You are on page 1of 65

‫مختصر تفسير‬

‫جزء عم‬
‫للشيخ ‪ /‬ابن عثيمين‬
‫رحمه هللا تعالى‬

‫اختصره‬
‫العبد الفقير إلى رحمة ربه‬
‫علي حسن صالح العبيدلي‬
‫غفر هللا له ولوالديه وللمسلمين‬

‫تفسير سورة الفاتحة‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫هذه السورة قال العلماء ‪ :‬إنها تشتمل على مجمل مع‪%%‬اني الق‪%%‬رآن في التوحي‪%%‬د واألحك‪%%‬ام والج‪%%‬زاء‬ ‫‪-‬‬
‫وطرق بني آدم وغير ذلك ‪ ,‬ولذلك سميت (( أم القرآن ))‬

‫هذه السورة لها مميزات تتميز بها عن غيره‪%%‬ا ‪ ,‬منه‪%%‬ا أنه‪%%‬ا ركن في الص‪%%‬لوات‪ %‬ال‪%%‬تي هي أفض‪%%‬ل‬ ‫‪-‬‬
‫أركان اإلسالم بعد الشهادتين ‪ :‬فال صالة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ‪ ,‬ومنها أنها رقية ‪ :‬إذا قرئ‬
‫بها على المريض شفي بإذن هللا ‪.‬‬

‫قوله تعالى [ بسم هللا الرحمن الرحيم ] ‪ :‬الجار والمجرور متعلق بمحذوف ‪ ,‬فإذا قلت ‪ (( :‬باس‪%%‬م‬ ‫‪-‬‬
‫هللا )) وأنت تريد أن تأكل ‪ ,‬تقدر الفع‪%%‬ل ‪ (( :‬باس‪%%‬م هللا آك‪%%‬ل )) ‪ [ .‬هللا ] اس‪%%‬م هللا رب الع‪%%‬المين ال‬
‫يسمى به غيره ‪ ,‬وه‪%%‬و أص‪%%‬ل األس‪%%‬ماء ‪ ,‬وله‪%%‬ذا ت‪%%‬أتي األس‪%%‬ماء التابع‪%%‬ة ل‪%%‬ه ‪ [ ,‬ال‪%%‬رحمن ] أي ذو‬
‫الرحمة الواسعة ‪ [ ,‬الرحيم ] أي الموصل للرحمة من يشاء من عباده ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬مسألة ‪ :‬هل البسملة آية من الفاتحة أو ال ؟‬ ‫‪-‬‬

‫إنها ليست من الفاتحة ‪ ,‬ولكنها آية مستقلة من كتاب هللا ‪ ,‬وهذا هو القول الح ق ‪ ,‬في الص حيح عن‬
‫أنس بن مالك رضي هللا عنه قال ‪ (( :‬صليت خلف النبي ص لى هللا علي ه وس لم وأبي بك ر وعم ر‬
‫وعثمان ‪ ,‬فكانوا يستفتحون ب [ الحمد هلل رب العالمين ] ال يذكرون [ بسم هللا ال رحمن ال رحيم ]‬
‫في أول قراءة ‪ ,‬وال في آخرها )) ‪ .‬والمراد ال يجهرون ‪ ,‬والتمي يز بينه ا وبين الفاتح ة في الجه ر‬
‫وعدمه يدل على أنها ليست منها ‪.‬‬

‫قوله تعالى [ الحمد هلل رب العالمين ] ‪:‬‬


‫[ الحمد ] وصف المحمود بالكمال مع المحب‪%%‬ة والتعظيم ‪ ,‬ق‪%%‬ال أه‪%%‬ل العلم ‪ ( :‬ألن مج‪%%‬رد وص‪%%‬فه‬
‫بالكمال بدون محبة ‪ ,‬وال تعظيم ‪ :‬ال يسمى حمدا ‪ ,‬وإنم‪%%‬ا يس‪%%‬مى م‪%%‬دحا ) ‪ [ ,‬هلل ] اس‪%%‬م ربن‪%%‬ا ع‪%%‬ز‬
‫وجل ال يسمى به غيره ومعناه ‪ :‬المألوه – أي المعبود حب‪%%‬ا وتعظيم‪%%‬ا ‪ [ ,‬رب ] ه‪%%‬و من اجتم‪%%‬ع‬
‫فيه ثالثة أوصاف ‪ :‬الخلق ‪ ,‬والملك ‪ ,‬والتدبير ‪ [ ,‬العالمين ] ‪ :‬قال العلم‪%%‬اء ‪ :‬ك‪%%‬ل م‪%%‬ا س‪%%‬وى هللا‬
‫فهو من العالم ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬هللا تعالى مستحق مختص بالحمد الكام ل من جمي ع الوج وه ‪ ,‬وله ذا ك ان الن بي ص لى هللا‬ ‫‪-‬‬
‫عليه وسلم إذا أصابه مايسره قال ‪ (( :‬الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات )) ‪ ,‬وإذا أصابه خالف‬
‫ذلك قال ‪ (( :‬الحمد هلل على كل حال )) ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫قوله تعالى [ الرحمن الرحيم ] ‪ (( ,‬الرحمن )) وصفه و (( الرحيم )) فعله ‪ ,‬قوله تع‪%%‬الى [ مال‪%%‬ك ي‪%%‬وم‬
‫الدين ] صفة ل (( هللا )) ‪ ,‬و[ يوم الدين ] هو يوم القيامة ‪ ,‬و [ الدين ] هنا بمعنى الجزاء ‪ ,‬قوله تع‪%%‬الى‬
‫[ إياك نعبد ] ‪ :‬ال نعبد إال إياك ‪.‬‬
‫فائدة ‪ (( :‬العبادة )) تتضمن فعل كل ما أمر هللا به ‪ ,‬وترك كل ما نهى هللا عنه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫[ وإياك نستعين ] أي ال نستعين إال إياك على العبادة وغيرها ‪,‬‬
‫فائدة ‪ (( :‬االستعانة )) طلب العون ‪ ,‬وهللا سبحانه وتعالى يجمع بين العبادة واالستعانة ‪ ,‬أو التوكل‬ ‫‪-‬‬
‫في مواطن عدة في القرآن الكريم ‪ ,‬ألن ال قيام بالعبادة على عليه ‪.‬‬
‫قوله تعالى [ اهدنا الصراط المستقيم ] تسأل هللا تع‪%%‬الى علم‪%%‬ا نافع‪%%‬ا وعمال ص‪%%‬الحا ‪,‬و(( المس‪%%‬تقيم )) أي‬
‫الذي ال اعوجاج فيه ‪.‬‬
‫‪ -‬فائدة ‪ :‬الهداية تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫‪ -1‬هداية علم و إرشاد ليس فيها إال مجرد الداللة ‪.‬‬
‫‪ -2‬هداية توفيق وعمل فيها التوفيق للهدى ‪ ,‬واتباع الشريعة ‪.‬‬
‫قوله تعالى [ صراط الذين أنعمت عليهم ] والذين أنعم هللا عليهم هم المذكورون‪ %‬في قول‪%%‬ه تع‪%%‬الى [ ومن‬
‫يطع هللا والرسول فأولئك مع الذين أنعم هللا عليهم من النبيين والصديقين والش‪%%‬هداء والص‪%%‬الحين وحس‪%%‬ن‬
‫أولئك رفيقا ] ‪ ,‬قوله تعالى [ غير المغضوب عليهم ] ‪ :‬هم اليهود ‪ ,‬وكل من علم بغير الح‪%%‬ق ولم يعم‪%%‬ل‬
‫به ‪ ,‬قوله تعالى [ وال الضالين ] ‪ :‬هم النصارى قبل بعثة النبي وكل من عمل بغير الحق جاهال به ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬اعلم أن القراءة التي ليست في المصحف الذي بين أي دي الن اس ال تنبغي الق راءة به ا عن د‬ ‫‪-‬‬
‫العامة ولهذا قال علي ‪ (( :‬حدثوا الناس بما يعرفون ‪ ,‬أتحبون أن يكذب هللا ورسوله )) ‪.‬‬

‫تفسير سورة النبأ‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ون (‪ )4‬ثُ َّم َكاَّل‬ ‫ون (‪َ )3‬كاَّل َ‬


‫س َي ْعلَ ُم َ‬ ‫الن َب ِإ ا ْل َع ِظ ِيم (‪ )2‬الَّ ِذي ُه ْم ِفي ِه ُم ْختَِلفُ َ‬
‫ون (‪َ )1‬ع ِن َّ‬ ‫اءلُ َ‬‫س َ‬ ‫َع َّم َيتَ َ‬
‫اج ا (‪َ )8‬و َج َع ْل َن ا َن ْو َم ُك ْم‬ ‫ادا (‪َ )7‬و َخلَ ْق َن ا ُك ْم َْأز َو ً‬ ‫ادا (‪َ )6‬وا ْل ِج َب َ‬
‫ال َْأوتَ ً‬ ‫ض ِم َه ً‬ ‫ون (‪َ )5‬ألَ ْم َن ْج َع ِل ْ‬
‫اَأْلر َ‬ ‫س َي ْعلَ ُم َ‬‫َ‬
‫ادا (‪)12‬‬ ‫س ْب ًعا ِش َد ً‬ ‫اش ا (‪َ )11‬و َب َن ْي َن ا فَ ْوقَ ُك ْم َ‬ ‫اس ا (‪َ )10‬و َج َع ْل َن ا َّ‬
‫الن َه َار َم َع ً‬ ‫ِ‬
‫س َباتًا (‪َ )9‬و َج َع ْل َن ا اللَّْي َل ل َب ً‬ ‫ُ‬

‫‪3‬‬
‫َّاج ا (‪ِ )14‬ل ُن ْخ ِر َج ِب ِه َحبًّا َو َن َباتً ا (‪)15‬‬
‫اء ثَج ً‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاج ا (‪َ )13‬وَأْن َز ْل َن ا م َن ا ْل ُم ْعص َرات َم ً‬
‫اجا َوه ً‬
‫ِ‬
‫َو َج َع ْل َن ا س َر ً‬
‫وج َّن ٍ‬
‫ات َأْلفَافًا (‪)16‬‬ ‫َ َ‬
‫[ عم يتساءلون ] يعني عم يتساءل هؤالء المكذبون بالقرآن وغيره ‪ [ ,‬عن النبأ العظيم ] وهذا النب‪%%‬أ ه‪%%‬و‬
‫الذي جاء به النبي صلى هللا عليه وسلم من البينات والهدى ‪ ,‬وال سيما ما جاء به من األخب‪%%‬ار عن الي‪%%‬وم‬
‫اآلخر والبعث والجزاء ‪ ,‬وقد اختلف الناس في هذا النبأ ‪ ,‬فمنهم من آمن ومنهم من كفر به وكذب به ‪[ ,‬‬
‫كال سيعلمون ‪ .‬ثم كال سيعلمون ] المراد بالعلم الذي توعدهم هللا به هو علم اليقين ال‪%%‬ذي يش‪%%‬اهدونه على‬
‫[‬ ‫حسب ما أخبروا ب‪%%‬ه ‪ [ .‬ألم نجع‪%%‬ل األرض مه‪%%‬ادا ] أي جع‪%%‬ل هللا األرض مه‪%%‬ادا ممه‪%%‬دة للخل‪%%‬ق ‪,‬‬
‫والجبال أوتادا ] أي جعلها هللا أوتادا لألرض كالوتد للخيمة ‪ [ ,‬وخلقناكم أزواج‪%%‬ا ] أي أص‪%%‬نافا من ذك‪%%‬ر‬
‫وأنثى ‪ ,‬وصغير وكبير ‪ ,‬وأسود وأحمر ‪ ,‬وش‪%%‬قي وس‪%%‬عيد ‪ [ ,‬وجعلن‪%%‬ا ن‪%%‬ومكم س‪%%‬باتا ] أي قاطع‪%%‬ا للتعب ‪,‬‬
‫[ وجعلنا الليل لباسا ] أي جعل هذا الليل على األرض بمنزلة اللباس كأن األرض تلبس‪%%‬ه ويك‪%%‬ون جلباب‪%%‬ا‬
‫لها ‪ [ ,‬وجعلنا النه‪%%‬ار معاش‪%%‬ا ] يعيش الن‪%%‬اس في‪%%‬ه في طلب ال‪%%‬رزق ‪ [ ,‬وبنين‪%%‬ا ف‪%%‬وقكم س‪%%‬بعا ش‪%%‬داد ] وهي‬
‫السماوات السبع وصفها هللا تعالى بالشداد ألنها قوية ‪ [ ,‬وجعلنا سراجا وهاجا ] يعني بذلك الشمس فهي‬
‫سراج مضيء ‪ ,‬وهي أيض‪%%‬ا ذات ح‪%%‬رارة عظيم‪%%‬ة ‪ [ .‬وهاج‪%%‬ا ] أي وق‪%%‬ادة ‪ [ ,‬وأنزلن‪%%‬ا من المعص‪%%‬رات ]‬
‫يع‪%%‬ني من الس‪%%‬حاب ‪ [ ,‬م‪%%‬اء ثجاج‪%%‬ا ] كث‪%%‬ير االنهم‪%%‬ار والت‪%%‬دفق لغزارت‪%%‬ه وقوت‪%%‬ه ح‪%%‬تى ي‪%%‬روي األرض ‪,‬‬
‫[ لنخرج به ] أي لنخرج بهذا الماء ‪ [ ,‬حب‪%‬ا ونبات‪%‬ا ] يخ‪%%‬رج هللا ب‪%‬ه الحب بجمي‪%%‬ع أص‪%‬نافه ‪ .‬والنب‪%‬ات من‬
‫الثمار ‪ [ ,‬وجنات ألفافا ] أي بساتين ملتف‪%%‬ا بعض‪%%‬ها إلى بعض ‪ ,‬من كثرته‪%%‬ا وحس‪%%‬نها وبهائه‪%%‬ا ح‪%%‬تى إنه‪%%‬ا‬
‫لتستر من فيها لكثرتها ‪.‬‬
‫ولما ذكر هللا ما أنعم به على العباد في الدنيا ذكر حال الي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر وأن‪%%‬ه ميق‪%%‬ات يجم‪%%‬ع هللا في‪%%‬ه األولين‬
‫واآلخرين فقال تعالى ‪:‬‬

‫اء‬ ‫اج ا (‪َ )18‬وفُِت َح ِت َّ‬


‫الس َم ُ‬ ‫ون َأف َْو ً‬ ‫ان ِميقَاتً ا (‪َ )17‬ي ْو َم ُي ْنفَ ُخ ِفي ُّ‬
‫الص ِ‬
‫ور فَتَ ْأتُ َ‬ ‫ص ِل َك َ‬
‫ِإ َّن َي ْو َم ا ْلفَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ادا (‪)21‬‬ ‫ص ً‬ ‫س َر ًابا (‪ِ )20‬إ َّن َج َه َّن َم َك ا َن ْت م ْر َ‬ ‫س ِّي َرت ا ْل ِج َب ا ُل فَ َك ا َن ْت َ‬
‫فَ َك ا َن ْت َْأب َو ًاب ا (‪َ )19‬و ُ‬
‫ش رابا (‪ِ )24‬إاَّل ِ‬ ‫َأحقَابا (‪ )23‬اَل ي ُذوقُ َ ِ‬ ‫ين مَآبا (‪ )22‬اَل ِب ِث َ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم ا‬
‫َحم ً‬ ‫يها َب ْر ًدا َواَل َ َ ً‬ ‫ون ف َ‬ ‫َ‬ ‫يها ْ ً‬ ‫ين ف َ‬ ‫للطَّاغ َ َ ً‬
‫َآي ِات َن ا ِك َّذ ًابا (‬ ‫َّ‬
‫س ًابا (‪َ )27‬و َك ذ ُبوا ِب َ‬
‫س اقًا (‪ )25‬ج َزاء ِوفَاقً ا (‪ِ )26‬إَّنهم َك ا ُنوا اَل يرج َ ِ‬
‫ون ح َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ ً‬ ‫َو َغ َّ‬

‫ص ْي َناهُ ِكتَ ًابا (‪ )29‬فَ ُذوقُوا َفلَ ْن َن ِز َ‬


‫يد ُك ْم ِإاَّل َع َذ ًابا (‪)30‬‬ ‫ش ْي ٍء ْ‬
‫َأح َ‬ ‫‪َ )28‬و ُك َّل َ‬

‫[ إن يوم الفصل ] هو يوم القيامة وسمي يوم الفصل ألن اهلل يفصل فيه بين العباد ‪ [ ,‬كان ميقات ا ] أي‬
‫ميقات ا للج زاء وموقوت ا ألج ل مع دود ‪ [ ,‬ي وم ينفخ في الص ور فت أتون أفواج ا ] الن افخ الموك ل فيه ا‬

‫‪4‬‬
‫إس رافيل ينفخ نفخ تين‪ :‬األولى يف زع الن اس ثم يص عقون فيموت ون ‪ ,‬والثاني ة ‪ :‬يبعث ون من قب ورهم ‪,‬‬
‫وتع ود إليهم أرواحهم ‪ [ ,‬وفتحت الس ماء فك انت أبواب ا ] انف رجت فتك ون أبواب ا يش اهدها الن اس ‪[ ,‬‬
‫وسيرت الجبال فكانت سرابا ] أي أن الجبال العظيمة الصماء تدك فتكون كالرمل ثم تكون كالسراب‬
‫تسير ‪ [ ,‬إن جهنم كانت مرصادا ] أي مرصدة ومعدة للطاغين ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬سميت بهذا االسم ‪ ,‬ألنها ذات جهمة وظلمة بسوادها وقعرها أعاذنا هللا وإياكم منه ا ‪ ,‬وهي‬ ‫‪-‬‬
‫مرصاد للطاغين قد أعدها هللا عز وج ل لهم من اآلن ‪ ,‬فهي موج ودة رآه ا الن بي ص لى هللا علي ه‬
‫وس لم ورأى فيه ا ام رأة تع ذب في ه رة له ا حبس تها ال هي أطعمته ا وال هي أرس لتها تأك ل من‬
‫خشاش األرض ‪ ,‬ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار ‪.‬‬
‫[ للطاغين مآبا ] الطغيان مجاوزة الحد ‪ ,‬واألوب في األصل الرجوع ‪ [ ,‬الب‪%%‬ثين فيه‪%%‬ا أحقاب‪%%‬ا ]‬ ‫‪-‬‬
‫أي باقين فيها مدد طويلة ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬المهم أنه يجب علينا أن نعتقد شيئين ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫الشيء األول ‪ :‬وجود الجنة والنار اآلن وأدلة ذلك من الكتاب والسنة كثيرة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫الشيء الثاني ‪ :‬اعتقاد أنهما داران أبديتان من دخلهما وهو من أهلهما فإنه يكون فيهما أبدا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫[ ال يذوقون فيها بردا وال شرابا ] نفى هللا سبحانه وتعالى فيها البرد الذي تكون فيه برودة ظاهر الجسم‬
‫‪ ,‬والشراب الذي تكون في‪%%‬ه ب‪%%‬رودة داخ‪%%‬ل الجس‪%%‬م ‪ [ ,‬إال حميم‪%%‬ا وغس‪%%‬اقا ] ليس لهم إال ه‪%%‬ذا الحميم وه‪%%‬و‬
‫الماء الحار المنتهي في الحرارة [ وغساقا ] الغساق هو شراب منتن الرائحة شديد البرودة ‪ ,‬فيجم‪%%‬ع لهم‬
‫والعياذ باهلل بين الماء الحار الشديد الحرارة والماء البارد الشديد ال‪%%‬برودة لي‪%%‬ذوقوا الع‪%%‬ذاب من الن‪%%‬احيتين‬
‫[ جزاء وفاقا ] أي يجزون بذلك ج‪%‬زاء موافق‪%‬ا ألعم‪%‬الهم من غ‪%‬ير أن يظلم‪%‬وا ‪ [ ,‬إنهم ك‪%‬انوا ال يرج‪%‬ون‬
‫حسابا ‪ .‬وكذبوا بآياتنا كذابا ] فذكر انحرافهم في العقيدة وانحرافهم في القول أي اليؤملون أن يحاسبوا ‪,‬‬
‫أما ألسنتهم فيكذبون ‪ ,‬يقولون هذا كذب ‪ ,‬هذا سحر ‪ ,‬هذا جنون ‪ [ ,‬وكل ش‪%%‬يء أحص‪%%‬يناه كتاب‪%%‬ا ] يش‪%%‬مل‬
‫مايفعله هللا عز وجل وما يفعله العباد وكل صغير وكبير [ أحصيناه ] ضبطناه [ كتابا ] كتب‪%%‬ا ‪ [ ,‬ف‪%%‬ذوقوا‬
‫فلن نزيدكم إال عذابا ] ذوقوا العذاب إهانة وتوبيخا فلن نرفعه عنكم ‪.‬‬

‫ْأس ا ِد َهاقً ا (‪ )34‬اَل‬ ‫ِ‬


‫َأع َن ًاب ا (‪َ )32‬و َك َواع َب َأتَْر ًاب ا (‪َ )33‬و َك ً‬ ‫ين َمفَ ًازا (‪َ )31‬ح َداِئ َ‬
‫ق َو ْ‬ ‫ِإ َّن ِل ْل ُمتَّ ِق َ‬
‫س ًابا (‪36‬‬ ‫ط ِ‬ ‫ون ِفيها لَ ْغوا واَل ِك َّذابا (‪ )35‬ج َز ِ‬
‫اء ح َ‬ ‫اء م ْن َر ِّب َك َع َ ً‬
‫َ ً‬ ‫ً‬ ‫س َم ُع َ َ ً َ‬ ‫َي ْ‬
‫‪5‬‬
‫[ إن للمتقين مفازا ] المتقون هم الذين اتقوا عقاب هللا ‪ ,‬وذلك بفعل أوامر هللا واجتناب نواهيه ‪[ ,‬‬ ‫‪-‬‬
‫مفازا ] هو مكان الفوز وزمان الفوز ‪ [ ,‬حدائق وأعنابا ] ه‪%%‬ذا ن‪%%‬وع المف‪%%‬از ‪ [ ,‬ح‪%%‬دائق ] بس‪%%‬اتين‬
‫أشجارها عظيمة [ أعنابا ] جم‪%%‬ع عنب ‪ [ ,‬وك‪%%‬واعب أتراب‪%%‬ا ] الك‪%%‬واعب جم‪%%‬ع ك‪%%‬اعب وهي ال‪%%‬تي‬
‫تبين ثديها ولم يتدل [ أترابا ] على سن واحدة ال تختلف إحداهن عن األخرى ‪ [ ,‬وكأس‪%%‬ا دهاق‪%%‬ا ]‬
‫أي كأسا ممتلئة ‪ [ ,‬ال يسمعون فيه‪%%‬ا لغ‪%%‬وا وال ك‪%%‬ذابا ] ال يس‪%%‬معون في الجن‪%%‬ة أي كالم باط‪%%‬ل وال‬
‫يكذب بعضهم على بعض ‪ [ ,‬جزاء من ربك عطاء ] أي أنهم يجزون بهذا جزاء من هللا س‪%%‬بحانه‬
‫وتعالى على أعمالهم الحسنة ‪ [ ,‬حسابا ] أي كافيا ‪.‬‬

‫وح‬
‫وم ال ُّر ُ‬ ‫ط ًاب ا (‪َ )37‬ي ْو َم َيقُ ُ‬ ‫ون ِم ْن ُه ِخ َ‬
‫ض َو َم ا َب ْي َن ُه َم ا ال َّر ْح َم ِن اَل َي ْم ِل ُك َ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫َر ِّب َّ‬
‫ص َو ًابا (‪َ )38‬ذِل َك ا ْل َي ْو ُم ا ْل َح ُّ‬
‫ق فَ َم ْن‬ ‫ِ‬
‫ون ِإاَّل َم ْن َأذ َن َل ُه ال َّر ْح َم ُن َوقَ ا َل َ‬ ‫ص فًّا اَل َيتَ َكلَّ ُم َ‬ ‫ِئ‬
‫َوا ْل َماَل َك ُة َ‬
‫ِ‬
‫َّم ْت َي َداهُ َو َيقُ و ُل‬ ‫َآبا (‪ِ )39‬إَّنا َأْن َذ ْر َنا ُك ْم َع َذ ًابا قَ ِر ً‬
‫يبا َي ْو َم َي ْنظُُر ا ْل َم ْر ُء َم ا قَ د َ‬ ‫اء اتَّ َخ َذ ِإلَى َر ِّبه َم ً‬
‫ش َ‬ ‫َ‬
‫اف ُر َيا لَ ْيتَِني ُك ْن ُ‬
‫ت تَُر ًابا (‪)40‬‬ ‫ا ْل َك ِ‬

‫[ رب الس‪%%‬ماوات واألرض وم‪%%‬ا بينهم‪%%‬ا ال‪%%‬رحمن ] فاهلل س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬الى ه‪%%‬و رب ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء‬ ‫‪-‬‬
‫[ الرحمن ] وهو ذو الرحمة الواسعة الشاملة ‪ [ ,‬ال يملكون منه خطاب‪%%‬ا ] أي ال يس‪%%‬تطيع أح‪%%‬د أن‬
‫يتكلم إال بإذن هللا ‪ [ ,‬يوم يقوم الروح ] وهو جبريل ‪ [,‬والمالئكة صفا ] أي صفا بعد صف ‪,‬‬
‫[ ال يتكلمون ] أي ال يتكلمون مالئكة وال غيرهم [ إال من أذن ل‪%%‬ه ال‪%%‬رحمن ] ب‪%%‬الكالم فإن‪%%‬ه يتكلم‬
‫كم‪%%‬ا أذن ل‪%%‬ه [ وق‪%%‬ال ص‪%%‬وابا ] أي ق‪%%‬ال ق‪%%‬وال ص‪%%‬وابا موافق‪%%‬ا لمرض‪%%‬اة هللا س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬الى وذل‪%%‬ك‬
‫بالشفاعة إذا أذن هللا ألحد أن يشفع ‪ [ ,‬ذلك اليوم الح‪%%‬ق ] أي ذل‪%%‬ك ال‪%%‬ذي أخبرن‪%%‬اكم ب‪%%‬ه ه‪%%‬و الي‪%%‬وم‬
‫الحق ‪ [ ,‬فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ] أي من شاء عمل العم‪%%‬ل الص‪%%‬الح المواف‪%%‬ق لمرض‪%%‬اة هللا ‪,‬‬
‫[ إنا أنذرناكم عذابا قريبا ] خوفناكم من عذاب قريب وهو ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة ‪ [ ,‬ي‪%%‬وم ينظ‪%%‬ر الم‪%%‬رء م‪%%‬ا‬
‫قدمت يداه ] أي ينظر كل امرئ ما عم‪%%‬ل في ال‪%%‬دنيا ‪ [ ,‬ويق‪%%‬ول الك‪%%‬افر ي‪%%‬ا ليت‪%%‬ني كنت تراب‪%%‬ا ] أي‬
‫ليتني لم أخلق ‪ ,‬أو ليتني لم أبعث ‪ ,‬أو إذا رأى البهائم ال‪%%‬تي يقض‪%%‬ي هللا بينه‪%%‬ا ‪ ,‬ثم يق‪%%‬ول ‪ :‬ك‪%%‬وني‬
‫ترابا فتكون ترابا يتمنى أن يكون مثلهم ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫تفسير سورة النازعات‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ات س ْبقًا (‪ )4‬فَا ْلم َد ِّبر ِ‬ ‫الس ا ِبقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫الن ِ‬


‫ات َغ ْرقًا (‪َ )1‬و َّ‬ ‫ازع ِ‬ ‫َو َّ‬
‫ات‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫س ْب ًحا (‪ )3‬فَ َّ‬ ‫الس ا ِب َحات َ‬
‫طا (‪َ )2‬و َّ‬ ‫ش ً‬‫ات َن ْ‬ ‫اش َ‬ ‫الن ِ َ‬
‫اش َع ٌة (‪)9‬‬ ‫اجفَ ٌة (‪َْ )8‬أبص ار َها َخ ِ‬ ‫وب َي ْومِئ ٍذ َو ِ‬ ‫اجفَ ُة (‪ )6‬تَتْبعها َّ ِ‬ ‫الر ِ‬
‫َ ُ‬ ‫الرادفَ ُة (‪ُ )7‬قلُ ٌ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ف َّ‬‫َأم ًرا (‪َ )5‬ي ْو َم تَْر ُج ُ‬ ‫ْ‬
‫اس َرةٌ (‬‫ظام ا َن ِخ رةً (‪ )11‬قَ الُوا ِت ْل َك ِإ ًذا َك َّرةٌ َخ ِ‬ ‫ِئ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ود َ ِ‬‫ون َأِئ َّنا لَ َم ْر ُد ُ‬
‫َ‬ ‫ون في ا ْل َح اف َرة (‪َ )10‬أ َذا ُكنا ع َ ً‬ ‫َيقُولُ َ‬
‫اه َر ِة (‪)14‬‬‫الس ِ‬ ‫‪ )12‬فَِإ َّنما ِهي َز ْجرةٌ و ِ‬
‫اح َدةٌ (‪ )13‬فَِإ َذا ُه ْم ِب َّ‬ ‫َ َ َ َ‬

‫[ والنازع ات ] يع ني المالئك ة الموكل ة بقبض أرواح الكف ار [ غرق ا ] أي نزع ا بش دة ‪ [ ,‬والناش طات‬
‫نش طا ] يع ني المالئك ة الموكل ة بقبض أرواح المؤم نين ‪ ,‬تنشطها نشطا ‪ :‬أي تسلها برفق كاألنشوطة ‪,‬‬
‫واألنشوطة هي الربط الذي يسمونه عندنا ( التكة ) ‪ ,‬قال النبي صلى هللا عليه وس‪%%‬لم ‪ (( :‬من أحب لق‪%%‬اء‬
‫هللا أحب هللا لقاءه ‪ ,‬ومن كره لقاء هللا كره هللا لقاءه )) ‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬يارسول هللا ‪ :‬إنا لنك‪%%‬ره الم‪%%‬وت ‪,‬‬
‫فقال ‪ (( :‬ليس ذلك ولكن المؤمن إذا حضره الموت بش‪%%‬ر برض‪%%‬وان هللا وكرامت‪%%‬ه فليس ش‪%%‬يء أحب إلي‪%%‬ه‬
‫مما أمامه فأحب لقاء هللا وأحب هللا لقاءه )) ‪ [ .‬والسابحات سبحا ] هي المالئكة التي تسبح ب‪%%‬أمر هللا أي‬

‫‪7‬‬
‫تسرع كما يسرع السابح في الماء ‪ [ ,‬فالسابقات سبقا ] هي المالئكة التي تسبق إلى أمر هللا ع‪%%‬ز وج‪%%‬ل ‪,‬‬
‫[ فالمدبرات أمرا ] وصف المالئكة بأنها تدبر األمر يعني أمور هللا عز وجل لها مالئكة تدبرها ‪.‬‬
‫هذه األوصاف كلها أوصاف المالئكة على حسب أعم‪%‬الهم ‪ ,‬وأقس‪%‬م هللا س‪%‬بحانه وتع‪%‬الى بالمالئك‪%‬ة ألنهم‬
‫خير المخلوقات ‪ ,‬واليقسم هللا سبحانه وتعالى بشيء إال له شأن عظيم إما في ذاته ‪ ,‬إما لكون‪%%‬ه من آي‪%%‬ات‬
‫هللا عز وجل ‪ [ .‬يوم ترجف الراجفة ‪ .‬تتبعها الرادفة ] وهما النفخت‪%%‬ان في الص‪%%‬ور ‪ ,‬إذا رجفت الراجف‪%%‬ة‬
‫وتبعتها الرادفة انقسم الناس إلى قس‪%%‬مين ‪ [ :‬قل‪%%‬وب يومئ‪%%‬ذ واجف‪%%‬ة ] وه‪%%‬ذه قل‪%%‬وب الكف‪%%‬ار و [ واجفة ] أي‬
‫خائفة خوفا شديدا ‪ [ ,‬أبص‪%%‬ارها خاش‪%‬عة ] يع‪%‬ني ذليل‪%‬ة ‪ ,‬وقول‪%%‬ه [ قل‪%%‬وب يومئ‪%‬ذ ] بص‪%‬يغة النك‪%%‬رة فيك‪%‬ون‬
‫المعنى ‪ :‬وقلوب على عكس ذل‪%‬ك ‪ [ .‬فإنم‪%‬ا هي زج‪%‬رة واح‪%‬دة ‪ .‬ف‪%‬إذا هم بالس‪%‬اهرة ] زج‪%‬رة من هللا ع‪%‬ز‬
‫وجل يزجرون ويصاح بهم فيقومون من قبورهم قيام رجل واح‪%%‬د على ظه‪%%‬ر األرض بع‪%%‬د أن ك‪%%‬انوا في‬
‫بطنها ‪.‬‬

‫ط َغى (‬ ‫ْه ْب ِإلَى ِف ْر َع ْو َن ِإَّن ُه َ‬


‫َّس طُ ًوى (‪ )16‬اذ َ‬ ‫ُّه ِب ا ْل َو ِاد ا ْل ُمقَ د ِ‬
‫اداهُ َرب ُ‬ ‫وسى (‪ِ )15‬إ ْذ َن َ‬ ‫يث ُم َ‬ ‫اك َح ِد ُ‬
‫َه ْل أتَ َ‬
‫اَآْلي َة ا ْل ُك ْب َرى (‪ )20‬فَ َك َّذ َب‬
‫شى (‪َ )19‬ف ََأراهُ َ‬ ‫َأه ِد َي َك ِإلَى َر ِّب َك فَتَ ْخ َ‬
‫َأن تََز َّكى (‪َ )18‬و ْ‬ ‫‪َ )17‬ف ُق ْل َه ْل لَ َك ِإلَى ْ‬
‫َأخ َذهُ اللَّ ُه َن َك َ‬
‫ال‬ ‫اَأْلعلَى (‪ )24‬فَ َ‬ ‫ادى (‪ )23‬فَقَ ا َل َأَن ا َر ُّب ُك ُم ْ‬ ‫ش َر فَ َن َ‬‫س َعى (‪ )22‬فَ َح َ‬ ‫صى (‪ )21‬ثُ َّم َْأد َب َر َي ْ‬ ‫َو َع َ‬
‫شى (‪)26‬‬ ‫اَآْلخ َر ِة َواُأْلولَى (‪ِ )25‬إ َّن ِفي َذِل َك لَ ِع ْب َرةً ِل َم ْن َي ْخ َ‬‫ِ‬

‫[ هل أتاك حديث موسى ] الخطاب للنبي صلى اهلل عليه وسلم أو لكل من يصح توجيه الخطاب له‬
‫وفي ذلك تشويق للسامع ليستمع إلى ما جرى في هذه القصة ‪ [ ,‬إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ]‬
‫ن اداه اهلل ع ز وج ل ن داء س معه بص وت اهلل ع ز وج ل ‪ ,‬وال وادي ه و الط ور وط وى اس م لل وادي ‪[ ,‬‬
‫اذهب إلى فرعون إنه طغى ] فرعون كان ملك مصر وكان يقول لقومه أنا ربكم األعلى ‪ [ ,‬طغى ]‬
‫أي زاد عن حده ‪ [ ,‬فقل هل لك إلى أن تزكى ] وأصل الزكاة النمو والزيادة وتطلق بمعنى اإلسالم‬
‫[ وأه ديك إلى رب ك فتخش ى ] أي أدل ك إلى دين اهلل ع ز وج ل فتخ اف اهلل ع ز وج ل‬ ‫والتوحي د ‪,‬‬
‫على علم منك ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬الخشية هي الخوف المقرون بالعلم ‪ ,‬و أما الخوف فهو مجرد ذعر يحصل لإلنسان ولو بال‬ ‫‪-‬‬
‫علم ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫[ فأراه اآلية الكبرى ] أرى موسى موسى فرعون اآلية العظمى عصا من خشب من فروع الشجر كم‪%%‬ا‬
‫ه‪%%%‬و مع‪%%%‬روف ‪ ,‬فك‪%%%‬ان إذا وض‪%%%‬عها في األرض ص‪%%%‬ارت حي‪%%%‬ة تس‪%%%‬عى ثم يحمله‪%%%‬ا فتع‪%%%‬ود عص‪%%%‬ى ‪,‬‬
‫[‬ ‫[ فكذب وعصى ] كذب الخبر وعصى األمر ‪ [ ,‬ثم أدبر يسعى ] أي تولى مدبرا يسعى حثيثا ‪,‬‬
‫فحشر فنادى ] أي جمع الناس ونادى فيهم بصوت مرتفع ‪ [ ,‬فقال أنا ربكم األعلى ] يعني ال أح‪%%‬د ف‪%%‬وقي‬
‫وادعى لنفسه ما ليس له ‪ [ ,‬فأخذه هللا نكال اآلخرة واألولى ] أخ‪%%‬ذه هللا أخ‪%%‬ذ عزي‪%%‬ز مقت‪%%‬در ونك‪%%‬ل ب‪%%‬ه في‬
‫اآلخرة واألولى ‪ ,‬فكان عبرة في زمنه ‪ ,‬وعبرة فيما بعد زمنه إلى يوم القيامة ‪ [ ,‬إن في ذلك لعبرة لمن‬
‫يخشى ] في إرسال موسى لفرعون واستكباره عن االنقياد له عبرة لمن يخشى هللا عز وجل ‪ ,‬فهي عبر‬
‫يعتبر بها اإلنسان يصلح بها نفسه‬

‫َأخ َر َج‬
‫ش لَْيلَ َه ا َو ْ‬ ‫طَ‬ ‫اها (‪َ )28‬وَأ ْغ َ‬ ‫س َّو َ‬ ‫س ْم َك َها فَ َ‬
‫اه ا (‪َ )27‬رفَ َع َ‬
‫اء َب َن َ‬ ‫َأش ُّد َخ ْلقً ا َِأم َّ‬
‫الس َم ُ‬ ‫(‪َ )26‬أَأْنتُ ْم َ‬
‫ِ‬ ‫ض َب ْع َد َذِل َك َد َح َ‬
‫اها (‬ ‫اه ا (‪َ )31‬وا ْل ِج َب ا َل َْأر َ‬
‫س َ‬ ‫اء َه ا َو َم ْر َع َ‬
‫َأخ َر َج م ْن َه ا َم َ‬
‫اه ا (‪ْ )30‬‬ ‫اَأْلر َ‬
‫اها (‪َ )29‬و ْ‬ ‫ض َح َ‬
‫ُ‬
‫ام ُك ْم (‪)33‬‬ ‫‪ )32‬متَاعا لَ ُكم وَأِلْنع ِ‬
‫َ ً ْ َ َ‬

‫[ أأنتم أشد خلقا أم السماء ] هذا استفهام لتقرير إمك‪%%‬ان البعث والج‪%%‬واب معل‪%%‬وم لك‪%%‬ل أح‪%%‬د أن‪%%‬ه الس‪%%‬ماء ‪,‬‬
‫[ بناها ] أي بناها هللا عز وجل فالجملة استئنافية لبيان عظمة السماء ‪ [ ,‬رفع سمكها فس‪%%‬واها] رفع‪%%‬ه هللا‬
‫عز وجل بغير عمد فجعلها مستوية تامة كاملة ‪ [ ,‬وأغطش ليلها ] أي أظلمه ‪ [ ,‬وأخرج ضحاها ] بين‪%%‬ه‬
‫بالشمس ‪ [ ,‬واألرض بعد ذلك دحاها ] بين ذلك [أخرج منه‪%%‬ا ماءه‪%%‬ا ومرعاها] ف‪%%‬األرض مخلوق‪%%‬ة قب‪%%‬ل‬
‫السماوات ولكن دحوها وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد خلق السماوات ‪ [ ,‬والجب‪%%‬ال أرس‪%%‬اها ] أي‬
‫جعلها راسية في األرض فال تنس‪%%‬فها الري‪%%‬اح مهم‪%%‬ا ق‪%%‬ويت ‪ [ ,‬متاع‪%%‬ا لكم وألنع‪%%‬امكم ] أي جع‪%%‬ل هللا ذل‪%%‬ك‬
‫متاعا لنا وألنعامنا ‪.‬‬
‫لما ذكر هللا عز وجل عباده بهذه النعم ذكرهم بمآلهم الحتمي فقال ‪:‬‬

‫يم ِل َم ْن َي َرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫س َعى (‪َ )35‬و ُب ِّر َزت ا ْل َجح ُ‬
‫ان َم ا َ‬ ‫س ُ‬ ‫اء ِت الطَّ َّ‬
‫ام ُة ا ْل ُك ْب َرى (‪َ )34‬ي ْو َم َيتَ َذ َّك ُر اِإْل ْن َ‬ ‫(‪ )33‬فَِإ َذا َج َ‬
‫اف‬
‫َأما َم ْن َخ َ‬ ‫يم ِه َي ا ْل َم َْأوى (‪َ )39‬و َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫ط َغى (‪َ )37‬وَآ ثَ َر ا ْل َح َي اةَ ال ُّد ْن َيا (‪ )38‬فَ َّن ا ْل َجح َ‬ ‫َأما َم ْن َ‬
‫(‪ )36‬فَ َّ‬
‫س َع ِن ا ْل َه َوى (‪ )40‬فَِإ َّن ا ْل َج َّن َة ِه َي ا ْل َم َْأوى‬ ‫مقَام َر ِّب ِه َو َن َهى َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫َ َ‬

‫[ فإذا جاءت الطامة الكبرى ] وذلك قيام الس‪%‬اعة ‪ ,‬وس‪%‬ماها طام‪%%‬ة ألنه‪%‬ا داهي‪%‬ة عظيم‪%%‬ة تطم ك‪%%‬ل ش‪%%‬يء‬
‫سبقها ‪ [ ,‬يوم يتذكر اإلنسان ما سعى ] أي ما عمله في الدنيا يت‪%%‬ذكره مكتوب‪%%‬ا بكت‪%%‬اب يق‪%%‬رأه ه‪%%‬و بنفس‪%%‬ه ‪,‬‬
‫‪9‬‬
‫[ وبرزت الجحيم لمن يرى ] أظهرت تجيء تقاد بسبعين أل‪%%‬ف زم‪%%‬ام ك‪%%‬ل زم‪%%‬ام في‪%%‬ه س‪%%‬بعون أل‪%%‬ف مل‪%%‬ك‬
‫يجرونها ‪ [ ,‬فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا ]‬
‫فائدة ‪ :‬هذان وصفان من أوصاف أهل النار ‪ ,‬الطغيان وهو مجاوزة الحد ‪ ,‬وح د اإلنس ان م ذكور‬ ‫‪-‬‬
‫في قول ه تع الى [ وم ا خلقت الجن واإلنس إال ليعب دون ] ‪ ,‬إيث ار ال دنيا على اآلخ رة ‪ ,‬وهم ا‬
‫متالزمان فكل من طغى فقد آثر الحياة الدنيا والعكس صحيح ‪.‬‬
‫[ فإن الجحيم هي المأوى ] أي المرجع والمق‪%%‬ر ‪ [ ,‬وأم‪%%‬ا من خ‪%%‬اف مق‪%%‬ام رب‪%%‬ه ] يع‪%%‬ني خ‪%%‬اف القي‪%%‬ام بين‬
‫يديه ‪ [ ,‬ونهى النفس عن الهوى ] أي هواه‪%%‬ا المخ‪%%‬الف ألم‪%%‬ر هللا ورس‪%%‬وله ‪ [ ,‬ف‪%%‬إن الجن‪%%‬ة هي الم‪%%‬أوى ]‬
‫الجنة هي دار النعيم التي أعدها هللا عز وجل ألوليائ‪%%‬ه فيه‪%%‬ا م‪%%‬ا ال عين رأت وال أذن س‪%%‬معت وال خط‪%%‬ر‬
‫على قلب بشر ‪.‬‬

‫اه ا (‪ِ )43‬إلَى َر ِّب َك ُم ْنتَ َه َ‬


‫اه ا (‪)44‬‬ ‫يم َأْن َت ِم ْن ِذ ْك َر َ‬ ‫ِ‬
‫اها (‪ )42‬ف َ‬ ‫س َ‬ ‫َّان ُم ْر َ‬ ‫اع ِة َأي َ‬ ‫س َألُو َن َك َع ِن َّ‬
‫الس َ‬ ‫(‪َ )41‬ي ْ‬
‫اها (‪)46‬‬ ‫اها (‪َ )45‬ك ََّأن ُه ْم َي ْو َم َي َر ْو َن َها لَ ْم َي ْل َبثُوا ِإاَّل َع ِش َّي ًة َْأو ُ‬
‫ض َح َ‬ ‫ش َ‬ ‫ِإ َّن َما َأْن َت ُم ْن ِذ ُر َم ْن َي ْخ َ‬

‫[ يس ألونك عن الس اعة أي ان مرس اها ] يس ألك الن اس م تى وق وع الس اعة ‪ [ ,‬فيم أنت من ذكراه ا ] ال‬
‫يمكن أن تذكر لهم متى الساعة ‪ ,‬ألن علما عند اهلل ‪ [ ,‬إنما أنت منذر من يخشاها ] ولكنك منذر من‬
‫يخافه ا وهم المؤمن ون ‪ [ ,‬ك أنهم ي وم يرونه ا ] ي رون القيام ة ‪ [ ,‬لم يلبث وا إال عش ية أو ض حاها ]‬
‫العشية الزوال إلى غروب الشمس ‪ ,‬والضحى من طلوع الشمس إلى زوالها ‪ ,‬يعني كأنهم لم يلبث وا إال‬
‫نصف يوم ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫تفسير سورة عبس‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫اَأْلع َمى (‪َ )2‬و َم ا ُي ْد ِري َك َل َعلَّ ُه َي َّز َّكى (‪َْ )3‬أو َي َّذ َّك ُر فَتَْنفَ َع ُه ال ِّذ ْك َرى (‪)4‬‬
‫اءهُ ْ‬ ‫َأن َج َ‬ ‫س َوتَ َولَّى (‪ْ )1‬‬ ‫{ َع َب َ‬
‫س َعى (‪َ )8‬و ُه َو‬ ‫اء َك َي ْ‬ ‫َأما َم ْن َج َ‬ ‫ص دَّى (‪َ )6‬و َم ا َعلَ ْي َك َأاَّل َي َّز َّكى (‪َ )7‬و َّ‬ ‫َأما َم ِن ْ‬
‫استَ ْغ َنى (‪ )5‬فََأْن َت لَ ُه تَ َ‬ ‫َّ‬
‫ف ُم َكَّر َم ٍة (‬
‫ش اء َذ َك رهُ (‪ِ )12‬في ص ح ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫اَّل ِإ‬
‫تَلَ َّهى (‪َ )10‬ك َّن َه ا تَ ذْك َرةٌ (‪َ )11‬ف َم ْن َ َ َ‬ ‫شى (‪َ )9‬فَأْن َت َع ْن ُه‬ ‫َي ْخ َ‬
‫سفََر ٍة (‪ِ )15‬ك َر ٍام َب َر َر ٍة (‪} )16‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ِ )14‬ب َْأيدي َ‬ ‫وع ٍة ُم َ‬
‫ط َّه َر ٍة‬ ‫‪َ )13‬م ْرفُ َ‬

‫[ عبس وت ولى ] الض مير يع ود إلى رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ [ ,‬عبس ] أي اس تنكر الش يء‬
‫بوجه ه ‪ [ .‬ت ولى ] أع رض ‪ [ ,‬أن ج اءه األعمى ] األعمى ه و عبداهلل بن أم مكت وم رض ي اهلل عن ه ‪,‬‬
‫فجاء هذا األعمى يسأل النبي ‪ ,‬فكان النبي عليه الصالة والسالم يعرض عنه وعبس في وجهه رجاء‬
‫وطمعا في إسالم عظماء قريش ‪ [ ,‬وما يدريك لعله يزكى ] لعل ابن أم مكتوم يتطهر من ال ذنوب ‪[ ,‬‬
‫أو يذكر فتنفعه الذكرى ] أو يتعظ فتنفعه الموعظة ‪ ,‬فإنه رضي اهلل أرجى من هؤالء أن يتعظ ويت ذكر‬
‫‪ [ ,‬أم ا من اس تغنى ] اس تغنى بمال ه وجاه ه ‪ ,‬وهم العظم اء ال ذين عن د الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم ‪[ ,‬‬
‫ف أنت ل ه تص دى ] تطلب إقبال ه علي ك وتقب ل علي ه ‪ [ ,‬وم ا علي ك أال ي زكى ] ليس علي ك ش يء إذا لم‬
‫ي تزكى ه ذا المس تغني ‪ [ ,‬وأم ا من ج اءك يس عى ] يس تعجل من أج ل حض ور مجلس الن بي ‪ [ ,‬وه و‬

‫‪11‬‬
‫يخشى ] يخاف اهلل عز وجل بقلبه لعلمه بعظمته ‪ [ ,‬فأنت عنه تلهى ] تتغافل عنه النشغاله برؤساء‬
‫القوم ‪ [ ,‬كال ] ال تفعل مثل هذا ‪ [ ,‬إنها تذكرة ] اآليات القرآنية تذكر اإلنسان بما ينفعه وتحثه عليه ‪,‬‬
‫وتذكر له ما يضره وتحذره منه ويتعظ بها القلب ‪ [ .‬فمن شاء ذكره ] من شاء اتعظ من الموعظة ‪[ ,‬‬
‫في ص حف مكرم ة ‪ .‬مرفوع ة مطه رة ] معظم ة عن د اهلل ‪ [ ,‬بأي دي س فرة ] المالئك ة ‪ ,‬وس موا س فرة‬
‫ألنهم كتب ة وقيل ‪ :‬السفرة الوسطاء بين اهلل وبين عب اده ‪ [ ,‬ك رام ب ررة ] أي كرام في أخالقهم كثيرو‬
‫الفضل واإلحسان ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هذه اآليات تأديب من هللا عز وجل للخلق أال يكون همهم هما شخصيا بل يك ون همهم هم ا‬ ‫‪-‬‬
‫معنويا و أال يفضلوا شريفا لشرفه ‪ ,‬وال عظيما لعظمته ‪ ,‬وال قريبا لقربه ‪ ,‬بل يكون الناس عن دهم‬
‫سواء في الدعوة إلى هللا ‪ ,‬الفقير والغني ‪ ,‬والكبير والصغير ‪ ,‬القريب والبعيد‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬وفي اآليات دليل على جواز لقب اإلنسان بوصفه مث ل األعمى واألع رج واألعمش ‪ ,‬ق ال‬ ‫‪-‬‬
‫أهل العلم ‪ :‬اللقب بالعيب إذا كان المقصود به تعيين الشخص فال بأس به ‪ ,‬وأما إذا كان المقص ود‬
‫به تعيير الشخص فإنه حرام ‪.‬‬

‫ش ْي ٍء َخلَقَ ُه (‪ِ )18‬م ْن ُن ْطفَ ٍة َخلَقَ ُه فَقَ د ََّرهُ (‪ )19‬ثُ َّم‬ ‫ان َم ا َأ ْكفَ َرهُ (‪ِ )17‬م ْن ِّ‬
‫َأي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ِ‬
‫قُت َل اِإْل ْن َ‬
‫َأم َرهُ (‬ ‫ش َرهُ (‪َ )22‬كاَّل لَ َّما َي ْق ِ‬
‫ض َم ا َ‬ ‫اء َأْن َ‬
‫ش َ‬‫َأماتَ ُه فَ َأق َْب َرهُ (‪ )21‬ثُ َّم ِإ َذا َ‬
‫س َرهُ (‪ )20‬ثُ َّم َ‬
‫يل َي َّ‬ ‫الس ِب َ‬
‫َّ‬
‫ش قًّا (‬ ‫ان ِإلَى َ ِ ِ‬
‫ض َ‬
‫اَأْلر َ‬
‫ش قَ ْق َنا ْ‬‫ص بًّا (‪ )25‬ثُ َّم َ‬
‫اء َ‬ ‫ط َعام ه (‪ََّ )24‬أنا َ‬
‫ص َب ْب َنا ا ْل َم َ‬ ‫س ُ‬ ‫‪َ )23‬ف ْل َي ْنظُ ِر اِإْل ْن َ‬
‫ض ًبا (‪َ )28‬و َز ْيتُو ًن ا َو َن ْخاًل (‪َ )29‬و َح َداِئ َ‬
‫ق ُغ ْل ًب ا (‪)30‬‬ ‫يه ا َحبًّا (‪َ )27‬و ِع َن ًب ا َوقَ ْ‬ ‫ِ‬
‫‪ )26‬فََأْن َبتْ َن ا ف َ‬
‫ام ُك ْم (‪)32‬‬‫اكه ًة وَأبًّا (‪ )31‬متَاعا َل ُكم وَأِلْنع ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ً ْ َ َ‬ ‫َوفَ َ َ‬

‫[ قتل اإلنسان ] أي أهلك ‪ ,‬والمراد باإلنسان الكافر خاصة ‪ [ ,‬ما أكفره ] ما استفهامية أي ‪ :‬ما‬
‫الذي أكفره أو تعجبية يعني عجبا له كيف كفر ‪ [ ,‬من أي شيء خلقه ] استفهام تقرير لما يأتي‬
‫بع ده ‪ [ ,‬من نطف ة خلق ه ] الم راد ب ه هن ا م اء الرج ل ال دافق ال ذي يخ رج من بين الص لب‬
‫والترائب يلقيه في رحم المرأة فتحمل ‪ [ ,‬فقدره ] أي جعله مقدرا أطوارا ‪ :‬نطفة ‪ ,‬ثم علقة ‪,‬‬
‫[ ثم السبيل يسره ] أي يسر له طريق الهدى والفالح وذلك بما أرسل إليه من‬ ‫ثم مضغة ‪,‬‬
‫الرساالت وأنزل إليه من الكتب ‪ [ ,‬ثم أماته] الموت مفارقة الروح للبدن ‪ [ ,‬فأقبره ] قال ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما ‪ :‬أكرمه بدفنه ‪ [ ,‬ثم إذا شاء أنشره ] بعثه اهلل عز وجل يوم النشور‬
‫‪12‬‬
‫ليجازيه على عمله ‪ [ ,‬كال لما يقض ما أمره ] لما بمعنى لم ‪ ,‬والمعنى بأن له موعد منتظر ‪,‬‬
‫[ فلينظر اإلنسان إلى طعامه] من أين جاء ومن جاء به ؟ وهل أحد خلقه سوى اهلل عز وجل ‪,‬‬
‫[ أنا صببنا الماء صبا ] من السحاب ‪ [ ,‬ثم شققنا األرض شقا ] بعد المطر تنشق بالنبات ‪[ ,‬‬
‫فأنبيتنا فيها حبا ] كالبر والرز والذرة والشعير ‪ [ ,‬وعنبا وقضبا ] القضب هو القت المعروف‬
‫[ وزيتون ا ونخال ‪ .‬وح دائق غلب ا ] الغلب كث ير األش جار ‪[ ,‬‬ ‫ال ذي تأكل ه ال دواب ‪,‬‬
‫وفاكهة أبا ] األب نبات معروف عند العرب ترعاه اإلبل ‪ [ ,‬متاعا لكم وألنعامكم ] فعلنا ذلك‬
‫متعة لكم ‪.‬‬
‫ولما ذكر اهلل عز وجل اإلنسان بحاله ‪ ,‬ذكر حال اآلخرة في قوله ‪:‬‬

‫اح َب ِت ِه َو َب ِني ِه (‪)36‬‬


‫ُأم ِه وَأِبي ِه (‪ )35‬وص ِ‬
‫َ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخ ُة (‪َ )33‬ي ْو َم َيف ُّر ا ْل َم ْر ُء م ْن َأخي ه (‪َ )34‬و ِّ َ‬ ‫اء ِت َّ‬
‫الص َّ‬ ‫فَِإ َذا َج َ‬
‫ستَْب ِش َرةٌ (‪َ )39‬و ُو ُجوهٌ‬ ‫يه (‪ )37‬وجوهٌ يومِئ ٍذ مس ِفرةٌ (‪ِ َ )38‬‬
‫ضاح َك ٌة ُم ْ‬ ‫ُ ُ َْ َ ُ ْ َ‬
‫ْأن ي ْغ ِن ِ‬
‫ش ٌ ُ‬ ‫ام ِرٍئ ِم ْن ُه ْم َي ْو َمِئ ٍذ َ‬ ‫ِ‬
‫ل ُك ِّل ْ‬
‫َي ْو َمِئ ٍذ َعلَ ْي َها َغ َب َرةٌ (‪ )40‬تَْر َهقُ َها قَتََرةٌ (‪ُ )41‬أولَِئ َك ُه ُم ا ْل َكفََرةُ ا ْلفَ َج َرةُ (‪)42‬‬

‫[ الص اخة ] هي الص يحة العظيم ة ال تي تص خ اآلذان وهي النفخ في الص ور ‪ [ ,‬ي وم يف ر الم رء من‬
‫أخيه‪ .‬وأمه وأبيه ] األم واألب المباشر واألجداد أيضا والجدات ‪ [ ,‬وصاحبته وبنيه ] زوجته وأقرب‬
‫الناس إليه ‪ ,‬قال أهل العلم ‪ :‬يفر منهم لئال يطالبوه بما فرط في حقهم من أدب وغيره ‪ [ .‬لكل امرئ‬
‫منهم يومئذ شأنه يغنيه ] كل إنسان منشغل بنفسه ال ينظر إلى غيره ‪ ,‬ثم قسم اهلل الناس في ذلك اليوم‬
‫[ وجوه يومئذ مسفرة ] من اإلسفار والوضوح ألن وجوه المؤمنين تسفر عما في قلوبهم‬ ‫قسمين ‪:‬‬
‫من الس رور واالنش راح ‪ [ ,‬ض احكة ] مبتس مة ‪ [ ,‬مستبش رة ] بش رت ب الخير ‪ [ ,‬ووج وه يومئ ذ عليه ا‬
‫غبرة ] ألنها ذميمة قبيحة ‪ [ ,‬ترهقها قترة ] أي ظلمة ‪ [ ,‬أولئك هم الكفرة الفجرة ] الذين جمعوا بين‬
‫الكفر والفجور ‪ ,‬نسأل اهلل العافية ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫تفسير سورة التكوير‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ش ُار ُعطِّلَ ْت (‪)4‬‬ ‫س ِّي َر ْت (‪َ )3‬وِإ َذا ا ْل ِع َ‬‫وم ا ْن َك َد َر ْت (‪َ )2‬وِإ َذا ا ْل ِج َب ا ُل ُ‬ ‫ُّ‬
‫س ُك ِّو َر ْت (‪َ )1‬وِإ َذا الن ُج ُ‬ ‫الش ْم ُ‬‫ِإ َذا َّ‬
‫سِئ لَ ْت (‬
‫ودةُ ُ‬
‫وس ُز ِّو َج ْت (‪َ )7‬وِإ َذا ا ْل َم ْو ُء َ‬
‫النفُ ُ‬ ‫س ِّج َر ْت (‪َ )6‬وِإ َذا ُّ‬ ‫وِإ َذا ا ْلوح ُ ِ‬
‫وش ُحش َر ْت (‪َ )5‬وِإ َذا ا ْل ِب َح ُار ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫س ِّع َر ْت (‬ ‫ِ‬ ‫اء ُك ِش َ‬ ‫ف ُن ِش َر ْت (‪َ )10‬وِإ َذا َّ‬ ‫َأي َذ ْن ٍب قُِتلَ ْت (‪َ )9‬وِإ َذا ُّ‬ ‫‪ِ )8‬ب ِّ‬
‫يم ُ‬
‫ط ْت (‪َ )11‬وِإ َذا ا ْل َجح ُ‬ ‫الس َم ُ‬ ‫الص ُح ُ‬
‫ِ‬
‫ض َر ْت(‪)14‬‬ ‫َأح َ‬
‫س َما ْ‬ ‫‪َ )12‬وِإ َذا ا ْل َج َّن ُة ُْأز ِلفَ ْت (‪َ )13‬عل َم ْت َن ْف ٌ‬

‫[ إذا الشمس كورت ] هذا يكون يوم القيامة ‪ ,‬والتكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض ولفه كما تكور‬
‫العمامة على الرأس ‪ [ ,‬وإ ذا النجوم انكدرت ] يعني تساقطت ‪ [ ,‬وإ ذا الجبال سيرت ] تكون هباء يوم‬
‫القيامة وتسير ‪,‬‬

‫[ وإ ذا العشار عطلت ] العشار جمع عشراء وهي الناقة الحامل التي لها عشرة أشهر وهي من أنفس‬
‫األموال عند العرب ولكنها في اآلخرة تعطل وال يلتفت إليها ‪ [ ,‬وإ ذا الوحوش حشرت ] والمراد بها‬
‫جمي ع ال دواب ‪ [ ,‬وإ ذا البح ار س جرت ] أي توق د ن ارا ‪ [ ,‬وإ ذا النف وس زوجت ] أي يض م ك ل ص نف‬
‫إلى ص نفه ‪ [ ,‬وإ ذا الم وؤدة س ئلت ب أي ذنب قتلت ] الم وؤدة هي األن ثى ال تي ت دفن حي ة في الجاهلي ة‬
‫لجهلهم وس وء ظنهم باهلل ‪ ,‬ف الموؤدة تس أل توبيخ ا ب أي ذنب قتلت توبيخ ا لظالمه ا وقاتله ا ودافنه ا ‪[ ,‬‬
‫وإ ذا الصحف نشرت ] وهي مايكتب فيها األعمال ‪ [ ,‬وإ ذا السماء كشطت ] أي تزال من مكانها كما‬
‫يكشط الجلد عند سلخ البعير عن اللحم ‪ [ ,‬وإ ذا الجحيم سعرت ] أي النار توقد ‪ [ ,‬وإ ذا الجنة أزلفت ]‬
‫أي إذا قربت وزينت للمؤمنين ‪ [ ,‬علمت نفس ما أحضرت ] أي ما قدمت من خير وشر ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫َّ‬ ‫فَاَل ُأق ِ‬
‫س (‪ِ )18‬إَّن ُه‬ ‫الص ْب ِح ِإ َذا تََنف َ‬
‫س (‪َ )17‬و ُّ‬ ‫س (‪َ )16‬واللَّْي ِل ِإ َذا َع ْ‬
‫س َع َ‬ ‫س (‪ )15‬ا ْل َج َو ِار ا ْل ُك َّن ِ‬ ‫ْس ُم ِبا ْل ُخ َّن ِ‬
‫ين (‪ )21‬وم ا ص ِ‬
‫اح ُب ُك ْم‬ ‫اع ثَ َّم ِ‬
‫َأم ٍ‬ ‫ط ٍ‬ ‫ين (‪ُ )20‬م َ‬ ‫ش َم ِك ٍ‬‫ول َك ِر ٍيم (‪ِ )19‬ذي قُ َّو ٍة ِع ْن َد ِذي ا ْل َع ْر ِ‬ ‫س ٍ‬
‫ََ َ‬ ‫لَقَ ْو ُل َر ُ‬
‫ين (‪َ )24‬و َم ا ُه َو ِبقَ ْو ِل‬ ‫ض ِن ٍ‬ ‫ين (‪َ )23‬و َم ا ُه َو َعلَى ا ْل َغ ْي ِب ِب َ‬ ‫ق ا ْل ُم ِب ِ‬‫ون (‪َ )22‬ولَقَ ْد َرَآهُ ِب اُأْلفُ ِ‬ ‫ِب َم ْج ُن ٍ‬
‫يم (‬ ‫َأن ي ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون (‪ِ )26‬إ ْن ُه َو ِإاَّل ِذ ْك ٌر ِل ْل َع الَ ِم َ‬ ‫ان َر ِج ٍيم (‪ )25‬فَ َْأي َن تَذ َ‬
‫ط ٍ‬
‫س تَق َ‬
‫اء م ْن ُك ْم ْ َ ْ‬
‫ين (‪ )27‬ل َم ْن َ َ‬ ‫ْه ُب َ‬ ‫ش ْي َ‬
‫َ‬
‫ين (‪)29‬‬ ‫ب ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫اء اللَّ ُه َر ُّ‬
‫ش َ‬ ‫ون ِإاَّل ْ‬
‫َأن َي َ‬ ‫اء َ‬
‫ش ُ‬‫‪َ )28‬و َما تَ َ‬

‫[ فال أقسم بالخنس ] وال هنا لتأكيد القسم وليست نافية ومعناها أقسم بالنجوم التي ترجع ‪ [ ,‬الجوار‬
‫الكنس ] أي الجواري التي تكنس أي تدخل في مغيبها ‪ [ ,‬والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ] فأقسم‬
‫اهلل باللي ل ح ال إقبال ه وبالنه ار ح ال إقبال ه ‪ .‬إنم ا أقس م اهلل تع الى به ذه المخلوق ات لعظمه ا وكونه ا من‬
‫آياته الكبرى ‪ [ ,‬إنه ] أي القرآن [ لقول رسول كريم ] هو جبريل عليه الصالة والسالم ‪ [ ,‬ذي قوة ]‬
‫وص فه اهلل تع الى ب القوة العظيم ة [ عن د ذي الع رش ] أي عن د ص احب الع رش وه و اهلل ج ل جالل ه[‬
‫مكين ] جبري ل عن د اهلل ع ز وج ل ذو مكان ة وش رف ‪ [ ,‬مط اع ثم أمين ] جبري ل مط اع من المالئك ة‬
‫والرسل ألنه ينزل باألمر من اهلل وهو أمين على ما كلف به ‪,‬‬

‫[ وما صاحبكم بمجنون ] يعني محمد صلى اهلل عليه وسلم ليس مجنونا بل أعقل العقالء ‪ [ ,‬ولقد رآه‬
‫باألفق المبين ] أي رأى محمد جبريل في جانب السماء البين العالي ‪ ,‬وهذه الرؤية في غار حراء ‪,‬‬
‫[ وما هو على الغيب بضنين ] أي ما محمد على الوحي الذي جاء به من عند اهلل ببخيل ‪ [ ,‬وما هو‬
‫بقول شيطان رجيم ] ليس القرآن بقول أحد من الشياطين ‪ [ ,‬فأين تذهبون ‪ .‬إن هو إال ذكر للعالمين ]‬
‫أي هذا القرآن ذكر بمعنى التذكير والتذكر للعالمين وهم من بعث إليهم رسول اهلل ‪ [ ,‬لمن شاء منكم‬
‫أن يس تقيم ] واالس تقامة هي االعت دال ‪ ,‬فاإلنس ان ال ذي ال يري د االس تقامة ال يمكن أن ينتف ع به ذا‬
‫[ وم ا تش اؤون إال أن يش اء اهلل ] م ا نش اء ش يئا إال بع د أن يك ون اهلل ق د ش اءه ‪ [ ,‬رب‬ ‫الق رآن ‪,‬‬
‫العالمين ] فالمراد بالعالمين كل من سوى اهلل ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هذه مسألة يجب على اإلنسان أن ينتبه لها ‪ ,‬أن يعلم أن فعله بمشيئته مشيئة تامة بال إكراه ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫لكن هذه المشيئة مقترنه بمشيئة هللا ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫تفسير سورة االنفطار‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫بسِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ْ‬

‫ور ُب ْع ِث َر ْت (‪)4‬‬
‫ب ا ْنتَثَ َر ْت (‪َ )2‬وِإ َذا ا ْل ِب َح ُار فُ ِّج َر ْت (‪َ )3‬وِإ َذا ا ْلقُ ُب ُ‬
‫ِ‬
‫ط َر ْت (‪َ )1‬وِإ َذا ا ْل َك َواك ُ‬ ‫اء ا ْنفَ َ‬ ‫ِإ َذا َّ‬
‫الس َم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك‬ ‫ان َم ا َغ َّر َك ِب َر ِّب َك ا ْل َك ِريم (‪ )6‬الَّذي َخلَقَ َك فَ َ‬
‫س َّو َ‬ ‫ُّه ا اِإْل ْن َ‬
‫س ُ‬ ‫َأخ َر ْت (‪َ )5‬ي ا َأي َ‬ ‫َّم ْت َو َّ‬
‫س َم ا قَ د َ‬ ‫َعل َم ْت َن ْف ٌ‬
‫ين (‪)10‬‬ ‫اف ِظ َ‬‫ِّين (‪ )9‬وِإ َّن علَ ْي ُكم لَح ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ون ِبال د ِ‬ ‫اء َر َّك َب َك (‪َ )8‬كاَّل َب ْل تُ َك ِّذ ُب َ‬
‫ش َ‬ ‫ور ٍة َما َ‬ ‫ص َ‬‫َأي ُ‬‫فَ َع َدلَ َك (‪ِ )7‬في ِّ‬
‫ون (‪)12‬‬
‫ون َما تَ ْف َعلُ َ‬ ‫اما َك ِات ِب َ‬
‫ين (‪َ )11‬ي ْعلَ ُم َ‬ ‫ِ‬
‫ك َر ً‬

‫[ إذا السماء انفطرت ] يعني انشقت ‪ [ ,‬وإ ذا الكواكب انتثرت ] يعني النجوم تنتثر وتتساقط ألن العالم‬
‫انتهى ‪ [ ,‬وإ ذا البح ار فج رت ] أي فج ر بعض ها على بعض وملئت األرض ‪ [ ,‬وإ ذا القب ور بع ثرت ]‬
‫أي أخرج ما فيها من األموات حتى قاموا هلل عز وجل ‪ [ ,‬علمت نفس ما قدمت وأخرت ] علميت ك ل‬
‫نفس ما قدمت وأخرت ‪ [ ,‬يا أيها اإلنسان ما غرك بربك الكريم ] الخطاب لكل إنسان يعني أي شيء‬
‫غ رك باهلل حيث تكذب ه في البعث وتعص يه في األم ر والنهي ‪ [ ,‬ال ذي خلق ك ] من الع دم ‪ [ ,‬فس واك ]‬
‫جعلك مستوي الخلقة [ فعدلك ] جعلك معتدل القامة ‪ [ ,‬في أي صورة ما شاء ركبك ] اهلل ركبك في‬
‫أي صورة شاء فمن الناس الجميل والقبيح واألبيض واألسود ‪ [ ,‬كال بل تكذبون بالدين ] بالجزاء أو‬
‫بالدين نفسه ‪ [ ,‬وإ ن عليكم لحافظين ‪ .‬كراما كاتبين ] فعلى كل إنسان حفظة كرام يكتبون كل ما قال‬
‫[ يعلمون ما تفعلون ] بالمشاهدة إن كان فعال وبالسماع إن كان قوال ‪ ,‬بل إن عمل‬ ‫وكل ما فعل ‪,‬‬
‫القلب يطلعهم اهلل علي ه فيكتبون ه كم ا ق ال الن بي ص لى اهلل علي ه وس لم ‪ (( :‬من هم بالحس نة فلم يعمله ا‬
‫كتبت حسنة ‪ ,‬ومن هم بالسيئة فلم يعملها كتبت حسنة كاملة )) ألنه تركها هلل عز وجل ‪ ,‬واألول يث اب‬
‫على مجرد الهم بالحسنة ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ِّين (‪َ )15‬و َم ا ُه ْم َع ْن َه ا‬ ‫ص لَ ْو َن َها َي ْو َم ال د ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫اَأْلب رار لَ ِفي َن ِع ٍيم (‪ )13‬وِإ َّن ا ْلفُج ِ‬ ‫ِإ‬
‫َّار لَفي َجحيم (‪َ )14‬ي ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫{ َّن ْ َ َ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِّين (‪ )17‬ثُ َّم َم ا َْأد َرا َك َم ا َي ْو ُم ال د ِ‬
‫ين (‪َ )16‬و َم ا َْأد َرا َك َم ا َي ْو ُم ال د ِ‬ ‫ِب َغ اِئ ِب َ‬
‫ِّين (‪َ )18‬ي ْو َم اَل تَ ْمل ُك َن ْف ٌ‬
‫اَأْلم ُر َي ْو َمِئ ٍذ ِللَّ ِه (‪} )19‬‬
‫ش ْيًئا َو ْ‬
‫س َ‬‫ِل َن ْف ٍ‬

‫[ إن األبرار ] األبرار كثيرو فعل الخير والفضل [ لفي نعيم ] وهذا النعيم الحاصل يكون في اآلخرة‬
‫وه و الجن ة ‪ ,‬وفي ال دنيا وه و نعيم القلب وطمأنينت ه ورض اه بقض اء اهلل وق دره ‪ [ ,‬وإ ن الفج ار لفي‬
‫جحيم ] أي الكفار في نار حامية [ يصلونها يوم الدين ] أي يحترقون بها يوم الجزاء ‪ [ ,‬وما هم عنها‬
‫بغ ائبين ] أي لن يغيب وا عنه ا فيخرج وا ‪ [ ,‬وم ا أدراك م ا ي وم ال دين ثم م ا أدراك م ا ي وم ال دين ] ه ذا‬
‫االس تفهام للتفخيم والتعظيم ‪ [ ,‬يوم ال تملك نفس لنفس شيئا واألمر يومئذ هلل ] في يوم القيامة ال أحد‬
‫يملك ألحد شيئا ال بجلب خير وال بدفع شر إال بإذن اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫تفسير سورة المطففين‬


‫‪17‬‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫وه ْم ُي ْخ ِس ُر َ‬
‫ون (‬ ‫وه ْم َْأو َو َز ُن ُ‬
‫ون (‪َ )2‬وِإ َذا َك الُ ُ‬
‫س تَْوفُ َ‬ ‫الن ِ‬
‫اس َي ْ‬ ‫ين (‪ )1‬الَّ ِذ َ‬
‫ين ِإ َذا ا ْكتَ الُوا َعلَى َّ‬ ‫طفِّ ِف َ‬
‫َو ْي ٌل ِل ْل ُم َ‬
‫ين (‪)6‬‬ ‫اس ِل َر ِّب ا ْل َعالَ ِم َ‬ ‫ون (‪ِ )4‬ل َي ْوٍم َع ِظ ٍيم (‪َ )5‬ي ْوم َيقُوم َّ‬
‫الن ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪َ )3‬أاَل َيظُ ُّن ُأولَِئ َك ََّأن ُه ْم َم ْب ُعوثُ َ‬

‫[ وي ل للمطففين ‪ .‬ال ذين إذا اكت الوا على الن اس يس توفون ‪ .‬وإ ذا ك الوهم أو وزن وهم يخس رون ] وي ل‬
‫كلمة وعيد يتوعد اهلل سبحانه وتعالى من خالف أمره أو ارتكب نهيه ‪ ,‬المطففون الذين يستوفون حقهم‬
‫ك امال ‪ ,‬وينقص ون ح ق غ يرهم فجمع وا بين الش ح والبخ ل ‪ ,‬الش ح ‪ :‬في طلب حقهم ك امال دون‬
‫مسامحة ‪ ,‬والبخل ‪ :‬بمنع ما يجب عليهم من إتمام الكيل والوزن ‪ ,‬فكل من طلب حقه كامال ممن هو‬
‫عليه ومنع حق غيره داخل في هذه اآلية ‪ [ ,‬أال يظن أولئك أنهم مبعوثون ] الظن هنا بمعنى اليقين [‬
‫ليوم عظيم ] هذا اليوم عظيم [ يوم يقوم الناس لرب العالمين ] فالناس يقومون على هذا الوصف حفاة‬
‫عراة غرال ‪.‬‬

‫وم (‪َ )9‬و ْي ٌل َي ْو َمِئ ٍذ ِل ْل ُم َك ِّذ ِب َ‬


‫ين‬ ‫اب َم ْرقُ ٌ‬
‫ِ‬
‫ين (‪ )8‬كتَ ٌ‬ ‫ين (‪َ )7‬و َما َْأد َرا َك َما ِس ِّج ٌ‬ ‫َّار َل ِفي ِس ِّج ٍ‬ ‫اب ا ْلفُج ِ‬ ‫ِ‬
‫َكاَّل ِإ َّن كتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِّين (‪ )11‬وما ي َك ِّذ ِ‬ ‫(‪ )10‬الَّ ِذ َ‬
‫ال‬
‫َآياتَُن ا قَ َ‬ ‫ب ِبه ِإاَّل ُك ُّل ُم ْعتَ د َأث ٍيم (‪ِ )12‬إ َذا تُ ْتلَى َعلَ ْي ه َ‬ ‫ََ ُ ُ‬ ‫ون ِب َي ْوِم الد ِ‬ ‫ين ُي َك ِّذ ُب َ‬
‫ون (‪َ )14‬كاَّل ِإ َّن ُه ْم َع ْن َر ِّب ِه ْم َي ْو َمِئ ٍذ‬ ‫واي ْك ِس ُب َ‬‫ان َعلَى ُقلُ و ِب ِه ْم َم ا َكا ُن َ‬ ‫ين (‪َ )13‬كاَّل َب ْل َر َ‬ ‫اَأْلو ِل َ‬
‫ير َّ‬ ‫ِ‬
‫َأس اط ُ‬
‫َ‬
‫صالُو ا ْل َج ِح ِيم (‪ )16‬ثُ َّم ُيقَا ُل َه َذا الَّ ِذي ُك ْنتُ ْم ِب ِه تُ َك ِّذ ُب َ‬
‫ون‬ ‫ون (‪ )15‬ثُ َّم ِإ َّن ُه ْم َل َ‬ ‫وب َ‬ ‫لَ َم ْح ُج ُ‬

‫[ كال إن كت اب الفج ار لفي س جين ] كال تحتم ل أن تك ون بمع نى حق ا أو تك ون بمع نى ال ردع عن‬
‫التكذيب بيوم الدين ‪ ,‬والسجين مأخوذ من السجن وهو المكان الضيق في نار جهنم ‪ [ ,‬وما أدراك ما‬
‫سجين ] االستفهام لتعظيم نزوله ‪ [ ,‬كتاب مرقوم ] مكتوب ال يغير وال يبدل ‪ [ ,‬ويل يومئذ للمكذبين ‪.‬‬
‫الذين يكذبون بيوم الدين ] أي يكذبون بيوم القيامة ‪ [ ,‬وما يكذب به إال كل معتد أثيم ] معتد في أفعاله‬
‫‪ ,‬أثيم في أقوال ه ‪ [ ,‬إذا تتلى علي ه آياتن ا ق ال أس اطير األولين ] واألس اطير هي الكالم اللغ و ال ذي ال‬

‫‪18‬‬
‫حقيقة له ‪ [ ,‬كال بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ] اجتمعت عليها األعمال السيئة وحجبتها عن‬
‫الح ق ‪ [ ,‬كال إنهم عن ربهم يومئ ذ لمحجوب ون] يحجب ون عن رؤي ة اهلل ع ز وج ل ي وم القيام ة كم ا‬
‫حجبوا عن رؤية شريعته وآياته ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬بهذه اآلية استدل أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية هللا عز وجل ‪ ,‬ووجه الداللة ظ اهر‬ ‫‪-‬‬
‫فإنه ما حجب هؤالء في حال السخط إال وقد مكن لألبرار من رؤيته في حال الرضا ‪.‬‬

‫[ ثم إنهم لص الوا الجحيم ] الفج ار يص لون حرارته ا وع ذابها ‪,‬ثم يق ال [ ه ذا ال ذي كنتم ب ه تك ذبون ]‬
‫فيجتمع عليهم العذاب البدني بصلي النار والعذاب القلبي بالتوبيخ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ين (‪َ )18‬و َم ا َْأد َرا َك َم ا ِعلِّي َ‬ ‫اَأْلب َر ِار لَ ِفي ِعلِّ ِّي َ‬ ‫ِ‬
‫ش َه ُدهُ‬‫وم (‪َ )20‬ي ْ‬ ‫اب َم ْرقُ ٌ‬ ‫ُّون (‪ )19‬كتَ ٌ‬ ‫اب ْ‬ ‫َكاَّل ِإ َّن كتَ َ‬
‫ض َرةَ‬ ‫ف ِفي ُو ُج و ِه ِه ْم َن ْ‬ ‫ون (‪ )23‬تَ ْع ِر ُ‬ ‫اَأْلراِئ ِك َي ْنظُ ُر َ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫اَأْلب َر َار َلفي َنعيم (‪َ )22‬علَى َ‬ ‫ون (‪ِ )21‬إ َّن ْ‬ ‫ا ْل ُمقََّر ُب َ‬
‫ون (‪)26‬‬ ‫س َ‬ ‫ِ‬ ‫س ٌك َو ِفي َذِل َك َف ْل َيتََن افَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫س قَ ْو َن ِم ْن َر ِحي ٍ‬
‫ق َم ْختُ ٍ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫س ا ْل ُمتََناف ُ‬ ‫ام ُه م ْ‬‫وم (‪ )25‬ختَ ُ‬ ‫النعيم (‪ُ )24‬ي ْ‬
‫ب ِب َها ا ْل ُمقََّر ُب َ‬
‫ون(‪)28‬‬ ‫س ِن ٍيم (‪َ )27‬ع ْي ًنا َي ْ‬
‫ش َر ُ‬
‫ِ‬
‫َو ِم َز ُ‬
‫اج ُه م ْن تَ ْ‬

‫في هذه اآلية يذكر اهلل عز وجل خبرا مؤكدا بأن [ إن كتاب األبرار لفي عليين ] كتاب األبرار في‬
‫أعلى الجنة ‪ [ ,‬وما أدراك ما عليون ] للتعظيم ‪ ,‬وتعالى بطاعته ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬كلما كان اإلنسان أكثر طاعة هلل كان أقرب إلى هللا ‪ ,‬وكلما ك ان اإلنس ان أش د تواض عا هلل‬ ‫‪-‬‬
‫كان أعز عند هللا ‪.‬‬

‫[ إن األبرار لفي نعيم ] األبرار كثيرو الخير والطاعة واإلحسان وهم في نعيم يشمل نعيم البدن ونعيم‬
‫القلب ‪ [ ,‬على األرائك ] وهي األسرة المزخرفة المزينة التي وضع عليها مثل الظل [ ينظرون ] إلى‬
‫م ا أنعم اهلل ب ه عليهم ‪ [ ,‬تع رف في وج وههم نض رة النعيم ] أي حس ن النعيم وبهائ ه ‪ [ ,‬يس قون من‬
‫رحيق ] أي من شراب خالص ال شوب فيه وال ضرر فيه على العقل وال يصدع الرأس ‪ [ ,‬مختوم‪.‬‬
‫ختامه مسك ] آخره طيب الريح ‪.‬‬

‫فائ دة ‪ :‬فه ؤالء الق وم األب رار لم ا حبس وا أنفس هم عن المالذ ال تي حرمه ا هللا عليهم في ال دنيا‬ ‫‪-‬‬
‫أعطوها يوم القيامة ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫[ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ] في هذا الثواب والجزاء فليتسابق المتسابقون سباقا يصل بهم‬
‫[ عين ا‬ ‫ح د النفس ‪ [ ,‬ومزاج ه من تس نيم ] م زاج ه ذا الش راب من عين رفيع ة مع نى وحس ا ‪,‬‬
‫يشرب بها المقربون ] هذه العين والمياه واألنهار يشرب بها المقربون ‪.‬‬

‫ون (‪َ )30‬وِإ َذا ا ْن َقلَ ُب وا‬ ‫ون (‪َ )29‬وِإ َذا َمُّروا ِب ِه ْم َيتَ َغ َ‬
‫ام ُز َ‬ ‫ض َح ُك َ‬ ‫َآم ُنوا َي ْ‬‫ين َ‬ ‫َأج َر ُموا َكا ُنوا ِم َن الَّ ِذ َ‬ ‫ين ْ‬ ‫ِإ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ون (‪َ )32‬و َم ا ُْأر ِس لُوا َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫ض الُّ َ‬ ‫ين (‪َ )31‬وِإ َذا َر َْأو ُه ْم قَ الُوا ِإ َّن َه ُؤ اَل ِء لَ َ‬ ‫َأه ِل ِه ُم ا ْن َقلَ ُب وا فَ ِك ِه َ‬
‫ِإلَى ْ‬
‫اَأْلراِئ ِك َي ْنظُ ُر َ‬
‫ون (‪َ )35‬ه ْل ثُ ِّو َب‬ ‫ون (‪َ )34‬علَى َ‬
‫ض َح ُك َ‬ ‫َآم ُن وا ِم َن ا ْل ُكفَّ ِ‬
‫ار َي ْ‬ ‫ين َ‬‫ين (‪ )33‬فَ ا ْل َي ْو َم الَّ ِذ َ‬‫اف ِظ َ‬‫حِ‬
‫َ‬
‫ون (‪)36‬‬ ‫ا ْل ُكفَّ ُار َما َكا ُنوا َي ْف َعلُ َ‬

‫[ إن ال ذين أجرم وا ] ق اموا ب الجرم وه و المعص ية والمخالف ة ‪ [ ,‬ك انوا ] في ال دنيا [ من ال ذين آمن وا‬
‫يض حكون ] اس تهزاء وس خرية واستص غارا لهم ‪ [ ,‬إذا م روا بهم يتغ امزون ] يغم ز بعض هم بعض ا ‪,‬‬
‫انظ ر إلى ه ؤالء س خرة واس تهزاء ‪ [ ,‬وإ ذا انقلب وا إلى أهلهم انقلب وا فكهين ] متفكهين بم ا ن الوه‬
‫بالس خرية من ه ؤالء المؤم نين ‪ [ ,‬وإ ذا رأوهم ] أي رأى المجرم ون المؤم نين [ ق الوا إن ه ؤالء‬
‫لضالون ] ضالون عن الصواب ‪ ,‬متأخرون ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬لقد كان لهؤالء السلف خلف في زماننا اليوم وما قبله وما بع ده ‪ ,‬فمن الن اس من يق ول عن‬ ‫‪-‬‬
‫أهل الخير ‪ :‬إنهم رجعيون متخلفون وقول عن المستقيم ‪ :‬إنه متشدد متزمت ‪.‬‬
‫[ وما أرسلوا عليهم حافظين ] هؤالء المجرمون ما بعثوا حافظين لهؤالء المؤمنين يرقبونهم‬
‫ويحكم ون عليهم ‪ ,‬ب ل الحكم هلل ع ز وج ل ‪ [ ,‬ف اليوم ال ذين آمن وا من الكف ار يض حكون ] وه ذا‬
‫هو الضحك الذي ال بكاء بعده ‪ [ ,‬على األرائك ينظرون ] ينظرون من الجنة ما أعد اهلل لهم‬
‫من الث واب ‪ ,‬وينظ رون أولئ ك ال ذين يس خرون بهم في ال دنيا وهم في ع ذاب اهلل ‪ [ ,‬ه ل ث وب‬
‫الكفار ما كانوا يعملون ] ثوب بمعنى جوزي ‪ ,‬وهل هنا للتقرير‪.‬‬

‫تفسير سورة االنشقاق‬

‫‪20‬‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫يه ا َوتَ َخلَّ ْت (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اء ا ْن َ َّ‬ ‫ِإ َذا َّ‬
‫َّت (‪َ )3‬وَأْلقَ ْت َم ا ف َ‬ ‫ض ُم د ْ‬ ‫اَأْلر ُ‬
‫ش ق ْت (‪َ )1‬وَأذ َن ْت لَر ِّب َه ا َو ُحق ْت (‪َ )2‬وِإ َذا ْ‬ ‫الس َم ُ‬
‫َأما َم ْن ُأو ِت َي ِكتَ َاب ُه‬
‫ان ِإ َّن َك َك ِاد ٌح ِإلَى َر ِّب َك َك ْد ًحا فَ ُماَل ِقي ِه (‪ )6‬فَ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوَأذ َن ْت ل َر ِّب َها َو ُحقَّ ْت (‪َ )5‬ي ا َأي َ‬
‫ُّه ا اِإْل ْن َ‬
‫س ُ‬
‫َأما َم ْن ُأو ِت َي ِكتَ َاب ُه‬
‫ورا (‪َ )9‬و َّ‬ ‫س ُر ً‬
‫ف يحاس ب ِحس ابا ي ِس يرا (‪ )8‬وي ْن َق ِلب ِإلَى ْ ِ ِ‬
‫َأهل ه َم ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫س ْو َ ُ َ َ ُ َ ً َ ً‬
‫ِِِ‬
‫ِب َيمين ه (‪ )7‬فَ َ‬
‫ان ِفي ْ ِ ِ‬ ‫يرا (‪ِ )12‬إ َّن ُه َك َ‬ ‫ف ي ْدعو ثُبورا (‪ )11‬ويصلَى ِ‬
‫ورا (‪)13‬‬ ‫س ُر ً‬ ‫َأهل ه َم ْ‬ ‫سع ً‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ‬ ‫س ْو َ َ ُ ُ ً‬ ‫ظ ْه ِر ِه (‪ )10‬فَ َ‬ ‫اء َ‬‫َو َر َ‬
‫َّه َك َ ِ ِ‬
‫ور (‪َ )14‬بلَى ِإ َّن َرب ُ‬ ‫ِإ َّن ُه َ‬
‫ان ِبه َبص ً‬
‫يرا(‪)15‬‬ ‫َأن َل ْن َي ُح َ‬
‫ظ َّن ْ‬

‫[ إذا السماء انشقت ] أي انفتحت وانفرجت ‪ [ ,‬وأذنت لربها وحقت ] استمعت وأطاعت أمر ربها عز‬
‫وج ل وح ق له ا أن تس مع وتطي ع ‪ [ ,‬وإ ذا األرض م دت ] تم د كم د الجل د والس ماط ‪ [ ,‬وألقت م ا فيه ا‬
‫وتخلت ] تلقي جثث ب ني آدم فيخرج ون من قب ورهم هلل ع ز وج ل ‪ [ ,‬وألقت م ا فيه ا وتخلت] استمعت‬
‫لربه ا وحقت ‪ [ ,‬ي ا أيه ا اإلنس ان إن ك ك ادح إلى رب ك ك دحا ] الك ادح ه و الس اعي بج د ون وع مش قة ‪,‬‬
‫فمهما عملت فإن المنتهى هو اهلل عز وجل ‪,‬‬

‫فائدة ‪ :‬الفرق بين المطيع والعاصي ‪ :‬أن المطيع يعمل عمال يرضاه هللا ويصل به إلى مرض اة هللا‬ ‫‪-‬‬
‫يوم القيامة ‪ ,‬والعاصي يعمل عمال يغضب هللا لكن مع ذلك ينتهي إلى هللا عز وجل ‪.‬‬

‫[ فمالقيه ] الفاء تدل على الترتيب والتعقيب وما أسرع أن تالقي اهلل عز وجل ‪ .‬ثم قسم اهلل ع ز وج ل‬
‫الناس عند مالقاته إلى قسمين ‪ [ :‬فأما من أوتي كتابه بيمينه ‪ .‬فسوف يحاسب حسابا يسيرا ] يستلمه‬
‫باليمنى ويحاسبه اهلل تعالى بإحصاء عمله عليه ‪ ,‬لكنه حساب يسير ليس فيه أي عسر ‪ [ ,‬وينقلب إلى‬
‫أهل ه مس رورا ] ينقلب بع د الحس اب إلى أهل ه في الجن ة مس رور القلب ‪ [ ,‬وأم ا من أوتي كتاب ه وراء‬
‫ظه ره ] ه ؤالء هم األش قياء والعي اذ باهلل ‪ ,‬ي ؤتى كتاب ه وراء ظه ره ‪ [ ,‬فس وف ي دعو ثب ورا ] يق ول ‪:‬‬
‫واثب وراه ي ا وياله وغيره ا من كلم ات الن دم ‪ [ ,‬ويص لى س عيرا ] يص لى الن ار ال تي تس عر ب ه ويك ون‬
‫مخلدا فيها أبدا ‪ [ ,‬إنه كان في أهله مسرورا ] كان في الدنيا في أهله مسرورا ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫فائدة ‪ :‬اربط بين قوله تعالى [ وينقلب إلى أهله مسرورا ] و [ كان في أهله مسرورا ] تجد فرقا‬ ‫‪-‬‬
‫بين السرورين ‪ ,‬فسرور األول سرور دائم – نسأل هللا أن يجعلن ا منهم – وس رور الث اني س رور‬
‫زائل ذهب ‪.‬‬

‫[ إنه ظن أن لن يحور ] أال يرجع الموت ‪ [ ,‬بلى إن ربه كان به بصيرا ] سيرجع إلى اهلل عز وجل‬
‫وسوف يحاسبه بحكمته وعدله ‪.‬‬

‫فَاَل ُأق ِ‬
‫ق(‬ ‫ط َب ٍ‬
‫ط َبقً ا َع ْن َ‬ ‫ق (‪ )18‬لَتَ ْر َك ُب َّن َ‬‫س َ‬ ‫ق (‪َ )17‬وا ْلقَ َم ِر ِإ َذا اتَّ َ‬ ‫ق (‪َ )16‬واللَّْي ِل َو َم ا َو َ‬
‫س َ‬ ‫ْس ُم ِب َّ‬
‫الش فَ ِ‬
‫ون (‬ ‫ون (‪َ )21‬ب ِل الَِّذ َ‬
‫ين َكفَ ُروا ُي َك ِّذ ُب َ‬ ‫س ُج ُد َ‬ ‫َآن اَل َي ْ‬‫ون (‪َ )20‬وِإ َذا قُ ِرَئ َعلَ ْي ِه ُم ا ْلقُْر ُ‬ ‫‪ )19‬فَ َما َل ُه ْم اَل ُيْؤ ِم ُن َ‬
‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َِأل ٍيم (‪ِ )24‬إاَّل الَّ ِذ َ‬ ‫ش ْر ُهم ِب َع َذ ٍ‬ ‫‪َ )22‬واللَّ ُه ْ‬
‫ات لَ ُه ْم‬ ‫َآم ُنوا َو َعملُ وا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫ون (‪ )23‬فَ َب ِّ ْ‬ ‫َأعلَ ُم ِب َما ُي ُ‬
‫وع َ‬
‫ون (‪)25‬‬ ‫َأجٌر َغ ْي ُر َم ْم ُن ٍ‬‫ْ‬

‫[ فال أقسم بالشفق ] القسم مثبت والمقسم به الشفق وهو الحمرة التي تكون بعد غروب الشمس وإ ذا‬
‫غ ابت دخ ل وقت العش اء ‪ [ ,‬واللي ل وم ا وس ق ] اللي ل وم ا جم ع ‪ [ ,‬والقم ر إذا اتس ق ] القم ر إذا تم‬
‫واجتم ع ن وره ‪ [ ,‬ل تركبن طبق ا عن طب ق ] الخط اب هن ا لجمي ع الن اس ‪ ,‬أي لتتح ولن ح اال عن ح ال‬
‫‪ -‬فائدة ‪ :‬وهو يعني أن األحوال تتغير فيشمل ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أح وال الزم ان تتنق ل [ وتل ك األي ام ن داولها بين الن اس ] في وم يك ون في ه الس رور واالنش راح‬
‫وانبساط النفس ويوم آخر يكون بالعكس ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬األمكنة ينزل اإلنسان هذا اليوم منزال وفي اليوم التالي منزال آخر ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬األبدان واستمع إلى قول هللا تعالى ‪ [ :‬هللا الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ض عف ق وة ثم‬
‫جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ] ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬حال القلوب ‪ ,‬والقلوب كل قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء ‪ ,‬ف إن‬
‫شاء أزاغه وإن شاء هداه ‪ ,‬ولما حدث النبي ص لى هللا علي ه وس لم به ذا الح ديث ق ال ‪ (( :‬اللهم ي ا مقلب‬
‫القلوب ثبت قلبي على دينك )) ‪.‬‬

‫[ فم الهم ال يؤمن ون ] أي ش يء يمنعهم من اإليم ان ‪ [ ,‬وإ ذا ق رئ عليهم الق رآن ال يس جدون ] أي ال‬
‫يخضعون هلل عز وجل فالسجود هنا بمعنى الخضوع هلل عز وجل ‪ ,‬وإ ن لم تسجد على األرض ولكن‬
‫يسجد القلب ويلين ويذل ‪,‬‬

‫‪22‬‬
‫فائدة ‪ :‬ومن عالمات الخضوع هلل عز وجل عند قراءة القرآن أن اإلنسان إذا قرأ آي ة س جدة س جد‬ ‫‪-‬‬
‫هلل ذال له وخضوعا ‪ .‬وسجود التالوة ليس بواجب ولكن سنة مؤكدة ‪.‬‬

‫[ بل الذين كفروا يكذبون ] تركهم للسجود بسبب تكذيبهم ‪ [ ,‬واهلل أعلم بما يوعون ] بما يجمعونه في‬
‫ص دورهم ‪ [ ,‬فبش رهم بع ذاب أليم ] ‪ [ ,‬إال ال ذين آمن وا وعمل وا الص الحات لهم أج ر غ ير من ون ] إال‬
‫هؤالء لهم ثواب غير مقطوع ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬والعمل الصالح الذي يجمع بين ش يئين‪ :‬اإلخالص هلل تع الى ‪ ,‬وأن يك ون متبع ا الرس ول‬ ‫‪-‬‬
‫عليه الصالة والسالم ‪.‬‬

‫تفسير سورة البروج‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫اُأْلخ ُدو ِد (‪)4‬‬‫اب ْ‬ ‫ِ‬ ‫اه ٍد َو َم ْ‬


‫ش ُه ٍ‬ ‫ش ِ‬‫وج (‪َ )1‬وا ْل َي ْوِم ا ْل َم ْو ُع و ِد (‪َ )2‬و َ‬ ‫اء َذ ِ‬‫الس م ِ‬
‫َأص َح ُ‬ ‫ود (‪ )3‬قُت َل ْ‬ ‫ات ا ْل ُب ُر ِ‬ ‫َو َّ َ‬
‫ود (‪َ )7‬و َم ا َنقَ ُم وا‬ ‫ش ُه ٌ‬ ‫ين ُ‬ ‫ون ِب ا ْل ُمْؤ ِم ِن َ‬
‫ود (‪َ )6‬و ُه ْم َعلَى َما َي ْف َعلُ َ‬ ‫ود (‪ِ )5‬إ ْذ ُه ْم َعلَ ْي َها قُ ُع ٌ‬ ‫ار َذ ِ‬
‫ات ا ْل َوقُ ِ‬ ‫َّ‬
‫الن ِ‬
‫ش ْي ٍء‬‫ض َواللَّ ُه َعلَى ُك ِّل َ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫َأن ُيْؤ ِم ُن وا ِباللَّ ِه ا ْل َع ِزي ِز ا ْل َح ِمي ِد (‪ )8‬الَّ ِذي لَ ُه ُم ْل ُك َّ‬ ‫ِم ْن ُه ْم ِإاَّل ْ‬
‫ِ‬ ‫ين فَتَُنوا ا ْل ُمْؤ ِم ِن َ‬
‫يد (‪ِ )9‬إ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ق(‬ ‫اب َج َه َّن َم َولَ ُه ْم َع َذ ُ‬
‫اب ا ْل َح ِري ِ‬ ‫وبوا َفلَ ُه ْم َع َذ ُ‬‫ين َوا ْل ُمْؤ ِم َنات ثُ َّم َل ْم َيتُ ُ‬ ‫ش ِه ٌ‬ ‫َ‬
‫‪)10‬‬

‫[ والسماء ذات البروج ] الواو حرف قسم ‪ ,‬وذات البروج أي صاحبة البروج لعلوها وارتفاعها ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فائ دة ‪ :‬يقسم تعالى بما شاء من خلقه ‪ ,‬أما نحن فال نقسم إال باهلل ‪ ,‬بأسمائه وصفاته وال نقس م بش يء‬ ‫‪-‬‬
‫من مخلوقاته لقول النبي صلى هللا عليه وسل ‪ (( :‬من كان حالفا فليحلف باهلل أو ليصمت )) ‪.‬‬

‫[ والي وم الموع ود ] ي وم القيام ة ‪ [ ,‬وش اهد ومش هود ] أقس م اهلل بك ل ش اهد ومش هود ومن الش هود ‪:‬‬
‫محم د ص لى اهلل علي ه وس لم وه ذه األم ة وأعض اء اإلنس ان والمالئك ة ‪ ,‬والمش هود ي وم القيام ة ‪ [ ,‬قت ل‬
‫أصحاب األخدود ] أي أهلك أو بمعنى اللعن ‪ ,‬وهؤالء الكفار الذين حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن‬
‫دينهم ولكنهم عجزوا فحفروا حفرا وجمعوا الحطب وأحرقوا المؤمنين بها والعياذ باهلل ‪ [ ,‬النار ذات‬
‫الوق ود ] أي الحطب الكث ير المت أجج ‪ [ ,‬إذ هم عليه ا قع ود ] ي رون الن ار تلتهم البش ر وهم قع ود على‬
‫األس رة فكه ون ‪ [ ,‬وهم على م ا يفعل ون ب المؤمنين ش هود ] أي حض ور ‪ [ ,‬وم ا نقم وا منهم إال أن‬
‫يؤمنوا باهلل العزيز الحميد ] ما أنكر هؤالء إال أن المؤمنين آمنوا باهلل عز وجل ‪ ,‬العزيز هو الغالب‬
‫الذي ال يغلبه شيء ‪ ,‬الحميد هو المحمود على كل حال ‪ [ ,‬الذي له ملك السماوات واألرض ] هذه‬
‫الملكية شاملة لملك األعيان والتدبير ‪ [ ,‬واهلل على كل شيء شهيد ] أي مطلع عز وجل على كل شيء‬
‫‪ [ ,‬إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ] هم فتنوا‬
‫المؤمنين بصدهم عن سبيل اهلل وفتنوهم باإلحراق‪.‬‬

‫‪ -‬فائدة ‪ :‬قال بعض السلف ‪ :‬انظر إلى حلم هللا عز وجل يحرقون أولياءه ثم يعرض عليهم التوبة ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هللا سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه فلله تعالى في ه ذا حكم ة ‪ ,‬المص ابون من‬ ‫‪-‬‬
‫المؤمنين أجرهم عند هللا عظيم وهؤالء الكفار المعتدون أملى لهم هللا سبحانه وتع الى ويس تدرجهم‬
‫من حيث ال يعلمون ‪ ,‬والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل إلخوانهم ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬التوب ة ته دم م ا قبله ا ولكن التوب ة ال تك ون نص وحا مقبول ة عن د هللا إال إذا اش تملت على‬ ‫‪-‬‬
‫شروط خمسة ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اإلخالص هلل عز وجل ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الندم على ما حصل من الذنب ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن يقلع عن الذنب ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن يعزم عزما تاما أال يعود للذنب ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة ‪ ,‬ألن التوبة ال تقب ل في ح التين ‪ :‬األولى إذا حض رت‬
‫الوفاة والثانية إذا طلعت الشمس من مغربها ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫ير (‪ِ )11‬إ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات لَ ُه ْم َج َّن ٌ‬‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َه ا اَأْلْن َه ُار َذل َك ا ْلفَ ْو ُز ا ْل َك ِب ُ‬ ‫َآم ُنوا َو َعملُوا َّ َ‬
‫ين َ‬
‫ش ا ْل َم ِجي ُد (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ش ِد ٌ‬
‫ود (‪ُ )14‬ذو ا ْل َع ْر ِ‬ ‫ور ا ْل َو ُد ُ‬‫يد (‪َّ )12‬ن ُه ُه َو ُي ْب دُئ َو ُيعي ُد (‪َ )13‬و ُه َو ا ْل َغفُ ُ‬ ‫ش َر ِّب َك لَ َ‬‫َب ْط َ‬
‫ين َكفَ ُروا ِفي‬
‫ود (‪َ )18‬ب ِل الَّ ِذ َ‬ ‫ود (‪ِ )17‬ف ْر َع ْو َن َوثَ ُم َ‬ ‫اك َح ِد ُ‬
‫يث ا ْل ُج ُن ِ‬ ‫‪ )15‬فَ َّعا ٌل ِل َم ا ُي ِري ُد (‪َ )16‬ه ْل َأتَ َ‬
‫وظ (‪)22‬‬ ‫يد (‪ِ )21‬في لَو ٍح م ْحفُ ٍ‬ ‫يب (‪َ )19‬واللَّ ُه ِم ْن َو َراِئ ِه ْم ُم ِحيطٌ (‪َ )20‬ب ْل ُه َو قُْر ٌ‬
‫َآن َم ِج ٌ‬ ‫تَ ْك ِذ ٍ‬
‫ْ َ‬

‫[ إن ال‪%%‬ذين آمن‪%%‬وا ] هم ال‪%%‬ذين آمن‪%%‬وا باهلل ومالئكت‪%%‬ه وكتب‪%%‬ه ورس‪%%‬له والي‪%%‬وم اآلخ‪%%‬ر والق‪%%‬در خ‪%%‬يره وش‪%%‬ره‬
‫[ وعملوا الصالحات ] واألعمال الصالحة هي ال‪%%‬تي ب‪%%‬نيت على اإلخالص هلل واتب‪%%‬اع ش‪%%‬ريعة هللا ‪ [ ,‬لهم‬
‫جنات تجري من تحتها األنهار ] لهم عند هللا جنات فيها ما العين رأت وال أذن س‪%%‬معت وال خط‪%%‬ر على‬
‫قلب بشر ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ :‬ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إال األسماء فقط ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫[ من تحتها ] أي من تحت أشجارها وقصورها ‪ [ ,‬ذلك الفوز الكبير ] الذي به النجاة من ك‪%%‬ل مره‪%%‬وب‬
‫وحصول كل مطلوب ‪ [ ,‬إن بطش ربك لشديد ] بطش يعني أخذه بالعق‪%%‬اب ‪ ,‬والش‪%%‬ديد الق‪%%‬وي ‪ ,‬أي فيمن‬
‫يستحق البطش ورحمة هللا سبقت غضبه ‪ [ ,‬إنه ه‪%‬و يب‪%‬دئ ويعي‪%‬د ] فه‪%‬و ال‪%‬ذي ب‪%‬دأ األش‪%‬ياء وإلي‪%‬ه تنتهي‬
‫األشياء ‪ [ ,‬وهو الغفور ] يعني ذا المغفرة ‪ ,‬والمغفرة ستر الذنب والعفو عنه ‪ [ .‬الودود ] والود خ‪%%‬الص‬
‫المحبة فاهلل جل وعال محبوب وحاب ‪ [ ,‬ذو العرش ] أي ص‪%%‬احب الع‪%%‬رش والع‪%%‬رش ه‪%%‬و ال‪%%‬ذي اس‪%%‬توى‬
‫عليه هللا عز وجل وهو أعظم المخلوقات وأكبرها و أوسعها [ المجيد ] فيها قراءتان ‪ ,‬فعلى قراءة الج‪%%‬ر‬
‫تكون وصفا للعرش وعلى قراءة الرفع تكون وصفا للرب عز وجل ‪ [ ,‬فعال لم‪%%‬ا يري‪%%‬د ] فك‪%%‬ل م‪%%‬ا أراده‬
‫سبحانه فهو يفعله ‪ [ ,‬هل أتاك حديث الجنود ز فرعون وثمود ] فقد قص هللا س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬الى علين‪%%‬ا من‬
‫نبأهم ما فيه العبرة لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬وكان من نبأ فرعون وثمود فائدتين ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫تسلية النبي عليه الصالة والسالم وتقويته وأن الذي نصر رسله من قبل سوف ينصره ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تهديد ووعيد لقريش الذين كذبوا رس ول هللا وأنهم ليس وا أش د ق وة من فرع ون وثم ود وم ع ذل ك‬ ‫‪-2‬‬
‫أصابهم الهالك ‪.‬‬
‫[ بل الذين كفروا في تكذيب ] والذين كفروا يشمل كل من كف‪%%‬ر باهلل ورس‪%%‬وله من المش‪%%‬ركين أو‬
‫من اليه‪%%‬ود أو من النص‪%%‬ارى أو من غ‪%%‬يرهم ‪ [ ,‬وهللا من ورائهم محي‪%%‬ط ] أي محي‪%%‬ط بهم من ك‪%%‬ل‬
‫جانب ال يشذون عنه وال عن علمه وال عن سلطانه وال عن عقابه ‪ [ ,‬ب‪%%‬ل ه‪%%‬و ق‪%%‬رآن مجي‪%%‬د ] أي‬
‫ذو عظمة ومجد‬
‫‪ -‬فائدة ‪ :‬وصف القرآن بأنه مجيد ال يعني أن المجد وص ف للق رآن نفس ه فق ط ب ل ه و وص ف‬
‫للقرآن ولمن تحمل هذا القرآن فحمله وقام بواجبه من تالوته ح ق تالوت ه فإن ه س يكون لهم المج د‬
‫والعزة والرفعة ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫[ في ل‪%%‬وح محف‪%%‬وظ ] يع‪%%‬ني في الل‪%%‬وح المحف‪%%‬وظ عن‪%%‬د هللا ع‪%%‬ز وج‪%%‬ل ال‪%%‬ذي ه‪%%‬و أم الكت‪%%‬اب ‪ ,‬ق‪%‬ال‬
‫العلماء ‪ :‬محفوظ ال يناله أحد ‪ ,‬محفوظ عن التغيير والتبديل ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬نناش د والة أمورالمس لمين جميع ا‪ ,‬أناش دهم أن يتق وا هللا ع ز وج ل وأن يرجع وا رجوع ا‬ ‫‪-‬‬
‫حقيقي ا إلى كت اب هللا تع الى وس نة رس وله ص لى هللا علي ه وس لم ح تى يس تتب لهم األمن‬
‫واالستقراروتحصل لهم العزة والمجد والرفعة وتطيعهم شعوبهم‪ ,‬ف إذا ك ان والة األم ور يري دون‬
‫أن تذعن لهم شعوبهم وأن يطيعوا هللا فيهم فليطيعوا هللا تطيعهم أممهم وإال فليس من المعقول أن‬
‫يعصوا مالك الملك وهو هللا عز وجل ثم يريدون أن تطيعهم شعوبهم هذا بعيد جدا ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تفسير سورة الطارق‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س َل َّما علَ ْيه ا ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس م ِ‬


‫اف ظٌ (‬ ‫َ َ َ‬ ‫ب (‪ِ )3‬إ ْن ُك ُّل َن ْف ٍ‬‫الن ْج ُم الثَّاق ُ‬
‫ق (‪َّ )2‬‬ ‫اك َم ا الطَّ ِ‬
‫ار ُ‬ ‫ق (‪َ )1‬و َم ا َْأد َر َ‬ ‫اء َوالطَّ ِ‬
‫ار ِ‬ ‫َو َّ َ‬
‫الص ْل ِب َوالتََّراِئ ِب (‪ِ )7‬إ َّن ُه‬
‫ق (‪َ )6‬ي ْخ ُر ُج ِم ْن َب ْي ِن ُّ‬ ‫اء َد ِاف ٍ‬
‫ق ِم ْن م ٍ‬
‫َ‬ ‫ق (‪ُ )5‬خِل َ‬ ‫ان ِم َّم ُخِل َ‬
‫س ُ‬‫‪َ )4‬ف ْل َي ْنظُ ِر اِإْل ْن َ‬
‫اص ٍر(‪)10‬‬ ‫السراِئ ر (‪ )9‬فَما لَ ُه ِم ْن قَُّو ٍة واَل َن ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َعلَى َر ْجعه لَقَادٌر (‪َ )8‬ي ْو َم تُْبلَى َّ َ ُ‬

‫[ والسماء والطارق ] السماء هو كل ما عال حتى السحاب يسمى سماء ‪ ,‬والطارق هو [ النجم الث‪%%‬اقب ]‬
‫يحتمل أن يكون المراد جميع النجوم ويحتمل أنه النجم الالمع ‪ [ ,‬إن كل نفس لما عليها حاف‪%%‬ظ ] إن هن‪%%‬ا‬
‫نافيه و لما بمعنى إال يعني ما كل نفس إال عليها حافظ من هللا ‪ ,‬ه‪%%‬ؤالء الحفظ‪%%‬ة يحفظ‪%%‬ون على اإلنس‪%%‬ان‬
‫عمله ‪ ,‬ما له وما عليه ويجده يوم القيامة كتابا منشورا ‪ [ ,‬فلينظر اإلنس‪%%‬ان مم‪%%‬ا خل‪%%‬ق ] والم‪%%‬راد ب‪%%‬النظر‬
‫هنا نظر االعتبار ‪ [,‬خلق من ماء دافق] وهو ماء الرجل ‪ [ ,‬يخرج من بين الصلب وال‪%%‬ترائب ] من بين‬
‫صلب الرجل وترائبه أعلى صدره ‪ [ ,‬إنه على رجعه لقادر ] هللا عز وجل قادر على رجع اإلنسان ي‪%‬وم‬
‫القيامة ‪ [ ,‬يوم تبلى السرائر ] أي تختبر القلوب ‪ ,‬فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال الحسن البصري ‪ :‬وهللا ما سبقهم أبوبكر بصالة وال صوم ‪ ,‬وإنم ا س بقهم بم ا وق ر في‬ ‫‪-‬‬
‫قلبه من اإليمان ‪.‬‬
‫[ فما له من قوة ] قوة ذاتية [ وال ناصر ] وهي القوة الخارجية ‪.‬‬

‫ص ٌل (‪َ )13‬و َم ا ُه َو ِب ا ْل َه ْز ِل (‪)14‬‬ ‫ض َذ ِ‬ ‫اء َذ ِ‬


‫السم ِ‬
‫الص ْد ِع (‪ِ )12‬إ َّن ُه لَقَ ْو ٌل فَ ْ‬ ‫ات َّ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫الر ْج ِع (‪َ )11‬و ْ‬
‫ات َّ‬ ‫َو َّ َ‬
‫َأم ِه ْل ُه ْم ُر َو ْي ًدا (‪)17‬‬ ‫يد َك ْي ًدا (‪ )16‬فَم ِّه ِل ا ْل َك ِ‬
‫اف ِر َ‬ ‫ون َك ْي ًدا (‪ )15‬و ِ‬ ‫ِإ َّن ُه ْم َي ِك ُ‬
‫ين ْ‬ ‫َ‬ ‫َأك ُ‬ ‫َ‬ ‫يد َ‬

‫[ والسماء ذات الرجع ] الرجع هو المطر يسمى رجعا ألنه يرجع ويتكرر ‪ [ ,‬واألرض ذات الصدع‬
‫] الص دع ه و االنش قاق يع ني التش قق بخ روج النب ات من ه ‪ [ ,‬إن ه لق ول فص ل ] أي الق رآن يفص ل بين‬

‫‪27‬‬
‫الحق والباطل وبين المتقين والظالمين ‪ ,‬بل إنه فصل قاطع لكل من ناوأه وعاداه ‪ [ ,‬وما هو بالهزل ]‬
‫أي ما هو باللعب والعبث واللغو بل هو حق ‪ [ ,‬إنهم يكيدون كيدا ] الكفار المكذبين يكيدون للرسول‬
‫عليه الصالة والسالم ويكيدون لمن اتبعه وانظر ماذا كانوا يفعلون بالمؤمنين أيام ما كانوا في مكة من‬
‫التعذيب والتوبيخ والتشريد ‪ [ ,‬وأكيد كيدا ‪ .‬فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ] أي انتظر بمهلة وال تنتظر‬
‫بمهلة طويلة و [ رويدا ] بمعنى قليال ‪.‬‬

‫في هذه اآلية تهديد لقريش وتسلية للرسول صلى اهلل عليه وسلم ووعد له بالنصر ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫تفسير سورة األعلى‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س َّوى (‪َ )2‬والَّ ِذي قَ د ََّر فَ َه َدى (‪َ )3‬والَّ ِذي ْ‬


‫َأخ َر َج ا ْل َم ْر َعى (‪)4‬‬ ‫اَأْلعلَى (‪ )1‬الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫ق فَ َ‬ ‫اس َم َر ِّب َك ْ‬
‫س ِّب ِح ْ‬
‫َ‬
‫اء اللَّ ُه ِإ َّن ُه َي ْعلَ ُم ا ْل َج ْه َر َو َم ا َي ْخفَى (‪)7‬‬
‫ش َ‬ ‫س ى (‪ِ )6‬إاَّل َم ا َ‬ ‫س ُن ْق ِرُئ َك فَاَل تَْن َ‬
‫َأح َوى (‪َ )5‬‬ ‫اء ْ‬‫فَ َج َعلَ ُه ُغثَ ً‬
‫ش ى(‪َ )10‬و َيتَ َج َّن ُب َه ا ْ‬
‫اَأْلش قَى (‪)11‬‬ ‫س َي َّذ َّك ُر َم ْن َي ْخ َ‬ ‫ِ ِّ‬
‫س َرى (‪َ )8‬ف َذ ِّك ْر ِإ ْن َنفَ َعت ال ذ ْك َرى (‪َ )9‬‬
‫و ُني ِّ ِ‬
‫س ُر َك ل ْل ُي ْ‬ ‫َ َ‬
‫النار ا ْل ُك ْبرى (‪ )12‬ثُ َّم اَل يم ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫يها َواَل َي ْح َيا (‪)13‬‬
‫وت ف َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫الَّذي َي ْ‬
‫صلَى َّ َ‬

‫[ سبح اسم ربك األعلى ] الخطاب للرسول صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬الخطاب الموجه للرسول عليه الصالة والسالم في القرآن الكريم على ثالثة أقسام ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫القس م األول ‪ :‬أن يق وم ال دليل على أن ه خ اص مث ل قول ه تع الى [ ألم نش رح ل ك ص درك ] وقول ه‬
‫[ وأرسلناك للناس رسوال ] ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم مث ل قول ه تع الى ‪ [ :‬يأيه ا الن بي إذا طلقتم النس اء‬ ‫‪-‬‬
‫قطلقوهن لعدتهن ] ‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬يوجه هللا تعالى الخطاب للرس ول والم راد الخط اب ل ه لفظ ا وللعم وم حكم ا وهي‬ ‫‪-‬‬
‫كثيرة مثل هذه اآلية ‪.‬‬
‫[ سبح اسم ربك األعلى ] سبح ربك ذاكرا اسمه ‪ ,‬والرب هو الخالق المالك المدبر لجميع األم‪%%‬ور ‪,‬‬
‫واألعلى من العلو ‪ .‬وعلو هللا عز وجل نوعان ‪ :‬علو صفة فإن أكم‪%%‬ل الص‪%%‬فات هلل ع‪%%‬ز وج‪%%‬ل وعل‪%%‬و‬
‫ذات وهو أن هللا تعالى فوق عباده مستو على عرشه ‪ [ ,‬الذي خلق فسوى ] كل المخلوق‪%%‬ات أوج‪%%‬دها‬
‫هللا عز وجل وسواها على أحسن صورة ‪ [ ,‬والذي قدر] كل شيء له قدر محدود [ فه‪%%‬دى ] وتش‪%%‬مل‬
‫الهداية الكونية أي هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه ‪ ,‬والهداية الشرعية وهي التي بينها هللا عز وج‪%%‬ل‬
‫بقول‪%%‬ه [ وم‪%%‬ا خلقت الجن واإلنس إال ليعب‪%%‬دون ] ‪ [ ,‬س‪%%‬نقرئك فال تنس‪%%‬ى ] ه‪%%‬ذا وع‪%%‬د من هللا تع‪%%‬الى‬
‫لرسوله أنه يقرئه القرآن وال ينساه الرسول ‪ [ ,‬إال ما ش‪%%‬اء هللا ] يع‪%%‬ني إال م‪%%‬ا ش‪%%‬اء أن تنس‪%%‬اه ف‪%%‬األمر‬
‫بيده عز وجل ‪ [ ,‬إنه يعلم الجهر وما يخفى ] والجهر ما يتكلم ب‪%%‬ه اإلنس‪%%‬ان مس‪%%‬موعا و[ وم‪%%‬ا يخفى ]‬
‫ما يكون خفيا ال يظهر فاهلل عز وجل يعلم الجهر والخفاء ‪ [ ,‬ونيس‪%%‬رك لليس‪%%‬رى ] وه‪%%‬ذا أيض‪%%‬ا وع‪%%‬د‬

‫‪29‬‬
‫من هللا عز وجل لرسوله صلى هللا عليه وسلم أن تكون أم‪%%‬وره ميس‪%%‬رة وال س‪%%‬يما في طاع‪%%‬ة هللا ع‪%%‬ز‬
‫وجل ‪ [ ,‬فذكر إن نفعت الذكرى ] يعني ذكر الناس بآيات هللا وبأيام هللا وعظهم ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬البد من التذكير حتى وإن ظننت أنها ال تنفع ‪ ,‬فإنها سوف تنفعك أنت ‪ ,‬وسوف يعلم الن اس‬ ‫‪-‬‬
‫أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب وإما حرام ‪.‬‬
‫بين هللا عز وجل أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ [ :‬سيذكر من يخشى ] من يخاف هللا عز وجل عن علم بعظمة الخ‪%%‬الق ج‪%%‬ل وعال فه‪%%‬ذا‬
‫إن ذكر بآيات ربه تذكر ‪.‬‬
‫القس‪%%‬م الث‪%%‬اني ‪ [ :‬ويتجنبه‪%%‬ا األش‪%%‬قى ] يتجنب ال‪%%‬ذكرى وال ينتف‪%%‬ع به‪%%‬ا الكف‪%%‬ار ‪ [ ,‬ال‪%%‬ذي يص‪%%‬لى الن‪%%‬ار‬
‫الكبرى ] نار جهنم ‪ [ ,‬ثم ال يموت فيها وال يحيى ] أي ال يموت فيستريح ‪ ,‬وال يحيى حياة سعيدة ‪.‬‬

‫ون ا ْلحي اةَ ال ُّد ْنيا (‪ )16‬و ِ‬ ‫ِ‬


‫اَآْلخ َرةُ َخ ْي ٌر‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص لَّى (‪َ )15‬ب ْل تُ ْؤ ِث ُر َ َ َ‬ ‫قَ ْد َأ ْفلَ َح َم ْن تََز َّكى (‪َ )14‬و َذ َك َر ْ‬
‫اس َم َر ِّبه فَ َ‬
‫وسى (‪)19‬‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫و َْأبقَى (‪ِ )17‬إ َّن َه َذا لَ ِفي ُّ ِ‬
‫يم َو ُم َ‬
‫ص ُحف ْب َراه َ‬‫الص ُحف اُأْلولَى (‪ُ )18‬‬ ‫َ‬

‫‪ [ ‬قد أفلح من تزكى ] والفالح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المره‪%%‬وب ‪ [ ,‬من ت‪%%‬زكى ] م‪%%‬أخوذة من‬
‫التزكية وهي التطهير ‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬التزكية لها ثالث متعلقات ‪ :‬األول ‪ :‬في حق هللا تعالى فيتزكى من الش رك فيعب د هللا تع الى‬
‫مخلصا له الدين ‪ ,‬الثاني ‪ :‬في حق الرسول يتزكى من االبتداع فيعبد هللا تع الى على مقتض ى ش ريعة‬
‫النبي صلى هللا عليه وسلم في العقيدة والقول والعمل ‪ ,‬الثالث ‪ :‬يتزكى في حق عام ة الن اس من الغ ل‬
‫والحقد والعداوة والبغضاء ‪.‬‬
‫[ وذكر اسم ربه فصلى ] والمراد به كل ذكر السم هللا عز وجل ‪ ,‬أي كلما ذكر اإلنسان اسم هللا تعالى‬
‫اتعظ وأقبل إلى هللا وصلى ‪ [ ,‬بل تؤثرون الحياة الدنيا ] بين هللا تع‪%%‬الى ح‪%%‬ال اإلنس‪%%‬ان أن‪%%‬ه م‪%%‬ؤثر للحي‪%%‬اة‬
‫الدنيا ألنها عاجلة ‪ ,‬واإلنسان خلق من عجل ويحب ما في‪%%‬ه العجل‪%%‬ة ‪ [ ,‬واآلخ‪%%‬رة خ‪%%‬ير وأبقى ] خ‪%‬ير بم‪%%‬ا‬
‫فيها من النعيم والسرور الدائم وبسبب بقائه‪%%‬ا أب‪%%‬د اآلب‪%%‬دين ‪ [ ,‬إن ه‪%%‬ذا ] ك‪%%‬ون اإلنس‪%%‬ان ي‪%%‬ؤثر ال‪%%‬دنيا على‬
‫اآلخرة [ لفي الصحف األولى ] السابقة على هذه األمة ‪ [ ,‬صحف إبراهيم وموس‪%%‬ى ] هي ص‪%%‬حف ج‪%%‬اء‬
‫بها إبراهيم وموسى عليهما الصالة والسالم وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به األحوال ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫تفسير سورة الغاشية‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫اص ب ٌة (‪ )3‬تَص لَى َن ارا ح ِ‬


‫ام َي ًة (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َه ْل َأتَا َك َح ِد ُ‬
‫ً َ‬ ‫ْ‬ ‫يث ا ْل َغاش َية (‪ُ )1‬و ُجوهٌ َي ْو َم ذ َخاش َع ٌة (‪َ )2‬عاملَ ٌة َن َ‬
‫وع (‪)7‬‬ ‫س ِم ُن َواَل ُي ْغ ِني ِم ْن ُج ٍ‬
‫يع (‪ )6‬اَل ُي ْ‬ ‫ام ِإاَّل ِم ْن َ‬
‫ض ِر ٍ‬ ‫ط َع ٌ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫سقَى م ْن َع ْي ٍن َآن َية (‪َ )5‬ل ْي َ‬
‫س لَ ُه ْم َ‬ ‫تُ ْ‬
‫[ هل أتاك حديث الغاشية ] نبأ وخبر الداهية العظيمة التي تغشى الن‪%%‬اس وهي ي‪%‬وم القيام‪%‬ة ‪ ,‬ثم قس‪%%‬م هللا‬
‫سبحانه وتعالى الناس في هذا اليوم إلى قسمين فقال ‪ [ :‬وجوه يومئذ خاشعة ] أي ذليلة ‪ [ ,‬عاملة ناصبة‬
‫] بما تكلف به من جر السالسل واألغالل والخوض في نار جهنم أعاذنا هللا منها ‪ [ ,‬تصلى ن‪%%‬ارا حامي‪%%‬ة‬
‫] أي تدخل في نار جهنم ‪ [ ,‬تسقى ] هذه الوجوه [ من عين آنية ] شديدة الحرارة هذا بالنسبة لش‪%%‬رابهم ‪,‬‬
‫[ ليس لهم طعام إال من ضريع ] والضريع هو شجر ذو شوك عظيم إذا يبس ال يرع‪%%‬اه وال البه‪%%‬ائم وإن‬
‫كان أخضر رعته اإلبل ويسمى عندنا الشبرق ولكن الضريع في نار جهنم يختلف عنه اختالفا عظيم‪%%‬ا ‪,‬‬
‫[ ال يسمن ] فال ينفع األبدان في ظاهرها [ وال يغني من جوع ] فال ينفعها في باطنها ‪.‬‬
‫ثم ذكر هللا عز وجل القسم الثاني من أقسام الناس في يوم الغاشية فقال ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اعم ٌة (‪ِ )8‬لس ع ِيها ر ِ‬
‫ِئ ٍ ِ‬
‫يه ا‬
‫يه ا اَل غ َي ًة (‪ )11‬ف َ‬
‫س َمعُ ف َ‬ ‫(‪ )9‬في َج َّنة َعال َي ة (‪ )10‬اَل تَ ْ‬ ‫اض َي ٌة‬ ‫َْ َ َ‬ ‫ُو ُج وهٌ َي ْو َم ذ َن َ‬
‫ص فُوفَ ٌة (‪)15‬‬ ‫وع ٌة (‪َ )14‬و َن َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ْي ٌن َج ِ‬
‫ق َم ْ‬
‫ار ُ‬ ‫ض َ‬
‫اب َم ْو ُ‬ ‫(‪َ )13‬وَأ ْك َو ٌ‬ ‫وع ٌة‬ ‫س ُرٌر َم ْرفُ َ‬
‫يه ا ُ‬
‫ار َي ٌة (‪ )12‬ف َ‬
‫َو َز َرا ِب ُّي َم ْبثُوثَ ٌة (‪)16‬‬

‫[ وجوه يومئذ ناعمة ] أي ناعمة بما أعطاها اهلل عز وجل من السرور والثواب الجزيل ‪ [ ,‬لسعيها‬
‫راضية ] أي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية ألنها وصلت به إلى هذا النعيم ‪ [ ,‬في جنة عالية ]‬
‫الجنة هي دار النعيم التي أعدها اهلل عز وجل ألوليائه وهي عالية فوق السماوات السبع ‪ [ ,‬ال تسمع‬
‫فيها الغية ] أي ال تسمع في هذه الجنة قولة الغية أو نفسا الغية ‪ [ ,‬فيها عين جارية ] أنهار تجري‬
‫حيث أراد أهلها ال تحتاج حفر ساقيو وال إقامة أخدود ‪ [ ,‬فيها سرر مرفوعة ] عالية يجلسون عليها‬
‫يتفكه ون [ وأك واب موض وعة ] ليس ت مرفوع ة عنهم ب ل موض وعة لهم م تى ش اءوا ش ربوا فيه ا [‬
‫ونم ارق مص فوفة ] هي الوس ادة أو م ا يتكئ علي ه مص فوفة على أحس ن وج ه [ وزرابي مبثوث ة ]‬
‫الزرابي أعلى أنواع الفرش منشورة في كل مكان ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ف‬‫ال َك ْي َ‬ ‫ف ر ِف َع ْت (‪َ )18‬وِإلَى ا ْل ِج َب ِ‬ ‫ف ُخِلقَ ْت (‪ )17‬وِإلَى َّ ِ‬ ‫ون ِإلَى اِإْل ِب ِل َك ْي َ‬
‫الس َماء َك ْي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫(‪َ )16‬أفَاَل َي ْنظُ ُر َ‬
‫س ْي ِط ٍر (‬ ‫س ط َح ْت (‪ )20‬فَ َذ ِّك ْر ِإَّن َم ا َأْن َت ُم َذ ِّكٌر (‪ )21‬لَ ْ‬
‫س َت َعلَ ْي ِه ْم ِب ُم َ‬
‫ف ِ‬
‫ض َك ْي َ ُ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ُنص َب ْت (‪َ )19‬وِإلَى ْ‬
‫ِ‬

‫‪ِ )22‬إاَّل َم ْن تَ َولَّى َو َكفَ َر (‪ )23‬فَ ُي َع ِّذ ُب ُه اللَّ ُه ا ْل َع َذ َ‬


‫اب اَأْل ْك َب َر (‪ِ )24‬إ َّن ِإلَ ْي َن ا ِإ َي َاب ُه ْم (‪ )25‬ثُ َّم ِإ َّن َعلَ ْي َن ا‬
‫س َاب ُه ْم (‪)26‬‬ ‫ِ‬
‫حَ‬

‫[ أفال ينظرون إلى اإلبل ] وهي األباعر [ كيف خلقت ] يعني كيف خلقها اهلل عز وجل وذكر اإلبل‬
‫ألنه ا أعم الحيوانات نفعا وأكثرها مصلحة للعباد ‪ [ ,‬وإ لى السماء كيف رفعت ] رفعت هذا االرتفاع‬
‫العظيم ومع هذا فليس لها عمد ‪ [ ,‬وإ لى الجبال كيف نصبت ] نصبها جل وعال بهذا االرتفاع لتكون‬
‫رواس ي في األرض لئال تمي د بالن اس ‪ [ ,‬وإ لى األرض كي ف س طحت ] جعله ا س طحا واس عا ليتمكن‬
‫الناس من العيش فيه بالزراعة والبناء وغير هذا ‪ [ ,‬فذكر ] أمر اهلل تعالى نبيه أن يذكر كل أحد في‬
‫ك ل ح ال وفي ك ل مك ان [ إنم ا أنت م ذكر ] يع ني محم د ص لى اهلل علي ه وس لم ليس إال م ذكرا مبلغ ا‬
‫والهداية بيد اهلل عز وجل‬

‫– فائدة ‪ :‬فإذا ُذ ِك رت ولم تجد من قلبك تأثرا وانتفاعا فاتهم نفسك ‪ ,‬واعلم أن فيك نقص إيمان ألنه لو كان‬
‫إيمانك كامال النتفعت بالذكرى ألن الذكرى البد أن تنفع المؤمنين ‪.‬‬

‫[ لس ت عليهم بمص يطر ] علي ك البالغ والس لطان والس يطرة هلل ع ز وج ل ‪ [ ,‬إال من ت ولى وكف ر ]‬
‫أع رض واس تكبر [ فيعذب ه اهلل الع ذاب األك بر ] ق د بل غ الغاي ة في الك بر والمش قة واإلهان ة ‪ [ ,‬إن إلين ا‬
‫إي ابهم ] أي م رجعهم ‪ [ ,‬ثم إن علين ا حس ابهم ] نحاس بهم ‪ ,‬ق ال الن بي علي ه الص الة والس الم لعائش ة ‪:‬‬
‫(( من نوقش الحساب هلك ))‬

‫‪ -‬فائ دة ‪ :‬المؤمن فإن هللا تعالى يخلو به بنفسه ويق رره بذنوب ه ح تى إذا أق ر به ا ق ال هللا تع الى ‪ ( :‬ق د‬
‫سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك الي وم ) أم ا الكف ار فتحص ى عليهم ألعم الهم ويق ررون به ا أم ام‬
‫العالم ويحصون بها ‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬هذه إحدى السورتين التي يقرأ بهما النبي في المجامع الكبيرة في صالة العيدين وصالة الجمعة‬
‫فقد كان يقرأ [ األعلى ] و [ الغاشية ] ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫تفسير سورة الفجر‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س ٌم ِل ِذي ِح ْج ٍر (‬ ‫ِ ِ‬
‫س ِر (‪َ )4‬ه ْل في َذل َك قَ َ‬ ‫الش ْف ِع َوا ْل َوتْ ِر (‪َ )3‬واللَّْي ِل ِإ َذا َي ْ‬
‫ش ٍر (‪َ )2‬و َّ‬ ‫َوا ْلفَ ْج ِر (‪َ )1‬ولَ َي ٍ‬
‫ال َع ْ‬

‫ق ِم ْثلُ َه ا ِفي ا ْل ِباَل ِد (‪َ )8‬وثَ ُم َ‬


‫ود‬ ‫ات ا ْل ِع َم ِاد (‪ )7‬الَِّتي لَ ْم ُي ْخلَ ْ‬
‫ف فَع َل ر ُّب َك ِبع ٍاد (‪ِ )6‬إرم َذ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫‪َ )5‬ألَ ْم تَ َر َك ْي َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َ ِ‬ ‫اَأْلوتَ ِاد (‪ )10‬الَّ ِذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫ط َغ ْوا في ا ْل ِباَل د (‪ )11‬فَ َأ ْكثَُروا ف َ‬
‫يه ا‬ ‫الص ْخ َر ِبا ْل َواد (‪َ )9‬و ِف ْر َع ْو َن ذي ْ‬
‫ين َج ُابوا َّ‬
‫ص ِاد (‪)14‬‬ ‫ِ‬
‫اب (‪ِ )13‬إ َّن َر َّب َك لَ ِبا ْلم ْر َ‬
‫ط َع َذ ٍ‬
‫س ْو َ‬‫ُّك َ‬‫ب َعلَ ْي ِه ْم َرب َ‬
‫ص َّ‬
‫اد (‪ )12‬فَ َ‬‫سَ‬‫ا ْلفَ َ‬

‫‪33‬‬
‫[ والفجر ] النور الساطع الذي يكون في األفق الشرقي قرب طلوع الشمس وأقسم اهلل به ألنه ابتداء‬
‫النه ار وألن ه ال يق در على اإلتي ان ب ه إال اهلل ع ز وج ل وألن ه ي ترتب علي ه أحك ام شرعية مث ل إمساك‬
‫الص ائم ودخ ول وقت ص الة الفج ر ‪ [ ,‬ولي ال عش ر ] ي رجح أنه ا اللي الي العش ر األواخ ر من رمض ان‬
‫وأقس م اهلل به ا لش رفها وألن فيه ا ليل ة الق در وألن المس لمين يختم ون به ا ش هر رمض ان ‪ [ ,‬والش فع‬
‫والوتر ] قيل المراد به كل الخلق إما شفع و إما وتر وقفيل ‪ :‬الشفع الخلق كلهم والوتر اهلل عز وجل ‪,‬‬
‫[ واللي ل إذا يسر] وه و الس ير في اللي ل وأقس م اهلل ب ه لم ا في س اعاته من العب ادات كص التي المغ رب‬
‫والعش اء وقي ام اللي ل وال وتر ‪ ,‬وألن في اللي ل مناس بة عظيم ة وهي أن اهلل تع الى ي نزل ك ل ليل ة إلى‬
‫السماء الدنيا حين يبقى الثلث األخير من الليل فيقول ‪ (( :‬من يسألني فأعطيه ‪ ,‬من يدعوني فأستجيب‬
‫له ‪ ,‬من يستغفرني فأغفر له )) ‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬إن الثلث اآلخر من الليل وقت إجابة فينبغي أن ينتهز اإلنسان هذه الفرصة فيقوم هلل ع ز وج ل‬
‫يتهجد ويدعو هللا سبحانه بما شاء من خير الدنيا واآلخرة لعله يص ادف س اعة إجاب ة ينتف ع به ا في دني اه‬
‫وأخراه ‪.‬‬

‫[ هل في ذلك قسم لذي حجر ] لذي عقل ‪ [ ,‬ألم تر كيف فعل ربك بعاد ] وعاد قبيله معروفة أرسل‬
‫اهلل تعالى لهم هودا فبلغهم الرسالة ولكنهم عتوا وبغوا واالستفهام يراد به االعتبار ‪ [ ,‬إرم ذات العماد‬
‫] قيل بأن إرم اسم قبيلة أو قرية ذات أبنية قوية ‪ [,‬التي لم يخلق مثلها في البالد ] لم يصنع مثلها ألنها‬
‫قوي ة ومحكم ة ‪ [ ,‬وثم ود ال ذين ج ابوا الص خر ب الواد ] وهم ق وم ص الح ال ذين أعط اهم اهلل ق وة ح تى‬
‫صاروا يخرقون الجبال والصخور العظيمة ويصنعون منها بيوتا ‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬علينا أن نعتبر بحال هؤالء المكذبين الذين صار مآلهم إلى الهالك والدمار وليعلم أن هذه األمة‬
‫لن تهلك بما أهلكت به األمم السابقة بهذا العذاب العام فإن النبي صلى هللا عليه وسلم سأل هللا تع الى أن ال‬
‫يهلكها بسنة عامة ‪ ,‬ولكن ق د تهل ك ه ذه األم ة ب أن يجع ل هللا بأس هم بينهم ش ديد فتج ري بينهم الح روب‬
‫والمقاتلة ويكون هالك بعضهم على يد بعض ‪ ,‬لهذا يجب علينا أن نحذر الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪.‬‬

‫[ وفرع ون ] ال ذي أرس ل اهلل تع الى ل ه موس ى [ ذي األوت اد ] أي ذي الق وة ألن جن وده ك انوا ل ه‬
‫بمنزل ة الوت د ‪ [ ,‬ال ذين طغ وا في البالد ] زادوا عن ح دهم واعت دوا على عب اد اهلل ‪ [ ,‬ف أكثروا فيه ا‬
‫الفساد ] وهو الفساد المعنوي الذي يتبعه الفساد الحسي ‪ [ ,‬فصب عليهم ربك ] الصب يكون من فوق‬
‫‪34‬‬
‫والعذاب أتاهم من فوق من عند اهلل عز وجل [ سوط عذاب ] عصا عذاب أهلكهم وأبادهم ‪ [ ,‬إن ربك‬
‫لبالمرصاد ] هذه اآلية تفيد التهديد والوعيد لمن استكبر عن عبادة اهلل ‪ ,‬أو كذب خبره ‪.‬‬

‫َأما ِإ َذا َم ا ْابتَاَل هُ فَقَ َد َر َعلَ ْي ِه‬ ‫ان ِإ َذا َما ْابتَاَل هُ َرب ُ‬
‫ُّه فََأ ْك َر َم ُه َو َن َّع َم ُه فَ َيقُ و ُل َر ِّبي َأ ْك َر َم ِن (‪َ )15‬و َّ‬ ‫س ُ‬ ‫َأما اِإْل ْن َ‬
‫فَ َّ‬
‫ين (‬ ‫س ِك ِ‬ ‫ون علَى َ ِ ِ‬
‫ط َع ام ا ْلم ْ‬ ‫اض َ َ‬ ‫يم (‪َ )17‬واَل تَ َح ُّ‬ ‫َأه ا َن ِن (‪َ )16‬كاَّل ب ل اَل تُ ْك ِرم َ ِ‬
‫ون ا ْل َيت َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِر ْزقَ ُه فَ َيقُ و ُل َر ِّبي َ‬
‫اث َأكْاًل لَ ًّما (‪َ )19‬وتُ ِحب َ‬
‫ُّون ا ْل َما َل ُحبًّا َج ًّما (‪)20‬‬ ‫ون التَُّر َ‬
‫‪َ )18‬وتَْأ ُكلُ َ‬

‫[ فأما اإلنسان إذا ما ابتاله ربه ]‬

‫فائدة ‪ :‬االبتالء من هللا عز وجل يكون ب الخير وبالش ر كم ا ق ال تع الى [ ونبل وكم ب الخير والش ر‬ ‫‪-‬‬
‫فتنة ] فيبتلى اإلنسان بالخير ليبلوه هللا عز وجل أيش كر أم يكف ر ‪ ,‬ويبتلى بالش ر ليبل وه أيص بر أم‬
‫يفجر وأحوال اإلنسان دائرة بين خير وشر ‪.‬‬

‫[ ربي أكرمن ] يعني أنني أهل لإلكرام وال يعترف بفضل اهلل عز وجل ‪ [ ,‬وأما إذا ما ابتاله فقدر‬
‫عليه رزقه ] ضيق عليه الرزق [ فيقول ربي أهانن] يقول إن اهلل تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني ‪,‬‬
‫[ كال ] بل هذا مقتضى حكمته وعدله [ بل ال تكرمون اليتيم ] إذا أكرمكم اهلل بالنعم ال تعطفون على‬
‫اليتامى ‪ ,‬واليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه من ذكر أو أنثى [ وال تحاضون على طعام المسكين ]‬
‫يع ني ال يحض بعض كم بعض ا على أن يطعم المس كين وإ ذا ك ان ال يحض غ يره فه و أيض ا ال يفعل ه‬
‫[ وت أكلون ال تراث أكال لم ا ] وال تراث ه و م ا يورث ه اهلل العب د من الم ال ‪ [ ,‬وتحب ون‬ ‫بنفس ه‬
‫المال حبا جما ] أي حبا عظيما‬

‫يء َي ْو َمِئ ٍذ ِب َج َه َّن َم َي ْو َمِئ ٍذ‬


‫ص فا (‪َ )22‬و ِج َ‬
‫َد ًّكا َد ًّكا (‪ )21‬و َج اء ر ُّب َك وا ْلملَ ُك ص فًّا ًّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ َ‬ ‫ض‬
‫اَأْلر ُ‬ ‫ِ‬
‫َكاَّل ِإ َذا ُد َّكت ْ‬
‫ِئ ٍ‬ ‫الذ ْكرى (‪ )23‬يقُو ُل يا لَ ْيتَِني قَدَّم ُ ِ ِ‬
‫َأح ٌد‬
‫ب َع َذ َاب ُه َ‬ ‫ت ل َح َياتي (‪ )24‬فَ َي ْو َم ذ اَل ُي َع ِّذ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لَ ُه ِّ‬
‫ان َو ََّأنى‬
‫س ُ‬ ‫َيتَ َذ َّك ُر اِإْل ْن َ‬
‫اض ي ًة مر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫ض َّي ًة (‬ ‫س ا ْل ُم ْط َم َّن ُة (‪ْ )27‬ار ِجعي ِإلَى َر ِّبك َر َ َ ْ‬ ‫َأح ٌد (‪َ )26‬ي ا َأيَّتُ َه ا َّ‬
‫الن ْف ُ‬ ‫ق َوثَاقَ ُه َ‬ ‫(‪َ )25‬واَل ُيو ِث ُ‬
‫اد ُخ ِلي ِفي ِع َب ِادي (‪َ )29‬و ْاد ُخِلي َج َّن ِتي (‪)30‬‬ ‫‪ )28‬فَ ْ‬

‫[ كال إذا دكت األرض دك ا دكا ] حتى ال ت رى فيه ا عوجا وال أمت ا ت دك الجب ال وال بن اء وال أش جار‬
‫وتم د األرض ‪ [ ,‬وج اء رب ك ] وه ذا المجيء ه و مجيئ ه ع ز وج ل ه و نفس ه ولكن ال نعلم كي ف ه ذا‬

‫‪35‬‬
‫المجيء والس ؤال عن ه بدع ة [ والملك ] جمي ع المالئك ة ‪ [ ,‬وجيء يومئ ذ بجهنم ] ه ذه الن ار إذا رأت‬
‫أهلها من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا تنخلع منه القلوب ‪ [ ,‬يومئذ يتذكر اإلنسان ] يتذكر أنه‬
‫وع د به ذا الي وم [ وأنى ل ه ال ذكرى ] بعي د أن ينتف ع به ذه ال ذكرى ‪ [ ,‬يق ول ي ا ليت ني ق دمت لحي اتي ]‬
‫يتمنى أنه قدم لحياته وهي الدار اآلخرة ‪ [ ,‬فيومئذ ال يعذب عذابه أحد ‪ .‬وال يوثق وثاقه أحد ] أي ال‬
‫يعذب عذاب اهلل أحد بل عذاب اهلل أشد ‪ ,‬وال يوثق وثاقه أحد بل هو أشد ‪ [ ,‬يا أيتها النفس المطمئن ة ]‬
‫يعني المؤمنة اآلمنة ‪ [ ,‬ارجعي إلى ربك راضية ] بما أعطاك اهلل من نعيم [ مرضية ] عند اهلل عز‬
‫وج ل ‪ [ ,‬ف ادخلي في عب ادي ] ادخ ل من جمل ة عب ادي الص الحين ‪ [ ,‬وادخلي جن تي ] أي جنت ه ال تي‬
‫أعدها اهلل عز وجل ألوليائه ‪ ,‬أضافها اهلل إلى نفسه تشريفا لها وتعظيما ‪ ,‬يقال هذا للمؤمن عند النزع‬
‫في آخر لحظة من الدنيا ‪.‬‬

‫تفسير سورة البلد‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ان ِفي َك َب ٍد (‪)4‬‬ ‫س َ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اَل ُأقْس ُم ِب َه َذا ا ْلَبلَد (‪َ )1‬وَأْن َت ح ٌّل ِب َه َذا ا ْلَبلَد (‪َ )2‬و َوال د َو َم ا َولَ َد (‪ )3‬لَقَ ْد َخلَ ْق َن ا اِإْل ْن َ‬
‫َأح ٌد (‪َ )7‬ألَ ْم َن ْج َع ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأن َل ْم َي َرهُ َ‬ ‫ب ْ‬ ‫س ُ‬‫ت َم ااًل لُ َب ًدا (‪ََ )6‬أي ْح َ‬
‫َأهلَ ْك ُ‬
‫َأح ٌد (‪َ )5‬يقُ و ُل ْ‬‫َأن لَ ْن َي ْقد َر َعلَ ْيه َ‬
‫ب ْ‬ ‫سُ‬ ‫ََأي ْح َ‬
‫الن ْج َد ْي ِن (‪)10‬‬‫شفَتَْي ِن (‪َ )9‬و َه َد ْي َناهُ َّ‬ ‫لَ ُه َع ْي َن ْي ِن (‪َ )8‬و ِل َ‬
‫سا ًنا َو َ‬

‫[ ال أقس م به ذا البل د ] ال لالس تفتاح والتوكي د وليس ت نافي ة ‪ ,‬والبل د هن ا مك ة أقس م اهلل به ا لش رفها‬
‫وعظمها ‪ [ ,‬وأنت حل بهذا البلد ] حال كونك حاال بهذا البلد ألن حلول النبي في مكة يزيدها شرفا‬
‫وقيل المعنى ‪ :‬وأنت تستحل هذا البلد ألن مكة في عام الفتح أحلت للرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪[ ,‬‬
‫ووالد وما ولد ] المراد كل والد وما ولد ‪ ,‬اإلنسان والبهائم ‪ [ ,‬لقد خلقنا اإلنسان في كبد ] في معاناة‬
‫لمشاق األمور وقيل ‪ :‬في حسن قامة واستقامة ويصح أن تحمل اآلية على المعنيين ‪ [ ,‬أيحسب أن لن‬
‫يقدر عليه أحد ] يظن أن لن يقدر عليه أحد هذا للكافر أما المؤمن فإنه يعلم أن اهلل تعالى قادر عليه ‪,‬‬
‫‪36‬‬
‫[ يقول ] اإلنسان [ أهلكت ماال لبدا ] أي ماال كثيرا في شهواته وملذاته ‪ [ ,‬أيحسب أن لم يره أحد ]‬
‫أيظن ه ذا أن ه ال ي راه أح د في تب ذيره للم ال وص رفه في م ا ال ينف ع ‪ [ ,‬ألم نجع ل ل ه عي نين ] يبص ر‬
‫فيهما ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هاتان العينان تؤديان إلى القلب ما نظر إليه اإلنسان ‪ ,‬فإن نظر نظرة محرمة كان آثما وإن‬ ‫‪-‬‬
‫نظر نظرا يقربه إلى هللا كان غانما أذا نظر إلى ما يباح ل ه فإن ه ال يحم د وال ي ذم م ا لم يكن ه ذا‬
‫النظر مفضيا إلى محظور شرعي فيكون آثما بهذا النظر ‪.‬‬

‫[ ولس انا وش فتين ] لس انا ينط ق ب ه وش فتين يض بط بهم ا النط ق ‪ [ ,‬وه ديناه النج دين ] قي ل ‪ :‬بين ا ل ه‬
‫طري ق الخير وطريق الش ر ‪ ,‬وقيل ‪ :‬دللناه على ما به غ ذاؤه وه و الثديان فإنهما نجدان الرتفاعهما‬
‫فوق الصدر ‪.‬‬

‫س َغ َب ٍة (‬ ‫ِ‬ ‫اك م ا ا ْلعقَب ُة (‪ )12‬فَ ُّك رقَب ٍة (‪َ )13‬أو ِإ ْطع ِ‬


‫ام في َي ْوٍم ذي َم ْ‬‫ْ َ ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫فَاَل اقْتَ َح َم ا ْل َعقَ َب َة (‪َ )11‬و َم ا َْأد َر َ َ َ َ‬
‫اص ْوا ِب َّ‬
‫الص ْب ِر‬ ‫َآم ُن وا َوتََو َ‬
‫ين َ‬‫ان ِم َن الَّ ِذ َ‬
‫س ِكي ًنا َذا َمتَْر َب ٍة (‪ )16‬ثُ َّم َك َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يم ا َذا َم ْق َر َب ة (‪َْ )15‬أو م ْ‬
‫ِ‬
‫‪َ )14‬يت ً‬
‫َأم ِة (‬
‫ش َ‬ ‫اب ا ْل َم ْ‬
‫َأص َح ُ‬
‫ين َكفَروا ِب ِ‬
‫َآيات َن ا ُه ْم ْ‬
‫َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ا ْل َم ْي َم َنة (‪َ )18‬والذ َ ُ‬
‫َأص َح ُ‬
‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫اص ْوا ِبا ْل َم ْر َح َمة (‪ُ )17‬أولَ َك ْ‬‫َوتََو َ‬
‫‪َ )19‬علَ ْي ِه ْم َن ٌار ُمْؤ َ‬
‫ص َدةٌ (‪)20‬‬

‫‪ [ ‬فال اقتحم العقب ة ] أي اإلنس ان ال ذي يق ول أهلكت م اال لب دا ‪ ,‬واالقتح ام ه و التج اوز بمش قة والعقب ة‬
‫هي الجب ل ال وعر وال يتجاوزه ا إال من ك انت لدي ه ني ة ص ادقة ‪ [ ,‬وم ا أدراك م ا العقب ة ] االس تفهام‬
‫للتشويق والتفخيم [ فك رقبة] ولها معني ان ‪ :‬األول ‪ :‬فكها من الرق ‪ ,‬الثاني ‪ :‬فكة رقبة من األسر ‪,‬‬
‫[ أو ] للتنوي ع [ إطع ام في ي وم ذي مس غبة ] أي ذي مجاع ة ش ديدة[ يتيما] وه و من م ات أب وه قب ل أن‬
‫يبلغ [ ذا مقربة ] ذا قرابة من اإلنسان [ أو مسكينا ] المسكين هو الذي ال يجد قوته وال قوت عياله [‬
‫ذا مترب ة ] ليس بيدي ه ش يء إال ال تراب ‪ [ ,‬ثم ك ان من ال ذين آمن وا ] ذو إيم ان [ وتواص وا بالص بر ]‬
‫أوصى بعضهم بعضا بالصبر ‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬الصبر ثالثة أنواع ‪ :‬األول ‪ :‬الص بر على طاع ة هللا تع الى ‪ ,‬الث اني ‪ :‬الص بر عن معص ية هللا‬
‫تعالى ‪ ,‬الثالث ‪ :‬الصبر على أقدار هللا تعالى المؤلمة ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫[ وتواص وا بالمرحم ة ] أوص ى بعض هم بعض ا أن ي رحم اآلخ ر ‪ [ ,‬أولئ ك أص حاب الميمن ة ] يؤت ون‬
‫كت ابهم بيمينهم ‪ [ ,‬وال ذين كف روا بآياتن ا ] أي جح دوا به ا ‪ [ ,‬هم أص حاب المش ئمة ] يع ني الش مال أو‬
‫الشؤم ‪,‬‬

‫[ عليهم نار مؤصدة ] عليهم نار مغلقة ال يخرجون منها وال يستطيعون إلى ذلك سبيال‪.‬‬

‫تفسير سورة الشمس‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫الس م ِ‬
‫اء‬ ‫ار ِإ َذا َجاَّل َها (‪َ )3‬واللَّْي ِل ِإ َذا َي ْغ َ‬ ‫اها (‪َ )1‬وا ْلقَم ِر ِإ َذا تَاَل َها (‪َ )2‬و َّ‬
‫الن َه ِ‬ ‫الش ْم ِ‬
‫َو َّ‬
‫اها (‪َ )4‬و َّ َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬ ‫ض َح َ‬
‫س َو ُ‬
‫اه ا (‪ )8‬قَ ْد‬
‫ور َه ا َوتَ ْق َو َ‬
‫اها (‪ )7‬فََأْل َه َم َه ا فُ ُج َ‬
‫س َّو َ‬ ‫س َو َم ا َ‬ ‫اه ا (‪َ )6‬و َن ْف ٍ‬
‫ط َح َ‬ ‫ض َو َم ا َ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫اه ا (‪َ )5‬و ْ‬ ‫َو َم ا َب َن َ‬
‫اها (‪)10‬‬
‫س َ‬‫اب َم ْن َد َّ‬ ‫َأ ْفلَ َح َم ْن َز َّك َ‬
‫اها (‪َ )9‬وقَ ْد َخ َ‬

‫[ والشمس وضحاها ] أقسم اهلل تعالى بالشمس وضحاها وهو ضوؤها لما في ذلك من اآليات الدالة‬
‫على قدرت ه ‪ [ ,‬والقم ر إذا تاله ا ] قي ل إذا تاله ا في الس ير وقي ل إذا تاله ا في اإلض اءة ‪ ,‬فأقس م اهلل‬
‫تعالى بالشمس ألنها آية النهار وبالقمر ألنه آية الليل ‪ [ ,‬والنهار إذا جالها ] بين األرض ووضحها ‪,‬‬
‫[ والليل إذا يغش اها ] يغطي األرض ح تى يك ون كالعب اءة المفروش ة ‪ [ ,‬والس ماء وم ا بناه ا ] م ا‬
‫مص درية بمع نى والس ماء وبنائه ا المحكم ‪ [ ,‬واألرض وم ا طحاه ا ] وم ا س واها فك انت مس توية ‪[ ,‬‬
‫ونفس وما سواها ] المقصود كل نفس سواها خلقة وفطرة ‪ [ ,‬فألهمها ] أي اهلل عز وجل ألهم النفوس‬
‫[ فجوره ا وتقواه ا ] التق وى طاع ة اهلل والفج ور معص ية اهلل ‪ [ ,‬ق د أفلح ] ف از ب المطلوب ونج ا من‬

‫‪38‬‬
‫المره وب [ من زكاه ا ] بإخالص ها من الش رك وش وائب المعاص ي ‪ [ ,‬وق د خ اب من دس اها ] من‬
‫أرداها في المهالك والمعاصي ‪.‬‬

‫اها (‪)13‬‬
‫س ْق َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س و ُل اللَّه َناقَ َة اللَّه َو ُ‬
‫اها (‪ )12‬فَقَ ا َل َل ُه ْم َر ُ‬ ‫َأش قَ َ‬‫اه ا (‪ِ )11‬إِذ ا ْن َب َع َث ْ‬ ‫ط ْغ َو َ‬ ‫َك َّذ َب ْت ثَ ُم ُ‬
‫ود ِب َ‬
‫اها (‪)15‬‬ ‫اف ُع ْق َب َ‬
‫اها (‪َ )14‬واَل َي َخ ُ‬ ‫ُّه ْم ِب َذ ْن ِب ِه ْم فَ َ‬
‫س َّو َ‬ ‫فَ َك َّذ ُبوهُ فَ َعقَُر َ‬
‫وها فَ َد ْم َد َم َعلَ ْي ِه ْم َرب ُ‬

‫[ ك ذبت ثم ود ] قبيل ة دي ارهم في الحج ر ك ذبوا ن بيهم ص الح علي ه الس الم [ بطغواها ] أي بطغيانه ا‬
‫وعتوها ‪ [ ,‬إذ انبعث ] انطلق بسرعة [ أشقاها ] أعالهم في الشقاء والعي اذ باهلل يريد أن يقضي على‬
‫هذه الناقة ‪ [ ,‬فقال لهم رسول اهلل ناقة اهلل وسقياها ] أي ذروا ناقة اهلل ‪ [ ,‬فكذبوه ] أي كذبوا صالحا‬
‫[ فعقروها ] ذبحوا الناقة عقرا حصل به الهالك ‪ [ ,‬فدمدم عليهم ربهم ] أطبق عليهم فأهلكهم [ بذنبهم‬
‫] بس بب ذن وبهم [ فس واها ] عمه ا ب الهالك ‪ [ ,‬وال يخ اف عقباه ا ] اهلل ع ز وج ل ال يخ اف من عاقب ة‬
‫هؤالء الذين عذبهم ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬الذنوب سبب للهالك والدمار والفساد لقول هللا تع الى [ ظه ر الفس اد في ال بر والبح ر بم ا‬ ‫‪-‬‬
‫كسبت أيدي الناس لي ذيقهم بعض ال ذي عمل وا لعلهم يرجع ون ] ولقول ه تع الى ‪ [ :‬وإذا أردن ا أن‬
‫نهلك قري ة أمرن ا مترفيه ا ففس قوا فيه ا فح ق عليه ا الق ول ف دمرناها ت دميرا ] فاإلنس ان يص اب‬
‫بالمصائب من عند نفسه ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫تفسير سورة الليل‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ار ِإ َذا تَجلَّى (‪ )2‬وم ا َخلَ َ َّ‬ ‫َواللَّْي ِل ِإ َذا َي ْغ َ‬


‫ش تَّى (‪ )4‬فَ َّ‬
‫َأما‬ ‫ق ال ذ َك َر َواُأْلْنثَى (‪ِ )3‬إ َّن َ‬
‫س ْع َي ُك ْم لَ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫شى (‪َ )1‬و َّ‬
‫الن َه ِ‬
‫ِ‬ ‫َّق ِبا ْلحس َنى (‪ )6‬فَس ُني ِّ ِ‬
‫اس تَ ْغ َنى (‪)8‬‬
‫َأما َم ْن َبخ َل َو ْ‬ ‫س َرى (‪َ )7‬و َّ‬ ‫س ُرهُ ل ْل ُي ْ‬ ‫ََ‬ ‫صدَ ُ ْ‬ ‫طى َواتَّقَى (‪َ )5‬و َ‬ ‫َأع َ‬
‫َم ْن ْ‬
‫س َرى (‪َ )10‬و َما ُي ْغ ِني َع ْن ُه َمالُ ُه ِإ َذا تََردَّى (‪)11‬‬ ‫و َك َّذب ِبا ْلحس َنى (‪َ )9‬فس ُني ِّ ِ‬
‫س ُرهُ ل ْل ُع ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ ُ ْ‬

‫[ والنه ار إذا تجلى ] أي‬ ‫[ واللي ل إذا يغش ى ] أقس م اهلل تع الى باللي ل حين يغطي األرض بظالم ه ‪,‬‬
‫إذا ظهر وبان ‪ [ ,‬وما خلق الذكر واألنثى ] قيل أقسم اهلل تعالى بخلق الذكر واألنثى وقيل أقسم اهلل‬
‫تعالى بنفسه أي والذي خلق الذكر واألنثى ‪ [ ,‬إن سعيكم لشتى ] يعني إن عملكم لمتفرق تفرقا عظيما‬
‫‪ [ ,‬فأما من أعطى ] أي أعطى ما أمر بإعطائه من مال وجاه وعلم [ واتقى ] اتقى ما أمر باتقائه من‬
‫المحرم ات [ وص دق بالحس نى ] ص دق ق ول اهلل ع ز وج ل وق ول رس وله ص لى اهلل علي ه وس لم [‬
‫فسنيسره لليسرى ] فسييسره اهلل عز وجل لليسرى في أمور دينه ودنياه ‪ [ ,‬وأما من بخل ] لم يعط ما‬
‫أم ر بإعطائه [ واستغنى ] عن اهلل عز وج ل ولم يتق رب ه [ وكذب بالحسنى ] بق ول اهلل تعالى وقول‬
‫رسوله [ فسنيسره للعسرى ] ييسر للعسرى في أموره كلها ‪ [ ,‬وما يغني عنه ماله ] أي شيء يغني‬
‫عنه ماله إذا بخل به و[ تردى ] أي هلك فأي شيء يغني المال ؟ ال يغني شيئا ‪.‬‬

‫ِ‬
‫ِإ َّن َعلَ ْي َن ا لَ ْل ُه َدى (‪َ )12‬وِإ َّن لَ َن ا لََآْلخ َرةَ َواُأْلولَى (‪ )13‬فََأْن َذ ْرتُ ُك ْم َن ًارا تَلَظَّى (‪ )14‬اَل َي ْ‬
‫ص اَل َها ِإاَّل‬

‫س ُي َج َّن ُب َها اَأْلتْقَى (‪ )17‬الَّ ِذي ُي ْؤ ِتي َمالَ ُه َيتَ َز َّكى (‪َ )18‬و َم ا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اَأْلش قَى (‪ )15‬الَّذي َك ذ َب َوتَ َولَّى (‪َ )16‬و َ‬ ‫ْ‬
‫ضى (‪)21‬‬
‫ف َي ْر َ‬
‫س ْو َ‬ ‫اء َو ْج ِه َر ِّب ِه ْ‬
‫اَأْلعلَى (‪َ )20‬ولَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َأِلحد ع ْن َدهُ م ْن ن ْع َمة تُ ْج َزى (‪ِ )19‬إاَّل ْابت َغ َ‬
‫َ‬

‫‪40‬‬
‫[ إن علينا للهدى ] فيه التزام من اهلل عز وجل أن يبين للخلق ما يحتاجون إليه ‪ .‬والمراد بالهدى ‪:‬‬
‫هدى البيان واإلرشاد ‪ [ ,‬وإ ن لنا لآلخرة واألولى ] يعني لنا اآلخرة واألولى ‪ [ ,‬فأنذرتكم نارا تلظى ]‬
‫خوفتكم نار اآلخرة التي تشتعل ‪ [ ,‬ال يصالها إال األشقى ] ال يحترق بها إال الذي لم تكتب له السعادة‬
‫‪ [ ,‬ال ذي ك ذب وت ولى ] التك ذيب في مقاب ل الخ بر والت ولي في مقاب ل األم ر والنهي ‪ [ ,‬وس يجنبها ]‬
‫يجنب هذه النار [ األتقى ] الذي اتقى اهلل تعالى حق تقاته ‪ [ ,‬الذي يؤتي ماله يتزكى ] يعطي ماله من‬
‫يس تحقه على وجه يتطهر به ‪ [ ,‬وم ا ألح د عنده من نعم ة تجزى ] ال يعطي المال مكافأة على نعمة‬
‫سابقة من شخص ‪ [ ,‬إال ابتغاء وجه ربه األعلى ] فهو ال ينفق إال طلب الوصول إلى دار كرامة اهلل‬
‫التي يكون بها رؤية اهلل عز وجل ‪ [ ,‬ولسوف يرضى ] سوف يرضيه اهلل عز وجل بما يعطيه من‬
‫الثواب الكبير‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫تفسير سورة الضحى‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫َآْلخ َرةُ َخ ْي ٌر لَ َك ِم َن اُأْلولَى (‪)4‬‬ ‫ُّك وم ا َقلَى (‪ )3‬ولَ ِ‬


‫َ‬ ‫َّع َك َرب َ َ َ‬ ‫س َجى (‪َ )2‬م ا َود َ‬ ‫الض َحى (‪َ )1‬واللَّْي ِل ِإ َذا َ‬ ‫َو ُّ‬

‫ضااًّل فَ َه َدى (‪َ )7‬و َو َج َد َك َع اِئ اًل‬ ‫َآوى (‪َ )6‬و َو َج َد َك َ‬ ‫يما فَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضى (‪َ )5‬ألَ ْم َيج ْد َك َيت ً‬ ‫ُّك فَتَْر َ‬
‫يك َرب َ‬ ‫ف ُي ْع ِط َ‬
‫س ْو َ‬
‫َولَ َ‬
‫ِّث (‪)11‬‬ ‫َأما ِب ِن ْع َم ِة َر ِّب َك فَ َحد ْ‬
‫الساِئ َل فَاَل تَْن َه ْر (‪َ )10‬و َّ‬
‫َأما َّ‬ ‫يم فَاَل تَ ْق َه ْر (‪َ )9‬و َّ‬ ‫فََأ ْغ َنى (‪ )8‬فَ َّ ِ‬
‫َأما ا ْل َيت َ‬

‫[ والض حى ] أول النه ار وفي ه الن ور والض ياء ‪ [ ,‬واللي ل إذا س جى ] إذا غطى األرض وس دل عليه ا‬
‫[ وما قلى ] وما أبغض ‪ ,‬وكان رسول اهلل صلى اهلل‬ ‫ظالمه ‪ [ ,‬ما ودعك ربك ] ما تركك وأهملك‬
‫عليه وسلم أحد الخليلين مع إبراهيم عليه السالم ‪ ,‬والخلة أعظم أنواع المحبة ‪ [ ,‬ولآلخرة خير ل ك من‬
‫األولى ] وذلك ألن اآلخرة فيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر ‪ [ ,‬ولسوف‬
‫] وس وف ت دل على تحق ق الش يء لكن بع د مهل ة وزمن [ يعطي ك رب ك فترض ى ] ولق د أعط اه اهلل عز‬
‫وجل ما يرضيه فإن اهلل تعالى يبعثه يوم القيامة مقاما محمودا يحمده فيه األولون واآلخرون ‪ ,‬ثم بين‬
‫اهلل سبحانه وتعالى نعمه السابقة حتى يستدل بها على النعم الالحقة [ ألم يجدك يتيما فآوى ] االستفهام‬
‫للتقرير ‪ ,‬يعني قد وجدك اهلل يتيما فآواك أي اهلل تعالى تكفل بك ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه‬
‫‪ ,‬ول و ك ان التعب ير ( ف آواك ) اختص اإلي واء ب ه ص لى اهلل علي ه وس لم واألم ر أوس ع من ذل ك ف إن اهلل‬
‫تعالى آواه وآوى به ‪ ,‬آوى به المؤمنين فنصرهم وأيدهم ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫[ ووجداك ضاال ] أي غير عالم ألن النبي صلى اهلل عليه وسلم لم يكن يعلم شيئا قبل أن ينزل عليه‬
‫الوحي [ فهدى ] فهو قد ُهدي عليه الصالة والسالم وهدى اهلل به فهو هاد مهدي عليه الصالة والسالم‬
‫‪ [ ,‬ووجدك عائال فأغنى ] أي وجدك فقيرا ال تملك شيئا فأغناك ‪ [ ,‬فأما اليتيم فال تقهر ] فإذا كان اهلل‬
‫آواك في يتمك فال تقهر ‪ [ ,‬وأما السائل فال تنهر ] يدخل في السائل ‪ ,‬السائل عن الشريعة عن العلم‬
‫ال تنهره وربما يدخل في ذلك أيضا سائل المال ‪ ,‬يعني إذا جاءك سائل يسألك ماال فال تنهره ‪ [ ,‬وأما‬
‫بنعمة ربك فحدث ] حدث بها إظهارا للنعمة وشكرا للمنعم ‪ ,‬ال افتخارا بها على الخلق ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تفسير سورة الشرح‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ظ ْه َر َك (‪َ )3‬و َرفَ ْع َن ا لَ َك ِذ ْك َر َك (‪)4‬‬


‫ض َ‬ ‫ض ْع َنا َع ْن َك ِو ْز َر َك (‪ )2‬الَّ ِذي َأْنقَ َ‬ ‫ص ْد َر َك (‪َ )1‬و َو َ‬ ‫ش َر ْح لَ َك َ‬ ‫َألَ ْم َن ْ‬
‫ص ْب (‪َ )7‬وِإلَى َر ِّب َك فَ ْار َغ ْب (‪)8‬‬ ‫س ًرا (‪ )6‬فَِإ َذا فََر ْغ َت فَا ْن َ‬ ‫س ًرا (‪ِ )5‬إ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬
‫س ِر ُي ْ‬ ‫فَِإ َّن َم َع ا ْل ُع ْ‬
‫س ِر ُي ْ‬

‫[ ألم نش رح ل ك ص درك ] االس تفهام للتقري ر ‪ ,‬وش رح الص در أن يك ون متس عا لحكم اهلل ع ز وج ل‬
‫بنوعي ه ‪ ,‬حكم اهلل الشرعي وهو الدين فال يستثقل تنفيذ أوامر اهلل واجتناب نواهيه ‪ ,‬حكم اهلل الكوني‬
‫فيشرح اهلل صدره فتجده راضيا بقضاء اهلل وقدره مطمئنا إليه ‪ [ ,‬ووضعنا عنك وزرك ] فالمعنى أن‬
‫اهلل تعالى غفر للنبي صلى اهلل عليه وسلم وزره وخطيئته حتى بقي مغفورا له قال تعال [ إنا فتحنا لك‬
‫فتحا مبينا ليغفر لك اهلل ما تقدم من ذنبك وما ت أخر ] ‪ ,‬وهذا من خصائص الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وس لم ‪ ,‬فه ل الن بي ي ذنب ؟ الج واب نعم فق د ق ال علي ه الص الة والس الم (( ك ل ب ني آدم خط اء وخ ير‬
‫الخط ائين التواب ون )) لكن هن اك أش ياء ال يمكن أن تق ع من األنبي اء مث ل الك ذب والخيان ة ‪ [ ,‬ال ذي‬
‫أنقض ظهرك ] أي هذا الوزر أتعب ظهر النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬إذا كان هذا وزر الرسول صلى هللا عليه وسلم فكيف بأوزار غيره‪ ,‬أوزارنا تقض ظهورنا‬ ‫‪-‬‬
‫وتنقضها وتتعبها ‪ ,‬ولكن كأننا لم نحمل شيئا وذلك لضعف إيماننا وكثرة غفلتنا ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬في بعض اآلثار ‪ :‬أن المؤمن إذا أذنب ذنبا صار عنده كالجبل فوق رأسه ‪ ,‬وأن المن افق إذا‬ ‫‪-‬‬
‫أذنب ذنبا صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا ‪ ,‬يعني ال يهتم ‪.‬‬

‫[ ورفعنا لك ذكرك ] رفع ذكر الرسول عليه الصالة والسالم ال أحد يشك فيه ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬ألنه يرفع ذكره عند كل صالة وذلك في األذان ‪.‬‬

‫ثاني ا ‪ :‬يرف ع ذك ره عن د ك ل عب ادة ألن من ش روطها ألن ك ل عب ادة الب د فيه ا من ش رطين ‪:‬‬
‫اإلخالص هلل تعالى ‪ ,‬متابعة الرسول ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يرفع ذكره في كل صالة في التشهد ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫[ فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ] هذه بشارة من اهلل عز وجل للرسول صلى اهلل عليه‬
‫وس لم ولس ائر األم ة ‪ ,‬ق ال ابن عب اس عن د ه ذه اآلي ة ‪ ( :‬لن يغلب عس ر يس رين ) وتوجي ه كالم ه‬
‫رضي اهلل عنه أن القاعدة تقول ‪ :‬أنه إذا كرر االسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو األول إال‬
‫ما ندر وإ ذا كرر االسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير األول ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬التيسير قد يكون أمرا ظاهريا حسيا مثل أن يكون اإلنسان فقيرا فييسر هللا تع الى ل ه الغ نى‬ ‫‪-‬‬
‫أو يكون مريضا فيشفيه هللا عز وجل ‪ ,‬وهناك تيسير معنوي وهو معونة هللا اإلنسان على الص بر‬
‫فيتيسر له كل عسير ‪.‬‬

‫[ فإذا فرغت فانصب ] إذا فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل اآلخرة وإ ذا فرغت من عمل اآلخرة‬
‫فعليك بعمل الدنيا أي اتعب للعمل اآلخر ‪ [ ,‬وإ لى ربك فارغب ] كن مع اهلل عز وجل قبل العمل‬
‫وبعد العمل ‪ ,‬قبل العمل تستعينه عز وجل وبعد العمل ترجو منه الثواب ‪.‬‬

‫تفسير سورة التين‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫‪44‬‬
‫س ِن تَ ْق ِو ٍيم (‬ ‫ان ِفي ْ‬
‫َأح َ‬ ‫ين (‪ )3‬لَقَ ْد َخلَ ْق َنا اِإْل ْن َ‬
‫س َ‬ ‫ين (‪ )2‬و َه َذا ا ْلبلَ ِد ِ‬
‫اَأْلم ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ين َ‬ ‫ور ِس ِ‬
‫ون (‪َ )1‬وطُ ِ‬ ‫ين َو َّ‬
‫الز ْيتُ ِ‬ ‫َوالتِّ ِ‬
‫ون (‪ )6‬فَ َم ا‬ ‫َأج ٌر َغ ْي ُر َم ْم ُن ٍ‬
‫ات َفلَ ُه ْم ْ‬ ‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين (‪ِ )5‬إاَّل الَّ ِذ َ‬‫افِل َ‬
‫‪ )4‬ثُ َّم ر َد ْد َناهُ َأس َف َل س ِ‬
‫َآم ُن وا َو َعملُ وا َّ َ‬
‫ين َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اك ِم َ‬
‫ين (‪)8‬‬ ‫َأح َكِم ا ْلح ِ‬
‫َ‬ ‫س اللَّ ُه ِب ْ‬ ‫ُي َك ِّذ ُب َك َب ْع ُد ِبالد ِ‬
‫ِّين (‪َ )7‬ألَ ْي َ‬

‫[ والتين والزيتون ] أقسم اهلل بهما ألنهما يكثران في فلسطين ‪ [ ,‬وطور سينين ] أقسم اهلل تعالى به‬
‫ألنه الجبل الذي كلم اهلل عنده موسى ‪ [ ,‬وهذا البلد األمين ] وهو مكة وأقسم اهلل بها ألنها أحب البقاع‬
‫إلى اهلل ‪ [ ,‬لق د خلقن ا اإلنس ان في أحس ن تق ويم ] في أحس ن هيئ ة وخلق ة ‪ ,‬وقي ل في أحس ن فط رة‬
‫[ ثم رددناه أسفل سافلين ] اهلل تعالى يرد اإلنسان أسفل سافلين ( ِخلقة ) فكلم ا ازداد في‬ ‫وقصدا ‪,‬‬
‫السن في اإلنسان تغير إلى أردأ في القوة الجسدية ‪ ,‬و ( فطرة ) إشارة إلى أن من الناس من تعود به‬
‫حاله أسفل سافلين بعد أن كان في القمة من اإليمان والعلم ‪ [ ,‬إال الذين آمنوا وعملوا الصالحات ] ال‬
‫يردون إلى أسفل سافلين ‪ [ ,‬فلهم أجر غير منون ] ثواب غير مقطوع ‪ [ ,‬فما يكذبك بعد بالدين يكذبك‬
‫بعد بالدين] ‪ [ ,‬أليس اهلل بأحكم الحاكمين ] االستفهام للتقرير وأحكم من الحكمة والحكم ‪.‬‬

‫تفسير سورة العلق‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ُّك اَأْل ْك َر ُم (‪ )3‬الَّ ِذي َعلَّ َم ِب ا ْل َقلَِم (‬ ‫ان ِم ْن َعلَ ٍ‬


‫ق (‪ )2‬ا ْق َرْأ َو َرب َ‬ ‫س َ‬‫ق اِإْل ْن َ‬
‫ق (‪َ )1‬خلَ َ‬ ‫اسِم َر ِّب َك الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫اق َْرْأ ِب ْ‬
‫ان َما لَ ْم َي ْعلَ ْم (‪)5‬‬
‫س َ‬‫‪َ )4‬علَّ َم اِإْل ْن َ‬

‫‪45‬‬
‫[ اقرأ باسم ربك ] ألن أسماء اهلل تعالى كلها خير وكلها إعانة يستعين بها اإلنسان ويستعين بها على‬
‫وضوئه ويستعين بها على أكله وجماعه فهي كلها عون ‪ [ ,‬الذي خلق ] خلق كل شيء [ خلق اإلنسان‬
‫من عل ق ] أي ابتدأ خلق ه من دودة حم راء من الدم صغيرة وهذا ه و المنشأ ال ذي به الحي اة ‪ ,‬وخص‬
‫اإلنسان تكريما له ‪ [ ,‬اقرأ وربك األكرم الذي علم بالقلم ] التعليم بالقلم أكثر ما يعتمد الشرع عليه إذ‬
‫أن الشرع يكتب ويحفظ ‪.‬‬

‫اس تَ ْغ َنى (‪ِ )7‬إ َّن ِإلَى َر ِّب َك ال ُّر ْج َعى (‪ََ )8‬أر َْأي َت الَّ ِذي َي ْن َهى (‪)9‬‬
‫َأن َرَآهُ ْ‬ ‫ان َل َي ْط َغى (‪ْ )6‬‬ ‫س َ‬ ‫َكاَّل ِإ َّن اِإْل ْن َ‬
‫َأم َر ِب التَّ ْق َوى (‪ََ )12‬أر َْأي َت ِإ ْن َك َّذ َب َوتَ َولَّى‬
‫ان َعلَى ا ْل ُه َدى (‪َْ )11‬أو َ‬ ‫صلَّى (‪ََ )10‬أر َْأي َت ِإ ْن َك َ‬ ‫َع ْب ًدا ِإ َذا َ‬
‫اطَئ ٍة (‬
‫اص ي ٍة َك ِاذب ٍة َخ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َأن اللَّ َه ي رى (‪َ )14‬كاَّل لَِئ ْن لَم ي ْنتَ ِه لَ َنس فَع ْن ِب َّ ِ ِ‬
‫الناص َية (‪َ )15‬ن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫(‪َ )13‬ألَ ْم َي ْعلَ ْم ِب َّ‬
‫ِ‬ ‫‪َ )16‬ف ْلي ْدعُ َن ِادي ُه (‪ )17‬س َن ْدعُ َّ ِ‬
‫الز َبان َي َة (‪َ )18‬كاَّل اَل تُط ْع ُه َو ْ‬
‫اس ُج ْد َواقْتَ ِر ْب (‪)19‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫[ كال ] بمع نى حق ا [ إن اإلنس ان ليطغى ‪ .‬أن رآه اس تغنى ] ك ل إنس ان من ب ني آدم إذا رأى نفس ه‬
‫استغنى فإنه يطغى وهو مجاوزة الحد ولكن هذا يخرج منه المؤمن ألن المؤمن ال يرى أنه استغنى‬
‫عن اهلل طرف ة عين ‪ [ ,‬إن إلى رب ك ال رجعى ] أي المرج ع مهم ا طغيت وعل وت واس تكبرت‬
‫[ أرأيت ال ذي ينهى عب دا إذا ص لى ] أب و جه ل قي ل ل ه‪ :‬إن محم دا ص لى اهلل علي ه‬ ‫واس تغنيت ‪,‬‬
‫وسلم يصلي عند الكعبة يفتن الناس ويصدهم عن أصنامهم وآلهتهم فمر به ذات يوم وهو ساجد فنهى‬
‫الن بي علي ه الص الة والس الم ‪ [ ,‬أرأيت إن ك ان على اله دى ] فيم ا فع ل من الس جود والص الة أو أم ر‬
‫غيره بالتقوى ‪ [ ,‬ألم يعلم بأن اهلل يرى ] فهذا تهديد لهذا الرجل الذي كان ينهى رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم عن الصالة ‪ ,‬يعني ألم يعلم هذا أن اهلل تعالى يراه ويسمعه ‪ [ ,‬كال ] بمعنى حقا [ لنسفعا ]‬
‫[ بالناص ية ] وهي مقدم ة ال رأس ‪ ,‬يحتم ل أن ه يؤخ ذ بالناص ية وق د أخ ذ‬ ‫أي لنأخ ذن بش دة ‪,‬‬
‫بناص يته ي وم ب در حين قت ل م ع من قت ل من المش ركين ويحتم ل أن يك ون يؤخ ذ بناص يته ي وم القيام ة‬
‫فيقذف في النار ‪ [,‬ناصية كاذبة خاطئة ] موصوفة بالكذب مرتكبة لإلثم عمدا ‪ [ ,‬فليدع ناديه ] الالم‬
‫[ سندع الزبانية ] يعني عندنا من هم أعظم من نادي ه ذا‬ ‫هنا للتحدي ‪ ,‬والنادي هو مجتمع القوم ‪,‬‬
‫الرجل وهم الزبانية مالئكة النار ‪ [ ,‬كال ال تطعه ] أي ال تطع هذا الذي ينهاك عن الصالة ‪ [ ,‬واسجد‬

‫‪46‬‬
‫واق ترب ] اس جد هلل ع ز وج ل واق ترب من ه ‪ ,‬والم راد بالس جود هن ا الص الة وع بر عنه ا بالس جود ألن‬
‫السجود ركن في الصالة ال تصح إال به ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬الساجد أقرب ما يكون من ربه كما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬أقرب ما يكون‬ ‫‪-‬‬
‫العبد من ربه وهو ساجد )) ‪.‬‬

‫تفسير سورة القدر‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ش ْه ٍر (‪ )3‬تََنَّز ُل‬ ‫اك ما لَْيلَ ُة ا ْلقَ ْد ِر (‪َ )2‬لْيلَ ُة ا ْلقَ ْد ِر َخ ْير ِم ْن َأْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّ‬
‫ف َ‬ ‫ٌ‬ ‫نا َأْن َز ْل َناهُ في َلْيلَة ا ْلقَ ْد ِر (‪َ )1‬و َما َْأد َر َ َ‬
‫ساَل ٌم ِه َي َحتَّى َم ْطلَ ِع ا ْلفَ ْج ِر (‪)5‬‬ ‫َأم ٍر (‪َ )4‬‬
‫ِ‬ ‫يها بِِإ ذ ِ‬
‫ْن َر ِّب ِه ْم م ْن ُك ِّل ْ‬
‫الر ِ‬
‫وح ف َ‬
‫ِئ‬
‫ا ْل َماَل َك ُة َو ُّ ُ‬

‫‪47‬‬
‫[ إنا أنزلناه في ليلة القدر ] ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر وهي في رمضان و ذكر اهلل سبحانه وتعالى‬
‫نفسه بالعظمة ألنه سبحانه العظيم الذي ال شيء أعظم منه ‪ [ ,‬في ليلة القدر ] سميت بذلك ألنها ليلة‬
‫ذات قدر وشرف كبير وألنها يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من اإلحياء واإلماتة واألرزاق ‪ [ ,‬وما‬
‫أدراك م ا ليل ة الق در ] يس تفاد منه ا التعظيم والتفخيم ‪ [ ,‬ليل ة الق در خ ير من أل ف ش هر ] والم راد‬
‫بالخيرية فيها ثواب العمل فيها وما ينزل اهلل تعالى فيها من الخير والبركة على هذه األمة ولذلك كان‬
‫من قامه ا إيمان ا واحتس ابا غف ر ل ه م ا تق دم من ذنب ه ‪ [ ,‬ت نزل المالئك ة وال روح فيه ا ] تمأل األرض‬
‫وتنزل المالئكة دليل على الرحمة والخير والبركة [ والروح ] جبريل عليه السالم [ بإذن ربهم ] أي‬
‫بأمره [ من كل أمر ] من بمعنى الباء ‪ [ ,‬سالم هي ] وصفها اهلل تعالى بالسالم لكثرة من يسلم فيها‬
‫[ حتى مطلع الفجر ] تتنزل المالئكة فيها حتى نهايتها بمطلع الفجر ‪.‬‬ ‫من اآلثام وعقوباتها‬

‫– فائدة ‪ :‬أبهم هللا عز وجل ليلة القدر لفائدتين عظيمتين ‪:‬‬

‫الفائدة األولى ‪ :‬بيان الصادق في طلبها من المتكاسل ‪.‬‬

‫الفائدة الثانية ‪ :‬كثرة ثواب المسلمين بكثرة األعمال ‪ ,‬فكلما كثر العمل كثر الثواب ‪.‬‬

‫تفسير سورة البينة‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س و ٌل ِم َن اللَّ ِه َي ْتلُ و‬ ‫ِ‬ ‫ين ُم ْنفَ ِّك َ‬


‫ين َحتَّى تَ ْأت َي ُه ُم ا ْل َب ِّي َن ُة (‪َ )1‬ر ُ‬ ‫ش ِر ِك َ‬‫اب َوا ْل ُم ْ‬‫َأه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬
‫ين َكفَُروا ِم ْن ْ‬‫لَ ْم َي ُك ِن الَّ ِذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ق الَّ ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫اب ِإاَّل م ْن َب ْعد َما َج َ‬
‫اءتْ ُه ُم ا ْل َب ِّي َن ُة (‬ ‫ين ُأوتُوا ا ْلكتَ َ‬ ‫ب قَ ِّي َم ٌة (‪َ )3‬و َما تَفََّر َ‬ ‫يها ُكتُ ٌ‬
‫ط َّه َرةً (‪ )2‬ف َ‬
‫ص ُحفًا ُم َ‬ ‫ُ‬
‫الز َك اةَ َو َذِل َك ِد ُ‬
‫ين‬ ‫الص اَل ةَ َو ُيْؤ تُ وا َّ‬
‫يم وا َّ‬ ‫ِ‬
‫اء َو ُيق ُ‬‫ِّين ُح َنفَ َ‬
‫ين لَ ُه ال د َ‬ ‫ص َ‬ ‫ُأم روا ِإاَّل ِليعب ُدوا اللَّ َه م ْخِل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫ِ‬
‫‪َ )4‬و َم ا ُ‬
‫ا ْلقَ ِّي َم ِة (‪)5‬‬

‫‪48‬‬
‫[ لم يكن ال ذين كف روا من أه ل الكت اب ] م ا ك ان الكف ار من أه ل الكت اب وهم اليه ود والنص ارى‬
‫[ والمشركين ] هم عبدة األوثان من كل جنس [ منفكين ] أي تاركين لما هم عليه من الشرك [ حتى‬
‫تأتيهم البينة ] والبينة ما يبين به الحق في كل شيء ‪ [ ,‬رسول من اهلل ] البينة هذا الرسول صلى اهلل‬
‫عليه وسلم محمد بن عبداهلل [ يتلو صحفا مطهرة ] يقرأ صحيفة مما يكتب به منقاة من الشرك ومن‬
‫رذائ ل األخالق ومن ك ل م ا يس وء ‪ [ ,‬فيه ا كتب قيم ة ] أي مكتوب ات قيم ة ‪ [ ,‬وم ا تف رق ال ذين أوت وا‬
‫الكتاب إال من بعد ما جاءتهم البينة ] لما جاءتهم البينة تفرقوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ‪.‬‬

‫شُّر ا ْلب ِري ِ‬


‫َّة (‪ِ )6‬إ َّن‬ ‫يها ُأولَِئ َك‬ ‫َخ ِال ِد َ ِ‬ ‫ين ِفي َن ِ‬
‫ار َج َه َّن َم‬ ‫ش ِر ِك َ‬ ‫َأه ِل ا ْل ِكتَ ِ‬
‫ين َكفَُروا ِم ْن ْ‬
‫ِإ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ُه ْم َ َ‬ ‫ين ف َ‬ ‫اب َوا ْل ُم ْ‬
‫ات َع ْد ٍن تَ ْج ِري ِم ْن‬‫َج َّن ُ‬ ‫َجَزاُؤ ُه ْم ِع ْن َد َر ِّب ِه ْم‬ ‫َّة (‪)7‬‬ ‫ات ُأولَِئ َك ُهم َخ ْير ا ْلب ِري ِ‬
‫ْ ُ َ‬
‫الص ِالح ِ‬ ‫ِ‬
‫َآم ُنوا َو َعملُوا َّ َ‬ ‫ين َ‬ ‫الَّ ِذ َ‬
‫ضوا َع ْن ُه َذِل َك ِل َم ْن َخ ِش َي َرب ُ‬
‫َّه (‪)8‬‬ ‫ين ِفيها َأب ًدا ر ِ‬
‫ض َي اللَّ ُه َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْحت َها اَأْلْن َه ُار َخالد َ َ َ َ‬

‫[ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ] جاءت ( من ) هما لبيان إبهام االسم الموصول وعلى‬
‫هذا يقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم اليهود والنصارى ‪ [ ,‬أولئك هم شر البرية ] أي شر الخليقة ‪,‬‬
‫[ إن ال ذين آمن وا وعمل وا الص الحات أولئ ك هم خ ير البري ة ] خ ير خل ق اهلل ع ز وج ل ال ذين آمن وا‬
‫وعملوا الصالحات ‪ [ ,‬جزاؤهم عند ربهم جنات تجري من تحتها األنهار ] وهنا قدم اهلل تعالى الثناء‬
‫على المؤم نين ال ذين عمل وا الص الحات على ذك ر ج زائهم ألن ثن اء اهلل عليهم أعظم مرتب ة وأعلى‬
‫منقبة ‪,‬‬

‫[ جنات ] جمعها الختالف أنواعها ‪ [ ,‬عدن ] معناها اإلقامة في المكان وعدم النزوح عنه [ تجري‬
‫من تحتها األنهار ] قال العلماء ‪ :‬من تحت قصورها وأشجارها [ خالدين فيها أبدا ] ماكثين فيها أبدا ‪,‬‬
‫[ رض ي اهلل عنهم ورض وا عن ه ] وه ذا أكم ل نعيم أن اهلل تع الى يرض ى عنهم ب ل وينظ رون إلى اهلل‬
‫تبارك وتعالى بأعينهم كما يرون القمر ليلة البدر ‪ [ ,‬ذلك لمن خشي ربه ] أي ذلك الجزاء لمن خشي‬
‫اهلل ع ز وج ل ‪ ,‬والخش ية هي خ وف اهلل ع ز وج ل المق رون بالهيب ة والتعظيم وال يص در ذل ك إال من‬
‫عالم باهلل ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫تفسير سورة الزلزلة‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ان َما لَ َها (‪َ )3‬ي ْو َمِئ ٍذ تُ َحد ُ‬


‫ِّث‬ ‫ال اِإْل ْن َ‬
‫س ُ‬ ‫ض َأثْقَالَ َها (‪َ )2‬وقَ َ‬‫اَأْلر ُ‬ ‫ض ِز ْل َزالَها (‪ )1‬و ْ ِ‬
‫َأخ َر َجت ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَأْلر ُ‬ ‫ِ‬
‫ِإ َذا ُز ْل ِزلَت ْ‬
‫َأع َمالَ ُه ْم (‪َ )6‬ف َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقَا َل‬
‫شتَاتًا ِل ُي َر ْوا ْ‬
‫اس َأ ْ‬ ‫ص ُد ُر َّ‬
‫الن ُ‬
‫ِئ ٍ‬
‫َأن َر َّب َك َْأو َحى لَ َها (‪َ )5‬ي ْو َم ذ َي ْ‬ ‫َأخ َب َار َها (‪ِ )4‬ب َّ‬‫ْ‬
‫َذَّر ٍة َخ ْي ًرا َي َرهُ (‪َ )7‬و َم ْن َي ْع َم ْل ِمثْقَا َل َذَّر ٍة َ‬
‫شًّرا َي َرهُ (‪)8‬‬

‫[ إذا زلزلت األرض زلزالها ] المراد بذلك قوله تعالى ‪ [ :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة‬
‫ش يء عظيم ] ‪ [ ,‬وأخ رجت األرض أثقاله ا ] الم راد بهم ‪ :‬أص حاب القب ور ‪ [ ,‬وق ال اإلنس ان ماله ا ]‬
‫يقول اإلنسان ‪ :‬مالها وما الذي حدث لها ؟ [ يومئذ ] أي ذلك اليوم إذا زلزلت ‪ [ ,‬تحدث أخبارها ]‬
‫تخ بر عم ا فع ل الن اس عليه ا من خ ير أو ش ر ‪ [ ,‬ب أن رب ك أوحى له ا ] يع ني أذن له ا في أن تح دث‬

‫‪50‬‬
‫[ يومئ ذ يص در الن اس أش تاتا ] أي جماع ات متف رقين ‪ [ ,‬ل يروا أعم الهم ] ي ريهم اهلل‬ ‫أخباره ا ‪,‬‬
‫تعالى أعمالهم إن خيرا فخير ‪ ,‬وإ ن شر فشر وذلك بالحساب وبالكتاب ‪ [ ,‬فمن يعمل مثقال ذرة خيرا‬
‫يره ‪ .‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ] يعني أي إنسان يعمل مثقال ذرة فإنه سيراه سواء من الخير أو‬
‫من الشر ‪ [ ,‬مثقال ذرة ] وزن ذرة والمراد بالذرة ‪ :‬صغار النمل كما هو معروف ‪ ,‬وإ نما ذكر الذرة‬
‫ألنها مضرب المثل في القلة ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬قوله تعالى ‪ [ :‬مثقال ذرة ] يفيد أن الذي يوزن هو األعمال ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تفسير سورة العاديات‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س ْط َن ِب ِه‬ ‫ِ‬
‫ص ْب ًحا (‪ )3‬فََأثَْر َن ِبه َن ْق ًعا (‪ )4‬فَ َو َ‬ ‫يرات ُ‬
‫ات قَ ْدحا (‪ )2‬فَا ْلم ِغ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ً‬
‫وري ِ‬
‫ض ْب ًحا (‪ )1‬فَا ْل ُم ِ َ‬ ‫ات َ‬ ‫وا ْلع ِادي ِ‬
‫َ َ َ‬
‫ش ِد ٌ‬
‫يد (‪َ )8‬أفَاَل‬ ‫يد(‪َ )7‬وِإ َّن ُه ِل ُح ِّب ا ْل َخ ْي ِر َل َ‬ ‫ود (‪َ )6‬وِإ َّن ُه َعلَى َذ ِل َك َل َ‬
‫ش ِه ٌ‬ ‫ان ِل َر ِّب ِه لَ َك ُن ٌ‬
‫س َ‬‫َج ْم ًعا (‪ِ )5‬إ َّن اِإْل ْن َ‬
‫ِئ ٍ‬ ‫ص َل َما ِفي ُّ‬ ‫َي ْعلَ ُم ِإ َذا ُب ْع ِث َر َما ِفي ا ْلقُ ُب ِ‬
‫ير (‪)11‬‬ ‫ور (‪ِ )10‬إ َّن َرب ُ‬
‫َّه ْم ِب ِه ْم َي ْو َم ذ لَ َخ ِب ٌ‬ ‫الص ُد ِ‬ ‫ور (‪َ )9‬و ُح ِّ‬

‫‪ ‬‬

‫[ والعاديات ] هذا قسم ‪ ,‬والعاديات هي الخيل التي تعدو على أعدائها [ ضبحا ] ما يسمع من أجواف‬
‫الخيل حين تعدو بسرعة ‪ [ ,‬فالموريات قدحا ] يعني بذلك قدح النار حينما يضرب األحجار بعضها‬
‫بعضا ‪ [ ,‬فالمغيرات صبحا ] التي تغير على عدوها في الصباح وهذا أحسن وقت لإلغارة ‪ [ ,‬فأثرن‬
‫ب ه نقعا ] أث رن الغب ار ألن الخي ل إذا اش تد عوده ا في األرض ص ار له ا غب ار من الك ر والف ر ‪[ ,‬‬
‫فوسطن به جمعا ] توسطن بهذا الغبار أي جموعا من األعداء ‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫فائدة ‪ :‬هذه غاية ما يكون من منافع الخيل ‪ ,‬مع أن الخيل كلها خير كما قال الن بي ص لى هللا علي ه‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم (( الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ))‬
‫أما المقسم عليه فهو اإلنسان [ إن اإلنسان لربه لكنود ] أي إذا لم يوفق للهداية فإنه كنود أي‬
‫كفور لنعمة اهلل عز وجل ‪ [ ,‬وإ نه على ذلك لشهيد ] قيل أن الضمير يعود على اهلل عز وجل‬
‫أي أن اهلل تعالى يشهد على العبد بأنه كفور لنعمة اهلل ‪ ,‬وقيل إنه عائد على اإلنسان نفسه أي‬
‫أن اإلنسان يشهد على نفسه بكفر نعمة اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫[ وإ ن ه لحب الخ ير لش ديد ] والخ ير ه و الم ال ‪ [ ,‬أفال يعلم إذا بع ثر م ا في القب ور ] أي نش ر‬
‫وظهر فالناس يخرجون من قبورهم كأنهم جراد منتشر‪ [,‬وحصل ما في الصدور] أي ما في‬
‫القلوب من النيات وأعمال القلب كالتوكل والرغبة والرهبة والخوف والرجاء ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬هنا جعل هللا عز وجل العمدة ما في الصدور كما قال تعالى ‪ [ :‬يوم تبلى السرائر] ألن ه في‬ ‫‪-‬‬
‫الدنيا يعامل الناس معاملة الظاهر حتى المنافق يعامل كما يعامل المسلم حقا لكن في اآلخرة العمل‬
‫على ما في القلب ولهذا يجب علينا أن نعتني بقلوبنا ألن القلب ه و ال ذي علي ه الم دار وه و ال ذي‬
‫سيكون الجزاء عليه يوم القيامة ‪.‬‬
‫[ إن ربهم بهم يومئذ لخبير ] أي إن اهلل عز وجل بالعباد لخبير ‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫تفسير سورة القارعة‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫اش ا ْلم ْبثُ ِ‬ ‫ون َّ‬


‫وث (‪)4‬‬ ‫اس َكا ْلفََر ِ َ‬ ‫الن ُ‬ ‫ار َع ُة (‪َ )2‬و َما َْأد َرا َك َما ا ْلقَ ِ‬
‫ار َع ُة (‪َ )3‬ي ْو َم َي ُك ُ‬ ‫ار َع ُة (‪َ )1‬ما ا ْلقَ ِ‬ ‫ا ْلقَ ِ‬

‫اض َي ٍة (‪َ )7‬و َّ‬


‫َأما‬ ‫ش ٍة ر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأما َم ْن ثَ ُقلَ ْت َم َو ِازي ُن ُه (‪ )6‬فَ ُه َو في عي َ َ‬
‫وش (‪ )5‬فَ َّ‬ ‫ون ا ْل ِج َبا ُل َكا ْل ِع ْه ِن ا ْل َم ْنفُ ِ‬
‫َوتَ ُك ُ‬
‫اوي ٌة (‪ )9‬وما َْأدرا َك ما ِهي ْه (‪َ )10‬نار ح ِ‬ ‫َم ْن َخفَّ ْت َم َو ِازي ُن ُه (‪ )8‬فَ ُّ‬
‫ام َي ٌة (‪)11‬‬ ‫ٌ َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫ُأم ُه َه ِ َ‬

‫[ القارعة ] هي التي تقرع القلوب وتفزعها وذلك عند النفخ في الصور وهي من أسماء يوم القيامة ‪,‬‬
‫[ ما القارعة ] استفهام للتعظيم والتفخيم ‪ [ ,‬وما أدراك ما القارعة ] زيادة في التعظيم والتفخيم يعني‬
‫أي ش يء أعلم ك م ا القارع ة ؟ [ ي وم يك ون الن اس ك الفراش المبث وث ] حين يخرج ون من قب ورهم‬
‫يشبهون الفراش في ضعفه وحيرته وتراكمه وسيره إلى غير هدى و [ المبثوث ] بمعنى المنتشر ‪[,‬‬
‫وتكون الجبال] العظيمة الراسية الصلبة [ كالعهن ] الصوف وقيل القطن [ المنفوش ] المبعثر ‪ .‬قسم‬
‫اهلل تعالى الناس في ذلك اليوم إلى قسمين ‪:‬‬

‫القس م األول ‪ [ :‬فأم ا من ثقلت موازين ه ] وه و ال ذي رجحت حس ناته على س يئاته [ فه و في عيش ة‬
‫راضية ] أي في عيشة طيبة ليس فيها نكد وال صخب وال نصب وهو العيش في الجنة‬

‫القس م الث اني ‪ [ :‬وأم ا من خفت موازين ه ] وه و الك افر أو المس لم المس رف على نفس ه وس يئاته أك ثر‬
‫[ فأم ه هاوي ه ] يع ني مآل ه لن ار جهنم وقي ل يلقى في الن ار على أم رأس ه ‪ [ ,‬وم ا أدراك م ا هي ه ] من‬
‫باب التفخيم للهاوية [ نار حامية ] في غاية ما يكون من الحمو ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬في هذه اآلية التخوي ف والتح ذير من ه ذا الي وم وأن الن اس ال يخرج ون عن ح الين ‪ :‬إم ا‬ ‫‪-‬‬
‫رجل رجحت حسناته وإما رجل رجحت سيئاته ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫تفسير سورة التكاثر‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ون (‪َ )4‬كاَّل َل ْو‬‫ف تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫س ْو َ‬‫َ‬ ‫ون (‪ )3‬ثُ َّم َكاَّل‬ ‫ف تَ ْعلَ ُم َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫َأْل َها ُك ُم التَّ َكاثُُر (‪َ )1‬حتَّى ُز ْرتُ ُم ا ْل َمقَا ِب َر (‪َ )2‬كاَّل َ‬
‫الن ِع ِيم‬
‫سَألُ َّن َي ْومِئ ٍذ َع ِن َّ‬
‫َ‬ ‫ثُ َّم لَتُ ْ‬ ‫ين (‪)7‬‬ ‫يم (‪ )6‬ثُ َّم لَتََر ُو َّن َها َع ْي َن ا ْل َي ِق ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪ )5‬لَتََر ُو َّن ا ْل َجح َ‬ ‫ون ِع ْل َم ا ْل َي ِق ِ‬
‫تَ ْعلَ ُم َ‬
‫(‪)8‬‬

‫[ ألهاكم التكاثر ] شغلكم حتى ألهاكم عن ذكر اهلل والقيام بطاعته [ التكاثر ] يشمل التكاثر بالمال‬
‫والقبيلة والجاه والعلم وكل ما يمكن أن يقع فيه التفاخر ‪ [ ,‬حتى زرتم المقابر ] يعني إلى أن متم ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬استدل عمر بن عبدالعزيز رحمه هللا على أن الزائر البد أن يرجع إلى وطنه وأن القبور‬ ‫‪-‬‬
‫ليست بدار إقامة ‪.‬‬

‫[ كال سوف تعلمون ] كال للردع والمعنى سوف تعلمون عاقبة أمركم بالتكاثر الذي ألهاكم عن اآلخرة‬
‫‪ [ ,‬ثم كال سوف تعلمون ] تأكيد للردع ‪ [ ,‬كال لو تعلمون علم اليقين ] لعرفتم أنكم في ضالل وخطأ‬
‫عظيم ‪ [ ,‬لترون الجحيم ] هذه جملة مستأنفة ال عالقة لها بما قبلها وتقديرها ‪ :‬واهلل لترون الجحيم‬
‫والجحيم اسم من أسماء النار ‪ [ ,‬ثم لترونها عين اليقين ] تأكيد لرؤية النار ‪ [ ,‬ثم لتسألن يومئذ عن‬
‫النعيم ] الذي ُيسأل المؤمن والكافر ‪ ,‬سؤال المؤمن سؤال تذكير بنعمة اهلل عز وجل حتى يفرح ويعلم‬
‫أن الذي أنعم عليه في الدنيا ينعم عليه في اآلخرة ‪ ,‬وأما الكافر فإنه سؤال توبيخ وتنديم ‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫تفسير سورة العصر‬


‫‪54‬‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ين َآم ُنوا وع ِملُوا َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا ْلعص ِر (‪ِ )1‬إ َّن اِإْل ْنس َ ِ‬
‫اص ْوا ِبا ْل َح ِّ‬
‫ق‬ ‫الصال َحات َوتََو َ‬ ‫س ٍر (‪ِ )2‬إاَّل الَّذ َ َ َ َ‬
‫ان َلفي ُخ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اص ْوا ِب َّ‬
‫الص ْب ِر (‪)3‬‬ ‫َوتََو َ‬

‫[ والعصر ] العصر هو الزمان وأقسم اهلل به لما يقع فيه من اختالف األحوال وتقلبات األمور‬
‫ومداولة األيام بين الناس ‪ [ ,‬إن اإلنسان لفي خسر ] أقسم اهلل تعالى قسما على أن اإلنسان في خسران‬
‫ونقصان في كل أحواله ‪ ,‬في الدنيا واآلخرة إال من استثنى اهلل عز وجل [ إال الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ] استثنى اهلل سبحانه وتعالى هؤالء المتصفين بهذه‬
‫الصفات األربع ‪:‬‬

‫اإليمان الذي ال يخالجه شك كما بينه الرسول صلى اهلل عليه وسلم (( أن تؤمن باهلل ومالئكته‬ ‫‪-‬‬
‫وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره )) ‪.‬‬
‫[ عملوا الصالحات ] أي قاموا باألعمال الصالحة ‪ :‬من صالة وصيام وزكاة وحج وبر‬ ‫‪-‬‬
‫للوالدين وصلة األرحام ‪.‬‬
‫[ وتواصوا بالحق ] صار بعضهم يوصي بعضا بالحق وهو الشرع فهم لم يقتصروا على نفع‬ ‫‪-‬‬
‫أنفسهم بل نفعوا أنفسهم وغيرهم ‪.‬‬
‫[ وتواصوا بالصبر ] يوصي بعضهم بعضا بالصبر ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال اإلمام الشافعي ‪ ( :‬لولم ينزل هللا على عباده حجة إال هذه السورة لكفتهم ) يعني كفتهم‬ ‫‪-‬‬
‫موعظة وحثا على التمسك باإليمان والعمل الصالح والدعوة إلى هللا والصبر على ذلك ‪.‬‬

‫تفسير سورة الهمزة‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫‪55‬‬
‫َأخلَ َدهُ (‪َ )3‬كاَّل لَ ُي ْن َب َذ َّن ِفي‬
‫َأن َمالَ ُه ْ‬
‫ب َّ‬
‫سُ‬‫َّدهُ (‪َ )2‬ي ْح َ‬ ‫َو ْي ٌل ِل ُك ِّل ُه َم َز ٍة لُ َم َز ٍة (‪ )1‬الَّ ِذي َج َم َع َمااًل َو َعد َ‬
‫ط َم ُة (‪َ )5‬ن ُار اللَّ ِه ا ْل ُموقَ َدةُ (‪ )6‬الَِّتي تَطَّ ِلعُ َعلَى اَأْل ْفِئ َد ِة (‪ِ )7‬إَّن َها َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫ط َم ِة (‪َ )4‬و َما َْأد َرا َك َما ا ْل ُح َ‬ ‫ا ْل ُح َ‬
‫َّد ٍة (‪)9‬‬ ‫ص َدةٌ (‪ِ )8‬في َع َم ٍد ُم َمد َ‬ ‫ُمْؤ َ‬

‫[ ويل ] كلمة وعيد لمن اتصف بهذه الصفات [ لكل همزة لمزة ] الهمز ‪ :‬بالفعل أن يسخر من الناس‬
‫بفعله إما أن يلوي وجهه أو باإلشارة يشير إلى شخص ‪ .‬واللمز ‪ :‬باللسان وهو يعيب البشر بقوله ‪,‬‬
‫[ الذي جمع ماال وعدد ] هذه أيضا من أوصافه القبيحة جماع مناع ‪ ,‬يجمع المال ويمنع العطاء ‪,‬‬
‫[ وعدده ] التعديد بمعنى اإلحصاء يعني لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد ‪ [ ,‬يحسب‬
‫أن ماله أخلده ] أي أخلد ذكره أو أطال عمره ‪ [ ,‬كال ] يسميها العلماء حرف ردع ويحتمل أن تكون‬
‫بمعنى حقا [ لينبذن في الحطمة ] أي يطرح في الحطمة التي تحطم الشيء وتفتته وتكسره ‪ [ ,‬وما‬
‫أدراك ما الحطمة ] صيغة للتعظيم والتفخيم ‪ [ ,‬نار اهلل الموقدة ] أي المسعرة ‪ [ ,‬التي تطلع إلى‬
‫األفئدة ] تصل القلوب من شدة حرارتها [ إنها عليهم مؤصدة ] أي مغلقة على الهماز اللماز الجماع‬
‫للمال المناع للخير ‪ [ ,‬في عمد ممدة ] النار لها أعمدة ممدودة على جميع النواحي ال يمكن الخروج‬
‫منها وفتحها‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬حكى هللا سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا في هذه السورة ال لمجرد أن نتلوه بألسنتنا أو‬
‫نعرف معناه بأفهامنا ‪ ,‬لكن المراد أن نحذر من هذه األوصاف الذميمة ‪ :‬عيب الناس بالقول وبالفعل ‪,‬‬
‫والحرص على المال كأن اإلنسان إنما خلق للمال ليخلد له أو يخلد المال له ‪ ,‬و نعلم أن من كانت هذه‬
‫حاله فإن جزاءه هذه النار ‪.‬‬

‫تفسير سورة الفيل‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫‪56‬‬
‫ط ْي ًرا ََأبا ِب َ‬
‫يل‬ ‫س َل َعلَ ْي ِه ْم َ‬ ‫ض ِل ٍ‬
‫يل (‪َ )2‬و َْأر َ‬ ‫يل (‪َ )1‬ألَ ْم َي ْج َع ْل َك ْي َد ُه ْم ِفي تَ ْ‬
‫اب ا ْل ِف ِ‬
‫َأص َح ِ‬
‫ُّك ِب ْ‬
‫ف فَ َع َل َرب َ‬ ‫َألَ ْم تََر َك ْي َ‬
‫ول (‪)5‬‬ ‫ف مْأ ُك ٍ‬ ‫يل (‪ )4‬فَجعلَهم َكع ٍ‬ ‫(‪ )3‬تَْر ِمي ِهم ِب ِح َجار ٍة ِم ْن ِس ِّج ٍ‬
‫ص َ‬ ‫َ َ ُْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫[ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ] أصحاب الفيل هم أهل اليمن الذين جاؤوا لهدم الكعبة بفيل‬
‫عظيم أرسله إليهم ملك الحبشة وذلك أن ملك اليمن أراد أن يصد الناس عن الحج إلى الكعبة واتفق‬
‫مع ملك الحبشة على هدمها ‪ [ ,‬ألم يجعل كيدهم في تضليل ‪ .‬وأرسل عليهم طيرا أبابيل ‪ .‬ترميهم‬
‫بحجارة من سجيل ] ‪ ,‬قال العلماء ‪ [ :‬طيرا أبابيل ] يعني جماعات متفرقة ‪ ,‬كل طير في منقاره حجر‬
‫صلب [ من سجيل ] وهو الطين المشوي ألنه يكون أصلب ‪ [ ,‬فجعلهم كعصف مأكول ] أي كزرع‬
‫أكلته الدواب ووطئته بأقدامها حتى تفتت ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬كل من أراد الحق بسوء فإن هللا تعالى يجعل كيده في نحره ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫تفسير سورة قريش‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ب َه َذا ا ْل َب ْي ِت (‪ )3‬الَّ ِذي َأ ْط َع َم ُه ْم ِم ْن‬ ‫الص ْي ِ‬


‫ف (‪َ )2‬ف ْل َي ْع ُب ُدوا َر َّ‬ ‫الشتَ ِ‬
‫اء َو َّ‬ ‫ش (‪ِ )1‬إياَل ِف ِه ْم ِر ْحلَ َة ِّ‬ ‫ِإِل ياَل ِ‬
‫ف قَُر ْي ٍ‬
‫ف (‪)4‬‬ ‫وع وَآم َنهم ِم ْن َخو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ُج ٍ َ َ ُ ْ‬

‫‪57‬‬
‫‪ [ ‬إليالف قريش ] اإلالف بمعنى الجمع والضم ويراد به التجارة التي كانوا يقومون بها ‪ [ ,‬رحلة‬
‫الشتاء والصيف ] في الشتاء يتجهون نحو اليمن للمحصوالت الزراعية وأما في الصيف فيتجهون‬
‫نحو الشام ألن تجارة الفواكه تكون في هذا الوقت وهاتين الرحلتين نعمة عظيمة من اهلل سبحانه‬
‫وتعالى على قريش ألنه يحصل منها فوائد كثيرة ‪ [ ,‬فليعبدوا رب هذا البيت ] شكرا هلل على هذه‬
‫النعمة والبيت هو الكعبة وإ ضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬العبادة هي التذلل هلل عز وجل محبة بفعل األوامر وتعظيما بترك النواهي ‪ .‬وقال شيخ اإلالم‬
‫ابن تيمية ‪ :‬العبادة اسم جامع لكل ما يحبه هللا و يرضاه من األقوال واألعمال الظاهرة والباطنة ‪.‬‬

‫[ الذي أطعمهم من جوع ] فإطعامهم من جوع وقاية من الهالك في أمر باطن وهو الطعام الذي‬
‫يأكلونه و[ آمنهم من خوف ] وقاية من الخوف في األمر الظاهر‪.‬‬

‫– فائدة ‪ :‬إذا كثرت المعاصي في الحرم فالخطر على أهله أكثر من الخطر على غيرهم ألن المعصية‬
‫في مكان فاضل أعظم من المعصية في مكان مفضول ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬على طلبة العلم إذا اختلفوا فيما بينهم أن يجلسوا للتشاور وللمناقشة الهادئة التي يقصد منها‬ ‫‪-‬‬
‫الوصول إلى الحق ومتى تبين الحق لإلنسان وجب عليه اتباعه وال يجوز أن ينتصر لرأيه ‪.‬‬

‫تفسير سورة الماعون‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س ِك ِ‬
‫ين (‪ )3‬فَ َو ْي ٌل‬ ‫ض علَى َ ِ ِ‬
‫ط َعام ا ْلم ْ‬ ‫يم (‪َ )2‬واَل َي ُح ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ َِّ‬
‫ِّين (‪ )1‬فَ َذل َك الذي َي ُدعُّ ا ْل َيت َ‬
‫ِ‬
‫ََأر َْأي َت الَّذي ُي َك ِّذ ُ‬
‫ب ِبالد ِ‬
‫ون (‪)7‬‬ ‫اع َ‬
‫ون ا ْل َم ُ‬
‫ون (‪َ )6‬و َي ْم َن ُع َ‬
‫اء َ‬ ‫ون (‪ )5‬الَّ ِذ َ‬
‫ين ُه ْم ُي َر ُ‬ ‫اه َ‬ ‫س ُ‬ ‫ِ‬
‫صاَل ت ِه ْم َ‬ ‫ين (‪ )4‬الَّ ِذ َ‬
‫ين ُه ْم َع ْن َ‬ ‫صلِّ َ‬ ‫ِ‬
‫ل ْل ُم َ‬

‫[ أرأيت الذي ] عام لكل من يتوجه له الخطاب [ يكذب بالدين ] أي بالجزاء وهؤالء هم الذين ينكرون‬
‫البعث ‪ [ ,‬فذلك الذي يدع اليتيم ‪ .‬وال يحض على طعام المسكين ] فجمع بين أمرين‪ :‬األول ‪ :‬عدم‬

‫‪58‬‬
‫الرحمة باأليتام الذين هم محل الرحمة فهذا [ يدع اليتيم ] أي يدفعه بعنف ‪ ,‬أما األمر الثاني ‪ :‬ال‬
‫يحثون على رحمة الغير [ وال يحض على طعام المسكين ] فال يحض على إطعام المسكين الفقير‬
‫المحتاج للطعام ألنه قلبه حجر قاس ‪ [ ,‬فويل للمصلين ] وهذه كلمة وعيد ل [ الذين هم عن صالتهم‬
‫ساهون ] أي غافلون عنها ال يقيمونها على ما ينبغي يؤخرونها عن الوقت الفاضل ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬الذي يسهو عن الصالة ويغفل عنها الشك أنه مذموم ‪ .‬أما الساهي في صالته فهذا ال يالم‬ ‫‪-‬‬
‫ولهذا وقع السهو من رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ ,‬ألن السهو في الشيء معناه نسي شيئا ال‬
‫يالم عليه ‪ .‬أما الساهي عن صالته فهو متعمد للتهاون في صالته ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬من السهو عن الصالة أولئك القوم الذين يدعون الصالة مع الجماعة فإنهم الشك عن‬ ‫‪-‬‬
‫صالتهم ساهون ويدخلون في هذا الوعيد ‪.‬‬

‫[ الذين هم يراءون ] إذا فعلوا الطاعة يقصدون بها التزلف للناس وليس التقرب إلى اهلل ‪,‬‬
‫[ ويمنعون الماعون ] أي يمنعون ما يجب بذله من المواعين وهي األواني ‪.‬‬

‫تفسير سورة الكوثر‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ش ِانَئ َك ُه َو ْ‬
‫اَأْلبتَُر (‪)3‬‬ ‫ص ِّل ِلَر ِّب َك َوا ْن َح ْر (‪ِ )2‬إ َّن َ‬
‫اك ا ْل َك ْوثََر (‪ )1‬فَ َ‬
‫ط ْي َن َ‬ ‫ِإ َّنا ْ‬
‫َأع َ‬

‫[ إنا أعطيناك الكوثر ] الكوثر في اللغة العربية هو الخير الكثير ‪ ,‬فمن ذلك النهر العظيم الذي في‬
‫الجنة والذي يصب منه ميزابان على حوضه المورود صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وهذا الحوض في القيامة‬
‫يرده المؤمنون من أمة النبي ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬فمن كان واردا على شريعته في الدنيا كان واردا على حوضه في اآلخرة ومن لم يكن‬ ‫‪-‬‬
‫واردا على شريعته فإنه محروم منه في اآلخرة ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬من الخيرات الكثيرة التي أعطيها النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪[ :‬أعطيت خمسا لم‬ ‫‪-‬‬
‫يعطهن أحد من األنبياء قبلي ‪ (( :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي األرض مجدا‬
‫وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصالة فليصل واعطيت الشفاعة وأحلت لي المغانم وكان‬
‫النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ))‬
‫‪59‬‬
‫[ فصل لربك وانحر ] شكرا هلل على هذه النعمة العظيمة ‪ ,‬والمراد بالصالة هنا جميع الصلوات ‪,‬‬
‫وأول ما يدخل فيها الصالة المقرونة بالنحر وهي صالة عيد األضحى ‪ [ ,‬فصل لربك ] الصلوات‬
‫المفروضة والنوافل ‪ .‬صلوات العيد والجمعة ‪ [ ,‬وانحر ] تقرب إليه بالنحر والنحر يختص باإلبل ‪,‬‬
‫والذبح للبقر والغنم ‪ ,‬لكنه ذكر النحر ألن اإلبل أنفع من غيرها بالنسبة للمساكين ‪ [ ,‬إن شانئك ] أي‬
‫[ هو األبتر ] أي المنقطع من كل خير ‪ ,‬إذا كان هذا في مبغضه فهو أيضا في‬ ‫مبغضك ‪,‬‬
‫مبغض شرعه ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬من أبغض شريعة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو أبغض شعيرة من شعائر اإلسالم أو‬ ‫‪-‬‬
‫أبغض أي طاعة مما يتعبد به الناس في دين اإلسالم فإنه كافر خارج الدين ‪.‬‬

‫تفسير سورة الكافرون‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫َأع ُب ُد (‪َ )3‬واَل َأَنا َعا ِب ٌد َما َع َب ْدتُ ْم‬ ‫ون (‪َ )2‬واَل َأْنتُ ْم َعا ِب ُد َ‬
‫ون َما ْ‬ ‫َأع ُب ُد َما تَ ْع ُب ُد َ‬
‫ون (‪ )1‬اَل ْ‬
‫اف ُر َ‬ ‫ُق ْل يا َأيُّها ا ْل َك ِ‬
‫َ َ‬
‫ين (‪)6‬‬ ‫َأع ُب ُد (‪ )5‬لَ ُك ْم ِدي ُن ُك ْم َو ِلي ِد ِ‬ ‫(‪َ )4‬واَل َأْنتُ ْم َعا ِب ُد َ‬
‫ون َما ْ‬
‫َ‬

‫هذه السورة إحدى سورتي اإلخالص [ قل يا أيها الكافرون ] [ قل هو اهلل أحد ] وكان النبي‬ ‫‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يقرأ بهما في سنة الفجر وسنة المغرب وركعتي الطواف لما تضمنتاه من‬
‫اإلخالص هلل عز وجل والثناء عليه بالصفات الكاملة ‪ [ ,‬قل يا أيها الكافرون ] هذا يشمل كل‬
‫كافر سواء كان من اليهود والنصارى أو المشركين أو الشيوعيين ‪ [ ,‬ال أعبد ما تعبدون ]‬
‫األصنام ‪ [ ,‬وال أنتم عابدون ما أعبد ] وهو اهلل ‪ [ ,‬وال أنا عابد ما عبدتم ] لن أقبل غير‬
‫عبادتي ‪ [ ,‬وال أنتم عابدون ما أعبد ] لن أقبل غير عبادتي ولن أقبل عبادتكم ‪ ,‬وأنتم كذلك لن‬
‫تقبلوا ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬أن قوله تعالى [ ال أعبد ما تعبدون وال أنتم عابدون ما أعبد ]‬ ‫‪-‬‬
‫هذا الفعل ‪ .‬وقوله تعالى [ وال أنا عابد ما عبدتم ‪ .‬وال أنتم عابدون ما أعبد ] أي ‪ :‬في القبول ‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫[ لكم دينكم ولي دين ] فأنا بريء من دينكم وأنتم بريؤون من ديني ‪.‬‬

‫تفسير سورة النصر‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫س ِّب ْح ِب َح ْم ِد َر ِّب َك‬


‫اجا (‪ )2‬فَ َ‬
‫ون ِفي ِد ِ ِ‬
‫ين اللَّه َأف َْو ً‬ ‫اس َي ْد ُخلُ َ‬ ‫ص ُر اللَّ ِه َوا ْلفَتْ ُح (‪َ )1‬و َر َْأي َت َّ‬
‫الن َ‬ ‫اء َن ْ‬‫ِإ َذا َج َ‬
‫ان تََّو ًابا (‪)3‬‬‫استَ ْغ ِف ْرهُ ِإ َّن ُه َك َ‬
‫َو ْ‬

‫[ إذا جاء نصر اهلل والفتح ] الخطاب للنبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ [ ,‬نصر اهلل ] النصر هو تسليط اهلل‬
‫تعالى اإلنسان على عدوه بحيث يتمكن منه ويخذله ويكبته ‪ ,‬والنصر أعظم سرور يحصل للعبد في‬
‫أعماله [ والفتح ] هو فتح مكة ‪ [ ,‬ورأيت الناس يدخلون في دين اهلل أفواجا] أي جماعات بعد أن‬
‫كانوا يدخلون فيه أفرادا وفي بعض األحوال متخفين ‪ [ ,‬فسبح بحمد ربك واستغفره ] أي سبحه‬
‫تسبيحا مقرونا بالحمد ‪ .‬التسبيح ‪ :‬هو تنزيه اهلل تعالى عما ال يليق بجالله ‪ .‬والحمد ‪ :‬هو الثناء عليه‬
‫بالكمال مع المحبة والتعظيم ‪ .‬االستغفار ‪ :‬هو طلب المغفرة ‪ .‬والمغفرة ‪ :‬ستر اهلل تعالى على عبده‬
‫ذنوبه مع محوها والتجاوز عنها ‪ .‬وهذا غاية مايريد العبد ‪ [ .‬إنه كان توابا ] أي لم يزل اهلل عز وجل‬
‫توابا على عبده ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬السورة لها مغزى عظيم ال يتفطن له إال األذكياء ‪ ,‬قال ابن عباس لعمر بن الخطاب لما‬ ‫‪-‬‬
‫سأله عن تفسير السورة ‪ :‬يا أمير المؤمنين هو أجل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أعلمه هللا له [‬
‫إذا جاء نصر هللا والفتح ] فتح مكة فذلك عالمة األجل ‪ [ ,‬ورأيت الناس يدخلون في دين هللا‬
‫أفواجا‪ .‬فسبح بحمد ربك واستغفره ‪ .‬إنه كان توابا ] فقال عمر ‪ :‬وهللا ما أعلم منها إال ما تعلم ‪.‬‬
‫فتبين بذلك فضل ابن عباس وتميزه وأن عنده من الذكاء والمعرفة بمراد هللا عز وجل ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫تفسير سورة المسد‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ات لَ َه ٍب (‪َ )3‬و ْ‬


‫ام َرَأتُ ُه‬ ‫صلَى َن ًارا َذ َ‬
‫س َي ْ‬
‫س َب (‪َ )2‬‬ ‫َّت َي َدا َأِبي لَ َه ٍب َوتَ َّ‬
‫ب (‪َ )1‬ما َأ ْغ َنى َع ْن ُه َمالُ ُه َو َما َك َ‬ ‫تَب ْ‬
‫س ٍد (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ِب (‪ )4‬في ِجيد َها َحْب ٌل م ْن َم َ‬ ‫َح َّمالَ َة ا ْل َح َ‬

‫‪ -‬فائدة ‪ :‬أعمام الرسول عليه الصالة والسالم انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثالثة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫قسم آمن وجاهد معه وأسلم هلل رب العالمين مثل العباس وحمزة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫قسم ساند وساعد ولكنه باق على الكفر مثل أبي طالب ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫قسم عاند وعارض وهو كافر مثل أبي لهب ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫[ تبت يدا أبي لهب وتب ] والتباب الخسار ‪ ,‬وبدأ بيديه قبل ذاته ألن اليدين هما آلتا العمل والحركة‬
‫واألخذ والعطاء ‪ [ ,‬ما أغنى عنه ماله ] يعني أي شيء أغنى عنه ماله من اهلل ؟ والجواب ‪ :‬ال شيء‬
‫[ وما كسب ] تشمل المال واألوالد والشرف والجاه ‪ [ ,‬سيصلى نارا ذات لهب ] اهلل تعالى توعده بأنه‬
‫سيصلى نارا ذات لهب ‪ [ ,‬وامرأته حمالة الحطب ] التي تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في‬
‫طريق النبي صلى اهلل عليه وسلم من أجل أذى الرسول‪ [ ,‬في جيدها حبل من مسد ] الجيد هو‬
‫العنق ‪ ,‬والحبل معروف ‪ ,‬والمسد الليف ‪ .‬يعني أنها متقلدة حبال من الليف تخرج به إلى الصحراء‬
‫لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫تفسير سورة اإلخالص‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ِ‬ ‫َأح ٌد (‪ )1‬اللَّ ُه َّ‬


‫َأح ٌد (‪)4‬‬
‫الص َم ُد (‪ )2‬لَ ْم َيل ْد َولَ ْم ُيولَ ْد (‪َ )3‬ولَ ْم َي ُك ْن لَ ُه ُكفُ ًوا َ‬ ‫ُق ْل ُه َو اللَّ ُه َ‬

‫ذكر في سبب نزول هذه السورة ‪ :‬أن المشركين أو اليهود قالوا للنبي صلى اهلل عليه وسلم صف لنا‬
‫ربك ؟ فأنزل اهلل تعالى هذه السورة ‪.‬‬

‫[ قل ] الخطاب للرسول ولألمة أيضا [ هو اهلل أحد ] أي اهلل عز وجل الذي تتحدثون عنه وتسألون‬
‫عنه [ أحد ] متوحد بجالله وعظمته ‪ ,‬ليس له مثيل ‪ ,‬وليس له شريك ‪ [ ,‬اهلل الصمد ] الكامل في‬
‫صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته [ لم يلد ] ألنه ال مثيل له وألنه مستغن عن كل أحد عز‬
‫وجل ‪ ,‬وفي هذه اآلية الكريمة الرد على ثالث طوائف منحرفة ‪ ,‬وهم المشركون الذين قالوا المالئكة‬
‫بنات اهلل ‪ ,‬واليهود الذين قالوا عزير ابن اهلل ‪ ,‬والنصارى الذين قالوا المسيح ابن اهلل ‪ ,‬فكذبهم اهلل‬
‫بقوله [ لم يلد ولم يولد ] فهو األول الذي ليس قبله شيء فكيف يكون مولودا ؟ [ ولم يكن له كفوا أحد‬
‫] لم يكن له أحد مساويا في صفاته ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هذه السورة لها فضل عظيم ‪ .‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪ (( :‬إنها تعدل ثلث القرآن ))‬ ‫‪-‬‬
‫لكنها تعدله وال تقوم مقامه ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬هذه السورة كان الرسول عليه الصالة والسالم يقرأ بها في الركعة الثانية في سنة الفجر‬ ‫‪-‬‬
‫وفي سنة المغرب وفي ركعتي الطواف وكذلك يقرأ بها في الوتر ألنها مبنية على اإلخالص التام‬
‫هلل تعالى ولهذا تسمى سورة اإلخالص ‪.‬‬

‫تفسير سورة الفلق‬

‫‪63‬‬
‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫ات ِفي‬
‫النفَّاثَ ِ‬ ‫ق ِإ َذا َوقَ َب (‪َ )3‬و ِم ْن َ‬
‫شِّر َّ‬ ‫شِّر َغ ِ‬
‫اس ٍ‬ ‫ق (‪َ )2‬و ِم ْن َ‬ ‫ق (‪ِ )1‬م ْن َ‬
‫شِّر َما َخلَ َ‬ ‫َأعو ُذ ِب َر ِّب ا ْل َفلَ ِ‬
‫ُق ْل ُ‬
‫ٍِ‬ ‫ا ْل ُعقَ ِد (‪َ )4‬و ِم ْن َ‬
‫س َد (‪)5‬‬ ‫شِّر َحاسد ِإ َذا َح َ‬

‫[ قل أعوذ برب الفلق ] الفلق ‪ :‬اإلصباح ‪ ,‬ويجوز أن يكون أعم من ذلك أن الفلق كل ما يفلقه اهلل‬
‫تعالى من اإلصباح والنوى والحب ‪ [ ,‬من شر ما خلق ] يشمل شياطين اإلنس والجن والهوام ومنه‬
‫النفس ألن النفس أمارة بالسوء ‪ [ ,‬ومن شر غاسق إذا وقب ] الغاسق قيل إنه الليل وقيل إنه القمر ‪,‬‬
‫والليل تكثر فيه الهوام والوحوش لذلك استعاذ من شره [ إذا وقب ] أي إذا دخل ‪ [ ,‬ومن شر النفاثات‬
‫في العقد ] هن الساحرات يعقدن الحبال وغيرها وتنفث بقراءة مطلسمة فيها أسماء الشياطين ‪ ,‬على‬
‫كل عقدة تعقد ثم تنفث ‪ [ ,‬ومن شر حاسد إذا حسد ] الحاسد الذي يكره نعمة اهلل على غيره [ إذا حسد‬
‫المعان يكون هذا الرجل عنده كراهة لنعمة اهلل على الغير إذا‬
‫] من حسد الحاسد العين التي تصيب ُ‬
‫أحس بنفسه أن اهلل تعالى أنعم على فالن بنعمة خرج من نفسه الخبيثة معنى مجهول فيصيب بالعين‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬ذكر هللا تعالى الغاسق إذا وقب والنفاثات في العقد والحاسد إذا حسد ألن البالء كله في هذه‬ ‫‪-‬‬
‫األحوال الثالثة يكون خفيا ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬الطريق للتخلص من هذه الشرور الثالثة أن يعلق اإلنسان قلبه بربه ويفوض أمره إليه‬ ‫‪-‬‬
‫ويحقق التوكل على هللا ويستعمل األوراد الشرعية ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬األوراد الشرعية حصن منيع أشد من سد يأجوج ومأجوج ‪ .‬لكن مع األسف كثيرا من‬ ‫‪-‬‬
‫الناس ال يعرف عن هذه األوراد شيئا ومن عرف فقد يغفل كثيرا ومن قرأها فقلبه غير ‪.‬‬

‫تفسير سورة الناس‬

‫الر ِح ِيم‬ ‫سِم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ِن َّ‬ ‫ِب ْ‬

‫‪64‬‬
‫اس (‪ )4‬الَّ ِذي‬
‫اس ا ْل َخ َّن ِ‬
‫س َو ِ‬ ‫اس (‪ِ )3‬م ْن َ‬
‫شِّر ا ْل َو ْ‬ ‫اس (‪ِ )2‬إلَ ِه َّ‬
‫الن ِ‬ ‫الن ِ‬‫اس (‪ )1‬م ِل ِك َّ‬
‫َ‬
‫َأعو ُذ ِب َر ِّب َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ُق ْل ُ‬
‫اس (‪  )6‬‬ ‫اس (‪ِ )5‬م َن ا ْل ِج َّن ِة َو َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ور َّ‬
‫الن ِ‬ ‫ص ُد ِ‬
‫س في ُ‬
‫يوس ِو ِ‬
‫َُ ْ ُ‬

‫[ قل أعوذ برب الناس ] وهو اهلل عز وجل رب كل شيء لكن للمناسبة خص الناس ‪ [ ,‬ملك الناس ]‬
‫المل ك ال ذي له الس لطة العلي ا في الناس والتص رف الكامل ه و اهلل ع ز وجل ‪ [ ,‬إل ه الناس ] مألوههم‬
‫ومعبودهم ‪ [ ,‬من شر الوسواس ] ما يلقى في القلب من األفكار واألوهام والتخيالت التي ال حقيقة لها‬
‫[ الخن اس ] ال ذي يخنس وينه زم وي ولي وي دبر عن د ذك ر اهلل ع ز وج ل وه و الش يطان ‪ [ ,‬من الجن ة ]‬
‫الوساوس تكون من الجن وتكون من بني آدم ‪.‬‬

‫فائدة ‪ :‬هذه السور الثالث ‪ :‬اإلخالص والفلق والناس كان النبي صلى هللا علي ه وس لم إذا أوى إلى‬ ‫‪-‬‬
‫فراشه نفث في كفه ومسح بها وجهه وما استطاع من بدنه ‪ ,‬وربما بعد الصلوات الخمس ‪.‬‬

‫‪65‬‬

You might also like