You are on page 1of 3

‫اخلطاب الفائز باملركز الثالث لعام ‪2018‬‬

‫حق االختالف وداء اخلالف‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪،‬‬


‫والصالة والسالم على أشرف خلق اهلل خامت النبيني‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعني‬

‫إخواني وأخواتي الكرام‪،‬‬


‫أحييكم بتحية من القلب يطيب شذاها مس ًكا وريحا ًنا‪ ،‬حتية أهل اجلنة يوم يلقونه‬
‫سالم فالسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬

‫قال تعالى يف محكم كتابه الكرمي‪ ،‬بع َد بسم اهلل الرحمن الرحيم‪:‬‬
‫ومنهاجا‪ ،‬ولو شاء جلعلكم أم ًة واحد ًة ولكن ليبلوكم فيما‬
‫ً‬ ‫(لكل جعلنا منكم شرع ًة‬
‫ٍ‬
‫آتاكم فاستبقوا اخليرات‪ ،‬إلى اهلل مرجعكم جمي ًعا فينبئكم مبا كنتم فيه تختلفون)‬

‫أيها األعزاء‪،‬‬
‫منذ نهاية اخلمسينيات من القرن املاضي لم تتوقف األعاصير االستبدادية والظالمية‬
‫املعادية للحرية يف كل مجاالتها‪ ،‬عن التربص واالنقضاض على عناصر احلرية‬
‫ولوازمها‪ ،‬وعلى رأسها حق االختالف وممارسته يف احلياة اليومية للناس‪ ،‬يف البلدان‬
‫العربية واإلسالمية من احمليط األطلسي إلى اخلليج العربي‪.‬‬
‫إن اخلطورة الكبرى ‪-‬أيها األفاضل‪ -‬التي تقف عائقًا يف طريق تقبل اآلخر لدى‬
‫البشر هي ثقافة اللون الواحد والرأي الواحد‪ ،‬وال سبيل إلى مواجهة هذه الثقافة‬
‫التي جتذرت يف حياة الناس على مدى مئات السنني من االستبداد والقمع ومصادرة‬
‫احلريات‪ ،‬إال عن طريق نقيضها الذي يفيض بالتسامح‪ ،‬ويَع ُمر باالنفتاح على اآلخر‪،‬‬
‫ويؤمن بالتقدم الدائم إميانه باملعرفة التي تزدهر بحرية التفكير والتجريب‪ ،‬وذلك‬
‫ما يتحقق جل ًيا من خالل تأسيس ونشر أخالقيات احلوار‪ ،‬وممارسة حق االختالف‪،‬‬
‫ال من مبادئ الدميقراطية‪ ،‬وعالمة دالة على حيوية الثقافة‬ ‫بصفته مبدأً أصي ً‬
‫الصاعدة إلى األمام ال املنحدرة إلى اخللف‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫أحبتي احلضور‪،‬‬
‫إنه ليحزنني كثي ًرا عندما أسمع وأرى ما يدور بني أبناء املجتمع الواحد من تصادم‪،‬‬
‫خاصة بني تلك الفئة من الناس ممن يدعون أنهم أصحاب فكر وثقافة واسعة‪،‬‬
‫ومعرفة بأمور الدين والدنيا‪ ،‬وهي ظاهرة تدل على أن أغلبية مجتمعاتنا العربية‬
‫قائمة على ثقافة يسود فيها اخلالف‪ ،‬اخلالف الذي يعني مخالفة كل ما يعارض‬
‫أفكارنا وميولنا‪ ،‬أي أنه يحمل يف ُكنهه معنى الصراع والشجار وليس املعنى احملمود‬
‫الذي يتسم بالتباين والتنوع‪ ،‬فكما خلق اهلل سبحانه وتعالى أشكالنا وقدراتنا متباينة‬
‫مختلفة‪ ،‬فقد خلق لنا طبائع متنوعة‪ ،‬وبالتالي كان البد من حدوث االختالف بسبب‬
‫التباين‪ ،‬ولنقل هنا يف الرأي والتفكير‪.‬‬

‫إخواني وأخواتي الكرام‪،‬‬


‫ال يخفى علينا جمي ًعا أن اختالف الناس ليس سلب ًيا بل على العكس‪ ،‬فبه تكتمل‬
‫لوحة احلياة البشرية لتمسي بهي ًة خالبة‪ ،‬وكما يقولون‪" :‬لوال اختالف االذواق لبارت‬
‫السلع"‪ ..‬ولعلنا ال نختلف أننا بحاجة إلى تعزيز ثقافة االختالف ال اخلالف‪ ،‬فليس ما‬
‫يعجبك بالضرورة سيُعجب اآلخرين‪ ،‬وليس كل ما تؤمن به من أفكار ومعتقدات يجب‬
‫أن تكون ذات ثقل لدى غيرك أو أن يكونوا يحملون االعتقادات نفسها بدرجة اإلميان‬
‫صحيحا هو يف نظر اآلخرين كذلك‪ ،‬وال ما تراه يف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأيضا ليس كل ما تراه‬ ‫نفسها‪،‬‬
‫مفهومك على كونه خطأ قد يبدو على نفس الصورة لدى غيرك‪ ،‬لذلك نحن من حقنا‬
‫أن نحب ما نشاء ونرفض ما تشاء‪ ،‬لكن ليس من حقنا أن نفرض ذلك على اآلخرين‬
‫ليكونوا نسخة مكررة منا‪ ،‬أو أن نقف موقف العداء معهم يف حالة االختالف معهم‪،‬‬
‫أو أن نسفه آرائهم ومعتقداتهم‪.‬‬

‫أعزائي‪ ،‬هل تساءلتم يو ًما‪ :‬ملاذا نختلف؟‬


‫َ‬
‫أنختلف وقد بدأنا نطف ًة ال نكاد نبني‪ ،‬ثم َعلقة ف ُمضغة فعظا ًما فلح ًما‪ ..‬ثم بعد ذلك‬
‫ً‬
‫كله نُدس حتت التراب!‬
‫رب واحد؟! وجميعنا يتجه للمصير ذاته‬ ‫أنختلف ونسفه بعضنا البعض وقد خلقنا ٌ‬
‫واملالذ ذاته دون استثناء!‬
‫‪78‬‬
‫السيدات والسادة‪،‬‬
‫إن نهضة أي مجتمع لن تتم ولن تندفع إلى األمام‪ ،‬إال من خالل إيجاد أرضية للتعددية‬
‫والتعايش ال التهميش واإلقصاء‪ ،‬وذلك عبر نشر وتعزيز ثقافة االختالف واحلوار‪،‬‬
‫واستبدال ثقافة االتباع بثقافة اإلبداع‪ ،‬ليغدو التنوع اإلنساني خال ًقا يف مجتمعاتنا‪.‬‬
‫فلنتحاور إ ًذا! لنتحاور‪ ،‬وننفتح ونتقبل بعضنا اآلخر ذلك إن أردنا ح ًقا أن نعيش حيا ًة‬
‫هنيئة‪.‬‬

‫يف اخلتام ‪-‬أيها األحبة‪ -‬ال يسعني إال أن أشيد بجهود مملكة البحرين قياد ًة وشع ًبا‬
‫يف سعيها الدائم واحلثيث للدفع بعجلة التنمية املستدامة‪ ،‬عبر تعزيز حرية التعبير‬
‫وضمان حق االختالف‪ ،‬من خالل التعايش والرخاء الذي تشهده جميع الطوائف‬
‫والديانات حتت لواء هذه األرض الطيبة‪.‬‬

‫وأخي ًرا نسأل املولى عز وجل أن يدمي علينا نعمة األمن واالستقرار‪ ،‬وأن يحفظ‬
‫بحريننا من كل مكروه‪ ،‬وأن يوفقنا وإياكم لكل خير‬
‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‬

‫‪79‬‬

You might also like