You are on page 1of 19

‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح‬

‫من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬


‫فتيحة لعالوي‬
‫جامعة الجزائر ‪ - 2‬الجزائر‬
‫‪lalaouifatiha@yahoo.fr‬‬

‫تاريخ االستالم‪ 2018/11/19 :‬تاريخ القبول‪2018/12/06 :‬‬

‫امللخّــص‬
‫حاولنــا يف هــذه الورقــة تســليط الضــوء عــى جانــب مــن األعــال العلميــة‬
‫لألســتاذ عبــد الرحمــن الحــاج صالــح‪ ،‬أحــد كبــار اللغويــن ومــن أبــرز أعالمهــا‬
‫املثقفــن‪ ،‬الذيــن كانــت لهــم مســاهمة متم ّيــزة يف الكتابــات اللغويــة ومشــاركة‬
‫فعالــة يف الحيــاة الثقافيــة‪ .‬ويتمثــل هــذا يف إعــادة قــراءة أهــم املســائل‬
‫اللّغويــة املرتبطــة بالوضــع واالســتعامل مــن خــال كتابــه "الخطــاب والتّخاطــب‬
‫يف نظريــة الوضــع واالســتعامل العربيــة"؛ محاولــن تحديــد مفهــوم الوضــع‬
‫واالســتعامل‪ ،‬ومتييــزه الفاصــل بــن اللغــة والــكالم‪ ،‬وكــذا الحــروف أو األصــول‬
‫يف الوضــع واالســتعامل‪ ،‬واملضمــر يف نظريــة الوضــع واالســتعامل‪ ،‬وختمنــا هــذا‬
‫املقــال بأســلوب الخــر واإلنشــا ّء‪.‬‬
‫الكلامت املفاتيح‪:‬‬
‫الوضع ‪ -‬االستعامل ‪ -‬الخطاب ‪ -‬التخاطب ‪ -‬عبد الرحمن الحاج صالح‪.‬‬

‫املؤلف املراسل‪ :‬فتيحة لعالوي‪ ،‬الربيد االلكرتوين‪lalaouifatiha@yahoo.fr :‬‬


‫‪255‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫فتيحة لعالوي‬

Le code et l’usage chez Abderrahmane Hadj Salah à travers


son livre «al-khitᾱb waal-takhᾱtūb»
Résumé
Dans cet article, Nous avons essayé de mettre en évidence une partie
des travaux réalisés par le professeur Hadj salah, un des grands linguistes
et parmi les savants cultivés les plus distingués, qui a eu une contribution
distincte à travers les ouvrages linguistiques et la participation active à la
vie culturelle. Nous avons essayé de soulever certaines questions traitées
dans son livre «al-khitᾱb waTakhᾱtūb fi nadariyᾱt al- Wadea wa al- istiʽmᾱl
al -ʽarabiya», en essayant de traiter brièvement ; le code et l’usage de la
langue, la distinction entre langue et parole, les phonèmes, l’implicite, et
al-ḫabar et al- ’inšᾱ.
Mots clés:
Code - usage - discours- conversation - Abderrahmane Hadj Salah.

The Code and use according to Abderrahmane Hadj Salah


through his book «al-khitᾱb waal-takhᾱtūb»
Abstract
In this paper, we tried to shed light on one of the scientific works of
the Professor Abderrahmane Hadj Salah, one of the eminent linguists, and
among the great intellectual, who have made a very significant contribution
in linguistic works with his active participation in a cultural life. By providing
a new reading on the most important language questions related to the code-
use, through his book "Al khitᾱb wa atakhᾱtūb fi nadariyat al Wadea wa
al istimal al arabiya", we discussed the code and use of a language, the
distinction between language and parole, phonemes, the implicit, and al
khabar wa al inchaa.
Key words:
Code - use - discourse - conversation - Abderrahmane Hadj Salah.

1 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬ 256


‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫مقدمة‬
‫تعــد اللّســانيات التداوليــة ‪ Linguistique pragmatique‬مــن أحــدث االتجاهــات‬
‫اللّغويــة التــي ظهــرت وتطـ ّورت يف مجــال الـ ّدرس اللّســاين الحديــث واملعــارص‪ ،‬إذ بعدمــا‬
‫كانــت اللّســانيات تقــر أبحاثهــا عــى الجانبــن البنــوي والتوليــدي‪ ،‬ووصــف وتفســر‬
‫ال ّنظــام اللّغــوي ودراســة امللكــة اللّســانية املتّحكمــة فيــه (جانــب توليــدي) يف إطــار مــا‬
‫يُصطلــح عليــه بـــ "لســانيات الوضــع" جــاءت اللّســانيات التّداوليــة لتعالــج يف مقابــل‬
‫ذلــك مــا يســمى بـــ "لســانيات االســتعامل" مــن خــال دراســة اللّغــة أثنــاء االســتعامل‬
‫يف مقامــات مختلفــة وبحســب مقاصــد املتكلمــن وأحــوال املتخاطبــن‪ ،‬بغيــة إنجــاح‬
‫العمليــة التفاعليــة التواصليــة‪ .‬ومــن هــذا املنطلــق ميكننــا طــرح اإلشــكال اآليت‪ :‬مــا هــي‬
‫أهــم القضايــا اللّغويــة التــي عالجهــا األســتاذ عبــد الرحمــن حــاج صالــح لتأســيس هــذا‬
‫املنحــى التــداويل يف ُم َؤلَّفــه املوســوم "الخطــاب والتخاطــب يف نظريــة الوضــع واالســتعامل‬
‫العربيــة"؟‬
‫‪ -1‬مفهوم الوضع واالستعامل‬
‫كل مــا هــو راجــع إىل‬ ‫م ّيــز ال ّنحــاة العــرب بــن مســتويني مــن اللّغــة ج ّيــدا "بــن ّ‬
‫ـص اللّفــظ املوضــوع لل ّداللــة عــى معنــى‪ ،‬وهــذا املعنــى املدلــول عليــه‬ ‫الوضــع أي مــا يخـ ّ‬
‫ـص بنيــة هــذا اللّفــظ بقطــع ال ّنظــر عـ ّـا يؤ ّديــه يف واقــع‬
‫باللّفــظ وحــده‪ ،‬ومــن ثـ ّم مــا يخـ ّ‬
‫الخطــاب‪ ...‬ومــن جهــة أخــرى مــا هــو راجــع إىل اســتعامل هــذا اللّفــظ؛ أي إىل تأديتــه‬
‫للمعــاين املقصــودة بالفعــل وهــي األغــراض" (الحــاج صالــح‪ ،1997 ،‬ص‪ ،)36‬ويضيــف‬
‫األســتاذ الحــاج صالــح قائــا‪" :‬فبنظرهــم إىل الوضــع معــزوال‪ ،‬متكّنــوا مــن إيجــاد الجامــع؛‬
‫أي عــا يجمــع بــن أفـراد الجنــس الواحــد‪ ،‬باالعتــاد ال عــى صفاتهــا املم ّيــزة فقــط التــي‬
‫تجعلهــا تنــدرج يف هــذا الجنــس‪ ،‬بــل بالنظــر يف هيئتهــا وزنتهــا" (الحــاج صالــح‪،2012 ،‬‬
‫ص‪ ،)37‬هــذا فيــا يخــص الوضــع مــن حيــث التحديــد‪ ،‬أمــا مصطلــح االســتعامل بحســب‬
‫منظــور ال ّنحــاة القدامــى‪ ،‬فقــد ربطــه الحــاج صالــح مبنطــق ال ّداللــة عمومــا الــذي مجالــه‬
‫البالغــة‪ ،‬فيقــول‪" :‬وبنظرهــم إىل االســتعامل‪ ،‬متكّنــوا مــن دراســة ٍّدالالت‬
‫‪257‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫فتيحة لعالوي‬

‫الســياق‪ ،‬لكــن مبراعــاة املعــاين الوضعيــة‪ ،‬ثــم ينظــر‬ ‫األلفــاظ والرتكيــب بحســب ّ‬
‫الباحــث يف تح ّولهــا حســب مــا يقتضيــه العقــل يف ذاتــه؛ كداللــة املعنــى أو حــال الخطــاب‬
‫يــأيت دور املنطــق الـ ّداليل ومنطــق التبليــغ (‪ )communication‬وهــو ميــدان مــا يسـ ّميه‬
‫علامؤنــا بالبالغــة أو البيــان يف أقــدم أســاميهام" (الحــاج صالــح‪ ،1989 ،‬ص‪ )262‬وعــى‬
‫هــذا فــإ ّن الوضــع واالســتعامل وجهــان لعملــة واحــدة‪ ،‬الغايــة منهــا تحقيــق الفعــل‬
‫التــداويل‪ ،‬وهــذا مــا أكــ ّده عبــد القاهــر الجرجــاين يف ســياق ربطــه مســألة الوضــع‬
‫باالســتعامل‪" ،‬أ ّن األلفــاظ املفــردة التــي هــي أوضــا ُع اللّغــة‪ ،‬مل توضــع لتُ ْع ـ َر َف معانيهــا‬
‫ـض‪ ،‬فيُعــرف فيــا بينهــا فوائــد‪ .‬وهــذا علـ ٌم‬ ‫يف أنْف ُِســها‪ ،‬ولكــن ألن يُضـ َّم بعضُ هــا إىل بعـ ٍ‬
‫رشيــف وأصـ ٌـل عظيــم" (الجرجــاين‪ ،1989 ،‬ص‪ .)539‬كــا يــرى أ ّن حكــم اللّفــظ مــع مــا‬
‫ُوضــع لــه" (الجرجــاين‪ ،1989 ،‬ص‪ )540‬وتجــدر اإلشــارة إىل أ ّن األســتاذ عبــد الرحمــن‬
‫الحــاج صالــح اســتعمل مصطلــح (االســتعامل) كمقابــل لـــ «‪ »pragmatique‬حســب‬
‫رأي األســتاذ الطاهــر لوصيــف (لوصيــف‪ ،2006 ،‬ص‪ ،)08‬إذا علمنــا أ ّن التداوليــة يعنــي‬
‫"دراســة العالمــات مبســتعملها" (نحلــة‪ ،2006 ،‬ص‪.)91‬‬
‫‪ -2‬متييزه الفاصل بني اللّغة والكالم‬
‫لقــد ربــط األســتاذ الحــاج صالــح الفعــل كحــدث بالــكالم كــا ربــط اللّغــة كنظــام‬
‫مــن األدلــة بالوضــع‪ ،‬انطالقــا مــن قــول ال ّنحــاة وخاصــة ســيبويه "اعلــم أن الفعــل‪ ...‬إمنــا‬
‫يُذكــر ليـ ّدل عــى حــدث‪ ...‬وفيــه بيــان عــى مــا مــى ومــا مل ميــض منهــن‪ ،‬كــا أ ّن فيــه‬
‫اســتدالالت عــى وقــوع الحــدث‪ ...‬إذا قــال‪ :‬ذهــب أو قعــد ُعلــم أ ّن للحــدث مكانــا وإن‬
‫مل يذكــره كــا ُعلــم أنّــه كان لــه ذهــاب" (ســيبويه‪1408 ،‬هـــ ‪ ،1988 -‬ص‪ )15‬فالفعــل‬
‫بالنســبة إىل األســتاذ الحــاج صالــح؛ هــو مــن أهــم أركان الــكالم الـ ّدال عــى الحــدث وكل‬
‫حــدث ي ـراه بالــرورة يحصــل يف زمــان معـ ّـن ومــكان معـ ّـن‪.‬‬
‫وأمــا الــكالم كاســم مصــدر لفعــل تكلّــم فهــو حــدث‪ ،‬وهــو اآلخــر البــد أن يكــون‬
‫لــه زمــان ومــكان مع ّينــان" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)43‬ثــم يواصــل الحــاج صالــح‬
‫يف التّمييــز بــن الــكالم كفعــل وكحــدث‪ ،‬بقولــه‪" :‬وبهــذا يفــرق الــكالم كفعــل وكحــدث‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪258‬‬


‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫عــن الجهــاز الــذي يســتعمله املتكلــم وهــو اللّغــة؛ إذ هــو أداة لتبليــغ األغ ـراض ومبــا‬
‫أنّهــا نظــام مــن األ ّدلــة املتواضــع عليهــا‪ ،‬ال ت ـراد لذاتهــا‪ ،‬بــل لالنتفــاع بهــا كأداة تبليــغ"‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)43‬وهــي نفــس الفكــرة التــي يشــر إليهــا يف موضــع آخــر‪،‬‬
‫واملتعلقــة باللّغــة كنظــام مســتقل بذاتــه مــن حيــث الوضــع‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬وكأ ّدلــة ضمــن‬
‫عمليــة التبليــغ والتــداول واإلفــادة‪ ،‬بقولــه‪" :‬فال ّنظــام املنطقــي غــر النظــام اللّغــوي الــذي‬
‫ُخلــق لإلفــادة أي لتبليــغ أغـراض املتكلــم للمســتمع ‪ communication‬فهــو آلــة للتبليــغ‬
‫جوهــره نابــع ملــا ويل مــن أمــر اإلفــادة‪ ،‬فهــو إىل قوانــن ف ـ ّن املواصــات أقــرب منــه إىل‬
‫قواعــد املنطــق" (الحــاج صالــح‪ ،2005 ،‬ص‪.)50‬‬
‫كــا نجــده يتعمــق يف نفــس الفكــرة مــن خــال هــذا التمييــز ‪-‬الــذي ن ـراه متيي ـزا‬
‫مبنيــا عــى منطــق القدامــى مــن ال ّنحــاة‪ ،-‬ملــا يتســم بــه مــن املوضوعيــة املبنيــة عــى‬
‫أســس املنهــج العلمــي‪ ،‬الــذي يتوخــى يف تحليــل األشــياء مبــدأ االســتدالل قصــد الوصــول‬
‫إىل نتائــج حتميــة‪ ،‬مــن قبيــل قولــه "فالــكالم حــدث واألحــداث هــي أشــياء جزئيــة‪،‬‬
‫ألنّهــا تــدرك بحاســة الســمع كأصــوات فلــكل حــدث خصوصيــة‪ .‬أمــا اللّغــة فهــي مــن‬
‫بالســمع كوضــع كــا أنهــا ليســت حدثــا‪ ،‬بــل هــي أداة مهيّــأة‬ ‫الكليــات ألنّهــا غــر مدركــة ّ‬
‫لالســتعامل يف كل األوقــات وكل الظــروف" (الحــاج صالــح‪ ،2005 ،‬ص‪ .)50‬مــن خــال هــذا‬
‫الــكالم يتبــادر إىل ذهننــا ذلــك التمييــز الــذي أشــار إليــه دي سوســور الحاصــل بــن اللّغــة‬
‫بالســمع‪ ،‬مبفهــوم سوســور املوجودة‬ ‫والــكالم؛ فاللّغــة مــن حيــث هــي كليــات غــر مدركــة ّ‬
‫يف األذهــان التــي يصطلــح عليهــا بـــ "الشّ ــكل" ‪ Forme1‬والــكالم هــو التأديــات املختلفــة‬
‫لتلــك اللغــة ‪ ،Les diverses performances linguistiques‬ومنــه فهــذا التمييــز ينــدرج‬
‫الصغــرى للــكالم‪،‬‬‫يف إطــار لســانيات الجملــة‪ ،‬ألنّــه مــن الــروري االنطــاق مــن البنيــة ّ‬
‫لتفســر مــا هــو أكــر مــن هــذه البنيــة‪ ،‬يك يكــون التحليــل العلمــي لعمليــة التخاطــب‬
‫ســليام مبنيــا عــى أســس علميــة‪ ،‬وهــذا مــا قــام بــه األســتاذ الحــاج صالــح يف تحديــد كل‬
‫املفاهيــم التــي تنــدرج ضمــن نظريــة الوضــع واالســتعامل‪.‬‬
‫التصور الذي يراه الحاج صالح فيام يتعلق بهذه‬ ‫وعىل هذا ميكن متثيل هذا ّ‬

‫‪259‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫فتيحة لعالوي‬

‫الثنائية‪ ،‬عىل ال ّنحو اآليت‪:‬‬

‫الشكل ‪ :1‬ظاهرة التخاطب عند الحاج صالح‬


‫الســياق ذاتــه يربــط أســتاذنا هــذه الفكــرة باهتــام ال ّنحــاة العــرب بال ّدالئــل بصفة‬ ‫ويف ّ‬
‫عامــة‪ ،‬بقولــه‪" :‬إ ّن اهتــام ال ّنحــاة األ ّولــن بالدالئــل غــر اللفظيــة‪ ،‬ال يقلــل مــن اهتاممهــم‬
‫باللغــة كوضــع مــن أوضــاع املجتمــع‪ ،‬إذ هــي جديــرة بــأن تــدرس علميــا كبنيــة أو نظــام‬
‫مــن األ ّدلــة تــدل عــى معــان‪ ،‬إال أ ّن اســتعاملها هــو غــر اللّغــة (اســتعامل نظــام مــن‬
‫األنظمــة غــر ال ّنظــام) بــل هــو الــكالم كخطــاب‪ .‬وكان جدي ـرا عندهــم أيضــا بالدراســة‪،‬‬
‫الخاصــة ليســت مــن جوهــر‬ ‫كــا يظهــر مــن تحليالتهــم؛ ألنّــه يخضــع لعــدد مــن القوانــن ّ‬
‫اللّغــة كنظــام كــا بيّنــوه وكــا سـراه" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)45‬ومنــه نفهــم مــن‬
‫هــذا ال ّنــص إقـرار الحــاج صالــح إ ّن ال ّنحــاة العــرب مل يدرســوا اللّغــة مــن حيــث هــي نظام‬
‫مــن األ ّدلــة فحســب‪ ،‬وإمنــا كانــت اهتامماتهــم تشــمل دراســة اللّغــة كوضــع (ال ّنظــام‬
‫اللّغــوي) تخضــع لقوانــن ال ّنحــو‪ ،‬إىل جانــب دراســة اللّغــة كوضــع اجتامعــي (الــكالم‬
‫خاصــة‪ ،‬يخضــع لهــا كل مــن املتكلــم واملتلقــي‪،‬‬ ‫كخطــاب) الــذي نســلك فيــه قوانــن ّ‬
‫وهــذا جانــب مــن مقابلتــه ملصطلحــي الوضــع واالســتعامل الــذي يخــص جوهــر ال ّنظــام‬
‫يف كليهــا‪ .‬ومنــه ميكــن متثيــل هــذا التقابــل يف الشّ ــكل البيــاين عــى ال ّنحــو اآليت‪:‬‬

‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪260‬‬


‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫الشكل ‪ :2‬الوضع واالستعامل عند األستاذ الحاج صالح‬


‫ونجــده يف موضــع آخــر‪ ،‬يوضّ ــح مصطلــح الوضــع مــن حيــث إنــه وجــود صــوري‪ ،‬معلّال‬
‫هــذا األمــر مبقابلــة كل مــن اللّغــة والوضــع‪ ،‬وللتمييــز بينهــا مــن حيــث هــذا الوجــود‪،‬‬
‫يقــول‪" :‬إ ّن الجانــب االســتعاميل للغــة هــو الجانــب املحســوس امل ُشــاهد‪ ،‬املســموع وهــو‬
‫بالتــايل مــا يوجــد مــن اللّغــة يف الواقــع‪ ،‬أمــا الوضــع فــا وجــود لــه يف هــذا الواقــع إال‬
‫مندمجــا مــع مــا يُســمع ويُلفــظ‪ .‬فوجــوده صــوري ألنّــه نظــام للغــة وإن كان يســتحيل أن‬
‫توجــد أدلــة ت ُفهــم بهــذا املســتوى العــايل جـ ّدا مــن التجريــد دون أن ت ُبنــى عــى نظــام"‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)73‬وهــذا يــدل عــى أ ّن "كل لغــة تحتــوي عــى نظامــن وليــس‬
‫نظامــا واحــدا‪ :‬نظــام صــويت ونظــام داليل" (الحــاج صالــح‪ ،2011 ،‬ص‪.)97‬‬
‫‪ .3‬الحروف أو األصول يف الوضع واالستعامل‬
‫وبعــد توضيــح صوريــة الوضــع مــن حيــث هــو شــكل وليــس مــادة عــى ح ـ ّد تعبــر‬
‫فردينادنــد ديسوســور (‪La langue est une forme (DE SAUSSURE‚ 1997‚ p.16‬‬
‫‪ ،non une substance‬انتقــل الحــاج صالــح إىل ربــط مســألة الوضع بالحــروف أو األصول‪،‬‬
‫مؤكــدا أ ّن الضامئــر املبهمــة أساســية للدالئــل اللّغويــة يف وضــع اللّغــة‪ ،‬حيــث يتســاءل‬
‫يف ســياق كالمــه ‪" :‬كيــف ميكــن أن تكــون مدلــوالت األلفــاظ مبهمــة أي غــر معيّنــة؟‬
‫وملــاذا قلنــا بــأ ّن اإلبهــام هــو صفــة الزمــة للتخاطــب؟ ثــم كيــف تكــون وســائل البيــان‬
‫‪261‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫فتيحة لعالوي‬

‫مبهمــة وقــد ُوضعــت للســان؟" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)77‬ويُجيــب األســتاذ عــى أ ّن‬
‫"هــذا التناقــض ميكــن أن يــزول بجعــل هــذا اإلبهــام نســبيا‪ .‬مــع بقائــه كصفــة الزمــة‪ ،‬وأن‬
‫يكــون مــن جانبــن دون جانــب" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)77‬وهكــذا يسرتســل األســتاذ‬
‫يف عــرض وجــوه اإلبهــام‪ ،‬مــن قبيــل اإلبهــام ومفهــوم النكــرة والتنكــر‪ ،‬حيــث يقــول إ ّن‬
‫العــرب يف" تحديدهــم لإلبهــام‪ 2‬هــو عــام‪" :‬مــا يقــع عــى كل يشء"‪ ،‬ألنــه يشــمل هــذه‬
‫‪3‬‬
‫العبــارات مــن جهــة ونوعــا آخــر مــن أوضــاع اللّغــة ال يحتــاج إىل مــا س ـ ّموه بالتمييــز‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)78‬‬
‫"فلنســم األ ّول إبهامــا بعــدم التمييــز‬
‫ونجــده كذلــك مييّــز بــن هذيــن النوعــن‪ ،‬بقولــه‪ّ :‬‬
‫والثــاين إبهامــا تنكرييــا" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)78‬مقرنــا هذيــن ال ّنوعــن بالوضــع‬
‫واالســتعامل‪ ،‬يف قولــه‪" :‬والجديــر باملالحظــة أ ّن لهذيــن ال ّنوعــن مــن األوضــاع غرضــا واحدا‬
‫يف إبهامــه وهــو صالحيتــه ألن يكــون عامــا يف االســتعامل‪ ،‬وأال يختــص يف الوضــع بــيء‬
‫معـ ّـن؛ مثــل العــدد مــن جهــة وكلمــة "كل" والضمــر مــن جهــة أخــرى‪ ،‬فالضمــر للمتكلــم‬
‫ألي شــخص يكــون متكلــا يف أي خطــاب ويف أي وقــت وأي مــكان‪،‬‬ ‫مثــا يجــب أن يصلــح ّ‬
‫وإال اســتحالت عمليــة التخاطــب يُنظــر‪( :‬الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)82‬يف أكــر األحــوال‪،‬‬
‫الختصــاص العنــر اللّغــوي بحالــة واحــدة وقــس عــى ذلــك كل األوضــاع اللّغويــة"‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)78‬‬
‫‪ .4‬أصناف األسامء وضعا واستعامال‬
‫يف ســياق ت ّدرجــه يف أقســام الــكالم مــن حيــث الوضــع واالســتعامل‪ ،‬يشــر الحــاج‬
‫صالــح إىل مســألة األســاء املبهمــة واملختصــة‪ ،‬حيــث يــرى أ ّن أصنــاف األســاء مــن حيــث‬
‫االبهــام التنكــري ثالثــة أصنــاف (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪:)81‬‬
‫يســميه ســيبويه االســم العــام؛ وهــذا يــزول بعالمــة يف‬
‫‪ -‬املبهــم يف الجنــس وهــو مــا ّ‬
‫اللّفــظ‪ .‬ويدخــل فيــا سـ ّـاه ســيبويه األســاء املختصــة‪.4‬‬
‫‪ -‬املبهــم يف الوضــع فقــط وهــو غــر مبهــم أبــدا يف االســتعامل وال يــزول االبهــام عنــه إال‬
‫بقرينــة‪ ،‬وهــو مــا سـ ّـاه ســيبويه بالدالئــل املبهمــة (يُنظــر‪ :‬الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)82‬‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪262‬‬
‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫وهــي يف الوضــع مبهمــة يف حـ ّد ذاتهــا‪.‬‬


‫‪ -‬املبهــم إبهامــا مطلقــا أي بــدون االنتــاء إىل جنــس ويــزول إبهامــه‪ ،‬مثــل اســم‬
‫الصنــف مــن االبهــام هــو مــن نــوع إبهــام‬
‫الجنــس عنــد اإلضافــة إىل معرفــة‪ .‬وهــذا ّ‬
‫حــروف املعــاين‪ ،‬وهــو إبهــام مطلــق (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)83‬‬
‫‪ .5‬العلم واالسم الخاص عند سيبويه‬
‫ينطلــق األســتاذ عبــد الرحمــن الحــاج صالــح يف مقــام توضيــح هــذا ال ّنــوع مــن‬
‫األســاء‪ ،‬مــن ســؤال جوهــري مفــاده؛ كيــف ميكــن أن يكــون ال َعلَــم نكــرة يف الوضــع‬
‫أوال ثــم مبــا يصــر معرفــة أي اســا ملعـ ّـن؟ ويجيــب عــن هــذا التســاؤل اســتنادا إىل قــول‬
‫ســيبويه‪" :‬العلــم معرفــة بنفســه ال بــيء دخــل عليــه أو فيــا بعــده" (ســيبويه‪،1988 ،‬‬
‫ص‪" .)309‬فــا عالمــة لفظيــة مت ّيــزه عــن غــره" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)83‬ويضيــف يف‬
‫ذات الســياق "فإطالقــه عــى فــرد معـ ّـن‪ ،‬يعتــر ذلــك ال ّنحــاة بأنــه صــار معرفــة بالوضــع‬
‫الخــاص" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)83‬وبغيــة توضيــح هــذه الفكــرة‪ ،‬يســتحرض األســتاذ‬
‫الــرض االســراباذي مــن رشح الكافيــة يف قولــه‪" :‬قــال (ابــن الحاجــب)‪:‬‬ ‫قــول العالمــة ّ‬
‫"املعرفــة مــا ُوضــع لــيء بعينــه"‪ ...‬فاملعنــى‪ :‬مــا ُوضــع ليســتعمل يف واحــد بعينــه ســواء‬
‫كان ذلــك مقصــود الواضــع كــا يف األعــام أو ال كــا يف غريهــا" (الحــاج صالــح‪،2012 ،‬‬
‫ص‪ ،)84‬كــا يشــر يف ســياق كالمــه إىل أنــواع األســاء‪ ،‬فيذكــر اســم العلــم الــذي يدخــل‬
‫عليــه العــدد وكيــف يتح ـ ّول مــن معرفــة إىل نكــرة‪ ،‬فيقــول‪" :‬ومعنــى ذلــك أ ّن الع ـ ّدة‬
‫صيتــه نكــرة ولذلــك ميكــن أن تدخــل عليــه‬ ‫ال تدخــل عــى العلــم‪ ،‬فــإذا أدخلــت عليــه ّ‬
‫حينئــذ األلــف والــام كــا تدخــان عــى كل نكــرة معــدود‪ ،‬فتصــر معرفــة ال كــا كان‬
‫عليــه العلــم‪ ،‬بــل كأي اســم عــام غــر علــم‪ ،‬وذلــك مثــل‪" :‬جــاء زيــدون ثالثــة"‪ .‬وجــاءين‬
‫الســامية والهنديــة األوروبيــة أيضــا)"‬
‫الزيــدون الثالثــة "(وهــذا موجــود يف جميــع اللّغــات ّ‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ )85‬إىل جانــب هــذا النــوع‪ ،‬يذكــر أســتاذنا مختلــف األشــكال‬
‫التــي يــرد فيهــا اســم العلــم‪ ،‬مــن قبيــل االســم املع ـ ّرف باأللــف والــام واســم الجنــس‪،‬‬
‫واملضــاف إىل العلــم ومــا فيــه األلــف والــام‪ ،‬والضامئــر مــن حيــث أنهــا تضمــر أســاء‬
‫‪263‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬
‫فتيحة لعالوي‬

‫نعلمها من سياق الكالم‪.‬‬


‫‪ .6‬املضمر يف نظرية الوضع واالستعامل‬
‫وداللــة املضمــر حســب األســتاذ الحــاج صالــح "تتــم بحضــور املتخاطبــن وهــذه داللــة‬
‫مشــاهدة الحــال أو تقــدم الذكــر للغائــب" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)88‬كــا يشــر‬
‫األســتاذ إىل أهميــة وظيفــة املضمــر يف عمليــة التبليــغ ومــا تحققــه مــن اقتصــاد لغــوي‬
‫يف االســتعامل‪ ،‬بقولــه‪" :‬وأهــم يشء أثبتــه ســيبويه هــو وظيفــة املضمــر‪ ،‬فهــو ليــس مثــل‬
‫مســمى أو عــى‬ ‫االســم والفعــل يــدل كل واحــد منهــا عــى مدلــول مبــارشة أي عــى ّ‬
‫مســمى يقــوم هــو مقامــه يف‬ ‫حــدث يف حــن حدوثــه‪ ،‬بــل يــدل املضمــر عــى اســم ّ‬
‫الخطــاب‪ .‬كــا قــال ســيبويه‪" :‬جــاء ملعنــى األســاء [‪ .]...‬ولــه صفــة أخــرى مثلهــا يف‬
‫األهم ّيــة وهــي اإليجــاز أي االقتصــاد الــذي ينتــج مــن اســتعامل هــذا ال ّنــوع مــن الدالئــل"‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)88‬‬
‫كــا يتنــاول الحــاج صالــح بال ّدراســة أســاء اإلشــارة املبهمــة والظّــروف املبهمــة‬
‫بحســب منظــور ال ّنحــاة القدامــى‪ ،‬بالتّحليــل واســتحضار الشّ ــواهد مــن حيــث وضعهــا‬
‫واســتعاملها‪ ،‬ويف هــذا كلــه ي ّدعــم كالمــه بقــول العالمــة اللّغــوي الــريض االسـراباذي فيــا‬
‫يتعلــق بأصنــاف األســاء وإبهامهــا‪ ،‬الــذي يــرى أ ّن "ســائر األســاء تكــون أ ّول الوضــع‬
‫نكــرة ثــم تتعــرف ثــم تتنكــر وال تبقــى عــى حــال (االســراباذي‪1275 ،‬هـــ‪ ،‬ص‪")126‬‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ )86‬وهــو نــص مل يــأت بــه عبثــا‪ ،‬وإنّ ــا ليؤكــد فكــرة الوضــع‬
‫الســابق يف تصنيــف األســاء‬ ‫واالســتعامل يف اللّغــة‪ ،‬حيــث نجــد فيــه ت ّوخــي الرتتيــب ّ‬
‫خاصــا ثــم مبهــا مطلقــا مــع زوال االبهــام‬‫إبهامــا واختصاصــا‪ ،‬فيكــون االســم عامــا ثــم ّ‬
‫عنــد اإلضافــة إىل معرفــة‪.‬‬
‫‪ .7‬الخرب واالنشاء‬
‫لقــد تطــرق األســتاذ الحــاج صالــح إىل مســألة الخــر واإلنشــاء يف الفصــل األ ّول مــن‬
‫البــاب الخامــس‪ ،‬املعنــون‪" :‬معــاين الــكالم يف الوضــع واالســتعامل ويف اللّفــظ واملعنــى‪،‬‬
‫مؤكــدا عــى أ ّن املعــاين األصليــة لــكل صيغــة مــن الــكالم املتواضــع عليهــا‪ ،‬يعرتيهــا‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪264‬‬
‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫تغيـرات يف مجــال االســتعامل‪ ،‬فيقــول‪" :‬إ ّن املعــاين التــي ســبق أن ذكرناهــا لــكل صيغــة‬
‫ـص هــذه الصيّــغ يف الوضــع‪ .‬فهــي األصــل يف ذلــك‪.‬‬ ‫مــن الــكالم‪ ،‬هــي املعــاين التــي تخـ ّ‬
‫ويُصيبهــا تغيــر يف االســتعامل فيكــون‪ ،‬مثــا‪ ،‬للخــر يف الخطــاب عــدد كبــر مــن املعــاين‬
‫غــر معنــى الخــر" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)169‬أل ّن الغــرض األصــي للخــر " إفــادة‬
‫امل َخاطــب الحكــم الــذي تض ّمنتــه الجملــة" (الهاشــمي‪ ،2008 ،‬ص‪ ،)64‬وعندمــا تتعــدد‬
‫وجــوه الخــر‪ ،‬يخــرج عــن حقيقتــه األصليــة املتواضــع عليهــا إىل أغ ـراض بالغيــة‪ ،‬ت ُفهــم‬
‫مــن ســياق الــكالم‪ ،‬وهــذا ال يتــأىت إالّ عــن طريــق اســتعامل تلــك الص ّيــغ الكالميــة أثنــاء‬
‫عمليــة التخاطــب‪ ،‬وهــي نفــس الفكــرة التــي أشــار إليهــا الجرجــاين يف "أرسار البالغــة"‪ ،‬يف‬
‫قولــه‪" :‬أ ّن الخــر أ ّول معــاين الــكالم وأقد ُمهــا‪ ،‬والــذي تســتند ســائر املعــاين إليــه وترتتّــب‬
‫عليــه" (الجرجــاين‪ ،1991،‬ص‪.)366‬‬
‫كــا نجــد الحــاج صالــح يشــر إىل وظيفــة ووجــوه الخــر بحســب منظــور ال ّنحــاة‬
‫القدامــى‪ ،‬يف قولــه‪" :‬أمــا الخــر يف أصــل الوضــع‪ ،‬فهــو عنــده كــا قــال ابــن فــارس‪" :‬إعــام‪.‬‬
‫تقــول‪ :‬أخربتــه‪ ،‬أخــره والخــر العلــم‪ ،‬وأهــل النظــر يقولــون‪ :‬الخــر مــا جــاز تصديقــه‬
‫أو تكذيبــه‪ ،‬وهــو إفــادة املخاطــب أم ـرا يف مــاض مــن زمــان أو مســتقبل أو دائــم [=‬
‫حــارض]‪ ...‬ث ـ ّم يكــون واجبــا وجائ ـزا وممتنعــا‪ .‬فالواجــب قولنــا‪ :‬النــار ُمحرقــة‪ ،‬والجائــز‬
‫قولنــا "لقــي زيــد عم ـرا " واملمتنــع قولنــا‪" :‬حملــت الجبــل" (الصاحبــي‪( ")150 ،‬الحــاج‬
‫صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)169‬أمــا مســألة الواجــب وغــر الواجــب عنــد ال ّنحــاة‪ ،‬فيطرحهــا‬
‫األســتاذ يف شــكل تســاؤل‪ ،‬مفــاده‪" :‬مــا هــي الرتاكيــب الواجبــة وغــر الواجبــة؟ ويُجيبنــا‬
‫اســتنادا إىل قــول ســيبويه‪" :‬ومل تكــن" ليــت "واجبــة وال "لعــل" وال "كان"‪ .‬ألنّهــا حــروف‬
‫للتجــي‪ .‬وتكــون بعــض األفعــال غري‬ ‫تجعــل الفعــل غــر واجــب مثــل ليــت للتمنــي ولعــل ّ‬
‫واجبــة إذا جــاءت منســوبة إىل املتكلــم‪ ،‬مثــل "ظـ ّن"‪ .‬قــال‪" :‬أظـ ّن غــر واقــع يف حديثــك"‪.‬‬
‫كــا أ ّن بعــض الحــروف اللّواحــق تكــون دامئــا مــع الفعــل غــر واجبــة كال ّنــون")" (الحــاج‬
‫صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)166‬وللتمييــز بــن الخــر واالنشــاء مــن حيــث مقيــاس الواجــب وغــر‬
‫الواجــب‪ ،‬ميثلهــا أســتاذنا يف ال ّرســم التوضيحــي التــايل‪:‬‬

‫‪265‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫فتيحة لعالوي‬

‫اآلن أو فيام ُيستقبل‬ ‫فيام مﴣ‬

‫‪ )1‬وقــوع أو عــدم وقــوع الحــدث معلــوم= ‪ )1‬وقوعــه أو عــدم وقوعــه معلــوم =‬


‫واجــب‪:‬‬ ‫واجــب‪:‬‬
‫أقوم أو ال أقوم ‪ /‬اآلن أو غدا (خرب)‬ ‫مثل‪ :‬قام زيد‪ /‬مل يقم زيد = (خرب)‬

‫‪ )2‬وقوعــه أو عــدم وقوعــه‪ :‬غــر معلــوم = ‪ )2‬وقوعه أو عدم وقوعه‪ :‬غري معلوم =‬
‫غري واجب‪:‬‬ ‫غــر واجــب‪:‬‬
‫هــل قــام زيــد؟ ال أدري هــل قــام زيــد قُ ْم ‪ /‬ال تق ْم ‪ /‬أستقوم؟ ‪ /‬ليتني قمت ‪ /‬أريد‬
‫أن أقوم‬ ‫(اســتفهام)‬
‫أمر ‪ /‬نهي ‪ /‬استفهام ‪ /‬متني ‪ /‬منصوب بأن ‪/‬‬
‫الشكل ‪ :3‬املقياس العريب للفرق بني الخرب واإلنشاء‬
‫هــذا فيــا يتعلــق بالرتاكيــب‪ ،‬أمــا العالمــات اإلعرابيــة ومــا يكــون فيهــا واجــب وغــر‬
‫واجــب‪ ،‬فــرى األســتاذ الحــاج صالــح أ ّن واضــع اللّغــة العربيــة جعــل عالمــات إعرابيــة‬
‫خصصــه لألمــر الثابــت الواجــب وقــد يكــون لغــر‬ ‫بحســب هذيــن املقياســن "فال ّرفــع ّ‬
‫الواجــب‪ .‬أمــا النصــب والجــزم فهــا دامئــا لغــر الواجــب (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص ‪،)167‬‬
‫ويف هــذا املعنــى يســوق كالم الســهييل‪ ،‬يف قولــه "قــال الســهييل (املتــويف يف ‪ 581‬هـــ) فيــا‬
‫يخــص األفعــال‪ :‬األفعــال واجــب وممكــن و ُمنتــف أو مــا يف حكمــه‪ .‬فالرفــع للواجــب‬
‫والنصــب للممكــن والجــزم الــذي هــو عــدم الحركــة للمنفــي أو مــا يف حكمــه‪ .‬هــذا هــو‬
‫األصــل وقــد يخالــف (الســهييل‪( )91 ،‬الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)168‬ويف ســياق التمييــز‬
‫بــن املســألتني‪ ،‬يقــول‪" :‬والفــرق بينهــا هــو أ ّن املنصــوب غــر حاصــل‪ ،‬ألنّــه غايــة ســواء‬
‫كان ذلــك يف االســم (املفعــول بــه مثــا) أم يف الفعــل (أن يخــرج)‪ .‬والجــزم غــر حاصــل‬
‫أيضــا ألنــه ُمنتــف متامــا)" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص ‪.)168‬‬
‫‪ .8‬أفعال املتكلم اإلنشائية‬
‫يــرى األســتاذ الحــاج صالــح أ ّن كل خطــاب فعــل للمتكلــم حتــى اإلخبــار‪ ،‬ولهــذا فـ ّرق‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪266‬‬
‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫جمهــور اللّغــة عمومــا بــن الخــر (‪ )constative‬وبــن الطلــب (الــذي ســمي فيــا بعــد‬
‫الســياق‪ ،‬إىل اإلنشــاء‬
‫إنشــاء) (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)174‬كــا نجــده يشــر يف ذات ّ‬
‫اإليقاعـ�ي بحسـ�ب نظـ�رة األصوليـين‪ ،‬هـ�ذه الظاهـ�رة التـ�ي لفتـ�ت نظـ�ر أوسـ�ت ني �‪Aus‬‬
‫ســاها (‪ .)Performative‬واإلنشــاء عنــده بحســب‬ ‫‪ tin‬الفيلســوف الربيطــاين والتــي ّ‬
‫املنظــور القديــم (إحــداث يشء بالــكالم) (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)175‬كــا أكــد عــى‬
‫إ ّن اإلنشــاء عنــد ســيبويه‪ ،‬هــو ( مبــا يبتدئــه املتكلــم بكالمــه ) مقابــل مــا ليــس كذلــك؛‬
‫كاألمــر وال ّنهــي واالســتفهام‪ .‬ويف متييــزه بــن مــا هــو واقــع مــا يــدل عليــه الــكالم‪ ،‬وبــن‬
‫مــا هــو واقــع بســبب كالم املتكلــم ويف وقــت النطــق بــه بال ـذّات‪ ،‬مــن مثــل عبــارات‬
‫(شــكرا) ومرحبــا ول ّبيــك وغــر ذلــك)" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)174‬وهــذه الفكــرة‬
‫ت ُحيلنــا إىل كالم بيــار الريش ‪ ،Pierre Larcher‬عندمــا يســتحرض فكــرة ابــن الحاجــب‬
‫ـص عليهــا بهــاء الديــن الســبيك يف كتابــه "تلخيــص رشوح التلخيــص" بقولــه‪" :‬ليــس‬ ‫التــي نـ َّ‬
‫الفــرق بــن الخــر واالنشــاء يف ال ّنهايــة فــرق راجــع إىل الوســائط املرجعيــة‪ ،‬ولكــن بــن‬
‫عــوامل مرجعيــة‪ :‬إذ يُفهــم الخــر مــن حيــث أنــه ســند "إثبــات مــا هــو يف العــامل الخارجــي"‬
‫(إخبــار عــا يف الغــر)‪ ،‬واالنشــاء عــى أنــه "إثبــات مــا هــو يف العــامل الداخــي ( املتعلــق‬
‫باملتكلــم )" ( إخبــار عــا يف الباطــن ) ويــرد هــذا التحديــد ضمنيــا عنــد ابــن الحاجــب يف‬
‫‪15‬‬
‫الســبيك"‬
‫كتابــه "األمــايل" الــذي أشــار إليــه البالغــي بهــاء الديــن ّ‬
‫‪(Larcher‚ 2014‚ p.56).‬‬
‫ونجــد األســتاذ الحــاج صالــح‪ ،‬يف موضــع آخــر عندمــا مييّــز بــن الخــر واإلنشــاء‪ ،‬يؤكــد‬
‫عــى أ ّن كليهــا أفعــال كالميــة خطابيــة (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ ،)177‬وهــذا يحيلنــا‬
‫إىل تصنيــف أوســتني لألفعــال الكالميــة‪ ،‬وحــن نتحــدث عــن الفعــل نقصــد بــه الحــدوث‬
‫والوقــوع‪ ،‬ومــن ثـ ّم إنجــاز األفعــال مبعنــى اإلنشــاء واالبتــكار‪ ،‬وعليــه فاإلنشــاء؛ مــا يحصل‬
‫مدلولــه يف الخــارج بالــكالم املقصــود‪ ،‬وهــذا املعنــى لإلنشــاء هــو الــذي يقدمــه أوســتني؛‬
‫فنحــن ننجــز األشــياء بالــكالم؛ أي نخرجهــا مــن ح ّيــز العــدم إىل الوجــود (أدواري‪،2011 ،‬‬
‫ص‪ ،)73‬مــن خــال فعــل القــول‪ ،‬والفعــل املتضمــن يف القــول‪ ،‬والفعــل الناتــج عــن‬

‫‪267‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫فتيحة لعالوي‬

‫القــول‪ ،‬وهــي ليســت أفعــاال ثالثــة يســتطيع املتكلــم أن يؤديهــا واحــدا تلــو اآلخــر‪ ،‬بــل‬
‫هــي جوانــب لفعــل واحــد (نحلــة‪ ،2006 ،‬ص‪.)67‬‬
‫كــا يــرى الحــاج صالــح أ ّن الــكالم اإلنشــايئ هــو أيضــا خــر‪ ،‬مؤكــدا مــا قالــه ال ّنحــاة‬
‫"بــأ ّن كل كالم هــو إخبــار مهــا كان املعنــى املقصــود منــه‪ .‬فالجملــة املفيــدة هــي التــي‬
‫يســتفيد منهــا املخاطــب شــيئا‪ .‬وهــذا ال مينــع أن يكــون لهــا معنــى آخــر‪ .‬أمــا اإلنشــائية‬
‫مثــل اإليقاعيــة‪ ،‬فهــي يف الوقــت نفســه إخبــار مبــا حصــل مــن إرادة املتكلــم وتحقيــق‬
‫هــذا الــكالم" (الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪.)178‬‬
‫خامتة‬
‫إ ّن مســألة الوضــع واالســتعامل‪ ،‬عالجهــا األســتاذ عبــد الرحمــن الحــاج صالــح باتبــاع‬
‫اسـراتيجية تداوليــة‪ ،‬توخــى فيهــا التــدرج املنهجــي يف تنــاول القضايــا اللّغويــة املتعلقــة‬
‫بــكل مــن الوضــع واالســتعامل يف اللّغــة‪ ،‬إذ بــدأ بتحديــد كل مــن مصطلــح الوضــع‬
‫واالســتعامل بحســب نظــرة ال ّنحــاة القدامــى‪ ،‬ومنــه انتقــل إىل التّمييــز بــن اللغــة‬
‫كنظــام مــن الرمــوز املتواضــع عليهــا‪ ،‬والــكالم مــن حيــث هــو حــدث‪ ،‬فقابــل بــن ال ّنظــام‬
‫املنطقــي الــذي يختــص بالرمــوز اللّغويــة‪ ،‬وبــن ال ّنظــام اللّغــوي الــذي يختــص بتوظيــف‬
‫تلــك الرمــوز اللغويــة يف عمليــة التخاطــب واإلفــادة‪.‬‬
‫وتوخ ّيــا ملراتــب أقســام الــكالم‪ ،‬بــدأ أســتاذنا كالمــه عــن الحــروف أو األصــول‪ ،‬التــي‬
‫يتــم وضعهــا بطريقــة مخصوصــة لتأديــة املعــاين املختلفــة‪ ،‬حتــى ولــو كانــت مبهمــة‪،‬‬
‫وخاصــة‬
‫ّ‬ ‫فإبهامهــا نســبي مــن حيــث صالحيتــه ألن يكــون عامــا يف االســتعامل مــن جهــة‪،‬‬
‫يف حــاالت معيّنــة مــن جهــة أخــرى‪ .‬والحــال كذلــك بالنســبة إىل األســاء‪ ،‬فهــي كــا ذكرها‬
‫أصنــاف؛ فهنــاك األســاء املختصــة املبهمــة يف الجنــس‪ ،‬واملبهمــة يف الوضــع فقــط وهــو‬
‫غــر مبهــم أبــدا يف االســتعامل وال يــزول االبهــام عنــه إال بقرينــة‪ ،‬وهــو مــا سـ ّـاه ســيبويه‬
‫بالدالئــل املبهمــة وكــذا املبهمــة إبهامــا مطلقــا ومــن نوعهــا إبهــام حــروف املعــاين‪ .‬هــذا‬
‫ورأينــا كيفيــة انتقــال اســم العلــم مــن حــال النكــرة إىل املعرفــة داخــل االســتعامل‪ ،‬وكيــف‬
‫كأي اســم عــام‪.‬‬
‫يدخــل عليــه العــدد‪ ،‬فيصــر ّ‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪268‬‬
‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫وتبعــا للتّــدرج املنهجــي مــن الوقــوف عنــد املبهــم ثــم املختــص‪ ،‬فاألســاء ال ّنكــرة التــي‬
‫تصــر معرفــة بقرائــن معنويــة أو لفظيــة‪ ،‬توصلنــا إىل مســتوى آخــر ينــدرج ضمــن التّوجــه‬
‫التّــداويل‪ ،‬الــذي أفــاض فيــه الكثــر مــن الدارســن الغربــن‪ ،‬أال وهــو املضمــر ‪l’implicite‬‬
‫الــذي ال يتحقــق وجــوده إال بحضــور املتخاطبــن وتكمــن أهميــة وظيفتــه يف عمليــة‬
‫التبليــغ ومــا تحققــه مــن اقتصــاد لغــوي يف االســتعامل‪.‬‬
‫‪ -‬والــكالم املفيــد بالوضــع عنــد األســتاذ الحــاج صالــح‪ ،‬يتمثــل يف ثنائيــة الخرب واإلنشــاء‪،‬‬
‫التــي هــي األخــرى وضّ حهــا بحســب نظــرة علــاء اللّغــة القدامــى ويف مقدمتهــم ســيبويه‪،‬‬
‫مــع التأكيــد عــى إ ّن كل كالم هــو إخبــار مبختلــف الوجــوه واألشــكال التــي يــرد فيهــا‪.‬‬

‫‪269‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬


‫فتيحة لعالوي‬

‫اإلحــاالت‬
‫‪ -1‬تجــدر اإلشــارة يف هــذا الســياق أ ّن دوسوســور ميّــز هــو اآلخــر بــن لســانيات الوضــع ولســانيات‬
‫االســتعامل‪ ،‬وهــذا يف الفصــل الرابــع مــن كتابــه املعنــون «‪Linguistique de la langue et‬‬
‫‪ ،»linguistique de la parole‬وهــذا حــن يقــر أ ّن كل مك ّونــات اللّغــة التــي تشّ ــكل الــكالم ترتبــط‬
‫ارتباطــا وثيقــا بعلــم اللّغــة‪ .‬وال ّنــص يف لغتــه األصليــة‪:‬‬
‫‪«Tous les autres éléments du langage, qui constituent la parole, viennent d'eux mêmes‬‬
‫‪se subordonner à cette première science »Ferdinand de Saussure, cours de linguistique‬‬
‫‪générale, éd. Charles Bally, Albert Sechehaye et Albert Riendinger, Payot, Paris, 1971,‬‬
‫‪p.37.‬‬
‫‪ -2‬قــول الحــاج ‪" :‬اســتعمل ســيبويه هــذه اللفظــة كثـرا ويقابــل االبهــام عنــده االختصــاص يف جميــع‬
‫الســياقات‪ .‬قــال عنــد كالمــه عــن التمييــز واملضــاف إليــه "يل عــرون" فقــد أبهمــت األنــواع‪ ،‬فــإذا‬
‫قلــت "درهــا" فقــد اختصصــت نوعــا‪ ...‬فكــذا "مثلــه" هــو مبهــم يقــع عــى أنــواع (‪ .)288/1‬يُنظــر‪:‬‬
‫(الحــاج صالــح‪ ،2012 ،‬ص‪ .)77‬ويقــول ابــن مالــك‪:‬‬
‫كأيُّها الفتى ٍب ٍإث ِر " أ ْر ُجونِيا"‬ ‫االختصاص ك ِندا ٍء دو َن يا‬
‫ك ِمث ِل " نح ُن ال ُع ْر َب أَ ْسخى َم ْن بَذَلْ "‬ ‫وقد يُرى ذا دو َن " أ ٍّي تِل َو" ألْ‬
‫واالختصــاص يشــبه النــداء لفظ ـاً ويخالفــه مــن ثالثــة أوجــه‪ :‬أحدهــا‪ :‬أنــه يُســتعمل معــه حــرف‬
‫نــداء‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أنّه الب ّد أن يسبقه يشء‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يصاحبه األلف والالم‪.‬‬
‫وذلــك كقولــك‪" :‬أنــا أفعــلُ كــذا أيُّهــا ال ّرجــل‪ ،‬ونحــن ال ُعـ ْر َب أســخى ال ّنــاس‪ ،‬وقولــه صــى عليــه وســلم‪:‬‬
‫ـص‬‫ـاش األنبيــاء ال نُــو َرثُ ‪ ،‬مــا تركنــاه صدقـ ٌة" وهــو منصــوب بفعــل مضمــر‪ ،‬والتقديــر‪" :‬أ ُخـ ُّ‬ ‫"نحـ ُن معـ ِ َ‬
‫رش األنبيــاء"‪ .‬ينظــر‪( :‬ابــن عقيــل‪ ،1992 ،‬ص‪.)456-457‬‬ ‫ـص معــا َ‬
‫ـرب‪ ،‬وأخـ ّ‬
‫العـ َ‬
‫‪ -3‬العبــارات‪ :‬يُقصــد بهــا األمثلــة الــواردة يف هــذا النــوع مــن االبهــام لســيبويه وغــره مــن ال ّنحــاة‪:‬‬
‫كقــول املــرد‪" :‬مــررت برجــل مثلــك‪ ...‬كيــف يكــون "املثــل" نكــرة وهــو مضــاف إىل معرفــة هــا كان‬
‫كقولــك "مــررت بعبــد اللــه أخيــك؛ فالجــواب يف ذلــك‪ :‬أ ّن اإلخــوة مخطــورة‪ ،‬وقولــك‪" :‬مثلــك" مبهــم‬
‫مطلــق‪ ،‬يجــوز أن يكــون "مثلــك" يف أنكــا رجــان أســمران" فالتقديــر يف ذلــك التنويــن‪ ،‬كأن يقــول‪:‬‬
‫"مــررت برجــل شــبيه بــك ومــررت برجــل مثــل لــك"‪( .‬املــرد‪1388-1385 ،‬ه‪ ،‬ص ‪ ،)287-286‬وقــال‪:‬‬
‫"فأمــا مــررت برجــل غــرك فــا يكــون إال نكــرة ألنــه مبهــم يف الثــاين أجمعــن" (‪ .)288/4‬يُنظــر‪:‬‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪270‬‬
"‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب‬

.)78‫ ص‬،2012 ،‫(الحــاج صالــح‬


.‫ رجل وحجر ودار‬:‫ من قبيل‬-4
:‫ ال ّنص يف لغته األصلية‬-5
- la différence entre le ¡abar et le ’inšã n’ étant plus in fine une différence entre modes
de référence mais entre mondes référés: le ¡abar est alors compris, en effet, comme le
support d’une «assertion sur le monde extérieur» (’i¡bᾱr ’mmã fi al- hãrig) et le ’inšã ’
comme celui d’une «assertion sur le monde intérieur (celui qui parle)» ( ’i¡bᾱr ’ammã
fi al-bᾱtin). Cette réduction est implicitement esquissée par Ibn- al -Hᾱgib lui-même
dans ses Amᾱli (cités par le rhétoricien Bahᾱ’ al-Din al- Sᾱbki, m. 773/ 1371, dans le
commentaire qu’il a fait du Tal¡is, Šuruh al- Talhis, 2, p. 236).

271 1 ‫ العدد‬- 25 ‫ املجلد‬- ‫اللّـسانيـــــات‬


‫فتيحة لعالوي‬

‫قامئة املصادر واملراجع‬


‫باللغة العرب ّية‪:‬‬
‫‪--‬أدواري‪ ،‬العيــايش‪ .)2011( .‬االســتلزام الحــواري يف التــدوال اللّســاين‪ .‬ط‪ .1‬منشــورات‬
‫االختــاف‪ .‬الجزائــر‪.‬‬
‫‪--‬الجرجــاين‪ ،‬عبــد القاهــر‪ .)1989( .‬دالئــل اإلعجــاز‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمــود محمــد شــاكر‪ .‬ط‪.2‬‬
‫مكتبــة الخانجــي‪ .‬القاهــرة‪ .‬مــر‪.‬‬
‫‪--‬الجرجــاين‪ ،‬عبــد القاهــر‪ .)1991( .‬أرسار البالغــة‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمــود محمــد شــكر‪ .‬ط‪.01‬‬
‫مطبعــة املــدين‪ .‬القاهــرة‪ .‬مــر‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحمــن‪ .)2012( .‬الخطــاب والتخاطــب يف نظريــة الوضــع‬
‫واالســتعامل العربيــة‪ ،‬املؤسســة الوطنيــة للفنــون املطبعيــة‪ .‬وحــدة الرغايــة‪ .‬الجزائــر‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحمــن‪" .)1997( .‬ال ّنحــو العــريب والبنويــة"‪ .‬أُلقــي هــذا البحــث يف‬
‫مجمــع اللغــة العربيــة بالقاهــرة‪ .‬مــر‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحمــن‪" .)1989( .‬املدرســة الخليليــة ومشــاكل معالجــة العربيــة‬
‫بالحاســوب"‪ ،‬بحــث أُلقــي يف مؤمتــر اللّغويــات الحاســوبية بالكويــت‪ ،‬ضمــن كتــاب‪:‬‬
‫بحــوث ودراســات يف اللّســانيات العربيــة‪.‬‬
‫‪--‬الحــاج صالــح‪ ،‬عبــد الرحمــن‪" .)2005( .‬ال ّنحــو العــريب ومنطــق أرســطو"‪ .‬مجلــة كليــة‬
‫اآلداب‪ .‬جامعــة الجزائــر‪ .‬مجمــوع ضمــن كتــاب بحــوث ودراســات يف اللّســانيات‬
‫العربيــة‪ .‬العــدد ‪.01‬‬
‫‪--‬حســنني‪ ،‬صالــح‪ .)2011( .‬دراســات يف علــم اللّغــة الوصفــي والتاريخــي واملقــارن‪ .‬ط‪.2‬‬
‫مكتبــة اآلداب‪ .‬القاهــرة‪ .‬مــر‪.‬‬
‫‪--‬االسرتاباذي‪ ،‬الريض‪1275( .‬ه)‪ .‬رشح الكافية‪ .‬اسطنبول‪ .‬تركيا‪.‬‬
‫‪--‬ســيبويه‪ ،‬عمــرو بــن عثــان‪1408( .‬هـــ ‪1988 -‬م)‪ .‬الكتــاب‪ .‬تحقيــق‪ :‬عبــد الســام‬
‫هــارون‪ .‬الجــزء األول‪ .‬ط‪ .3‬مكتبــة الخانجــي‪ .‬القاهــرة‪ .‬مــر‪.‬‬
‫‪--‬لوصيــف‪ ،‬الطاهــر‪2006( .‬م)‪" .‬التداوليــة اللّســانية"‪ ،‬مجلــة اللّغــة واألدب‪ .‬عــدد ‪.17‬‬
‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬ ‫‪272‬‬
‫الوضع واالستعامل عند األستاذ عبد الرحمن الحاج صالح من خالل كتابه "الخطاب والتخاطب"‬

‫جامعــة الجزائــر‪ .‬الجزائــر‪.‬‬


‫‪--‬املــرد‪ ،‬محمــد بــن يزيــد‪ 1388 - 1385(.‬هـــ)‪ .‬املقتضــب‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمــد عبــد الخالــق‬
‫عضيمــة‪ .‬املجلــس األعــى للشــؤون اإلســامية‪ .‬القاهــرة‪.‬‬
‫‪--‬نحلــة‪ ،‬محمــود‪ .)2006( .‬آفــاق جديــدة للبحــث اللغــوي املعــارص‪ .‬ط‪ .1‬دار املعرفــة‬
‫الجامعيــة‪ .‬االســكندرية‪ .‬القاهــرة‪.‬‬
‫‪--‬الهاشــمي‪ ،‬أحمــد‪ .)2008( .‬جواهــر البالغــة يف املعــاين والبيــان والبديــع‪ .‬تحقيــق‪ :‬محمد‬
‫التّونجــي‪ .‬ط‪ .04‬مؤسســة املعــارف‪ .‬بــروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪-- De Saussure, ferdinand. (1971). cours de linguistique générale. éd. Charles‬‬
‫‪Bally, Albert Sechehaye et Albert Riendinger. Payot. Paris.‬‬
‫‪-- Larcher, pierre. (2014). Linguistique arabe et pragmatique. éd. Presses de‬‬
‫‪L’Ifpo. Damas­Beyrouth.‬‬

‫‪273‬‬ ‫اللّـسانيـــــات ‪ -‬املجلد ‪ - 25‬العدد ‪1‬‬

You might also like