Professional Documents
Culture Documents
الوضع والاستعمال عند الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خلال كتابه الخطاب والتخاطب.
الوضع والاستعمال عند الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خلال كتابه الخطاب والتخاطب.
امللخّــص
حاولنــا يف هــذه الورقــة تســليط الضــوء عــى جانــب مــن األعــال العلميــة
لألســتاذ عبــد الرحمــن الحــاج صالــح ،أحــد كبــار اللغويــن ومــن أبــرز أعالمهــا
املثقفــن ،الذيــن كانــت لهــم مســاهمة متم ّيــزة يف الكتابــات اللغويــة ومشــاركة
فعالــة يف الحيــاة الثقافيــة .ويتمثــل هــذا يف إعــادة قــراءة أهــم املســائل
اللّغويــة املرتبطــة بالوضــع واالســتعامل مــن خــال كتابــه "الخطــاب والتّخاطــب
يف نظريــة الوضــع واالســتعامل العربيــة"؛ محاولــن تحديــد مفهــوم الوضــع
واالســتعامل ،ومتييــزه الفاصــل بــن اللغــة والــكالم ،وكــذا الحــروف أو األصــول
يف الوضــع واالســتعامل ،واملضمــر يف نظريــة الوضــع واالســتعامل ،وختمنــا هــذا
املقــال بأســلوب الخــر واإلنشــا ّء.
الكلامت املفاتيح:
الوضع -االستعامل -الخطاب -التخاطب -عبد الرحمن الحاج صالح.
مقدمة
تعــد اللّســانيات التداوليــة Linguistique pragmatiqueمــن أحــدث االتجاهــات
اللّغويــة التــي ظهــرت وتطـ ّورت يف مجــال الـ ّدرس اللّســاين الحديــث واملعــارص ،إذ بعدمــا
كانــت اللّســانيات تقــر أبحاثهــا عــى الجانبــن البنــوي والتوليــدي ،ووصــف وتفســر
ال ّنظــام اللّغــوي ودراســة امللكــة اللّســانية املتّحكمــة فيــه (جانــب توليــدي) يف إطــار مــا
يُصطلــح عليــه بـــ "لســانيات الوضــع" جــاءت اللّســانيات التّداوليــة لتعالــج يف مقابــل
ذلــك مــا يســمى بـــ "لســانيات االســتعامل" مــن خــال دراســة اللّغــة أثنــاء االســتعامل
يف مقامــات مختلفــة وبحســب مقاصــد املتكلمــن وأحــوال املتخاطبــن ،بغيــة إنجــاح
العمليــة التفاعليــة التواصليــة .ومــن هــذا املنطلــق ميكننــا طــرح اإلشــكال اآليت :مــا هــي
أهــم القضايــا اللّغويــة التــي عالجهــا األســتاذ عبــد الرحمــن حــاج صالــح لتأســيس هــذا
املنحــى التــداويل يف ُم َؤلَّفــه املوســوم "الخطــاب والتخاطــب يف نظريــة الوضــع واالســتعامل
العربيــة"؟
-1مفهوم الوضع واالستعامل
كل مــا هــو راجــع إىل م ّيــز ال ّنحــاة العــرب بــن مســتويني مــن اللّغــة ج ّيــدا "بــن ّ
ـص اللّفــظ املوضــوع لل ّداللــة عــى معنــى ،وهــذا املعنــى املدلــول عليــه الوضــع أي مــا يخـ ّ
ـص بنيــة هــذا اللّفــظ بقطــع ال ّنظــر عـ ّـا يؤ ّديــه يف واقــع
باللّفــظ وحــده ،ومــن ثـ ّم مــا يخـ ّ
الخطــاب ...ومــن جهــة أخــرى مــا هــو راجــع إىل اســتعامل هــذا اللّفــظ؛ أي إىل تأديتــه
للمعــاين املقصــودة بالفعــل وهــي األغــراض" (الحــاج صالــح ،1997 ،ص ،)36ويضيــف
األســتاذ الحــاج صالــح قائــا" :فبنظرهــم إىل الوضــع معــزوال ،متكّنــوا مــن إيجــاد الجامــع؛
أي عــا يجمــع بــن أفـراد الجنــس الواحــد ،باالعتــاد ال عــى صفاتهــا املم ّيــزة فقــط التــي
تجعلهــا تنــدرج يف هــذا الجنــس ،بــل بالنظــر يف هيئتهــا وزنتهــا" (الحــاج صالــح،2012 ،
ص ،)37هــذا فيــا يخــص الوضــع مــن حيــث التحديــد ،أمــا مصطلــح االســتعامل بحســب
منظــور ال ّنحــاة القدامــى ،فقــد ربطــه الحــاج صالــح مبنطــق ال ّداللــة عمومــا الــذي مجالــه
البالغــة ،فيقــول" :وبنظرهــم إىل االســتعامل ،متكّنــوا مــن دراســة ٍّدالالت
257 اللّـسانيـــــات -املجلد - 25العدد 1
فتيحة لعالوي
الســياق ،لكــن مبراعــاة املعــاين الوضعيــة ،ثــم ينظــر األلفــاظ والرتكيــب بحســب ّ
الباحــث يف تح ّولهــا حســب مــا يقتضيــه العقــل يف ذاتــه؛ كداللــة املعنــى أو حــال الخطــاب
يــأيت دور املنطــق الـ ّداليل ومنطــق التبليــغ ( )communicationوهــو ميــدان مــا يسـ ّميه
علامؤنــا بالبالغــة أو البيــان يف أقــدم أســاميهام" (الحــاج صالــح ،1989 ،ص )262وعــى
هــذا فــإ ّن الوضــع واالســتعامل وجهــان لعملــة واحــدة ،الغايــة منهــا تحقيــق الفعــل
التــداويل ،وهــذا مــا أكــ ّده عبــد القاهــر الجرجــاين يف ســياق ربطــه مســألة الوضــع
باالســتعامل" ،أ ّن األلفــاظ املفــردة التــي هــي أوضــا ُع اللّغــة ،مل توضــع لتُ ْع ـ َر َف معانيهــا
ـض ،فيُعــرف فيــا بينهــا فوائــد .وهــذا علـ ٌم يف أنْف ُِســها ،ولكــن ألن يُضـ َّم بعضُ هــا إىل بعـ ٍ
رشيــف وأصـ ٌـل عظيــم" (الجرجــاين ،1989 ،ص .)539كــا يــرى أ ّن حكــم اللّفــظ مــع مــا
ُوضــع لــه" (الجرجــاين ،1989 ،ص )540وتجــدر اإلشــارة إىل أ ّن األســتاذ عبــد الرحمــن
الحــاج صالــح اســتعمل مصطلــح (االســتعامل) كمقابــل لـــ « »pragmatiqueحســب
رأي األســتاذ الطاهــر لوصيــف (لوصيــف ،2006 ،ص ،)08إذا علمنــا أ ّن التداوليــة يعنــي
"دراســة العالمــات مبســتعملها" (نحلــة ،2006 ،ص.)91
-2متييزه الفاصل بني اللّغة والكالم
لقــد ربــط األســتاذ الحــاج صالــح الفعــل كحــدث بالــكالم كــا ربــط اللّغــة كنظــام
مــن األدلــة بالوضــع ،انطالقــا مــن قــول ال ّنحــاة وخاصــة ســيبويه "اعلــم أن الفعــل ...إمنــا
يُذكــر ليـ ّدل عــى حــدث ...وفيــه بيــان عــى مــا مــى ومــا مل ميــض منهــن ،كــا أ ّن فيــه
اســتدالالت عــى وقــوع الحــدث ...إذا قــال :ذهــب أو قعــد ُعلــم أ ّن للحــدث مكانــا وإن
مل يذكــره كــا ُعلــم أنّــه كان لــه ذهــاب" (ســيبويه1408 ،هـــ ،1988 -ص )15فالفعــل
بالنســبة إىل األســتاذ الحــاج صالــح؛ هــو مــن أهــم أركان الــكالم الـ ّدال عــى الحــدث وكل
حــدث ي ـراه بالــرورة يحصــل يف زمــان معـ ّـن ومــكان معـ ّـن.
وأمــا الــكالم كاســم مصــدر لفعــل تكلّــم فهــو حــدث ،وهــو اآلخــر البــد أن يكــون
لــه زمــان ومــكان مع ّينــان" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)43ثــم يواصــل الحــاج صالــح
يف التّمييــز بــن الــكالم كفعــل وكحــدث ،بقولــه" :وبهــذا يفــرق الــكالم كفعــل وكحــدث
عــن الجهــاز الــذي يســتعمله املتكلــم وهــو اللّغــة؛ إذ هــو أداة لتبليــغ األغ ـراض ومبــا
أنّهــا نظــام مــن األ ّدلــة املتواضــع عليهــا ،ال ت ـراد لذاتهــا ،بــل لالنتفــاع بهــا كأداة تبليــغ"
(الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)43وهــي نفــس الفكــرة التــي يشــر إليهــا يف موضــع آخــر،
واملتعلقــة باللّغــة كنظــام مســتقل بذاتــه مــن حيــث الوضــع ،مــن جهــة ،وكأ ّدلــة ضمــن
عمليــة التبليــغ والتــداول واإلفــادة ،بقولــه" :فال ّنظــام املنطقــي غــر النظــام اللّغــوي الــذي
ُخلــق لإلفــادة أي لتبليــغ أغـراض املتكلــم للمســتمع communicationفهــو آلــة للتبليــغ
جوهــره نابــع ملــا ويل مــن أمــر اإلفــادة ،فهــو إىل قوانــن ف ـ ّن املواصــات أقــرب منــه إىل
قواعــد املنطــق" (الحــاج صالــح ،2005 ،ص.)50
كــا نجــده يتعمــق يف نفــس الفكــرة مــن خــال هــذا التمييــز -الــذي ن ـراه متيي ـزا
مبنيــا عــى منطــق القدامــى مــن ال ّنحــاة ،-ملــا يتســم بــه مــن املوضوعيــة املبنيــة عــى
أســس املنهــج العلمــي ،الــذي يتوخــى يف تحليــل األشــياء مبــدأ االســتدالل قصــد الوصــول
إىل نتائــج حتميــة ،مــن قبيــل قولــه "فالــكالم حــدث واألحــداث هــي أشــياء جزئيــة،
ألنّهــا تــدرك بحاســة الســمع كأصــوات فلــكل حــدث خصوصيــة .أمــا اللّغــة فهــي مــن
بالســمع كوضــع كــا أنهــا ليســت حدثــا ،بــل هــي أداة مهيّــأة الكليــات ألنّهــا غــر مدركــة ّ
لالســتعامل يف كل األوقــات وكل الظــروف" (الحــاج صالــح ،2005 ،ص .)50مــن خــال هــذا
الــكالم يتبــادر إىل ذهننــا ذلــك التمييــز الــذي أشــار إليــه دي سوســور الحاصــل بــن اللّغــة
بالســمع ،مبفهــوم سوســور املوجودة والــكالم؛ فاللّغــة مــن حيــث هــي كليــات غــر مدركــة ّ
يف األذهــان التــي يصطلــح عليهــا بـــ "الشّ ــكل" Forme1والــكالم هــو التأديــات املختلفــة
لتلــك اللغــة ،Les diverses performances linguistiquesومنــه فهــذا التمييــز ينــدرج
الصغــرى للــكالم،يف إطــار لســانيات الجملــة ،ألنّــه مــن الــروري االنطــاق مــن البنيــة ّ
لتفســر مــا هــو أكــر مــن هــذه البنيــة ،يك يكــون التحليــل العلمــي لعمليــة التخاطــب
ســليام مبنيــا عــى أســس علميــة ،وهــذا مــا قــام بــه األســتاذ الحــاج صالــح يف تحديــد كل
املفاهيــم التــي تنــدرج ضمــن نظريــة الوضــع واالســتعامل.
التصور الذي يراه الحاج صالح فيام يتعلق بهذه وعىل هذا ميكن متثيل هذا ّ
مبهمــة وقــد ُوضعــت للســان؟" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)77ويُجيــب األســتاذ عــى أ ّن
"هــذا التناقــض ميكــن أن يــزول بجعــل هــذا اإلبهــام نســبيا .مــع بقائــه كصفــة الزمــة ،وأن
يكــون مــن جانبــن دون جانــب" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)77وهكــذا يسرتســل األســتاذ
يف عــرض وجــوه اإلبهــام ،مــن قبيــل اإلبهــام ومفهــوم النكــرة والتنكــر ،حيــث يقــول إ ّن
العــرب يف" تحديدهــم لإلبهــام 2هــو عــام" :مــا يقــع عــى كل يشء" ،ألنــه يشــمل هــذه
3
العبــارات مــن جهــة ونوعــا آخــر مــن أوضــاع اللّغــة ال يحتــاج إىل مــا س ـ ّموه بالتمييــز
(الحــاج صالــح ،2012 ،ص.)78
"فلنســم األ ّول إبهامــا بعــدم التمييــز
ونجــده كذلــك مييّــز بــن هذيــن النوعــن ،بقولــهّ :
والثــاين إبهامــا تنكرييــا" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص ،)78مقرنــا هذيــن ال ّنوعــن بالوضــع
واالســتعامل ،يف قولــه" :والجديــر باملالحظــة أ ّن لهذيــن ال ّنوعــن مــن األوضــاع غرضــا واحدا
يف إبهامــه وهــو صالحيتــه ألن يكــون عامــا يف االســتعامل ،وأال يختــص يف الوضــع بــيء
معـ ّـن؛ مثــل العــدد مــن جهــة وكلمــة "كل" والضمــر مــن جهــة أخــرى ،فالضمــر للمتكلــم
ألي شــخص يكــون متكلــا يف أي خطــاب ويف أي وقــت وأي مــكان، مثــا يجــب أن يصلــح ّ
وإال اســتحالت عمليــة التخاطــب يُنظــر( :الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)82يف أكــر األحــوال،
الختصــاص العنــر اللّغــوي بحالــة واحــدة وقــس عــى ذلــك كل األوضــاع اللّغويــة"
(الحــاج صالــح ،2012 ،ص.)78
.4أصناف األسامء وضعا واستعامال
يف ســياق ت ّدرجــه يف أقســام الــكالم مــن حيــث الوضــع واالســتعامل ،يشــر الحــاج
صالــح إىل مســألة األســاء املبهمــة واملختصــة ،حيــث يــرى أ ّن أصنــاف األســاء مــن حيــث
االبهــام التنكــري ثالثــة أصنــاف (الحــاج صالــح ،2012 ،ص:)81
يســميه ســيبويه االســم العــام؛ وهــذا يــزول بعالمــة يف
-املبهــم يف الجنــس وهــو مــا ّ
اللّفــظ .ويدخــل فيــا سـ ّـاه ســيبويه األســاء املختصــة.4
-املبهــم يف الوضــع فقــط وهــو غــر مبهــم أبــدا يف االســتعامل وال يــزول االبهــام عنــه إال
بقرينــة ،وهــو مــا سـ ّـاه ســيبويه بالدالئــل املبهمــة (يُنظــر :الحــاج صالــح ،2012 ،ص.)82
اللّـسانيـــــات -املجلد - 25العدد 1 262
الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"
تغيـرات يف مجــال االســتعامل ،فيقــول" :إ ّن املعــاين التــي ســبق أن ذكرناهــا لــكل صيغــة
ـص هــذه الصيّــغ يف الوضــع .فهــي األصــل يف ذلــك. مــن الــكالم ،هــي املعــاين التــي تخـ ّ
ويُصيبهــا تغيــر يف االســتعامل فيكــون ،مثــا ،للخــر يف الخطــاب عــدد كبــر مــن املعــاين
غــر معنــى الخــر" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)169أل ّن الغــرض األصــي للخــر " إفــادة
امل َخاطــب الحكــم الــذي تض ّمنتــه الجملــة" (الهاشــمي ،2008 ،ص ،)64وعندمــا تتعــدد
وجــوه الخــر ،يخــرج عــن حقيقتــه األصليــة املتواضــع عليهــا إىل أغ ـراض بالغيــة ،ت ُفهــم
مــن ســياق الــكالم ،وهــذا ال يتــأىت إالّ عــن طريــق اســتعامل تلــك الص ّيــغ الكالميــة أثنــاء
عمليــة التخاطــب ،وهــي نفــس الفكــرة التــي أشــار إليهــا الجرجــاين يف "أرسار البالغــة" ،يف
قولــه" :أ ّن الخــر أ ّول معــاين الــكالم وأقد ُمهــا ،والــذي تســتند ســائر املعــاين إليــه وترتتّــب
عليــه" (الجرجــاين ،1991،ص.)366
كــا نجــد الحــاج صالــح يشــر إىل وظيفــة ووجــوه الخــر بحســب منظــور ال ّنحــاة
القدامــى ،يف قولــه" :أمــا الخــر يف أصــل الوضــع ،فهــو عنــده كــا قــال ابــن فــارس" :إعــام.
تقــول :أخربتــه ،أخــره والخــر العلــم ،وأهــل النظــر يقولــون :الخــر مــا جــاز تصديقــه
أو تكذيبــه ،وهــو إفــادة املخاطــب أم ـرا يف مــاض مــن زمــان أو مســتقبل أو دائــم [=
حــارض] ...ث ـ ّم يكــون واجبــا وجائ ـزا وممتنعــا .فالواجــب قولنــا :النــار ُمحرقــة ،والجائــز
قولنــا "لقــي زيــد عم ـرا " واملمتنــع قولنــا" :حملــت الجبــل" (الصاحبــي( ")150 ،الحــاج
صالــح ،2012 ،ص .)169أمــا مســألة الواجــب وغــر الواجــب عنــد ال ّنحــاة ،فيطرحهــا
األســتاذ يف شــكل تســاؤل ،مفــاده" :مــا هــي الرتاكيــب الواجبــة وغــر الواجبــة؟ ويُجيبنــا
اســتنادا إىل قــول ســيبويه" :ومل تكــن" ليــت "واجبــة وال "لعــل" وال "كان" .ألنّهــا حــروف
للتجــي .وتكــون بعــض األفعــال غري تجعــل الفعــل غــر واجــب مثــل ليــت للتمنــي ولعــل ّ
واجبــة إذا جــاءت منســوبة إىل املتكلــم ،مثــل "ظـ ّن" .قــال" :أظـ ّن غــر واقــع يف حديثــك".
كــا أ ّن بعــض الحــروف اللّواحــق تكــون دامئــا مــع الفعــل غــر واجبــة كال ّنــون")" (الحــاج
صالــح ،2012 ،ص ،)166وللتمييــز بــن الخــر واالنشــاء مــن حيــث مقيــاس الواجــب وغــر
الواجــب ،ميثلهــا أســتاذنا يف ال ّرســم التوضيحــي التــايل:
)2وقوعــه أو عــدم وقوعــه :غــر معلــوم = )2وقوعه أو عدم وقوعه :غري معلوم =
غري واجب: غــر واجــب:
هــل قــام زيــد؟ ال أدري هــل قــام زيــد قُ ْم /ال تق ْم /أستقوم؟ /ليتني قمت /أريد
أن أقوم (اســتفهام)
أمر /نهي /استفهام /متني /منصوب بأن /
الشكل :3املقياس العريب للفرق بني الخرب واإلنشاء
هــذا فيــا يتعلــق بالرتاكيــب ،أمــا العالمــات اإلعرابيــة ومــا يكــون فيهــا واجــب وغــر
واجــب ،فــرى األســتاذ الحــاج صالــح أ ّن واضــع اللّغــة العربيــة جعــل عالمــات إعرابيــة
خصصــه لألمــر الثابــت الواجــب وقــد يكــون لغــر بحســب هذيــن املقياســن "فال ّرفــع ّ
الواجــب .أمــا النصــب والجــزم فهــا دامئــا لغــر الواجــب (الحــاج صالــح ،2012 ،ص ،)167
ويف هــذا املعنــى يســوق كالم الســهييل ،يف قولــه "قــال الســهييل (املتــويف يف 581هـــ) فيــا
يخــص األفعــال :األفعــال واجــب وممكــن و ُمنتــف أو مــا يف حكمــه .فالرفــع للواجــب
والنصــب للممكــن والجــزم الــذي هــو عــدم الحركــة للمنفــي أو مــا يف حكمــه .هــذا هــو
األصــل وقــد يخالــف (الســهييل( )91 ،الحــاج صالــح ،2012 ،ص ،)168ويف ســياق التمييــز
بــن املســألتني ،يقــول" :والفــرق بينهــا هــو أ ّن املنصــوب غــر حاصــل ،ألنّــه غايــة ســواء
كان ذلــك يف االســم (املفعــول بــه مثــا) أم يف الفعــل (أن يخــرج) .والجــزم غــر حاصــل
أيضــا ألنــه ُمنتــف متامــا)" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)168
.8أفعال املتكلم اإلنشائية
يــرى األســتاذ الحــاج صالــح أ ّن كل خطــاب فعــل للمتكلــم حتــى اإلخبــار ،ولهــذا فـ ّرق
اللّـسانيـــــات -املجلد - 25العدد 1 266
الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"
جمهــور اللّغــة عمومــا بــن الخــر ( )constativeوبــن الطلــب (الــذي ســمي فيــا بعــد
الســياق ،إىل اإلنشــاء
إنشــاء) (الحــاج صالــح ،2012 ،ص ،)174كــا نجــده يشــر يف ذات ّ
اإليقاعـ�ي بحسـ�ب نظـ�رة األصوليـين ،هـ�ذه الظاهـ�رة التـ�ي لفتـ�ت نظـ�ر أوسـ�ت ني �Aus
ســاها ( .)Performativeواإلنشــاء عنــده بحســب tinالفيلســوف الربيطــاين والتــي ّ
املنظــور القديــم (إحــداث يشء بالــكالم) (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)175كــا أكــد عــى
إ ّن اإلنشــاء عنــد ســيبويه ،هــو ( مبــا يبتدئــه املتكلــم بكالمــه ) مقابــل مــا ليــس كذلــك؛
كاألمــر وال ّنهــي واالســتفهام .ويف متييــزه بــن مــا هــو واقــع مــا يــدل عليــه الــكالم ،وبــن
مــا هــو واقــع بســبب كالم املتكلــم ويف وقــت النطــق بــه بال ـذّات ،مــن مثــل عبــارات
(شــكرا) ومرحبــا ول ّبيــك وغــر ذلــك)" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)174وهــذه الفكــرة
ت ُحيلنــا إىل كالم بيــار الريش ،Pierre Larcherعندمــا يســتحرض فكــرة ابــن الحاجــب
ـص عليهــا بهــاء الديــن الســبيك يف كتابــه "تلخيــص رشوح التلخيــص" بقولــه" :ليــس التــي نـ َّ
الفــرق بــن الخــر واالنشــاء يف ال ّنهايــة فــرق راجــع إىل الوســائط املرجعيــة ،ولكــن بــن
عــوامل مرجعيــة :إذ يُفهــم الخــر مــن حيــث أنــه ســند "إثبــات مــا هــو يف العــامل الخارجــي"
(إخبــار عــا يف الغــر) ،واالنشــاء عــى أنــه "إثبــات مــا هــو يف العــامل الداخــي ( املتعلــق
باملتكلــم )" ( إخبــار عــا يف الباطــن ) ويــرد هــذا التحديــد ضمنيــا عنــد ابــن الحاجــب يف
15
الســبيك"
كتابــه "األمــايل" الــذي أشــار إليــه البالغــي بهــاء الديــن ّ
(Larcher‚ 2014‚ p.56).
ونجــد األســتاذ الحــاج صالــح ،يف موضــع آخــر عندمــا مييّــز بــن الخــر واإلنشــاء ،يؤكــد
عــى أ ّن كليهــا أفعــال كالميــة خطابيــة (الحــاج صالــح ،2012 ،ص ،)177وهــذا يحيلنــا
إىل تصنيــف أوســتني لألفعــال الكالميــة ،وحــن نتحــدث عــن الفعــل نقصــد بــه الحــدوث
والوقــوع ،ومــن ثـ ّم إنجــاز األفعــال مبعنــى اإلنشــاء واالبتــكار ،وعليــه فاإلنشــاء؛ مــا يحصل
مدلولــه يف الخــارج بالــكالم املقصــود ،وهــذا املعنــى لإلنشــاء هــو الــذي يقدمــه أوســتني؛
فنحــن ننجــز األشــياء بالــكالم؛ أي نخرجهــا مــن ح ّيــز العــدم إىل الوجــود (أدواري،2011 ،
ص ،)73مــن خــال فعــل القــول ،والفعــل املتضمــن يف القــول ،والفعــل الناتــج عــن
القــول ،وهــي ليســت أفعــاال ثالثــة يســتطيع املتكلــم أن يؤديهــا واحــدا تلــو اآلخــر ،بــل
هــي جوانــب لفعــل واحــد (نحلــة ،2006 ،ص.)67
كــا يــرى الحــاج صالــح أ ّن الــكالم اإلنشــايئ هــو أيضــا خــر ،مؤكــدا مــا قالــه ال ّنحــاة
"بــأ ّن كل كالم هــو إخبــار مهــا كان املعنــى املقصــود منــه .فالجملــة املفيــدة هــي التــي
يســتفيد منهــا املخاطــب شــيئا .وهــذا ال مينــع أن يكــون لهــا معنــى آخــر .أمــا اإلنشــائية
مثــل اإليقاعيــة ،فهــي يف الوقــت نفســه إخبــار مبــا حصــل مــن إرادة املتكلــم وتحقيــق
هــذا الــكالم" (الحــاج صالــح ،2012 ،ص.)178
خامتة
إ ّن مســألة الوضــع واالســتعامل ،عالجهــا األســتاذ عبــد الرحمــن الحــاج صالــح باتبــاع
اسـراتيجية تداوليــة ،توخــى فيهــا التــدرج املنهجــي يف تنــاول القضايــا اللّغويــة املتعلقــة
بــكل مــن الوضــع واالســتعامل يف اللّغــة ،إذ بــدأ بتحديــد كل مــن مصطلــح الوضــع
واالســتعامل بحســب نظــرة ال ّنحــاة القدامــى ،ومنــه انتقــل إىل التّمييــز بــن اللغــة
كنظــام مــن الرمــوز املتواضــع عليهــا ،والــكالم مــن حيــث هــو حــدث ،فقابــل بــن ال ّنظــام
املنطقــي الــذي يختــص بالرمــوز اللّغويــة ،وبــن ال ّنظــام اللّغــوي الــذي يختــص بتوظيــف
تلــك الرمــوز اللغويــة يف عمليــة التخاطــب واإلفــادة.
وتوخ ّيــا ملراتــب أقســام الــكالم ،بــدأ أســتاذنا كالمــه عــن الحــروف أو األصــول ،التــي
يتــم وضعهــا بطريقــة مخصوصــة لتأديــة املعــاين املختلفــة ،حتــى ولــو كانــت مبهمــة،
وخاصــة
ّ فإبهامهــا نســبي مــن حيــث صالحيتــه ألن يكــون عامــا يف االســتعامل مــن جهــة،
يف حــاالت معيّنــة مــن جهــة أخــرى .والحــال كذلــك بالنســبة إىل األســاء ،فهــي كــا ذكرها
أصنــاف؛ فهنــاك األســاء املختصــة املبهمــة يف الجنــس ،واملبهمــة يف الوضــع فقــط وهــو
غــر مبهــم أبــدا يف االســتعامل وال يــزول االبهــام عنــه إال بقرينــة ،وهــو مــا سـ ّـاه ســيبويه
بالدالئــل املبهمــة وكــذا املبهمــة إبهامــا مطلقــا ومــن نوعهــا إبهــام حــروف املعــاين .هــذا
ورأينــا كيفيــة انتقــال اســم العلــم مــن حــال النكــرة إىل املعرفــة داخــل االســتعامل ،وكيــف
كأي اســم عــام.
يدخــل عليــه العــدد ،فيصــر ّ
اللّـسانيـــــات -املجلد - 25العدد 1 268
الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"
وتبعــا للتّــدرج املنهجــي مــن الوقــوف عنــد املبهــم ثــم املختــص ،فاألســاء ال ّنكــرة التــي
تصــر معرفــة بقرائــن معنويــة أو لفظيــة ،توصلنــا إىل مســتوى آخــر ينــدرج ضمــن التّوجــه
التّــداويل ،الــذي أفــاض فيــه الكثــر مــن الدارســن الغربــن ،أال وهــو املضمــر l’implicite
الــذي ال يتحقــق وجــوده إال بحضــور املتخاطبــن وتكمــن أهميــة وظيفتــه يف عمليــة
التبليــغ ومــا تحققــه مــن اقتصــاد لغــوي يف االســتعامل.
-والــكالم املفيــد بالوضــع عنــد األســتاذ الحــاج صالــح ،يتمثــل يف ثنائيــة الخرب واإلنشــاء،
التــي هــي األخــرى وضّ حهــا بحســب نظــرة علــاء اللّغــة القدامــى ويف مقدمتهــم ســيبويه،
مــع التأكيــد عــى إ ّن كل كالم هــو إخبــار مبختلــف الوجــوه واألشــكال التــي يــرد فيهــا.
اإلحــاالت
-1تجــدر اإلشــارة يف هــذا الســياق أ ّن دوسوســور ميّــز هــو اآلخــر بــن لســانيات الوضــع ولســانيات
االســتعامل ،وهــذا يف الفصــل الرابــع مــن كتابــه املعنــون «Linguistique de la langue et
،»linguistique de la paroleوهــذا حــن يقــر أ ّن كل مك ّونــات اللّغــة التــي تشّ ــكل الــكالم ترتبــط
ارتباطــا وثيقــا بعلــم اللّغــة .وال ّنــص يف لغتــه األصليــة:
«Tous les autres éléments du langage, qui constituent la parole, viennent d'eux mêmes
se subordonner à cette première science »Ferdinand de Saussure, cours de linguistique
générale, éd. Charles Bally, Albert Sechehaye et Albert Riendinger, Payot, Paris, 1971,
p.37.
-2قــول الحــاج " :اســتعمل ســيبويه هــذه اللفظــة كثـرا ويقابــل االبهــام عنــده االختصــاص يف جميــع
الســياقات .قــال عنــد كالمــه عــن التمييــز واملضــاف إليــه "يل عــرون" فقــد أبهمــت األنــواع ،فــإذا
قلــت "درهــا" فقــد اختصصــت نوعــا ...فكــذا "مثلــه" هــو مبهــم يقــع عــى أنــواع ( .)288/1يُنظــر:
(الحــاج صالــح ،2012 ،ص .)77ويقــول ابــن مالــك:
كأيُّها الفتى ٍب ٍإث ِر " أ ْر ُجونِيا" االختصاص ك ِندا ٍء دو َن يا
ك ِمث ِل " نح ُن ال ُع ْر َب أَ ْسخى َم ْن بَذَلْ " وقد يُرى ذا دو َن " أ ٍّي تِل َو" ألْ
واالختصــاص يشــبه النــداء لفظ ـاً ويخالفــه مــن ثالثــة أوجــه :أحدهــا :أنــه يُســتعمل معــه حــرف
نــداء.
والثاين :أنّه الب ّد أن يسبقه يشء.
والثالث :أن يصاحبه األلف والالم.
وذلــك كقولــك" :أنــا أفعــلُ كــذا أيُّهــا ال ّرجــل ،ونحــن ال ُعـ ْر َب أســخى ال ّنــاس ،وقولــه صــى عليــه وســلم:
ـصـاش األنبيــاء ال نُــو َرثُ ،مــا تركنــاه صدقـ ٌة" وهــو منصــوب بفعــل مضمــر ،والتقديــر" :أ ُخـ ُّ "نحـ ُن معـ ِ َ
رش األنبيــاء" .ينظــر( :ابــن عقيــل ،1992 ،ص.)456-457 ـص معــا َ
ـرب ،وأخـ ّ
العـ َ
-3العبــارات :يُقصــد بهــا األمثلــة الــواردة يف هــذا النــوع مــن االبهــام لســيبويه وغــره مــن ال ّنحــاة:
كقــول املــرد" :مــررت برجــل مثلــك ...كيــف يكــون "املثــل" نكــرة وهــو مضــاف إىل معرفــة هــا كان
كقولــك "مــررت بعبــد اللــه أخيــك؛ فالجــواب يف ذلــك :أ ّن اإلخــوة مخطــورة ،وقولــك" :مثلــك" مبهــم
مطلــق ،يجــوز أن يكــون "مثلــك" يف أنكــا رجــان أســمران" فالتقديــر يف ذلــك التنويــن ،كأن يقــول:
"مــررت برجــل شــبيه بــك ومــررت برجــل مثــل لــك"( .املــرد1388-1385 ،ه ،ص ،)287-286وقــال:
"فأمــا مــررت برجــل غــرك فــا يكــون إال نكــرة ألنــه مبهــم يف الثــاين أجمعــن" ( .)288/4يُنظــر:
اللّـسانيـــــات -املجلد - 25العدد 1 270
"الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب