You are on page 1of 3

‫تونس تقدم وعودا زائفة في مواجهة أزمة الحبوب‬

‫تواجه تونس خطر قطع إمدادات القمح بسبب حرب روسيا على أوكرانيا‪ ،‬وهما الدولتان اللتان تحتكران مصادر توريد القمح‬
‫لتونس بنسبة ثمانين بالمائة‪ ،‬بخطة إصالح منظومة الحبوب غير واضحة المعالم‪ .‬ففي آخر شهر جويلية الماضي‪ ،‬بعد انتهاء‬
‫تجميع محاصيل الحبوب لهذا الموسم والتي لم تتجاوز ثلث حاجيات تونس منها‪ ،‬قدمت وزارة الفالحة تطمينات للتونسيين بانها‬
‫أعدت خطة لتحقيق االكتفاء الذاتي من القمح الصلب العام القادم وأعلنت عن سعر مناسب للبذور يمكن أن يجلب الفالحين‬
‫الذين توجهوا إلى نشاط أكثر ربحا وهو األشجار المثمرة‪ ،‬غير أن تلك اإلجراءات لم تبعث تطمينات فعلية لدى الفالحين كما‬
‫أنها لن تضمن مأل مخازن الحبوب أو تحقق احتياجات تونس الكاملة خاصة من القمح الصلب الذي تستورده تونس من روسيا‬
‫‪.‬ومن أوكرانيا باألساس‬

‫أعلنت وزارة الفالحة عن حصيلة الموسم الفالحي لهذا العام بلغت ‪ 7.433‬مليون قنطار وهي ربع حاجيات تونس التي تبلغ‬
‫قراب ‪ 31‬مليون قنطار سنويا‪ ،‬وهي أيضا قرابة ثلث المحصول الذي توقعت وزارة الفالحة تجميعه بعد أن أعلنت في ماي‬
‫الماضي أنها تقدر وصول صابة هذا الموسم إلى ‪ 18‬مليون قنطار من الحبوب‪ .‬ويبلغ االستهالك الشهري للتونسيين من القمح‬
‫الصلب‪ ،‬وهو المادة التي تُصنع منها المعجنات‪ ،‬مليون قنطار شهريا فيما يُقدر محصول هذا العام من هذه المادة ‪ 6.683‬مليون‬
‫قنطار وهو ما يعني أن تونس ستسد حاجياتها من القمح الصلب إلى غاية نهاية هذا العام فحسب‪ ،‬وستتجه الوزارة إلى استيراد‬
‫احتياجاتها من القمح الصلب بداية العام المقبل حتى تؤ ّمن حاجاتها بالنسبة للخمسة أشهر األولى من العام المقبل قبل تجميع‬
‫‪.‬محصول ذلك الموسم‬

‫خطة ذر الرماد على العيون‬

‫تقول وزارة الفالحة وفق المعطيات التي مدت بها موقع "نواة" إنها أعدت خطة للتخفيف من تداعيات األزمة الروسية‬
‫األوكرانية بواسطة "صفقة عن طريق التفاوض المباشر بأسعار تفاضلية وتزويد السوق بالحبوب بطريقة استباقية وبأسعار‬
‫تفاضلية وضمان انتظام التزود"‪ ،‬كما وضعت الوزارة وفق المعطيات ذاتها برنامجا إلصالح منظومة الحبوب يرتكز أساسا على‬
‫خطة لتحقيق االكتفاء الذاتي في القمح الصلب ب‪ 12‬مليون قنطار خالل موسم العام ‪ ،2023‬وذلك "عبر الترفيع في أسعار‬
‫الحبوب عند شراء الحبوب من المنتجين المحليين وزيادة اإلنتاج ب‪ 50‬بالمائة مقارنة بهذا الموسم والتوسع في مساحات إنتاج‬
‫القمح الصلب إلى ‪ 800‬ألف هكتار مقارنة بالمساحات الحالية التي تصل إلى ‪ 600‬ألف هكتار‪ ،‬وتع ّول على توفير توفير ‪450‬‬
‫ألف قنطار من بذور الحبوب وضمان التزود باألسمدة الكيميائية‪ ،‬أكبر المعضالت التي تواجه منتجي الحبوب‪ ،‬بما يقارب ‪250‬‬
‫ألف طن بالنسبة لألمونيتر و‪ 30‬أف طن من الفسفاط و‪ 150‬ألف طن من مادة "دي‪.‬أ‪.‬بي"‪ ،‬وذلك حسب المعطيات التي تحصلت‬
‫‪.‬عليها "نواة" من وزارة الفالحة‬

‫يقول هيثم الشواشي وهو فالح من والية باجة وعضو في تنسيقية "فالحون غاضبون" في تصريح ل"نواة" إن خطة وزارة‬
‫الفالحة لمواجهة مشكل استيراد القمح اللين والصلب بسبب الحرب الروسية األوكرانية ليست واضحة‪ ،‬وإن اإلجراء الوحيد الذي‬
‫يمكن أن يستحسنه منتجو الحبوب وأن يشجع فالحين على زراعة القمح هو إعالنها عن سعر مناسب لشراء البذور والذي قدرته‬
‫ب‪ 149‬دينار للقنطار‪ ،‬ويضيف الشواشي "أعتقد أن الوزارة مجبرة على اتخاذ ذلك اإلجراء لهدف وحيد وهو ضمان تجميع أكبر‬
‫كمية ممكنة من الحبوب من المنتجين خاصة أن كثيرا منهم يخيّرون االحتفاظ بجزء من المحصول الستعماله إما للعلف‪ ،‬وهو‬
‫خيار فرضته األسعار المشطة للعلف الحيواني‪ ،‬أو تنقيته من أجل استعماله بذورا في الموسم الموالي‪ .‬وعموما فإن قرار‬
‫الوزارة المتعلق بسعر البذور هو لصالح الدولة في مرحلة أولى والتي ستضمن توفر القمح في مخازنها بغض النظر عن مشاكل‬
‫مراحل اإلنتاج األخرى‪ ،‬ولكنه في المقابل لن يحل مشكل قطاع الحبوب أو عزوف الفالحين عن زراعة الحبوب ألن أسعار‬
‫البذور هي حلقة صغيرة من سلسة مشاكل تواجه قطاع الحبوب أهمها غالء األسمدة وعدم توفره خاصة االمونيتر وفسفاط‬
‫‪".‬األمونيوم‬

‫وفي شهر جويلية من العام الماضي‪ ،‬ارتفعت أسعار األسمدة الفالحية بنيبة بين ‪ 30‬و‪ 50‬بالمائة بسبب اضطراب اإلنتاج في‬
‫المجمع الكيميائي وفي شركة فسفاط قفصة التي أعلنت العام الماضي العمل بالقوة القاهرة‪ .‬وارتفع سعر األمونيتر من ‪ 430‬دينارا‬
‫للطن الواحد إلى ‪ 620‬دينارا ووصل سعر طن فسفاط االمونيوم إلى ‪ 690‬دينار مقابل ‪ 530‬دينار في العام ‪ ،2020‬وفي العام‬
‫‪ ، 2022‬تعمقت أزمة األسمدة في تونس بسبب الحرب الروسية األوكرانية خاصة أن روسيا هي من أكبر مصدري المواد األولية‬
‫إلنتاج األسمدة الزراعية مثل "فسفاط األمونيوم"‪ ،‬ومن المتوقع أن تتضاعف أسعار األسمدة بسبب تلك األزمة‪ .‬يقول هيثم‬
‫الشواشي ل"نواة" إن سعر القنطار من فسفاط األمونيوم في العالم تجاوز ‪ 300‬دينارا ويضيف "استعمل المجمع الكيميائي‬
‫المواد األولية مثل األمونياك والتي يتكون منها ذلك النوع من السماد‪ ،‬وص ّدر كميات من فسفاط األمونيوم حتى تنتتعش ميزانية‬
‫‪".‬الشركة في حين أنه كان من األجدر تزويد السوق المحلية بتلك المادة في ظل األزمة العالمية‬

‫يبدأ زرع القمح بداية من شهر أكتوبر ولم تفصح وزارة الفالحة بعد أسعار األسمدة وال عن توفر المخزون منها‪ ،‬يقول هيثم‬
‫ال يفصلنا سوى شهرين ونصف عن بداية زرع المحصول فكيف ستشجع وزارة الفالحة على زراعة الحبوب في‬ ‫الشواشي "‬
‫الوقت الذي عزف منتجون كثيرون عن إنتاجها وتوجهوا إلى األشجار المثمرة بسبب غالء األسمدة والخسائر التي يتكبدها منتجو‬
‫الحبوب مقارنة مع بقية الفالحين"‪ .‬ومن المفترض أن يبدأ منتجو الحبوب في مداواة محاصيلهم في آخر شهر ديسمبر ويعتقد هيثم‬
‫الشواشي أن الدولة التونسية غير قادرة على توفير ‪ 400‬ألف طن من األسمدة خاصة في ظل أزمة المواد األولية في العالم بسبب‬
‫الحرب في أوكرانيا‪ .‬ويضيف "ما أعلمه هو أن مستودعات تخزين األسمدة فارغة‪ ،‬فنحن ال نملك أكثر من ‪ 15‬بالمائة من‬
‫حاجياتنا من سماد األمونيتر حيث لم توفر الدولة سوى ‪ 12‬ألف طن كما أن تونس واجهت مشكل توريد األمونياك وتمويله وهي‬
‫المادة المكونة لسماد األمونيتر وفسفاط األمونيوم‪ ،‬ويحتاج منتجو الحبوب إلى ‪ 100‬ألف طن في شهر جانفي وال أعتقد أنه من‬
‫‪ ".‬المستحيل توفير أكثر من ثلث تلك المادة في تلك الفترة‬

‫سياسة دولة عمقت أزمة األراضي المشتتة‬

‫تعول وزارة الفالحة على توسيع مساحات زراعة الحبوب بنسبة تقارب الثالثين في المائة‪ ،‬لتصل إلى ‪ 800‬ألف هكتار العام‬
‫المقبل مقابل قرابة ‪ 540‬ألف هكتار‪ .‬وحسب المعهد الوطني لإلحصاء‪ ،‬تقلصت مساحة األراضي المخصصة لزراعة القمح‬
‫الصلب من ‪ 663.3‬ألف هكتار في العام ‪ 2012‬إلى ‪ 562‬ألف هكتار للعام ‪ 2019‬و‪ 543‬ألف هكتار بالنسبة للعام ‪ ،2020‬وهو‬
‫الشأن نفسه بالنسبة للمساحات المخصصة لزراعة القمح اللين الذي يُصنع منه الخبز والحلويات‪ ،‬فقد شهدت تلك المساحات‬
‫‪.‬تراجعا من ‪ 126‬ألف هكتار سنة ‪ 2012‬إلى ‪ 81‬ألف هكتار في العام ‪ 2019‬لتصل إلى ‪ 63‬ألف هكتار سنة ‪2020‬‬

‫تقول ليلى الرياحي عضوة "مجموعة العمل من أجل السيادة الغذائية" لموقع "نواة" إن مساحة األراضي المخصصة إلنتاج‬
‫الحبوب تتراجع من سنة إلى أخرى ‪ ،‬ويرجع ذلك إلى التشجيع الكبير للزراعة التجارية (مثل القوارص والزيتون) على حساب‬
‫الزراعة المعيشية وتضيف الرياحي "نجد على سبيل المثال لسياسة الدولة في تشجيع ذلك النوع من الزراعات‪ ،‬توسع األراضي‬
‫‪".‬المزروعة زيتونا في مناطق مثل باجة وسليانة‬

‫تحتل تونس المرتبة ‪ 120‬ضمن ‪ 190‬دولة في العالم في إنتاجية زراعة الحبوب حسب المرصد الوطني للفالحة‪ ،‬وتستورد‬
‫‪.‬تونس ‪ 50‬بالمائة من حاجياتها من الحبوب ومن المتوقع أن تصل تلك النسبة إلى ‪ 70‬بالمائة حسب المرصد‬
‫وتلخص ليلى الرياحي مشكل تدهور إنتاج الحبوب في تونس بتشتت األراضي الذي يؤثر في اإلنتاجية وتدهور جودة التربة‬
‫بسبب مشكل التعرية وتقول "إن سوء إدارة قطاع األراضي الدولية التي تمثل أكثر األراضي إنتاجية وعدم احترام منهجية‬
‫تناوب المحاصيل إضافة إلى التلوث واالستخدام المكثف للمواد الكيميائية كلها عوامل خفّت من إنتاجية المساحات المزروعة‬
‫حبوبا" ‪ ،‬وتنتقد الرياحي سياسة الدولة في توجيه الموارد المائية نحو المنتجات المعدة للتصدير ‪ ،‬و"بالتالي حرمان الزراعات‬
‫الكبرى من الري الالزم التي عمق تغير المناخ أزمتها‪ ،‬إلى جانب مشكل البذور منخفضة الجودة" وهو رأي يشاطرها فيه هيثم‬
‫الشواشي عضو تنسيقية فالحون غاضبون الذي يقول ل"نواة" إنه رغم أن الدولة أعلنت عن نيتها توسيع مساحات زرع الحبوب‬
‫بمائتي ألف هكتار‪ ،‬فإنه يستبعد أن تتجاوز تلك المساحات ‪ 60‬ألف هكتارا ويضيف "في العام الماضي زرعنا ‪ 520‬ألف هكتار‬
‫وال أعتقد أننا نملك أراض بور تصل مساحاتها إلى ‪ 200‬ألف هكتار كما ال أعتقد أنهم سيتم تحويل األراضي المزروعة أشجارا‬
‫مثمرة لتُ زرع حبوبا"‪ .‬ويضيف الشواشي "يمكن الوصول إلى تحقيق إنتاجية أفضل دون التعويل فحسب على توسيع مساحات‬
‫زرع الحبوب وذلك عبر توجيه مياه الشمال التي يستفيد منها أصحاب األراضي المزروعة أشجارا مثمرة‪ ،‬لكي يستفيد منها‬
‫‪".‬منتجو الحبوب في إطار ما يُعرف بالري التكميلي في شهر مارس حتى يضمن الفالح كميات أكبر من المحصول‬

‫تسير تونس بخطى ثقيلة لضمان تعبئة مخازنها بالحبوب في بداية العام المقبل‪ ،‬وسط سباق عالمي محموم من الدول لضمان‬
‫حصولها على المواد األولية لألسمدة وتحصيل نصيبها من القمح في ظل تحذيرات من أزمة غذائية قد تطال دوال كثيرة لن تكون‬
‫‪.‬تونس في مأمن منها‬

You might also like