You are on page 1of 5

‫عنوان المداخلة‪ :‬مبدأ األمن القانوني والكتاب الثالث من المجلة الجزائية‪.

‬‬

‫كلمة البداية‪:‬‬
‫السادة الحضور الكرام‬
‫أعضاء اللجنة الموقرين‬
‫أساتذتي األجالء‬
‫زمالئي األعزاء‬
‫انه لشرف عظيم لنا أن نشارككم اليوم أمسيكم القانونية وأن نكون فاعلين فيها كطلبة مقبلين على البحث‪.‬‬
‫وان الشكر لموصول ألستاذتنا الكريمة نجاة البراهمي ال فقط على إتاحتها هذه الفرصة لنا بل كذلك لتدريسها لمادة‬
‫نظرية المخالفة‪.‬‬
‫هذه المادة ولئن يعتقد الكثيرون أنها مادة غير مهمة كونها تهتم بأخف الجرائم خطورة وأقلها تطبيقا‪ ،‬إال إن‬
‫دراستها بطريقة تفاعلية فتحت أبصارنا على زوايا نظر جديدة للقانون والنصوص القانونية وهو ما جعلها مادة‬
‫شيقة نرى ما تعلمناه فيها مهما لتكوين كل طالب قانون‪.‬‬
‫أصبح األمن القانوني من أهم مرتكزات الدول الديمقراطية الحديثة‪ ،‬وأحد األسس التي يقوم عليها بناء الدولة‬
‫القانونية‪ ،‬وصار على رأس اهتمامات مختلف الدول‪ ،‬وذلك وعيا منها بأنه تحول إلى ضرورة اجتماعية واقتصادية‬
‫ملحة تتوقف عليه التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬إذ ال وجود لتنمية اقتصادية في ظل انعدام األمن القانوني‪ .‬هذا‬
‫باإلضافة إلى بروز مبدأ األمن القانوني كآلية لتقييم جودة النصوص القانونية والمساهمة في تجويدها من خالل‬
‫الكشف عن عيوبها‪.‬‬
‫ويمكن تعريفه بكونه “المبدأ الذي يكفل للمواطنين سهولة معرفة ما يبيحه وما يمنعه القانون المطبق‪ ،‬وهو ما‬
‫يتطلب أن تكون القواعد المقررة واضحة مفهومة وأال تتغير بشكل متكرر وغير متوقع‪ ،‬وهو الرابط المشترك‬
‫‪1‬‬
‫لمجموعة من الحقوق والمبادئ الواجب احترامها تأمينا لقاعدة قانونية سليمة خالية من العيوب‪".‬‬
‫والنصوص القانونية في الكتاب الثالث من المجلة الجزائية حسب اعتقادنا ال تحقق ال من قريب وال من بعيد األمن‬
‫القانوني‪.‬‬
‫وعدم االستقرار القانوني الموجود في الكتاب الثالث من المجلة الجزائية‪ ،‬سينعكس بصفة حتمية على استقرار‬
‫االجتهاد القضائي وحسن سير القضاء أو ما يسمى باألمن القضائي‪.‬‬
‫فكيف يمكننا تعديل الكتاب الثالث بما يجعله يحقق ويحترم مبدأ األمن القانوني؟‬
‫يقتضي تحقيق األمن القانوني التطبيق السليم لمبادئ النظرية العامة للقانون‪ .‬وخاصة وضع الضمانات الالزمة‬
‫والكافية والوافية لتحقيق مبدأي الشرعية والتأويل الضيق‪ .‬وال يكون ذلك إال عن طريق إعادة صياغة المجلة‬
‫الجزائية وخاصة الكتاب الثالث من المجلة‪ ،‬صياغة تضمن جودة النصوص القانونية والعناية بالتنظيم الهيكلي‬
‫للمجلة‪ .‬وهو ما يثمن قرار تأليف لجنة إلعادة صياغة المجلة الجزائية‪ ،‬وتثمين عملها الدؤوب وسعيها لتشريك كافة‬
‫أطراف العائلة القانونية وأجوارها‪ ،‬بما يجعل المجلة نتاجا لعمل جماعي متكامل‪.‬‬
‫وبذلك‪ ،‬نقترح في مداخلتنا التعرض أوال الى التحسين من جودة النصوص المتعلقة بالمخالفات‪ ،‬ثم إدماج الكتاب‬
‫الثالث مع بقية جرائم المجلة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أ‪ /‬التحسين من جودة النصوص المتعلقة بمادة المخالفات موضوع الكتاب األول من المجلة الجزائية‪:‬‬
‫يبدو لنا أن التحسين من جودة النصوص المتعلقة بمادة المخالفات ضرورة ملحة جدا‪ .‬فأغلبها تم وضعها منذ سنة‬
‫‪ 1913‬والعديد منها لم يطبق منذ زمن طويل‪ .‬فأصبح وجودها كعدمها فال فائدة مرجوة منها رغم كونها هامة جدا‬
‫في تنظيم الحياة اليومية‪ .‬ويعود هجران تطبيقها الى تجاوز التاريخ لمواضيع جرائمها الكالسيكية‪ .‬وهو ما يفرض‬
‫ضرورة تغيير طبيعة المخالفات لتتالءم مع تطورات العصر والمجتمع وكذلك التحسين من طرق صياغتها‪.‬‬
‫حيث تظهر أهمية التشريع في بناء النظام القانوني في الدولة جلية بالوظائف التي تنهض بها القواعد القانونية في‬
‫تنظيم العالقات في المجتمع وقدرته على التطور والتكيف مع كافة المتغيرات التي تحيط به‪ ،‬وتملي هذه األهمية‬
‫على صانعي التشريعات ضرورة إيالء عملية الصياغة التشريعية جل االهتمام بتوفير كافة االحتياجات والمتطلبات‬
‫الضرورية لصياغة تشريعات تحمل أهداف المجتمع وقيمه‪.‬‬
‫ويقتضي ذلك توفير الكفاءات المختصة بموضوع الحاجة التي تستوجب التنظيم القانوني‪ ،‬والكفاءات ذات الخبرة‬
‫والمعرفة بالسياسة العامة للدولة في مجاالتها االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى خبراء في علم القانون في‬
‫فروعه المختلفة بما في ذلك القانون الدولي العام‪.‬‬
‫كما أنه من المستحسن االستعانة بخبراء في اللغة العربية وفي المصطلحات القانونية للحصول على المعونة‬
‫الالزمة التي تحسن من جودة الصياغة‪ ،‬إضافة الى الخبراء في علم النفس وعلم االجتماع حتى تكون اللجنة‬
‫متكاملة الخبرات‪.‬‬
‫واألمن القانوني يوجب كذلك وضع قانون مستقر قابل للتعديل لكن ليس بمعنى تغييره بحسب المناخ السياسي‬
‫المتغير أو أهواء الساسة‪ .‬فاإلكثار من التعديل ظاهرة سلبية ألنها تبعد الفاعلين والمواطنين من فهم النص القانوني‪.‬‬
‫كما أن هجرانه سيؤدي الى نسيانه تماما وإهماله‪ .‬وقد عرف األستاذ ساسي بن حليمة النص المهجور‪ ،‬معتبرا أن‬
‫‪2‬‬
‫الهجران هو مبدئيا أن يبقى القانون حبرا على ورق أي غير مطبق بالمرة‪.‬‬
‫والعديد من المخالفات المجرمة في الكتاب الثالث من المجلة الجزائية مهجورة دون شك‪ .‬فأغلبها لم يطبق مطلقا‬
‫منذ سن المجلة الجزائية‪.‬‬
‫فالجميع يلقون بفضالتهم المنزلية في الطريق العام وال وجود لتتبعات جزائية‪ .‬والمشروبات الكحولية تسقى بمئات‬
‫األماكن العمومية للمسلمين وغيرهم والتتبعات الجزائية منعدمة تماما‪ .‬وكثيرا ما نرى أناسا يعذبون الحيوانات‬
‫األليفة بالطريق العام والعدالة الجزائية غائبة تماما في هذا اإلطار (بل إن الدولة نفسها مساهمة في قتل وتعذيب‬
‫‪3‬‬
‫الحيوانات األليفة بالطريق العام)‪ .‬والباعة المتجولون والكالب السائبة في كل مكان والقانون الجزائي ال يطبق‪.‬‬
‫العديد من الفقهاء اعتبروا أن القواعد القانونية المهجورة التي لم يقع تطبيقها لمدة طويلة تخضع لإللغاء فعليا‪ .‬وهي‬
‫حالة واقعية تنشأ وفقا لعرف سلبي بعدم استعمالها تماما وتركها‪ 4.‬وذلك ما حدى ببعض الفقهاء الى القول "أن في‬
‫‪5‬‬
‫هجر الناس لبعض النصوص ثأر من رداءتها"‪.‬‬
‫ونظرا لتعدد حاالت اإللغاء الصريح وتشعبها في بعض األحيان‪ ،‬قد يغفل المشرع بين الفينة واألخرى عن استبعاد‬
‫بعض النصوص الواردة بالمجلة الجزائية والتي تم الغاؤها بنصوص خاصة صريحة‪ .‬وهو ما من شأنه أن يخلق‬
‫حالة من "الفوضى القانونية" ألن النص رغم الغائه صراحة يبقى موجودا بالمجلة الجزائية في طبعاتها األخيرة‬
‫المحينة‪ .‬وقد يقع تطبيقه من طرف بعض المحاكم والحال أنه نص ملغى صراحة‪ .‬وقد نص األستاذ ساسي بن‬
‫‪2‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ ،‬النصوص المهجورة في مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬مئوية مجلة االلتزامات والعقود‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪ ,2006‬ص ‪177‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد المنوبي الفرشيشي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪78‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد المنوبي الفرشيشي‪ ،‬النصوص الملغاة في المجلة الجزائية‪ ،‬مئوية المجلة الجزائية‪ ،‬ص ‪69‬‬
‫‪5‬‬
‫ساسي بن حليمة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪200‬‬
‫حليمة على أن "الفصول المهجورة هي بمثابة األعضاء المشلولة في البدن يستحسن قطعها واالستغناء عنها واال‬
‫تعفن الجسد بأكمله"‪.‬‬
‫ومن عواقب الهجران التعارض بين النصوص العامة والنصوص الخاصة‪ ،‬من ذلك الغاء الفصل ‪ 79‬من المرسوم‬
‫عدد ‪ 115‬المؤرخ في ‪ 02/11/2011‬المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر لمجلة الصحافة وجميع‬
‫النصوص الالحقة المتممة والمنقحة لها‪ .‬ولنا في الكتاب الثالث فصالن تمت إضافتهما بمقتضى القانون األساسي‬
‫عدد ‪ 43‬لسنة ‪ 2001‬المتعلق بتنقيح مجلة الصحافة وهما الفصل ‪ 315‬مكرر والفصل ‪ 321‬مكرر‪.‬‬
‫وما يدعو لالستغراب هو أن الفصل ‪ 47‬من المرسوم عدد ‪ 115‬تضمن في فقرته الثانية إشارة صريحة الى أن‬
‫كل من يتولى خرق اإلجراء الوارد بفقرته األولى يعاقب بالخطية المنصوص عليها بالفصل ‪ 315‬مكرر من‬
‫المجلة الجزائية‪ .‬وهو ما يدل على تقصير مشرعي هذا المرسوم على االطالع على هذه النصوص‪ .‬لكن لحسن‬
‫الحظ تبني المشرع المدني للقواعد األصولية للقانون‪ .‬فيمكن للمحامي الدفع عند طرح أحد هاذين الفصلين بالقاعدة‬
‫األصولية المذكورة في الفصل ‪" :5‬ما بني على باطل فهو باطل" وبإلغاء مجلة الصحافة والنصوص التطبيقية لها‬
‫يكون الفصل ‪ 315‬مكرر قد ألغي‪.‬‬
‫فتالفي كل هذه اإلشكاليات‪ ،‬ال يمكن أن يكون إال عن طريق تطوير مواضيع المخالفات‪ .‬حيث أنه من أوكد‬
‫واجبات المواطن في العصر الحالي مثال حماية البيئة والمحيط ضمانا لحق األجيال القادمة في محيط سليم‪ .‬فلما ال‬
‫نحذو حذو البلدان المتقدمة ونقر مخالفة حينية معتبرة العقوبة؟‬
‫وال يمكن أن يكون القانون الجزائي بمنأى عن اإلجراءات الجزائية‪ ،‬فاإلجراءات الجزائية هي الجانب التطبيقي‬
‫والعملي للقانون الجزائي‪ .‬وبدونها ودون صرامة تطبيقها والرقابة المستمرة عليها ال معنى للقانون الجزائي‪ .‬فهي‬
‫سلسلة مترابطة‪.‬‬
‫فلما ال يتم إفراد المخالفات بطابع خاص على مستوى اإلجراءات؟ من ذلك مثال أن تكون المخالفات اليومية‬
‫المرتكبة في الدائرة البلدية التي يوجد بها المخالف من أنظار المجلس البلدي باالستعانة بالقوة العامة أي الشرطة‬
‫البيئية التي من الواجب حسب اعتقادنا أن تكون خاضعة ألوامر الجماعة المحلية عوض انتظار الحصول على‬
‫ترخيص من وزارة الداخلية واالكتفاء بتقديم تقرير شهري أو سنوي لمراقبة حسن التطبيق وذلك لضمان تنفيذها؟‬
‫ففي ظل األزمة المالية التي تعيشها البالد‪ ،‬وتشكي البلديات من النقص والشح في الموارد المالية المخصصة لها‪،‬‬
‫باإلمكان التخفيف من هذه األعباء وجعل المخالفات مصدرا للتمويل‪ ،‬فيفرض على المواطن من جهة عقوبة مالية‬
‫وهو ما سيجعله لن يعيد الكرة مرة أخرى‪ ،‬وفي المقابل سيكون هو المستفيد األخير منها لتخصيص تلك الموارد‬
‫لتحسين جمالية المدينة وتطوير الخدمات البلدية‪.‬‬
‫ولما ال يتم كذلك إحداث هيكل خاص كمحكمة الشرطة في فرنسا‪ ،‬أو تخصيص قاض خاص بالمخالفات الخطيرة‬
‫من ذلك تبادل العنف الخفيف‪ ،‬وجعل هذه الجرائم من القضايا االستعجالية لتسهيل إجراءاتها وعدم تعطيل مصالح‬
‫المواطنين وعمل القضاء‪.‬‬
‫كل هذه االقتراحات قد تساهم في تحسين تطبيق المخالفات‪ ،‬وهو ما يعني ضرورة إصالح المجلة الجزائية‪.‬‬
‫فاإلصالح المتواصل للمجلة الجزائية يبين أن القانون في نماء مستمر ال يفتأ يتطور ويراجع نفسه‪ .‬فقدره أن‬
‫يواكب تطور المجتمع ويولد حلوال مالئمة لمسائل مستحدثة‪ .‬ذلك أن الواقع له دائما قسب السبق على القانون‬
‫والحتمية التاريخية توجب عليه أن يضل مالحقا للواقع مع أنه قد يسبقه أحيانا من خالل صياغة نظرة استشرافية‬
‫‪6‬‬
‫لتطور المجتمع‪.‬‬
‫ب‪ /‬إدماج الكتاب الثالث مع بقية جرائم المجلة‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫محمد حمودة‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫إن اإلعداد غير الدقيق أو غير المدروس للتشريعات‪ ،‬سوف يولد قوانين سيئة أو عاجزة عن تحقيق األمان‬
‫االجتماعي أو غير صالحة للمستقبل‪ .‬وقد يؤدي الى إهدار األموال وإضاعة فرص التقدم والنمو‪ .‬وان جودة‬
‫القانون كما رأينا‪ ،‬ال تتوقف عند حدود مضمونه‪ ،‬فهي تتعدى ذلك الى الصياغة التي ترفد هذا المضمون بالمناعة‬
‫والثبات والوضوح وتبعده بالتالي عن البلبلة والهشاشة والتضليل‪.‬‬
‫فسوء صياغة عديد أحكام المجلة الجزائية‪ ،‬وفتح المجال للنصوص الجزائية المهولة الخارجة عن المجلة الجزائية‬
‫أفقد المجلة الكثير من قيمتها القانونية‪ .‬فما فتئت هذه النصوص الخاصة تتنوع وتتكاثر الى حد أن تجاوز عددها ما‬
‫‪7‬‬
‫يناهز ‪ 3‬مرات عدد فصول المجلة الجزائية‪.‬‬
‫تم اقتراح عديد الحلول على اللجنة لتدارك هذه المشاكل‪.‬‬
‫فهناك حل تم اقتراحه يتجه نحو االهتمام بالمجلة الجزائية وتعديلها بأن تصبح مخصصة للمبادئ القانونية أو‬
‫األحكام العامة فقط وبالتالي يتحول الى مجلة جزائية مستقلة مع بعض اإلضافات أو التحويرات المحدودة في إطار‬
‫تلك القواعد دون سواها‪ .‬والمتمعن في القسم األول من الكتاب الثالث الذي يحملعنوان "أحكام عامة"‪ ,‬يجد أن عدد‬
‫الفصول المكونة له فصالن فقط‪ .‬وهو ما يجعلنا نتساءل مبدئيا عن جدوى وجودهما وعدم الحقاهما بالكتاب األول‪.‬‬
‫فاألحكام العامة الموجودة في هذا القسم ال تستحق هذا التخصيص‪ .‬فالجنايات والجنح وهي جرائم أشد خطورة‬
‫بكثير لم يخصص لها المشرع أحكاما عامة في الكتاب الثاني الذي يفصلها‪ ،‬بل ترك كل تنظيمها للكتاب األول‪.‬‬
‫إضافة الى ذلك‪ ،‬ال يفوت المتأمل في الكتاب الثالث أن يالحظ أن المشرع استعمل أحرف التعريف " األلف والالم"‬
‫بقوله "في المخالفات"‪ .‬األمر الذي يفترض أن الكتاب الثالث سيكون إطارا إقصائيا وحصريا لمادة المخالفات‪ .‬لكن‬
‫المتتبع لمادة المخالفات يالحظ أن مجالها القانوني يتجاوز الكتاب الثالث الى غيره من المواضع األخرى في‬
‫المجلة‪ .‬كما أنها منظمة أيضا خارج المجلة في العديد من النصوص الخاصة التي يصعب حصرها‪ .‬فالمشرع لم‬
‫‪8‬‬
‫يفرد بابا خاصا بالجنايات وآخر خاص بالجنح حتى يقبل هذا التقسيم‪.‬‬
‫لكن سلبيات هذا المقترح عديدة وقد ذكرها األستاذ البشير المنوبي الفرشيشي بمقاله المنشور بكتاب مئوية المجلة‬
‫الجزائية‪ ،‬من بينها أن الكتاب الثالث المتعلق بالمخالفات يصعب الحاقه بمجلة أو بقانون جزائي مستقل نظرا‬
‫لتنوعها وانبساطها على ميادين مختلفة‪.‬‬
‫وهكذا "فان الحل المتمثل في إخراج الكتابين الثاني والثالث من المجلة الجزائية للبحث عن إدراجهما في موقع أخر‬
‫هو عبارة عن تجزئة المجزأ وتشتيت المشتت واقتراح نوع من إعادة التقنين ال يخدم مصلحة القانون الجزائي وال‬
‫‪9‬‬
‫مصلحة القضاء والمتعاملين مع هذا المرفق العمومي‪".‬‬
‫وتم اقتراح حل أخر يبدو عسيرا‪ ،‬وهو إن الحل ال يكمن في تجزئة وتفكيك المجلة إنما في وجوب أن تستوعب‬
‫جميع النصوص الجزائية الخاصة التي استقلت عنها‪ ،‬وال ضرر في أن يصل عدد فصول هذه المجلة الشاملة‬
‫والجامعة أكثر من ألف فصل على غرار بعض المجالت الجزائية في القانون المقارن ومن بينها المجلة الجزائية‬
‫الفرنسية‪ .‬حيث ال ريب أنه بقدر ما يكون القانون متعددا وممزقا ومشتتا‪ ،‬بقدر ما تتقلص سهولة التعرف عليه‬
‫‪10‬‬
‫وتتالشى إمكانية استعماله كوسيلة في التقاضي وكأداة للتثقيف القانوني‪.‬‬
‫فمن الحجج التي اعتمدها مقترحو هذا الحل "أن تكاثر النصوص الجزائية الخاصة وتشتيتها يؤديان الى بعثرة‬
‫األحكام القانونية وتمزيق القواعد األساسية بحيث يصبح من الصعب جدا معرفة المعلومة القانونية الجزائية‪ ,‬وحتى‬
‫اذا ما تم الحصول عليها فان فهمها يكون شائكا نظرا لطبيعتها التقنية العويصة‪".‬‬

‫‪7‬‬
‫البشير المنوبي الفرشيشي‪ ،‬المجلة الجزائية والنصوص الخاصة‪ :‬تالقح أم تصادم‪ ،‬مئوية المجلة الجزائية‪ ،‬ص ‪528‬‬
‫‪8‬‬
‫نجاة البراهمي‪ ،‬محاضرات في مادة النظرية العامة للمخالفة‪ ،‬غير مرقونة‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪ ,2021 ,‬ص ‪4‬‬
‫‪9‬‬
‫البشير المنوبي الفرشيشي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪568‬‬
‫‪10‬‬
‫البشير المنوبي الفرشيشي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪570‬‬
‫وكما قال األستاذ البشير المنوبي الفرشيشي‪" :‬ال مانع لقائل أن يقول قولة قانونية مفادها المطالبة بإيقاف هذا التيار‬
‫الجارف للنصوص الجزائية الخاصة والمتغولة التي حولت المجلة الجزائية الى مجالت جزائية نتيجة طغيان‬
‫فسيفساء من القوانين الجزائية‪".‬‬
‫فمعرفة األحكام القانونية خاصة الجزائية يساهم في تطوير سلوك المواطن الواعي بواجباته وحقوقه‪.‬‬
‫إال أن هذا الحل سيجعل من الصعب تجميع كامل المواد الجزائية المتفرقة وحتى المخالفات لو أردنا تجميعها‬
‫لوجدنا صعوبة في ذلك لكثرتها وتشتتها‪ .‬وبناء عليه‪ ،‬إذا تم اعتماد هذا الحل قد تصبح هذه المجلة الموحدة متكونة‬
‫من عشرة ألف أو أكثر فصال‪ .‬وعلى المدى البعيد سيصبح هذا النوع من التقنين جبال من النصوص المتراكمة قد‬
‫يصير االطالع عليها ثقيال والتعمق فيها صعبا وممال‪.‬‬
‫ولعلنا نشاطر أستاذنا البشير المنوبي الفرشيشي الحل الذي اقترحه بهذا الخصوص‪.‬‬
‫"فاألفضل باعتقادنا أن تبقى دار لقمان على حالها‪ ،‬مع إمكانية تحسين ما يجب تحسينه في حدود المعقول‬
‫والمستطاع‪ ...‬وباإلمكان كذلك القيام بعملية دمج وانصهار جزئي ومحدود لبعض القوانين الخاصة المقتصرة على‬
‫تنظيم بعض الجرائم وعقوباتها فقط‪ ،‬إضافة الى إدماج المخالفات ضمن الباب الثاني واالستغناء نهائيا عن الباب‬
‫الثالث"‪.‬‬

You might also like