You are on page 1of 22

‫مبادئ االقتصاد اإلسالمي وخصائصه‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫إن االنتكاسات التي أصبحت تالزم االقتصاديات المعاصرة أوضحت بما ال يدعو إلى الشك إلى ضرورة البحث عن‬

‫مبادئ وأسس أخرى تكون أكثر عدال وإ نصافا‪ ،‬ومن خالل هذا البحث سوف نتطرق إلى أهم مبادئ وخصائص‬

‫االقتصاد‪ 8‬اإلسالمي‪.‬‬

‫يقول "جاك أوستري" أحد العلماء الفرنسيين البارزين في االقتصاد‪ :‬إن طريق اإلنماء االقتصادي ليس‬

‫محصورا في النظامين المعروفين ( الرأسمالي واالشتراكي ) بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح‬

‫هو مذهب االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬وسيسود هذا المذهب عالم المستقبل‪ ،‬ألنه طريقة كاملة للحياة‬

‫المعاصرة ‪ .‬يأتي هذا االعتراف ليؤكد على القصور‪ 8‬الذي يميز المذهبين االقتصاديين الرأسمالي‬ ‫‪1‬‬

‫واالشتراكي‪ ،‬ألن أفكارهما وآرائهما متأثرة بنوازع بشرية في حدود ظروف خاصة‪ ،‬حتىوإ ن اختلفا‬

‫في ظاهرهما بتركيز األول على الفرد والثاني على الجماعة‪ ،‬فإنهما يصدران عن أصل واحد وهو‬

‫الفصل بين النشاط االقتصادي واألخالق‪ ،‬فال يعنيهما أن يكون النشاط االقتصادي أخالقيا أو غير‬

‫أخالقي‪ ،‬وال يهمهما الحالل والحرام‪ ،‬العدل أو الظلم‪ ،‬وإ نما يعنيهما تحقيق المنفعة فحسب ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫بينما االقتصاد اإلسالمي يخضع بكل جوانبه إلى التعاليم الدينية‪ ،‬هذا ما جعل منه مذهبا ذا صفة‬

‫إنسانية ورسالة واضحة‪ ،‬وليس علما أو مجموعة من العلوم المختلفة المقتصرة على تفسير القوانين‬

‫والظواهر الطبيعية فقط ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ 1‬محمود لخالدي‪ :‬مفهوم االقتصاد في اإلسالم‪ ،‬شركة الشهاب‪،‬الجزائر‪،1988،‬ص ص‪28،29‬‬


‫‪ 2‬أحمد النجار‪ :‬المدخل إلى النظرية االقتصادية في المنهج اإلسالمي‪،‬طبعة ‪،2‬دار الفكر‪،‬جدة‪،1974،‬ص‬
‫ص‪15،16‬‬
‫‪ 3‬رياض صالح عودة‪:‬مقدمة في االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪،1‬دار الهادي‪،‬لبنان‪ ،2005،‬ص‪31‬‬
‫‪1‬‬
‫ويهدف هذا البحث إلى التعرف على مبادئ وأهم خصائص هذا االقتصاد‪ ،‬وذلك من خالل المحاور‬

‫التالية‪:‬‬

‫• تعريف االقتصاد اإلسالمي وخصائصه‬

‫• أسس ومقومات االقتصاد اإلسالمي‬

‫• ثبات المذهبية ومرونة النظرية والتنظيم‬

‫أوال‪ :‬تعريف االقتصاد اإلسالمي وخصائصه‬

‫شهدت العقود الثالثة األخيرة من القرن العشرين بزوغ علم الجديد الذي يجمع بين الدراسة الفقهية‬

‫واالقتصادية‪ ،‬أطلق عليه الباحثون "علم االقتصاد اإلسالمي"‪ ،‬وقد كان ذلك بالتحديد في أعقاب المؤتمر‬

‫العالمي األول لالقتصاد اإلسالمي الذي عقد بمكة عام ‪1976‬م‪ ،‬ثم بدأت الجامعات في العديد من‬

‫الدول اإلسالمية بفتح أقسام وإ عداد برامج خاصة باالقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ورافق ذلك االنتشار الكبير‬

‫للمصارف اإلسالمية على مستوى الدول اإلسالمية والعالم وازدهار أدبيات االقتصاد اإلسالمي حيث‬

‫وجدت مئات بل آالف المقاالت والبحوث والكتابات في هذا الموضوع ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ /1‬تعريف االقتصاد اإلسالمي‪:‬‬

‫‪ 1‬كمال توفيق‪ :‬منهجية البحث في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪،‬مجلد‬
‫‪،16‬عدد‪،2003 ،2‬ص‪6‬‬
‫‪2‬‬
‫الشك أن مصطلح "االقتصاد اإلسالمي" ينقسم إلى كلمتين "االقتصاد" و" اإلسالمي"‪ .‬واالقتصاد‬

‫كلمة مشتقة من لفظ إغريقي معناه "تدبير أمور البيت" وبالرجوع إلى قواميس اللغة العربية نجد لها‬
‫‪1‬‬

‫عدة معاني‪ ،‬وإ جماال تعني الوسطية‪ ،‬االعتدال‪،‬واالستقامة ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫لم ترد كلمة االقتصاد بذاتها في آيات القرآن الكريم بل وردت بعدة صور ذات الصلة‬

‫بها ‪ ،‬ومثال ذلك ‪:‬‬


‫‪3‬‬

‫"القصد" في قوله ﴿وعلى اللَّ ِه ﹶقصد السبِيِ ِل ﴾ [النحل‪ ]09/‬بمعنى الطريق المستقيم؛‬

‫"مقتصدة" في قوله عز وجل﴿ ِمنهم ﹸأمة مقتِصدة ﴾ [المائدة‪ ]66/‬بمعنى جماعة معتدلة‪ ،‬وهم من أسلم‬

‫من أهل الكتاب؛‬

‫"قاصد" في قوله ﴿ وسفرا ﹶقاِ ِصدا ﴾ [التوبة‪ ]42/‬بمعنى سفرا متوسطا بين القريب والبعيد؛‬

‫"اقصد" في قوله ﴿ واﹾقِصد ِيِف ِ‬


‫مشيِك ﴾ [لقمان‪ ]19/‬أي توسط أثناء سيرك بين اإلسراع واإلبطاء‪.‬‬

‫واالقتصاد في مفهوم علماء الفقه والشريعة عادة ما يرتبط بالمعامالت خاصة تلك المتعلقة باألموال‬

‫والسلوكيات المعيشية النابعة من أصول الدين اإلسالمي والذي ينطوي‬

‫مفهومه‪ -‬كما ذكرنا‪ -‬على الوسطية واالعتدال واالستقامة‪ ،‬أما كلمة "اإلسالمي" فهي بطبيعة‬

‫الحالتتعلق بمصطلح "االقتصاد اإلسالمي" فقط وتعتبر الحد الفاصل لتمييزه عن العلم الوضعي ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ 1‬حمد بن عبد الرحمن جنيدل‪ :‬منهاج الباحثين في االقتصاد اإلسالمي‪،‬المجلد‪،1‬شركة العيبيكان‪،‬الرياض‪،‬‬


‫‪1406‬هـ‪،‬ص‪13‬‬
‫‪ 2‬زينب صالح األشوح‪ :‬االقتصاد اإلسالمي بين البحث والنظرية والتطبيق‪،‬دار غريب‪،‬القاهرة‪،2004،‬ص‬
‫‪22‬‬
‫‪ 3‬نفس المرجع‬
‫‪ 4‬زينب صالح األشوح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪23‬‬
‫‪3‬‬
‫وبالنسبة لتعريف "االقتصاد اإلسالمي" فبغض النظر عن الجدال المحتدم حول مدى وجود مجال‬

‫يسمى االقتصاد اإلسالمي وبأي شكل ووفقا ألي معنى‪ ،‬فإن علماء االقتصاد اإلسالمي اجتهدوا في‬

‫وضع تعاريف له كل حسب نظرته وتصوره‪ ،‬والتي نورد منها ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬االقتصاد اإلسالمي هو مجموعة األصول العامة التي نستخرجها من القرآن والسنة لبناء االقتصاد‬

‫الذي نقيمه على أساس تلك األصول حسب بيئة كل عصر ؛‬


‫‪1‬‬

‫‪ -‬وهو العلم الذي يبحث في كيفية إدارة واستغالل الموارد االقتصادية النادرة إلنتاج ما يمكن إنتاجه من‬

‫السلع والخدمات إلشباع الحاجات اإلنسانية التي تتسم بالوفرة والتنوع في ظل إطار معين من القيم‬

‫اإلسالمية والتقاليد والتطلعات الحضارية للمجتمع ؛‬


‫‪2‬‬

‫‪ -‬وهو العلم الذي يبحث عن الطريقة التي يوزع بها الناتج االقتصادي بين المشتركين في العملية‬

‫اإلنتاجية في ظل اإلطار الحضاري ( األخالق وقيم الدين اإلسالمي) ‪.‬‬


‫‪3‬‬

‫‪ /2‬خصائص ومميزات االقتصاد اإلسالمي‪:‬‬

‫يتميز االقتصاد اإلسالمي عن باقي االقتصاديات بسمات خاصة‪ ،‬فال تقابل سمات االقتصاد‬

‫الرأسمالي وال سمات االقتصاد االشتراكي‪ ،‬ألنها مستمدة من الشريعة اإلسالمية التي‬

‫‪ 1‬حمد بن عيد الرحمن جنيدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪30‬‬

‫‪ 2‬إبراهيم فاضل الدبو‪ :‬االقتصاد اإلسالمي دراسة وتطبيق‪،‬طبعة‪،1‬دار المناهج‪،‬األردن‪،2008،‬ص‪16‬‬

‫‪ 3‬محمود سحنون‪ :‬االقتصاد اإلسالمي‪ :‬الوقائع واألفكار االقتصادية‪،‬طبعة‪،1‬دار الفجر‪،‬القاهرة‪،2006،‬ص‪199‬‬


‫‪4‬‬
‫هي من وضع اﷲ عز وجل وليست من وضع البشر كما في االقتصاد الرأسمالي‬

‫واالشتراكي ‪،‬والشريعة اإلسالمية زاخرة بالقيم والفضائل واآلداب منها العدل‪ ،‬الحرية‪ ،‬الشورى‪،‬‬

‫الصبر ‪،‬المسؤولية‪ ،‬االستقاللية‪...‬الخ‪.‬‬

‫ومن هذه السمات والخصائص نذكر‪:‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي اقتصاد إلهي‪ ،‬أي أن اﷲ هو واضعه وبالتالي فإن أصوله وتشريعاته‬ ‫أ‪-‬‬

‫ثابتة غير قابلة للتغير أو التبديل مع تغير األمم وعلى مر الزمن ‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من وجود بعض‬
‫‪1‬‬

‫الجزئيات وبعض األمور القابلة للتغير يتدخل فيها العقل البشري واالجتهاد‬

‫العلمي وتراعى فيها المصلحة العامة ‪ ،‬ألن االقتصاد اإلسالمي يعتمد على القاعدة الفقهية التي تقول‪:‬‬
‫‪2‬‬

‫"أن الشريعة مبنية على التيسير ورفع الحرج" لقوله تعالى ﴿ ‪‬و‪‬ما ‪‬ج‪‬ع ﹶل ‪‬عﹶل‪‬ي ﹸك‪ ‬م ِيِف الد‪‬يِ ِن ِِم‪ ‬ن‬
‫‪3‬‬

‫ٍج ﴾‬
‫‪‬ح‪‬ر ٍ‬

‫[احلج‪]78/‬‬

‫االقتصاد اإلسالمي اقتصاد عقائدي‪ ،‬وهي من أهم خصائصه وقد ورد لفظ "اإليمان" في الكتاب‬ ‫ب‪-‬‬

‫والسنة بدل لفظ "العقيدة" وذلك للداللة على الهدف األسمى من اإليمان وهو األمن لقوله تعالى ﴿ اَّ‬

‫لِ ِذي‪ ‬ن‬

‫‪ 1‬رضا صاحب أبو حمد‪ :‬الخطوط الكبرى في االقتصاد اإلسالمي‪،‬دار مجدالوي‪،‬األردن‪،2006،‬ص‪29‬‬

‫‪ 2‬طبري سعد‪ :‬دور الجهاز المصرفي في االقتصاد اإلسالمي‪،‬رسالة ماجستير‪،‬الجزائر‪،2000/2001،‬ص‪56‬‬


‫‪ 3‬حامد بن عبد اﷲ العلي‪ :‬تيسير بعض أحكام البيوع‪ 8‬والمعامالت‪،‬مجموعة محاضرات عن أحكام البيوع‬
‫والمعامالت‪1423،‬هـ‬
‫‪5‬‬
‫َ آ‪‬م‪‬نوا ‪‬وﹶل‪ ‬م‪ ‬يﹾلِب‪ ‬سوا ِإ‪‬ميا‪‬ن‪‬ه‪ ‬م ب ﹸظﹾمٍلٍ ﹸأوﹶلِِئ ‪ ‬ك ﹶل‪‬ه‪ ‬م اﹾلﹶأ‪‬م‪ ‬ن ‪‬و‪‬ه‪ ‬م ‪‬م‪ ‬ه‪‬ت‪ ‬دو ﹶن ﴾ [األنعام‪ ]82/‬كما‬

‫أن معناها ليس التصديق فحسب‪ ،‬وإ نما التصديق الذي يتبعه االنقياد ومما يدل على ارتباط االقتصاد‬
‫‪1‬‬

‫باإليمان قوله تعالى ﴿‬

‫ت ِم‪ ‬ن الس‪ ‬ماِ ِء ‪‬واﹾلﹶأ‪ِ ‬ر ِ‬


‫ض‬ ‫‪‬وﹶل‪ ‬و ﹶأن َّ ﹶأ‪ ‬ه ﹶل اﹾلﹸق‪‬رى َآ‪‬م‪‬نوا ‪‬وات‪‬ﹶق‪ ‬وا ﹶلﹶف‪‬ت‪ ‬ح‪‬نا ‪‬عﹶل‪‬يِِه‪ ‬م ‪‬ب‪‬ر ﹶكاٍ ٍ‬
‫ﹶكذ ‪‬بوا ﹶفﹶأ‪ ‬خ ﹾذ‪‬نا‪‬ه‪ ‬م ِب‪ ‬ما ﹶكا‪‬نوا ‪‬ي ﹾكِس‪‬بو ﹶن‬
‫ك‪ ‬ن َّ‬ ‫‪‬وﹶلِ ِ‬

‫﴾ [األعراف‪ ،]96/‬وعن ثوبان قال‪ ،‬قال الرسول(صلى‪ 8‬اﷲ عليه وسلم)‪ »:‬ال يزيد في العمر إال البر‬

‫وال يرد القدر إال الدعاء وإ ن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه « ‪ ،‬وعن سعيد بن حريث‬
‫‪2‬‬

‫أنالنبي(صلى اﷲ عليه وسلم) قال » من باع دارا ثم لم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها « وفي‬
‫‪3‬‬

‫هذا بيان أن اإليمان والتقوى أهم أسباب االزدهار وتحقيق الرفاهية في االقتصاد اإلسالمي‪.‬‬

‫وفي القرآن الكريم عدة أسس عقائدية إيمانية ضرورية لقيام االقتصاد اإلسالمي ونجاحه منها ‪:‬‬
‫‪4‬‬

‫اإليمان التام بأن اﷲ سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقي واألصلي لعناصر اإلنتاج قال‬

‫ض ‪‬و‪‬ما فِيِ ِهن‪ ‬و‪ ‬ه‪‬و ‪‬عﹶىل ﹸكل ِّ ‪‬ش‪ٍ ‬ي ٍء ﹶقِ ِدي‪‬ر ﴾ [المائدة‪،]120/‬‬ ‫ِه ‪‬مﹾل‪ ‬ك الس‪ ‬ما‪ ‬واِ ِ‬
‫ت ‪‬واﹾلﹶأ‪ِ ‬ر ِ‬ ‫تعالى ﴿ ِلل ِ‬
‫َّ‬

‫وأن اإلنسان مستخلف فيها يسعى إلى طلب الرزق وعمارة األرض لقوله تعالى ﴿‪ ‬ه‪ ‬و ﹶأ‪‬ن‪ ‬شﹶأ‬

‫ﹸك‪ ‬م ِِم‪ ‬ن اﹾلﹶأ‪ِ ‬ر ِ‬


‫ض‬

‫فﹸقوا ِِمم‪‬ا ‪‬ج‪‬عﹶل ﹸك‪ ‬م ‪‬م‪ ‬س‪‬ت‪ ‬خﹶلِ ِ‬


‫ف‪ ‬ين‬ ‫‪‬وا‪ ‬س‪‬ت‪‬ع‪ ‬م‪‬ر ﹸك‪ ‬م ِيِف ‪‬ها ﴾ [هود‪ ]61/‬وقال ﴿ ‪ ‬وﹶأ‪‬نِ ِ‬

‫فِيِ ِه ﴾ [الحديد‪]07/‬؛‬

‫‪ 1‬نفس المرجع‬
‫‪ 2‬سنن ابن ماجه‪ ،‬جزء‪ ،12‬ص‪178‬‬

‫‪ 3‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬جزء‪ ،6‬ص‪34‬‬

‫‪ 4‬رضا صاحب أبو حمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪43-29‬‬

‫‪6‬‬
‫اإليمان بأن اﷲ عز وجل خلق السماوات واألرض وسخرها لخدمة اإلنسان من أجل إشباع‬

‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬


‫ﹶفﹶأ‪‬‬
‫الل ‪‬ه اَّ لذي ‪‬خﹶل‪ ‬ق الس‪ ‬ما‪‬وات ‪‬واﹾلﹶأ‪ ‬ر‪ ‬ض ‪‬وﹶأ‪‬ن‪‬ز ﹶل ِم‪ ‬ن الس‪ ‬ماء ‪‬ماًءً‬
‫حاجاته قال تعالى ﴿ َّ‬
‫خ‪‬ر‪ ‬ج بِِه ِم‪ ‬ن َّال ث‪ ‬م‪‬راِ ِ‬
‫ت ِر‪ ‬زﹰقا ﹶل ﹸك‪ ‬م ‪‬و‪ ‬سخ‪‬ر ﹶل ﹸك‪ ‬م اﹾلﹸفﹾل‪ ‬ك ِل‪‬ت‪ِ ‬جر‪ ‬ي ِيِف اﹾل‪‬ب‪ِ ‬ح ِر ِبﹶأ‪‬م ِر ِِه‬

‫‪‬و‪ ‬سخ‪‬ر ﹶل ﹸكم اﹾلﹶأ‪‬ن‪‬ها‪‬ر (‪ )32‬و‪ ‬سخ‪‬ر ﹶل ﹸك‪ ‬م الش‪ ‬م‪ ‬س ‪‬واﹾلﹶق‪ ‬م‪‬ر ‪‬داِئ‪‬ب‪‬يِ ِن ‪‬و‪ ‬سخ‪‬ر ﹶل ﹸك‪ ‬م‬

‫الل ‪‬ي ﹶل ‪‬والن‪‬ها‪‬ر (‪﴾ )33‬‬


‫َّ‬

‫[إبراهيم‪ ]32،33/‬وأن األرض تتسع لبني البشر رزقا‪ ،‬ومكانا مهما كثر عددهم‪ ،‬يقول اﷲ عز‬

‫ِع‪‬باِ ِد‪ ‬ي اَّ لِ ِذي‪ ‬ن َآَ‪‬م‪‬نوا ِإن َّ ﹶأ‪ِ ‬ر ِضي ‪‬واِ ِس‪‬عﹲة ﹶفِِإي‪‬ا‪ ‬ي ﹶفا‪ ‬ع‪‬ب‪ ‬د ِو ِن ﴾‬
‫وجل ﴿‪ ‬يا ِ‬
‫[العنكبوت‪.]56/‬‬

‫والل ‪‬ه ﹶفض‪‬ﹶل ‪‬ب‪‬ع‪ ‬ض ﹸك‪ ‬م‬


‫اإليمان بأن الناس متفاوتون في األرزاق وجعلهم درجات قال تعالى ﴿ ‪َّ ‬‬
‫‪‬عﹶىل‬

‫‪‬ب‪ٍ ‬ع ٍ‬
‫ض ِيِف الر‪ِ  ‬ز ِق ﴾ [النحل‪]71/‬؛‬

‫ﹶأ‪‬ي‪‬‬ ‫اإليمان بأن اﷲ هو الرقيب على عباده في كل تصرفاتهم وأفعالهم قال عز وجل﴿‪‬و‪‬ه‪ ‬و ‪‬م‪‬ع ﹸك‪ ‬م‬
‫ن‬

‫والل ‪‬ه ِب‪ ‬ما ‪‬ت‪‬ع‪ ‬مﹸلو ﹶن ‪‬بِ ِ‬


‫ص‪ ‬ير ﴾ [الحديد‪ ،]04/‬وهو الذي يحاسب الناس يوم القيامة‬ ‫‪‬ما ﹸك‪‬ن‪‬ت‪ ‬م ‪َّ ‬‬

‫على أفعالهم لقوله تعالى ﴿ ﹶف‪ ‬و‪‬رب‪ ‬ك ﹶل‪‬ن‪ ‬سﹶأﹶلن‪‬ه‪ ‬م ﹶأ‪ ‬ج‪ِ ‬م ِع‪ ‬ين (‪  )92‬عم‪‬ا ﹶكا‪‬نوا ‪‬ي‪‬ع‪ ‬مﹸلو ﹶن ﴾‬

‫[الحجر‪.]92،93/‬‬

‫ج‪ -‬االقتصاد اإلسالمي اقتصاد أخالقي‪ ،‬بحيث على المسلم أن يتحلى بالصفات الحميدة التي دعا إليها‬

‫القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومن هذه الصفات ما يلي‪:‬‬


‫‪7‬‬
‫‪‬والر‪‬‬ ‫التحلي باألمانة والصدق في كل معامالته لقوله تعالى ﴿‪ ‬يا ﹶأي‪‬ها اَّ لِ ِذي‪ ‬ن َآ‪‬م‪‬نوا ﹶال ‪‬ت‪ ‬خو‪‬نوا َّ‬
‫الل ‪‬ه‬
‫‪‬سو ﹶل‬

‫‪‬و‪‬ت‪ ‬خو‪‬نوا ﹶأ‪‬ما‪‬ناِت ﹸك‪ ‬م ‪‬وﹶأ‪‬ن‪‬ت‪ ‬م ‪‬ت‪‬عﹶل‪ ‬مو ﹶن ﴾ [األنفال‪ ،]27/‬وعن أبو سعيد الخذري أن‬

‫رسول اﷲ(صلى اﷲ عليه وسلم) قال » التاجر األمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء« ‪،‬‬
‫‪1‬‬

‫وأن يوفي‬

‫بوعوده لقوله تعالى ﴿‪ ‬وﹶأ‪ ‬وﹸفوا ِباﹾل‪‬ع‪ِ ‬ه ِد ِإن َّ اﹾل‪‬ع‪ ‬ه‪ ‬د ﹶكا ﹶن ‪‬م‪ ‬سﹸئوﹰال ﴾ [اإلسراء‪ ،]34/‬وأن يتميز‬

‫المسلم أيضا بالسماحة والمرونة في طريقة‬

‫تعامله مع الغير‪ ،‬عن جابر بن عبد اﷲ أن الرسول ( صلى اﷲ عليه وسلم ) قال»رحم اﷲ عبدا‬

‫سمحا إذا باع‪ ،‬سمحا إذا اشترى‪ ،‬سمحا إذا قضى‪ ،‬سمحا إذا اقتضى« ‪ ،‬وأن يلتزم بالعدل في‬
‫‪2‬‬

‫الربح‪ ،‬والقناعة بما كتبه اﷲ له من ربح ورزق‪ ،‬عن جابر أن الرسول (صلى اﷲ عله وسلم)‬

‫قال » القناعة مال ال ينفذ « ؛‬


‫‪3‬‬

‫وعلى المسلم مراعاة الحالل والحرام في ممارسته للنشاط االقتصادي وذلك بفعل ما أحل اﷲ‬

‫الل ‪‬ه اﹾل‪‬ب‪‬ي‪ ‬ع ‪‬و‪ ‬حر‪‬م الر‪‬با ﴾‬


‫حل َّ‬
‫تعالى وتجنب ما حرمه علينا‪ ،‬قال تعالى ﴿ ‪‬وﹶأ‪َّ ‬‬

‫[البقرة‪.]275/‬‬

‫د‪ -‬االقتصاد اإلسالمي اقتصاد واقعي‪ ،‬ال يميل إلى الخيال فهو واقعي في غاياته وطريقته‬

‫ألنهيستهدف في مبادئه الغايات التي تنسجم مع واقع اإلنسانية ‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫‪ 1‬ابن األثير‪ :‬جامع األصول من أحاديث الرسول‪،‬جزء‪،1‬كتاب البيع‪،‬ص‪239‬‬


‫‪ 2‬صحيح البخاري‪،‬جزء‪،7‬كتاب البيوع‪،‬باب‪ 8‬السهولة والسماحة في الشراء والبيع‪،‬ص‪469‬‬
‫‪ 3‬المعجم األوسط للطبراني‪،‬جزء‪،15‬ص‪192‬‬
‫‪ 4‬حمد بن عبد الرحمن جنيدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪04‬‬
‫‪8‬‬
‫وواقعية االقتصاد اإلسالمي أنه يستمد مقوماته من الواقع المعاش فال يحلق بالمسلم في خياالت‬

‫يتعذر تحقيقها ‪ ،‬مثل ما هو الحال في االقتصاد االشتراكي الذي يؤمن بالمساواة المطلقة‪ ،‬أو في‬ ‫‪1‬‬

‫االقتصاد الرأسمالي الذي يعتقد أنه ليس هناك تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع‪ ،‬ففي‬

‫نظرهم تتحقق مصلحة المجتمع إذا حققها الفرد لنفسه أي أن المنفعة الكلية للمجتمع تتماشى مع المنفعة‬

‫القصوى للفرد ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫في حين تبدوا واقعية االقتصاد اإلسالمي في نظرة اإلسالم للفرد المستمدة من إمكانياته وظروف‬

‫الل ‪‬ه ‪‬نﹾف‪ ‬سا َِّإ‬


‫ﹶكل ‪ ‬ف َّ‬
‫بيئته‪ ،‬فال يحمله من التكاليف إال ما يطيقه ‪ ،‬يقول اﷲ سبحانه وتعالى ﴿ ﹶال ‪‬ي ِّ‬

‫الل ‪‬ه ‪‬نﹾف‪ ‬سا َِّإ ال‪ ‬ما َآَ‪‬تا‪‬ها ﴾ [الطالق‪]07/‬‬


‫ﹶكل ‪ ‬ف َّ‬
‫ال ‪‬و‪ ‬س‪‬ع‪‬ها ﴾‪[ ،‬البقرة‪ ]286/‬ويقول أيضا﴿ ﹶال ‪‬ي ِّ‬

‫كما ال يقبل اإلسالم من اإلنسان القادر على الكسب التعطل عن العمل بل يفرض عليه السعي ويقدم له‬

‫يد العون ويرشده فاليد العليا خير من اليد السفلى وأن المؤمن القوي خير وأحب عند اﷲ من المؤمن‬

‫الضعيف‪ ،‬حتى يحقق لنفسه حياة عزيزة تغنيه عن المذلة والمسكنة ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫هـ‪ -‬خاصية الشمولية التي يتمتع بها االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬فهو إلى جانب اهتمامه بالجانب المادي يهتم‬

‫بالجوانب الروحية واألخالقية وتضمنه لكافة االحتياجات البشرية‪ ،‬أي العمل على توفير ضروريات‬

‫الحياة من مأكل‪ ،‬مشرب‪ ،‬مسكن‪ ،‬تعليم‪ ،‬رعاية‪ ،‬صحة‪ ،‬حرية وغيرها من الحاجات ‪،‬وباإلضافة إلى‬

‫ذلك فهو يعمل على الرقي بالقيم األخالقية مثل األخوة والصدق والعدالة‪ ،‬ولذلك فهو اقتصاد هادف‬

‫‪ 1‬فالق علي‪:‬تمويل االستثمارات‪ 8‬في االقتصاد اإلسالمي‪،‬رسالة ماجستير‪،‬الجزائر‪،2001/2002،‬ص‪31‬‬


‫‪ 2‬طبري سعد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪66‬‬
‫‪ 3‬فالق علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪13‬‬
‫‪9‬‬
‫يجمع بين العقيدة واألخالق ‪ ،‬بعكس األنظمة االقتصادية األخرى التي تركز اهتمامهاعلى الجانب المادي‬
‫‪4‬‬

‫فقط‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسس ومقومات االقتصاد اإلسالمي‬

‫يقوم االقتصاد اإلسالمي على ثالث مرتكزات أساسية تختلف في محتواها ومعناها عن باقي النظم‬

‫االقتصادية الوضعية وإ ن كانت تتشابه من حيث المصطلحات‪ ،‬وألن االقتصاد في اإلسالم يعني‬

‫الوسطية واالعتدال واالستقامة‪ ،‬نجد أن أهم أسسه هي‪:‬‬

‫الم ـ ـ ــلكية‪ 8‬المزدوجة الحـ ـ ــرية‪ 8‬المــقيدة‪8‬‬

‫العـ ـ ــدالة االجتماعية‬

‫‪ /1‬الم ـ ـ ــلكية المزدوجة‪:‬‬

‫تختلف الملكية في اإلسالم اختالفا جوهريا بالمقارنة مع النظم االقتصادية الوضعية‪ 8،‬فالملكية في‬

‫النظام الرأسمالي هي ملكية خاصة تبيح للفرد حق التملك والسيطرة التامة على الموارد االقتصادية‬

‫والثروة بكل أنواعها وبدون حدود أو شروط ‪ ،‬حتى وإ ن كانت تتعارض مع مصلحة المجتمع‪ ،‬أما‬
‫‪1‬‬

‫الملكية في النظام االشتراكي فهي العكس تماما‪ ،‬حيث تكون الملكية جماعية أي ملكية لجميع أفراد‬

‫المجتمع‪.‬‬

‫‪ 4‬نفس المرجع‪،‬ص‪01‬‬

‫‪ 1‬رياض صالح عودة مرجع سابق‪ ،‬ص‪21‬‬


‫‪10‬‬
‫والل ‪‬ه‬
‫ض ‪َّ ‬‬ ‫ِه ‪‬مﹾل‪ ‬ك الس‪ ‬ما‪‬واِ ِ‬
‫ت ‪‬واﹾلﹶأ‪ِ ‬ر ِ‬ ‫أما الملكية في اإلسالم فهي أصال ﷲ وحده قال تعال ﴿ ‪ِ ‬ولل ِ‬
‫َّ‬

‫‪‬عﹶىل ﹸكل ِّ ‪‬ش‪ٍ ‬ي ٍء ﹶقِ ِدي‪‬ر ﴾ [آل عمران‪ ،]189/‬وأن اإلنسان إنما هو مستخلف في ملك اﷲ تعالى‬

‫يستخدمه ليستفيد منه في حياته ثم يتركه لألجيال القادمة كما ورثها هو من األجيال السابقة‪ ،‬يقول اﷲ‬

‫تعالى ﴿ِآَِم‪‬نوا ِبالل ِ‬


‫ِه‬ ‫َّ‬

‫ف‪ ‬ين فِيِ ِه ﹶفاَّ لِ ِذي‪ ‬ن َآ‪‬م‪‬نوا ِم‪‬ن ﹸك‪ ‬م ‪‬وﹶأ‪‬نﹶفﹸقوا ﹶل‪‬ه‪ ‬م ﹶأ‪ ‬ج‬ ‫‪‬و‪‬ر‪ ‬س ِولِِه ‪‬وﹶأ‪‬نِ ِ‬
‫فﹸقوا ِِمم‪‬ا ‪‬ج‪‬عﹶل ﹸك‪ ‬م ‪‬م‪ ‬س‪‬ت‪ ‬خﹶلِ ِ‬

‫‪‬ر ﹶكِ ِ‬
‫ب‪ ‬ير ﴾ [الحديد‪ ،]07/‬ومن هذا المنطلق فإن الفرد المسلم وإ ن حق له التملك فإنه يخضع ضمن‬

‫الشريعة اإلسالمية لشروط المحافظة عليها عن طريق االستخدام العادل لها وعدم إهدارها أو‬

‫اإلضرار بها‪ ،‬إذا فاإلسالم يميز بين ما هو للفرد وما هو للمجتمع ويعطي لولي األمر (الحكومة)‬

‫صالحية اإلشراف والمراقبة واتخاذ ما هو واجب للمحافظة على الموارد وضمان ديمومتها خدمة‬

‫للمجتمع واألمة ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫يقر اإلسالم حق الملكية الفردية (الخاصة) بوسائل التملك المشروعة مما يترتب عليه حفظ هذا‬

‫الحق لصاحبه من االعتداء عليه بالغصب أو السرقة أو االختالس‪ ،‬وقد شرع اإلسالم العقوبات الكفيلة‬

‫بحفظ هذا الحق‪ ،‬عن أبي هريرة قال‪ ،‬قال (صلى اﷲ عليه وسلم) » كل المسلم على المسلم حرام دمه‬

‫وماله وعرضه « ‪ ،‬عن أبي أمامة أن الرسول (صلى اﷲ عليه وسلم ) قال» من اقتطع حق امرئ‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم بيمينه‪ ،‬فقد أوجب اﷲ له النار وحرم عليه الجنة‪ ،‬فقال له رجل‪ :‬وإ ن كان شيئا يسيرا يا رسول‬

‫اﷲ‪ ،‬قال‪ :‬وإ ن قضيبا من أراك « ‪ ،‬إضافة إلى التوجيهات التهذيبية لكف النفوس عن التطلع إلى ما‬
‫‪3‬‬

‫‪ 1‬نفس المرجع‪،‬ص ص‪20،21‬‬

‫‪ 2‬صحيح مسلم‪،‬جزء‪، 16‬كتاب البر والصلة‪،‬باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره في دمه وعرضه وماله‪،‬ص‪419‬‬
‫‪ 3‬صحيح مسلم‪،‬جزء‪،1‬كتاب اإليمان‪،‬باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فأجره بالنار‪،‬ص‪444‬‬
‫‪11‬‬
‫ليس لها‪ ،‬كما يترتب على هذه الملكية حق التصرف المشروع فيما يملك بالبيع واإلجارة والرهن‬

‫والهبة والوصية وغيرها‪ ،‬وتقرير هذا النوع من الملكية يحقق العدالة بين الجهد والجزاء واتفاقه مع‬

‫الميول األصلية في النفس البشرية‪ ،‬وفي ذات الوقت يقف مع مصلحة الجماعة فال يدع حق الملكية‬

‫الفردية مطلقا بل يقرر إلى جواره الحدود والقيود التي تكاد تجعل صاحبه مسيرا ال مخيرا‬

‫خدمةلمصلحة الجماعة ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫وأباح اإلسالم الملكية العامة إلى جانب الملكية الخاصة‪ ،‬ومنع األفراد من تملك بعض‬

‫‪2‬‬
‫األموالالرتباطها بحق الجماعة حيث تكون ملكيتها ملكية مشتركة‪ ،‬ويتم االنتفاع منها بصورة مشتركة‬

‫كالمرافق العامة من الطرق‪،‬مدارس‪،‬حدائق‪....‬الخ‪ 8،‬وفي هذا الصدد يقول الرسول(صلى اﷲ عليه‬

‫وسلم) » الناس شركاء في ثالث الماء والنار والكأل « وفي رواية أخرى(الملح)‪ ،‬أي شركاء في‬
‫‪3‬‬

‫ضرورات الحياة‪.‬‬

‫كما أجاز اإلسالم ملكية الدولة عندما تقتضي مصلحة المجتمع ذلك وبالذات الثروات الطبيعية ‪،‬أو‬

‫تلك الملكية التي تتطلب مصلحة المجتمع تحويلها من ملكية خاصة إلى ملكية الدولة نتيجة عدم‬

‫استخدامها واالنتفاع منها‪ ،‬أو لضرورة‪ 8‬تحقيق مصلحة المجتمع ‪.‬‬


‫‪4‬‬

‫وعلى أساس هذا السلوك اإلسالمي الشامل المتكامل يقوم النظام االقتصادي في اإلسالم إنسانيا‬

‫أخالقيا بريئا من عيوب جميع األنظمة االقتصادية األخرى‪ ،‬فال فردية مطلقة تجعل مصلحة الفرد‬

‫مقدمة على مصلحة الجماعة‪ ،‬وتتيح له أن يصنع ما يشاء دون أن توقفه مثل أو قيم‪ ،‬وال جماعية‬

‫‪ 1‬إبراهيم فاضل الدبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪22‬‬

‫‪ 2‬فليح حسن خلف‪:‬البنوك اإلسالمية‪،‬عالم الكتب الحديث‪،‬طبعة‪،1‬األردن‪،2006،‬ص‪34‬‬

‫‪ 3‬ابن رجب الحنبلي‪ :‬جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬الحديث‪ ،32‬ص‪18‬‬
‫‪ 4‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪34‬‬
‫‪12‬‬
‫مطلقة تتجاهل ذاتية الفرد وال تقيم لكيانه وزنا في تكوين المجتمع‪ ،‬ولكن طريق اإلسالم في ذلك‬

‫وسط‪ ،‬عدل‪ ،‬موزون يعترف بذاتية الفرد ودوره في تكوين المجتمع ومن ثم يترتب على الفرد واجبا‬

‫للمجتمع أن يكون في خدمته ‪ ،‬عن أبي موسى‪ -‬رضي اﷲ عنه‪ -‬قال‪ ،‬قال الرسول (صلى اﷲ عليه‬ ‫‪1‬‬

‫وسلم) »المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا « ‪ ،‬وليس هناك أدل على صحةالموفق‬
‫‪2‬‬

‫اإلسالمي من الملكية القائمة على أساس مبدأ الملكية المزدوجة من واقع التجربتين‬

‫الرأسماليةواالشتراكية‪ ،‬فالتجربة الرأسمالية أفرزت عدة آثار سلبية أهمها‪ :‬كثرة األزمات االقتصادية‪،‬‬

‫وانتشارالبطالة والتفاوت الكبير بين الدخول وظهور االحتكارات‪ ،‬وكذلك بالنسبة لالشتراكية التي‬

‫نجمت عنها عدة مشاكل منها مصادمة الفطرة اإلنسانية لغريزة التملك‪ ،‬وإ حباط الهمة والحافز لدى‬

‫اإلنسان وانتشار الكسل بين األفراد ‪ ،‬مما أجبر كل نظام على االعتراف بالشكل اآلخر للملكية التي‬
‫‪3‬‬

‫تتعارض مع القاعدة العامة في كل نظام‪.‬‬

‫‪ /2‬الح ـ ـ ـ ــرية المقيدة‪:‬‬

‫‪ 1‬محمد عبد المنعم الجمال‪ :‬موسوعة االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪،2‬دار الكتاب المصري‪،‬القاهرة‪،1986،‬ص ص‪200،199‬‬
‫‪ 2‬بدر الدين العيني‪ :‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪،‬حزء‪،22‬كتاب األدب‪،‬باب تعاون المؤمنين بعضهم‬
‫بعضا‪،‬ص‪114‬‬
‫‪ 3‬حمد بن عبد الرحمن جنيدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪37،38‬‬
‫‪13‬‬
‫إن أصل التعامل في االقتصاد اإلسالمي اإلباحة والحرية إال إذا ورد نص يحرم ذلك‪ ،‬وعليه‬

‫فإن للمسلم الحرية في ممارسة النشاط الذي يرغب فيه‪ ،‬وال يمنع من ذلك إال إذا تبين أن هذا العمل‬

‫يصطدم مع الشريعة اإلسالمية ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫والحرية في االقتصاد اإلسالمي ليست مطلقة‪ ،‬إنما هي مقيدة بقيود أخالقية وتشريعية‪ ،‬فهناك‬

‫الحرام والمكروه والمباح والمندوب ( المستحب) والواجب‪ ،‬وإ ذا تعارضت المصلحة الخاصة مع‬

‫المصلحة العامة قدمت العامة على الخاصة‪ ،‬فال يجوز تعطيل األرض‪ ،‬واكتناز المال‪ ،‬واحتكارالسلع‪،‬‬

‫والربا والغش وإ لحاق الضرر باآلخرين‪ ،‬ألن حرية الفرد في اإلسالم تنتهي عندما تبدأ حريةاآلخرين‪،‬‬

‫فال يجوز استعمال الحرية في االعتداء على اآلخرين كأن تجعل من بيتك مثال ورشةللنجارة أو‬

‫الحدادة فتسبب اإلزعاج لجيرانك‪ ،‬أو تحتكر السلع في السوق بهدف رفع األسعار واغالئها على‬

‫الناس ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ويختلف موقف اإلسالم من الحرية االقتصادية مقارنة بالنظم االقتصادية الوضعية‪ ،‬فبينما يمارس‬

‫األفراد حريات غير محدودة في ظل االقتصاد الرأسمالي‪ ،‬وبينما يصادر االقتصاد االشتراكي حريات‬

‫الجميع‪ ،‬يقف اإلسالم موقفه الذي يتفق مع طبيعته العامة فيسمح لألفراد بممارسة حرياتهم ضمن‬

‫نطاق من القيم والمثل التي تهذب الحرية وتصقلها وتجعل منها أداة خير لإلنسانية كلها ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫إن الحرية في اإلسالم هي حرية حقيقية وليست نظريات ومقوالت‪ ،‬وحرية تخدم مصلحة الجميع‬

‫ومبرأة من الظلم واالستغالل واالستعباد فهي حرية معززة بالكرامة اإلنسانية والعدالة في توزيع‬

‫الثروات وضمان الحاجات األساسية للفرد‪ ،‬وهي الحرية التي حماها الرسول(صلى اﷲ عليه وسلم)‪،‬‬
‫‪ 1‬رضا صاحب أبو حمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪39،40‬‬
‫‪ 2‬رفيق يونس المصري‪ :‬أصول االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪ ،3‬دار القلم‪،‬دمشق‪،1999،‬ص ص‪64،65‬‬
‫‪ 3‬فالق علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪4‬‬
‫‪14‬‬
‫ورعاها أبو بكر الصديق بقوله‪" :‬القوي فيكم عندي ضعيف متى آخذ الحق منه‪ ،‬والضعيف فيكم عندي‬

‫قوي حتى آخذ الحق له"‪ ،‬وأعلنها عمر بن الخطاب بقوله‪" :‬متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم‬

‫أحرارا؟"‪ .‬إذن فهي حرية في التعمير ال التدمير‪ ،‬وفي النفع ال الضرر ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ /3‬العدالة االجتماعية‪:‬‬

‫تعتبر العدالة االجتماعية أساسا من أسس االقتصاد اإلسالمي ألن اإلسالم ينظر إلى المجتمع‬

‫علىأنه كيان إنساني متواصل ومتراحم وأن األسرة ترتبط بالمودة والمواصلة‪ 8،‬والجماعات تتعاون‬

‫فيمابينها على الخير والنفع‪ ،‬فالقوي ينصر الضعيف‪ ،‬والعالم يعلم الجاهل وإ ن اختلفت األلوان‬

‫واألجناسواللغات ألن ذلك ال يقتضي التفاوت في معنى اإلنسانية وحقوقها‪ ،‬بل الجميع سواء في‬

‫اإلسالم ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫ومن صور العدالة في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬العدالة في توزيع الدخل في إطار أحكام الشرعية‬

‫اإلسالمية وضوابطها‪ ،‬فحرم اﷲ تعالى االكتناز ألنه يعني تراكم األموال في يد فئة معينة من المجتمع‬

‫وحرمان اآلخرين من االنتفاع بهذه األموال المكتنزة‪ ،‬مما اقتضى األمر إنفاقها في عمل الخير‬

‫اإلحسان ولكن دون إسراف أو تقتير‪.‬‬

‫وأقر اإلسالم عدة سبل لإلنفاق وتحقيق عدالة توزيع الدخل من فرائض إجبارية والمتمثلة في‬

‫الزكاة التي تعتبر الركن الثالث من أركان اإلسالم الخمس بحيث يتم توزيع الزكاة من أموال األغنياء‬

‫‪ 1‬رفيق يونس المصري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‪65،66‬‬


‫‪ 2‬إبراهيم فاضل الدبو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪42‬‬
‫‪15‬‬
‫على الفقراء‪ ،‬وفرائض تطوعية يؤديها الفرد باختياره وسعيه لإلحسان مثل الصدقات والهبات إضافة‬

‫إلى اإلرث الذي يحقق إعادة توزيع أموال المورث على ورثته ومنعها من التراكم واالكتناز ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وا‬ ‫و وا‬ ‫‪ :‬تا ه‬

‫في البداية ينبغي اإلشارة إلي التفرقة بين المذهب والنظرية والنظام‪ .‬إذ تدرس الظاهرة‬

‫االقتصادية من ثالثة أبعاد هي الجانب المذهبي ويقصد به القيم والمبادئ التي يرتكز عليها النشاط‬

‫االقتصادي‪ ،‬والجانب النظري (التحليلي) وينصرف إلى التعرف على الظاهرة االقتصادية من حيث‬

‫هي للوصول إلى التعميمات والقوانين في علم االقتصاد‪ ،‬أما الجانب الثالث فهو الجانب التطبيقي أو‬

‫السياسة االقتصادية والذي يعنى بدراسة السياسات والتطبيقات التي تتفق مع القواعد والقيم الحاكمةفي‬

‫المجتمع ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫وعلى مر العصور ظهرت مذاهب اقتصادية مختلفة أهمها المذهب االقتصادي الرأسماليوالمذهب‪8‬‬

‫االقتصادي االشتراكي‪ ،‬حيث يقوم المذهب الرأسمالي على مبدأ الحرية االقتصادية (حرية التملك‪،‬‬

‫حرية االستغالل‪ ،‬حرية االستهالك‪ ،)...‬أما النظرية الرأسمالية فتقوم على أن المنافسة الحرة تؤدي‬

‫إلى إشباع الحاجات اإلنسانية باالستخدام األمثل للموارد‪ ،‬وبالنسبة للمذهب االشتراكي فيقوم على أسس‬

‫اشتراكية كل حسب عمله وحسب حاجته‪ ،‬أما النظرية االشتراكية فتقوم على المادية التاريخية‪ .‬وعن‬

‫النظام االقتصادي فهو يعني التطبيقات وهذا ما يؤدي إلى ظهور أنظمة تأخذ بمبادئ الرأسمالية‪،‬‬

‫وأنظمة تأخذ بمبادئ االشتراكية‪ ،‬وتوجد أنظمة تجمع بين الرأسمالية واالشتراكية معا ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ 1‬فليح حسن خلف‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ص‪47،48‬‬


‫‪ 2‬شوقي أحمد دنيا‪ :‬دروس في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪،‬مجلد‪ ،3‬عدد‪،1‬ص‪174‬‬
‫‪ 3‬جالل جويدة عبده القصاص‪:‬محددات األثمان في السوق الرأسمالي واإلسالمي‪،‬مؤسسة شباب الجامعة‪،‬اإلسكندرية‪،2006،‬ص‪3‬‬
‫‪16‬‬
‫وأما بالنسبة للمذهب االقتصادي اإلسالمي فإنه يتميز عن هذين المذهبين‪ ،‬فهو مذهب سماوي‬

‫قائم على مبادئ عامة وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ال تتغير وال تتبدل على مر‬

‫األزمنة‪ ،‬وفيما يخص النظرية االقتصادية اإلسالمية فهي تقوم على اجتهادات الفقهاء لتفسير هذه‬

‫المبادئ ومواجهة التغيرات والتطورات التي تطرأ على المجتمع بما يجعلها صالحة للتطبيق‪ ،‬وأما‬

‫النظام االقتصادي اإلسالمي فهو عبارة عن التطبيقات التي تتم في الدول اإلسالمية وتختلف باختالف‬

‫األزمنة واألمكنة ‪.‬‬


‫‪1‬‬

‫‪ /1‬خصوصيات المذهب االقتصادي اإلسالمي‪8:‬‬

‫المذهب االقتصادي اإلسالمي هو عبارة عن مجموعة المبادئ واألصول التي جاءت بها‬

‫نصوصالقرآن والسنة ليلتزم بها المسلمون في كل زمان ومكان ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫فالقرآن هو كتاب اﷲ الحكيم ورسالته إلى عباده‪ ،‬رحمة للعالمين وهدى للبشر على مر‬

‫األزمانوالسنين‪ ،‬وهو اإلعجاز والدليل في كل جوانب الحياة وفي كل العلوم ما ترك كبيرة وال صغيرة‬

‫ِإن ‪ ‬ه ﹶذا اﹾلﹸق‪َ ‬رآَ ﹶن‪ ‬ي‪ِ ‬ه ِدي َّ‬
‫ِلل‬ ‫إال أحصاها وأوجد لها األدلة وهيأ لها األسباب والحلول قال تعالى ﴿ َّ‬
‫‪3‬‬

‫ِيِت ِ‬
‫ِه‪ ‬ي ﹶأﹾق‪‬و‪‬م‬

‫ﹶأن ﹶل‪‬ه‪ ‬م ﹶأ‪ ‬ج‪‬را ﹶكِ ِ‬


‫ب‪ ‬يرا ﴾ [اإلسراء‪.]09/‬‬ ‫ت َّ‬‫ؤم ِن‪ ‬ين اَّ لِ ِذي‪ ‬ن‪ ‬ي‪‬ع‪ ‬مﹸلو ﹶن الص‪‬اِل‪ ‬حاِ ِ‬
‫‪‬و‪‬ي‪‬بش‪‬ر اﹾل‪ ‬م‪ِ ‬‬

‫‪ 1‬نفس المرجع‬
‫‪ 2‬محمد شوقي الفنجري‪ :‬المذهب االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي األول لالقتصاد اإلسالمي‪،‬مكة المكرمة ‪،1976،‬ص‪76‬‬
‫‪ 3‬رياض صالح عودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪63‬‬
‫‪17‬‬
‫والسنة النبوية الشريفة هي السيرة الحسنة وهي الهدي الذي كان عليه الرسول(صلى اﷲ عليه‬

‫وسلم) وأصحابه‪ ،‬علما واعتقادا وقوال وعمال ‪ ،‬وتبقى دائما تطبيقا عمليا لما جاء في القرآن الكريم‬
‫‪1‬‬

‫تحقق أهدافه وغاياته‪ ،‬فهي بمنزلة الوحي الثاني قال تعالى ﴿‪‬و‪‬ما ‪‬ي‪‬نِ ِط‪ ‬ق ‪ِ ‬ع ِن اﹾل‪‬ه‪‬وى ‪ِ )(3‬إ ﹾن‪ ‬ه‪‬و َِّإ ال‬

‫‪‬و‪ ‬ح‪ ‬ي ‪‬يو‪ ‬حى (‪[ ﴾ )4‬النجم‪.]3،4/‬‬

‫وجاءت نصوص القرآن الكريم والسنة في المجال االقتصادي متضمنة أصوال ومبادئ‬

‫معينة ‪،‬فهي إلهية محضه أي من عند اﷲ تعالى‪ ،‬ومن ثم فهي منزهة عن الخطأ ويخضع لها‬

‫المسلمون في كل زمان ومكان وأحكامهما قطعية وتتميز بما يلي ‪:‬‬


‫‪2‬‬

‫العموم والمرونة‪ ،‬فأحكامهما نافذ على جميع الناس دون استثناء مما رفع معه الحرج وحقق‬ ‫‪-1‬‬

‫العدل بينهم‪ ،‬كما أنها تتناول جميع مستجدات الحياة؛‬

‫عدم التغيير والتبديل على مر الزمن‪ ،‬فما كان حالال فهو حالل أبدا‪ ،‬وما كان حراما فهو حرام‬ ‫‪-2‬‬

‫أبدا‪ ،‬وعدم التغيير والتبديل ال يعني توقف وتجميد النصوص واألحكام مع مستجدات‬

‫الحياة ‪،‬وإ نما هذا الثبات لحماية االقتصاد اإلسالمي وقواعده من شر الفساد‪ ،‬ومن التأثير‬

‫الوضعيعلى األحكام الشرعية وفق ما تمليه األهواء والشهوات‪.‬‬

‫وقد عنى القرآن الكريم بكل شؤون الحياة منها الشؤون االقتصادية فعالج مختلف القضايا‬

‫وأرشداالقتصاديين إلى الطريقة المثلى في رسم السياسة االقتصادية التي ال تعترف باألزمات‬

‫والمشاكل التي يعرفها العالم اليوم‪ ،‬ومن األحكام الثابتة في المجال االقتصادي على سبيل المثال‪:‬‬

‫الل ‪‬ه اﹾل‪‬ب‪‬ي‪ ‬ع ‪‬و‪ ‬حر‪‬م الر‪‬با ﴾ [البقرة‪ ،]275/‬وجوب أداء‬
‫حل َّ‬
‫تحريم الربا في قوله تعالى ﴿ ‪‬وﹶأ‪َّ ‬‬
‫‪ 1‬ناصر عبد الكريم العقل‪ :‬عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬طبعة‪،1‬دار الوطن‪،‬الرياض‪1412،‬هـ‪،‬ص‪8‬‬
‫‪ 2‬عبد اﷲ بن عبد المحسن الطريقى‪ :‬االقتصاد اإلسالمي أسس ومبادئ‪ ،‬طبعة‪،1‬مكتبة الحرمين‪،‬الرياض ‪،‬‬
‫‪1409‬هـ‪،‬ص‬
‫‪18‬‬
‫الزكاة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬خ ﹾذ ِِم‪ ‬ن ﹶأ‪‬م‪‬والِه‪ ‬م ‪‬ص‪ ‬دﹶقﹰة ‪‬ت ﹶطه‪‬ر‪‬ه‪ ‬م ‪‬و‪‬ت‪ِّ ‬‬
‫زك يِه‪ ‬م ِب‪‬ها ﴾ [التوبة‪،]103/‬‬

‫وجوب الوفاء بالعقود في قوله عز وجل ﴿‪ ‬يا ﹶأي‪‬ها اَّ لِ ِذي‪ ‬ن َآ‪‬م‪‬نوا ﹶأ‪ ‬وﹸفوا ِباﹾل‪‬عﹸق ِو ِد ﴾ [المائدة‪،]01/‬‬

‫وتحريم أكل المال بالباطل قال تعالى ﴿ ‪‬وﹶال ‪‬تﹾأ ﹸكﹸلوا ﹶأ‪‬م‪‬واﹶل ﹸك‪ ‬م ‪‬ب‪‬ي‪‬ن ﹸك‪ ‬م ِباﹾل‪ِ ‬‬
‫باط ِِل‬

‫حك اِِم ِل‪‬تﹾأ ﹸكﹸلوا ﹶفِ ِريﹰقا ِم‪ ‬ن ﹶأ‪‬م‪‬واِِل الن‪‬اِ ِس باﹾِإل ﹾمِثِ ‪‬وﹶأ‪‬ن‪‬ت‪ ‬م ‪‬ت‪‬عﹶل‪ ‬مو ﹶن ﴾‬
‫‪‬و‪‬ت‪ ‬دﹸلوا ِب‪‬ها ِإﹶىل اﹾل‪َّ ‬‬
‫[البقرة‪.]188/‬‬

‫إذا فالمذهب االقتصادي اإلسالمي وليد الدراسات المعمقة لألحكام المنصوص عليها في القرآن‬

‫الكريم والحديث النبوي الشريف‪ ،‬بينما تظل المذاهب االقتصادية األخرى وليدة إنشاء وإ بداع من‬

‫طرف المنظرين‪ ،‬مما يجعلها عرضة للنقد نتيجة تأثر الباحثين بالظروف البيئية المكانية والزمنية من‬

‫جهة وتسرب شخصية الباحث وظهور بصماته من جهة ثانية‪ .‬وبذلك كان المذهب االقتصادي‬

‫‪ /2‬مرونة االجتهاد النظري‬ ‫‪1‬‬


‫اإلسالمي ثابتا بينما تكون المذاهب االقتصادية غير اإلسالمية متغيرة‬

‫والتطبيقي‪:‬‬

‫لم يقف االقتصاد اإلسالمي عند حد المبادئ واألصول التي وردت في القرآن والسنة فحسب‪ ،‬بل‬

‫نزل إلى ميدان التطبيق منذ عهد الرسول (صلى اﷲ عليه وسلم) وعهد الخلفاء الراشدين وسائر حكام‬

‫المسلمين من بعدهم‪ ،‬ومن خالل تلك الممارسة برزت مشكالت ومواقف استلزمت إعمال‬

‫االجتهادلتذليلها ‪ ،‬ألنه لم يرد لها ذكر في القرآن وال في السنة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫هذه التطبيقات االجتهادية هي عبارة عن األساليب والخطط العملية والحلول االقتصادية التيتتبناها‬

‫السلطة الحاكمة في كل مجتمع إسالمي إلحالة أصول اإلسالم وسياسته االقتصادية إلى واقع مادي‬

‫‪ 1‬محمد فرحي‪ :‬الثابت والمتغير‪ 8‬في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ملتقى العلمي الدولي التاسع ‪:‬الثابت والمتغير في‬
‫اإلسالم "‪ ،‬الجزائر ‪ 23-22‬ماي ‪2007‬م‪ ،‬ص‪3‬‬
‫‪ 2‬حمد بن عبد الرحمن الجنيدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪32‬‬
‫‪19‬‬
‫يعيش المجتمع في إطاره‪ ،‬ومن أمثلة ذلك بيان العمليات التي توصف أنها ربا أو صور الفائدة‬

‫محرمة‪ ،‬بيان مقدار حد الكفاية أو الحد األدنى لألجور‪ ،‬وإ جراءات تحقيق التوازن االقتصادي بين‬

‫أفراد المجتمع‪ ،‬وبيان نطاق الملكية العامة ومدى تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وغيرها من‬

‫القضايا ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إن هذا الوضع جعل لالقتصاد اإلسالمي وجها آخر متغير يفتح المجال أمام الباحثين والمجتهدين‬

‫لتقديم آرائهم حول القضايا المستجدة كل حسب منظوره وفهمه لألدلة‪ ،‬فاختلفت وجهات النظر تبعا‬

‫لظروف الزمان والمكان‪ ،‬ولهذا نجد عدة نظريات في نفس الظاهرة المدروسة‪ ،‬مما ينتج عنه تطبيقات‬

‫اقتصادية أو نظم اقتصادية مختلفة من بلد إسالمي آلخر‪ ،‬وفي هذا يقول الدكتور شوقي الفنجري في‬

‫كتابه "المذهب االقتصادي في اإلسالم"‪" :‬ليس في اإلسالم سوى مذهب اقتصادي واحد ‪،‬وإ نما في‬

‫اإلسالم عدة تطبيقات اقتصادية متعددة سواء أكانت في صورة نظام أو نظم على المستوى العملي‪ ،‬أو‬

‫في صور نظرية أو نظريات على المستوي الفكري‪ ،‬ومن ثم فإننا نرى أنه يصح أن يكون للمملكة‬

‫العربية السعودية تطبيق اقتصادي إسالمي يختلف عن التطبيق االقتصادي اإلسالمي المعمول به في‬

‫الكويت أو البحرين‪...‬الخ‪ 8،‬كما قد يكون البن خلدون نظرية في تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‬

‫تختلف عن نظرية شيخ اإلسالم ابن تيمية في هذا المجال‪ ،‬وال يقول أحد عن هذه الدولة أو تلك‪ ،‬أو‬

‫عن ذلك المفكر أو ذاك اإلمام بأنه مبتدع أو خارج عن اإلسالم طالما الثابت أنهم جميعايتحركون في‬

‫إطار الشريعة الغراء ويلتزمون باألصول والمبادئ االقتصادية اإلسالمية‪ ،‬وأن خالفهم من قبيل ما‬

‫عبر عنه شيخ اإلسالم ابن تيمية بأنه‪ :‬خالف تنوع ال خالف تضاد" ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ 1‬محمد شوقي الفنجري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪68‬‬


‫‪ 2‬حمد بن عبد الرحمن الجنيدل‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ص‪33،32‬‬
‫‪20‬‬
‫وألن الشريعة اإلسالمية هي خاتمة الرساالت‪ ،‬وهي الدين الذي أكمله اﷲ تعالى وارتضاه‬

‫للعالمين‪ ،‬فقد كان من ضرورة ذلك اتصافها بخصائص من الشمول والبقاء والمعاصرة في ظل‬

‫الثوابت المحكمة فيها‪ ،‬بما يجعلها صالحة للتطبيق واستيعاب ما يج‪‬د في ميادين الحياة في كل زمان‬

‫ومكان‪ ،‬بحيث يكون للشريعة في كل شيء أو شأن حكم يدركه المجتهدون إما نصا أو استنباطا ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مرونة االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬وأنه في حدود األصول‬

‫االقتصادية ذو مجال واسع الجتهاد المسلمين وفقا لمصالحهم المتغيرة ‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪ /1‬ابن األثير‪ :‬جامع األصول من أحاديث الرسول‪،‬جزء‪،1‬كتاب البيع‪.‬‬


‫‪ /2‬ابن رجب الحنبلي‪ :‬جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬الحديث‪.32‬‬
‫‪ /3‬أحمد النجار‪ :‬المدخل إلى النظرية االقتصادية في المنهج اإلسالمي‪،‬طبعة‪،2‬دار الفكر‪،‬جدة‪.1974،‬‬
‫‪ /4‬بدر الدين العيني‪ :‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري‪،‬حزء‪،22‬كتاب األدب‪،‬باب تعاون المؤمنين‪ 8‬بعضهم بعضا‬
‫‪ /5‬حامد بن عبد اﷲ العلي‪ :‬تيسير بعض أحكام البيوع والمعامالت‪،‬مجموعة محاضرات عن أحكام البيوع والمعامالت‪1423،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ /6‬حمد بن عبد الرحمن جنيدل‪ :‬منهاج الباحثين في االقتصاد اإلسالمي‪،‬المجلد‪،1‬شركة العيبيكان‪ 8،‬الرياض‪1406،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ / 7‬جالل جويدة عبده القصاص‪:‬محددات األثمان في السوق الرأسمالي واإلسالمي‪،‬مؤسسة شباب الجامعة‪ ،‬اإلسكندرية‪.2006،‬‬
‫‪ / 8‬رياض منصور الخليفي‪ :‬المقاصد الشرعية وأثرها على فقه المعامالت المالية‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪ ،‬مجلد‬
‫‪ ،17‬عدد‪.1‬‬
‫‪ /9‬رضا صاحب أبو حمد‪ :‬الخطوط الكبرى في االقتصاد اإلسالمي‪،‬دار مجدالوي‪،‬األردن‪.2006،‬‬
‫‪ /10‬رفيق يونس المصري‪ :‬أصول االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪ ،3‬دار القلم‪،‬دمشق‪.1999،‬‬
‫‪ /11‬رياض صالح عودة‪:‬مقدمة في االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪،1‬دار الهادي‪،‬لبنان‪.2005،‬‬
‫‪ /12‬زينب صالح األشوح‪ :‬االقتصاد اإلسالمي بين البحث والنظرية والتطبيق‪،‬دار غريب‪،‬القاهرة‪.2004،‬‬

‫‪ /13‬سنن ابن ماجه‪ ،‬جزء‪.12‬‬


‫‪ /14‬السنن الكبرى للبيهقي‪ ،‬جزء‪.6‬‬
‫‪ /15‬شوقي أحمد دنيا‪ :‬دروس في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪،‬مجلد‪ ،3‬عدد‪.1‬‬

‫‪ 1‬رياض منصور الخليفي‪ :‬المقاصد الشرعية وأثرها على فقه المعامالت‪ 8‬المالية‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪ ،‬مجلد‪ ،17‬عدد‪،1‬ص‪4‬‬
‫‪ 2‬حمد بن عبد الرحمن الجنيدل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪32‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ /16‬صحيح البخاري‪،‬جزء‪،7‬كتاب البيوع‪،‬باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع‪.‬‬
‫‪ /17‬صحيح مسلم‪،‬جزء‪،16‬كتاب البر والصلة‪،‬باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره في دمه وعرضه وماله‪.‬‬
‫‪ /18‬صحيح مسلم‪،‬جزء‪،1‬كتاب اإليمان‪،‬باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين‪ 8‬فأجره بالنار‪.‬‬
‫‪ /19‬طبري سعد‪ :‬دور الجهاز المصرفي في االقتصاد اإلسالمي‪،‬رسالة ماجستير‪،‬الجزائر‪.2000/2001،‬‬
‫‪ /20‬محمود لخالدي‪ :‬مفهوم االقتصاد في اإلسالم‪ ،‬شركة الشهاب‪،‬الجزائر‪.1988،‬‬
‫‪ /21‬إبراهيم فاضل الدبو‪ :‬االقتصاد اإلسالمي دراسة وتطبيق‪،‬طبعة‪،1‬دار المناهج‪،‬األردن‪.2008،‬‬
‫‪ /22‬محمود سحنون‪ :‬االقتصاد اإلسالمي‪ :‬الوقائع واألفكار االقتصادية‪،‬طبعة‪،18‬دار الفجر‪،‬القاهرة‪،2006،‬ص‪199‬‬
‫‪ /23‬كمال توفيق‪ 1‬منهجية البحث في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬بحث مقدم إلى مجلة جامعة ملك عبد العزيز‪،‬مجلد‪،16‬عدد‪.2003 ،2‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ /24‬عبد اﷲ بن عبد المحسن الطريقى‪ :‬االقتصاد اإلسالمي أسس ومبادئ‪ ،‬طبعة‪،1‬مكتبة‪ 8‬الحرمين‪،‬الرياض ‪1409،‬هـ‬
‫‪ /25‬فالق علي‪:‬تمويل االستثمارات في االقتصاد اإلسالمي‪،‬رسالة ماجستير‪،‬الجزائر‪،2001/2002،‬ص‪31‬‬
‫‪ /26‬فليح حسن خلف‪:‬البنوك اإلسالمية‪،‬عالم الكتب الحديث‪،‬طبعة‪،1‬األردن‪.2006،‬‬
‫‪ /27‬المعجم األوسط للطبراني‪،‬جزء‪.15‬‬
‫‪ /28‬محمد شوقي الفنجري‪ :‬المذهب االقتصادي في اإلسالم‪ ،‬بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي األول لالقتصاد اإلسالمي‪،‬مكة المكرمة ‪،‬‬
‫‪.1976‬‬
‫‪ /29‬محمد عبد المنعم الجمال‪ :‬موسوعة االقتصاد اإلسالمي‪،‬طبعة‪،2‬دار الكتاب المصري‪،‬القاهرة‪.1986،‬‬
‫‪ /30‬محمد فرحي‪ :‬الثابت والمتغير في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ملتقى العلمي الدولي التاسع ‪:‬الثابت والمتغير في اإلسالم "‪ ،‬الجزائر ‪-22‬‬
‫‪ 23‬ماي ‪2007‬م ‪.‬‬
‫‪ /31‬ناصر عبد الكريم العقل‪ :‬عقيدة أهل السنة والجماعة‪،‬طبعة‪،1‬دار الوطن‪،‬الرياض‪1412،‬هـ‪.‬‬

‫‪22‬‬

You might also like