You are on page 1of 1

‫التعايش أساس الحياة‬

‫لقد خلق الله تعالى اإلنسان على هذه البسيطة ليعمر األرض‪ ،‬ويؤسس المجتمعات‪ ،‬ويبني‬
‫الحضارات‪ ،‬ولكن لن يستطيع اإلنسان أن يُشيد بنيان الحضارة بدون أخيه اإلنسان‪ ،‬فالبد من أن يضع يده‬
‫في يد أخيه كي يعيش في سالم مهما اختلفت الطباع‪ ،‬ومن هنا نعلم أن التعايش جسر الحياة‪ ،‬وصمام األمان‬
‫كي يحيا اإلنسان سعيدًا‪.‬‬
‫إذًا ما هو التعايش؟ التعايش نوع من أنواع التعاون الذي يبني الثقة و االحترام‪ ،‬ويهدف إلى إيجاد‬
‫أرضية تتفق عليها األطراف المختلفة‪ ،‬ويتم عن طريق االقتناع الداخلي‪ ،‬والرضا واالختيار‪ ،‬فالتعايش‬
‫احترام لآلخرين‪ ،‬وتقبل لالختالف فيما بينهم‪ ،‬والعمل سويًا نحو تحقيق األهداف المشتركة‪.‬‬
‫هناك الكثير من أنواع التعايش مثل التعايش األسري‪ ،‬وهو التعايش بين أفراد األسرة الواحدة‪ ،‬وبين‬
‫أفراد العائلة الكبيرة‪ ،‬فأوال ينبغي علينا طاعة الوالدين‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬وبالوالدين إحسانًا" وقال سبحانه‪:‬‬
‫صغارا‪ ،‬كذلك ينبغي‬
‫ً‬ ‫"وال تقل لهما أفٍ وال تنهر هما " وعلى األبناء رعاية اآلباء واألمهات كما ربوهم‬
‫احترام الكبير‪ ،‬سواء كان أخا أو أختا أو ع ًما أو خاال‪ ،‬والعطف على الصغير‪ ،‬كما قال رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ " :‬ليس منا من لم يوقِّر كبيرنا‪ ،‬ويرحم صغيرنا" فالتعايش األسري القائم على التفاهم ينتج‬
‫لنا أبناء أسوياء‪ ،‬وهو ما يقوي دعائم المجتمع والوطن‪.‬‬
‫ومن أنواع التعايش‪ :‬التعايش المجتمعي بين الجيران وفي الحي‪ ،‬ولنتذكر أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم أوصانا بالجار‪ ،‬وأمرنا أن نبتسم في وجه الناس ونلقي عليهم السالم‪ ،‬فقال‪" :‬ابتسامتك في وجه‬
‫أخيك صدقة" فهذه المعاملة الحسنة أساس الدين‪ ،‬وهي وسائل مهمة لتقوية التعايش‪ ،‬وتحقيق التعاون المثمر‪.‬‬
‫ومن أنواع التعايش بالغة األهمية‪ :‬التعايش بين األديان‪ ،‬فالتسامح والسالم من مبادئ األديان‪ ،‬كما‬
‫السلم كافة" وقال سبحانه‪" :‬ال إكراه في الدين" فما أجمل الحياة مع التسامح وتقبل‬
‫قال تعالى‪" :‬ادخلوا في ِّ‬
‫اآلخر! فلكم دينكم ولي دين‪ ،‬وهدفنا أن نعمر األرض في سالم‪ ،‬ونخدم كل البشر‪ ،‬وصدق رسول الله صلى‬
‫عليه وسلم عندما قال‪" :‬الكلمة الطيبة صدقة" فإياكم والحروب والفتن‪ ،‬فإنها دمار يشعل األخضر واليابس‪،‬‬
‫ويقتل األبرياء‪ ،‬ويهدم البيوت‪ ،‬وتصبح األرض جحي ًما ال يطاق‪.‬‬
‫إن من أهم أنواع التعايش‪ :‬التعايش مع اإلعاقة‪ ،‬وهو من أصعب أنواع التعايش‪ ،‬ألنه يحتاج إلى‬
‫التحدي واإلرادة والصمود؛ لكي يتغلب المصاب على الصعاب‪ ،‬ويحقق أهدافه‪ ،‬ويندمج في المجتمع‪ ،‬ومن‬
‫النماذج المشرفة لذوي الهمم‪ ،‬الدكتور طه حسين‪ ،‬المفكر واألديب‪ ،‬فقد كان يعاني من فقدان عينيه‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك تحدى الصعوبات‪ ،‬و قام بإنجازات كثيرة‪ ،‬مثل نشر الكتب الدينية واألخالقية واألدبية‪ ،‬مثل‬
‫كتاب على هامش السيرة‪ ،‬والشيخان‪ ،‬وصوت باريس‪ ،‬وكتاب األيام‪ ،‬وأيضا روايات مثل المعذبون في‬
‫األرض‪ ،‬فقد استطاع تحويل الفشل واإلعاقة إلى نجاح وانتصار‪ ،‬باإلرادة والعزيمة‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن طلب العال سهر الليالي‬ ‫بقدر الك ِّد ت ُكتسب المعالي‬
‫لذا أرى أن التعايش ِّجسر لعبور الناس لبر األمان‪ ،‬وهو طوق النجاة من الحروب‪ ،‬وهو ضرورة‬
‫كي تكون الحياة جنة فيها السالم والتعاون والمحبة واإلخاء‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫ال حقد يسود وال بغضاء‬ ‫ما أجمل أن نحيا سعداء‬
‫اللهم أعنا على المحبة والرحمة فيما بيننا‪ ،‬والتعاون على البر والتقوى‪ ،‬كي تسعد البالد‪ ،‬ويهنأ العباد‪.‬‬

You might also like