You are on page 1of 68

‫الشهادة الدينية العالية املاليزية ‪٢٠٢٠‬م املوافق ‪١٤٤١‬ھ‬

‫البحث في األدب والنصوص‬

‫تحت الموضوع‪:‬‬

‫طباعة الكتب العربية القديمة والكتب الغربية‬

‫رقم المادة‪S108/41:‬‬

‫اسم الطالب‪:‬‬

‫رقم اجللوس‪:‬‬

‫رقم البطاقة الشخصية‪:‬‬

‫اسم املشرف‪:‬بدراهلشام بن عبدالرمحن‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‪0‬‬

‫صفحة‬ ‫الباب والفصل‬ ‫رقم‬


‫‪٣‬‬ ‫‪ ١‬كلمة الشكر والتقدير‬
‫‪٥‬‬ ‫‪ ٢‬الباب األول‪ 0:‬معرفة‪ 0‬الطباعة‬
‫‪٦‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬تعريف الطباعة‬ ‫‪٣‬‬
‫‪٨‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬بداية ظهور الطباعة‬
‫‪١٢‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬قصة نشر الطباعة‬ ‫‪٤‬‬
‫‪٢١‬‬ ‫الباب الثاني‪ : 0‬طباعة الكتب العربية‬ ‫‪٥‬‬
‫‪٢٢‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬بداية الطباعة القدمية واحلديثة‬
‫‪٣٠‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬تاريخ الطباعة يف العرب وحوله‬
‫‪٣٣‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬الطباعة القدمية يف الدول الإلسالمي‬
‫‪٣٧‬‬ ‫الباب الثالث ‪ :‬الطباعة في الغرب‪0‬‬
‫‪٣٨‬‬ ‫الفصل األول‪:‬البدايات األوىل للطباعة يف املغرب‬
‫‪٤٤‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬تاريخ الطباعة يف الغرب وانتشارها‬
‫‪٤٧‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬آلة الطباعة‬
‫‪٥٢‬‬ ‫الباب الرابع ‪:‬آثار الطباعة‬
‫‪٥٣‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬آثار الطباعة على التدوين والكتابة‬
‫‪٥٤‬‬ ‫الفصل الثاين‪:‬أمهية ظهور املطبعة‬
‫‪٥٧‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬ظهور أنواع الطباعة املختلفة‬
‫‪٦١/٦٥‬‬ ‫الخاتمة والمصادر‬

‫بسم هلل الرحمن الرحيم‪0‬‬

‫‪2‬‬
‫وبه نستعين‬

‫كلمة الشكر والتقدير‪0‬‬

‫احلمدهلل حنمده ونستعينه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اهلل فال مضل له ومن‬

‫يضلله فال هادي له‪ .‬أشهد أن ال إله إال اهلل وأشهد أن حممدا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إىل‬

‫يوم الدين‪ .‬وأشكر على أنعمين من القوة واملثابرة يف إجناز كتابة البحث الذي شرط من شروط النجاح يف امتحان‬

‫الشهادة الدينية العالية املاليزية‪.‬‬

‫والدي من أول خالل دراسيت وأطلب املساعدة واملعونة منهما منذ والديت إىل‬
‫ّ‬ ‫أوال‪ ،‬جزيل الشكر على‬

‫هذه اللحظات‪ .‬شكرا إىل أستاذنا‪ ،‬وهو األستاذ بدراهلشام بن عبد الرمحن ألن يساعدنا يف تكميل هذا البحث‪.‬‬

‫وصديقايت العزيزات وكل من ساعدونا يف إعداد وتقدمي البحث وإىل الذين أسهروا ليلهم وجاهدوا هنارهم يف‬

‫حب اخلري وبذل النصيحة وإىل طلبة العلم وحميب اخلري‪.‬‬

‫شر ما هو قبله وشر ما بعده‪ .‬اللهم اجعلنا‬


‫اللهم إنا نسألك يف هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركاته نعوذ بك من ِّ‬

‫أول هذا اليوم صالحا جناحا‪.‬‬

‫فإن املوضوع هلذا البحث ملادة األدب والنصوص هي "طباعة الكتب العربية القدمية والكتب الغربية‪ ".‬من‬

‫األفكار الرئيسة يف هذا البحث الذي سأثبت هنا‪:‬‬

‫‪ )1‬معرفة الطباعة وتارخيها‬

‫‪3‬‬
‫‪ )2‬طباعة الكتب العربية مع أمساء الكتب العربية القدمية‬

‫‪ )3‬طباعة الكتب الغربية‬

‫‪ )4‬آثار الطباعة‬

‫وأخريا‪ ,‬نسألك من خري الدنيا واألخرة برمحتك يا أرحم الرامحني‪ .‬نرجو البحث أن يستفيد علينا وحيصل‬

‫إىل النجاح واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الباب األول‪ :‬معرفة الطباعة‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف الطباعة‬

‫الفصل الثاين‪ :‬بداية ظهور الطباعة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬قصة نشر الطباعة‬

‫‪5‬‬
‫الفصل األول‪0‬‬

‫تعريف الطباعة‬

‫والطباعة هي طبع الكلم ات والص ور التص ميمات ف وق ال ورق أو‪ ‬النس يج‪ ‬أو املع ادن أو أي م واد أخ رى‬

‫مالئمة للطبع فوقها‪ .‬وهذا يطلق عليه فن جرافيك ‪( graphic arts‬فنون ختطيطية أو تصويرية كاتصوير والرسم‬

‫والكتابة)‪ .‬وتتم بنسخ صور من األصل بطريقة ميكانيكية‪.‬‬

‫وتاريخ الطباعة هو أكثر الوثائق وأعرقها‪ .‬ويتم من خالل الطبع من سطح بارز‪ .‬فكان جيري قدميا اخلتم‬

‫باحلجر وهذا يع ّد أقدم طرق الطباعة اليت عرفت لدي البابليني وغريهم وكان يستعمل لالستغناء عن التوقيع علي‬

‫املستندات والوثائق واملعاهدات أو كرمز ديين‪ .‬وكانت الوسيلة أختام أو طباعة ليبصم هبا فوق الطني أو من احلجر‬

‫خبدش أو نقش س طحه‪ .‬وك ان حج رة دائرية تغمس يف الص بغة الس ائلة أو الطني وكلن يطبع ف وق س طح ن اعم‬

‫ومستو لطبع ماكتب عليه كصورة متطابقة عكسيا ومقابلة‪.‬‬

‫معاني الكلمات‬

‫ف مطْبعِيَّ ٍة لَِن ْقلِه ا علَى الور ِق بِو ِاس طَِة اآلالَ ِ‬


‫ت الْ َمطْبَعِيَّ ِة‪ .‬ن َق َل صورتَه من احلروف‬ ‫ف َكلِماتِِه بِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ََ َ‬ ‫َأحُر َ َ‬
‫ْ‬ ‫ص َّ َ‬ ‫اب‪َ :‬‬
‫طَبَ َع‪ ‬الكتَ َ‬ ‫‪‬‬

‫املعدنية اجملموعة إىل الورق بوساطة املطبعة‪.‬‬

‫َّيءَ‪َ :‬ن َق َشهُ‪َ ،‬رمَسَهُ‪.‬‬


‫طَبَ َع‪ ‬الش ْ‬ ‫‪‬‬

‫‪6‬‬
‫الطَّبَ َ‬
‫اعةُ‪ :‬حرفةُ نقل النسخ املتعددة من الكتابة َأو الصور باآلالت‪( .‬مج)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫الطَّبَّاعُ‪ :‬من ِحْر َفتُّه الطِّباعة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫طابع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لطباعة ال ُكتُ ِ‬ ‫المطَْب َعةُ‪ :‬املكا ُن ُّ‬
‫ب غريها‪( .‬ج) َم ُ‬ ‫املعد‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫ظهور الطباعة‬

‫ظه رت‪ ‬الطباعة‪ ‬بطبع الكلم ات والص ور والتص ميمات ف وق ال ورق أو النس يج أو املع ادن أو أي م واد أخ رى‬

‫مالئمة للطبع فوقها‪ ،‬وتتم بنسخ صور بطريقة ميكانيكية من خالل الطبع من سطح بارز‪ ،‬فكان يتم قدميا اخلتم باحلجر‬

‫وهذا يع ّد أقدم طرق‪ ‬الطباعة‪ ‬اليت عرفت لدى البابليني والسومريني واإليبالويني واألوغارتيني واألكاديني واحلضارات يف‬

‫سوريا القدمية وبالد ما بني النهرين‪ .‬وبني سنيت ‪ ٢٠٠٠‬و‪ ١٨٠٠‬ق‪ .‬م ازدهرت التجارة بني بالد الرافدين واهلند عرب‬

‫اخلليج‪ ،‬وكان من بني أهم التجارات أختام العالمات الدائرية اليت عرفت باألختام الفارسية املمهرة باحليوانات‪ ،‬وكانت‬

‫مصنوعة من احلجر الناعم‪ ،‬وكان هلا نتوء مثقوب لتعليقها‪.‬‬

‫أختام كرمة يرجع تارخيها لألسراملصرية ‪ .١٥-١٢‬ومن بينها أختام حملية الصنع مصنوعة من العاج‪ ،‬أوالعظم‬

‫أو الصلص ال مس طحة أو جعرانية الش كل أو حمف ورة بأمناط زخ ارف هندس ية ش بكية قائمة على املثلث ات‬

‫احملفورة‪.‬ووجدت أختام املكاتب اإلدارية يف القصر وبالقرب من بوابات املدينة‪ .‬وأختام مصرية الصنع‪ ،‬متماثلة مع تلك‬

‫اليت متَّ الكشف عنها يف املواقع النوبية‪ ،‬واليت ترجع للنصف الثاين من اململكة الوسطى تصاميم زهرية أو لوالبية أو ألقاب‬

‫أو أمساء لبعض صغار املوظفني أو من ذوى املناصب العليا يف احلكومة مثل نائب احلاكم أو املبعوث امللكى‪.‬‬

‫كما وج دت أخت ام مغط اة بنق وش حيوان ات أو بأش كال أو أمساء ملكية يرجع تارخيها لألس رة املص رية‬

‫‪15‬م‪ .‬ويف كرمة اكتش فت اخت ام تس لط ض وءاً على العالق ات ك انت متط ورة بني كرمة ومصر‪ .‬ومعظم ه ذه‬

‫‪8‬‬
‫األخت ام اكتش فت باملخ ازن واهلياكل يف املنطقة احمليطة بالدفوفة الغربي ة‪ ،‬أو يف اجلبان ات اجملاورة للهيكل‪ .‬ويرجع‬

‫تارخيها لألسراملصرية ‪ .15-12‬ومن بينها أختام حملية الصنع مصنوعة من العاج‪ ،‬أوالعظم أو الصلصال مسطحة‬

‫أو جعرانية الشكل أو حمفورة بأمناط زخارف هندسية شبكية قائمة على املثلثات احملفورة‪.‬ووجدت أختام املكاتب‬

‫اإلدارية يف القصر وب القرب من بواب ات املدينة‪ .‬وأخت ام مص رية الص نع‪ ،‬متماثلة مع تلك اليت متَّ الكشف عنها يف‬

‫املواقع النوبي ة‪ ،‬واليت ترجع للنصف الث اين من اململكة الوس طى تص اميم زهرية أو لوالبية أ وألق اب أو أمساء لبعض‬

‫ص غار املوظفني أو من ذوى املناصب العليا يف احلكومة مثل ن ائب احلاكم أو املبع وث امللكى‪ .‬كما وج دت أخت ام‬

‫مغطاة بنقوش حيوانات أو بأشكال أو أمساء ملكية يرجع تارخيها لألسرة املصرية اخلامسة عشر‪ ،‬وهناك اختام من‬

‫دملون يف شرق اجلزيرة العربية ترجع للقرن ‪ 18‬قبل امليالد‪.‬‬

‫الطباعة باللغة العربية بدأت في الغرب ثم وصلت إلى العرب‬

‫يف ما يأيت تبويب زمين خمتصر لتاريخ الطباعة العربية يف القرن التاسع عشر‪ ،‬ابتداءً من انتشار الطباعة يف‬

‫الغرب‪ ،‬مث تسرهبا إىل الشرق‪ ،‬مبشاركة عربية وفارسية وتركية‪.‬‬

‫مل تقتص ر الطباع ة العربي ة على بالد الع رب‪ ،‬وه ذا م ا يؤك ده حمم د س عيد املالح يف س رد م وجز وش امل‬

‫لتاريخ الطباعة باللغة العربية يف العامل يف مقالة له‪ ،‬تناول فيها الطباعة العربية يف أوروبا‪ ،‬ودخول املطابع املصنوعة‬

‫يف البالد العربي ة وروس يا ع امل الطباع ة‪ ،‬وغريه ا من احملاور‪ ،‬متس ائاًل ‪" :‬ملاذا نش أت الطباع ة العربي ة يف أوروب ا؟"‪،‬‬

‫وجميبًا أنه سؤال جييب عنه الدكتور قاسم السامرائي بقوله إن الطباعة العربية يف أوروبا مرتبطة بصناعة الورق أواًل ‪،‬‬

‫رابع ا‪.‬‬
‫ومحّى التنصري ثانيًا‪ ،‬واهليمنة االستعمارية ثالثًا‪ ،‬وتطور االستشراق ووصله إىل نظام مبين وفق قواعد منظمة ً‬
‫فلو مل يصنع الورق يف أوروبا ملا كان هناك من طباعة‪ ،‬ولو مل يكن االستعمار األورويب ملا كان هناك جمال للتنصري‬

‫‪9‬‬
‫املنظم‪ ،‬ول و مل يكن االستش راق والتنص ري ملا ك انت هن اك طباع ة عربي ة يف أوروب ا‪ .‬وق د طبعت املط ابع األوروبي ة‬

‫زهاء ‪ 167‬كتابًا عربيًا قبل أن يظهر أول كتاب عريب مطبوع يف املشرق‪.‬‬

‫بدايات غربية‬ ‫‪‬‬

‫تأريخ الطباعة العربية بالغرب يعود إىل عام ‪ ،1486‬حني طبع الراهب الدومينيكي مارتن روث كتاب "الرحلة‬

‫واحلج يف ما وراء البحار إىل قرب السيد املسيح مبدينة القدس املق ّدسة" &ملؤلفه برنارد دي برايندباخ عند الطباع‬

‫اهلولندي إرهارد رويفيتش يف أملانيا‪ .‬ويف عام ‪ ،1492‬أحضر إسحق غرسون‪ ،‬أحد علماء املهاجرون اليهود‪ ،‬إىل‬

‫اآلستانة مطبعة تطبع الكتب بالعربية واإلس بانية والالتينية واليونانية‪ ،‬طبعت التوراة يف ‪ 1494‬وقواعد العربية يف‬

‫مقصورا على اليهود‪ ،‬حىت‬


‫ً‬ ‫‪ ،1495‬وأنتجت أكثر من مئة كتاب يف خمتلف العلوم والفنون‪ ،‬لكن بقي استعماهلا‬

‫حرم السلطان بايزيد الثاين فن الطباعة على غري اليهود‪ .‬ويف & ‪1505‬طبعت مطبعة إسبانية يف غرناطة للراهب‬
‫ّ‬
‫بيدرو دي ألكاال على قوالب خشبية كتايب "طريقة تعلّم اللغة العربية بسرعة" و"قائمة عربية باحلروف القشتالية"‪.‬‬

‫ويف ‪ ،1514‬أكد باحثون أن أول مطبعة عربية تطبع باألحرف العربية ظهرت يف فانو بإيطاليا بأمر البابا يوليوس‬

‫الث اين‪ ،‬دش نها الباب ا لي ون العاش ر‪ ،‬ومسيت "مطبع ة الفاتيك ان"‪ ،‬وأول كت اب ع ريب طب ع فيه ا كت اب دي ين مث س فر‬

‫الزب ور يف ‪ .1516‬مث طب ع الق رآن الك رمي يف مطبع ة باغ انيين املش هورة بالبندقي ة‪،‬لكن أح رقت النس خ كله ا‪ .‬ويف‬

‫‪& 1516‬طبعت مطبعة بيرتوس باولوس يف جنوا اإليطالية كتاب "املزامري" بأربع لغات‪ :‬العربية والعربية واليونانية‬
‫والكلداني ة‪ .‬ويف ‪ ،1524‬ب دأت الطباع ة العربي ة يف اجنل رتا عن دما طب ع فينكني دي و ِ‬
‫رده يف لن دن كت اب روب رت‬ ‫ُ‬
‫ِويْكفيل د "األطروح ة الالتيني ة يف موض وع اللغ ات العربي ة واآلرامي ة والعربي ة"‪ .‬ويف ‪ ،1538‬ب دأت فرنس ا الطابع ة‬

‫العربية &بكت اب "القواع د العربي ة"‪ ،‬ويف ‪ ،1551‬طبعت الت وراة يف اآلس تانة باللغ ة العربية‪ .‬ويف ‪ ،1566‬طبعت‬

‫مطبعة الكلية اجلزويتية بروما طبعت كتاب "اعتقاد األمانة األردتكسية كنيسة روما" بالعربية‪ .‬ويف ‪ ،1573‬طبعت‬

‫‪10‬‬
‫مطبع ة إش بيلية "هتافت النحل ة احملمدي ة" لس كاليخر‪ .‬ويف ‪ ،1575‬طبعت مطبع ة ميديتش ي يف روم ا الكتب باللغ ة‬

‫املنصرين اللغة العربية‪.‬‬


‫العربية لتعليم ِّ‬

‫يف ‪ ،1582‬بدأت الطباعة العربية يف أملانيا بكتاب "يف األلفباء العربية" ملؤلفه يعقوب كريستمان‪ ،‬أول أستاذ للغة‬

‫العربية يف جامعة هايدلربغ‪ ،‬كما طبع كتاب عريب آخر يف هايدلربغ يف ‪ ،1583‬هو الرتمجة العربية لرسالة بولس‬

‫الرسول إىل أهل غالطية‪ .‬ويف‪ ، 1585‬طبع الطباع البندقي بازا كتاب "البستان يف عجائب األرض والبلدان"‪،‬‬

‫وهو األول من نوعه باللغة العربية الذي خيلو من الدعاية الدينية‪ .‬ويف ‪ ،1585‬بدأت الطباعة العربية يف بلجيكا‬

‫وهولندا‪ .‬ويف العام نفسه‪ ،‬أنشئت مطبعة دير مارقزحيا يف لبنان‪ ،‬غري أن بعض املصادر يرد ذلك إىل عام ‪.1610‬‬

‫مشاركة عربية‬ ‫‪‬‬

‫يف‪ ،1611‬أس س بط رس كرس نت مطبع ة عربي ة يف أملاني ا‪ ،‬ت ولت طباع ة جمموع ة من الكتب العربي ة‪ ،‬منه ا‬

‫"النحو العريب" يف ثالثة أجزاء‪ .‬ويف ‪ ،1613‬طبعت مطبعة ليدن هبولندا "قواعد اللغة العربية" للمستشرق توماس‬

‫أربينيوس‪ ،‬ونشر املارونيان نصر اهلل شلق العاقوري وجربائيل الصهيوين كتاب "التعليم املسيحي"‪ ،‬وطبعت املطبعة‬

‫امللكية يف باريس كتاب "يف صناعة النحو"‪ ،‬وكتاب "الفالسفة العرب"‪ .‬ويف ‪ ،1619‬نشر &جربائيل الصهيوين‬

‫ويوحنا احلصروين "خمتصر نزهة املشتاق" لإلدريسي يف باريس‪ .‬يف ‪ ،1636‬أنشئت أول مطبعة يف إيران يف منطقة‬

‫جلفا بأصفهان‪ ،‬وبعد عامني‪ ،‬أمر &الكاردينال ريشيليو بطباعة كتاب "قواعد اللغة العربية" لتوماس أربينيوس‪.‬‬

‫ويف ‪ ،1650‬أسست يف لندن مطبعة عربية‪ ،‬وطبعت كتاب "تاريخ الدولة اخلوارزمية"‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫قصة الطباعة ونشر المعرفة‪0‬‬

‫تعد الطباعة وسيلة الستيعاب اإلنتاج املعريف لإلنسان وحفظه‪ ،‬واكتشاف اإلنسان هلا كان ميثل رحلة توثيق‬

‫وختزين املعارف والفنون‪.‬‬

‫إن ظهور الطباعة وحلوهلا بالتدريج حمل عملية النسخ اليدوي‪ ،‬انتقل بالكتابة إىل مرحلة متقدمة‪ ،‬جعلتها‬

‫تتحرك بسرعة كبرية لتصل إىل كل مكان‪ ،‬حىت أضحى الكتاب أحد أكثر السلع تداوالً بني الناس‪ ،‬وباتت املعرفة‬

‫مشاع ا‪ ،‬يستطيع أن يتلقاها أي فرد مباشرة من الكتاب‪ ،‬بعد أن كانت مقتصرة على طائفة خاصة‪.‬‬
‫أمرا ً‬
‫ً‬

‫أساسا متينًا للثورة املعرفية‪ ،‬وتطور حركة البحث العلمي‪ ،‬وجتسري عملية االتصال‬
‫لقد شكل اخرتاع الطباعة ً‬
‫والتواصل احلضاري واملثاقفة بني اجملتمعات‪ ،‬وبسبب شيوع الطباعة تداعت تلك األسوار العتيدة اليت كانت حتيط‬

‫هبا اجملتمعات ساب ًقا عقائدها‪ ،‬وتقاليدها‪ ،‬وتراثها‪ ،‬حيث تسلل الكتاب هذه األسوار‪ ،‬وعرب كل احلواجز‪ ،‬فاخرتقت‬

‫اجملتمع ات من خالل الكتب بس هولة‪ ،‬ح ىت انتهى الع امل أخ ًريا إىل منطق ة واح دة‪ ،‬ملا يس رته الطباع ة من االتص ال‪،‬‬

‫وكذلك وسائل االتصال األخرى‪.‬‬

‫أساس ا متينً ا للث ورة املعرفي ة‪ ،‬وتط ور حرك ة البحث العلمي‪ ،‬وجتس ري عملي ة‬
‫‪ ‬لق د ش كل اخ رتاع الطباع ة ً‬
‫االتص ال والتواص ل احلض اري واملثاقف ة بني اجملتمع ات‪ ،‬وبس بب ش يوع الطباع ة ت داعت تل ك األس وار العتي دة ال يت‬

‫ك انت حتي ط هبا اجملتمع ات س اب ًقا عقائ دها‪ ،‬وتقالي دها‪ ،‬وتراثه ا‪ ،‬حيث تس لل الكت اب ه ذه األس وار‪ ،‬وع رب ك ل‬

‫‪12‬‬
‫احلواجز‪ ،‬ف اخرتقت اجملتمع ات من خالل الكتب بس هولة‪ ،‬ح ىت انتهى الع امل أخ ًريا إىل منطق ة واح دة‪ ،‬ملا يس رته‬

‫الطباع ة من االتص ال‪ ،‬وك ذلك وس ائل االتص ال األخ رى‪.‬وتع د الطباع ة وس يلة مرن ة ومتط ورة الس تيعاب اإلنت اج‬

‫املعريف لإلنسان وحفظه‪.‬‬

‫بداية الطباعة‬ ‫‪‬‬

‫يسود الكتب والبحوث املصنفة حول تأريخ الكتاب جدل ساخن حول حتديد أول من اكتشف الطباعة‪،‬‬

‫فبينم ا تؤك د الكث ري من املراج ع على أن الطباع ة فن ح ديث اكتش ف يف الق رن اخلامس عش ر امليالدي‪ ،‬ت ذهب‬

‫مراجع أخرى إىل أبعد من ذلك لتؤكد أن تأريخ اكتشاف الطباعة يعود إىل عدة قرون تسبق هذا التأريخ‪ ،‬ورمبا‬

‫أهناها بعض الباحثني إىل القرن السادس عشر قبل امليالد‪ .‬ولعل األمهية املتميزة لدور الطباعة‪ ،‬يف تأريخ تطور الفكر‬

‫جاهدا لنسبة اكتش افها إىل البلد الذي ينتمي له‪،‬‬


‫ً‬ ‫وتقدم املعارف البشرية‪ ،‬هي اليت جعلت بعض الباحثني يسعى‬

‫وإناطة هذا اإلبداع به‪.‬‬

‫بيد أن الصحيح هو أن الطباعة نتاج حضاري بشري‪ ،‬أسهمت البشرية شرقًا وغربًا يف تطويره واكتشاف‬

‫صحيحا ما ذهب إليه بعض الباحثني من نسبة هذا االكتشاف‬


‫ً‬ ‫بعض جوانبه حىت انتهى إىل صورته احلاضرة‪ .‬وليس‬

‫إىل أمة معينة‪ ،‬وجتاهل اللبنات األساسية اليت أشادهتا أمم أخرى على طريق هذا االكتشاف‪.‬‬

‫فمثالً نالح ظ الب دايات األوىل هلذا الفن ظه رت يف الص ني القدمية‪ ،‬فق د اس تطاع احلك ام الص ينيون يف ذل ك‬

‫الوقت تأمني نقش النصوص الدينية املقدسة على قوالب خشبية‪ ،‬مث كانت ترتك هذه يف أماكن عامة حىت ميكن‬

‫أخذ نسخ منها على الورق‪ ،‬وهكذا كان بإمكان كل من يريد أن يأخذ نسخة طبق األصل عن النصوص املقدسة‬

‫أن يفعل ذلك‪ .‬ويف حوليات أسرة هان (من ‪ 202‬قبل امليالد إىل ‪ 220‬بعد امليالد) توصف هذه الطريقة بشكل‬

‫‪13‬‬
‫حي‪ ،‬كما يتم احلديث عن السبب الذي دفع احلكام الصينيني إىل نقش النصوص الدينية على قوالب خشبية‪ ،‬فهذه‬

‫احلولي ات تؤك د أوالً ال رأي القائ ل ب أن أعم ال احلكم اء ق د تعرض ت إىل تغي ريات وتش وهات‪ ،‬ول ذلك ك ان من‬

‫الضروري أن تنقش تك األعمال بصورهتا األصلية على احلجر‪ ،‬لكي يتم تفادي أخطاء النساخ‪.‬‬

‫قصة ظهور الطباعة في أوروبا‬

‫ترتبط قصة اخرتاع الطباعة يف أوروبا باألملاين جوهان غوتنربغ (ولد حنو ‪1400‬م‪ ،‬وتويف حنو ‪1468‬م) كما هو‬

‫مشهور‪ ،‬إذ يقال‪ :‬إنه هو الذي اخرتع األحرف املتنقلة يف أوروبا‪ ،‬وأدخل عليها حتسينات يف مدينة سرتاسبورج‪،‬‬

‫ولكنه نقل مطبعته إىل مسقط رأسه يف مدينة ماينز حنو عام ‪1440‬م‪ ،‬أو على رواية أخرى بعد ذلك بقليل يف عام‬

‫‪1448‬م‪ ،‬حيث طب ع الكتب هبا‪ .‬ويق ال‪ :‬إن كتب ه األوىل ظه رت يف الس وق حنو عام ‪1445‬م والس نوات التالية‪،‬‬

‫ومنه ا كت اب‪( Sibylles ‬أي الكاهن ات العراف ات)‪ ،‬وكت اب‪( Donat ‬أي النح و الالتي ين) يف ثالث طبع ات‪،‬‬

‫وتق وم ع ام ‪1448‬م‪ ،‬ك ذلك خ رج من مطابع ه "خط اب غف ران" للباب ا نق وال اخلامس ع ام ‪1451‬م‪ ،‬أو ع ام‬

‫‪1454‬م‪.‬‬

‫كما طبع غوتنربغ التوراة عام ‪1455‬م‪ ،‬يف جملدين من حجم النصف‪ ،‬وقد عرفت هذه التوراة فيما بعد باسم‬

‫"التوراة املازاريين" ألن أول نسخة لفتت أنظار خرباء الكتب‪ ،‬كانت النسخة اليت احتفظ هبا الكاردنال مازاران يف‬

‫مكتبته خلاصة ‪.‬‬

‫وقد اقرتن اسم غوتنربغ باسم جان فوست‪ ،‬وهو املمول الذي أقرضه ‪ 800‬فلورين بفائدة عام ‪1450‬م‪ ،‬لكي‬

‫يستطيع ص ناعة بعض األدوات‪ ،‬ولكن يف عام ‪1455‬م‪ ،‬اهتم فوست غوتنربغ بع دم االلتزام والوفاء بتعهداته‪ ،‬مث‬

‫قاض اه يف احملكمة‪ ،‬وحكم عليه بدفع الفوائد املرتتبة عليه‪ ،‬وإع ادة رأس املال‪ .‬كما اقرتن اسم غوتنربغ بشخص‬

‫‪14‬‬
‫فطبع ا عام ‪1457‬م أول كتاب مؤرخ وهو "زبور‬
‫آخر هو بيرينسوفر (مهرفوست)‪ ،‬الذي اشرتك مع فوست‪ً ،‬‬
‫مايانس"‪ ،‬مث ما لبث شوفر هذا أن طور أعماله ووسعها‪ ،‬حىت ظل مشغله من أكثر املشاغل أمهية يف أوروبا كلها‬

‫إىل مطلع القرن السادس عشر‪.‬‬

‫وذهب آخرون إىل أن املخرتع األول للطباعة يف أوروبا قبل غوتنربغ‪ ،‬هو اهلولندي لورنز جانزون كوسرت‪ ،‬من‬

‫مدينة هارمل اهلولندية‪ ،‬أما األملاين غوتنربغ فقد اقتصر جهده على التطور هبا حنو الكمال‪ ،‬وقد أقام اهلولنديون متثاال‬

‫لكوس رت يف ع ام ‪1635‬م تكرميً ا ل ه‪ .‬إن من ي ؤرخ ملس ألة اخ رتاع الطباع ة من الغرب يني‪ ،‬ق د ال يفلت من التح يز‪،‬‬

‫ولذلك أثري حول هذه املسألة سجال واسع‪ ،‬فتارة تنسب إىل شوفر‪ ،‬أو إىل فوست‪ ،‬وأخرى إىل كوسرت‪ .‬ويقال‪:‬‬

‫إن أول من ادعى بأن كوسرت هو مكتشف الطباعة هو طبيب هولندي من هارمل يدعى أوريان دي جونغ‪ ،‬حيث‬

‫ظهرت مقالة موقعة بامسه بعد وفاته يف إحدى الصحف اهلولندية‪ ،‬يدعي فيها أن أحد سكان هذه املدينة ويدعى‬

‫(ل وران ج انزون) امللقب بكوس رت‪ ،‬ك ان ق د اخ رتع قب ل ع ام ‪1441‬م فن مجع احلروف املتحرك ة من املع دن‬

‫املصبوب من أجل النسخ اآليل للنصوص‪ ،‬كما طبع عدة كتب‪ ،‬وذاع سره عام ‪1442‬م يف أمسرتدام‪ ،‬مث كولونيا‬

‫ومايانس‪ ،‬من قبل أحد عماله الذين تركوا العمل عنده ‪.‬‬

‫وبغض النظر عن مدى صحة هذه القصة اليت أثار حوهلا الكثري من الباحثني الشكوك‪ ،‬كما دحضها آخرون‪ ،‬مثل‬

‫فان درلند الذي أوضح أن كوسرت كان صاحب فندق يصنع الشمع من الشحم‪.‬‬

‫فإن ظهور الطباعة احلديثة يف أوروبا تأخر حىت أواسط القرن اخلامس عشر‪ ،‬أي بعد والدهتا يف الصني بنحو سبعة‬

‫قرون‪ ،‬وإن كانت الطباعة آنذاك يف جتارهبا األوىل‪ ،‬وفيما بعد استطاع األوروبيون اكتشاف األسلوب املتطور هلا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وأخريا الطباعة ‪ -‬بشكلها‬
‫ً‬ ‫ولكن تبقى مسألة ينبغي أن ال تغيب عن الباحث‪ ،‬وهي أن اكتشاف الكتابة‪ ،‬مث الورق‪،‬‬

‫األول ‪ -‬كلها من معطيات اإلنسان الشرقي احلضارية‪ .‬بيد أن اجملتمعات األخرى اقتبست هذه الفنون فأعادت‬

‫إنتاجها‪ ،‬وطورهتا‪ ،‬وعملت على حتديثها‪ ،‬وتكييفها مع البيئات املدنية املتنوعة‪ ،‬لتيسري االستفادة منها‪.‬‬

‫انتشار الطباعة‬ ‫‪‬‬

‫لق د انتش رت الطباعة بس رعة فائق ة يف أوروب ا حيث باش ر اإليط اليون باس تخدام الطباع ة ع ام ‪1464‬م‪ ،‬أو‬

‫‪1465‬م‪ ،‬بع د أن أق ام اثن ان من تالم ذة ش وفر مها ك ونراد رفاينه امي‪ ،‬وأرنول د بان ارتز مطبع ة بأح د أدي رة مدين ة‬

‫سوبياكو‪ Subiaco ‬بالقرب من روما‪.‬‬

‫وبع د ذل ك بس نتني تلقي ا دع وة للتوج ه إىل روم ا‪ ،‬حيث عكف ا على نش ر سلس لة طويل ة من الكتب‪ ،‬خالل‬

‫جملدا‪ ،‬وكانت تلك‬


‫السبع سنوات التالية ضمت حبسب روايتهم الشخصية ستة وثالثني كتابًا مكونة من ‪ً 12475‬‬

‫نصوصا التينية قدمية‪.‬‬


‫ً‬ ‫اجملاميع حتوي يف أساسها‬

‫مث دخلت الطباعة سويسرا يف عام ‪1468‬م‪ ،‬وفرنسا يف عام ‪1470‬م‪ ،‬وهولندا يف عام ‪1473‬م (فيما عدا‬

‫ما يسمى مبطبوعات كوسرتيانا اليت نفذت قبل ذلك الوقت)‪ ،‬وبلجيكا والنمسا واجملر يف عام ‪1477‬م‪ ،‬والدامنارك‬

‫يف عام ‪1482‬م‪ ،‬والسويد يف عام ‪1483‬م والربتغال يف عام ‪1487‬م‪.‬‬

‫أما يف خارج أوروبا فقد أنشئت أول مطبعة يف املكسيك عام ‪1536‬م‪ ،‬كما ظهرت طبعة التوراة العربية‬

‫برتمجة سعيد الفيومي باألحرف العربانية يف اآلستانة ‪1551‬م‪ ،‬ومل يظهر لتلك املطبعة من أثر غري تلك التوراة ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وب ذلك تع د اآلس تانة أول م دن الش رق ال يت وص لتها الطباع ة بع د املدن األوروبي ة‪ ،‬وإن كن ا ال جند أث ًرا‬

‫ملطبوع ات أخ رى فيه ا ح ىت ع ام ‪1729‬م‪ ،‬أو ‪1730‬م حيث طبعت فيه ا ترمجة ص حاح اجلوهري إىل الرتكي ة‪.‬‬

‫ورمبا كانت بالد الشام هي احملطة الثانية للطباعة الوافدة من أوروبا‪ ،‬فقد طبع كتاب مزامري داود بالعربية باحلروف‬

‫الس ريانية م ع ترمجت ه إىل الس ريانية س نة ‪1585‬م‪ ،‬يف مطبع ة أنش أها رهب ان مارقزحي ا يف دي رهم لبن ان‪ ،‬وهي أق دم‬

‫مطابع سوريا‪.‬‬

‫ظهور الطباعة العربية في أوروبا‬ ‫‪‬‬

‫أكد بعض الباحثني على أن أول مطبعة عربية وأحرفها عربية‪ ،‬ظهرت يف فانو بإيطاليا بأمر البابا يوليوس‬

‫الثاين‪ ،‬ودشنها البابا ليون العاشر سنة ‪1514‬م‪ ،‬وأول كتاب عريب طبع فيها يف تلك السنة كتاب ديين‪ ،‬مث سفر‬

‫الزبور سنة ‪1516‬م‪ ،‬وبعد قليل طبع القرآن الكرمي يف البندقية‪ ،‬ولكن مل تصلنا منه نسخة ما‪ ،‬ألن مجيع النسخ‬

‫أحرقت‪ ،‬وقد طبع يف مطبعة باغانيين املشهورة يف البندقية‪.‬‬

‫كما طبع يف جنوى سنة ‪1516‬م‪ ،‬بتكليف من األب جوستنياين سفر املزامري‪ ،‬وقام بطبعه باولو يورو‪ ،‬وقد‬

‫طبعه بأربع لغات هي العربية والعربية واليونانية والكلدانية‪ ،‬ومع كل لغة من هذه اللغات ترمجة التينية مطابقة هلا‪،‬‬

‫مع مالحظات وشروح‪ ،‬وكان كتابً ا كبري احلجم‪ .‬وقد نشر املستشرق غويوم بوستيل األستاذ يف كلية فرنسا‪،‬‬

‫مب ادئ اثن يت عش رة لغ ة ش رقية حبروفه ا األص لية‪ ،‬وق د اس تعمل املستش رق املذكور يف طباع ة القواع د العربي ة ال يت‬

‫صدرت مع باقي اجملموعة يف باريس سنة ‪538‬م حروفًا عربية‪ ،‬وكان هذا الكتاب أول سجل مطبوع للغة العربية‬

‫يف ب اريس‪ .‬ويف ع ام ‪ 1585‬م ق ام الطب اع البن دقي ب ازا‪ ،‬بع د أن انتق ل إىل روم ا بطب ع مؤل ف جغ رايف ع ريب‪ ،‬هو‬

‫‪17‬‬
‫األول من نوع ه باللغة العربي ة خلو من الدعاي ة الدينية‪ ،‬هو كت اب البس تان يف عج ائب األرض والبل دان‪ ،‬ومؤل ف‬

‫الكتاب سالميش بن كندغدي الصاحلي‪ ،‬وال يعرف عنه شيء البتة‪.‬‬

‫ويف املدة نفسها طبعت بعض الكتب العربية يف املدن األملانية‪ ،‬فقد ألف يعقوب كريستمان وهو أول أستاذ‬

‫للغة العربية يف جامعة هايدلربغ‪ ،‬كتابًا عنوانه‪ :‬يف األلفباء العربية‪ ،‬وطبع الكتاب أول ما طبع يف نيوشتاد من أملانيا‪،‬‬

‫وذلك عام ‪1582‬م‪.‬‬

‫كما جرى طبع كتاب عريب آخر يف هايدلربغ عام ‪1583‬م‪ ،‬على احلروف نفسها اليت طبع عليها الكتاب‬

‫األول‪ ،‬وهذا الكتاب هو الرتمجة العربية لرسالة بولس الرسول إىل أهل غالطية بعنوان‪ :‬إىل غالطية‪ ،‬وقد قام بنقلها‬

‫إىل العربية روجتر سبأي‪ ،‬كذلك ألف بارثولو ماوس رادمتان كتابًا بعنوان‪ :‬املقدمة يف اللغة العربية‪ ،‬وقد مت طبعه يف‬

‫فرانكفورت سنة ‪1592‬م‪.‬‬

‫أما بالنسبة ألول مطبعة عربية ظهرت يف أوروبا‪ ،‬فهي تلك املطبعة اليت أمر بإنشائها الكاردينال فرنندودي‬

‫متش ي يف روم ا ع ام ‪1584‬م‪ ،‬وهي "املطبع ة الش رقية املديتش ية" ال يت ت وىل إدارهتا جيوق ين؟ بتس تار اميون دي‪ ،‬وق د‬

‫نشرت هذه املطبعة الكثري من الكتب العربية‪ ،‬وقد باشرت عملها يف عام ‪1586‬م‪ ،‬واستمرت تستعمل يف طبع‬

‫عاما يف بداية القرن السابع عشر‪،‬‬


‫الكتب العربية حىت أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬ولكنها توقفت حوايل مخسة عشر ً‬
‫اعتبارا من سنة ‪1818‬م‪.‬‬
‫كما أهنا نقلت إىل املكتبة املديتشية ‪ -‬اللورانزية يف فلورانسا ً‬

‫أيض ا‪ ،‬وقد مت إجناز طبعهما‬


‫وكان أول إنتاج هلا هو كتاب "القانون" البن سينا‪ ،‬ومعه كتاب "النجاة" له ً‬

‫عام ‪1593‬م‪ ،‬لكن خالل هذه احلقبة اليت استمرت سبعة أعوام ‪ -‬من سنة ‪1586‬م إىل ‪1593‬م ‪ -‬طبعت هذه‬

‫املطبع ة كتبً ا ص غرية أخ رى باللغ ة العربي ة منه ا‪" :‬األناجي ل األربع ة"‪ ،‬يف ترمجة عربي ة‪ ،‬ع ام ‪1590‬م‪ ،‬وتلته ا طبع ة‬

‫‪18‬‬
‫أخ رى لنفس للرتمجة العربية نفس ها ويف مقابله ا الرتمجة الالتيني ة ع ام ‪1591‬م‪ ،‬مث تال ذل ك طب ع كت اب "الكافية"‬

‫البن احلاجب‪ ،‬وكتاب "اآلجرومية" البن آجروم‪ ،‬ويف السنة نفسها‪ ،‬سنة ‪1592‬م طبع كتاب "نزهة املشتاق يف‬

‫ذك ر األمص ار واألقط ار والبل دان واجلزر واملدائن واآلف اق" للش ريف اإلدريس ي‪ ،‬مث طبعت س نة ‪1594‬م كت اب‬

‫"حتري ر أص ول أوقلي دس"‪ ،‬وبع دها ت وقفت ح ىت ع ام ‪1610‬م‪ ،‬حيث طبعت كت اب "التص ريف" للع زي يف ذل ك‬

‫العامل‪.‬‬

‫ومن املط ابع العربي ة األخ رى ال يت أقيمت يف أوروب ا‪ ،‬هي املطبع ة ال يت أنش أها اس تفانوس ب اولينوس تلمي ذ‬

‫راميوندي مدير املطبعة السابقة الذي تويف عام ‪1614‬م‪ ،‬فطلب السفري الفرنسي لدى الفاتيكان (من ‪ 1608‬إىل‬

‫‪ 1614‬م) فرانسو ساقار ؟ دي برف من باولينوس هذا‪ ،‬إنشاء مطبعة جديدة يف روما‪ ،‬صممت هلا حروف عربية‬

‫جديدة مجيلة الشكل‪ .‬وحني عاد ساقار؟ من روما إىل باريس عام ‪1615‬م‪ ،‬أخذ معه مطبعته العربية‪ ،‬ومديرها‬

‫استفانوس باولس‪ ،‬كذلك أنشأ يف باريس مطبعة أخرى‪ ،‬مسيت "مطبعة اللغات الشرقية"‪.‬‬

‫وكان فرانسسكوس رافلنجيوس (‪ ،)1597 - 1539‬قد أنشأ مطبعة عربية يف هولندا‪ ،‬كانت حروفها‬

‫مزمورا‪ .‬كذلك أسس‬


‫ً‬ ‫أقل يف مستوى مجاهلا من مطبعة مدتشي‪ ،‬ومل يطبع فيها سوى "األجبدية العربية" ومخسني‬

‫بطرس كرسنت (‪1640 - 1575‬م)‪ ،‬أول مطبعة عربية يف أملانيا‪ ،‬حيث تولت يف األعوام ‪ 1611 - 1608‬م‬

‫طباع ة جمموع ة من الكتب العربي ة‪ ،‬منه ا‪ :‬حنو ع ريب يف ثالث ة أج زاء‪ ،‬اجلزء الث الث منه ا ه و النص الع ريب لكت اب‬

‫"اآلجرومية" حبسب طبعة روما املذكورة آن ًفا‪ ،‬مع ترمجة التينية وتعليقات ‪ . . .‬وغريها‪.‬‬

‫ويف مدينة ليدن يف هولندا‪ ،‬أنشأ توماس أربينيوس مطبعة عام ‪1595‬م‪ ،‬ظهر أول كتاب من طباعتها بعنوان‬

‫"قواعد اللغة العربية" ألربينيوس نفسه‪ ،‬عام ‪1613‬م‪ ،‬ويف عام ‪1615‬م صدر كتاب "أمثال لقمان" عنها‪ ،‬وقد‬

‫‪19‬‬
‫نالت ليدن شهرة واسعة بسبب كثرة ما طبع فيها من كتب عربية‪ ،‬ومل تزل مطبعة بريل فيها تعىن بنشر الكتاب‬

‫العريب حىت اليوم‪ .‬أما يف لندن فقد تأسست فيها مطبعة عربية منذ منتصف القرن السابع عشر‪ ،‬ويعد كتاب "تاريخ‬

‫الدول ة اخلوارزمي ة" املس تل من كت اب أيب الف داء الش هري "املختص ر يف أخب ار البش ر"‪ ،‬من أهم م ا طب ع فيه ا وقت‬

‫إنشائها‪ ،‬حيث صدر عم ‪1650‬م‪ .‬وهكذا أسست جامعة أكسفورد مطبعة عربية يف تلك احلقبة طبع الكثري من‬

‫الكتب العربي ة‪ ،‬مث ل‪ :‬كت اب "ت أريخ خمتص ر ال دول" البن الع ربي م ع ترمجة التيني ة‪ ،‬وكت اب "نظم اجلوهر" البن‬

‫البطريق ‪ . . .‬وغريها‪.‬‬

‫ويف القرن الثامن عشر انتشرت الطباعة العربية يف الكثري من البلدان األوربية‪ ،‬وتزايد دور هذه املطابع يف‬

‫إصدار الكتب العربية‪ ،‬بعد التوسع الكبري يف حركة االستشراق‪ ،‬وتغلغلها يف خمتلف البالد العربية‪ ،‬وكثرة مراكزها‬

‫يف اجلامعات الغربية‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الباب الثاين‪ :‬طباعة الكتب العربية‬

‫الفصل األول‪ :‬بداية الطباعة القدمية واحلديثة‬

‫الفصل الثاين‪ :‬تاريخ الطباعة يف العرب وحوله‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬الطباعة القدمية يف الدول اإلسالمي‬

‫‪21‬‬
‫الفصل األول‬

‫بداية الطباعة القديمة‪ 0‬والحديثة‬


‫محمد عبد الرزاق القشعمي‬
‫أرشيف الكاتب‬

‫تمهيد‬

‫االختصاصي بشؤون الطباعة يف الشرق األقصى‬

‫(ث‪ .‬ف كارتر) استطاع يف كتابه (اخرتاع يذكر (ألكسندر ستيتشفيتش) يف‬

‫كتابه (تاريخ الكتاب) أن الباحث الطباعة يف الصني وانتشارها باجتاه الغرب) أن يربر عدم اهتمام العرب أو تأخر‬

‫اهتمامهم باكتشافات الطباعة بواسطة القوالب اخلشبية مث بواس طة احلروف املتحرك ة املكتشفة يف آسيا كاليابان‬

‫وكوريا والصني‪ ،‬مما حرم أوروبا من وصول الطباعة؛ ألن التأثريات الثقافية والسلع التجارية كانت تسري باجتاهني‬

‫عرب (طريق احلرير) املعروف حبركته الدائمة‪.‬‬

‫ويرجع ذلك إىل عدم اهتمام العرب هبذه االكتشافات‪ ،‬مما أدى األمر إىل تأخر انتقاهلا إىل الغرب؛ ويرجع‬

‫ذل ك ألس باب ديني ة؛ إذ رفض وا أن تطب ع كتبهم املقدس ة بوس ائل ميكانيكي ة مما أخ ر انتش ار الطباع ة من الش رق‬

‫األقصى إىل أوروبا‪ .‬وقال‪ ..« :‬ويف الواقع إن العرب املسلمني قد رفضوا طباعة القرآن حىت يف العصور املتأخرة‪،‬‬

‫ويب دو من املث ري هن ا أن تس جل م ا حص ل يف إس طنبول للموع د إب راهيم اهلنغ اري ال ذي طلب س نة ‪1727‬م إذنً ا‬

‫لتأسيس مطبعة يف املدينة‪ .‬وقد حصل أوالً على فتوى صرحية من العلماء ترفض بشدة طباعة القرآن على أساس أن‬

‫‪22‬‬
‫هذا يتعارض مع اإلسالم‪ ،‬مث حصل أخرياً على موافقة بتأسيس مطبعة بشرط أال يطبع فيها القرآن‪ .‬وإذا استثنينا‬

‫بعض احلاالت نرى أن العرب مل يكونوا ليسمحوا بتأسيس املطابع يف بالدهم‪.‬‬

‫وهك ذا فق د ت أخر عم ل أول مطبع ة يف مص ر إىل س نة ‪1825‬م‪ .‬وعلى ك ل ح ال ف إن الق رآن ق د ب دئ يف‬

‫طباعته منذ القرن اخلامس عشر امليالدي ولكن خارج املنطقة العربية‪ ،‬فقد طبع للمرة األوىل يف فيينا خالل سنوات‬

‫‪1499 - 1483‬هـ‪ ،‬بينما طبعت عدة كتب عربية أخرى يف مدينة فانون بإيطاليا الوسطى خالل ‪1514‬م»‪.‬‬

‫ويذكر أنه قد اكتشف يف آثار مدينة قدمية بالقرب من الفيوم مبصر نصوص حلوايل مخسني كتابًا‪ ،‬مت إنتاجها‬

‫بواس طة الطباع ة ب القوالب اخلش بية خالل س نوات ‪1350 - 900‬م‪ .‬وك انت ه ذه الكتب دون اس تثناء مكتوب ة‬

‫باللغ ة العربي ة‪ ،‬وتن اولت موض وعات ديني ة‪ ،‬وهي الي وم حمفوظ ة يف املكتب ة الوطني ة يف فيين ا‪ .‬واختتم بقول ه‪« :‬إن‬

‫الباحثني االختصاصيني الذين اهتموا هبذه املطبوعات النادرة يف العامل اإلسالمي قدموا براهني مقنعة مبا فيه الكفاية‬

‫لتك وين رأي يق ول إن ه ذه الكتب املطبوع ة ق د ظه رت بت أثري مباش ر أو غ ري مباش ر للتقني ة الص ينية يف الطباع ة‬

‫ب القوالب اخلش بية؛ ول ذلك فهي تعت رب جس راً مهم اً بني الطباع ة ال يت ظه رت أوالً بالش رق األقص ى والطباع ة ال يت‬

‫ظهرت الحقاً يف أوروبا يف هناية العصر الوسيط‪.« ..‬‬

‫الطباعة الحديثة‬

‫وقد بدأت الطباعة احلديثة قبل حنو ‪ 580‬سنة‪ .‬وكانت الرسائل والكتب قبل ذلك تكتب خبط اليد‪.‬وقد‬

‫اخرتع األملاين (جوهانس جو تنربج) حوايل عام ‪1440‬هـ الطباعة باحلروف املتحركة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وق د ظه رت أول ح روف طباع ة عربي ة على ي د (م ارتن روث) ع ام ‪892‬هـ‪1486 /‬م ال ذي طب ع ترمجة‬

‫لكت اب (برن ارد براي د بن اخ) عن رحلت ه إىل األم اكن املقدس ة‪ .‬وك انت احملاول ة الثاني ة يف إس بانيا ع ام ‪911‬هـ‪/‬‬

‫‪1505‬م بص دور كت اب (وس ائل تعلم ق راءة اللغ ة العربي ة ومعرفته ا)‪ .‬واحملاول ة الثالث ة ك انت طب ع اإلجني ل ع ام‬

‫‪1000‬هـ‪1591 /‬م‪.‬‬

‫وأول مطبعة يف تركيا ُأنشئت عام ‪1140‬هـ‪1727 /‬م‪ ،‬وقد اشرُت ط إال يطبع عليها القرآن الكرمي‪.‬‬

‫وأول مطبعة أنشئت بلبنان عام ‪1165‬هـ‪1751 /‬م ومل يكتب هلا االستمرار‪.‬‬

‫وعرفت مصر املطابع مع قدوم احلملة الفرنسية عام ‪1213‬هـ‪1798 /‬م‪ ،‬لكنها توقفت بعد رحيل احلملة‬

‫عام ‪1216‬هـ‪1801 /‬م‪.‬‬

‫وأسس حممد علي أول مطبعة‪ ،‬ما زالت باقية حىت اآلن‪ ،‬هي مطبعة بوالق عام ‪1235‬هـ‪1819 /‬م‪ ،‬وكان‬

‫أول م ا طبعت ه ق اموس ع ريب‪ /‬إيط ايل‪ ،‬واس تمرت تطب ع ك ل املطبوع ات مبا فيه ا (الوق ائع املص رية)‪ ،‬بوص فها أول‬

‫جريدة تصدر يف مصر‪.‬‬

‫وع رفت أول مطبع ة حجري ة ب العراق ع ام ‪1246‬هـ‪1830 /‬م‪ ،‬ومل تس تمر ط ويالً‪ ،‬مث ترس خت الطباع ة‬

‫واستقرت هبا عام ‪1856‬م‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫وعرفت الطباعة بفلسطني عام ‪1246‬هـ‪1830 /‬م‪ ،‬ويف اليمن عام ‪1294‬هـ‪1877 /‬م‪ ،‬ويف مكة املكرمة‬

‫‪1300‬هـ ‪1882 /‬م‪ ،‬ويف الس ودان م ع بداي ة العق د الث امن من الق رن التاس ع عش ر امليالدي‪ ،‬وب األردن ع ام‬

‫‪1341‬هـ‪1922 /‬م‪ ،‬وبالكويت عام ‪1366‬هـ‪1947 /‬م‪ ،‬وكانت معظمها من أجل طباعة الكتب والصحف‪.‬‬

‫واليوم تستخدم املطابع العربية أحدث أجهزة الطباعة يف العامل يف اجلمع والطبع واإلخراج واملونتاج والقص‬

‫والتجليد والتطبيق وغريها‪.‬‬

‫(‪ )1‬الطباعة في المملكة‬

‫ويذكر عثمان حافظ يف كتابه (تطور الصحافة يف اململكة العربية السعودية)‪ ..« :‬أنشأت احلكومة العثمانية‬

‫مطبعة الوالية مبكة املكرمة عام ‪1300‬هـ املوافق ‪1882‬م‪ ،‬وهي أول مطبعة تؤسس يف احلجاز‪.»..‬‬

‫ويؤكد ذلك حممد العبدالرمحن الشامخ يف كتابه (نشأة الصحافة يف اململكة العربية السعودية) قائالً‪ ..« :‬أما‬

‫اجلزيرة العربية فلم تعرف الطباعة إال يف عام ‪1877‬م‪ ،‬وذلك عندما أسست احلكومة العثمانية املطبعة الرمسية يف‬

‫صنعاء باليمن‪ ،‬وكانت مكة املكرمة ثاين مدينة من مدن اجلزيرة العربية تعرف فن الطباعة حيث أنشأت احلكومة‬

‫الرتكية فيها مطبعة رمسية يف عام ‪1300‬هـ (‪1883‬م)‪ .‬وأسس وايل احلجاز عثمان نوري باشا مطبعة حكومية‬

‫مبكة املكرمة‪ ،‬هي مطبعة الوالية أو املطبعة املريية كما كانت تسمى يف بعض األحيان‪ ،‬وقد أنشأها الشيخ أمحد بن‬

‫زي ين دحالن‪ ،‬وه و يه دف إىل أن يطب ع فيه ا كتب العل وم ليك ثر انتش ار العلم يف موض ع مهب ط ال وحي املكني»‪.‬‬

‫وك انت املطبع ة يف ب ادئ أمره ا مطبع ة يدوي ة‪ ،‬وص فها حمم د س عيد عبداملقص ود بأهنا عب ارة عن (ماكين ة ب دال‬

‫‪25‬‬
‫صغرية)‪ .‬وأضاف بأن احلكومة الرتكية قد زودهتا يف عام ‪1302‬هـ (‪ 1884‬أو ‪1885‬م) بآلة طباعة متوسطة‪.‬‬

‫وق د أش ار رش دي ملحس يف ع ام ‪1347‬هـ (‪1928‬م) إىل اإلص الح ال ذي أدخ ل على ه ذه املطبع ة يف ع ام‬
‫‪1302‬هـ فقال إنه قد جلب هلا ٍ‬
‫حينئذ (ماكينة كبرية وأدوات أخرى هي املوجودة اليوم)‪.‬‬

‫وقال إنه قد ورد يف العدد الثاين من التقومي الرمسي لوالية احلجاز (حجاز والييت سالنامة سي) حديث عن‬

‫هذه املطبعة وعما حققته من تطور خالل سنواهتا الثالث األوىل‪ ،‬جاء فيه‪« :‬سبق أن جرى يف عهد اخلالفة ‪ -‬عهد‬

‫العلم واملعرف ة ‪ -‬جلب آل ة طب ع وكمي ة من احلروف‪ ،‬وتع يني اث نني من املوظفني للمطبع ة ال يت تأسس ت يف والي ة‬

‫احلجاز منذ ثالث سنوات‪ .‬وقد قامت هذه املطبعة بالغرض املنشود يف أول األمر‪ ،‬ولكن حيث إنه كان هناك عدد‬

‫من املؤلفات املرتاكمة اليت كانت ترسل من سنوات إىل اخلارج للطباعة فقد أحضرت من فيينا آلة طبع ذات عجلة‬

‫واحدة‪ ،‬وكمية وافية من احلروف؛ وهلذا تطورت مطبعة الوالية‪ ،‬واتسع نطاق عملها‪ ،‬وأصبحت هذه الكتب تطبع‬

‫فيها‪ .‬كما أهنا قامت بطبع بعض الكتب اجلاوية بعد أن زودت حبروف جديدة مالئمة هلذه اللغة‪ .‬وقد طُلبت من‬

‫أوروبا أخرياً آلة طبع خاصة لطبع الرسائل املتنوعة املش ّكلة‪ ،‬وقد استطاع أبناء البلد خالل هذه املدة القصرية أن‬
‫ُ‬
‫يتعلموا فن صف احلروف وجتليد الكتب»‪.‬‬

‫وذكر الشامخ أنه بعد رحيل مؤسسها عثمان نوري باشا أصاهبا اإلمهال‪ ..‬إىل أن قال‪:‬‬

‫«‪ ..‬ولكن يد اإلصالح ما لبثت أن امتدت إىل هذه املطبعة؛ فقد عادت جريدة (حجاز) بعد حوايل عام ونصف‬

‫العام من هذه الشكوى؛ فأشارت إىل أن مطبعة الوالية قد عُ ّمرت‪ ،‬وأدخلت عليها بعض اإلصالحات‪.»..‬‬

‫‪26‬‬
‫وقال إن أول ما قامت به مطبعة الوالية هو إجناز التقومي الرمسي لوالية احلجاز (حجاز والييت سالنامة سي)‬

‫حيث صدر العدد األول من هذه السالنامة عام ‪1301‬هـ (‪ 1883‬أو ‪1884‬م)‪.‬‬

‫وقد أسهمت مطبعة الوالية ‪ -‬كما قال املستشرق اهلولندي سنوك هرخونيه الذي زار مكة متنكراً يف عام‬

‫‪1884‬م ‪ -‬يف طبع بعض مؤلفات علماء احلرم املكي الذين كانوا يطبعون مؤلفاهتم يف مصر من قبل‪..‬‬

‫وق ال إن مطبع ة الوالي ة ك انت حريص ة على طب ع كتب ال رتاث واملؤلف ات التعليمي ة خالل س نواهتا الثالث‬

‫األوىل؛ فق د أوردت الس النامة يف ع ام ‪1303‬هـ (‪1886‬م) قائم ة تش مل مخس ة وأربعني كتاب اً‪ ،‬مت طبعه ا فيه ا‬

‫باللغتني العربية واملاليوية‪..‬‬

‫إىل أن قال‪ :‬ومهما يكن األمر فإن أهم عمل قامت به هذه املطبعة هو طبع أول جريدة تصدر يف والية‬

‫احلج از‪ ،‬تل ك هي اجلري دة األس بوعية (حج از) ال يت ص درت يف ‪1326 /10 /8‬هـ (‪1908 /11 /3‬م)‪،‬‬

‫واحتجبت عن الص دور بع د ح وايل س بع س نوات‪ .‬ومل يقتص ر إس هام مطبع ة الوالي ة يف جمال الص حافة على نش ر‬

‫جريدة (حجاز)؛ فقد طبعت فيها كذلك جريدة (مشس احلقيقة) األسبوعية اليت صدرت مبكة املكرمة يف ‪/2 /16‬‬

‫‪1909‬م‪ ،‬كما طبعت فيها نسختها الرتكية املسماة بشمس حقيقت‪.‬‬

‫وق ال إن املطبع ة ك انت تطب ع آلخ رين ب أجر‪ ،‬وذك ر كت اب (أس ىن املط الب يف من اقب س يدنا علي بن أيب‬

‫طالب) للجزري‪ ،‬وكتب عليه إن هذا الكتاب قد طبع يف مطبعة الوالية عام ‪1324‬هـ على نفقة احلاج عمر امليمين‬

‫والشيخ أمحد املكي‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫إىل أن قال‪ :‬إن هذه املطبعة قد أدت دوراً مهماً على مدى ربع قرن؛ فنشأت الصحافة يف ظلها‪ ،‬وبعد هناية‬

‫احلرب العاملي ة األوىل آلت املطبع ة إىل احلكوم ة اهلامشية ال يت اختذهتا مطبع ة رمسية‪ ،‬وأص بحت تطب ع هبا جري دة‬

‫(القبلة)‪.‬‬

‫وقيل إن جريدة (مشس احلقيقة) قد أنشأت مطابع خاصة هبا عام ‪1327‬هـ‪ ،‬وقد اشرتاها بعد سنة الشيخ‬

‫حممد ماجد الكردي الذي طبع كثرياً من الكتب املهمة‪ ،‬كما أنشأ مكتبة خاصة‪ ،‬ك انت خمطوطاهتا ومطبوعاهتا من‬

‫أنفس ما حتتويه مكتبات مكة املكرمة‪ .‬وقد مسى املطبعة (مطبعة الرتقي املاجدية) مبحلة الفلق يف مكة املكرمة‪.‬‬

‫ونشر عباس بن صاحل طاشكندي قائمة مبطبوعات املطبعة املريية خالل الفرتة العثمانية من عام ‪1300‬هـ‪/‬‬

‫‪1882‬م‪ .‬نذكر ما طبعته يف سنتها األوىل ‪1300‬هـ‪:‬‬

‫المؤلف العنوان‬

‫‪ - ،1‬أبو الليث السمرقندي تنبيه الغافلني وبستان العارفني‪.‬‬

‫‪ - 2‬النابلسي حتفة الصبيان يف الفقه على مذهب النعمان‪.‬‬

‫‪ - 3‬إبراهيم بن أيب بكر األزرق تسهيل املنافع يف الطب واحلكمة‪.‬‬

‫‪ -4‬ابن كمال باشا رجوع الشيخ إىل صباه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وهكذا استمر بنشر قوائم باملطبوعات كل سنة على انفراد حىت عام ‪1339‬هـ املوافق ‪1920‬م‪.‬‬

‫ويف جدة أنشأ راغب مصطفى توكل مطبعة اإلصالح يف ‪ 26‬ربيع اآلخر ‪1327‬هـ (‪ 17‬مايو ‪1909‬م)‪.‬‬

‫وقد قامت بطبع جريدة (اإلصالح احلجازي) وبعض الكتب‪ ،‬ولكنها مل تعش طويالً‪.‬‬

‫ويف املدين ة املن ورة ظه رت املطبع ة العلمي ة ع ام ‪1329‬هـ‪1910 /‬م لكام ل خج ا رئيس جتار املدين ة‪ ،‬كم ا‬

‫أنشأت احلكومة العثمانية مطابع احلجاز‪ ،‬وأصدرت جريدة (احلجاز)‪ ،‬ومل تعش طويالً؛ إذ قامت احلرب العاملية‬

‫األوىل‪ ،‬وبعدها خرج األتراك من املدينة املنورة‪.‬‬

‫ومبجرد خروج األتراك تعطلت املطبعتان‪ ،‬وقيل نُقلتا مرة أخرى‪ ،‬ومل يبق باملدينة سوى مطبعة صغرية تدار‬

‫باليد‪ ،‬امسها مطبعة طيبة الفيحاء اليت أسسها أمحد الفيض أبادي وعبداحلق النقشبندي‪ .‬وظلت هذه املطبعة حىت عام‬

‫‪1355‬هـ‪1936 /‬م عندما أحضر علي وعثمان حافظ مطبعة املدينة املنورة من مصر اليت طبعت جملة املنهل عام‬

‫‪1355‬هـ وجريدة املدينة املنورة مطابع عام ‪1356‬هـ‪1937 /‬م‪.‬‬

‫ويف الدمام من املنطقة الشرقية تأسست شركة (اخلط للطبع والرتمجة والتأليف) بداية عام ‪1373‬هـ‪ ،‬وكان‬

‫يشرف على مطابعها عبداهلل بن عبدالرمحن امللحوق وجمموعة من املسامهني‪.‬‬

‫وقد انضم هلم عبدالكرمي اجلهيمان يف العام نفسه‪ ،‬مث طلبوا من ويل العهد األمري سعود بن عبدالعزيز إصدار‬

‫جري دة باس م الظه ران ال يت ص در ع ددها األول يف مطل ع ش هر مجادى األوىل ‪1374‬هـ‪ .‬ويف الع ام ذات ه أحض ر‬

‫الش اعر خال د الف رج مط ابع مساها (املط ابع الس عودية) بال دمام‪ ،‬لكن ه ت ويف قب ل أن تب دأ العم ل؛ فطبعت املط ابع‬

‫السعودية جريدة (الفجر اجلديد) يف شهر رجب ‪1374‬هـ‪ ،‬وما لبثت أن توقفت‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ويف الرياض عاصمة اململكة أسس الشيخ محد اجلاسر (مطابع الرياض) يف شهر شعبان ‪1374‬هـ‪ ،‬وطبع هبا‬

‫العدد التاسع من السنة الثانية من جملة اليمامة الشهرية لشهر رمضان ‪1374‬هـ املوافق مايو ‪1955‬م بعد أن كانت‬

‫تطبع بالقاهرة‪ ،‬وقصة لقائه مع حمب الدين اخلطيب ونصيحته بتأسيس مطبعة بالرياض‪..‬‬

‫الفصل الثاني‪0‬‬

‫تاريخ الطباعة في العرب‪ 0‬وحوله‬

‫في العراق‬ ‫‪‬‬

‫اكتشفت يف العديد من املواقع األثرية يف سوريا والعراق جمموعة من األختام األسطوانية وغريها‬

‫قد مت استعمال األختام الطينية املنقوشة بتصميم بسيط منذ سنة ‪ 5000‬ق م‪ .‬وكانت تطبع على‬
‫‪30‬‬
‫األبواب املخصصة حليازة وحفظ السلع‪ .‬كما مت العثور عليها على األكياس والسالل اليت كانت تنقل‬

‫بنهري‪ ‬دجلة‪ ‬والفرات‪ ‬يف‪ ‬سوريا‪ ‬والعراق‪ .‬ويف عام ‪ 3500‬ق م‪.‬مت اخرتاع اخلتم األسطواين ويظهر‬

‫هذا احلجر األخضر والذي طوله ‪ 3.9‬سنتيمرتا والذي يعود تارخيه إىل ‪ 2300‬ق م كما‬

‫يف‪ ‬ماري‪ ‬عى الفرات األوسط‪ .‬وعليه اآلهلة من ذكور وإناث ومت التعرف عليهم من خالل خوذاهتم‬

‫ذوات القرون كاإلهلة عشتار وإله الشمس مشش وإله املاء إنكي يتبعه وزيره‪.‬‬

‫دخلت الطباعة متأخرة بسبب ظروف احلكم العثماين القاسية فيه آنذاك حيث أنشئت أول‬

‫مطبعة حجرية يف‪ ‬الكاظمية‪ ‬عام ‪ 1821‬م ولكن الطباعة ظهرت بشكل حقيقي عام ‪ 1856‬م عندما‬

‫أسس الرهبان الدومينيكان مطبعة هلم يف‪ ‬املوصل‪ ‬وأنشأوا فيها قسما خاصا بالتجليد والتذهيب ويف‬

‫عام ‪ 1869‬أنشأالوايل العثماين مدحت باشا مطبعة الوالية لطبع جريدة البالد الرمسية باللغتني العربية‬

‫والرتكية وهي مطبعة جتارية إال أهنا أمهلت فيما بعد لفرتة من الزمن ومل تطبع سوى الصحيفة‬

‫احلكومية‪.‬‬

‫‪ ‬في مصر‬

‫ظهرت أوىل طابعة يف مصر أثناء‪ ‬احلملة الفرنسية‪ ‬وهي طابعة أحضرها‪ ‬نابليون‪ ‬عام ‪1798‬‬

‫ميالدي واليت عرفت بطابعة الربوبوجاندا أي الدعاية ألن نابليون أراد من خالهلا استمالة املصريني إليه‬

‫‪31‬‬
‫عن طريق الدعاية وكانت هذه الطابعة تطبع منشورات ومراسيم احلملة وقد عرفت هذه الطابعة‬

‫بأمساء خمتلفة مثل الطابعة الشرقية أو الطابعة الشرقية الفرنسية وملا استقرت أصبحت تعرف باسم‬

‫الطابعة األهلية وقد خرجت هذه املطبعة من مصر مع خروج احلملة الفرنسية منها عام ‪1801‬و‬

‫بقيت مصر خالية من املطابع حوايل عشرين عاما حىت أنشأ‪ ‬حممد علي باشا‪ ‬عام ‪ 1821‬مطبعة‬

‫بوالق‪ ‬اليت نشر فيها جريدة احلكومة الرمسية الوقائع املصرية كما نشر فيها املنشورات واملراسيم‬

‫احلكومية والكتب املدرسية والعسكرية إىل جانب الكتب العربية القدمية أو الكتب اليت أمر برتمجتها‬

‫إىل اللغة العربية وقد بلغ عدد الكتب اليت طبعتها هذه املطبعة فيما بني عامي ‪ 1830 -1822‬م حنو‬

‫مخسني كتابا ارتفع يف هناية عام ‪ 1850‬إىل ثالمثئة كتاب يف خمتلف املوضوعات األدبية والتارخيية‬

‫والفنية ويف مصر أنشئت املطبعة األهلية القبطية عام ‪ 1860‬م وبعد ذلك بستة أعوام أنشأ عبد اهلل أبو‬

‫السعود مطبعة وادي النيل‪.‬‬

‫أما مصر فقد عرفت املطابع مع قدوم احلملة الفرنسية ‪ 1798‬م‪ ،‬وأسس حممد علي أول مطبعة‬

‫هي مطبعة بوالق عام ‪ 1819‬م وكان أول ما طبعته قاموس عريب إيطايل وطبعت فيما بعد جريدة‬

‫الوقائع املصرية وعرفت أول مطبعة حجرية يف العراق سنة ‪ 1830‬م وبفلسطني العام نفسه‪ ،‬ويف‬

‫اليمن ‪ 1877‬م وباقي األقطار العربية واإلسالمية فيما بعد‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ ‬في‪ ‬اليمن‬

‫ظه رت أوىل املط ابع يف اليمن ع ام ‪ 1877‬ميالدي عن دماوردها الس لطان عبد احلميد الث اين يف‬

‫مارس ‪1877‬م‪ .‬وأمر باصدار صحيفة صنعاء كصحيفة رمسية لوالية اليمن وصدرت صحيفة اسبوعية‬

‫سنة ‪ 1297‬هـ املوافق ‪ 1878‬تصدر كل ثالثاء وكانت أول صحيفة رمسية يف شبه اجلزيرة العربية‬

‫هبدف خدمة املص احل احلكومي ة‪ ،‬ظه رت يف ب ادئ االمر يف ‪ 4‬ص فحات مث يف ‪ 8‬ص فحات‪ ،‬كما‬

‫اهتمت‪ ‬باألخبار‪ ‬العاملية وسياسة اإلمرباطورية وأهم االكتشافات العلمية‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫الطباعة في الدول اإلسالمي‪0‬‬

‫‪33‬‬
‫بواكري املطابع االسالمية يف البالد العثمانية‬

‫االستانة‬ ‫‪‬‬

‫يتفق الباحثون على ان اخرتاع املطبعة يعود لالملاين يوحنا غوتنربغ عندما بدأ العمل باخرتاعه سنة ‪1436‬م‬

‫وجعله موضع التنفيذ سنة ‪1450‬م‪ ،‬وبعد هذا التاريخ بأقل من اربعني عاما دخلت الطباعة اىل الدولة العثمانية‪،‬‬

‫فقد احضر احد اليهود اىل االستانة مطبعة وحروفا عربية لينشر هبا كتب ديانته‪ ،‬وقد خشي السلطان بايزيد الثاين‬

‫من ذلك فاصدر عام ‪ 1485‬امرا حيرم على غري اليهود استخدام هذا االخرتاع‪ ،‬ويف سنة ‪1515‬م جدد السلطان‬

‫سليم االول امر والده‪.‬‬

‫ويذكر‪ ‬جرجي زيدان(‪ )5‬ان هذه املطبعة نشرت باللغة العربية بعض الكتب العربية‪ ،‬مثل التوراة العربية‬

‫ترمجة‪ ‬سعيد الفيومي‪ ‬سنة‪1551 ‬م‪ .‬أما املطبعة باحلروف العربية فمؤرخو الدولة العثمانية ومنهم‪ ‬تاريخ‬

‫جودت‪  ‬يذكر ان الدولة عرفت الطباعة العربية بسعي ابن السفري الرتكي يف باريس‪ ،‬ويدعى سعيد افندي ابن حممد‬

‫افندي املشهور (بيكرمي سكز جليب) وقد أصبح سعيد فيما بعد‪ ‬صدر أعظم‪ ‬وكان قد شاهد املطبعة يف باريس‬

‫وعرف منافعها‪ ،‬وعندما عاد اىل االستانة اتصل برجال الفكر واالدباء وفاحتهم يف امر انشاء مطبعة‪ ،‬وكان يف‬

‫عاصمة الدولة وقتئذ رجل جمري االصل اعتنق االسالم ومسى نفسه ابراهيم افندي اجملري‪ ،‬كان معروفا بالذكاء‬

‫واالملعية وملعرفته الواسعة بالعلوم العلمية والرياضية‪ ،‬وقد حصل على ثقة كبار رجال الدولة ككاتب قدير‪،‬‬

‫فانعمت عليه براتب جزيل يسمى (متفرقة دركاه عايل) فسمي ابراهيم هذا ابراهيم متفرقة نسبة إىل تلك املكافأة‪،‬‬

‫وقد عرض سعيد افندي امر املطبعة على ابراهيم متفرقة(‪ )6‬هذا فرحب بالفكرة وقرر مساعدة من يشرع بتنفيذها‬

‫‪34‬‬
‫مما كان من سعيد افندي اال ان كتب تقريرا بذلك اىل صهر السلطان ابراهيم باشا ورجاه ان يسعى يف احلصول‬

‫على االذن بطبع كتب احلكمة واللغة والتاريخ والطب واهليئة على ان يتعهد بعدم طبع كتب الفقه والتفسري‬

‫واحلديث وعلم الكالم وحنو ذلك‪.‬‬

‫وأفىت شيخ االسالم عبداهلل سنة ‪ 1716 - 1129‬م جبواز استخدام املطبعة يف العلوم املذكورة‪ ،‬ومل‬

‫تؤسس املطبعة اال بعد صدور الفرمان السلطاين بالرتخيص اىل سعيد افندي وابراهيم متفرقة بانشاء مطبعة‪،‬‬

‫وذكرت املصادر ان متفرقة هو الذي سبك احلروف العربية‪.‬‬

‫نص فتوة اجازة طبع الكتب‬ ‫‪‬‬

‫ما قولكم دام فضلكم يف ما يقوله زيد ويدعيه عمرو من انه يقدر على نقش صور كلمات وحروف‬

‫املؤلفات يف العلوم االلية‪ :‬القواميس واملنطق واحلكمة والفلك ومجعها يف قالب وطبعها على الورق‪ ،‬واستحصال‬

‫نسخ كثرية من هذه الكتب‪ ،‬فهل جيوز له ذلك شرعا‪ ،‬افتونا مأجورين) وقد افىت له جبواز ذلك شيخ االسالم يف‬

‫ذلك الزمان واليك صورة الفتوى‪( :‬ان زيداً الذي برع يف صناعة الطبع اذا نقش صحيحا على الورق فإنه حيصل‬

‫على نسخ كثرية من غري عناء وتعب وهذا مما يستوجب رخص امثان الكتب واملؤلفات ومن مث تتداوهلا االيادي‬

‫وبذلك تعم الفائدة وتشمل كل طبقات الناس وعليه جيوز شرعا الطبع على الوجه املذكور ويستحسن تأليف جلنة‬

‫لتصحيح الكتب املراد نقشها واهلل اعلم)‪.‬‬

‫وقد توىف ابراهيم متفرقة سنة ‪ 1158‬هـ ‪ 1744 -‬م فخلفه ابراهيم افندي القاضي اىل ان تويف هذا ايضا فتعطلت‬

‫املطبعة عشرين عاما المهال احلكومة المرها واعيد فتحها سنة ‪ 1198‬هـ ‪1783 -‬م‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫هذا ومل يبد سالطني ال عثمان االهتمام بالطباعة بسبب اخلوف من ان تتشوه او تتحرف الكتب الدينية‬

‫حىت ان السلطان سليم خان االول ملا جلس على سرير امللك ايد منشور أبيه بايزيد الثاين املنشور سنة ‪1485‬م‬

‫والذي حيظر على رعايا الدولة العثمانية استخدام املطبوعات بأمر عال أصدره سنة ‪1515‬م ولكن ذلك مل يكن‬

‫ليحول دون انتشار الطباعة يف البالد العثمانية اال مؤقتاً‪.‬‬

‫وتعترب هذه املطبعة اول مطبعة اسالمية نشرت كتبا عربية يف االستانة‪ ،‬واصدرت عام ‪ 1728‬تاريخ احلاج خليفة (‬

‫‪ 1067 -1004‬هـ) بعنوان (حتفة الكبار يف أسفار البحار) وهو باكورة مطبوعاهتا العربية‪ ،‬اما اشهر املطابع‬

‫العربية يف تلك العاصمة‪ ‬فمطبعة اجلوائب‪ ‬اليت اسسها عام ‪ 1861‬أمحد فارس الشدياق‪ ‬اللبناين ونشر فيها تصانيف‬

‫عربية جليلة كاجلاسوس على القاموس وديوان البحرتي وديوان الطغرائي ورسائل اخلوارزمي واهلمذاين ومنتخبات‬

‫اجلوائب‪ ...‬اخل‪.‬‬

‫باقي البالد العثمانية‬

‫واقدم مطبعة اسالمية عربية يف البلد املصري هي‪ ‬مطبعة بوالق‪ ‬الذائعة الصيت انشأها عام ‪ 1822‬حممد علي باشا‬

‫رأس العرتة املالكة‪ ،‬وقد استغنينا عن تعداد مطبوعاهتا الوافرة الهنا اشهر من نار على علم‪ ،‬واقدم مطبعة اسالمية‬

‫عربية يف بالد املغرب اسسها عام ‪ 1860‬حممد الصادق باشا باي تونس (‪ )1882 - 1860‬وتعد باكورة‬

‫منشوراهتا جريدة (الرائد التونسي) اليت برزت للوجود بتاريخ ‪ 20‬متوز ‪ 1277( 1860‬هـ )‪ .‬وقد كلف الباي‬

‫املشار اليه مستعربا فرنسيا يقال له منصور كرليت الخراج مشروع املطبعة واجلريدة اىل الوجود‪.‬‬

‫وأقدم املطابع االسالمية يف بريوت (مطبعة مجعية الفنون) اليت انشأها سنة ‪ 1292‬للهجرة (‪1874‬م) الشيخ‬

‫عبدالقادر قباين‪ ،‬ونشر فيها جريدته (مثرات الفنون) وهي باكورة مجيع الصحف االسالمية يف هذه احلاضرة‪ ،‬واول‬

‫‪36‬‬
‫ما طبع فيها كتاب (كشف االرب عن سر االدب) نظم الشيخ ابراهيم االحدب‪ ،‬وكتاب (اطواق الذهب يف‬

‫املواعظ واخلطب) للزخمشري الذي شرحه‪ ‬يوسف األسري‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الباب الثالث‪ :‬الطباعة يف الغرب‬
‫الفصل األول‪ :‬البدايات األوىل للطباعة يف املغرب‬

‫الفصل الثاين ‪:‬تاريخ الطباعة يف الغرب وانتشارها‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬آلة الطباعة‬

‫الفصل األول‬

‫‪38‬‬
‫البدايات األولى للطباعة في المغرب‬
‫قراءة في كتاب "مملكة الكتاب‪ :‬تاريخ الطباعة في المغرب"‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫أول ارتس ام يتش كل ل دى الق ارئ وه و ينتهي من ق راءة "مملك ة الكت اب‪ :‬ت اريخ الطباع ة يف املغ رب" من‬

‫ت أليف ف وزي عب د ال رزاق املقيم جبامع ة هارف ارد ومن ترمجة خال د بن الص غري‪ ،‬ه و أن ه ذا الكت اب‪ ،‬الغ ين بش ىت‬

‫املعطي ات ح ول ص ناعة الكت اب ب املغرب واملتض من لتفاص يل من النظ ام الثق ايف الس ائد خالل الف رتة املدروس ة (‬

‫‪ )1912-1865‬يصعب اختزاله يف صفحة أو صفحتني‪ .‬كل ما ميكن القيام به هو جتوال عرب فصوله التسعة‪.‬‬

‫وقبل كل شيء‪ ،‬فالكتاب ال خيلو من فائدة‪ ،‬ويفتح آفاقا أمام املشتغلني يف جمايل علم االجتماع الثقايف والتاريخ‬

‫الثقايف‪.‬‬

‫مما ال ش ك في ه أن تط ور ش عب من الش عوب يق اس‪ ،‬من ض من م ا يق اس ب ه‪ ،‬مبدى إح رازه على تق دم‬

‫تقنولوجي يف عدة ميادين‪ .‬ولعل صناعة الكتاب وما يرتبط هبا من إنتاج فكري وأديب وتسويق وأرباح مؤشر دال‬

‫على مناء بلد أو ختلفه عن املسار احلضاري الكوين‪ .‬ففي الوقت الذي كانت فيه أوربا قد قطعت أشواطا يف ميدان‬

‫الطباعة والنشر منذ اخرتاع غوتنربغ يف أربعينات القرن اخلامس عشر‪ ،‬وأضحى تداول املطبوعات داخل أوسع‬

‫فئ ات اجملتم ع األوروبي ة ش يئا مألوفا(*)‪ ،‬نالح ظ أن املغ رب مل يع رف آل ة الطباع ة إال يف غض ون س نة ‪،1864‬‬

‫وبالضبط حني أقدم فقيه سوسي‪ ،‬وهو حممد بن الطيب الروداين على جلب آلة للطباعة مرفوقا خببري مصري عرف‬

‫باسم القباين‪.‬‬

‫قد يكون هذا التأخر يف اقتناء آالت للطباعة وتشغيلها مرتبطا مبوقف علماء املغرب املالكي املذهب من‬

‫املستجدات التقنية الغربية كما أنه قد يفسر بغياب احلاجة امللحة إىل اخلدمات اليت تقدمها تقنولوجية الطباعة‪ ،‬هذا‬

‫‪39‬‬
‫م ع العلم أن الدعوة إىل تبين ه ذه األخ رية وردت‪ ،‬وإن بشكل حمتش م‪ ،‬عند بعض رجاالت املخزن وخاص ة عن د‬

‫الوزير إدريس العمراين يف عهد السلطان سيدي حممد بن عبد الرمحان ويف رحلة الصفار‪.‬‬

‫ومن الثابت أنه قبل سنة ‪ 1964‬كانت النساخة كنمط إلنتاج الكتاب‪ ،‬مهنة حمتكرة من طرف أفراد‬

‫ينتمون إىل املخزن والزوايا وبعض األسر العريقة‪ ،‬وكانت تشكل وسيلة لالرتقاء يف السلم االجتماعي واالستئثار‬

‫بالوظائف املخزنية‪ .‬وبعض املخطوطات واملنسوخات اليت توافرت قبل إدخال آلة الطباعة تبني أن جممل املواضيع‬

‫اليت مت تداوهلا آنذاك مهت احلديث والفقه والتصوف وأصنافا من علوم الشريعة كما أن النظام التعليمي القائم مل‬

‫يكن ليختل ف‪ ،‬ول و بش كل ض ئيل‪ ،‬عن منط التم درس ال ذي س اد يف العص ر الوس يط املغ ريب‪ .‬ويب دو أن "خمتص ر"‬

‫الشيخ خليل وما رافقه من حواشي وشروحات ومنظومات شعرية ونصوص صوفية وأوراد شكل العمود الفقري‬

‫يف ثقافة العلماء والطلبة وبعض احلرفيني والتجار‪.‬‬

‫يتجلى‪ ،‬إذن‪ ،‬أن املغ رب مل ي درك‪ ،‬ب اكرا‪ ،‬ك ل املن افع املمكن استخالص ها من تب ين تقنولوجي ة الطباع ة‪.‬‬

‫وعلى عكس ذل ك‪ ،‬ك انت اإلمرباطوري ة العثماني ة س باقة‪ ،‬داخ ل الع امل اإلس المي‪ ،‬إىل تب ين الطباع ة بع د أن مت‬

‫احلص ول على فت اوي العلم اء بإج ازة إدخاهلا إىل أرض ها‪ .‬ولق د ك ان لألفك ار اإلص الحية حلاجي خليف ة املش هور‬

‫باسم كتاب جليب دور يف االلتفات إىل أمهية الطباعة‪ .‬وازدادت الرغبة يف جلب هذه األخرية من بالد الغرب يف‬

‫العشرينات من القرن الثامن عشر يف أعقاب السفارة اليت أرسلها إبراهيم باشا‪ ،‬الصدر األعظم‪ ،‬إىل لويس اخلامس‬

‫عشر‪ .‬لكن الطباعة مل حتظ بالقبول التام إال مع حلول القرن التاسع عشر‪ .‬ويعترب العامل العثماين املستعرب حممد‬

‫حقي من األوائ ل ال ذين أب رزوا فض ائل الطباع ة ومزاياه ا‪ .‬ومن قبله‪ ،‬اس تطاع إب راهيم متفرق ة‪ ،‬وك ان ي دين س ابقا‬

‫بدين املسيحية‪ ،‬أن يقنع العلماء والسلطان العثماين بأمهية التقنولوجية للطباعة‪ ،‬وألف يف هذا الشأن رسالة مشهورة‬

‫حتت عنوان "وسيلة الطباعة"‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫فيم ا يتص ل ب املغرب‪ ،‬رمبا تع ود بداي ة الطباع ة إىل الس نوات األوىل من الق رن الس ادس عش ر حينم ا أق دم‬

‫يهودي مغريب‪ ،‬وهو صمويل إسحاق‪ ،‬مع والده‪ ،‬على إنشاء دار عربية للطباعة بفاس‪ .‬لكن ما هو مؤكد‪ ،‬كما‬

‫سبق ذكر ذلك‪ ،‬هو أن الفقيه السوسي حممد بن الطيب الروداين‪ ،‬أول من استجلب آلة الطباعة‪ .‬إال أن املخزن‬

‫سيصادر هذه اآللة ويوجهها إىل مكناس قبل أن يستقر هبا املطاف بفاس‪ .‬وهبذه املدينة‪ ،‬سيشرف اخلبري املصري ‪-‬‬

‫القب اين‪ -‬على ت دريب مغارب ة ومترينهم على تقني ات الطباع ة‪ .‬واش تهر من ه ؤالء املت دربني الطيب األزرق وحمم د‬

‫اهلف روكي املراكش ي‪ .‬ولق د تس ىن للبعض منهم إتق ان ه ذا الفن‪ .‬وب رز من ض منهم عب د الق ادر الشفش اوين ال ذي‬

‫أرسله السلطان سيدي حممد بن عبد الرمحان ملصر ملعاينة مؤسسة الطباعة التابعة للحكومة املصرية‪.‬‬

‫فيم ا بني س نة ‪ 1865‬وس نة ‪ 1871‬أمكن للمغ رب إص دار س تة عن اوين مبع دل ‪ 300‬نس خة من ك ل‬

‫عن وان‪ .‬ويب دو أن املخ زن تنب ه ب اكرا إىل أمهي ة ه ذه اآلل ة اجمللوب ة‪ ،‬فلم يت وان عن االعتن اء بتنظيم تس يريها وض بط‬

‫منتوجاهتا‪ .‬وق د وظ ف املخ زن اإلمكاني ات ال يت تتيحه ا الطباع ة يف جمال الدعاي ة‪ .‬فالس لطان م والي احلس ن‪ ،‬على‬

‫س بيل املث ال‪ ،‬أم ر بطب ع كت اب "إحتاف الس ادة املتقني" وتوزي ع نس خ من ه باجملان على علم اء املس لمني يف ك ل من‬

‫الق اهرة ومك ة واملدين ة وإس تنبول‪ .‬وهبدف تق نني وتنظيم الطباع ة‪ ،‬أص در م والي عب د العزي ز ظه ريا لس نة ‪1897‬‬

‫تضمن‪ ،‬باألساس‪ ،‬تفعيل الرقابة على املطبوعات احلجرية‪ .‬ومن جانبه أوىل السلطان موالي عبد احلفيظ عناية فائقة‬

‫لتقنولوجية الطباعة متاشيا مع طموحاته اإلصالحية‪" ،‬ويبدو‪ ،‬يالحظ فوزي عبد الرزاق‪ ،‬أنه حقق مشروعني يف‬

‫مي دان الطباع ة احلجري ة يف زنق ة ج زاء برقوق ة (…) باإلض افة إىل دار للطباع ة التيبوغرافي ة ك ان مقره ا القص ر‬

‫السلطاين"‪.‬‬

‫وإن ك ان املخ زن مل ي رتدد يف تش جيع حرك ة الطباع ة ب املغرب‪ ،‬م ع مراقبته ا طبع ا‪ ،‬والس عى إىل توظي ف‬

‫مزاياها‪ ،‬فالعلماء أنفسهم ‪-‬باستثناء واحد منهم وهو حممد السباعي الذي حذر‪ ،‬يف رسالة مشهورة‪ ،‬من الكتب‬

‫‪41‬‬
‫املطبوعة‪ -‬اخنرطوا يف سريورة إنتاج الكتاب فخالل الفرتة املمتدة ما بني ‪ 1865‬و ‪ ،1912‬ساهم هؤالء العلماء‬

‫يف تنش يط إنت اج الكت اب بالت أليف والتص حيح والنش ر‪ .‬وك ان من أك ثر املؤلفني ش هرة وقتئ ذ علم اء أمث ال أمحد‬

‫البلغيثي‪ ،‬وأمحد السكريج‪ ،‬وعبد اهلل بن خضرا وأمحد أكنسوس وأمحد الناصري وكنون وماء العينني‪ .‬وتعترب حياة‬

‫هذا األخري ونشاطاهتا املتعددة منوذجا داال على التحوالت اليت طرأت على عالقة العلماء بالطباعة‪ ،‬ذلك أن جزءا‬

‫هام ا من الكتب ال يت طبعت يف املغ رب م ا بني س نة ‪ 1891‬وس نة ‪ 1900‬ك انت من مؤلفات ه‪ .‬ويب دو أن لل وزير‬

‫أمحد بن موسى دورا كبريا يف ذلك‪.‬‬

‫ومن األمهي ة مبك ان اإلق رار أن إدخ ال آل ة الطباع ة والتواف ق ح ول مزاياه ا ش جع العلم اء على اخلوض يف‬

‫قضايا كانت غري حاضرة بقوة يف انشغاالهتم من قبل‪ .‬فأمام التحوالت السياسية والدولية اليت أخذت هتدد الكيان‬

‫التقليدي للمغرب‪ ،‬برزت أدبيات سياسة تدعو املغاربة إىل مواجهة الزحف األورويب‪ .‬ويعد كتاب حممد جعفر‬

‫الكتاين "نصيحة أهل اإلسالم" من أهم هذه األدبيات اليت حثت رجاالت املخزن على استعادة هيبة املغرب وجماهبة‬

‫التهديدات اخلارجية‪.‬‬

‫ومثلت أدبي ات اإلص الح وال س يما يف العش رية األوىل من الق رن العش رين منحى جدي دا يف املنظوم ة‬

‫الفكري ة‪-‬الثقافي ة عن د بعض العلم اء املتن ورين‪ .‬ويف ه ذا الس ياق ن درك إرهاص ات القطيع ة م ع النم ط التقلي دي يف‬

‫تدبري أحوال املغاربة‪ .‬ولنا يف منوذج أمحد بن حممد السالوي الصبيحي أحسن دليل على ذلك‪ .‬فبإصداره رسالته‬

‫املوجهة إىل أهل املغرب األقصى واملعنونة بـ"أصول أسباب الرقي احلقيقي"‪ ،‬سعى الصبيحي إىل إبراز اخلطوط العامة‬

‫إلصالح قوامه حتديث النظام التعليمي واقتباس النظريات واألساليب اجلديدة من الفضاء احلضاري األورويب‪.‬‬

‫إن اعتناء املخزن ورجاالته بآلة الطباعة‪ ،‬وعيا منه بكل ما قد تقدمه من منافع‪ ،‬وإقدام العلماء على نشر‬

‫منتوجاهتم الفكرية أثّرا بشكل من األشكال‪ ،‬يف قيام سوق للكتاب لتلبية حاجيات الطلبة وبعض التجار الكبار‬

‫‪42‬‬
‫وزعماء الزوايا وبعض األسر الشريفة‪ .‬ولعل أبرز حتول عرفته صناعة الكتاب‪ ،‬هو تعاطي بعض األفراد هلذه املهنة‬

‫ملا تذره من أرباح‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يذكر فوزي عبد الرزاق أنه كان يف املغرب‪ ،‬خالل العقود املمتدة ما بني‬

‫ستينات القرن التاسع عشر وعشرينات القرن العشرين‪ ،‬حوايل تسعة طابع ما بني مغاربة وأجانب وكذا حوايل‬

‫عشرين فردا اهتموا مبيدان النشر‪.‬‬

‫ويعترب الطيب األزرق من رواد الطباعة باملغرب بعد رحيل اخلبري املصري سنة ‪ ،1871‬وأمكن له ولوج‬

‫مغ امرة الطباع ة بع د أن وج د يف ت اجر فاس ي ‪-‬احلس ني ال دباغ‪ -‬ش ريكا مالي ا‪ .‬ولع ل م ا ش جع الطيب األزرق يف‬

‫مهنته هو حصوله على جتديد السلطان احلسن األول لظهري التوقري واالحرتام لفائدته‪ .‬ومما امتاز به هذا الطابع عن‬

‫معاصريه إدخاله لتقنيات جديدة لصناعة الكتاب وسعيه إىل ختفيض تكاليف اإلنتاج هبدف توسيع رقعة القراءة‪.‬‬

‫واستطاع هذا الطابع إصدار سبعة وعشرين عمال‪ .‬وألول مرة يف تاريخ املغرب‪ ،‬أق دم الطيب األزرق على طبع‬

‫القرآن يف سنة ‪ ،1879‬دون أن يثري ذلك حفيظة األوساط الدينية داخل البالد‪ .‬ولقد متكن أخوه‪ ،‬وهو العريب‬

‫األزرق‪ ،‬من أن جيعل من نفسه أكرب طابع على اإلطالق يف تلك الفرتة‪ ،‬حيث أصدر أزيد من مائة عنوان أو أكثر‬

‫من بني سنة ‪ 1876‬و ‪.1914‬‬

‫ومن األجانب الذين سامهوا بقسط وافر يف عملية الطبع والنشر‪ ،‬سورى يدعى أمحد ميين الذي ما زال‬

‫الغموض يلف شخصه‪ .‬ومن االحتماالت اليت يوردها فوزي عبد الرزاق يف شأنه‪ ،‬هو أن يكون أمحد ميين مبعوثا‬

‫من العثم انيني إىل ف اس قص د الدعاي ة للجامع ة العربي ة والت أثري على التوجه ات السياس ية للبالد‪ ،‬مس تعينا يف ذل ك‬

‫بالعناصر املغربية املتعاطفة مع اإلمرباطوري ة العثمانية‪ ،‬ومن بينها أفراد األسرة الكتانية الذين أثروا الثقافة املغربية‬

‫بالكتابة والتنظري أمثال حممد وعبد احلي وابن عمومتهم حممد بن جعفر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫وقب ل االنته اء من ه ذا الع رض ال ذي ت وخى تق دمي نت ف وش ذرات مما يزخ ر ب ه مؤل ف‪ ،‬ه و يف األص ل‬

‫موضوع األطروحة اليت أجنزها فوزي عبد الرزاق جبامعة هارفارد‪ ،‬يكون من املناسب التأكيد‪ ،‬حسب ما سجله‬

‫كمالحظ ة خال د بن الص غري يف مقدمت ه‪ ،‬أن ه حلد اآلن ال توج د ب املغرب مؤسس ة تض م " ض من حمتوي ات مكتباهتا‬

‫اجملموعة الكاملة للمطبوعات احلجرية املغربية اليت نشرت ما بني ‪ 1865‬و ‪ ،1912‬باملطبعة الفاسية (…) هذا‬

‫مع العلم أن أكرب جمموعة هلذه املطبوعات ليست موجودة يف فاس (…) وال يف أي من املدن املغربية العتيقة‪ ،‬بل‬

‫هي موجودة اليوم خبزانة جامعة هارفارد األمريكية"‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تاريخ الطباعة في الغرب وانتشارها‪0‬‬

‫في أوروبا‪:‬‬

‫يوحنا جوتنربج ( ‪1468 -1397‬م ) اسم ملع يف مدينة ((ماينـز )) بأملانيا‪ ،‬وإرتبط بإخرتاع فن املطابع‪،‬‬

‫وذل ك ع ام ‪1436‬م ‪ ،‬وك ان ه ذا اإلكتش اف إي ذانًا بعص ر جدي د يف إنتش ار العلم والتق اء احلض ارات‪ ،‬وتب ادل‬

‫الثقافات ‪ ،‬وظهر أول كتاب مطبوع يف أوروبا ‪-‬على األرجح‪ -‬ما بني ( ‪1450 - 1440‬م ) وذلك باحلروف‬

‫سريعا يف البالد‬
‫إنتشارا ً‬
‫ً‬ ‫الالتينية املتحركة ‪ ،‬ورغم السرية اليت أحاط هبا جوتنربج إخرتاعه إال أن الطباعة إنتشرت‬

‫األوروبية األخرى؛ حيث ظهرت الطباعة يف روما سنة ‪1465‬م ‪ ،‬ويف البندقية سنة ‪1469‬م ‪ ،‬ويف باريس سنة‬

‫‪1470‬م ‪ ،‬ويف برشلونة سنة ‪1471‬م ‪ ،‬ويف إجنلرتا سنة ‪1474‬م ‪ ،‬ويف عام ‪1486‬م عُ رفت الطباعة باحلروف‬

‫العربية‪ ،‬وطُبع يف عام ‪1505‬م يف مدينة غرناطة كتابان بالعربية مها ‪ :‬وسائل تعلُّم قراءة اللغة العربية ومعرفتها‪،‬‬

‫ومعجم عريب حبروف قشتالية‪ ،‬بتوجيه من امللك فردينان وزوجته إيزابيال ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫وبدخول أوروبا عصر النهضة إزدادت الرغبة يف التعلم ‪ ،‬أتبعها إزدياد احلاجة إىل أسلوب جديد يف الطباعة‬

‫أكثر سهولة وفعالية‪ ،‬فتوالت اإلخرتاعات يف جمال الطباعة واحداً تلو اآلخر‪ .‬ففي عام ‪ ،1800‬متكن نبيل إجنليزي‬

‫من إخ رتاع آل ة طباع ة كامل ة من احلدي د‪ ،‬ويف ع ام ‪ ،1811‬ق ام األملاين فري دريك ك ويننج (‪Friedrich‬‬

‫‪ ) Koening‬بإخرتاع آلة طباعة أسطوانية تعمل بالبخار‪ ،‬األمر الذي زاد من كفاءة الطباعة وسرعتها‪.‬‬

‫ومل تقف اإلخرتاعات األوروبية عند هذا احلد‪ ،‬ففي عام ‪ ،1826‬قام عامل الطبيعة الفرنسي جوزيف نيبس‬

‫(‪ ) Joseph Niepce‬بإخرتاع أول آلة تصوير ضوئي يف العامل‪ ،‬األمر الذي فتح اجملال واسعاً أمام العديد من‬

‫اإلخرتاعات األخرى يف جمال الطباعة‪ ،‬مثل طباعة القوالب‬

‫األكالش يها (‪ ) Photoengraving‬ال يت إخرتعه ا ف وكس ت البوت (‪ ) Fox Talbot‬ع ام ‪،1852‬‬

‫وطباع ة الص فائح الض وئية (‪ ) Photolithography‬ال يت إخرتعه ا ألف ونس بواف ا (‪Alphonse‬‬

‫‪ )Poitevin‬عام ‪ .1855‬وقد أدت هذه اإلخرتاعات إىل ظهور طباعة األوفست يف أوروبا بنهاية القرن التاسع‬

‫عشر‪.‬‬

‫‪ o‬في أمريكا‬

‫أم ا أمريك ا‪ ،‬فق د دخلت مض مار الطباع ة مت أخرة بعض الش يء ‪ ،‬ففي ع ام ‪ ،1846‬إخ رتع األم ريكي‬

‫ريتشارد هيو (‪ ) Richard Hoe‬آلة الطباعة الدوارة اليت مت فيها توصيل حروف الطباعة بأسطوانة دوارة‪ ،‬مث‬

‫ُأستخدمت أسطوانة أخرى لتثبيت الطباعة‪ .‬ووصلت سرعة تلك اآللة إىل ‪ 8000‬صفحة يف الساعة‪ ،‬مث إخرتع‬

‫وليام بلوك (‪ ) William Bullock‬عام ‪1863‬م آلة لطباعة الصحف ذات تغذية ذاتية من الورق امللفوف‬

‫على بك رات‪ ،‬األم ر ال ذي زاد من كفاءهتا وس رعتها‪ .‬ويف ع ام ‪ ،1871‬ط ور ريتش ارد م ارش ( ‪Richard‬‬

‫‪46‬‬
‫‪ )Marsh‬ه ذه اآلل ة لتنتج ‪ 18‬أل ف ص فحة يف الس اعة ‪ ،‬يف ع ام ‪ ،1884‬ق ام أومتر مارجنث االر ( ‪Ottmar‬‬

‫‪ ) Mergenthalar‬بصناعة قطعة معدنية حتتوى على قوالب معدنية متثل كل احلروف املستعملة منضدة جبوار‬

‫بعض ها بعض اً‪ ،‬وق د أطل ق عليه ا اس م "خ ط احلروف الطباعي ة" (‪ .) Linotype‬وق د اس تخدمت ه ذه اآلل ة يف‬

‫طباعة جريدة النيويورك تريبيون عام ‪.1886‬‬

‫وبع د ع دة س نوات اس تطاع تول ربت النس تون (‪ ) Tolbert Lanston‬إخ رتاع آل ة جلم ع احلروف املس تقلة‪،‬‬

‫تتألف من وحدتني رئيسيتني؛ مها‪ :‬وحدة لوحة املفاتيح‪ ،‬ووحدة صب احلروف‪.‬‬

‫مث قام األمريكيان ماكس ولويس ليفي (‪ ) Max & Louis Levy‬بإخرتاع شاشة التلوين النصفي (‬

‫‪ ،) Halftone Screen‬األمر الذي مهد الطريق أمام ازدهار طباعة الصور يف خمتلف املواد ‪ ،‬ومع بداية القرن‬

‫العش رين متكن األم ريكي آي را روب ل (‪ )Ira Ruble‬من إس تخدام طباع ة األوفس ت ال يت إنتش رت على نط اق‬

‫واسع‪.‬‬

‫مث قفز فن الطباعة قفزات واسعة ليساير النهضة العلمية‪ ،‬والتقدم التقين يف هناية القرن العشرين‪ .‬فمع إخرتاع‬

‫أجهزة احلاسوب أصبح صف احلروف وتنسيقها يتم بإستخدام تلك األجهزة‪ ،‬مث تعدى ذلك إىل إستخدام أشعة‬

‫الليزر يف تنسيق احلروف‪ ،‬والتقاط الصور‪ ،‬وفصل األلوان‪ ،‬وتنسيق الصفحات‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫آلة الطباعة‬

‫آل‪00 0 0‬ة الطباعة‪ ‬هي جه از يق وم بالض غط على س طح مطلي‪ ‬ب احلرب‪ ‬ح ىت يالمس خام ة ي راد الطباع ة عليه ا‬

‫(ورق‪ ‬أو‪ ‬قم اش)‪ ،‬لينق ل ه ذا احلرب هلا‪ .‬وتس تخدم آل ة الطباع ة ع ادة لطباع ة النص وص ويع د اخ رتاع وانتش ار آل ة‬

‫الطباع ة واح د من أك ثر األح داث املهم ة يف‪ ‬األلفي ة الثاني ة بع د امليالد‪ ،‬حيث تع ّد آل ة الطباع ة نقل ة ثوري ة يف‬

‫طريقة‪ ‬البشر‪ ‬يف إدراك ووصف‪ ‬العامل‪ ‬الذي يعيشون فيه‪ ،‬وبذلك قادهتم إىل مرحلة احلداثة‪.‬‬

‫اخ رتع‪ ‬غولدمسيث يوه ان غوتن ربغ‪ ‬املطبع ة يف‪ ‬أملانيا‪ ‬حنو ع ام ‪ ،1440‬ال يت أش علت ث ورة يف ع امل الطباع ة‪ .‬ك انت‬

‫الطباعة اخلشبية يف شرق آسيا منتشرة منذ عهد أسرة تانغ الصينية يف القرن الثامن‪ ،‬أما يف أوروبا فقد انتشرت‬

‫الطباعة اخلشبية املعتمدة على مكابس لولبية حبلول القرن الرابع عشر‪ .‬كان من أهم ابتكارات غوتنربغ‪ ،‬تطوير‬

‫مص فوفات الطباع ة املعدني ة املقولب ة ي دويًا‪ ،‬وبالت ايل إنت اج نظ ام آل ة طباع ة حبروف مطبعي ة متنقل ة‪ .‬جع ل تص ميمه‬

‫‪48‬‬
‫احلديث للقالب اليدوي من املمكن إتقان وتسريع صنع حروف مطبعية معدنية متنقلة بكميات كبرية‪ .‬على الرغم‬

‫من تطوير احلروف املطبعية املتنقلة يف شرق آسيا مسب ًقا‪ ،‬إال أنه مل يكن معروفًا حىت تلك اللحظة يف أوروبا‪ .‬أدى‬

‫االخرتاعان‪ ،‬القالب اليدوي واملطبعة‪ ،‬إىل خفض تكلفة طباعة الكتب واملستندات األخرى يف‪ ‬أوروبا‪ ‬بشكل كبري‪،‬‬

‫خاصة بالنسبة لنماذج الطباعة الصغرية‪.‬‬

‫انتشرت املطبعة بغضون عدة عقود إىل أكثر من مئيت مدينة يف عشرات الدول األوروبية‪ .‬وحبلول عام ‪،1500‬‬

‫ك انت املط ابع العامل ة يف مجي ع أحناء‪ ‬أوروب ا الغربية‪ ‬ق د أنتجت يف ذل ك احلني أك ثر من عش رين ملي ون جمل د‪ .‬م ع‬

‫انتش ار املط ابع يف أم اكن أبع د يف الق رن الس ادس عش ر‪ ،‬ارتف ع إنتاجه ا عش رة أض عاف ليبل غ تقريبً ا ‪200-150‬‬

‫ملي ون نس خة‪ .‬أص بحت عملي ة الطباع ة مرادف ة ملؤسس ة الطباع ة‪ ،‬وأض فت امسها على وس يلة جدي دة للتعب ري‬

‫والتواصل‪ ،‬أال وهي «الصحافة»‪.‬‬

‫يف‪ ‬عصر النهضة‪ ‬دخلت أوروبا بوصول الطباعة امليكانيكية باحلروف املطبعية املتنقلة‪ ،‬عصر االتصاالت اجلماهريية‪،‬‬

‫واليت غريت بنية اجملتمع إىل األبد‪ .‬جتاوز تداول املعلومات واألفكار (الثورية) غري املقيد نسبيًا احلدود‪ ،‬واستوىل‬

‫على أفك ار اجلم اهري فيم ا يتعل ق باإلص الح وه دد هيمن ة الس لطات السياس ية والديني ة‪ .‬أدت الزي ادة احلادة يف حمو‬

‫األمي ة إىل كس ر احتك ار النخب ة املتعلم ة على التعليم والتعلم وع ززت من حق وق الطبق ة املتوس طة الناش ئة‪ .‬أدى‬

‫ال وعي الذايت الثق ايف املتزاي د لش عوب مجيع ال دول األوروبية إىل ظه ور القومي ة األوىل‪ ،‬وال يت تسارعت م ع تطور‬

‫اللغات العامية األوروبية‪ ،‬على حساب مكانة‪ ‬اللغة الالتينية‪ ‬اليت كانت لغة التواصل مشرتكة‪ .‬مسح استبدال مطبعة‬

‫غوتنربغ اليت تدار يدويًا يف القرن التاسع عشر‪ ،‬بواسطة مكابس دوارة تعمل بالبخار‪ ،‬بالطباعة على نطاق صناعي‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫المهنة والطريقة‬

‫املطبعة يف شكلها الكالسيكي آلة ثابتة‪ ،‬ويرتاوح طوهلا بني ‪ 5‬إىل ‪ 7‬أقدام (‪ 1.5‬إىل ‪ 2.1‬مرت)‪ ،‬وعرضها ‪ 3‬أقدام‬

‫(‪ 0.91‬م)‪ ،‬وطوهلا ‪ 7‬أق دام (‪ 2.1‬م)‪ .‬توض ع احلروف املعدني ة الفردي ة الص غرية املعروف ة حبروف الطباع ة لكتاب ة‬

‫النص املطلوب من قبل الكاتب (منضد حروف املطبعة)‪ .‬تُرتب العديد من األسطر يف النص مرة واحدة وتوضع يف‬

‫إطار خشيب يُعرف باسم لوح الطباعة‪ .‬مبجرد كتابة العدد الصحيح للصفحات‪ ،‬توضع لوحات الطباعة يف إطار‬

‫أيض ا باسم قالب الطباعة‪ .‬واليت هي نفسها موضوعة على حجر مسطح أو «سرير» أو «تابوت»‪ .‬يُطبع‬
‫يُعرف ً‬
‫النص باستخدام كرتني‪ ،‬مثبتتني على مقابض اآللة‪ .‬كانت الكرات مصنوعة من جلد الكالب لعدم احتوائها على‬

‫مس ام‪ ،‬وحمش وة بص وف األغن ام املش بعة ب احلرب‪ .‬مث يس ال ه ذا احلرب على النص بالتس اوي‪ .‬تؤخ ذ بع د ذل ك قطع ة‬

‫رطبة من الورق من كومة من الورق لتوضع على الرفادة‪ .‬تكون الورقة رطبة‪ ،‬ألن ذلك يتيح للحروف املطبعية بـ‬

‫«اإلطب اق» على الورق ة بش كل أفض ل‪ .‬متس ك مش ابك ص غرية ال ورق يف مكان ه‪ .‬يُكبس ال ورق بني قن اع الوقاي ة‬

‫والرفادة (إطاران يغطيان الورق أو ورق الربمشان)‪.‬‬

‫التاريخ‬

‫وقد عرف اإلنسان فكرة الطباعة منذ فجر التاريخ‪ ،‬فلقد تأمل ما حتدثه قدماه أثناء مشيه على الصلصال الطري‬

‫من صورة مطابقة للقدم‪.‬‬

‫ويُعتق د أن الص ينيني هم أول من ع رف الطباع ة بش كلها احلديث؛ حيث اس تخدموا ق والب اخلش ب احملف ور عليه ا‬

‫أشكال خمتلفة‪ ،‬فكانت تبلل باألصباغ مث تضغط على الورق‪ .‬ويعد الصيين يب تشينج ( ‪ )Bi-Sheng‬أول من قام‬

‫‪50‬‬
‫باخرتاع حرف مستقل لكل رمز من رموز اللغة عام ‪ ،1045‬إال أن تلك الفكرة مل تالق قبوالً لدى الصينيني‬

‫نظراً إىل كثرة الرموز املستخدمة يف اللغة الصينية‪.‬‬

‫بينم ا مل تع رف أوروب ا الطباع ة ح ىت وقت ق ريب‪ ،‬ففي ال وقت ال ذي ك انت في ه أمم املش رق تس تخدم الق والب‬

‫اخلشبية‪ ،‬كان األوربيون ما يزالون ينسخون الكتب والرسائل بأيديهم‪.‬‬

‫وظ ل الوض ع على ه ذا احلال ح ىت اس تطاع األوروبي ون طب ع أول منتج باس تخدام طريق ة الق والب وهي ص ورة‬

‫القديس كريستوفر عام ‪1423‬م‪ ،‬وبعد ذلك انتشرت طباعة الكتب يف أوروبا باستخدام تلك الطريقة‪.‬‬

‫مث قف ز فن الطباع ة قف زات واس عة ليس اير النهض ة العلمي ة‪ ،‬والتق دم التق ين يف هناي ة الق رن العش رين‪ .‬فم ع اخ رتاع‬

‫أجه زة‪ ‬احلاس وب‪ ‬أص بح ص ف احلروف وتنس يقها يتم باس تخدام تل ك األجه زة‪ ،‬مث تع دى ذل ك إىل اس تخدام‬

‫أشعة‪ ‬الليزر‪ ‬يف تنسيق احلروف‪ ،‬والتقاط الصور‪ ،‬وفصل األلوان‪ ،‬وتنسيق الصفحات‪.‬‬

‫أول من اس تخدم آل ة الطباع ة ه و األملاين‪ ‬يوه ان غوتن ربغ‪ ‬يف عص ر اإلمرباطوري ة الروماني ة ح وايل الع ام ‪،1440‬‬

‫معتمداً على آالت الكبس املوجودة آنذاك‪ .‬كان غوتنربغ يعمل مبهنة‪ ‬صياغة الذهب‪ ،‬لذا فقد طور نظام طباعة‬

‫كام ل أدى إىل حتس ن عملي ة الطباع ة خالل مجي ع مراحله ا وذل ك بتحوي ل التقني ات القائم ة ألغ راض الطباع ة‪،‬‬

‫باإلض افة إىل قيام ه بنفس ه باخرتاع ات مبتك رة‪ .‬فهن اك آل ة الق والب اليدوي ة ال يت اخرتعه ا م ؤخراً جعلت تص نيع‬

‫حروف الطباعة ممكنة بشكل سريع ودقيق ألول مرة وبكميات كبرية‪ ،‬وكعنصر أساسي يفيد يف مشروع الطباعة‬

‫برمته‪.‬‬

‫طريقة خط التجميع يف طباعة الكتب أدت إىل اإلنتاج الضخم للكتب ألول مرة يف التاريخ‪ .‬فقد كانت تنتج آلة‬

‫الطباعة الواحدة يف عصر النهضة خالل يوم عمل ‪ 3,600‬صفحة مقارن ةً ب ـ ‪ 40‬صفحة بالطباعة اليدوية‪ ،‬وأقل‬

‫‪51‬‬
‫من ذل ك بالنس خ الي دوي‪ .‬كتب املؤلفني مثل‪ ‬ل وثر‪ ‬وإيرامساس‪ ‬حققت أعلى مبيع اً حيث مت بيعه ا مبئ ات اآلالف يف‬

‫زمنهم‪.‬‬

‫مدينة‪ ‬م اينتس‪ ،‬يف‪ ‬أملانيا‪ ،‬ك انت املص در األول حيث ب دأت الطباع ة هن اك مث انتش رت يف غض ون ع دة عق ود إىل‬

‫مايزيد عن ‪ 200‬مدينة يف عشرات البلدان األوروبية‪.‬أنتجت آالت الطباعة اليت تعمل يف أحناء أوروبا الغربية يف‬

‫الع ام ‪ 1500‬أك ثر من عش رين ملي ون جمل د‪ .‬ويف الق رن الس ادس عش ر‪ ،‬وبانتش ار آألت الطباع ة خ ارج أوروب ا‬

‫الغربي ة‪ ،‬إزداد إنتاجه ا عش رات األض عاف مبا يق در ب ـ ‪ 150‬إىل ‪ 200‬ملي ون نس خة‪ .‬عملي ة الطباع ة بالض غط‬

‫أصبحت مرادفة ملشروع الطباعة الذي أدى إىل تسمية فرع جديد وكامل من وسائل اإلعالم وهو‪ ‬الصحافة‪ .‬فقد‬

‫كتب رجل الدولة والفيلسوف‪ ‬فرانسيس باكون‪ ‬يف وقت مبكر من العام ‪ 1620‬أن الطباعة باألحرف املطبعية "‬

‫غريت وجه وحال األشياء يف أحناء العامل"‪.‬‬

‫مُت ارس الطباعة من بداية ظهورها كأحد أشكال الفن احلقيقي‪ ،‬ووضع هلا معايري مجالية وفنية عالية‪ ،‬كما هو احلال‬

‫يف الكت اب املق دس الش هري ذو الـ ‪ 42‬س طر‪ ‬بيب ل غوتن ربغ‪ .‬كم ا أنن ا جندها الي وم من أعظم املمتلك ات النفيس ة يف‬

‫املكتبات احلديثة مثل كتاب الـ " إنكنيوبلز" أو كتب مت طباعتها قبل عام ‪.1501‬‬

‫إن الت أثري الغ ري مس بوق لطباع ة غوتن ربغ يف تط ور الت اريخ األورويب احلديث مث الع امل على املدى الطوي ل ب ات من‬

‫الص عب ذك ره بكامل ه‪ .‬هن اك حماوالت لتحلي ل الت اثريات املتش عبة وال يت تش مل مفه وم ث ورة الطباع ة الص حيحة‪،‬‬

‫وإنش اء‪ ‬غوتن ربغ غالكسي‪ .‬ت وفر الكلم ة املطبوع ة وس عرها املعق ول للعام ة ع زز دميقراطي ة املعرف ة ووض ع األس س‬

‫املادية لالقتصاد احلديث املبين على‪ ‬املعرفة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬آثار الطباعة‬

‫الفصل األول‪ :‬آثار الطباعة على التدوين والكتابة‬

‫الفصل الثاين ‪ :‬آثار ظهور املطبعة‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ظهور أنواع الطباعة املختلفة‬


‫‪53‬‬
‫الفصل األول‬

‫أثر ظهور الطباعة على التدوين والكتابة‬

‫أثر الطباعة على التدوين‪:‬‬

‫بالرغم من انتشار حركة التأليف يف اجملتمعات اليت اهتمت بالعلم والعلماء إال إن كلفة اإلعمال املكتملة كانت‬

‫عالية نسبيا‪ ،‬بسبب االعتماد على الكتابة اليدوية اليت تتطلب جهد كبري من الكتاب فضال عن صعوبة إعداد نسخ‬

‫من األص ل بالع دد الك ايف‪ .‬هلذا الس بب فق دت الكث ري من األعم ال العلمي ة واألدبي ة ع رب الت اريخ بس بب احلروب‬

‫والكوارث اليت شهدهتا األمم‪ .‬ولعل تدمري املغلول ملكتبات بغداد اليت كانت حتوي على آالف املخطوطات خري‬

‫شاهد على هذا األمر‪ .‬ويف منتصف القرن اخلامس امليالدي اخرتع األملاين (يوحنا غوتنربغ) طريقة جديدة للكتابة‬

‫تعتم د على احلروف املعدني ة املتحرك ة‪  ،‬يف طباع ة الكت اب املق دس باللغ ة الالتيني ة ع ام ‪1455‬م‪ .‬ويع د ظه ور‬

‫الطباع ة فتح ا جدي دا وث ورة مهم ة س اعدت على تن امي الت أليف وانتش اره يف خمتل ف دول الع امل‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ ‬وبالرغم من بس اطة اآلالت الطباعة يف ذلك ال وقت إىل إهنا‪ ‬أدت إىل حتقي ق اجنازات مهم ة يف جمال نشر وتداول‬

‫املعلومات كان من أمهها‪:‬‬

‫‪     .1‬ساعدت على إنتاج عدد كبري من النسخ للمؤلفات وبالتايل زادت من انتشارها‪.‬‬

‫‪  .2‬س اعدت على ظه ور مناذج من املطبوع ات الدوري ة ال يت مل تكن مألوف ة قب ل ظه ور الطباع ة‪ .‬وال يت ك ان هلا عظيم‬

‫األثر يف تداول املعلومات وانتشارها يف خمتلف شرائح اجملتمع‪.‬‬

‫‪      .3‬قللت الطباعة من الكلفة النهائية ألسعار الكتب وساعدت على تنامي الرغبة اجملتمعية يف القراءة‪.‬‬

‫‪     .4‬قلص ت الطباع ة من الفج وة املعرفي ة بني األمم وس اعدت على التق ارب الفك ري بس بب تيس ري س بل تناق ل‬

‫املطبوعات‪.‬‬

‫‪      .5‬ساعدت الطباعة على تنامي دور املكتبات وزيادة جماميعها لتلبية متطلبات املستفيدين منها‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫أهميّة ظهور المطبعة‬

‫مع ظهور املطبعة أصبحت عمليّة طباعة النصوص أكثر سهولةً وسرعة‪ ،‬وفيما يأيت أهم اآلثار اإلجيابيّة اليت أوجدهتا‬

‫املطبعة يف احلضارة البشريّة منذ ظهورها‪.‬‬

‫(‪ 1‬انتش‪00‬ار العلم والثقافة‪ :0‬حيث طُبعت آالف النسخ من النصوص الشعبيّة‪ ،‬وكانت الطباعة يف بدايتها مقتصرة‬

‫ط الي ّد‪ ،‬ولكنّها سرعان ما‬


‫على الطبقة الشعبيّة‪ ،‬أل ّن الطبقة االستقراطيّة والغنيّة كانوا يفخرو َن بنسخهم املكتوبة خب ّ‬

‫بع أكثر من ‪ 40‬ألف‬


‫ص نعت أكثر من ألف طابعة‪ ،‬وطُ َ‬
‫انتقلت للطبقات مجيعها‪ ،‬وحبلول هناية القرن اخلامس عشر ُ‬
‫كتاب‪ ،‬حبيث وصلت عدد النسخ ما بني ‪ 10-8‬ماليني نسخة‪.‬‬

‫املقبلني على تعلّم‬


‫َ‬ ‫(‪ 2‬تعلّم الق ‪00‬راءة والكتاب ‪00‬ة‪ :‬بفض ل األع داد الكب رية من الكتب والنص وص املطبوع ة ازداد ع دد‬

‫حس نت‬
‫بني مجيع الطبقات يف مجيع أحناء أوروبا‪ ،‬كما ّ‬
‫القراءة والكتابة‪ ،‬وأصبحت عمليّة نقل املعرفة أكثر سهولة َ‬

‫‪56‬‬
‫املطبع ة من قواع د اللغ ة واهلج اء م ع انتش ار العلم والكتب‪ ،‬وب دالً من اس تخدام اللغ ة الالتيني ة انتش رت اللغ ات‬

‫اإلقليميّة‪.‬‬

‫كتلك اليت انتشرت مع ظهور الربوتستانتية‪.‬‬


‫استغّلت املطبعة لنشر األفكار الدينيّة َ‬
‫(‪3‬نشر األفكار الدينيّة‪ُ :‬‬

‫الطيب منقوالً‬
‫النص ّ‬‫أصبح ّ‬
‫َ‬ ‫الطيب فقد كا َن لظهور الطابعة األثر الكبري‪ ،‬إذ‬
‫‪0‬الطب‪ّ :‬أم ا على الصعيد ّ‬
‫(‪4‬النه‪00‬وض ب‪ّ 0‬‬
‫فتم ترمجة نسخ طبيّة تعود ألقدم وأشهر األطباء أمثال أبقراط‪ ،‬وجالني‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬فرتمجت إىل ع ّدة‬ ‫ٍ ٍ‬
‫بشكل دقيق‪ّ ،‬‬
‫بشكل واس ٍع ليستفيد منها دارسو الطب يف مجيع ِ‬
‫أحناء العامل‪ ،‬وبذلك تقدمت العلوم واإلجنازات‬ ‫ٍ‬ ‫لغات وانتشرت‬
‫ّ‬ ‫َ‬

‫الطبيّة ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫أنواع الطباعة‬

‫هناك أنواع أساسية للطباعة وأخرى فرعية‪ .‬وتنقسم األنواع األساسية إىل ثالثة أنواع‪ :‬الطباعة البارزة (‪Relief‬‬

‫‪ ،) Printing‬والغائرة (‪ ،) Rotagravure‬واملستوية (‪.) Lithography‬‬

‫أما طرق الطباعة الفرعية‪ ،‬فمنها ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬الطباعة املسامية ( ‪.) Silk _ Screening‬‬

‫‪ ‬الطباعة االلكرتوستاتيكية ( ‪.) Electrostatic _ Printing‬‬

‫‪ ‬الطباعة النافرة ( ‪.) Raised _ Printing‬‬

‫‪ ‬طباعة النفث احلربي ( ‪.) Ink Expectoration _ Printing‬‬

‫الطباعة البارزة‪:‬‬

‫‪58‬‬
‫هي أق دم أن واع الطباع ة‪ ،‬وتعتم د على حتب ري احلروف أو األش كال الب ارزة املص نوعة من املع دن‪ ،‬أو الن ايلون‪ ،‬أو‬

‫السرييل‪ ،‬مث ضغطها على سطح الورق‪ .‬وقد استخدم الصينيون هذه الفكرة منذ آالف السنني‪ .‬وقد عُ رفت تلك‬

‫الطريقة بأحد أشكاهلا احلديثة منذ منتصف القرن اخلامس عشر‪ ،‬واستمرت بوصفها عملية أساسية يف الطباعة ملدة‬

‫مخسة قرون متتالية‪ .‬وق د استحدثت ألواح السرييل أو ال نيلون أو املبلم رات بديالً للقوالب املعدنية أو الشبكات‬

‫احلريري ة يف الطباع ة املس امية املس طحة‪ ،‬وُأطل ق عليه ا اس م الطباع ة املرن ة‪ .‬مث اس تحدثت رق ائق الل دائن احلساس ة‬

‫للضوء‪ ،‬حيث يتم إبراز األجزاء املراد طبعها على تلك الرقائق‪ ،‬مث تعرض للضوء‪ ،‬األمر الذي جيعلها تتصلب‪ .‬مث‬

‫يتم إزال ة األج زاء غ ري املتص لبة باس تخدام املاء واحملالي ل الكاوي ة‪ .‬مث ت دخل تل ك الرق ائق إىل غرف ة الطباع ة‪ ،‬حيث‬

‫تتشرب احلرب‪ ،‬مث تالمس الورق‪ ،‬فينتقل احلرب إىل سطح الورق (الشكل الرقم ‪ 1‬الطباعة البارزة)‪.‬‬

‫الطباعة الغائرة‪:‬‬

‫وهي على عكس الطباع ة الب ارزة؛ فتتم باس تخدام أس طوانة حناس ية حمف ور عليه ا الكالم‪ ،‬أو الص ور‪ ،‬أو األش كال‬

‫املراد طباعتها حبفار ميكانيكي أو بأشعة الليزر‪ .‬ومُت أل التجاويف املمثلة للكالم أو األشكال حبرب الطباعة‪ ،‬مث يضغط‬

‫هبذه األس طوانة على ال ورق فتطب ع احلروف واألش كال‪ .‬وتس تخدم ه ذه الطريق ة يف طباع ة الص ور‪ ،‬واجملالت‪،‬‬

‫والكتالوجات‪ ،‬ومطبوعات التعبئة‪ ،‬والتغليف‪ ،‬وطوابع‬

‫الربي د‪ ،‬وورق احلائ ط‪ .‬وق د يس تخدم التص وير الض وئي يف ه ذا الن وع من الطباع ة‪ ،‬حيث ُت َع َّرض رق ائق اجليالتني‬

‫احلساس للضوء للرسوم أو األش كال املراد طباعتها من خالل شرائح مت تصويرها ضوئياً‪ ،‬فيتص لب اجليالتني تبع اً‬

‫ورت‪ .‬مث تستخدم تلك الرق ائق بعد ذلك مبثابة قوالب يف عملي ة الطباعة‬
‫ص ِّ‬
‫لكمية الض وء املار ممثالً الرس وم اليت ُ‬
‫(الشكل الرقم ‪ 2‬الطباعة الغائرة)‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الطباعة المستوية‪:‬‬

‫تعتمد تلك الطريقة على نظرية الفصل الدهين للماء‪ .‬وأول من اكتشف هذه الطريقة هو األملاين ألويز سنفلدر (‬

‫‪ )Aloys Senfelder‬عام ‪ ،1796‬وكان ذلك بطريق املصادفة البحتة‪ ،‬عندما كتب على حجر جريي بقلم‬

‫رصاص‪ ،‬فسقط بعض من حملول حامضي على هذا احلجر‪ ،‬فالحظ أن احلامض قد غطى سطح احلجر اجلريي‪ ،‬ما‬

‫عدا األماكن اليت كتب عليها بالقلم الرصاص‪ ،‬وحينما أضاف حرب الطباعة على سطح هذا احلجر‪ ،‬الحظ سنفلدر‬

‫أن احلرب قد استقر على األجزاء املكتوبة‪ ،‬ومل يتجاوزها إىل األجزاء األخرى اليت ختللها احلامض‪ .‬وعندما ضغط‬

‫ه ذا احلج ر على ورق ة‪ ،‬وج د أن م ا كتب ه على احلج ر ق د طُب ع معكوس اً على الورق ة (الش كل ال رقم ‪ 3‬الطباع ة‬

‫املستوية)‪.‬‬

‫وك انت تل ك هي بداي ة اكتش اف طريق ة الطباع ة املس توية‪ .‬ويف بداي ة الق رن العش رين مت اس تبدال لوح ات الزن ك‬

‫باحلجارة اجلريية املستوية‪ ،‬مث تطورت بعد ذلك هذه الطريقة من طباعة مباشرة من اللوح املعدين إىل طباعة غري‬

‫مباشرة باستخدام وسيط مطاطي‪ ،‬وهو ما يطلق عليه طباعة األوفست‪ ،‬حيث سهلت هذه الطريقة الطبع على‬

‫خمتلف الوسائط اليت ال ميكن الطباعة عليها مباشرة مثل اللدائن واملعادن‪.‬‬

‫الطباعة المسامية‪:‬‬

‫ويستخدم يف هذه الطريقة شبكة حريرية مثبتة على إطار من اخلشب أو املعدن‪ .‬وتُطْلَى هذه الشبكة بطالء خاص‪،‬‬

‫وذلك لغلق مسامها‪ ،‬وبعد جفاف الطالء تغطى مبادة حساسة للضوء‪ ،‬مث يوضع الشكل املرسوم املراد طباعته على‬

‫عرض الشبكة احلريرية للضوء عرب السطح الشفاف‪ ،‬فينفذ الضوء من املناطق غري‬
‫سطح شفاف منفذ للضوء‪ ،‬مث تُ َّ‬

‫املرس ومة‪ ،‬فتتص لب نظرياهتا على الش بكة احلريري ة‪ .‬وباس تخدام بعض املذيبات العض وية يف إزال ة املن اطق ال يت مل‬

‫‪60‬‬
‫تتصلب‪ ،‬تعود الشبكة إىل سابق حالتها‪ .‬ويوضع اللون املراد طباعته على هيئة سائل غليظ القوام‪ ،‬مث يوزع اللون‬

‫بواسطة ضاغط مطاطي يساعد على نفاذ اللون من خالل الش بكة احلريرية؛ حيث يقوم بتلوين املناطق املطلوب‬

‫طبعه ا على خمتل ف األسطح‪ .‬وق د تطورت ه ذه الطريق ة حالي اً‪ ،‬حيث تتم الطباع ة هبذه الطريق ة يف وقت قياس ي‪،‬‬

‫وبدقة متناهية‪ ،‬وعن طريق التحكم اإللكرتوين يف كل اخلطوات (الشكل الرقم ‪ 4‬الطباعة املسامية)‪.‬‬

‫الطباعة اإللكتروستاتيكية‪:‬‬

‫يف هذه الطريقة‪ ،‬يُعاجل ورق الطباعة بشحنة كهربائية يف املناطق املراد الطباعة عليها‪ ،‬ويعاجل كذلك مسحوق احلرب‬

‫بش حنة مغ ايرة‪ ،‬مث يُع َّرض ك لٌّ منهم ا إىل جه د كهرب ائي مع اكس جله د اآلخ ر؛ فيتم االحتاد بني جزيئ ات احلرب‬

‫وجزيئات الورق‪.‬‬

‫الطباعة النافرة‪:‬‬

‫وهي ليست نوع اً من أنواع الطباعة بقدر ما هي نوع للمادة املطبوعة‪ ،‬فاملادة املطبوعة تكون ذات سطح بارز‪،‬‬

‫ويتم ذلك بعدة طرق؛ منها‪ :‬استخدام مواد ملونة صمغية حرارية‪ ،‬أو استخدام الضغط الشديد على السطح املراد‬

‫الطبع عليه باستخدام قوالب خاصة هبذا الغرض إلنتاج أشكال جمسمة‪.‬‬

‫طباعة النفث الحبري‪:‬‬

‫تعتمد هذه الطريقة على استخدام احلاسوب‪ .‬وتتم عن طريق نفث احلرب من صمام دقيق لتظهر بالشكل املطلوب‪،‬‬

‫وتستخدم هذه الطريقة لكتابة تاريخ الصالحية على املنتجات الغذائية‪ ،‬والعبوات الدوائية‪ ،‬كما تستخدم لوضع‬

‫العالمات الشفرية واألرقام يف تسعري املنتجات املختلفة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الخاتمة‬

‫‪62‬‬
‫بسم هلل احلمن الرحيم‬

‫يسبح هلل ما يف السموات واألرض ال إله إال هو يسجد له من يف الرب والبحر خوفا وطمعا والصالة والسالم‬
‫على سيدنا األنبياء نبينا حممد ابن عبد اهلل وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد‪.‬‬

‫احلمدهلل مث احلمدهلل‪ ،‬ال يزال بقدرته القدير قد وصلت إىل اخلامتة اليت دلت على اخلالصة هذا البحث‪ .‬قد‬

‫علمت تعريف الطباعة عما هي طبع الكلمات والصور التصميمات فوق الورق أو‪ ‬النسيج‪ ‬أو املعادن أو أي مواد‬

‫أخرى مالئمة للطبع فوقها‪ .‬وهذا يطلق عليه فن جرافيك ‪( graphic arts‬فنون ختطيطية أو تصويرية كاتصوير‬

‫والرسم والكتابة)‪ .‬وتتم بنسخ صور من األصل بطريقة ميكانيكية‪.‬‬

‫من خالل البحث أعرف ظهرت الطباعة يف القرن اخلامس يف أوروبا وأول من صاحب اخرتع‪ ‬غولدمسيث‬

‫يوهان غوتنربغ‪ ‬املطبعة يف‪ ‬أملانيا‪ ‬حنو عام ‪ .1440‬وكان هذا اإلكتشاف إيذانًا بعصر جديد يف إنتشار العلم والتقاء‬

‫احلضارات‪ ،‬وتبادل الثقافات وظهر أول كتاب مطبوع يف أوروبا ‪-‬على األرجح‪ -‬ما بني ( ‪1450 - 1440‬م )‬

‫وذلك باحلروف الالتينية املتحركة‪ .‬قبل ظهور غوتنربغ حبوايل ‪ 600‬عام‪ ،‬كان الرهبان الصينيون يقدِّمون للطباعة‬

‫عرف بالطباعة على القوالب‪.‬‬


‫على الورق باستخدام طريقة تُ َ‬

‫‪63‬‬
‫من حبثي أدرك أن الطباع ة ابت داءً من انتش ار الطباع ة يف الغ رب‪ ،‬مث تس رهبا إىل الش رق‪ ،‬مبش اركة عربي ة‬

‫وفارسية وتركية‪ .‬تأريخ الطباعة العربية بالغرب يعود إىل عام ‪ .1486‬يف ‪ ،1582‬بدأت الطباعة العربية يف أملانيا‬

‫بكتاب "يف األلفباء العربية" ملؤلفه يعقوب كريستمان‪ .‬ومشاركة عربية يف‪ ،1611‬أسس بطرس كرسنت مطبعة‬

‫عربية يف أملانيا‪ ،‬تولت طباعة جمموعة من الكتب العربية‪ .‬يف ‪ 1819‬أو ‪ ،1821‬أنشئت مطبعة بوالق أو "املطبعة‬

‫األهلية" ومتثل هذه املطبعة الباب الواسع الذي دخل منه العرب إىل النهضة احلديثة‪.‬‬

‫من ك ثر البحث أعلم عن بداي ة الطباع ة القدمية واحلديث ةُ وانتش ار الطباعة أن الب احث الطباع ة يف الص ني‬

‫وانتش ارها باجتاه الغ رب‪ .‬أن ي ربر ع دم اهتم ام الع رب أو ت أخر اهتم امهم باكتش افات الطباع ة بواس طة الق والب‬

‫اخلشبية مث بواسطة احلروف املتحركة املكتشفة يف آسيا كاليابان وكوريا والصني ‪.‬ويرجع ألسباب دينية؛ إذ رفضوا‬

‫أن تطبع كتبهم املقدسة بوسائل ميكانيكية مما أخر انتشار الطباعة من الشرق األقصى إىل أوروبا‪.‬‬

‫وق د ب دأت الطباع ة احلديث ة قب ل حنو ‪ 580‬س نة‪ .‬وق د اخ رتع األملاين (جوه انس ج و تن ربج) ح وايل ع ام‬

‫‪1440‬هـ الطباعة باحلروف املتحركة‪.‬‬

‫من هذا البحث أعرف عن تاريخ الطباعة يف بعض بالد العرب كالعراق ومصر واليمن وأعرف أيضا تاريخ‬

‫الطباعة يف أحناء العامل مثل يف الصني والشرق األقصى واألمركية ويف الدول اإلسالمي القدمية‪.‬‬

‫أعرف أيضا عن األمساء مطبوعات القدمية يف العامل حنو مطبعة نابليون ومطبعة قازان ومطبعة لندن الذي‬

‫تطب ع الق رآن الك رمي يف الغ رب وأسس ت مطبوع ات يف الع رب كمطبع ة باملق دس و مطبع ة حجري ة ب اجلزائر وغ ري‬

‫ذلك‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫إن ظهور الطباعة وحلوهلا بالتدريج حمل عملية النسخ اليدوي‪ ،‬انتقل بالكتابة إىل مرحلة متقدمة‪ ،‬جعلتها‬

‫تتحرك بسرعة كبرية لتصل إىل كل مكان‪ ،‬حىت أضحى الكتاب أحد أكثر السلع تداوالً بني الناس‪ .‬كانت الطباعة‬

‫اخلشبية يف شرق آسيا منتشرة منذ عهد أسرة تانغ الصينية يف القرن الثامن‪ ،‬أما يف أوروبا فقد انتشرت الطباعة‬

‫اخلشبية املعتمدة على مكابس لولبية حبلول القرن الرابع عشر‪ .‬جعل تصميمه احلديث للقالب اليدوي من املمكن‬

‫إتقان وتسريع صنع حروف مطبعية معدنية متنقلة بكميات كبرية‪ .‬يف‪ ‬عصر النهضة‪ ‬دخلت أوروبا بوصول الطباعة‬

‫امليكانيكي ة ب احلروف املطبعي ة املتنقل ة‪ ،‬عص ر االتص االت اجلماهريي ة‪ .‬يُطب ع النص باس تخدام ك رتني‪ ،‬مثبت تني على‬

‫مق ابض اآلل ة‪ .‬هن اك أن واع أساس ية للطباع ة وأخ رى فرعي ة‪ .‬وتنقس م األن واع األساس ية إىل ثالث ة أن واع‪ :‬الطباع ة‬

‫البارزة (‪ ،)Relief Printing‬والغائرة (‪ ،)Rotagravure‬واملستوية (‪.)Lithography‬‬

‫واخلالصة على قويل‪ ,‬فإين عرفت بأنين من الضعفاء يف إكمال هذا البحث فبذلك بوجوه ضعف نفسي‪,‬‬

‫أس أل العف و على م ا خلى من عملي وإين ش كرت إىل ك ل من وض ع نص رهم وق درهتم يف س بيلي ه ذا خصوص ا‬

‫لألبوين احملبوبني وألستاذي احملرتم السيد بدراهلشام بن عبد الرمحن وأيضا أصدقائي كلهم‪.‬‬

‫‪65‬‬
:‫المراجع والمصادر‬

1) https://mawdoo3.com/%D9%85%D8%AA%D9%89_
%D8%B8%D9%87%D8%B1%D8%AA_
%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%A9
2) http://altadwween.blogspot.com/2013/04/blog-post_3645.htmlhttp://
altadwween.blogspot.com/2013/04/blog-post_3645.html

3) https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AE
%D9%84%D8%A7%D8%A1

4) https://www.facebook.com/permalink.php?
id=1508100446125351&story_fbid=2286958861572835

5) https://www.aljabriabed.net/n05_16saghir.html

6) https://www.almaany.com/ar/dict/arar/
%D8%A8%D9%88%D8%A7%D9%83%D9%8A%D8%B1/

7) https://www.al-jazirah.com/2018/20180929/cu5.htm

8) https://elaph.com/Web/News/2016/2/1074126.html

66
9) https://www.marefa.org/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_
%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D8%A9_

%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9

10) http://nashiri.net/articles/general-articles/3597-

2010-03-03-02-56-27-v15-3597.html

11) https://www.facebook.com/EcoPrintEgypt/posts/

1049741591787766/

12) http://nashiri.net/articles/general-articles/3597-

2010-03-03-02-56-27-v15-3597.html

13) https://ar.wikipedia.org/wiki/
%D8%A2%D9%84%D8%A9_
%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D8%A9
14) http://www.qurbah.com/2019/01/who-invented-
the-printing-press/

67
68

You might also like