلى اهلل عليه وسلم صف لنا
ربك ؟ فأنزل اهلل تعالى هذه السورة .
[ قل ] الخطاب للرسول ولألمة أيضا [ هو اهلل أحد ] أي اهلل عز وجل الذي تتحدثون عنه وتسألون
عنه [ أحد ] متوحد بجالله وعظمته ,ليس له مثيل ,وليس له شريك [ ,اهلل الصمد ] الكامل في
صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته [ لم يلد ] ألنه ال مثيل له وألنه مستغن عن كل أحد عز
وجل ,وفي هذه اآلية الكريمة الرد على ثالث طوائف منحرفة ,وهم المشركون الذين قالوا المالئكة
بنات اهلل ,واليهود الذين قالوا عزير ابن اهلل ,والنصارى الذين قالوا المسيح ابن اهلل ,فكذبهم اهلل
بقوله [ لم يلد ولم يولد ] فهو األول الذي ليس قبله شيء فكيف يكون مولودا ؟ [ ولم يكن له كفوا أحد
] لم يكن له أحد مساويا في صفاته .
فائدة :هذه السورة لها فضل عظيم .قال النبي صلى هللا عليه وسلم (( :إنها تعدل ثلث القرآن )) -
لكنها تعدله وال تقوم مقامه .
فائدة :هذه السورة كان الرسول عليه الصالة والسالم يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر -
وفي سنة المغرب وفي ركعتي الطواف وكذلك يقرأ بها في الوتر ألنها مبنية على اإلخالص التام
هلل تعالى ولهذا تسمى سورة اإلخالص .
63
الر ِح ِيم سِم اللَّ ِه َّ
الر ْح َم ِن َّ ِب ْ
ات ِفي
النفَّاثَ ِ ق ِإ َذا َوقَ َب (َ )3و ِم ْن َ
شِّر َّ شِّر َغ ِ
اس ٍ ق (َ )2و ِم ْن َ ق (ِ )1م ْن َ
شِّر َما َخلَ َ َأعو ُذ ِب َر ِّب ا ْل َفلَ ِ
ُق ْل ُ
ٍِ ا ْل ُعقَ ِد (َ )4و ِم ْن َ
س َد ()5 شِّر َحاسد ِإ َذا َح َ
[ قل أعوذ برب الفلق ] الفلق :اإلصباح ,ويجوز أن يكون أعم من ذلك أن الفلق كل ما يفلقه اهلل
تعالى من اإلصباح والنوى والحب [ ,من شر ما خلق ] يشمل شياطين اإلنس والجن والهوام ومنه
النفس ألن النفس أمارة بالسوء [ ,ومن شر غاسق إذا وقب ] الغاسق قيل إنه الليل وقيل إنه القمر ,
والليل تكثر فيه الهوام والوحوش لذلك استعاذ من شره [ إذا وقب ] أي إذا دخل [ ,ومن شر النفاثات
في العقد ] هن الساحرات يعقدن الحبال وغيرها وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشياطين ,على
كل عقدة تعقد ثم تنفث [ ,ومن شر حاسد إذا حسد ] الحاسد الذي يكره نعمة اهلل على غيره [ إذا حسد
المعان يكون هذا الرجل عنده كراهة لنعمة اهلل على الغير إذا
] من حسد الحاسد العين التي تصيب ُ
أحس بنفسه أن اهلل تعالى أنعم على فالن بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنى مجهول فيصيب بالعين.
فائدة :ذكر هللا تعالى الغاسق إذا وقب والنفاثات في العقد والحاسد إذا حسد ألن البالء كله في هذه -
األحوال الثالثة يكون خفيا .
فائدة :الطريق للتخلص من هذه الشرور الثالثة أن يعلق اإلنسان قلبه بربه ويفوض أمره إليه -
ويحقق التوكل على هللا ويستعمل األوراد الشرعية .
فائدة :األوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج .لكن مع األسف كثيرا من -
الناس ال يعرف عن هذه األوراد شيئا ومن عرف فقد يغفل كثيرا ومن قرأها فقلبه غير .
64
اس ( )4الَّ ِذي
اس ا ْل َخ َّن ِ
س َو ِ اس (ِ )3م ْن َ
شِّر ا ْل َو ْ اس (ِ )2إلَ ِه َّ
الن ِ الن ِاس ( )1م ِل ِك َّ
َ
َأعو ُذ ِب َر ِّب َّ
الن ِ ُق ْل ُ
اس ( )6 اس (ِ )5م َن ا ْل ِج َّن ِة َو َّ
الن ِ ور َّ
الن ِ ص ُد ِ
س في ُ
يوس ِو ِ
َُ ْ ُ
[ قل أعوذ برب الناس ] وهو اهلل عز وجل رب كل شيء لكن للمناسبة خص الناس [ ,ملك الناس ]
المل ك ال ذي له الس لطة العلي ا في الناس والتص رف الكامل ه و اهلل ع ز وجل [ ,إل ه الناس ] مألوههم
ومعبودهم [ ,من شر الوسواس ] ما يلقى في القلب من األفكار واألوهام والتخيالت التي ال حقيقة لها
[ الخن اس ] ال ذي يخنس وينه زم وي ولي وي دبر عن د ذك ر اهلل ع ز وج ل وه و الش يطان [ ,من الجن ة ]
الوساوس تكون من الجن وتكون من بني آدم .
فائدة :هذه السور الثالث :اإلخالص والفلق والناس كان النبي صلى هللا علي ه وس لم إذا أوى إلى -
فراشه نفث في كفه ومسح بها وجهه وما استطاع من بدنه ,وربما بعد الصلوات الخمس .
65